Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 83

‫يحيى رفاعي سرور‬

‫نمعَننىَ الجج‬

‫الفهرست‬
‫مقدمة‬
‫استشكال حول مشهد عرفة‬
‫معنى جبل عرفات‬
‫جبل عرفات في التوراة‬
‫وجه الصلة بين آدم وإبراهيم ومحمد عليهم السلم‬
‫اشتراك آدم وإبراهيم في معنى البوة‬
‫فى(‬‫معنى وصف إبراهيم بأنه )الذي و ف‬
‫وحدة موضوع الختبار اللهي بين آدم وإبراهيم‬
‫معنى أن إبراهيم أول الخلئق ييكسى‬
‫معنى لباس الحرام‬
‫موضوع العهد‬
‫الطواف والتوافق مع الملئكة‬
‫الطواف والتساق مع العالم‬
‫رجم نصب الشيطان‬
‫تحريم القتال في الشهر الحرم‬
‫اجتناب النساء‬
‫العلمة الثنا عشرية للعهد‬
‫العهد والزمان‬
‫عدد الشهور القمرية وعدد السباط‬
‫في سبب القتران النصي بين معنى الظلم وبين‬
‫معنى العهد‬
‫ضبط زمان العهد المحمدي‬
‫المظهر الثنا عشري في منح اليهود فرصة‬
‫الثنا عشر خليفة وصلتهم ببني إسرائيل‬
‫حفظ المدينة بعلمات اثنا عشرية‬
‫اقتران العلمة الثنا عشرية بمعنى النصرة‬
‫خاصية تمييز عدد أربعة في الظاهرة الثنا‬
‫عشرية‬
‫القمر والعهد‬
‫التحليل اللغوي لمناسك الحج‬
‫معنى كلمة حج‬
‫معنى كلمة كعبة‬
‫معنى كلمة زمزم‬
‫في ضرورة رد مفردات الحج إلى السريانية ورفع‬
‫الحرج في ذلك‬
‫موقف عرفة هو تمثيل لشهود المة على الناس‬
‫مبدأ الستبعاد بين الحقيقة والرمز‬
‫ضرورة المقاربة بين مشهد عرفات ويوم القيامة‬
‫سياق سورة العراف يؤكد أن موقف العراف هو‬
‫موقف شهود‬
‫رموز يوم القيامة في مشهد عرفة‬
‫*‬
‫مقدمة‬

‫الحمد لللله‪ ..‬والصلللة والسلللم علللى رسللول الللله‬


‫ﷺ ‪ ..‬وبعد‪.‬‬

‫ج‬
‫حلل ف‬
‫فقد يبللدو مللن المبالغللة أن ن يقللرر أن معنللى ال ح‬
‫وق لمعنللى العللالم‪ ،‬أو أن مناسللك الحللج قللد‬ ‫مسللا و‬
‫انطللوت رمزيللا علللى قصللة الخلللق‪ ،‬وأن خيللوط تلللك‬
‫المناسك تمسلك بكلل ملا يمكلن أن يقللال فلي تللك‬
‫القصة‪ ،‬وهذا الكتاب يدور حول هذا المعنى‪.‬‬

‫وكل الديان يتنتج رموحزها بحيث تحكي قصة الخلق‬


‫كما تتصورها‪ ،‬وهنا يبيرز معيارا خاصا للمقارنللة بيللن‬
‫ي ديللن وأي تصللور هللو‬
‫مناسك الديانات وشرائعها‪ ،‬أ ف‬
‫القدر على رواية تلك القصة على نحو متسق يخلللو‬
‫من إسقاطات النسللان وأوهللامه؟ ثللم أي ديللن وأي‬
‫مذهب يمتلك رموزه المتولدة من تصللوراته بطريقللة‬
‫غير معيبة‪.‬‬

‫حديثنا إذا ا عن أصل العلقة بين الشريعة والعللالم‪،‬‬


‫وبلفظ القرآن‪ :‬بين الخلق والمر‪ ،‬ومطلبنا فيلله هللو‬
‫إثبات رجوع كل منهمللا إلللى سللنن الللله الثابتللة فللي‬
‫الخلللق)‪ ،(1‬ووسلليلتنا لللذلك إنمللا هللي نفللس وسلليلة‬
‫النسان للتوافللق مللع العللالم ذهنيللا‪ ،‬غيللر أن الفكللر‬
‫السلمي يتخذ لنفسه كيفية خاصة تمثل فيها أخبار‬
‫الوحي وأحكامه أمامنا كظواهر في الوجللود‪ ،‬ودليللل‬
‫صدق ذلك اللون من التفكير هللو نفللس دليللل صللدق‬
‫الفكللر بشللكل مطلقللا‪ ،‬أعنللي التسللاق والخلللو مللن‬
‫التفاوت والتناقض‪.‬‬

‫وغايللة الفكللر السلللمي هللي أيضللا نفسللها غايللة‬


‫الفكر مطلقا‪ ،‬أي تحقيق اليقين‪ ،‬لن النسللان حيللن‬
‫يفكللر‪ ،‬يقصللد مللن تفكيللره أن ينفللي اغللترابه عللن‬
‫‪ ( )1‬يراجع كتاب قادر الدعوة للشيخ رفاعي سرور حول علقاة العالم بالسماء والصفات‪.‬‬
‫محيطه‪ ،‬بحيث يبللدو مللا حللوله متوقعللا ومطابقللا للله‬
‫ولحكامه‪ ،‬فيللزول عنلله شللكه فللي نفسلله‪ ،‬ويتحقللق‬
‫بذلك يقينه بها‪ ،‬وهي نفسها الغاية التي ذكرها الللله‬
‫سبحانه للتللدبر فللي خلللق السللماوات والرض‪ ،‬قللال‬
‫ف‬ ‫ح‬ ‫فللي ح خ‬
‫خوتل و‬ ‫وا خ‬ ‫ض ح‬ ‫والخر و‬ ‫ت ح‬ ‫وا و‬ ‫م ح‬
‫سلل ح‬‫ق ال س‬ ‫خللل و‬ ‫ن و‬ ‫تعللالى‪» :‬إ و س‬
‫س‬ ‫خ‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ذي ح‬‫ب )‪ (190‬اللل و‬ ‫ت لول وللي اللب حللا و‬ ‫ر لي حللا ت‬ ‫هللا و‬ ‫والن س ح‬‫ل ح‬ ‫الل سي خلل و‬
‫ن‬ ‫فك سيرو ح‬ ‫وي حت ح ح‬
‫م ح‬ ‫ه خ‬
‫جينوب و و‬‫عحلى ي‬ ‫و ح‬‫عودا ا ح‬ ‫و ي‬
‫ق ي‬ ‫قحياما ا ح‬ ‫ه و‬ ‫ن الل س ح‬ ‫ي حذخك ييرو ح‬
‫ذا حباطول ا‬ ‫ه ح‬ ‫ت ح‬ ‫خل ح خ‬ ‫ح‬ ‫في ح خ‬
‫ق ح‬ ‫ما ح‬ ‫ض حرب سحنا ح‬ ‫والخر و‬ ‫ت ح‬ ‫وا و‬‫م ح‬‫س ح‬ ‫ق ال س‬ ‫خل و‬ ‫و‬
‫)‪(1‬‬
‫ر )‪«(191‬‬ ‫ب السنا و‬ ‫ذا ح‬‫ع ح‬‫قحنا ح‬ ‫ف و‬ ‫ك ح‬ ‫حان ح ح‬
‫سب خ ح‬ ‫ي‬
‫استحالة حدوث اليقين النساني بعيدا عن الوحي‬

‫لقد وصف القللرآن أهللل الشللرك ليللس فقللط مللن‬


‫حيللث حللالتهم المعرفيللة وأنهللم )ل يعلمللون(‪ ،‬لكنلله‬
‫وصللفهم أيضللا مللن حيللث أثللر ذلللك الجهللل علللى‬
‫نفوسللهم‪ ،‬وأنهللم لللم يحققللوا غايللة الفكللر وهللو‬
‫ن)‬ ‫ك ي حل خ ح‬
‫عب يللو ح‬ ‫شلل ك‬
‫فللي ح‬
‫م و‬
‫هلل خ‬ ‫اليقين‪ ،‬فقال تعالى‪» :‬ب حلل خ‬
‫ل ي‬
‫)‪(2‬‬
‫م‬
‫‪ ، «(9‬وأصللل هللذه النتيجللة المحتومللة هللي أنلله ثلل ف‬
‫طريللق واحللدة للنظللر فللي العللالم بحيللث يطللابق‬
‫النسان الذي يفكر فيه‪ ،‬وهي أن يكللون هللذا النظللر‬
‫بمعونللة مللن الخللالق سللبحانه لنلله هللو أيضللا خللالق‬
‫النسان الذي يفكر فيه‪.‬‬

‫وقد جرت عادة النسان أن يخادع نفسه‪ ،‬فيلتمس‬


‫أشللباه المللور حيللن تكلفلله أصللولها طريقللا بللاهظ‬
‫الكلفة‪ ،‬وهو يود أن يحصل على اليقين من طريق ل‬
‫تكللفه إنكللاره لنفسلله كللإله‪ ،‬ولجللل ذلللك وجللد لونللا‬
‫مزيفا من اليقين ل يزال ينهل منه‪ ،‬وهو الستغراق‬
‫فللي النظللر فللي الطبيعللة‪ ،‬فهللي بحكللم تكوينهللا‬
‫الضروري اليقيني‪ ،‬تصلح لمد النسان بشعور وهمي‬
‫باليقين حيللن يسللقط نفسلله فيهللا‪ ،‬ويشللعر بنفسلله‬

‫‪ ()1‬آل عمران )‪(91-90‬‬


‫‪ ()2‬الدخان ‪9/‬‬
‫كجللزء منهللا ل كللروح موضللوعة فيهللا‪ ،‬وهللذا يقيللن‬
‫مزيف‪ ،‬لنه ليس تطابقا بين النسان والعالم‪ ،‬ولكنه‬
‫في الحقيقة تطللابق بيللن العللالم ونفسلله‪ ،‬والعللالم‪،‬‬
‫مهما أصر النسان على أن يختبأ فيلله ويتمللاهى بلله‪،‬‬
‫يبقى محايدا بالنسبة له‪ ،‬ول يمنحه من اليقين إل ما‬
‫داع‪ ،‬فبهذه الطريقة يللرى العللالم بشللكل‬ ‫وه خ ف‬
‫هو مم ف‬
‫يقيني على أنه سفيد عليه‪.‬‬
‫أفضل حالت رفض الوحي‬

‫وأفضل أنواع من يولي ظهره للوحي‪ ،‬هللم أولئللك‬


‫الذين يقفرون بصحته من حيث المبدأ‪ ،‬لكنلله يؤكللدون‬
‫أن نظللر النسللان فللي العللالم مسللتقل عللن الللوحي‬
‫ودون معونة منه‪ ،‬إنما يؤدي إلى نفس الطريق التي‬
‫يللؤدي إليهللا الللوحي‪ ،‬مثللل أصللحاب روايللة )حلي بلن‬
‫يقظان( وأشللباههم‪ ،‬أولئللك الللذين يريللدون التفل فللت‬
‫من أمر السماء بطريقة ملتوية‪ ،‬فيقولللون‪» :‬طالمللا‬
‫أن خالقنللا هللو منللزل الللوحي‪ ،‬وهللو خللالق عقلنللا‪،‬‬
‫فسنسللتقل بعقلنللا ونصللل إلللى مللا أراد إيصللاله لنللا‬
‫)‪(1‬‬
‫بالوحي«‬

‫وهللو لللون مللن الخللداع أيضللا‪ ،‬لن النسللان مللا أن‬


‫يستقل بنظره في العالم‪ ،‬حتى يعكلس عليله رغبتله‬
‫فللي أن يبللدو علللى نحللو معيللن‪ ،‬وطالمللا أن الرغبللة‬
‫القصوى التي تسيطر علللى النسللان هللي أن يصللير‬
‫إلها‪ ،‬فليس هناك ما يمنع تلك الرغبة من أن تتللدخل‬
‫في صللياغة العللالم بحيللث تلئللم ذلللك الغللرض‪ ،‬ولللو‬
‫يتركللت رغبللة النسللان بغيللر ضللابط مللن الللوحي‬
‫‪ ()1‬قاصة رمزية أأخرجت على يد أكثر مسسن شسسخص كلهسسم مسسن أعمسسدة الناحسسراف عسسن جسسسم‬
‫الحضارة السلمية أولهم ابسن س ينا ث م شسهاب السسدين السسهروردي ث م ابسن طفي ل ثسم ابسن‬
‫النفيس‪ ،‬لكن أشهرهم ارتباطا بالقصة هو ابن طفيل‪ .‬وتدور القصة حول طفل رضيع أدت ب ه‬
‫ظروف خاصة إلى أن يربى على يد الحيواناات في الغابسسة بمعسسزل عسسن البشسسر وعسسن السسوحي‪،‬‬
‫ويتتبع واضعوا الرواية تطور الحياة المعرفية لهذا الطفل ليصلوا به إلى معرفة كاملة بحقسائق‬
‫الوحي دون الستعاناة به‪ .‬ورغأم أن البعض بحسن ناية يستخدم الرواية لغأراض دينيسسة حميسسدة‬
‫وهي التطابق بين الوحي والفطرة‪ ،‬إل أن المراد النهائي منها هو إثبات إمكاناية الستغناء عن‬
‫الوحي ووصول الناسان إلى الهداية وحده‪.‬‬
‫لنحرفللت عللن وظيفتهللا فللي إظهللار العللالم علللى‬
‫حقيقته‪ ،‬ولشرعت في تصور العللالم علللى مللا تريللد‬
‫لنفسها‪.‬‬

‫ثللم إن السللتقلل عللن الللوحي هللو عمللل ييضللاد‬


‫المقصود من نزوله أصل‪ ،‬وهللو ادعللاء بللأن النسللان‬
‫يفلح وحللده‪ ،‬وهللذا الدعللاء نفسلله هللو بدايللة تشللوه‬
‫صورة النسان أمام نفسه‪ ،‬ومن ثم فهو بداية تشوه‬
‫تصوره عن كل شيء‪.‬‬
‫أسوأ أشكال رفض الوحي‬

‫وأسوأ أشكال رفض الوحي هللو ذلللك الضللرب مللن‬


‫التفكير الللذي ل يكتفللي بالسللتكبار عللن الحللق‪ ،‬بللل‬
‫يفسر الحق على هواه‪ ،‬وييدمج الحللق فللي منظللومته‬
‫الخاصللة‪ ،‬ويسللقط علللى الحللق أهللواءه ورغبللاته‪،‬‬
‫سلر‬ ‫ففرعون موسى لم يكتلف برفللض الحللق‪ ،‬بلل ف ف‬
‫موسى نفسه تفسلليرا سلللطويا‪ ،‬فقللال الللله تعللالى‬
‫ح‬
‫عل حي خلل و‬
‫ه‬ ‫جللدخحنا ح‬ ‫و ح‬
‫مللا ح‬
‫ع س‬ ‫جئ خت ححنا ل وت حل خ و‬
‫فت حن حللا ح‬ ‫قايلوا أ و‬ ‫على لسانه‪ » :‬ح‬
‫ح‬
‫ن ل حك ي ح‬
‫مللا‬ ‫ح ي‬ ‫ما ن ح خ‬‫و ح‬
‫ض ح‬‫في الخر و‬ ‫رحياءي و‬ ‫ما ال خك وب خ و‬‫ن ل حك ي ح‬ ‫وت ح ي‬
‫كو ح‬ ‫آحباءححنا ح‬
‫)‪(1‬‬
‫ن )‪«(78‬‬ ‫موني ح‬
‫ؤ و‬‫م خ‬
‫بو ي‬

‫وفللي هللذا تنللدرج كللل محللاولت تفسللير السلللم‬


‫المادي للبعثة المحمديلة‪ ،‬اللتي فسلرت بلألف وجله‪،‬‬
‫وكلما راق لحدهم رسم العالم في لوحة من خيللاله‬
‫جعل أمر البعثة فيها خطا يخدم بها غرضه‪.‬‬

‫دواعي إعادة النظر في الحج على وجه الخصوص‬

‫‪ ()1‬يوناس‪78/‬‬
‫وظاهرة الحج قللد نالهللا النصلليب الوفللر مللن هلذا‬
‫اللون من الهراء‪ ،‬وسبب الحصر الزائد من الجاهليللة‬
‫على تزييف معنى الحج هو مشتق مللن أهميللة الحللج‬
‫صلللة بيننللا وبيللن‬
‫نفسلله‪ ،‬وذلللك أنلله دليللل قرابللة و و‬
‫ي يش هد أك بر تجم ع م ن‬ ‫إبراهيم ‪ ،‬وه و دلي ل ح ف‬
‫البشللر سللنويا‪ ،‬علللى مسللتوى العللالم‪ ،‬وهللو أمللر‬
‫يشككهم في وراثتهم لنللبي الللله إبراهيللم وفللي مللا‬
‫اعتقدوه في أنفسهم كمنتهى لمره‪ .‬أما الملحللدين‬
‫خصوم الفكر الديني عموما‪ ،‬فيزعجهم قللدرة الللدين‬
‫على اللتئللام مللع نفسلله عللبر التاريللخ‪ ،‬وهللي قللدرة‬
‫تتجلى أكثر ما تتجلى في ظاهرة الحج‪.‬‬

‫وكل من الفريقيللن‪ ،‬الملحللدة وأهللل الكتللاب‪ ،‬قللد‬


‫وجللد متنفسللا لكلملله فللي تعظيللم مشللركي مكللة‬
‫لمناسك الحج‪ ،‬ليصرفوه عن معناه ويثبتوا صلته لمللا‬
‫ليس من السلم‪ ،‬وهي فكرة قديمة لكها الزنادقللة‬
‫قديما منهم أبو العلء المعري القائل‪:‬‬

‫وما الركن عند أناس لست أذكل‪ ..‬لرهم إل بقية‬


‫أوثان وأنصاب‬

‫ثم وجللد كللل منهمللا فللي الطبيعللة الرمزيللة مناخللا‬


‫ملئما لسقاط ما تنطوي عليه نفسه من شر‪ ،‬وكللل‬
‫ما هو رمزي بطبيعة الحال تتنازعه الهواء‪ ،‬ويسللهل‬
‫حمله على غير ما وضع له‪ ،‬بدون ضابط‪.‬‬

‫لذا كان القتراب من ظاهرة الحج أمللر علللى قللدر‬


‫من الهمية‪ ،‬بحيث يتضاءل أمامه كل مللا نبللذله فللي‬
‫سبيله من جهد‪.‬‬

‫طريقتان للنظر في مناسك الحج‬


‫لكلللن‪ ،‬أليسلللت أحكلللام الشلللريعة هلللي للتسلللليم‬
‫والمتثللال ل للنظللر والبحللث؟ الواقللع أن علينللا أن‬
‫نميللز بيللن مسلللكين للتعامللل مللع أحكللام الشللريعة‬
‫عمومللا ومناسللك الحللج خصوصللا‪ ،‬ولكللل مللن هللذين‬
‫المسلكين آداب وقواعللد وغايللة‪ ،‬المسلللك الول‪ :‬أن‬
‫نعالجهللا مللن حيللث هللي تكليللف مللن الللله للنسللان‬
‫ووسيلة للتعبد والتسللليم‪ ،‬وهللي مللن هللذا المنظللور‬
‫ليسللت موضللع تسللاؤل أو نظللر‪ ،‬وغايتهللا هنللا هللو‬
‫هللا‬
‫م ح‬ ‫ه لي ي‬
‫حو ي‬ ‫ل الل سلل ح‬
‫ن ي ححنا ح‬ ‫تحصيل التقوى‪ ،‬قال تعالى‪» :‬ل ح خ‬
‫م«‪ ،‬أمللا المسلللك‬ ‫من خك يلل خ‬‫وى و‬ ‫ق ح‬ ‫ن ي ححنال ي ي‬
‫ه الت س خ‬ ‫ول حك و خ‬‫ها ح‬ ‫ما ي‬
‫ؤ ح‬ ‫ول ود ح‬
‫ح‬
‫الثاني‪:‬فهي معالجتها من حيث هي صادرة عن الللله‬
‫شأنها شأن ما صدر عنه سبحانه من خلق السماوات‬
‫والرض‪ ،‬وهي بهذا المعنى يسري عليهللا مللا يسللري‬
‫على ظواهر الطبيعة والتاريخ من وجوب النظر فيها‬
‫والتللدبر فيمللا ورائهللا وتسللكينها فللي موضللعها مللن‬
‫العالم من حيث معناهللا فيلله ومغزاهللا فللي سللياقه‪،‬‬
‫وغايتهللا هنللا ليسللت تحصلليل التقللوى‪ ،‬بللل تحصلليل‬
‫اليقيللن‪ ،‬قللال تعللالى‪» :‬الللذين يللذكرون الللله قيامللا‬
‫وقعلللودا وعللللى جنلللوبهم ويتفكلللرون فلللي خللللق‬
‫السماوات ربنا ما خلقللت هلذا بللاطل سللبحانك فقنللا‬
‫عذاب النار«‪.‬‬

‫ولللو انتقلنللا بهللذا التمييللز والتوضلليح إلللى معنللى‬


‫الحج‪ ،‬فسنجد أن له منظورين‪ ،‬أحدهما يتعلق بكللونه‬
‫فريضللة‪ ،‬أي تكليللف إلهللي للمللة‪ ،‬ومعنللاه مللن هللذا‬
‫المنظور هو مشتق من أثللره فللي النفللس‪ ،‬ومجللراه‬
‫في الشعور‪ ،‬وهو معنللى ذو طبيعللة تربويللة أخلقيللة‬
‫تهذيبية‪ ،‬شأنه شأن العبادة بوجه عام‪ .‬أمللا المنظللور‬
‫الثللاني‪ ،‬فيتعللق بكللونه ظلاهرة فللي الوجللود‪ ،‬لكنهللا‬
‫ظللاهرة أخللذت شللكل مزيجللا مللن الرمللوز والخبللار‬
‫والحكام‪ ،‬ومعناه من هذا المنظور ليس مشتقا مللن‬
‫أثر مناسكه في النفس ومجراهللا فللي الشللعور‪ ،‬بللل‬
‫من اتساقه مع العالم‪ ،‬ومجرى عناصره في الوجللود‪،‬‬
‫لذلك حيللن نتنللاول الحللج بهللذا المعنللى نطلللق عليلله‬
‫»ظاهرة الحج«‪ ،‬تمييزا له عن »فريضة الحج«‪.‬‬

‫وإذا كللانت الشللياء تتميللز بضللدها‪ ،‬فإليللك مثللال‬


‫للطريقة التي ل نعتمدها في كتابنا هذا‪ ،‬وهي نظللر‬
‫إلللى كللل»فريضللة« ل كللل»ظللاهرة«‪ ،‬وفيهللا نلحللظ‬
‫اشتقاق معنللى مناسللكه مللن أثرهللا فللي نفللس مللن‬
‫يؤديها‪ ،‬والمثال هو فقرة منسللوبة لجعفللر الصللادق‪،‬‬
‫يقللول فيهللا‪ ..» :‬ثللم اغتسللل بمللاء التوبللة الخالصللة‬
‫كسلوة الصلدق والصلفاء والخضلوع‬ ‫الذنوب‪ ،‬والوبلس ي‬
‫رم عن كل شيء يمنعك عن ذكر الللله‬ ‫والخشوع‪ ،‬واح و‬
‫ب بمعنللى إجابللة صللافية‬ ‫ويحجبللك عللن طللاعته‪ ،‬وللل ل‬
‫خالصة زاكية لله عز وجللل فللي دعوتللك للله متمسللكا‬
‫بالعروة الللوثقى‪ ،‬وطيللف بقلبللك مللع الملئكللة حللول‬
‫العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول الللبيت‪،‬‬
‫ول هروللة فلرار ملن هلواك‪ ،‬وتلبرأ ملن جميلع‬ ‫وهلر و‬
‫حولك وقوتك‪ ،‬واخرج من غفلتللك وزلتللك بخروجللك‬
‫ن مللا ل يحللل لللك ول تسللتحقه‪،‬‬ ‫منللى‪ ،‬ول تتملل ف‬‫إلللى و‬
‫واعترف بالخطللأ بالعرفلات‪ ،‬وجلدد عهلدك عنلد اللله‬
‫ه بمزدلفللة‪،‬‬ ‫قلل و‬
‫تعللالى بوحللدانيته‪ ،‬وتقللرب إليلله وات ف و‬
‫حللك إلللى المل العلللى بصللعودك إلللى‬ ‫واصللعد برو و‬
‫الجبل‪ ،‬واذبح حنجرة الهللوى والطمللع عنللد الذبيحللة‪،‬‬
‫وارم و الشلللهوات والخساسلللة واللللدناءة والفعلللال‬
‫الذميمة عند رمي الجمرات‪ ،‬واحلق العيوب الظاهرة‬
‫والباطنة بحلق شعرك‪ ،‬وادخل في أمان الللله تعللالى‬
‫وكنفلله وسللتره وحفظلله وكلئلله مللن متللابعه مللرادك‬
‫بدخول الحرم‪ ،‬ويزر الللبيت متحففللا لتعظيللم صللاحبه‬
‫ومعرفتلله وجلللله وسلللطانه‪ ،‬واسللتلم الحجللر رضللا ا‬
‫بقسمته وخضوعا لعظمته‪ ،‬وودع مللا سللواه بطللواف‬
‫الوداع‪ ،‬وصف روحك وسرك للقاء تعالى يللوم تلقللاه‬
‫بوقوفك على الصفاء‪ ،‬وكن ذا مروة مللن الللله بفنللاء‬
‫در بها د‪ .‬علللي‬ ‫أوصافك عند المروة«‪ .‬وهي فقرة ص ف‬
‫شللريعتي كتللابه‪) :‬الفريضللة الخامسللة(‪ ،‬ودار حولهللا‬
‫خلل صللفحات الكتللاب‪ ،‬بعللد أن أضللاف إليهللا أبعللادا‬
‫اجتماعية وسياسية أخرى‪.‬‬
‫في أن معرفتنا بالحج غير كافية‬

‫إن أقصى ما كان يمكننا فعله حين كنا نشلرع فلي‬


‫تفسللير مناسللك الحللج‪ ،‬هللو أن نتناولهللا مللن جانبهللا‬
‫الرمزي‪ ،‬ثم نحيلها إلى حقائقهلا الللتي تشلير إليهللا‪،‬‬
‫فالكعبة هي رمز للللبيت المعمللور‪ ،‬وذبللح الهللدي هللو‬
‫ذب ح العظي م‬ ‫ي الللله إبراهيلم ‪ ،‬وال ل‬ ‫محاكاة لفعل نب ف‬
‫دى‪ ،‬والسللعي بيللن الصللفا‬ ‫مفلل ف‬
‫نفسه هو رمز للبن ال ي‬
‫والمللروة هللو استحضللار لفعللل السلليدة هللاجر حيللن‬
‫كانت تبحث عن الماء‪ ،‬ورمي الجمار هو تمثيل لفعل‬
‫ي الله إبراهيم ‪ ‬حين عرض ل ه الش يطان ليثني ه‬ ‫نب ف‬
‫عن ذبح ابنه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وهللذا المنتهللى مللن النظللر هللو مللا شللاع مللن أنلله‬


‫المقصود بمعنى الحج‪ ،‬بحيث بدت مسلألة الحلج كملا‬
‫فرغ منها فل تستدعي قول آخللر‪ ،‬وكللأن‬ ‫لو كانت قد ي‬
‫أصحابها يقولون‪» :‬ها نحن ندرك معنى أبرز عناصللر‬
‫الحج وأظهرها‪ ،‬فإن كانت بعللض التفاصلليل ل تللزال‬
‫مبهمة أمامنللا‪ ،‬فللإن بإمكاننللا القللول بأنهللا ل تخيللب‬
‫ختم عليه وانتهى«‪.‬‬ ‫ظننا بأن المر قد ي‬

‫وكل المعاني سالفة الذكر هي حللق ل ريللب فيلله‪،‬‬


‫غير أن بإمكاننا التوسع فللي تلللك الدللللة علللى نحللو‬
‫يجعلها أكثر تماسكا وشللمول وعمقللا‪ ،‬فمعنللى الحللج‬
‫ليس هو مجموع معاني كللل عنصللر مللن عناصللره‪ ،‬إذ‬
‫يظل جمع الرموز هذا هو نفسه بحاجة إلى تفسللير‪،‬‬
‫فأنا حين أحتفللظ بصللورة عائليللة لسللرتي‪ ،‬فمعنللى‬
‫الصورة عندي هو أمر آخر يختلف عللن قللدرتي علللى‬
‫المطابقة بين الوجللود الللتي فللي الصللورة والوجللوه‬
‫التي في الواقع‪ ،‬إن معناها هو الذكرى التي تخزنها‬
‫تلك الصورة بما فيها من وجوه‪.‬‬
‫ويصعب من هذه الزاوية أن نزعللم لنفسللنا درايللة‬
‫وافية عن معنى الحللج‪ ،‬ولللو كللان المللر علللى خلف‬
‫ذلك فكنا قد عثرنا على السللبب الللذي لجللله أفسللح‬
‫مكان بين مناسك الحج لحقائق معينة دون غيرها‪ ،‬أو‬
‫السبب الذي لجله وجدت منظومة المثلة هذه تحت‬
‫مسمى الحج‪ .‬أو كنا قد أكملنا معرفتنا بالحق فصرنا‬
‫أكثر فهما لعلل أحكامه التي تتناول كل حركللة فيلله‪،‬‬
‫أو أكللثر فهمللا للملبسللات الللتي يقللع فيهللا وينللدرج‬
‫بينها‪.‬‬

‫إننا ل نغض من تلك المعرفة المتناثرة حول الحج‪،‬‬


‫كما ل نزعم أننا سنحيط علما بكل ما فيلله‪ ،‬وكلل ملا‬
‫هنالك هو أننا سللنبتعد عللن حالللة النظللرة السللطحية‬
‫للحج‪ ،‬ونقترب مللن وضللع يبللدو فيلله الحللج لنللا أكللثر‬
‫وضوحا‪.‬‬
‫استشكال حول مشهد عرفة‬

‫وخطة بحثنا عن معنى الحج هو أن نجمللع معارفنللا‬


‫السابقة والمتناثرة عن عناصره‪ ،‬ونتوسع فيها بقدر‬
‫ما يمكننا ذلك‪ ،‬ثللم نسللتخلص قاسللما مشللتركا بينهللا‬
‫نصل عن طريقه إلى مدار رموزه ومحللور مفرداتلله‪،‬‬
‫وبدايتنا هي أهلم أركللان الحلج قاطبلة‪ ،‬وهلو مشلهد‬
‫عرفة‪.‬‬

‫غير أننا وجدنا خلل ذلك العمل أمللرا غريبللا‪ ،‬وهللو‬


‫هللدي إلللى فعللل‬‫أن السهولة التي نحيللل بهللا ذبللح ال ح‬
‫إبراهيم عليه السلم‪ ،‬والسعي بين الصللفا والمللروة‬
‫إلى فعل السيدة هاجر‪ ،‬والكعبة إلى البيت المعمور‪،‬‬
‫لبدا لنا أن مشهد الوقوف بعرفة عصيا ا على الفهللم‪،‬‬
‫بل هو أكثر عناصر الحج إلغللازا‪ ،‬فكيللف يسللتقيم أن‬
‫أهم أركان الحج هو أكثرها غموضا؟‬

‫كر‬‫إن أقرب ما قيل في هللذا المشللهد هللو أنلله ي يللذ ل‬


‫بهللول الموقللف يللوم القيامللة‪ ،‬وهللو انطبللاع يعللود‬
‫مصدره إلى مهابة الحشد وتلبية الحجيج‪ ،‬فهذه حالة‬
‫الخلق حين اصطفافهم وامتثالهم للحسللاب‪ ،‬ويؤكللد‬
‫من هذا الشعور وجللود الكعبللة الللتي تتصللل بمعناهللا‬
‫علوية وهي البيت المعمور‪.‬‬ ‫إلى حقيقة ي‬

‫غيللر أن هللذه النطبللاع يبقللى فللي إطللار التنللاول‬


‫التربوي للحج‪ ،‬فهو شعور يجده النسان فللي نفسلله‬
‫عنللد شللهود الموقللف‪ ،‬وليسللت نتيجللة يصللل إلينللا‬
‫بالنظر‪ ،‬ومع ذلك فليس علينا من وجهة نظر فكريللة‬
‫بحتة‪ ،‬أن نستهين بالوجدانات التي تصحب المناسك‪،‬‬
‫فمللن المؤكللد أن لهللا وجلله صلللة بمعنللى الحللج مللن‬
‫المنظللور اللهللي‪ .‬غيللر أن المللر المؤكللد هللو أن‬
‫الكشف عن معنى مشهد عرفات ل يمر أساسللا عللبر‬
‫ذلك النطباع الذي يسيطر على الحجيج فيه‪.‬‬
‫معنى جبل عرفات‬

‫وليس أمامنا من حيلة أمام صندوق مشللهد عرفللة‬


‫المغلللق إل أن نضللع فرضللا ا نسترشللد بلله‪ ،‬وهللو أن‬
‫الطبيعة الرمزية للحج هي مستغرقة للمناسك كلها‪،‬‬
‫سلواء أحطنلا بمعناهللا علملا أم ل‪ ،‬وأنله تبعلا للذلك‪،‬‬
‫فمشللهد عرفللة يحللاكي بصللورة حسللية حقيقللة لللم‬
‫نعلمها بعد‪.‬‬

‫ما الدليل على هذا الفرض؟ ليس هنللاك إلللى الن‬


‫دليل‪ ،‬وأي فرض عموما ل يوضع ومعه الدليل عليلله‪،‬‬
‫بل هو فكرة هاديللة تكللون فللي البدايللة كحللدس‪ ،‬ثللم‬
‫تثبت صحته أو بطلنه بحسب ما يينتجلله مللن حقللائق‪،‬‬
‫وبقللدر اتسللاقه مللع سللائر الحقللائق مهمللا اسللتأنفنا‬
‫النظر على ضوئه‪.‬‬

‫أمللا الللذي نرجللوه مللن فرضللنا هللذا فهللو أن نصللل‬


‫لمعنى مشهد الوقوف بعرفة بنفس الطريقللة الللتي‬
‫نصل بها إلى سائر الرموز‪ ،‬وذلك بتحليل مادة الرمز‬
‫نفسها أول‪ ،‬وذلك أن كل رمللز للله مللادة وللله صللورة‬
‫نهائية‪ ،‬فرجللم الشلليطان مرتبللط بمللادته الللتي هللي‬
‫)الرجم( مطلقا وما يحمله مللن معنللى العللداء‪ ،‬وذبللح‬
‫هدي للله مللادة هللي الب حللذل والعطللاء بذبللح النعللام‪،‬‬
‫ال ح‬
‫هللدي‪،‬‬‫وحين توضع في ظروفها تنتج رمزا هو ذبلح ال ح‬
‫وذلك أن أصلها هو بللذل البللن للللرب‪ .‬والكعبللة هللي‬
‫بتكوينها الرباعي المغلق هي بيت‪ ،‬تضاف إلللى الللله‬
‫ثم تضاف إلى الناس كافة بالطواف فيتكون رمزها‪،‬‬
‫وبئللر زمللزم للله مللادة هللي المللاء مطلقللا‪ ،‬أي سللبب‬
‫الحياة‪ ،‬ويضاف هذا الماء إلى ظروف خاصة فيحصل‬
‫على صلته الرمزية بالهدايللة اللهيلة الللتي هلي نللوع‬
‫من الحياة‪.‬‬
‫ومشهد عرفة له مادة يتكللون منهللا‪ ،‬وهللي الجبللل‬
‫مضافا إليه العنصر البشللري المكللون مللن الللواقفين‬
‫عليلله‪ ،‬لكنللا سللنولي الجبللل معظللم اهتمامنللا فللي‬
‫البداية‪ ،‬لن العنصللر البشللري مشللترك بيللن مناسللك‬
‫الحج كلها‪ ،‬وهو بدوره غير مفهللوم إل مللن خلل مللا‬
‫ييسبغه عليه كل منسك‪.‬‬
‫معنى كلمة عرفات‬

‫وسنسللتعير هنللا لكتشللاف معنللى الجبللل‪ ،‬تلللك‬


‫المحاولت السللابقة الللتي عمللدت إلللى اسللم الجبللل‬
‫نفسه بقصد الوصللل لمعنللاه‪ ،‬فمللن الراجللح أن هللذا‬
‫السم العتيق للجبل لم يرتبط بلله ارتباطللا عشللوائيا‬
‫يخلو من الدللة‪.‬‬

‫وسنستعين هنللا بحصلر الفخللر الللرازي لكللل الراء‬


‫حول أصل كلمة عرفات )‪ ،(1‬وق د قسلم الق وال إل ى‬
‫فئللة اشللتقت معنللى )عرفللات( مللن فعللل المعرفللة‪،‬‬
‫وفئة أخرى اشللتقت السللم مللن فعللل )العللتراف(‪،‬‬
‫فالفئة الولللى منهللم مللن قللال أن آدم عللرف عليلله‬
‫ء عن الخر‪،‬‬ ‫حواء بعد أن هبط كل منهما في مكان نا ت‬
‫ومنهم من قال أن إبراهيللم التقللى بللابنه إسللماعيل‬
‫وعرفه بعد غياب عنه وعن أمه هاجر فيما بيللن سللن‬
‫طفولة إسماعيل وشبابه‪ ،‬ومنهم من قال أن جبريل‬
‫عفرف آدم عنده مناسللك الحللج‪ ،‬ومنهللم مللن قللال أن‬
‫جبريل عفرف إبراهيم عليه السلم المناسك‪ ،‬ومنهللم‬
‫مللن قللال أن إبراهيللم عليلله السلللم عللرف الجبللل‬
‫بصفته التي عرفها له الله حين أمللره بللالتوجه إليله‪،‬‬
‫ومنهللم مللن قللال أن الللله سللبحانه يعللرف عليلله‬
‫المؤمنين بالمغفرة‪ ،‬ومنها أن الحجيج يلتقون عنللده‬
‫ويتعارفون فيما بينهم‪.‬‬

‫‪ ()1‬اناظر تفسير الفخر الرازي )مفاتيح الغيب( سورة البقرة آية ‪198‬‬
‫أما الفئللة الخللرى مللن الراء والللتي دار أصللحابها‬
‫حول فعل العتراف‪ ،‬فل تضم سوى رأيين‪ ،‬أحللدهما‬
‫أن آدم وحللواء قللد اعترفللا بللذنوبهما علللى الجبللل‪،‬‬
‫والخر أن الحجيج يعترفون بذنوبهم فللوقه رجللاء أن‬
‫يغفر لهم‪.‬‬

‫هذه هي علللى وجلله الحصللر مجموعللة الراء الللتي‬


‫سيقت كتفسير للسلم‪ ،‬وبوسللعنا أن نؤكللد‪ ،‬دون أن‬
‫ينتهم بالتسرع‪ ،‬أنها جميعا ل ترقى فللي أهميتهللا ول‬
‫في معناها لتكون أساسا معقول لصوغ أهللم شللعائر‬
‫الحج على الطلق‪ ،‬فتعررف آدم على حواء أو تعللررف‬
‫إبراهيلللم عللللى إسلللماعيل أو اعلللتراف المسللللمين‬
‫بللذنوبهم‪ ،‬ليللس أي مللن هللذا بمنقبللة كللبرى لجبللل‬
‫عرفات حتى يحظى منها بقيمته ووضعه‪ ،‬ومللع ذلللك‬
‫فليس علينا من بأس في أن نذرها أيضا دون تقييللم‬
‫وكأنها مجهولة بالنسبة إلينا‪ ،‬وسنبحث عللن وسللائل‬
‫أخرى لمعنى الجبل‪ ،‬ثم نعود إليهللا وقللد تزودنللا بمللا‬
‫يمكننا من نقدها‪.‬‬
‫جبل عرفات هو جبل العهد اللهي‬

‫سك فللي البدايللة بللالخبر‬‫وخير ما نفعله هو أن حنتم ف‬


‫الثابت في الوحي عن جبل عرفات‪ ،‬وهو أنه ذو صلة‬
‫وثيقة بنبي الله إبراهيم ‪ ،‬وأننا معني ف ون ب ه عناي ة‬
‫الوارث بإرثه‪ ،‬فعن يزيد بن شيبان قللال‪) :‬أتانللا ابللن‬
‫عللده‬
‫مربع النصاري ونحن وقوف بالموقف مكانا تحبا ح‬
‫عمرو )أي رآه بعيدا عن المام بقللدر غيللر مقبللول(‪،‬‬
‫ل الللله ﷺ إليكللم‪ ،‬يقللول‪:‬‬ ‫فقللال إنللي رسللو ي‬
‫ل رسللو و‬
‫كونللوا علللى مشللاعركم فللإنكم علللى إرث مللن إرث‬
‫إبراهيللم«)‪ .(1‬هللذه أول الحقللائق الثابتللة عللن جبللل‬
‫عرفات‪ ،‬وهي حقيقة على قدر كبير من الهمية كما‬
‫سنرى‪.‬‬

‫‪ ()1‬صحيح الترمذي صححه اللباناي‪.‬‬


‫وإليكم خبرا آخر هللو أكللثر ثللراء مللن الخللبر الول‪،‬‬
‫لكنلله ل يتعلللق بنللبي الللله إبراهيللم‪ ،‬بللل بللآدم عليلله‬
‫السلم‪ ،‬وتحديدا بذريته‪ ،‬وهو أن الله سبحانه قد أخذ‬
‫ميثاقه عللى ذريلة آدم عنلده‪ ،‬وجللاء هلذا الخلبر علن‬
‫النبي ﷺ بلفظين أحدهما يشللير إلللى )يللوم( عرفللة‪،‬‬
‫والخر يشير إلى )مكان( قريللب مللن جبللل عرفللات‪،‬‬
‫وهو وادي نعمان‪ ،‬الصيغة الولى هي عن ابن عباس‬
‫ن‬ ‫ملل خ‬ ‫ميث حللاقح و‬ ‫ه ال خ و‬ ‫خللذح الل سلل ي‬ ‫قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ ‪:‬لل »أ ح ح‬
‫ن‬ ‫م خ‬ ‫ج و‬ ‫خحر ح‬ ‫فأ ح ح‬‫ة‪ ،‬ح‬ ‫ف ح‬ ‫عحر ح‬ ‫ن حيوم ح‬ ‫ما ح‬ ‫ع ح‬‫م ب ون ح خ‬ ‫سل ي‬ ‫ه ال س‬ ‫عل حي خ و‬ ‫م ح‬ ‫ر آد ح ح‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ظح خ‬
‫م‬ ‫كالللذسلر‪ ،‬ث يلل س‬ ‫ه ح‬ ‫ن ي حللدحي خ و‬ ‫م ب حي خلل ح‬ ‫فن حث ححر ي‬
‫هلل خ‬ ‫ها‪ ،‬ح‬ ‫ة ذححرأ ح ح‬ ‫ل ذيلري س ت‬ ‫ه كي س‬ ‫صل خب و و‬ ‫ي‬
‫ح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫س‬
‫هدخحنا‬ ‫و‬ ‫شلل‬‫م قللالوا ب حلللى ح‬ ‫ح‬ ‫ت ب وحرب لك خ‬ ‫س ي‬ ‫ل‪ :‬أل خ‬ ‫وقا ح‬ ‫ح‬ ‫قحبل‪ ،‬ح‬ ‫م و‬ ‫ه خ‬ ‫م ي‬ ‫ك حل ح‬
‫ح‬ ‫م ال خ و‬ ‫ح‬
‫و‬
‫ن*أ خ‬ ‫فولي ح‬ ‫غللا و‬ ‫ذا ح‬ ‫هلل ح‬ ‫ن ح‬ ‫علل خ‬ ‫ة أنا ك يسنا ح‬ ‫م و‬ ‫قحيا ح‬ ‫قويلوا ي ح خ‬
‫و ح‬ ‫ن تح ي‬ ‫أ خ‬
‫ن‬‫ملل خ‬ ‫ة و‬ ‫وك ين سللا ذيلري سلل ا‬ ‫ل ح‬ ‫ن ح‬
‫قب خلل ي‬ ‫ملل خ‬ ‫ؤن حللا و‬ ‫ك آحبا ي‬ ‫شللحر ح‬ ‫ما أ ح خ‬ ‫قويلوا إ ون س ح‬ ‫تح ي‬
‫)‪(2‬‬
‫ن«‬ ‫مب خطويلو ح‬ ‫ل ال خ ي‬ ‫ع ح‬ ‫ف ح‬ ‫ما ح‬ ‫هل وك يحنا ب و ح‬ ‫فت ي خ‬‫م أح ح‬ ‫ه خ‬ ‫د و‬ ‫ع و‬ ‫بح خ‬

‫أمللا الصلليغة الثانيللة الللتي جللاء بهللا نفللس الخللبر‬


‫فلوردت فيهلا كلملة‪) :‬حيعنلي عرفلة( بلدل ملن )يلوم‬
‫عرفة(‪ ،‬وعلى الصلليغة الولللى يكللون المقصللود هللو‬
‫يوم عرفة‪ ،‬وعلى الصيغة الثانية تكللون كلملة )يعنلي‬
‫عرفللة( هللي شللرح مللن الللراوي لمقصللود النللبي ﷺ‬
‫بوادي نعمان وهو قريب من جبل عرفات‪.‬‬

‫وطالما أن جبللل عرفللات متعلللق بميثللاق الفطللرة‬


‫الول‪ ،‬وأنللله إرث إبراهيلللم ‪ ،‬وطالم ا أن الح دث‬
‫البراهيمللي الهللم علللى الطلق هللو ميثللاقه مللع‬
‫الخلللالق سلللبحانه وتعلللالى‪ ،‬فل شلللك فلللي أن إرث‬
‫إبراهيم ‪ ‬المقصود بالحديث هو العه د البراهيم ي‬
‫مع الله بعد شروعه في ذبللح ابنلله وإظهللار التسللليم‬
‫للمر اللهي‪.‬‬

‫ولللدينا سللبب وجيلله يللبرر لنللا العتقللاد بللأن هللذه‬


‫الواقعة‪ ،‬أعني واقعة ميثاق الفطرة‪ ،‬ليست عرضللية‬
‫‪2‬صححه اللباناي في تخريج مشكاة المصابيح برقام )‪(117‬‬
‫بالنسبة للجبل‪ ،‬بمعنى أن الجبل قللد اكتسللب معنللاه‬
‫وقيمته منها تحديدا‪ ،‬وذلك أنه ثم خبرر ثابت آخر يدل‬
‫على أن يوم عرفة هو اليوم المشللهود‪ ،‬أي أنلله يللوم‬
‫يمفيزه عن سائر اليام كونه شاهدا زمنيللا علللى عهللد‬
‫ما‪ ،‬وهو ميثاق الفطرة المذكور في النللص السللابق‪،‬‬
‫م‬‫م الموعللودي يللو ي‬‫وذلللك فللي قللول النللبي ﷺ‪» :‬اليللو ي‬
‫م‬
‫ة‪ ،‬والمشللهودي يللو ي‬ ‫معلل و‬
‫ج ي‬‫م ال ي‬‫ة‪ ،‬والشللاهدي يللو ي‬ ‫القياملل و‬
‫طى‬ ‫سلل ح‬ ‫و خ‬
‫ه لنا‪ ،‬وصلةي ال ي‬ ‫معة ذح ح‬
‫خحرهي الل ي‬ ‫ج ي‬
‫م ال ي‬ ‫ة‪ ،‬ويو ي‬ ‫عرف ح‬
‫)‪(1‬‬
‫ر«‬
‫صلةي العص و‬

‫والراجح أنه طالما أن يوم عرفللة هللو شللاهد علللى‬


‫ميثاق الفطرة‪ ،‬فجبل عرفات ل يغللادر هللذا المعنللى‬
‫أيضا‪ ،‬خاصة وأن النص قد حدد وادي نعمان القريللب‬
‫من عرفة كمكان للحدث‪.‬‬

‫لسنا بحاجة إذا ا إلى كل ما قيل عللن أصللل تسللمية‬


‫عرفات‪ ،‬وقد تزودنا بوظيفته الوحيدة التي دخلت به‬
‫دائللرة المقدسللات‪ ،‬وهللي أنلله شللاهدا علللى العهللد‬
‫اللهلي‪ ،‬فكلملة عرفلات‪ ،‬ببسلاطة‪ ،‬تعنلي‪ :‬الشلاهد‪،‬‬
‫وفعل المعرفة نفسه ينطوي علللى معنللى الشللهود‪،‬‬
‫فالعرب تقللول‪» :‬عللرف للله حقلله« أي شللهد للله بلله‪،‬‬
‫و»اعترف بذنبه« أي شهد على نفسه به«‪.‬‬

‫أما القتراحات السابقة فأغلب الظن أنها صللدرت‬


‫من أصحابها لعدم وضللوح وظيفللة الجبللل نفسلله‪ ،‬إذ‬
‫ليس هناك نصا قاطعا بهذا المعنى‪ ،‬وقلد اسلتنتجناه‬
‫بشكل غير مباشر من صلة يوم عرفة ووادي نعمللان‬
‫بميثاق الفطرة‪ ،‬وما يفيد بصلللة الجبللل بللإبراهيم ‪‬‬
‫بوجه عام‪ ،‬ثم معرفتنا بأن العهد مع إبراهيم ‪ ‬كان‬
‫في مكة بحكم جريان الحدث البراهيمي فيها‪ .‬أضف‬
‫إلللى ذلللك أن كلمللة )عرفللات( نفسللها ليسللت ذات‬
‫ارتبللاط واضللح ومباشللر بكلمللة )الشللاهد(‪ ،‬فمعنللى‬
‫‪1‬صحيح الجامع برقام )‪(8201‬‬
‫الشهود هو بعض معاني فعل المعرفة‪.‬‬

‫وليس علينا من حرج في أن نتجاهل ضعف الدللة‬


‫بين كلمة )عرفات( وكلمة )الشللاهد(‪ ،‬وذلللك اعتبللارا‬
‫للفترة الزمنية التي تفصل بين مناسللك الحللج وبيللن‬
‫لغة قريللش المدونللة بالمعللاجم‪ ،‬فكلمللة )إسللماعيل(‬
‫ليسللت هللي )سللميع الللله(‪ ،‬لكنهللا تللدل علللى نفللس‬
‫ي الللله إبراهيللم‪ .‬وعلللى أي‬‫المسمى الذي هو ابن نب ف‬
‫حال‪ ،‬فليس أمامنا إلى أن نعقد صللة ملا بيلن كلملة‬
‫)عرفات( ووظيفللة الجبللل الللتي سللبق واسللتنتجناها‬
‫بشللكل غيللر مباشللر‪ ،‬وكلمللة )الشللاهد( هللي أقللرب‬
‫مرادف محتمل لها‪.‬‬
‫جبل عرفات في التوراة‬

‫وبوسعنا أن نعزز تلك النتيجة مللن طريللق آخللر يبللدو‬


‫بعيللدا عمللا سللبق وأن سلللكناه‪ ،‬وهللو واقعللة الفللداء‬
‫والعهد بحسب الرواية التوراتية‪ ،‬وبالرغم من أنها ل‬
‫ترقى في يقينها إلى مستوى الكتاب والسللنة‪ ،‬إلللى‬
‫أن تأكد ما سنستخرجه منها من نتائج إنما يأتي مللن‬
‫تماشيها مع ما سبق واستنبطناه مللن طريللق الخللبر‬
‫النبوي‪ .‬وفللوق ذلللك‪ ،‬فهللي روايللة ثريللة بالتفاصلليل‬
‫التي كان من شأن الله سبحانه أن يخاطب بهلا بنلي‬
‫إسرائيل‪.‬‬

‫وعلللى أي حللال‪ ،‬فللالوحي ليللس شللرطا إل فللي‬


‫معرفة أحكام الشريعة‪ ،‬أما ونحن في حالة نظر فلي‬
‫التاريخ‪ ،‬فليس علينللا ملن حلرج حيلن نضلم الظنللون‬
‫إلى بعضها البعض‪ ،‬وينحيل الشكوك والشللارات إلللى‬
‫أشللباهها فترتسللم ململلح شلليء مللا‪ ،‬وقللد سللبق أن‬
‫ذكرنا أننللا ل نبحللث فللي ظللاهرة الحللج مللن الناحيللة‬
‫الشرعية‪ ،‬فهذا مللورده الللوحي فقللط‪ ،‬لكننللا نبحثهللا‬
‫كظاهرة في الوجود وفللي التاريللخ‪ ،‬وهللذا بللاب يللدل‬
‫فيه كل ما هو موجود وكل ما هو حادث على أمر‪.‬‬
‫ثللم إن التعللرض للحالللة الدينيللة عنللد بنللي إسللرائيل‬
‫عمومللا فللي نللواحي تخللص بحثنللا هللو مطلللب قللائم‬
‫برأسه‪ ،‬ليس لللترميم الثغللرات المعرفيللة عنللدنا‪ ،‬بللل‬
‫ليفللاء ظللاهرة الحللج كفايتهللا مللن النظللر الشللامل‪،‬‬
‫فالعهد البراهيمي لم يتحدر إلينللا مللن أبللي النبيللاء‬
‫مباشرة‪ ،‬بل سبقنا إلللى ذلللك ذريللة كاملللة اقت حطحعللت‬
‫من التاريخ حظا وافراا‪ ،‬بحيث أنه مهمللا كللان زيغهللم‬
‫وانحرافهم‪ ،‬فل بد من أن تكون آثار العهد قد بقيللت‬
‫في نصوصهم دالة على بقايا أمور قد وفلت‪.‬‬

‫والمر في التحذير بشللأن الحللج هللو نفسلله المللر‬


‫بالثابللة عليلله‪ ،‬فهللي صللياغة مرتبطللة بالعهللد‪ ،‬قللال‬
‫رسول الله ﷺ ‪» :‬ملن حللج فلللم يرفلث وللم يفسلق‬
‫رجع كيلوم ول دته أم ه«)‪ ،(1‬ويب دو واض حا م ن ص يغة‬
‫الجزاء هنا أيضا أنها ملئمة للعهد اللهللي كمضللمون‬
‫للعهد‪ ،‬فالحج بوصفه تجسيدا لمتعلقات العهد‪ ،‬فهللو‬
‫تجديللد للله‪ ،‬وأنسللب صلليغة رمزيللة لتجللدد لعهللد هللو‬
‫الميلد من جديد‪ ،‬حيث حالة الفطرة الولى التي لم‬
‫تتللدنس بشلليء‪ ،‬وهللو التعللبير الللذي ورد فللي قللول‬
‫النبي ﷺ ‪» :‬رجع كيوم ولدته أمه«‬

‫أما ورود المحظورات في الحديث بصلليغة الفسللق‬


‫تحديللدا‪ ،‬وذلللك فللي قللوله‪ ..» :‬فلللم يرفللث ولللم‬
‫يفسللق‪ ،«..‬للله مغللزى متصللل بوصللف اليهللود بعللد‬
‫محاولتهم قطع طريق جريان العهد منهم إلى النبي‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫قي ح‬ ‫سلل و‬
‫فا و‬ ‫ه إ ول س ال خ ح‬‫ل بو و‬ ‫ض ر‬ ‫ما ي ي و‬ ‫و ح‬
‫ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪:‬لل » ح‬
‫ن‬‫عللو ح‬ ‫ح‬
‫قط ي‬ ‫وي ح خ‬
‫ه ح‬‫ق و‬‫ميث حللا و‬ ‫د و‬ ‫علل و‬‫ن بح خ‬ ‫م خ‬‫ه و‬ ‫س‬
‫هدح الل و‬ ‫ع خ‬‫ن ح‬‫ضو ح‬ ‫ق ي‬‫ن حين ي‬ ‫ذي ح‬ ‫ال س و‬
‫ض‬ ‫ح‬ ‫وي ي خ‬ ‫صلل ح‬ ‫مللا أ حمللر الل سلله بلل ح‬
‫فللي الخر و‬ ‫ن و‬ ‫دو ح‬ ‫سلل ي‬ ‫ف و‬ ‫ل ح‬ ‫ن ييو ح‬ ‫هأ خ‬ ‫ي و و‬ ‫ح ح‬ ‫ح‬
‫ي‬
‫ن )‪.«(27‬‬ ‫سيرو ح‬ ‫خا و‬ ‫خ‬
‫م ال ح‬‫ه خ‬ ‫ح‬
‫ولئ وك ي‬ ‫ح‬ ‫أ خ‬

‫‪ ()1‬رواه مسلم‬
‫جبل عرفات هو جبل )الرب يرى( الوارد في الكتاب‬
‫المقدس‬

‫الرجوع إلى موضع الوقائع البراهيمية فللي العهللد‬


‫القديم أدى بنا إلى نص هو الكثر وضوحا بين أدلتنللا‬
‫وقرائننا فيمللا اسللتنتجناه مللن أن جبللل عرفللات هللو‬
‫جبللل العهللد البراهيمللي‪ ،‬أعنللي مللا ورد فللي سللفر‬
‫التكوين وفيه‪1*» :‬وحللدث بعللد هللذه المللور أن الللله‬
‫امتحن إبراهيم فقال له يللا إبراهيللم فقللال هاأنللذا *‬
‫‪2‬فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبلله إسللحاق واذهللب‬
‫إلى أرض المورفيا واصللعده هنللاك محرقللة علللى أحللد‬
‫الجبال الذي أقول لك *‪3‬فبكر إبراهيم صللباحا وشللد‬
‫على حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحق ابنه‬
‫وشللقق حطبللا لمحرقللة وقللام وذهللب إلللى الموضللع‬
‫الذي قال له الله *‪4‬وفي اليوم الثالث رفع إبراهيللم‬
‫عينيلله وأبصللر الموضللع مللن بعيللد *‪5‬فقللال إبراهيللم‬
‫لغلميلله‪ :‬اجلسللا أنتمللا هاهنللا مللع الحمللار وأمللا أنللا‬
‫والغلم فنذهب إلى هناك ونسجد ثم نرجللع إليكمللا *‬
‫‪6‬فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسللحاق‬
‫ابنه وأخذ بيده النار والسللكين فللذهبا كلهمللا معللا *‬
‫‪7‬وكلم إسحاق إبراهيلم أبلاه وقلال‪ :‬يلا أبلي فقلال‪:‬‬
‫هاأنذا يا ابني‪ ،‬فقللال‪ :‬هللو ذا النللار والحطللب ولكللن‬
‫أين الخروف للمحرقة * ‪8‬فقال إبراهيللم‪ :‬الللله يللرى‬
‫له الخروف للمحرقة يا ابني فللذهبا كلهمللا معللا * ‪9‬‬
‫فلما أتيا إلى الموضع الذي قال للله الللله ب حن حللى هنللاك‬
‫إبراهيم المذبلح ورتلب الحطلب وربلط إسلحاق ابنله‬
‫ووضللعه علللى المذبللح فللوق الحطللب * ‪10‬ثللم مللد‬
‫إبراهيم يللده وأخللذ السللكين ليذبللح ابنلله * ‪11‬فنللاداه‬
‫ملك الللرب مللن السللماء وقللال‪ :‬إبراهيللم‪ ،‬إبراهيللم‬
‫فقال‪ :‬ها أنا ذا *‪12‬فقال‪ :‬ل تمد يدك إلى الغلم ول‬
‫تفعل به شيئا لني الن علمت أنك خائف الللله فلللم‬
‫تمسك ابنك وحيدك عني * ‪13‬فرفللع إبراهيللم عينيلله‬
‫ونظر وإذا كبللش وراءه ممسللكا فللي الغابللة بقرنيلله‬
‫فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقللة عوضللا‬
‫عن ابنه *‪14‬فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع‪) :‬يهوه‬
‫يرأه( حتى أنه يقال اليوم فللي جبللل )الللرب ي يللرى( *‬
‫‪15‬ونللادى ملك الللرب إبراهيللم ثانيللة مللن السللماء *‬
‫‪16‬وقال بذاتي أقسمت يقول الللرب أنللي مللن أجللل‬
‫أنللك فعلللت هللذا المللر ولللم تمسللك ابنللك وحيللدك *‬
‫‪17‬أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء‬
‫وكالرمل الذي على شاطئ البحر ويرث نسلللك بللاب‬
‫أعدائه«‪.‬‬

‫والنللص‪ ،‬كمللا يبللدو‪ ،‬ثللري بالمعلومللات المباشللرة‬


‫والهامة‪ ،‬فهو ييفيد بأن وقائع الذبح والفللداء والعهللد‬
‫قد حدثت عند سفح جبل‪ ،‬وبأن هذا الجبل لللم ي يللترك‬
‫همل ا بعد أن شهد تلك الوقائع‪ ،‬بل تحول إلى شللاهد‬
‫عليها واكتسب بذلك اسما يدل على تلللك الوظيفللة‪،‬‬
‫ي الله إبراهيم‬ ‫وبأن من أطلق عليه هذا السم هو نب ف‬
‫‪ ‬نفسه‪ ،‬وهو )ال رب ي رى(‪ ،‬وب أن ه ذا الس م ل م‬
‫يندثر‪ ،‬بل ظل مرتبطا بالجبل دال عليلله منللذ الحللدث‬
‫البراهيملللي وحلللتى وقلللت ظهلللور النلللص موضلللع‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫والمر ل يحتاج إلى نظر ثاقب حللتى نعقللد الصلللة‬


‫بين جبل عرفات والجبللل الللوارد فللي النللص كن يصللب‬
‫شاهد على الحداث‪ ،‬وكل ما علينا هللو التخلللص مللن‬
‫العناصر الدخيلة في النلص والللتي تبلدو ملن خللهللا‬
‫تدخل أهل الكتاب بقصد حذف كل مللا يتصللل بمكللة‪،‬‬
‫وإضافة بدائل عنها‪.‬‬
‫في أن كلمة موريا دخيلة على النص‬

‫إن أول اعتراض يتبادر إلللى الللذهن عنللد مقاربتنللا‬


‫بين عرفات والللرب يللرى‪ ،‬هللو اعللتراض يسللتند إلللى‬
‫النص نفسه‪ ،‬ويمكللن صللياغته علللى هللذا النحللو‪» :‬ل‬
‫يمكن بأي حال أن يدل اسللم الللرب يللرى علللى جبللل‬
‫عرفات‪ ،‬فالنص يحتوي على ثلثللة أدلللة تنفللي صلللة‬
‫الجبل بتلك المنطقللة‪ ،‬فللأول‪ :‬تأكيللد النللص علللى أن‬
‫مسرح الحداث هي أرض موريا وليست مكة‪ ،‬وثانيا‪:‬‬
‫إن شللخص الذبيللح هللو إسللحاق وليللس إسللماعيل‪،‬‬
‫وثالثا‪ :‬إن اسم الجبل هو الرب يرى وليللس عرفللات‪،‬‬
‫فبأي حق تعقد صلة بين اسم الرب يرى وبيللن جبللل‬
‫عرفات؟«‬

‫وسلنناقش الن أول ه ذه الدللة‪ ،‬وهلي أن النلص‬


‫يثبت أن موقع الحداث هو أرض موريا فللي منطقللة‬
‫الشام وليست مكللة‪ ،‬هللذا صللحيح‪ ،‬لكللن لفللظ موريللا‬
‫والذي يستند إليه أهل الكتاب‪ ،‬هو نفسه موضع شك‬
‫وارتياب إن كان حقا ا من النص أم دخيل عليه‪ .‬فهذه‬
‫العبارة‪» :‬اذهب إلللى أرض موريللا«‪ ،‬والللتي يعتمللدها‬
‫اليهود العبرانيون‪ ،‬قد حل محلهللا عبللارة أخللرى فللي‬
‫التوراة التي يعتمللدها يهللود السللامرة‪ ،‬وهللي‪» :‬سللر‬
‫)‪(1‬‬
‫ذاهبا إلى الرض المرشدة«‬

‫والتضلللارب بيلللن النسلللختين ملللن التلللوراة عنلللد‬


‫الطائفتين هو أمللر مفهللوم مللن خلل وقللائع أخللرى‬
‫هي النفصال عن بعضهما البعللض‪ ،‬وتعللذر التوافللق‬
‫حللول تحريللف معيللن واحللد للتللوراة‪ ،‬فظهللر الللدس‬
‫والوضللع عنللد طائفللة دون الخللرى‪ .‬تمامللا كمللا أن‬
‫المحقللق فللي جريمللة قللد ارتكبهللا شللريكين يظفللر‬
‫منهما بكللل الحقللائق الللتي يريللدها حيللن ينجللح فللي‬
‫العللزل بينهمللا بحيللث يتعللذر عليهمللا الكللذب باتفللاق‬
‫مسبق‪.‬‬

‫وهناك عبارة ثالثة عثر عليها في أقلدم مخطوطلة‬


‫عربية للتوراة‪ ،‬عمرها ألف عللام‪ ،‬ونشللرها د‪ .‬سللهيل‬
‫‪ ()1‬ناص التوراة السامرية‪1» :‬وكان بعد الخطسسوب هسسذه‪ ،‬امتحسسن اللسسه إبراهيسسم‪ ،‬وقاسسال لسسه يسسا‬
‫إبراهيم‪ ،‬فقال لبيك‪2 ،‬فقال خذ الن ابنك خصيصسسك السسذي أحببسست إسسسحاق‪ ،‬وسسسر ذاهبسسا إلسسى‬
‫الرض المرشدة‪ ،‬وأصعده هناك صعيدة على أخص الجبال‪ ،‬السسذي قالسست لسسك« )تكسسوين ‪-22/1‬‬
‫‪.(2‬‬
‫زكار عام ‪ ،2007‬والعبارة التي وردت فيها بللدل مللن‬
‫العبلللارتين السلللابقتين هلللي‪» :‬تعلللال إللللى الرض‬
‫العاليللة«‪ .‬إذا فكلمللة موريللا ليسللت وحيللدة مجمللع‬
‫عليها‪ ،‬بل هي إحدى ثلث كلمات استقرت كل منهللا‬
‫في توراة مختلفة عن الخريين‪.‬‬

‫وفللوق ذلللك‪ ،‬فاسللم )الرض المرشللدة( و)الرض‬


‫العالية( ل يبعدان كثيرا عن لقللب )أم القللرى( الللذي‬
‫عرفت به مكة‪ ،‬والرشاد والعلو والمامة هللي معللان‬
‫متقاربة‪ ،‬خاصة إذا كان موضوعها واحد وهللو علقللة‬
‫الرض المقصودة بمللا حولهللا مللن بلد‪ ،‬وعلللى ذلللك‬
‫يكون تعدد وجهة إبراهيللم عليلله السلللم دليللل علللى‬
‫عدم المصداقية‪ ،‬كما أن الوجهللات المتزاحمللة علللى‬
‫النص تشير من طرف خفي إلى مكة‪.‬‬
‫و أرض موريا من جبل مرتبط تاريخيا بإبراهيم‬
‫خل ف‬
‫والمشكلة ليسلت فقلط فلي )كلملة موريللا( الللتي‬
‫بالنص‪ ،‬وأنها غير ثابتة بيللن نسللخ التللوراة‪ ،‬بللل فللي‬
‫)أرض موريا( نفسها في الواقع‪ ،‬فهللي تخلللو تمامللا‬
‫من أي جبل معللروف بصلللته التاريخيللة بللإبراهيم ‪،‬‬
‫جح أنها حقا دخيلة على النص‪.‬‬ ‫وهو ما ير ل‬

‫ويمكن أن نصللل لقناعللة تامللة فللي هللذه المسللألة‬


‫حيللن نسللتعرض محللاولت علمللاء أهللل الكتللاب فللي‬
‫الخروج من مأزق جبل الللرب يللرى‪ ،‬وهللي محللاولت‬
‫يبدو فيها التللدليس والتنللاقض بشللكل واضللح‪ ،‬ومللن‬
‫أمثال ذلك‪ :‬قاموس سللترونج الكتللابي‪ ،‬فقللد ارتكللب‬
‫تدليسللا فاضللحا فللي تعريفلله لكلمللة ‪Jehovah_Jireh‬‬
‫حين زعم أن )يهوة يرأة( أو )الرب يرى( هي نفسها‬
‫اسم آخر لجبل موريا‪ ،‬فقد ورد فيه‪» :‬يهوة حيرى هللو‬
‫اسم للتعبير عن جبل الموريا«‪ ،‬والمقصود من هللذه‬
‫المحاولللة هللو أن نكللف عللن التفللتيش فللي منطقللة‬
‫موريا عن جبل بصللفات معينللة‪ ،‬والكتفللاء بللدل مللن‬
‫ذلك بأن كلمة موريلا نفسلها ه ي اسلم للجبلل‪ .‬إنله‬
‫يصوغ تعريللف الجبللل مللن النللص نفسلله ول يسللتدل‬
‫على صحة النص من شلليء واقعللي‪ ،‬وهللي مصللادرة‬
‫فل فيها أصحابها أتبللاعهم‪ .‬والمعللروف أن موريللا‬ ‫يغ ل‬
‫هي اسم منطقة كاملة‪ ،‬وتعود اسمها إلللى مللا قبللل‬
‫إبراهيللم بللألف عللام تقريبللا‪ ،‬وثبوتهللا تاريخيللا قبللل‬
‫إبراهيم هو أمر ثابت في النص نفسه‪» ،‬واذهب إلى‬
‫أرض المورفيا واصعده هناك محرقة على أحد الجبللال‬
‫الذي أقول لك«‪ ،‬ومعناهللا يختللف تماملا علن معنلى‬
‫كلمة )الرب يرى(‪.‬‬

‫وإليكم مثال آخر يبدو فيه الستحياء والتردد‪ ،‬وهو‬


‫ما ورد فللي قللاموس الكتللاب المقللدس فللي تعريللف‬
‫مصطلح الللرب يللرى‪ ،‬ورد فيله‪» :‬اسلم علبري معنللاه‬
‫يهوه ييرى وهو اسم أعطللاه إبراهيللم للموضللع الللذي‬
‫فيه أمره الله أن يقللدم إسللحاق ذبيحللة‪ ،‬وييرجللح أنلله‬
‫على جبل موريا في أورشليم‪ ،‬حيث الحرم الشللريف‬
‫اليوم«‪.‬‬

‫وهذا التعريف فيه اتكاء واضح على هالة القداسللة‬


‫على المكان‪ ،‬لليحللاء بللأنه طالمللا أن المكللان نفسلله‬
‫مقدس‪ ،‬فل بد من أن جبل العهد كان فيلله‪ ،‬رغلم أن‬
‫قداسللة المكللان ل تنهللض دليل علللى وجللود الجبللل‬
‫المقصود‪.‬‬

‫وهكللذا فليسللت كلمللة )موريللا( محللل إجمللاع بيللن‬


‫مخطوطللات الكتللاب المقللدس‪ ،‬ول تحتللوي منطقللة‬
‫موريا في الواقع علللى جبللل معللروف كللأثر تللاريخي‬
‫يتعلق بنبي الله إبراهيم‪ ،‬بل ول يمكن أصل أن يكون‬
‫جبل العهد في فلسطين طالما أنه ل يوجد جبل في‬
‫مهابة ومركزية جبل عرفات فللي مكللة‪ ،‬وهللو الجبللل‬
‫الللذي تنطبللق عليهللا علمللات الجبللل فللي النللص‬
‫التوراتي‪.‬‬
‫ولو نحينا النصوص جانبا‪ ،‬وقارنللا بيللن مكللة وأرض‬
‫موريا )فلسطين وغللرب الردن(‪ ،‬مللن حيللث احتللواء‬
‫كل منهمللا علللى جبللل تللاريخي متعلللق بللإبراهيم ‪،‬‬
‫لوجدنا أن المقارنة محسللومة لصللالح مكللة بل أدنللى‬
‫شك‪ ،‬ففي الفللترة الللتي هللاجر فيهللا الجيللل الرابللع‬
‫لبراهيم ‪ ‬م ن أبن اء يعق وب أرض فلس طين إل ى‬
‫مصر لتحسين ظللروف العيللش‪ ،‬فللي إشللارة ضللمنية‬
‫واضحة إلى أنهم خلفوا وراءهم أرضا ليس فيهللا أي‬
‫مقدسات دينية‪ ،‬كانت مكة قرية متنازع علللى شللرف‬
‫حكمها بين القبائل الكبرى حولها‪ ،‬حتى أن قداستها‬
‫قد خضعت لها أنوف العرب رغم حدة الصللراع فيمللا‬
‫بينهم‪ ،‬وما كان ذلك ليكون لللول حللدث دينللي تجللاوز‬
‫في قوته ما بين القبائللل العربيللة منشللدة وتطللاول‬
‫ي الله إبراهيللم ‪‬‬ ‫ولدد في الخصومة‪ ،‬حدث بقوة نب ف‬
‫نفسه‪ ،‬وبقوة أخذه الميثاق من الله بشأن ذريته‪.‬‬

‫واحتفاء الجماعة البشرية المحيطللة بالجبللل ليللس‬


‫فقلللط قرينلللة مطلوبلللة عقل للترجيلللح بيلللن مكلللة‬
‫وفلسطين‪ ،‬بل النص نفسه يخبر عللن علمللة للجبللل‬
‫هي أن المحيطين به يعرفللونه باسللمه وبصللفته‪*» :‬‬
‫‪14‬فدعا إبراهيللم اسللم ذلللك الموضللع‪) :‬يهللوه يللرأه(‬
‫حتى أنه يقال اليوم في جبل )الرب يرى(«‪ ،‬وهذا ما‬
‫لم يكن متوفرا إل في مكة‪.‬‬
‫الحتجاج بأن اسم )الرب يرى( ليس هو اسم‬
‫)عرفات(‬

‫وهنا تأخذ المعارضة منحى آخللر‪» :‬كيللف تزعللم أن‬


‫جبل اسمه عرفات هو نفسه الجبل الذي أطلق عليه‬
‫في النص‪ ،‬وهلو جبلل )اللرب يلرى(؟ وهلل يصلح أن‬
‫تكتفي بالقرائن التاريخية المكية دليل على حيازتكم‬
‫لجبل العهد‪ ،‬وتتجاهل اختلف اسم الجبل بين النص‬
‫كي؟«‬‫التوراتي والجبل الم ف‬
‫وهذا اعتراض قد يبدو منطقيا للوهلة الولى‪ ،‬غير‬
‫أن المور ل تبدو على مللا هللي عليلله دائملا ملن أول‬
‫نظرة‪ ،‬إن كلمة )الرب يللرى( ل تصلللح كاسللم للجبللل‬
‫طالما بقيت على دللتهللا الظاهريللة‪ ،‬فمللا معنللى أن‬
‫يطلق على جبل ملا اسلما هلو عبللارة علن خلبر بلأن‬
‫الرب يرى؟ وما علقة مضللمون ذلللك الخللبر بالحللدث‬
‫نفسه؟‬

‫أعتقللد أن الصللورة قللد اتضللحت عنللد مللن أحسللن‬


‫استيعاب ما ذكرناه آنفا من صلة بين فعللل المعرفللة‬
‫وفعللل الشللهود‪ ،‬وأن كلمللة عرفللات تعنللي الشللاهد‪،‬‬
‫فالمر إذا ليس بحاجة إلى إجهاد ذهن حتى نتفطللن‬
‫إلى أن فعل الرؤية يقللوم هنللا مقللام فعللل الشللهود‬
‫وفعل المعرفة من حيث دللته علللى فعللل الشللهود‪،‬‬
‫فل )الرب يرى( معناها هو معنى عرفات‪ ،‬وكل منهما‬
‫يعني )الرب يشهد( أو )الشاهد(‪.‬‬
‫سياق الحدث يدل على أن الرب يرى هي الرب‬
‫يشهد‬

‫ونحن نحتكم إلى سياق الكلمة في النص لندفع به‬


‫عن أنفسنا مظنة اتباع الهوى في حمل الكلمة على‬
‫غير معناها‪ ،‬وليس علينللا إل أن نشللير إلللى ملحظللة‬
‫بسيطة‪ ،‬هي أن هذه التسمية جاءت بعللد إبللرام أهللم‬
‫العهود بين الللله والنسللان بعللد ميثللاق الفطللرة‪*» :‬‬
‫‪16‬وقال بذاتي أقسمت يقول الللرب أنللي مللن أجللل‬
‫أنللك فعلللت هللذا المللر ولللم تمسللك ابنللك وحيللدك *‬
‫‪17‬أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء‬
‫وكالرمل الذي على شاطئ البحر ويرث نسلللك بللاب‬
‫أعدائه«‪ ،‬وأن نشير بعدها إلللى أن هللذا الجبللل بللذاته‬
‫كان من اختيار الله منذ البداية ليكون مشهدا للحدث‬
‫لدرجللة أن الوقللائع لللم تحللدث اتفاقللا‪ ،‬بللل انتقللل‬
‫إبراهيم ‪ ‬إلى جبل معين بناء على أمر الله ل ه‪*» :‬‬
‫‪2‬فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبلله إسللحاق واذهللب‬
‫إلى أرض المورفيا واصللعده هنللاك محرقللة علللى أحللد‬
‫الجبال الذي أقول لك«‪ ،‬ثم نشير بعدها إلى أن اسم‬
‫الجبلل هلذا كلان ملن وضلع إبراهيلم ‪ ‬بع د الح دث‬
‫والوعللد الشللهيرين‪ ،‬فهللل بعللد هللذا كللله يصللح أن‬
‫نتجاهل اسم )الرب يرى( أو أن نقتصر فللي نظرتنللا‬
‫له على المعنى الساذج عن الله وأن من صفاته أنلله‬
‫قادر علللى الرؤيللة؟ أليللس الدنللى إلللى الصللواب أن‬
‫يكون معنى )الرب يرى( هو‪) :‬الرب يشهد( علللى مللا‬
‫أبرم من عهد وميثاق بين الله وإبراهيم؟‬
‫الصلة اللغوية بين فعل الرؤية وفعل الشهود‬

‫ونحن حين عقللدنا صلللة بيللن فعللل الرؤيللة وفعللل‬


‫الشهود‪ ،‬لم نتعسف المر‪ ،‬بل أجريناه على مقتضى‬
‫اللغة وما تسمح به من أن يحل فعل محل آخللر فللي‬
‫الستخدام‪ .‬وأفعال الرؤية الحسية بوجه عللام‪ ،‬مثللل‬
‫فعللل الرؤيللة‪ ،‬يشللتق منهللا دللت معنويللة تنللاظر‬
‫دللتها الحسية‪ ،‬فكلمات‪ :‬مشاهدة‪ ،‬ونظر‪ ،‬وإبصللار‪،‬‬
‫ورؤية‪ ،‬كلها تللدل علللى الدراك البصللري‪ ،‬ومللع ذلللك‬
‫يشتق منها كلمات مثل‪ :‬شللهود‪ ،‬ونظريللة‪ ،‬وبصلليرة‪،‬‬
‫ورؤية )للمور(‪ ،‬وكلها تللدل علللى الدراك المعنللوي‪.‬‬
‫وفي النجليزية مثل تجد عبارة ‪I see‬تدل على معنللى‬
‫الرؤية البصرية‪ ،‬كما تدل على معنللى الفهللم وإدراك‬
‫المور‪.‬‬
‫تحريف أهل الكتاب لكلمة )الرب يرى(‬

‫بعللد فشللل أهللل الكتللاب فللي حسللم مسللألة جبللل‬


‫)الرب يللرى والعثللور علللى مسللمى للله فللي منطقللة‬
‫موريا )فلسطين وغرب الردن(‪ ،‬عمدوا إلللى تزييللف‬
‫دللتها في النص نفسه‪ ،‬ودس معنى آخر للسم غير‬
‫معنى الشهود‪ ،‬لن معنللى )النصللب الشللاهد( نفسلله‬
‫هو ما يحفز على البحث عن المكان‪ .‬فذهب بعضللهم‬
‫إلى تحريللف دللللة كلمللة )الللرب يللرى( نفسللها إلللى‬
‫كلمة )الرب يدبر(‪ .‬وهذا ما قام به واضللعوا النسللخة‬
‫المعروفة باسم )كتاب الحياة(‪ ،‬حيث أقحمللوا عبللارة‬
‫تفسيرية على النص نفسه‪ ،‬ووضعوها بيللن قوسللين‬
‫وهخ ي وللخرحأه‬
‫هلل ح‬
‫ن يح خ‬ ‫مك حللا و‬‫ك ال خ ح‬
‫م ذحل ولل ح‬ ‫سلل ح‬ ‫عا إبراهيم ا خ‬ ‫ود ح ح‬‫هكذا‪ ) :‬ح‬
‫فللي‬ ‫وم و » و‬ ‫حستى ال خي حلل خ‬ ‫ل ح‬ ‫ك يي ح‬
‫قا ي‬ ‫ول وذحل و ح‬
‫ب ي يدحب لير[ُ‪ .‬ح‬ ‫ه‪ :‬السر ر‬ ‫عحنا ي‬
‫م خ‬‫و ح‬‫] ح‬
‫ه ي يللحرى«(‪ ،‬وهللو تصللرف ل يليللق بنللص‬ ‫ح‬
‫ب ال ول و‬ ‫ل السر ل‬ ‫جب ح و‬‫ح‬
‫مقللدس‪ ،‬أن ترفللق معلله عبللارة تفسلليرية علللى هللذا‬
‫النحو‪.‬‬

‫أما واضعوا الترجمة المشتركة فقد أظهروا مزيلدا‬


‫من الجرأة عن أصحاب )كتاب الحياة(‪ ،‬فحذفوا كلمة‬
‫)الرب يرى(‪ ،‬واكتفوا بدل منله بكلملة )اللرب يلدبر(‪،‬‬
‫فأصبح التفسير جزء من النللص‪ ،‬وصللار المللر هكللذا‪:‬‬
‫ب ي يللدحلبر(‪ .‬في يقللا ي‬
‫ل‬ ‫ع )الللفر ر‬‫ض ح‬
‫مو و‬ ‫مى إبراهيم ذل و ح‬
‫ك ال ح‬ ‫)وس س‬
‫ب يدبفر(‪.‬‬‫ل الفر ل‬‫م‪ :‬هذا جب ي‬
‫إلى اليو و‬
‫وعفللوا ذلك بأن إبراهيم ‪ ‬كان يخبر ابنه بأن الل ه‬
‫سيدبر له الذبيحة لذلك سمي الجبل بل)الللرب يللدبر(‪،‬‬
‫وهو تبرير فاسد‪ ،‬لن فعل الشهود علللى العهللد هللو‬
‫أدنى إلى معنى الحدث من فعل تدبير الذبيحة وأكثر‬
‫)‪(1‬‬
‫ملئمة ليكون اسما للجبل كما وضحنا من قبل‪.‬‬

‫*‬

‫‪ ()1‬ورد في العهسسد القسسديم لفسسظ يشسسبه ناطقسسه العسسبري ناطسسق كلمسسة عرفسسات‪ ،‬وهسسو )بعرفسسو ‪/‬‬
‫רֲבעָּערֲרבָותֹ (‪ ،‬وترجمته في العربية هي )الصحاري(‪ ،‬وهو اللفظ الوارد في الية‪» :‬غأنوا لله‪ .‬رنامسسوا‬
‫لسمه‪ .‬أعدوا طريقا للراكب في القفار باسسسمه يسساه‪ ،‬واهتفسسوا أمسسامه« )مزمسسور ‪ .(68/4‬وقاسسد‬
‫ذهب البعض إل أن هذا اللفظ هو الدال على عرفسات‪ ،‬وأن ترجمتسه إلسى )الصسسحاري( أو إلسسى‬
‫)القفار( هو ناوع من التحريف في المعنى‪ .‬وهذا اعتقاد خاطئ‪ ،‬وترجمة النص صسسحيحة‪ ،‬وهسسي‬
‫)الصحاري(‪ ،‬وهي تنقسم إلى حرف רֲב الذي ينطق باء‪ ،‬وي دل عل ى ح رب الب اء ف ي العربي ة‬
‫حين يأتي بمعنى )في( مثل‪) :‬فلن بالبيت(‪ ،‬ثم كلمة )عرفو ‪ /‬עָּערֲרבָותֹ( فتكون كلها )بعرفو( أي‬
‫بالصسحاري‪ .‬وعرفسو هسسي عربسسو أو عربايسة‪ ،‬وهسسي كلمسسة معروفسسة فسسي السسرياناية وتسدل علسى‬
‫الصحراء‪ ،‬وأصل اشتقاقاها هي أن غأرب العراق كان منطقة صحراوية‪ ،‬فكسسان سسسكان العسسراق‬
‫القدامى يطلقون عليها الغرب‪ ،‬وغأينهم عين‪ ،‬فكاناوا يطلقون عليها العرب‪ ،‬ثم اناتقلت اللفسسظ‬
‫لتدل على معنى الصحراء عموما‪ ،‬ثم اناتقلسست لتسسدل علسسى سسساكني الصسسحراء‪ ،‬ثسسم اختسسص بهسسا‬
‫ساكني الجزيرة العربية فأطلق عليها عربا من هذا الباب‪.‬‬
‫وجه الصلة بين آدم وإبراهيم ومحمد عليهم السلم‬

‫لقد تأكدت لنا صلة جبل عرفات بالعهد اللهي من‬


‫طرق عدة‪ ،‬كان أهمها ارتباط الجبل بميثاق الفطرة‬
‫ي الللله آدم‪ ،‬غيللر أن لنللا وقفللة عنللد هللذا‬
‫عللبر نللب ف‬
‫التشللارك المحللدود بيللن آدم وإبراهيللم فللي جبللل‬
‫عرفات‪ ،‬إن قيمته أكبر مللن مجللرد التعريللف بمعنللى‬
‫الجبل ذاته‪.‬‬

‫لقلللد كنلللا نبحلللث علللن معنلللى وعملللق الحلللدث‬


‫البراهيمي‪ ،‬فقد كان دائما يبدو أمامنا وكأنه طفلرة‬
‫غير مفهومة في تاريخ العلقة بيللن الللله والنسللان‪،‬‬
‫صحيح أننا نعرف أصل الحظوة التي نالها إبراهيم ‪‬‬
‫بعد واقعة الشروع في ذبح البن‪ ،‬وأنها مكافئة على‬
‫ما أظهرته تلك الواقعة من التسليم للرب عز وجللل‪،‬‬
‫غيللر أننللا لللم نفهللم بعللدي العلللة مللن واقعللة الختبللار‬
‫نفسلللها‪ ،‬ول شلللك فلللي أن فهلللم ذللللك الحلللدث‬
‫البراهيمللي‪ ،‬ومللن ورائلله مناسللك الحللج ذاتهللا‪ ،‬مللن‬
‫خلل وقللائع آدم ‪ ‬يميط ان اللث ام ع ن جانبهم ا‬
‫النساني الكوني العام‪.‬‬
‫اشتراك آدم وإبراهيم في معنى البوة‬

‫دد معنللى البللوة بيللن آدم‬ ‫لنقللف يبرهللة أمللام تللر ف‬


‫ب‬‫وإبراهيم عليهمللا السلللم‪ ،‬أعنللي وضللع آدم ‪ ‬ك أ ت‬
‫ب للنبيللاء‪ ،‬صللحيح أن‬ ‫للبشللر ووضللع إبراهيللم ‪‬كللأ ت‬
‫موضوع البوة بالنسبة لدم وإبراهيم عليهما السلم‬
‫غير متطابق‪ ،‬وأن أبوة البشللر هللو أمللر يسللتحيل أن‬
‫يتكرر‪ ،‬وأنه يختلللف عللن أبللوة النبيللاء‪ ،‬غيللر أننللا لللو‬
‫أمعنا النظر واختزلنا مظهللحري البللوة إلللى مغزاهمللا‬
‫الدقيق‪ ،‬لظهر لنا وجهللا للشللبه لللم تكللن علللى قللدر‬
‫كاف من الوضوح‪.‬‬
‫إن أبوة إبراهيم للنبياء ل تعني أن ذريللة إبراهيللم‬
‫كلها أنبياء‪ ،‬بل تعني أن الفنبوة بعللده مقصللورة علللى‬
‫ذريته‪ ،‬وهذا نفسه هو معنى أبوة آدم للبشللر‪ ،‬فهللي‬
‫أيضا تعني أن الفنبوة مقصورة على ذريته‪ ،‬فكل مللن‬
‫آدم وإبراهيم إذا مختصان بأمر هو أن الفنبوة بعدهما‬
‫هي من ذريتهما‪.‬‬

‫إن وجه العتراض هنا قد يبدو على النحو التللالي‪:‬‬


‫»إن قولك بأن الن فبللوة مقصللورة علللى ذريللة آدم هللو‬
‫قول مضلل إلى حللد بعيللد‪ ،‬فمللا ثللم إل آدم وذريتلله‪،‬‬
‫فالقول بالقصر إذا فيه تعسف واختلق معنللى زائللد‬
‫لنه تحصيل حاصل ونتيجة حتمية«‪.‬‬

‫والواقع أن هذا العتراض أساسه الظن بأن معنى‬


‫الفنبللوة مسللتقل عللن معنللى البللوة‪ ،‬وأن التقللاطع‬
‫بينهمللا كللان عرضلليا فللي حالللة آدم ‪ ،‬وأن ه أك ثر‬
‫وضوحا في حالة إبراهيم ‪ ‬لسباب خاصة ب ه‪ ،‬غي ر‬
‫أننللا حيللن نعلللم أن إرسللال الرسللل وإنللزال الهدايللة‬
‫كانت لذرية آدم ‪ ‬في أعقاب إخلله بالعهد‪ ،‬ونعل م‬
‫أيضا أن مسللألة الذريللة هللذه ليسللت عارضللة‪ ،‬وأنهللا‬
‫تدور مع الظهور الكلللي للعهللد اللهللي وقتمللا كللان‪،‬‬
‫سواء مع آدم أو مع إبراهيم عليهما السلم‪.‬‬

‫ودعونا نؤكد المر من طريق آخر‪ ،‬وهو تتبع شللكل‬


‫الفنبوة بعد إبراهيم ‪ ،‬إنه يسير عل ى نف س من وال‬
‫التغير الذي ظهرت بداياته على يديه‪ ،‬أي من العموم‬
‫إلى التخصيص والتحديد‪ ،‬فالفنبوة قبل إبراهيم كللانت‬
‫مشللاعا فللي ذريللة آدم‪ ،‬ثللم أصللبحت خاصللة بذريللة‬
‫إبراهيم‪ ،‬وهي داخل ذرية إبراهيم كانت مشاعا فللي‬
‫ي‬
‫الفرع السرائيلي من ذريتلله‪ ،‬ثللم تركللزت فللي نللب ف‬
‫واحللد فللي الفللرع السللماعيلي منهللا‪ ،‬فللالفنبوة إذا‬
‫مضطردة في تغيرها نحو الللتركز والتحللدد والظهللور‬
‫من آدم ‪ ‬إلى إبراهيم ‪ ‬إلى محمد ﷺ‪.‬‬
‫وهذه قاعدة مضطردة حللتى بعللد النللبي محمللد ﷺ‬
‫ما كان‬ ‫ي الله محمد ﷺ ل ف‬ ‫ولكن من طريق النفي‪ ،‬فنب ف‬
‫يمثل تطورا جذريا في شكل الفنبوة‪ ،‬كمللا هللو الحلال‬
‫مع إبراهيم ‪ ،‬استلزم المر نظريا أن تكون الفنب وة‬
‫بعده في ذريته‪ ،‬لكنه لما كان آخللر النبيللاء‪ ،‬اقللترنت‬
‫مللا‬ ‫آخرية الفنبوة عنده بحنفي الولد عنه‪ ،‬قال تعالى‪ » :‬ح‬
‫ح‬ ‫ح‬
‫ل الل سلل و‬
‫ه‬ ‫سللو ح‬ ‫ول حك ولل خ‬
‫ن حر ي‬ ‫م ح‬‫جللال وك ي خ‬‫ر ح‬‫ن و‬ ‫ملل خ‬
‫د و‬‫حلل ت‬
‫مدر أب حللا أ ح‬ ‫ح س‬
‫م ح‬‫ن ي‬ ‫كا ح‬‫ح‬
‫عوليماا«‪.‬‬
‫ء ح‬ ‫ي ت‬‫ش خ‬ ‫ل ح‬ ‫ن الل س ي‬
‫ه ب وك ي ل‬ ‫كا ح‬‫و ح‬‫ن ح‬‫م الن سب وليي ح‬‫خات ح ح‬‫و ح‬ ‫ح‬
‫ومللن هنللا يمكللن ليللس فقللط عقللد صلللة بيللن آدم‬
‫وإبراهيللم‪ ،‬بللل رسللم ململلح تلللك الصلللة‪ ،‬وهللي أن‬
‫الحللدث البراهيمللي هللو طللور مللن أطللوار الحللدث‬
‫الدمي الول‪ ،‬وأن التغير من طور لخر داخل نطاق‬
‫العهد إنما يحكمه سمة التكثيف والظهار‪.‬‬
‫معنى وصف إبراهيم بأنه )الذي و ف‬
‫فى(‬

‫إن انتقال الن فبللوة مللن مجالهللا الدمللي العللام إلللى‬


‫المجال البراهيمي حيث تبدو أكثر كثافللة وظهللورا‪،‬‬
‫يفسر كل خصائص إبراهيم عليه السلم‪ ،‬إن الرجللل‬
‫الذي انتقل على يديه العهد اللهللي مللن طللور لخللر‬
‫يجللب أن يقللوم تسللوية حسللابه المتعلللق بللالطور‬
‫القديم‪ ،‬وأن يثبت له الوفاء فيما يتعلق بالعهللد فللي‬
‫شكله السابق قبل أن يصللير بدايللة شللكل جديللد للله‪،‬‬
‫ذي‬‫م ال سلل و‬
‫هيلل ح‬
‫وإ وب خحرا و‬
‫وهنللا نفهللم معنللى قللوله تعللالى‪ » :‬ح‬
‫فى«‪.‬‬ ‫و س‬
‫ح‬
‫لقد جرت العادة أننا نفسر وفاء إبراهيللم ‪ ‬ب أنه‬
‫نجح في الختبللار اللهلي‪ ،‬وأنله عللى إثلر ذللك نلال‬
‫المامة في الدين‪ ،‬وهذا التفسير صحيح ل شك فيه‪،‬‬
‫ن‬ ‫قال تعالى‪» :‬وإذخ ابت ححلى إبراهيم ربه بك حل ومات ح ح‬
‫ه س‬‫م ي‬
‫فأت ح س‬ ‫ح ت‬ ‫وخ ح و ح ح ر ي و‬ ‫خ‬ ‫ح و‬
‫مامللا«‪ ،‬لكننللا هنللا بصللدد‬ ‫ا‬ ‫إ‬
‫و و ح‬‫س‬ ‫للا‬
‫س‬ ‫ن‬‫لل‬
‫و‬ ‫ح‬
‫ك‬ ‫لل‬‫عل ي‬
‫جا و‬
‫ل إ ون لللي ح‬ ‫ح‬
‫قللا ح‬
‫تفسللير موقللف الختبللار نفسلله‪ ،‬ولمللاذا اختللار الللله‬
‫سبحانه رجل بعينه في وقت بعينه لييظهر على يديه‬
‫التسليم الكامل للمللر اللهللي‪ ،‬ثللم بعللد ذلللك يصللفه‬
‫فى بالعهللد حيللن‬ ‫بالوفاء؟ إن موقف إبراهيم الذي و ف‬
‫اجتاز الختبار‪ ،‬هو إنجاز لمهمة السير باتجللاه عكللس‬
‫التجللاه الللذي سللار فيلله آدم ‪ ‬حي ن نس ي العه د‬
‫فارتكب الخطيئة‪ ،‬وقد تاب الله سللبحانه عليلله‪ ،‬غيللر‬
‫أن ضرورة محو الخطأ ل تزال ماثلة‪.‬‬
‫وحدة موضوع الختبار اللهي بين آدم وإبراهيم‬

‫والصلللة بيللن آدم وإبراهيللم عليهمللا السلللم فللي‬


‫مسألة العهد اللهي يؤكدها وحدة موضللوع الختبللار‬
‫بينهمللا‪ ،‬وقللد يبللدو ظللاهرا أن اختبللار الكللل مللن‬
‫الشللجرة يختلللف عللن اختبللار ذبللح البللن‪ ،‬غيللر أن‬
‫المعنى الذي ينطللوي عليلله كللل منهمللا واحللد‪ ،‬وهللو‬
‫معنى متعلق بالخلود‪ ،‬وذلك أن آدم ‪ ‬حين أكل م ن‬
‫ن‬‫ع خ‬
‫ما ح‬‫ما حرب رك ي ح‬ ‫هاك ي ح‬‫ما ن ح ح‬
‫ل ح‬ ‫الشجرة كان يريد لخلود‪ » ،‬ح ح‬
‫قا ح‬
‫و تح ي‬ ‫ح‬ ‫كوحنللا ح ح‬ ‫ح‬
‫ن‬
‫ملل خ‬‫كوحنللا و‬ ‫نأ خ‬ ‫ملك حخيلل و‬ ‫ن تح ي‬
‫ة إ ول س أ خ‬
‫جحر و‬ ‫ه ال س‬
‫شلل ح‬ ‫ذ و‬ ‫هلل و‬ ‫ح‬
‫ن )‪ ، «(20‬وكللذلك إبراهيللم ‪ ،‬ك ان الم ر‬ ‫)‪(1‬‬
‫دي ح‬
‫خال ولل و‬‫ال خ ح‬
‫بذبح ابنه هو أمر بنفللي أحللد مظللاهر الخلللود عنللده‪،‬‬
‫وهو وجود النسل‪.‬‬
‫معنى أن إبراهيم أول الخلئق ييكسى‬

‫وسنؤكد على هذا المعنى على الفور من خصيصة‬


‫أخرى لبراهيم مقترنة بالوقائع الدميللة مللن طريللق‬
‫المخالفة‪ ،‬فإبراهيم عليه السلم ثبت عنه خبر النبي‬
‫ﷺ ‪» :‬أول الخلئق ييكسى إبراهيم عليلله السلللم«‪،‬‬
‫إنلله أيضللا جللزاء مشللتق بصللورة واضللحة مللن نقيللض‬
‫الجللزاء الللذي نللاله آدم عليلله السلللم‪ ،‬فنسلليان آدم‬
‫للعهد ووقللوعه فللي المعصللية قللد أدى إلللى فقللدانه‬
‫للتقوى بقدر معصيته‪ ،‬فمث فللل افتقللاره إلللى التقللوى‬

‫‪ ()1‬العراف‪20/‬‬
‫عري‪ ،‬فللأنزل الللله‬ ‫افتقاره إلى اللبللاس‪ ،‬فللأحس بللال ي‬
‫الهداية بصيغة تظهر فيها الصلة بين اللباس الحسي‬
‫الساتر للعورة وبين اللباس المعنللوي المتمثللل فللي‬
‫م‬ ‫قدخ حأنحزل خن حللا ح‬
‫عل حي خك يلل خ‬ ‫م ح‬ ‫التقوى‪ ،‬فقال تعالى‪» :‬حيا ب حوني آدح ح‬
‫وى ذحل ولل ح‬
‫ك‬ ‫قلل ح‬‫س الت س خ‬ ‫ريشللا ا ح‬
‫ول وب حللا ي‬ ‫و و‬ ‫وآت وك ي خ‬
‫م ح‬ ‫سلل خ‬
‫ري ح‬ ‫ل وحباسا ا ي يلل ح‬
‫وا و‬
‫ك«‪.‬‬ ‫خي خرر ذحل و ح‬
‫ح‬

‫ومن المؤكد أن هذه الصورة من الجللزاء الخللروي‬


‫لهللا صلللة بصللورة الجللزاء الخللروي المنللاقض لهللا‬
‫بالنسبة لدم عليه السلم‪ ،‬وذلك مستفاد مللن صلليغة‬
‫الحديث نفسها الذي ثبت فيه الخبر‪» :‬يا أيها النللاس‬
‫إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرل كمللا بللدأنا‬
‫أول خلق نعيده وعللدا علينللا إنللا كنللا فللاعلين أل وإن‬
‫أول الخلئللق يكسللى إبراهيللم عليلله السلللم ولبللاس‬
‫التقوى ذلك خير«)‪ ،(1‬والشاهد هنا هو أن عبارة »أول‬
‫الخلئق يكسللى إبراهيللم«‪ ،‬أعقبهللا عبللارة‪» :‬ولبللاس‬
‫التقوى ذلك خيللر«‪ ،‬وهلي العبللارة اللتي ذكلرت فلي‬
‫ل‬‫قللا ح‬ ‫خطاب الله تعالى لذريللة آدم ‪ ‬بع د هب وطه‪ » :‬ح‬
‫ح‬
‫قرر‬ ‫سللت ح ح‬ ‫م خ‬ ‫ض ي‬ ‫في الخر و‬ ‫م و‬ ‫ول حك ي خ‬‫و ح‬ ‫عد ي ر‬
‫ض ح‬ ‫ع ت‬ ‫م ل وب ح خ‬ ‫ضك ي خ‬‫ع ي‬ ‫طوا ب ح خ‬ ‫هب و ي‬ ‫ا خ‬
‫هللا‬ ‫في ح‬ ‫و و‬ ‫ن ح‬ ‫و ح‬ ‫ححيلل خ‬ ‫هللا ت ح خ‬‫في ح‬ ‫ل و‬ ‫قللا ح‬ ‫ن )‪ (24‬ح‬ ‫حيلل ت‬ ‫ع إ وحلللى و‬ ‫محتللا ر‬ ‫و ح‬ ‫ح‬
‫خ‬ ‫ح‬
‫قللدخ أنحزلن حللا‬ ‫م ح‬ ‫ن )‪ (25‬ي حللا ب حن وللي آدح ح‬ ‫جو ح‬ ‫خحر ي‬ ‫ها ت ي خ‬ ‫من خ ح‬
‫و و‬‫ن ح‬ ‫مويتو ح‬ ‫تح ي‬
‫وى‬ ‫قلل ح‬ ‫س الت س خ‬ ‫ول وب حللا ي‬ ‫ريشللا ا ح‬ ‫و و‬‫م ح‬ ‫وآت وك ي خ‬‫س خ‬ ‫ري ح‬ ‫وا و‬ ‫م ل وحباسا ا ي ي ح‬ ‫عل حي خك ي خ‬‫ح‬
‫ن )‪.«(26‬‬ ‫م ي حذسك سيرو ح‬ ‫ه خ‬ ‫عل س ي‬‫ه لح ح‬‫ت الل س و‬ ‫ن آحيا و‬ ‫م خ‬ ‫ك و‬ ‫خي خرر ذحل و ح‬ ‫ك ح‬ ‫ذحل و ح‬

‫وفللي النللص يظهللر معنللى البللدء والعللادة‪ ،‬وهللو‬


‫المعنى الذي يجسده إعادة إبراهيم ‪ ‬لوقائع آدم ‪‬‬
‫مللرة أخللرى لينقلهللا لمسللارها الصللحيح‪ ،‬وذلللك فللي‬
‫قوله‪» :‬إنكم محشورون إلى الللله حفللاة عللراة غللرل‬
‫كما بدأنا أول خلق نعيللده«‪ ،‬فللإبراهيم ‪ ‬ه و إع ادة‬
‫لوقائع آدم ‪ ،‬ووضع البشرية يوم الحشر ع راة ه و‬
‫وضع آدم ‪ ‬بعد المعصية وقبل الجزاء‪.‬‬

‫‪ ()1‬صححه اللباناي في الترغأيب والترهيب‬


‫وهنا تبرز ملمح أخللرى للصلللة بيللن آدم وإبراهيللم‬
‫عليهمللا السلللم‪ ،‬إن إبراهيللم ليللس مجللرد إظهللار‬
‫لحقائق العهد أو تكثيف لها‪ ،‬وهو ما اسللتنتجناه مللن‬
‫تغير شكل الفنبوة فللي الزمللان وتحللدد مجالهللا‪ ،‬لكنلله‬
‫أيضا إعادة لموقف آدم ‪ ‬نفسه بقصد محو ما فيها‬
‫من خطأ‪ ،‬ورفع ما فيها من آثار الزلل‪ .‬وهذا تفصيل‬
‫هللام جللدا لنلله ينعكللس رمزيللا علللى مناسللك الحللج‬
‫بطريقة يصعب فهمها إل من خلله‪.‬‬
‫معنى لباس الحرام‬

‫إن ثبوت الوفاء لبراهيم في الدنيا‪ ،‬وتقديمه على‬


‫كسوة يوم القيامة‪ ،‬وثبوت علقة ذلك‬ ‫الخلئق في ال ي‬
‫بشعور آدم بالعري في البداية‪ ،‬كل ذلللك يؤكللد علللى‬
‫أمر هام‪ ،‬وهو أن إبراهيم عليه السلللم ليللس مجللرد‬
‫حالللة إيمانيللة عاليللة‪ ،‬بللل حالللة إيمانيللة تللدور حللول‬
‫تقويم موقف آدم وإعادة تمثيله بشكل يلئم الرادة‬
‫اللهية‪.‬‬

‫ومحاكاة المة لفعال إبراهيللم ‪ ‬الخاص ة بالذب ح‬


‫هو تجسيد للمعنى الذي تدور حوله الحالللة اليمانيللة‬
‫للمة‪ ،‬إنها حالة محاكاة إبراهيم في تقللويمه للخطللأ‬
‫الدملي‪ ،‬للذلك كللان إبراهيللم أسلوة لنللا‪ ،‬وكللان هلذا‬
‫التأسي ثابت في حقنا كتكليللف دون النبيللاء‪ » :‬ح‬
‫قللدخ‬
‫كان حت ل حك ي ي‬
‫وال س و‬ ‫ح‬
‫)‪(1‬‬
‫ه« ‪.‬‬ ‫ع ي‬
‫م ح‬
‫ن ح‬
‫ذي ح‬ ‫م ح‬
‫هي ح‬
‫في إ وب خحرا و‬
‫ة و‬
‫سن ح ر‬
‫ح ح‬
‫وةر ح‬
‫س ح‬
‫مأ خ‬‫خ‬ ‫خ‬

‫وبساطة لباس الحرام وخلوه من الزينة هو لجل‬


‫أنه ل بد يجسد رمزيا ا »لباس التقوى« الذي يجللب أن‬
‫نرتديه‪ ،‬فيجب أن يخلو من قصد التزين‪ ،‬وأن يكتفى‬
‫عري الللذي شللعر بلله آدم بعللد‬
‫فيه بإبعاد الشللعور بللال ي‬
‫الخطيئة‪.‬‬

‫وعلى ذكر ملبس الحرام وصلتها بللالتقوى‪ ،‬فقللد‬


‫‪ ()1‬الممتحنة‪4/‬‬
‫كانت هناك عللادة عربيللة قبللل البعثللة بالمتنللاع عللن‬
‫الطواف حول الكعبة بللالملبس الللتي مارسللوا فيهللا‬
‫حياتهم اليومية بما فيها من ذنللوب‪ ،‬وبللدل مللن ذلللك‬
‫كانوا يطوفون عراة أو يشترون ملبللس جديللدة مللن‬
‫قريش أو يطوفوا بملبسهم ثم يتخلصللوا منهللا بعللد‬
‫الطواف‪.‬‬

‫ول نعلم مصدرا وثيقا تعود إليه تلللك العللادة‪ ،‬غيللر‬


‫أن صللتها بمللا ذكرنللاه ملن صللة رمزيلة بيللن لبلاس‬
‫الحرم وبين التقوى‪.‬‬
‫موضوع العهد‬

‫لقد ظفرنا إذا بنتيجة هامة‪ ،‬وهي أن إبراهيم عليه‬


‫السلللم يللؤدي مهمللة مللا فللي قصللة آدم‪ ،‬وهللي أنلله‬
‫الرجل الذي أعاد المشهد على نحو صحيح‪ ،‬فبدل من‬
‫أن يرتكب الخطيئة‪ ،‬فعل ما هللو صللواب‪ ،‬واسللتنتجنا‬
‫أيضا أن مناسك الحج ليست منفصلة عللن قصللة آدم‬
‫ول عن دور إبراهيم فيها‪ ،‬فهي ترميللز لواقللع المللة‬
‫المسلمة في حال محاكاتهلا لبراهيلم عليله السللم‬
‫في تقويمه لموقف آدم الول‪.‬‬

‫ول أظللن أن أحللدا يسللتطيع أن يزعللم أنلله يفهللم‬


‫معنى الحج والحدث البراهيمي على حد سللواء دون‬
‫أن يقدر هاتين النتيجتين حق قدرهما‪ ،‬فبوسعنا الن‬
‫على ضوئهما أن نحيل رموز الحج بشكل مباشر إلى‬
‫وقللائع آدم بللدل مللن أن نكتفللي بردهللا فقللط إلللى‬
‫إبراهيم عليه السلم فتظل مليئة بالثغرات‪ ،‬فللالرمز‬
‫بشكل عام يكون أكثر إفصاحا عن مكنونه حين يحال‬
‫إلى أصله مباشرة دون وسائط‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬لقللد‬
‫وقفنا على قاعدة وهللي أن تفاصلليل العهللد اللهللي‬
‫مع النسللان هللي نفسللها عكللس تفاصلليل الموقللف‬
‫الدملي الول‪ ،‬وبهلذا نسلتطيع فهلم سللائر مناسلك‬
‫الحج على نحو أكمل‪.‬‬
‫الطواف والتوافق مع الملئكة‬

‫لننتقل إذا ا بشعيرة الطواف مباشرة إلى قصة آدم‬


‫عليه السلم‪ ،‬صحيح أن بين الله إبراهيم هو من بنى‬
‫الكعبة‪ ،‬لكن ليس هناك ما يمنللع مللن اعتبللاره حلقللة‬
‫وسيطة بين الطواف وبين أحداث آدم عليه السلللم‪،‬‬
‫بل هناك ما يدفعنا دفعا إلى النظر فللي مللا ينطللوي‬
‫عليها الطواف من تلميح وإشارة إلى مللا أحللدثه آدم‬
‫عليه السلم من صدع في العلقة بالملئكة‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬إن الكعبة هي مثال للبيت المعمور‪ ،‬وهو بيت‬


‫ردنا عنه خبر بخلف تنللاظره مللع الكعبللة إل أنلله‬ ‫لم ي و‬
‫بيللت يللدخله كللل يللوم سللبعون ألفللا مللن الملئكللة ل‬
‫يعودون إليه‪ ،‬قال رسللول الللله ﷺ ‪» :‬ثللم عللرج إلللى‬
‫السماء السابعة‪ .‬فاستفتح جبريل‪ .‬فقيل‪ :‬مللن هللذا؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‪ .‬قيل‪ :‬ومن معللك؟ قللال‪ :‬محمللد‪ .‬قيللل‪:‬‬
‫فتح لنا‪ ،‬فإذا أنا‬‫وقد بعث إليه؟ قال‪ :‬قد بعث إليه‪ ،‬ف ي‬
‫بإبراهيم ﷺ‪ ،‬مسندا ظهره إلى البيت المعمللور‪ ،‬وإذا‬
‫هللو يللدخله كللل يللوم سللبعون ألللف ملللك ل يعللودون‬
‫إليه«‪ .‬إذا ا فالكعبة هي نظير بيت الملئكة‪ ،‬والطواف‬
‫هو طواف رمزي حول الملئكة‪ ،‬أو حول شيء يتعلق‬
‫بها‪ .‬صحيح أن الكعبة هي بيت الله ل بيللت الملئكللة‪،‬‬
‫لكللن يجللب أل يغيللب عللن أذهاننللا أن الملئكللة هللم‬
‫المسخرون لنفاذ إرادة الله في العللالم‪ ،‬فهللي بيللت‬
‫الله من هذا الوجه‪.‬‬

‫والسللؤال الللذي يلللوح هنللا هللو عللن السللبب الللذي‬


‫يدعونا إلى ملئمة الطواف بالوقائع الدميللة لمجللرد‬
‫أن الكعبة ذات صلة ما بالملئكة‪ ،‬الواقع أن المعصية‬
‫الولى كان لها أبعللاد عديللدة‪ ،‬فهللي لللم تكللن مجللرد‬
‫مخالفة للمر اللهي‪ ،‬ولكنهللا أيضللا مفارقللة للعللالم‬
‫الملئكللي ومشللاقة للله‪ ،‬وذلللك أن آدم عليلله السلللم‬
‫ارتكب المعصية بعد أن سجدت للله الملئكللة‪ ،‬وهللم »‬
‫ح‬
‫عيللو ح‬ ‫ن الل س ح‬
‫)‪(1‬‬
‫ن«‬‫ميرو ح‬ ‫ملا ييل خ‬
‫ؤ ح‬ ‫ن ح‬ ‫وي ح خ‬
‫ف ح‬ ‫م ح‬
‫هل خ‬
‫محر ي‬
‫ماأ ح‬‫ه ح‬ ‫صو ح‬
‫ع ي‬
‫ل يح خ‬
‫وما كان له أن يفعل ذلك‪ ،‬غيللر أن الللله سلبحانه قللد‬
‫تاب الله عليه لحسن توبته‪ ،‬لكن عليلله وعلللى أبنللائه‬
‫منذ ذلك الحين أن يعيدوا توافقهم مع الملئكللة كمللا‬
‫كان المر أول مرة‪.‬‬

‫والشريعة في أحد أبعادها ومقاصدها تضمن ذلللك‪،‬‬


‫مونحت المللة المحمديللة‬ ‫وقد ملثل لهذا المر رمزيا‪ ،‬ف ي‬
‫ذلك الوعد الذي أتللى علللى لسللان النللبي ﷺ‪»» :‬ملن‬
‫وافق تأمينه تأمين الملئكللة غفللر للله مللا تقللدم مللن‬
‫ذنبلله«)‪ ، (2‬كمللا منحللت أيضللا خصيصللة أخللرى‪ ،‬فقللال‬
‫رسول الله ﷺ‪» :‬أقيمللوا الصللفوف ؛ فإنمللا تصللفون‬
‫كصفوف الملئكة حادوا بين المناكب وسللدوا الخلللل‬
‫ول تذروا فرجات للشيطان ومن وصللل صللفا وصللله‬
‫الله«)‪ ، (3‬وق ال‪» :‬فض لنا عل ى الن اس بثلث‪ :‬جعل ت‬
‫صفوفنا كصفوف الملئكللة وجعللت لنللا الرض كلهللا‬
‫)‪(4‬‬
‫مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء«‬

‫الطواف والتساق مع العالم‬

‫لكللن لنعللد إلللى سللجود الملئكللة لدم‪ ،‬صللحيح أنلله‬


‫سلوك توافقت فيه الملئكة مللع آدم علللى نحللو مللا‪،‬‬
‫وصحيح أن على آدم ‪ ،‬أو ذريته‪ ،‬الع ودة إل ى ذل ك‬
‫التوافق‪ ،‬لكن ما هو مضمونه؟ وبعبارة أخرى‪ :‬ما هو‬
‫معنلللى سلللجود الملئكللللة لدم ‪ ‬؟ ث م أي م ن‬
‫استحقاقات ذلك السجود قد تبقت بعد أن غللادر آدم‬
‫العالم الملئكي إلللى الرض‪ ،‬وخرجللت الملئكللة مللن‬
‫مجال رؤيته هو وأولده؟‬
‫‪ ()1‬التحريم‪6 /‬‬
‫‪ ()2‬متفق عليه‬
‫‪ ()3‬السلسلة الصحيحة برقام ‪734‬‬
‫‪ ()4‬صحيح رواه مسلم وأحمد‪.‬‬
‫الواقع إن عين هذا الستشكال هللو أول المسللاك‬
‫بحل المسألة‪ ،‬إن ظهور عنصللر )العللالم( فللي المللر‬
‫يومئ بإشارة إلى أن وجود آدم فيه هو لمللر يتعلللق‬
‫بمللا حللدث فللي العللالم العلللوي‪ ،‬لنلله المجللال الللذي‬
‫سيعيد فيه آدم مشهده الول بشكل لئق‪ ،‬فل بد من‬
‫أن هذا العالم يحمل كل عناصر ذلك المشهد‪.‬‬

‫والواضح أن تسللخير العللالم الللدنيوي لدم هللو أثللر‬


‫سجود الملئكللة للله‪ ،‬فهللم المكلفللون بتنفيللذ الرادة‬
‫اللهية فيه‪ ،‬فإذا كانت الملئكة قد سجدت لدم‪ ،‬فها‬
‫هللو العللالم مسللخر للله‪ ،‬وإذا كللان آدم الن مكلللف‬
‫بالتوافق مع الملئكة‪ ،‬فهللو مكلللف بللالتوافق معهللم‬
‫عن طريق التساق مع العالم‪.‬‬

‫ونهاية العالم بعد انقطاع ذرية آدم تماما عن المر‬


‫اللهي هو أيضللا يللدل علللى صلللة العللالم بالمسللألة‪،‬‬
‫فللزوال العللالم هللو زوال للمجللال الللذي فشللل فيلله‬
‫النسان في استمرارية صلته بالله وبالملئكة‪ .‬قللال‬
‫ت‬‫واسزي سحنلل خ‬‫هللا ح‬ ‫ف ح‬‫خير ح‬‫ض يز خ‬ ‫ت الخر ي‬
‫ح‬
‫خللذح خ‬‫ذا أ ح ح‬‫حستللى إ و ح‬ ‫تعللالى‪ » :‬ح‬
‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ن أح خ‬
‫ميرن حللا ل حي خل ا أ خ‬
‫و‬ ‫هللا أ خ‬‫هللا أحتا ح‬ ‫عل حي خ ح‬
‫ن ح‬ ‫قللاوديرو ح‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬
‫ها أن س ي‬ ‫هل ي ح‬ ‫وظح س‬ ‫ح‬
‫س« ‪،‬‬‫)‪(1‬‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫ا‬
‫هللارا ح‬
‫م و‬ ‫ن ب وللال خ‬ ‫غلل ح‬
‫م تح خ‬ ‫ن للل خ‬ ‫صلليدا كللأ خ‬ ‫ح و‬‫هللا ح‬ ‫علحنا ح‬ ‫ج ح‬‫ف ح‬ ‫نح ح‬
‫وقللال رسللول الللله ﷺ ‪» :‬ل تقللوم السللاعة حللتى ل‬
‫يقال في الرض الله«)‪. (2‬‬

‫والمؤكد أن نهاية العالم هي نتيجللة لشلليوع الشللر‬


‫بالمعنى المجمل للكلمللة‪ ،‬بللل لفشللل النسللان فللي‬
‫حمل أمانة العهد‪ ،‬فسقوط النسان هو نبأ إلهي جاء‬
‫ضللحنا‬
‫عحر خ‬ ‫في سياق تحميله للعهد‪ ،‬قال تعللالى‪ (» :‬إ ون سللا ح‬
‫ن‬ ‫ح‬ ‫عل حللى السللموات وال حرض وال خجبللال ح ح‬ ‫ح‬
‫نأ خ‬ ‫فللأب حي خ ح‬ ‫خ و ح و ح و‬ ‫س ح ح و ح‬ ‫ة ح‬‫مان ح ح‬ ‫ال ح‬
‫ن‬‫ه ك حللا ح‬ ‫ن إ ون سلل ي‬
‫سللا ي‬ ‫مل ح ح‬
‫هللا ال ون خ ح‬ ‫ح ح‬
‫و ح‬
‫هللا ح‬
‫من خ ح‬
‫ن و‬ ‫ف خ‬
‫ق ح‬ ‫وأ ح خ‬
‫شلل ح‬ ‫مل خن ح ح‬
‫ها ح‬ ‫ح و‬ ‫يح خ‬

‫‪ ()1‬يوناس ‪24 /‬‬


‫‪ ()2‬رواه مسلم‬
‫هول ا «)‪. (1‬‬ ‫ظحيلوما ا ح‬
‫ج ي‬

‫إن سجود الملئكة لدم هو مراسم تسلم النسللان‬


‫مسؤوليته عن العالم‪ ،‬وذلللك بحكللم أن الملئكللة هلم‬
‫المسللخرين لنفللاذ مشلليئة الخللالق سللبحانه فيلله‪،‬‬
‫فتكون مشيئة الله في العالم هي بحسللب تصللرفات‬
‫النسان بعد ذلللك‪ ،‬وهللذا هللو السللبب فللي أن فسللاد‬
‫الشللياطين ل يحقللق إفنللاء العللالم‪ ،‬كمللا أن صلللح‬
‫الملئكة ل يؤدي لبقللائه‪ .‬إن معنللى توسللط الملئكللة‬
‫بين النسان وبين العالم في طريقلله للتوافللق معلله‬
‫هو أنه يتوافق مع العالم من حيللث هللو خاضللع لمللر‬
‫الله‪.‬‬

‫وسنغادر تحليللل العلقللة بيللن النسللان والملئكللة‬


‫والعالم لننتقل إلى رمز تلك العلقة‪ ،‬وهللو الطللواف‬
‫بالكعبللة ووجلله قرابتلله بمعنللى التوافللق مللع العللالم‪،‬‬
‫سننتقل لمجال العجاز العلمي‪ ،‬ففيلله قللول ا ل نجللد‬
‫سببا وجيها لستبعاده‪ ،‬وهو عن التطابق بيللن اتجللاه‬
‫الطللواف حللول الكعبللة واتجللاه حركللة المللادة فللي‬
‫العالم‪ ،‬سواء كانت بالغة الكحبر مثل الجرام الفلكية‪،‬‬
‫أو بالغة الصغر مثل الجسيمات الذريللة‪ ،‬فكللل منهمللا‬
‫عكس عقارب الساعة‪ ،‬وهللي ملحظللة تتماشللى مللع‬
‫رمزية الطواف للعلقة بالعالم بشللكل عللام‪ ،‬لسلليما‬
‫وأن العدد سبعة‪ ،‬وهو عللدد الشللواط الواجبللة حللول‬
‫الكعبللة‪ ،‬قللد ارتبللط فللي ظهللوره بخلللق السللماوات‬
‫والرض التي كانت في ستة أيام‪ ،‬وكان سابعها يوم‬
‫الجمعة الذي خلق فيه آدم نفسه‪ ،‬وذلك مستفاد من‬
‫قول رسول الله ﷺ‪» :‬خلق الله التربة يللوم السللبت‬
‫وخلق فيهللا الجبللال يللوم الحللد وخلللق الشللجر يللوم‬
‫الثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النللور يللوم‬
‫الربعاء وبث فيها الدواب يللوم الخميللس وخلللق آدم‬
‫بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق من آخر ساعة‬
‫‪ ()1‬الحزاب‪27/‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الجمعة فيما بين العصر إلى الليل«‬

‫رغم أننا لم نتللبين بعللد ململلح هللذا العللدد الخللاص‬


‫بالسماوات والرض من الناحية العلمية‪ ،‬بل ول نعلم‬
‫مللا إذا كللانت المسللألة متاحللة أصللل أمللام مرحلللة‬
‫مسللتقبلية مللن مراحللل علللم الفلللك‪ ،‬أم أنهللا تظللل‬
‫غيبية مبهمة‪ ،‬غير أنه أمر ثابت قطعا بنللص القللرآن‪،‬‬
‫ويقيننا به هو نفس يقيننا بأن عدد أشواط الطللواف‬
‫سللبعة‪ ،‬والمللر والخللبر مللن مصللدر واحللد ل يللأتيه‬
‫الباطل‪.‬‬

‫والطواف‪ ،‬سواء كان طواف العالم بحركللة المللادة‬


‫أو طواف المة حللول الكعبللة‪ ،‬هللو الصللورة الحسللية‬
‫لمعنى التلبية لنداء الرب سبحانه والتسليم له‪ ،‬لكنلله‬
‫تسليم قسللري للعللالم‪ ،‬وتسللليم طللوعي إرادي مللن‬
‫المة التي هي الصورة الجماعية للنسللان المسلللم‪.‬‬
‫ورمزية التيان الطوعي لله في ظللاهرة الحللج تبللدو‬
‫في فرضها الحج على التراخي وحين الستطاعة‪.‬‬
‫العالم في الوقائع البراهيمية‬

‫والحللدث البراهيمللي نفسلله ينطللوي علللى رمزيللة‬


‫توافقه مع العالم كجانب من جوانب الوفللاء بالعهللد‪،‬‬
‫فللى«‪ ،‬وذلللك‬ ‫و س‬
‫ذي ح‬‫م ال سلل و‬
‫هيلل ح‬
‫ويبعد من أبعاد كللونه »إ وب خحرا و‬
‫يبدو واضحا في أكثر من خبر‪ ،‬فمنه قول النللبي ﷺ‪:‬‬
‫قه‬‫»أول مللن ييكسللى مللن الخلئللق إبراهيللم«‪ ،‬فسللب خ و‬
‫لل)الخلئق( في الكسوة تدل على سبقه للنللاس مللن‬
‫حيث هم جزء في إطار يشملهم هو العللالم المحيللط‬
‫بهم‪.‬‬

‫وسنجد الشارة إلى صلللة إبراهيللم بالعللالم تتكللرر‬


‫في موضعين آخرين‪ ،‬الول‪ :‬حديث يذكر فيلله النللبي‬
‫ﷺ خصيصة من خصائص إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فعن‬
‫‪ ()1‬صحيح اللباناي‬
‫أنس قال‪) :‬جاء رجل إلى النبي ﷺ فقللال‪) :‬يللا خيللر‬
‫البريللة(‪ ،‬فقللال رسللول الللله ﷺ‪» :‬ذاك إبراهيللم«()‪.(1‬‬
‫فكلمللة )البريللة( تعيللد دللللة كلمللة الخلئللق بشللكل‬
‫واضح‪ .‬أما الموضع الثاني فهو خبر إلهي عن تمكين‬
‫إبراهيم عليه السلللم مللن رؤيللة ملكللوت السللماوات‬
‫ت‬ ‫مل ح ي‬
‫كللو ح‬ ‫م ح‬
‫هيلل ح‬
‫ري إ وب خحرا و‬ ‫ك ني و‬‫وك حذحل و ح‬
‫والرض‪ ،‬قال تعالى‪ » :‬ح‬
‫ح‬
‫ن«‪.‬‬ ‫قوني ح‬‫مو و‬ ‫ن ال خ ي‬ ‫م خ‬‫ن و‬ ‫كو ح‬ ‫ول وي ح ي‬
‫ض ح‬
‫والخر و‬
‫ت ح‬
‫وا و‬
‫م ح‬
‫س ح‬
‫ال س‬
‫أما الشارة الكثر وضوحا في دللتها على طبيعللة‬
‫الصلة بين إبراهيم وبين العالم‪ ،‬فهللي أنلله لللم تكللن‬
‫دابة إل تطفئ النار عنه إل الوزغ الذي أمرنا بقتللله‪،‬‬
‫قال رسول الله ﷺ ‪» :‬إن إبراهيم عليه السلم حيللن‬
‫ألقي في النار لم تكن دابة إل تطفي النار عنه غيللر‬
‫الوزغ فإنه كان ينفخ عليه«‪ (2).‬والدللللة الللتي يفصللح‬
‫عنها ذلك حدث ولء الللدواب لبراهيللم‪ ،‬هللي أنلله قللد‬
‫حقق المثل العلى في انسجامه مع الخلق‪.‬‬

‫بوسعنا إذا أن نعرض المسألة على هذا النحللو‪ :‬إن‬


‫النسان قد يأهبط إلى العالم بعد نسلليانه مقتضلليات‬
‫العهد‪ ،‬وأن هذا النسلليان لللم يقتصللر أثللره علللى آدم‬
‫في ذاته‪ ،‬بل يبدو أنه قد تعدى ذلك إلى إحداث صدع‬
‫وتللوتر فللي علقللة آدم بالعللالم‪ ،‬وأن آدم قللد يأهبللط‬
‫ليعالج هذا الصدع فلي إطللار سلعيه لعلادة المشلهد‬
‫كله على نحو لئق‪ ،‬ولقد تمثل ذلللك بتللوفير إمكانيللة‬
‫م ح‬
‫قللدخ‬ ‫عللري‪» :‬ي حللا ب حن وللي آدح ح‬ ‫الكتساء مللرة أخللرى بعللد ال ي‬
‫س‬ ‫ريشللا ا ح‬
‫ول وب حللا ي‬ ‫و و‬‫م ح‬ ‫وآت وك ي خ‬
‫سلل خ‬
‫ري ح‬ ‫وا و‬‫م ل وحباسللا ا ي يلل ح‬ ‫حأنحزل خحنا ح‬
‫عل حي خك ي خ‬
‫ن«‪،‬‬ ‫م ي حذسك سيرو ح‬‫ه خ‬‫عل س ي‬
‫ه لح ح‬‫ت الل س و‬ ‫ن آحيا و‬‫م خ‬ ‫ك و‬ ‫خي خرر ذحل و ح‬‫ك ح‬ ‫وى ذحل و ح‬ ‫ق ح‬ ‫الت س خ‬
‫أما ما يجسده الحدث البراهيمي فللي إطللار العلقللة‬
‫مع العالم‪ ،‬فهللو لحظللة مثاليللة لنجللاح النسللان فللي‬
‫تحاشي خطئه الول‪ ،‬وأن هذا تمثل في توافللق تللام‬
‫بين إبراهيم بين العالم‪.‬‬
‫‪ ()1‬السلسلة الصحيحة برقام )‪.(3344‬‬
‫‪ ()2‬صحيح اللباناي‬
‫رجم نصب الشيطان‬

‫جاء الخبر عن النبي ﷺ بأن رمي الجمار هللو فعللل‬


‫إبراهيم عليه السلم لما عللرض للله الشلليطان‪ ،‬قللال‬
‫ﷺ‪:‬لل »أتللى إبراهيللم خليللل الللله صلللوات الللله عليلله‬
‫وسلللمه المناسللك عللرض للله الشلليطان عنللد جمللرة‬
‫العقبة فرماه بسبع حصليات حلتى سلاخ فللي الرض‬
‫ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات‬
‫حللتى سللاخ فللي الرض ثللم عللرض للله عنللد الجمللرة‬
‫الثالثة فرماه بسبع حصلليات حللتى سللاخ فللي الرض‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما الشيطان ترجمللون‬
‫)‪(1‬‬
‫وملة أبيكم إبراهيم تتبعون«‬

‫والواقع أن هذا الحدث لو أخذ دون اعتبار للسللياق‬


‫الدمي الول‪ ،‬لظل مبهمللا غيللر واضللح‪ ،‬إذ مللا الللذي‬
‫يفسللر تعللرض الشلليطان لبراهيلم بطريللق الظهلور‬
‫المباشر وليس الوسوسة في خفاء؟ وما هي أهميللة‬
‫هذه الواقعة كي يتفسح لها مكان في مناسللك الحللج‬
‫وهو شعيرة رمي الجمار؟‬

‫إن دخللول الشلليطان فللي مجللال الحللس يعنللي أن‬


‫المشهد هللو ذو طبيعللة رمزيللة تفللرض علينللا النظللر‬
‫فيما وراءها‪ ،‬وبشكل عللام‪ ،‬فكللل الوقللائع المتعلقللة‬
‫بظاهرة الحج هي ذات طبيعة رمزية حللتى لللو كللانت‬
‫بعيدة زمنيا عن المناسك نفسها‪ ،‬وهذه علللة أن أمللر‬
‫الللله سللبحانه لبراهيللم بذبللح ابنلله كللان عللن طريللق‬
‫الرؤيا وليس الوحي‪.‬‬

‫إن الرجم هو حكم رمللزي بالشللذوذ‪ ،‬وذلللك مسللتفاد‬


‫من ضرورة تنفيذ حكم الرجم على الزانللي والزانيللة‬
‫بمشهد من طائفة من المؤمنين‪ ،‬لنه إظهار لمعنللى‬
‫شذوذ الفعل عن المجتمع‪.‬‬

‫‪ ()1‬صحيح اللباناي‬
‫ورجم الشلليطان هللو حكللم بشللذوذه‪ ،‬وضللرورة هللذا‬
‫الحكللم تتضللح مللن خلل اضللطراد معنللى الشللذوذ‬
‫الشيطاني في الدوائر الثلثة‪ ،‬دائرة الوقائع الدمية‬
‫ثم البراهيمية ثم مناسك الحج‪ ،‬فموقف إبليللس لللم‬
‫يكن قائملا برأسلله‪ ،‬بللل كللان اسللتثناءا وشلذوذا عللن‬
‫الملئكة‪ ،‬وهذه هي العلة الللتي لجلهللا أقيللم بينهللم‬
‫ليكون استكباره شذوذا عنهم‪.‬‬
‫وفي دائرة الوقائع البراهيمية عاد معنى الشللذوذ‬
‫مللرة أخللرى‪ ،‬فللالوزغ الللذي كللان ينفللخ النللار علللى‬
‫إبراهيم لم يكن مستقل بنفسه‪ ،‬بل كللان فللي إطللار‬
‫ظهر فيه كشذوذ عن أصل‪ ،‬وهو أنه كان بين الدواب‬
‫التي كانت كلهللا تحللاول إطفللاء النللار عللن إبراهيللم‪،‬‬
‫فشذ هو عنها بالنفخ عليه‪.‬‬

‫أما في مناسك الحج فقد تجلى معنى الشر الشاذ‬


‫هذا في حكم استثناء الفويسقات الخمسة من حكللم‬
‫تحريم قتل الصيد‪» :‬خمس مللن الللدواب ليللس علللى‬
‫المحرم في قتلهن جناح الغلراب والحلدأة والعقلرب‬
‫والفأرة والكلب العقور«)‪. (1‬‬

‫إن العللداء مللع الشلليطان هللو أهللم أبعللاد تصللحيح‬


‫الموقف الول‪ ،‬وذلك لن الشيطان نفسه كللان فيلله‬
‫مطاعا‪ ،‬فيجب أن يكون الشيطان عند أبناء آدم غيللر‬
‫مطاع‪ ،‬غير أن مجرد عللدم الطاعللة ل يكفللي لتعلديل‬
‫الموقللف‪ ،‬بللل ل بللد مللن العللداء‪ ،‬وذلللك لن الطاعللة‬
‫الولى نفسها لم تكن إل طاعة فللي موقللف عللدائي‬
‫مللن الشلليطان لللله وللنسللان‪ ،‬فيجللب تحويللل هللذا‬
‫العللداء إليلله‪ ،‬كمللا يجللب أن يكللون ذلللك لجللل عللداء‬
‫مشترك منه لله وللنسان‪.‬‬

‫وقصة إبراهيم مللع أبيلله تللأتي فللي سللياق الحللدث‬

‫‪ ()1‬متفق عليه‪.‬‬
‫البراهيمي كتعديل للحدث الدمللي‪ ،‬فعللداء إبراهيللم‬
‫خللا ي ح‬ ‫ت إ ون لللي أ ح ح‬ ‫ح‬
‫ن‬
‫فأ خ‬ ‫‪ ‬لبيه كان عداء للشيطان‪» :‬حيا أب ح و‬
‫ول وفيلاا«‪،‬‬
‫ن ح‬‫طا و‬‫شلي خ ح‬ ‫ن ولل س‬ ‫فت حك يللو ح‬
‫ن ح‬
‫ملل و‬
‫ح ح‬
‫ن السر خ‬
‫م خ‬
‫ب و‬ ‫ع ح‬
‫ذا ر‬ ‫س ح‬
‫ك ح‬ ‫م س‬‫يح ح‬
‫ثم إن العداوة كللانت مللن إبراهيللم لبيلله‪ ،‬وفللي هللذا‬
‫إظهللار لمعنللى مخالفللة الب‪ ،‬وفيهللا إشللارة إلللى‬
‫مخالفة آدم في موقفه الول‪ ،‬مع وجود الفرق بيللن‬
‫ي تاب الله عليه وبين مشرك أصر على الشرك‪.‬‬ ‫نب ف‬
‫ومبادلة العداء بمثله تبدو في صياغة الية نفسها‪،‬‬
‫فأبو إبراهيم يتوعده بالرجم الذي صللار شللعيرة فللي‬
‫هت وللي ي حللا‬ ‫ح‬ ‫ل أ ححرا و‬ ‫مناسللك الحللج‪ » :‬ح‬
‫قللا ح‬
‫ن آل و ح‬‫علل خ‬
‫ت ح‬
‫ب أن خلل ح‬‫غلل ر‬
‫ا )‪(1‬‬ ‫ح‬
‫مل وي فا« ‪.‬‬ ‫جخروني ح‬ ‫ه ي‬
‫وا خ‬ ‫ك ح‬‫من س ح‬
‫ج ح‬
‫ه لخر ي‬ ‫ن لح خ‬
‫م حتنت ح و‬ ‫م ل حئ و خ‬
‫هي ي‬
‫إ وخبرا و‬

‫وسننتقل هنا بمعنى العللداء للشلليطان إلللى المللة‬


‫نفسللها‪ ،‬ل إلللى مناسللكها الرمزيللة‪ ،‬إن العللداء مللع‬
‫الشيطان كما أنله فعلل إبراهيلم ‪ ‬باعتب اره عكس ا‬
‫لمسار فعل آدم‪ ،‬فهو تكليف للمة باعتبار أنها تؤدي‬
‫نفس وظيفة إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ولقد ذكرنا دللة‬
‫الشللبه الحسللي بيللن إبراهيللم ومحمللد ﷺ قبللل ذلللك‬
‫قللدخ‬ ‫بالنظر إلى تشابهما في عكس الموقف الول‪ » :‬ح‬
‫كان حت ل حك ي ي‬
‫ه إ وذخ‬
‫علل ي‬ ‫م ح‬ ‫ن ح‬ ‫ذي ح‬ ‫وال سلل و‬ ‫م ح‬ ‫هيلل ح‬ ‫في إ وب خحرا و‬ ‫ة و‬‫سن ح ر‬ ‫ح ح‬ ‫وةر ح‬ ‫س ح‬ ‫مأ خ‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫ح‬
‫ن‬ ‫دو و‬ ‫ن ي‬ ‫ملل خ‬ ‫ن و‬ ‫دو ح‬ ‫عب يلل ي‬‫مللا ت ح خ‬ ‫م س‬
‫و و‬‫م ح‬ ‫من خك ي خ‬
‫م إ وسنا ب يحرآءي و‬ ‫ه خ‬ ‫م و‬ ‫و و‬
‫ق خ‬‫قايلوا ل و ح‬ ‫ح‬
‫ضللاءي‬ ‫غ ح‬ ‫وال خب ح خ‬‫وة ي ح‬‫دا ح‬ ‫علل ح‬ ‫م ال خ ح‬‫وب حي خن حك يلل خ‬‫دا ب حي خن ححنا ح‬‫وب ح ح‬
‫م ح‬ ‫فخرحنا ب وك ي خ‬ ‫ه كح ح‬ ‫الل س و‬
‫ح‬
‫ه‬ ‫م ل حب ويلل و‬ ‫هيلل ح‬‫ل إ وب خحرا و‬ ‫و ح‬ ‫حللدحهي إ ول س ح‬
‫قلل خ‬ ‫و خ‬‫ه ح‬ ‫مينوا وبالل س و‬ ‫ؤ و‬‫حستى ت ي خ‬ ‫أحبدا ا ح‬
‫ك«‪ .‬والتأسللي بللإبراهيم هنللا جللاء فللي‬ ‫ن ل حلل ح‬ ‫فحر س‬ ‫غ و‬‫سللت ح خ‬ ‫ح‬
‫ل خ‬
‫موقف العداء مع الشيطان في قومه‪ ،‬لنه أهم أبعاد‬
‫العهد اللهي‪.‬‬

‫لكن لنا وقفة عند معنى العللداء مللع الشلليطان‪ ،‬لنلله‬


‫إذا كان العهد اللهي مسلتغرق للنللاس كافلة‪ ،‬وكلان‬
‫قتال المشركين هو مظهره النساني‪ ،‬فلم اختصللت‬

‫‪ ()1‬مريم‪46/‬‬
‫المة المحمدية بظهوره على نحللو غيللر معهللود فللي‬
‫المم السابقة‪ ،‬وقللد أخللبر النللبي عللن نفسلله قللائل‪:‬‬
‫ه‬
‫ف حللتى ييعبللدح الللل ي‬ ‫ة بالسللي و‬‫دي السللاع و‬ ‫ت بيللن يلل ح‬‫عث ي‬ ‫»ب ي و‬
‫حللي‬ ‫ل رم و‬ ‫ت ظلل ل‬ ‫قللي تحلل ح‬ ‫ل رز و‬‫علل ح‬‫ج و‬
‫ك للله و ي‬‫ده ل شري ح‬ ‫وح ح‬
‫ملن‬ ‫ري و ح‬ ‫ملن خلالف أمل و‬ ‫ل والصللغاير عللى ح‬ ‫ل اللذ ر‬‫ع ح‬‫ج و‬ ‫و ي‬
‫ت أن أقاتللل‬ ‫ي‬ ‫)‪(1‬‬
‫مللخر ي‬
‫تشسبه بقوم ت فهو منهم« ‪ ،‬وقللال‪» :‬أ و‬
‫ه‪ ،‬فإذا قالوا‪ :‬ل إللله‬ ‫الناس حتى يقولوا‪ :‬ل إله إل الل ي‬
‫قهللا‪،‬‬ ‫ءهم وأمللواحلهم إل ب ح‬
‫ح ل‬ ‫من لللى دمللا ح‬
‫موا و‬
‫صلل ي‬
‫ع ح‬
‫ه ح‬ ‫إل الل ي‬
‫)‪(2‬‬
‫ه« ‪.‬‬ ‫هم على الل و‬ ‫وحساب ي ي‬
‫الواقع أن آخرية زمللان العهللد المحمللدي لهللا أثللر‬
‫في اختلفه عن الزمنة السابقة‪ ،‬فتوجه العالم نحللو‬
‫ظهللور الحقللائق اللهيللة أدى إلللى أن تكللون المللة‬
‫المحمدية هي أكللثر المللم إظهللارا لمخالفللة موقللف‬
‫آدم الول‪ ،‬ومنه شدة وشللمول وعالميللة العللداء مللع‬
‫الشيطان‪.‬‬

‫وهذا أمللر ليللس فقللط مسللتنتج مللن آخريللة العهللد‬


‫المحمللدي‪ ،‬بللل لللدينا مللا يؤكللده مللن طريللق الخللبر‪،‬‬
‫فضلنا على الناس‬ ‫فالنبي ﷺ قد أخبر عن أن أمته‪ » :‬ي‬
‫بثلث جعلت صفوفنا كصفوف الملئكللة وجعلللت لنللا‬
‫الرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لللم‬
‫نجد الماء«)‪ ،(3‬وقد اسللتنتجنا سللابقا أن التوافللق مللع‬
‫الملئكة هو مقصد الشريعة من حيللث تعللديل صلللتنا‬
‫بالعالم‪ ،‬وأن هذا المقصد متصل بالخرق الذي حللدث‬
‫بعد ارتكاب آدم ‪ ‬للمعصية وقد سجدت له الملئكة‪.‬‬
‫فإذا كنا مفضلين على المللم السللابقة بسللهم أكللبر‬
‫في التساق مع العالم كمحو لثر المعصللية الولللى‪،‬‬

‫‪ ()1‬صححه أحمد شاكر في عمدة التفسير‪1/152 .‬‬


‫‪ ()2‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ ()3‬صحيح مسلم‬
‫فنحللن أيضللا مكلفللون بإظهللار بعللداوة أشللد مللع‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫تحريم القتال في الشهر الحرم‬

‫الواضح أن تحريم القتال فللي الشللهر الحللرم هللو‬


‫أمر متعلق بمناسك الحج‪ ،‬حتى لو كان مجال تطللبيق‬
‫هذا الحكم ليلس داخل فلي نطللاق المناسلك نفسله‪،‬‬
‫فتعاظم الحرمة داخل الحللرم نفسلله خلل المناسللك‬
‫يدل علللى أن حرمتهللا مللن حرمللة الشللهور الربعللة‪.‬‬
‫حللتى لللو كللان هللذا الحكللم منسللوخا‪ ،‬فللدللته ثابتللة‬
‫بنفاذه في فترة زمنية محدودة‪.‬‬

‫لكن تلللك الصلللة بيللن مناسللك الحللج وبيللن تحريللم‬


‫القتال في الشهر الحللرم تللثير سللؤال بللدل مللن أن‬
‫تعطينا جوابا‪ ،‬إذ كيف نصل من تحليلنا لرمي الجمار‬
‫إلى نتيجة تبدو فيها المة ممثلللة لللذروة العللداء مللع‬
‫الشيطان في شللكله النسللاني‪ ،‬ثللم نفللاجئ بتعطللل‬
‫آلية ذلك العداء خلل مناسك الحج بتحريم القتال مع‬
‫المشركين؟‬

‫الحق أن ذلك التناقض نفسه يمنحنا الجواب‪ ،‬فللإنه‬


‫إذا كان رمي الجمللار رمللزا للقتللال مللع المشللركين‪،‬‬
‫وإذا كللان ذلللك القتللال يتوقللف خلل الشللهر الللتي‬
‫ترمى فيها الجمار‪ ،‬فبوسعنا أن نستنتج صلة ما بيللن‬
‫الحقيقللة والرمللز فللي هللذه المسللألة‪ ،‬وهللي صلللة‬
‫استبدال‪ ،‬فتحريم القتللال لللم يتوقللف إذا إل لتاحللة‬
‫مساحة لظهور رمز ذلك العداء‪.‬‬

‫إن علقللة السللتبدال هللذه بيللن الرمللز والحقيقللة‬


‫يعززها موقف آخر حدث ضمن وقائع آدم‪ ،‬فالشللعور‬
‫الحسي بالحاجة إلى اللباس‪ ،‬أي الشعور بالعري‪ ،‬لم‬
‫يتحقق إل بعد غياب جزئللي للتقللوى أثنللاء المعصللية‪،‬‬
‫وظهللور العللالم الللدنيوي فللي المجللال الحسللي لدم‬
‫صللاحبه اختفللاء الملئكللة والشللياطين‪ ،‬وهمللا مللن‬
‫سيتعامل معهما أبناء آدم من خلل العالم‪.‬‬

‫إن مناسك الحج ليس فقط رموزا لحقائق متعلقلة‬


‫بالعهد اللهي‪ ،‬لكنها أيضا حقائق غيبية‪ ،‬وغيابها هللو‬
‫أصللل ظهللور رموزهللا‪ ،‬وليللس تغييللب القتللال مللع‬
‫المشركين إل طردا لهذه القاعدة‪.‬‬
‫اجتناب النساء‬

‫واجتناب النساء في الحرام له أصلل هلو المتنلاع‬


‫عن الكل من الشجرة‪ ،‬وذلك أن النساء هللي مجمللع‬
‫الحيلللاة اللللدنيا كملللا كلللانت الشلللجرة تبلللدو لدم ‪‬‬
‫واجتنابهم رمز للتوقي من الدنيا بوجه عام‪ ،‬والخللبر‬
‫قي مللن النسللاء جللاء فللي صلليغة‬ ‫عن النبي ﷺ بللالتو ف‬
‫تحمللل معنللى المقارنللة مللع بنللي إسللرائيل‪ ،‬ومعنللى‬
‫السلللتخلف فلللي الرض‪ ،‬وكلللل منهملللا معنييلللن‬
‫مرتبطان بالعهد اللهي‪ ،‬قال رسللول الللله ﷺ ‪» :‬إن‬
‫الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظللر‬
‫كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقللوا النسللاء فللإن أول‬
‫فتنة بني إسرائيل كللانت فللي النسللاء«)‪ (1‬لللذلك وجللد‬
‫الحللذر مللن النسللاء مكانللا للله بيللن مناسللك الحللج‬
‫باعتبارها ترميز لما هو متعلق بالعهد‪.‬‬

‫‪ ()1‬صحيح مسلم‬
‫العلمة الثنا عشرية للعهد‬
‫العهد والزمان‬

‫أحللد المسللائل الجدليللة الللتي أثيللرت بيللن خصللوم‬


‫التفكير الديني من جهة‪ ،‬وبين أتباع الديانات الثلثللة‬
‫الكبرى من جهة أخرى‪ ،‬هو ما لوحظ من اهتمام كللل‬
‫الحضللارات القديمللة بالعللدد اثنللا عشللر‪ ،‬أسللطوريا‬
‫جللة الللتي تللذفرع بهللا الملحللدون‬
‫وطقوسيا‪ .‬وهي الح ف‬
‫ليؤكدوا أن هذه الظاهرة ل يمكللن تفسلليرها إل بللأن‬
‫هيئة الفلللك لهللا دخللل فللي صللياغة أفكللار القللدماء‪،‬‬
‫وطالملللا أن الملللر كلللذلك‪ ،‬فل بلللد وأن الديلللان‬
‫البراهيمية‪ ،‬وقد أظهرت أيضا ا اهتمامللا كللبيرا بللذلك‬
‫شللوبة بعناصللر غيللر سللماوية‪ ،‬ومدخولللة‬ ‫م ي‬
‫العللدد‪ ،‬ح‬
‫بتأثرات تلك الوثنيات‪.‬‬

‫إنها مسألة قد تبدو محفيرة‪ ،‬فالهتمام بالعللدد اثنللا‬


‫عشللر قللديما يبللدو واضللحا كانعكللاس لهيئللة الفلللك‪،‬‬
‫وبالضافة لذلك‪ ،‬فتأثر أهللل الكتللاب بتلللك الوثنيللات‬
‫ثابت من خلل قضايا أخرى بعيدة حللتى عللن مسللألة‬
‫الظاهرة الثنا عشرية الوثنية هللذه‪ .‬ونحللن مللع هللذا‬
‫معنيفللون بهللذا المللر فللي موضللوع دراسللتنا هللذه‪ ،‬إذ‬
‫نتناول ظاهرة يعتمد ميقاتها على نظام قمللري اثنللا‬
‫عشللري معللروف‪ ،‬كمللا أن القللرآن قللد أكللد مللا هللو‬
‫معروف تاريخيا ا من التقسيم الثنللا عشللري لسللباط‬
‫بنللي إسللرائيل‪ ،‬فكيللف نسللتطيع تمييللز الحللق مللن‬
‫الباطل في هذه المسألة؟‬

‫وموقف أهل الكتاب من هذه المسألة هللو موقللف‬


‫ول عليلله فللي تفنيللد مقولللة تللأثر‬
‫باهت ضعيف ل يع ف‬
‫الديللان البراهيميللة بالوثنيللات فللي هللذه المسللألة‪،‬‬
‫ولذلك لنهم‪ ،‬وبسبب ذوبانهم التللاريخي فللي المللم‬
‫الوثنيللة‪ ،‬تنكللروا تمامللا للتقللويم القمللري‪ ،‬واكتفللوا‬
‫ي بارتد لي صلة بينهم وبين المللم الخللرى فللي‬ ‫بنف ت‬
‫هذا الشأن‪ ،‬وأحالوا المر كله إلللى المصللادفة‪ ،‬وأنلله‬
‫ليللس ذنبللا ا لهللم أن يينجللب يعقللوب اثنللا عشللر ابنللا ا‬
‫يؤسس بهم اثني عشر سبطاا‪ ،‬وأن يكللون فللي ذلللك‬
‫تشابها عرضيا بظاهرة فلكية رصدها الوثنيون‪.‬‬

‫غير أن لنا في هذه المسألة قلول ا آخللر أعتقلد أنله‬


‫جللدير بالهتمللام‪ ،‬إننللا ل يمكللن تللرك المللر لللدعوى‬
‫المصادفة الفلكية‪ ،‬إن فكرة المصللادفة نفسللها غيللر‬
‫واردة فللي سللياق النظللر إلللى الفعللال اللهيللة‪ ،‬ول‬
‫يمكننا بأي حللال أن نتنللاول مناسللك الحللج بللالفحص‬
‫وهللي مقتطعللة عللن زمللان وجودهللا‪ ،‬أو أن نفهمهللا‬
‫بشللكل كامللل معزولللة عللن البنيللة الزمنيللة الللتي‬
‫تحتويهللا‪ .‬وظللاهرة الحللج علللى الخللص تبللدو صلللتها‬
‫بالزمان أوضح ما تكون‪ ،‬فهي يتمسك رمزيللا بخيللوط‬
‫حركللة العهللد اللهللي فللي التاريللخ النسللاني‪ ،‬فمللن‬
‫المسللتبعد إذا ا أن تكللون محايللدة بالنسللبة للصلليغة‬
‫الزمنية التي وضعت فيها‪ ،‬ومن غير الوارد أن ييعفيللن‬
‫الحج كل اثني عشر شهرا لمجرد أنه قد تصللادف أن‬
‫وضللع القمللر مللع الرض مللع الشللمس يفللرض هللذا‬
‫التحديد‪ ،‬وهو أمر يبدو فيه الحج وقد انعدمت الصلللة‬
‫بين تكوينه الداخلي وبين هيئة الفلك‪ ،‬بل تبدو هيئللة‬
‫الفلك وقد فرضللت نفسللها عليلله فرضللا‪ .‬وبللدل مللن‬
‫ذلك‪ ،‬إن تصورنا عن ظاهرة الحج ومللا تنطللوي عليلله‬
‫من موضوع ذو طبيعة كونيلة مطلقلة‪ ،‬تفلرض علينللا‬
‫أن نلتزم بهذا الفللرض‪ :‬أن الحللج ليللس ظللاهرة فللي‬
‫الزمللان‪ ،‬بللل ظللاهرة اشلليتق مللن موضللوعها صلليغة‬
‫الزمان‪.‬‬

‫وإثبات هذا الفرض إنمللا يكللون بتتبللع كللل مظللاهر‬


‫البنية الثنا عشرية والتحقق من اتساقها علللى نحللو‬
‫ييستبعد فيه وضعها بشكل بشري‪ ،‬وذلك بعقد صلت‬
‫بين حقائق متباعدة خالية من إرادة التللوجيه بشللكل‬
‫مباشر‪ ،‬أي اكتشافها وليس تصديقها‪.‬‬
‫عدد الشهور القمرية وعدد السباط‬

‫لنتنللاول أول القصللدية اللهيللة فللي تعييللن عللدد‬


‫الشللهور القمريللة وفللي تعييللن عللدد أسللباط بنللي‬
‫إسرائيل‪ ،‬ففي أمر عدد شهور السنة القمرية يقول‬
‫شللحر‬ ‫ع ح‬ ‫ه اث خن حللا ح‬ ‫عن خدح الل سلل و‬ ‫ر و‬ ‫هو و‬ ‫ش ي‬ ‫عدسةح ال ر‬ ‫ن و‬ ‫الله عز وجل‪» :‬إ و س‬
‫ض‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫هرا ا و‬ ‫ح‬
‫والخر ح‬ ‫ت ح‬ ‫وا و‬ ‫م ح‬ ‫سلل ح‬ ‫ق ال س‬ ‫خللل ح‬ ‫م ح‬ ‫و ح‬ ‫ه ي حلل خ‬ ‫ب الللل و‬ ‫في ك وت حللا و‬ ‫ش خ‬
‫ن‬ ‫خ‬ ‫م ح‬ ‫ن ال ح‬‫خ‬ ‫م ذحل و ح‬ ‫ح‬
‫هلل س‬‫في و‬ ‫مللوا و‬ ‫فل ت حظل و ي‬ ‫قي ل ي‬ ‫دي ي‬ ‫ك ال ل‬ ‫حير ر‬ ‫ة ي‬ ‫ع ر‬‫ها أخرب ح ح‬ ‫من خ ح‬ ‫و‬
‫م«‪ .‬وفيما يتعلق بعدد أسباط بنللي إسللرائيل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫سك خ‬ ‫أن خف ح‬
‫فالله سبحانه يخبر عن )تقطيعهم( أثنا عشر سبطا‪:‬‬
‫شرةح أ حسباطا ا أ يمما ا ح‬
‫حي خحنا إلللى‬ ‫و ح‬ ‫وأ خ‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫خ ح‬ ‫ع خ ح‬ ‫ي ح‬ ‫م اث خن حت ح خ‬ ‫ه خ‬ ‫عحنا ي‬ ‫قطس خ‬ ‫و ح‬ ‫» ح‬
‫ح‬
‫جللحر‬ ‫ح ح‬ ‫ك ال خ ح‬ ‫صللا ح‬ ‫ع ح‬ ‫رب ب و ح‬ ‫ض و‬ ‫نا خ‬ ‫هأ خ‬ ‫م ي‬ ‫و ي‬ ‫ق خ‬ ‫قاهي ح‬ ‫س ح‬ ‫ست ح خ‬ ‫سى إ وذخ ا خ‬ ‫مو ح‬ ‫ي‬
‫س‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫م كلل ر‬ ‫ا‬
‫عي خنللا ح‬ ‫ع خ‬ ‫ه اث خن ححتا ح‬ ‫ح‬
‫ل أن حللا ت‬ ‫عل ولل ح‬ ‫قللدخ ح‬
‫ح‬
‫شحرةح ح‬ ‫من خ ي‬ ‫ت و‬ ‫س خ‬ ‫ج ح‬ ‫فان خب ح ح‬
‫ن‬ ‫ملل س‬ ‫م ال خ ح‬ ‫هلل خ‬ ‫علي خ و‬
‫وأنحزل خحنا ح ح‬ ‫م ح‬ ‫ما ح‬ ‫غ ح‬ ‫م ال خ ح‬ ‫ه خ‬ ‫علي خ و‬
‫وظحل سل خحنا ح ح‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫شحرب ح ي‬ ‫م خ‬ ‫ح‬
‫مون حللا‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫مللا ظل ي‬ ‫و ح‬ ‫م ح‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫ما حرحزقن حللاك خ‬ ‫ت ح‬ ‫ن طي لحبا و‬ ‫ح‬ ‫م خ‬ ‫وى كلوا و‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫سل ح‬ ‫خ‬ ‫وال س‬ ‫ح‬
‫ن«‪.‬‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫مو ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ي‬
‫ح ي خ ح‬‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫أن‬ ‫نوا‬ ‫ي‬ ‫كا‬ ‫ن‬‫خ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬
‫إن المسألة في اليللتين السللابقتين ليسللت مجللرد‬
‫إعلن عن قصللدية هنللا وهنللاك‪ ،‬بللل سللنلحظ وجللود‬
‫معنى مشترك يللتردد بينهمللا مؤكللدا بللذلك اتصللالهما‬
‫معاا‪ ،‬وهو معنى الظلم‪ ،‬فقللد ورد تللارة بللالنهي عنلله‬
‫كما في الخبر عللن عللدد الشللهور‪ ،‬وذلللك فللي قللوله‬
‫فل‬‫م ح‬ ‫ن ال خ ح‬ ‫م ذحل ولل ح‬ ‫ح‬
‫قي للل ي‬ ‫دي ي‬
‫ك اللل ل‬ ‫حللير ر‬‫ة ي‬ ‫علل ر‬
‫هللا أخرب ح ح‬ ‫من خ ح‬
‫تعللالى‪ » :‬و‬
‫ح‬
‫م«‪ ،‬وتلارة بالتحلذير ملن أنله‬ ‫سلك ي خ‬‫ف ح‬ ‫ن أن خ ي‬ ‫هل س‬ ‫في و‬‫ملوا و‬‫ت حظخل و ي‬
‫يؤدي إلى فشل العلقة بين الله والنسان‪ ،‬كما في‬
‫ن ك حللاينوا‬‫ول حك ولل خ‬ ‫مللا ظحل ح ي‬
‫مون حللا ح‬ ‫و ح‬ ‫الخبر عن بني إسرائيل‪ » :‬ح‬
‫ن«‬ ‫مو ح‬ ‫م ي حظخل و ي‬
‫ه خ‬
‫س ي‬‫ف ح‬ ‫حأن ي‬

‫ثللم إن معنللى الظلللم ل يؤكللد الصلللة بيللن اليللتين‬


‫فقط بوروده فيهما‪ ،‬بللل يللرد فللي موضللع آخللر فللي‬
‫سياق إبرام العهد مع آدم عليه السلم فللي البدايللة‪:‬‬
‫»»ول تقربا هذه الشجرة فتكون من الظالمين«‪.‬‬

‫وهذا النسان الذي عاهد الله في شخص آدم على‬


‫عللدم الظلللم‪ ،‬إنمللا يخللبر الللله سللبحانه عللن حتميللة‬
‫سقوطه في الظلم أثناء خبره عن حمله المانة منلذ‬
‫ح‬ ‫ح‬
‫ض‬
‫والخر و‬ ‫ت ح‬‫وا و‬ ‫م ح‬ ‫سلل ح‬‫عل حللى ال س‬‫ة ح‬ ‫مان حلل ح‬
‫ضحنا ال ح‬ ‫عحر خ‬‫البداية‪» :‬إ وسنا ح‬
‫هللا‬ ‫ح‬ ‫ف خ‬
‫شلل ح‬ ‫ح‬
‫وأ خ‬ ‫خ‬ ‫ح‬ ‫وال خجبال ح ح‬
‫مل ح‬ ‫ح ح‬
‫و ح‬‫هللا ح‬
‫من خ ح‬ ‫ن و‬‫ق ح‬ ‫هللا ح‬‫ملن ح ح‬ ‫ح و‬
‫ن يح خ‬‫نأ خ‬ ‫فأب حي خ ح‬ ‫ح و ح و‬
‫)‪(1‬‬
‫هللول )‪ ، «(72‬وهللو خللبر‬ ‫ا‬ ‫ج ي‬ ‫ا‬
‫ن ظلومللا ح‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫ه كللا ح‬ ‫ن إ ون س ي‬
‫سا ي‬‫ال ون خ ح‬
‫عن حتمية انتقاض العهد من الطرف النسللاني فللي‬
‫نهايللة المللر‪ ،‬فللي تأكيللد واضللح علللى البنيللة الثنللا‬
‫عشرية كعلمة عليه‪.‬‬

‫ثم إن معنى الظلم نفسه يتكللرر مللرة أخللرى عنللد‬


‫عقد الميثاق مع إبراهيللم عليلله السلللم‪ ،‬وذلللك فللي‬
‫سياق استثنائه من مميزات العهد‪ ،‬قال تعالى‪» :‬إ ولني‬
‫ل ل ي حن حللا ي‬
‫ل‬ ‫ن ذيلري ست وللي ح‬
‫قللا ح‬ ‫ملل خ‬
‫و و‬
‫ل ح‬ ‫ماما ا ح‬
‫قللا ح‬ ‫س إو ح‬
‫ك وللسنا و‬ ‫عل ي ح‬‫جا و‬ ‫ح‬
‫ن«‪ .‬وبعد ذلك فمعنى الظلللم قللد ورد‬ ‫مي ح‬ ‫دي ال س‬
‫ظال و و‬ ‫ه و‬ ‫ع خ‬‫ح‬
‫أيضا كمرادف للشرك الذي هو الخرق الكلي للعهللد‪،‬‬
‫ث‬‫حنلل و‬ ‫في الوقت الللذي وصللف فيلله الشللرك بللأنه »ال خ و‬
‫م«‪ ،‬أي الخروج العظيم على العهد‪.‬‬ ‫ظي و‬‫ع و‬ ‫ال خ ح‬
‫إذا فآيحتي عدد الشهور وعدد أسباط بني إسللرائيل‬
‫يتنبئان عن قصلدية إلهيللة‪ ،‬هلذه القصلدية تتأكللد مللن‬
‫تكرار معنى الظلم فيهما‪ ،‬ودللة تكرار معنى الظلم‬
‫تتأكد مرة أخرى بورود ذلك المعنى في سياق الخبر‬
‫عن العهد مع النسللان‪ ،‬والخللبر عللن تحللذير آدم مللن‬
‫مغبة الظلم أثناء إبرام العهد‪ ،‬والخبر عن العهللد مللع‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫في سبب القتران النصي بين معنى الظلم وبين‬
‫معنى العهد‬

‫وثم أمر آخللر فللي هللذه الرتباطللات النصللية يعللزز‬


‫دللتهللا‪ ،‬وهللو تلللك الصلللة المنطقيللة بيللن مضللمون‬
‫العهد اللهي وبين معنى الظلللم‪ ،‬وهللي صلللة يمكللن‬
‫استنتاجها برد كل منهما إلللى الخللر تحليليللا بشللكل‬
‫‪ ()1‬الحزاب‪72/‬‬
‫مباشر‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫إن الظلم‪ ،‬بالمعنى العام للكلمة‪ ،‬وقبل أن ييشللتق‬


‫جللور‪ ،‬هللو‬ ‫منه معنى حقوقي ضلليق يللرادف معنللى ال ح‬
‫ح‬
‫ه أبللاه‬ ‫ن أح خ‬
‫شب ح ح‬ ‫م خ‬
‫وضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬ومنه‪ ) :‬ح‬
‫شللحبه فللي‬ ‫فما ظححلم؛ قال الصللمعي‪ :‬أي مللا وضللع ال س‬
‫ب فقلد‬ ‫عى اللذلئ خ ح‬ ‫سلتخر ح‬
‫وضعه‪ ،‬وفي المثل‪ :‬من ا خ‬
‫م خ‬
‫غير ح‬
‫م(‪ ،‬لنه أوكل رعاية القطيع إلى مللن يفترسلله ل‬ ‫ظل ح‬
‫من يحميه‪ .‬أما الظلم بمعنى الجور فقد اشللتق منلله‬
‫لنه سلب الظالم حق ليس له ولكن للمظلوم‪.‬‬

‫هذا المعنى العللام للظلللم‪ ،‬أي وضللع الشلليء فللي‬


‫غير موضعه‪ ،‬هو محيط بالعهد اللهي بحيث ل يمكن‬
‫الخروج عنه إل بالمرور بلله‪ ،‬فالغايللة النفعيللة للعهللد‬
‫مع الللله بالنسللبة للنسللان هللي الخلللود فللي الجنللة‪،‬‬
‫وليس هناك سلوك آخر للنسللان خللارج إطللار العهللد‬
‫إل التمللاس معنللى الخلللود أيضللا‪ ،‬فهللذا المعنللى هللو‬
‫مستغرق تماما للسلوك النساني كقصللد للله‪ ،‬سللواء‬
‫داخل العهد اللهللي أم خللارجه‪ ،‬لللذلك كللانت الرغبللة‬
‫التي استغلها إبليس لغواية آدم هي نفسللها المنحللة‬
‫اللتي منحهلا اللله لدم‪ ،‬وهلي الخلللود‪ ،‬قللال تعلالى‪:‬‬
‫ي‬
‫ر ح‬ ‫وو و‬‫مللا ي‬ ‫مللا ح‬ ‫ه ح‬‫ي لح ي‬‫د ح‬ ‫ن ل وي يب خلل و‬ ‫طا ي‬‫شللي خ ح‬ ‫مللا ال س‬ ‫س لح ي‬
‫ه ح‬ ‫و ح‬ ‫سلل ح‬‫و خ‬ ‫ف ح‬‫» ح‬
‫ه‬‫ذ و‬‫هلل و‬
‫ن ح‬ ‫علل خ‬ ‫ما ح‬ ‫ما حرب رك ي ح‬‫هاك ي ح‬ ‫ما ن ح ح‬ ‫ل ح‬‫قا ح‬ ‫و ح‬ ‫ما ح‬
‫ه ح‬‫وآت و و‬‫س خ‬‫ن ح‬ ‫م خ‬ ‫ما و‬ ‫ه ح‬‫عن خ ي‬
‫ح‬
‫خ‬ ‫و تح ي‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫ملك حي خ و‬ ‫ن تح ي‬ ‫ة إ ول س أ خ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن« ‪.‬‬ ‫دي ح‬‫خال و و‬‫ن ال ح‬ ‫م خ‬ ‫كوحنا و‬ ‫نأ خ‬ ‫كوحنا ح‬ ‫جحر و‬
‫ش ح‬ ‫ال س‬

‫فإذا كانت غايللة النسللان القصللوى‪ ،‬والللتي تللؤول‬


‫إليها كل تصرفاته‪ ،‬هي الخلود‪ ،‬وكان العهللد اللهللي‬
‫يضمن تحقق تلللك الغايللة‪ ،‬فللإن نقللض هللذا العهللد ل‬
‫يمكن أن يكللون إل بوصللفه التماسللا للشلليء نفسلله‬
‫ولكن من غير موضعه‪ ،‬ووضع الشيء نفسه في غير‬
‫محله‪ ،‬وهذا الصللل العقلللي لللذلك الرتبللاط النصللي‬
‫بين معنى الظلم ومعنى العهد عموما‪ ،‬وبيللن معنللى‬
‫‪ ()1‬العراف‪20/‬‬
‫الظلم وبين البنية الثنا عشرية للعهد على الخص‪.‬‬

‫ضبط زمان العهد المحمدي‬

‫إذا ا فنحللن الن أمللام علمللة عدديللة لهللا مظللاهر‬


‫متعددة‪ ،‬منها ما هو زمني ومنها ما هللو متمثللل فللي‬
‫هيئللة بشللرية‪ ،‬ونحللن ل نعلللم بعللد إن كللان هللذين‬
‫المظهرين هما الوحيللدين لهللذه العلمللة أم ل‪ ،‬لكللن‬
‫المؤكللد هللو أنلله طالمللا أنهللا علمللة خاصللة بالعهللد‬
‫اللهللي‪ ،‬فل يمكللن لهللا أن تتوقللف عنللد حللدود بنللي‬
‫إسلللرائيل‪ ،‬ول أن تقتصلللر عللللى شلللكلها الزمنلللي‬
‫والقبلي‪ ،‬وليللس أمامنللا سللوى تتبعهللا فللي النطللاق‬
‫المحمدي كذلك‪.‬‬

‫إن أول واقعللة تلفللت النظللر فللي هللذا المللر هللو‬


‫التللدخل النبللوي لتعييللن العلمللة الزمنيللة للعهللد‪ ،‬إن‬
‫التقويم القمري ينهض على أساس التفاق والتواتر‬
‫على ترتيب معين للشهور في السللنة‪ ،‬بحيللث يللؤدي‬
‫فقدان هذا التواتر إلللى النظللر فللي تللوالي الشللهور‬
‫دون علللم بحقيقللة كللل منهللا وترتيبلله فللي دورتلله‬
‫الزمنية قبل فقدان التواتر‪ ،‬وبالتالي هو أمللر يللؤدي‬
‫إلللى فقللدان الصلللة بالشللواهد الزمنيللة المتعلقللة‬
‫بأحداث إلهية‪ ،‬أو التفاق على تلك الشواهد بطريقة‬
‫وضللعية بشللرية ل أسللاس لهللا وليسللت مطابقللة‬
‫للمنظور اللهي‪.‬‬

‫وكان هذا هو الوضع عند البعثللة المحمديللة‪ ،‬كللانت‬


‫المسافة الزمنية بينها وبين عهد الله مع إبراهيم ما‬
‫يقللرب مللن ألفيللن عللام‪ ،‬أمللا الوجهللة الوثنيللة الللتي‬
‫شكلت ململلح الحيللاة الدينيللة العللرب‪ ،‬وعبثهللم فللي‬
‫التقللويم‪ ،‬فقللد أدى إلللى ضللياع التللواتر وفقللدانهم‬
‫لصلحيتهم ليعتمللدوا علللى شللهودهم التللواتر أصللل‪،‬‬
‫بمعنى أننللا ل نعلللم إن كللان شللهر ذي الحجللة الللذي‬
‫تعرفه العرب قبيل البعثة هو نفسه ذي الحجة الللذي‬
‫مللا‬
‫شللهد عهللد الللله مللع إبراهيللم‪ .‬قللال تعللالى‪» :‬إ ون س ح‬
‫فلليروا‬ ‫ن كح ح‬ ‫ذي ح‬ ‫ه ال سلل و‬‫ل ب ولل و‬ ‫ضلل ر‬ ‫ر يي ح‬ ‫فللي ال خك ي خ‬
‫فلل و‬ ‫زي حللادحةر و‬ ‫سلليءي و‬ ‫الن س و‬
‫واطوئ يللوا‬ ‫عامللا ا ل وي ي ح‬ ‫ه ح‬ ‫مللون ح ي‬ ‫حلر ي‬‫وي ي ح‬‫عامللا ا ح‬ ‫ه ح‬ ‫حرلون ح ي‬ ‫عاما ا ي ي و‬ ‫ه ح‬‫حرلون ح ي‬ ‫يي و‬
‫سللوءي‬ ‫م ي‬ ‫ه خ‬ ‫ح‬
‫نل ي‬ ‫ه يزي ل ح‬ ‫س‬
‫م الل ي‬ ‫حسر ح‬ ‫ما ح‬ ‫حلوا ح‬ ‫ر‬ ‫في ي و‬ ‫ه ح‬ ‫س‬
‫م الل ي‬ ‫حسر ح‬‫ما ح‬ ‫عدسةح ح‬ ‫و‬
‫)‪(1‬‬
‫ن« ‪.‬‬ ‫ري ح‬ ‫ف و‬ ‫م ال خ ح‬
‫كا و‬ ‫و ح‬‫ق خ‬‫دي ال خ ح‬ ‫ه و‬‫ه ل يح خ‬ ‫والل س ي‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬‫مال و و‬
‫ع ح‬‫أح خ‬

‫والتدخل النبوي معلوم ثبوته من هذا الخبر‪» :‬قال‬


‫رسول الله ﷺ‪» :‬الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق‬
‫الله السماوات والرض‪ ،‬السنة اثنا عشر شهرا منهللا‬
‫أربعة حرم‪ :‬ثلثللة متواليللات‪ :‬ذو القعللدة وذو الحجللة‬
‫والمحرم‪ ،‬ورجب مضر‪ ،‬الذي بيللن جمللادى وشللعبان‪.‬‬
‫أي شهر هذا؟ قلنا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬فسكت حتى‬
‫ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‪ ،‬قال‪ :‬أليس ذا الحجة؟‬
‫قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فأي بلللد هللذا‪ .‬قلنللا‪ :‬الللله ورسللوله‬
‫أعلم‪ ،‬فسكت حتى ظننا أنلله سيسللميه بغيللر اسللمه‪،‬‬
‫قال‪ :‬أليس البلدة؟ قلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فبأي يوم هللذا؟‬
‫قلنللا الللله ورسللوله أعلللم‪ ،‬فسللكت حللتى ظننللا أنلله‬
‫سيسميه بغير اسمه‪ ،‬قال‪ :‬أليس يللوم النحللر؟ قلنللا‪:‬‬
‫بلى‪ ،‬قال‪ :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكللم‬
‫حللرام‪ ،‬كحرمللة يللومكم هللذا‪ ،‬فللي بلللدكم هللذا‪ ،‬فللي‬
‫شللهركم هللذا‪ ،‬وسللتلقون ربكللم‪ ،‬فسيسللألكم عللن‬
‫أعمالكم‪ ،‬أل فل ترجعوا بعدي ضلل‪ ،‬يضرب بعضللكم‬
‫رقاب بعض‪ ،‬أل ليبلللغ الشللاهد الغللائب‪ ،‬فلعللل بعللض‬
‫من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه‪ .‬أل‬
‫هل بلغت؟ مرتين«)‪.(2‬‬

‫المظهر الثنا عشري في منح اليهود فرصة أخرى‬

‫أما عن بني إسرائيل فلم يظهر فللي زمللان العهللد‬

‫‪ ()1‬التوبة‪37/‬‬
‫‪ ()2‬متفق عليه‪.‬‬
‫المحمدي أثرا لعلمتهم الثنا عشرية إل فللي واقعللة‬
‫للنبي ﷺ ذهب فيهللا لليهللود ونقللل إليهللم عللن الللله‬
‫فرصة استثنائية لرفللع اللعنللة عللن كللل اليهللود فللي‬
‫العالم في حالة لو أسلللم فللي هللذا الموقللف نفسلله‬
‫اثني عشر يهوديا‪ ،‬مقرين بإسلمهم بختم النللبي ﷺ‬
‫للنبوة‪ ،‬ففي الحللديث‪» :‬انطلللق النللبي ﷺ وأنللا معلله‬
‫حللتى دخلنللا كنيسللة اليهللود يللوم عيللدهم‪ ،‬فكرهللوا‬
‫دخولنا عليهم‪ ،‬فقال لهم رسول اللله ﷺ‪ :‬يلا معشلر‬
‫اليهود‪ ،‬أروني اثني عشر رجل منكم يشللهدون أن ل‬
‫إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬يحط الله عن كل‬
‫يهللودي تحللت أديللم السللماء الغضللب الللذي عليلله‪،‬‬
‫فأسكتوا فما أجللابه منهللم أحللد‪ ،‬ثللم رد عليهللم فلللم‬
‫يجبه أحد‪ ،‬ثلم ثل فللث فلللم يجبله أحلد‪ ،‬فقلال‪) :‬أبيتلم!‬
‫فى‪ ،‬آمنتللم‬ ‫فوالله لنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المق ف‬
‫أو كذبتم‪ ،‬ثم انصرف وأنا معلله حللتى كللدنا أن نخللرج‬
‫نادى رجل من خلفه‪ ،‬فقللال‪) :‬كمللا أنللت يللا محمللد(‪،‬‬
‫فأقبل فقال ذاك الرجل‪) :‬أي رجللل تعلمللوني منكللم‬
‫يا معشر اليهود؟( قالوا‪) :‬والللله مللا نعلللم فينللا رجل‬
‫كان أعلم بكتللاب الللله ول أفقلله منللك ول مللن أبيللك‬
‫قبلك ول من جدك قبل أبيللك(‪ ،‬قللال‪) :‬فللإني أشللهد‬
‫ي الله الذي تجدون في التللوراة(‪ ،‬قللالوا‪:‬‬ ‫بالله إنه نب ف‬
‫كذبت‪ ،‬ثم ردوا عليه وقالوا فيه شرا‪ ،‬فقللال رسللول‬
‫الللله ﷺ‪) :‬كللذبتم‪ ،‬لللن نقبللل منكللم قللولكم( قللال‪:‬‬
‫فخرجنا ونحن ثلثة‪ ،‬رسول الله ﷺ وأنا وابن سلللم‪،‬‬
‫ق خ ح ح‬
‫د الل سلل و‬
‫ه‬ ‫عن خلل و‬‫ن و‬ ‫ملل خ‬‫ن و‬ ‫كا ح‬‫ن ح‬ ‫م إو خ‬ ‫ل أحرأي خت ي خ‬ ‫فأنزل الله تعالى ) ي‬
‫ه‬‫مث خل و و‬
‫على و‬ ‫ح‬ ‫ل ح‬‫سحراوئي ح‬ ‫ن ب حوني إ و خ‬ ‫م خ‬ ‫هد ر و‬‫شا و‬ ‫هدح ح‬ ‫و ح‬ ‫وك ح ح‬
‫ش و‬ ‫ه ح‬ ‫م بو و‬‫فخرت ي خ‬ ‫ح‬
‫م‬ ‫و ح‬ ‫ح‬ ‫خ‬
‫دي القلللل خ‬ ‫هلللل و‬
‫ه ل يح خ‬ ‫س‬
‫ن الللللل ح‬ ‫م إو س‬ ‫خ‬
‫سللللت حكب حخرت ي خ‬ ‫وا خ‬ ‫ن ح‬‫م ح‬ ‫فللللآ ح‬ ‫ح‬
‫)‪( 1‬‬
‫ن(«‬ ‫مي ح‬ ‫ظال و و‬‫ال س‬

‫الثنا عشر خليفة وصلتهم ببني إسرائيل‬

‫أما المظاهر العلمة الثنا عشللرية الخاصللة بللالنبي‬


‫‪ ()1‬صحيح السيرة النبوية لللباناي‪.‬‬
‫ﷺ فأبرزها هو خبره عن أن بقاء الدين في المة‬
‫يتوقف على اكتمال عدد اثني عشر خليفة معلللومين‬
‫بصللفات معينللة‪ ،‬ومحللددين بأعيللانهم فللي الغيللب‪،‬‬
‫يحكمون هذه المة‪ ،‬وهذا خبر مشهور عللن النللبي ﷺ‬
‫وجاء بصلليغ عديللدة‪ ،‬نأخللذ منهللا قللول النللبي ﷺ‪» :‬ل‬
‫يزال هذا الدين قائما‪ ،‬حتى يكللون عليكللم اثنللا عشللر‬
‫خليفة‪ ،‬كلهم تجتمع عليه المة‪ .‬فسللمعت كلمللا مللن‬
‫النبي ﷺ لللم أفهملله‪ ،‬قلللت لبللي‪ :‬مللا يقللول؟ قللال‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫كلهم من قريش«‬

‫هذا إضافة إلى صيغة أخرى من هذا الخبر ورد فيه‬


‫مقاربة بين عدتهم وبين عدد أسباط بنللي إسللرائيل‪،‬‬
‫وهي ما وردت عن ابن مسعود‪» :‬كنا جلوسا عند عبد‬
‫الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل‪ :‬يا‬
‫أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله ﷺ كللم تملللك‬
‫هذه المة من خليفة فقال عبد الله بللن مسللعود‪ :‬مللا‬
‫سألني عنها أحد منذ قدمت العللراق قبلللك ثللم قللال‪:‬‬
‫نعم ولقللد سللألنا رسللول الللله ﷺ فقللال‪ :‬اثنللا عشللر‬
‫)‪(2‬‬
‫كعدة نقباء بني إسرائيل«‬

‫ولبد من الوقللوف برهللة أمللام هللذا الختلف بيللن‬


‫العلمة الثنا عشرية في شكلها السرائيلي وشكلها‬
‫المحمدي‪ ،‬إن ها هنا اثني عشر خليفة يحكمون المة‬
‫كلهم من قريش‪ ،‬وهناك اثني عشللر سللبطا تمللايزت‬
‫عنهم بني إسرائيل‪ ،‬فلماذا لم تتكرر العلمة بشكلها‬
‫السللرائيلي فللي العهللد المحمللدي‪ ،‬فتنقسللم ذريللة‬
‫إسماعيل إلى اثني عشر قبيلة عربية يناط بها حمللل‬
‫لواء العهد؟‬

‫الواضح أن اختلف طور العهد ومظهره له أثر في‬


‫اختلف شلللكل العلملللات الخاصلللة بللله‪ ،‬وهلللذا أملللر‬
‫‪ ()1‬رواه الترمذي وصححه اللباناي في السلسلة برقام )‪.(376‬‬
‫‪()2‬صححه أحمد شاكر في عمدة التفسير برقام‪ .(651/1) :‬وبرقام‪(294/5) :‬‬
‫سنلحظه عند استعراض كافة أشكال العلمات الثنا‬
‫عشللرية فللي المسللار المحمللدي للعهللد‪ ،‬لكللن هنللاك‬
‫حللديث يؤكللد بالشللارة إلللى أن المللة حيللن يحكمهللا‬
‫حاكم من قريش في ظروف معينة تكون قد حققللت‬
‫وظيفللة سللبط مللن أسللباط بنللي إسللرائيل‪ ،‬فيكللون‬
‫الخلفاء الثنا عشر محققيللن لعلمللة السللباط الثنللا‬
‫عشر‪ ،‬ورغم أن هذه الدللة إشارية وليست مباشللرة‬
‫صريحة‪ ،‬إل أنه تسير في نفللس التجللاه الللذي نسللير‬
‫فيه‪ ،‬وهذا الحديث هو‪» :‬ل تقوم الساعة حللتى يخللرج‬
‫رجللل مللن قحطللان يسللوق النللاس بعصللاه«‪ ،‬ووجلله‬
‫الستدلل هنا هو أن عبارة »يسللوق النللاس بعصللاه«‬
‫تشير إلى وجه شبه بين السللبط وبيللن الحللاكم‪ ،‬وأن‬
‫كلهما شكل من أشكال الضبط داخل الجماعة‪.‬‬
‫حفظ المدينة بعلمات اثنا عشرية‬

‫وقد ثبت خبر آخر عن النبي ﷺ يظهر تغير العلمة‬


‫الثنا عشرية بتغيللر أحللوال العهللد اللهللي‪ ،‬فانتقللال‬
‫العهد إلى النبي ﷺ مللن إبراهيللم عليلله السلللم أدى‬
‫إلى وجللود )المدينللة( كبلللد مكللافئ لمكللة مللن حيللث‬
‫الحرمة‪ ،‬وقد ذكرنا أن الشبه الحسي بيللن محمللد ﷺ‬
‫وبين إبراهيم يعود إلى تشابه كل منهمللا فللي كللونه‬
‫بداية طور جديد للعهد مع آدم‪ ،‬قال رسول الللله ﷺ‪:‬‬
‫»إن إبراهيم حفرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما‬
‫عها‬
‫دها وصللا و‬
‫حفرم إبراهيم مكة ودعللوت لهللا‪ ،‬فللي ملل ل‬
‫)‪(1‬‬
‫مثل ما دعا إبراهيم عيه السلم لمكة«‬

‫أمللا عللن علقللة هللذا التشللابه بيللن مكللة والمدينللة‬


‫فالعلمة الثنا عشرية‪ ،‬فهللو أن النللبي ﷺ قللد جعللل‬
‫للمدينة حمى مسافته اثني عشر ميل‪» :‬حسرم رسو ي‬
‫ل‬
‫ة‪ :‬فلللو‬‫ة‪ .‬قال أبللو هريللر ح‬ ‫ي المدين و‬‫ه ﷺ ما بين لحبت و‬ ‫الل و‬
‫عريتهلللا‪.‬‬‫ت الظبلللاءح ملللا بيلللن لبحتيهلللا ملللا ذح ح‬
‫وجلللد ي‬
‫‪ ()1‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫حمى«‬
‫ة و‬ ‫ميال حو ح‬
‫ل المدين و‬ ‫وجعل اثني عشحر ح‬

‫وليس هذا هو العلمللة الوحيللدة الدالللة علللى صلللة‬


‫المدينللة بالعلمللة الثنللا عشللرية للعهللد‪ ،‬فقللد ثبتللت‬
‫هﷺ‬ ‫واقعة أخرى لها نفس الدللة‪» :‬بينما رسو ي‬
‫ل الل و‬
‫ة‪ ،‬فجعلللوا يتسللسللو ح‬
‫ن‬ ‫م الجمعلل و‬ ‫س يللو ح‬ ‫ب النللا ح‬ ‫يخطلل ي‬
‫ة فقلللال‪:‬‬ ‫عصلللاب ر‬ ‫ت منهلللم و‬ ‫ن حلللتى بقحيللل خ‬ ‫وحيقوملللو ح‬
‫سللهم فللإذا اثنللا عشللحر رجلا‬ ‫دوا أنف ح‬ ‫علل ر‬
‫»كللم أنتللم« ف ح‬
‫ع آخحركللم‬ ‫ده لللو ات سبلل ح‬
‫ة فقللال والللذي نفسللي بيلل و‬ ‫وامرأ ر‬
‫ل‬‫ه عسز وج س‬ ‫ل الل ي‬‫ب عليكم الوادي ناارا وأنز ح‬ ‫ولكم للته ح‬ ‫أ س‬
‫ة‪ «{ ...‬ويلحللظ مللن اسللتعلم‬ ‫)‪،(2‬‬
‫جللاحر ا‬ ‫ح‬ ‫وإ و ح‬
‫ذا حرأوا ت و ح‬ ‫} ح‬
‫النبي ﷺ عن عدد من بقي من الصللحابة بعللد تسلللل‬
‫بقيتهللم عللن النللبي ﷺ أن العللدد البللاقي للله معللزى‬
‫ودللة وأثرا‪.‬‬
‫اقتران العلمة الثنا عشرية بمعنى النصرة‬

‫لقد ذكرنا أن الزمان الخير للعهد هو الكثر محللوا‬


‫لموقف آدم‪ ،‬فهو الزمان الكللثر إظهللارا للعللداء مللع‬
‫إبليس‪،‬‬

‫نصللرة الللدين هللي أهللم أبعللاد العهللد اللهللي فللي‬


‫طللوره المحمللدي‪ ،‬الواقللع أنلله بعللد مصللاحب لفكللرة‬
‫الولء بشكل عام‪ ،‬لكن الزمان المحمللدي للعهللد مللن‬
‫شأنه أن تظهر في كل معاني العهد علللى نحللو غيللر‬
‫مسبوق قبلهلا‪ ،‬وهلذا تللابع لمبلدأ تلوجه العلالم نحلو‬
‫إظهار الحقائق اللهية بوجه عام‪ ،‬وقد سبق وذكرنللا‬
‫أن المة المحمدية هي الكثر محوا لسلليئات موقللف‬
‫آدم الول‪ ،‬واسللتنتجنا ذلللك مللن حللديث النللبي ﷺ‪:‬‬
‫»جعلت صفوفنا كصفوف الملئكة«‪.‬‬

‫ومعنى النصرة هو أهللم أبعللاد العهللد اللهللي فللي‬


‫‪ ()1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ ()2‬السلسلة الصحيحة برقام )‪(412‬‬
‫م‬ ‫ما آت حي خت يك ي خ‬ ‫ن لح ح‬ ‫ميحثاقح الن سب وليي ح‬ ‫ه و‬ ‫خذح الل س ي‬ ‫وإ وذخ أ ح ح‬
‫طوره الخير‪ » :‬ح‬
‫م‬‫عك يلل خ‬ ‫م ح‬ ‫ما ح‬ ‫صدلقر ل و ح‬ ‫م ح‬ ‫ل ي‬‫سو ر‬ ‫م حر ي‬ ‫جاءحك ي خ‬‫م ح‬ ‫ة ثي س‬ ‫م ت‬‫حك خ ح‬ ‫و و‬ ‫ب ح‬ ‫ن ك وحتا ت‬ ‫م خ‬ ‫و‬
‫ي‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫ل أأ خ‬ ‫ح‬ ‫ه ح‬
‫قا ح‬ ‫ح‬ ‫ل حت ي خ‬
‫م‬ ‫على ذحل وك خ‬ ‫م ح‬ ‫خذخت ي خ‬‫وأ ح‬ ‫م ح‬ ‫قحرخرت ي خ‬ ‫صيرن س ي‬ ‫ولت حن خ ي‬ ‫ه ح‬ ‫ن بو و‬‫من ي س‬
‫ؤ و‬
‫شلهدوا ح‬ ‫قايلوا أ ح خ‬
‫ن‬
‫مل خ‬ ‫م و‬ ‫عك يلل خ‬ ‫م ح‬‫وأن حللا ح‬ ‫ح‬ ‫فا خ ح ي‬ ‫ل ح‬ ‫قللا ح‬‫قحرخرحنلا ح‬ ‫ري ح‬ ‫ص و‬ ‫إو خ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن«‬ ‫دي ح‬‫ه و‬‫شا و‬ ‫ال س‬

‫لذلك ارتبط معنللى النصللر بالعلمللة الثنللا عشللرية‬


‫بشكل مباشر‪» :‬يخرج من عدن أبين اثنللا عشللر ألفللا‬
‫)‪(2‬‬
‫ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم«‬

‫وارتباط نصللرة الللدين بالعلمللة الثنللا عشللرية لللم‬


‫يقتصر على هذه الواقعللة المتمثلللة فللي خللروج اثنللا‬
‫عشر ألفا ينصرون الله ورسوله‪ ،‬بل تعدى ذلك إلللى‬
‫أن هذا العدد مللن الناحيللة القدريللة هللو علمللة علللى‬
‫النصللر فللي أي موقللف آخللر‪» :‬خيللر الصللحابة أربعللة‬
‫وخير السرايا أربع مائللة وخيللر الجيللوش أربعللة آلف‬
‫)‪(3‬‬
‫ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة«‬

‫خاصية تمييز عدد أربعة في الظاهرة الثنا عشرية‬

‫والتجليات الثنا عشللرية فللي عللدد الخلفللاء وعللدد‬


‫الشللهور يجمعهللا ظللاهرة أخللرى وهللي تمييللز عللدد‬
‫حللرم‪،‬‬‫أربعللة‪ ،‬فالشللهور إثنللا عشللر ومنهللم أربعللة ي‬
‫والئمة اثنا عشر منهم أربعة خلفاء راشدين‪ ،‬وحللتى‬
‫الخبر عن أنه لن يغلب اثنا عشر ألفللا مللن قلللة‪ ،‬ورد‬
‫فيه أن خير الصحابة أربعة‪ ،‬وخير السرايا أربع مائللة‪،‬‬
‫وخير الجيوش أربعة آلف‪.‬‬
‫القمر والعهد‬

‫‪ ()1‬آل عمران ‪81 /‬‬


‫‪ ()2‬السلسل الصحيح لللباناي برقام )‪.(2782‬‬
‫‪ ()3‬رواه الترمذي وصححه اللباناي برقام )‪.(986‬‬
‫والواقع أن بين أيدينا إشارات إلى صلة بين القمر‬
‫وبيللن الفنبللوة‪ ،‬فانشللقاق القمللر كللان للله دللللتين‬
‫مزدوجتين معا‪ ،‬صدق الفنبوة وانتهللاء الزمللان‪ ،‬صللدق‬
‫الفنبوة من حيث هو خارقة كونية‪ ،‬وانتهاء الزمان من‬
‫حيث ارتبللاط القمللر بالعهللد ودللللة النشللقاق علللى‬
‫الزوال‪ ،‬والرابط بينهما أن الفنبوة نفسها هي علمللة‬
‫مللن علمللات النهايللة إذ أنهللا خاتمللة تجليللات العهللد‬
‫ة‬
‫ع ي‬
‫سللا ح‬
‫ت ال س‬ ‫اللهي مع النسان‪ ،‬قللال تعللالى‪» :‬ا خ‬
‫قت ححرب حلل خ‬
‫مللير«‪ ،‬وقللال ﷺ‪» :‬بعثللت أنللا والسللاعة‬ ‫ق ال خ ح‬
‫ق ح‬ ‫وان خ ح‬
‫شلل س‬ ‫ح‬
‫كهللاتين وإن كللادت لتسللبقني«‪ ،‬وعللن ابللن مسللعود‬
‫قللال‪) :‬انشللق القمللر علللى عهللد رسللول الللله ﷺ‬
‫فرقللتين‪ ،‬فرقللة فللوق الجبللل وفرقللة دونلله‪ ،‬فقللال‬
‫رسول الله ﷺ ‪» :‬اشهدوا«(‪ .‬وواضح من أمللر النللبي‬
‫ﷺ بالشهود هو أن الحدث مرتبط بحقيقة تستدعي‬
‫شهودها‪ ،‬وهي العهد‪ ،‬خاصة وأن ذلك المر لم يكللن‬
‫لقامة الحجة علللى الكفللار‪ ،‬بللل تللوجه بلله النللبي ﷺ‬
‫للمؤمنين به‪ ،‬ففي صيغة أخرى للحديث قال رسللول‬
‫الله ﷺ ‪» :‬يا أبا سلمة بللن عبللد السللد والرقللم بللن‬
‫الرقللم اشللهدوا«‪ ،‬فلللم يكللن ذلللك مللن بللاب إقامللة‬
‫الحجللة‪ ،‬بللل كللان ضللرورة أن يشللهد المؤمنللون أحللد‬
‫الفعاليات الرمزية للعهد وهو قرب نهايته‪.‬‬

‫ودعاء النبي ﷺ عند رؤية القمر‪ ،‬والذي هو قللوله‪:‬‬


‫»كان إذا رأى الهلل قال ‪ :‬اللهم أهله علينا بللاليمن‬
‫واليمان والسلمة والسلم ربي وربك الللله« ليللس‬
‫في مضمونه إل تأكيدا على موضوع ميثللاق الفطللرة‬
‫نفسلله‪ ،‬وهللو القللرار لللله سللبحانه بالربوبيللة‪ ،‬قللال‬
‫م‬‫ه خ‬‫ر و‬ ‫ن ظي ي‬
‫هللو و‬ ‫ملل خ‬‫م و‬‫ن ب حن وللي آدح ح‬ ‫ملل خ‬ ‫ك و‬ ‫خللذح حرب رلل ح‬‫وإ وذخ أ ح ح‬ ‫تعالى‪ » :‬ح‬
‫قللايلوا‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫م ح‬ ‫ت ب وحرب لك ي خ‬‫س ي‬‫م أل ح خ‬ ‫ه خ‬‫س و‬ ‫ف و‬ ‫عحلى أن خ ي‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬‫هد ح ي‬‫ش ح‬ ‫وأ خ‬ ‫م ح‬ ‫ذيلري ست ح ي‬
‫ه خ‬
‫م ال خ و‬ ‫ح‬
‫ذا‬‫هلل ح‬
‫ن ح‬ ‫علل خ‬‫ة أنللا ك ين سللا ح‬ ‫م و‬‫قحيا ح‬ ‫و ح‬ ‫قويلوا ي ح خ‬ ‫ن تح ي‬ ‫هدخحنا أ خ‬ ‫ش و‬ ‫ب ححلى ح‬
‫ن« )لعراف ‪.(172‬‬ ‫فولي ح‬ ‫غا و‬ ‫ح‬

‫ثم يأتي فعل النبي ﷺ في العيد الذي هللو مراسللم‬


‫انتهلللاء شلللهود العهلللد‪ ،‬ليثبلللت عنللله دوام قراءتللله‬
‫لسللورتين فللي الركعللتين همللا ق والقللرآن المجيللد‬
‫والقمللر‪» :‬كللان يقللرأ فيهمللا ق والقللرآن المجيللد‬
‫واقللتربت السللاعة وانشللق القمللر« ]يللدل علللى أن‬
‫الصوم هو التزام عهلد‪ ..‬تفريلق الشلرع بيلن اللتزام‬
‫العهد والفرح بالوفاء به‪ ..‬وذلك بتحريم الصللوم فللي‬
‫يوم الفطر ويوم الضحى وكراهة إفراد يوم الجمعة‬
‫به‪ ..‬وهذا يدل أيضا على وقوع اليللومين فللي معنللى‬
‫واحد هو العهد[ُ‬

‫غير أن هذه المقاربة اللغوية تثير سللؤال سلليفيدنا‬


‫الجللواب عنلله فللي اسللتئناف فحللص سللائر المظللاهر‬
‫الثنا عشرية فلي الطلور المحمللدي‪ ،‬ويتعللق بالعلللة‬
‫التي اختلفللت لجلهللا صللورة العلمللة الثنللا عشللرية‬
‫المتمثلة في إثني عشلر سلبطا م ن بنلي إسلرائيل‪،‬‬
‫إلى صورة أخللرى زمللان الرسللالة المحمديللة متمثلللة‬
‫في إثني عشر خليفة من قريش تجتمع عليه المللة‪،‬‬
‫بدل من أن تنقسم قريش إلى إثني عشر قبيلة مثل‬
‫بني إسرائيل‪.‬هذا اختلف متوقللع نفهملله فللي ضللوء‬
‫اختلف طبيعة العهد نفسه مللن مرحلللة لخللرى فللي‬
‫فعالياته‪ ،‬فميثاق الفطرة قد أخذ على بني آدم كافة‬
‫في يوم عرفة بكيفية خارجة عن إطللار وعللي أفللراد‬
‫بنللي آدم‪ ،‬فللي حيللن أن عهللد الللله مللع إبراهيللم قللد‬
‫تحقق في يللوم عرفللة أيضللا بكيفيللة يعيهللا إبراهيللم‬
‫عليه السلم ويدرك أبعادها بصورة واضحة‪ ،‬فطالمللا‬
‫أن كيفية أخذ العهد تختلف‪ ،‬فتجليللات سلمات العهلد‬
‫وخصائصلله تختلللف كللذلك‪.‬وكللل مللا علينللا هللو إدراك‬
‫طبيعة هذه التغيرات التي طرأت علللى البنيللة الثنللا‬
‫عشللرية وعلقتهللا بطبيعللة التغيللر الللذي طللرأ علللى‬
‫العهد عند انتقاله من مرحلة لخرى‪.‬‬
‫التحليل اللغوي لمناسك الحج‬
‫لقللد تطرقنللا‪ ،‬أثنللاء عللرض تجليللات العلمللة الثنللا‬
‫عشللرية للعهللد‪ ،‬إلللى السللباط الثنللا عشللر لبنللي‬
‫إسللرائيل‪ ،‬وكللان ذلللك مفهومللا باعتبللارهم المسللار‬
‫السابق للعهد اللهلي‪ ،‬غيللر أن ذلللك يفللرض تسللاؤل‬
‫حول صلتهم بسائر مناسك الحج وهي أيضللا متعلقللة‬
‫بنفللس العهللد‪ ،‬أعنللي تلللك العلقللة المفترضللة بيللن‬
‫مناسك الحج وبني إسرائيل والتي ل بللد مللن ثبوتهللا‬
‫في ضوء ما سبق وذكرناه‪.‬‬

‫الحق أنلله لللم يثبللت إل خللبرا فللي القللرآن عللن أن‬


‫إبراهيم عليه السلم قد أذن في الناس جميعللا إلللى‬
‫مناسللك الحللج‪ ،‬غيللر أن تلللك المناسللك نفسللها قللد‬
‫احتفظللت داخلهللا بمفللردات تعللد مللن حيللث دللتهللا‬
‫التاريخيللة أحفللورات لغويللة دالللة تلللك الصلللة بللوجه‬
‫قاطع‪ ،‬أعني كلمات )حج(‪ ،‬و)كعبة( و)زمزم(‪.‬‬
‫معنى كلمة حج‬

‫إن أقصللى معنللى وأبعللد دللللة يمكللن للعربيللة أن‬


‫تصلنا بها من كلمة حج هو معنى القصد‪ ،‬غير أننا لللو‬
‫اقتفينا أثللر الكلمللة ومضللينا قللدما متجللاوزين حللاجز‬
‫اللغة العربيللة القرشللية‪ ،‬لنللدخل بلفللظ الحللج دائللرة‬
‫لغوية أقدم منها وهللي السللريانية‪ ،‬لغللة إبراهيللم ‪،‬‬
‫فسنجد أن الكلمة قبل أن ينتقل معناها إلللى معنللى‬
‫القصللد‪ ،‬كللانت تللدل مباشللرة علللى فعللل الطللواف‬
‫نفسه‪ ،‬وعلى معنللى العيللد الللذي يصللاحب الطللواف‪،‬‬
‫وعلللى معنللى الحشللد الللذي يللبرز أثنللاء الطللواف‪،‬‬
‫فكلمللة) ܚܚܓܳܐ‪/‬حللاج( تعنللي‪ :‬يطللوف حللول‪ ،‬وتعنللي‪:‬‬
‫دائرة‪ ،‬وتعني‪ :‬الحشد‪ ،‬وتعني‪ :‬العيد‪.‬‬

‫ويبدو أن فعل الطواف كان هللو الفعللل الرئيسللي‬


‫في الحج‪ ،‬وفي هذا إشارة قرآنية وردت فللي اليللة‪:‬‬
‫فللوا‬ ‫ول خي حطس س‬
‫و ي‬ ‫م ح‬
‫ه خ‬ ‫ول خييو ي‬
‫فللوا ن يلل ي‬
‫ذوحر ي‬ ‫م ح‬
‫هلل خ‬ ‫ضللوا ت ح ح‬
‫فث ح ي‬ ‫م ل وي ح خ‬
‫ق ي‬ ‫»ث يلل س‬
‫ق«‪ ،1‬وقلد ورد لفلظ )العلتيق( كوصلف‬ ‫ت ال خ ح‬
‫عوتيل و‬ ‫وبلال خب حي خ و‬
‫لللللبيت لن هلللذه الكلملللة هلللي المسلللتخدمة فلللي‬
‫قلدم‪ ،‬وهلي )علتيقو‪ /‬ܥܬܝܩܐ(‪ ،‬ثلم‬ ‫السريانية لمعنى ال و‬
‫انتقلت دللة الكلمة إلى فعل القصد الذي يكللون بلله‬
‫الوصول إلى مكللان الحللج أي الطللواف‪ ،‬وإلللى العيللد‬
‫الذي يحتفل فيه بعد أداء المناسك‪ ،‬ثم الحش د اللذي‬
‫يميز الحالة الجماعية للفريضة‪ ،‬ولم تحتفظ العربيللة‬
‫من هذه المعاني إل بمعنى القصللد‪ .‬والشللاهد أنلله ل‬
‫يمكن أن تنتقللل كلمللة )حللج( مللن نسللك معيللن إلللى‬
‫معاني قريبة منه في السللتخدام العللام‪ ،‬إل إذا كللان‬
‫أهل هذه اللغة قد أظهروا اهتماما بهذا النسك وقتللا‬
‫ما‪.‬‬

‫ويبعد أن يكللون فعللل الطللواف وكلمللة حللج الدالللة‬


‫عليه قللد عرفهمللا بنللي إسللرائيل بعيللدا عللن الكعبللة‬
‫المعروفة‪ ،‬فكللل المناسللك مارسللتها بنللي إسللرائيل‬
‫في أماكن وجودها دون ارتحال أو )قصد(‪ ،‬والمكللان‬
‫الوحيلد اللذي يسلتدعي منهلم ذللك هلو مكلة‪ ،‬للذلك‬
‫ارتبطللت كلمللة )حللج( بمعنللى القصللد أيضللا فللي‬
‫السريانية‪ .‬والقصللد مللن بعيللد هللو مطلللب وارد فللي‬
‫الية التي تتحدث عن بدايات الحج‪ ،‬وذلك فللي قللوله‬
‫عل حللى‬ ‫جللال ا ح‬
‫و ح‬ ‫ر ح‬ ‫ج ي حللأ خيتو ح‬
‫ك و‬ ‫ح ل‬‫س وبال خ ح‬‫في السنا و‬ ‫ن و‬‫وأذل خ‬
‫تعالى‪ » :‬ح‬
‫ح‬
‫)‪(2‬‬
‫ق«‬ ‫ل ح‬ ‫ي‬
‫نك ل‬ ‫خ‬ ‫كي ل‬
‫مي ت‬ ‫ع و‬‫ج ح‬ ‫ف ك‬ ‫م خ‬
‫ن و‬‫ر ي حأوتي ح‬‫م ت‬
‫ضا و‬
‫ل ح‬

‫بل إن السريانية قد تركت في العربية أثرا يجتمللع‬


‫فيه معنى الدوران )الطللواف( بمعنللى الللبيت‪ ،‬وهللي‬
‫كلملللة )دار(‪ ،‬اللللتي تعلللود إللللى أصللللها السلللرياني‬
‫) ܬܕܕ ܬܝܪܵ ܬܘ ܬܬܬܐܼܵ‪/‬داراتو(‪ ،‬والقرآن قد جمع بين فعل الطواف‬
‫وبين وصللف الكعبللة بللل )الللبيت(‪ ،‬فللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ق«‬‫عوتي و‬‫ت ال خ ح‬
‫فوا وبال خب حي خ و‬ ‫ول خي حطس س‬
‫و ي‬ ‫» ح‬
‫‪ 1‬الحج‪29/‬‬
‫‪ ()2‬الحج‪27/‬‬
‫‪ 3‬الحج‪29 /‬‬
‫معنى كلمة كعبة‬

‫شاع أن كلمة كعبة تعود إلى الشكل المكعب الللذي‬


‫تظهر به‪ ،‬والعكس صللحيح‪ ،‬فالشللكل المكعللب عللرف‬
‫بهذا السم لنه مثيل للكعبة في مظهرها‪ ،‬كالشللكل‬
‫البيضاوي الذي عرف بهذا السم لنه مثيللل للبيضللة‬
‫في تكوينها‪.‬‬

‫ولللدينا أدلللة لغويللة تؤكللد هللذا التجللاه فللي حركللة‬


‫اللفظ‪ ،‬وأنه بللدأ مللن الكعبللة وانتقللل إلللى أشللباهها‬
‫وليس العكس‪ ،‬منها أن العرب تطلق كلمللة )مكعللب(‬
‫ل على الجسام المكعبة فقط‪ ،‬بل علللى المسللاحات‬
‫المربعة أيضا‪ ،‬وهي وصف لجوانب الكعبة‪ ،‬فلو كانت‬
‫الكعبة مشتقة من الللبروز مللن البدايللة لمللا أطلقللت‬
‫علللى مللا هللو مسللطح‪ ،‬لكللن لمللا كللانت الكعبللة هللي‬
‫الصل‪ ،‬جاز استعارة جزء من ذلك الصل والذي هللو‬
‫جللوانب الكعبللة المربعللة‪ ،‬فللأطلع علللى المربللع فللي‬
‫اللغة مكعب‪ .‬ثم إن كلمللة كعللب مرتبطللة فللي اللغللة‬
‫بمعنى الشرف‪ ،‬وهو أيضا مللأخوذ مللن الكعبللة بحكللم‬
‫شرفها‪ ،‬فيقال‪) :‬عل كعبه‪ ،‬أي شيرف(‪.‬‬

‫والسؤال هنا‪ ،‬إذا كانت الكعبللة هللي أصللل تسللمية‬


‫نظائرها الشكلية بالمكعبات‪ ،‬فمللا هللو أصللل تسللمية‬
‫الكعبة نفسها؟ وجواب هذا السؤال يستند إلللى ثلث‬
‫ملحظللات‪ ،‬الولللى‪ :‬ثبللوت مسلللك دينللي عنللد بنللي‬
‫إسرائيل يقوم على عقد العهود والمواثيق عند حجر‬
‫بجواره بيت لتأدية مراسم تلللك العهللود‪ ،‬وهللو شللكل‬
‫بشري أقرب مللا يكللون إلللى التجللاور التللاريخي بيللن‬
‫الكعبللة والحجللر السللود‪ .‬الثانيللة‪ :‬أن الحجللر السللود‬
‫أيضا يؤدي وظيفة الشهود على العهد‪ .‬والثالثللة‪ :‬أن‬
‫كلمة حجر تعني بالسريانية‪ ) :‬ܟܟܐܹ ܬܦܐ ‪/‬كيبا( أو )كيفللا(‬
‫أو )كوبو( بحسب اللهجة‪.‬‬

‫أما النصوص التي تشير إلى وظيفة نصللب صللخرة‬


‫كشللاهد علللى العهللد عنللد بنللي إسللرائيل‪ ،‬فيمكللن‬
‫استعراضها كما يلي‪:‬‬

‫النص الول ورد في سللفر التكللوين‪ ،‬ويللدور حللول‬


‫رؤيا رآها في المنام تتعلق بوعد إلهي بتكثير ذريته‪،‬‬
‫وهو وعد شللبيه بوعللد الللله لبراهيللم عليلله السلللم‪،‬‬
‫فيقوم يعقوب على إثر ذلك بنصب حجللر فللي مكللان‬
‫الرؤيا مصاحبا ذلك بوعد تعب فللدي‪ 20» :‬ونللذر يعقللوب‬
‫نللذرا قللائل‪:‬إن كللان الللله معللي وحفظنللي فللي هللذا‬
‫الطريق الللذي أنللا سللائر فيلله وأعطللاني خللبزا لكللل‬
‫وثيابا للبس ‪ 21‬ورجعت بسلم إلى بيت أبي‪ ،‬يكللون‬
‫الرب لي إلهللا ‪ 22‬وهللذا الحجللر الللذي أقمتلله عمللودا‬
‫)‪(1‬‬
‫شره لك«‬‫يكون بيت الله وكل ما تعطيني فإني أع ف‬

‫أما النص الثللاني فهللو اتفللاق بيللن يعقللوب وخللاله‬


‫م‬
‫لحبان حول ترسيم الملكية بينهمللا‪ 44» :‬فللالن هللل ف‬
‫نقطع عهدا أنا وأنت فيكون شاهدا بينللي وبينللك ‪45‬‬
‫فأخذ يعقوب حجرا وأوقفه عمودا ‪ 46‬وقال يعقللوب‬
‫لخوته التقطوا حجارة فاخذوا حجارة وعملوا رجمللة‬
‫وأكللللوا هنلللاك عللللى الرجملللة ‪ 47‬ودعاهلللا لبلللان‬
‫يجرسهدوثا)‪ (2‬وأما يعقوب فدعاها جلعيللد)‪ 48 (3‬وقللال‬
‫لبان هذه الرجمللة هللي شللاهدة بينللي وبينللك اليللوم‬
‫لذلك دعي اسمها جلعيد ‪ 49‬والمصللفاة )‪ (4‬لنلله قللال‬
‫ليراقب الرب بيني وبينك حينما نتللوارى بعضللنا عللن‬
‫ل بناتي ول تأخذ نساء على بنللاتي‬ ‫بعض ‪ 50‬انك ل تذ ف‬
‫ليس إنسان معنا انظر الللله شللاهد بينللي وبينللك ‪51‬‬
‫وقال لبان ليعقوب هوذا هذه الرجمة وهوذا العمود‬

‫‪()1‬سفر التكوين‪.(22-20)28/‬‬
‫‪) ( )2‬يجرسهدوثا‪/‬ܝܓܳܪܵܣܗܕܘܬܐܼܵ( سرياناية‪ ،‬وتتكسسون مسسن مقطعيسسن‪ ،‬الول‪) :‬ܝܓܳܪܵ ‪ /‬يسساجر(‪ ،‬وهسسي‬
‫جسسرر( العربيسسة والسستي تعنسسي حجسسر البنسساء‪ ،‬والثسساناي‪:‬‬
‫الكلمة العتيقة التي تطسسورت عنهسسا كلمسسة )آ أ‬
‫)ܣܗܕܘܬܐܼܵ ‪ /‬سوهدوثا(‪ ،‬وهي الشكل القديم أيضا لكلمة )شهادة( في العربية‬
‫‪()3‬كلمة )جلعيد‪ /‬גלעד ( تعني )حجر الشهادة( أيضا بالعبرية‪ ،‬وتتكون من مقطعين‪ ) :‬גל ‪/‬جلس (‬
‫أي‪ :‬أركام من الحجارة‪ ،‬و)עד‪ /‬عاد( أي )شهادة(‪.‬‬
‫‪ ()4‬المصفاة مرادف آخر لكلمة صخرة‪ ،‬وتعني الصخرة الملساء أو الصفا‬
‫الذي وضعت بينللي وبينللك ‪ 52‬شللاهدة هللذه الرجمللة‬
‫وشاهد العمود أني ل أتجاوز هذه الرجمة إليك وانللك‬
‫ل تتجاوز هذه الرجمة وهذا العمود إلي للشفر ‪ 53‬إله‬
‫إبراهيللم وآلهللة نللاحور آلهللة أبيهمللا يقضللون بيننللا‬
‫)‪(1‬‬
‫وحلف يعقوب بهيبة أبيه إسحاق«‬

‫أما في النص الثالث فيخبرنا عن ميثاق أبللرم بيللن‬


‫حلف من أسباط بنللي إسللرائيل ضللد سللبط بنيللامين‬ ‫و‬
‫أمام )المصفاة(‪ ،‬أي الحجر الذي يبدو أنه تحول إلللى‬
‫اسم علم‪1» :‬ورجال إسرائيل حلفللوا فللي المصللفاة‬
‫قائلين ل يسلم احد منا ابنته لبنيامين امرأة ‪ 2‬وجللاء‬
‫الشعب إلى بيت إيل وأقاموا هناك إلى المساء أمام‬
‫اللله ورفعللوا صلوتهم وبكلوا بكللاء عظيمللا ‪ 3‬وقللالوا‬
‫لماذا يا رب إله إسرائيل حللدثت هللذه فللي إسللرائيل‬
‫حتى يفقد اليوم من إسرائيل سبط ‪ 4‬وفي الغد بكر‬
‫الشعب وبنوا هناك مذبحا واصعدوا محرقات وذبائللح‬
‫سلمة ‪ 5‬وقال بنو إسرائيل من هو الللذي لللم يصللعد‬
‫في المجمع من جميللع أسللباط إسللرائيل إلللى الللرب‬
‫لنه صار الحلف العظيم علللى الللذي لللم يصللعد إلللى‬
‫‪2‬‬
‫الرب إلى المصفاة قائل يمات موتا«‬
‫أما النص الرابع فتظهر فيه المصفاة )أي الحجللر(‬
‫وقد تحولت لمكان للصلللة‪ 3» :‬وكلللم صللموئيل كللل‬
‫بيت إسرائيل قللائل إن كنتللم بكللل قلللوبكم راجعيللن‬
‫إلى الرب فانزعوا اللهة الغريبللة والعشللتاروث مللن‬
‫وسللطكم واعللدوا قلللوبكم للللرب واعبللدوه وحللده‬
‫فينقذكم من يد الفلسطينيين ‪ 4‬فنزع بنللو إسللرائيل‬
‫البعليم والعشللتاروث وعبللدوا الللرب وحللده ‪ 5‬فقللال‬
‫صموئيل اجمعوا كل إسرائيل إلى المصفاة فأصلللي‬
‫‪3‬‬
‫لجلكم إلى الرب«‬

‫‪ 1‬التكوين )‪.(53-31/43‬‬
‫‪ 2‬القضاة )‪(5-21/1‬‬
‫‪ 3‬صموئيل الول )‪(5-7/3‬‬
‫النص الخامس‪ :‬يتحدث عن بيعللة طللالوت )شللاول(‬
‫ملكا على إسرائيل أمللام المصللفاة )=الحجللر(‪16» :‬‬
‫فقال شاول لعمه أخبرنا بان التن قد وجدت ولكنلله‬
‫لم يخبره بأمر المملكة الللذي تكلللم بلله صللموئيل ‪17‬‬
‫واستدعى صموئيل الشعب إلى الرب إلللى المصلفاة‬
‫‪ 18‬وقللال لبنللي إسللرائيل هكللذا يقللول الللرب إللله‬
‫إسرائيل اني أصعدت إسرائيل مللن مصللر وأنقللذتكم‬
‫مللن يللد المصللريين ومللن يللد جميللع الممالللك الللتي‬
‫ضايقتكم ‪ 19‬وأنتم قد رفضتم اليوم إلهكم الذي هو‬
‫مخلصلللكم ملللن جميلللع اللللذين يسللليئون إليكلللم‬
‫ويضايقونكم وقلتم له بللل تجعللل علينللا ملكللا فللالن‬
‫امثلللوا أمللام الللرب حسللب أسللباطكم وألللوفكم ‪20‬‬
‫فقدم صموئيل جميع أسللباط إسللرائيل فاخللذ سللبط‬
‫بنيامين ‪ 21‬ثم قلدم سلبط بنيلامين حس ب عشلائره‬
‫فأخللذت عشلليرة مطللري وأخللذ شللاول بللن قيللس‬
‫ففتشوا عليه فلم يوجد ‪ 22‬فسألوا أيضلا ملن الللرب‬
‫هل يأتي الرجل أيضا إلى هنا فقال الللرب هللوذا قللد‬
‫اختبأ بيللن المتعللة ‪ 23‬فركضللوا وأخللذوه مللن هنللاك‬
‫فوقف بين الشعب فكان أطول من كل الشعب مللن‬
‫كتفه فما فللوق ‪ 24‬فقللال صللموئيل لجميللع الشللعب‬
‫أرايتم الذي اختاره الرب أنه ليللس مثللله فللي جميللع‬
‫الشعب فهتف كل الشعب وقالوا ليحي الملك«‪.4‬‬
‫والجدير بالذكر أن المقاربة بين الكعبة ومجاورتها‬
‫لحجر وبيللن عللادات بنللي إسللرائيل الدينيللة قللام بهللا‬
‫الدكتور عبد الحد داوود في كتللابه )محمللد كمللا ورد‬
‫فللي كتللب اليهللود والنصللارى(‪ ،‬لكنلله لللم ينتبلله إلللى‬
‫الصلة بين كلمة كيبللا وكلمللة كعبللة‪ ،‬واكتفللى بجعللل‬
‫تلك المقاربة مقدمة لنتيجة هي أقل أهمية وضللعفا‪،‬‬
‫وهي افتراضه وجود صلة بين )المصفاة( وبين كلمة‬
‫وصف بها النبي ﷺ‪ ،‬لكنه مع ذلك‬ ‫)المصطفى( التي ي‬
‫ذكر كلما وجيها حول كلمة )بطللرس‪ (petrous /‬الللتي‬

‫‪ 4‬صموئيل الول‪10/‬‬
‫لقب بها المسيح ‪ ‬الح واري س معان‪ ،‬وه ي تعن ي‬
‫باليونانية‪) :‬الصخرة(‪ ،‬واعتبرها استعارة من المسيح‬
‫‪ ‬للوض عية الروحي ة لص خرة العه د عن د بن ي‬
‫ن‬‫عل حلل ح‬‫مللا أ ح خ‬‫ف ح‬‫ن ييون حللا‪ .‬ح‬ ‫ن بخ ح‬ ‫عا ح‬‫م ح‬‫س خ‬‫ك حيا و‬‫طوحبى ل ح ح‬ ‫إسرائيل‪ » :‬ي‬
‫ذا ل ححم ودم‪ ،‬ب خ ح‬
‫ت ‪18‬‬ ‫وا و‬ ‫ما ح‬ ‫س ح‬ ‫فلي ال س‬ ‫ذي و‬ ‫ل أوبلي اسلل و‬ ‫خ ر ح ح ر ح‬ ‫ه ح‬ ‫لح ح‬
‫ك ح‬
‫ة‬
‫خحر و‬ ‫صلل خ‬ ‫ه ال س‬ ‫ذ و‬ ‫عل حللى ح‬
‫هلل و‬ ‫و ح‬‫خرر‪ .‬ح‬ ‫ص خ‬ ‫ك‪ :‬أنت ح‬ ‫ل لح ح‬‫قو ي‬‫وأ ححنا أخيضا ا أ ي‬
‫ح‬ ‫ح‬
‫ح‬
‫)‪(1‬‬
‫ها!« ‪.‬‬ ‫ح‬ ‫خ‬ ‫ح‬ ‫خ‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫علي خ ح‬ ‫وى ح‬‫ن ت حق ح‬ ‫حيم و ل خ‬ ‫ج و‬‫ب ال ح‬ ‫وا ي‬‫وأب خ ح‬
‫سوتي ح‬ ‫أب خوني كوني ح‬

‫لكن ما علقة كلمة )المصفاة( بمترادفاتها بكلمة‬


‫)كعبة(؟‬

‫إذاا‪ ،‬فكلمة كعبة تعود إلى كلمة )كيبا( الللتي تعنللي‬


‫الصخرة‪ ،‬وقد انتقلت اللفظللة مللن الصللخرة نفسللها‬
‫إلى البناء المجاور لها كما انتقلت كلمللة )المصللفاة(‬
‫أيضا من الصخرة إلى البنللاء المجللاور لهللا عنللد بنللي‬
‫إسرائيل‪ ،‬أما عن تحولها إلى اسم علللم مللع الللوقت‬
‫لتدل على بناء بعينه‪ ،‬فهذا أمر له سابقة في اللغللة‪،‬‬
‫فاسم )الطللور( يطلللق الن علللى جبللل بعينلله‪ ،‬لكللن‬
‫الكلمللة فللي السللريانية )طللورا _ ܛܘܪܐ ( تعنللي اسللم‬
‫جنللس عللام وهللو )الجبللل(‪ ،‬ويبللدو أن واقعللة دينيللة‬
‫نسبت إلى الجبللل فحللولت اللفللظ الللدال عليلله إلللى‬
‫اسم علم كما حدث مع الكعبة‪.‬‬

‫ضللد‬‫أما الخبر في الوحي عللن الحجللر السللود‪ ،‬فيع ف‬


‫النتيجللة الللتي وصلللنا إليهللا مللن وجللوده عنللد بنللي‬
‫إسرائيل كنسك معللروف يللدور حللول تكريللس العهلد‬
‫بحجر‪ ،‬وهللو مللا يللدل عليلله حللديث النللبي ﷺ مللن أن‬
‫الحجللر السللود يقللوم بللدور الشللاهد يللوم القيامللة‪:‬‬
‫ن ينظير وبهما‪،‬‬ ‫ه عينا و‬‫ةل ي‬
‫م القيام و‬
‫ه يو ح‬‫ه الل ي‬‫ه ليبعثن س ي‬‫»والل و‬
‫ه‬
‫م ي‬
‫ن اسللتل ح‬
‫ملل و‬
‫ل ح‬‫ه‪ ،‬ويشللهدي علللى كلل ل‬‫ق بلل و‬
‫ن ينطلل ي‬ ‫ولسللا ر‬
‫)‪(2‬‬
‫ق«‬
‫بح ل‬

‫‪()1‬متى ‪18-16/17‬‬
‫‪ ()2‬رواه الترمذي وصححه اللباناي‬
‫معنى كلمة زمزم‬

‫كلمة )زمزم( فسرت على أنها مشتقة من الكلمللة‬


‫التي قالتهللا السلليدة هللاجر لمللاء الللبئر حيللن كللانت‬
‫مي«‪ ،‬وهي رواية غير ثابتللة‪،‬‬ ‫مي ز ف‬ ‫تحاول ضبطه‪» :‬ز ف‬
‫والهم من ذلك أن إحالة الكلمة إلى السللريانية هللي‬
‫أكللثر ملئمللة منهللا ويكشللف عللن إعجللاز نبللوي‪ ،‬فللل‬
‫)زمللزم( ليسللت إل الكلمللة السللريانية )سامسلليم‪/‬‬
‫ܕܬܣܡܲ ܣܣܡܸ(‪ ،‬التي تعني )الشفاء(‪ ،‬وهللي أحفللورة لغويللة‬
‫ذات صلة مباشرة بخبر النللبي ﷺ ‪» :‬مللاء زمللزم لمللا‬
‫شرب له«)‪ (1‬ولها صلة أيضا بفعل النبي ﷺ مللن أنلله‬
‫كان »يحمل ماء زمزم ) في الداوي والقللرب وكللان‬
‫يصب على المرضى ويسقيهم(«‬
‫في ضرورة رد مفردات الحج إلى السريانية ورفع‬
‫الحرج في ذلك‬

‫ومن المؤكد أن البعض يجد في نفسلله أثللرا سلليئا‬


‫من هذه العبارة‪» :‬إن مفردات الحج ترتد بأصلها إلى‬
‫لغة أخرى غير العربية هي السلريانية«‪ ،‬لكنله شلعور‬
‫يستبد بمن ليسللت لللديهم درايللة كافيللة بالسللريانية‪،‬‬
‫وما لها من وجه قرابة وتداخل مع العربية‪ ،‬فيتللوهم‬
‫خل فللي صللوغ أخللص‬ ‫أحدهم أن شلليئا غريبللا قللد تللد ف‬
‫شللعائر دينلله‪ ،‬فيجفللل لجللل ذلللك وتثللار حفيظتلله‪،‬‬
‫لسيما حين يرى خصوم الملة ما برحوا يهللللون لي‬
‫لفظ ذي أصول سريانية في القللرآن أو فللي شللعائر‬
‫السلم بوجه عام‪ ،‬ويستدلون بذلك على عدم أصالة‬
‫الرسلللالة المحمديلللة‪ ،‬فل يلبلللث أن يظهلللر هلللؤلء‬
‫الغيللورين حماسللة بالغللة فللي نفللي تلللك المزاعللم‪،‬‬
‫‪ ()1‬السلسلة الصحيحة لللباناي ‪883‬‬
‫وإنكار أي أثر للسريانية في مفرداتنا الدينية‪.‬‬

‫غيرة على غيللر هللدى‪ ،‬وتشللدد بغيللر‬ ‫وهي بل شك ح‬


‫بصيرة‪ ،‬وذلك أن السريانية ليست إل عربيللة عتيقللة‪،‬‬
‫والعربيلللة ليسلللت إل سلللريانية مصلللقولة مهذبلللة‪،‬‬
‫والتفاوت بينهما إنما هو ما يكون بيللن لسللان واحللد‬
‫فللي فللترتين متباعللدتين تباعللد مللا بيللن نللبي الللله‬
‫إبراهيم ونبي الله محمللد‪ ،‬وهللو تباعللد حتمللي بحكللم‬
‫تطور اللغة‪ ،‬ول يجب القلق منه‪ ،‬ل بللل يجللب إثبللاته‬
‫والتأكيد عليله‪ ،‬لنله دليلل لغللوي عللى صللة قريلش‬
‫والمناسللك المكيللة بنللبي الللله إبراهيللم يضللاف إلللى‬
‫الدليل النسب المعروف بالتواتر والخبر‪.‬‬

‫بل العكس صحيح‪ ،‬فلللو كللانت كللل مفللردات الحللج‬


‫ذات صلة تطابق مباشر بلغللة قريللش المتللأخرة عللن‬
‫لغة إبراهيم لكان ذلك مللدعاة للشللك ومحللل للنظللر‪،‬‬
‫وأدعى إلى القول بأن مناسك الحج مسللتحدثة ليللس‬
‫لها في عمق الزمان جذور‪ .‬والمر في ذلك أشبه ما‬
‫يكون بقطعة الثار التي تثبت لها قيمتها حين يثبللت‬
‫قدمها ل حين تكون جديدة جيدة الصللنع‪ ،‬وباللوحللات‬
‫الفنية الصلليلة الللتي تتأكللد أصللالتها بوجللود تفللاوت‬
‫ملحوظ بين زمان رسمها وبين الوقت الذي تفحللص‬
‫فيلله لختبارهللا‪ .‬فكيللف نطعللن هكللذا بللدليل أصللالة‬
‫مناسك الحج؟‬

‫قبون عما هللو سللرياني فللي‬ ‫وخصوم الملة حين ين ف‬


‫المجللال اللغللوي للرسللالة المحمديللة مللن مفللردات‪،‬‬
‫ليستدلوا به على عدم أصالة الرسالة‪ ،‬إنما يقترفون‬
‫حماقة بينة‪ ،‬إذ يدعمون الرسللالة مللن حيللث يريللدون‬
‫هللدمها‪ ،‬ول يصللح أن نجللاريهم فللي حمللاقتهم تلللك‬
‫فننفي كللل شلليء لمجللرد أنهللم يحللاولون إثبللاته‪ ،‬أو‬
‫نثبت كل شيء لمجرد أنهم يحاولون نفيه‪.‬‬

‫وهذه الغيرة على مفردات الملة ليسللت مقصللورة‬


‫عليها‪ ،‬بل ممتللدة إلللى اللغللة العربيللة ذاتهللا‪ ،‬فيؤكللد‬
‫بعضهم أنها أقدم اللغات‪ ،‬والحقيقة أن الخلف بيللن‬
‫القائلين بتقادم اللغة العربية مطلقا وبين القللائلين‬
‫بأنها أحدث اللغات السامية هو خلف لفظي لوصف‬
‫الحللراك الللذي حللدث فللي السللريانية فاسللتحالت بلله‬
‫عربية فصيحة‪ ،‬خلف حول مللا إذا كللان هللذا الحللراك‬
‫اللغوي هو تطور داخل لغة واحدة أم انبثاق لغة عللن‬
‫أخرى مغايرة لهللا‪ ،‬لكللن الجميللع متفللق علللى طللروء‬
‫اختلف علللى لسللان القللوم بمللرور الزمللان‪ ،‬وأن‬
‫القرشلليين لللو عللاد بهللم الزمللان فسلليفهمون كلم‬
‫أجدادهم القدمين بشيء من الصعوبة‪ .‬وإليكم هللذه‬
‫الفقرة من كلم ابن حزم في هذه المسألة‪» :‬إل أن‬
‫الللذي وقفنللا عليلله وعلمنللاه يقينللا ا أن السللريانية‬
‫والعبرانيللة والعربيللة هللي لغللة مضللر وربيعللة ل لغللة‬
‫محير‪ ،‬لغة واحدة تبدلت بتبدل مساكن أهلها فحللدث‬ ‫ح خ‬
‫و‬
‫فيها جللرش كالللذي يحللدث مللن الندلسللي‪ ،‬وإذا رام‬
‫نغمة أهل القيروان‪ ،‬ومللن القيروانللي إذا رام نغمللة‬
‫الندلسي‪ ،‬ومللن الخراسللاني إذا رام نغمتهللا‪ .‬ونحللن‬
‫نجد من سمع لغة أهللل فحللص البلللوط‪ ،‬وهللي علللى‬
‫ليلة واحدة من قرطبة كاد أن يقول إنها لغللة أخللرى‬
‫غير لغة أهل قرطبة‪ .‬وهكذا في كثير من البلد فإنه‬
‫بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبللديل ا ل‬
‫يخفى على من تأمله‪ .‬ونحللن نجللد العامللة قللد بللدلت‬
‫اللفاظ في اللغة العربية تبديل ا وهو في البعللد عللن‬
‫أصللل تلللك الكلمللة كلغللة أخللرى ول فللرق‪ .‬فنجللدهم‬
‫يقولون في العنب‪ :‬العينب وفي السللوط أسللطوط‪.‬‬
‫وفي ثلثة دنانير ثلثدا‪ .‬وإذا تعرب البربري فللأراد أن‬
‫يقول الشللجرة قللال السللجرة‪ .‬وإذا تعللرب الجليقللي‬
‫أبدل من العين والحاء هاء فيقول مهمدا ا إذا أراد أن‬
‫يقول محمداا‪ .‬ومثل هذا كللثير‪ .‬فممللن تللدبر العربيللة‬
‫والعبرانية السريانية أيقن أن اختلفهما إنما هو من‬
‫نحو ما ذكرنا مللن تبللديل ألفللاظ النللاس علللى طللول‬
‫الزمان واختلف البلدان ومجاورة المم‪ .‬وأنهللا لغللة‬
‫واحدة في الصل‪ ،‬وإذ تيقنللا ذلللك فالسللريانية أصللل‬
‫للعربيللة وللعبرانيللة معللاا‪ ،‬والمسللتفيض أن أول مللن‬
‫تكلم بهذه العربية إسماعيل عليه السلم فهللي لغللة‬
‫ولده‪ ،‬والعبرانية لغة إسحاق ولغة ولده‪ .‬والسللريانية‬
‫بل شللك هللي لغللة إبراهيللم ‪ ‬بنقللل الستفاضللة‬
‫الموجبة لصحة العلم«‬
‫موقف عرفة هو تمثيل لشهود المة على الناس‬

‫نعود الن إلى مشهد عرفة‪ ،‬لقللد بللدأنا بلله حللديثنا‬


‫دون أن ننتهللي منلله‪ ،‬غيللر أن المللر لللم يكللن دون‬
‫طائل‪ ،‬فلقد تزودنا بحقائق تمكننا من معالجلة أملره‬
‫على نحو أكثر قبول‪ ،‬ونودف أن نكرر أن جبللل عرفللات‬
‫ليللس هللو مشللهد عرفللة‪ ،‬فالجبللل بمعنللاه ليللس إل‬
‫المادة الخام التي اشتق منها رمللز آخللر يتمثللل فللي‬
‫الوقوف عليه وسط سلائر مناسلك الحلج فللي وقلت‬
‫معلوم‪.‬‬

‫والسؤال هنا يمكن صياغته علللى هللذا النحللو‪» :‬إذا‬


‫كان الجبل في ذاته شاهداا‪ ،‬وكانت هللذه صللفته فللي‬
‫أي وقت فللي السللنة‪ ،‬ودون أي مراسللم أو فعاليللات‬
‫تعبدية‪ ،‬فما هو المعنى الذي يضللاف للله سللنويا بللأن‬
‫يقف به الحجيج في وقت معين تتصاحب فيلله سللائر‬
‫مناسك الحج حوله؟«‪.‬‬

‫لننظر في المر عللن قللرب‪ ،‬إن مشللهد عرفللة هللو‬


‫لحظة اجتمللاع المللة بالجبللل الشللاهد علللى علقتهللا‬
‫بالله‪ ،‬وعلى هذا فالجتماع نفسه هللو المللدخل إلللى‬
‫فهم المشهد‪ ،‬فللإذا كللان المللر كللذلك‪ ،‬فقللد تحللدثنا‬
‫سابقا عللن حقيقللة أخللرى جمعللت بيللن المللة وبيللن‬
‫الجبللل‪ ،‬وأظللن أن مللن شللأنها أن تميللط اللثللام عللن‬
‫ظروف الجتماع بينهما بللوجه عللام‪ ،‬فالمللة والجبللل‬
‫قد جمعهما مللن قبللل تسللمية نللبي الللله إبراهيللم ‪‬‬
‫لهما‪ .‬فتسللميته للمسلللمين بهللذا السللم ثابتللة فللي‬
‫القرآن‪» :‬مل س ح ح‬
‫ن‬
‫سللولمي ح‬ ‫م خ‬ ‫م ال خ ي‬‫ماك ي خ‬‫سلل س‬
‫و ح‬ ‫ه ح‬
‫م ي‬‫هي ح‬
‫م إ وب خحرا و‬ ‫ة أوبيك ي خ‬ ‫و‬
‫م‬ ‫ح‬
‫علي خك يلل خ‬ ‫ا‬
‫هيدا ح‬ ‫ل ح‬ ‫سللو ي‬ ‫ذا ل وي حك يللو ح‬‫هلل ح‬ ‫ن ح‬
‫قب خ ي‬
‫شلل و‬ ‫ن السر ي‬ ‫فللي ح‬ ‫و و‬‫ل ح‬ ‫م خ‬ ‫و‬
‫س«‪ .‬أمللا تسللميته للجبللل‬ ‫داءح ح ح‬ ‫كوينوا ي‬ ‫وت ح ي‬
‫علللى الن سللا و‬ ‫ه ح‬
‫شلل ح‬ ‫ح‬
‫فللواردة فللي العهللد القللديم‪» :‬فللدعا إبراهيللم ذلللك‬
‫الجبل اسم الرب يرى«‪ .‬هذا ما بأيدينا لفض مغللاليق‬
‫المشهد‪ ،‬وليس أمامنا سوى اسللتنفاذ كللل إمكانيللات‬
‫تلك الشارة‪ ،‬وعلى أي حللال‪ ،‬فهللي إشللارة يعززهللا‬
‫خبر آخر يقترن فيه معنللى اسللم المسلللمين بمعنللى‬
‫ح‬
‫سللى‬ ‫عي ح‬ ‫س و‬ ‫ح س‬ ‫ما أ ح‬ ‫فل ح س‬
‫الشهود‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ » :‬ح‬
‫ح‬
‫ل‬‫قللا ح‬ ‫ه ح‬‫ري إلللى السللل و‬ ‫و‬ ‫صللا‬ ‫ن أن خ ح‬ ‫ملل خ‬ ‫ل ح‬ ‫قللا ح‬ ‫فللحر ح‬ ‫م ال خك ي خ‬ ‫هلل ي‬ ‫من خ ي‬ ‫و‬
‫ح‬
‫هدخ ب وأن سللا‬ ‫وا خ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫خ‬
‫شلل ح‬ ‫ه ح‬ ‫من سللا ب وللالل و‬ ‫هآ ح‬ ‫صللاير الللل و‬ ‫ن أن خ ح‬ ‫ح ي‬‫ن نح خ‬ ‫رريو ح‬ ‫وا و‬ ‫ح ح‬ ‫ال ح‬
‫ح‬
‫سللو ح‬
‫ل‬ ‫عن حللا السر ي‬ ‫وات سب ح خ‬‫ت ح‬ ‫مللا أن خحزل خلل ح‬ ‫من سللا ب و ح‬‫ن* حرب سن حللا آ ح‬ ‫مو ح‬ ‫سللل و ي‬ ‫م خ‬ ‫ي‬
‫ن«‪.‬‬ ‫دي ح‬ ‫ه و‬ ‫شا و‬ ‫ع ال س‬ ‫م ح‬ ‫خ‬
‫فاكت يب خحنا ح‬ ‫ح‬

‫ولنراجللع إذا الخللبر عللن تسللمية إبراهيللم للمللة بللل‬


‫و‬
‫ه ح‬ ‫)المسلللمين(‪ ،‬قللال تعللالى عللن إبراهيللم ‪ » :‬ي‬
‫ن‬‫كللو ح‬‫ذا ل وي ح ي‬
‫هلل ح‬ ‫فللي ح‬ ‫و و‬ ‫ل ح‬ ‫ن ح‬
‫قخبلل ي‬ ‫ملل خ‬
‫ن و‬ ‫سللولمي ح‬
‫م خ‬‫م ال خ ي‬
‫ماك ي خ‬‫سلل س‬
‫ح‬
‫س«‪،‬‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫وت حكوينوا ي‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ل ح‬ ‫سو ي‬
‫على السنا و‬ ‫داءح ح‬
‫ه ح‬ ‫ش ح‬ ‫م ح‬‫علي خك خ‬‫هيدا ح‬‫ش و‬ ‫السر ي‬
‫والواقع أن المقصد الذي يفصح عنه هذا الخبر‪ ،‬وهو‬
‫الشهود على الناس‪ ،‬ربما يكون هللو نفسلله المقصللد‬
‫من الجتماع الرمزي الخلر بيلن الملة وبيلن الجبلل‬
‫فللي الحللج‪ ،‬فيكللون وقللوف المللة بالجبللل هللو رمللز‬
‫لشهودها على الناس‪.‬‬

‫والواقللع أن هللذا الفللرض يؤكللده ارتبللاط مناسللك‬


‫الحج بشهود المللة علللى النللاس بشللكل عللام‪ ،‬وهللذا‬
‫ثابت في التفات قرآني من ذكر مهمة الشهود على‬
‫الناس إلى حديث علن علللة تغييللر القبللة واسللتبدال‬
‫الكعبللة بللبيت المقللدس‪ ،‬وذلللك فللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫عل حللى‬ ‫سللطا ا ل وت ح ي‬ ‫ك جعل خحناك ي ي‬
‫داءح ح‬‫ه ح‬‫شلل ح‬ ‫كون يللوا ي‬ ‫و ح‬ ‫ة ح‬ ‫ملل ا‬ ‫مأ س‬ ‫خ‬ ‫وك حذحل و ح ح ح‬ ‫» ح‬
‫عل خن حللا‬
‫ج ح‬‫مللا ح‬‫و ح‬‫هيدا ا ح‬ ‫م ح‬
‫شلل و‬ ‫عل حي خك يلل خ‬ ‫ل ح‬ ‫سللو ي‬ ‫ن السر ي‬ ‫وي حك يللو ح‬
‫س ح‬ ‫الن سللا و‬
‫سلو ح‬
‫ل‬ ‫ع السر ي‬ ‫ن ي حت سب ولل ي‬‫م خ‬ ‫م ح‬ ‫علل ح‬ ‫ح‬ ‫ها إ ول س ل ون ح خ‬ ‫ح‬
‫علي خ ح‬ ‫ت ح‬ ‫كن ح‬ ‫ة الوتي ي‬‫س‬ ‫قب خل ح ح‬
‫ال خ و‬
‫ه«‪ .‬وواضللح أن التقللارب بيللن‬ ‫قب حي خ و‬ ‫ع و‬ ‫عحلى ح‬ ‫ب ح‬ ‫قل و ي‬ ‫ن حين ح‬ ‫م خ‬ ‫م س‬‫و‬
‫اليتين السابقتين في الصياغة يؤكد ما اسللتخرجناه‬
‫من دللة كل منهما‪.‬‬

‫وعلى أي حال‪ ،‬فهذا التفسير يتماشى مع الللدائرة‬


‫المشتركة بين كل من خصائص المة ومناسك الحج‪،‬‬
‫فطالما أن الحج هو ترميز لخصللائص المللة‪ ،‬وطالمللا‬
‫أن الشهود على النللاس أحللد هللذه الخصللائص‪ ،‬فمللن‬
‫الضللروري وجللود رمللز لمعنللى شللهود المللة علللى‬
‫الناس‪.‬‬
‫مبدأ الستبعاد بين الحقيقة والرمز‬

‫غيللر أن المللر ل يسللير علللى هللذا النحللو مللن‬


‫البسللاطة‪ ،‬وذلللك أن طبيعللة الرمللز نفسلله تللأبى أن‬
‫تجتمع مظاهره بالحقائق التي تعبر عنها‪ ،‬وقد سللبق‬
‫وأن بي فنللا ذلللك حيللن كنللا نتحللدث عللن سللبب تعطيللل‬
‫القتال في سبيل الله لفساح المجللال لرمللز العللداء‬
‫مع المشركين‪ ،‬وهللو رمللي الجمللرات‪ .‬وهللذا هللو مللا‬
‫يدعونا إلى النصراف بمعنللى الشللهود علللى النللاس‬
‫كمضمون لمشهد عرفات‪ ،‬من الحالة الدنيويللة‪ ،‬إلللى‬
‫الحالة الخروية اللتي ثبلت فيهلا أيضلا شلهود الملة‬
‫على الناس‪ ،‬فيكون مشهد عرفات هو نموذج لشهود‬
‫المة على الناس يوم القيامة‪.‬‬
‫ملئمة سمة الشهود يوم القيامة لمشهد عرفة‬

‫وهذا أمر يستقيم مع معالم يللوم القيامللة نفسلله‪،‬‬


‫فهو يوم الشهود على الوجه العم لمعنى الشللهود‪،‬‬
‫ولم ل وهو يللوم انتهللاء فعاليللات عهللد الطاعللة بيللن‬
‫النسان وبين الله‪ ،‬فلم ل يكون يللوم شللهود الجللزاء‬
‫على ما سبق من تلك العلقة على مستوى البشرية‪،‬‬
‫ب‬ ‫ذا ح‬ ‫علل ح‬‫ف ح‬ ‫خللا ح‬‫ن ح‬ ‫ملل خ‬
‫ة لو ح‬‫ك حلي حلل ا‬ ‫فللي ذحل ولل ح‬ ‫ن و‬ ‫قللال تعللالى‪» :‬إ و س‬
‫م‬ ‫و ر‬‫ك حيلل خ‬ ‫وذحوللل ح‬‫س ح‬ ‫ه السنللا ي‬ ‫ع حللل ي‬ ‫مللو ر‬ ‫ج ي‬
‫م خ‬‫م ح‬ ‫و ر‬ ‫ة ذحوللل ح‬
‫ك حيلل خ‬ ‫اخل و‬
‫خللحر و‬
‫د« )هود‪ .(103/‬وقال تعالى فللي وصللف ذلللك‬ ‫هو ر‬
‫ش ي‬‫م خ‬ ‫ح‬
‫اليوم‪» :‬وجاءت كل نفس معها سللائق وشللهيد« )ق‪/‬‬
‫‪ ،(21‬وحتى على مستوى الجسد‪ ،‬قال تعالى‪» :‬يللوم‬
‫تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهللم بمللا كللانوا‬
‫يعملون« )النور‪ ،(24/‬ثم النبيللاء مللع أقللوامهم قللال‬
‫تعالى‪» :‬فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك‬
‫ن‬‫ذي ح‬ ‫وال سلل و‬
‫سللل ححنا ح‬‫صللير ير ي‬ ‫على هللؤلء شللهيدا« و‪» :‬إنللا ل ححنن ي‬
‫ن‬
‫د«‪» .‬إ و خ‬ ‫ها ي‬‫شلل ح‬‫م ال ح خ‬ ‫قللو ي‬ ‫م يح ي‬ ‫و ح‬ ‫وي حلل خ‬
‫ة الللدرن خحيا ح‬ ‫ححيا و‬‫في ال خ ح‬ ‫مينوا و‬‫آ ح‬
‫هدي‬ ‫شلل و‬ ‫ل إ ون لللي أ ي خ‬ ‫قللا ح‬ ‫ء ح‬ ‫سو ت‬ ‫هت وحنا ب و ي‬‫ض آل و ح‬ ‫ع ي‬ ‫ك بح خ‬ ‫عت ححرا ح‬ ‫ل إ وسل ا خ‬ ‫قو ي‬ ‫نح ي‬
‫ح‬
‫ن«‪ ،‬وقللال‪:‬‬ ‫كو ح‬ ‫ر ي‬‫شلل و‬ ‫مللا ت ي خ‬ ‫م س‬‫ريللءر و‬ ‫دوا أن لللي ب ح و‬ ‫ه ي‬ ‫شلل ح‬‫وا خ‬ ‫ه ح‬ ‫الل سلل ح‬
‫ي‬
‫ذبا ا أول حئ ولل ح‬ ‫ح‬
‫ك‬ ‫ه ك حلل و‬ ‫عل حللى الل سلل و‬ ‫فت حللحرى ح‬ ‫نا خ‬ ‫و‬ ‫ملل‬
‫م س‬ ‫م و‬ ‫ن أظخل حلل ي‬ ‫ملل خ‬ ‫و ح‬
‫» ح‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫هلل ي‬ ‫ح‬ ‫خ‬
‫ل ال خ‬ ‫قللو ي‬ ‫وي ح ي‬ ‫ح‬
‫ذي ح‬ ‫ء اللل و‬ ‫ؤل و‬ ‫هادي ح‬ ‫شلل ح‬ ‫م ح‬ ‫هلل خ‬ ‫على حرب ل و‬ ‫ن ح‬ ‫ضو ح‬ ‫عحر ي‬ ‫يي خ‬
‫عحلى ال س‬ ‫ح‬
‫ن« )هود‪/‬‬ ‫مي ح‬ ‫ظال و و‬ ‫ه ح‬‫ة الل س و‬ ‫عن ح ي‬ ‫م أل ل ح خ‬ ‫ه خ‬ ‫على حرب ل و‬
‫ك حذحيبوا ح ح‬
‫‪.(18‬‬

‫شللحر‬ ‫ع ح‬ ‫م خ‬ ‫حتى شهادة الكافرين علللى أنفسللهم‪» :‬ي حللا ح‬


‫ح‬ ‫خ‬ ‫ح‬
‫م‬‫كل خ‬‫علي خ ي‬ ‫ن ح‬ ‫صلو ح‬ ‫ق ر‬ ‫م يح ي‬
‫كل خ‬ ‫من خ ي‬ ‫ل و‬ ‫س ر‬ ‫م ير ي‬ ‫م ي حأت وك ي خ‬ ‫س أل ح خ‬ ‫وال ون خ و‬
‫ن ح خ‬ ‫ج ل‬‫ال خ و‬
‫عل حللى‬ ‫هدخحنا ح‬ ‫قايلوا ح‬
‫شلل و‬ ‫ذا ح‬ ‫ه ح‬ ‫م ح‬ ‫مك ي خ‬‫و و‬
‫قاءح ي ح خ‬ ‫م لو ح‬ ‫ذيرون حك ي خ‬ ‫وي ين خ و‬
‫آحياوتي ح‬
‫م‬ ‫ح‬
‫على أن خ ي‬ ‫ح‬ ‫و ح‬ ‫خ‬ ‫و ح‬ ‫أ حن خ ي‬
‫ه خ‬
‫سلل و‬ ‫ف و‬ ‫دوا ح‬ ‫ه ي‬‫ش و‬ ‫ححياةي الدرن خحيا ح‬ ‫م ال ح‬ ‫ه ي‬ ‫غسرت خ ي‬ ‫سحنا ح‬ ‫ف و‬
‫ن« )النعام‪.(130/‬‬ ‫كاينوا ح‬ ‫م ح‬ ‫ح‬
‫ري ح‬ ‫ف و‬ ‫كا و‬ ‫ه خ‬ ‫أن س ي‬
‫فإذا كانت لكل من تجليات العهد له ما يناظره يوم‬
‫القيامة من تجليات الشهود عليه‪ ،‬وإذا كانت الصورة‬
‫الخيللرة للعهللد منوطللة بالمللة المحمديللة كحاملللة‬
‫لرايته‪ ،‬فل بد من وجود وضع خاص لها يوم القيامللة‬
‫تتشارك فيه مع النبيللاء فللي الشللهود علللى النللاس‪،‬‬
‫قللال رسللول الللله ﷺ‪:‬لل »يللدعى نللوح يللوم القيامللة‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬لبيك وسعديك يا رب‪ ،‬فيقللول‪ :‬هللل بلغللت؟‬
‫فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقال لمته‪ :‬هل بلغكم؟ فيقولون‪ :‬ما‬
‫أتانا من نذير‪ ،‬فيقول‪ :‬من يشهد لك؟ فيقول‪ :‬محمد‬
‫وأمتلله‪ ،‬فيشللهدون أنلله قللد بلللغ‪) :‬ويكللون الرسللول‬
‫عليكللم شللهيدا(‪ .‬فللذلك قللوله جللل ذكللره‪) :‬وكللذلك‬
‫جعلنللاكم أمللة وسللطا لتكونللوا شللهداء علللى النللاس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيدا (‪ ،‬والوسط‪ :‬العدل‪«.‬‬
‫أقرب المواقف الثابتة لحالة شهود المة على‬
‫الناس هو موقف العراف‬

‫لكن تجسيد لحظة شللهود المللة علللى النللاس يللوم‬


‫القيامة بمشهد رمزي هو الوقوف بعرفة‪ ،‬يلزملله أن‬
‫قللق‪،‬‬‫تكون تلك اللحظة محددة الملمح وواضحة التح ف‬
‫ل حقيقة مضمرة ضمن حقائق يللوم القيامللة‪ ،‬وفللي‬
‫الواقع‪ ،‬فهذا الشرط المتراخي للحظة الشهود على‬
‫الناس يوم القيامة يجذبنا بلطف إلى المقاربللة بيللن‬
‫مشهد الوقللوف بعرفللة وحللدث الوقللوف بللالعراف‪،‬‬
‫ب‬ ‫جللا ر‬ ‫ح ح‬ ‫مللا و‬ ‫ه ح‬ ‫وب حي خن ح ي‬
‫وهو الحدث الذي وردت فيه اليللة‪ » :‬ح‬
‫وا‬ ‫ون حللادح خ‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫ما ي‬ ‫سللي ح‬ ‫ن ك يل ل ب و و‬ ‫فللو ح‬ ‫ر ي‬‫ع و‬‫ل يح خ‬‫جا ر‬ ‫ر ح‬ ‫ف حو‬ ‫عحرا و‬ ‫عحلى ال ح خ‬ ‫و ح‬‫ح‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫خ‬ ‫ح‬
‫هلل خ‬ ‫و ي‬ ‫ها ح‬ ‫خلو ح‬ ‫م ي حللدخ ي‬ ‫م للل خ‬ ‫علي خكلل خ‬ ‫م ح‬ ‫سللل ر‬ ‫ن ح‬ ‫ةأ خ‬ ‫جن سلل و‬
‫ب ال ح‬ ‫حا ح‬‫صلل ح‬ ‫أ خ‬
‫ح‬ ‫م ت ول خ ح‬ ‫ح‬
‫ب‬‫حا و‬ ‫صلل ح‬‫قللاءح أ خ‬ ‫ه خ‬‫صللاير ي‬ ‫ت أب خ ح‬ ‫ف خ‬ ‫ر ح‬‫ص و‬
‫ذا ي‬ ‫وإ و ح‬ ‫ن )‪ (46‬ح‬ ‫عو ح‬ ‫م ي‬‫ي حطخ ح‬
‫)‪(1‬‬
‫ن)‪«(47‬‬ ‫مي ح‬ ‫ظال و و‬ ‫وم ال س‬ ‫ع ال خ ح‬ ‫عل خحنا ح‬ ‫قايلوا حرب سحنا ل ت ح خ‬ ‫ر ح‬
‫ق خ و‬ ‫م ح‬ ‫ج ح‬ ‫السنا و‬

‫وهذا هو أصل مفارقتنا للقول الشائع حللول أهللل‬


‫العراف‪ ،‬وأنهم قوم اسللتوت حسللناتهم وسلليئاتهم‪،‬‬
‫وذهابنا إلى قللول آخللر أقللل شلليوعا منلله‪ ،‬وإن كللان‬
‫أرجح منه عقل‪ ،‬وهو أن أهل العراف يمثلللون حالللة‬
‫إيمانيللة عاليللة‪ ،‬ويقفللون موقفللا يليللق بلله الثنللاء ل‬
‫التوقف والحذر‪.‬‬

‫ومعروف أن للعلماء رأيين في أهل العراف‪ ،‬رأي‬


‫يللدور بمختلللف تخريجللاته حللول أنهللم يمثلللون حالللة‬
‫إيمانيللة بينيللة متوسللطة‪ ،‬مثللل القللول بللأنهم قللوم‬
‫استوت حسناتهم وسيئاتهم‪ ،‬أو أنهللم أهللل العقللوق‬
‫للوالدين من الشهداء‪ ،‬وهذه الراء منسوبة إلى ابللن‬
‫عباس وحذيفة وسعيد بن جبير وغيرهم‪ ،‬ورأي يدور‬
‫بمختلللف تخريجللاته حلول أنلله يمثلللون حاللة إيمانيلة‬
‫عالية راجحللة‪ ،‬مثللل أنهللم الملئكللة أو أنهللم النبيللاء‬
‫والصالحون والشهداء‪ ،‬ومثل هذا القول ينسللب إلللى‬
‫مجاهد والحسن البصري والزجاج والقشيري‪.‬‬

‫وعلى أي حللال‪ ،‬فنحللن ل نعلللم مللدى صللحة نسللبة‬


‫هللذه الراء إلللى قائليهللا‪ ،‬والدنللى إلللى الصللواب أن‬
‫ننظر في المر بحسب ما نراه أكثر قبول ل شلليوعا‪،‬‬
‫وأغلللب الظللن أن سللبب شلليوع الللرأي بللأنهم أدنللى‬
‫درجات أهل الثواب منزلة‪ ،‬هللو أنلله تفسللير سللهل ل‬
‫‪ ()1‬العراف‪47-46 /‬‬
‫يعللوزه إعمللال نظللر علللى مثللال مللا تقللدم‪ ،‬ثللم إنلله‬
‫مقللارب لحالللة أخللرى شللبيهة وهللي حالللة )عتقللاء‬
‫الرحمللن(‪ ،‬الللذي ورد الخللبر بإلقللائهم فللي )نهللر‬
‫الحياة(‪ ،‬وذلك في حديث النللبي ﷺ‪» :‬إذا دخللل أهللل‬
‫الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الللله تعللالى‪ :‬مللن‬
‫كللان فللي قلبلله مثقللال حبللة مللن خللردل مللن إيمللان‬
‫فللأخرجوه فيخرجللون قللد امتحشللوا وعللادوا حممللا‬
‫فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في‬
‫حميل السيل ألم تروا أنها تخرج صللفراء ملتويللة«)‪،(1‬‬
‫وسنتعرض فيما يلي لنقد هذا الرأي‪.‬‬
‫نقد التفسير الشائع للعراف‬

‫الواقللع أن سللياق آيللة سللورة العللراف‪ ،‬وموضللوع‬


‫السورة نفسه‪ ،‬يميل بنا إلللى النصللراف عللن الغللض‬
‫من شأن أهل العراف‪ ،‬والقول بأنهم حالللة إيمانيللة‬
‫بينية غير محسومة‪ ،‬وذلللك مللا رآه الحسللن البصللري‬
‫ذكر له هذا الرأي‪ ،‬فقد ذكر الفخر الللرازي فللي‬ ‫حين ي‬
‫تفسيره‪» :‬قيل للحسن‪ :‬هم قوم اسللتوت حسللناتهم‬
‫وسيئاتهم‪ ،‬فضرب على فخللذيه ثللم قللال‪ :‬هللم قللوم‬
‫جعلهم الله تعالى على تعرف أهل الجنة وأهل النللار‬
‫يميللزون البعللض مللن البعللض‪ ،‬والللله ل أدري لعللل‬
‫)‪(2‬‬
‫بعضهم الن معنا«‬

‫ودعونا ننظر في فعل المعرفللة الللذي اشللتق منلله‬


‫حدث أهللل العللراف‪ ،‬لقللد ذهبنللا فللي تحليلنللا لكمللة‬
‫)عرفللات( إلللى أن اشللتقاق اسللم الجبللل مللن فعللل‬
‫المعرفللة ل يمكللن أن يكللون بسللبب أمللر هامشللي‬
‫ضئيل‪ ،‬مثل تعرف آدم على حواء‪ ،‬أو تعرف إبراهيللم‬
‫علللى إسللماعيل بعللد عللودته إليلله‪ ،‬ورجحنللا أن هللذا‬
‫السم بذلك الشللتقاق لبللد مللن أن يكللون لمللر ذي‬

‫‪ ()1‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ ()2‬تفسير مفاتيح الغيب للية المذكورة‪.‬‬
‫شأن‪ ،‬حتى وصلنا إلللى أنلله معنللى الشللهود ل معنلى‬
‫التعرف البسيط‪ .‬فكذلك المر هنللا‪ ،‬إن معرفللة أهللل‬
‫العراف بحال أهل الجنة والنار ل يمكن إل أن تكون‬
‫شهودا عليهما‪ ،‬ل معرفة طارئة عرضت لفئة تنتظللر‬
‫البللت فللي أمرهللا وحسللم مصلليرها‪ ،‬وبللذلك يكللون‬
‫الرجح أنهم شهداء على المصير الخروي العام يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫وحدث شهود المصللير الخللروي يللوم القيامللة هللو‬


‫حدث ثابت مع آدم نفسه‪ ،‬وذلك فللي حللديث »يللا آدم‬
‫ابعث بعث النار«)‪ ،(1‬فالمناسللب أن يتكللرر فللي المللة‬
‫الخيرة التي ثبت شهودها على الناس‪ ،‬خاصة وهللي‬
‫المة التي استمرت في تقويم موقف آدم إلى آخللر‬
‫الزمان‪.‬‬

‫ثم إن شهود المة علللى النللاس يللوم القيامللة هللو‬


‫أمر ثابت بالخبر‪ ،‬فالراجللح إذا أن يكللون لهللم مشللهد‬
‫مذكور بذلك‪ ،‬وهذا ما سبق وذكرناه في حديث النبي‬
‫ﷺ‪» :‬يجيء النبي ومعه الرجلن ويجيء النبي ومعه‬
‫الثلثة وأكثر من ذلللك وأقللل فيقللال للله‪ :‬هللل بلغللت‬
‫قومللك؟ فيقللول‪ :‬نعللم فيللدعى قللومه فيقللال‪ :‬هللل‬
‫بلغكلم ه ذا؟ فيقولللون‪ :‬ل‪ .‬فيقللال‪ :‬ملن ش هد للك؟‬
‫فيقول محمد وأمته فتدعى أمة محمللد فيقللال‪ :‬هللل‬
‫بلغ هذا؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ .‬فيقول‪ :‬وما علمكم بللذلك؟‬
‫فيقوللون‪ :‬أخبرنللا نبينللا بلذلك أن الرسلل قللد بلغللوا‬
‫فصدقناه قال‪ :‬فذلك قوله تعالى‪) :‬وكذلك جعلنللاهم‬
‫ب الل لسسهه‬ ‫ن ع بسس ب‬
‫ذا ب‬ ‫م إلسسى قاسسول ههه ‪ -‬وبل بك هسس ل‬ ‫ظي م‬ ‫يمء ع ب ه‬ ‫ش ي‬ ‫ساع بةه ب‬ ‫ة ال ل‬ ‫ن بزل يبزل ب ب‬ ‫م إه ل‬ ‫قوا برب لك أ ي‬ ‫س ات ل أ‬ ‫‪» ()1‬بيا أي يبها اللنا أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ب‬ ‫سسدرو‬ ‫ت‬ ‫سسل‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫ل‬ ‫سسا‬‫ق‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫يقو‬ ‫ل‬
‫ل‬ ‫قاو‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ه‬‫أ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫أ‬ ‫وعرفوا‬ ‫ي‬
‫ل‬ ‫المط‬ ‫ثوا‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ه‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫أصحا‬ ‫ك‬‫ب‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ما سمعب‬ ‫ديد م فل ل‬ ‫ش ه‬‫ب‬
‫ل يسا‬ ‫ه فيقسو أ‬ ‫م فأينساديهه رب يسس أ‬ ‫ه فيسهه آد ب‬ ‫م ي أنسسادي الللس أ‬ ‫ك يسو م‬ ‫ل ذا ب‬ ‫م قاسا ب‬ ‫ه أعل أ‬ ‫ه ورسول أ أ‬ ‫ك قاالوا الل ل أ‬‫يوم ل ذل ه ب‬
‫ة‬‫ف تسسسعمائةل وتسسسع م‬ ‫ل ألسس ل‬ ‫ل مسسن كسس ل‬ ‫ثَ الن لسساره فيقسسو أ‬ ‫ب ومسسا ب بعسس أ‬ ‫ل أي ر ل‬ ‫ثَ اللناره فيقو أ‬ ‫م اببعثَ بع ب‬ ‫آد أ‬
‫ل الل لسسهه‬ ‫ما رأى رسو أ‬ ‫حك بةل فل ل‬ ‫دوا بضا ه‬ ‫م حلتى ما أب ب‬ ‫س القو أ‬ ‫ن إلى اللناره وواحد م إلى الجن لةه فيئ ه ب‬ ‫سعو ب‬ ‫وبت ه ي‬
‫ن ما كاناتا معب‬ ‫خليقتي ه‬ ‫مد ل بيد ههه إلناكم لمعب ب‬ ‫س مح ل‬ ‫شروا فواللذي ناف أ‬ ‫ملوا وأب ه‬ ‫ل اع ب‬ ‫ﷺ اللذي بأصحاب ههه قاا ب‬
‫ن القسسوم ه‬ ‫سسسلريب عسس ه‬ ‫لف أ‬ ‫س قاسسا ب‬ ‫م وببني إبلي ب‬ ‫ت من ببني آد ب‬ ‫ج ومن ما ب‬ ‫ج ومأجو أ‬ ‫شيلء إلل كث لبرتاه أ يأجو أ‬
‫م فسسي الن لسساس إلل‬ ‫مسسد ل بيسسد ههه مسسا أنات أسس ي‬
‫س مح ل‬ ‫شسسروا فوالسسذي نافسس أ‬ ‫ل‬ ‫ملوا وأب ه‬ ‫ن قاال اع ب‬ ‫ب‬ ‫ض اللذي يجدو ب‬ ‫بع أ‬
‫ه‬
‫ة« )رواه الترمذي وصححه اللبسساناي برقاسم‬ ‫ب‬
‫ل ل ه‬‫دا‬ ‫ال‬ ‫ع‬
‫ه‬ ‫ذرا‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫قام‬‫ي‬ ‫ر‬
‫ل‬ ‫كال‬ ‫أو‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫البعي‬ ‫ب‬ ‫شامةه في جن ه‬ ‫كال ل‬
‫‪(3169‬‬
‫أمللة وسللطا لتكونللوا شللهداء علللى النللاس ويكللون‬
‫)‪(1‬‬
‫الرسول عليكم شهيدا(«‬

‫ثم إن سورة العراف نفسللها متعلقللة بموضللوعها‬


‫بمعنى الشهود على الناس‪ ،‬فهي السورة التي ذكللر‬
‫م إ وذخ‬‫ه خ‬
‫وا ي‬‫علل ح‬‫ن دح خ‬ ‫مللا ك حللا ح‬
‫ف ح‬ ‫فيهللا قللول الللله عللز وجللل‪ » :‬ح‬
‫قللايلوا أنللا ك يسنللا ح‬ ‫ح‬ ‫خ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫مي ح‬‫ظللال و و‬ ‫ن ح‬ ‫سللحنا إ ول س أ خ‬‫م ب حأ ي‬‫ه خ‬ ‫جللاءح ي‬ ‫ح‬
‫ن)‬ ‫خ‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫س ح‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫سللولي ح‬
‫مخر ح‬ ‫ن ال ي‬ ‫سللأل س‬ ‫ولن ح خ‬ ‫م ح‬
‫هلل خ‬
‫ل إ ولي خ و‬ ‫ن أخر و‬ ‫ذي ح‬‫ن ال و‬ ‫سأل س‬ ‫فلن ح خ‬
‫‪«(6‬‬

‫ثم ذكر فيها قصة موسى مع بني إسرائيل كامللة‪،‬‬


‫وفي أثنائها ذكر الله سبحانه أنلله سلليغفر للموفللون‬
‫بعهدهم من بني إسرائيل ولمللن يتبللع النللبي محمللد‬
‫المكتلللوب فلللي التلللوراة‪ ،‬أي بصلللفته وارث العهلللد‬
‫ه‬
‫م ي‬ ‫و ح‬ ‫قلل خ‬ ‫سللى ح‬ ‫مو ح‬ ‫خت حللاحر ي‬ ‫وا خ‬ ‫البراهيمللي‪ ،‬قللال تعللالى‪ » :‬ح‬
‫ب‬ ‫ل حر ل‬ ‫قللا ح‬ ‫ة ح‬ ‫ف ي‬ ‫ج ح‬ ‫م السر خ‬ ‫ه خ‬ ‫ما أخذت خ ي‬ ‫فل ح س‬ ‫قات وحنا ح‬ ‫مي ح‬ ‫جل ا ل و و‬ ‫ن حر ي‬ ‫عي ح‬ ‫سب خ و‬ ‫ح‬
‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫علللح‬ ‫مللا ف ح‬ ‫ح‬ ‫هل وكن حللا ب و ح‬ ‫ي‬ ‫ي أت ي خ‬ ‫وإ وي سللا ح‬ ‫ن قب خل ح‬‫ي‬ ‫ح‬ ‫م خ‬ ‫م و‬ ‫ه خ‬ ‫هلكت ح ي‬‫خ‬ ‫تأ خ‬ ‫شئ ح‬ ‫خ‬ ‫و و‬ ‫لح خ‬
‫شللاءي‬ ‫ن تح ح‬ ‫ملل خ‬ ‫هللا ح‬ ‫ل بو ح‬ ‫ضلل ر‬ ‫ك تي و‬ ‫فت خن حت يلل ح‬ ‫ي إ ول س و‬ ‫ه ح‬ ‫ن و‬ ‫مسنا إ و خ‬ ‫هاءي و‬ ‫ف ح‬ ‫س ح‬ ‫ال ر‬
‫ح‬
‫ت‬ ‫وأخنلل ح‬ ‫محنا ح‬ ‫ح خ‬ ‫واخر ح‬ ‫فخر ل ححنا ح‬ ‫غ و‬ ‫فا خ‬ ‫ول وي رحنا ح‬ ‫شاءي أنت ح‬ ‫ن تح ح‬ ‫م خ‬ ‫دي ح‬ ‫ه و‬ ‫وت ح خ‬ ‫ح‬
‫ه الللدرن خحيا‬ ‫ذ و‬ ‫هلل و‬ ‫فللي ح‬ ‫ب لن حللا و‬ ‫ح‬ ‫واكت يلل خ‬ ‫خ‬ ‫ن )‪ (155‬ح‬ ‫ري ح‬ ‫ف و‬ ‫غللا و‬ ‫خ‬
‫خي خللير ال ح‬ ‫ح‬
‫ب‬ ‫ي‬ ‫علل ح‬ ‫قا ح‬ ‫ك ح‬ ‫ح‬
‫هدخحنا إ ولي خ ح‬
‫صللي ي‬ ‫ذاوبي أ و‬ ‫ل ح‬ ‫ة أنا ي‬ ‫خحر و‬ ‫في ال و‬ ‫و و‬ ‫ة ح‬ ‫سن ح ا‬ ‫ح ح‬ ‫ح‬
‫ح‬ ‫ح‬
‫ها‬ ‫سلأك خت يب ي ح‬ ‫ف ح‬ ‫ء ح‬ ‫ي ت‬ ‫شل خ‬ ‫ل ح‬ ‫ت ك يلل س‬ ‫ع خ‬ ‫سل ح‬ ‫و و‬ ‫مت وللي ح‬ ‫ح ح‬ ‫وحر خ‬ ‫شاءي ح‬ ‫نأ ح‬ ‫م خ‬ ‫ه ح‬ ‫بو و‬
‫م وبآحيات ون حللا‬ ‫هلل خ‬ ‫ن ي‬ ‫ذي ح‬ ‫وال سلل و‬ ‫ن السزك حللاةح ح‬ ‫ؤت يللو ح‬ ‫وي ي خ‬ ‫ن ح‬ ‫قللو ح‬ ‫ن ي حت س ي‬ ‫ذي ح‬ ‫ل ول سلل و‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫سللو ح‬ ‫ن )‪ (156‬ال س و‬ ‫يي خ‬
‫ملل س‬ ‫ي ال ل‬ ‫ل الن سب ولل س‬ ‫ن السر ي‬ ‫عو ح‬ ‫ن ي حت سب و ي‬ ‫ذي ح‬ ‫مينو ح‬ ‫ؤ و‬
‫ل‬ ‫جيلل و‬ ‫لن و‬ ‫وا و‬ ‫ة ح‬ ‫وحرا و‬ ‫فللي الت سلل خ‬ ‫م و‬ ‫ه خ‬ ‫عن خللدح ي‬ ‫مك خيتوبللا ا و‬ ‫ه ح‬ ‫دون ح ي‬ ‫ج ي‬ ‫ذي ي ح و‬ ‫ال س و‬
‫خ‬
‫م‬ ‫هلل خ‬ ‫ل لح ي‬ ‫حلل ر‬ ‫وي ي و‬ ‫ر ح‬ ‫منك حلل و‬ ‫ن ال خ ي‬ ‫ع خ‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫ها ي‬ ‫وي حن خ ح‬ ‫ف ح‬ ‫عيرو و‬ ‫م خ‬ ‫م وبال خ ح‬ ‫ه خ‬ ‫مير ي‬ ‫ي حأ ي‬
‫م‬ ‫ه خ‬ ‫صحر ي‬ ‫م إو خ‬ ‫ه خ‬ ‫عن خ ي‬ ‫ع ح‬ ‫ض ي‬ ‫وي ح ح‬ ‫ث ح‬ ‫خحبائ و ح‬ ‫م ال خ ح‬ ‫ه خ‬‫علي خ و‬
‫م ح ح‬ ‫حلر ي‬ ‫وي ي ح‬ ‫ت ح‬ ‫الطسي لحبا و‬
‫علسزيروهي‬ ‫و ح‬ ‫ه ح‬ ‫مينوا ب و و‬ ‫نآ ح‬ ‫ذي ح‬ ‫فال س و‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫و‬ ‫عل حي خ‬ ‫ت ح‬ ‫كان ح خ‬ ‫ل ال سوتي ح‬ ‫غل ح‬ ‫وال ح خ‬ ‫ح‬
‫م‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ز ح‬ ‫ي‬ ‫س‬
‫هلل خ‬ ‫ولئ وللك ي‬ ‫هأ خ‬ ‫علل ي‬ ‫م ح‬ ‫ل ح‬ ‫ذي أنلل و‬ ‫عوا الن رللوحر اللل و‬ ‫وات سب ح ي‬ ‫صيروهي ح‬ ‫ون ح ح‬ ‫ح‬
‫ن )‪ ، «(157‬وفيها‪ ،‬أي السورة‪ ،‬عوتب فيها‬ ‫)‪(2‬‬
‫حو ح‬ ‫مفل و ي‬ ‫خ‬ ‫ال ي‬ ‫خ‬
‫ح‬
‫م‬ ‫ه خ‬ ‫سللأل خ ي‬ ‫وا خ‬ ‫بني إسرائيل على نقضهم عهد السللبت‪ » :‬ح‬
‫‪ ()1‬السلسلة الصحيحة برقام ‪2448‬‬
‫‪ ()2‬العراف‪157-155/‬‬
‫فلي‬ ‫ن و‬ ‫دو ح‬ ‫عل ي‬ ‫ر إ وذخ ي ح خ‬ ‫حل و‬ ‫ضلحرةح ال خب ح خ‬ ‫حا و‬ ‫ت ح‬ ‫كان ح خ‬ ‫ة ال سوتي ح‬ ‫قخري ح و‬ ‫ن ال خ ح‬ ‫ع خ‬ ‫ح‬
‫خ‬
‫مل‬ ‫و ح‬ ‫وي ح خ‬ ‫شسرعا ا ح‬ ‫م ي‬ ‫ه خ‬ ‫سب خت و و‬ ‫م ح‬ ‫و ح‬ ‫م يح خ‬ ‫ه خ‬ ‫حيحتان ي ي‬ ‫م و‬ ‫ه خ‬ ‫ت إ وذخ ت حأ خوتي و‬ ‫سب خ و‬ ‫ال س‬
‫ن)‬ ‫قو ح‬ ‫س ي‬ ‫ف ي‬ ‫ما كاينوا ي ح خ‬ ‫ح‬ ‫م بو ح‬ ‫ه خ‬ ‫ي‬
‫م كذحل وك ن حب خلو ي‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ه خ‬
‫ي‬ ‫ن ل ت حأوتي و‬ ‫سب ويتو ح‬ ‫يح خ‬
‫ه‬ ‫س‬
‫ومللا الللل ي‬ ‫ا‬ ‫ق خ‬‫ن ح‬ ‫عظللو ح‬ ‫ي‬ ‫م تح و‬ ‫م ل ولل ح‬ ‫هلل خ‬ ‫من خ ي‬ ‫ة و‬ ‫ملل ر‬ ‫تأ س‬ ‫ح‬
‫قللال خ‬ ‫وإ وذخ ح‬ ‫‪ (163‬ح‬
‫ح‬
‫ذحرةا إلللى‬ ‫علل و‬ ‫م خ‬ ‫قللايلوا ح‬ ‫ديدا ا ح‬ ‫شلل و‬ ‫ذابا ا ح‬ ‫ع ح‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫عذلب ي ي‬ ‫م ح‬‫و ي‬ ‫مأ خ‬ ‫ه خ‬ ‫هل وك ي ي‬ ‫م خ‬ ‫ي‬
‫عل س ي‬ ‫ول ح ح‬ ‫حرب لك يلل خ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن )‪ ، «(164‬وفيهللا ذكللرت آيللة‬ ‫قللو ح‬ ‫م ي حت س ي‬ ‫هلل خ‬ ‫م ح‬
‫ميثللاق الفطللرة بعللد قصللة بنللي إسللرائيل ونقضللهم‬
‫م‬‫ه خ‬‫ر و‬ ‫هللو و‬ ‫ن ظي ي‬ ‫ملل خ‬ ‫م و‬ ‫ن ب حن وللي آدح ح‬ ‫ملل خ‬ ‫ك و‬ ‫وإ وذخ أخللذ حرب رلل ح‬ ‫للعهللد‪ » :‬ح‬
‫قللايلوا‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫وأ ح خ‬
‫م ح‬ ‫ت ب وحرب لك ي خ‬ ‫س ي‬ ‫م أل ح خ‬ ‫ه خ‬ ‫س و‬ ‫ف و‬ ‫عحلى أن ي‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫هد ح ي‬ ‫ش ح‬ ‫م ح‬ ‫ه خ‬ ‫ذيلري ست ح ي‬
‫م ال خ و‬ ‫ح‬
‫ذا‬‫هلل ح‬ ‫ن ح‬ ‫علل خ‬ ‫ة أنللا ك ين سللا ح‬ ‫م و‬ ‫قحيا ح‬ ‫و ح‬ ‫قويلوا ي ح خ‬ ‫ن تح ي‬ ‫هدخحنا أ خ‬ ‫ش و‬ ‫ب ححلى ح‬
‫)‪(2‬‬
‫ن«‬ ‫فولي ح‬ ‫غا و‬ ‫ح‬

‫رموز يوم القيامة في مشهد عرفة‬

‫ونحن لو عدنا من يوم القيامة إلى مشهد الوقوف‬


‫بعرفة مزودين بفكرتنا عن التماثل بين ذلك المشهد‬
‫وبين شهود المة على الناس يللوم القيامللة‪ ،‬لمكننللا‬
‫فهم عناصر كثيرة في ضوء هذه الفكرة‪.‬‬
‫إن معنى )اليوم( نفسه واضح في أحكام الوقللوف‬
‫بعرفة باعتباره ترميزا لل )يوم( القيامللة‪ ،‬أعنللي ذلللك‬
‫الحكم بوجوب الجمع بين الليل والنهار في الوقوف‬
‫بعرفة‪ ،‬فهو قصد إلى إلحاق معنى اليوم بالمشهد‪.‬‬
‫أما مظهر الجمع والتفرق في إتيان موقف عرفللة‬
‫وفي الزوال عنه‪ ،‬فهللو تمثيللل لمللا عللرف عللن يللوم‬
‫القيامة من أنه »يوم الجمع«‪ ،‬وذلللك مللن قللول الللله‬
‫ي‬ ‫تعالى‪» :‬وك حللذحل و ح ح‬
‫م‬‫ذحر أ س‬‫عحرب وي فللا ا ل وت ين خلل و‬
‫قخرآنللا ا ح‬ ‫ك ي‬ ‫حي خن حللا إ ول حي خلل ح‬‫و ح‬‫كأ خ‬ ‫ح‬
‫ه‬
‫فيل و‬ ‫ب و‬ ‫ع ل حرخيل ح‬ ‫مل‬ ‫ج‬
‫ح‬ ‫خ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬
‫خ ح‬ ‫يل‬
‫ح‬ ‫ر‬ ‫ذ‬
‫و‬ ‫نل‬‫خ‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫و‬ ‫للا‬‫ه‬‫خ ح‬‫ح‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ح‬‫ح‬ ‫ن‬
‫و ح خ‬
‫مل‬ ‫قحرى ح‬‫ال خ ي‬
‫خ و‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫ر«)‪ ،(3‬ول تفوتنللا‬ ‫عي و‬ ‫سلل و‬ ‫فللي ال س‬ ‫ق و‬ ‫ريلل ر‬ ‫ف و‬‫و ح‬ ‫ة ح‬ ‫في ال خ ح‬
‫جن س و‬ ‫ق و‬
‫ري ر‬‫ف و‬‫ح‬
‫هنا الشللارة إلللى وصللف أم القللرى بوصللفها مكللان‬
‫بداية النذار بيوم الجمع‪ ،‬وهي البقعة الللتي تمللارس‬
‫‪()1‬العراف‪164-163/‬‬
‫‪ ()2‬العراف‪172/‬‬
‫‪ ()3‬الشورى‪7:‬‬
‫فيهللا شللعيرة »الجمللع الرمللزي« فللي جبللل عرفللة‪.‬‬
‫وأيضللا مللا عللرف مللن ارتبللاط فعللل الجمللع بفعللل‬
‫ع ل حلل ي‬
‫ه‬ ‫مللو ر‬ ‫ج ي‬‫م خ‬‫م ح‬ ‫و ر‬ ‫ك ي حلل خ‬‫الشللهود فللي يللوم القيامللة‪» :‬ذحل ولل ح‬
‫هودر«)‪ ،(1‬ثم جمللع الرسللل أيضللا‪:‬‬ ‫ش ي‬ ‫م خ‬‫م ح‬ ‫و ر‬ ‫ك يح خ‬ ‫وذحل و ح‬ ‫س ح‬ ‫السنا ي‬
‫قللايلوا ل‬ ‫ي‬
‫م ح‬ ‫جب خت يلل خ‬ ‫ذا أ و‬ ‫مللا ح‬
‫ل ح‬ ‫قو ي‬ ‫في ح ي‬
‫ل ح‬ ‫س ح‬ ‫ه الرر ي‬ ‫ع الل س ي‬ ‫م ي‬‫ج ح‬ ‫م يح خ‬‫و ح‬‫»ي ح خ‬
‫ح‬ ‫م ال خ ي‬ ‫عسل ي‬ ‫م ل ححنا إ ون س ح‬‫عل خ ح‬
‫)‪(2‬‬
‫ن‬ ‫وأذل خ‬ ‫ب« ‪ ،‬قال تعالى‪ » :‬ح‬ ‫غييو و‬ ‫ك أنت ح‬ ‫و‬
‫خ‬ ‫عحلى ك ي ل‬ ‫ج ي حأ خيتو ح‬
‫ن‬‫ر ي حللأوتي ح‬ ‫م ت‬ ‫ضا و‬ ‫ل ح‬ ‫و ح‬ ‫جال ا ح‬ ‫ر ح‬ ‫ك و‬ ‫ح ل‬ ‫س وبال خ ح‬ ‫في السنا و‬ ‫و‬
‫ق«‬ ‫مي ت‬ ‫ع و‬
‫ج ح‬ ‫ف ك‬‫ل ح‬ ‫ن كي ل‬ ‫م خ‬ ‫و‬

‫يأتي معنى القرب اللهي من العالم ليمثللل سللمة‬


‫مشتركة بيللن مشللهد الوقللوف بعرفللة وبيللن مشللهد‬
‫العراف‪ ،‬إن ماهية القرب تختلف بين اليومين فهللو‬
‫في يوم عرفة دنو رحماني وفي يوم القيامة ظهور‬
‫دا‬
‫ه عب ا‬
‫ه في و‬
‫ق الل ي‬
‫قسري‪» ،‬ما من يوم ت أكثحر من أن ييعت و ح‬
‫ه ليدنو ثللم ييبللاهي بهللم‬ ‫ة‪.‬وإن س ي‬
‫ر‪ ،‬من يوم و عرف ح‬
‫من النا و‬
‫)‪(3‬‬
‫ء؟«‬
‫ة‪ .‬فيقول‪ :‬ما أراد هؤل و‬ ‫الملئك ي‬

‫تمت بحمد الله النسخة الولية للكتاب‬

‫‪ ()1‬هود‪103/‬‬
‫‪ ()2‬المائدة‪109/‬‬
‫‪ ()3‬صحيح مسلم‬

You might also like