Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫آباء الكنيسة في دفاعهم عن الحياة في بدايتها‬

‫آباء الكنيسة‬
‫سام آشجي‬
‫األب ب ّ‬ ‫"مدخل عام "‬
‫مقدمة‬
‫الالهوتي في القرون األولى للمسيحيّة‪ ،‬أي البحث في التراث الفكري‬
‫ّ‬ ‫"علم اآلباء" هو دراسة النتاج‬
‫س ّمي رعاتها‬
‫المسيحي‪ ،‬وعيشه‪ ،‬وممارسته‪ ،‬وطقوسه‪ ،‬وأخالقياته‪ ،‬خالل هذه الحقبة التي ُ‬
‫ّ‬ ‫حول اإليمان‬
‫بـ"اآلباء"‪.‬‬
‫لقد نشأ هذا النوع من النتاج الفكري المسيحي مباشرة بعد تدوين اإلنجيل والعهد الجديد عموماً‪ ،‬وقد‬
‫لبعض منه مكانةً تكاد توازي مكانة العهد الجديد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أعطت كنيسة القرون األولى‬

‫أ‪ -‬من هم آباء الكنيسة ( ‪) 1‬‬


‫أُطلق لقب "األب" في نشأة الكنيسة على األسقف‪ ،‬يقول بولس الرسول‪" :‬لست أكتب هذا إلخجالكم‪،‬‬
‫وإنما ألنبّهكم كأوالدي األحباء‪ .‬ألنّه لو كان لكم ربوات من المعلمين في المسيح‪ ،‬ليس لكم آباء كثيرون؛ إذ‬
‫إني أنا ولدتكم في المسيح يسوع‪ ،‬باإلنجيل‪ .‬فأطلب إليكم أن تكونوا بي مقتدين" (‪1‬كور‪ .)16-4:14‬أما‬
‫تعبير "آباء الكنيسة" فأطلق أوالً على آباء المجامع المسكونيّة‪ .‬وأول من وضع الئحةً بأسمائهم هو‬
‫القديس باسيليوس الكبير (القرن الرابع) لكي يدعم تفسيره للعقيدة "ببراهين ترتكز على اآلباء" بحسب‬
‫تعبيره‪ .‬وابتدا ًء من القرن الخامس اتسع هذا اللقب ليشمل أناسا ً لم يكونوا أساقفة‪ .‬وصار هذا اللقب عالمة‬
‫تد ّل على مرجعيّة موثوقة تأتي بعد الكتاب المقدّس‪.‬‬

‫ب‪ -‬تاريخيّة "علم اآلباء"‬


‫إنّ تعبير "علم اآلباء" (‪ )Patrologie - Petrology‬هو حديث العهد نسبيا ً في األوساط العلمية‪،‬‬
‫مرة الالهوتي اللوثري يوحنا جرهارد (‪ )1637 +‬في كتاب عنوانه "بترولوجيا"‪ ،‬نشر‬ ‫ألول ّ‬‫استنبطه ّ‬
‫المؤرخ أسقف قيصرية (‪ )340 ،339 +‬سبقه في ذلك بأجيال‪ ،‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫أوسابيوس‬ ‫أنّ‬ ‫بيد‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬‫‪2‬‬ ‫(‬ ‫سنة ‪1653‬‬
‫جمع في كتابه الشهير "التاريخ الكنسي" سيرة اآلباء والكتّاب المسيحيين وتعاليمهم‪ ،‬من مسته ّل القرن‬
‫األول حتى منتصف القرن الرابع تقريباً‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يعب من تعاليم اآلباء وإرشاداتهم‪ ،‬فوضع كتابا ً في هذا‬
‫وعلى غراره راح القدّيس إيرونيمس (‪ّ )418‬‬
‫الحقل دعاه "مشاهير الرجال"‪ .‬وكتب جناديوس البالجي سنة ‪ 480‬كتابا ً يحمل العنوان نفسه "مشاهير‬
‫الرجال"‪ .‬كما كتب في الموضوع نفسه ك ّل من إيسدوروس الشعلي (‪ )618‬وإيلفونس التوليدي (‪،)667‬‬
‫وكتب فوسيوس سنة ‪ 855‬كتابا ً ّ‬
‫عرف عن ‪ 280‬مؤلف بينهم مسيحيين س ّماه "المكتبة" (‪. )3‬‬
‫توقفت الكتابة عن اآلباء مدّة خمسة قرون لتعود مع سيجبرت دو جمبلوكس وهونوريوس دارتون‪.‬‬
‫وأخذت الكتابة عن اآلباء بعدا ً نقديا ً وعلميا ً ابتدا ًء من القرن الثامن عشر مع ريمي سيليه تليمونت‪.‬‬
‫واكتشف في القرن التاسع عشر الكثير من المخطوطات السريانيّة واألرمنيّة والجيورجيّة والقبطيّة‪،‬‬
‫جمعت إلى تراث اآلباء اليوناني والالتيني الكبير‪ .‬كما أدرجت الجامعات الكبرى مادة "علم اآلباء" في‬
‫عداد المواد الالهوتيّة األساسيّة‪ ،‬فأخذ هذا العلم أبعاده التخصص ّية‪.‬‬
‫سع‪ ،‬اعتباراً من القرن العشرين‪،‬‬
‫أخذت حركة نشر تراث "اآلباء" ودراسته وتدريسه ونقده علم ّيا ً تتو ّ‬
‫خصوصا ً بعد أن نشر األب جاك بول مين ‪ Mige‬مجلدات ضخمة جمعت الكثير الكثير من نصوص اآلباء‬
‫التي س ّميت باسمه (مجموعة مين)‪ ،‬ويرمز لها عادة بـ ‪ P.G‬لآلباء اليونان و ‪ P.L‬لآلباء الالتين‪ .‬ولعل‬
‫أهم مجموعة علميّة ونقديّة هي مجموعة ودراسة "الينابيع المسيحيّة" ‪ chrétiennes Sources‬التي‬
‫تض ّم حتى اآلن أكثر من ‪ 300‬مجلّد‪ .‬يضم ك ّل مجلّ ٍد مقدّمة واسعتين عن النص باللغة الفرنسيّة‪ ،‬مع النص‬
‫نفسه بلغته األصلية وفي الصفحة المقابلة ترجمته بالفرنسيّة‪ ،‬كما يضم‪ ،‬في آخره‪ ،‬مجموعة فهارس‬
‫منوعة‪.‬‬
‫علميّة ّ‬
‫ت‪ -‬تصنيف اآلباء ومدارسهم‬
‫آباء الكنيسة في دفاعهم عن الحياة في بدايتها‬

‫تمتد فترة آباء الكنيسة عند الشرقيين حتى القرن الثامن مع يوحنا الدمشقي (‪ ،)749 +‬وحتى القرن‬
‫السابع عند الغربيين مع ايسيدورس أسقف إشبيلية (‪ .)636+‬غير أن بعض العلماء األرثوذكس‪ ،‬كاألب‬
‫مستمر إلى‬
‫ّ‬ ‫ميشيل نجم‪ ،‬العميد السابق لمعهد القديس يوحنا الدمشقي في البلمند‪ ،‬يقول أن عصر اآلباء‬
‫يومنا وال يمكن أن نحدّد سنة ينتهي فيها هذا العصر‪ ،‬هناك سلسلة متتابعة (‪ )continuité‬في تقديم‬
‫اإليمان المسيحي بلغة كل عصر وزمان‪.‬‬
‫يمكن تصنيف نتاج "اآلباء" بحسب الفترة الزمن ّية كأن نقول "آباء القرن الثاني" و"العصر الذهبي‬
‫لآلباء"‪ ،‬أو بحسب نوعيّة الحقبة فنسمي تالميذ الرسل "اآلباء الرسوليين"‪ ،‬أو بحسب المكان ونوعيّة‬
‫الفكر كالمدرسة اإلسكندريّة والمدرسة األنطاكيّة‪ ،‬أو بحسب اللغة‪" :‬اآلباء السريان" و"اآلباء الالتين"‪،‬‬
‫أو بحسب الموضوع‪ :‬اآلباء المدافعين‪ ...‬إذ ال توجد طريقة واحدة لتصنيف هذا التراث‪ .‬ولقد اخترنا طريقة‬
‫جمعت بعضا ً من سابقاتها في تصنيف هذا التراث‪:‬‬

‫‪ - 1‬حقبة اآلباء الرسوليين ‪:‬‬


‫كتب أعالمها باللغة اليونانية في القرن الثاني الميالدي خصوصا ً في النصف األول منه‪ .‬أشهر مؤلفاتها‬
‫كتابات إقليمس (اكلمنضس) أسقف روما‪ ،‬واغناطيوس االنطاكي‪ ،‬وبوليكاربوس أسقف إزمير‪ ،‬وبابياس‬
‫ً‬
‫إضافة‬ ‫أسقف هيرابوليس‪ ،‬ورسالة برنابا‪ ،‬وكتاب "الراعي" لـ هرماس‪ ،‬وكتاب الذيذاخيه (تعليم الرسل)‪.‬‬
‫لمجموعة من "قوانين اإليمان" والوثائق اإليمانيّة‪ ،‬وعدد كبير من المؤلفات "األبوكريفيّة" (المنحولة)‬
‫كاألناجيل والرسائل والرؤى‪...‬‬

‫‪ - 2‬حقبة اآلباء المدافعين‪:‬‬


‫كتب أعالمها باللغة اليونانية في القرن الثاني الميالدي خصوصا ً في النصف الثاني منه‪ .‬أشهر‬
‫مؤلفاتها كتابات كوادراتوس (كتب أول رسالة دفاعية)‪ ،‬وارستيذس األثيني (ترجمته األرمنية فقط)‪،‬‬
‫وارسطون البالوي الفلسطيني‪ ،‬ويوستينوس الفيلسوف (فلسطين)‪ ،‬وتتيانوس السوري‪ ،‬وميلتياس (آسيا‬
‫الصغرى)‪ ،‬وأبوليناريوس أسقف هيرابوليس‪ ،‬وأثيناغوراس األثيني‪ ،‬وثيوفيلوس األنطاكي‪ ،‬ومليطون‬
‫البتول (آسيا الصغرى)‪ ،‬ورسالة ذيوغنيتس‪ ،‬وذيونيسيوس الكورنثي‪ ،‬وسيرابيون األنطاكي‪،‬‬
‫وهيغيسيبوس الفلسطيني‪ ،‬وإيرناوس أسقف ليون‪.‬‬

‫‪ - 3‬مدرسة اإلسكندرية‪:‬‬
‫كتب أعالمها أيضا ً باللغة اليونانية وتقسم إلى مرحلتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬القرن الثالث الميالدي‪ :‬بانتنوس‪ ،‬إقليميس (اكلمنضس)‪ ،‬أوريجانوس‪ ،‬أمونيوس‪ ،‬ديونيسيوس‬
‫اإلسكندري‪ ،‬ثيوغنوستس‪ ،‬بطرس اإلسكندري‪ ،‬وهيسيخيوس‪.‬‬
‫ب‪ -‬المشكلة الخريستولوجية (القرنين الرابع والخامس)‪ :‬أثناسيوس الكبير وكيرلس األسكندري‪.‬‬

‫‪ - 4‬مدرسة أنطاكية واآلباء السوريون‪:‬‬


‫كتب أعالمها باللغة اليونانية في القرون الثالثة األولى‪ :‬لوكيانوس مؤسس المدرسة‪ ،‬ودوروثيوس‪،‬‬
‫وديودوروس الطرسوسي‪ ،‬وبولس السمساطي‪ ،‬وساويروس‪.‬‬
‫وفي القرن الرابع‪ :‬ثيوذورس المبسوسطي‪ ،‬ويوحنا الذهبي الفم‪ ،‬وكيرلس األورشليمي‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ :‬رومانوس المرنم (الحمصي) ومكسيوس المعترف ويوحنا الدمشقي وقزما المنشئ‪.‬‬

‫‪ - 5‬اآلباء الكبادوكيون‪:‬‬
‫كتبوا باللغة اليونانية في القرن الرابع وهم‪ :‬باسيليوس الكبير‪ ،‬وغريغوريوس النزينزي‪،‬‬
‫وغريغوريوس النيصي‪.‬‬

‫‪ - 6‬اآلباء السريان‪:‬‬
‫آباء الكنيسة في دفاعهم عن الحياة في بدايتها‬

‫كتبوا باللغة السريانية وهم‪ :‬برديصان (‪ ،)222 – 154‬أفرهات ( القرن الرابع)‪ ،‬مار أفرام السرياني‬
‫(القرن الرابع)‪ ،‬مار اسحق السرياني‪ ،‬ساويروس األنطاكي (‪ ،)538+‬فيلوكسينس أسقف منبج (‪،)523+‬‬
‫يعقوب السروجي (‪ ،)521 - 451‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪ - 7‬اآلباء الالتين وشمال أفريقيا‪:‬‬


‫كتبوا باللغة الالتينية وهم‪ :‬ترتوليانوس القرطاجي (‪ ،)00- 160‬كبريانوس القرطاجي (‪،)258 - 200‬‬
‫هيالريون أسقف بواتيه (‪ ،)367 -310‬أمبروسيوس أسقف ميالنو (‪ ،)397 - 239‬ايرنيموس (‪- 347‬‬
‫‪ ،)420‬الون الكبير بابا روما (‪ ،)461 - 440‬يوحنا كاسيانوس (‪ ،)00 -360‬أغسطينوس (‪- 354‬‬
‫‪ ،)430‬بندكتوس (‪ ،)580 - 485‬والبابا غريغوريوس الكبير (‪.)604+‬‬

‫‪ - 8‬اآلباء األرمن‪:‬‬
‫كتبوا باللغة األرمنية وهم‪ :‬غريغوريوس المنور (‪ ،)323 - 240‬نرسيس شنورهالي‪ ،‬غريغوريوس‬
‫الناريكي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪ - 9‬اآلباء األقباط واألحباش‪:‬‬


‫أهمهم‪ :‬شنوده (القرن الخامس)‪.‬‬

‫ث ‪ -‬خصائص آباء الكنيسة‬


‫تعتبر الكنيسة في عداد "اآلباء القديسين" بشكل رسمي‪ ،‬فتبرز سيرتهم‪ ،‬وتج ّل كتاباتهم‪ ،‬وتقيم لهم‬
‫األعياد المناسبة‪ ،‬كالً من الذين توفّرت لديهم الشروط األربعة التالية (‪:)4‬‬
‫‪ -1‬استقامة العقيدة ‪doctrina orthodoxa‬‬
‫‪ -2‬قداسة السيرة ‪santitas vitae‬‬
‫‪ -3‬اعتراف الكنيسة ‪approbation Ecclesiae‬‬
‫‪ -4‬قدم العهد ‪antiquitas‬‬
‫غير أن الدراسات العلمية الحديثة تدرج في أبحاثها ك َّل التراث المسيحي في حقبة "اآلباء" حتى‬
‫ألولئك الذين لم يتمتّعوا بالشروط السابقة‪ ،‬كـ ترتوليانوس وأوريجانوس اللذَين لم يطلق عليهما لقب‬
‫"قديس" ألسباب ندرسها في حينه‪.‬‬
‫كما أُدرج الحقاً‪ ،‬ضمن مجال هذه األبحاث‪ ،‬دراسة األدب األبوكريفي (المنحول) في القرون األولى‬
‫الذي كان يُدرس عادة ضمن أبحاث علوم الكتاب المقدّس‪.‬‬
‫لقد عُرف في تقليد الكنيسة لقب "معلّم" (‪ ،)Docteur de l'église‬أُطلق على بعض اآلباء‬
‫والقديسين من "ذوي المعرفة واإلنتاج الغزيرين في شتّى المجاالت"‪ .‬وال يحصر هذا اللقب على‬
‫شخصيات عاشت في فترة معيّنة من التاريخ‪ ،‬فهناك من أطلق عليه هذا اللقب من حقبات "اآلباء"‪،‬‬
‫كالقديسين مار أفرام السرياني ويوحنا الذهي الفم وأثناسيوس الكبير‪ ،‬ومنهم من عاش في القرون‬
‫الوسطى‪ ،‬كالقديس توما األكويني والقديسة تيريزيا االفيليّة‪ ،‬ومنهم من عاش في العصر الحديث كالقديسة‬
‫تيريزيا الطفل يسوع‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الفنون األدبيّة آلباء الكنيسة‬


‫معان معيّنة بأساليب كثيرة‬
‫ٍ‬ ‫هناك طرق مختلفة لرواية األشياء نفسها‪ .‬وكما عبّر الكتاب المقدّس عن‬
‫ومتنوعة‪ ،‬استعمل أدب "اآلباء" أيضا ً "األنواع األدبيّة" المتعارف عليها في عصره‪ .‬فنجد في كتاباتهم‬
‫ّ‬
‫الرسائل والعظات والمقاالت والدفاعات والرؤى والقوانين والشعر واإلرشادات والطقسيات والتاريخ‬
‫آباء الكنيسة في دفاعهم عن الحياة في بدايتها‬

‫واألبحاث الالهوتيّة والتفسير‪ .‬لك ّل طريقة في التعبير منهجيتها وقواعدها‪ ،‬ولك ّل فن هدفه‪ .‬علينا الدخول‬
‫في أسلوبيّة فنون الكتابة‪ .‬وعلينا لزاما ً معرفة آلية هذه الفنون كما وجدت في زمانها لنستطيع النفاذ إلى‬
‫المعنى المختبئ في هذه اآللية والفن‪.‬‬

‫ح ‪ -‬أهميّة دراسة "علم اآلباء"‬


‫إن دراسة تراث اآلباء تحمل العديد من الفوائد‪:‬‬
‫وتطور العقائد والطقوس واألخالقيات والروحانيات والقوانين والعادات المسيحيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 1‬معرفة نشأة‬
‫وتمييز ما كان منها أساس ّيا ً وثابتا ً أو نسب ّيا ً وطارئاً‪ ،‬مما يمنح عيشا ً أعمق للمسيح ّية‪.‬‬
‫‪ - 2‬متابعة "التقليد" الكنسي واإلرث الروحي وتطويره ( (‪.continuité‬‬
‫التمرس على منهجيّة في اآلباء التعبير عن اإليمان بلغة وثقافة العصر (‪.)Inculturation‬‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ - 4‬قراءة جديدة لالختالفات والفروقات بين الطوائف المسيح ّية‪ ،‬وسبل آفاق االتفاق‪.‬‬
‫إنّ دراسة اآلباء واإل ّطالع على سيرتهم وتعاليهم وروحانيتهم‪ ،‬يبعثان في نفس المسيحي دفقا ً جديداً‬
‫ويعطيانه أبعادا ً شاملة عن حياته المسيحية ويمكنه على ضوئها أن يسهم في بناء الكنيسة ونشر الملكوت‬
‫على األرض‪..‬‬

‫خ ‪ -‬وصايا في دراسة "علم اآلباء"‬


‫علينا‪ ،‬لكي ال تفعل دراسة "علم اآلباء" فعالً عكسيّا ً لهدفها‪ ،‬االنتباه إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أال نعتبر موضوعات هذا التراث ك ّلها مفيدة لك ّل زمان ومكان‪ ،‬وبالتالي علينا أال نمنحها الطابع‬
‫سن"‪ ،‬ألنّ "الحرف يقتل أما الروح فيُحيي"‪.‬‬‫المطلق وال ُمقَ ْد َ‬
‫‪ - 2‬أال ننشر هذا التراث دون دراسة نقديّة وشرح‪ .‬فند ّقق في األسلوب والفن األدبيين في دراسة نص‬
‫من هذا التراث ونضعه في إطاره التاريخي واللغوي‪.‬‬
‫‪ - 3‬أال نستعمل‪ ،‬في خطابنا الالهوتي‪ ،‬تعابير "اآلباء" التي ما عادت مفهومة في عصرنا (‪ )5‬إال بعد‬
‫شرحها‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن نسعى لنحت تعابير جديدة منسجمة مع واقعنا الثقافي واللغوي كما فعل "اآلباء"‪ ،‬فاألمانة لهم‬
‫تكمن في اقتباس منهجهم ال في نسخ أفكارهم وتجميدهاعلينا‪ ،‬لكي ال تفعل دراسة "علم اآلباء" فعالً‬
‫عكسيّا ً لهدفها‪ ،‬االنتباه إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أال نعتبر موضوعات هذا التراث ك ّلها مفيدة لك ّل زمان ومكان‪ ،‬وبالتالي علينا أال نمنحها الطابع‬
‫سن"‪ ،‬ألنّ "الحرف يقتل أما الروح فيُحيي"‪.‬‬ ‫المطلق وال ُمقَ ْد َ‬
‫‪ - 2‬أال ننشر هذا التراث دون دراسة نقديّة وشرح‪ .‬فند ّقق في األسلوب والفن األدبيين في دراسة نص‬
‫من هذا التراث ونضعه في إطاره التاريخي واللغوي‪.‬‬
‫‪ - 3‬أال نستعمل‪ ،‬في خطابنا الالهوتي‪ ،‬تعابير "اآلباء" التي ما عادت مفهومة في عصرنا إال بعد‬
‫شرحها‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن نسعى لنحت تعابير جديدة منسجمة مع واقعنا الثقافي واللغوي كما فعل "اآلباء"‪ ،‬فاألمانة لهم‬
‫تكمن في اقتباس منهجهم ال في نسخ أفكارهم وتجميدها‪.‬‬

‫د ‪ -‬الهوت اآلباء انثقاف الالهوت ‪Inculturation‬‬


‫انثقاف الفكر هو نقله من ثقافة إلى أخرى‪ ،‬أو تجسيد المعاني في ثقافة مع ّينة‪ .‬فالتفكير في اإليمان‬
‫المسيحي‪ ،‬وإن كان يحمل حقيقة واحدة‪ ،‬قد انثقف في حضارات متعدّدة حسب الزمان والمكان‪ .‬فكلمة‬
‫"الكلمة" (لوغوس)‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬المستعملة في افتتاحية إنجيل يوحنا لها مدلوالت في الفلسفة‬
‫اليونانية‪ ،‬غير ما قصده كاتب اإلنجيل المثقَّف بالحضارة السامية‪ ،‬رغم أن اللغة هي واحدة فكم باألحرى‬
‫آباء الكنيسة في دفاعهم عن الحياة في بدايتها‬

‫لو تغيرت!‪ ..‬ال تكفي الترجمة الحرفيّة‪ ،‬بل يجب نقل المعنى المختبئ في حدود الكالم إلى الثقافة الجديدة‪.‬‬
‫ويجب‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬أن يعني هذا المعنى لمن يتلقاه فال يصل إليه بارداً جامداً‪.‬‬
‫يحمل انثقاف اإليمان إشكاليّة طرحت على الفكر المسيحي منذ نشأته‪ :‬هل معنى اإليمان الذي اُخت ُبر في‬
‫سس له قد تغ ّير في الحضارة الهلين ّية‪ ،‬وبالتالي في مختلف الحضارات؟ أم أن‬ ‫ث مؤ ِ‬ ‫الثقافة السامية كحد ٍ‬
‫بقي أمينا ً للحقيقة رغم تغيُّر المبنى؟ وهل لكي نُحافظ على المعنى‪ ،‬هل يجب أن نترك المبنى كما‬ ‫المعنى قد َ‬
‫ُو ِج َد في أُصوله‪ ،‬وبالتالي علينا العودة‪ ،‬في ك ِ ّل زمان ومكان‪ ،‬إلى عصر األصول‪ ،‬لكي نختبره؟‪ ..‬أظنّ أنَّ‬
‫سد في المسيحية‪ ،‬وتعميمها بحدث انهمار الروح‬ ‫اإلجابة على هذه األسئلة تَسه ُل في حالة فهم حقيقة التج ّ‬
‫يفارق‬
‫ِ‬ ‫لم‬ ‫والمكان‪،‬‬ ‫الزمان‬ ‫حضارة‬ ‫في‬ ‫اإللهي‬ ‫القدس يوم العنصرة‪ .‬فالروح القدس‪ ،‬الذي ح ّقق التج ّ‬
‫سد‬
‫سة إعالن‬ ‫س َ‬ ‫ّ‬
‫الكنيسة منذ حلوله "في اليوم الخمسين" يوم العنصرة (رسل‪ ،)../2‬وكما أل َه َم الجماعة الم َؤ ِ‬
‫اإليمان في ثقافات ذلك الزمان‪ ،‬وهذا ما يرمز إليه تعدد األلسنة‪ ،‬ال يزال يُلهم الكنيسة‪ ،‬في كل زمان‬
‫ومكان‪ .‬المشكلة هي العكس‪ ،‬حين تتج ّمد تعابير اإليمان في قوالب الثقافات الغابرة!‪..‬‬
‫مقتبس من واقعهم‬
‫ٍ‬ ‫كالم‬
‫لقد عبّر "اآلباء" عن إيمانهم بلغة وثقافة عصرهم‪ ،‬فلم يتأخروا في نحت ٍ‬
‫الحضاري للتعبير عن معاني اإليمان‪ ،‬وبفعل الروح القدس تعلن الكنيسة استقامة تعاليمهم‪ .‬اآلباء خضَّعوا‬
‫الفلسفة إلعالن إيمان الكنيسة‪ ،‬يوم كانت الفلسفة لغة العصر‪ ،‬فاستعملوا تعابير اقتبست من الفلسفة‬
‫اليونانية لم تكن موجودة في الكتاب المقدّس‪ ،‬أمثال‪" :‬الثالوث"‪" ،‬األقنوم"‪" ،‬الطبيعة"‪" ،‬الجوهر"‪،‬‬
‫"المساوي في الجوهر"‪" ،‬الخطيئة األصلية"‪ ...‬وال تزال الكنيسة إلى اليوم وحتى األبد‪ ،‬وبهبوب الروح‬
‫القدس‪ ،‬تسعى أن يكون إعالن إيمانها منثقفا ً مع واقع كل عصر ألن اإليمان الغير المفهوم ال يمس القلب‪،‬‬
‫وبالتالي يصبح اتّباعه عبودية‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫نكرر ونبلّغ القضايا‬
‫يقول الالهوتي المعاصر الشهير بلتزار‪" :‬ليست األمانة للتقليد على اإلطالق أن ّ‬
‫الالهوتيّة حرفيّاً‪ ،‬بل هي باألحرى أن نقتدي‪ ،‬عند آبائنا في اإليمان‪ ،‬بموقف التفكير الحميم ومجهود إبداع‬
‫الجريء‪ ،‬وهما تمهيدان ال تستغني عنهما األمانة الروحيّة الحقيقيّة" (‪. )6‬‬
‫سام آشجي في الدورة التدريبية‬
‫هذا هو الموضوع األول من سلسلة المواضيع المطروحة من ِقبل حضرة األب ب ّ‬
‫األربعين ألعضاء جمعية التعليم المسيحي بحلب ‪.‬‬

‫‪ 1‬أنظر‪ :‬المطران كيرلس بسترس‪ ،‬المطران جوزف عبسي‪ ،‬األب حنا الفاخوري‪ ،‬تاريخ الفكر المسيحي عند‬
‫آباء الكنيسة‪ ،‬المكتبة البولسيّة ‪ ،2001‬ص‪( .5‬هذا الكتاب مرجع هام‪).‬‬
‫‪CF. BERTHOLD ALTANER, Précis de Patrologie, Paris, Mulhouse, 1961, p. 31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ 3‬أنظر‪ :‬الدكتور أسد رستم‪ ،‬آباء الكنيسة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬هدية مجلة النور سنة ‪ ،1961‬المقدّمة ص ‪10-3‬‬
‫‪ 4‬المرجع السابق‪ ،‬ترجمه بعنوان‪" :‬مختصر علم آباء الكنيسة"‪ ،‬األب د‪ /‬كامل وليم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجزء‪ ،1‬ص‪4‬‬
‫‪ 5‬راجع المقالة القيّمة لألب جوزف بوحجر اليسوعي‪" ،‬تقليد آباء الكنيسة‪ :‬هل هو ميراث أم موعد"‪،‬‬
‫المشرق‪ ،‬الجزء األول‪1999‬‬
‫‪ 6‬نقالً عن‪ :‬أدَلبيرت‪-‬ج‪ .‬ه ّمان‪ ،‬دليل إلى قراءة آباء الكنيسة‪ ،‬ترجمة األب صبحي حموي اليسوعي‪ ،‬دار‬
‫المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،2002‬ص‪.4‬‬

You might also like