Professional Documents
Culture Documents
ملاخي PDF
ملاخي PDF
ملاخي PDF
1
2
سفر مالخي
عبارة عن حديث بسيط بين الله وشعبه ،حديث مثل األحاديث التي تجري بين اآلباء وأوالدهم
سواء رآها البعض حوارات أو مناظرات أو مجادالت :فالله يقول " أحببتكم" فيرد الشعب قائال":
بم أحببتنا؟" ما دليل حبك لنا؟! فيرد الله أقول لكم ما الدليل :من زماااااان أحببتكم -منذ القديم
– منذ أن أحببت يعقوب أنا أحبكم ،بل إني ما زلت أحبكم ،طيب ...يبدو أنكم نسيتم أيام زمان
لكنكم على األقل تتذكرون الحاضر ،فها هي أدوم (نسل عيسو) تحاول بناء الخرب لكن هم
يبنون وأنا أهدم ...ثم تتوالى المناظرة ويتوالى عتاب الرب في صورة أب أهمله أوالده ألنهم نسوا
محبته وأعماله معهم ويتطلعون لمجد معاصر حسب تصورهم للمجد ،يخاطب األب أوالده
الذين جرحوه حتى أنه يضطر للقول دعوكم من كوني أبا فألكن مجرد سيد فأين هيبتي؟! كأن
اآلب يقول ألوالده "اعمل إيه أكتر من كدة؟ " كفاكم ما أنتم فاعلوه" ...دعوا أعينكم ترى وقولوا
ليتعظم الرب من عند تخم إسرائيل "....أي حتى قبل الدخول إلسرائيل نفسها.
َص َنع ِب َك َيا َيهوَذا؟ َفِإن ِإ ْح َس َانك ْم ِ ِ ألعل هذا ما يقوله هوشع؟ "فماذا
َص َنع ب َك َيا أَْف َاريم؟ َما َذا أ ْ
أْ
اك ًار( ".هو)1:6 اضي ب ِالصب ِح ،وَكالندى اْلم ِ َكسح ِ
َ َ اب ُّ ْ َ َ ََ
جاهدا في وضع األمور في مكانها وبصبر ال يحتمله إال األب
ً يتوالى الحديث ويظل األب
معا كيف تتواصل المحب فيستعرض أحداثًا ووقائع الطريق الذي يسير فيه أوالده ليقرروا ً
المسيرة بسالم ....ويظل الحديث إلى آخر إصحاح في السفر ،بل إلى آخر عبارة فيه في
إطار رابطة األب واألبناء....
هذا هو مفتاح سفر مالخي ،فلننضم إلى الحوار...
3
4
المحتويات
مدخل
مقدمة
سفر مالخي:
-مشاكل الجماعة التي كتب لها مالخي
-محتويات السفر
-أسلوب السفر
-خلفية السفر وزمن كتابته
-رسالة السفر
تطورات الهوتية جديدة أثناء السبي
سفر مالخي :عهد وكهنة
سفر مالخي :توراة والهوت
سفر مالخي :أماكن وعالقات
سفر مالخي :شعب وشعوب
سفر مالخي :سلوكيات وقيم وأخالقيات
سفر مالخي :شعب الله -الكنيسة
5
6
مدخل
عصر يشهد ِ
تغيرات داخلية ينشأ أغلبها عن الصراع الثقافي بين العائدين ًا كتب مالخي يخاطب
من السبي والذين لم يغادروا بالدهم أي شعب عائد من السبي عايش ظروًفا وخبرات ِ
متنوعة،
وشعب لم يختبر االغتراب خارج أرضه.
وهذا يعني أن البالد ضمت ما بعد السبي من لم يغادروها مطلًقا ومن عاد بعد أن قضى
سنوات في أسر شعوب تختلف ثقافاتها وعباداتها عما ألفوه فيما قبل السبي ،ولذا يطلق جون
والتون John H. Waltonعلى هذا السفر "سفر البحث عن الهوية" .وما بين جماعة مستقرة
وجماعة ِ
متغربة يواجه مالخي معادلة صعبة في عصره .والجدير بالذكر أن أغلب الشعب ما
سببا في الكثير من المشاكل ألن
بعد السبي كانوا من لم يغادروا بالدهم مطلًقا مما كان ً
العائدين ادعوا حق القيادة في المجتمع الجديد( .انظر مثال إشعياء 63-3 :75؛ 9-6 :17؛
عز ار 16-69 :1؛ نحميا)8-6 :8
فكيف سيتم التعايش بين من لم يعايش أية متغيرات وبين من عايش-بل اندمج في شعوب
مغايرة متباينة؟ وهل يمكن القول إن الشعب المأسور المسبي استطاع أن يحافظ بالتمام على
نقاء ممارساته وعدم اختالطها أو على األقل تأثرها بما عايشه في األسر؟
وهل يمكن الكالم عن وجود وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالموضوعات الدينية والمجتمعية
بعد العودة نتيج ًة الختالف الفريقين –الذي لم يغادر والراجع؟
وماذا عن ممارسات أساسية ورئيسية لدى الفريقين مثل الختان والسبت؟
وماذا عن التعليم الجديد بداي ًة من التكوين إلى التثنية كنتاج مكتوب في فترة السبي؟ عز :5
)61 ،61 ،1
لقد وجد مالخي أن المشكلة في أن (العهد) لم يعد هو األساس في العالقة بين الله والناس،
روحا ،هذا باإلضافة إلى وجهات النظر المتباينة إلى طرق العبادة
وأن (التوراة) صارت حرًفا ال ً
وأماكنها ،وقيم العهد والتزاماته .ويبدو أن الشعب (كهنة أو عابدين) قد فضلوا الهروب إلى
بدائل تمأل فراغ العهد والتوراة وتشبع المشاعر الدينية ال أكثر ،لذا وجه مالخي خطابه للشعب
والكهنة على السواء في صيغة مناظرة جدلية بينه وبين من يخاطبهم حتى يستعيد كالهما
معا لتكون حياتهم
توازنه فيفهم إلهه ،وأيضا يستوعب رسالته وهي رسالة تتوجه للعبادة والعمل ً
كامل ًة أمام الله .ويؤكد مالخي على أن الرب ال يتخلى عن عهده أو وعده فهناك دعوة للعودة،
7
ُّ
التطلع إلى اآلتي وبالتالي يتطلع مالخي للخروج من المجادالت واالحتكاكات الوقتية إلى
األفضل ،وهكذا ضمت الجدلية المناظرات التالية:
حب أم كراهية
مخافة أم احترام
كرامة أم احتقار
إحباط أم رجاء
غبن أم امتياز
قبل أم بعد
تمسك أم تخل
ُّ
مقدس أم نجس
رفض أم قبول
تشجيعات أم تحذيرات
هروب أم عودة
خطأ أم صواب
دمار أم تطهير
ديمومة أم فناء
سؤال أم جواب
صراع ديني أم صراع أخالقي
قيم العهد أم حكمة بشرية
حصرية أم اشتمالية
فماذا قال مالخي؟
8
مقدمة
تنوع واختالف وسط الشعب وضعهم عاش مالخي ومعاصروه عصر ُّ
التوقع واالنتظار وفترة ُّ
في مأزق البحث عن الهوية ،فقد كانت تلك األيام أيام شك وأن اآلمال صارت تتبخر إذ تخيل
الشعب كما لو أن الرب قد نسى شعبه الذي يعاني من الفقر و ُّ
التسلط األجنبي في إقليم يهوذا
الصغير .فقد مات كل من زربابل ويهوشع اللذين صورهما حجي وزكريا على أنهما رجال الله
المختاران للعصر الجديد ،نعم تم بناء الهيكل ،بل ومضت فترة طويلة من الزمن بعد أن تم
بناء الهيكل وصارت الظروف التي أحاطت بالبناء ذكريات ترجع إلى زمن عز ار ونحميا 6،إال
شيئا ذا داللة لم يحدث ليدل على أن حضور الله قد عاد ليمأل الهيكل بالمجد على النحو
أن ً
الذي أوضحه حزقيال حين قال "فجاء مجد الرب إلى البيت في طريق الباب المتجه إلى
الشرق" (حز ،)1 :13لقد مضت أيام المعجزات بانتهاء عصر إيليا وأليشع .واستمرت
ممارسات الواجبات الدينية ماضية في طريقها دون حماس وجدية في أدائها ،فأين هو إله
آبائهم .هل يهمه حًقا إذا كان هناك من يخدمه أم ال؟ شعر الشعب أن األجيال تتوالى وتموت
دون أن تتلقى المواعيد (قارن عبرانيين )63 :66وفقد الكثيرون إيمانهم .ويبدو أن الجماعة
التي يخاطبها مالخي تبحث عن أدلة لمحبة الله لها وكانت قبال أم ًار ال محل لبحثه أو النظر
فيه ،فمحبته يعبر عنها في عظمة ملكهم والسالم الذي لشعبه ( 1صم )9-8 ،6 :5وبالتالي
فهذا السؤال يوضح أن الشعب مازال يتطلع لتحقيق ما كان في القديم .لكن يهوذا سقطت وتم
سبيها إلى بابل وانتهت أسرة داود وانهارت المملكة ومعها الهيكل األول ،إلى جانب التراث
الديني اإلسرائيلي .وبدأت الهوتيات جديدة تظهر في المجتمع اإلسرائيلي حوالي 711-781
9
وهو وقت كتابة األجزاء األخيرة من إشعياء 1لذا يرى ُّ
الشراح أن نبوة مالخي تناسب فترات
ُّ
التوقع واالنتظار في التاريخ البشري وفي حياة األفراد .فهو يكشف توترات وإغراءات تلك
درك بالحواس في نفوس األزمنة ،وعوامل احتكاك اإليمان التي تعمل عملها الخفي غير الم َ
ُّ
التشكك لفقدها صلتها باإلله الحي .لذا كان على األفراد والجماعات والتي تنتهي بهم إلى
مالخي أن ِ
يوضح طريق الرجوع إلى اإليمان الحقيقي الثابت الذي ال يتزعزع في الله الذي ال
2المملكة الشمالية: -عام 248ق.م( .مع مالحظة ان التواريخ تقريبية) بدأ اآلشوريون يسبون سكان األرض .وفي أثناء حكم
فقح سبي سبط نفتالي ( 8ملوك )82 :51ثم سبي بقية السكان من الروأبينيين والجاديين ونصف سبط منسى إلى ما بين
النهرين ( 5أخبار )82 :1ثم حوصرت مدينة السامرة وسقطت بيد سرجون عام 288ق.م .ومأل اآلشوريين األرض بغرباء أتوا
رد الرب سبي الشعب بقي كثيرون من اليهود في بهم من بالد أخرى ,فامتألت األرض بعبادة أصنام هؤالء الغرباء.وبعد أن ّ
الخارج ,وكانوا يزورون أورشليم بين آن وآخر (أعمال 2 :8و.)2أما السبي الثاني الهام فهو:سبي يهوذا (سبي بابل):-وقد تم
هذا السبي على يد نبوخذناصر في أربع مراحل في عام 201ق.م 122ق.م .و 122ق.م .ثم في عام 128ق.م 8( .أخبار
) 2 - 8 :62فأخذ نبوخذ نصر عظماء البالد ومنهم دانيال ورفاقه ,والعمال الفنيين ,كما أخذ آنية الهيكل وأخربه بعد ذلك.ثم
سقطت بابل في عام 162ق.م .في يد كورش الفارسي ,فسمح بعودة اليهود إلى أرضهم ,ولكن كثيرين منهم فضلوا البقاء
في بابل ,فصار اسمهم يهود الشتات.
من بقوا في أورشليم ولم يذهبوا للسبي :قام نبوخذ نصر الملك البابلي بإعادة توزيع األراضي على فقرائهم الذين ال يمتلكون
أرضًا على أمل أن يستعيد قوة البالد االقتصادية ويحصل ارباحًا .وقد قامت عالقة صداقة بينه وبين الفقراء الذين حصلوا على
أنصبة من األرض.
حكاما .ثم جاء حفيده آسر حدون ،ثم ابنه -
ً أحوال السبي :سبق أن أجلى تغلث فالسر األسباط الشمالية إلى أشور وأقام عليهم
أشور بانيبال (أسنفر العظيم الشريف) بأناس من الشعوب التي غزاها في الشرق ،وأسكنهم في السامرة (عز 8 :4و )50وأمر
ملك أشور أن يبعثوا إليهم في بيت إيل بواحد من الكهنة الذين سبق أن سب اهم من السامرة ،ليعلمهم "قضاء إله األرض" وقد ذكر
عنهم أنهم "كانوا يتقون الرب ويعبدون آلهتهم كعادة األمم الذين سبوهم من بينهم" (8مل )66 :52والسامريون ،الذين نقرأ عنهم
في األناجيل ،هم نسل هذا الخليط من اليهود واألمم الذين أسكنهم ملوك أشور في مدن السامرة.
مملكة األسباط العشرة :كانت قد انتهت وأصبحت مجرد والية أشورية ،يحكمها وال من قبل ملك أشور .أما عن الجالء -أي
األسرى الذين نقلوا إلى مدن مادي لكن لم تمتصهم الشعوب الذين استقروا بينهم ،بل احتفظوا بتقاليدهم اليهودية وممارساتهم
وتماسكهم ،وأصبحوا جزًءا من شتات اليهود المنتشرين في كل بالد الشرق .ومن المحتمل ً
جدا أنهم اندمجوا -فيما بعد -مع
احدا -كما لم يحدث من قبل -وأصبح
شعبا و ً
المسبيين من يهوذا ،الذين سباهم نبوخذ نصر ملك بابل ،وهكذا أصبح أفرايم ويهوذا ً
قبال من المملكة الشمالية (إسرائيل) أو من المملكة الجنوبية (يهوذا)122-202( .
اسم "اليهود" يطلق على الجميع سواء كانوا ً
ق.م.).
العودة بأمر كورش في 162ق.م :عندما استولى كورش الفارسي على بابل وقضى على اإلمبراطورية البابلية في 162ق.م .ا
مرسوما بمنح المسبيين اإلذن بالعودة
ً إعادة يناء الهيكل في 162ق.م :لم تمض سنة على دخول كورش إلى بابل ،حتى أصدر
وبناء بيت الرب في أورشليم (8أخ 88 :62و ،86عز .)4-5 :5كما أخرج آنية الهيكل التي أحضرها نبوخذ نصر إلى بابل
َّ
وسلمها إلى شيشبصر رئيس يهوذا ،فأصعدها شيشبصر معه عند "إصعاد السبي من بابل إلى أورشليم( "عز).55-2 :5
أخبار مفصلة عن العودة في سفري عز ار ونحميا وفي نبوتي حجي وزكريا .وقد رجع من المسبيين 48,620بقيادة شيشبصر
عالوة على العبيد .وفي أيام يشوع بن صادوق الكاهن وزربابل بن شألتئيل ،بنوا المذبح ووضعوا أساسات الهيكل ،ولكن العمل
توقف لمقاومة السامريين لعدم اإلذن لهم بالمشاركة في البناء .وهنا قام النبيان حجي وزكريا بحث الشعب على استئناف العمل
وتشجيعهم بالقول بأن مجد هذا البيت سيكون أعظم من مجده األول (حجي .)2 :8و ًا
أخير في شهر آذار في السنة السادسة
لداريوس الملك (151ق.م) تم العمل واحتفلوا بالفصح فيه (عز .)52-51 :2
11
يتغير (مال )1 :3والذي يدعو جميع البشر للرجوع إليه (مال )5 :3والذي ال ينسي من
يستجيب لدعوته وسواء من شعبه أو من خارج شعبه (مال)61 :3
إن رسالة مالخي رسالة للعصر الحالي أيضا ،ولعل مناظرته يمكن تلخيصها في سؤالين:
لمن نحيا؟!
كيف نحيا؟!
11
مشاكل الجماعة التي كتب لها مالخي
يمكن حصر مشاكل هذه الجماعة طبًقا للظروف التي ظهرت فيها هذه المشاكل وهي الفترة
التي تعلقت بظروف العودة من السبي:
ثورة األدوميين الساكنين في جنوب يهوذا وهم اآلن األعداء التقليديون لليهود .6
كسر للعهد
مشاكل تقديم الذبائح في الهيكل وما يعتبر ًا .1
ضعف التعليم جعل الشعب يمارس الطالق والزواج بال تدقيق .3
أيضا نتيجة ضعف التعليم وانتشار الفقر
الخلط بين الصواب والخطأ ً .1
تجاهل مطالب اإليمان وتهديد العقوبة .7
تخلِي الكهنة الالويين عن واجباتهم وإهمالهم التعليم .1
12
محتويات السفر
يتناول السفر ظروف حياة الجماعة بعد الرجوع من السبي في أورشليم ،وبذا يمكن تقسيم سفر
مالخي إلى سبعة أجزاء كالتالي:3
3-1 :6عيسو ويعقوب
66 – 1 :6إكرام /ازدراء اسم الرب
63-61 :6إهانة اسم الرب /العودة لعهوده
61-63 :1الطالق
65: 1الخير /الشر
5-1 :3العشور
63 :3التعديات
13
14
أسلوب السفر
لعل أكثر ما ِ
يميز السفر طريقته الجدلية التي تظهر في بداية كل قسم رئيسي منه .وهذا
أسلوب موجود عند عاموس " ويل . . .لماذا لكم يوم الرب؟ هو ظالم ال نور . . .إذا هرب
إنسان من أمام األسد فصادفه دب . . .وضع يده على الحائط فلدغته حية . . .يوم الرب
15
-العبارات القصيرة واألسلوب المباشر من خصائص مالخي حيث يشرح غرضه من كلمته.
فسفر مالخي سلسلة من المناقشات تشير إلى وجود مشكالت فعلية وحالية بين الجماعة
العائدة من السبي إلى أورشليم ويهوذا والجماعة التي لم تغادر إلى السبي.
وعلى العكس من زكريا ،ال يلجأ مالخي إلى استخدام أي تركيب أو بنية لغوية معينة ينقل عن
طريقها المعنى الذي يقصده .فالموضوعات التي يتناولها تتبع بعضها بطريقة قد تبدو أنها
التدرج المنطقي؛ من االختيار والتمتع باالمتياز ( ،)7-1 :6إلى
بالصدفة ،ومع ذلك تحمل ُّ
حتمية الدينونة (.)3 :61-63 :3
التكرار في السفر :هناك تعليقات تتكرر في السفر ،مثل 67ب " ال يغدر أحد بامرأة شبابه
و 1أ الله يكره الطالق “ولعل التكرار هنا لتأكيد اهتمام الرب بعدم إيذاء المرأة حيث كانت
ظروف الطالق وشروطه في صالح الرجل.
تسلسل الفكرة :هناك تعليقات تقطع تسلسل تواتر الفكرة وقد تكون عبارة عن ملحوظات على
هامش النص أدخلها كتاب متأخرون إلى متن النص .وربما يرجع ذلك لعدة أسباب :فبمرور
الوقت يتكون لدى الشعب مفاهيم وقناعات مختلفة ،ففي 5 :1وبينما يتناول أول العدد وآخره
ظِ
ان أخطاء الكهنة يأتي في منتصفه عبارة تقطع هذا التسلسل بالقول "أَن َشَفتَ ِي اْل َك ِ
اه ِن تَ ْحَف َ
يع َة ،ألَنه َرسول َر ِب اْلجنوِد" . َم ْع ِرَف ًةَ ،و ِم ْن َف ِم ِه َي ْ
طلبو َن الش ِر َ
6أ فهو يبدأ
إضافات الهوتية إيضاحية :عملت تلك اإلضافات على تغيير المعنى مثل :3
بتهيئة الطريق لكنه ينتقل فجأة ومباشرًة إلى مجيء السيد " َوَيأِْتي َب ْغتَ ًة ِإَلى َه ْي َكِل ِه
السِيد الِذي
ونه" .ومثال آخر في مالخي 1-7 :1حيث يتناول العددان موضوع المجيء المخوف طلب َ
تَ ْ
ولكن ينتصف بموضوع رد قلوب اآلباء إلى األبناء.
لكن هذه الملحوظات ال تنفي أن األسفار الكتابية حفظت وسلِمت من جيل إلى جيل .وما عمل
على حفظها وسالمة تسليمها أنها كانت محل دراسة متواصلة ،فنسخها وتحريرها طبًقا لمواقف
جديدة لم يكن لمجرد العبث بالنص بل العكس صحيح ،فعدم قابلية السفر اإللهي للتطور
والتأويل يعمل على القضاء عليه واختفائه بانتهاء زمن كتابته فال يتعداه لزمن الحق ،ألنه
ببساطة لن يصلح إال لوقت كتابته فقط .وال يخفى على الباحثين والدارسين أن الكثير من
لتنوع
الكتابات المهمة والتاريخية يمكن الطعن في صحتها نتيجة لعدم تغير األسلوب ومخالفته ُّ
ثقافة وظروف زمن كتابته.
وهنا تجدر المالحظة أن أسفار التي بين العهد القديم بالعهد الجديد هي ثمار إيمان وجهد
تماما ثم عاد للظهور في
ومعاناة اليهود ،فشعب الله لم يمت كله في السبي حتى إنه اختفى ً
حقبة العهد الجديد ،ففي أثناء وبعد السبي (785ق.م ).تواصلت عملية الحفاظ والنقل والتجديد.
16
وهذه العملية تمثل بداية اليهودية وثمارها توجد في أسفار الكتاب المقدس التي تعود لما بعد
إشعياء الثاني إلى حجي وزكريا ونحميا وعز ار ومالخي ،كما أن تقدم اليهودية يظهر في
كتابات أخرى مثل األبوكريفا والعهد الجديد 1،إال أن اإليمان يعاش وال يكتب ،فقد أسس تالميذ
يسوع تعاليم مسيحية ،لكن فيه وحده – في يسوع وحده-عرفوا اإلعالن اإللهي وأعماله
أيضا في يسوع المسيح يتحقق العهد القديم.
الخالصية و ً
ولذا فإن أهمية تتبع خط السير التعليمي والقصد اإللهي ،بل وتطور االختبار البشري في سيره
مع الله واإلعالن التصاعدي من الله حسب مقدرة شعبه على االستيعاب ليست مجرد دراسة
ِ
المتأصلة في الماضي سوسيولوجية أو عقائدية أو إنثروبولوجية بل دراسة جذور اإليمان
والممتدة إلى المستقبل في خبرات مع الله .عندما تكتشف جماعة الرب مدى أصالة وعمق
جذور اإليمان ومدى تواصل وضوحه بجالء ونور في رابط متسلسل لكن ال ينفصم وهنا يمكن
استيعاب هذه الرسالة وتواصل إيضاحها وبالتالي تجذرها.
ِ
المتطرف على أن االلتزام بالتراث ِ
يغذي الجماعة ،ولكن عندما يتبني هذا االلتزام طرق التفكير
فهنا يظهر الصراع ،والتراث كإسهام في الصراع يظهر في اليهودية نفسها (وكما هو حادث
هنا) كما أن التوتُّر بين يسوع والجماعات اليهودية (كالفريسيين والكتبة) يعود إلى االلتزام
ِ
المتزمت بتراث معين وتعاليم معينة. الحرفى
4ظهور اليهودية وتطورها :سبي يهوذا كان من أهم األحداث في التاريخ الديني .فبالسبي "ينتهي تاريخ إسرائيل ويبدأ تاريخ
اليهود" .فإذ وجدوا أنفسهم بين شعوب وثنية ،انفصلوا عن نجاسات جيرانهم ،وتعلقوا بإيمان اآلباء بإله إبراهيم .وإذ تعرضوا
طابعا لهم .لقد أصبحوا بال وطن،
وكونوا مجتمعات منعزلة ،أصبحت ً
للسخرية واالحتقار من األمم حولهم ،تقوقعوا على أنفسهم َّ
وبال طقوس ،وبال أساس مادي لحياتهم كشعب ،فأدركوا أكثر من ذي قبل أهمية تراثهم الروحي الذي وصل إليهم من العصور
الماضية ،فبنوا قوميتهم -في محيطهم الجديد -على أساس الدين.
17
18
رسالة السفر
يبدأ سفر مالخي سفره بالقول :وحي كلمة الرب . . .عن يد مالخي .وتأتي الكلمتان في
معا كما في زكريا 6 :9وحبقوق 6 :6
بعض الترجمات مرتبطتان ً
والوحي في كل هذه الحاالت يعني "ثقال" .يحمل النبي ثقال يجب أن ينتقل منه إلى ضمائر
الناس ويضغط بثقله على مشاعرهم وأحاسيسهم حتى يستعدوا لمجيء "ذلك اليوم".
نعم الوحي حمل وثقل وليس مجرد شارة يعلقها النبي دليل على تميزه -
والوحي ليس مجرد النطق بالغوامض وترف اإلبحار في الرموز بل والغيبيات أحيانا، -
بل يحمل رسال ًة قد تكون صعبة لكنها رسالة حية ومفهومة.
دورا ،فثقل
والوحي رسالة تبدأ عند النبي لكن ال تنتهي عند النبي وإال لن يؤدي الوحي ً -
رسالته تنتقل إلى الناس لتفعل فعلها الذي يريد أن يوصله الله للشعب.
19
واألنبياء في مجموعة واحدة من النصوص المقدسة ،فإن هذه الشواهد المتقاربة توضح أنها
تتطلع إلى األمام مستشرف ًة إكمال تحقيق الغرض الذي من أجله قد أعطاها الله للبشرية.
على أن األنبياء ومنهم مالخي لم يقدموا هذا التوقع المستقبلي األخروي (األسخاتولوجي)
استعدادا
ً قويا للتوبة وإصالح أحوال الحياة كهدف بعيد ،بل كحدث وشيك ،وبالتالي يكون ًا
حافز ً
"ليوم الرب العظيم والمخوف" ( .)7 :1وربما تحتاج الكنيسة أن تتيقظ لتعليم مالخي عن التوقع
األخروي كحدث آني وحال:
فما لم يبدأ هنا لن يبدأ فيما بعد
عنصر من رجاء الكنيسة اآلن لن يجدي أن يكون فيما بعد ًا وما لم يكن
ومن ال يعمل على تغيير حياة الكنيسة اليوم لن تكون له قائمة فيما بعد
فالرجاء اإلسخاتولوجي في معناه الرئيسي هو رجاء (هنا واآلن) (وفيما قبل وفيما بعد) بدون
انفصال ،بل إن الرجاء اإلسخاتولوجي ال يقبل االنفصال بطبيعته فهو رجاء متصل ومتواصل،
21
تطورات الهوتية جديدة أثناء وبعد السبي
اشتركت كتابات أنبياء العهد القديم في عدة نقاط تعتبر أساسيات انشغل بها هؤالء األنبياء
وهي كالتالي:
انشغال الله بصهيون /أورشليم :قارن مزمور " 631كهنتك يلبسون البر . . .أتقياؤك -6
يهتفون" و“ 11الله لنا ملجأ وقوة من العصور القديمة" مع إشعياء 7-1 :36؛ 3-6 :11؛
11 :33؛ صفنيا68-61 :3؛ زكريا 61 :1؛ )9:9ترنمي وافرحي يا بنت صهيون ها أنذا
آتي وأسكن في وسطك يقول الرب (زك.)7 :1
تذكر الله لداود الملك النموذجي (المسيا) (قارن 6مل )63-9 ،1 ،1 :66مع الرمز -1
" الجذع" في إشعياء 6 :66؛ إرميا 67 :13زكريا 9-8 :3؛ 61 :1؛ "الملك" في إشعياء
" 6 :31داود" في هوشع 7 :3حزقيال 17- 11 -13 :31
محبة الله التي ال تسقط تجاه شعبه (قارن إرميا " 68-61 :3كل األمم" مع إشعياء -3
" 1-6 :11االختيار" "الشعب المختار" في خروج 1 :69نحميا 8-5 :9
أهمية التوراة وتفسيرها والتأثير البابلي (مثال قارن تثنية 8-1 :1؛ 63-9 :36؛1 -1
ملوك 17 :13مع عذ ار 1 :5؛ نحميا 66-6 :8؛ 61-63 :9؛ عذ ار )1 :3
السبت والختان كعالمات مهمة للدخول في العهد ،فالختان كعالمة للعهد كان بمثابة عمل
أيضا على سبيل المثال إرميا :65
ذبائحي افتدائي (تك 61-9 :65؛ خر .19 :11انظر ً
11-16حزقيال “ 11 ،61 :11أعطيتهم سبوتي ...عالمة بيني وبينهم" نحميا -67 :63
”- 16الختان" تكوين 66-9 :65يشوع .)5-1 :7
فإلى أي حد تطورت هذه األفكار واآلراء في الفقرات المتأخرة في إشعياء ثم فيما بعد السبي
مثل حجي وزكريا وعز ار ونحميا؟
لقد تغيرت معاني بعض الكلمات باألخص " صهيون" "إسرائيل" "داود" في قيمتها الدينية في
حياة الشعب فقد فقدت كل مغزى تاريخي وتحولت إلى أفكار جديدة وإن كانت ما زالت ذات
تماما ،فقد أعطت معاني الرجاء والتطلع
معان تاريخية لكن معانيها في وقت مالخي مختلف ً
إلى تحقيقها وهي توجد أيضا في فقرات تالية في إشعياء مثل 8-1 :17حيث يشير إلى جميع
جديدا أطلقوا
عهدا ً أخنوخ "ابن اإلنسان" وبهذا التدخل تحدث كوارث وظروف عصيبة في وقت يسمونه باسم "يوم الرب" حين يدين الله األشرار ويبدأ الله مع شعبه ً
عليه "العالم اآلتي" أو "الدهر اآلتي" .فطبقا لهذا المفهوم فإنه ال ُيرجي صالح في هذا العالم والله ال يتدخل في التاريخ وأحداثه إال باالنهيار التام للعالم إلنقاذ
البقية التقية فقط.
21
الشعوب ،وإشعياء 1-6 :11حيث يتكلم عن "أمة بارة" ودانيال 17- 11 :1حيث يتكلم عن
مملكة أشمل من مملكة إسرائيل.
إذ تتغير الظروف والثقافات تتغير الرسالة في الشكل والمحتوى حتى يمكن أن يصل مضمونها
أيضا عمل
مفهوما إلى الشعوب في ظروفها المتغيرة ،وهنا يظهر غنى وثراء الكتاب المقدس و ً
ً
الروح القدس الذي هو في األساس مصدر الرسالة .فبينما يتطور الشكل والمحتوى مع تطور
ظا لمضمون الرسالة .وهذا
الظروف يظل الروح القدس بقوته العاملة من األزل وإلى األبد حاف ً
غنى لو أدركت الكنيسة أبعاده ستتمكن من اإلبحار في محيط الكتاب المقدس واكتشاف كنوزه،
أما إذا غاب عنها فسيرتبك المؤمنون بمحاوالتهم للحفاظ على (الحرف) دون (روح) النص.
فمن هنا اعتمد كتَاب العهد الجديد على نماذج وأفكار الهوتية يهودية سابقة وهي بالطبع أجري
لها تغيير في المعنى وأخذت هوية مسيحية واضحة ومتميزة (انظر رومية 61؛ 6بطرس :1
61-1؛ رؤيا .)11-1 :16فهم استطاعوا إدراك غنى كلمة الله التي تشهد للكلمة الحي.
22
خلفية السفر وزمن كتابته
بداي ًة يعتبر مالخي آخر نبي تنبأ من أنبياء العهد القديم حتى ظهور يوحنا المعمدان ،وتسمى
الفترة فيما بينهما (فترة ما بين العهدين) وهي الفترة التي خلت من األنبياء والنبوءات.
وتقف الجماعة اليهودية بعد السبي في خلفية السفر ،هذه الجماعة تضم من بقوا في أورشليم
ولم يتركوها ليذهبوا للسبي ،وهم يرون أنهم هم اليهود الحقيقيون لذلك طلبوا القيادة لهم في
الجماعة الجديدة (انظر إشعياء 63-3 :75؛ 9-6 :17؛ حزقيال 16-69 :1؛ 61-6 :5؛
نحميا8-6 :8؛ .)39-18 :61
بدأت عودة شعب إسرائيل المسبي إلى بابل عام 738ق.م تقر ًيبا عندما أصدر قورش مرسومه
محدودا على السلطة
ً المشهور .وأخذت العودة شكل موجات متتالية وكان تأثير العائدين
الموجودة في الهيكل وهي سلطة قائمة على الطقس التقليدي (نح .)61كما نشأت جماعة
قمران والمكابيين أثناء حكم الرومان كاحتجاج على يهود عصرهم الذين اعتبروهم جبناء
وفاسدين واختلفت تفاصيل تعليمهم .هذا باإلضافة إلى أن إمبراطورية اإلسكندر كانت ِ
تمثل
جديدا على اليهود ،ألن الطاعة للتوراة تصطدم بالتأثير الثقافي الهلنستي أو بمطلب من
خطر ًًا
المطالب األساسية في تلك الثقافة وهو التسامح ،والذي كان يعني قبول كل أنواع العبادات لكن
على رأسها يجب ممارسة عبادة اإلمبراطور
تجمعات الشعب في اليهودية ومصر وسوريا والبالد التي
هذا غير المشكالت التي واجهت ُّ
حكمها اليونان .هذه الجماعات عايشت خبرات ِ
متنوعة بدأت في بالد السبي وتواصلت عند
عودتهم إلى بالدهم بما حملوه من خبرات جديدة .وهذا يعني أن هناك وجهات نظر مختلفة
على المدى البعيد ،فمثال الختان والسبت يراعيها الكل فهما عالمة الدخول في العهد لكن
دخلت مفاهيم جديدة خاصة عند المسبيين ،فقد كان الختان عالمة انضمام الفرد إلى جماعة
الرب -أي كان ممارسة فردية -وكانت ممارسات السبت جماعية ،فكان حفظ السبت ما يقرب
من تعريف الشعب المسبي بهويته في السبي ألن حفظ السبت لم يكن ممارسة معروفة بين
مخصصا
ً يوما
ً الشعوب آنذاك فقد صار كشارة تعريف للشعب في السبي ،واعتبر السبت
لعبادة الله وصار من أول الوسائل إلظهار الوالء لله ،بل إن التوراة عادت على يدي العائدين
كنتاج لعمل المسبيين في السبي بشكل كبير .كما كان على المسبيين أن يقووا الحياة الدينية
بدون الهيكل والعبادات ،ولذلك تطورت الحياة الدينية وظهرت مؤسسة الكتبة (مثال عز ار،1 :5
)61 ،61وجماعة العابدين نح 63، 61-61 :8؛ 9:6؛ عز )9-61:5الذي عرف فيما بعد
بالمجمع .وربما أن السبت تحول إلى ممارسة حرفية بسبب التأثر بعوائد الشعوب الذين حول
أيضا ،فهذه الشعوب نظرت إلى الوقت المخصص لعبادة آلهتهم بأنه وقت إلدخال
المسبيين ً
23
السرور على المعبودات واآللهة التي يتعبدون لها والتي تبتهج بأن تعبد وترفع لها األدعية
وتعزف لها الموسيقى وليس وقتًا ُّ
لتخفف اإلنسان (بل والكائنات كلها) من مشغولياته والتمتع
بشركة إلهية.
من الممكن التوصل لتاريخ كتابة السفر من الدليل الداخلي التاريخي التقريبي للنبوة .فبما أنها
تعود إلى زمن ما بعد السبي ( )8 :6ويرد ذكر الوالي كما في حجي ( )6 :6لتصف "زربابل"،
فنيا
مصطلحا ً
ً وفي نحميا ( )61 :7لتدل على منزلة نحميا ،وبما أن هذه الكلمة (الوالي) تعتبر
اقتصر استخدامه تقر ًيبا على كتابات زمن ما بعد السبي .وبما أن هناك غياب ألية إشارة إلى
عمليات إلعادة بناء الهيكل في ذلك الوقت ،وإلى تدهور العبادة بحيث أصبحت مجرد شعائر
دينية ،فهذه كلها أمور تدل على انقضاء فترة من الزمن منذ اكتملت عملية إعادة البناء .كما أن
الظروف واألحوال االجتماعية يمكن اعتبارها ذكريات ترجع إلى زمن عز ار ونحميا .إذ يذكر
مالخي عدم رغبة الشعب في التخلِي عن جزء من أموالهم لتمويل أعمال الهيكل (مل8 :3؛
قارن نح39-31 :61؛ )61 :63فضالً عن استغاللهم الفقراء والمنسحقين (مل7 :3؛ قارن
نح ،)7-6 :7كما أن ما ِ
يميز عصره هو الزواج المختلط مع العائالت غير اليهودية وبالتالي
االلتصاق بآلهة غريبة (مل66 ،61 :1؛ عز1 ،6 :9؛ نح 13 ،3-6 :63وما يليه) مالخي
ال يعترض على الزواج المختلط في حد ذاته باعتباره زواج قائم على أساس عنصري ،وإنما
كان استنادا إلى أن ارتباطات المصاهرة هي ارتباطات ِ
تمثل في حد ذاتها عدم األمانة إلله ً
العهد عندما استبدلوه بآلهة أخرى ( ،)61 :1ونتيجة لوجود يهود لم يغادروا أرضهم وعودة
يهود من أرض السبي تضاربت وجهات النظر بين المقيمين والوافدين سواء من الناحية الدينية
أو ما يخص الجماعة ،حتى وإن كان الختان والسبت هما األساس الذي يضبط الجميع ويحكم
تصرفاتهم.
التنوع قديمة جديدة في نفس الوقت ،ربما ما يختلف بشأنه أسلوب التعامل مع
إن خبرة ُّ
إيجابياتها وسلبياتها ،فالتوراة نفسها عادت مع عز ار كإنتاج جديد للمسبيين بشكل كبير .فهل
إبداعا يحسب لهم وأمانة تدل على
ً أخطأ كال من عز ار والمسبيين في فعلهم هذا أم كان
إصرارهم على مواصلة الحياة مع الله دون أن يمنعهم تغير الظروف؟ وهل استطاع المسبيون
نجاحا في فهم الرسالة اإللهية وتأويلها ليحيوها في ضوء ظروفهم الجديدة؟ أم كان
ً أن يحققوا
عليهم أن يتمسكوا بالحرف؟
وماذا عن الكنيسة اليوم؟
هل تدرس الكنيسة هذه الفكرة بانزعاج أم تستوعب أن تغيير الظروف يتطلب معالجة كما فعل
المسبيون في السبي؟
24
مـــافيــــــا
عصابات المافيا موضوع مثير لمؤلِفي أدب الروايات واألعمال الفنية فهو عالم مليء باألسرار
أيضا بالمتناقضات ،وهذا ما تناوله أحد المؤلفين في شكل جديد لرواية
والغرائب والمغامرات و ً
يحلل شخصيات تتكون منها إحدى عصابات المافيا من روايات المافيا عندما قصد المؤلف أن ِ
والتي تعمل بأعمال التجارة والمال وتتميز بمستوى راق في المعامالت والسلوكيات ،بل وتضم
مثقفا يستوعب ظروف مجتمعه االقتصادية والسياسية واالجتماعية وله شابا ً
من بين أفرادها ً
توجهات تدعم حقوق اإلنسان وتناهض النظام العولمي الذي يزيد األغنياء غنى ويزيد الفقراء
ً
فقرا ،لكن ظروف تربيته دعته إلى الميل للعنف – هذا غير ما يحمله رئيس المجموعة من ً
محبة واحترام لمجموعته وهم بدورهم يفعلون نفس الشيء .
فأين عمل العصابات هنا؟
خطر على مصالحها أوًا يبدأ هذا النشاط عندما يظهر شخص ال يريح الجماعة أو ِ
يمثل
يتعرض لها بضرر ما ،وهنا يتم قتله أو إيذائه بمنتهى الهدوء والرصانة بل وقد يبدون أسفهم
أيضا على ما أصاب ذلك الشخص-هذا غير المبادئ التي يضعونها لضبط أعمالهم اإلجرامية ً
من عدم المساس باألطفال والنساء والعجزة .الخ
إنها صورة تستدعي إلى الذهن مباشرًة أن البشر قد يتمتعون بسلوكيات طيبة لكنهم يحتاجون
إلى تغيير داخلي ،لكن السؤال األخطر والذي يجب االنتباه له هل االكتفاء بالتغيير الداخلي
وإقامة عالقة بالمخلِص والفادي يغني عن االلتفات بشكل واضح ومقصود لمراعاة المبادئ
واألخالقيات والسلوكيات التي يراها البعض (عالمية) أي غير روحية؟ أم أنها شهادة لملكوت
الله ومحبته وعمله الخالصي لكل األمم؟ أم أن العالقة حتمية بين التغيير الداخلي والسلوك
الخارجي كما قال يسوع ينبغي أن تفعلوا هذه وال تتركوا تلك؟!
25
26
سفر مالخي
عهد وكهنة
عهد
في تثنية ونحميا يمكن فهم أهمية واجبات الكهنة ،هم يجب أن يعلِموا الشعب عن الصواب
والخطأ في الحياة اليومية بناء على ما جاء بالتوراة سواء على المستوى الطقسي أو الدنيوي.
ويأتي مالخي من بعدهما فيتناول موضوعات عديدة تدور حول الكهنة وواجباتهم ولكنه ال
يذكر توجيهات للكهنة مثل تثنية 65و حجي 1ألن اهتمام مالخي يتركز على عالقة العهد.
وقد مرت عالقة العهد بين الله وشعبه في مراحل تدرجت حسب نمو إدراك الشعب ،ففي العهد
التعهد الوحيد فيه على الله فهو لن يخرب األرض مرة أخرى ،وهذا "البوريط"
بين الله ونوح يقع ُّ
(أي العهد بالعبري) الذي يقطعه الله مع نوح هو عهد نعمة ال مشروط ،أبدي ،وعالمي أي
لكل الكون ،لكل الخليقة ،لكل األرض ،ولكل الشعوب .وال تعتمد أهمية وقيمة واستم اررية عهد
الله مع نوح والخليقة الجديدة على تصرفات اإلنسان أو استحقاقه أو التزامه هو بأي شيء بل
على الله نفسه ،الذي هو وحده من يتعهد بالقيام بأي شيء بحسب ذلك العهد "أكثر منه على
ِ ِ العهد التثنوي" مْلعو ٌن من الَ ي ِقيم َكلِم ِ
ات ه َذا النام ِ ِ
وس ل َي ْع َم َل ِب َها َ .وَيقول َجميع الش ْع ِب :آم َ
ين". َ َْ َ
(تث )11—15ففي تثنية يبني على عالقة عهد مشروط بين الله وشعبه ،والذي يتعهد فيه
الشعب بالخضوع لله وطاعته في حين يتعهد الله بحماية إسرائيل وازدهارها.
تماما عن ذلك؛ فهو عهد"فالبوريط" الذي يقيمه الله مع نوح هو ذو طبيعة مختلفة ً
غير مشروط ،ال يضع فيه الله شروطاً على شعبه وال يحدد واجبات وتعليمات لنوح وللخليقة،
فالله في البوريط يحمل كل المسؤولية والواجبات على نفسه ،فهو لن يخرب األرض مرة أخرى،
دون أي ُّ
تعهد مقابل من اإلنسان أو الخليقة .وهذه هي النعمة التي ال تعتمد على استحقاق،
بل على شخص الله ونصرة الحياة مع الله ،حتى عندما شملت الفوضى األرض أيام نوح ،أو
تبدو أنها على وشك أن تفعل ذلك ،يعلن الله التزامه الكامل بعهده األبدي غير المشروط.
إال أن شعب العهد ليس مجرد طرف ما وقع وثيقة مع الله .فمضمون شعب العهد هو الهوية
عهدا من جانب واحدالجديدة للشعب ،لذا يتدرج العهد بداي ًة من العهد األول مع نوح ليكون ً
وتقع االلتزامات بالكامل على الله ،ثم إلى العهد مع إبراهيم إذ قال الله إلبراهيم :أنا أكون إلهك
وأنتم تكونون شعبي – أعطيك ً
أرضا ونسال ،وأنت ستحمل عالمة العهد في جسدك عن طريق
الختان .ثم عهد مع موسى إذ قال الله لموسى أنا الرب الذي أخرجك تكونون شعبي.
27
وبالتجاوب مع عهدي أعطيك الوصايا ودورك أن تحفظها .وهنا يتصاعد الدور اإلنساني وكأن
بناء على التنوع
الله يخاطب نمو اإلنسانية ونضجها وهي القضية التي كانت في صلب السفر ً
اضحين للجماعة التي يخاطبها مالخي التي تجد حال لها في الوحدة في العهد،
واالختالف الو َ
شعبا لله
احدا مع الشعب ،وتصير الشعوب ً الذي هو مصدر البركة ،وهنا يصير الغريب و ً
معا وينضجان في معرفته واتباعه .ولذا كان من
جميعا ويدعوهم ينميان ً
ً فيشرق شمسه عليهم
المناسب أن يبدأ مالخي سفره بالتأكيد على محبة الله المستمرة ألمة العهد ،فالمحبة هي أساس
وجديدا .لكن رد الشعب في أول مناظرة في السفر كان يدل على أن هذه الموعظة
ً قديما
العهد ً
في محلها فالشعب كان يحتاج إلى التذكرة .فإن كانت محبة شعب الله تضمر فإنها تزعزع ثقة
الشعوب حولهم في المحبة اإللهية ،فليس غر ًيبا أن تكون النتيجة ضمور محبة البشر (:1
)61-63فالشعب لم يعد ِ
يقدر مدى العناية اإللهية التي يستظل بها والتي أعطتهم قوة الرجوع
إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل .لكن المحبة اإللهية ال تقتصر على العهد الجديد فقط إذ أن
المحبة اإللهية كانت واضحة من البداية (عدد .)1على أن العهد يجمع الماضي والحاضر
والمستقبل بمعنى أنه (عهد) وليس "العهود" فهو عهد واحد أقامه الله لتأسيس جماعة عهد،
معا".
وكلمة عهد تعني "الربط ً
في إشارات سفر مالخي إلى شريعة موسى وإلى إيليا النبي ،والذين تكلم معهما يسوع على
جبل التجلِي (مت 1 :65وما يوازيه) به تلميح إلى الوراء .إلى متطلبات العهد ،ونظرة مستقبلية
نبويا آخر
إلى ذلك الشخص الذي سيعمل على تحقيقها .إن الوعد بمجيء إيليا يعتبر صوتًا ً
قبل مجيء النهاية .وإيليا عند مالخي هو نفسه المسيا الذي يجعل الناس تعود لله مرة أخرى
وسينقذهم من اللعنة ألن يوم الرب سيكون يوم خالص وإدانة في نفس الوقت( ،وهو ليس ما
ِ
الممهد لمجيء المسيا) يرمز إليه إيليا في العهد الجديد باعتباره
إن مالخي ،وقد نظر إلى الوراء إلى األوامر الصادرة عن الله ،فإنه اآلن ينظر إلى األمام ،إلى
يوم الرب العظيم والمخوف ،وهو التعبير الذي استعمله يوئيل 36 :1و ًأيا كان األمر فإنه إنذار
نموذجا للنبي اآلتي ،فعندما تأتي النبوات إلى منتهاها سيرسل الله
ً يسبقه اختيار إيليا ليكون
يذكر به القراء بوضوح وهو نبوءة تثنيةنبيا سيكون مثله ليعمل لإلعداد لعودة الله .وهو وعد ِ
ً
نبيا مثلي . . .له تسمعون" ،إذ أنه مثل موسى تراءى له الله هناك في حوريب ً " 67 :68
(6مل )68-8 :69ومرة أخرى خدم إيليا كمشجع أخالقي لألمة .وليس هناك نبي مثله
استطاع بصورة مليئة بالحيوية تغيير موقف معاصريه ،وال هناك نبي آخر كان له مثل تأثيره
على مصير أمته.
هذا العهد يقوم بين الله والبشر إال أنه في الحاالت العديدة لنقض العهد ،والتي ذكرت في
األنبياء أن البشر في جميع الحاالت هم الذين فشلوا في الحفاظ على العهد (مثل إش7 :11؛
28
8 :33؛ أر61 :66؛ 31 :36؛ حز ،)5 :11لقد أقسم الله أنه ال ينقض عهده إلى األبد
(ال11 :31؛ قض .)6 :1وعلى ضوء هذه الخلفية تفهم كلمات إرميا في 16-11 :3حيث
يقارن بين إمكانية اختفاء الليل والنهار وبين نقض الله لعهده مع داود وصل إلى نتيجة تقول
إن العهد ال يمكن أن ينقض وعلى الرغم مما قد يبدو من أن العهد مع داود قد نقض (إر:11
،)31إال أن النبي عرف أن األمر ال يمكن أن يكون على هذا النحو ،ألن عهود الله من
المؤكد إتمامها ،شأنها في ذلك شأن قوانين الطبيعة (تك .)11 :8وعلى ضوء هذا التأكيد
أيضا له
اإليجابي على امتداد العهد القديم ال ينقض الله كلمته إطالًقا .على أن العهد له دور و ً
قيمة وقيمته تكمن في استيعاب مضمون العهد وإدراك أبعاده .ربما نسى شعب الله ً
قديما هذا
المفهوم ،وقد يحدث في الكنيسة.
إن العمود األساسي في افتتاحية رسالة مالخي ( )7-1 :6هو محبة الله إلسرائيل ،وبناء
على المحبة يقوم العهد .فأطراف العهد هما لله والشعب ،فمن ناحية الله فقد استوفى ما يصلح
به إقامة العهد مع الشعب وبالنسبة للشعب فإن السفر يحمل الدعوة إلنجاز التزامات العهد كما
وردت في الشريعة (.)1 :1
الرب الذي أصدر العهد ،والذي عليه ترسخت دعائمه وتوطدت أقدامه في مجتمع إسرائيل هو
ذاته الذي يظهر في هذا السفر باعتباره الشخصية المركزية المحورية والناطق الرئيسي على
لسان العهد.
وكما يرد في التفسير الحديث للكتاب المقدس أن السفر يتضمن 15آية من المجموع الكلي
لآليات البالغ عددها 77آية ،يجيء فيها الحديث في ضمير المتكلم موج ًها خطاب الرب إلى
إسرائيل (باستثناء اآليات 6 :6؛ 65 ،67-66 :1؛ .)61 :3مما يعني أن استخدام ضمير
حيويا بين الله وشعبه ،وهذا لقاء غير مسبوق في غيره من األسفار النبوية. لقاء ِ
ً المتكلم يمثل ً
وبفضل عالقة العهد يشير الله إلى ذاته كاآلب ،وبما أنه األب فإن النتيجة الطبيعية هي أن
إسرائيل ابنه (1 :6؛ 65 :3؛ قارن ،)61 :1فرغبة الله هي أن يبارك أبناءه بكل ما هو خير
( .)61-61 :3إنه يريدهم أن يجدوا كفايتهم الحقيقية وأن يكونوا مثل كاهنهم المثالي الذي
يوصف في ( )5-7 :1الذي يعطي عطايا يومية وكل يوم للحياة والسالم ،والمفروض أنهم
يستجيبون المتياز انتمائهم إليه في وقار وخشوع ،بل يفيضون على غيرهم من الخيرات التي
يتمتعون بها.
29
هذه حقائق تمتع حياة الكنيسة ببركات وسعادة وفرح واطمئنان ،وكل فرد من جماعة الرب له
أن يتأكد أن اآلب السماوي يقصد ما يقول ويفي بما يعد ويستطيع أن ينفذ ما يقول وما يعد به
بل له مقدرة التنفيذ بوفرة وغنى .على أن الوعد والوفاء أساسهما العالقة أوال ،العالقة الوثيقة
ألب بأبنائه.
31
الركابيون
أخذ إرميا يازنيا وأخوته وذهب عند الركابيين وأخذ معه أباريق مألى بالخمر بل إنه أخذ معه
خمرا ،لكن الركابيين أجابوه نحن ال نشرب ا
خمر أيضا الكؤوس وطلب من الركابيين أن يشربوا ً
ً
1
خمرا .هذه القصة واردة في سفر إرميا اإلصحاح 37إذ كانألن أبانا أوصانا أال نشرب ً
إسرائيل تحت حكم صدقيا قد تعدوا على العهد .أما بقية القصة فتقول :قال الرب إله إسرائيل
إلرميا اذهب وقل (إلسرائيل) . .أال تتأدبون فتسمعوا لكالمي يقول الرب؟
أيضا بصيغة الجمع كان ردهم .قال الركابيون
(الركابيون) أي بصيغة الجمع كلمهم إرميا ،و ً
خمرا) (ألن يوناداب أبانا أوصانا) .وبذا فإن من يسمعهم يدرك صدق قولهم
(نحن النشرب ً
وصدق قول أبيهم ،فهم مميزون بتصرف معين (كجماعة وسط مجموع) وبالتالي انتشرت
وصية أبيهم بتأثير شهادتهم له ثم تصرفاتهم بناء على شهادتهم .وطلب الرب من إرميا أن
يضعهم مثاال أمام شعبه الذي لم يحترم عهده.
مثال قوي (لجماعة) في استطاعتها أن تقدم شهادة جماعية ألنهم (كجماعة) التزموا بما قاله
لهم أبوهم .تخيلوا لو أن (أفرًادا) من الركابيين التزموا فكيف يمكن أن تكون شهادتهم لقول أبيهم
وهم ف اردى؟ هل يستطيع الفرد أن يقول "أبونا قال لنا"؟
معا التي تستطيع أن تقول قوال وتتصرف تصرًفا يجعل هذا هو درس (الجماعة) الشاهدة ً
شخصا عن
ً أثرا .هذا شيء يختلف عن أن تكتشف (فجأة) أنك ال بد أن (تكلم) لشهادتها ً
المسيح-هذه العبارة التي صارت بديال عن شهادة الجماعة الحية الفعالة التي تنطق بمضمون
أثر واألقوى شهادةً؟
رسالتها بأسلوب حياتها .فأيهما األبقى ًا
6قال الرب إلرميا في أيام يوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا :إذهب إلى بيت الركابيين وكلمهم ،وادخل بهم إلى إحدى الغرف في بيت
خمر فأخذت يازنيا بن إرميا بن حبصينيا وإخوته وبنيه وجميع بيت الركابيين ودخلت بهم إلى الهيكل ،إلى غرفة بني
الرب واسقهم ا
حانان بن يجدليا ،رجل الله ،وهي التي بجانب غرفة الرؤساء فوق غرفة معسيا بن شلوم حارس األبواب .ووضعت أمام الركابيين
أباريق مألى من الخمر وكؤوسا وقلت لهم إشربوا خم ار فقالوا :نحن ال نشرب خمرا ،ألن يوناداب بن ركاب أبانا أوصانا قائال :ال
تشربوا خم ار أنتم وال بنوكم إلى األبد( ،إرميا )1-6 :37
ثم قال الرب إله إسرائيل إلرميا إذهب وقل . . .أال تتأدبون فتسمعوا لكالمي يقول الرب؟ بنو يوناداب بن ركاب سمعوا لكالم أبيهم
أن ال يشربوا خم ار. . .أما أنتم فما سمعتم لكالمي الذي كلمتكم به م ار ار وتك اررا( .إرميا )61-61 :37هكذا وضع إرميا بني ركاب
مثاال أمام زيغ صدقيا ملك يهوذا وشعبها.
31
فماذا عن كسر العهد؟
وما مظاهر كسر العهد؟
نقضا للعهد والخطية األساسية تكمن في تعريض
إن مالخي يقولها صراح ًة إن الخطية تعني ً
العالقة مع الله للخطر ،بإفساد الكهنة عهد الوي ( ،)8 :1وابتعاد الكهنة وكذلك الشعب عن
جميعا فاتري
ً االستجابة التلقائية والحارة للمحبة الشخصية التي أظهرها الرب من نحوهم فكانوا
الشعور وفي حالة ال مباالة وتأفف من العبادة الحقة ( ،)63 :6وفي حالة من الشح والبخل في
عطاياهم ( ،)8 :3وانحازوا في األحكام ( )9 :1وباالختصار استهانوا بهيبة الرب واحتقروا
اسمه (ُّ )1 :6
وغشوا في نذورهم وسلبوا حقوق الرب (61 :6؛ .)8 :3واآلن وقد فشلوا في
أيضا فشلوا في محبتهم لقريبهم .فنقض العالقة مع الله أدى إلى العالقات
محبتهم لله ،فإنهم ً
المنهارة في المجتمع البشري فانتشر الطالق ،وهي أمثلة لعدم األمانة التي سادت المجتمع
نقضا للعهد .وقد وصف مالخي زواج الرجل من مكروها عند الله ألنه يتضمن ً
ً وكان الطالق
امرأة شبابه باعتباره رفقة عمر ( ،)61 :1وما أشبه اليوم بالبارحة فها هو صوت مالخي يكلِم
الكنيسة اليوم التي قد تحتاج لشرح معنى العهد ومضامينه ،فحتى كالم مالخي عن الدينونة ال
ينفصل عن بنود العهد ،فالدينونة واجبة الوقوع ليس لمجرد وقوع ابنه إسرائيل في خطأ وليس
نتيجة لتصرفات وسلوكيات تضعها سلطة دينية ،ولكن نتيجة لكسر بنود العهد .كذلك ستكون
الدينونة واجبة الوقوع حتى وإن شرعت السلطة الدينية واجبات وسلوكيات التزم بها الشعب
لكنها تخالف العهد ،فقد كان القصد من إشارته إلى الدينونة تحذير كل فرد حتى ال يقيم أحد
رجاءه للخالص على ثقة زائفة أو على أساس ال يقوى على الثبات واالستم اررية ،ومن هنا تأتي
أهمية التمحيص بالنار التي تختبر عمل كل فرد حتى المؤمنين وهو يعتبر حال لمشاكل
الجماعة.
في قول مالخي أنهم قد (أفسدوا) عهد الوي ،فإن الفعل (أفسد) هنا مقصود به "اإلفساد
األخالقي" (تك .)61 :1وقد جاء فعل آخر بمعنى (أفسد) في مالخي "61 :3قْلتم ِ :عبادة ِ
الله ْ ََ
ب ِ
اطَل ٌة" ،وقد استخدم هذا الفعل إشارًة إلى أسلوب التعامل مع العهد في هذه الفقرة فقط .وإن َ
كان الله ال ينقض عهده إطالًقا ،فإن مالخي ال يعني أن العهد مع الوي قد ألغى ،على الرغم
من أن الكهنة قد أفسدوه .وكما هو الحال حينما نقضت إسرائيل عهد الله مع األمة .فإن
وطيدا.
ً الدينونة سوف تحل بمن نقضوا العهد ،إال أن عهد الله سيظل ثابتًا
32
إدراك عمق العهد ورد الشعب عليه وتجاوبه معه .هل هذه العبارة صارت تقليدية؟
(العهد) هو تعهد له بنوده وشروطه والتزاماته.
(العهد) مصدر فرح وسالم ونعمة
(العهد) هو الذي يؤسس العالقة بين الله الذي بادر بالعهد وبين شعب يعلن التزامه بالقول
والفعل ببنود ذلك العهد
(العهد) هو مصدر قضايا الضمير والسلوك ،هو األساس الذي تبني عليه جماعة الرب
توجهاتها األخالقية والضميرية والسلوكية.
القضايا األخالقية والضميرية والسلوكية التي تؤسس على العهد ال تعود مجرد (خيار) لجماعة
الرب يتبعونه أو ال يتبعونه
وال هي مجرد آداب التعامالت ،بل إن العالقة الحية القوية الفعالة مع الرب جوهرية وأساسية
بكل ما في الكلمة من معنى إذا ما كانت إسرائيل راغبة في أن يتحقق لها نصيبها بمقتضى
العهد الذي بين الله وبينها.
هل تحتاج الكنيسة في بعض األحيان إلى أن تقف أمام الله وتستوعب نتائج كسر
العهد؟
هل ستحتمل نتائج نقض العهد؟ هل تستوعب معنى القول الكتابي" مخيف هو الوقوع
في يدي الله الحي؟"
33
كهنة
بركة أم لعنة
مقدس أم دنس؟
اتهام أم عقاب:
مؤهالت الكاهن
"معرفة" شريعة الله جزء أساسي من مؤهالت الكاهن العقلية (تث69 :65؛ .)61 :33ولقد
شكا هوشع من الكهنة في أيامه ،إذ كانوا قد نسوها (هو ،)1 :1ومن الناحية األخرى قام
الرؤساء والكهنة والالويون بالطواف في أنحاء البالد في عهد يهوشافاط وأتموا إنجاز برنامج
تعليمي للشعب (1أي ،)9-5 :66وفي زمن عز ار قام الالويون بمعاونته في تفسير الشريعة
(نح ،)66-5 :8ولقد عين مالخي دور الكاهن كمستشار شخصي ،يسعى في طلبه األفراد
يلتمسون اإلرشاد ،ويحتاجون إلى التوجيه في بعض المواقف الخاصة التي تعرض لهم .فقدت
أمر جوهرًيا (والكاهن رسول رب كانت اختباراتهم الشخصية مع الله ،ومعرفتهم بشريعته ًا
الجنود) ،فهو الشخص الكائن في حضرته ،وهو الذي يمكن أن يأتي برسالة منه إليهم .إن اسم
أيضا به (حج:6
(رسول) قد أطلق على الكاهن ألول مرة هنا رغم إن حجي النبي قد وصف ً
63؛ قارن إش ،)69 :11وقد يكون أن اسم مالخي نفسه هو الذي أوحى بهذه الصفة .لقد
صورت رؤيا زكريا الرابعة الكاهن بأن له قدوم إلى حضرة الله ،وبذا كان مؤهالً ألن يكون
رسوالً (زك)5 :3
لكن المؤهل الذي يعطى للخدام لكي يقوموا على أمور شريعة الحق وبالتالي يقدموا دليال على
توقيره لله بالتدقيق الشديد ،والمراعاة الشديدة لمظاهر العبادة الخارجية ،هو أكثر من مجرد
المعرفة العقلية ،رغم إن هذا يتطلب سالمة وكمال وشخصية المعلِم ،فالكاهن المختار من الله
ال يعرف فقط شريعة الله ،وإنما يعيش بمقتضى أحكامها (قارن عز" )61 :5وإثم لم يوجد في
تعبير يدل على مشاركة لصيقة مع الله (مز3 ،1 :67؛
ًا شفتيه" وتحوي األسفار المقدسة
أم65 :61؛ وما يليه؛ ،)1 :68وخاصة في العهد الجديد (مت35 -33 :61؛ لو71 :1؛
يع11 :6؛ " .)61 -3:1سلك معي" في السالم واالستقامة ،بمعنى أنه حافظ على العهد
34
ِ
المقصرين ،ثم تأتي وينتهي (باألمم) فبداي ًة من 61 :1 :6يكون الكالم في مواجهة الكهنة
األمم مباشرًة في عدد 66كنموذج لتقديم المجد لله بينما شعب الله يواجه انتقاد النبي لفشله
في هذا ،فاألمم مثال لمن يكرم الله بينما شعبه يفشلون في ذلك .ويربط مالخي موضوع إكرام
أو عدم إكرام الله بالبركة واللعنة وهما موضوعان أساسيان في سفر التثنية حيث ترتبط البركة
بالطاعة للتوراة وبالتالي ترتبط عدم الطاعة باللعنة (انظر تث6 :1؛ 6 :7؛ 3-6 :1وعلى
األخص 18 -6 :18؛ )19 -67 :31وفي مالخي 1-6 :1توجد إشارة قوية إلى تثنية
66 :33وأيضا هناك بركات موسى لالويين وترتبط بـ" إن لم تسمع" عدد 1انظر تثنية 1 :1؛
)67 :18كما يأخذ من عبارات تثنية من السمع تث 9-1 :1وال يستخدم مالخي هذه
يوميا.
العبارات كمجرد صدفة ،بل يساند فكرته ونقده للخدام ،فحياة الطاعة أمر يجب مراعاته َ
وسواء كان مالخي يجمع بين دور الالوي والكاهن أو يكلم فريقين وليس فريًقا و ً
احدا فإن خروج
19- 17 :31 ،11- 61 :1تث 8-6 :68 9 :65يتكلم عن الكهنوت الالوي وأول كاهن
الوي
آخر عدد " 1بماذا أهنا اسمك" ،فاالسم هو حضور الله في الهيكل (تث 6، 61مل )8وبذا
فإن المعنى هنا قاس ويدل على تهاون في حق إله إسرائيل .لكن هذا اإلله هو إله العدل (:1
جديدا .عمال يذهل شعب الله ،فسيأتي الله
ً 65؛ ،)3 :3وهو على وشك أن يعمل عمالً
باألمم إليه بطريقة ما لكي يسجدوا له ( )66 :6إنه سيجيئ إلى هيكله ( ،)6 :3ويسبق قدومه
المنذر الذي يعد له طريقه ،وهناك سوف يقوم بعمله المزدوج وهو التنقية والدينونة (.)7-1 :3
وفي نهاية األمر فإن كل الذين يقاومون عملية التنقية والتمحيص سيحرقون (.)6 :1
مخافة أم خوف أم رعب
من هنا تأتي أهمية "خوف" -مخافة الله – مهابة الله ،بمعنى مراعاة حقه وتبجيله وتكريمه
وإكرامه وليس الخوف بالمعنى السلبي أي الرعب ،كما أن خلو العالقة بالله من الرعب ال
يعني أال يكون لله الجالل والوقار ،وقد يتضح هذا المعنى في الترجمات اإلنجليزية لقول
أيضا قول
مالخي "اسمي عظيم بين األمم" إذ ترد بمعنى "اسمي مخوف بين األمم" وتشبه ً
سفر األمثال " رأس الحكمة مخافة الرب" – قد يصعب التمييز هنا بين أن يكون لله كل الوقار
والجالل ،وأن يكون لله عالقة وقرب لمن يؤمن به ،فالعالقة والقرب ال يعنيان أن الله يمكن
التعامل معه (كمجرد) صديق يخاطبه صديقه بألفة تنسيه مقام صديقه .إن الصديق األقل
مقاما مثل صديقه ال أن
مكانة لصديق أعلى مكانة تسعده هذه المكانة العالية وتشعره أنه يعلو ً
يهبط بصديقه إلى المكانة األقل .مكانة الله لن تتزعزع من صداقة البشر بل بالعكس هو يسر
35
بأن يعطي مكانته للبشر" أنا قلت إنكم آلهة"(مز1 :81؛ يو )31 :61وإن لم يتنبه البشر
لمكانة الله فلن تتزعزع مكانته أيضا ،لكن اإلنسان يخسر عالقة بمن هو صاحب مكانة حتى
شركته معه قد تتأثر فينسى أن لله القدرة والقوة والتحكم في سير األمور.
وفي نفس الوقت فهذه النصوص تؤكد على محبة البشر ،ففي احترام ومحبة اآلخرين يظهر
مدى إخالص محبة الشخص لله (رو 63؛ غال 7؛ يع 1؛ 6يو .)1
كان من بين واجبات نحميا أن يتأكد من أن الموارد المخصصة لإلنفاق على خدمة الهيكل ال
تتناقص ،كما حدث أثناء غيابه (نح ،)63-61 :63وعندما لم تكن العطايا تقدم لم يكن أمام
الالويين من خيار إال أن يتركوا خدمتهم للعمل في الفالحة إلعاشة أنفسهم .وإذ كان تمويل
اإلمبراطور الفارسي قد بدأ ينضب في وقت مالخي وبالتالي ظهر قصور في دخل الهيكل
وإيجاد حمل أكبر على الشعب ليقدم اإلمداد للهيكل لكل من الكهنة وأنشطة العبادة وصيانة
الهيكل فقد ظهر الميل إلى تقليص المصاريف ومنها كان تراخي االلتزامات الخاصة بتعليمات
وعادة تحفظ في الهيكل.
ً الحيوانات غير المعيبة التي تقدم كذبائح فقد كانت العشور تجمع
ونظر لما ُوجد من تقصيرات فإن مالخي يقدم تحذيراته في 1 :6حيث تبدأ أول مناظرة ًا
لمالخي في اتجاه لكسب موافقة سامعيه قبل البدء في توجيه اتهاماته ضدهم .فأغلبية الكهنة
كان لهم أبناء ،وحيث إن الوصية حقيقة مؤكدة (االبن يكرم أباه) ،فمالخي لن يجد معارضة بل
سيحصل على التأييد الكامل ومن كل القلب في قضيته األولى ،فاالحتكام إلى الوصية
الخامسة وهي وضع متطلبات عهد الله في المقام األول .والعبد يكرم سيده ألنه ملك يمينه
بحق الشراء ،وليس له من خيار سوى الطاعة .وناتج المناظرة هو :سواء اعتبر الكهنة رب
الجنود أباهم أو سيدهم ففي الحالتين لم يكن هناك مهرب من التزاماتهم .إن عالقة اآلب واالبن
القائمة بين الله وإسرائيل هي عالقة ضمنية منذ بداية الخالص بالخروج من مصر .هكذا يقول
الرب "إسرائيل ابني البكر" (خر )11 :1ولهذا فإن األنبياء على التوالي أروا في عقوق إسرائيل
ابنا عاًقا (هو ،)6 :66ويبدأ إشعياء سفره بشكوى
عقوًقا البن ضد أبيه ،فقد رأى هوشع إسرائيل ً
اآلب السماوي ضد أبنائه العصاة (إش .)1 :6ولقد أدرك مالخي مثل بقية من سبقوه من
36
األنبياء أن لب المشكلة اآلن يكمن في العالقة المنقوضة مع الله .فبدالً من المحبة والثقة حلت
كراهية لطبيعة الله ومشيئته .وهذا هو السبب في أن الكهنة فشلوا في إكرام الله بتقديم الذبائح
الشرعية الحسنة.
تنجس االتجاه العقلي لمقدميها ،فالعيوب الشرعية التي ال تجيز
إن نجاسة الذبائح ترجع إلى ُّ
تقديمها هي مجرد ناحية ثانوية فقط "كيف نجسناها؟" ولذلك يأتي هذا العدد في الترجمة ال
متكلما عن
ً منقحة" R S Vبم نجسناك؟" عندما يتكلم اإلسرائيلي عن اسم الله فإنه يكون بذلك
الله ذاته .فإذا كان اسم الله قد احتقر أو تنجس فإن في هذا إهانة لله نفسه .إن العبارة العبرية
"نجسناك" (وتؤيدها الترجمة السريانية والفولجاتا الالتينية) يبدو أنها هي العبارة األصلية ،إال أن
هذه العبارة الخشنة قد آذت أذان اليونان فقرأتها السبعينية وتابعتها في ذلك الالتينية القديمة
"نجسناها"
تتبع تحذيرات مالخي ثالثة اتهامات إلى الكهنة في 61-1 :6وهي:
حيدانهم عن الطريق الصحيح
وإعثارهم لكثيرين
وإفسادهم للعهد.
هم اآلن بال شك مرذولون ،ولقد كان ذم أنبياء القرن الثامن قبل الميالد أقل وطأة و ً
مهذبا
بالمقارنة مع هذا الذي ذكره النبي مالخي عنهم (إش67-66 :6؛ هو61-1 :1؛ عا-1 :1
7؛ 13-16 :7؛ مي.)8-1 :1
37
وهو نفس االتهام الذي ورد في هوشع 1-1 :1وحزقيال 61-61 :11ويرد فيما بين كالم
هؤالء األنبياء عدم صالحية الكهنة ليكونوا كهنة فيما بعد .لكن الجدير بالمالحظة أن الكهنة
يعيدون أخطاء الشعب ويكررونها (مل .)8 :1وفي هوشع 1 :1تفاصيل الحيوان الذي يقدم
كذبيحة وبالتالي فإن كان الكهنة مسئولون فالشعب ليس بال ذنب .وعندما يعلن مالخي العقاب
فإنه يذكر األسباب مرة أخرى في قوله لم تحفظوا طرقي(عدد )9وهنا بالتحديد يأتي خطأ الكهنة
في مجال عدم حفظهم التعليمات وممارستهم المحاباة مما يعني أنهم كانوا ظالمين في أحكامهم
ومتحيزين للغني ضد الفقير (ال .)67 :69ويذكر مالخي إن المجازاة سوف تصيب من ازدروا
ونظر ألنهم قد فضلوا المجد الذاتي،
ًا اسم الله واحتقروه ( ،)1 :6ذلك ألنهم (محتقرون)،
وحاولوا اكتساب الشهرة ،فضالً عن محاباتهم للبعض في الشريعة .فلهذا وجدوا أنفسهم محتقرين
مذلين.
ويختم النبي هذا القسم بإعادة ذكر الخطية المزدوجة لممَثلي الله "أنكم لم تحفظوا طرقي ،بل
حابيتم في الشريعة" .هنا نتيجة طبيعية لفعل خاطئ :عدم حفظ طريق الرب لن يتوقف بل
سيتواصل إلى المحاباة.
38
األسد والفأر
دائما بلقب
نشأت صداقة بين األسد ملك الغابة وفأر صغير .حرص الفأر على مخاطبة األسد ً
"ملك الغابة" .كانت الحيوانات ترى األسد والفأر وهما يقضيان ً
معا أوقاتًا طيبة ،فعندما
وكثير ما كان األسد والفأر ينهمكان في حوارات
ًا يتسامران كانت ضحكاتهما تمأل أجواء الغابة،
عن طبيعة الغابة وكيفية إدارتها .وبينما هما هكذا بين اللهو والجد تعجبت بقية الحيوانات من
إصرار الفأر على معاملة ملك الغابة األسد بوقار وعدم رفع الكلفة ،فسألوا الفأر لقد صار
دائما تحرص على األسد صديقك المقرب فلماذا ال تخاطبه وتقول له يا أسد مباشرًة؟ ولماذا ً
إظهار التوقير لألسد؟ قال الفأر ألن صديقي ليس مجرد كائن عادي؛ إنه ملك الغابة وأنا
دائما بامتيازي أنا الفأر ِ
وثانيا ،هذا يذكرني ً
أتعامل معه هكذا لعدة أسباب فأوال ،هذا يليق بهً .
الصغير وارتباطي بملك الغابة .ولكن السبب األهم هو أن الملك يحبني وأنا أحبه وهو ِ
يقدرني
أنا الفأر فكيف ال ِ
أقدره وال أعطيه حق قدره؟!
39
41
سفر مالخي:
توراة والهوت
التوراة في مالخي
التوراة الكهنوتية المذكورة هنا في مالخي ليست بالضرورة هي نفس التوراة التي وردت في عز ار
تماما للجزء الكبير من خروج إلى تثنية ،ولكن
)61 ،1 :5فتوراة عز ار تضم تعليمات مشابهة ً
توراة الكهنة التي يشير إليها مالخي ِ
يميز فيها بين "التعليمات الكهنوتية وطرق الله" وبين "
"إعثار الكثيرين وعدم حفظ طريق الرب" (.)9 ،8 :1
التوراة مركز الحياة
من المفيد إيضاح الفكرة التي يدور حولها االهتمام الالهوتي المركزي ،وهذا يحتاج إلى جمع
فكرة العهد وما ورد عنه سابًقا وصلته بالتوراة التي بنيت على أساسه:
دنيويا في مقابل ناموس روحاني رغم الرغبة القوية في هذا التقسيم،ً بداي ًة ،لم يكن الناموس
فهذا التقسيم ال تعرفه التوراة إذ تخاطب كل جوانب الحياة وتتناول الجوانب الدنيوية والروحية
ئيسيا للعبادة والحياة ،ويأتي دور الكهنة كمسئولين عن التعليم ،إال أن ولذا ِ
طا ر ً
تمثل التوراة خ ً
معنى التعليم الذي يقصده مالخي يشمل دائرة تتسع لحياة الشعب الروحية والعملية فيعلن
مالخي إرادة الله الصحيحة أن ِ
يعلم الكهنة الشعب كيفية الحياة طبًقا إلرادة الله (مل )5-7 :1
وهنا يمكن القول إن الهوت التوراة إطار أفكار مالخي ومقاصده وأسسه على فكرتين
وهما االلتزام لله بإخالص ،والعالقة معه أكثر من كون العالقة مع الهيكل .ولذا كانت التوراة
تعلن للشعب قبول الله لهم وتعليمهم كيف يعيشون في محبته .وجدير باالهتمام إن التوراة
نفسها رجعت بعد بابل مع رجوع المسبيين وعز ار 1 :5؛ 6 ،61كإنتاج المسبيين بشكل كبير
كما جاء من قبل.
على أن المطالب الملِحة للتوراة تقوم على إخالص الجماعة لله ،فلم يكن القصد من التوراة
مجرد التواجد في الهيكل ،ولذا فإن مطالبها تتعلق بالعالقات المتبادلة بين الناس بنفس درجة
أهمية عالقتهم بالهيكل .فالوفاء في الزواج لحفظ الناموس وإرساء العدل للضعفاء يأخذ نفس
41
قيمة تقديم الذبائح السليمة لله ووفاء األقسام (انظر مثال 61-1 :6؛ 61-63 :1؛ .)7 :3
أيضا إشعياء وميخا وصفنيا وإرميا
وقبل مالخي جاء أنبياء مثل عاموس وهوشع في إسرائيل و ً
أخير حزقيال في يهوذا يؤكدون على أن العالقة بين عدم األمانة ليهوه ،وبالتالي
وحبقوق و ًا
تماما بالعنف المجتمعي والظلم والقهر المنتشر بين الشعب خاص ًة من جانب
للتوراة ارتبطت ً
الحكام واألنبياء (مثال إشعياء16 ،65 ،61 :9 ،17 :7؛ 1 :61؛ إرميا 63-6 :61؛
حزقيال36-11 :11؛ هوشع5 ،61:6عاموس67-66 :7؛ ميخا1-6 :1؛ حبقوق1-6 :1؛
صفنيا)8-6 :3
كان على كل الكهنة األشرار أن يندموا ،وإال فإنهم سوف يكتَسحون من المقدس ،حتى يمكن
ثبات العهد مع الوي.
أمر يجب االلتفات إليه فعندما تكون التقدمة مرضية للرب كما في أيام القدم (:3
إال أن هناك ًا
)1فإن هؤالء الذين صفح عنهم لم يقل عنهم أنهم يستحقون فضالً أو منة خاصة .لقد استحقوا
االستحسان ألنهم من "الذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه" ( .)61 :3وهنا يمكن القول إن
ائدا على األمور التشريعية والطقسية .وعلى ذلك فمالخي
تشديدا ز ً
ً سفر مالخي ال يتضمن
بعيدا كل البعد عن التمسك بحرفية الشريعة ،ذلك ألنه نفذ إلى أعماق كل من
أساسا كان ً
ً
الشريعة واألنبياء .إن دعواه الوحيدة العظمى هي في أهمية العالقة الشخصية مع الله الذي
يدعو الجميع إلى "السير معه" (قارن .)1 :1
42
القانون و (روح) القانون
في مسلسل يعالج قضية (الحقوق) كنظرية وكقيمة تظهر عائلة تتكون من أب وبناته حيث
تدرس إحداهن القانون وتؤمن بحق الفرد في اختيار ما يناسبه كيفما يريد فهو امتياز شخصي.
لكن األب يرى أن حق الفرد يتحرك في إطار حق الجميع .وحدث أن ابنة أخرى من بناته
كانت حامال في طفل ال ترغب في إنجابه .تمسكت دارسة القانون بحق أختها الحامل في
اختيار اإلجهاض وتمسك األب بحق (الجد) و (الخاالت) بل وواجب(األمومة).
قال األب لدارسة الحقوق :أنت تنظرين إلى حمل أختك على أنه (جنين) وأنا أنظر إليه على
أنه (حفيدي) مرت األيام واألم الحامل حيرى بين إحساس أبيها وحقها الذي ساندته أختها.
ويوما بعد يوم بدأت األخوات باالرتباط بالجنين فأصبحن يخاطبنه في بطن األم قائالت
خاالتك أحضرن لك هدية ،خاالتك يردن االطمئنان عليك .الخ .أحبت األم الجنين فصار
ابنها (أو ابنتها) وصارت العائلة كلها تخاطب الوليد ال الجنين .راجعت طالبة الحقوق نفسها إذ
رأت أن ما تحمله أختها يحمل معنى أكثر من مجرد جنين .هو كائن حي يحب وله قيمة.
موجودا
ً إنسانا
ً نجح المسلسل في إرسال رسالة تغير نظرة المشاهدين إلى (الجنين) باعتباره
بالفعل .نجح الجد في تحويل " الصواب والخطأ " إلى قيمة وليس نظرية جافة.
43
44
االتجاه األخالقي عند مالخي
شيئا من قوته
تحرك مالخي بأسلوب متميز في االتجاه األخالقي ولم يفقد على اإلطالق ً
بمضي األيام .فتعليمه من الناحيتين السلبية واإليجابية ينفذ إلى أعماق القلب ،ويستنهض
القلوب التي تأخذ األمور بفتور وال مباالة وهو األمر الذي كانت عليه اليهودية في عصره .هل
يمكن أن يكون السبب في عدم االهتمام بهذا السفر ألنه كان للبشر بمثابة غربلة يجب أن تمر
أيا كان ،فالتخلِي عن أمانة الخدام لعهودهم ال يساويها أية مكاسب يمكن أن يتخيلوا أنها تعود
عليهم من ذلك .بل إن النتيجة المريعة التي يحصل عليها الخدام من كسر عهودهم مع الله
يشرحها مالخي عندما يوضح أنهم بدالً من أن ِ
يرجعوا كثيرين عن طريق اإلثم ،فإنهم أعثروا
الكثيرين بفساد تفسيرهم لكلمة الله.
وثانيا
ً يقول مالخي إن الكهنة أساءوا تمثيل الله ،أوالً :بسيرتهم الردية وحياتهم الفاسدة،
بتعليمهم الخاطئ .والنتيجة المروعة إعثار الكثيرين عن أتباع الطريق القويم ،هذا هو السبب
الذي دعي يسوع إلى إطالق تحذيراته القاسية في متى ،1-7 :68ذلك أن من يحتلون موقع
تعرضا لخطر إساءة توجيه الشعب ،واالنحراف به عن الطريق المستقيم .وهذا ً القيادة هم أكثر
متهكما "ال تكونوا معلِمين كثيرين" (يع )6 :3وتأتي
ً هو السبب الذي دعا يعقوب إلى أن ينصح
في الترجمة اليسوعية " ال يكن عندكم معلِمون كثيرون"
45
بين الكم والكيف
ما الكم والكيف اللذان يحتاج إليهما الخدام حتى يدركوا نصيحة يعقوب بأال يكونوا معلِمين
كثيرين؟
هل يحتاجون إلى التواضع؟ أم إلى إعادة المجد لله؟ أم أنهم يحتاجون إلى الصدق مع النفس
حتى ال ينسبوا ألنفسهم المعرفة وحدهم؟
تعمد حصر التعليم على أنفسهم ليضمنوا الطاعة
ربما يحذرهم من ُّ
أو اعتبار كل مخالفة في الرأي هرطقة؟
أو الوقوف عند نقطة واالكتفاء دون محاولة إضافة الجديد وقد يكون األكثر فائدة.
46
سفر مالخي
أسماء ودالالت
المالك:
كلمة "مالك" تكررت في عدة نصوص ومنها سفر التكوين وسفر الخروج عند دخول الشعب
أيضا اإلعالن لموسى.
ألرض كنعان و ً
قد ال يكون "مالخي أو مالكي" اسم شخص معين ومنهم النبي نفسه" ،فمالك الرب إلهك"
عبارة لها أهميتها في الكتاب المقدس وقد تترجم "مرسل" وهناك مناسبات مهمة عديدة في كال
مهما مثل تكوين 5 :61؛ 65 :16ومعونته
دور ً
العهدين القديم والجديد حيث يذكر من يلعب ًا
لهاجر .وفي الوصف الوارد في خروج 69 :61عند دخول كنعان وفي اإلعالن لموسى في
خروج 1 :3وكذلك أعمال الرسل .31 :5
أحيانا قد يشير استخدام كلمة "مالك" لتفادي الكالم عن الله بطريقة مباشرة حيث كان ِذكر
–و ً
لفظة الله تحمل قداسة ال يصح معها النطق باالسم كيفما اتفق.
إسرائيل:2
7يتعذ ر حصر أصل إسرائيل وسط األمم وهذا شأن معظم الشعوب القديمة ،فقد دخلت إسرائيل التاريخ حوالي 6111ق.م وسبق ذلك
حقبة طويلة من 8إلى 1قرون تكاد تخفى على المؤرخين ،ومع ذلك يوجد ذكر لبعض الحوادث والشخصيات البارزة تناقلت في
التقليد الشفهي وتوفر للمؤرخين كثي ار من المعلومات .ويمكن البحث عن أجداد إسرائيل بين شبه البدو الساميين من رعاة الغنم
المتنقلين .تطور نشأة الشعب مر بعدة محطات منها استقرار اآلباء في فلسطين خالل القرن 68: 69ق.م حيث قدم ابراهيم من أور
ويعقوب من .لم يهتم كاتبو األسفار العبرية بتحديد األزمنة التي تحدد تحرك اآلباء أو الشعب بقدر تركيزهم على االهتمام بإظهار
دور اآلباء كآباء روحيين زمنهم أتي نسل الشعب (تك )65 ،67
47
"إسرائيل" في سفر مالخي ال يشير إلى اسم شخص أو موقع جغرافي لكن إلى معنى الهوتي
فالمقصود به هو" شعب الله"
ويشبه استخدام اسم إسرائيل في سفر مالخي استخدامه في إشعياء وحزقيال فهي لم تعد تشير
إلى أمة أو موقع جغرافي ولكن إلى معنى الهوتي "شعب الله" فيما بين جماعة اليهود العائدة
من السبي ،فالله يتعامل مع اإلنسان ويقيم معه عالقة ،فهو إله ِ
يوصل المبادئ بالحركة والفعل
والخلق ،ولذا فالعهد مازال يرتبط باسم أشخاص من نسل يعقوب الذين عاشوا على التوالي طبًقا
للتراث الديني وعالقته بالعهد مع البشر .ومع أن النسل مازال يحمل أهمية فإنه لم يعد مطلًقا
كما كان في عز ار 61 :9؛ 6 ،1-1 :61ونحميا 31 :61؛ 13 :63مع األخذ في االعتبار
وجود أسفار تنفتح على األمم فهناك سفر يونان الذي يرسله الله بأمر صريح إلى األمم.
أما في العهد الجديد ففي رسالة رومية 66يتكلم الرسول بولس بتوجه يتميز باالنفتاح
واالشتمالية حيث يتناول قصد الله الخالصي لكل البشر ومع ذلك فقد اهتم بولس أن يكون
أيضا إشعياء 1 :19حيث يتكلم عن قصد الله
شعبه ضمن هؤالء المخلصين ( )1-6 :66و ً
أن يصل إلى كل أطراف األرض .ويقرر بولس أنه من خالل معصيتهم جاء الخالص إلى
األمم ( )66 :66يتناول كال من إشعياء وبولس مواقف مختلفة؛ فإشعياء يتمنى أن يشجع أهل
يهوذا ليتعرفوا على مهمتهم بين البابليين .ومن ناحية أخرى يكتب بولس لألمم المسيحيين الذين
يواجهون مصاعب في محاوالتهم لتعديل مواقفهم من اليهود .أما رومية 16-65 :66فإن
القاعدة أن :ليس ألحد أن يفتخر في مواجهة خالص الله.
عيسو ويعقوب
استخدام عيسو لإلشارة ألدوم (مال .)3-1 :6بناء على فهم عيسو كأصل تلك األمة في تكوين
39-36 :31وكانت العالقة األخوية بين أدوم/عيسو ويعقوب مألوفة في سفر عوبديا (انظر
مرت نشأة الشعب بمحطات بعدما استطاعت بعض الجماعات السامية أن تهرب من مصر بقيادة موسى حوالي 6171ق.م.
اضحا ألحداث اختبر فيها الشعب ظروًفا صعبة وتدخل الرب فيها مما اعتبر دليل على مولد األمة
اهتماما و ً
ً ويعطي سفر الخروج
اليهودية ،فقد ترك الشعب مصر في خروج 61-5وبعدها عبر البحر في خروج 67 ،61ثم محطة أخرى وهي جمع موسى لهم
في جبل سيناء وتعليمهم عبادة الرب الذي حررهم ثم دخول فلسطين (خر ) 11 :69وارتحالهم إلى الجنوب في مناطق قليلة السكان
وعلى شكل تنقالت متفرقة واضطرارهم للحروب واعتبرت انتصاراتهم دليال على عمل الرب في وسطهم ثم استيطانهم أرض كنعان ثم
تكوين المملكة ويليها فترة السبي
48
التعليق على العدد )5ولذا فال حاجة لعقد اتفاقيات .وهذا يضاف إلى صدمة وخزي العنف
الذي مورس ضد جار وقريب تربطه ربط القرابة التقليدية
الحب والكراهية ال يجب أن تؤخذ بالمعنى المعاصر ،بل هي تعني اتجاه الله نحو كل من
أدوم وإسرائيل (تك 35؛ عد1؛ تث 11؛ قض )61وربما أن هذا النص وغيره من النصوص
التي تتناول عالقة المحبة سواء بين الله والبشر أو بين البشر وبعضهم قد دفع العديد من
الشراح لمحاولة فهم معنى محبة الله :فبعض ُّ
الشراح يحاولون فهم معنى "محبة الله" في العهد
القديم من خالل مستويين يتضمنهما تراث العهد القديم:
المستوى األول :يبرز " محبة يهوه" إلسرائيل كموضوع مهم في التراث ،ويربط هوشع :3
6؛6 :66؛ مع إرميا 3 :36وتثنية 7 :13 ،67 :61 ،63-61 ،8 :5والكلمة العبرية الحب،
) )ahabمع كلمة الله كفاعل تأتي في أماكن أخرى (مثال إشعياء 8 :16؛ )13:1ويمكن
فهم مالخي 1 :6بهذا المعنى.
والمستوى الثاني :يطلب من شعب الله أن يظهروا محبتهم لله ،ففي مجموعة أخرى من
األسفار تتكلم عن محبة الله بمعنى baharوهو معنى مختلف وذلك في سياق موضوعات
مثل "صهيون" و"داود" حيث ترد كلمة "اختار" لتوضح أهمية خاصة (مثل مزمور -18 :-58
51؛ 1 :85؛ 63 :631؛ 1صم16 :1؛ تث7 :61؛ الخ)
وهناك اختالف مهم بين القسمين؛ فبينما يركز المستوى األول على محبة الله-ففي المستوى
الثاني يطلب أن شعب الله يظهر من جانبه دليل محبته لله (تث )7 :1ونوعا الحب
يستخدمان كثي ار بالتساوي .ففي المستوى األول يظهر الله أمانته ألقسامه وعهده ووعوده
49
(تث8 :5؛ مز1 :89؛ )66-8 :617ولكن الثاني يفهم الحب على أنه "والء" ))hesed
(انظر مثال هوشع 5 :1؛ إر )3-1 :1وهناك تواز في المعنى ملفت لالنتباه بالنسبة للنقطة
آلب ِائك ْم" حيث يأتي ِ ِ ِِ
األخيرة وخاصة في تثنية على سبيل المثال َ " 8 :5وحْفظه اْلَق َس َم الذي أَْق َس َم َ
نفس التعبير في وثيقة آسرحدون مع تابعيه (حوالي القرن 5ق.م) والتي تعيد تكرار طلبات
والمالحظة أن العبارة الفعلية في المعاهدة هي الوالء التام والمطلق من التابعين للسيد.
"المحبة" (انظر )8 ANET,731-16وهنا قد تبدو أن المحبة في مالخي ) ‘ahab( 1 :6
تحمل خاصية االختيار .يشرح عاموس 1 :3نفس الفكرة بقوله "إياكم فقط عرفت من جميع
قبائل األرض" وبذا يعني الحب أن الله قد اختار يعقوب ليخدم مقاصد الله .وبالتبعية تأتي
كلمة يبغض في عدد )sana’( 3أن عيسو كان "عديم الفائدة" بالنظر لخدمة مقاصد الله.
وربما تتضح نوايا عيسو في مواقفه فعندما أخذ يعقوب البركة من أبيه اسحق كان عيسو قد
أبدى استخفافه بكال من البركة والبكورية ،فهو طلب من يعقوب أن يعطيه (من ذلك األحمر-
أي العدس) مقابل البكورية وهو قالها صراحة أنا ماض إلى الموت ،لكن يعقوب كان يحمل
حماسة لالقتراب من الله وخدمته لكنه كان يحتاج أن يتعامل معه الله لتصحيح توجهه في
أمور كثيرة ،فيعقوب – قبل أن يصير إسرائيل-كان ابن بيئته وثقافته وتصرفاته هي تصرفات
جرت عليها القبائل والعشائر وفرضتها األعراف والعادات الجارية.
أساسيا في الكثير من أسفار العهد القديم. موضوعا وعلى كل فمحبة يهوه إلسرائيل ت ِ
مثل
ً ً ً
تقع أدوم في جنوب وشرق البحر الميت ولها تراث مشترك بين اإلسرائيليين .وكما كانت
المؤسسين التقليديين لألمتين هكذا كانت أدوم ترى في
َ العالقة ملتبسة بين يعقوب وعيسو
أوقات كصديق وحليف (تث1-1 :1؛ 1مل )9 :3وفي مناسبات أخرى كانت العدو اللدود
(عد16-61 :11؛ عا .)67-66 :6وفي أثناء حقبة اإلمبراطورية األشورية الجديدة
واإلمبراطورية البابلية الجديدة ( )781-531كانت أدوم دولة تابعة .وفي الغالب األعم ترجع
شكوى عوبديا من أدوم لمشاركتها في الدمار األخير ألورشليم وسبي شعبها على يد نبوخذ
نصر ملك بابل في 781-785ق.م .لكن السجالت ليست واضحة بخصوص الدور المحدد
الذي لعبته أدوم .ربما أن وجود حلف بين أدوم وبابل هو سبب عدم ذكر كل من عوبديا
ومالخي ألفعال أدوم بالتفصيل في حق إسرائيل ،فقد كانت األمم عندما تخرج للحرب في
الشرق األدنى القديم ،كانت تدعو كل أطراف العهد والدول التابعة إلرسال قوات وإمدادات
لتضافر الجهود .أي أن المطلوب من أدوم وارد قبال في اتفاقيات الحلف.
8
Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old Testament, ed. J.B. Pritchard. 3rd. ed. (Princeton
)University Press, 1969
51
لم يظهر أن أدوم تمردت على الحاكم البابلي في القرن 1ق.م .لكن يبدو أن اإلقليم قد هوجم
على يد الملك البابلي نبونيداس .أما عوبديا وإرميا 19وحزقيال 17فيشيرون إلى دمارها ،أما
مالخي فيفيد أن األدوميين لم يهجروا المنطقة .القليل يعرف عن مصير أدوم في القرن
الخامس ق .م .وتميزت المنطقة بنشاط تجاري اقتصادي مع دول الساحل وشرقي المتوسط.
وقد غ از النبطيون المنطقة في نهاية القرن الثالث ق.م .وهم من الصحراء العربية.
امتحان للشعب
تذكر أسفار العهد القديم تفاصيل عالقة األخوة عيسو ويعقوب والتي لم تكن جيدة بل يمكن
أيضا المعاملة الخشنة التي عومل بها
القول إنها كانت سيئة على األغلب .وتذكر األسفار ً
األدوميون على يد داود في 1صموئيل 61-61 :8وأمصيا (1مل )8 :61والنبوات في
إشعياء 65-7 :31وعوبديا ونصوص أخرى (إش :13وإر )19واعتبر اليهود أن دمار أدوم
على يد النبطيين يعني عدم تفضيل الله ألدوم (عدد .)3
في الوقت الذي كتب فيه مالخي سفره ،كانت أورشليم قد تم استردادها وتم بناء الهيكل منذ ما
يقرب من ستين أو سبعين سنة (انظر المقدمة) وفي غضون ذلك جاء النبطيون وهم جماعة
من الغزاة الصحراويين (6مكابيين )17 :7ونهبوا إقليم أدوم ،وأرغموا السكان على االلتجاء إلى
النقب ،إلى الجنوب من إقليم يهوذا .وهم لم يعودوا إلى أرضهم وظلوا في فلسطين وعاصمتهم
حبرون.
ويفهم من اإلصحاح الثالث عدد 3أن أدوم لم يساعد اليهود أثناء حصار أورشليم عندما
حاصرتها بابل 781باإلضافة شارك في خراب المدينة وفرحوا بسقوطها (م ار 1مز )635
رمز للخيانة والشر والسلب (عو
فزادت الم اررة بينهما (عا )6ولذا فقد صارت أدوم بعد السبي ًا
.)16 :6
لذا رأى اليهود أن سيطرتهم على آدوم داللة على تفضيل الله لهم ونظر اليهود إلى األدوميين
مقياسا لمحبة الله لهم ،ولم
ً محددا وهو كونه
ً دور
هامشيا وجد فقط لكي يؤدي ًا
ً شعبا
باعتبارهم ً
ال وهم قد أساءوا فهم معنى شعب الله المختار وربما الوحيد الذي اختاره الله مما خلق داخلهم
شعور بالتفوق على كل الشعوب.
ًا
لم تذكر تفاصيل تعديات أدوم كامل ًة في األسفار الكتابية ولكن عوبديا لخص أفعالها في
تعديهم على القواعد غير المكتوبة التي تنظم العالقة اإلنسانية (عا )1-6ولذا يتكلم عوبديا
مشئوما إذ ستتعرض للحرب وتصبح بعدها صغيرة ومحتقرة بين
ً خبر
موجها ًا
ً على لسان الرب
الشعوب إذ أن" تكبر قلبك قد خدعك أيها الساكن في محاجئ الصخر رفعة مقعده القائل في
قلبه من يحدرني إلى األرض إن كنت ترتفع كالنسر وان كان عشك موضوعا بين النجوم فمن
51
هناك أحدرك يقول الرب" (عو . )7-1 :6كل هذا سيأتي عليها "من أجل ظلمه ليعقوب"
فيرتاع أبطالك يا تيمان لكي ينقرض كل واحد من جبل عيسو بالقتال من أجل ظلمك ألخيك
يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى األبد .يوم وقفت مقابله يوم سبت األعاجم قدرته ودخلت
الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على اورشليم كنت أنت أيضا كواحد منهم( .عو )66-9 :6ثم ِ
يحذر
الرب أدوم أال يشمت بأخيه .وال يقف ضد أخيه عندما يدخل أخاه إلى الضيق والبلية
(أعداد )61-61وأن يمتنع عن تقديم المساعدة ألعداء أخيه .ومن هنا يأتي السؤال الوارد في
مالخي )7-3 :6بم أحببتنا كإشارة إلى تغاضي الله عن خطر الهجوم المحتمل الذي قد تشنه
أدوم الستعادة قوتها.
األمم
ينتقل مالخي إلى األمم بعد أن تناول القضية األساسية لسفره ،وهي كيفية معالجة القضايا
والمشاكل لإلبقاء على جذوة اإليمان حي ًة في إسرائيل فلم تكن دينونة األمم جزًءا من رسالته
النبوية ( )6 :6لكن مالخي ابن العهد يعلم أن سلطان الله يمتد إلى أبعد من حدود إس ارئيل
( )7 :6وأن كالمه عن األمم أمر يفرض نفسه ألن األمم ببساطة هم خليقة الله التي ال
يستثنيها من مقاصده وتعامالته .فاألمم أو الشعوب هم واقع موجود لم يظهر صدف ًة أو نتيجة
شهودا على تدخل الله ،ألنهم وببساطة
ً خلل في حسابات الشعب .ولذا فإن كل األمم سيكونون
أيضا هم بالفعل أروا تدخالته ولمسوا تأثيرها فهم ال يعيشون في عالم منفصل عن األحداث،
ً
فبالتالي هم معترفون به ومقدمون له الهيبة والسجود (61 :6؛ .)61 :3بل إنهم سيقدمون إليه
تقدمات طاهرة ،تفوق التقدمات الالوية والتي لم يسبق على اإلطالق وصفها بالطهارةَ " .
ال
يم ِ أَْقبل تَْقِدم ًة ِمن يِدكم ِ . . .في ك ِل م َكان يَقرب الس ِمي بخور وتَْقِدم ٌة َ ِ
اهرةٌ ،ألَن ِ
اسمي َعظ ٌ
ْ ط َ َ ٌ َ َ ْ َ َ ْ َ َ
ود.أَما أ َْنت ْم َفم َن ِجسوه ،)61-9 :6( ،لكن وحيه سيكون في نفس الوقت َب ْي َن األممَِ ،قال ر ُّب اْلجن ِ
َ َ َ
دافعا إلسرائيل ألن يكونوا أمناء على العهد وصادقين في الحفاظ عليه حتى ال يصل بهم ً
التاريخ إلى الخراب الذي يحل بهم بدالً من البركة .وهناك روايات كثيرة في القديم ِ
تذكر الشعب
بأن إله إسرائيل هو إله البشرية كلها (تك 61خر 1 68مل 7مز )11وفي ضوء هذا تق أر
أيضا عاموس وإشعيا وإرميا الذين حاولوا تصحيح هذه النظرة (عا 6؛ إش 61؛إر مالخي و ً
أيضا
)17فأرادوا أن خاطبوا البشرية جمعاء وإن لم ينكروا العالقة الخاصة بين الله وإسرائيل و ً
أيضا أناشيد عبد الرب إش .)11فحصرية إسرائيل
اعتبروها ذات مسئولية خاصة (عا 3و ً
كانت واضحة في سفري عز ار 61 :9؛ 1 -1 :61ونحميا31 :61؛ ،13 :63بخصوص
الزواج بأجنبيات ،ولكنها لم تكن حصرية نهائية تشمل كل العصور والظروف ،ففي
نور لألمم إلى
إشعياء1-6 :11؛ 1 :19؛ 8-6 :71حيث يضم الغريب ويرسل الله إسرائيل ًا
52
أيضا سفر
أن ينتهي إلى كل الشعوب "بيتي بيت الصالة يدعى لكل الشعوب" (إش )71 :5و ً
شعبا ذو خصوصية وحصرية ،وفي الشتات
يونان أمثلة لمعنى شامل إلسرائيل أكثر من كونهم ً
صارت اليهودية إرسالية
النظرة إلى األمم أثناء السبي
53
يوم الرب
54
األشرار ويأتي "بالعالم اآلتي" أو الجديد ،الخالي من الشر ويعلن حكم الله البار وهو ما كان
اليهود يطلقون عليه "الدهر اآلتي"( .ولذا فالخلط بين الفكر اإلسخاتولوجي والفكر الرؤيوي
يدعو بعض الوعاظ إلى المناداة بأن "العالم سيصير إلى أردأ" ال رجاء حاضر)
55
حي بن يقظان
يروي ابن طفيل قصة مأخوذة عن ابن سينا بطلها اسمه حي بن يقظان (إشارة إلى ُّ
تيقظ
وجدانه وذهنه) والتي تلخص تجربة صبي وجد في غابة ليس بها بشر وأرضعته غزالة وعندما
توفت بدأ يحاول إصالح السبب الذي أدى إلى وفاتها فقام بفتح جوفها ليحدد مكان العطب
عطبا تسبب في وفاتها فكر أن للغزالة صانع فبدأ يبحث عن صانع الغزالة بل
ً ولما لم يجد
وصانع كل الموجودات التي حوله وإذ به يستنتج وجود خالق صالح ومحب لكل ما حوله وبدأ
الشاب يتعامل مع ما حوله باعتباره وكيال عن الخالق بالعناية بالخلق.
يسوع يبتسم
انتهى عرض شريط الفيديو المتَرجم عن اإلنجليزية الذي يتناول حياة يسوع المسيح وسأل
مدرسة مدارس األحد قائلين :يسوع كان يضحك وهو جالس مع األطفال وأيضا كان الصغار ِ
يبتسم وهو في العرس وعندما كان يخاطب الناس ،فلماذا ال يضحك في الصور وشرائط الفيديو
التي رأيناها قبال؟
لقد أحببناه أكثر عندما رأيناه يضحك !!!
56
سفر مالخي
شعب وشعوب
شعب مختار وشعوب تعود
توجه مالخي إلى شعب الرب – شعب العهد إذ يقول وحي كلمة الرب إلى إسرائيل ( )6:6إال
أن من مميزات حديث مالخي أنه ال يقوم على األفضلية واالستحقاق ،بمعنى أن مالخي ال
امتياز للشعب لمجرد أنه إسرائيل (الشعب) ،بل ألنه إسرائيل (العهد) .وهنا تدخلًا يعطي
الشعوب ضمن محبة ورعاية الله ،فهو هنا يتعامل طبًقا "للبوريط" (أي العهد في العبرية) -
العهد مع نوح – الذي يقطعه الله مع نوح كعهد نعمة ال مشروط ،أبدي ،وعالمي أي لكل
الكون ولكل الخليقة ،لكل األرض ،ولكل الشعوب .لكن يبدو أن شعب إسرائيل نسي قول الرب
ض ِه .
في تثنية " 5 :13الَ تَ ْكره أَدو ِميًّا ألَنه أَخوك .الَ تَ ْكره ِمص ِريًّا ألَنك ك ْنت ن ِزيالً ِفي أَر ِ
ْ َ َ َ َْ ْ َ َْ
اعة الر ِب" .لذا يتناول مالخي ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين يوَلدو َن َله ْم في اْل ِجيل الثالث َي ْدخلو َن م ْنه ْم في َج َم َ
األ َْوالَد الذ َ
موقف الشعوب األخرى من تعامالت الله معها في مالخي " 66 :6ألنه من مشرق الشمس
إلى مغربها اسمي عظيم بين األمم وفي كل مكان يقرب السمي بخور وتقدمة طاهرة ألن
اسمي عظيم بين األمم قال رب الجنود" فبعد أن كان الرب يكلم الشعب هو اآلن يتكلم عن
الشعب ،واألسلوب هنا مهيب وبه عبارات تراثية عميقة " رب الجنود" (6صم ،1 :1خر :69
7؛ 6بط" :)9 :1أنتم أيها المتقون اسمي" (قارن )61 :3أي أولئك الذين تابوا ويتوقون إلى أن
سببا في إحداث التنور المتقد
يروا قضيته تنتصر وحقه يسود .ولهؤالء فإن الشمس التي كانت ً
(اآلية )6سوف تصبح "شمس البر" ،جالب ًة معها الصحة والشفاء ألولئك الذين يجنون البر
(إش ،)69-68 :75قد يظن البعض أن "المتقون اسمه" هنا هو الشعب المختار ،لكن السياق
هنا قد يعنى العكس ،فهو يشهد أن "المتقين اسمه في كل مكان" وليس الشعب المختار فقط،
بل وحتى إن لم يتقيه الشعب المختار ،فسوف يرجع الغرباء إلى الله فيطفرون ويقفزون مثل
العجول المنطلقة من معالفها إلى ضوء الشمس فرحين مبتهجين غاية االبتهاج بانتصار الحق.
وكما يشفق اإلنسان على ابنه الذي يخدمه فإن عبارة "في اليوم" تقترب من نبوءة اسخاتولوجية
كتشجيع للقارئ (انظر إشعياء 11 :61؛61،66 :66؛ 61 :69وكتابات أخرى مثل عاموس
أيضا يمكن
ويوئيل وزكريا حيث ترد كلمات تشجيع ألعمال الله الخالصية في إسرائيل ويهوذا و ً
توجيهها ألمم أخرى كمثال أشور ومصر (إش.)63 ،61 :15 ،68 ،65-61 :69
57
ويقدم و .نيل W. Neilرًأيا مماثالً يعد اعت ارًفا مذهالً هذه األيام حين يقول بأن العبادة التي
تقدم في إخالص ويقين حقيقي إنما هي في الواقع مقدمة إلى الله الواحد الحقيقي (قارن
أعمال .)37 :61واآلن فإذا كان هذا هو التفسير الحقيقي لكلمات مالخي ،فهل هو من كتاب
األسفار المقدسة الذي يرى أن التقدمات مقدمة إلى الله الواحد الحقيقي" .من مشرق الشمس
إلى مغربها" وهي عبارة شاملة ال يساويها شيء في اشتمالها ومجالها؟ هذا األسلوب المميز
موجود مرتين في المزامير (6 :71؛ ،)3 :663ومرتين في إشعياء (1 :17؛ ،)69 :79
لينقل أو ِ
يبلغ عالمية حكم الله وسلطانه ،واقتراب كشفه عن ذاته لألمم كالخالق ،والملك،
والفادي .وكما الحظ ث .تشاري ،فإن هذا يتوجه بنص مالخي إلى المستقبل .وما كان للنبي
أن يستخدم مثل هذا التعبير لو كانت في ذهنه عبادة يهود الشتات أو الدخالء (المهتدين من
األمم إلى اليهودية) ،ذلك ألنه من الصعوبة بمكان القول إنهم كانوا مشتتين في جميع أنحاء
األرض ،حتى مع األخذ في االعتبار الرقعة الجغرافية المحدودة للعالم المعروف في ذلك
العصر.
لكن مالخي لم يترك نفسه لمشاعره فهو قد الحظ المعايير األخالقية لجيران إسرائيل (مال:6
7-6؛ ،)66 :1بل هو يتوقع وينتظر أن يرى اسم الله مكرًما بين األمم ،وأنهم سيأتون إلى
معرفة الله .ولم تكن هذه فكرة جديدة ذلك أن إشعياء قد سبق وأنبأ بمثل هذا التحول .مع األخذ
التوسع في هذه الفكرة أو أخذها بال احتراس ،فالقصد الرئيسي أن يخجل
ُّ في االعتبار عدم
الشعب من إهماله إللهه لكن األمر ال يخلو من أمانة بقية الشعوب .ولعل قصة الركابيين
تظهر مرة أخرى هنا ،فمن دخل العهد مع الله وتدرج في النمو معه ال بد أن يقول "أبونا قال
لنا" فالجماعة التي ترتبط بالعهد ال بد أن تسعى للسير بمقتضاه.
أكد تعليم الرسل على أال يغلقوا الباب أمام الشعوب األخرى (أع 67 ، 63 ، 61غال )1وهنا
كان لالضطهاد والضغوط التي واجهتها المسيحية المبكرة أثرها مع أن المسيحية تعرضت
58
للخطر سواء كجماعة أو أفراد ( 6بط 6؛ رؤ )1وخشية عدم األمانة للرب (رو 61؛ 6بط 1
؛ 1تي )1مما عمل على ظهور توجه عدم ثقة نحو غير المسيحيين ،وعندما اعتنقت
رسميا للدولة 396تم حظر أيً دينا
اإلمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية وصارت ً
ممارسات طقسية وثنية ،ثم فيما بعد ظهرت دعوى أن ال خالص خارج الكنيسة ،وهذا مالم
يقصده يوحنا بقوله إن يسوع هو الطريق والحق والحياة في 1 :61
59
شخصيا وأريد أن
ً وها أنا آت إليكم ألكلمكم عن اللوجوس الحقيقي ،ألني أعرفه ،بل تقابلت معه
أقدمه لكم (أع .)36 – 11 :65اللوجوس الذي يعلِم فالسفتكم بأنه بعيد كل البعد عن البشر
إنسانا مثلنا" :والكلمة
ً ويختلف عنهم االختالف كله ،قد جاء إلى أرضنا وسكن بيننا ،بل صار
جسدا " .ويقول د .يوحنا الخضري " :وهنا يدخل يوحنا فكرة جديدة على المفهوم اليوناني
صار ً
جسدا .وهذا األمر -
جسدا" ،عقل الله " ،الله نفسه صار ً الخاص "باللوجوس" فاللوجوس صار ً
9
أمر غر ًيبا بل مستحيال بالنسبة لليونان".
جسدا -كان ًا
أي أن اللوجوس يصير ً
عقاب األشرار
ِ
المتكبرين وفاعلي الشر في يوم الدينونة سيكون عكس يوم تطهير "كل أوالد الوي" في عقاب
.3-1 :3لكن في تلك اللحظة ( )6 :1يتكلم مالخي عن يوم دمار ويكون األشرار كالقش
وسيحرقهم يوم الرب كما في عاموس 11-68 :7؛ 6كورونثوس 67-63 :3وقد يكون يوم
وجها لوجه وهو أي الله النار الحارقة
شرحا للوقت الذي يقابل الله اإلنسان والعالم ً
الرب هنا ً
التي تهلك وتفني (خر65 :11؛ مز13 :71؛ تث11 :؛ هو )19 :61ويتكلم تثنية -13 :1
11و 61 :1 ،9 :7عن غيرة الرب وقوته لدمار الذين يهددون إسرائيل (تث )3 :9أو
الشعب الذي يرفض ناموس رب الجنود (إش )17-11 :7وهذا يقارن ببحيرة النار في رؤيا:1
.67- 66كما يتكلم إشعياء عن مجد الرب كنار وقد يكون هناك ارتباط مع الهيكل والمذبح.
61
غريبا
الغريب الذي ظل ً
قرية صغيرة يعيش سكانها بروح العائلة الواحدة ويربطها الحب واالحترام والقيم والعادات التي
أيضا في وقت االختالف. تميزها والتي ت ِ
قوي ترابطهم في السراء والضراء وفي وقت االتفاق و ً
يوما طبيب من عاصمة البلد ليعيش وسط أهل القرية بغرض القيام بعمل حضر إلى القرية ً
خيري إذ شعر أن عنده ما يكفيه من المال ،وبالتالي قرر أن ِ
يكرس وقته وجهده لخدمة أهل
القرية فأسس عيادة وساعد األهالي في إصالح األراضي وتشغيل العاطلين .هذا هو التوجه
تماما وهو الفوز بقلب فتاة كانت قد
المعلن للطبيب ،لكن الواقع أنه جاء إلى القرية لهدف آخر ً
مؤخر لتعيش مع جدتها بعد أن مرت بتجربة عاطفية سيئة جعلتها
ًا وصلت القرية من العاصمة
تقرر ترك الحياة في العاصمة .وكان ذلك الطبيب هو الطرف اآلخر لتجربتها السيئة وال ِ
تخلى
عنها في وقت ما واآلن يشعر أنه نادم على ما فعل.
كان الطبيب ينتقد أحوال القرية وعاداتها وطرق عيشها وحاول بطرق خفية تغييرها .أضف إلى
بعضا منهم كان
هذا أن أهل القرية عرفوا أنه جاء خلف فتاته لكنهم لم يتدخلوا في األمر ،لكن ً
يشعر بعدم راحة تجاهه.
تعرضت حياة أهل القرية لبعض من الظروف واألحداث لكن الطبيب لم يكن يهتم أن يشارك
فعليا.
كواحد من أهل القرية ً
إلى أن حدث أن فتاته ارتبطت بشاب من أهل القرية وقر ار الزواج فإذ بالطبيب يحتال على
ليفرق بينه وبين الفتاة .اكتشف أهل القرية الخدعة.
الشاب ويوقعه في خدعة ِ
معاتبا وقائال :ال أعاتبك ألنك أخطأت ،فليس هناك من ال يخطئ ولكني
ً ذهب إليه كبير القرية
أعاتبك ألنك لم تستطع أن تكون و ً
احدا منا فأنت في داخل نفسك ال تشعر بالفعل أنك واحد
منا ،فنحن نضع قيمة للعالقة التي تربطنا في المقام األول ،لكنك أنت اعتقدت أن أعمال الخير
تغني عن الحفاظ على العالقة وتعطيك الحق في تغيير نمط حياتنا.
واآلن ،أنا ال أطلب منك أن ترحل عن قريتنا ،لكني أريد أن تراجع نفسك وتقرر فيما إذا كنت
تود البقاء كفرد منا أم ستقرر الرحيل إن شعرت أنك غريب ال تستطيع أن تندمج معنا.
ترى ماذا كانت نظرة الطبيب لنفسه؟ وماذا كانت نظرة أهل القرية له بعد حدوث هذا الموقف؟
61
62
سفر مالخي
قيم وأخالقيات
القيم في األسرة
قيمة الحياة األسرية عند مالخي (مل )61-61 :1في مزمور 53وإشعياء79
كبير للنساء أكثر من أي
اهتماما ًا
ً وصف الطالق بالخسة – وكل من العهد القديم والجديد يو ِجه
أدبيات مجاورة في الدول المجاورة ،ولذا فإن مالخي ال يتكلم عن الزواج كمجرد قضية
اجتماعية ،وحتى يمكن فهم هذه العالقة فإن مقارنتها بعالقة الزواج عند الشعوب المحيطة
آنذاك الذي كان هدفه مجرد حفظ أنساب بشكل ِقبلي أي يستند على أعراف القبائل وعاداتها
انعكاسا لعالقة بين الله والشعب وتتميز بكل صفات
ً البد تحدث فارًقا ،فهي عند شعب الله
العهد من أمانة و تع ُّهد بين أطراف الزواج بعضهم ببعض وبين الشعب والله ،فهي ليست
امتدادا ِعرق ًيا فهي عند شعب الله لها معنى أعمق وهو أن ليس للبعدين الروحاني واألخالقي
ً
ِ
وتتعزز وتأخذ معا فيتبارك االجتماعي بالعهد
أن يلغي أحدهما اآلخر ،بل أن يتواصال ويرتبطا ً
قدير وجليال ،فالعالقة في الزواج بمثابة شهادة ت ِ
عبر عن وجهة نظر سامية نحو الحياة عدا ًا
ب ً
األسرية ،وعلى هذا فإن العالقات األسرية يجب أن ِ
تجسم المحبة والوالء ،وتجعل مضمون
مفهوما للبشر.
ً العهد اإللهي
موقع التوراة في حياة الجماعة ومسئولية الكهنة في تعليم الشعب وإعطائه المشورة:
التمرد على
"ال تغدر بامرأة شبابك" يعتبر أكثر من مجرد تشجيع على األمانة ،فهو تحذير من ُّ
العهد .ويبدأ سفر مالخي من 61-61 :1في تناول األمانة مع الله والبشر وهو يربط -6 :1
أيضا عن الطالق .ويتغير ِ
9مع ـ 61-63 :1حيث يشكو من نتيجة عدم األمانة ويعلم ً
األسلوب في 61 :1فالرسول يخاطب أهل بلده مباشرًة بما فيهم شخصه هو " أليس لنا أب
63
واحد" (إلهنا خالقنا) وهي صرخة للوحدة والوالء لتراث اآلباء ،واالنتماء إلى أب يمارس األبوة
الحقيقية بال أية شائبة ،هو محب كلي المحبة ،معلِم يجيد التعليم والتربية ،معتن كلي العناية
والرعاية بسرور وبترحاب ،وكل ما يمكن أن يقال عن أبوة الله ال يكفي لوصفها ،فلو أن
الشعب أخذ موضوع تراث أباءهم بجدية فالبد أنهم يدينون بالوالء بعضهم لبعض ولمعتقدهم،
على أن مالخي لم يكن يعاني من عقدة الحنين للماضي أي أنه لم يقع في ورطة تمجيد
الماضي والبكاء على الحاضر فهو في الحال يتذكر "غدر يهوذا " ( )61 :1و يبدأ من عنده
ليوضح ما تضمنته األمور الدينية التي تخلى عنها الكهنة والشعب نتيجة لعدم األمانة للعهد.
لكن عندما يتناول مالخي موضوع الزواج بأجنبيات كدليل على خيانة العهد ويضيف لعن ًة
كعقاب على هذه الممارسة فالبد أن يأخذ القارئ في االعتبار أسلوب حياة المسبيين وسط
غرباء ،والضغط الواقع عليهم ،أي أن مالخي ال يقصد أن (أية زوجة غريبة) هي التي تجلب
اللعنة ولكن التي قادت يهوذا إلى الزيغان "وخدمة آلهة غريبة" (تث 66-1 :63؛ 61 :36مما
نتج عن هذا عقاب يهوذا (إر 69 :7؛ 69 :8تث 69-61 :36؛ 1مل .)5 :65
64
فإلى أي مدى يدعو خدام جماعة الرب إلدراك أن (األسرة) قدس للرب في عالقتها بعضها
ببعض وعالقتها بالمجتمع خارجها؟
وكيف تمارس األسرة الصغيرة تربية األوالد في مخافة الرب؟
وكم من الدعوات التي تؤدي إلى تفسير (طلب ملكوت الله أوال) إلهمال العالقات بين األسرة
الصغيرة والعائلة الممتدة؟ إن فاقد الشيء ال يعطيه.
الطالق( :إله إسرائيل )61 :1اسم استخدمه مالخي هنا فقط ،وهو استخدام مناسب للموضوع
الذي يتناوله النبي لتعلقه بمستقبل الشعب المختار .النبي يرى أن الطالق يشبه أن يغطي أحد
ثوبه بالظلم .وهو تعبير مجازي لجميع أنواع المظالم الصارخة ،والتي ِ
تمثل سفك دم الذبيحة
منظر للجميع ،أما الترجمة األورشليمية فإنها تجعل الجملة األخيرة من ًا (الضحية) ،وتركها
وحك ْم لَِئال تَ ْغدروا" لهذا احترم حياتك الخاصة ،وال تخل
العدد 61ذات معنى فائقَ" :فاح َذروا لِر ِ
ْ
بمثل هذا العهد ،فالمقدس يشمل كل ما يخص الله وعهد به إلى الشعب خاصة الكهنة.
وهنا مفارقة في توجه مالخي العام ،فهل هو يقبل عمل الله خارج التراث اإلسرائيلي ()66 :6
وفي نفس الوقت يمنع الزواج خارج الجماعة؟ بداي ًة هذا ال يعني أن من هم من خارج ال يعمل
معهم الله وهم بدورهم يستجيبون ،فمالخي يشير إلى أخالقيات(العهد) التي تقوم عليها سالمة
الجماعة فهو ال يتكلم عن عالقة اجتماعية مطلًقا – الموضوع أعمق من ذلك ،وهذا توازن
ممتاز قد يغيب عن مجتمع يميل إلى تغليب أي من نقطتين ال ثالث لهما.
الطالق مكرهة
الطالق أعتبر رخص ًة للزواج (تث 11؛ مت )7وهي نظرة تؤخذ في االعتبار في سياق الشرق
األوسط حيث التطور األخالقي والالهوتي الذي حدث أثناء سبي بابل وعاش الشعب طبًقا له
في أورشليم ويهوذا بعد عودتهم حوالي عام .738ومالخي ينظر نظرة عالمية 66 :6ولذا
تركز على الطهارة واالنعزال لحفظ نقاء ِ
العرق كما فإن معالجته لقضية الطالق 61-63 :1ال ِ
في عز ار ونحميا بل هي متطلبات ناتجة عن مواجهة ضغط عقائدي واجهته الجماعة في بابل.
اقعيا ألتفه األسباب ال يتفق مع فكرة العهد ويشير إلى معاملة غير إنسانية
إن الطالق و ً
وممارسة مهينة.
أما العهد ف ِ
يمثل عمق الرابطة بين الله والشعب ،فالعهد يشمل حياة الجماعة وتترجمه في كل
ممارساتها فليست القضية قضية تراث كما أنها ليست قضية ( عهد) تمت كتابته على ورقة
تلزم كل طرف بالتزام معين بل إنه (عهد حي) يغمر حياة الجماعة بكل تفاصيلها ويستوعب
تفاصيل حياتها من صغيرها لكبيرها ليس بمقتضى (التزام) يجب إيفاؤه ولكن بمقتضى (تغلغل)
65
العهد واشتماله للجماعة و ما للجماعة ،فالجماعة مغمورة في العهد بل هي والعهد ال ينفصالن
كطبيعة وليس كالتزام ،ومن هنا يصبح من السهل -بل ومن الطبيعي -دخول الغريب في
العهد أو خروج الجماعة من العهد فهذا يتوقف على ارتضاء دخول العهد وقبول االندماج فيه
لدرجة ذوبان الكيان في العهد وبالتالي الحياة طبًقا لطبيعة العهد وليس طبيعة الغريب أو
الجماعة .هذا هو مضمون العهد القديم والعهد الجديد ،وهذا ما يتضح في اللغة اإلنجليزية
لكلمة عهد (فالعهد” )“ Covenantكلمة تقتصر على المقصود من قطع العهد الذي قطعه
الله مع الناس .أما التعبير عن قسمي الكتاب المقدس فترد هكذا ( Old &New
) Testamentوليس ( )Old Covenant & New Covenantفهنا تختلف الكلمة
المستخدمة في اللغة العربية للتعبير عن العهدين القديم والجديد ،أي أن اللغة اإلنجليزية ال
تستخدم كلمة Covenantفي تعريف قسمي الكتاب المقدس .وبذا يظهر الفارق في المعنى.
َ
فتظهر الترجمة اإلنجليزية أن (العهد )Covenantواحد ،أما تسمية & Old Testament
ِ
متجددة .أما يسوع فتكلم عن New Testamentفتوضح أن (العالقة) واحدة في شهادة
أسفار العهد القديم بقوله (موسى واألنبياء والكتب)" انظر مثال متى63 :66؛ يوحنا 15 :3؛
أعمال "66 :65ولعل ما يؤيد هذا ما ورد في إرميا 36 :36إذ يتكلم إرميا عن عهد جديد
حيث نقض الشعب (وليس الله) ذلك العهد القديم ويبقى التعليم هو هو ال يتغير :أمانة البشر
للشريعة وحضور إلهي يضمن للبشر السالم واالزدهار المادي(حز )31 -19 :31وذلك
شعبا " (عد 33؛ 13 :5؛ 1 :66؛ :36 إلها وتكونون لي ًبحسب العبارة المألوفة " أكون لكم ً
6وحزقيال 11 :66وزكريا ) 8 :8وبذا تكون جدة العهد ثالثة أمور هي :المبادرة اإللهية في
غفران الخطايا (عد 31؛حز) 17 :31المسئولية والمكافأة الشخصية (عد19؛حز،61 :61
إلهاما يؤثر
ً )31عبادة الرب عبادة باطنية فال تبقى الشريعة محض نظام خارجي بل تصبح
في قلب اإلنسان (عد33؛5 :11؛ )39 :31تحت تأثير الروح القدس الذي يهب لإلنسان قلًبا
جديدا 61.فهو عهد جديد – ولكنه ليس مختلفاً بالكامل رغم ما يبدو من تناقض ظاهري إذ ً
جديدا لن يكون مثل العهد الذي صنعه في سيناء بعد الخروج .ومع ذلك في ً عهدا
يعلن الله ً
قطعيا اذلك العهد! االستجابة من القلب لشريعة
ً كل من العناصر األربعة التي تتبع ،نجده يشبه
الله ،الدخول إلى عالقة ،االمتالك والتبادلية مع الله (إلههم ...شعبي) ،معرفة الله ،وتلقي
غفران الله – كل هذه األشياء كانت موجودة في النصوص األولى الخاصة بعهد الله مع
إسرائيل .جميعها تميز نصوص عهد الخروج وسفر التثنية .فهناك استم اررية وعدم استم اررية
في آن واحد :هناك استم اررية في األبعاد الجوهرية التي كانت أساسية في عالقة الله مع
66
إسرائيل منذ البداية ،إلى جانب الحداثة الجذرية في كيفية اختبار تلك األبعاد وممارستها من
66
اآلن فصاعداً.
لفد كان المألوف في ذلك الوقت أن معرفة فكر اآللهة يقوم به عرافون عن طريق ذبح الطيور
وفحص أجزائها الداخلية لقراءة ما يريد اإلله أن يقوله ،وعندما يقول إرميا إن الشريعة مكتوبة
11كريستوفر رايت
12جون والتون
67
العدل والظلم
العدل وسط الجماعة في مالخي 65 :1وما بعدها في 7-6 :3يق أر في ضوء 9-5 :1
وارميا 13لكن من منظور الرجاء والوعد ومع مضمون خاص إلرساء العدل ،فالعدل مطلب
التوراة وإرساؤه يعتمد على تعليم أمين للتوراة ولذا فاألهمية المركزية في 9-6 :1واضحة بداي ًة
نصوصا كثيرة في التوراة تدين الظلم خاصة عندما يظهر في شكلً من عدد ، 65إال أن هناك
التمييز في خروج 8 -5 :13؛ الويين 67 :69؛ تثنية65 :6؛ 69 :61وباألخص التمييز
الملفوظ سواء بسبب العرق أو الجنس أو المكانة ( إش 5 -1 :1؛61 ،5 :7؛ )13 ،11 :7
ويركز إشعياء على فكرة خاصة وهي إدانة من يحاول إقناع اآلخرين أن ال يوجد خط استقامة
بين الخير والشر .وموضوع الظلم وارد في تعليمات الناموس ومذكور في سفر الحكمة (مثل
أمثال )11-13 :11
في 7 :3يصف مالخي كيف سيقيم الله العدل في الزمن اآلتي ومن المالحظ التفاصيل التي
ذكرها منها السحر والزنا والغش وقهر الذين بال حيلة (خر 11؛ تث )7كل هذا ذكر في
التوراة وليس من الصعب إجراء نفس القياس على التوقعات المسيحية في ملكوت الله حيث
سيكون ملكوت عدل (مت ")3 :17تعالوا رثوا الملك".
في 68 65، :1؛ ِ :51 ،54 :6ذكر لبعض القيم بشكل مقصود ،ولكن هنا في 67 ،61
مقصودا ولكنه تعبير لحظي يشير إلى اإليمان التقليدي
ً الكالم عن إفناء العالم ليس
والمستويات األخالقية وهو يقترب مما ورد في أيوب 61؛ 16ووصف "بلدد الشوحي" أحد
أصدقاء أيوب في إصحاح 68من سفر أيوب.
الرب آت بالعدل 1-5 :6-52 :8
إن المشكلة القديمة المثارة بسبب النجاح الظاهري لإلنسان الشرير ،كانت قضية الحياة في
زمن مالخي ،لقد بدا وكأن الله يحابي الشرير ،ولقد ناقش كل من إرميا6 :61؛ حبقوق :6
كيدا ببر وعدل الله
إيمانا أ ً
1-1موضوع عدالة نظام العناية اإللهية ،وفي نفس الوقت آمنوا ً
ِ
متشككين وغير مؤمنين ،وألنهم تخلوا عن كل عزم المطلق .أما معاصرو مالخي فقد أصبحوا
على النظر نظرة جادة إلى موضوع الخطأ الذي يواجههم ،ينبههم النبي بأن الدينونة قادمة وفي
طريقها إليهم.
لم يحاول النبي أن يدافع عن عدالة الله وتبرير طرقه Theodicy،فالمشكلة هنا لن تحل
بمخاطبة العقل ألن المشكلة ببساطة ليست في اإلدراك وهذا ما عرفه النبي أن حاجة الشعب
إلى إحياء الضمير .وهو ما يمكن أن يكون المدخل المهم في هذه الموضوعات العملية والتي
68
الح َكم سواء في
تتعلق بالقيم واألخالقيات في ذك الجزء من مالخي ،فالضمير الحي هو َ
اختيار الزوجة أو الطالق أو العدل.
إن مالخي هو الراعي األمين الذي يواجه شعبه بإمكانية رفضهم النهائي ،وأن كان يرجو طول
الوقت أن يربحهم ،وباستثناء السحرة الذين نشروا الخرافات القديمة ،فإن كل الجماعات المذكورة
69
السلوك والقيم واألخالق
بدأ تدريب األطفال الذين يعيشون مع أسرتهم في مدينة صغيرة للخروج إلى الشارع بدون
صحبة الكبار وعلمهم األب كيف يعبرون الشارع دون أن يتعرضوا لمخاطر المرور فقال لهم:
توقفوا قبل أن تعبروا ثم انظروا إلى اليمين والشمال فإن خال الطريق من السيارات والدراجات
تماما لتعطوا ُّ
فيمكنكم العبور .أما إذا فوجئتم بسيارة بعد أن بدأتم في العبور فعليكم بالتوقف ً
سائق السيارة فرصة لتفادي االصطدام بكم.
صارت هذه عادة عند الصغار إلى أن كبروا وانتقلوا إلى المدينة الكبيرة فإذ بهم يجدون البعض
يقومون بعبور الطريق دون أن يتبعوا خطة أبيهم بل إن البعض يتعمد هذا أحيانا حتى يجبر
السيارات على التوقف.
شبابا في أي من المواقف يجب أن يتبعوا ،هل يقلِدوا أهل
فكر األوالد الذين صاروا اآلن ً
المدينة الكبيرة ،أم يحفظوا كالم األب المحبوب الذي لم يكن يتصرف من منطلق خوفه على
أوالده فقط بل من منطلق (أخالقي).
هنا يتحول ما كان مجرد (سلوك) يتبعونه لتفادى حوادث الطريق إلى (قيمة) يراعيها األوالد
اما (ألخالق) والدهم العزيز.
احتر ً
71
الحفاظ على الناموس أم حفظ الناموس أم حياة تحيي الناموس
-أعطى الله السبت لإلنسان -أي أن الله (لم يأمر) اإلنسان بحفظ طقوس خاصة بالسبت ولكن تطلع إلى
معا-أي
إراحته بالفعل ،وذلك بالتوقف عن مشقة العمل واالجتماع بالله وبالقريب في صحبة الرب للتمتع ً
وصحيحا ،أما المعلِمون فقد حولوه
ً ويا ليكون السبت يوم فرح ومتعة-هذا إذا فهم اإلنسان أبوة الله ً
فهما س ً
إلى ِحمل إضافي على اإلنسان .والتجار الذين يريدون مضاعفة مكاسبهم يغشون في التجارة بقية أيام
األسبوع لتعويض ما لم يكسبوه في راحة السبت.
الناموس ،الوصية ،الحرف :هي خرائط توضح الطريق لكنها ليست الطريق
هي مجردات لكنها تحتاج إلى من يبث فيها الحياة
هي حلول سهلة لمن يريد أن يكتفي بإشباع الميول الدينية
لكن ليست هي الطريق الضيق الذي يؤدي إلى الحياة
متى يكون الناموس ً
حياة وليس حرًفا يقتل؟
عندما يتفاعل مع ظروف الحياة ويتحول إلى قيم وأخالقيات إيمانية
عندما يكون اإليمان بوصايا الناموس إيمان حي برب الناموس
عندما يحيي رب الناموس ضمائر المؤمنين فال يكون الناموس حرًفا فيما بعد بل روح وحياة
عندما يدرك المؤمنون أن الحرف ليس األلف والياء وليس الغاية في ذاته.
لذا طلب يسوع رحمة ال ذبيحة
71
72
سفر مالخي
شعب الله –الكنيسة
واآلن ما هي رسالة سفر مالخي لشعب الله وكنيسة اليوم؟ لقد قام مالخي بدور نبوي
بالكامل وهو توجيه الحياة اإليمانية واألخالقية في ضوء العهد
لقد قام مالخي بدور نبوي متكامل ،فهل مازالت الكنيسة مطالبة بنفس الدور؟
نعم هو مسئولية وإن كانت الكنيسة صادقة فستشعر باالتضاع والحب والرحمة والعمل الجاد
المتواصل الصبور ،فإذا كانت الكنيسة قد تسلمت النور الكامل فهل هي أيضا معرضة ألن
تقع في نفس خطأ الشعب الذي ظن أنه مختار ليتباهى بالنور ثم يخفيه أم أنها تستطيع أن
تضعه على المنارة لينير للجميع؟ ربما هناك حاجة للخروج خارج (العبارات المحفوظة) لشرحها
ومثمر؛ فلعل السائد في
ًا وناضجا
ً أحيانا وتفصيلها أحيان أخرى ،ثم واألهم لتطبيقها تطبيًقا و ً
اعيا ً
فكر الكنيسة أن (النور) الذي يشير إلى الك ارزة ينحصر في الدعوة للتوبة والخالص بمعنى أنها
تقع في فخ حصر الك ارزة في مجرد (اصطياد) النفوس .الك ارزة أسلوب حياة والشهادة هي
للمسيح وعمله ،فالمسيحي يتكلم ويعمل ويتحرك في شتى مجاالت الحياة من منطلق أنه يشهد
لعمل الله ،خاص ًة أن الله هو الذي يدعو ،ولذا فالكنيسة ال يجب أن تشعر أنها مسئولة عن
تغيير اآلخر ،فالروح القدس هو الذي يلمس القلب .إن التغيير هو عمل الله يعمله كيف شاء
وفي الوقت الذي يراه.
وعلى جانب آخر يحدث النقيض عندما تظن جماعة المؤمنين أنه مادام العمل الخالصي كله
بالكامل هو عمل الله ،واإلنسان يعجز عن فعل شيء بشأن الخالص فإن هذا التعريف يشمل
حياة المؤمنين بالكامل وبالتالي يتحولون بالتدريج إلى عاجزين عن فعل شيء ،وتصبح حياتهم
عبارة عن:
الخوف من العالم
والعالم في نظرهم ليس إال حزمة من الشر
فيعادون العالم
ويتحول المؤمنون إلى قطيع ضعيف مهزوم ال يستطيع عمل شيء سوى طلب التغذية
من الله على الدوام بدون أن تتحول هذه التغذية إلى طاقة لعمل شيء.
دائما ولكنه لألسف إنعاش
هذا ما يؤدي إلى أن تحيا الكنيسة حالة تستدعي اإلنعاش ً
لحظي مؤقت بتوقيت الحدث ،فتصبح الكنيسة مثلها مثل المريض الذي يحيا على المحاليل
واإلسعافات الخارجية ،بل وأحيانا عن طريق الصدمات الكهربية التي يستعان بها في الحاالت
الميؤوس منها التي شارفت على الموت.
73
هل هذه األفكار هي التي تجعل الواعظ /المرِنم يصر على تحريك بل إلهاب المشاعر
حتى تستيقظ ويكتفى بهذا ،أو يلجأ إلى التخويف بالمصير المظلم في األبدية أو
باإلرهاب بتأثير الشيطان على حياة المؤمنين؟ هل العالقة بين المؤمنين وإلههم هي
عالقة (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) ؟!
هنا يظهر الفارق بين التغذية الطبيعية التي يقوى عليها الجسم السليم والتي يمارسها
سليما معافى والتي
ً الفرد بشكل يومي طبيعي والتي تعمل على الحفاظ على الكيان اإلنساني
تعمل على نمو الصغير ونضج الكبير ،وبين حالة اإلنعاش لجسد يتعرض لحالة ضعف قد
تهدده بالموت .وربما هذه حالة تقارب ما يتكلم عنه مالخي خاصة في اإلصحاح الثاني من
سفره.
بالفعل قال يسوع اطلبوا أوال ملكوت الله وبره؛ فالمؤمنون بيسوع هم بالكامل ليسوع
فهل عليهم أن يفضلوا ملكوت الله (وينفصلوا) عن حياتهم وأعمالهم وبيتوهم وأسرهم وعالقاتهم؟
أم عليهم أن (يتصلوا) بحياتهم وأعمالهم وبيتوهم وأسرهم وعالقاتهم بيسوع المسيح؟ وكيف
تتوازن هذه المعادلة؟
وإذا كان البعض ِ
يشبه الكنيسة بالسفينة التي تبحر لكن ال تدخلها األمواج ،فهي في
فوضا ،لكن السفينة تبحر في
العالم لكن ليست من العالم فإن التشبيه هذا ليس مر ً
البحار والمحيطات ،فهل يمكن أن تبحر قبل أن تتجهز بما يلزمها لإلبحار السالم؟
وتدرس حالة البحار والمحيطات بل وقبل أن تستعد السفينة لإلبحار هل يمكن أن
تبحر بال هدف أو مقصد تقصد الوصول إليه؟!!
وعالج مالخي تناقضات ظهرت في العبادة بعد أن شهدت الجماعة ظروًفا ومتغيرات من شأنها
شيئا يشابه هذا؟
التباس المفاهيم والممارسات ،فهل تواجه الكنيسة ً
74
فعلى سبيل المثال ،يبدو أن الكنيسة تحرص على أال تخلط بين التعليم عن الخالص باإليمان
والخالص باألعمال وتخاف من فكرة الخالص باألعمال الحسنة وبالتالي يسقط في الطريق
غرس القيم واألخالقيات التي قد تختلط بفكرة الخالص باألعمال ،والواقع أن الشجرة تعرف من
معا. ِ
ثمارها ،كما أن طريق الخالص يشمل التبني والتبرير والتقديس والتمجيد ً
فمن المستحيل تجريد التعليم من التركيز على القيم واألخالقيات مما يوجد مجتمع إيمان ال
يراعي القيم في سلوكياته وال في رسالته التي كلف بها يسوع كنيسته (كنور وملح) وعندما يقع
الفصل التام في التعليم بين الروحانيات والجسديات ،فإن النتيجة تكون الثمر المر.
حتى الفقرات الكتابية التي تتناول التعليم عن القيم واألخالقيات تتحول إلى (روحانيات) مجردة
خالية من المضمون-ليست ألن الروحانيات في حد ذاتها تخلو من المضمون ،ولكن المضمون
الذي يضاف إليها في التعليم غير المكتمل هو ما يعتبر (خال من المضمون) ألنه يتوقف عند
جدران ذهن القارئ دون أن يتحول إلى قيمة أخالقية ثم إلى سلوك عملي
التمسك بالحرف قد يؤدي إلى التساهل في القيم والمبادئ والرحمة ،فمن (يفكر)
ُّ ُّ
التشدد في إن
أيضا (يتصرف) حر ًفيا ويضطر إلى إعالء قيمة الحرف على القيمة.
حر ًفيا هو ً
هل العبادة (خاصة الترنيم) تأخذ صورة اتقاء غضب الله الذي يصب جام غضبه؟ حتى في
ترانيم التمجيد تكون عبارة :نعم أنت مجيد ،لكن ابعد عنا نحن ال نستطيع أن نسايرك في
مجدك.
عالقة صحيحة أم مكسورة
75
أيضا
ابن يحب أباه ويكرمه وأب يحب ابنه ويفرح به ويغدق عليه ويحميه ويعلمه ويؤدبه ويضم ً
بقية أفراد األسرة بنفس الغنى واالرتباط
هل هي عالقة ضعيفة؟ مكسورة؟
هل هي عالقة أبناء ال يربطهم بأبيهم سوى طلب االحتياج ليس كأبناء بل كشحاذين
يستجدون؟
هل تتحول (العالقة) إلى (خدمة توصيل الطلبات للمنازل؟) فيصير األب تحت الطلب
مشكور يفيدنا وقت الحاجة؟!
ًا عند الحاجة وال بأس أن نلقي عليه التحية من وقت آلخر فهو
هل التواصل مستمر في الظروف الطيبة وأيضا الصعبة؟ أم يلجأ إليه األبناء عند
االحتياج بل االحتياج الشديد فتصير عبادة الكنيسة عبارة عن شكوى ومذلة؟
هل ال يعرفه األبناء إال إذا احتدمت الظروف وضاقت؟ هل الله وشعبه في أحسن
صور العالقة منتفع وجهة انتفاع؟ هل هو مجرد رجل مطافئ أو سيارة إسعاف
جيدا
هل هو يحتاج إلى إلحاح حتى يلين قلبه؟ إن من يختبر محبة الله وعنايته يدرك ً
أن صلوات الكنيسة له وطلباتها هي في جزء كبير منها تعمل إلدراك غنى الله واستجاباته
الصالحة وإلى االنتباه إلى الفيض العظيم وليس ألن الله يغلق على خزائنه حتى يقدم شعبه
طلبا لفتحها.
ً
أيضا الصالة لله شكل الشكوى يتبعه
هل هي عالقة عجز فيأخذ خطاب الترنيم و ً
إعالن العجز وعدم القدرة على فعل شيء واالنكسار تحت أثقال العالم وظروف البد ستقهر
الكنيسة؟ ال يرضى اإلنسان السوي أن يكون هكذا ذليال بطبعه ،وال يريد الله نفسه أن يكون
اإلنسان هكذا ذليال.
نعم يطيب للكنيسة أن تقول "أنا أحيا لله ولملكوته أوال" ،ورغم بساطة هذا المبدأ فإنه عند
التطبيق العملي ِ
يمثل معادل ًة صعب ًة وموازن ًة قد تكون غير مفهومة عند البعض ،فالبعض يرى
أن من هم لله ولملكوته ال ينبغي أن يكون لهم أية اهتمامات غير روحية -أي أن حياتهم
عبارة عن عبادة داخل الكنيسة وشهادة خارج الكنيسة بالمعنى المغلق والضيق الذي ال يقبل
االنفتاح على غير جماعة (المؤمنين) وال على أية اهتمامات (عالمية ودنيوية) -فتراهم
76
النقيض من هذا فهم حين يأخذون الموضوع حر ًفيا فهم ال يعيبهم أن يهملوا عائالتهم التي
أيضا هي شعب الله !! كونوها بحجة أنهم مشغولون بأن يكون الله (أوال) ناسين أن عائالتهم ً
نعم قال يسوع "اطلبوا أوال ملكوت الله"
فهل كان يسوع يقصد وصال أم فصال؟!
بالتمسك بالحرف فأضاف( :وبره)
ُّ وألن يسوع يعلم ميل البشر إلى الولع
فما هو بر الملكوت؟
هل هو (بر الفريسيين) الذين يخاطبهم يسوع مباشرة بعد أن تكلم عن طلب بر ملكوت الله فإذ
به يقول إن لم يزد (بركم) عن بر الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السنوات؟
لكن يسوع قال في موضع آخر "صلوا كل حين وال تملوا"
أيضا قال المرِنم "جعلت الرب أمامي في كل حين"
و ً
شيئا إلى "ملكوت الله أوال"؟
فهل" كل" في القولين يضيف ً
هل كال من يسوع والمرِنم يتكلمان عن "حالة" وليس “حدثًا؟"
أي أن الصالة عندما ترفع " كل حين" وأن يكون الرب أمامي" كل حين" ،فهل هي أمور تحدث
كمجرد حدث في لحظة استثنائية لحدث استثنائي يستوجب الصالة والوقوف أمام الله؟ وهل
هي أحداث منعزلة عن بقية أحداث الحياة؟
الواقع أنها "حالة" منسوجة ومتضافرة وسط كل "أحداث" الحياة تربط المؤمنين بإلههم -
دون انقطاع وطوال اليوم وكل الحياة.
يخطئ من يظن أن الدور األساسي الوحيد للمؤمن في العالم أن ينفصل عن العالم بهدف
التفرغ لتوصيل رسالة الخالص من الجحيم لآلخرين .فالمواعظ البليغة التي تنتهي إلى تجزئة
ُّ
عمل المسيح يسوع ،وبالتالي تجزئة حياة الكنيسة فتربط عمل الفداء وما يتبعه من الحياة
باإليمان برباط واحد فقط وهو اإلتيان بثمر واحد فقط يقتصر على إخبار اآلخرين بالخالص
هي مواعظ تقع في أخطاء تجزئة رسالة يسوع نفسها وعدم تقديمها كامل ًة ،وبالطبع تجزئة حياة
التصور جمهور العابدين فيشترك
ُّ المؤمنين .وتتضاعف المشكلة عندما ينضم إليهم في هذا
االثنان في تطبيق غير كامل لرسالة يسوع وإساءة فهم للعالقة بالله.
77
78
6.انطوان نواز - .قراءة معاصرة في رسالة رومية .ترجمة يوسف سمير .القاهرة :دار
الثقافة.1167 ،
.1انطوان نواز .الشريعة اليوم .ترجمة يوسف سمير .القاهرة :دار الثقافة.1163 ،
.6هادي غنطوس كلمة الله لشعبه في وسط العاصفة-العهد القديم يتحدث للمسيحيين
.1جويس بولدوين .التفسير الحديث للكتاب المقدس-العهد القديم أسفار حجي زكريا
مالخي .ترجمة نجيب إلياس .القاهرة :دار الثقافة.6991 ،
.7جمعية الكتاب المقدس والمكتبة البولسية .قاموس المحيط الجامع في الكتاب المقدس
والشرق القديم .لبنان :المكتبة البولسية .1113،
.1جمعيات الكتاب المقدس في المشرق .الكتاب المقدس من األلف للياء .لبنان :المكتبة
الشرقية.6996،
79
61. THE INTERPRETER’S BIBLE –A commentary in twelve
volumes. V.1. Abingdon Press: Nashville, 6989.
81