ملاخي PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 80

‫رسالة مالخي‬

‫في ضوء األمانة للعهد‬


‫والبحث عن الهوية‬

‫د‪ .‬فنيس نقوال‬

‫‪1‬‬
2
‫سفر مالخي‬
‫عبارة عن حديث بسيط بين الله وشعبه‪ ،‬حديث مثل األحاديث التي تجري بين اآلباء وأوالدهم‬
‫سواء رآها البعض حوارات أو مناظرات أو مجادالت‪ :‬فالله يقول " أحببتكم" فيرد الشعب قائال‪":‬‬
‫بم أحببتنا؟" ما دليل حبك لنا؟! فيرد الله أقول لكم ما الدليل‪ :‬من زماااااان أحببتكم ‪-‬منذ القديم‬
‫– منذ أن أحببت يعقوب أنا أحبكم‪ ،‬بل إني ما زلت أحبكم‪ ،‬طيب‪ ...‬يبدو أنكم نسيتم أيام زمان‬
‫لكنكم على األقل تتذكرون الحاضر‪ ،‬فها هي أدوم (نسل عيسو) تحاول بناء الخرب لكن هم‬
‫يبنون وأنا أهدم‪ ...‬ثم تتوالى المناظرة ويتوالى عتاب الرب في صورة أب أهمله أوالده ألنهم نسوا‬
‫محبته وأعماله معهم ويتطلعون لمجد معاصر حسب تصورهم للمجد‪ ،‬يخاطب األب أوالده‬
‫الذين جرحوه حتى أنه يضطر للقول دعوكم من كوني أبا فألكن مجرد سيد فأين هيبتي؟! كأن‬
‫اآلب يقول ألوالده "اعمل إيه أكتر من كدة؟ " كفاكم ما أنتم فاعلوه‪" ...‬دعوا أعينكم ترى وقولوا‬
‫ليتعظم الرب من عند تخم إسرائيل‪ "....‬أي حتى قبل الدخول إلسرائيل نفسها‪.‬‬
‫َص َنع ِب َك َيا َيهوَذا؟ َفِإن ِإ ْح َس َانك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألعل هذا ما يقوله هوشع؟ "فماذا‬
‫َص َنع ب َك َيا أَْف َاريم؟ َما َذا أ ْ‬
‫أْ‬
‫اك ًار‪( ".‬هو‪)1:6‬‬ ‫اضي ب ِ‬‫الصب ِح‪ ،‬وَكالندى اْلم ِ‬ ‫َكسح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب ُّ ْ َ َ‬ ‫ََ‬
‫جاهدا في وضع األمور في مكانها وبصبر ال يحتمله إال األب‬
‫ً‬ ‫يتوالى الحديث ويظل األب‬
‫معا كيف تتواصل‬ ‫المحب فيستعرض أحداثًا ووقائع الطريق الذي يسير فيه أوالده ليقرروا ً‬
‫المسيرة بسالم‪ ....‬ويظل الحديث إلى آخر إصحاح في السفر‪ ،‬بل إلى آخر عبارة فيه في‬
‫إطار رابطة األب واألبناء‪....‬‬
‫هذا هو مفتاح سفر مالخي‪ ،‬فلننضم إلى الحوار‪...‬‬

‫‪3‬‬
4
‫المحتويات‬
‫مدخل‬
‫مقدمة‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪:‬‬
‫‪ -‬مشاكل الجماعة التي كتب لها مالخي‬
‫‪ -‬محتويات السفر‬
‫‪ -‬أسلوب السفر‬
‫‪ -‬خلفية السفر وزمن كتابته‬
‫‪ -‬رسالة السفر‬
‫تطورات الهوتية جديدة أثناء السبي‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪ :‬عهد وكهنة‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪ :‬توراة والهوت‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪ :‬أماكن وعالقات‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪ :‬شعب وشعوب‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪ :‬سلوكيات وقيم وأخالقيات‬
‫‪ ‬سفر مالخي‪ :‬شعب الله ‪-‬الكنيسة‬

‫‪5‬‬
6
‫مدخل‬

‫عصر يشهد ِ‬
‫تغيرات داخلية ينشأ أغلبها عن الصراع الثقافي بين العائدين‬ ‫ًا‬ ‫كتب مالخي يخاطب‬
‫من السبي والذين لم يغادروا بالدهم أي شعب عائد من السبي عايش ظروًفا وخبرات ِ‬
‫متنوعة‪،‬‬
‫وشعب لم يختبر االغتراب خارج أرضه‪.‬‬
‫وهذا يعني أن البالد ضمت ما بعد السبي من لم يغادروها مطلًقا ومن عاد بعد أن قضى‬
‫سنوات في أسر شعوب تختلف ثقافاتها وعباداتها عما ألفوه فيما قبل السبي‪ ،‬ولذا يطلق جون‬
‫والتون ‪ John H. Walton‬على هذا السفر "سفر البحث عن الهوية"‪ .‬وما بين جماعة مستقرة‬
‫وجماعة ِ‬
‫متغربة يواجه مالخي معادلة صعبة في عصره‪ .‬والجدير بالذكر أن أغلب الشعب ما‬
‫سببا في الكثير من المشاكل ألن‬
‫بعد السبي كانوا من لم يغادروا بالدهم مطلًقا مما كان ً‬
‫العائدين ادعوا حق القيادة في المجتمع الجديد‪( .‬انظر مثال إشعياء ‪63-3 :75‬؛ ‪9-6 :17‬؛‬
‫عز ار ‪16-69 :1‬؛ نحميا‪)8-6 :8‬‬
‫فكيف سيتم التعايش بين من لم يعايش أية متغيرات وبين من عايش‪-‬بل اندمج في شعوب‬
‫مغايرة متباينة؟ وهل يمكن القول إن الشعب المأسور المسبي استطاع أن يحافظ بالتمام على‬
‫نقاء ممارساته وعدم اختالطها أو على األقل تأثرها بما عايشه في األسر؟‬
‫وهل يمكن الكالم عن وجود وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالموضوعات الدينية والمجتمعية‬
‫بعد العودة نتيج ًة الختالف الفريقين –الذي لم يغادر والراجع؟‬
‫وماذا عن ممارسات أساسية ورئيسية لدى الفريقين مثل الختان والسبت؟‬
‫وماذا عن التعليم الجديد بداي ًة من التكوين إلى التثنية كنتاج مكتوب في فترة السبي؟ عز ‪:5‬‬
‫‪)61 ،61 ،1‬‬
‫لقد وجد مالخي أن المشكلة في أن (العهد) لم يعد هو األساس في العالقة بين الله والناس‪،‬‬
‫روحا‪ ،‬هذا باإلضافة إلى وجهات النظر المتباينة إلى طرق العبادة‬
‫وأن (التوراة) صارت حرًفا ال ً‬
‫وأماكنها‪ ،‬وقيم العهد والتزاماته‪ .‬ويبدو أن الشعب (كهنة أو عابدين) قد فضلوا الهروب إلى‬
‫بدائل تمأل فراغ العهد والتوراة وتشبع المشاعر الدينية ال أكثر‪ ،‬لذا وجه مالخي خطابه للشعب‬
‫والكهنة على السواء في صيغة مناظرة جدلية بينه وبين من يخاطبهم حتى يستعيد كالهما‬
‫معا لتكون حياتهم‬
‫توازنه فيفهم إلهه‪ ،‬وأيضا يستوعب رسالته وهي رسالة تتوجه للعبادة والعمل ً‬
‫كامل ًة أمام الله‪ .‬ويؤكد مالخي على أن الرب ال يتخلى عن عهده أو وعده فهناك دعوة للعودة‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫ُّ‬
‫التطلع إلى اآلتي‬ ‫وبالتالي يتطلع مالخي للخروج من المجادالت واالحتكاكات الوقتية إلى‬
‫األفضل‪ ،‬وهكذا ضمت الجدلية المناظرات التالية‪:‬‬
‫حب أم كراهية‬
‫مخافة أم احترام‬
‫كرامة أم احتقار‬
‫إحباط أم رجاء‬
‫غبن أم امتياز‬
‫قبل أم بعد‬
‫تمسك أم تخل‬
‫ُّ‬
‫مقدس أم نجس‬
‫رفض أم قبول‬
‫تشجيعات أم تحذيرات‬
‫هروب أم عودة‬
‫خطأ أم صواب‬
‫دمار أم تطهير‬
‫ديمومة أم فناء‬
‫سؤال أم جواب‬
‫صراع ديني أم صراع أخالقي‬
‫قيم العهد أم حكمة بشرية‬
‫حصرية أم اشتمالية‬
‫فماذا قال مالخي؟‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة‬

‫تنوع واختالف وسط الشعب وضعهم‬ ‫عاش مالخي ومعاصروه عصر ُّ‬
‫التوقع واالنتظار وفترة ُّ‬
‫في مأزق البحث عن الهوية‪ ،‬فقد كانت تلك األيام أيام شك وأن اآلمال صارت تتبخر إذ تخيل‬
‫الشعب كما لو أن الرب قد نسى شعبه الذي يعاني من الفقر و ُّ‬
‫التسلط األجنبي في إقليم يهوذا‬
‫الصغير‪ .‬فقد مات كل من زربابل ويهوشع اللذين صورهما حجي وزكريا على أنهما رجال الله‬
‫المختاران للعصر الجديد‪ ،‬نعم تم بناء الهيكل‪ ،‬بل ومضت فترة طويلة من الزمن بعد أن تم‬
‫بناء الهيكل وصارت الظروف التي أحاطت بالبناء ذكريات ترجع إلى زمن عز ار ونحميا‪ 6،‬إال‬
‫شيئا ذا داللة لم يحدث ليدل على أن حضور الله قد عاد ليمأل الهيكل بالمجد على النحو‬
‫أن ً‬
‫الذي أوضحه حزقيال حين قال "فجاء مجد الرب إلى البيت في طريق الباب المتجه إلى‬
‫الشرق" (حز‪ ،)1 :13‬لقد مضت أيام المعجزات بانتهاء عصر إيليا وأليشع‪ .‬واستمرت‬
‫ممارسات الواجبات الدينية ماضية في طريقها دون حماس وجدية في أدائها‪ ،‬فأين هو إله‬
‫آبائهم‪ .‬هل يهمه حًقا إذا كان هناك من يخدمه أم ال؟ شعر الشعب أن األجيال تتوالى وتموت‬
‫دون أن تتلقى المواعيد (قارن عبرانيين‪ )63 :66‬وفقد الكثيرون إيمانهم‪ .‬ويبدو أن الجماعة‬
‫التي يخاطبها مالخي تبحث عن أدلة لمحبة الله لها وكانت قبال أم ًار ال محل لبحثه أو النظر‬
‫فيه‪ ،‬فمحبته يعبر عنها في عظمة ملكهم والسالم الذي لشعبه (‪ 1‬صم‪ )9-8 ،6 :5‬وبالتالي‬
‫فهذا السؤال يوضح أن الشعب مازال يتطلع لتحقيق ما كان في القديم‪ .‬لكن يهوذا سقطت وتم‬
‫سبيها إلى بابل وانتهت أسرة داود وانهارت المملكة ومعها الهيكل األول‪ ،‬إلى جانب التراث‬
‫الديني اإلسرائيلي‪ .‬وبدأت الهوتيات جديدة تظهر في المجتمع اإلسرائيلي حوالي ‪711-781‬‬

‫‪ 1‬أهمية فترة عزرا ونحميا‪:‬‬


‫لقد كان لعصر نحميا والفترة التي سبقته مباشرة نتائج حاسمة‪ ،‬كان لها أبعد األثر في المستقبل‪ .‬ففي خالل هذه المائة من‬
‫السنين"أصبح تعليم موسى أساس الحياة القومية‪ ،‬كما تحددت األسفار المقدسة‪ ،‬وتمت صياغة المجتمع اليهودي على الصورة‬
‫التي لم يطرأ عليها تغيير جذري طيلة القرون التالية‪ .‬ففي خالل ذلك العهد‪ ،‬ظهرت القوى التي قاومت المسيح‪ ،‬والقوى التي‬
‫انحازت إليه‪ .‬فقد شهد ذلك القرن قيام الجماعات التي عرفت فيما بعد بأسماء الفريسيين والصدوقيين‪ ،‬وجماعة الرببيين‬
‫ودفع بالكهنوت إلى مركز السلطة العليا‪ ،‬كما بدأ االنفصال السامري‪".‬‬
‫(المعلمين اليهود)‪ ،‬وتحدد موقف اليهود من األمم‪ُ ،‬‬

‫‪9‬‬
‫وهو وقت كتابة األجزاء األخيرة من إشعياء ‪1‬لذا يرى ُّ‬
‫الشراح أن نبوة مالخي تناسب فترات‬
‫ُّ‬
‫التوقع واالنتظار في التاريخ البشري وفي حياة األفراد‪ .‬فهو يكشف توترات وإغراءات تلك‬
‫درك بالحواس في نفوس‬ ‫األزمنة‪ ،‬وعوامل احتكاك اإليمان التي تعمل عملها الخفي غير الم َ‬
‫ُّ‬
‫التشكك لفقدها صلتها باإلله الحي‪ .‬لذا كان على‬ ‫األفراد والجماعات والتي تنتهي بهم إلى‬
‫مالخي أن ِ‬
‫يوضح طريق الرجوع إلى اإليمان الحقيقي الثابت الذي ال يتزعزع في الله الذي ال‬

‫‪2‬المملكة الشمالية‪: -‬عام ‪ 248‬ق‪.‬م‪( .‬مع مالحظة ان التواريخ تقريبية) بدأ اآلشوريون يسبون سكان األرض‪ .‬وفي أثناء حكم‬
‫فقح سبي سبط نفتالي (‪ 8‬ملوك ‪ )82 :51‬ثم سبي بقية السكان من الروأبينيين والجاديين ونصف سبط منسى إلى ما بين‬
‫النهرين (‪ 5‬أخبار ‪ )82 :1‬ثم حوصرت مدينة السامرة وسقطت بيد سرجون عام ‪ 288‬ق‪.‬م‪ .‬ومأل اآلشوريين األرض بغرباء أتوا‬
‫رد الرب سبي الشعب بقي كثيرون من اليهود في‬ ‫بهم من بالد أخرى‪ ,‬فامتألت األرض بعبادة أصنام هؤالء الغرباء‪.‬وبعد أن ّ‬
‫الخارج‪ ,‬وكانوا يزورون أورشليم بين آن وآخر (أعمال ‪ 2 :8‬و‪.)2‬أما السبي الثاني الهام فهو‪:‬سبي يهوذا (سبي بابل)‪:-‬وقد تم‬
‫هذا السبي على يد نبوخذناصر في أربع مراحل في عام ‪ 201‬ق‪.‬م ‪ 122‬ق‪.‬م‪ .‬و‪ 122‬ق‪.‬م‪ .‬ثم في عام ‪ 128‬ق‪.‬م‪ 8( .‬أخبار‬
‫‪ ) 2 - 8 :62‬فأخذ نبوخذ نصر عظماء البالد ومنهم دانيال ورفاقه‪ ,‬والعمال الفنيين‪ ,‬كما أخذ آنية الهيكل وأخربه بعد ذلك‪.‬ثم‬
‫سقطت بابل في عام ‪ 162‬ق‪.‬م‪ .‬في يد كورش الفارسي‪ ,‬فسمح بعودة اليهود إلى أرضهم‪ ,‬ولكن كثيرين منهم فضلوا البقاء‬
‫في بابل ‪,‬فصار اسمهم يهود الشتات‪.‬‬
‫من بقوا في أورشليم ولم يذهبوا للسبي‪ :‬قام نبوخذ نصر الملك البابلي بإعادة توزيع األراضي على فقرائهم الذين ال يمتلكون‬
‫أرضًا على أمل أن يستعيد قوة البالد االقتصادية ويحصل ارباحًا‪ .‬وقد قامت عالقة صداقة بينه وبين الفقراء الذين حصلوا على‬
‫أنصبة من األرض‪.‬‬
‫حكاما ‪.‬ثم جاء حفيده آسر حدون‪ ،‬ثم ابنه ‪-‬‬
‫ً‬ ‫أحوال السبي‪ :‬سبق أن أجلى تغلث فالسر األسباط الشمالية إلى أشور وأقام عليهم‬
‫أشور بانيبال (أسنفر العظيم الشريف) بأناس من الشعوب التي غزاها في الشرق‪ ،‬وأسكنهم في السامرة (عز‪ 8 :4‬و‪ )50‬وأمر‬
‫ملك أشور أن يبعثوا إليهم في بيت إيل بواحد من الكهنة الذين سبق أن سب اهم من السامرة‪ ،‬ليعلمهم "قضاء إله األرض" وقد ذكر‬
‫عنهم أنهم "كانوا يتقون الرب ويعبدون آلهتهم كعادة األمم الذين سبوهم من بينهم" (‪8‬مل‪ )66 :52‬والسامريون‪ ،‬الذين نقرأ عنهم‬
‫في األناجيل‪ ،‬هم نسل هذا الخليط من اليهود واألمم الذين أسكنهم ملوك أشور في مدن السامرة‪.‬‬
‫مملكة األسباط العشرة‪ :‬كانت قد انتهت وأصبحت مجرد والية أشورية‪ ،‬يحكمها وال من قبل ملك أشور‪ .‬أما عن الجالء ‪-‬أي‬
‫األسرى الذين نقلوا إلى مدن مادي لكن لم تمتصهم الشعوب الذين استقروا بينهم‪ ،‬بل احتفظوا بتقاليدهم اليهودية وممارساتهم‬
‫وتماسكهم‪ ،‬وأصبحوا جزًءا من شتات اليهود المنتشرين في كل بالد الشرق‪ .‬ومن المحتمل ً‬
‫جدا أنهم اندمجوا ‪-‬فيما بعد‪ -‬مع‬
‫احدا ‪-‬كما لم يحدث من قبل‪ -‬وأصبح‬
‫شعبا و ً‬
‫المسبيين من يهوذا‪ ،‬الذين سباهم نبوخذ نصر ملك بابل‪ ،‬وهكذا أصبح أفرايم ويهوذا ً‬
‫قبال من المملكة الشمالية (إسرائيل) أو من المملكة الجنوبية (يهوذا)‪122-202( .‬‬
‫اسم "اليهود" يطلق على الجميع سواء كانوا ً‬
‫ق‪.‬م‪.).‬‬
‫العودة بأمر كورش في ‪162‬ق‪.‬م‪ :‬عندما استولى كورش الفارسي على بابل وقضى على اإلمبراطورية البابلية في ‪ 162‬ق‪.‬م‪ .‬ا‬
‫مرسوما بمنح المسبيين اإلذن بالعودة‬
‫ً‬ ‫إعادة يناء الهيكل في ‪162‬ق‪.‬م‪ :‬لم تمض سنة على دخول كورش إلى بابل‪ ،‬حتى أصدر‬
‫وبناء بيت الرب في أورشليم (‪8‬أخ ‪ 88 :62‬و‪ ،86‬عز‪ .)4-5 :5‬كما أخرج آنية الهيكل التي أحضرها نبوخذ نصر إلى بابل‬
‫َّ‬
‫وسلمها إلى شيشبصر رئيس يهوذا‪ ،‬فأصعدها شيشبصر معه عند "إصعاد السبي من بابل إلى أورشليم( "عز‪).55-2 :5‬‬
‫أخبار مفصلة عن العودة في سفري عز ار ونحميا وفي نبوتي حجي وزكريا‪ .‬وقد رجع من المسبيين ‪ 48,620‬بقيادة شيشبصر‬
‫عالوة على العبيد‪ .‬وفي أيام يشوع بن صادوق الكاهن وزربابل بن شألتئيل ‪ ،‬بنوا المذبح ووضعوا أساسات الهيكل‪ ،‬ولكن العمل‬
‫توقف لمقاومة السامريين لعدم اإلذن لهم بالمشاركة في البناء‪ .‬وهنا قام النبيان حجي وزكريا بحث الشعب على استئناف العمل‬
‫وتشجيعهم بالقول بأن مجد هذا البيت سيكون أعظم من مجده األول (حجي ‪ .)2 :8‬و ًا‬
‫أخير في شهر آذار في السنة السادسة‬
‫لداريوس الملك (‪151‬ق‪.‬م) تم العمل واحتفلوا بالفصح فيه (عز ‪.)52-51 :2‬‬

‫‪11‬‬
‫يتغير (مال‪ )1 :3‬والذي يدعو جميع البشر للرجوع إليه (مال‪ )5 :3‬والذي ال ينسي من‬
‫يستجيب لدعوته وسواء من شعبه أو من خارج شعبه (مال‪)61 :3‬‬
‫إن رسالة مالخي رسالة للعصر الحالي أيضا‪ ،‬ولعل مناظرته يمكن تلخيصها في سؤالين‪:‬‬
‫لمن نحيا؟!‬ ‫‪‬‬
‫كيف نحيا؟!‬ ‫‪‬‬

‫‪11‬‬
‫مشاكل الجماعة التي كتب لها مالخي‬
‫يمكن حصر مشاكل هذه الجماعة طبًقا للظروف التي ظهرت فيها هذه المشاكل وهي الفترة‬
‫التي تعلقت بظروف العودة من السبي‪:‬‬
‫ثورة األدوميين الساكنين في جنوب يهوذا وهم اآلن األعداء التقليديون لليهود‬ ‫‪.6‬‬
‫كسر للعهد‬
‫مشاكل تقديم الذبائح في الهيكل وما يعتبر ًا‬ ‫‪.1‬‬
‫ضعف التعليم جعل الشعب يمارس الطالق والزواج بال تدقيق‬ ‫‪.3‬‬
‫أيضا نتيجة ضعف التعليم وانتشار الفقر‬
‫الخلط بين الصواب والخطأ ً‬ ‫‪.1‬‬
‫تجاهل مطالب اإليمان وتهديد العقوبة‬ ‫‪.7‬‬
‫تخلِي الكهنة الالويين عن واجباتهم وإهمالهم التعليم‬ ‫‪.1‬‬

‫‪12‬‬
‫محتويات السفر‬
‫يتناول السفر ظروف حياة الجماعة بعد الرجوع من السبي في أورشليم‪ ،‬وبذا يمكن تقسيم سفر‬
‫مالخي إلى سبعة أجزاء كالتالي‪:3‬‬
‫‪ 3-1 :6‬عيسو ويعقوب‬
‫‪ 66 – 1 :6‬إكرام ‪/‬ازدراء اسم الرب‬
‫‪ 63-61 :6‬إهانة اسم الرب ‪/‬العودة لعهوده‬
‫‪ 61-63 :1‬الطالق‬
‫‪65: 1‬الخير‪ /‬الشر‬
‫‪ 5-1 :3‬العشور‬
‫‪ 63 :3‬التعديات‬

‫‪ 3‬حسب التفسير الحديث‬

‫‪13‬‬
14
‫أسلوب السفر‬
‫لعل أكثر ما ِ‬
‫يميز السفر طريقته الجدلية التي تظهر في بداية كل قسم رئيسي منه‪ .‬وهذا‬
‫أسلوب موجود عند عاموس " ويل ‪ . . .‬لماذا لكم يوم الرب؟ هو ظالم ال نور‪ . . .‬إذا هرب‬
‫إنسان من أمام األسد فصادفه دب‪ . . .‬وضع يده على الحائط فلدغته حية‪ . . .‬يوم الرب‬

‫ظالم ال نور وقتام ال نور له (‪ ،)11-68 :7‬و ً‬


‫أيضا في ميخا حيث يقتبس النبي عن معارضيه‬
‫ِ‬
‫ويخططون له ويقدمون على ارتكابه طالما في‬ ‫جدلية تدور بين الشعب حيث ِ‬
‫يفكرون بالشر‬
‫استطاعتهم‪ ،‬فهم يظلمون ويغتصبون الحقوق وال يتورعون عن طرد النساء واألطفال من‬
‫البيوت‪ .‬أما األنبياء والقضاة والكهنة فهم يتالعبون بالرشوة وطلب الفضة واألجور إلصدار‬
‫األحكام الظالمة وتزييف التعليم متكلين على أن الله في وسطهم بل يحتجون على إلههم الذي‬
‫– بدوره‪-‬يتوعدهم بليل بال رؤيا وظالم وقتام (انظر ميخا‪ ،)66-6 :1‬كما أن إرميا يشير إلى‬
‫ف‬‫جدلية متبادلة بينه وبين معاصريه (انظر جدلية الشعب والله في إرميا‪َ "19 ،17-13 :1‬ك ْي َ‬
‫اء َو َحْلَق ِك ِم َن الظ َمِإ‪.‬‬ ‫تَقولِين‪َ :‬لم أَتَنجس‪ .‬وراء بعلِيم َلم أَ ْذهب؟ ‪ِ . . .‬احَف ِظي ِرجَل ِك ِمن اْلحَف ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ َ َْ َ ْ َ ْ‬
‫ص َن ْع َت لِ َنْف ِس َك؟ َفْل َيقوموا ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ‪َ . . .‬فأ َْي َن آل َهت َك التي َ‬‫َح َب ْبت اْلغ َرَب َ‬
‫َفقْلت‪َ :‬باط ٌل! الَ! ألَني َق ْد أ ْ‬
‫ص ْيتموِني‪َ ،‬يقول الر ُّب‪".‬‬ ‫ُّ‬ ‫اصم ِ‬ ‫َكانوا يخلِصونك ِفي وْق ِت بلِيِتك‪ . . .‬لِما َذا تخ ِ‬
‫ونني؟ كلك ْم َع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫يعة الر ِب َم َع َنا؟ ‪ . . .‬اْلح َك َماء‪ْ .‬ارتَاعوا‬ ‫ف تَقولو َن‪َ :‬ن ْحن ح َك َماء َو َش ِر َ‬ ‫وما يليه ‪َ "9-8 :8‬ك ْي َ‬
‫َوأ ِخذوا‪َ .‬ها َق ْد َرَفضوا َكلِ َم َة الر ِب‪َ ،‬فأَية ِح ْك َمة َله ْم؟ ")‬
‫ونفس األمر في إشعياء " لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل؟ ‪ . . .‬أما عرفت؟ أما لم‬
‫أيضا مالخي عن‬
‫تسمع؟ (انظر إشعياء ‪18 ،15 :11‬؛ حزقيال ‪ .)18-16 :61‬ويكشف ً‬
‫حساسيته نحو أفكار ومشاعر معاصريه على النحو الذي فعله أسالفه من األنبياء‪.‬‬
‫قد ال تكون كلمات المجادالت المذكورة قد نطقها الخصوم بالفعل‪ ،‬ومثالها هذه المالحظات‪:‬‬
‫"وقلتم بم أحببتنا" (‪" )1 :6‬فقلتم بماذا نرجع إلى الرب" (‪" ،)5 :3‬قلتم عبادة الله باطلة"‬
‫جيدا‬
‫(‪ ،)3:61‬أي لم تكن مجادلة علنية‪ ،‬لكن مالخي يدرك توجهات شعبه وميولهم ويقرأها ً‬
‫ولذلك يضع قضيتهم أمامهم ثم ينقل إليهم كلمته التي تجيئه من الرب‪.‬‬
‫عرضا لموضوع‬‫ً‬ ‫وهكذا استخدم مالخي هذه الطريقة لتقديم رسالته بشكل مستمر‪ .‬فهو يقدم‬
‫واقعي حقيقي‪ ،‬ثم يرد على إجابة سامعيه بمثلها‪ ،‬لكن سامعيه يعترضون في بعض األحيانً‬
‫(مثل‪ ،)5 :6‬قبل أن يتقدم باتهاماته أو بوعوده لهم كامل ًة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -‬العبارات القصيرة واألسلوب المباشر من خصائص مالخي حيث يشرح غرضه من كلمته‪.‬‬
‫فسفر مالخي سلسلة من المناقشات تشير إلى وجود مشكالت فعلية وحالية بين الجماعة‬
‫العائدة من السبي إلى أورشليم ويهوذا والجماعة التي لم تغادر إلى السبي‪.‬‬
‫وعلى العكس من زكريا‪ ،‬ال يلجأ مالخي إلى استخدام أي تركيب أو بنية لغوية معينة ينقل عن‬
‫طريقها المعنى الذي يقصده‪ .‬فالموضوعات التي يتناولها تتبع بعضها بطريقة قد تبدو أنها‬
‫التدرج المنطقي؛ من االختيار والتمتع باالمتياز (‪ ،)7-1 :6‬إلى‬
‫بالصدفة‪ ،‬ومع ذلك تحمل ُّ‬
‫حتمية الدينونة (‪.)3 :61-63 :3‬‬

‫التكرار في السفر‪ :‬هناك تعليقات تتكرر في السفر‪ ،‬مثل ‪ 67‬ب " ال يغدر أحد بامرأة شبابه‬
‫و‪ 1‬أ الله يكره الطالق “ولعل التكرار هنا لتأكيد اهتمام الرب بعدم إيذاء المرأة حيث كانت‬
‫ظروف الطالق وشروطه في صالح الرجل‪.‬‬
‫تسلسل الفكرة‪ :‬هناك تعليقات تقطع تسلسل تواتر الفكرة وقد تكون عبارة عن ملحوظات على‬
‫هامش النص أدخلها كتاب متأخرون إلى متن النص‪ .‬وربما يرجع ذلك لعدة أسباب‪ :‬فبمرور‬
‫الوقت يتكون لدى الشعب مفاهيم وقناعات مختلفة‪ ،‬ففي ‪ 5 :1‬وبينما يتناول أول العدد وآخره‬
‫ظِ‬
‫ان‬ ‫أخطاء الكهنة يأتي في منتصفه عبارة تقطع هذا التسلسل بالقول "أَن َشَفتَ ِي اْل َك ِ‬
‫اه ِن تَ ْحَف َ‬
‫يع َة‪ ،‬ألَنه َرسول َر ِب اْلجنوِد‪" .‬‬ ‫َم ْع ِرَف ًة‪َ ،‬و ِم ْن َف ِم ِه َي ْ‬
‫طلبو َن الش ِر َ‬
‫‪6‬أ فهو يبدأ‬
‫إضافات الهوتية إيضاحية‪ :‬عملت تلك اإلضافات على تغيير المعنى مثل ‪:3‬‬
‫بتهيئة الطريق لكنه ينتقل فجأة ومباشرًة إلى مجيء السيد " َوَيأِْتي َب ْغتَ ًة ِإَلى َه ْي َكِل ِه‬
‫السِيد الِذي‬
‫ونه"‪ .‬ومثال آخر في مالخي ‪ 1-7 :1‬حيث يتناول العددان موضوع المجيء المخوف‬ ‫طلب َ‬
‫تَ ْ‬
‫ولكن ينتصف بموضوع رد قلوب اآلباء إلى األبناء‪.‬‬
‫لكن هذه الملحوظات ال تنفي أن األسفار الكتابية حفظت وسلِمت من جيل إلى جيل‪ .‬وما عمل‬
‫على حفظها وسالمة تسليمها أنها كانت محل دراسة متواصلة‪ ،‬فنسخها وتحريرها طبًقا لمواقف‬
‫جديدة لم يكن لمجرد العبث بالنص بل العكس صحيح‪ ،‬فعدم قابلية السفر اإللهي للتطور‬
‫والتأويل يعمل على القضاء عليه واختفائه بانتهاء زمن كتابته فال يتعداه لزمن الحق‪ ،‬ألنه‬
‫ببساطة لن يصلح إال لوقت كتابته فقط‪ .‬وال يخفى على الباحثين والدارسين أن الكثير من‬
‫لتنوع‬
‫الكتابات المهمة والتاريخية يمكن الطعن في صحتها نتيجة لعدم تغير األسلوب ومخالفته ُّ‬
‫ثقافة وظروف زمن كتابته‪.‬‬
‫وهنا تجدر المالحظة أن أسفار التي بين العهد القديم بالعهد الجديد هي ثمار إيمان وجهد‬
‫تماما ثم عاد للظهور في‬
‫ومعاناة اليهود‪ ،‬فشعب الله لم يمت كله في السبي حتى إنه اختفى ً‬
‫حقبة العهد الجديد‪ ،‬ففي أثناء وبعد السبي (‪785‬ق‪.‬م‪ ).‬تواصلت عملية الحفاظ والنقل والتجديد‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وهذه العملية تمثل بداية اليهودية وثمارها توجد في أسفار الكتاب المقدس التي تعود لما بعد‬
‫إشعياء الثاني إلى حجي وزكريا ونحميا وعز ار ومالخي‪ ،‬كما أن تقدم اليهودية يظهر في‬
‫كتابات أخرى مثل األبوكريفا والعهد الجديد‪ 1،‬إال أن اإليمان يعاش وال يكتب‪ ،‬فقد أسس تالميذ‬
‫يسوع تعاليم مسيحية‪ ،‬لكن فيه وحده – في يسوع وحده‪-‬عرفوا اإلعالن اإللهي وأعماله‬
‫أيضا في يسوع المسيح يتحقق العهد القديم‪.‬‬
‫الخالصية و ً‬

‫ولذا فإن أهمية تتبع خط السير التعليمي والقصد اإللهي‪ ،‬بل وتطور االختبار البشري في سيره‬
‫مع الله واإلعالن التصاعدي من الله حسب مقدرة شعبه على االستيعاب ليست مجرد دراسة‬
‫ِ‬
‫المتأصلة في الماضي‬ ‫سوسيولوجية أو عقائدية أو إنثروبولوجية بل دراسة جذور اإليمان‬
‫والممتدة إلى المستقبل في خبرات مع الله‪ .‬عندما تكتشف جماعة الرب مدى أصالة وعمق‬
‫جذور اإليمان ومدى تواصل وضوحه بجالء ونور في رابط متسلسل لكن ال ينفصم وهنا يمكن‬
‫استيعاب هذه الرسالة وتواصل إيضاحها وبالتالي تجذرها‪.‬‬
‫ِ‬
‫المتطرف‬ ‫على أن االلتزام بالتراث ِ‬
‫يغذي الجماعة‪ ،‬ولكن عندما يتبني هذا االلتزام طرق التفكير‬
‫فهنا يظهر الصراع‪ ،‬والتراث كإسهام في الصراع يظهر في اليهودية نفسها (وكما هو حادث‬
‫هنا) كما أن التوتُّر بين يسوع والجماعات اليهودية (كالفريسيين والكتبة) يعود إلى االلتزام‬
‫ِ‬
‫المتزمت بتراث معين وتعاليم معينة‪.‬‬ ‫الحرفى‬

‫‪ 4‬ظهور اليهودية وتطورها‪ :‬سبي يهوذا كان من أهم األحداث في التاريخ الديني‪ .‬فبالسبي "ينتهي تاريخ إسرائيل ويبدأ تاريخ‬
‫اليهود"‪ .‬فإذ وجدوا أنفسهم بين شعوب وثنية‪ ،‬انفصلوا عن نجاسات جيرانهم‪ ،‬وتعلقوا بإيمان اآلباء بإله إبراهيم ‪.‬وإذ تعرضوا‬
‫طابعا لهم‪ .‬لقد أصبحوا بال وطن‪،‬‬
‫وكونوا مجتمعات منعزلة‪ ،‬أصبحت ً‬
‫للسخرية واالحتقار من األمم حولهم‪ ،‬تقوقعوا على أنفسهم َّ‬
‫وبال طقوس‪ ،‬وبال أساس مادي لحياتهم كشعب‪ ،‬فأدركوا أكثر من ذي قبل أهمية تراثهم الروحي الذي وصل إليهم من العصور‬
‫الماضية‪ ،‬فبنوا قوميتهم ‪-‬في محيطهم الجديد ‪-‬على أساس الدين‪.‬‬

‫‪17‬‬
18
‫رسالة السفر‬
‫يبدأ سفر مالخي سفره بالقول‪ :‬وحي كلمة الرب‪ . . .‬عن يد مالخي‪ .‬وتأتي الكلمتان في‬
‫معا كما في زكريا ‪ 6 :9‬وحبقوق ‪6 :6‬‬
‫بعض الترجمات مرتبطتان ً‬
‫والوحي في كل هذه الحاالت يعني "ثقال"‪ .‬يحمل النبي ثقال يجب أن ينتقل منه إلى ضمائر‬
‫الناس ويضغط بثقله على مشاعرهم وأحاسيسهم حتى يستعدوا لمجيء "ذلك اليوم"‪.‬‬
‫نعم الوحي حمل وثقل وليس مجرد شارة يعلقها النبي دليل على تميزه‬ ‫‪-‬‬
‫والوحي ليس مجرد النطق بالغوامض وترف اإلبحار في الرموز بل والغيبيات أحيانا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫بل يحمل رسال ًة قد تكون صعبة لكنها رسالة حية ومفهومة‪.‬‬
‫دورا‪ ،‬فثقل‬
‫والوحي رسالة تبدأ عند النبي لكن ال تنتهي عند النبي وإال لن يؤدي الوحي ً‬ ‫‪-‬‬
‫رسالته تنتقل إلى الناس لتفعل فعلها الذي يريد أن يوصله الله للشعب‪.‬‬

‫فما هي رسالة مالخي؟‬


‫كان على مالخي أن يشرح تفصيالت الشعائر الدينية في هذا السفر في ضوء ما عايشته‬
‫أيضا عندما‬
‫تنوع وخبرات جديدة‪ ،‬لكنه لم يقصد تطبيق حرفية الشريعة‪ ،‬وهو ً‬
‫الجماعة من ُّ‬
‫يتناول قضايا الضمير والسلوك فهو ليس مجرد مصلح اجتماعي‪ ،‬فإن كان مالخي ال يقصد‬
‫هذا أو ذلك فماذا كان يقصد؟ وهل هو ينكر أهمية الشريعة أو أهمية قضايا السلوك والضمير‬
‫مع األهمية القصوى لهذه القضايا‪-‬خاصة في العصر الحديث كما كان في القديم وربما أكثر؟‬
‫الواقع أن أساس رسالة مالخي وهدفها النهائي هو الوصول إلى تطبيق الشريعة وإرساء‬
‫أيضا مرشد الجماعة‬
‫األخالق‪ ،‬فقد كان مالخي مصلح الحياة الطقسية واألخالقية عند الفرد و ً‬
‫قويا فقد وضع كل واحد أمام مسئولياته في عالقاته بالرب وبالقريب وكان‬
‫كلها وكان رد فعله ً‬
‫عند مالخي أساس يقوم عليه محوري الشريعة والسلوك وبدونه يصعب بل يمتنع الوصول‬
‫للمحورين‪ .‬هذا األساس هو مفهوم العهد وما يتضمنه من شكل العالقة القائمة على ارتباط الله‬
‫بشعبه وليس على حفظ الحرف والتمسك به وهذه هي الفكرة األساسية في تعليم مالخي‪ .‬لذا‬
‫فمن المالئم القول إن كلمات مالخي قد أحيت الضمير العام حتى يعيش الشعب طبًقا لروح‬
‫تلقائيا‪ .‬على أنه من المهم إدراك أن ارتباط الله وعهد الله ثابتان ال‬
‫ً‬ ‫وجوهر العهد ال حر ًفيا وال‬
‫وتحولهم وكيفية إدراكهم الرتباط‬
‫ُّ‬ ‫التحول فالقضية تتلخص في تغير الناس‬
‫ُّ‬ ‫يقبالن التغيير أو‬
‫الله وعهده‪.‬‬
‫يأتي التأكيد على شريعة موسى (‪ )1:1‬وعلى شخص إيليا (‪ )1 ،7 :1‬كموضوعين توقف‬
‫كثير على امتداد القرون ومن بينهم مالخي‪ .‬وعندما يتم جمع أسفار الشريعة‬
‫خدام الله عندهما ًا‬

‫‪19‬‬
‫واألنبياء في مجموعة واحدة من النصوص المقدسة‪ ،‬فإن هذه الشواهد المتقاربة توضح أنها‬
‫تتطلع إلى األمام مستشرف ًة إكمال تحقيق الغرض الذي من أجله قد أعطاها الله للبشرية‪.‬‬
‫على أن األنبياء ومنهم مالخي لم يقدموا هذا التوقع المستقبلي األخروي (األسخاتولوجي)‬
‫استعدادا‬
‫ً‬ ‫قويا للتوبة وإصالح أحوال الحياة‬ ‫كهدف بعيد‪ ،‬بل كحدث وشيك‪ ،‬وبالتالي يكون ًا‬
‫حافز ً‬
‫"ليوم الرب العظيم والمخوف" (‪ .)7 :1‬وربما تحتاج الكنيسة أن تتيقظ لتعليم مالخي عن التوقع‬
‫األخروي كحدث آني وحال‪:‬‬
‫فما لم يبدأ هنا لن يبدأ فيما بعد‬ ‫‪‬‬
‫عنصر من رجاء الكنيسة اآلن لن يجدي أن يكون فيما بعد‬ ‫ًا‬ ‫وما لم يكن‬ ‫‪‬‬
‫ومن ال يعمل على تغيير حياة الكنيسة اليوم لن تكون له قائمة فيما بعد‬ ‫‪‬‬

‫فالرجاء اإلسخاتولوجي في معناه الرئيسي هو رجاء (هنا واآلن) (وفيما قبل وفيما بعد) بدون‬
‫انفصال‪ ،‬بل إن الرجاء اإلسخاتولوجي ال يقبل االنفصال بطبيعته فهو رجاء متصل ومتواصل‪،‬‬

‫والعنصر اإلسخاتولوجي ال يغيب مطلًقا عن الفكر العبري ويتزايد سر ً‬


‫يعا بعد السبي ويحتل‬
‫الخلفية في إعالن العهد الجديد عن ملكوت الله القريب‪ ،‬وهو موضوع أساسي في التعليم‬
‫مقصدا يجري عبر التاريخ وسيعلن بالكامل في نهاية التاريخ‪ ،‬والمهم هنا‬
‫ً‬ ‫الكتابي أن هناك‬
‫وجود رجاء هنا واآلن في أعمال الله الخالصية ورعايته لمن يطلبونه‪ .‬ولذا فإن غياب البعد‬
‫اإلسخاتولوجي عن فكر الكنيسة يعطل رسالة المسيح لسبب بسيط‪:‬‬

‫فالذي كان من البدء‪ ،‬والذي يكون اآلن‪ ،‬والذي سيكون في المستقبل‬

‫ومرور بهنا واآلن وانتهاء بما‬


‫ًا‬ ‫يربط بينهم الرجاء اإلسخاتولوجي (أي المستقبلي) من البدء‬
‫سيكون‪ ،‬وبدون هذا الرجاء اإلسخاتولوجي ينفصل الذي كان من البدء عما سيكون‪ ،‬فال يبقى‬
‫فيما بين الذي كان من البدء والذي سيكون سوى التطلع إلى إبادة األرض وما عليها للقضاء‬
‫على الشر وإقامة قيم الحب والعدل والسالم‪ ،‬وهنا يتحكم المفهوم اليهودي الرؤيوي الذي ال يرى‬
‫‪7‬‬
‫رجاء في الحاضر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 5‬التفكير الرؤيوي أو األبوكاليبتي (‪ )Apocalyptic‬من يدرس العهد القديم يالحظ أن األنبياء اعتقدوا بسيادة الله على تاريخ الشعوب‪ ،‬وكانت لألنبياء نظرة متفائلة‬
‫إلى مستقبل شعب الله‪ ،‬إذ سيشرق عليهم عصر جديد يعم فيه السالم والخير‪ .‬هذا الرجاء تطور إلى ما يعرف باسم "الرجاء المسيوي" (‪)Hope Messianic‬‬
‫مجيدا يعلو فيه شعب الله فوق‬
‫عصر ً‬‫ًا‬ ‫وبموجب هذا الرجاء ذهب فكر اليهود إلى ما عرف بالتفكير الرؤيوي ومفاده أن عصر المسيا سيتم هنا على األرض ويكون‬
‫زمنا طويالً وكان يتوقع عصر المسيا لكي ينقذه من محنته‪ ،‬لكن هذا لم يحدث‪ ،‬ولم يأت المسيا‪ .‬وفي‬
‫جميع الشعوب‪ .‬وقد حدث أن الشعب اليهودي ذاق م اررة السبي ً‬
‫الفترة الواقعة ما بين العهدين وهي نحو أربعة قرون‪ ،‬وبينما كان اليهود يرزحون تحت نير السلطة األجنبية نشأ نوع من التفكير أطلق عليه الالهوتيون اسم التفكير‬
‫وغموضا‪ ،‬وقد كتبت بعض الكتابات التي تسمى األدب الرؤيوي مثل بعض أجزاء من سفر‬ ‫ً‬ ‫الرؤيوي‪ ،‬وهو نوع من تطوير "الرجاء المسيوي" يعتبر أكثر دراماتيكية‬
‫دانيال وبعض أسفار األبوكريفا مثل سفر أخنوخ‪ ،‬يغلب عليها الغموض والرمزية –ويتلخص هذا الرجاء الرؤيوي في أن "العالم الحاضر" الذي يالقون فيه المظالم‬
‫واالستبداد واقع تحت تأثير قوى الشر والظالم والشيطان‪ ،‬وال رجاء في إصالح هذا العالم إال بانهيار تام لهذا العالم بتدخل مباشر من الله أو بواسطة من أسماه سفر‬

‫‪21‬‬
‫تطورات الهوتية جديدة أثناء وبعد السبي‬
‫اشتركت كتابات أنبياء العهد القديم في عدة نقاط تعتبر أساسيات انشغل بها هؤالء األنبياء‬
‫وهي كالتالي‪:‬‬

‫انشغال الله بصهيون ‪ /‬أورشليم‪ :‬قارن مزمور ‪" 631‬كهنتك يلبسون البر‪ . . .‬أتقياؤك‬ ‫‪-6‬‬
‫يهتفون" و‪“ 11‬الله لنا ملجأ وقوة من العصور القديمة" مع إشعياء ‪7-1 :36‬؛ ‪3-6 :11‬؛‬
‫‪11 :33‬؛ صفنيا‪68-61 :3‬؛ زكريا ‪61 :1‬؛ ‪ )9:9‬ترنمي وافرحي يا بنت صهيون ها أنذا‬
‫آتي وأسكن في وسطك يقول الرب (زك‪.)7 :1‬‬

‫تذكر الله لداود الملك النموذجي (المسيا) (قارن ‪ 6‬مل ‪ )63-9 ،1 ،1 :66‬مع الرمز‬ ‫‪-1‬‬
‫" الجذع" في إشعياء ‪6 :66‬؛ إرميا ‪ 67 :13‬زكريا ‪9-8 :3‬؛ ‪61 :1‬؛ "الملك" في إشعياء‬
‫‪ " 6 :31‬داود" في هوشع‪ 7 :3‬حزقيال ‪17- 11 -13 :31‬‬

‫محبة الله التي ال تسقط تجاه شعبه (قارن إرميا ‪ " 68-61 :3‬كل األمم" مع إشعياء‬ ‫‪-3‬‬
‫‪" 1-6 :11‬االختيار" "الشعب المختار" في خروج ‪ 1 :69‬نحميا ‪8-5 :9‬‬

‫أهمية التوراة وتفسيرها والتأثير البابلي (مثال قارن تثنية ‪8-1 :1‬؛ ‪ 63-9 :36‬؛‪1‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ملوك ‪ 17 :13‬مع عذ ار ‪1 :5‬؛ نحميا ‪66-6 :8‬؛ ‪61-63 :9‬؛ عذ ار ‪)1 :3‬‬
‫السبت والختان كعالمات مهمة للدخول في العهد‪ ،‬فالختان كعالمة للعهد كان بمثابة عمل‬
‫أيضا على سبيل المثال إرميا ‪:65‬‬
‫ذبائحي افتدائي (تك ‪61-9 :65‬؛ خر‪ .19 :11‬انظر ً‬
‫‪ 11-16‬حزقيال ‪“ 11 ،61 :11‬أعطيتهم سبوتي ‪ ...‬عالمة بيني وبينهم" نحميا ‪-67 :63‬‬
‫‪ ”- 16‬الختان" تكوين ‪ 66-9 :65‬يشوع ‪.)5-1 :7‬‬
‫فإلى أي حد تطورت هذه األفكار واآلراء في الفقرات المتأخرة في إشعياء ثم فيما بعد السبي‬
‫مثل حجي وزكريا وعز ار ونحميا؟‬
‫لقد تغيرت معاني بعض الكلمات باألخص " صهيون" "إسرائيل" "داود" في قيمتها الدينية في‬
‫حياة الشعب فقد فقدت كل مغزى تاريخي وتحولت إلى أفكار جديدة وإن كانت ما زالت ذات‬
‫تماما‪ ،‬فقد أعطت معاني الرجاء والتطلع‬
‫معان تاريخية لكن معانيها في وقت مالخي مختلف ً‬
‫إلى تحقيقها وهي توجد أيضا في فقرات تالية في إشعياء مثل ‪ 8-1 :17‬حيث يشير إلى جميع‬

‫جديدا أطلقوا‬
‫عهدا ً‬ ‫أخنوخ "ابن اإلنسان" وبهذا التدخل تحدث كوارث وظروف عصيبة في وقت يسمونه باسم "يوم الرب" حين يدين الله األشرار ويبدأ الله مع شعبه ً‬
‫عليه "العالم اآلتي" أو "الدهر اآلتي"‪ .‬فطبقا لهذا المفهوم فإنه ال ُيرجي صالح في هذا العالم والله ال يتدخل في التاريخ وأحداثه إال باالنهيار التام للعالم إلنقاذ‬
‫البقية التقية فقط‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الشعوب‪ ،‬وإشعياء ‪ 1-6 :11‬حيث يتكلم عن "أمة بارة" ودانيال ‪ 17- 11 :1‬حيث يتكلم عن‬
‫مملكة أشمل من مملكة إسرائيل‪.‬‬
‫إذ تتغير الظروف والثقافات تتغير الرسالة في الشكل والمحتوى حتى يمكن أن يصل مضمونها‬
‫أيضا عمل‬
‫مفهوما إلى الشعوب في ظروفها المتغيرة‪ ،‬وهنا يظهر غنى وثراء الكتاب المقدس و ً‬
‫ً‬
‫الروح القدس الذي هو في األساس مصدر الرسالة‪ .‬فبينما يتطور الشكل والمحتوى مع تطور‬
‫ظا لمضمون الرسالة‪ .‬وهذا‬
‫الظروف يظل الروح القدس بقوته العاملة من األزل وإلى األبد حاف ً‬
‫غنى لو أدركت الكنيسة أبعاده ستتمكن من اإلبحار في محيط الكتاب المقدس واكتشاف كنوزه‪،‬‬
‫أما إذا غاب عنها فسيرتبك المؤمنون بمحاوالتهم للحفاظ على (الحرف) دون (روح) النص‪.‬‬
‫فمن هنا اعتمد كتَاب العهد الجديد على نماذج وأفكار الهوتية يهودية سابقة وهي بالطبع أجري‬
‫لها تغيير في المعنى وأخذت هوية مسيحية واضحة ومتميزة (انظر رومية ‪61‬؛ ‪ 6‬بطرس ‪:1‬‬
‫‪61-1‬؛ رؤيا ‪ .)11-1 :16‬فهم استطاعوا إدراك غنى كلمة الله التي تشهد للكلمة الحي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫خلفية السفر وزمن كتابته‬
‫بداي ًة يعتبر مالخي آخر نبي تنبأ من أنبياء العهد القديم حتى ظهور يوحنا المعمدان‪ ،‬وتسمى‬
‫الفترة فيما بينهما (فترة ما بين العهدين) وهي الفترة التي خلت من األنبياء والنبوءات‪.‬‬
‫وتقف الجماعة اليهودية بعد السبي في خلفية السفر‪ ،‬هذه الجماعة تضم من بقوا في أورشليم‬
‫ولم يتركوها ليذهبوا للسبي‪ ،‬وهم يرون أنهم هم اليهود الحقيقيون لذلك طلبوا القيادة لهم في‬
‫الجماعة الجديدة (انظر إشعياء ‪63-3 :75‬؛ ‪9-6 :17‬؛ حزقيال ‪16-69 :1‬؛ ‪61-6 :5‬؛‬
‫نحميا‪8-6 :8‬؛ ‪.)39-18 :61‬‬
‫بدأت عودة شعب إسرائيل المسبي إلى بابل عام ‪ 738‬ق‪.‬م تقر ًيبا عندما أصدر قورش مرسومه‬
‫محدودا على السلطة‬
‫ً‬ ‫المشهور‪ .‬وأخذت العودة شكل موجات متتالية وكان تأثير العائدين‬
‫الموجودة في الهيكل وهي سلطة قائمة على الطقس التقليدي (نح ‪ .)61‬كما نشأت جماعة‬
‫قمران والمكابيين أثناء حكم الرومان كاحتجاج على يهود عصرهم الذين اعتبروهم جبناء‬
‫وفاسدين واختلفت تفاصيل تعليمهم‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن إمبراطورية اإلسكندر كانت ِ‬
‫تمثل‬
‫جديدا على اليهود‪ ،‬ألن الطاعة للتوراة تصطدم بالتأثير الثقافي الهلنستي أو بمطلب من‬
‫خطر ً‬‫ًا‬
‫المطالب األساسية في تلك الثقافة وهو التسامح‪ ،‬والذي كان يعني قبول كل أنواع العبادات لكن‬
‫على رأسها يجب ممارسة عبادة اإلمبراطور‬
‫تجمعات الشعب في اليهودية ومصر وسوريا والبالد التي‬
‫هذا غير المشكالت التي واجهت ُّ‬
‫حكمها اليونان‪ .‬هذه الجماعات عايشت خبرات ِ‬
‫متنوعة بدأت في بالد السبي وتواصلت عند‬
‫عودتهم إلى بالدهم بما حملوه من خبرات جديدة‪ .‬وهذا يعني أن هناك وجهات نظر مختلفة‬
‫على المدى البعيد‪ ،‬فمثال الختان والسبت يراعيها الكل فهما عالمة الدخول في العهد لكن‬
‫دخلت مفاهيم جديدة خاصة عند المسبيين‪ ،‬فقد كان الختان عالمة انضمام الفرد إلى جماعة‬
‫الرب‪ -‬أي كان ممارسة فردية‪ -‬وكانت ممارسات السبت جماعية‪ ،‬فكان حفظ السبت ما يقرب‬
‫من تعريف الشعب المسبي بهويته في السبي ألن حفظ السبت لم يكن ممارسة معروفة بين‬
‫مخصصا‬
‫ً‬ ‫يوما‬
‫ً‬ ‫الشعوب آنذاك فقد صار كشارة تعريف للشعب في السبي‪ ،‬واعتبر السبت‬
‫لعبادة الله وصار من أول الوسائل إلظهار الوالء لله‪ ،‬بل إن التوراة عادت على يدي العائدين‬
‫كنتاج لعمل المسبيين في السبي بشكل كبير‪ .‬كما كان على المسبيين أن يقووا الحياة الدينية‬
‫بدون الهيكل والعبادات‪ ،‬ولذلك تطورت الحياة الدينية وظهرت مؤسسة الكتبة (مثال عز ار‪،1 :5‬‬
‫‪ )61 ،61‬وجماعة العابدين نح ‪63، 61-61 :8‬؛ ‪9:6‬؛ عز ‪ )9-61:5‬الذي عرف فيما بعد‬
‫بالمجمع‪ .‬وربما أن السبت تحول إلى ممارسة حرفية بسبب التأثر بعوائد الشعوب الذين حول‬
‫أيضا‪ ،‬فهذه الشعوب نظرت إلى الوقت المخصص لعبادة آلهتهم بأنه وقت إلدخال‬
‫المسبيين ً‬
‫‪23‬‬
‫السرور على المعبودات واآللهة التي يتعبدون لها والتي تبتهج بأن تعبد وترفع لها األدعية‬
‫وتعزف لها الموسيقى وليس وقتًا ُّ‬
‫لتخفف اإلنسان (بل والكائنات كلها) من مشغولياته والتمتع‬
‫بشركة إلهية‪.‬‬
‫من الممكن التوصل لتاريخ كتابة السفر من الدليل الداخلي التاريخي التقريبي للنبوة‪ .‬فبما أنها‬
‫تعود إلى زمن ما بعد السبي (‪ )8 :6‬ويرد ذكر الوالي كما في حجي (‪ )6 :6‬لتصف "زربابل"‪،‬‬
‫فنيا‬
‫مصطلحا ً‬
‫ً‬ ‫وفي نحميا (‪ )61 :7‬لتدل على منزلة نحميا‪ ،‬وبما أن هذه الكلمة (الوالي) تعتبر‬
‫اقتصر استخدامه تقر ًيبا على كتابات زمن ما بعد السبي‪ .‬وبما أن هناك غياب ألية إشارة إلى‬
‫عمليات إلعادة بناء الهيكل في ذلك الوقت‪ ،‬وإلى تدهور العبادة بحيث أصبحت مجرد شعائر‬
‫دينية‪ ،‬فهذه كلها أمور تدل على انقضاء فترة من الزمن منذ اكتملت عملية إعادة البناء‪ .‬كما أن‬
‫الظروف واألحوال االجتماعية يمكن اعتبارها ذكريات ترجع إلى زمن عز ار ونحميا‪ .‬إذ يذكر‬
‫مالخي عدم رغبة الشعب في التخلِي عن جزء من أموالهم لتمويل أعمال الهيكل (مل‪8 :3‬؛‬
‫قارن نح‪39-31 :61‬؛ ‪ )61 :63‬فضالً عن استغاللهم الفقراء والمنسحقين (مل‪7 :3‬؛ قارن‬
‫نح‪ ،)7-6 :7‬كما أن ما ِ‬
‫يميز عصره هو الزواج المختلط مع العائالت غير اليهودية وبالتالي‬
‫االلتصاق بآلهة غريبة (مل‪66 ،61 :1‬؛ عز‪1 ،6 :9‬؛ نح‪ 13 ،3-6 :63‬وما يليه) مالخي‬
‫ال يعترض على الزواج المختلط في حد ذاته باعتباره زواج قائم على أساس عنصري‪ ،‬وإنما‬
‫كان استنادا إلى أن ارتباطات المصاهرة هي ارتباطات ِ‬
‫تمثل في حد ذاتها عدم األمانة إلله‬ ‫ً‬
‫العهد عندما استبدلوه بآلهة أخرى (‪ ،)61 :1‬ونتيجة لوجود يهود لم يغادروا أرضهم وعودة‬
‫يهود من أرض السبي تضاربت وجهات النظر بين المقيمين والوافدين سواء من الناحية الدينية‬
‫أو ما يخص الجماعة‪ ،‬حتى وإن كان الختان والسبت هما األساس الذي يضبط الجميع ويحكم‬
‫تصرفاتهم‪.‬‬
‫التنوع قديمة جديدة في نفس الوقت‪ ،‬ربما ما يختلف بشأنه أسلوب التعامل مع‬
‫إن خبرة ُّ‬
‫إيجابياتها وسلبياتها‪ ،‬فالتوراة نفسها عادت مع عز ار كإنتاج جديد للمسبيين بشكل كبير‪ .‬فهل‬
‫إبداعا يحسب لهم وأمانة تدل على‬
‫ً‬ ‫أخطأ كال من عز ار والمسبيين في فعلهم هذا أم كان‬
‫إصرارهم على مواصلة الحياة مع الله دون أن يمنعهم تغير الظروف؟ وهل استطاع المسبيون‬
‫نجاحا في فهم الرسالة اإللهية وتأويلها ليحيوها في ضوء ظروفهم الجديدة؟ أم كان‬
‫ً‬ ‫أن يحققوا‬
‫عليهم أن يتمسكوا بالحرف؟‬
‫وماذا عن الكنيسة اليوم؟‬
‫هل تدرس الكنيسة هذه الفكرة بانزعاج أم تستوعب أن تغيير الظروف يتطلب معالجة كما فعل‬
‫المسبيون في السبي؟‬

‫‪24‬‬
‫مـــافيــــــا‬
‫عصابات المافيا موضوع مثير لمؤلِفي أدب الروايات واألعمال الفنية فهو عالم مليء باألسرار‬
‫أيضا بالمتناقضات‪ ،‬وهذا ما تناوله أحد المؤلفين في شكل جديد لرواية‬
‫والغرائب والمغامرات و ً‬
‫يحلل شخصيات تتكون منها إحدى عصابات المافيا‬ ‫من روايات المافيا عندما قصد المؤلف أن ِ‬
‫والتي تعمل بأعمال التجارة والمال وتتميز بمستوى راق في المعامالت والسلوكيات‪ ،‬بل وتضم‬
‫مثقفا يستوعب ظروف مجتمعه االقتصادية والسياسية واالجتماعية وله‬ ‫شابا ً‬
‫من بين أفرادها ً‬
‫توجهات تدعم حقوق اإلنسان وتناهض النظام العولمي الذي يزيد األغنياء غنى ويزيد الفقراء‬
‫ً‬
‫فقرا‪ ،‬لكن ظروف تربيته دعته إلى الميل للعنف – هذا غير ما يحمله رئيس المجموعة من‬ ‫ً‬
‫محبة واحترام لمجموعته وهم بدورهم يفعلون نفس الشيء ‪.‬‬
‫فأين عمل العصابات هنا؟‬
‫خطر على مصالحها أو‬‫ًا‬ ‫يبدأ هذا النشاط عندما يظهر شخص ال يريح الجماعة أو ِ‬
‫يمثل‬
‫يتعرض لها بضرر ما‪ ،‬وهنا يتم قتله أو إيذائه بمنتهى الهدوء والرصانة بل وقد يبدون أسفهم‬
‫أيضا على ما أصاب ذلك الشخص‪-‬هذا غير المبادئ التي يضعونها لضبط أعمالهم اإلجرامية‬ ‫ً‬
‫من عدم المساس باألطفال والنساء والعجزة ‪.‬الخ‬
‫إنها صورة تستدعي إلى الذهن مباشرًة أن البشر قد يتمتعون بسلوكيات طيبة لكنهم يحتاجون‬
‫إلى تغيير داخلي‪ ،‬لكن السؤال األخطر والذي يجب االنتباه له هل االكتفاء بالتغيير الداخلي‬
‫وإقامة عالقة بالمخلِص والفادي يغني عن االلتفات بشكل واضح ومقصود لمراعاة المبادئ‬
‫واألخالقيات والسلوكيات التي يراها البعض (عالمية) أي غير روحية؟ أم أنها شهادة لملكوت‬
‫الله ومحبته وعمله الخالصي لكل األمم؟ أم أن العالقة حتمية بين التغيير الداخلي والسلوك‬
‫الخارجي كما قال يسوع ينبغي أن تفعلوا هذه وال تتركوا تلك؟!‬

‫‪25‬‬
26
‫سفر مالخي‬
‫عهد وكهنة‬
‫عهد‬

‫في تثنية ونحميا يمكن فهم أهمية واجبات الكهنة‪ ،‬هم يجب أن يعلِموا الشعب عن الصواب‬
‫والخطأ في الحياة اليومية بناء على ما جاء بالتوراة سواء على المستوى الطقسي أو الدنيوي‪.‬‬
‫ويأتي مالخي من بعدهما فيتناول موضوعات عديدة تدور حول الكهنة وواجباتهم ولكنه ال‬
‫يذكر توجيهات للكهنة مثل تثنية ‪65‬و حجي ‪ 1‬ألن اهتمام مالخي يتركز على عالقة العهد‪.‬‬
‫وقد مرت عالقة العهد بين الله وشعبه في مراحل تدرجت حسب نمو إدراك الشعب‪ ،‬ففي العهد‬
‫التعهد الوحيد فيه على الله فهو لن يخرب األرض مرة أخرى‪ ،‬وهذا "البوريط"‬
‫بين الله ونوح يقع ُّ‬
‫(أي العهد بالعبري) الذي يقطعه الله مع نوح هو عهد نعمة ال مشروط‪ ،‬أبدي‪ ،‬وعالمي أي‬
‫لكل الكون‪ ،‬لكل الخليقة‪ ،‬لكل األرض‪ ،‬ولكل الشعوب‪ .‬وال تعتمد أهمية وقيمة واستم اررية عهد‬
‫الله مع نوح والخليقة الجديدة على تصرفات اإلنسان أو استحقاقه أو التزامه هو بأي شيء بل‬
‫على الله نفسه‪ ،‬الذي هو وحده من يتعهد بالقيام بأي شيء بحسب ذلك العهد "أكثر منه على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العهد التثنوي" مْلعو ٌن من الَ ي ِقيم َكلِم ِ‬
‫ات ه َذا النام ِ ِ‬
‫وس ل َي ْع َم َل ِب َها ‪َ .‬وَيقول َجميع الش ْع ِب ‪:‬آم َ‬
‫ين"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫(تث ‪ )11—15‬ففي تثنية يبني على عالقة عهد مشروط بين الله وشعبه‪ ،‬والذي يتعهد فيه‬
‫الشعب بالخضوع لله وطاعته في حين يتعهد الله بحماية إسرائيل وازدهارها‪.‬‬
‫تماما عن ذلك؛ فهو عهد‬‫"فالبوريط" الذي يقيمه الله مع نوح هو ذو طبيعة مختلفة ً‬
‫غير مشروط‪ ،‬ال يضع فيه الله شروطاً على شعبه وال يحدد واجبات وتعليمات لنوح وللخليقة‪،‬‬
‫فالله في البوريط يحمل كل المسؤولية والواجبات على نفسه‪ ،‬فهو لن يخرب األرض مرة أخرى‪،‬‬
‫دون أي ُّ‬
‫تعهد مقابل من اإلنسان أو الخليقة‪ .‬وهذه هي النعمة التي ال تعتمد على استحقاق‪،‬‬
‫بل على شخص الله ونصرة الحياة مع الله‪ ،‬حتى عندما شملت الفوضى األرض أيام نوح‪ ،‬أو‬
‫تبدو أنها على وشك أن تفعل ذلك‪ ،‬يعلن الله التزامه الكامل بعهده األبدي غير المشروط‪.‬‬
‫إال أن شعب العهد ليس مجرد طرف ما وقع وثيقة مع الله‪ .‬فمضمون شعب العهد هو الهوية‬
‫عهدا من جانب واحد‬‫الجديدة للشعب‪ ،‬لذا يتدرج العهد بداي ًة من العهد األول مع نوح ليكون ً‬
‫وتقع االلتزامات بالكامل على الله‪ ،‬ثم إلى العهد مع إبراهيم إذ قال الله إلبراهيم‪ :‬أنا أكون إلهك‬
‫وأنتم تكونون شعبي – أعطيك ً‬
‫أرضا ونسال‪ ،‬وأنت ستحمل عالمة العهد في جسدك عن طريق‬
‫الختان‪ .‬ثم عهد مع موسى إذ قال الله لموسى أنا الرب الذي أخرجك تكونون شعبي‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وبالتجاوب مع عهدي أعطيك الوصايا ودورك أن تحفظها‪ .‬وهنا يتصاعد الدور اإلنساني وكأن‬
‫بناء على التنوع‬
‫الله يخاطب نمو اإلنسانية ونضجها وهي القضية التي كانت في صلب السفر ً‬
‫اضحين للجماعة التي يخاطبها مالخي التي تجد حال لها في الوحدة في العهد‪،‬‬
‫واالختالف الو َ‬
‫شعبا لله‬
‫احدا مع الشعب‪ ،‬وتصير الشعوب ً‬ ‫الذي هو مصدر البركة‪ ،‬وهنا يصير الغريب و ً‬
‫معا وينضجان في معرفته واتباعه‪ .‬ولذا كان من‬
‫جميعا ويدعوهم ينميان ً‬
‫ً‬ ‫فيشرق شمسه عليهم‬
‫المناسب أن يبدأ مالخي سفره بالتأكيد على محبة الله المستمرة ألمة العهد‪ ،‬فالمحبة هي أساس‬
‫وجديدا‪ .‬لكن رد الشعب في أول مناظرة في السفر كان يدل على أن هذه الموعظة‬
‫ً‬ ‫قديما‬
‫العهد ً‬
‫في محلها فالشعب كان يحتاج إلى التذكرة‪ .‬فإن كانت محبة شعب الله تضمر فإنها تزعزع ثقة‬
‫الشعوب حولهم في المحبة اإللهية‪ ،‬فليس غر ًيبا أن تكون النتيجة ضمور محبة البشر (‪:1‬‬
‫‪ )61-63‬فالشعب لم يعد ِ‬
‫يقدر مدى العناية اإللهية التي يستظل بها والتي أعطتهم قوة الرجوع‬
‫إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل‪ .‬لكن المحبة اإللهية ال تقتصر على العهد الجديد فقط إذ أن‬
‫المحبة اإللهية كانت واضحة من البداية (عدد ‪ .)1‬على أن العهد يجمع الماضي والحاضر‬
‫والمستقبل بمعنى أنه (عهد) وليس "العهود" فهو عهد واحد أقامه الله لتأسيس جماعة عهد‪،‬‬
‫معا"‪.‬‬
‫وكلمة عهد تعني "الربط ً‬
‫في إشارات سفر مالخي إلى شريعة موسى وإلى إيليا النبي‪ ،‬والذين تكلم معهما يسوع على‬
‫جبل التجلِي (مت‪ 1 :65‬وما يوازيه) به تلميح إلى الوراء‪ .‬إلى متطلبات العهد‪ ،‬ونظرة مستقبلية‬
‫نبويا آخر‬
‫إلى ذلك الشخص الذي سيعمل على تحقيقها‪ .‬إن الوعد بمجيء إيليا يعتبر صوتًا ً‬
‫قبل مجيء النهاية‪ .‬وإيليا عند مالخي هو نفسه المسيا الذي يجعل الناس تعود لله مرة أخرى‬
‫وسينقذهم من اللعنة ألن يوم الرب سيكون يوم خالص وإدانة في نفس الوقت‪( ،‬وهو ليس ما‬
‫ِ‬
‫الممهد لمجيء المسيا)‬ ‫يرمز إليه إيليا في العهد الجديد باعتباره‬
‫إن مالخي‪ ،‬وقد نظر إلى الوراء إلى األوامر الصادرة عن الله‪ ،‬فإنه اآلن ينظر إلى األمام‪ ،‬إلى‬
‫يوم الرب العظيم والمخوف‪ ،‬وهو التعبير الذي استعمله يوئيل‪ 36 :1‬و ًأيا كان األمر فإنه إنذار‬
‫نموذجا للنبي اآلتي‪ ،‬فعندما تأتي النبوات إلى منتهاها سيرسل الله‬
‫ً‬ ‫يسبقه اختيار إيليا ليكون‬
‫يذكر به القراء بوضوح وهو نبوءة تثنية‬‫نبيا سيكون مثله ليعمل لإلعداد لعودة الله‪ .‬وهو وعد ِ‬
‫ً‬
‫نبيا مثلي ‪ . . .‬له تسمعون"‪ ،‬إذ أنه مثل موسى تراءى له الله هناك في حوريب‬ ‫‪ً " 67 :68‬‬
‫(‪6‬مل‪ )68-8 :69‬ومرة أخرى خدم إيليا كمشجع أخالقي لألمة‪ .‬وليس هناك نبي مثله‬
‫استطاع بصورة مليئة بالحيوية تغيير موقف معاصريه‪ ،‬وال هناك نبي آخر كان له مثل تأثيره‬
‫على مصير أمته‪.‬‬
‫هذا العهد يقوم بين الله والبشر إال أنه في الحاالت العديدة لنقض العهد‪ ،‬والتي ذكرت في‬
‫األنبياء أن البشر في جميع الحاالت هم الذين فشلوا في الحفاظ على العهد (مثل إش‪7 :11‬؛‬

‫‪28‬‬
‫‪8 :33‬؛ أر‪61 :66‬؛ ‪31 :36‬؛ حز‪ ،)5 :11‬لقد أقسم الله أنه ال ينقض عهده إلى األبد‬
‫(ال‪11 :31‬؛ قض‪ .)6 :1‬وعلى ضوء هذه الخلفية تفهم كلمات إرميا في‪ 16-11 :3‬حيث‬
‫يقارن بين إمكانية اختفاء الليل والنهار وبين نقض الله لعهده مع داود وصل إلى نتيجة تقول‬
‫إن العهد ال يمكن أن ينقض وعلى الرغم مما قد يبدو من أن العهد مع داود قد نقض (إر‪:11‬‬
‫‪ ،)31‬إال أن النبي عرف أن األمر ال يمكن أن يكون على هذا النحو‪ ،‬ألن عهود الله من‬
‫المؤكد إتمامها‪ ،‬شأنها في ذلك شأن قوانين الطبيعة (تك‪ .)11 :8‬وعلى ضوء هذا التأكيد‬
‫أيضا له‬
‫اإليجابي على امتداد العهد القديم ال ينقض الله كلمته إطالًقا‪ .‬على أن العهد له دور و ً‬
‫قيمة وقيمته تكمن في استيعاب مضمون العهد وإدراك أبعاده‪ .‬ربما نسى شعب الله ً‬
‫قديما هذا‬
‫المفهوم‪ ،‬وقد يحدث في الكنيسة‪.‬‬
‫إن العمود األساسي في افتتاحية رسالة مالخي (‪ )7-1 :6‬هو محبة الله إلسرائيل‪ ،‬وبناء‬
‫على المحبة يقوم العهد‪ .‬فأطراف العهد هما لله والشعب‪ ،‬فمن ناحية الله فقد استوفى ما يصلح‬
‫به إقامة العهد مع الشعب وبالنسبة للشعب فإن السفر يحمل الدعوة إلنجاز التزامات العهد كما‬
‫وردت في الشريعة (‪.)1 :1‬‬
‫الرب الذي أصدر العهد‪ ،‬والذي عليه ترسخت دعائمه وتوطدت أقدامه في مجتمع إسرائيل هو‬
‫ذاته الذي يظهر في هذا السفر باعتباره الشخصية المركزية المحورية والناطق الرئيسي على‬
‫لسان العهد‪.‬‬
‫وكما يرد في التفسير الحديث للكتاب المقدس أن السفر يتضمن ‪ 15‬آية من المجموع الكلي‬
‫لآليات البالغ عددها ‪ 77‬آية‪ ،‬يجيء فيها الحديث في ضمير المتكلم موج ًها خطاب الرب إلى‬
‫إسرائيل (باستثناء اآليات ‪6 :6‬؛ ‪65 ،67-66 :1‬؛ ‪ .)61 :3‬مما يعني أن استخدام ضمير‬
‫حيويا بين الله وشعبه‪ ،‬وهذا لقاء غير مسبوق في غيره من األسفار النبوية‪.‬‬ ‫لقاء‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫المتكلم يمثل ً‬
‫وبفضل عالقة العهد يشير الله إلى ذاته كاآلب‪ ،‬وبما أنه األب فإن النتيجة الطبيعية هي أن‬
‫إسرائيل ابنه (‪1 :6‬؛ ‪65 :3‬؛ قارن ‪ ،)61 :1‬فرغبة الله هي أن يبارك أبناءه بكل ما هو خير‬
‫(‪ .)61-61 :3‬إنه يريدهم أن يجدوا كفايتهم الحقيقية وأن يكونوا مثل كاهنهم المثالي الذي‬
‫يوصف في (‪ )5-7 :1‬الذي يعطي عطايا يومية وكل يوم للحياة والسالم‪ ،‬والمفروض أنهم‬
‫يستجيبون المتياز انتمائهم إليه في وقار وخشوع‪ ،‬بل يفيضون على غيرهم من الخيرات التي‬
‫يتمتعون بها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫هذه حقائق تمتع حياة الكنيسة ببركات وسعادة وفرح واطمئنان‪ ،‬وكل فرد من جماعة الرب له‬
‫أن يتأكد أن اآلب السماوي يقصد ما يقول ويفي بما يعد ويستطيع أن ينفذ ما يقول وما يعد به‬
‫بل له مقدرة التنفيذ بوفرة وغنى‪ .‬على أن الوعد والوفاء أساسهما العالقة أوال‪ ،‬العالقة الوثيقة‬
‫ألب بأبنائه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الركابيون‬
‫أخذ إرميا يازنيا وأخوته وذهب عند الركابيين وأخذ معه أباريق مألى بالخمر بل إنه أخذ معه‬
‫خمرا‪ ،‬لكن الركابيين أجابوه نحن ال نشرب ا‬
‫خمر‬ ‫أيضا الكؤوس وطلب من الركابيين أن يشربوا ً‬
‫ً‬
‫‪1‬‬
‫خمرا‪ .‬هذه القصة واردة في سفر إرميا اإلصحاح ‪ 37‬إذ كان‬‫ألن أبانا أوصانا أال نشرب ً‬
‫إسرائيل تحت حكم صدقيا قد تعدوا على العهد‪ .‬أما بقية القصة فتقول‪ :‬قال الرب إله إسرائيل‬
‫إلرميا اذهب وقل (إلسرائيل) ‪ . .‬أال تتأدبون فتسمعوا لكالمي يقول الرب؟‬
‫أيضا بصيغة الجمع كان ردهم‪ .‬قال الركابيون‬
‫(الركابيون) أي بصيغة الجمع كلمهم إرميا‪ ،‬و ً‬
‫خمرا) (ألن يوناداب أبانا أوصانا)‪ .‬وبذا فإن من يسمعهم يدرك صدق قولهم‬
‫(نحن النشرب ً‬
‫وصدق قول أبيهم‪ ،‬فهم مميزون بتصرف معين (كجماعة وسط مجموع) وبالتالي انتشرت‬
‫وصية أبيهم بتأثير شهادتهم له ثم تصرفاتهم بناء على شهادتهم‪ .‬وطلب الرب من إرميا أن‬
‫يضعهم مثاال أمام شعبه الذي لم يحترم عهده‪.‬‬
‫مثال قوي (لجماعة) في استطاعتها أن تقدم شهادة جماعية ألنهم (كجماعة) التزموا بما قاله‬
‫لهم أبوهم‪ .‬تخيلوا لو أن (أفرًادا) من الركابيين التزموا فكيف يمكن أن تكون شهادتهم لقول أبيهم‬
‫وهم ف اردى؟ هل يستطيع الفرد أن يقول "أبونا قال لنا"؟‬
‫معا التي تستطيع أن تقول قوال وتتصرف تصرًفا يجعل‬ ‫هذا هو درس (الجماعة) الشاهدة ً‬
‫شخصا عن‬
‫ً‬ ‫أثرا‪ .‬هذا شيء يختلف عن أن تكتشف (فجأة) أنك ال بد أن (تكلم)‬ ‫لشهادتها ً‬
‫المسيح‪-‬هذه العبارة التي صارت بديال عن شهادة الجماعة الحية الفعالة التي تنطق بمضمون‬
‫أثر واألقوى شهادةً؟‬
‫رسالتها بأسلوب حياتها‪ .‬فأيهما األبقى ًا‬

‫‪ 6‬قال الرب إلرميا في أيام يوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا ‪:‬إذهب إلى بيت الركابيين وكلمهم‪ ،‬وادخل بهم إلى إحدى الغرف في بيت‬
‫خمر فأخذت يازنيا بن إرميا بن حبصينيا وإخوته وبنيه وجميع بيت الركابيين ودخلت بهم إلى الهيكل‪ ،‬إلى غرفة بني‬
‫الرب واسقهم ا‬
‫حانان بن يجدليا‪ ،‬رجل الله‪ ،‬وهي التي بجانب غرفة الرؤساء فوق غرفة معسيا بن شلوم حارس األبواب ‪.‬ووضعت أمام الركابيين‬
‫أباريق مألى من الخمر وكؤوسا وقلت لهم إشربوا خم ار فقالوا ‪:‬نحن ال نشرب خمرا‪ ،‬ألن يوناداب بن ركاب أبانا أوصانا قائال ‪:‬ال‬
‫تشربوا خم ار أنتم وال بنوكم إلى األبد‪( ،‬إرميا ‪)1-6 :37‬‬
‫ثم قال الرب إله إسرائيل إلرميا إذهب وقل‪ . . .‬أال تتأدبون فتسمعوا لكالمي يقول الرب؟ بنو يوناداب بن ركاب سمعوا لكالم أبيهم‬
‫أن ال يشربوا خم ار‪. . .‬أما أنتم فما سمعتم لكالمي الذي كلمتكم به م ار ار وتك اررا‪( .‬إرميا ‪ )61-61 :37‬هكذا وضع إرميا بني ركاب‬
‫مثاال أمام زيغ صدقيا ملك يهوذا وشعبها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فماذا عن كسر العهد؟‬
‫وما مظاهر كسر العهد؟‬
‫نقضا للعهد والخطية األساسية تكمن في تعريض‬
‫إن مالخي يقولها صراح ًة إن الخطية تعني ً‬
‫العالقة مع الله للخطر‪ ،‬بإفساد الكهنة عهد الوي (‪ ،)8 :1‬وابتعاد الكهنة وكذلك الشعب عن‬
‫جميعا فاتري‬
‫ً‬ ‫االستجابة التلقائية والحارة للمحبة الشخصية التي أظهرها الرب من نحوهم فكانوا‬
‫الشعور وفي حالة ال مباالة وتأفف من العبادة الحقة (‪ ،)63 :6‬وفي حالة من الشح والبخل في‬
‫عطاياهم (‪ ،)8 :3‬وانحازوا في األحكام (‪ )9 :1‬وباالختصار استهانوا بهيبة الرب واحتقروا‬
‫اسمه (‪ُّ )1 :6‬‬
‫وغشوا في نذورهم وسلبوا حقوق الرب (‪61 :6‬؛ ‪ .)8 :3‬واآلن وقد فشلوا في‬
‫أيضا فشلوا في محبتهم لقريبهم‪ .‬فنقض العالقة مع الله أدى إلى العالقات‬
‫محبتهم لله‪ ،‬فإنهم ً‬
‫المنهارة في المجتمع البشري فانتشر الطالق‪ ،‬وهي أمثلة لعدم األمانة التي سادت المجتمع‬
‫نقضا للعهد‪ .‬وقد وصف مالخي زواج الرجل من‬ ‫مكروها عند الله ألنه يتضمن ً‬
‫ً‬ ‫وكان الطالق‬
‫امرأة شبابه باعتباره رفقة عمر (‪ ،)61 :1‬وما أشبه اليوم بالبارحة فها هو صوت مالخي يكلِم‬
‫الكنيسة اليوم التي قد تحتاج لشرح معنى العهد ومضامينه‪ ،‬فحتى كالم مالخي عن الدينونة ال‬
‫ينفصل عن بنود العهد‪ ،‬فالدينونة واجبة الوقوع ليس لمجرد وقوع ابنه إسرائيل في خطأ وليس‬
‫نتيجة لتصرفات وسلوكيات تضعها سلطة دينية‪ ،‬ولكن نتيجة لكسر بنود العهد‪ .‬كذلك ستكون‬
‫الدينونة واجبة الوقوع حتى وإن شرعت السلطة الدينية واجبات وسلوكيات التزم بها الشعب‬
‫لكنها تخالف العهد‪ ،‬فقد كان القصد من إشارته إلى الدينونة تحذير كل فرد حتى ال يقيم أحد‬
‫رجاءه للخالص على ثقة زائفة أو على أساس ال يقوى على الثبات واالستم اررية‪ ،‬ومن هنا تأتي‬
‫أهمية التمحيص بالنار التي تختبر عمل كل فرد حتى المؤمنين وهو يعتبر حال لمشاكل‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫في قول مالخي أنهم قد (أفسدوا) عهد الوي‪ ،‬فإن الفعل (أفسد) هنا مقصود به "اإلفساد‬
‫األخالقي" (تك‪ .)61 :1‬وقد جاء فعل آخر بمعنى (أفسد) في مالخي ‪"61 :3‬قْلتم ‪ِ :‬عبادة ِ‬
‫الله‬ ‫ْ ََ‬
‫ب ِ‬
‫اطَل ٌة"‪ ،‬وقد استخدم هذا الفعل إشارًة إلى أسلوب التعامل مع العهد في هذه الفقرة فقط‪ .‬وإن‬ ‫َ‬
‫كان الله ال ينقض عهده إطالًقا‪ ،‬فإن مالخي ال يعني أن العهد مع الوي قد ألغى‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن الكهنة قد أفسدوه‪ .‬وكما هو الحال حينما نقضت إسرائيل عهد الله مع األمة‪ .‬فإن‬
‫وطيدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الدينونة سوف تحل بمن نقضوا العهد‪ ،‬إال أن عهد الله سيظل ثابتًا‬

‫‪32‬‬
‫إدراك عمق العهد ورد الشعب عليه وتجاوبه معه‪ .‬هل هذه العبارة صارت تقليدية؟‬
‫(العهد) هو تعهد له بنوده وشروطه والتزاماته‪.‬‬
‫(العهد) مصدر فرح وسالم ونعمة‬
‫(العهد) هو الذي يؤسس العالقة بين الله الذي بادر بالعهد وبين شعب يعلن التزامه بالقول‬
‫والفعل ببنود ذلك العهد‬
‫(العهد) هو مصدر قضايا الضمير والسلوك‪ ،‬هو األساس الذي تبني عليه جماعة الرب‬
‫توجهاتها األخالقية والضميرية والسلوكية‪.‬‬
‫القضايا األخالقية والضميرية والسلوكية التي تؤسس على العهد ال تعود مجرد (خيار) لجماعة‬
‫الرب يتبعونه أو ال يتبعونه‬
‫وال هي مجرد آداب التعامالت‪ ،‬بل إن العالقة الحية القوية الفعالة مع الرب جوهرية وأساسية‬
‫بكل ما في الكلمة من معنى إذا ما كانت إسرائيل راغبة في أن يتحقق لها نصيبها بمقتضى‬
‫العهد الذي بين الله وبينها‪.‬‬
‫هل تحتاج الكنيسة في بعض األحيان إلى أن تقف أمام الله وتستوعب نتائج كسر‬ ‫‪‬‬
‫العهد؟‬
‫هل ستحتمل نتائج نقض العهد؟ هل تستوعب معنى القول الكتابي" مخيف هو الوقوع‬ ‫‪‬‬
‫في يدي الله الحي؟"‬

‫‪33‬‬
‫كهنة‬

‫بركة أم لعنة‬
‫مقدس أم دنس؟‬
‫اتهام أم عقاب‪:‬‬
‫مؤهالت الكاهن‬
‫"معرفة" شريعة الله جزء أساسي من مؤهالت الكاهن العقلية (تث‪69 :65‬؛ ‪ .)61 :33‬ولقد‬
‫شكا هوشع من الكهنة في أيامه‪ ،‬إذ كانوا قد نسوها (هو‪ ،)1 :1‬ومن الناحية األخرى قام‬
‫الرؤساء والكهنة والالويون بالطواف في أنحاء البالد في عهد يهوشافاط وأتموا إنجاز برنامج‬
‫تعليمي للشعب (‪1‬أي‪ ،)9-5 :66‬وفي زمن عز ار قام الالويون بمعاونته في تفسير الشريعة‬
‫(نح‪ ،)66-5 :8‬ولقد عين مالخي دور الكاهن كمستشار شخصي‪ ،‬يسعى في طلبه األفراد‬
‫يلتمسون اإلرشاد‪ ،‬ويحتاجون إلى التوجيه في بعض المواقف الخاصة التي تعرض لهم‪ .‬فقدت‬
‫أمر جوهرًيا (والكاهن رسول رب‬ ‫كانت اختباراتهم الشخصية مع الله‪ ،‬ومعرفتهم بشريعته ًا‬
‫الجنود)‪ ،‬فهو الشخص الكائن في حضرته‪ ،‬وهو الذي يمكن أن يأتي برسالة منه إليهم‪ .‬إن اسم‬
‫أيضا به (حج‪:6‬‬
‫(رسول) قد أطلق على الكاهن ألول مرة هنا رغم إن حجي النبي قد وصف ً‬
‫‪63‬؛ قارن إش‪ ،)69 :11‬وقد يكون أن اسم مالخي نفسه هو الذي أوحى بهذه الصفة‪ .‬لقد‬
‫صورت رؤيا زكريا الرابعة الكاهن بأن له قدوم إلى حضرة الله‪ ،‬وبذا كان مؤهالً ألن يكون‬
‫رسوالً (زك‪)5 :3‬‬
‫لكن المؤهل الذي يعطى للخدام لكي يقوموا على أمور شريعة الحق وبالتالي يقدموا دليال على‬
‫توقيره لله بالتدقيق الشديد‪ ،‬والمراعاة الشديدة لمظاهر العبادة الخارجية‪ ،‬هو أكثر من مجرد‬
‫المعرفة العقلية‪ ،‬رغم إن هذا يتطلب سالمة وكمال وشخصية المعلِم‪ ،‬فالكاهن المختار من الله‬
‫ال يعرف فقط شريعة الله‪ ،‬وإنما يعيش بمقتضى أحكامها (قارن عز‪" )61 :5‬وإثم لم يوجد في‬
‫تعبير يدل على مشاركة لصيقة مع الله (مز‪3 ،1 :67‬؛‬
‫ًا‬ ‫شفتيه" وتحوي األسفار المقدسة‬
‫أم‪65 :61‬؛ وما يليه؛ ‪ ،)1 :68‬وخاصة في العهد الجديد (مت‪35 -33 :61‬؛ لو‪71 :1‬؛‬
‫يع‪11 :6‬؛ ‪" .)61 -3:1‬سلك معي" في السالم واالستقامة‪ ،‬بمعنى أنه حافظ على العهد‬

‫واستمتع ببركاته‪ .‬ومثل هذا الخادم يكون تأثيره في مجتمعه ً‬


‫طيبا "أرجع كثيرين عن اإلثم"‬
‫(مال‪ )1 :1‬بقدوته وبكلماته‪.‬‬
‫على أن مؤهالت الكهنة كانت تأتي أهميتها من الواجبات التي عليهم القيام بها‪ ،‬ويتناول‬
‫مالخي واجبات الكهنة بداية من اإلصحاح الثاني وهم المسئولون بالتحديد عن إعطاء المجد‬
‫وصادما عندما يبدأ (بالكهنة)‬
‫ً‬ ‫صارخا بل‬
‫ً‬ ‫تناقضا‬
‫ً‬ ‫السم الله (‪ )66-1 :6‬ويضع مالخي‬

‫‪34‬‬
‫ِ‬
‫المقصرين‪ ،‬ثم تأتي‬ ‫وينتهي (باألمم) فبداي ًة من ‪ 61 :1 :6‬يكون الكالم في مواجهة الكهنة‬
‫األمم مباشرًة في عدد ‪ 66‬كنموذج لتقديم المجد لله بينما شعب الله يواجه انتقاد النبي لفشله‬
‫في هذا‪ ،‬فاألمم مثال لمن يكرم الله بينما شعبه يفشلون في ذلك‪ .‬ويربط مالخي موضوع إكرام‬
‫أو عدم إكرام الله بالبركة واللعنة وهما موضوعان أساسيان في سفر التثنية حيث ترتبط البركة‬
‫بالطاعة للتوراة وبالتالي ترتبط عدم الطاعة باللعنة (انظر تث‪6 :1‬؛ ‪6 :7‬؛ ‪ 3-6 :1‬وعلى‬
‫األخص ‪18 -6 :18‬؛ ‪ )19 -67 :31‬وفي مالخي ‪ 1-6 :1‬توجد إشارة قوية إلى تثنية‬
‫‪ 66 :33‬وأيضا هناك بركات موسى لالويين وترتبط بـ" إن لم تسمع" عدد ‪ 1‬انظر تثنية ‪1 :1‬؛‬
‫‪ )67 :18‬كما يأخذ من عبارات تثنية من السمع تث ‪9-1 :1‬وال يستخدم مالخي هذه‬
‫يوميا‪.‬‬
‫العبارات كمجرد صدفة‪ ،‬بل يساند فكرته ونقده للخدام‪ ،‬فحياة الطاعة أمر يجب مراعاته َ‬

‫وسواء كان مالخي يجمع بين دور الالوي والكاهن أو يكلم فريقين وليس فريًقا و ً‬
‫احدا فإن خروج‬
‫‪ 19- 17 :31 ،11- 61 :1‬تث ‪ 8-6 :68 9 :65‬يتكلم عن الكهنوت الالوي وأول كاهن‬
‫الوي‬

‫آخر عدد ‪" 1‬بماذا أهنا اسمك"‪ ،‬فاالسم هو حضور الله في الهيكل (تث ‪ 6، 61‬مل ‪ )8‬وبذا‬
‫فإن المعنى هنا قاس ويدل على تهاون في حق إله إسرائيل‪ .‬لكن هذا اإلله هو إله العدل (‪:1‬‬
‫جديدا‪ .‬عمال يذهل شعب الله‪ ،‬فسيأتي الله‬
‫ً‬ ‫‪65‬؛ ‪ ،)3 :3‬وهو على وشك أن يعمل عمالً‬
‫باألمم إليه بطريقة ما لكي يسجدوا له (‪ )66 :6‬إنه سيجيئ إلى هيكله (‪ ،)6 :3‬ويسبق قدومه‬
‫المنذر الذي يعد له طريقه‪ ،‬وهناك سوف يقوم بعمله المزدوج وهو التنقية والدينونة (‪.)7-1 :3‬‬
‫وفي نهاية األمر فإن كل الذين يقاومون عملية التنقية والتمحيص سيحرقون (‪.)6 :1‬‬
‫مخافة أم خوف أم رعب‬

‫من هنا تأتي أهمية "خوف"‪ -‬مخافة الله – مهابة الله‪ ،‬بمعنى مراعاة حقه وتبجيله وتكريمه‬
‫وإكرامه وليس الخوف بالمعنى السلبي أي الرعب‪ ،‬كما أن خلو العالقة بالله من الرعب ال‬
‫يعني أال يكون لله الجالل والوقار‪ ،‬وقد يتضح هذا المعنى في الترجمات اإلنجليزية لقول‬
‫أيضا قول‬
‫مالخي "اسمي عظيم بين األمم" إذ ترد بمعنى "اسمي مخوف بين األمم" وتشبه ً‬
‫سفر األمثال " رأس الحكمة مخافة الرب" – قد يصعب التمييز هنا بين أن يكون لله كل الوقار‬
‫والجالل‪ ،‬وأن يكون لله عالقة وقرب لمن يؤمن به‪ ،‬فالعالقة والقرب ال يعنيان أن الله يمكن‬
‫التعامل معه (كمجرد) صديق يخاطبه صديقه بألفة تنسيه مقام صديقه‪ .‬إن الصديق األقل‬
‫مقاما مثل صديقه ال أن‬
‫مكانة لصديق أعلى مكانة تسعده هذه المكانة العالية وتشعره أنه يعلو ً‬
‫يهبط بصديقه إلى المكانة األقل‪ .‬مكانة الله لن تتزعزع من صداقة البشر بل بالعكس هو يسر‬

‫‪35‬‬
‫بأن يعطي مكانته للبشر" أنا قلت إنكم آلهة"(مز‪1 :81‬؛ يو ‪ )31 :61‬وإن لم يتنبه البشر‬
‫لمكانة الله فلن تتزعزع مكانته أيضا‪ ،‬لكن اإلنسان يخسر عالقة بمن هو صاحب مكانة حتى‬
‫شركته معه قد تتأثر فينسى أن لله القدرة والقوة والتحكم في سير األمور‪.‬‬

‫حين يضع مالخي حقوق الله كسيد وملك (‪ ،)61 ،1 :6‬فهو ِ‬


‫ينبه الجماعة أال تسيء استخدام‬
‫مفهوم الله على أنه اآلب‪ ،‬ويحتفظ بالتوازن ما بين األلفة الزائدة من جهة والخضوع المهين من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬

‫وفي نفس الوقت فهذه النصوص تؤكد على محبة البشر‪ ،‬ففي احترام ومحبة اآلخرين يظهر‬
‫مدى إخالص محبة الشخص لله (رو ‪63‬؛ غال ‪7‬؛ يع ‪1‬؛ ‪ 6‬يو ‪.)1‬‬

‫خلفية إهمال أمور العبادة‬

‫كان من بين واجبات نحميا أن يتأكد من أن الموارد المخصصة لإلنفاق على خدمة الهيكل ال‬
‫تتناقص‪ ،‬كما حدث أثناء غيابه (نح‪ ،)63-61 :63‬وعندما لم تكن العطايا تقدم لم يكن أمام‬
‫الالويين من خيار إال أن يتركوا خدمتهم للعمل في الفالحة إلعاشة أنفسهم‪ .‬وإذ كان تمويل‬
‫اإلمبراطور الفارسي قد بدأ ينضب في وقت مالخي وبالتالي ظهر قصور في دخل الهيكل‬
‫وإيجاد حمل أكبر على الشعب ليقدم اإلمداد للهيكل لكل من الكهنة وأنشطة العبادة وصيانة‬
‫الهيكل فقد ظهر الميل إلى تقليص المصاريف ومنها كان تراخي االلتزامات الخاصة بتعليمات‬
‫وعادة تحفظ في الهيكل‪.‬‬
‫ً‬ ‫الحيوانات غير المعيبة التي تقدم كذبائح فقد كانت العشور تجمع‬

‫ونظر لما ُوجد من تقصيرات فإن مالخي يقدم تحذيراته في ‪ 1 :6‬حيث تبدأ أول مناظرة‬ ‫ًا‬
‫لمالخي في اتجاه لكسب موافقة سامعيه قبل البدء في توجيه اتهاماته ضدهم‪ .‬فأغلبية الكهنة‬
‫كان لهم أبناء‪ ،‬وحيث إن الوصية حقيقة مؤكدة (االبن يكرم أباه)‪ ،‬فمالخي لن يجد معارضة بل‬
‫سيحصل على التأييد الكامل ومن كل القلب في قضيته األولى‪ ،‬فاالحتكام إلى الوصية‬
‫الخامسة وهي وضع متطلبات عهد الله في المقام األول‪ .‬والعبد يكرم سيده ألنه ملك يمينه‬
‫بحق الشراء‪ ،‬وليس له من خيار سوى الطاعة‪ .‬وناتج المناظرة هو‪ :‬سواء اعتبر الكهنة رب‬
‫الجنود أباهم أو سيدهم ففي الحالتين لم يكن هناك مهرب من التزاماتهم‪ .‬إن عالقة اآلب واالبن‬
‫القائمة بين الله وإسرائيل هي عالقة ضمنية منذ بداية الخالص بالخروج من مصر‪ .‬هكذا يقول‬
‫الرب "إسرائيل ابني البكر" (خر‪ )11 :1‬ولهذا فإن األنبياء على التوالي أروا في عقوق إسرائيل‬
‫ابنا عاًقا (هو‪ ،)6 :66‬ويبدأ إشعياء سفره بشكوى‬
‫عقوًقا البن ضد أبيه‪ ،‬فقد رأى هوشع إسرائيل ً‬
‫اآلب السماوي ضد أبنائه العصاة (إش‪ .)1 :6‬ولقد أدرك مالخي مثل بقية من سبقوه من‬

‫‪36‬‬
‫األنبياء أن لب المشكلة اآلن يكمن في العالقة المنقوضة مع الله‪ .‬فبدالً من المحبة والثقة حلت‬
‫كراهية لطبيعة الله ومشيئته‪ .‬وهذا هو السبب في أن الكهنة فشلوا في إكرام الله بتقديم الذبائح‬
‫الشرعية الحسنة‪.‬‬
‫تنجس االتجاه العقلي لمقدميها‪ ،‬فالعيوب الشرعية التي ال تجيز‬
‫إن نجاسة الذبائح ترجع إلى ُّ‬
‫تقديمها هي مجرد ناحية ثانوية فقط "كيف نجسناها؟" ولذلك يأتي هذا العدد في الترجمة ال‬
‫متكلما عن‬
‫ً‬ ‫منقحة‪" R S V‬بم نجسناك؟" عندما يتكلم اإلسرائيلي عن اسم الله فإنه يكون بذلك‬
‫الله ذاته‪ .‬فإذا كان اسم الله قد احتقر أو تنجس فإن في هذا إهانة لله نفسه‪ .‬إن العبارة العبرية‬
‫"نجسناك" (وتؤيدها الترجمة السريانية والفولجاتا الالتينية) يبدو أنها هي العبارة األصلية‪ ،‬إال أن‬
‫هذه العبارة الخشنة قد آذت أذان اليونان فقرأتها السبعينية وتابعتها في ذلك الالتينية القديمة‬
‫"نجسناها"‬

‫تتبع تحذيرات مالخي ثالثة اتهامات إلى الكهنة في‪ 61-1 :6‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬حيدانهم عن الطريق الصحيح‬
‫‪ ‬وإعثارهم لكثيرين‬
‫‪ ‬وإفسادهم للعهد‪.‬‬

‫أيضا العبادة بما في ذلك التأكد‬


‫وقد كان من ضمن واجبات الكهنة الحفاظ على طهارة الهيكل و ً‬
‫من عدم دخول األماكن الممنوع دخولها سوى الكهنة و ً‬
‫أيضا التأكد من خلو الذبائح التي يقدمها‬
‫األفراد من العيوب‪ ،‬هذا غير واجباتهم لتعليم الشعب‪ .‬ومن واجبات الالويين العناية بالهيكل‬
‫ومحتوياته‪ ،‬ومن هذه المحتويات أشياء ذات قيمة عالية من الذهب والفضة والتي تحتاج إلى‬
‫حراسة ومنع من تسول له نفسه من سرقتها وهنا تأتي كلمات سفر الخروج والالويين "وأمد‬
‫الفرث على وجوهكم‪ ،‬فرث تقدماتكم" إن فضالت حيوانات الذبائح كانت تزال من المقدس‬
‫وتحرق (خر‪61 :19‬؛ ال‪ 66 :1‬الخ) ولكن هكذا كان ُّ‬
‫تمرد أولئك الذين يقدمون لله ذبائح‬
‫تافهة حتى إنهم وتقدماتهم سيقذف بهم إلى كومة النفايات التي تستبعد من حضرة الله‪ .‬وال يكاد‬
‫يكون مستغرًبا أن الترجوم استغنى عن هذا المجاز اللغوي فجاءت ترجمته‪" :‬سأجعل خزي‬
‫جرائمكم مر ًئيا على وجوهكم"‪ .‬لقد كانت اللغة المجازية جسورة وجريئة في ازدرائها بأولئك الذين‬
‫بحكم ميالدهم وإعدادهم‪ ،‬قد أفرزوا وخ ِ‬
‫صصوا للقيام بالواجبات والمهام الدينية المقدسة‪ ،‬والذين‬

‫هم اآلن بال شك مرذولون‪ ،‬ولقد كان ذم أنبياء القرن الثامن قبل الميالد أقل وطأة و ً‬
‫مهذبا‬
‫بالمقارنة مع هذا الذي ذكره النبي مالخي عنهم (إش‪67-66 :6‬؛ هو‪61-1 :1‬؛ عا‪-1 :1‬‬
‫‪7‬؛ ‪13-16 :7‬؛ مي‪.)8-1 :1‬‬

‫‪37‬‬
‫وهو نفس االتهام الذي ورد في هوشع ‪ 1-1 :1‬وحزقيال ‪ 61-61 :11‬ويرد فيما بين كالم‬
‫هؤالء األنبياء عدم صالحية الكهنة ليكونوا كهنة فيما بعد‪ .‬لكن الجدير بالمالحظة أن الكهنة‬
‫يعيدون أخطاء الشعب ويكررونها (مل ‪ .)8 :1‬وفي هوشع ‪ 1 :1‬تفاصيل الحيوان الذي يقدم‬
‫كذبيحة وبالتالي فإن كان الكهنة مسئولون فالشعب ليس بال ذنب‪ .‬وعندما يعلن مالخي العقاب‬
‫فإنه يذكر األسباب مرة أخرى في قوله لم تحفظوا طرقي(عدد‪ )9‬وهنا بالتحديد يأتي خطأ الكهنة‬
‫في مجال عدم حفظهم التعليمات وممارستهم المحاباة مما يعني أنهم كانوا ظالمين في أحكامهم‬
‫ومتحيزين للغني ضد الفقير (ال‪ .)67 :69‬ويذكر مالخي إن المجازاة سوف تصيب من ازدروا‬
‫ونظر ألنهم قد فضلوا المجد الذاتي‪،‬‬
‫ًا‬ ‫اسم الله واحتقروه (‪ ،)1 :6‬ذلك ألنهم (محتقرون)‪،‬‬
‫وحاولوا اكتساب الشهرة‪ ،‬فضالً عن محاباتهم للبعض في الشريعة‪ .‬فلهذا وجدوا أنفسهم محتقرين‬
‫مذلين‪.‬‬
‫ويختم النبي هذا القسم بإعادة ذكر الخطية المزدوجة لممَثلي الله "أنكم لم تحفظوا طرقي‪ ،‬بل‬
‫حابيتم في الشريعة"‪ .‬هنا نتيجة طبيعية لفعل خاطئ‪ :‬عدم حفظ طريق الرب لن يتوقف بل‬
‫سيتواصل إلى المحاباة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫األسد والفأر‬

‫دائما بلقب‬
‫نشأت صداقة بين األسد ملك الغابة وفأر صغير‪ .‬حرص الفأر على مخاطبة األسد ً‬
‫"ملك الغابة"‪ .‬كانت الحيوانات ترى األسد والفأر وهما يقضيان ً‬
‫معا أوقاتًا طيبة‪ ،‬فعندما‬
‫وكثير ما كان األسد والفأر ينهمكان في حوارات‬
‫ًا‬ ‫يتسامران كانت ضحكاتهما تمأل أجواء الغابة‪،‬‬
‫عن طبيعة الغابة وكيفية إدارتها‪ .‬وبينما هما هكذا بين اللهو والجد تعجبت بقية الحيوانات من‬
‫إصرار الفأر على معاملة ملك الغابة األسد بوقار وعدم رفع الكلفة‪ ،‬فسألوا الفأر لقد صار‬
‫دائما تحرص على‬ ‫األسد صديقك المقرب فلماذا ال تخاطبه وتقول له يا أسد مباشرًة؟ ولماذا ً‬
‫إظهار التوقير لألسد؟ قال الفأر ألن صديقي ليس مجرد كائن عادي؛ إنه ملك الغابة وأنا‬
‫دائما بامتيازي أنا الفأر‬ ‫ِ‬
‫وثانيا‪ ،‬هذا يذكرني ً‬
‫أتعامل معه هكذا لعدة أسباب فأوال‪ ،‬هذا يليق به‪ً .‬‬
‫الصغير وارتباطي بملك الغابة‪ .‬ولكن السبب األهم هو أن الملك يحبني وأنا أحبه وهو ِ‬
‫يقدرني‬
‫أنا الفأر فكيف ال ِ‬
‫أقدره وال أعطيه حق قدره؟!‬

‫‪39‬‬
41
‫سفر مالخي‪:‬‬

‫توراة والهوت‬
‫التوراة في مالخي‬
‫التوراة الكهنوتية المذكورة هنا في مالخي ليست بالضرورة هي نفس التوراة التي وردت في عز ار‬
‫تماما للجزء الكبير من خروج إلى تثنية‪ ،‬ولكن‬
‫‪ )61 ،1 :5‬فتوراة عز ار تضم تعليمات مشابهة ً‬
‫توراة الكهنة التي يشير إليها مالخي ِ‬
‫يميز فيها بين "التعليمات الكهنوتية وطرق الله" وبين "‬
‫"إعثار الكثيرين وعدم حفظ طريق الرب" (‪.)9 ،8 :1‬‬
‫التوراة مركز الحياة‬

‫من المفيد إيضاح الفكرة التي يدور حولها االهتمام الالهوتي المركزي‪ ،‬وهذا يحتاج إلى جمع‬
‫فكرة العهد وما ورد عنه سابًقا وصلته بالتوراة التي بنيت على أساسه‪:‬‬

‫دنيويا في مقابل ناموس روحاني رغم الرغبة القوية في هذا التقسيم‪،‬‬‫ً‬ ‫بداي ًة‪ ،‬لم يكن الناموس‬
‫فهذا التقسيم ال تعرفه التوراة إذ تخاطب كل جوانب الحياة وتتناول الجوانب الدنيوية والروحية‬
‫ئيسيا للعبادة والحياة‪ ،‬ويأتي دور الكهنة كمسئولين عن التعليم‪ ،‬إال أن‬ ‫ولذا ِ‬
‫طا ر ً‬
‫تمثل التوراة خ ً‬
‫معنى التعليم الذي يقصده مالخي يشمل دائرة تتسع لحياة الشعب الروحية والعملية فيعلن‬
‫مالخي إرادة الله الصحيحة أن ِ‬
‫يعلم الكهنة الشعب كيفية الحياة طبًقا إلرادة الله (مل ‪)5-7 :1‬‬
‫وهنا يمكن القول إن الهوت التوراة إطار أفكار مالخي ومقاصده وأسسه على فكرتين‬ ‫‪‬‬
‫وهما االلتزام لله بإخالص‪ ،‬والعالقة معه أكثر من كون العالقة مع الهيكل‪ .‬ولذا كانت التوراة‬
‫تعلن للشعب قبول الله لهم وتعليمهم كيف يعيشون في محبته‪ .‬وجدير باالهتمام إن التوراة‬
‫نفسها رجعت بعد بابل مع رجوع المسبيين وعز ار ‪1 :5‬؛ ‪ 6 ،61‬كإنتاج المسبيين بشكل كبير‬
‫كما جاء من قبل‪.‬‬

‫على أن المطالب الملِحة للتوراة تقوم على إخالص الجماعة لله‪ ،‬فلم يكن القصد من التوراة‬
‫مجرد التواجد في الهيكل‪ ،‬ولذا فإن مطالبها تتعلق بالعالقات المتبادلة بين الناس بنفس درجة‬
‫أهمية عالقتهم بالهيكل‪ .‬فالوفاء في الزواج لحفظ الناموس وإرساء العدل للضعفاء يأخذ نفس‬

‫‪41‬‬
‫قيمة تقديم الذبائح السليمة لله ووفاء األقسام (انظر مثال ‪61-1 :6‬؛ ‪61-63 :1‬؛ ‪.)7 :3‬‬
‫أيضا إشعياء وميخا وصفنيا وإرميا‬
‫وقبل مالخي جاء أنبياء مثل عاموس وهوشع في إسرائيل و ً‬
‫أخير حزقيال في يهوذا يؤكدون على أن العالقة بين عدم األمانة ليهوه‪ ،‬وبالتالي‬
‫وحبقوق و ًا‬
‫تماما بالعنف المجتمعي والظلم والقهر المنتشر بين الشعب خاص ًة من جانب‬
‫للتوراة ارتبطت ً‬
‫الحكام واألنبياء (مثال إشعياء‪16 ،65 ،61 :9 ،17 :7‬؛ ‪1 :61‬؛ إرميا ‪63-6 :61‬؛‬
‫حزقيال‪36-11 :11‬؛ هوشع‪5 ،61:6‬عاموس‪67-66 :7‬؛ ميخا‪1-6 :1‬؛ حبقوق‪1-6 :1‬؛‬
‫صفنيا‪)8-6 :3‬‬
‫كان على كل الكهنة األشرار أن يندموا‪ ،‬وإال فإنهم سوف يكتَسحون من المقدس‪ ،‬حتى يمكن‬
‫ثبات العهد مع الوي‪.‬‬
‫أمر يجب االلتفات إليه فعندما تكون التقدمة مرضية للرب كما في أيام القدم (‪:3‬‬
‫إال أن هناك ًا‬
‫‪ )1‬فإن هؤالء الذين صفح عنهم لم يقل عنهم أنهم يستحقون فضالً أو منة خاصة‪ .‬لقد استحقوا‬
‫االستحسان ألنهم من "الذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه" (‪ .)61 :3‬وهنا يمكن القول إن‬
‫ائدا على األمور التشريعية والطقسية‪ .‬وعلى ذلك فمالخي‬
‫تشديدا ز ً‬
‫ً‬ ‫سفر مالخي ال يتضمن‬
‫بعيدا كل البعد عن التمسك بحرفية الشريعة‪ ،‬ذلك ألنه نفذ إلى أعماق كل من‬
‫أساسا كان ً‬
‫ً‬
‫الشريعة واألنبياء‪ .‬إن دعواه الوحيدة العظمى هي في أهمية العالقة الشخصية مع الله الذي‬
‫يدعو الجميع إلى "السير معه" (قارن ‪.)1 :1‬‬

‫‪42‬‬
‫القانون و (روح) القانون‬
‫في مسلسل يعالج قضية (الحقوق) كنظرية وكقيمة تظهر عائلة تتكون من أب وبناته حيث‬
‫تدرس إحداهن القانون وتؤمن بحق الفرد في اختيار ما يناسبه كيفما يريد فهو امتياز شخصي‪.‬‬
‫لكن األب يرى أن حق الفرد يتحرك في إطار حق الجميع‪ .‬وحدث أن ابنة أخرى من بناته‬
‫كانت حامال في طفل ال ترغب في إنجابه‪ .‬تمسكت دارسة القانون بحق أختها الحامل في‬
‫اختيار اإلجهاض وتمسك األب بحق (الجد) و (الخاالت) بل وواجب(األمومة)‪.‬‬
‫قال األب لدارسة الحقوق‪ :‬أنت تنظرين إلى حمل أختك على أنه (جنين) وأنا أنظر إليه على‬
‫أنه (حفيدي) مرت األيام واألم الحامل حيرى بين إحساس أبيها وحقها الذي ساندته أختها‪.‬‬
‫ويوما بعد يوم بدأت األخوات باالرتباط بالجنين فأصبحن يخاطبنه في بطن األم قائالت‬
‫خاالتك أحضرن لك هدية‪ ،‬خاالتك يردن االطمئنان عليك‪ .‬الخ‪ .‬أحبت األم الجنين فصار‬
‫ابنها (أو ابنتها) وصارت العائلة كلها تخاطب الوليد ال الجنين‪ .‬راجعت طالبة الحقوق نفسها إذ‬
‫رأت أن ما تحمله أختها يحمل معنى أكثر من مجرد جنين‪ .‬هو كائن حي يحب وله قيمة‪.‬‬
‫موجودا‬
‫ً‬ ‫إنسانا‬
‫ً‬ ‫نجح المسلسل في إرسال رسالة تغير نظرة المشاهدين إلى (الجنين) باعتباره‬
‫بالفعل‪ .‬نجح الجد في تحويل " الصواب والخطأ " إلى قيمة وليس نظرية جافة‪.‬‬

‫‪43‬‬
44
‫االتجاه األخالقي عند مالخي‬
‫شيئا من قوته‬
‫تحرك مالخي بأسلوب متميز في االتجاه األخالقي ولم يفقد على اإلطالق ً‬
‫بمضي األيام‪ .‬فتعليمه من الناحيتين السلبية واإليجابية ينفذ إلى أعماق القلب‪ ،‬ويستنهض‬
‫القلوب التي تأخذ األمور بفتور وال مباالة وهو األمر الذي كانت عليه اليهودية في عصره‪ .‬هل‬
‫يمكن أن يكون السبب في عدم االهتمام بهذا السفر ألنه كان للبشر بمثابة غربلة يجب أن تمر‬

‫الكلمة من خاللها‪ ،‬فاألمر الذي ال مهرب منه هو أن هذا السفر سيكون ر ً‬


‫قيبا وبالتالي يستبعده‬
‫كل من ال يريد سماعه؟‬
‫كثير من الحقائق الروحية السامية والمقدسة قد فقدت بريقها‬
‫‪ ‬لكن يبدو أن ًا‬
‫‪ ‬أو فقدت معناها وتأثيرها‬
‫‪ ‬فهل اتخذت طابع المجاملة الكاذبة وربما التكرار الباطل؟‬
‫‪ ‬هل يرجع هذا للظروف الضاغطة‪ ،‬أو العكس لبحبوحة العيش؟‬

‫أيا كان‪ ،‬فالتخلِي عن أمانة الخدام لعهودهم ال يساويها أية مكاسب يمكن أن يتخيلوا أنها تعود‬
‫عليهم من ذلك‪ .‬بل إن النتيجة المريعة التي يحصل عليها الخدام من كسر عهودهم مع الله‬
‫يشرحها مالخي عندما يوضح أنهم بدالً من أن ِ‬
‫يرجعوا كثيرين عن طريق اإلثم‪ ،‬فإنهم أعثروا‬
‫الكثيرين بفساد تفسيرهم لكلمة الله‪.‬‬
‫وثانيا‬
‫ً‬ ‫يقول مالخي إن الكهنة أساءوا تمثيل الله‪ ،‬أوالً‪ :‬بسيرتهم الردية وحياتهم الفاسدة‪،‬‬
‫بتعليمهم الخاطئ‪ .‬والنتيجة المروعة إعثار الكثيرين عن أتباع الطريق القويم‪ ،‬هذا هو السبب‬
‫الذي دعي يسوع إلى إطالق تحذيراته القاسية في متى ‪ ،1-7 :68‬ذلك أن من يحتلون موقع‬
‫تعرضا لخطر إساءة توجيه الشعب‪ ،‬واالنحراف به عن الطريق المستقيم‪ .‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫القيادة هم أكثر‬
‫متهكما "ال تكونوا معلِمين كثيرين" (يع‪ )6 :3‬وتأتي‬
‫ً‬ ‫هو السبب الذي دعا يعقوب إلى أن ينصح‬
‫في الترجمة اليسوعية " ال يكن عندكم معلِمون كثيرون"‬

‫‪45‬‬
‫بين الكم والكيف‬
‫ما الكم والكيف اللذان يحتاج إليهما الخدام حتى يدركوا نصيحة يعقوب بأال يكونوا معلِمين‬
‫كثيرين؟‬
‫هل يحتاجون إلى التواضع؟ أم إلى إعادة المجد لله؟ أم أنهم يحتاجون إلى الصدق مع النفس‬
‫حتى ال ينسبوا ألنفسهم المعرفة وحدهم؟‬
‫تعمد حصر التعليم على أنفسهم ليضمنوا الطاعة‬
‫ربما يحذرهم من ُّ‬
‫أو اعتبار كل مخالفة في الرأي هرطقة؟‬
‫أو الوقوف عند نقطة واالكتفاء دون محاولة إضافة الجديد وقد يكون األكثر فائدة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫سفر مالخي‬

‫أسماء ودالالت‬

‫المالك‪:‬‬

‫كلمة "مالك" تكررت في عدة نصوص ومنها سفر التكوين وسفر الخروج عند دخول الشعب‬
‫أيضا اإلعالن لموسى‪.‬‬
‫ألرض كنعان و ً‬

‫قد ال يكون "مالخي أو مالكي" اسم شخص معين ومنهم النبي نفسه‪" ،‬فمالك الرب إلهك"‬
‫عبارة لها أهميتها في الكتاب المقدس وقد تترجم "مرسل" وهناك مناسبات مهمة عديدة في كال‬
‫مهما مثل تكوين ‪5 :61‬؛ ‪ 65 :16‬ومعونته‬
‫دور ً‬
‫العهدين القديم والجديد حيث يذكر من يلعب ًا‬
‫لهاجر‪ .‬وفي الوصف الوارد في خروج ‪ 69 :61‬عند دخول كنعان وفي اإلعالن لموسى في‬
‫خروج‪ 1 :3‬وكذلك أعمال الرسل ‪.31 :5‬‬

‫أحيانا قد يشير استخدام كلمة "مالك" لتفادي الكالم عن الله بطريقة مباشرة حيث كان ِذكر‬
‫–و ً‬
‫لفظة الله تحمل قداسة ال يصح معها النطق باالسم كيفما اتفق‪.‬‬

‫أيضا في إشعياء ‪ 3 :11‬بقصد إعداد‬


‫بما أن المرسل يعد الطريق لمجيء يهوه‪ ،‬وهذا ما ورد ً‬
‫أيضا كان‬
‫الشعب نفسه للعودة من السبي (إش ‪ )66 :61 ،66-9 :11‬ومتى‪3 :3‬؛‪ 61 :66‬و ً‬
‫يوحنا المعمدان يعلن مجيء الله ورسالته مجيء يسوع بوجه عام‪ .‬ولذا فكلمة مالخي قد يقصد‬
‫ِ‬
‫كالمبشر (قارن ‪ )7 :1‬هنا يوجد فرق بينه وبين "مالك العهد"‪.‬‬ ‫بها شخص له رسالته الفريدة‪،‬‬
‫الذي يظهر عندما تتم االستعدادات ويتهيأ الطريق فإن (الرب) يأتي بغتة إلى هيكله‪ ،‬إن الوعد‬
‫يوحي بأنه كانت هناك خيبة أمل مستمرة في الهيكل الثاني على الرغم من تشجيع كل من‬
‫صحيا أن‬
‫ً‬ ‫حجي وزكريا على إعادة بنائه (حج‪5 :1‬؛ زك‪ 61 :1‬الخ)‪ .‬ولقد كان رد الفعل‬
‫متوقعا منه أن يعمل عمالً أعظم من كل ما نظروه حتى اآلن‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتوجه الشعب بنظرة إلى الله‬

‫إسرائيل‪:2‬‬

‫‪ 7‬يتعذ ر حصر أصل إسرائيل وسط األمم وهذا شأن معظم الشعوب القديمة‪ ،‬فقد دخلت إسرائيل التاريخ حوالي ‪6111‬ق‪.‬م وسبق ذلك‬
‫حقبة طويلة من ‪ 8‬إلى ‪ 1‬قرون تكاد تخفى على المؤرخين‪ ،‬ومع ذلك يوجد ذكر لبعض الحوادث والشخصيات البارزة تناقلت في‬
‫التقليد الشفهي وتوفر للمؤرخين كثي ار من المعلومات‪ .‬ويمكن البحث عن أجداد إسرائيل بين شبه البدو الساميين من رعاة الغنم‬
‫المتنقلين‪ .‬تطور نشأة الشعب مر بعدة محطات منها استقرار اآلباء في فلسطين خالل القرن ‪ 68: 69‬ق‪.‬م حيث قدم ابراهيم من أور‬
‫ويعقوب من‪ .‬لم يهتم كاتبو األسفار العبرية بتحديد األزمنة التي تحدد تحرك اآلباء أو الشعب بقدر تركيزهم على االهتمام بإظهار‬
‫دور اآلباء كآباء روحيين زمنهم أتي نسل الشعب (تك ‪)65 ،67‬‬

‫‪47‬‬
‫"إسرائيل" في سفر مالخي ال يشير إلى اسم شخص أو موقع جغرافي لكن إلى معنى الهوتي‬
‫فالمقصود به هو" شعب الله"‬

‫ويشبه استخدام اسم إسرائيل في سفر مالخي استخدامه في إشعياء وحزقيال فهي لم تعد تشير‬
‫إلى أمة أو موقع جغرافي ولكن إلى معنى الهوتي "شعب الله" فيما بين جماعة اليهود العائدة‬
‫من السبي‪ ،‬فالله يتعامل مع اإلنسان ويقيم معه عالقة‪ ،‬فهو إله ِ‬
‫يوصل المبادئ بالحركة والفعل‬
‫والخلق‪ ،‬ولذا فالعهد مازال يرتبط باسم أشخاص من نسل يعقوب الذين عاشوا على التوالي طبًقا‬
‫للتراث الديني وعالقته بالعهد مع البشر‪ .‬ومع أن النسل مازال يحمل أهمية فإنه لم يعد مطلًقا‬
‫كما كان في عز ار ‪61 :9‬؛ ‪ 6 ،1-1 :61‬ونحميا ‪31 :61‬؛ ‪ 13 :63‬مع األخذ في االعتبار‬
‫وجود أسفار تنفتح على األمم فهناك سفر يونان الذي يرسله الله بأمر صريح إلى األمم‪.‬‬

‫إسرائيل في العهد الجديد‬

‫أما في العهد الجديد ففي رسالة رومية ‪ 66‬يتكلم الرسول بولس بتوجه يتميز باالنفتاح‬
‫واالشتمالية حيث يتناول قصد الله الخالصي لكل البشر ومع ذلك فقد اهتم بولس أن يكون‬
‫أيضا إشعياء ‪ 1 :19‬حيث يتكلم عن قصد الله‬
‫شعبه ضمن هؤالء المخلصين (‪ )1-6 :66‬و ً‬
‫أن يصل إلى كل أطراف األرض‪ .‬ويقرر بولس أنه من خالل معصيتهم جاء الخالص إلى‬
‫األمم (‪ )66 :66‬يتناول كال من إشعياء وبولس مواقف مختلفة؛ فإشعياء يتمنى أن يشجع أهل‬
‫يهوذا ليتعرفوا على مهمتهم بين البابليين‪ .‬ومن ناحية أخرى يكتب بولس لألمم المسيحيين الذين‬
‫يواجهون مصاعب في محاوالتهم لتعديل مواقفهم من اليهود‪ .‬أما رومية ‪ 16-65 :66‬فإن‬
‫القاعدة أن‪ :‬ليس ألحد أن يفتخر في مواجهة خالص الله‪.‬‬

‫عيسو ويعقوب‬
‫استخدام عيسو لإلشارة ألدوم (مال‪ .)3-1 :6‬بناء على فهم عيسو كأصل تلك األمة في تكوين‬
‫‪ 39-36 :31‬وكانت العالقة األخوية بين أدوم‪/‬عيسو ويعقوب مألوفة في سفر عوبديا (انظر‬

‫مرت نشأة الشعب بمحطات بعدما استطاعت بعض الجماعات السامية أن تهرب من مصر بقيادة موسى حوالي ‪ 6171‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫اضحا ألحداث اختبر فيها الشعب ظروًفا صعبة وتدخل الرب فيها مما اعتبر دليل على مولد األمة‬
‫اهتماما و ً‬
‫ً‬ ‫ويعطي سفر الخروج‬
‫اليهودية‪ ،‬فقد ترك الشعب مصر في خروج ‪ 61-5‬وبعدها عبر البحر في خروج ‪ 67 ،61‬ثم محطة أخرى وهي جمع موسى لهم‬
‫في جبل سيناء وتعليمهم عبادة الرب الذي حررهم ثم دخول فلسطين (خر‪ ) 11 :69‬وارتحالهم إلى الجنوب في مناطق قليلة السكان‬
‫وعلى شكل تنقالت متفرقة واضطرارهم للحروب واعتبرت انتصاراتهم دليال على عمل الرب في وسطهم ثم استيطانهم أرض كنعان ثم‬
‫تكوين المملكة ويليها فترة السبي‬

‫‪48‬‬
‫التعليق على العدد‪ )5‬ولذا فال حاجة لعقد اتفاقيات‪ .‬وهذا يضاف إلى صدمة وخزي العنف‬
‫الذي مورس ضد جار وقريب تربطه ربط القرابة التقليدية‬

‫قصة عيسو ويعقوب في سفر التكوين ِ‬


‫تعبر عن تفضيل الله ليعقوب ‪/‬إسرائيل وهو الرأي‬
‫الموجود هنا بوضوح (أحببتكم قال الرب)‪ .‬وقد يستخلص القارئ من األحداث التي كان عيسو‬
‫ويعقوب أط ارًفا فيها في سفر التكوين أن الله ِ‬
‫يفضل يعقوب\ إسرائيل بل إن التعبير الوارد هنا‬
‫في مالخي‪ " 7-1 :6‬أحببتكم قال الرب" وهنا رد عليه سامعوه المعترضون قائلين" بم أحببتنا؟‬
‫“وما تجدر مالحظته في سفر مالخي أن الحديث ال يخص يعقوب وعيسو‪ ،‬فالتركيز على‬
‫ردا على قول الشعب " بم أحببتنا؟" والواقع أن هذا‬ ‫محبة الله لشعبه في صورة محبته ليعقوب ً‬
‫ليس سؤاال استفسارًيا ولكنه طلب دليل إن لم يكن سؤاال استنكارًيا‪.‬‬

‫َم َثل محبة الله إلسرائيل‬

‫الحب والكراهية ال يجب أن تؤخذ بالمعنى المعاصر‪ ،‬بل هي تعني اتجاه الله نحو كل من‬
‫أدوم وإسرائيل (تك ‪35‬؛ عد‪1‬؛ تث ‪11‬؛ قض ‪ )61‬وربما أن هذا النص وغيره من النصوص‬
‫التي تتناول عالقة المحبة سواء بين الله والبشر أو بين البشر وبعضهم قد دفع العديد من‬
‫الشراح لمحاولة فهم معنى محبة الله‪ :‬فبعض ُّ‬
‫الشراح يحاولون فهم معنى "محبة الله" في العهد‬
‫القديم من خالل مستويين يتضمنهما تراث العهد القديم‪:‬‬

‫المستوى األول‪ :‬يبرز " محبة يهوه" إلسرائيل كموضوع مهم في التراث‪ ،‬ويربط هوشع ‪:3‬‬
‫‪6‬؛‪6 :66‬؛ مع إرميا‪ 3 :36‬وتثنية ‪ 7 :13 ،67 :61 ،63-61 ،8 :5‬والكلمة العبرية الحب‪،‬‬
‫)‪ )ahab‬مع كلمة الله كفاعل تأتي في أماكن أخرى (مثال إشعياء ‪8 :16‬؛ ‪ )13:1‬ويمكن‬
‫فهم مالخي ‪ 1 :6‬بهذا المعنى‪.‬‬

‫والمستوى الثاني‪ :‬يطلب من شعب الله أن يظهروا محبتهم لله‪ ،‬ففي مجموعة أخرى من‬
‫األسفار تتكلم عن محبة الله بمعنى ‪ bahar‬وهو معنى مختلف وذلك في سياق موضوعات‬
‫مثل "صهيون" و"داود" حيث ترد كلمة "اختار" لتوضح أهمية خاصة (مثل مزمور ‪-18 :-58‬‬
‫‪51‬؛ ‪1 :85‬؛ ‪63 :631‬؛ ‪ 1‬صم‪16 :1‬؛ تث‪7 :61‬؛ الخ)‬

‫وهناك اختالف مهم بين القسمين؛ فبينما يركز المستوى األول على محبة الله‪-‬ففي المستوى‬
‫الثاني يطلب أن شعب الله يظهر من جانبه دليل محبته لله (تث ‪ )7 :1‬ونوعا الحب‬
‫يستخدمان كثي ار بالتساوي‪ .‬ففي المستوى األول يظهر الله أمانته ألقسامه وعهده ووعوده‬

‫‪49‬‬
‫(تث‪8 :5‬؛ مز‪1 :89‬؛ ‪ )66-8 :617‬ولكن الثاني يفهم الحب على أنه "والء" )‪)hesed‬‬
‫(انظر مثال هوشع ‪5 :1‬؛ إر‪ )3-1 :1‬وهناك تواز في المعنى ملفت لالنتباه بالنسبة للنقطة‬
‫آلب ِائك ْم" حيث يأتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫األخيرة وخاصة في تثنية على سبيل المثال ‪َ " 8 :5‬وحْفظه اْلَق َس َم الذي أَْق َس َم َ‬
‫نفس التعبير في وثيقة آسرحدون مع تابعيه (حوالي القرن ‪ 5‬ق‪.‬م) والتي تعيد تكرار طلبات‬
‫والمالحظة أن العبارة الفعلية في المعاهدة هي‬ ‫الوالء التام والمطلق من التابعين للسيد‪.‬‬
‫"المحبة" (انظر ‪ )8 ANET,731-16‬وهنا قد تبدو أن المحبة في مالخي ‪) ‘ahab( 1 :6‬‬
‫تحمل خاصية االختيار‪ .‬يشرح عاموس ‪ 1 :3‬نفس الفكرة بقوله "إياكم فقط عرفت من جميع‬
‫قبائل األرض" وبذا يعني الحب أن الله قد اختار يعقوب ليخدم مقاصد الله‪ .‬وبالتبعية تأتي‬
‫كلمة يبغض في عدد‪ )sana’( 3‬أن عيسو كان "عديم الفائدة" بالنظر لخدمة مقاصد الله‪.‬‬
‫وربما تتضح نوايا عيسو في مواقفه فعندما أخذ يعقوب البركة من أبيه اسحق كان عيسو قد‬
‫أبدى استخفافه بكال من البركة والبكورية‪ ،‬فهو طلب من يعقوب أن يعطيه (من ذلك األحمر‪-‬‬
‫أي العدس) مقابل البكورية وهو قالها صراحة أنا ماض إلى الموت‪ ،‬لكن يعقوب كان يحمل‬
‫حماسة لالقتراب من الله وخدمته لكنه كان يحتاج أن يتعامل معه الله لتصحيح توجهه في‬
‫أمور كثيرة‪ ،‬فيعقوب – قبل أن يصير إسرائيل‪-‬كان ابن بيئته وثقافته وتصرفاته هي تصرفات‬
‫جرت عليها القبائل والعشائر وفرضتها األعراف والعادات الجارية‪.‬‬

‫أساسيا في الكثير من أسفار العهد القديم‪.‬‬ ‫موضوعا‬ ‫وعلى كل فمحبة يهوه إلسرائيل ت ِ‬
‫مثل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تقع أدوم في جنوب وشرق البحر الميت ولها تراث مشترك بين اإلسرائيليين‪ .‬وكما كانت‬
‫المؤسسين التقليديين لألمتين هكذا كانت أدوم ترى في‬
‫َ‬ ‫العالقة ملتبسة بين يعقوب وعيسو‬
‫أوقات كصديق وحليف (تث‪1-1 :1‬؛ ‪1‬مل‪ )9 :3‬وفي مناسبات أخرى كانت العدو اللدود‬
‫(عد‪16-61 :11‬؛ عا‪ .)67-66 :6‬وفي أثناء حقبة اإلمبراطورية األشورية الجديدة‬
‫واإلمبراطورية البابلية الجديدة (‪ )781-531‬كانت أدوم دولة تابعة‪ .‬وفي الغالب األعم ترجع‬
‫شكوى عوبديا من أدوم لمشاركتها في الدمار األخير ألورشليم وسبي شعبها على يد نبوخذ‬
‫نصر ملك بابل في ‪ 781-785‬ق‪.‬م‪ .‬لكن السجالت ليست واضحة بخصوص الدور المحدد‬
‫الذي لعبته أدوم‪ .‬ربما أن وجود حلف بين أدوم وبابل هو سبب عدم ذكر كل من عوبديا‬
‫ومالخي ألفعال أدوم بالتفصيل في حق إسرائيل‪ ،‬فقد كانت األمم عندما تخرج للحرب في‬
‫الشرق األدنى القديم‪ ،‬كانت تدعو كل أطراف العهد والدول التابعة إلرسال قوات وإمدادات‬
‫لتضافر الجهود‪ .‬أي أن المطلوب من أدوم وارد قبال في اتفاقيات الحلف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old Testament, ed. J.B. Pritchard. 3rd. ed. (Princeton‬‬
‫)‪University Press, 1969‬‬

‫‪51‬‬
‫لم يظهر أن أدوم تمردت على الحاكم البابلي في القرن ‪1‬ق‪.‬م‪ .‬لكن يبدو أن اإلقليم قد هوجم‬
‫على يد الملك البابلي نبونيداس‪ .‬أما عوبديا وإرميا ‪ 19‬وحزقيال ‪ 17‬فيشيرون إلى دمارها‪ ،‬أما‬
‫مالخي فيفيد أن األدوميين لم يهجروا المنطقة‪ .‬القليل يعرف عن مصير أدوم في القرن‬
‫الخامس ق‪ .‬م‪ .‬وتميزت المنطقة بنشاط تجاري اقتصادي مع دول الساحل وشرقي المتوسط‪.‬‬
‫وقد غ از النبطيون المنطقة في نهاية القرن الثالث ق‪.‬م‪ .‬وهم من الصحراء العربية‪.‬‬
‫امتحان للشعب‬
‫تذكر أسفار العهد القديم تفاصيل عالقة األخوة عيسو ويعقوب والتي لم تكن جيدة بل يمكن‬
‫أيضا المعاملة الخشنة التي عومل بها‬
‫القول إنها كانت سيئة على األغلب‪ .‬وتذكر األسفار ً‬
‫األدوميون على يد داود في ‪1‬صموئيل ‪ 61-61 :8‬وأمصيا (‪1‬مل‪ )8 :61‬والنبوات في‬
‫إشعياء ‪ 65-7 :31‬وعوبديا ونصوص أخرى (إش ‪ :13‬وإر‪ )19‬واعتبر اليهود أن دمار أدوم‬
‫على يد النبطيين يعني عدم تفضيل الله ألدوم (عدد ‪.)3‬‬
‫في الوقت الذي كتب فيه مالخي سفره‪ ،‬كانت أورشليم قد تم استردادها وتم بناء الهيكل منذ ما‬
‫يقرب من ستين أو سبعين سنة (انظر المقدمة) وفي غضون ذلك جاء النبطيون وهم جماعة‬
‫من الغزاة الصحراويين (‪6‬مكابيين ‪ )17 :7‬ونهبوا إقليم أدوم‪ ،‬وأرغموا السكان على االلتجاء إلى‬
‫النقب‪ ،‬إلى الجنوب من إقليم يهوذا‪ .‬وهم لم يعودوا إلى أرضهم وظلوا في فلسطين وعاصمتهم‬
‫حبرون‪.‬‬
‫ويفهم من اإلصحاح الثالث عدد ‪ 3‬أن أدوم لم يساعد اليهود أثناء حصار أورشليم عندما‬
‫حاصرتها بابل ‪ 781‬باإلضافة شارك في خراب المدينة وفرحوا بسقوطها (م ار ‪ 1‬مز ‪)635‬‬
‫رمز للخيانة والشر والسلب (عو‬
‫فزادت الم اررة بينهما (عا ‪ )6‬ولذا فقد صارت أدوم بعد السبي ًا‬
‫‪.)16 :6‬‬

‫لذا رأى اليهود أن سيطرتهم على آدوم داللة على تفضيل الله لهم ونظر اليهود إلى األدوميين‬
‫مقياسا لمحبة الله لهم‪ ،‬ولم‬
‫ً‬ ‫محددا وهو كونه‬
‫ً‬ ‫دور‬
‫هامشيا وجد فقط لكي يؤدي ًا‬
‫ً‬ ‫شعبا‬
‫باعتبارهم ً‬
‫ال وهم قد أساءوا فهم معنى شعب الله المختار وربما الوحيد الذي اختاره الله مما خلق داخلهم‬
‫شعور بالتفوق على كل الشعوب‪.‬‬
‫ًا‬
‫لم تذكر تفاصيل تعديات أدوم كامل ًة في األسفار الكتابية ولكن عوبديا لخص أفعالها في‬
‫تعديهم على القواعد غير المكتوبة التي تنظم العالقة اإلنسانية (عا‪ )1-6‬ولذا يتكلم عوبديا‬
‫مشئوما إذ ستتعرض للحرب وتصبح بعدها صغيرة ومحتقرة بين‬
‫ً‬ ‫خبر‬
‫موجها ًا‬
‫ً‬ ‫على لسان الرب‬
‫الشعوب إذ أن" تكبر قلبك قد خدعك أيها الساكن في محاجئ الصخر رفعة مقعده القائل في‬
‫قلبه من يحدرني إلى األرض إن كنت ترتفع كالنسر وان كان عشك موضوعا بين النجوم فمن‬

‫‪51‬‬
‫هناك أحدرك يقول الرب" (عو ‪ . )7-1 :6‬كل هذا سيأتي عليها "من أجل ظلمه ليعقوب"‬
‫فيرتاع أبطالك يا تيمان لكي ينقرض كل واحد من جبل عيسو بالقتال من أجل ظلمك ألخيك‬
‫يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى األبد ‪.‬يوم وقفت مقابله يوم سبت األعاجم قدرته ودخلت‬
‫الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على اورشليم كنت أنت أيضا كواحد منهم‪( .‬عو‪ )66-9 :6‬ثم ِ‬
‫يحذر‬
‫الرب أدوم أال يشمت بأخيه‪ .‬وال يقف ضد أخيه عندما يدخل أخاه إلى الضيق والبلية‬
‫(أعداد‪ )61-61‬وأن يمتنع عن تقديم المساعدة ألعداء أخيه‪ .‬ومن هنا يأتي السؤال الوارد في‬
‫مالخي ‪ )7-3 :6‬بم أحببتنا كإشارة إلى تغاضي الله عن خطر الهجوم المحتمل الذي قد تشنه‬
‫أدوم الستعادة قوتها‪.‬‬
‫األمم‬

‫ينتقل مالخي إلى األمم بعد أن تناول القضية األساسية لسفره‪ ،‬وهي كيفية معالجة القضايا‬
‫والمشاكل لإلبقاء على جذوة اإليمان حي ًة في إسرائيل فلم تكن دينونة األمم جزًءا من رسالته‬
‫النبوية (‪ )6 :6‬لكن مالخي ابن العهد يعلم أن سلطان الله يمتد إلى أبعد من حدود إس ارئيل‬
‫(‪ )7 :6‬وأن كالمه عن األمم أمر يفرض نفسه ألن األمم ببساطة هم خليقة الله التي ال‬
‫يستثنيها من مقاصده وتعامالته‪ .‬فاألمم أو الشعوب هم واقع موجود لم يظهر صدف ًة أو نتيجة‬
‫شهودا على تدخل الله‪ ،‬ألنهم وببساطة‬
‫ً‬ ‫خلل في حسابات الشعب‪ .‬ولذا فإن كل األمم سيكونون‬
‫أيضا هم بالفعل أروا تدخالته ولمسوا تأثيرها فهم ال يعيشون في عالم منفصل عن األحداث‪،‬‬
‫ً‬
‫فبالتالي هم معترفون به ومقدمون له الهيبة والسجود (‪61 :6‬؛ ‪ .)61 :3‬بل إنهم سيقدمون إليه‬
‫تقدمات طاهرة‪ ،‬تفوق التقدمات الالوية والتي لم يسبق على اإلطالق وصفها بالطهارة‪َ " .‬‬
‫ال‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫أَْقبل تَْقِدم ًة ِمن يِدكم ‪ِ . . .‬في ك ِل م َكان يَقرب الس ِمي بخور وتَْقِدم ٌة َ ِ‬
‫اهرةٌ‪ ،‬ألَن ِ‬
‫اسمي َعظ ٌ‬
‫ْ‬ ‫ط َ‬ ‫َ ٌ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ود‪.‬أَما أ َْنت ْم َفم َن ِجسوه‪ ،)61-9 :6( ،‬لكن وحيه سيكون في نفس الوقت‬ ‫َب ْي َن األممِ‪َ ،‬قال ر ُّب اْلجن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫دافعا إلسرائيل ألن يكونوا أمناء على العهد وصادقين في الحفاظ عليه حتى ال يصل بهم‬ ‫ً‬
‫التاريخ إلى الخراب الذي يحل بهم بدالً من البركة‪ .‬وهناك روايات كثيرة في القديم ِ‬
‫تذكر الشعب‬
‫بأن إله إسرائيل هو إله البشرية كلها (تك ‪ 61‬خر ‪1 68‬مل ‪ 7‬مز ‪ )11‬وفي ضوء هذا تق أر‬
‫أيضا عاموس وإشعيا وإرميا الذين حاولوا تصحيح هذه النظرة (عا ‪6‬؛ إش ‪ 61‬؛إر‬ ‫مالخي و ً‬
‫أيضا‬
‫‪ )17‬فأرادوا أن خاطبوا البشرية جمعاء وإن لم ينكروا العالقة الخاصة بين الله وإسرائيل و ً‬
‫أيضا أناشيد عبد الرب إش ‪.)11‬فحصرية إسرائيل‬
‫اعتبروها ذات مسئولية خاصة (عا ‪ 3‬و ً‬
‫كانت واضحة في سفري عز ار ‪61 :9‬؛ ‪ 1 -1 :61‬ونحميا‪31 :61‬؛ ‪ ،13 :63‬بخصوص‬
‫الزواج بأجنبيات‪ ،‬ولكنها لم تكن حصرية نهائية تشمل كل العصور والظروف ‪ ،‬ففي‬
‫نور لألمم إلى‬
‫إشعياء‪1-6 :11‬؛ ‪1 :19‬؛ ‪ 8-6 :71‬حيث يضم الغريب ويرسل الله إسرائيل ًا‬

‫‪52‬‬
‫أيضا سفر‬
‫أن ينتهي إلى كل الشعوب "بيتي بيت الصالة يدعى لكل الشعوب" (إش ‪ )71 :5‬و ً‬
‫شعبا ذو خصوصية وحصرية‪ ،‬وفي الشتات‬
‫يونان أمثلة لمعنى شامل إلسرائيل أكثر من كونهم ً‬
‫صارت اليهودية إرسالية‬
‫النظرة إلى األمم أثناء السبي‬

‫ظهر خطان فكريان أثناء السبي واستم ار بعده‪ ،‬أحدهما ِ‬


‫يركز على قصد الله الرحيم الذي‬
‫يضفي نور خالصه ليضيء لألمم (إش ‪ )11‬والثاني يعاقب األمم أعداء الله‪ ،‬وعقابه سيلحقهم‬
‫يعا (إش ‪11‬؛ حز ‪38‬؛ دا ‪ )5‬مع اعتبار أن الفكرة األولي ليست منتشرة إال أنها توافق حياة‬
‫سر ً‬
‫وتعاليم يسوع‪.‬‬

‫األمم بين قصد الله ونظرة إسرائيل‬


‫ماذا كان قصد الله من جهة هؤالء الغرباء؟ هل انتبه اليهود إلى ما جاء في األسفار اليهودية‬
‫ضايِْقه النك ْم ك ْنت ْم‬ ‫المقدسة إلى فكر الله من جهتهم؟ فسفر الخروج" وال تَض َ ِ ِ‬
‫يب َوال ت َ‬ ‫طهد اْل َغ ِر َ‬ ‫َ ْ‬
‫يض ًة َد ْه ِري ًة انك ْم ِفي‬ ‫ِ ِ‬ ‫غرب ِ‬
‫ص َر‪16 :11‬؛ أما الويين ‪َ 19: 61‬وَيكون َلك ْم َف ِر َ‬ ‫اء في ْارض م ْ‬ ‫ََ َ‬
‫طن ُّي َواْل َغ ِريب الن ِازل‬‫ِ‬ ‫وسك ْم َوكل َع َمل ال تَ ْع َملو َن‪ :‬اْل َو َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْهر الساب ِع في َعاشر الش ْهر ت َذللو َن نف َ‬
‫اليِتيم‬‫الغ ِريب َو َ‬
‫يب َم َع َك َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الالو ُّي ألَنه ْلي َس له ق ْس ٌم َوال َنص ٌ‬ ‫ِفي وس ِطكم‪ :‬؛ وفي تثنية َف َيأِْتي ِ‬
‫ََ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين في أ َْب َواِب َك َوَيأْكلو َن َوَي ْش َبعو َن لي َب ِارَك َك الر ُّب ِإله َك في كل َع َمل َيد َك الذي تَ ْع َمل"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواأل َْرَملة الذ َ‬
‫الظْل ِم‪5 :11 .‬؛ ومالخي يقو‪َ ":‬وَلك ْم‬ ‫‪ 19 :61‬؛ ويضيف ‪ِ . . .‬في وس ِط ِك عاملوا اْل َغ ِريب ِب ُّ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ول ِ‬
‫الص َيرِة‪.‬‬ ‫الشَفاء ِفي أَجِنحِتها َفتَ ْخرجو َن وتَْن َشأو َن َكعج ِ‬ ‫أَيُّها اْلمتقون اس ِمي ت ْشرِق َشمس اْلِب ِر و ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫اس َم الر ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ .)1 :1‬أما إشعياء فيقول"‪ :‬أ َْب َناء اْل َغ ِر ِ‬
‫ين َيْقتَ ِرنو َن بالرب ل َي ْخدموه َولِيحبُّوا ْ‬ ‫يب الذ َ‬
‫ين َي ْحَفظو َن الس ْب َت لِ َئال ي َن ِجسوه َوَيتَ َمسكو َن ِب َع ْهِدي‪ِ .‬آتي ِب ِه ْم ِإَلى َجَب ِل‬ ‫ِ‬
‫ل َيكونوا َله َعِبيداً ك ُّل الذ َ‬
‫ِ‬
‫صالَِتي َوتَكون م ْح َرَقاته ْم َوَذ َب ِائحه ْم َمْقبوَل ًة َعَلى َم ْذ َب ِحي ألَن َب ْيِتي َب ْي َت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق ْدسي َوأَفرحه ْم في َب ْيت َ‬
‫ِ‬
‫وب»‪.)1،5 :71( .‬‬ ‫الشع ِ‬ ‫الصالَ ِة ي ْد َعى لِك ِل ُّ‬
‫فاتحا لهم باب القبول ولكن يبدو أن‬
‫فلو أن كل الغرباء صاروا دخالء فإن الله كان سيسر بهم ً‬
‫الشعب لم يدرك هذا البعد وربما اعتبره استثناء لن يحدث كثي ار أو تفضال منهم أن يقبلوا‬
‫الغريب‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫يوم الرب‬

‫نعم آت يوم الرب‪ .‬والسؤال الوارد في ‪ " 65 :1‬أين إله العدل؟" ِ‬


‫يعبر عن رفض اإليمان في‬
‫ذلك اإلله بسبب الظلم‪ ،‬لكن يوم الرب آت بالتطهير – تطهير أبناء الوي حتى تقبل تقدمات‬
‫الناس للرب مرة أخرى (‪ )1 ،3‬ووعد بأن العدل سيعود بناء على متطلبات التوراة وهنا يأخذ‬
‫إيجابيا‪ .‬يوم الرب في مالخي ليس يوم دمار (‪ )3 :1‬ولكنه وقت تطهير كما في‬
‫ً‬ ‫موقفا‬
‫مالخي ً‬
‫متنوعة (انظر إشعياء ‪61 :18‬؛‬ ‫كثير ولكن ُّ‬
‫بتوقعات ِ‬ ‫إشعياء ‪ 11-11 :6‬وتستخدم الرموز ًا‬
‫إرميا ‪31-19 :1‬؛ زكريا ‪ )69 :63‬والكلمة " بغتة" تفترض أن مجيء الرب متوقع على‬
‫أسلوب" يوم الرب" المعروف في التقليد اإلسرائيلي مثال عاموس ‪11 ،68 :7‬؛ اشعياء ‪:63‬‬
‫‪1‬؛ يوئيل‪67 :6‬؛ عوبديا ‪.67‬‬
‫دينونة الله ستكون نهائية وحاسمة (‪)6 :4-56 :6‬‬
‫عبا‬
‫وصفا مر ً‬
‫ً‬ ‫يوم الرب يختلف عن يوم الدينونة عند مالخي‪ ،‬فكل من متى ومالخي يستخدم‬
‫تماما‪ ،‬ففي مالخي تتوجه الدينونة إلى‬
‫عن يوم الدينونة‪ ،‬ولكن تفاصيل كل منهما مختلفة ً‬
‫عاملي الشر وتأتي بتجديد خالصي أي أن مالخي يتكلم عن خالص الله لشعبه وال يتناول يوم‬
‫الرب بوصفه يوم دينونة‪ .‬أما متى ‪ 36 :17‬فيتناول دينونة كل الشعوب وفصل الخير من‬
‫الشر وبذا يختلف الموضوع عند كليهما‪ ،‬فمالخي يتكلم عن الخالص للجماعة في يوم تجديد‪،‬‬
‫أيضا إرميا ‪ 31 -36 :36‬وإشعياء ‪:16‬‬
‫وشعب الله يتلقى الشفاء ويستعيد عالقة العهد (انظر ً‬
‫‪ )66 -61‬أما متى فيقسم البشرية إلى قسمين في النهاية فالبعض يدعوهم تعالوا يا مباركي‬
‫أبي رثوا الملك المعد لكم (عد‪ )31‬واآلخرون اذهبوا عني يا مالعين (ع ‪.)16‬أيضا توجد فكرة‬
‫المجيء "بغتة" في العهد الجديد وهو وصف متأثر باألفكار األبوكالبتية عن "نهاية العالم"‬
‫(مت‪11-31 ،15 :11‬؛ ‪6‬تس‪3 -1 :7‬؛ ‪ 1‬بط‪61 :3‬؛ رؤ‪ )67 :3،61 :3‬وهنا في مالخي‬
‫تطوير الفكرة في يشوع بن سيراخ ‪ 66 -5 : 17‬والكتابات الرؤيوية المتأخرة التي تمتلئ‬
‫بالويالت مثل أخنوخ ‪ 611 – 91‬وتقابلها تطويبات في ‪ 6‬أخنوخ ‪ 11 :78‬؛ ‪ 61 :99‬؛‬
‫‪ 11 :617 1 :611‬وهي كتابات يختلف توجهها عن الفكر اإلسخاتولوجي الذي يربط‬
‫الحاضر بالمستقبل والرجاء فيه ممتد من الحاضر ليأتي بكماله في المستقبل‪.‬‬

‫تاما‪ ،‬لذا فإن‬


‫انهيار ً‬
‫ًا‬ ‫أن العالم مكان للشر وال رجاء في إصالح هذا العالم إال بانهياره‬ ‫‪‬‬
‫ليغير أوضاع ذلك "العالم الحاضر" ويدينه‪ ،‬بأن يبيد‬ ‫الله سيتدخل سريعا في وقت قريب ِ‬
‫ً‬

‫‪54‬‬
‫األشرار ويأتي "بالعالم اآلتي" أو الجديد‪ ،‬الخالي من الشر ويعلن حكم الله البار وهو ما كان‬
‫اليهود يطلقون عليه "الدهر اآلتي"‪( .‬ولذا فالخلط بين الفكر اإلسخاتولوجي والفكر الرؤيوي‬
‫يدعو بعض الوعاظ إلى المناداة بأن "العالم سيصير إلى أردأ" ال رجاء حاضر)‬

‫‪55‬‬
‫حي بن يقظان‬
‫يروي ابن طفيل قصة مأخوذة عن ابن سينا بطلها اسمه حي بن يقظان (إشارة إلى ُّ‬
‫تيقظ‬
‫وجدانه وذهنه) والتي تلخص تجربة صبي وجد في غابة ليس بها بشر وأرضعته غزالة وعندما‬
‫توفت بدأ يحاول إصالح السبب الذي أدى إلى وفاتها فقام بفتح جوفها ليحدد مكان العطب‬
‫عطبا تسبب في وفاتها فكر أن للغزالة صانع فبدأ يبحث عن صانع الغزالة بل‬
‫ً‬ ‫ولما لم يجد‬
‫وصانع كل الموجودات التي حوله وإذ به يستنتج وجود خالق صالح ومحب لكل ما حوله وبدأ‬
‫الشاب يتعامل مع ما حوله باعتباره وكيال عن الخالق بالعناية بالخلق‪.‬‬

‫يسوع يبتسم‬
‫انتهى عرض شريط الفيديو المتَرجم عن اإلنجليزية الذي يتناول حياة يسوع المسيح وسأل‬
‫مدرسة مدارس األحد قائلين‪ :‬يسوع كان يضحك وهو جالس مع األطفال وأيضا كان‬ ‫الصغار ِ‬
‫يبتسم وهو في العرس وعندما كان يخاطب الناس‪ ،‬فلماذا ال يضحك في الصور وشرائط الفيديو‬
‫التي رأيناها قبال؟‬
‫لقد أحببناه أكثر عندما رأيناه يضحك !!!‬

‫‪56‬‬
‫سفر مالخي‬

‫شعب وشعوب‬
‫شعب مختار وشعوب تعود‬
‫توجه مالخي إلى شعب الرب – شعب العهد إذ يقول وحي كلمة الرب إلى إسرائيل (‪ )6:6‬إال‬
‫أن من مميزات حديث مالخي أنه ال يقوم على األفضلية واالستحقاق‪ ،‬بمعنى أن مالخي ال‬
‫امتياز للشعب لمجرد أنه إسرائيل (الشعب)‪ ،‬بل ألنه إسرائيل (العهد)‪ .‬وهنا تدخل‬‫ًا‬ ‫يعطي‬
‫الشعوب ضمن محبة ورعاية الله‪ ،‬فهو هنا يتعامل طبًقا "للبوريط" (أي العهد في العبرية) ‪-‬‬
‫العهد مع نوح – الذي يقطعه الله مع نوح كعهد نعمة ال مشروط‪ ،‬أبدي‪ ،‬وعالمي أي لكل‬
‫الكون ولكل الخليقة‪ ،‬لكل األرض‪ ،‬ولكل الشعوب‪ .‬لكن يبدو أن شعب إسرائيل نسي قول الرب‬
‫ض ِه ‪.‬‬
‫في تثنية ‪" 5 :13‬الَ تَ ْكره أَدو ِميًّا ألَنه أَخوك ‪.‬الَ تَ ْكره ِمص ِريًّا ألَنك ك ْنت ن ِزيالً ِفي أَر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اعة الر ِب" ‪ .‬لذا يتناول مالخي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يوَلدو َن َله ْم في اْل ِجيل الثالث َي ْدخلو َن م ْنه ْم في َج َم َ‬
‫األ َْوالَد الذ َ‬
‫موقف الشعوب األخرى من تعامالت الله معها في مالخي ‪ " 66 :6‬ألنه من مشرق الشمس‬
‫إلى مغربها اسمي عظيم بين األمم وفي كل مكان يقرب السمي بخور وتقدمة طاهرة ألن‬
‫اسمي عظيم بين األمم قال رب الجنود" فبعد أن كان الرب يكلم الشعب هو اآلن يتكلم عن‬
‫الشعب‪ ،‬واألسلوب هنا مهيب وبه عبارات تراثية عميقة " رب الجنود" (‪6‬صم‪ ،1 :1‬خر ‪:69‬‬
‫‪7‬؛ ‪6‬بط‪" :)9 :1‬أنتم أيها المتقون اسمي" (قارن ‪ )61 :3‬أي أولئك الذين تابوا ويتوقون إلى أن‬
‫سببا في إحداث التنور المتقد‬
‫يروا قضيته تنتصر وحقه يسود‪ .‬ولهؤالء فإن الشمس التي كانت ً‬
‫(اآلية ‪ )6‬سوف تصبح "شمس البر"‪ ،‬جالب ًة معها الصحة والشفاء ألولئك الذين يجنون البر‬
‫(إش‪ ،)69-68 :75‬قد يظن البعض أن "المتقون اسمه" هنا هو الشعب المختار‪ ،‬لكن السياق‬
‫هنا قد يعنى العكس‪ ،‬فهو يشهد أن "المتقين اسمه في كل مكان" وليس الشعب المختار فقط‪،‬‬
‫بل وحتى إن لم يتقيه الشعب المختار‪ ،‬فسوف يرجع الغرباء إلى الله فيطفرون ويقفزون مثل‬
‫العجول المنطلقة من معالفها إلى ضوء الشمس فرحين مبتهجين غاية االبتهاج بانتصار الحق‪.‬‬
‫وكما يشفق اإلنسان على ابنه الذي يخدمه فإن عبارة "في اليوم" تقترب من نبوءة اسخاتولوجية‬
‫كتشجيع للقارئ (انظر إشعياء ‪11 :61‬؛‪61،66 :66‬؛ ‪ 61 :69‬وكتابات أخرى مثل عاموس‬
‫أيضا يمكن‬
‫ويوئيل وزكريا حيث ترد كلمات تشجيع ألعمال الله الخالصية في إسرائيل ويهوذا و ً‬
‫توجيهها ألمم أخرى كمثال أشور ومصر (إش‪.)63 ،61 :15 ،68 ،65-61 :69‬‬

‫‪57‬‬
‫ويقدم و‪ .‬نيل ‪ W. Neil‬رًأيا مماثالً يعد اعت ارًفا مذهالً هذه األيام حين يقول بأن العبادة التي‬
‫تقدم في إخالص ويقين حقيقي إنما هي في الواقع مقدمة إلى الله الواحد الحقيقي (قارن‬
‫أعمال‪ .)37 :61‬واآلن فإذا كان هذا هو التفسير الحقيقي لكلمات مالخي‪ ،‬فهل هو من كتاب‬
‫األسفار المقدسة الذي يرى أن التقدمات مقدمة إلى الله الواحد الحقيقي‪" .‬من مشرق الشمس‬
‫إلى مغربها" وهي عبارة شاملة ال يساويها شيء في اشتمالها ومجالها؟ هذا األسلوب المميز‬
‫موجود مرتين في المزامير (‪6 :71‬؛ ‪ ،)3 :663‬ومرتين في إشعياء (‪1 :17‬؛ ‪،)69 :79‬‬
‫لينقل أو ِ‬
‫يبلغ عالمية حكم الله وسلطانه‪ ،‬واقتراب كشفه عن ذاته لألمم كالخالق‪ ،‬والملك‪،‬‬
‫والفادي‪ .‬وكما الحظ ث‪ .‬تشاري‪ ،‬فإن هذا يتوجه بنص مالخي إلى المستقبل‪ .‬وما كان للنبي‬
‫أن يستخدم مثل هذا التعبير لو كانت في ذهنه عبادة يهود الشتات أو الدخالء (المهتدين من‬
‫األمم إلى اليهودية)‪ ،‬ذلك ألنه من الصعوبة بمكان القول إنهم كانوا مشتتين في جميع أنحاء‬
‫األرض‪ ،‬حتى مع األخذ في االعتبار الرقعة الجغرافية المحدودة للعالم المعروف في ذلك‬
‫العصر‪.‬‬
‫لكن مالخي لم يترك نفسه لمشاعره فهو قد الحظ المعايير األخالقية لجيران إسرائيل (مال‪:6‬‬
‫‪7-6‬؛ ‪ ،)66 :1‬بل هو يتوقع وينتظر أن يرى اسم الله مكرًما بين األمم‪ ،‬وأنهم سيأتون إلى‬
‫معرفة الله‪ .‬ولم تكن هذه فكرة جديدة ذلك أن إشعياء قد سبق وأنبأ بمثل هذا التحول‪ .‬مع األخذ‬
‫التوسع في هذه الفكرة أو أخذها بال احتراس‪ ،‬فالقصد الرئيسي أن يخجل‬
‫ُّ‬ ‫في االعتبار عدم‬
‫الشعب من إهماله إللهه لكن األمر ال يخلو من أمانة بقية الشعوب‪ .‬ولعل قصة الركابيين‬
‫تظهر مرة أخرى هنا‪ ،‬فمن دخل العهد مع الله وتدرج في النمو معه ال بد أن يقول "أبونا قال‬
‫لنا" فالجماعة التي ترتبط بالعهد ال بد أن تسعى للسير بمقتضاه‪.‬‬

‫وعد الرد واالسترداد‬


‫اإلصحاح الرابع عدد‪ 1‬يتكلم عن "رد" قلوب اآلباء إلى األبناء وتوجه لتجديد العالقة وهنا‬
‫تصبح األفعال مطلوبة وليس مجرد الكالم‪ ،‬وهذه دعوة مثل التي وردت في إرميا ‪ "6 :1‬إن‬
‫رجعت إلي ونزعت مكرهاتك من أمامي فال تتيه" فالقصد نفي احتمالية سوء فهم "العودة" كنوع‬
‫من التمرين الروحي إذ يؤكد مالخي على أن العودة "الرد" يجب أن تتحقق بحياة جديدة في‬
‫نفس هذا العالم القديم وهذا فقط ما يمنع اللعنة أن تأتي على الشعب‪.‬‬

‫ماذا عن حصرية المسيحية؟‬

‫أكد تعليم الرسل على أال يغلقوا الباب أمام الشعوب األخرى (أع ‪ 67 ، 63 ، 61‬غال ‪ )1‬وهنا‬
‫كان لالضطهاد والضغوط التي واجهتها المسيحية المبكرة أثرها مع أن المسيحية تعرضت‬
‫‪58‬‬
‫للخطر سواء كجماعة أو أفراد (‪ 6‬بط ‪6‬؛ رؤ ‪ )1‬وخشية عدم األمانة للرب (رو ‪61‬؛ ‪ 6‬بط ‪1‬‬
‫؛‪ 1‬تي ‪ )1‬مما عمل على ظهور توجه عدم ثقة نحو غير المسيحيين‪ ،‬وعندما اعتنقت‬
‫رسميا للدولة ‪ 396‬تم حظر أي‬‫ً‬ ‫دينا‬
‫اإلمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية وصارت ً‬
‫ممارسات طقسية وثنية‪ ،‬ثم فيما بعد ظهرت دعوى أن ال خالص خارج الكنيسة‪ ،‬وهذا مالم‬
‫يقصده يوحنا بقوله إن يسوع هو الطريق والحق والحياة في ‪1 :61‬‬

‫أيضا يصف إشعيا ‪ 5‬و‪ 18‬اإليمان‬


‫فيسوع أقر بإيمان القائد الروماني في متى ‪ 61،67 :8‬و ً‬
‫كالتزام كامل لله (رو ‪ )9‬فقد يوجد اإليمان في أماكن وبين أشخاص ال يمكن توقع وجوده‬
‫بينهم‪ ،‬فالله الذي دعا إلى نعمته أما اإلنسان فيقبل اختياره وعهده وخالصه‪ ،‬فمحبة يسوع (رو‬
‫‪ )6‬أكبر من فهم البشر له ولعمله داخل وخارج الكنيسة‪ ،‬ولذا فإن فهم مدى اتساع عمل‬
‫المسيح يشجع الكنيسة ألن تتعهد بمحبة الله وخدمته‪ .‬وهنا ال يتخلى مالخي عما يجب أن‬
‫يلتزم به شعب الرب من السير على طريق التوراة والممارسات الطقسية وتقديم الذبائح على‬
‫المذبح في أورشليم‪ ،‬فهي مازالت مطاليب مفروضة ويجب أن تؤخذ بجدية كاملة ومن هنا تأتي‬
‫مسئولية الكهنة في التأكد من صالحية ما يقدم على المذبح‬
‫شمس البر‬
‫" تشرق شمس البر" لم ترد كلمة "شمس البر" في الكتاب المقدس إال هنا‪ ،‬واللغة المجازية التي‬
‫تذكر بقرص الشمس ذي األجنحة الذي يظهر على كثير من آثار‬ ‫تصور أشعتها كاألجنحة‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫رمز لرب الجنود حين يكشف عن نفسه‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬إنه مجاز لغوي جدير بأن يكون ًا‬
‫كالقاضي في كامل جبروته‪ .‬وال يمكن إغفال اإلشارة إلى المَثل المصري ِ‬
‫متمثال في الشمس‬ ‫َ‬
‫واألجنحة كرمز إلله الخلق رع الذي كان إله الشمس وإن كان يتغير من وقت آلخر إال أنه‬
‫اإلله خالق الحياة وأبو الملك والبشر‪ .‬يرجع استخدام األفكار المصرية في رموز العهد القديم‬
‫عدة مرات إلى العالقة الطويلة بين مصر وفلسطين وبالد الرافدين‪.‬‬

‫شمس البر – اللوجوس‬


‫استخدام مفردات وأفكار لدى شعوب وفلسفات أخرى ال يضعف الحق الكتابي فالله يكلم البشر‬
‫حيث هم وبمعطيات ثقافاتهم‪ ،‬وهنا مثال من العهد الجديد استخدمه البشير يوحنا في إنجيله‪:‬‬
‫يبدأ إنجيل يوحنا بالقول "في البدء كان (الكلمة) (اللوجوس) ‪ . . .‬كل شيء به كان" (يو‪:6‬‬
‫‪ )3 ،6‬ويوحنا يستخدم كلمة لوجوس وهي عبارة فلسفية تستخدم في البحث عن اللوجوس (أي‬
‫العقل في حالة حركة) وهو مصدر الوجود الذي رآه البعض في النار وآخرون في الماء وثالث‬
‫في الهواء ورابع في التراب‪ ،‬ويوحنا يقول "اللوجوس" ليس كل هذا ولكنه كان عند الله‬

‫‪59‬‬
‫شخصيا وأريد أن‬
‫ً‬ ‫وها أنا آت إليكم ألكلمكم عن اللوجوس الحقيقي‪ ،‬ألني أعرفه‪ ،‬بل تقابلت معه‬
‫أقدمه لكم (أع ‪ .)36 – 11 :65‬اللوجوس الذي يعلِم فالسفتكم بأنه بعيد كل البعد عن البشر‬
‫إنسانا مثلنا‪" :‬والكلمة‬
‫ً‬ ‫ويختلف عنهم االختالف كله‪ ،‬قد جاء إلى أرضنا وسكن بيننا‪ ،‬بل صار‬
‫جسدا "‪ .‬ويقول د‪ .‬يوحنا الخضري‪ " :‬وهنا يدخل يوحنا فكرة جديدة على المفهوم اليوناني‬
‫صار ً‬
‫جسدا‪ .‬وهذا األمر ‪-‬‬
‫جسدا‪" ،‬عقل الله "‪ ،‬الله نفسه صار ً‬ ‫الخاص "باللوجوس" فاللوجوس صار ً‬
‫‪9‬‬
‫أمر غر ًيبا بل مستحيال بالنسبة لليونان"‪.‬‬
‫جسدا ‪-‬كان ًا‬
‫أي أن اللوجوس يصير ً‬
‫عقاب األشرار‬
‫ِ‬
‫المتكبرين وفاعلي الشر في يوم الدينونة سيكون عكس يوم تطهير "كل أوالد الوي" في‬ ‫عقاب‬
‫‪ .3-1 :3‬لكن في تلك اللحظة (‪ )6 :1‬يتكلم مالخي عن يوم دمار ويكون األشرار كالقش‬
‫وسيحرقهم يوم الرب كما في عاموس ‪11-68 :7‬؛ ‪ 6‬كورونثوس ‪ 67-63 :3‬وقد يكون يوم‬
‫وجها لوجه وهو أي الله النار الحارقة‬
‫شرحا للوقت الذي يقابل الله اإلنسان والعالم ً‬
‫الرب هنا ً‬
‫التي تهلك وتفني (خر‪65 :11‬؛ مز‪13 :71‬؛ تث‪11 :‬؛ هو‪ )19 :61‬ويتكلم تثنية ‪-13 :1‬‬
‫‪ 11‬و‪ 61 :1 ،9 :7‬عن غيرة الرب وقوته لدمار الذين يهددون إسرائيل (تث ‪ )3 :9‬أو‬
‫الشعب الذي يرفض ناموس رب الجنود (إش‪ )17-11 :7‬وهذا يقارن ببحيرة النار في رؤيا‪:1‬‬
‫‪ .67- 66‬كما يتكلم إشعياء عن مجد الرب كنار وقد يكون هناك ارتباط مع الهيكل والمذبح‪.‬‬

‫‪ 9‬يوحنا الخضري‪ ،‬تاريخ الفكر المسيحي‪-‬الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪.393‬‬

‫‪61‬‬
‫غريبا‬
‫الغريب الذي ظل ً‬
‫قرية صغيرة يعيش سكانها بروح العائلة الواحدة ويربطها الحب واالحترام والقيم والعادات التي‬
‫أيضا في وقت االختالف‪.‬‬ ‫تميزها والتي ت ِ‬
‫قوي ترابطهم في السراء والضراء وفي وقت االتفاق و ً‬
‫يوما طبيب من عاصمة البلد ليعيش وسط أهل القرية بغرض القيام بعمل‬ ‫حضر إلى القرية ً‬
‫خيري إذ شعر أن عنده ما يكفيه من المال‪ ،‬وبالتالي قرر أن ِ‬
‫يكرس وقته وجهده لخدمة أهل‬
‫القرية فأسس عيادة وساعد األهالي في إصالح األراضي وتشغيل العاطلين‪ .‬هذا هو التوجه‬
‫تماما وهو الفوز بقلب فتاة كانت قد‬
‫المعلن للطبيب‪ ،‬لكن الواقع أنه جاء إلى القرية لهدف آخر ً‬
‫مؤخر لتعيش مع جدتها بعد أن مرت بتجربة عاطفية سيئة جعلتها‬
‫ًا‬ ‫وصلت القرية من العاصمة‬
‫تقرر ترك الحياة في العاصمة‪ .‬وكان ذلك الطبيب هو الطرف اآلخر لتجربتها السيئة وال ِ‬
‫تخلى‬
‫عنها في وقت ما واآلن يشعر أنه نادم على ما فعل‪.‬‬
‫كان الطبيب ينتقد أحوال القرية وعاداتها وطرق عيشها وحاول بطرق خفية تغييرها‪ .‬أضف إلى‬
‫بعضا منهم كان‬
‫هذا أن أهل القرية عرفوا أنه جاء خلف فتاته لكنهم لم يتدخلوا في األمر‪ ،‬لكن ً‬
‫يشعر بعدم راحة تجاهه‪.‬‬
‫تعرضت حياة أهل القرية لبعض من الظروف واألحداث لكن الطبيب لم يكن يهتم أن يشارك‬
‫فعليا‪.‬‬
‫كواحد من أهل القرية ً‬
‫إلى أن حدث أن فتاته ارتبطت بشاب من أهل القرية وقر ار الزواج فإذ بالطبيب يحتال على‬
‫ليفرق بينه وبين الفتاة‪ .‬اكتشف أهل القرية الخدعة‪.‬‬
‫الشاب ويوقعه في خدعة ِ‬
‫معاتبا وقائال‪ :‬ال أعاتبك ألنك أخطأت‪ ،‬فليس هناك من ال يخطئ ولكني‬
‫ً‬ ‫ذهب إليه كبير القرية‬
‫أعاتبك ألنك لم تستطع أن تكون و ً‬
‫احدا منا فأنت في داخل نفسك ال تشعر بالفعل أنك واحد‬
‫منا‪ ،‬فنحن نضع قيمة للعالقة التي تربطنا في المقام األول‪ ،‬لكنك أنت اعتقدت أن أعمال الخير‬
‫تغني عن الحفاظ على العالقة وتعطيك الحق في تغيير نمط حياتنا‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬أنا ال أطلب منك أن ترحل عن قريتنا‪ ،‬لكني أريد أن تراجع نفسك وتقرر فيما إذا كنت‬
‫تود البقاء كفرد منا أم ستقرر الرحيل إن شعرت أنك غريب ال تستطيع أن تندمج معنا‪.‬‬
‫ترى ماذا كانت نظرة الطبيب لنفسه؟ وماذا كانت نظرة أهل القرية له بعد حدوث هذا الموقف؟‬

‫‪61‬‬
62
‫سفر مالخي‬
‫قيم وأخالقيات‬

‫القيم في األسرة‬

‫تأتي المعلومات عما هو معروف عن العالقات الزوجية في الحقبة الفارسية من وثائق‬


‫يهودية من جزيرة الفنتين (بمصر)‪ .‬وشملت عقود زواج وشروط دفع (الدوطة) وكيفية التصرف‬
‫في الممتلكات واألطفال في حالة الطالق‪ .‬ويبدو أن الطالق كان سهال وغير معقد ويصحبه‬
‫تصرفات اقتصادية تأخذ األهمية األكبر عن العالقة نفسها‪ .‬وتذكر وثائق األلفنتين أنه ال‬
‫ضرورة لوجود أسباب إلجراء الطالق‪.‬‬

‫قيمة الحياة األسرية عند مالخي (مل‪ )61-61 :1‬في مزمور ‪ 53‬وإشعياء‪79‬‬ ‫‪‬‬
‫كبير للنساء أكثر من أي‬
‫اهتماما ًا‬
‫ً‬ ‫وصف الطالق بالخسة – وكل من العهد القديم والجديد يو ِجه‬
‫أدبيات مجاورة في الدول المجاورة‪ ،‬ولذا فإن مالخي ال يتكلم عن الزواج كمجرد قضية‬
‫اجتماعية‪ ،‬وحتى يمكن فهم هذه العالقة فإن مقارنتها بعالقة الزواج عند الشعوب المحيطة‬
‫آنذاك الذي كان هدفه مجرد حفظ أنساب بشكل ِقبلي أي يستند على أعراف القبائل وعاداتها‬
‫انعكاسا لعالقة بين الله والشعب وتتميز بكل صفات‬
‫ً‬ ‫البد تحدث فارًقا‪ ،‬فهي عند شعب الله‬
‫العهد من أمانة و تع ُّهد بين أطراف الزواج بعضهم ببعض وبين الشعب والله‪ ،‬فهي ليست‬
‫امتدادا ِعرق ًيا فهي عند شعب الله لها معنى أعمق وهو أن ليس للبعدين الروحاني واألخالقي‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫وتتعزز وتأخذ‬ ‫معا فيتبارك االجتماعي بالعهد‬
‫أن يلغي أحدهما اآلخر‪ ،‬بل أن يتواصال ويرتبطا ً‬
‫قدير وجليال‪ ،‬فالعالقة في الزواج بمثابة شهادة ت ِ‬
‫عبر عن وجهة نظر سامية نحو الحياة‬ ‫عدا ًا‬
‫ب ً‬
‫األسرية‪ ،‬وعلى هذا فإن العالقات األسرية يجب أن ِ‬
‫تجسم المحبة والوالء‪ ،‬وتجعل مضمون‬
‫مفهوما للبشر‪.‬‬
‫ً‬ ‫العهد اإللهي‬

‫موقع التوراة في حياة الجماعة ومسئولية الكهنة في تعليم الشعب وإعطائه المشورة‪:‬‬
‫التمرد على‬
‫"ال تغدر بامرأة شبابك" يعتبر أكثر من مجرد تشجيع على األمانة‪ ،‬فهو تحذير من ُّ‬
‫العهد‪ .‬ويبدأ سفر مالخي من ‪ 61-61 :1‬في تناول األمانة مع الله والبشر وهو يربط ‪-6 :1‬‬
‫أيضا عن الطالق‪ .‬ويتغير‬ ‫ِ‬
‫‪ 9‬مع ـ ‪ 61-63 :1‬حيث يشكو من نتيجة عدم األمانة ويعلم ً‬
‫األسلوب في ‪ 61 :1‬فالرسول يخاطب أهل بلده مباشرًة بما فيهم شخصه هو " أليس لنا أب‬

‫‪63‬‬
‫واحد" (إلهنا خالقنا) وهي صرخة للوحدة والوالء لتراث اآلباء‪ ،‬واالنتماء إلى أب يمارس األبوة‬
‫الحقيقية بال أية شائبة‪ ،‬هو محب كلي المحبة ‪ ،‬معلِم يجيد التعليم والتربية‪ ،‬معتن كلي العناية‬
‫والرعاية بسرور وبترحاب‪ ،‬وكل ما يمكن أن يقال عن أبوة الله ال يكفي لوصفها‪ ،‬فلو أن‬
‫الشعب أخذ موضوع تراث أباءهم بجدية فالبد أنهم يدينون بالوالء بعضهم لبعض ولمعتقدهم‪،‬‬
‫على أن مالخي لم يكن يعاني من عقدة الحنين للماضي أي أنه لم يقع في ورطة تمجيد‬
‫الماضي والبكاء على الحاضر فهو في الحال يتذكر "غدر يهوذا " (‪ )61 :1‬و يبدأ من عنده‬
‫ليوضح ما تضمنته األمور الدينية التي تخلى عنها الكهنة والشعب نتيجة لعدم األمانة للعهد‪.‬‬
‫لكن عندما يتناول مالخي موضوع الزواج بأجنبيات كدليل على خيانة العهد ويضيف لعن ًة‬
‫كعقاب على هذه الممارسة فالبد أن يأخذ القارئ في االعتبار أسلوب حياة المسبيين وسط‬
‫غرباء‪ ،‬والضغط الواقع عليهم‪ ،‬أي أن مالخي ال يقصد أن (أية زوجة غريبة) هي التي تجلب‬
‫اللعنة ولكن التي قادت يهوذا إلى الزيغان "وخدمة آلهة غريبة" (تث ‪66-1 :63‬؛ ‪61 :36‬مما‬
‫نتج عن هذا عقاب يهوذا (إر ‪69 :7‬؛ ‪ 69 :8‬تث ‪69-61 :36‬؛ ‪1‬مل ‪.)5 :65‬‬

‫قيمة الحياة األسرية‪:‬‬


‫في اإلصحاح ‪ 61 :1‬سؤال يتوجه به النبي إلى األمة باعتبارها أسرة واحدة‪ ،‬ويستمر في‬
‫اآليات (‪ )61 ،66‬في رؤيته لألمة كأسرة روحية‪ ،‬وفي اآليات األربع األخيرة يتحول إلى الحياة‬
‫األسرية للفرد في نطاق األمة‪ .‬ويمكن أن يصبح الموضوع هو‪( :‬الوالء للعهد) وكان الدافع إلى‬
‫هذه الموعظة‪ ،‬هو األمثلة المحددة النعدام األمانة التي يشير إليها النبي‪.‬‬
‫الزواج بأجنبيات‬
‫(عدد ‪ )66‬ينقل النبي المجال اآلن من العام إلى الخاص‪ ،‬ومن األهمية إدراك أن االعتراض‬
‫قائما على أساس عرقي أو عنصري‪ ،‬فقد انضم لفيف مختلط من‬
‫على الزواج المختلط ليس ً‬
‫البشر إلى جموع اإلسرائيليين عند خروجهم من مصر (خر‪ ،)38 :61‬إال أنهم بخضوعهم‬
‫لشريعة الختان وحفظهم لفريضة الفصح دخلوا العهد (خر‪18 :61‬؛ عدد‪ .)61 :9‬لقد تزوج‬
‫بوعز من راعوث الموآبية ودخلت في عهد الله ( ار‪.)61 :6‬‬
‫احدا‪ ،‬وبثبات األبوين على أمانتهما لعهد الزواج‪ ،‬تتوطد أركان‬
‫لقد جعل الله اثنين من البشر و ً‬
‫الحياة الزوجية الورعة التقية‪ .‬وهنا تأتي أهمية بناء أسرة في ضوء تعليم الرب‪ ،‬وماهية تعليمه‬
‫لألسرة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫فإلى أي مدى يدعو خدام جماعة الرب إلدراك أن (األسرة) قدس للرب في عالقتها بعضها‬
‫ببعض وعالقتها بالمجتمع خارجها؟‬
‫وكيف تمارس األسرة الصغيرة تربية األوالد في مخافة الرب؟‬
‫وكم من الدعوات التي تؤدي إلى تفسير (طلب ملكوت الله أوال) إلهمال العالقات بين األسرة‬
‫الصغيرة والعائلة الممتدة؟ إن فاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬

‫الطالق‪( :‬إله إسرائيل ‪ )61 :1‬اسم استخدمه مالخي هنا فقط‪ ،‬وهو استخدام مناسب للموضوع‬
‫الذي يتناوله النبي لتعلقه بمستقبل الشعب المختار‪ .‬النبي يرى أن الطالق يشبه أن يغطي أحد‬
‫ثوبه بالظلم‪ .‬وهو تعبير مجازي لجميع أنواع المظالم الصارخة‪ ،‬والتي ِ‬
‫تمثل سفك دم الذبيحة‬
‫منظر للجميع‪ ،‬أما الترجمة األورشليمية فإنها تجعل الجملة األخيرة من‬ ‫ًا‬ ‫(الضحية)‪ ،‬وتركها‬
‫وحك ْم لَِئال تَ ْغدروا" لهذا احترم حياتك الخاصة‪ ،‬وال تخل‬
‫العدد ‪ 61‬ذات معنى فائق‪َ" :‬فاح َذروا لِر ِ‬
‫ْ‬
‫بمثل هذا العهد‪ ،‬فالمقدس يشمل كل ما يخص الله وعهد به إلى الشعب خاصة الكهنة‪.‬‬

‫وهنا مفارقة في توجه مالخي العام‪ ،‬فهل هو يقبل عمل الله خارج التراث اإلسرائيلي (‪)66 :6‬‬
‫وفي نفس الوقت يمنع الزواج خارج الجماعة؟ بداي ًة هذا ال يعني أن من هم من خارج ال يعمل‬
‫معهم الله وهم بدورهم يستجيبون‪ ،‬فمالخي يشير إلى أخالقيات(العهد) التي تقوم عليها سالمة‬
‫الجماعة فهو ال يتكلم عن عالقة اجتماعية مطلًقا – الموضوع أعمق من ذلك‪ ،‬وهذا توازن‬
‫ممتاز قد يغيب عن مجتمع يميل إلى تغليب أي من نقطتين ال ثالث لهما‪.‬‬
‫الطالق مكرهة‬
‫الطالق أعتبر رخص ًة للزواج (تث ‪11‬؛ مت ‪ )7‬وهي نظرة تؤخذ في االعتبار في سياق الشرق‬
‫األوسط حيث التطور األخالقي والالهوتي الذي حدث أثناء سبي بابل وعاش الشعب طبًقا له‬
‫في أورشليم ويهوذا بعد عودتهم حوالي عام ‪ .738‬ومالخي ينظر نظرة عالمية ‪ 66 :6‬ولذا‬
‫تركز على الطهارة واالنعزال لحفظ نقاء ِ‬
‫العرق كما‬ ‫فإن معالجته لقضية الطالق ‪ 61-63 :1‬ال ِ‬
‫في عز ار ونحميا بل هي متطلبات ناتجة عن مواجهة ضغط عقائدي واجهته الجماعة في بابل‪.‬‬
‫اقعيا ألتفه األسباب ال يتفق مع فكرة العهد ويشير إلى معاملة غير إنسانية‬
‫إن الطالق و ً‬
‫وممارسة مهينة‪.‬‬
‫أما العهد ف ِ‬
‫يمثل عمق الرابطة بين الله والشعب‪ ،‬فالعهد يشمل حياة الجماعة وتترجمه في كل‬
‫ممارساتها فليست القضية قضية تراث كما أنها ليست قضية ( عهد) تمت كتابته على ورقة‬
‫تلزم كل طرف بالتزام معين بل إنه (عهد حي) يغمر حياة الجماعة بكل تفاصيلها ويستوعب‬
‫تفاصيل حياتها من صغيرها لكبيرها ليس بمقتضى (التزام) يجب إيفاؤه ولكن بمقتضى (تغلغل)‬

‫‪65‬‬
‫العهد واشتماله للجماعة و ما للجماعة‪ ،‬فالجماعة مغمورة في العهد بل هي والعهد ال ينفصالن‬
‫كطبيعة وليس كالتزام‪ ،‬ومن هنا يصبح من السهل‪ -‬بل ومن الطبيعي ‪ -‬دخول الغريب في‬
‫العهد أو خروج الجماعة من العهد فهذا يتوقف على ارتضاء دخول العهد وقبول االندماج فيه‬
‫لدرجة ذوبان الكيان في العهد وبالتالي الحياة طبًقا لطبيعة العهد وليس طبيعة الغريب أو‬
‫الجماعة‪ .‬هذا هو مضمون العهد القديم والعهد الجديد‪ ،‬وهذا ما يتضح في اللغة اإلنجليزية‬
‫لكلمة عهد (فالعهد”‪ )“ Covenant‬كلمة تقتصر على المقصود من قطع العهد الذي قطعه‬
‫الله مع الناس‪ .‬أما التعبير عن قسمي الكتاب المقدس فترد هكذا ( ‪Old &New‬‬
‫)‪ Testament‬وليس (‪ )Old Covenant & New Covenant‬فهنا تختلف الكلمة‬
‫المستخدمة في اللغة العربية للتعبير عن العهدين القديم والجديد‪ ،‬أي أن اللغة اإلنجليزية ال‬
‫تستخدم كلمة ‪Covenant‬في تعريف قسمي الكتاب المقدس‪ .‬وبذا يظهر الفارق في المعنى‪.‬‬
‫َ‬
‫فتظهر الترجمة اإلنجليزية أن (العهد ‪ )Covenant‬واحد‪ ،‬أما تسمية & ‪Old Testament‬‬
‫ِ‬
‫متجددة‪ .‬أما يسوع فتكلم عن‬ ‫‪ New Testament‬فتوضح أن (العالقة) واحدة في شهادة‬
‫أسفار العهد القديم بقوله (موسى واألنبياء والكتب)" انظر مثال متى‪63 :66‬؛ يوحنا ‪15 :3‬؛‬
‫أعمال ‪ "66 :65‬ولعل ما يؤيد هذا ما ورد في إرميا ‪ 36 :36‬إذ يتكلم إرميا عن عهد جديد‬
‫حيث نقض الشعب (وليس الله) ذلك العهد القديم ويبقى التعليم هو هو ال يتغير ‪ :‬أمانة البشر‬
‫للشريعة وحضور إلهي يضمن للبشر السالم واالزدهار المادي(حز‪ )31 -19 :31‬وذلك‬
‫شعبا " (عد ‪ 33‬؛ ‪13 :5‬؛ ‪1 :66‬؛ ‪:36‬‬ ‫إلها وتكونون لي ً‬‫بحسب العبارة المألوفة " أكون لكم ً‬
‫‪ 6‬وحزقيال ‪ 11 :66‬وزكريا ‪ ) 8 :8‬وبذا تكون جدة العهد ثالثة أمور هي‪ :‬المبادرة اإللهية في‬
‫غفران الخطايا (عد‪ 31‬؛حز‪) 17 :31‬المسئولية والمكافأة الشخصية (عد‪19‬؛حز‪،61 :61‬‬
‫إلهاما يؤثر‬
‫ً‬ ‫‪ )31‬عبادة الرب عبادة باطنية فال تبقى الشريعة محض نظام خارجي بل تصبح‬
‫في قلب اإلنسان (عد‪33‬؛‪5 :11‬؛ ‪ )39 :31‬تحت تأثير الروح القدس الذي يهب لإلنسان قلًبا‬
‫جديدا‪ 61.‬فهو عهد جديد – ولكنه ليس مختلفاً بالكامل رغم ما يبدو من تناقض ظاهري إذ‬ ‫ً‬
‫جديدا لن يكون مثل العهد الذي صنعه في سيناء بعد الخروج‪ .‬ومع ذلك في‬ ‫ً‬ ‫عهدا‬
‫يعلن الله ً‬
‫قطعيا اذلك العهد! االستجابة من القلب لشريعة‬
‫ً‬ ‫كل من العناصر األربعة التي تتبع‪ ،‬نجده يشبه‬
‫الله‪ ،‬الدخول إلى عالقة‪ ،‬االمتالك والتبادلية مع الله (إلههم ‪ ...‬شعبي)‪ ،‬معرفة الله‪ ،‬وتلقي‬
‫غفران الله – كل هذه األشياء كانت موجودة في النصوص األولى الخاصة بعهد الله مع‬
‫إسرائيل‪ .‬جميعها تميز نصوص عهد الخروج وسفر التثنية‪ .‬فهناك استم اررية وعدم استم اررية‬
‫في آن واحد‪ :‬هناك استم اررية في األبعاد الجوهرية التي كانت أساسية في عالقة الله مع‬

‫‪ 11‬تعليق الترجمة اليسوعية على إرميا ‪31 :31‬‬

‫‪66‬‬
‫إسرائيل منذ البداية‪ ،‬إلى جانب الحداثة الجذرية في كيفية اختبار تلك األبعاد وممارستها من‬
‫‪66‬‬
‫اآلن فصاعداً‪.‬‬
‫لفد كان المألوف في ذلك الوقت أن معرفة فكر اآللهة يقوم به عرافون عن طريق ذبح الطيور‬
‫وفحص أجزائها الداخلية لقراءة ما يريد اإلله أن يقوله‪ ،‬وعندما يقول إرميا إن الشريعة مكتوبة‬

‫شيئا لدى سامعيه خاصة عندما يكمل قائال‪" :‬وأكون لهم ً‬


‫إلها‬ ‫على قلوب لحمية" فإن هذا يعني ً‬
‫‪61‬‬
‫"‬

‫‪ 11‬كريستوفر رايت‬
‫‪ 12‬جون والتون‬

‫‪67‬‬
‫العدل والظلم‬
‫العدل وسط الجماعة في مالخي ‪ 65 :1‬وما بعدها في ‪ 7-6 :3‬يق أر في ضوء ‪9-5 :1‬‬
‫وارميا ‪ 13‬لكن من منظور الرجاء والوعد ومع مضمون خاص إلرساء العدل‪ ،‬فالعدل مطلب‬
‫التوراة وإرساؤه يعتمد على تعليم أمين للتوراة ولذا فاألهمية المركزية في ‪ 9-6 :1‬واضحة بداي ًة‬
‫نصوصا كثيرة في التوراة تدين الظلم خاصة عندما يظهر في شكل‬‫ً‬ ‫من عدد ‪ ، 65‬إال أن هناك‬
‫التمييز في خروج ‪8 -5 :13‬؛ الويين ‪67 :69‬؛ تثنية‪65 :6‬؛ ‪ 69 :61‬وباألخص التمييز‬
‫الملفوظ سواء بسبب العرق أو الجنس أو المكانة ( إش‪ 5 -1 :1‬؛‪61 ،5 :7‬؛ ‪)13 ،11 :7‬‬
‫ويركز إشعياء على فكرة خاصة وهي إدانة من يحاول إقناع اآلخرين أن ال يوجد خط استقامة‬
‫بين الخير والشر‪ .‬وموضوع الظلم وارد في تعليمات الناموس ومذكور في سفر الحكمة (مثل‬
‫أمثال ‪)11-13 :11‬‬

‫في ‪ 7 :3‬يصف مالخي كيف سيقيم الله العدل في الزمن اآلتي ومن المالحظ التفاصيل التي‬
‫ذكرها منها السحر والزنا والغش وقهر الذين بال حيلة (خر ‪11‬؛ تث ‪ )7‬كل هذا ذكر في‬
‫التوراة وليس من الصعب إجراء نفس القياس على التوقعات المسيحية في ملكوت الله حيث‬
‫سيكون ملكوت عدل (مت ‪ ")3 :17‬تعالوا رثوا الملك‪".‬‬
‫في ‪68 65، :1‬؛ ‪ِ :51 ،54 :6‬ذكر لبعض القيم بشكل مقصود‪ ،‬ولكن هنا في ‪67 ،61‬‬
‫مقصودا ولكنه تعبير لحظي يشير إلى اإليمان التقليدي‬
‫ً‬ ‫الكالم عن إفناء العالم ليس‬
‫والمستويات األخالقية وهو يقترب مما ورد في أيوب ‪ 61‬؛‪ 16‬ووصف "بلدد الشوحي" أحد‬
‫أصدقاء أيوب في إصحاح ‪ 68‬من سفر أيوب‪.‬‬
‫الرب آت بالعدل ‪1-5 :6-52 :8‬‬
‫إن المشكلة القديمة المثارة بسبب النجاح الظاهري لإلنسان الشرير‪ ،‬كانت قضية الحياة في‬
‫زمن مالخي‪ ،‬لقد بدا وكأن الله يحابي الشرير‪ ،‬ولقد ناقش كل من إرميا‪6 :61‬؛ حبقوق ‪:6‬‬
‫كيدا ببر وعدل الله‬
‫إيمانا أ ً‬
‫‪ 1-1‬موضوع عدالة نظام العناية اإللهية‪ ،‬وفي نفس الوقت آمنوا ً‬
‫ِ‬
‫متشككين وغير مؤمنين‪ ،‬وألنهم تخلوا عن كل عزم‬ ‫المطلق‪ .‬أما معاصرو مالخي فقد أصبحوا‬
‫على النظر نظرة جادة إلى موضوع الخطأ الذي يواجههم‪ ،‬ينبههم النبي بأن الدينونة قادمة وفي‬
‫طريقها إليهم‪.‬‬
‫لم يحاول النبي أن يدافع عن عدالة الله وتبرير طرقه‪ Theodicy،‬فالمشكلة هنا لن تحل‬
‫بمخاطبة العقل ألن المشكلة ببساطة ليست في اإلدراك وهذا ما عرفه النبي أن حاجة الشعب‬
‫إلى إحياء الضمير‪ .‬وهو ما يمكن أن يكون المدخل المهم في هذه الموضوعات العملية والتي‬

‫‪68‬‬
‫الح َكم سواء في‬
‫تتعلق بالقيم واألخالقيات في ذك الجزء من مالخي‪ ،‬فالضمير الحي هو َ‬
‫اختيار الزوجة أو الطالق أو العدل‪.‬‬
‫إن مالخي هو الراعي األمين الذي يواجه شعبه بإمكانية رفضهم النهائي‪ ،‬وأن كان يرجو طول‬
‫الوقت أن يربحهم‪ ،‬وباستثناء السحرة الذين نشروا الخرافات القديمة‪ ،‬فإن كل الجماعات المذكورة‬

‫مسئولة عن المساوئ االجتماعية‪ .‬ولقد تعامل مالخي بالتفصيل مع "الحالفين ً‬


‫زورا" في‬
‫موعظته عن انعدام األمانة (‪ .)61-61 :1‬ومن المحتمل أن يكون قد اعتبر أولئك الذين طلقوا‬
‫زوجاتهم من ضمن الفاسقين الذين كانوا يظلمون العامل األجير بعدم منحه األجر المتكافئ مع‬
‫عمله‪ ،‬أو بتأجيل دفع أجرة (قارن ال‪63 :69‬؛ تث‪.)67-61 :11‬‬
‫إن طريقة مالخي إلحياء الضمير وتنشيطه إلدانة الخطيئة كان عن طريق توضيح موقف آخر‬
‫من المواقف الحقيرة التي ال يمكن المجادلة في شأنها‪ " :‬أيسلب اإلنسان الله؟" (‪ )8 :3‬إن‬
‫الفعل الذي ترجم "يسلب" فعل نادر وجوده في العهد القديم‪.‬‬
‫أيضا على المجتمع‪ .‬وعلى النقيض من هذا موقف المغتصبين‬‫وما يصدق على الفرد يصدق ً‬
‫الذين يريدون أن يأخذوا كل شيء ألنفسهم دون أن يعطوا ً‬
‫شيئا من جانبهم‪ .‬إن مثل هذا األمر‬
‫يؤدي إلى الفقر (أم‪.)11 :66‬‬
‫على أن فترة السبي ظهرت فيها تطورات الهوتية وأخالقية – فالحسيديم كمثال الذين ظهروا في‬
‫السبي وظهر منهم الفريسيون واألسينيون قاموا بوضع مواصفات ضيقة للحياة اليهودية الحقيقية‬
‫وربما حصروها في الشكل أكثر منه المضمون‪ .‬ومن هنا تأتي أهمية تعاليم مالخي عن العدل‬
‫حيث يعود بها إلى مقصودها الذي قصده الله‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫السلوك والقيم واألخالق‬
‫بدأ تدريب األطفال الذين يعيشون مع أسرتهم في مدينة صغيرة للخروج إلى الشارع بدون‬
‫صحبة الكبار وعلمهم األب كيف يعبرون الشارع دون أن يتعرضوا لمخاطر المرور فقال لهم‪:‬‬
‫توقفوا قبل أن تعبروا ثم انظروا إلى اليمين والشمال فإن خال الطريق من السيارات والدراجات‬
‫تماما لتعطوا‬ ‫ُّ‬
‫فيمكنكم العبور‪ .‬أما إذا فوجئتم بسيارة بعد أن بدأتم في العبور فعليكم بالتوقف ً‬
‫سائق السيارة فرصة لتفادي االصطدام بكم‪.‬‬
‫صارت هذه عادة عند الصغار إلى أن كبروا وانتقلوا إلى المدينة الكبيرة فإذ بهم يجدون البعض‬
‫يقومون بعبور الطريق دون أن يتبعوا خطة أبيهم بل إن البعض يتعمد هذا أحيانا حتى يجبر‬
‫السيارات على التوقف‪.‬‬
‫شبابا في أي من المواقف يجب أن يتبعوا‪ ،‬هل يقلِدوا أهل‬
‫فكر األوالد الذين صاروا اآلن ً‬
‫المدينة الكبيرة‪ ،‬أم يحفظوا كالم األب المحبوب الذي لم يكن يتصرف من منطلق خوفه على‬
‫أوالده فقط بل من منطلق (أخالقي)‪.‬‬
‫هنا يتحول ما كان مجرد (سلوك) يتبعونه لتفادى حوادث الطريق إلى (قيمة) يراعيها األوالد‬
‫اما (ألخالق) والدهم العزيز‪.‬‬
‫احتر ً‬

‫بناء على مبدأ‬


‫هذا هو معنى (السلوك) كمجرد سلوك‪ ،‬وكيف يتحول السلوك إلى (قيمة) ً‬
‫(أخالقي) أشمل من القيمة وأساس لها‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الحفاظ على الناموس أم حفظ الناموس أم حياة تحيي الناموس‬
‫‪ -‬أعطى الله السبت لإلنسان ‪-‬أي أن الله (لم يأمر) اإلنسان بحفظ طقوس خاصة بالسبت ولكن تطلع إلى‬
‫معا‪-‬أي‬
‫إراحته بالفعل‪ ،‬وذلك بالتوقف عن مشقة العمل واالجتماع بالله وبالقريب في صحبة الرب للتمتع ً‬
‫وصحيحا‪ ،‬أما المعلِمون فقد حولوه‬
‫ً‬ ‫ويا‬ ‫ليكون السبت يوم فرح ومتعة‪-‬هذا إذا فهم اإلنسان أبوة الله ً‬
‫فهما س ً‬
‫إلى ِحمل إضافي على اإلنسان‪ .‬والتجار الذين يريدون مضاعفة مكاسبهم يغشون في التجارة بقية أيام‬
‫األسبوع لتعويض ما لم يكسبوه في راحة السبت‪.‬‬

‫قعدا في يوم سبت فغضب الفريسيون ً‬


‫جدا بدافع حفاظهم على الناموس‪.‬‬ ‫يضا م ً‬
‫‪ -‬شفى يسوع مر ً‬
‫جدا بدافع حرصهم على الناموس‪.‬‬ ‫قمحا من الحقول في يوم سبت فغضب الفريسيون ً‬ ‫‪ -‬أكل تالميذ يسوع ً‬
‫متلبسا بالشفاء يوم السبت‪.‬‬
‫ً‬ ‫إنسانا أعمى وكان سبت فاهتم الفريسيون بمراقبة يسوع ليضبطوه‬
‫ً‬ ‫‪ -‬رأى يسوع‬
‫‪ -‬فتح يسوع عيني األعمى يوم السبت فاتهمه الفريسيون بأنه ليس من الله ألنه ال يحفظ السبت وغضبوا‬
‫جدا بدافع حرصهم على الناموس‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬جلس يسوع مع العشارين والخطاة فغضب الفريسيون ً‬
‫جدا وانتهروا تالميذه بدافع حرصهم على الحفاظ‬
‫على الناموس‪.‬‬
‫‪ -‬حفظ الشاب الوصايا منذ صغره فعجز عن فهم ملكوت يسوع المسيح ومضى حز ًينا‬
‫‪ -‬شاول‪ ،‬بدافع حفاظه على الناموس‪ ،‬جال يقتل المسيحيين الذين في رأيه ضد الناموس‬
‫‪ -‬لكن لما تقابل مع من غير حياته قال‪" :‬الحرف يقتل" وتحول الناموس المحفوظ إلى حياة وقيم إيمانية‬
‫‪ -‬بطرس‪ ،‬في حفاظه على الناموس رفض أن يذهب لكرنيليوس األممي‬
‫‪ -‬بطرس‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬يتغلب عليه الحفاظ على الناموس ِ‬
‫فيؤخر نفسه ويمتنع عن األكل مع األمم ويتسبب‬
‫في إعثار برنابا‬

‫الناموس‪ ،‬الوصية‪ ،‬الحرف‪ :‬هي خرائط توضح الطريق لكنها ليست الطريق‬
‫هي مجردات لكنها تحتاج إلى من يبث فيها الحياة‬
‫هي حلول سهلة لمن يريد أن يكتفي بإشباع الميول الدينية‬
‫لكن ليست هي الطريق الضيق الذي يؤدي إلى الحياة‬
‫متى يكون الناموس ً‬
‫حياة وليس حرًفا يقتل؟‬
‫عندما يتفاعل مع ظروف الحياة ويتحول إلى قيم وأخالقيات إيمانية‬
‫عندما يكون اإليمان بوصايا الناموس إيمان حي برب الناموس‬
‫عندما يحيي رب الناموس ضمائر المؤمنين فال يكون الناموس حرًفا فيما بعد بل روح وحياة‬
‫عندما يدرك المؤمنون أن الحرف ليس األلف والياء وليس الغاية في ذاته‪.‬‬
‫لذا طلب يسوع رحمة ال ذبيحة‬

‫‪71‬‬
72
‫سفر مالخي‬
‫شعب الله –الكنيسة‬
‫واآلن ما هي رسالة سفر مالخي لشعب الله وكنيسة اليوم؟ لقد قام مالخي بدور نبوي‬
‫بالكامل وهو توجيه الحياة اإليمانية واألخالقية في ضوء العهد‬
‫لقد قام مالخي بدور نبوي متكامل‪ ،‬فهل مازالت الكنيسة مطالبة بنفس الدور؟‬
‫نعم هو مسئولية وإن كانت الكنيسة صادقة فستشعر باالتضاع والحب والرحمة والعمل الجاد‬
‫المتواصل الصبور‪ ،‬فإذا كانت الكنيسة قد تسلمت النور الكامل فهل هي أيضا معرضة ألن‬
‫تقع في نفس خطأ الشعب الذي ظن أنه مختار ليتباهى بالنور ثم يخفيه أم أنها تستطيع أن‬
‫تضعه على المنارة لينير للجميع؟ ربما هناك حاجة للخروج خارج (العبارات المحفوظة) لشرحها‬
‫ومثمر؛ فلعل السائد في‬
‫ًا‬ ‫وناضجا‬
‫ً‬ ‫أحيانا وتفصيلها أحيان أخرى‪ ،‬ثم واألهم لتطبيقها تطبيًقا و ً‬
‫اعيا‬ ‫ً‬
‫فكر الكنيسة أن (النور) الذي يشير إلى الك ارزة ينحصر في الدعوة للتوبة والخالص بمعنى أنها‬
‫تقع في فخ حصر الك ارزة في مجرد (اصطياد) النفوس‪ .‬الك ارزة أسلوب حياة والشهادة هي‬
‫للمسيح وعمله‪ ،‬فالمسيحي يتكلم ويعمل ويتحرك في شتى مجاالت الحياة من منطلق أنه يشهد‬
‫لعمل الله‪ ،‬خاص ًة أن الله هو الذي يدعو‪ ،‬ولذا فالكنيسة ال يجب أن تشعر أنها مسئولة عن‬
‫تغيير اآلخر‪ ،‬فالروح القدس هو الذي يلمس القلب‪ .‬إن التغيير هو عمل الله يعمله كيف شاء‬
‫وفي الوقت الذي يراه‪.‬‬
‫وعلى جانب آخر يحدث النقيض عندما تظن جماعة المؤمنين أنه مادام العمل الخالصي كله‬
‫بالكامل هو عمل الله‪ ،‬واإلنسان يعجز عن فعل شيء بشأن الخالص فإن هذا التعريف يشمل‬
‫حياة المؤمنين بالكامل وبالتالي يتحولون بالتدريج إلى عاجزين عن فعل شيء‪ ،‬وتصبح حياتهم‬
‫عبارة عن‪:‬‬
‫الخوف من العالم‬ ‫‪‬‬
‫والعالم في نظرهم ليس إال حزمة من الشر‬ ‫‪‬‬
‫فيعادون العالم‬ ‫‪‬‬
‫ويتحول المؤمنون إلى قطيع ضعيف مهزوم ال يستطيع عمل شيء سوى طلب التغذية‬ ‫‪‬‬
‫من الله على الدوام بدون أن تتحول هذه التغذية إلى طاقة لعمل شيء‪.‬‬
‫دائما ولكنه لألسف إنعاش‬
‫هذا ما يؤدي إلى أن تحيا الكنيسة حالة تستدعي اإلنعاش ً‬ ‫‪‬‬
‫لحظي مؤقت بتوقيت الحدث‪ ،‬فتصبح الكنيسة مثلها مثل المريض الذي يحيا على المحاليل‬
‫واإلسعافات الخارجية‪ ،‬بل وأحيانا عن طريق الصدمات الكهربية التي يستعان بها في الحاالت‬
‫الميؤوس منها التي شارفت على الموت‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ ‬هل هذه األفكار هي التي تجعل الواعظ‪ /‬المرِنم يصر على تحريك بل إلهاب المشاعر‬
‫حتى تستيقظ ويكتفى بهذا‪ ،‬أو يلجأ إلى التخويف بالمصير المظلم في األبدية أو‬
‫باإلرهاب بتأثير الشيطان على حياة المؤمنين؟ هل العالقة بين المؤمنين وإلههم هي‬
‫عالقة (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) ؟!‬

‫هنا يظهر الفارق بين التغذية الطبيعية التي يقوى عليها الجسم السليم والتي يمارسها‬ ‫‪‬‬
‫سليما معافى والتي‬
‫ً‬ ‫الفرد بشكل يومي طبيعي والتي تعمل على الحفاظ على الكيان اإلنساني‬
‫تعمل على نمو الصغير ونضج الكبير‪ ،‬وبين حالة اإلنعاش لجسد يتعرض لحالة ضعف قد‬
‫تهدده بالموت‪ .‬وربما هذه حالة تقارب ما يتكلم عنه مالخي خاصة في اإلصحاح الثاني من‬
‫سفره‪.‬‬
‫بالفعل قال يسوع اطلبوا أوال ملكوت الله وبره؛ فالمؤمنون بيسوع هم بالكامل ليسوع‬ ‫‪‬‬
‫فهل عليهم أن يفضلوا ملكوت الله (وينفصلوا) عن حياتهم وأعمالهم وبيتوهم وأسرهم وعالقاتهم؟‬
‫أم عليهم أن (يتصلوا) بحياتهم وأعمالهم وبيتوهم وأسرهم وعالقاتهم بيسوع المسيح؟ وكيف‬
‫تتوازن هذه المعادلة؟‬
‫‪ ‬وإذا كان البعض ِ‬
‫يشبه الكنيسة بالسفينة التي تبحر لكن ال تدخلها األمواج‪ ،‬فهي في‬
‫فوضا‪ ،‬لكن السفينة تبحر في‬
‫العالم لكن ليست من العالم فإن التشبيه هذا ليس مر ً‬
‫البحار والمحيطات‪ ،‬فهل يمكن أن تبحر قبل أن تتجهز بما يلزمها لإلبحار السالم؟‬
‫وتدرس حالة البحار والمحيطات بل وقبل أن تستعد السفينة لإلبحار هل يمكن أن‬
‫تبحر بال هدف أو مقصد تقصد الوصول إليه؟!!‬

‫إ ًذا هناك سفينة‪ ،‬وبِحار‪ ،‬ومقصد تتوجه إليه‬


‫ثالثة عوامل يحتاج كل منهم إلى إعداد‪:‬‬
‫السفينة‪ :‬بكل ما يلزمها لسالمة اإلبحار ولمواجهة ظروفه‬ ‫‪-‬‬
‫الِبحار‪ :‬وما يلزم من دراسة أحوال البحار واإلبحار‬ ‫‪-‬‬
‫المقصد‪ :‬إلى أين تذهب ولماذا تذهب وما يجب عليها من إيصاله‬ ‫‪-‬‬

‫وعالج مالخي تناقضات ظهرت في العبادة بعد أن شهدت الجماعة ظروًفا ومتغيرات من شأنها‬
‫شيئا يشابه هذا؟‬
‫التباس المفاهيم والممارسات‪ ،‬فهل تواجه الكنيسة ً‬

‫‪74‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬يبدو أن الكنيسة تحرص على أال تخلط بين التعليم عن الخالص باإليمان‬
‫والخالص باألعمال وتخاف من فكرة الخالص باألعمال الحسنة وبالتالي يسقط في الطريق‬
‫غرس القيم واألخالقيات التي قد تختلط بفكرة الخالص باألعمال‪ ،‬والواقع أن الشجرة تعرف من‬
‫معا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ثمارها‪ ،‬كما أن طريق الخالص يشمل التبني والتبرير والتقديس والتمجيد ً‬
‫فمن المستحيل تجريد التعليم من التركيز على القيم واألخالقيات مما يوجد مجتمع إيمان ال‬
‫يراعي القيم في سلوكياته وال في رسالته التي كلف بها يسوع كنيسته (كنور وملح) وعندما يقع‬
‫الفصل التام في التعليم بين الروحانيات والجسديات‪ ،‬فإن النتيجة تكون الثمر المر‪.‬‬
‫حتى الفقرات الكتابية التي تتناول التعليم عن القيم واألخالقيات تتحول إلى (روحانيات) مجردة‬
‫خالية من المضمون‪-‬ليست ألن الروحانيات في حد ذاتها تخلو من المضمون‪ ،‬ولكن المضمون‬
‫الذي يضاف إليها في التعليم غير المكتمل هو ما يعتبر (خال من المضمون) ألنه يتوقف عند‬
‫جدران ذهن القارئ دون أن يتحول إلى قيمة أخالقية ثم إلى سلوك عملي‬
‫التمسك بالحرف قد يؤدي إلى التساهل في القيم والمبادئ والرحمة‪ ،‬فمن (يفكر)‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫التشدد في‬ ‫إن‬
‫أيضا (يتصرف) حر ًفيا ويضطر إلى إعالء قيمة الحرف على القيمة‪.‬‬
‫حر ًفيا هو ً‬

‫اختالط الصواب بالخطأ في العبادة‬


‫لعل خط العبادة (ترنيم‪-‬صالة –تعليم) واتجاهه في العصر الحالي يعكس عالقة شعب بإلهه‬
‫كأب وابن وكعائلة وعائلها وهل هي عالقة ارتباط أم انفصال‬
‫انعكاسا‬
‫ً‬ ‫فإلى أي مدى تتالمس الكنيسة مع الله في عالقة بنوة حقيقية وسليمة وليست‬ ‫‪‬‬
‫لصور أبوة وبنوة مكسورة أو ضعيفة أو يغلب عليها مشاعر الخوف أو االستجداء أو‬
‫االسترضاء‪-‬استرضاء أب قوي بل جبار ‪-‬يحب نعم‪ ،‬لكنه ما يزال األب المحب المسيطر‬
‫والمانح بتقتير و ِ‬
‫المعير‪.‬‬
‫األحباء يشكرون ولسان حالهم يقول المحبة طيبة – المحبة مثمرة – المحبة بانية‪-‬أما‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫متفضل فيجب أن يكسب عطف المعطي‪ .‬الحسنة‬ ‫الشحاذ يشكر على عطية أعطاها شخص‬
‫شخصيا آخر‬
‫ً‬ ‫أمر‬
‫هي كل ما تربطه بالمحسن وليس ًا‬

‫هل العبادة (خاصة الترنيم) تأخذ صورة اتقاء غضب الله الذي يصب جام غضبه؟ حتى في‬
‫ترانيم التمجيد تكون عبارة‪ :‬نعم أنت مجيد‪ ،‬لكن ابعد عنا نحن ال نستطيع أن نسايرك في‬
‫مجدك‪.‬‬
‫عالقة صحيحة أم مكسورة‬

‫‪75‬‬
‫أيضا‬
‫ابن يحب أباه ويكرمه وأب يحب ابنه ويفرح به ويغدق عليه ويحميه ويعلمه ويؤدبه ويضم ً‬
‫بقية أفراد األسرة بنفس الغنى واالرتباط‬
‫هل هي عالقة ضعيفة؟ مكسورة؟‬ ‫‪‬‬
‫هل هي عالقة أبناء ال يربطهم بأبيهم سوى طلب االحتياج ليس كأبناء بل كشحاذين‬ ‫‪‬‬
‫يستجدون؟‬
‫هل تتحول (العالقة) إلى (خدمة توصيل الطلبات للمنازل؟) فيصير األب تحت الطلب‬ ‫‪‬‬
‫مشكور يفيدنا وقت الحاجة؟!‬
‫ًا‬ ‫عند الحاجة وال بأس أن نلقي عليه التحية من وقت آلخر فهو‬
‫هل التواصل مستمر في الظروف الطيبة وأيضا الصعبة؟ أم يلجأ إليه األبناء عند‬ ‫‪‬‬
‫االحتياج بل االحتياج الشديد فتصير عبادة الكنيسة عبارة عن شكوى ومذلة؟‬
‫هل ال يعرفه األبناء إال إذا احتدمت الظروف وضاقت؟ هل الله وشعبه في أحسن‬ ‫‪‬‬
‫صور العالقة منتفع وجهة انتفاع؟ هل هو مجرد رجل مطافئ أو سيارة إسعاف‬
‫جيدا‬
‫هل هو يحتاج إلى إلحاح حتى يلين قلبه؟ إن من يختبر محبة الله وعنايته يدرك ً‬ ‫‪‬‬
‫أن صلوات الكنيسة له وطلباتها هي في جزء كبير منها تعمل إلدراك غنى الله واستجاباته‬
‫الصالحة وإلى االنتباه إلى الفيض العظيم وليس ألن الله يغلق على خزائنه حتى يقدم شعبه‬
‫طلبا لفتحها‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا الصالة لله شكل الشكوى يتبعه‬
‫هل هي عالقة عجز فيأخذ خطاب الترنيم و ً‬ ‫‪‬‬
‫إعالن العجز وعدم القدرة على فعل شيء واالنكسار تحت أثقال العالم وظروف البد ستقهر‬
‫الكنيسة؟ ال يرضى اإلنسان السوي أن يكون هكذا ذليال بطبعه‪ ،‬وال يريد الله نفسه أن يكون‬
‫اإلنسان هكذا ذليال‪.‬‬
‫نعم يطيب للكنيسة أن تقول "أنا أحيا لله ولملكوته أوال"‪ ،‬ورغم بساطة هذا المبدأ فإنه عند‬
‫التطبيق العملي ِ‬
‫يمثل معادل ًة صعب ًة وموازن ًة قد تكون غير مفهومة عند البعض‪ ،‬فالبعض يرى‬
‫أن من هم لله ولملكوته ال ينبغي أن يكون لهم أية اهتمامات غير روحية ‪ -‬أي أن حياتهم‬
‫عبارة عن عبادة داخل الكنيسة وشهادة خارج الكنيسة بالمعنى المغلق والضيق الذي ال يقبل‬
‫االنفتاح على غير جماعة (المؤمنين) وال على أية اهتمامات (عالمية ودنيوية) ‪ -‬فتراهم‬

‫يتعلمون ويعملون من أجل كسب العيش فقط‪ ،‬و لذا ال يجدون ً‬


‫حرجا في عدم تقديم الجهد‬
‫الالزم ألعمالهم وعالقاتهم االجتماعية واهتمامهم بما يجري من أمور في مجتمعهم‪ .‬وعلى‬

‫‪76‬‬
‫النقيض من هذا فهم حين يأخذون الموضوع حر ًفيا فهم ال يعيبهم أن يهملوا عائالتهم التي‬
‫أيضا هي شعب الله !!‬ ‫كونوها بحجة أنهم مشغولون بأن يكون الله (أوال) ناسين أن عائالتهم ً‬
‫نعم قال يسوع "اطلبوا أوال ملكوت الله"‬ ‫‪‬‬
‫فهل كان يسوع يقصد وصال أم فصال؟!‬ ‫‪‬‬
‫بالتمسك بالحرف فأضاف‪( :‬وبره)‬
‫ُّ‬ ‫وألن يسوع يعلم ميل البشر إلى الولع‬
‫فما هو بر الملكوت؟‬
‫هل هو (بر الفريسيين) الذين يخاطبهم يسوع مباشرة بعد أن تكلم عن طلب بر ملكوت الله فإذ‬
‫به يقول إن لم يزد (بركم) عن بر الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السنوات؟‬
‫لكن يسوع قال في موضع آخر "صلوا كل حين وال تملوا"‬
‫أيضا قال المرِنم "جعلت الرب أمامي في كل حين"‬
‫و ً‬
‫شيئا إلى "ملكوت الله أوال"؟‬
‫فهل" كل" في القولين يضيف ً‬
‫هل كال من يسوع والمرِنم يتكلمان عن "حالة" وليس “حدثًا؟"‬
‫أي أن الصالة عندما ترفع " كل حين" وأن يكون الرب أمامي" كل حين"‪ ،‬فهل هي أمور تحدث‬
‫كمجرد حدث في لحظة استثنائية لحدث استثنائي يستوجب الصالة والوقوف أمام الله؟ وهل‬
‫هي أحداث منعزلة عن بقية أحداث الحياة؟‬

‫الواقع أنها "حالة" منسوجة ومتضافرة وسط كل "أحداث" الحياة تربط المؤمنين بإلههم‬ ‫‪-‬‬
‫دون انقطاع وطوال اليوم وكل الحياة‪.‬‬

‫يخطئ من يظن أن الدور األساسي الوحيد للمؤمن في العالم أن ينفصل عن العالم بهدف‬
‫التفرغ لتوصيل رسالة الخالص من الجحيم لآلخرين‪ .‬فالمواعظ البليغة التي تنتهي إلى تجزئة‬
‫ُّ‬
‫عمل المسيح يسوع‪ ،‬وبالتالي تجزئة حياة الكنيسة فتربط عمل الفداء وما يتبعه من الحياة‬
‫باإليمان برباط واحد فقط وهو اإلتيان بثمر واحد فقط يقتصر على إخبار اآلخرين بالخالص‬
‫هي مواعظ تقع في أخطاء تجزئة رسالة يسوع نفسها وعدم تقديمها كامل ًة‪ ،‬وبالطبع تجزئة حياة‬
‫التصور جمهور العابدين فيشترك‬
‫ُّ‬ ‫المؤمنين‪ .‬وتتضاعف المشكلة عندما ينضم إليهم في هذا‬
‫االثنان في تطبيق غير كامل لرسالة يسوع وإساءة فهم للعالقة بالله‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪77‬‬
78
‫‪6.‬انطوان نواز‪ - .‬قراءة معاصرة في رسالة رومية‪ .‬ترجمة يوسف سمير‪ .‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الثقافة‪.1167 ،‬‬
‫‪ .1‬انطوان نواز‪ .‬الشريعة اليوم‪ .‬ترجمة يوسف سمير‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الثقافة‪.1163 ،‬‬
‫‪ .6‬هادي غنطوس كلمة الله لشعبه في وسط العاصفة‪-‬العهد القديم يتحدث للمسيحيين‬

‫في الشرق األوسط اليوم‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الثقافة‪.1161 ،‬‬

‫‪ .1‬جويس بولدوين‪ .‬التفسير الحديث للكتاب المقدس‪-‬العهد القديم أسفار حجي زكريا‬
‫مالخي‪ .‬ترجمة نجيب إلياس‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الثقافة‪.6991 ،‬‬

‫‪ .7‬جمعية الكتاب المقدس والمكتبة البولسية‪ .‬قاموس المحيط الجامع في الكتاب المقدس‬
‫والشرق القديم‪ .‬لبنان‪ :‬المكتبة البولسية ‪.1113،‬‬

‫‪ .1‬جمعيات الكتاب المقدس في المشرق‪ .‬الكتاب المقدس من األلف للياء‪ .‬لبنان‪ :‬المكتبة‬
‫الشرقية‪.6996،‬‬

‫‪5. John H. Walton. Bible Background Commentary. Inter Varsity‬‬


‫‪Press: Illinois, 1111.‬‬

‫‪2. Graham S. Ogden. Joel &Malachi, a Promise of Hope- a Call‬‬


‫‪to Obedience. Eerdmans: Grand Rapid, 6985.‬‬
‫‪9. Watch Tower Bible Tract and Society of Pennsylvania.‬‬
‫‪Humankind’s Search for God, New York. INC. International‬‬
‫‪Bible Study, 6991.‬‬

‫‪79‬‬
61. THE INTERPRETER’S BIBLE –A commentary in twelve
volumes. V.1. Abingdon Press: Nashville, 6989.

81

You might also like