Professional Documents
Culture Documents
خنفساء الروث PDF
خنفساء الروث PDF
(أنصحكـ بأف ال تشتروا ىذا الكتاب .واذا لـ تسمعوا نصيحتي فكونوا حذريف في قراءتو خشية أف ي ِ
فسد ما تبقّى مف حياتكـ) .ىذا ُ
الجثث) لمسيناريست والكاتب العراقي
المروعة (معرض ُّ ىو التذيي ُؿ الذي وضعو الناشر عمى الغالؼ الخمفي لممجموعة القصصية
شخصيا اعتبرتيا كذلؾ،
ً نوعا مف الدعاية المدروسة لمكتاب يمارسيا الناشر بحذؽ .أنا
حسف بالسـ .رّبما يمكف اعتبار ىذا التذييؿ ً
جدية ىذا التحذير؛ بالتأكيد لف تتوقّؼ
تتوغؿ في قراءة قصص المجموعة تكتشؼ ّ غير ّأنؾ حيف ّ
الوحيد في ذلؾَ .
َ لست
ويبدو أنني ُ
صص حتى ِ ِ
أيضا ستحاوؿ أف تكوف حذ ًرا ،ثـ تكتشؼ أف الح َذر ال ُينجي مف االنغماس في عالَـ ىذه الق َ
لكنؾ ًعف إكماؿ القراءةّ ،
النياية .ىذه القصص التي وصفيا الروائي البريطاني جويديب روي بأنيا (جورنيكا مذىمة وعنيفة) ...( ،مستمّة مف قبح وشراسة
يشخصيا عدناف المبارؾ.
الحياة وسفاالت التاريخ) كما ّ
***
ِ
تجد فييا تمؾ البِنية السردية أو َ
الحبكة الممتئمة التي تم ّكنؾ أيضا ليست مثالية ّفنًيا .فال ُ
لكنيا ً ليست تجريبيةّ ،
قصص حسف بالسـ َ
تستشؼ التشوه ،واف كاف يمكنؾ أف التشوه وتنبني عمى تجسد ِ
ّ ّ ّ ص شائية ّ ص ٌالفنية .إنيا ق َ
بالجودة ّ
الحكـ عمييا أو التسميـ ليا َ
مف ُ
صة ِ
السردية لحكايات قصصو .فيو ال يأخذؾ إلى الحكاية محور الق ّ التشوه ،يتجمّى في الطريقة ّ ّ دائما -ليذا
متكرًار – وليس ً
نمطًا ّ
ٍ
لحظة دخ ٍ
مية مثيرٍة ج ّذابة مبتورٍة ،تأخذؾ إلى الحكاية المحورية التي تنبتر بدورىا في ٍ
حكاية َم َ مباشرةً ،وانما ُيدحرجؾ إلييا عبر
تجد
السرد بالكامؿ ،وال تنغمؽ الحكاية ال َمدخمية األولى وال ُ
معيا ّ
وينبتر َ
ُ تماما،-
تورط فييا داخؿ الحكاية ً
يكوف القارئ قد ّ
ُ معينة -
ّ
خصوصا
ً الفارؽ الذي ستُضيفو النيايات إذا كاف في الحكايات المسرودة مف الفداحة ما فييا؟! ال شيء،
ُ غالبا .فما
ّأية إشارة إلييا ً
ؾ القارئُ عالقًا ىناؾ ،في ِ
قمب الحكاية. ِ
المقصد أف ُي ّتر َ إذا كاف
صداـ ثـ تحت االحتالؿ األمريكي لمعراؽ ثـ ىروبو إلى أوروبا عبرالمروعة في العراؽ في عيد ّ ّ أسيَمت خبرةُ حسف بالسـ وتجربتو
ومنتَجو اإلبداعي
ؾ في التأثير عمى عقؿ بالسـ ُ المروعة وال ش ّ
ّ عدد مف الدوؿ قبؿ أف ينتيي كالجئ في فنمندا ..أسيَ َمت تمؾ الخبرة
طبيعيا .واذا كاف د .شاكر عبد الحميد يؤ ّكد في تماما لممألوؼ .ىذه الخبرات والتجارب ال تخمّؼ وراءىا عقالً ٍ ٍ
بشكؿ ّ ٍ
ً متمرد مخالؼ َ
1
لمجدة واألصالة والمعاصرة ،والنفاذ إلى أعماؽ الذات
دائما ،يطمح ّ
نظاـ خاص ً
الفني ٌ
أف (النظاـ في العمؿ ّ
كتابو"األدب والجنوف" ّ
والواقع والحياة ..ويقوـ عمى أساس تأكيد الحساسية االنفعالية والخياؿ الطميؽ لمفناف) ،فإف بالسـ لـ يمتزـ بيذا النظاـ الخاص؛ وانما
التشوه النفسي والقسوة جميعا ىو المعادل الموضوعي لكؿ تجربة تضمنتيا قصة مف ِقصصو ،و ِ
القاسـ المشترؾ بينيا ِ التزـ بتوفير
ّ ً َ ّ ّ
تجسده التجربة وتخمّفو في وجداف صاحبيا ،ويبوء بو وجداف متمقّييا وقارئيا وسامعيا.
والقبح الذي ّ
***
كاف
اء َنموذجا خارقًا لمسألة المعادؿ الموضوعي .وسو ٌ
ً الرَوث)
قصة (خنفساء ّ
مف بيف قصص مجموعة (معرض الجثث) ،تمثّؿ ّ
موضوعيا شديد المطابقة لمرض االضطراب الوجداني
ً القصة جاءت معادالً
ّ تقديـ اإلفصاح عف النتيجة أفضؿ أو تأخيره ..فإف ىذه
أنت
يشخص أعراض المرض ،وانما َ نص يرصد أو ّ لست أماـ ّ
القصة َ
ّ ثنائي القُطب ( .)Bipolar Disorderوأنت ىنا في ىذه
موضوعيا ألعراض المرض ،وانما ىو
ً نص ال يمثؿ معادالً ٍ
بشكؿ تمقائ ٍي لمغايةٌّ . تتمبس بأفكاره ولغتو وىواجسو
داخؿ عقؿ المريض ّ
التوصؿ إلى تشخيص
ّ القصة وتكوف خارج عقؿ الشخصية ،يمكنؾ أف تحاوؿ
ّ موضوعي لممرض ذاتو .فقط عندما تُنيي
ٌ معاد ٌؿ
لمتعرؼ عمييا.
تمبست بيا منذ قميؿ؛ ّ أعراض ىذه الحالة التي ّ
2
أخيرا :يستجدي طبيبو الذي مات
قصة السمكة المسمومة التراجيدية مف التراث الشعبي العراقي .فجأة يذىب إلى قصة فأرة كافكاً .
ّ
وكأنما استحالت كينونتُو بيضةً مف بيض الخنفساء.
باألمس ُليخرجو مف كرة الروثّ ،
األمر.
َ لُِن ِ
عايف
***
القصة ،ظيرت أعراض التكمّـ بسرعة شديدة والقفز بيف األفكار بدوف روابط منطقية ،كواحدة
ّ في سردنا السريع لممحات مف مقاطع
مجسدة
ّ مف أعراض االضطراب ثنائي القطب .وتظير األعراض األخرى لالضطراب ثنائي القطب -بقطبيو اليَ َوسي واالكتئابي، -
لمتدخؿ في قضية األدب) معتقدات مبالغ فييا ّ القصة .فمثالً نالحظ في قولو (ال يمكنني أف أكتب قصّة لكني مستعدّ
ّ في سياؽ
حوؿ قدرات الشخص وطاقاتو.
ونجد انتقاالً مف ارتفاع المزاج وشدة التفاؤؿ -نوبة اليوس -في قولو (لـ يعثر عمى الجواب ،بؿ محض أحاسيس غامضة ال تعينو
في تفسير قسوة قمبو وىروبو المتواصؿ مف الماضي .لكف ألـ يُرد أف يختار بنفسو حياتو ويكوف سيّدىا) ،إلى شعور باليأس والحزف
رت مف أجمو حياتي .اآلف صار لدي حطاماف :حياتي و ِ
الحمـ). أخير تياوى الحمـ الذي دمّ ُ
-نوبة اكتئاب -في قولو (و ًا
ّ
نجد انتقاالً مف النزؽ واليياج –نوبة اكتئاب -في قولو (ال أريد النظر بصفاء وىدوء ،لقد تعبت ،أريد أف أصرخ .انا مثؿ أيّ
أيضاُ ،
ً
احد منكـ ،حشدٌ مف القردة الفصامية تعيش في ٍ
جسد واحد .أنا سمكة تحترؽ في فرف ،بينما المطر ينيمر في الخارج) ،إلى ارتفاع و ٍ
المزاج وشدة التفاؤؿ –نوبة اليوس -في قولو (دكتور! ىؿ تعرؼ أني حيف أخرج مف البيت ويالمس وجيي اليواء البارد تفيؽ تمؾ
رت غيمةُ بوذيّة .كيؼ أوضّح لؾ
ص ُالرغبة .مياهٌ دافئةٌ تصعدُ مف ينابيع مجيولة إلى رأسي .أفقد ثقؿ جسدي ،ثـ أشعر أنني ِ
3
األمر!) ،ويُتبعيا مباشرةً بما يجسّد قمّة التركيز وسيوؿ التشتيت كعَرض مشترؾ بيف اليوس واالكتئاب في قولو (اُنظر ،ىو ذا طائر
نورس يخطؼ مف مجموعة عصافير قطعة خبز صغيرة ويصعد بيا إلى سطح القطار).
تجسيدا الضطرابات النوـ ،كعامؿ مشترؾ بيف نوبات اليوس واالكتئاب ،بقولو (أنا يا أمّي ال أناـ .ىـ يريدوف تنويمي
ً نجد
كما ُ
عنوة)...( ،زوجتي وأصدقائي ورئيس جمعية الدفاع عف المنحوسيف ،يصمّوف كميـ كي أناـ ،وأقبؿ قسمتي في الحياة)...( ،ىناؾ
فارزةٌ شوكيةٌ في دماغي تمنعني مف النوـ).
يجسدىا قولو
التطرؼ والنزؽ .األولى ّ
ّ اجيتيف شديدتي
وتتجمّى أعمى أعراض االضطراب ثنائي القطب في االنتقاؿ بيف حالَتيف مز ّ
(دكتور! أستطيع أف أسمّي مشاعري حينيا بالرغبة في التقبيؿ ...أف أستوقؼ الناس لتقبيؿ أيادييـ ،أحذيتيـ ،ركبيـ ،حقائبيـ...
تماما( :دكتور! ثـ تنقشع ىذه الرغبات تمامًا كما
قبالت مف دوف مقابؿ ،قبالت حزينة ومُخمصة) .وتأتي الثانية عمى نقيضيا ً
أف سجانًا وحشيًا يقمع
يحصؿ لسماء صافية اقتحمتيا عصابة مف الغيوـ البدينة الوقحة .شيءٌ ما شبيو بالتعذيبب يحدث لي كما لو ّ
المجانية تمؾ .أريد أف أقطع خصيتي ذاؾ الرجؿ المسرع ...أريدُ أف أغرز أظافري في
المرة استرداد قبالتي ّ
أظافري ...لذا أريد ىذه ّ
تفسير غير منطقي لتصرفاتو اليوجاء غير
ًا وجو ذاؾ الطفؿ الذي تدفعو أمّو صوب محطّة المسافريف) .ثـ يحاوؿ ّ
يقدـ بعدىا
ٍ
كحاقد المحسوبة تمؾ( :كؿ حركة يا دكتور ،كؿ إشارة ميما كانت بسيطة أو تافية تسبّب لي صداع الحب .لذا أحاوؿ أف أبدو
بالغريزة .لكف ما معنى ذلؾ؟ ال أدري!).
دكتور ،أخرجني مف كرة الروث ،أرجوؾ) .لقد استحالت كينونتو إلى بيضة خنفساء داخؿ كرة ّ
الروث.
النص الوحيد في المجموعة الذيّ موضوعيا لالضطراب ثنائي القطب ،وليس ىوً يجسد معادالً
متطرؼ ّ ّ نص رائعٌ
أخيرا ،ىذا ٌ
ً
ينطوي عمى ىذه الروعة المخيفة .لذا أكرر لكـ نصيحة الناشر بأف تقرءوا الكتاب بحذر خشية أف ي ِ
فسد عميكـ ما تبقّى مف حياتكـ. ُ ّ ُ ّ
4