Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫يتجسد ف ًنا‬

‫ّ‬ ‫الرَوث)‪ :‬الوجدان‬


‫(خنفساء ّ‬

‫السيد أبو رّياف‬


‫محمد ّ‬
‫ّ‬

‫(أنصحكـ بأف ال تشتروا ىذا الكتاب‪ .‬واذا لـ تسمعوا نصيحتي فكونوا حذريف في قراءتو خشية أف ي ِ‬
‫فسد ما تبقّى مف حياتكـ)‪ .‬ىذا‬ ‫ُ‬
‫الجثث) لمسيناريست والكاتب العراقي‬
‫المروعة (معرض ُ‬‫ّ‬ ‫ىو التذيي ُؿ الذي وضعو الناشر عمى الغالؼ الخمفي لممجموعة القصصية‬
‫شخصيا اعتبرتيا كذلؾ‪،‬‬
‫ً‬ ‫نوعا مف الدعاية المدروسة لمكتاب يمارسيا الناشر بحذؽ‪ .‬أنا‬
‫حسف بالسـ‪ .‬رّبما يمكف اعتبار ىذا التذييؿ ً‬
‫جدية ىذا التحذير؛ بالتأكيد لف تتوقّؼ‬
‫تتوغؿ في قراءة قصص المجموعة تكتشؼ ّ‬ ‫غير ّأنؾ حيف ّ‬
‫الوحيد في ذلؾ‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫لست‬
‫ويبدو أنني ُ‬
‫صص حتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أيضا ستحاوؿ أف تكوف حذ ًرا‪ ،‬ثـ تكتشؼ أف الح َذر ال ُينجي مف االنغماس في عالَـ ىذه الق َ‬
‫لكنؾ ً‬‫عف إكماؿ القراءة‪ّ ،‬‬
‫النياية‪ .‬ىذه القصص التي وصفيا الروائي البريطاني جويديب روي بأنيا (جورنيكا مذىمة وعنيفة)‪ ...( ،‬مستمّة مف قبح وشراسة‬
‫يشخصيا عدناف المبارؾ‪.‬‬
‫الحياة وسفاالت التاريخ) كما ّ‬

‫بأنو (أفضؿ كاتب عربي عمى‬


‫حسف بالسـ‪ ،‬أوؿ كاتب عربي يحصؿ عمى جائزة اإلندبندنت المرموقة‪ ،‬وصفتو صحيفة الجاردياف ّ‬
‫قيد الحياة)‪ ،‬ووصفو برايف كستنر بػ(الغريزي والعبثي والمميء بالرعب‪ ،‬ىو كافكا العراقي مع لمسة إضافية مف إدجار آالف بو)‪،‬‬
‫سرديا غر ًيبا‪ ،‬ال يكتفي فيو بصراع المغة مع الرمز‪ ،‬أو الوجود مع العدـ‪ ،‬بؿ يضعؾ في بؤرة صراع الصورة مع الواقع‪،‬‬
‫ً‬ ‫ينتيج طريقًا‬
‫بؿ وصراع الحقيقة ذاتيا مع الواقع‪ ،‬ذلؾ ّأنو لـ ينقؿ فييا "ما رأى"‪ ،‬وانما "ما جرى"‪ ..‬وكأنو يقوؿ‪ :‬ىذا الواقع الذي تراه‪ ..‬ىؿ تريد‬
‫لكنؾ في جميع األحواؿ ستعاني وتتع ّذب‪ ،‬ألنؾ سترى‬
‫تصدؽ واما أف تك ّذب‪ّ ،‬‬
‫إما أف ّ‬
‫ؾ حقيقتُو‪ ،‬وأنت بالخيار‪ّ :‬‬
‫أف تعرؼ حقيقتو؟ ىا َ‬
‫وتعود مف حقيقتيـ‬
‫َ‬ ‫أالميـ‪ ،‬وستالقي معيـ مصائرىـ‪ ،‬قبؿ أف تفيؽ‬
‫وتحس مخاوفيـ و َ‬
‫ّ‬ ‫وستعيش أفكارىـ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ما رأى أشخاص القصص‬
‫تصدؽ ما جرى أو تك ّذبو‪ .‬لقد انفثأَت‬
‫ّ‬ ‫كثير أف‬
‫أيت ما رأيت‪ .‬ولف يفرؽ ًا‬ ‫إلى و ِاقعؾ‪ّ .‬‬
‫لكنؾ لف تعود كما كنت‪ ،‬خاصةً بعد أف ر َ‬
‫فقاعاتُؾ النفسية ولَف تمتئـ‪.‬‬

‫***‬

‫ِ‬
‫تجد فييا تمؾ البِنية السردية أو َ‬
‫الحبكة الممتئمة التي تم ّكنؾ‬ ‫أيضا ليست مثالية ّفنًيا‪ .‬فال ُ‬
‫لكنيا ً‬ ‫ليست تجريبية‪ّ ،‬‬
‫قصص حسف بالسـ َ‬
‫تستشؼ‬ ‫التشوه‪ ،‬واف كاف يمكنؾ أف‬ ‫التشوه وتنبني عمى‬ ‫تجسد‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ص شائية ّ‬ ‫ص ٌ‬‫الفنية‪ .‬إنيا ق َ‬
‫بالجودة ّ‬
‫الحكـ عمييا أو التسميـ ليا َ‬
‫مف ُ‬
‫صة‬ ‫ِ‬
‫السردية لحكايات قصصو‪ .‬فيو ال يأخذؾ إلى الحكاية محور الق ّ‬ ‫التشوه‪ ،‬يتجمّى في الطريقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫دائما‪ -‬ليذا‬
‫متكرًار – وليس ً‬
‫نمطًا ّ‬
‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫دخ ٍ‬
‫مية مثيرٍة ج ّذابة مبتورٍة‪ ،‬تأخذؾ إلى الحكاية المحورية التي تنبتر بدورىا في‬ ‫ٍ‬
‫حكاية َم َ‬ ‫مباشرةً‪ ،‬وانما ُيدحرجؾ إلييا عبر‬
‫تجد‬
‫السرد بالكامؿ‪ ،‬وال تنغمؽ الحكاية ال َمدخمية األولى وال ُ‬
‫معيا ّ‬
‫وينبتر َ‬
‫ُ‬ ‫تماما‪،-‬‬
‫تورط فييا داخؿ الحكاية ً‬
‫يكوف القارئ قد ّ‬
‫ُ‬ ‫معينة ‪-‬‬
‫ّ‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫الفارؽ الذي ستُضيفو النيايات إذا كاف في الحكايات المسرودة مف الفداحة ما فييا؟! ال شيء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫غالبا‪ .‬فما‬
‫ّأية إشارة إلييا ً‬
‫ؾ القارئُ عالقًا ىناؾ‪ ،‬في ِ‬
‫قمب الحكاية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المقصد أف ُي ّتر َ‬ ‫إذا كاف‬

‫صداـ ثـ تحت االحتالؿ األمريكي لمعراؽ ثـ ىروبو إلى أوروبا عبر‬‫المروعة في العراؽ في عيد ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسيَمت خبرةُ حسف بالسـ وتجربتو‬
‫ومنتَجو اإلبداعي‬
‫ؾ في التأثير عمى عقؿ بالسـ ُ‬ ‫المروعة وال ش ّ‬
‫ّ‬ ‫عدد مف الدوؿ قبؿ أف ينتيي كالجئ في فنمندا‪ ..‬أسيَ َمت تمؾ الخبرة‬
‫طبيعيا‪ .‬واذا كاف د‪ .‬شاكر عبد الحميد يؤ ّكد في‬ ‫تماما لممألوؼ‪ .‬ىذه الخبرات والتجارب ال تخمّؼ وراءىا عقالً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشكؿ ّ ٍ‬
‫ً‬ ‫متمرد مخالؼ َ‬

‫‪1‬‬
‫لمجدة واألصالة والمعاصرة‪ ،‬والنفاذ إلى أعماؽ الذات‬
‫دائما‪ ،‬يطمح ّ‬
‫نظاـ خاص ً‬
‫الفني ٌ‬
‫أف (النظاـ في العمؿ ّ‬
‫كتابو"األدب والجنوف" ّ‬
‫والواقع والحياة‪ ..‬ويقوـ عمى أساس تأكيد الحساسية االنفعالية والخياؿ الطميؽ لمفناف)‪ ،‬فإف بالسـ لـ يمتزـ بيذا النظاـ الخاص؛ وانما‬
‫التشوه النفسي والقسوة‬ ‫جميعا ىو‬ ‫المعادل الموضوعي لكؿ تجربة تضمنتيا قصة مف ِقصصو‪ ،‬و ِ‬
‫القاسـ المشترؾ بينيا‬ ‫ِ‬ ‫التزـ بتوفير‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تجسده التجربة وتخمّفو في وجداف صاحبيا‪ ،‬ويبوء بو وجداف متمقّييا وقارئيا وسامعيا‪.‬‬
‫والقبح الذي ّ‬

‫الفف ىي إيجاد معادؿ موضوعي‪ ..‬أو بعبارة‬


‫المثمى لمتعبير عف الوجداف في ّ‬
‫يقوؿ الناقد األمريكي النافذ توماس إليوت‪( :‬الوسيمة ُ‬
‫المعيف الذي ُيراد التعبير عنو‪ ،‬حتى إذا ما اكتممت‬
‫ّ‬ ‫محدد أو موقؼ أو سمسمة مف األحداث تعادؿ الوجداف‬
‫أخرى‪ :‬بخمؽ جسـ ّ‬
‫حسية = تَحقّؽ الوجداف المطموب إثارتو)‪ .‬وىذا َعيف ما انتيجو حسف بالسـ في‬
‫البد أف تنتيي إلى خبرة ّ‬ ‫الحقائؽ الخارجية التي ّ‬
‫خاصا"‪،‬‬ ‫"نظاما‬ ‫أغمب ِقصصو في ىذه المجموعة المثيرة الشائية‪ ،‬بطر ٍ‬
‫يقة ال يسيُؿ معيا أف نعتبر المعادؿ الموضوعي في حالتو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المشبعة بيا قصصو‪.‬‬
‫َ‬ ‫ظي والفوضى النفسية‬
‫التشوه والتش ّ‬
‫ّ‬ ‫خصوصا مع‬
‫ً‬

‫يتكرر في أغمب القصص‪،‬‬ ‫ِ‬


‫لمسرد الذي ّ‬
‫النمط الشائو ّ‬
‫إ ًذا‪ ،‬نحف أماـ عامميف رئيسييف ُمشتركيف بيف أغمب قصص المجموعة‪َ :‬‬
‫والمعادؿ الموضوعي الذي تتجسد عمى أساسو كؿ قصة وتأخذ وجدانيا الشائو الخاص بيا‪ ،‬الذي ِ‬
‫ينعكس بدوره عمى الطريقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القصص‪.‬‬ ‫خرجيا عف النم ِط المتكرر في أغمب ِ‬
‫السردية بشكؿ ُي ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫***‬

‫كاف‬
‫اء َ‬‫نموذجا خارقًا لمسألة المعادؿ الموضوعي‪ .‬وسو ٌ‬
‫ً‬ ‫الرَوث)‬
‫قصة (خنفساء ّ‬
‫مف بيف قصص مجموعة (معرض الجثث)‪ ،‬تمثّؿ ّ‬
‫موضوعيا شديد المطابقة لمرض االضطراب الوجداني‬
‫ً‬ ‫القصة جاءت معادالً‬
‫ّ‬ ‫تقديـ اإلفصاح عف النتيجة أفضؿ أو تأخيره‪ ..‬فإف ىذه‬
‫أنت‬
‫يشخص أعراض المرض‪ ،‬وانما َ‬ ‫نص يرصد أو ّ‬ ‫لست أماـ ّ‬
‫القصة َ‬
‫ّ‬ ‫ثنائي القُطب (‪ .)Bipolar Disorder‬وأنت ىنا في ىذه‬
‫موضوعيا ألعراض المرض‪ ،‬وانما ىو‬
‫ً‬ ‫نص ال يمثؿ معادالً‬ ‫ٍ‬
‫بشكؿ تمقائ ٍي لمغاية‪ٌّ .‬‬ ‫تتمبس بأفكاره ولغتو وىواجسو‬
‫داخؿ عقؿ المريض ّ‬
‫التوصؿ إلى تشخيص‬
‫ّ‬ ‫القصة وتكوف خارج عقؿ الشخصية‪ ،‬يمكنؾ أف تحاوؿ‬
‫ّ‬ ‫موضوعي لممرض ذاتو‪ .‬فقط عندما تُنيي‬
‫ٌ‬ ‫معاد ٌؿ‬
‫لمتعرؼ عمييا‪.‬‬
‫تمبست بيا منذ قميؿ؛ ّ‬ ‫أعراض ىذه الحالة التي ّ‬

‫عقؿ مسترٍخ عمى شيزلونج‪ ،‬يخاطب بطؿ القصة طبيبو النفسي عف ِ‬


‫القصص وأنواعيا‪ .‬طبيبو النفسي ىذا‬ ‫صرت داخ َؿ ٍ‬ ‫وكأنؾ ِ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫انشؽ نصفيف في حادثة مرورية ُمف ِجعة أمس‪ ،‬حارقا بسيارتو حافمة أطفاؿ المدرسة‪ .‬فجأة ّ‬
‫يتحدث البطؿ عف خنفساء الروث التي‬ ‫ّ‬
‫يتحدث عف غرامة مالية مف المستشفى بسبب‬
‫تعيش في الصحراء األفريقية وتضع بيضيا داخؿ كرّيات صغيرة مف الروث‪ .‬فجأة ّ‬
‫يتحدث باعتباره رائد‬
‫ّ‬ ‫المقرر مسبقًا‪ .‬فجأة يراجع قسوة قمبو وطموح زوجتو في افتتاح مطعـ عراقي‪ .‬فجأة‬
‫ّ‬ ‫تخمفو عف موعد كشفو‬
‫جديدا‬
‫ً‬ ‫لغويا‬
‫ميتـ بالشعر‪ُ ،‬يحرز اكتشافًا ً‬
‫متجمد‪ .‬رائد الفضاء ىذا ّ‬
‫ّ‬ ‫كوكبا عميو ستةً كائنات عمى ضفافا نير أحمر‬
‫ً‬ ‫فضاء يراقب‬
‫يتحدث عف ضنكو بأحوالو الشعورية و ّأنو ال يناـ‪.‬‬
‫البد مف عودة كتابة الشعر‪ .‬فجأة ّ‬
‫المجرة‪ ،‬ويكوف الحؿ‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫فيدب الذعر بيف س ّكاف‬
‫ّ‬
‫الحب‪ .‬فجأة‬
‫ّ‬ ‫بكؿ‬
‫كؿ الناس وكؿ تفاصيميـ ومقتنياتيـ الصغيرة‪ّ ،‬‬
‫فجأة يتحدث عف رغبتو الدافئة ومشارعو الجميمة ورغبتو في تقبيؿ ّ‬
‫يتحدث عف تاريخ أسرتو في‬
‫غبات ُمرعبة مؤذية لك ّؿ الناس ولكؿ مقتنياتيـ‪ .‬فجأة ّ‬
‫تنقشع كؿ ىذه الرغبات الدافئة وتح ّؿ محميا ر ٌ‬
‫رواد المقيى الذي يرتاده بالساعات‪ .‬فجأة يستدعي‬
‫بغداد‪ .‬فجأة يحاضرنا عف السموـ وأنواعيا‪ .‬فجأة يحكي عف تعمّقو بمقتنيات ّ‬

‫‪2‬‬
‫أخيرا‪ :‬يستجدي طبيبو الذي مات‬
‫قصة السمكة المسمومة التراجيدية مف التراث الشعبي العراقي‪ .‬فجأة يذىب إلى قصة فأرة كافكا‪ً .‬‬
‫ّ‬
‫وكأنما استحالت كينونتُو بيضةً مف بيض الخنفساء‪.‬‬
‫باألمس ُليخرجو مف كرة الروث‪ّ ،‬‬

‫أف الشخصية ىنا تتكمّـ بسرعة عالية في أفكار‬


‫القصة‪ ،‬تخبرؾ ألوؿ وىمة ّ‬
‫ّ‬ ‫حسنا‪ ،‬ىذه الممحات المختصرة المتقافزة بيف مقاطع‬
‫ً‬
‫متالحقة‪ ،‬وتقفز بسرعة شديدة مف فكرة ألخرى دوف وجود ر ٍ‬
‫ابط منطقي ليذا االنتقاؿ‪ .‬وىذه واحدة مف أبرز أعراض االضطراب‬
‫العرض يشترؾ فيو االضطراب ثنائي القطب مع تشخيصات أمراض نفسية وذىنية أخرى خصوصا في‬
‫أف ىذا َ‬
‫ثنائي القطب‪ .‬غير ّ‬
‫مرضا آخر؟!‬
‫ً‬ ‫حاالت الفصاـ‪ .‬ما الذي يجعمنا نجزـ أف الشخصية في ىذه القصة تعاني اضطراب ثنائي القطب وليس‬

‫األمر‪.‬‬
‫َ‬ ‫لُِن ِ‬
‫عايف‬

‫***‬

‫أحيانا عنيفة‪ ،‬تنتقؿ بو‬


‫تبدالت مزاجية قًصوى غير طبيعية‪ ،‬و ً‬
‫مرض نفسي يعاني فيو المريض حالة ّ‬
‫ٌ‬ ‫االضطراب ثنائي القطب‪ ،‬ىو‬
‫أياما أو أسابيع أو‬
‫تستمر ً‬
‫ّ‬ ‫مف أحد أقطاب االضطراب (نوبة اليوس) إلى القطب اآلخر (نوبة االكتئاب)‪ ،‬في دورات تقمّب مزاجية قد‬
‫عرؼ بثنائي القطب‪ .‬ولػنوبة الهوس أعراض‪ ،‬أبرزىا (ارتفاع المزاج وشدة التفاؤؿ‬
‫شيورا‪ ،‬بخالؼ تقمّبات المزاج العادية‪ .‬ليذا ُي َ‬
‫ً‬
‫والسرور العارـ‪ ،‬النشاط غير العادي‪ ،‬معتقدات مبالغ فييا حوؿ قدرات الشخص وطاقاتو‪ ،‬قمّة النوـ مع الشعور بطاقة عالية‪ ،‬التكمّـ‬
‫بسرعة شديدة ال يستطيع اآلخروف متابعتيا‪ ،‬أفكار متالحقة مع القفز غير المنطقي مف فكرة ألخرى‪ ،‬قمّة التركيز وسيولة التشتيت‪،‬‬
‫األىوج غير المحسوب)‪ .‬في حيف تتمثّؿ أبرز أعراض نوبة االكتئاب في (شعور باليأس‬ ‫َ‬ ‫االندفاع واألحكاـ غير المنطقية‪ ،‬التصرؼ‬
‫والحزف أو الفراغ‪ ،‬النزؽ واليياج‪ ،‬الشعور بالتفاىة والذنب‪ ،‬فقداف الشعور بالمتعة‪ ،‬التعب وفقداف الطاقة‪ ،‬الخموؿ البدني أو العقمي‪،‬‬
‫تغيرات في الشيية والوزف‪ ،‬اضطرابات تزايد النوـ‪ ،‬صعوبة التركيز والتذكر واتخاذ الق اررات‪ ،‬التفكير باالنتحار أو الموت)‪ ،‬وىذه‬
‫يتميز بيا االكتئاب ثنائي القطب عف االكتئاب العادي‪.‬‬
‫األعراض مجتمعةً ّ‬

‫القصة‪ ،‬ظيرت أعراض التكمّـ بسرعة شديدة والقفز بيف األفكار بدوف روابط منطقية‪ ،‬كواحدة‬
‫ّ‬ ‫في سردنا السريع لممحات مف مقاطع‬
‫مجسدة‬
‫ّ‬ ‫مف أعراض االضطراب ثنائي القطب‪ .‬وتظير األعراض األخرى لالضطراب ثنائي القطب ‪ -‬بقطبيو اليَ َوسي واالكتئابي‪، -‬‬
‫لمتدخؿ في قضية األدب) معتقدات مبالغ فييا‬ ‫ّ‬ ‫القصة‪ .‬فمثالً نالحظ في قولو (ال يمكنني أف أكتب قصّة لكني مستعدّ‬
‫ّ‬ ‫في سياؽ‬
‫حوؿ قدرات الشخص وطاقاتو‪.‬‬

‫ونجد انتقاالً مف ارتفاع المزاج وشدة التفاؤؿ ‪-‬نوبة اليوس‪ -‬في قولو (لـ يعثر عمى الجواب‪ ،‬بؿ محض أحاسيس غامضة ال تعينو‬
‫في تفسير قسوة قمبو وىروبو المتواصؿ مف الماضي‪ .‬لكف ألـ يُرد أف يختار بنفسو حياتو ويكوف سيّدىا)‪ ،‬إلى شعور باليأس والحزف‬
‫رت مف أجمو حياتي‪ .‬اآلف صار لدي حطاماف‪ :‬حياتي و ِ‬
‫الحمـ)‪.‬‬ ‫أخير تياوى الحمـ الذي دمّ ُ‬
‫‪-‬نوبة اكتئاب‪ -‬في قولو (و ًا‬
‫ّ‬

‫نجد انتقاالً مف النزؽ واليياج –نوبة اكتئاب‪ -‬في قولو (ال أريد النظر بصفاء وىدوء‪ ،‬لقد تعبت‪ ،‬أريد أف أصرخ‪ .‬انا مثؿ أيّ‬
‫أيضا‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫احد منكـ‪ ،‬حشدٌ مف القردة الفصامية تعيش في ٍ‬
‫جسد واحد‪ .‬أنا سمكة تحترؽ في فرف‪ ،‬بينما المطر ينيمر في الخارج)‪ ،‬إلى ارتفاع‬ ‫و ٍ‬

‫المزاج وشدة التفاؤؿ –نوبة اليوس‪ -‬في قولو (دكتور! ىؿ تعرؼ أني حيف أخرج مف البيت ويالمس وجيي اليواء البارد تفيؽ تمؾ‬
‫رت غيمةُ بوذيّة‪ .‬كيؼ أوضّح لؾ‬
‫ص ُ‬‫الرغبة‪ .‬مياهٌ دافئةٌ تصعدُ مف ينابيع مجيولة إلى رأسي‪ .‬أفقد ثقؿ جسدي‪ ،‬ثـ أشعر أنني ِ‬

‫‪3‬‬
‫األمر!)‪ ،‬ويُتبعيا مباشرةً بما يجسّد قمّة التركيز وسيوؿ التشتيت كعَرض مشترؾ بيف اليوس واالكتئاب في قولو (اُنظر‪ ،‬ىو ذا طائر‬
‫نورس يخطؼ مف مجموعة عصافير قطعة خبز صغيرة ويصعد بيا إلى سطح القطار)‪.‬‬

‫تجسيدا الضطرابات النوـ‪ ،‬كعامؿ مشترؾ بيف نوبات اليوس واالكتئاب‪ ،‬بقولو (أنا يا أمّي ال أناـ‪ .‬ىـ يريدوف تنويمي‬
‫ً‬ ‫نجد‬
‫كما ُ‬
‫عنوة)‪...( ،‬زوجتي وأصدقائي ورئيس جمعية الدفاع عف المنحوسيف‪ ،‬يصمّوف كميـ كي أناـ‪ ،‬وأقبؿ قسمتي في الحياة)‪...( ،‬ىناؾ‬
‫فارزةٌ شوكيةٌ في دماغي تمنعني مف النوـ)‪.‬‬

‫يجسدىا قولو‬
‫التطرؼ والنزؽ‪ .‬األولى ّ‬
‫ّ‬ ‫اجيتيف شديدتي‬
‫وتتجمّى أعمى أعراض االضطراب ثنائي القطب في االنتقاؿ بيف حالَتيف مز ّ‬
‫(دكتور! أستطيع أف أسمّي مشاعري حينيا بالرغبة في التقبيؿ‪ ...‬أف أستوقؼ الناس لتقبيؿ أيادييـ‪ ،‬أحذيتيـ‪ ،‬ركبيـ‪ ،‬حقائبيـ‪...‬‬
‫تماما‪( :‬دكتور! ثـ تنقشع ىذه الرغبات تمامًا كما‬
‫قبالت مف دوف مقابؿ‪ ،‬قبالت حزينة ومُخمصة)‪ .‬وتأتي الثانية عمى نقيضيا ً‬
‫أف سجانًا وحشيًا يقمع‬
‫يحصؿ لسماء صافية اقتحمتيا عصابة مف الغيوـ البدينة الوقحة‪ .‬شيءٌ ما شبيو بالتعذيبب يحدث لي كما لو ّ‬
‫المجانية تمؾ‪ .‬أريد أف أقطع خصيتي ذاؾ الرجؿ المسرع‪ ...‬أريدُ أف أغرز أظافري في‬
‫المرة استرداد قبالتي ّ‬
‫أظافري‪ ...‬لذا أريد ىذه ّ‬
‫تفسير غير منطقي لتصرفاتو اليوجاء غير‬
‫ًا‬ ‫وجو ذاؾ الطفؿ الذي تدفعو أمّو صوب محطّة المسافريف)‪ .‬ثـ يحاوؿ ّ‬
‫يقدـ بعدىا‬
‫ٍ‬
‫كحاقد‬ ‫المحسوبة تمؾ‪( :‬كؿ حركة يا دكتور‪ ،‬كؿ إشارة ميما كانت بسيطة أو تافية تسبّب لي صداع الحب‪ .‬لذا أحاوؿ أف أبدو‬
‫بالغريزة‪ .‬لكف ما معنى ذلؾ؟ ال أدري!)‪.‬‬

‫يتحسر عمى حاؿ البشر)‪ ،‬ينتقؿ بو‬


‫ّ‬ ‫ىوس‪( -‬يق أر في موسوعة سميكة عف الحشرات وىو‬ ‫متساميا – في نوبة َ‬
‫ً‬ ‫والرج ُؿ الذي يبدأ‬
‫أف األلـ ىو خنفساء عمالقة‬
‫الحا ُؿ بأف (يحمـ بأنو أصبح مف أجنّة الروث المدفونة في األرض‪ ،‬وأنّو اآلف داخؿ بيضة‪ .‬تخيّ َؿ ّ‬
‫صارت أمّو)‪ ،‬ليعترؼ في حالة مف التفاىة والخموؿ العقمي –نوبة اكتئاب‪ -‬بػ(أعمف لكـ بأنّي مف صنؼ المرضى المذعوريف‪ ،‬مف‬
‫ٍ‬
‫بعيوف نصؼ مغمضة‪ ،‬وأبطاؿ كوابيسنا قطط شريرة‬ ‫صنؼ الفئراف الكافكوية‪ ،‬ساللة مطاردة إلى األبد‪ .‬نأكؿ بسرعة وخوؼ‪ ،‬نناـ‬
‫مستجديا في نوبة اكتئاب مشبعة بالشعور بالتفاىة والذنب والتعب وفقداف الطاقة‪( :‬واآلف يا‬
‫ً‬ ‫ومصائد مف أسالؾ شائكة)‪ ،‬ثـ يختـ‬

‫دكتور‪ ،‬أخرجني مف كرة الروث‪ ،‬أرجوؾ)‪ .‬لقد استحالت كينونتو إلى بيضة خنفساء داخؿ كرة ّ‬
‫الروث‪.‬‬

‫النص الوحيد في المجموعة الذي‬‫ّ‬ ‫موضوعيا لالضطراب ثنائي القطب‪ ،‬وليس ىو‬‫ً‬ ‫يجسد معادالً‬
‫متطرؼ ّ‬ ‫ّ‬ ‫نص رائعٌ‬
‫أخيرا‪ ،‬ىذا ٌ‬
‫ً‬
‫ينطوي عمى ىذه الروعة المخيفة‪ .‬لذا أكرر لكـ نصيحة الناشر بأف تقرءوا الكتاب بحذر خشية أف ي ِ‬
‫فسد عميكـ ما تبقّى مف حياتكـ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬

‫‪4‬‬

You might also like