مفهوم التوحيد في القرآن الكريم - عمرو بسيوني

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫تلخيـص محاضرة‪:‬‬

‫مفهوم التوحيد في القرآن الكريم‬


‫إعداد‪ :‬بثينة‬

‫ ‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬

‫الموضوع الذي نتناول الحديث حوله في هذه المحاضرة‪ ,‬هو قضية التوحيد في المنظور القرآني واإلسالمي عموماً‬
‫وأثر هذا التوحيد على المنظومات الفكرية واألخالقية المختلفة‪ ,‬وقد قسمتها على ثالثة مجاالت‪:‬‬
‫‪ /١‬األساس الوجودي للتوحيد‬
‫‪ /٢‬األساس األخالقي للتوحيد‬
‫‪ /٣‬األساس القانوني أو السياسي للتوحيد‬

‫التوحيد كما هو معلوم في الدراسات المحضة دائماً ما يعنى بالبحث في مسائل الثبوت واإلثبات المتعلقة بالتوحيد‬
‫كما يذكرون أن التوحيد هو مصدر الفعل وحّد يوحد أي جعل الشيء واحداً‪ ,‬ومن ثن تتعدد المدارس الكالمية‬
‫والفلسفية في دراسة كنه هذا التوحيد وصفاته وآثاره‪ ,‬لكن التوحيد الذي نلقي مزيداً من الضوء عليه في هذه‬
‫المحاضرة ليس هذا النوع من التوحيد الذي له أهميته‬
‫التوحيد القرآني الذي نركز عليه في هذه المحاضرة هو التوحيد الذي عناه الله عز وجل في مثل قوله تعالى ‪ ) :‬ولقد‬
‫بعثنا في كل أمة رسوال ( وهو أعم وأخص من توحيد األلوهية‪ ,‬فمن الصحيح أن توحيد األلوهية هو توحيد الله بأفعال‬
‫المكلف وتوحيد القصد واإلرادة‪ ,‬فهو من هذه الجهة مقصود لنا‪ ,‬يعني أننا ال نعني في هذه المحاضرة الذي هو‬
‫الثبوتي الذي يخضع للدرس الكالمي فيما يتعلق بالمباحث الربوبية‬
‫فنحن من جهة نقترب من هذا التوحيد الذي فيه نوع من التفاعل مع هذا المفهوم‪ ,‬ولكن من جهة أخرى فنحن لن‬
‫نعنى بدراسة مباحث العبادة بالمعنى الخاص‪ .‬فالمقصود هو دراسة أثر هذا التوحيد وهو التفاعل بين التوحيد وبين‬
‫مجاالت الحياة المختلفة‪.‬‬

‫قال الله عز وجل ‪ ) :‬وقال الله ال تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ( فقال ) ال تتخذوا ( واالتخاذ‬
‫هو من أفعال التصيير والجعل‪ .‬ثم قال ‪ ) :‬إنما هو إله واحد ( وهذا في قوة التعليل‪ .‬وإنما مقصود في الحصر‬
‫والقصر‪ ,‬ألن الذي في نفس األمر إله واحد‪ ,‬ثم ربط ذلك باالنفعال الذي هو الرهبة ) فإياي فارهبون ( إذن المقصود‬
‫األساسي من التوحيد في القرآن هو االنفعال بذلك التوحيد بحيث يخلص المسلم وجهته لإلله الواحد فيكون مرجعه‬
‫القيمي واألخالقي والسياسي واحداً‪ .‬هذا هو األساس التوحيدي‪.‬‬

‫فتفعيل التوحيد في جميع مجاالت الحياة هو التوحيد القرآني بغرض الوصول إلى الدار اآلخرة‪.‬‬
‫آية أخرى تؤطر معنى مفهوم التوحيد القرآني ‪ ) :‬لو كان فيهما آلهة إال الله لفسدتا ( هذه اآلية تنصف المنظور الذي‬
‫نحن نتوخى النظر منه وإليه‪ ,‬ألنه من المعروف أن الفالسفة المتكلمين يبحثون في هذه اآلية عن الدليل الكالمي‬
‫الذي يسمونه "دليل التمانع"‪ .1‬وهو أنه يستحيل أن يكون فعل واحد تامٌ من فاعلين اثنين تامين‪ .‬فالفاعل يكون واحداً‪.‬‬
‫لكن المحققين من أهل العلم منهم شيخ اإلسالم ابن تيمية وغيره ذكروا أن هذا وإن كان صحيحاً‪ ,‬لكنه ليس هو‬
‫المقصود من هذه اآلية‪ ,‬أو على األقل ليس هو مقصود المتكلم‪ ,‬ألنه وفق سياق دليلهم‪ ,‬كان ينبغي أن يقول ‪ ) :‬لما‬
‫وجد الوجود ( مثالً بدالً من قوله ) لفسدتا ( أي لفسدت السموات واألرض‪ ,‬ولم يقل لما وُجدتا‪ ,‬ولكنه قال لفسدتا‬
‫والفساد يكون بعد الوجود‪ 2‬وعلى هذا فالذي تبحث فيه اآلية هو أنه إذا تعدد المعبود ) اإلله ( لفسد نظام الكون‬
‫ومنه النظام التكويني‪ ,‬والتشريعي الذي هو األخالقي وما تحته من فروه تشمل جميع أفعال المكلفين الخاصة والعامة‬
‫أو االجتماعية‪.‬‬

‫• األساس الوجودي للتوحيد‪:‬‬


‫وهو المعاني المتعلقة في الوجود من غير مالحظة أفعال المكلفين كما في األخالقي والسياسي‪ ,‬فهو المعنى والقيمة‬
‫التي يضفيها الوجود اإللهي على الوجود نفسه على ما سوى الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ننطلق من أن التوحيد حقيقة موجودة‪ ,‬وهو وجود ضروري فطري‪ ,‬فالشيء الموجود يكفي في التدليل على‬
‫وجوده نفس وجوده‪.‬‬
‫فبناءً على ذلك يكون كل ما سوى الله عز وجل مفتقر إليه إيجاداً وإمداداً‪ ,‬فهذا يستلزم أن كل موجود سوى الله يفتقر‬
‫في وجوده وفي معناه وفي غايته إلى الوجود اإللهي‪ ,‬وهده قضية عقلية ضرورية‪ ,‬فالوجود اإللهي يجيب على األسئلة‬
‫الوجودية‪ ,‬من أين نحن? وأين المصير ولماذا نحن موجودين? وهي إجابات واضحة مباشرة وموافقة للفطرة‪.‬‬

‫ ‬
‫‪1‬‬
‫ﻣﻌﻧﻰ ھذا اﻟدﻟﯾل أﻧﮫ ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾﻛون ﻣﻊ ﷲ إﻟﮫ آﺧر‪ ،‬ﻟﺣﺻول اﻟﻧزاع ﺑﯾن اﻹﻟﮭﯾن‪ ،‬ھذا ﻗد ﯾرﯾد أﻣرا ً واﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾرﯾد ﺧﻼﻓﮫ‪،‬‬
‫ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺣﺻل ﻣﻘﺻود اﻻﺛﻧﯾن وھذا ﻻ ﯾﻣﻛن وﻣﻣﺗﻧﻊ ﻋﻘﻼً‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﺣﺻل ﻣراد أﺣدھﻣﺎ‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟذي ﺣﺻل ﻣراده ھو‬
‫اﻟرب واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻻ ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠرﺑوﺑﯾﺔ )إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺗواﺿﻌﺔ ﻣﻧﻲ( ‬
‫‪ 2‬ﻛﺗﺎب د‪ .‬ﺳﻌود اﻟﻌرﯾﻔﻲ اﻷدﻟﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﺻول اﻻﻋﺗﻘﺎد ﻣﻔﯾد وﻧﺎﻓ ٌﻊ ﻓﻲ ھذا اﻟﺑﺎب‪ ،‬ﻓﯾرﺟﻰ ﻣراﺟﻌﺗﮫ ﻟﻣزﯾد ﻣن‬
‫اﻟﺗوﺿﯾﺢ ‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬
‫وجودي تتعلق فيه المعرفة‪ ,‬و وسائل المعرفة لهذا الثابت قد تدخلها النسبية‪ ,‬فمنها ما هو قطعي ومنها ما هو نسبي‪,‬‬
‫لكن نفس الموضوع الذي تتعلق به المعارف يكون موجوداً في نفس األمر باستثناء السفسطائيين‪.‬‬

‫كانط رائد المدرسة النقدية‪ 3‬نقد األدلة األساسية على الوجود اإللهي‪ ,‬وقال إنها أدلة ناقصة غير تامة ال تتحقق‬
‫وجود هدا الموجود‪ ,‬والفكرة األساسية التي يقدمها كانط‪ :‬أن الفكر ال يعطي الوجود‪ ,‬هذا عصب فلسفة كانط‪,‬‬
‫فمجرد أنك تثبت بالطريقة النظرية وجود شيء ال يكفي‪ ,‬ولكي يدلل على ذلك قدم في هذه األطروحة ما يسمى‬
‫بالنقائض األربعة‬
‫يقول أنه نقد األدلة الالهوتية الفلسفية على الوجود اإللهي كي أحمي اإليمان‪ ,‬ألنه إذا دللنا على الوجود اإللهي بهذه‬
‫األدلة فنحن نعرض إيماننا للخطر ونحن محتاجين لإليمان‪ ,‬فاإلله الذي يثبته كانط هو ) منظم معرفي( يعني من‬
‫دونه ال يمكن الوصول إلى المعرفة‪ ,‬ألنه كانط لما طرح نظريته في المعرفة وقال أن هناك فرقاً بين العلم بالشيء‬
‫في نفس ذاته قال هذا غير ممكن‪ ,‬فاإلنسان ال يمكن أن يعرف الشيء في حد ذاته لكنه يعرف األشياء في حدود‬
‫الظاهرة الممكنة‪ ,‬فمن ثم احتار الباحثين في تصنيفه‪ ,‬هل هو تجريبي? ألنه يقول وسيلة المعرفة الوحيدة هي‬
‫الحدوث‪ ,‬أم هو مثالي? ألنه يقول بالمعرفة القبلية‪ .‬هو في الوسط بين االتجاه المثالي والتجريبي وهو ال يعرف أي‬
‫شيء قبل أن يتعامل معه بالحس‪ ,‬كانط رغم هذا التأطير يبقى عنده مكون ريبي ومن ينسب كانط بأن فيه نزعة‬
‫سفسطائية فهو محق‪ ,‬فهو منع إمكان معرفة الشيء في حد ذاته‪ ,‬ومنع أيضاً البرهنة على إثبات وجود الشيء في حد‬
‫ذاته فهو يقول أن الفكر ال يعطي الوجود‪ ,‬فالمرء –بالنسبة لكانط‪ -‬يمكنه البرهنة على الشيء ونقيضه‪ ..‬هنا لجأ‬
‫كانط لمفهوم اإلله‪ ,‬ألنه هو المنظم المعرفي الذي يمكن أن نرجع إليه الحواس المتعالية عند اإلنسان بمثابة أن الرقم‬
‫واحد هو الذي يدخل في جميع األرقام‪ ,‬فإذا لم يوجد هذا المنظم المعرفي‪ ,‬هذه النقطة التي ننطق منها ‪ ..‬ال نستطيع‬
‫أن ننطلق في المعرفة‪ .‬فوصول كانط إلى المفهوم اإللهي هو براجماتي عملي ال براجماتي نفعي‪.‬‬
‫فالوجود اإللهي ضروري كمنظم للمعرفة‪.‬‬

‫الحس أيضلً نسبي ويخدع‪ ,‬والحس المركب الموجود في التجربة معرض للثغرة الشهيرة " االستقراء " فنحن نرى ال‬
‫نرى أن كل نار تحرق كل خشبة‪ ,‬وساء كان النظر عقلياً أو حسياً ففي النهاية هناك ثغرة ال يمكن تحقيق المعرفة‬
‫كإمكانية إال بوجود هذا الوجود المتعالي الذي تستند إليه هذه الحقائق والموجودات‪ .‬هذا من حيث إمكانية المعرفة‪,‬‬
‫لكن ماذا عن حجيتها? بمعنى كيف نعرف أن المعارف هذه صحيحة? فال يمكن أن نقول أننا عرفناها بالعقل‪ ,‬ألن‬
‫إسناد الشيء إلى نفسه دور‪ ,‬والدور ممتنع‪ ,4‬وليتحقق الشيء ينبغي أن يسند إلى شيء غيره‪ ,‬حتى ينقطع ذلك في‬
‫الموجود الذي لم يوجده شيء‪ .‬العلة التي ليست معلولة الواجب الذي ليس بممكن‪,‬‬
‫هذا الموجود المستغني التام الذي قلنا أنه موجود في نفس األمر ومنه كل الموجودات هذا الذي يقطع هذه السلسلة‬
‫ويصحح هذه الحجية للمعارف‪.‬‬

‫ديكارت صاحب االتجاه العقلي في نظرية المعرفة‪ ,‬لماذا ال يخدعنا العقل? الضمانة في ذلك هي الله‪ ,‬فباللسان‬
‫المعارف نقول أن الله هو المصحح للمعارف وهو المصحح لحجية العقل‪ ,‬هذا من جهة البحث الديني ومن جهة‬
‫فليس للفالسفة أي معنى يمكن تصحيح المعارف من خالله‪ ) ,‬الله ال يخدعنا ( هذا ما قاله رينيه ديكارت‪ ,‬فهذا مبرر‬
‫أخالقي للعقل‪ .‬فالله هو الذي خلق لنا هذه الحواس وخلقه غائي وهو دلنا على استعمال هذه الحواس‪.‬‬

‫الذي يصحح المعرفة وهو أيضاً الذي يصحح الجمال‪ " ,‬إن الله جميل يحب الجمال" فالجمال صفة ذاتية لله عز وجل‬
‫ألنها من الكمال‪ ,‬بل هي من أعلى ما يكون في الكمال اإللهي‪ ,‬هذا النص نستفيد منه أن الجمال أمر ثابت موجود في‬
‫نفسه‪ ,‬فالجمال ليس نسبياً‪ ..‬فهو موجود والنسبية هي في إدراك ذلك الجمال‪ .‬فمدارك الناس هي التي تتعدد ويتعدد‬
‫إدراك الناس للجمال‪ .‬هناك جمال ذاتيا متحققا بمعزل عن اإلدراك‪ ,‬وذلك يعني أنه جميل في نفسه من جهة أنه‬
‫يستحق تلك المحبة ألنه جميل في نفسه‪ ,‬وهذا الجمال ثابت في نفسه من جهة ومستمد من جهة مناسبته للجمال‬
‫اإللهي‪ .‬فالجميل جميلٌ في نفسه ألنه مناسب للجمال اإللهي‪ ,‬فكل حسن أو جميل هو مستمد من الجمال اإللهي‪.‬‬
‫فالجمال من الله إيجاداً وإمداداً‪ .‬فالخلل في الوسائل واإلدراك والمحل القابل‪.‬‬

‫‪ v‬تنبيه‪ :‬كل هذه الطرق التي يتوصل بها إلى الوجود اإللهي‪ ,‬نحن ال نعتمد عليها‪ ,‬ولكن نستأنس بها‪.‬‬

‫ ‬
‫‪3‬‬
‫ﯾﻔﺿل اﻟرﺟوع ﻷھم ﻣدارس اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬وﺳﺄرﻓق رﺳم ﺷﺟري ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣﻠف ‬
‫‪ 4‬اﻷﺳﺗﺎذ ﻗﺎل أﻧﮫ دور‪ ،‬وأﻧﺎ أظﻧﮫ أﺧطﺄ‪ ،‬ﻓﺎﻟذي ﯾﺗﺣدث ﻋﻧﮫ ھو اﻟﺗﺳﻠﺳل اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ وﻟﯾس اﻟدور‪ ،‬ﻓﺎﻟدور ﻧوﻋﺎن ﻗﺑﻠﻲ واﻗﺗراﻧﻲ‬
‫واﻟﻘﺑﻠﻲ ھو اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ‪ ،‬وھو ﺗوﻗف وﺟود اﻟﺷﻲء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺗوﻗف ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬واﻟﺗﺳﻠﺳل اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ ھو اﺳﺗﻣرار ﻟﺳﻠﺳﺔ أﻣور إﻟﻰ ﻣﺎﻻ‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻣﺛﻼً إذا أراد اﻟطﻔل أﻛل اﻟﺣﻠوى ﻟﻛﻧﮫ ﯾﻧﺗظر إذن أﻣﮫ وأﻣﮫ ﺗﻧﺗظر إذن أﺑﺎه وأﺑﺎه ﯾﻧﺗظر ﺗوﻓﯾرھﺎ ﻣن ﻗﺑل اﻟﺑﺎﺋﻊ واﻟﺑﺎﺋﻊ‬
‫ﯾﻧﺗظرھﺎ ﻣن اﻟﺷرﻛﺔ اﻟﻣﻧﺗﺟﺔ واﻟﺷرﻛﺔ ‪ ....‬ﻓﺈذا اﺳﺗﻣرت ھذه اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ ﻓﺈن اﻟطﻔل ﻟن ﯾﺄﻛل اﻟﺣﻠوى‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد أن ﺗﻧﻘطﻊ اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ‬
‫ﻟﻛﻲ ﯾﻘﻊ اﻟﻔﻌل‪ ،‬وأظن أن ھذا ﻣﺎ ﯾﻘﺻده اﻷﺳﺗﺎذ ‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬
‫لفت األستاذ النظر إلي قضية النسبية وعدم إسناد الموضوعات والحقائق والتصرفات ‪ ...‬إلخ إلى وجود متعالٍ غير‬
‫محدود وإسنادها إلى اإلنسان "النسبي" فهذا يعني التخلص من الوجود اإللهي‪.‬‬
‫وإذا قاربنا بين فلسفتين‪ :‬الحداثة‪ ,‬وما بعد الحداثة‪ ..‬فلسفة ما بعد الحداثة قائ‪٬‬ة على الحق في اإلختالف التي‬
‫هي النسبية في كل شيء كما قال نيتشه‪ " :‬إللحاد خطأ واإليمان خطأ" فال وجود لموقف جازم‪ ,‬وهي تتحدث عن‬
‫تفكك السرديات الكبرى‪ ,‬وهي رؤية كونية تقدم محتوى تاريخي وإجابات عن األسئلة الوجودية‪.‬‬
‫والحداثة التي بدأت مع كانط‪ ,‬والتي نتجت عن التنوير وتأليه العقل‪ ..‬فهناك مراحل تاريخية‪ :‬السحر والدين والعقل‪..‬‬
‫وماكس فيبر تكلم عن مفهوم وهي ما عبر عنه بنزع السحر عن العالم‪ .‬فالحداثة هي تجديد وتحديث القديم‪ .‬وهي‬
‫أثرت على نظرية المعرفية‪ ,‬والسياسة "الليبرالية والعلمانية" وأثرت على االقتصاد " الرأسمالي ‪ ,‬الشيوعي‪ ,‬االشتراكي"‬
‫فالحداثة تقدم سردية غير السردية الدينية‪ .‬فكما أن ما بعد الحداثة ردت على السردية الدينية ردت على السردية‬
‫الحداثية‪ ,‬فأول ارهاصات ما بعد الحداثة نيتشه‪ ,‬فقدم نقده على الحداثة‪.‬‬

‫الحداثة وما بعد الحداثة‪ ,‬كالهما باطلة‪ ..‬لكن الحداثة أقرب إلى الحق لما بعد الحداثة ألنك إذا تعاملت مع منظومة‬
‫تنطلق من مرجع ما; أمكن البحث معاها‪ ..‬لكن ما بعد الحداثة تفتقر للمرجعية‪.‬‬
‫كثيراً من اإلسالميين يستفيدون ألدبيات ما بعد الحداثة في نقد الدولة‪ ,‬الديمقراطية والمفاهيم األخالقية‪ ,‬وال مانع‬
‫من ذلك‪ ,‬لكن هذا جر كثيرين إلى التأثر بنفس المنظومة لما بعد الحداثة وإطالق هذه المباني السفسطية النسبية‬
‫والتزامها في مجاالت ال يمكن للمؤمن االلتزام به‪ .‬فعندما تستعمل آلة نقدية بمعزل عن سياقها الثقافي والتاريخي‬
‫فال بد أن تلقى التناقض‪ ,‬فال بد من الحذر والوعي‬

‫• األساس األخالقي للتوحيد‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬أخالقية التوحيد في ذاته‪ ,‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إن الله طيب ال يقبل إال طيبا" وقال‬
‫سبحانه وتعالى‪) :‬ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث(‪ ,‬فالله يأمر بالعدل واإلحسان‪ .‬فوجود الله سبحانه وتعالى‬
‫متسم باألخالقية‪ ,‬وسبب هذه األخالقية هي كماله واستغناءه‪ ,‬ألن األصل في كل شر ونقص هو النقص واالفتقار‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬وجوده تعالى هو الذي يحقق األخالقية في الوجود‪ .‬هل اإلنسان أخالقي أم ال? الفالسفة الذين انطلقوا من‬
‫خارج المنظومة التوحيدية اختلفوا فيما يسمى بمفهوم طبيعة اإلنسان‪ ,‬هل اإلنسان خير بطبعه أم ال? المثبتون لطبيعة‬
‫الخير يستدلون بالفطرة التي نجدها عند األطفال‪ ,‬والمخالفون يستدلون بالشواهد التاريخية‪.‬‬

‫فإذا جئنا للوحي‪ ,‬ففيه جهات ثالث‪ ,‬األولى‪ :‬من حيث العموم‪ ,‬فاإلنسان وصفه الله بأنه ظلوم جهول جزوع هلوع وأنه‬
‫في خسر‪ ,‬وهو موصوف بذلك ألنه ليس كامالً وهو مفتقر إلى غيره‪ ..‬ومن ثم فالالأخالقية متأصلة فيه ألنه ناقص‪..‬‬
‫فالنفس البشرية أمارة بالسوء ألنها ناقصة‪ ,‬فال هي كاملة فال تطلب شيئاً وال هي مستغنية فتكتفي بنفسها في تحقيق‬
‫مرادها فيقع منها الظلم على نفسها وعلى غيرها لتكمل النقص ولتستغني من االفتقار‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن اإلنسان من حيث هو هو مستعد لقبول الحق وليس عنده مانع أصلي لقبوله‪ .‬فال يكون بذلك شريراً بطبعه‪.‬‬
‫الثالثة‪:‬‬
‫الجهة الثالثة‪ :‬أن اإلنسان إذا اهتدى لإليمان فيكون اتصل بالمدد الذي فيه كل خير ومنه كل خير وبه يكون اإلنسان‬
‫خيراً‪ ,‬فالتوحيد هو األصل الثابت الذي يرجع إليه كل شيء‪.‬‬
‫فاإلنسان بقطع مدد اإلله فهو ظلوم جهول‪ ,‬وإذا نظرنا من جهة قبوله الحق فليس عنده مانع من قبوله فال يكون‬
‫بذلك شريراً بطبعه‪ ,‬وإذا اتصل هذا اإلنسان بالمدد اإللهي والوجود اإللهي يكون قد بلغ أعلى الدرجات‬

‫ما هو مصدر اإللزام األخالقي? فاألخالق ال توجد إال مع حرية االختيار ) ‪ (free will‬فالمجبر ال أثر لتصرفاته‪,‬‬
‫مصدر اإللزام األخالقي في المنظومة التوحيدية هو الله عز وجل‪ .‬ومصدر اإللزام األخالقي خارج المنظومة‬
‫التوحيدية‪ :‬المصلحة‪ ,‬العقل االجتماعي‪ ,‬اإلرادة العامة ) ‪.(general will‬‬
‫المادي هوبز يرى إنه مصدر اإللزام األخالقي الكتاب المقدس‪ ,‬جان جاك روسو يرى أن مصدر اإللزام األخالقي‪:‬‬
‫الدين المدني‪ ,‬بمعنى أن المجتمع ال بد أن يكون له ديناً يدين به‪ ,‬ولذلك يعارض وجود الملحدين و الشواذ ألنه يخالف‬
‫دين المجتمع المدني‪.‬‬
‫هذا االختالف في المرجعية األخالقية هو الذي حدى ببعض الملحدين إلى القول باألخالق االستقاللية‬
‫)‪ .(autonomy ethics‬وهذه خرافة‪ ,‬فال يمكن أن ترجع األخالق إلى شيء غير متعالٍ‪ ,‬وهذه مما يكتب فيها‬
‫الملحدون كتباً‪ ,‬مشكلة هذه األخالق‪ - :‬أن هذا الموضوع سيبقى نسبياً يكفي أن تقول أنه عام لكل أحد‪ ,‬فال وجود‬
‫لمرجع متعالي‪ – .‬اإللزام‪ ,‬إذا أثبتنا موضوعات مستقلة ذاتية للخير ‪ ..‬كيف ستضمن إلزاميتها للناس? بالقانون‪,‬‬
‫بالسلطة ‪ ...‬لكن هذا اإللزام سيبقى محدوداً فإذا استطاع اإلنسان أن يتفلت من سلطة القانون فال نضمن أنه أخالقي‬
‫بخالف اإلنسان الذي يرجع للكتاب المقدس‪ ,‬أو الله أو إلى أي معنى هو يعتقد أنه متعالٍ وثابت في نفسه‪.‬‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬
‫لذلك من أقدم من طرح هذه القضية )إلزامية األخالق( أفالطون‪ ,‬ففي كتابه الجمهورية‪ ,‬طرح معضلة الخاتم السحري‬
‫الذي يجعل اإلنسان مخفي عن األنظار‪ ,‬وبإمكانه ما يشاء‪ ,‬فهو يسأل‪ :‬لماذا أنا ملزم بفعل الخير?‬
‫فال يمكن أن تفرض أخالقاً عامة وملزمة بدون الدين‪.5‬‬

‫كانط )صاحب الواجب األخالقي( بعد ما بحث في موضوع األخالق‪ ,‬وصل إلى أنه ال يمكن أن يكون اإلنسان أخالقياً‬
‫دون‪ :‬حرية اإلرادة‪ ,‬والخلود واالعتقاد في الله‪.‬‬
‫وهذا نفسه المعنى الذي ذكره ديستوفسكي‪ :‬لو لم يكن الله موجوداً لكان كل شيء مباحاً‪ .‬وفي مقولة أخرى لفولتير‪:‬‬
‫" لو لم يكن الله موجوداً لوجب اختراعه" ليستقيم النظام األخالقي‪ ,‬وهذا يقال فيه نفس الكالم الذي ذكرناه في‬
‫براجماتية بعض األدلة على الوجود اإللهي‪ ,‬فهؤالء الفالسفة يرون أن اإليمان باإلله هو لب األخالقية وهو العامل‬
‫الحاسم في األخالق‪.‬‬

‫الحداثة ألنها تدعو لنزع السحر عن العالم‪ ,‬وأرجعت ذلك لالهوت العقل وهو نسبي ومصلحي وليس ملزماً‪ ..‬واألكثر‬
‫من ذلك أن هذا رجع على نفس المضمون الحداثي بالشك والقلب‪ " ،‬نيتشه " نبي ما بعد الحداثة فبدأ يوجه النقد‬
‫لكل قيم الحداثة وعنده كتاب اسمه جينالوجيا األخالق حلل فيه األخالق‪ ,‬من قال لكم أن الفضيلة شيء طيب‪ ..‬من‬
‫قال لكم إنكم إذا شاهدتم فقيراً فأعطوه من مالكم‪ ,‬أو مقعداً فساعدوه ‪ ..‬ممكن تقتله ألنه ال فائدة له في هذه‬
‫الحياة‪.‬‬
‫لهذا إذا لم نرجع الفضيلة إلى الله ال يمكن إرجاعها إلى شيء آخر‪ ,‬ألن العقل يدل أن القوة هي الفضيلة‪ ..‬قوة في‬
‫كل المستويات وإن الحضارة المجيدة الحقيقة هي الحضارة الرومانية التي فيها مفهوم البطولة‪ ,‬لكن جاء المسيح‬
‫وأخبرنا بأن ال نتخذ ثوبين وبأن من صفعك على خدك األيمن ‪ ,6 ...‬ولهذا كتب كتابه ‪" :‬ضد المسيح" وقال أن هذه‬
‫األخالق روجها الضعفاء ليخدعونا ولنتنازل عن القيم اإلنسانية التي تتمثل في القوة‪.‬‬
‫إلى أن وصل نيتشه لفكرة "موت اإلله" التي طرحها في كتاب هكذا تحدث زرادشت والتي تقص لنا حادثة الرجل‬
‫المجنون الذي دخل مقهى قائالً ‪ " :‬لقد مات الله‪ ,‬ونحن الذين قتلناه"‪.‬‬
‫قضية موت اإلله في الفلسفة الحديثة ال يقصد بها موت اإلله الحقيقي بمعنى اإللحاد‪ ,‬ومعنى موت اإلله عند نيتشه‬
‫هي مسألة اضطرب فيها الباحثون اضطراباً طويالً‪ ,‬وبعضهم يرى أن نيتشه مؤمن ايماناً عظيماً ومعنى موت اإلله‬
‫عنده غياب وجود الله في عالم الحداثة‪ ,‬وبعضهم يرى أنه فكك المنظومة الحداثية العقل واألخالق فبالتالي ال وجود‬
‫لهذا اإلله ال أخالقياً وال فلسفياً‪.‬‬
‫لذلك المنظومة الحداثية غير أخالقية‪ ,‬لكن هذا ال يعني أنها تفضي إلى الرذيلة بالضرورة‪ ,‬وإنما خلوها من الضمانات‬
‫األخالقية الكافية لتحقيق الفضيلة‪ .‬بمعنى; كثير من الباحثين يرجع حصول االقتتاالت العظيمة أنها أخالقاً للحداثة‪,‬‬
‫مثالً كتاب الحداثة والهولوكوست يقرر أن الحداثة تستلزم الهولوكوست‪ .‬لكن الذي نقوله أن الحداثة ال تمنع بالقدر‬
‫الكافي من الهولوكوست‪ ,‬ألنه قد تكون المصلحة العامة هي اإلبادة الجماعية والتطهير العرقي‪.‬‬

‫هل الوجود أخالقي? ما تفسير وجود الشر? ونقصد به الشر الكوني‪ ,‬ال األخالقي الناتج من اإلنسان‪ ,‬بل نقصد الشر‬
‫الكوني من زالزل وفيضانات ‪ ...‬إلخ‬
‫لإلجابة على هذا السؤال يكون من المنظور الالهوتي للشر‪:‬‬
‫‪ /١‬الشر الموجود في الطبيعة ليس شراً محضاً‪ ,‬والوجود بطبيعته خيّـر‪ ,‬فنحن نرى أنها أصالً من حيث خلقتها‬
‫مسخرة لنا‪ ,‬وهذا مشاهد‪ .‬و وجود الزالزل والفيضانات مخالفٌ لألصل وإال لما كانت الحياة ممكنة‪.‬‬
‫‪ /٢‬وجود دار اآلخرة والحياة ليست دار القرار‪ ,‬ومن ثم فإن ما يوجد فيها من شرور جزئية أوالً تترتب عليها مصالح‬
‫أخرى سواء للذين أصيبوا أو لنفس النظام أو لحصول العبر‪ ,‬وهؤالء الذين تضرروا سيثبهم الله‪.‬‬
‫‪ /٣‬أخالقية الوجود اإللهي‪ ,‬فإذا أثبتنا ذلك فإن الله ال يضر الخلق لمحض اإليالم‪ ,‬وهو ما نسميه باالبتالء‪.7‬‬

‫• األساس القانوني للتوحيد‪:‬‬


‫قال الله عز وجل ‪ ) :‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون(‬
‫‪ /١‬الحكم اإللهي هو أحسن حكم ألنه مستند إلى الله وهو أحسن الحاكمين وهو الكامل فيكون حكمه في الخلق‬
‫كامالً‪.‬‬
‫‪ ) /٢‬لقوم يوقنون( وهذا يشير إلى معنى اإللزام والقيمة‪ .‬منظومة التوحيد تؤثر في نظام السياسية أمرين غاية في‬
‫األهمية اإللزام والقيمة‪ .‬إذا آمنوا بهذا الحكم أنه من الله‪ ,‬حصل لهم القيمة وسمى خالفه حكم الجاهلية‬

‫ ‬
‫‪ 5‬وﻓﻲ ذﻟك ﯾﻘول ﻋﻠﻲ ﻋزت ﺑﯾﺟوﻓﯾﺗش‪ " :‬ﯾوﺟد ﻣﻠﺣدون ﻋﻠﻰ أﺧﻼق‪ ،‬ﻟﻛن ﻻ ﯾوﺟد إﻟﺣﺎد أﺧﻼﻗﻲ" ‬
‫‪ 6‬ﻓﻲ اﻧﺟﯾل ﻟوﻗﺎ‪ " :‬ﻣن ﺿرﺑك ﻋﻠﻰ ﺧدك ﻓﺎﻋرض ﻟﮫ اﻵﺧر أﯾﺿﺎ ً وﻣن أﺧذ رداﺋك ﻓﻼ ﺗﻣﻧﻌﮫ ﺛوﺑك أﯾﺿﺎً" وﻓﻲ اﻧﺟﯾل ﻣﺗﻰ‬
‫‪" :‬أﺣﺑوا أﻋداﺋﻛم‪ ،‬ﺑﺎرﻛوا ﻻﻋﻧﯾﻛم" ‬
‫‪ 7‬ﻟﻼﺳﺗزادة ﯾﻣﻛن ﻣراﺟﻌﺔ ﻛﺗﺎب ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺷر و وﺟود ﷲ ﻟﻠدﻛﺗور ﺳﺎﻣﻲ ﻋﺎﻣري ‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬
‫فالله خالق كل شيء وهو الذي يحكم بين العباد ألنه خلقهم‪ ,‬وهذا غير موجود في أي منظومة سياسية أخالقية أخرى‬
‫ترجع اإللزام إلى المعرفة‪ ,‬المصلحة‪ ,‬المساواة‪ ,‬وطني عرقي ‪ ..‬ال يوجد أي نظام يمثل إلزامية مثل النظام الالهوتي‬
‫"ماهي السلطة"‬
‫ليس هناك موضوع لإللزام القانوني متفق عليه بين الناس إال إذا كان أسلوبه متعالياً‪.‬‬
‫لذلك شيخ اإلسالم يقول أنه إذا احتكم الناس إلى عقولهم‪ ,‬فإن كل واحد سيقول عندي عقالً‪ ,‬فمالذي يجعل عقلك‬
‫يحكم عقلي? فالناس ال تنتظم أمورهم إال بشريعة من السماء‪ ,‬فإن جميع الناس متساوين تحتها من جهة كونهم عبيداً‪.‬‬
‫التوحيد يعطي األساس األخالقي للملك "مفهوم الحق الطبيعي" كيف يملك اإلنسان األشياء? اختلفوا الفالسفة على‬
‫أقوال بعضهم يقول أن الملكية مرتبطة بالوجود والبعض اآلخر يقول أن الملكية مرتبطة بالقيمة‪ ..‬وآخرين يقولون‬
‫أنها مرتبطة بالوظيفة وبعضهم يقول أن الملكية مرتبطة بالعمل‪ ,‬وهذا هو المفهوم االشتراكي الذي يصل إلى الشيوعية‬
‫الشارع "الله سبحانه وتعالى" نظّم ذلك فهو مالك الملك وهو الذي ملّكهم‪ ,‬على جهتين‪ :‬باإلذن العام "اإلباحة" )خلق‬
‫لكم مافي السموات واألرض ( وهذه اإلباحة التي صحت بها الملكية للناس‪ ,‬الجهة الثانية‪ :‬التمليك الشرعي الخاص‪,‬‬
‫أن الله خلق الناس لعبادته ومن ثم فإن هناك معنى أخالقياً للملك‪ ,‬الذي يعبد الله عز وجل فملكه من هذه الجهة‬
‫األخالقية صحيح‪ ,‬إذن الكفار من وجهة النظر الدينية غاصبون‪ ,‬ألنهم فاقدون للمعنى األخالقي لإلذن العام‪ ,‬لذلك‬
‫يقول ابن تيمية في تسمية المال المكتسب من الكفار الحربيين من غير قتال بالفيء‪ " : 8‬فهو فيء; ألن الله أفاءه على‬
‫المسلمين‪ ,‬فإنه خلق الخلق لعبادته وأحل لهم الطيبات ليأكلوا طيبا ويعملوا صالحاً‪ .‬والكفار عبدوا غيره فصاروا غير‬
‫مستحقين للمال‪ .‬فأباح للمؤمنين أن يعبدوه وأن يسترقّوا‪ 9‬أنفسهم وأن يسترجعوا األموال منهم‪ .‬فإذا أعادها الله إلى‬
‫المؤمنين منهم فقد فاءت أي رجعت إلى مستحقيها"‪ .10‬وهذا الكالم يجعل أصل الملك أخالقي فهو يربط الملك‬
‫بقيمة األخالق‪ ,‬فهو يصحح التصرفات عليه مادام موافقاً لألخالق ويمكن أن ينتزع هذه الملكية بالدافع األخالقي‪,‬‬
‫لكن هذا ليس عاماً‪.‬‬
‫فكل التصورات التي ترجع الملك إلى أساطير مؤسسة أو إلى رأسمال أو العمل‪ ..‬كلها غير مطردة وكلها يمكن أن تنتج‬
‫المظالم التي ال ترجع إلى مرجع أخالقي‪ ,‬وهذا وجه كبير من النقد الذي يوجه لالشتراكية‪ ,‬للرأسمالة أنها مخالفة‬
‫للعدالة االجتماعية وكذلك التي تُوجّه من الرأسمالية للشيوعية باعتبارها مخالفة للحريات والملك الشخصي‪.‬‬

‫المنظومة المنافسة للتوحيد في المجال السياسي والقانوني هي المنظومة‪ :‬العلمانية‪.‬‬


‫العلمانية تنزع المتعالي والمقدس عن السياسة والحكم وكل مناحي الحياة‪ ,‬فال إشكال عندها أن تسند تشريعاً أو‬
‫سياسة إلى وحي أو كتاب مقدس‪ ,‬لكن ال على أنه متعالٍ ال يقبل النقد والمراجعة والتعديل‪ ,‬لكنها في المقابل تحيل‬
‫ذلك إلى معنى آخر وتجعله متعالياً أيضاً في حقيقة األمر‪ .‬ال تخلو سياسة من الهوت‪.‬‬
‫الدين يطرح تصور مختلف; فهو يسند القانون لألساس المتعالي‪ ,‬لكنه يفرق بين مجموعة من التصرفات يرجعها إلى‬
‫الدين مباشرة بعضها عام "أصول" وبعضها تفاصيل صغيرة للغاية "دقيقة" لكن حد لها الشارع حدود‪.‬‬
‫لذلك حين يطرح السؤال‪:‬‬
‫هل الدين يحكم كل تفاصيل الحياة?‬
‫اإلجابةال تكون بنعم وال تكون بال‪ ,‬ناك مستويات مختلفة من الحاكمية الدينية‪ ,‬التي تخرج باإلنسان من الحكم العمني‬
‫الالديني وأيضاً تخرج به من الحكم السيوقراطي الذي يحكم كل شيء بمنطق النيابة عن الله‪.‬‬
‫الشرع حكم في أمور كثيرة‪ ,‬كثير منها تفصيل‪ ,‬و وضع أيضاً أحكاماً أخرى عامة; هي بمثابة الضوابط األخالقية‬
‫تندرج تحتها تفاصيل جزئية ال تنحصر‪ ,‬كلها تدخل في مساحة العفو الديني‪ ,‬والعفو الديني ال يعني اإلباحة والتجويز‬
‫وإنما يعني الترك المطلق‪ ,‬أي ال يترتب عليها إثماً‪ ..‬وإن كان من الممكن أن تكون سياسات ضارة أو غير مجدية‪ .‬ألنها‬
‫ليست مما حكم الله فيها‪ ,‬فالله تركها للناس‪ ,‬ألعرافهم‪ ,‬لتجاربهم‪ ,‬لعقولهم وهذا الذي يحقق اإلبداع‪ .‬هذا العفو نفسه‬
‫يكون مأطوراً بالقيم األخالقية التي وضعها الشرع‪ ,‬إما للمجال نفسه‪ ,‬أو بالمباني العامة كمنع الضرر وسد الذريعة‬
‫والمشقة والمصلحة ونحو ذلك‬

‫بأي وجه نرجع هذه األُطر –كسد الذريعة والضرر‪ -‬إلى الدين? بينما هي تظهر بأنها أطر عقالنية‪ ,‬براجماتية‪ ..‬بأي‬
‫وجه يصح نسبتها للدين?‬
‫الدين يضفي على هذه األطر العامة أمرين‪ :‬المعنى والقيمة‪ .‬وذلك من جهتين‪:‬‬
‫‪ /١‬تعليق تلك القيمة واألخالق باألمر اإللهي‪ ,‬بما يجعلها متعالية ومقدسة وليست خاضعة لظرف اجتماعي زمني‬
‫خاص‪ ,‬بحيث يتصور أن تكون تلك القيم غير مرغوبة في مجتمع ما إن اتفق على ذلك أو رأى مصلحته في تركها‪ ,‬إذن‬
‫هو سؤال الغاية واستمداد القيمة ال يمكن أن يلبيه إال الدين‪.‬‬
‫‪ /٢‬أن اإلطار األخالقي المجرد للمصلحة –مع أن العلمانية تقول بالمطلقة‪ -‬ال يمكن أن تلتزم صفة الشمولية والكالم‬
‫العمومي إال بالبعد الديني‪ ,‬كما ذكرنا في معضلة الخاتم‪.‬‬
‫ ‬
‫‪ 8‬واﻟﻔﻲء ﯾﻌﻧﻲ اﻟرﺟوع‪ .‬‬
‫‪9‬‬
‫اﻟرق ‬ ‫ﻣن ِ ّ‬
‫‪ 10‬وﯾﺟب أن ﯾﻠﻔت اﻟﻧظر ھﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل إﻟﻰ ﺣﻔظ اﻹﺳﻼم ﻟﻣﻠﻛﯾﺔ أھل اﻟذﻣﺔ ‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬
‫‪ /٢‬أن المعنى والقيمة الدينية هي التي تحقق مقام العبودية وهذا أساس في منظومة التوحيد‪ .‬العبودية وهيمنة‬
‫المقام اإللهي هذا له فائدته في ترتيب أحكام دينية مختلفة تتعلق بالدنيا واآلخرة‪ ,‬فاإلنسان قد يفعل فعالً واحداً‬
‫تتحد صورته في الظاهر لكن أحدهما قد يعاقب واآلخر ال يعاقب‪.‬‬

‫شيخ اإلسالم في المجلد ‪ ٢٨‬في السياسة الشرعية تكلم عن المؤلفة قلوبهم ويقول هذا في الظاهر قد يتحد مع‬
‫أعطيات الملوك والجبابرة‪ ,‬ولكن إن صلحت نية الحاكم فيه‪ ,‬يكون هذا من جنس إنفاق النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لتأليف القلوب‪ ,‬سواء لكف الشر أو لتثبيت اإليمان‪ .‬والفساد دخل في هذا الباب عند من حكم بحكم واحد التحاد‬
‫‪11‬‬
‫الصورة مثل ذو الخويصرة التميمي عند اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم العدل‬

‫فعمل الفضائل من غير إيمان‪ ,‬ال يخرج صاحبها من الكفر‪ ..‬فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه األمور فال‬
‫يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها الرسول‬
‫"الريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسول فهو كافر‪ ,‬فإن من استحل أن يحكم بين الناس بما يراه‬
‫هو عدالً –العلمانية‪ -‬من غير اتباع لما أنزل الله فهو كفر‪ ,‬فإنه ما من أمة إال وهي تأمر بالحكم بالعدل وقد يكون‬
‫العدل في دينها ما يراه أكابرها"‬

‫مشكلة العلمانية أنها تفتقد إلى المعنى –كما ذكرنا في األخالق‪ -‬وتفتقد إلى القيمة وتفتقد إلى اإللزام الذي يضمن‬
‫األخالقية –كما ذكرنا عن عالقة الحداثة بالالأخالقية‪-‬‬
‫وائل حالّق في كتابه الدولة المستحيلة يرى استحالة تحديث الدولة اإلسالمية ألنها أخالقية‪ ,‬والحداثة منظومة‬
‫عقالنية‪ ,‬فال يمكن أسلمة الدولة الحديثة ألنها غير أخالقية‪ ,‬وال يمكن تحديث الدولة اإلسالمية للسبب نفسه‪ ,‬فالذي‬
‫يحكم إما الدولة اإلسالمية أو الدولة الحداثية التي فيها الصندوق والمصلحة واإلرادة العامة ‪ ...‬إلخ‬
‫فهذا ال يمكن‪ ,‬الختالف المرجع‪.‬‬

‫أخيــراً ‪ ..‬العالقة بين المفهوم الالهوتي في اإلسالم في الحكم وأخالقيته والملكية التي أساسها الهوتي بالتمليك‬
‫اإللهي واألخالقي‪ ,‬هذا يحل نظراً مهماً يتعلق بالجهاد "جهاد الطلب"‪ .‬وحقيقته انتزاع األرض من الكفار وإقامة الحكم‬
‫‪12‬‬
‫اإللهي عليها‪ ,‬فيؤخذ مافي أيديهم‪ ,‬فليس لهم عهد وال ذمة‪ .‬وهذا مضاد للقيمة اإلنسانية التي هي أم الحداثة!‬

‫جماعة الالحربيين‪ ,‬يقولون أن الجهاد ال أخالقي –جهاد الطلب والغزو‪ -‬فيكون الرد عليهم بسؤالهم عن األساس‬
‫األخالقي الذي تُرجع إليه الملكية? فهم ال يملكون أي أساس فلسفي أو أخالقي يتحاكمون إليه في إثبات صحة‬
‫ملكيتهم لألرض‪.‬‬

‫الفرق بين التوسع االستعماري والجهاد‪ ,‬هو المرجع األخالقي‪ ..‬لب الجهاد في اإلسالم هو المعنى اإليماني‪ ,‬أن يُفرض‬
‫حكم الله في أرضه‪ ..‬و تترتب عليه مصالح اقتصادية دنيوية مختلفة‪ ,‬بعض األحزاب اليسارية يقولون أن الدافع‬
‫للجهاد اقتصادي‪ ,‬والصحيح أنه يترتب عليه مصالح اقتصادية والدافع للجهاد هو المرجع اإليماني‪ ,‬بدليل أنه لو أسلم‬
‫قومٌ على أرض فإنهم ال يغزوْن‪ .‬بغض النظر عن الممارسات المنحرفة في الجهاد ‪ ..‬لكن المفهوم نفسه يقول أن أصل‬
‫الجهاد هو الدافع اإليمان‪ ,‬لكن اللب الفاعل في الجهاد هو الالهوت لكن االستعمار المحض الموجود في الحضارات‬
‫هو السلب والنهب‪ ..‬التجاوزات موجودة في الطرفين‪ ,‬لكن وُجد جهاد ديني تحقق فيه األصل اإليماني‪.‬‬

‫فالمرجع الوحيد‪) :‬إن األرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين(‪ .‬هذا هو المصحح للتسويغ الفلسفي‬
‫والقانوني للجهاد‪ .‬فهو تصرف بإذن المالك محكوم بنظام أخالقي‪ ,‬و للجهاد أحكامه‪.‬‬

‫ ‬
‫‪ 11‬وﻗد ذﻛر اﻷﺳﺗﺎذ ﻋﻣرو ھذا اﻟﺗﻔﺻﯾل ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﻟﮫ ﺑﻌﻧوان‪ :‬اﻹﺳﻼم وﺗﻔﺎﺻﯾل اﻟﺣﯾﺎة ‬
‫‪ 12‬وﻟﻸﺳﺗﺎذ ﻛﻼم ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﯾﻣﻛن اﻟرﺟوع إﻟﯾﮫ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺗرﻧت ‬
‫أ‪ /‬عمرو بسيوني‬ ‫الكريم ‬ ‫مفهوم التوحيد في القرآن‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫ ‬

‫مصادر املعرفة‬

‫أو المدرسة الحسية‪ ,‬وهي تحصر المعرفة في الخبرة الحسية‬


‫فقط‪ ,‬فمعرفتهم بعدية‪ ,‬أي بعد التجربة‪ .‬جون لوك هو أهم‬ ‫اﻻﺗﺟﺎه اﻟﺗﺟرﯾﺑﻲ‬
‫روادها‪ .‬وتنقسم إلى وضعية‪ ,‬و وضعية منطقية‬

‫العقل هو الذي يولد المعرفة عند أصحاب هذا االتجاه‪,‬‬


‫فالمعرفة عندهم قبلية "قبل التعرف عن طريق الحواس"‬
‫وصاحب هذه االتجاه هو رينيه ديكارت‬ ‫اﻻﺗﺟﺎه اﻟﻌﻘﻠﻲ‬

‫يسعى للجمع بين االتجاهين السابقين‪ ,‬فالمعرفة تحصل نتيجة‬


‫التفاعل مع العقل والحواس‪ ..‬صاحب هذا االتجاه هو كانط‬ ‫اﻻﺗﺟﺎه اﻟﻧﻘدي‬

‫أو الصوفي‪ ,‬الطريق الوحيد لتحصيل المعرفة هو الحدس‬


‫"البصيرة"‪ .‬صاحب هذا االتجاه هو هنري بوانكاريه‬ ‫اﻻﺗﺟﺎه اﻟﺣدﺳﻲ‬

You might also like