Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 72

‫كسرت ضلعي‬

www.ebibliomania.com
‫ت ضلعي‬
‫كسر ْ‬

‫رواية لـ‬

‫عي‬ ‫ب‬‫س‬‫ل‬
‫أحمد ا ع أ ن‬
‫ببلومانيا للنرش والتوزيع‬

‫نوع العمل‪ :‬رواية‬

‫اسم العمل‪ :‬كسرت ضلعي‬


‫اسم املؤلف‪ :‬أحمد السبع أعني‬
‫تدقيق لغوي‪ :‬فريق ببلومانيا‬
‫اعداد ومراجعة‪ :‬فريق ببلومانيا‬
‫لوحة الغالف‪ :‬فريق ببلومانيا‬
‫رقم اإليداع‪2018/25732 :‬‬
‫الرتقيم الدولي (‪978-977-6607-61-1 :)ISBN‬‬
‫النارش ‪/‬دار ببلومانيا للنرش والتوزيع‬
‫املدير العام ‪ /‬جمال سليمان‬
‫تليفون ‪(+20) 26061014/‬‬
‫هاتف محمول‪(+20) 1065534541 - (+20) 1208868826 /‬‬
‫صفحة الدار على موقع فيسبوك‪:‬‬
‫‪https://www.facebook.com/bibliomania.eg/‬‬
‫‪www.ebibliomania.com‬‬ ‫املوقع اإللكرتوني‪:‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1440‬هـ ‪ 2018 -‬م‬
‫تنويه‪ :‬ما ورد في هذا الكتاب يعرب فقط عن وجهة نظر كاتبه‬
‫| كرست ضليع‬

‫َت ضِل ْعي‬


‫كَسَر ْ‬

‫د‪ .‬أحمد السبع أعين‬

‫للتواصل‪ :‬صفحة الفايسبوك أو البريد الإل كتروني‬

‫‪ahmad1991.asa@gmail.com‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‪ -‬يمنع منعا باتا أن تنشر القصة ككتاب‬

‫ورقي من دون إذن المؤلف‬

‫‪2017‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫تمهيد وإهداء‬

‫طلب مني شخص فاضل أن أخط سطرا في الهوى‪ .‬فخططته‬

‫حزنا وفرحا‪ .‬وطلب مني شخص آخر‪ ،‬كوني طبيبا‪ ،‬أن أنحت‬

‫كلاما يصور العلاقة بين الطبيب والمر يض‪ .‬فنحته بنفس‬

‫الأديب لا كمجرد طبيب‪.‬‬


‫| كرست ضليع‬

‫ِب؟‬
‫ب بالط ّ‬
‫ثم قلتُ ‪ ...‬لماذا لا أجمع الح ُ ّ‬

‫فاستوقفني ثالث لما عرف بنية الشروع في الكتابة‪ ...‬أخبرني‬

‫بأنه مريض قد أثقله المرض‪"...‬هلا اقتبست من‬

‫مشاعري؟" قلتُ ‪ :‬أبشر فأنينك أصدق وقعا‪ ...‬استمعت إلى‬

‫أحاسيسه ثم صببت ُها في قوالب لغو ية وعمدتُ إلى إدراج‬

‫مقطع واحد كما كتبه هو مع يسير تصرف تكريما واحتراما!‬

‫إنني لا أعرف هذا الشخص‪ ...‬ولا أعرف شيئا عن‬

‫مرضه غير أنه مزمن أليم‪ ...‬كل ما أعرفه أنه يتواصل معي‬

‫بحساب وهمي سماه بعمر‪ ...‬فسميت البطل بعمر‪ ...‬وإليه‬

‫أهدي هذا الكتاب! وإلى كل المرضى الذين يعانون!‬


‫| كرست ضليع‬

‫‪8‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬واحد‪ ...‬اثنان‪ ...‬ثلاثة‪ ...‬أربعة‪ ...‬خمسة‪...‬‬

‫هيا نَفَس!‬

‫‪ -‬حاضر يا دكتورة‪.‬‬

‫‪ -‬أكملوا رجاء‪ .‬قلبه لا زال متوقفا‪.‬‬

‫‪ -‬هل سينجو؟‬

‫‪ -‬سينجو‪ ...‬متأكدة‪ ...‬أكملوا‪ ...‬كم مر من‬

‫الوقت؟‬

‫‪ -‬ثلث ساعة بالضبط‪...‬‬

‫‪ -‬يا إلهي! سيعيش‪ ...‬يجب أن يعيش‪...‬‬

‫في هذه الأثناء كانت الأم منهارة خارج الغرفة‬

‫واستطاعت أن تفلت من يد الحاضرين فدخلت وهي‬

‫تريد أن تودع ابنها الشاب‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬من فضلك أخرجي‪ ...‬أنت توترين الدكتورة‬

‫ببكائك! أخرجي من أجله‪...‬‬

‫‪ -‬عمر‪ ...‬عمر‪ ...‬ابني‪ ...‬حبيبي! لا تتركني‪ ...‬أنا‬

‫أمك‪...‬‬

‫لحق بها ابنها البكر بسام فجذبها من ذراعها‬

‫وأخرجها ثم أغمي عليها‪ .‬هو بدوره كان يعزل نفسه بين‬

‫تلهب‬ ‫حارقة‬ ‫دمعات‬ ‫ويذرف‬ ‫والأخرى‬ ‫الدقيقة‬

‫وجنتيه‪.‬‬

‫‪ -‬واحد‪ ...‬اثنان‪ ...‬ثلاثة‪ ...‬أربعة‪ ...‬يبدو أني‬

‫كسرت ضلوعه من شدة الضغط‪ ...‬ناولوني‬

‫حقنة "أتروبين" بسرعة‪...‬‬

‫‪ -‬مرت خمس وعشرون دقيقة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬لن أوقف الإنعاش مهما حصل‪ ...‬هيا أيتها‬

‫الشاشة اللعينة! أظهري ولو نبضة قلب واحدة!‬

‫‪ -‬سأسحب عينة جديدة لرؤ ية معدل الغازات في‬

‫الدم‪...‬‬

‫‪ -‬تمام‪ ...‬ابتعدوا‪ ...‬سأصعقه بال كهرباء مجددا‪...‬‬

‫انتفض جسد عمر من قوة الصعقة ثم عاد جثة‬

‫هامدة‪ .‬مرت ثلاث ثوان قبل أن يظهر نشاط‬

‫كهربائي للقلب‪.‬‬

‫‪ -‬لقد عاد! لم يمت عمر! أحسنتم‪ ...‬علينا أن نكمل‬

‫هكذا‪.‬‬

‫ازدادت مؤشرات التفاؤل خلال الدقائق القليلة‬

‫واطمأنت الدكتورة لمى إلى أن وضعه يسير نحو‬

‫الاستقرار الجزئي‪ .‬أبت إلا أن تجر سريره النقال‬

‫‪11‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫بنفسها من غرفته في قسم الأمراض الرئو ية إلى قسم‬

‫العناية المركزة‪ .‬وما إن أطلت من الداخل حتى هرعت‬

‫إحدى‬ ‫بمساعدة‬ ‫وعيها‬ ‫استعادت‬ ‫أن‬ ‫بعد‬ ‫الأم‬

‫الممرضات‪.‬‬

‫‪ -‬ماذا يا دكتورة؟‬

‫‪ -‬الحمد لله على سلامته‪ .‬سيكون بخير إن شاء‬

‫الله‪ .‬يجب أن ننقله إلى قسم العناية مدة لا تقل‬

‫عن أربع وعشرين ساعة‪ .‬كثفي من الدعاء يا‬

‫تانت‪.‬‬

‫غمرتها بحرارة وخرت ساجدة سجدة شكر دون أن‬

‫تتحرى اتجاه القبلة حتى‪ .‬لحقت بابنها مع سائر الأقارب‬

‫فطلبت منهم الدكتورة لمى بأدب الانتظار خارج‬

‫القسم ريثما يعتنون به‪ .‬سلمته لمى إلى الطبيب المسؤول‬

‫‪12‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫هناك ثم جلست على الأرض تبكي بكاء الأطفال‪.‬‬

‫رأتها الممرضة لورا فقرفصت وأخذت تداعب شعرها‬

‫قائلة‪:‬‬

‫كم أنت رقيقة يا لمى! المهم أنه نجا‪ .‬ينبغي أن‬ ‫‪-‬‬

‫يكون قلب الطبيب كالحديد‪.‬‬

‫‪ -‬أعرف يا عزيزتي‪ .‬إنني أبكي رغما عني‪.‬‬

‫‪ -‬هل أنت هكذا مع كل المرضى أم معه فقط؟‬

‫‪ -‬أنا أقوى بكثير في العادة‪ .‬ربما لأن عمر لا‬

‫يزال شابا في مقتبل عمره‪ .‬قطعت الأمل وأنا‬

‫أنعشه‪ .‬لم أتوقع أنه سيعود‪.‬‬

‫أحسنت صنعا وسلمت يداك‪ .‬لن ينساها لك‬


‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫طول حياته‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬مع الأسف‪ .‬لا أعتقد أنه سيعيش طو يلا‪.‬‬

‫حالته آخذة بالتدهور يوما بعد يوم‪ .‬لن تصمد‬

‫رئتاه كثيرا‪ .‬التليف أكلهما أكلا‪.‬‬

‫‪ -‬أعانه الله وشفاه‪.‬‬

‫‪ -‬كم أنا متضايقة أني سأتركه هكذا‪ .‬اعتينت به‬

‫منذ أسبوع مع الدكتور وليد وشعرت بمعاناته‪.‬‬

‫يا له من مسكين!‬

‫أنهيت مدة تدربك عندنا؟‬


‫ِ‬ ‫هل‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬نعم‪ .‬غدا آخر يوم لي عندكم ثم أعود إلى‬

‫المستشفى الجامعي في بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬خسارة‪ .‬سنشتاق إليك كثيرا‪.‬‬

‫‪ -‬وأنا كذلك‪ .‬أحببتكم جميعا هنا‪ .‬أنتم أهل‬

‫الشمال رائعون‪.‬‬

‫‪ -‬شكرا حبيبتي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬أوصيكِ بعمر‪ .‬سأطمئن عليه من خلالك‪.‬‬

‫‪ -‬لا توصيني‪ .‬سأقوم بواجبي وز يادة‪.‬‬

‫***‬

‫حل الصباح وعمر في غيبوبته وهو في حالة‬

‫مستقرة‪ .‬استيقظت لمى كالمجنونة بعد ليلة مرهقة‬

‫عصيبة وبالكاد رتبت شعرها وفركت أسنانها وهرولت‬

‫نحو قسم الأمراض الرئو ية‪ .‬تأخرت عن جولة الدكتور‬

‫وليد الصباحية‪ .‬مسؤوليتها كطبيبة لا زالت في مرحلة‬

‫التدرج والامتياز فهم حالات المرضى والاعتناء بهم‬

‫جيدا وكتابة التقارير عنهم ومراقبة فحوصاتهم بأشكالها‪.‬‬

‫ثم ترفع كل ذلك إلى الدكتور وليد أخصائي الربو‬

‫والأمراض الصدر ية في جولتيه الصباحية والمسائية‪.‬‬

‫‪ -‬صباح الخير يا لمى‪ .‬هل نبدأ بالجولة؟‬

‫‪15‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬صباح النور يا دكتور‪ .‬أعتذر عن التأخر‪ .‬هيا‬

‫بنا‪.‬‬

‫كان خوفها يزداد شيئا فشيئا أثناء التنقل بين‬

‫المرضى‪ .‬ترجمته إلى ألم في معدتها‪ .‬بلغ ذروته عندما‬

‫وصل دور عمر فسألها الدكتور في الممر قبل الدخول‬

‫إليه‪:‬‬

‫‪ -‬كيف حال الشاب المسكين؟ هل انخفضت‬

‫حرارته؟ وماذا عن ضغطه؟ هل نغير المضاد‬

‫الحيوي برأيك؟‬

‫‪ -‬في‪ ...‬في‪ ...‬الح‪ ...‬الحقيقة‪ ...‬يا دكتور‪...‬‬

‫لقد‪...‬‬

‫‪ -‬يا إلهي! هل توفي بهذه السرعة؟‬

‫‪ -‬كلا‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬ماذا تخفين؟‬

‫‪ -‬لا أخفي‪ ...‬شيئا‪ ....‬كنت سأخبرك للتو‪...‬‬

‫توقف قلبه ليلة أمس ثم أنعشته‪...‬‬

‫جرأت على مخالفة أوامري؟ بل‬


‫‪ -‬ماذا؟! كيف ت ِ‬

‫خالفت سياسة المستشفى أيضا! ألم أحذركِ؟‬


‫ِ‬

‫هل أنت سعيدة الآن أنك مددت أيامه‬

‫الصعبة؟! الرجل يموت اختناقا ويتعذب ويتألم!‬

‫هل تظنين أنك تساعدينه هكذا؟! سأرفع بك‬

‫اللازمة‬ ‫التدابير‬ ‫لتتخذ‬ ‫جامعتك‬ ‫إلى‬ ‫تقريرا‬

‫بحقك‪...‬‬

‫‪ -‬يا دكتور‪ ...‬رجاء‪ ...‬كان علي اتخاذ القرار‬

‫سر يعا ولذلك لم أرجع إليك البارحة‪ ...‬قلبه‬

‫توقف بسبب إلتهابه الذي انتقل إلى الدم وليس‬

‫بسبب مرضه المزمن فحسب‪ ...‬قدرت أنك‬

‫‪17‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫كنت ستفعل ذات الشيء معه في هذه الحالة‬

‫وتمنحه فرصة للعيش أشهرا إضافية‪...‬‬

‫فهمت؟‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬اسكتي‪ ...‬لا أريد أعذارا! هل‬

‫حبست لمى عبراتها وأكملت الجولة مع دكتورها‬

‫وهي تتألم في داخلها‪ .‬لم تخف من تهديده طالما كان‬

‫عمر بخير‪ .‬زارا غرفته في الإنعاش فعاد إليها شيء من‬

‫روحها‪ .‬اختتما الجولة عنده فودعته معتذرة بهدوء عن‬

‫مخالفة أوامره وشكرته على الشهرين اللذين قضتهما معه‬

‫تتعلم منه‪.‬‬

‫***‬

‫عادت لمى إلى بيروت صبيحة يوم السبت‪.‬‬

‫قضت نهاية الأسبوع تفكر في عمر‪ .‬لم تستطع أن تحدد‬

‫طبيعة المشاعر التي تكنها تجاهه‪ .‬لم تمتلك الشجاعة‬

‫‪18‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫الكافية ل كشف كنهها وتهربت منها غير مرة‪ .‬أقنعت‬

‫نفسها أنه مجرد مريض تربطها به علاقات إنسانية‬

‫صافية‪ .‬ندمت لما تذكرت أنها نهرته بعنف عندما‬

‫وجدته ذات يوم على شرفة الغرفة والسيجارة في فمه‪ .‬لم‬

‫يكن مدخنا من قبل وإنما كانت سيجاراته القليلة‬

‫النادرة نوعا من الهروب والنسيان‪ .‬رأت دمعته حينها‬

‫تخرق جدار الرجولة وتجري في أخاديد قد حفرها‬

‫الحزن منذ عرف أنه مريض بالتليف الرئوي المزمن‪ .‬يا‬

‫ك من قاسية! فكرت أيضا في مصيرها بسبب مخالفتها‬


‫ل ِ‬

‫للأوامر‪ .‬فكرت في كل شيء وهي تحدق بمطر أيلول‬

‫الناعم الذي يغسل وجه التراب فيملأ المكان برائحة‬

‫الخر يف‪ .‬تتابعت الأوراق الساقطة وكانت مع كل‬

‫ورقة تتذكر صورا من المرضى الذين رأتهم يسقطون‬

‫أمام عينيها‪ .‬كم هي موحشة هذه الحياة الدنيا! إننا‬

‫‪19‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫نقاتل فيها كل يوم حتى نجد أنفسنا في نهاية المطاف‬

‫مهزومين أمام الموت! ذلك الشبح الذي يسلبنا طعم‬

‫السعادة ولو تحصنا بألوان اللذات كلها!‬

‫لم تستيقظ من غمرات هذه الهواجس إلا بعد أن‬

‫تلقت مكالمة من إدارة الجامعة في أول الأسبوع‪.‬‬

‫استدعاها المدير لاجتماع طارئ‪ .‬جهزت نفسها لتوبيخ‬

‫قاس ل كنها صعقت بأن الدكتور وليد جعلها ترسب‬

‫كليا في تدر يبها معه‪ .‬لماذا فعل هذا؟ هل نسي مجهود‬

‫الشهرين وسهر الليالي وملازمة المرضى من أجل حادثة‬

‫واحدة؟ ماذا ستخبر أهلها؟ ستعيد سنتها وتكلفهم‬

‫قسطا باهظ الثمن وهم الذين اعتادوا على تفوقها‬

‫ومنحها الدراسية الجزئية! ربما من الأفضل أن تستشير‬

‫‪20‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أخاها الذي يكبرها بسنتين ويدرس الطب في ذات‬

‫الجامعة‪.‬‬

‫أجهشت في البكاء وعادت الأسئلة الغامضة‬

‫من جديد‪ .‬ظهرت لها هذه المرة بثوب الضمير‪ .‬هل‬

‫خاطرت بمستقبلها من أجل حالة إنسانية أم من أجل‬

‫عاطفة تحمل ال كثير في طياتها؟ وما ذنب أهلها الذين‬

‫يحرمون أنفسهم من أدنى الأمور لتأمين مصار يف‬

‫الجامعة التي لا تغطيها المنحة؟‬

‫***‬

‫في هذه الأثناء بدأ عمر بتحر يك أصابعه‪ .‬شبكتها‬

‫أمه بأصابعها والابتسامة تحاذي أذنيها‪ .‬تعجبت بأنه‬

‫أول ما سأل عن الدكتورة لمى وهو لا يزال يتأرجح‬

‫بين الوعي والغيبوبة‪ .‬توجهت إليه قائلة‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬هل أنت بخير يا روحي؟‬

‫‪ -‬نعم يا أمي‪ .‬أين هي؟‬

‫‪ -‬من؟‬

‫‪ -‬الدكتورة لمى‪.‬‬

‫‪ -‬لقد أنهت مدة إقامتها هنا‪ .‬هل تعلم أنها أنقذتك‬

‫من الموت؟‬

‫‪ -‬خذيني إليها يا أمي‪.‬‬

‫‪ -‬ما بك يا بني؟ ذهبت تكمل حياتها ودراستها‪.‬‬

‫لقد فعلت واجبها ومضت إلى سبيلها‪.‬‬

‫‪ -‬أمي‪ ...‬أنا أحبها!‬

‫اقشعر جلدها شفقة على ابنها الذي تخالجه هذه‬

‫الأحاسيس المضطربة‪ .‬اكتفت بالرد عليه بابتسامة‬

‫‪22‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫صفراء كي لا تكسر بخاطره ثم نأت بنفسها إلى ركن‬

‫آخر من الغرفة‪.‬‬

‫‪ -‬أمي‪ ...‬ما بك؟ ألا يحق لي أن أحبها؟ هي‬

‫تحبني أيضا! قرأت ذلك جيدا في نظراتها‪.‬‬

‫التفتت إليه لتسعفه بذات الابتسامة الشاحبة‪.‬‬

‫مسكين أنت يا ولدي؟ ألا تعرف أنك مجرد مريض‬

‫عابر من ضمن عشرات المرضى الذين تعالجهم؟ من‬

‫أنت لتنظر إليك؟ هل أنت غير شاب تنحدر من عائلة‬

‫فقيرة؟ بل وفي مرضك؟ وهي الطبيبة الحسناء! ما هي‬

‫الآمال التي تشجع قلب امرأة على التعلق بك؟ هل‬

‫نسيت كيف تركتك خطيبتك قبل شهر من موعد‬

‫القران بسبب مرضك؟ ألم تستطع أن تتحمل آلام‬

‫‪23‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫حبيبها؟ تلك اللعينة قليلة الوفاء! رحمك الله يا أبا بسام!‬

‫ليتك معي لتخفف عني أوزار الجبال‪.‬‬

‫‪ -‬أمي‪ ...‬قلت لك أني أحبها!‬

‫‪ -‬هل تبكي يا عمر؟! أعرفك أكثر عنادا من‬

‫ذلك! غدا تتعافى إن شاء الله وأزوجك بأجمل‬

‫نساء الدنيا‪.‬‬

‫‪ -‬بل أريدها هي فقط‪.‬‬

‫حضر بسام وتنضر وجهه لما رأى أخاه يكلم أمه‪:‬‬

‫‪ -‬عمورة! الحمد لله أنك عدت إلينا سالما‪.‬‬

‫انكب عليه يقبل جبينه فدفعه عمر بسبب ألم في‬

‫صدره‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬آه! آه! تنبه أرجوك‪ .‬صدري يؤلمني بعدما‬

‫ضغطت عليه‪.‬‬

‫أن‬ ‫لمى‬ ‫الدكتورة‬ ‫أخبرتنا‬ ‫نسيت‪.‬‬ ‫‪ -‬أعتذر‪.‬‬

‫ضلوعك كسرت أثناء عملية الإنعاش‪ .‬انجبار‬

‫ال كسور يتطلب قليلا من الوقت‪.‬‬

‫لقد كسرت ضلعي ورحلت‪ .‬هل يجب أن‬

‫أشتكي من هذا الألم أم أطرب له لأنه يذكرني بها؟‬

‫كان يتذكرها عند أدنى تقلب يوقظ وجعه‪ .‬بل يتذكرها‬

‫عند كل ثانية من دونه حتى‪ .‬إنها الفصل الأجمل في‬

‫ختام حياته‪ .‬إنها شجرة الأرز الخضراء الحية في خر يف‬

‫عمره‪ .‬منذ أن تعانقت نظراتهما أول مرة عرف أنه‬

‫يحبها‪ .‬شعر بقلبه ينخلع من مكانه ويدق بسرعة جنونية‬

‫افتضحتها سماعة لمى‪ ،‬سألته بصوت ناعم مبتسم‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬قلبك يدق بسرعة‪ .‬هل تشعر بالألم؟ الألم قد‬

‫يفسر ذلك‪ .‬هل تشعر بضيق نفس وأن أنبوبة‬

‫الأوكسجين لم تعد تكفيك؟ هذا يفسر ذلك‬

‫أيضا‪.‬‬

‫ارتبك كثيرا وهو يود لو يهمس في أذنها‪:‬‬

‫والحب؟! ألا يفسر ذلك؟ ما هو نوع السحر الذي‬

‫تمارسه حتى فرقت بينه وبين مرضه فنسيه‪ .‬ما هذا‬

‫السحر الذي سلب عقله إلى درجة أنه أصبح يحب‬

‫المرض لأنه عرفه عليها! أخذ يبحث عن إشارة من‬

‫طرفها طيلة الأسبوع‪ .‬نهشته الشكوك واتهم نفسه‬

‫بالوهم مرات فأيقظ كل حواسه ليقطف إشارة‬

‫واحدة‪ .‬لم يظفر إلا بنظرة حقيقية في إحدى ز ياراتها‪.‬‬

‫نظرة طال أمدها إلى أن صرفها أخيرا حياء الأنثى‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫حدقت بعيونه فاسترق من عيونها أجوبة كثيرة لم ترق‬

‫بعد إلى مرتبة اليقين‪ .‬إنها مرحلة ما قبل الحب‪ .‬بل‬

‫هي أجمل لحظات الحب‪ .‬يبقى هذا المد والجزر إلى أن‬

‫يفشي الحبيب سره‪ .‬هنا يموت الحب! إن الانتصار في‬

‫الحب هو الهزيمة بعينها‪ .‬التعادل أجمل ما فيه‪ .‬مرحلة‬

‫ال كر والفر التي تستنزف كل أنواع المشاعر‪ :‬الحزن‪،‬‬

‫الأمل‪،‬‬ ‫القلق‪،‬‬ ‫الريب‪،‬‬ ‫الشقاء‪،‬‬ ‫السعادة‪،‬‬ ‫الفرح‪،‬‬

‫الانتظار‪ ...‬حتى بعد المصارحة‪ ،‬إن لم تجد الأنثى‬

‫شكوكا مقنعة يختلق خيالها منها ثم تصدقها فرارا من‬

‫الجمود‪ .‬إنه سر سحرها الذي خطف قلب عمر! تستدرجه‬

‫إلى أرضها مرة بعد مرة ثم تنسحب‪ .‬يدك حصونا‬

‫فتشيد أخرى‪ .‬أتقنت التكتيك وما فوتت إلا ثغرة‬

‫واحدة توغل خلالها‪ .‬تلك النظرة التي عزم معها أن‬

‫يصارحها‪ .‬لم يكن الوقت في صالحه مع أنه كان يدرك‬

‫‪27‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫تماما أن مباغتتها بهذه السرعة ليست محمودة‪ .‬باغته‬

‫توقف قلبه قبل أن يباغتها‪ .‬أسعفته ثم رحلت‪ .‬هل‬

‫ستعود؟ ربما لا تبادله الشعور؟ ل كن نظرتها تلك تنبئ‬

‫بالعكس؟ أم أني أبالغ في تحليلها؟ قاطعه صوت بسام‪:‬‬

‫‪ -‬أستأذن الآن يا جماعة‪ .‬علي أن أعود إلى‬

‫العمل‪.‬‬

‫تبعته أمه مسرعة وأمسكت بقميصه هامسة‪:‬‬

‫تكاليف‬ ‫أمنت‬ ‫هل‬ ‫انتظر‪.‬‬ ‫بسام!‬ ‫‪ -‬بسام!‬

‫المستشفى؟‬

‫‪ -‬لا تقلقي يا أمي‪ .‬المهم صحة عمر الآن‪.‬‬

‫‪ -‬طمئني يا بسام‪ ،‬أرجوك‪.‬‬

‫‪ -‬سأحصلهم قريبا‪.‬‬

‫‪ -‬كيف؟!‬

‫‪28‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬سأقترض كالعادة من أصدقائي وأسدد الديون‬

‫فيما بعد‪.‬‬

‫‪ -‬يا إلهي! الديون أصبحت متراكمة‪.‬‬

‫‪ -‬أمي! قلت لك لا تقلقي‪.‬‬

‫***‬

‫استقبلته عند المخرج سيارة تقل صديقين تعرف‬

‫عليهما منذ مدة في اجتماع مع زعيم الحزب السياسي‬

‫الذي يؤيده‪.‬‬

‫‪ -‬هيا انطلقا‪ .‬أمامنا مهمة صعبة‪.‬‬

‫أسند رأسه إلى زجاج السيارة وهو يعتصر مرارة‬

‫على أخيه الذي يتكفل به‪ .‬تركهم والده في وقت مبكر‬

‫فحمل أعباء العائلة على عاتقه‪ .‬حارب كل الظروف‬

‫‪29‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫من أجل أن يقف إلى جانب أخيه في بلائه‪ .‬كم‬

‫تشاجر مع زوجته وهي تتملل من مبالغته في دفع‬

‫تكاليف العلاج‪:‬‬

‫‪ -‬أليس له إخوة آخرون؟ كل شيء عليك! ألا‬

‫ترى حال أولادك؟!‬

‫‪ -‬اخرسي وإلا أرجعتك إلى بيت أهلك!‬

‫لم يترك سبيلا واحدا من سبل تحصيل المال دون أن‬

‫يسل كه‪ .‬بدأ به الأمر بأن يتقرب من أحد برلمانيي‬

‫المنطقة وصار من أنصاره الذين لا يتخلفون عنه في‬

‫مناسبة واحدة‪ .‬أصبح فردا من تلك الطبقة التي تعيش‬

‫في أحزمة البؤس المحيطة بالقادة‪ .‬الزعيم يعي تماما أهمية‬

‫هذه الجماعة على الأرض‪ .‬إنهم البلطجية الذين يعيثون‬

‫في الأرض فسادا وتمس الحاجة إليهم في مواجهة‬

‫‪30‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أنصار الخصوم السياسيين الآخرين‪ .‬يطلقون ألسنتهم‬

‫بالمواطنة وفعل الخير على الشاشات وهم يطلقون العنان‬

‫في ذات الوقت لهذه الثلة المشاكسة‪ .‬وإذا امتدت‬

‫إليهم يد الشرطة أخلوا سبيلهم بمكالمة هاتفية واحدة‪.‬‬

‫كثير منهم يتعاطون المخدرات فلم يسلم بسام من هذا‬

‫المستنقع الذي عمل فيه كتاجر محترف‪ .‬تضخمت‬

‫تكاليفه فلم يجد مصرفا عن السرقة التي قد تتطور إلى‬

‫القتل في أحيان نادرة جدا‪ .‬أشبع والدته كذبا وهو‬

‫يختلق القصص حول تحصيله للمال‪ .‬ورغم ذلك لا‬

‫زال غارقا في الديون ال كثيرة ويزداد حاله سوءا يوما‬

‫بعد يوم‪ .‬وحده ذلك الرصيد الذي يدخره في أحد‬

‫البنوك ينمو دون أن يأخذ منه فلسا واحدا‪ .‬لا يرجو‬

‫منه إلا هدفه الأكبر‪ :‬أن يؤمن مبلغا كافيا يمكنه من‬

‫تسديد كلفة عملية زراعة الرئتين لأخيه‪ .‬الكلفة عالية‬

‫‪31‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫جدا يعجز عنها الأثر ياء ل كنه الحل الوحيد كي يتعافى‬

‫عمر بشكل نهائي‪.‬‬

‫ترجل هو وصديقاه من السيارة بعد أن تلثموا جيدا‬

‫واقتحموا أحد محلات بيع الذهب فوضع بسام بسرعة‬

‫البرق المسدس في رأس صاحب المحل‪:‬‬

‫‪ -‬إذا صرختَ قتلتك!‬

‫‪ -‬ألا‪ ...‬ألا‪ ...‬ألا تخافون الله؟‬

‫‪ -‬أنت ألا تخاف الله بهذا الثراء الفاحش؟ أين‬

‫حق المساكين والفقراء الذين لا يجدون لقمة‬

‫عيشهم؟‬

‫سلبوا شيئا من البضاعة ثم انسحبوا على عجالة من‬

‫المراقبة‪.‬‬ ‫كاميرات‬ ‫يحطموا‬ ‫أن‬ ‫ينسوا‬ ‫ولم‬ ‫المكان‬

‫اكتسب بسام مع الوقت مهارة عالية في السرقة‬

‫‪32‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫واستطاع أن يكون مافيا تحت إمرته‪ .‬لم يكونوا يسرقون‬

‫ويسكتون‬ ‫العام‬ ‫الرأي‬ ‫إثارة‬ ‫مخافة‬ ‫كبيرة‬ ‫مقادير‬

‫أصحاب الحق بتهديدهم بالقتل إذا فتحوا المحاضر‬

‫بحقهم‪ .‬وهم يختارون الأماكن البعيدة النائية وينوعون‬

‫الأشخاص المشاركين ويباعدون بين عملياتهم‪.‬‬

‫***‬

‫تطلب الأمر شهرا كاملا كي تنفض لمى عنها‬

‫الكآبة التي لازمتها في سرها وعلانيتها‪ .‬لم يكن من‬

‫السهل تخطي هذه المرحلة التي توافقت مع ضغط‬

‫العمل الشاق واقتراب موعد الاختبارات‪ .‬أرادت أن‬

‫تثبت نفسها أمام الجميع من جديد لا سيما أمام الإدارة‬

‫وتحصل النتائج العالية عساها تشفع لها قليلا‪ .‬المشكلة‬

‫هي أنها تمضي شهرين في قسم الطوارئ الأمر الذي‬

‫‪33‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫كبيرا من حياتها‪ .‬تلاشى‬ ‫أجهدها وأنساها قسما‬

‫تفكيرها في عمر وكان يكفيها أن اطمأنت عليه بعد‬

‫أسبوع من تركه وعرفت أنه غادر إلى منزله‪ .‬حدثتها‬

‫نفسها بأن الإنشغال الشديد أفادها حقا بطرد التفكير‬

‫في ذلك الرجل الذي اخترق حياتها دون مقدمات‪.‬‬

‫من‬ ‫للهروب‬ ‫فعالة‬ ‫وسيلة‬ ‫الضغوط‬ ‫هذه‬ ‫شكلت‬

‫أفكارها التي تقلقها‪ .‬لا شك أنه وسيم ل كن ذلك لا‬

‫يخرجه عن كونه كغيره ممن تحتك بهم! عرفت كذلك‬

‫بأن عنده مل كة أدبية مرهفة جذبتها بقوة‪ .‬أصدر عددا‬

‫من المؤلفات المغمورة وها هو يسخر وقته في عمل‬

‫جديد على تقطع بسبب اشتداد المرض‪ .‬أسمعها مقطعا‬

‫من كتاباته فوعدته بأن تقرأ المزيد مؤكدة له بأن الأيام‬

‫تخبئ له نجاحا باهرا في هذا الباب‪ .‬جاء في المقطع‬

‫‪34‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫الذي اقتبسه من إحدى مؤلفاته الرومانسية حيث كان‬

‫البطل يقول لعشيقته‪:‬‬

‫سألت عن‬
‫ِ‬ ‫" إنني أرشحك لجائزة نوبل‪ .‬هلا‬

‫اختراعك؟ لقد كذبت الشاعر الذي قال‪ :‬ألا ليت‬

‫الشباب يعود يوما؟ فهذه جائزة في الأدب‪ .‬عاد إلي‬

‫شبابي بسببك بعد أن اجتاحني العمر‪ .‬ألا تستحقين‬

‫جائزة في الطب على هذا الإنجاز الذي أعجز علماء‬

‫الأحياء؟ أم أنه سفر عبر الزمان تحصلين به على جائزة‬

‫في الفيز ياء؟"‬

‫كلا! الإعجاب بالأفكار أمر مختلف تماما عن‬

‫الإعجاب بالأشخاص‪ .‬كلماته رائعة عذبة رنانة تعبر من‬

‫الأذن فتهوي مباشرة إلى القلب‪ ،‬ليس بينهما واسطة‪.‬‬

‫يجيد الرقص بين الأحرف وال تأرجح بين الكلمات دون‬

‫‪35‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أن يسقط في التكلفات‪ .‬كل ذلك يعني أن قلمه ساحر‬

‫فقط! لا أكثر! وماذا عن هالة الغموض الرقيقة التي‬

‫يتوشح بها! كم يزعجها ذلك‪ .‬كم يزعجها أن يستخدم‬

‫سلاحها‪ .‬من أقدر مني على استخدام سلاحي؟ يلقي‬

‫بشباكه وينصب أفخاخه فتريد أن تجول حولها زاهية‬

‫بأنها لا تقع فيها وأنها تقترب متى شاءت وتبتعد متى‬

‫شاءت دون أن تسقط‪ .‬فتفاجأ بأنه سحبها من المكان‬

‫وكأنه لا يأبه بها ولا ينظر إليها‪ .‬من يظن نفسه؟ ما‬

‫هذا التعالي؟ ما هذه القدرة على المراوغة رغم وضعه‬

‫الصحي؟‬

‫تعرف لمى جيدا أنها لا تقبل بمثل هذه الخسارة‪.‬‬

‫سقت كل الشباب من كأسها وهي لم تذق قطرة‬

‫واحدة منه‪ .‬حاول ال كثيرون من قبل وهي ثابتة وعليها‬

‫‪36‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫سابغات متينة‪ .‬كيف لا يتقربون منها وهي الطبيبة‬

‫المتفوقة التي رسم نصف عقدها الثالث أروع خطوط‬

‫الصبا على وجهها الهادئ‪ .‬هدوء يخفي ثقة عالية‬

‫بالنفس وأخلاقا دمثة ممزوجة بعناد صلب وتمرد على‬

‫كل شائبة اجتماعية حولها‪ .‬لا تتكلف في وضع‬

‫مساحيق التجميل على وجنتيها الخجولتين أصلا اللتين‬

‫صقلتا مع وجهها كله بنعومة طبيعية حنطية تميل إلى‬

‫البياض‪ .‬ولا ينقص هذه اللوحة غير شعر أملس يتردد‬

‫في شقاره كشمس أول الضحى التي بالكاد تجلي زرقة‬

‫السماء المصبوبة في عينيها‪ .‬لا تجلس على عرشها‬

‫كبر ياء بل يحبها الجميع دونما استثناء وتمد يد علاقتها‬

‫الإنسانية الأخلاقية إلى كل الناس من أصغر عامل في‬

‫المستشفى إلى أكبر طبيب‪ .‬ل كنها تنتظر ذلك الذي‬

‫يقطف قلبها دون أن تستشير عقلها‪ ،‬يقطفه من أول‬

‫‪37‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫لقاء دون أن تعرض لها كبوة‪ .‬ثم بعد ذلك يأتي دور‬

‫العقل فتمحص ما اختاره القلب‪ .‬تزدري أحيانا من‬

‫يطمع بمكانتها أو حسنها لأنها تعتقد جازمة أن الحب‬

‫لا يخضع لمثل هذه الحسابات الضيقة من المصالح‬

‫المتبادلة أو الشهوات العارضة الكاذبة‪ .‬صدت مرة‬

‫طبيبا متخصصا بل هو رئيس أحد الأقسام وهو يتودد‬

‫إليها دون أن تبالي به طرفة عين‪ .‬كانت صديقاتها‬

‫المقربات يدفعنها إليه وينعتنها بالحمقاء لأنها رفضت‬

‫رجلا تتمناه كل النساء‪ .‬أحست بأنه يعاملها لما تدربت‬

‫في قسمه بغير معاملة زملائها و بغض النظر عن عملها‬

‫ففهمت وضربت أسوارا حديدية وجعلت بينهما حجرا‬

‫محجورا لا برزخ فيه غير الأمور العلمية العملية الطبية‬

‫الجدية‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫***‬

‫عادت الأم من ز يارة صباحية عند جارتها‬

‫فوجدت ابنها يتحضر للخروج‪:‬‬

‫‪ -‬بسام! هل أنت ذاهب إلى العمل؟‬

‫‪ -‬نعم يا أمي‪.‬‬

‫‪ -‬ابني‪ .‬الله يرضى عنك‪ .‬ما رأيك أن نأخذ عمر‬

‫إلى الدكتور رستم في بيروت‪ .‬أخبرتني جارتنا‬

‫أنه بارع جدا وهو الوحيد الذي استطاع أن‬

‫يشخص علتها ووصف لها العلاج المناسب‬

‫فارتاحت بسببه كثيرا‪.‬‬

‫‪ -‬تحت أمرك يا أمي‪ .‬أفعل أي شيء من أجل‬

‫عمر‪ .‬هل تسمح حالته أن ننقله بسيارتنا إلى‬

‫هناك؟‬

‫‪39‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬لم أفكر في هذه المشكلة! ماذا ترى أنت؟‬

‫‪ -‬ربما علينا أن نطلب له سيارة إسعاف‪ .‬فليسبقنا‬

‫بها إلى هناك ثم نتبعه بسيارتنا نحن‪.‬‬

‫‪ -‬أحسنت‪ .‬هل أحجز له موعدا؟‬

‫‪ -‬توكلي على الله‪.‬‬

‫استشارت عمر قبل أن تأخذ هذا الموعد فطار‬

‫فرحا بهذا النبأ العظيم‪ .‬لم يعلق أي أمل على هذا‬

‫الطبيب فهو يدرك تماما أنه لن يأتي بجديد‪ .‬علق كل‬

‫آماله بأن يراها‪ .‬الدكتور هذا يعاين في ذات المستشفى‬

‫التي تتدرب فيها لمى‪ .‬لم يستطع أن يبوح بمدى سعادته‬

‫لأحد خاصة لأمه التي نهرته من قبل مرات عديدة‬

‫عندما كان يحدثها عن لمى‪ .‬خافت على ابنها من هذا‬

‫التدهور النفسي فلجأت إلى شيء يسير من القسوة حتى‬

‫‪40‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫لا يتألم بين براثن أوهام كاذبة‪ .‬أمسك بقلمه وبدأ‬

‫يحشد كل ما عنده من أفكار و يعصرها فيسيل مدادها‬

‫على ورقة نضحها بالعطر‪ .‬اختار أن يكتب بصريح‬

‫العبارة لأن سطوره قد تكون هي الأخيرة التي يخطها‬

‫في حياته‪ .‬لم يعد يبالي إن أقر بهزيمته أمامها وعلق‬

‫وسام النصر مجانا على صدرها‪ .‬كتب كلماته في خفاء‬

‫يتحين نوم أمه ليلا بعد أن تمضي معه أكثر أوقات‬

‫النهار‪.‬‬

‫سيارة‬ ‫فحضرت‬ ‫المنتظر‬ ‫الأربعاء‬ ‫نهار‬ ‫حل‬

‫الإسعاف وحمل المسعفون عمر مع قارورة الأوكسجين‬

‫التي تلازمه كل الوقت‪ .‬وهو في الطر يق تأكد من‬

‫وجود الرسالة في جيب قميصه عشرات المرات‪ .‬وصلوا‬

‫بطبيعة الحال قبل أمه وأخيه ُفأنزل إلى قسم الطوارئ‬

‫‪41‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫كي يعتني به الأطباء هنالك ريثما يحضر الدكتور رستم‬

‫لمعاينته ثم إدخاله إلى المستشفى‪ .‬استغل تأخرهما وسأل‬

‫الممرضة التي استقبلته وعمدت إلى إجراء الفحوص‬

‫الروتينية السر يعة كقياس الحرارة وضغط الدم ونبض‬

‫القلب‪:‬‬

‫‪ -‬هل تعرفين الدكتورة لمى؟‬

‫‪ -‬نعم بالطبع! هي تمر عندنا في هذين الشهرين‪.‬‬

‫سمع هذا الجواب فارتفعت نبضات قلبه وتصبب‬

‫العرق من كل مسامات جسمه‪ .‬من المعقول أن‬

‫تدخل عليه في أي لحظة‪ .‬توقع أن تكون مهمته أصعب‬

‫بكثير وساوره القلق قبل ذلك من عدم تمكنه من‬

‫الوصول إليها خاصة إذا حضرت أمه‪ .‬وتوقع أيضا أن‬

‫تتعمد الحيلولة دون رؤ يتها وربما ذهبت هي بمفردها‬

‫‪42‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫لتلقي عليها التحية تأدبا مع الطبيبة التي لها فضل كبير‬

‫عليه‪ .‬نسي كل شيء حضره وشكر الله أنه كتب‬

‫الرسالة اذ اندثرت شجاعته كلها ولم يكن في هذه‬

‫الأثناء ذا قدرة على التفوه بالكلمات المناسبة المصطفاة‪.‬‬

‫‪ -‬وكيف تعرفها أنت؟ قلت لي أنك أول مرة‬

‫تأتي إلى هذه المستشفى‪.‬‬

‫‪ -‬نعم صحيح‪ .‬تعرفت عليها عندما قامت بالتدرب‬

‫عندنا في الشمال‪.‬‬

‫‪ -‬تمام فهمت‪ .‬سأناديها بعد قليل فهي تعاين الآن‬

‫مريضا في الغرفة المجاورة‪.‬‬

‫‪ -‬أشكرك‪ .‬هل يمكن أن تتركي فضلا الباب‬

‫مفتوحا فأنا أنتظر قدوم أمي وأخي‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫كتبت على دفترها بعض المعلومات وتمنت له‬

‫السلامة مبتسمة‪ .‬ثم ركضت فورا نحو حالة طارئة‬

‫حضرت للتو شغلتها قليلا عن الحديث مع لمى‪.‬‬

‫ركضت هي وأحد زملاء لمى وهو يناوب أيضا في‬

‫قسم الطوارئ‪ .‬ترقب عمر في سريره بخليط من‬

‫الأحاسيس وعيونه شاخصة إلى الخارج‪ .‬في يده‬

‫ترقص الرسالة من شدة الخوف وفاح عطرها من‬

‫جديد بعد أن رطبتها راحة يده المتعرقة‪ .‬كانت‬

‫الشخصيات تظهر وتختفي أمام عينيه وهي مشكلة بين‬

‫أطباء وممرضين ومرضى وأهلهم‪ .‬أخيرا ثبت في الخلفية‬

‫طبيب يحاذي الثلاثين من عمره تقريبا ويبدو أنه كان‬

‫ينتظر شخصا ما لأنه كان ينظر بين الحين والآخر حوله‬

‫ثم يعود إلى العبث بجواله‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫وبعد خمس دقائق‪ ،‬دخلت لمى إلى المشهد بشكل‬

‫مفاجئ وتقدمت نحو الطبيب الذي انحنى ليطبع قبلة‬

‫على جبينها‪ .‬ثم رفع مفاتيح من جيبه ودسها في جيبها‬

‫وانصرف بعد أن ردت له القبلة بأخرى على خده‪ .‬في‬

‫هذه اللحظة‪ ،‬توقف قلب عمر بل توقفت كل أعضائه‬

‫عن الحركة‪ .‬وحدها يده مضغت الرسالة ثم مجتها في‬

‫أقرب كيس أصفر للمهملات‪ .‬حل الظلام فجأة دون‬

‫إنذار بالمغيب‪ .‬نعم‪ ،‬لن تقبل إلا بطبيب مثلها!‬

‫غرورها لا يسمح لها بأدنى منها مستوى! كل‬

‫مشاعري مجرد هباء وهراء‪ .‬لم تكن تنظر إلي إلا نظرة‬

‫شفقة‪ .‬تنظر إلي من أعلى كونها طبيبة وسليمة صحيا‬

‫وأنا الفقير المر يض‪ .‬تجاملني بالتعبير عن إعجابها بكتاباتي‬

‫كي تحافظ على نفسيتي المحطمة‪ .‬ماذا يربطني بهذه‬

‫لقد جفت العروق التي تمدني‬ ‫الدنيا بعد الآن؟!‬

‫‪45‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫بالأمل! هل أشكرها بعد اليوم على أنها انتشلتني من‬

‫مخالب الموت أم أعاتبها وأشدد اللوم عليها؟! عادت به‬

‫الذاكرة إلى تلك اللحظة التي علم فيها أنه يعاني من‬

‫مرض مزمن وخطير‪ .‬قال له الطبيب يومها‪:‬‬

‫‪ -‬يا عمر‪ .‬عندي أخبار جيدة وأخرى سيئة‪ .‬بأيها‬

‫أبدأ؟‬

‫مستوعبا من الماء‬ ‫عمر وأحس كأن‬ ‫صمت‬

‫الساخن المغلي ينسكب فوق رأسه‪.‬‬

‫‪ -‬طيب‪ .‬سنبدأ بالأخبار السيئة‪ ...‬للأسف بينت‬

‫الفحوصات أنك مصاب بتليف الرئتين كما‬

‫شرحت لك توقعاتي في آخر ز يارة‪ .‬الجيد أن‬

‫العلاج موجود وهو زراعة رئتين بديلتين‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫انعدمت في تلك اللحظة كل الأحلام والآمال‪.‬‬

‫استرق النظر إلى وجه أمه التي تجلس بجانبه ليقتبس‬

‫منه قليلا من الأمان ول كنه وجد العبرات تتتابع على‬

‫خدها بصمت رهيب‪ .‬لم تفاجئه فهذا هو قلب الأم‪.‬‬

‫له سكرتيرة‬ ‫قالت‬ ‫عندما‬ ‫ال كبرى‬ ‫مفاجأته‬ ‫كانت‬

‫الطبيب في ز يارة أخرى‪:‬‬

‫‪ -‬أخوك حنون جدا!‬

‫‪ -‬ما الذي دفعك لقول ذلك؟‬

‫‪ -‬أتى إلي في العيادة ينفجر بكاء وهو يريد أن‬

‫يعرف أكثر عن حالتك‪.‬‬

‫لم يصدقه بعدها عندما كان يطلب منه أن يبقى‬

‫قو يا وشجاعا وذا عزيمة لا يركن إلى اليأس‪ .‬لم يتصور‬

‫يوما وجود مثل ملامح الحزن هذه في وجه رجل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫عانى عمر كثيرا بين عوارض المرض وعوارض الدواء‪.‬‬

‫ل كن أكثر ما آلمه عندما رأى أن أخاه يكاد يقطع من‬

‫لحمه بل ومن لحم أولاده ليسانده ويدفع التكاليف‬

‫الباهظة التي قد لا تجدي في النهاية‪ .‬ثم بدأت مرحلة‬

‫التخبط في الأفكار‪ .‬تارة تغير مفهومه عن الألم فحثه‬

‫ذلك على الإحساس بالآخرين‪ .‬وتارة أخرى يحسد‬

‫كل صحيح معافى ويتمنى أن يجتاح السقم كل الأبدان‬

‫دون أن يبقي أو يذر‪ .‬حاول أن يلجأ كعادته إلى‬

‫الكتابة للتعبير عن مكنونات صدره فصار أغلب شعره‬

‫رثاء لحاله ومعظم نثره نثرا لآلام روحه‪ .‬الغزل في حد‬

‫ذاته لبس الأسود وأصبح يدندن حول لحظات الفراق‬

‫الحارقة‪ .‬فقد القدرة على التأمل إذ قضى أيامه متنقلا‬

‫بين المنزل والمستشفى فقضى ذلك على كثير من‬

‫موهبته‪ .‬بدت حياته كالبيداء وهو ضال فيها لا يدري‬

‫‪48‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أين ييمم وجهه‪ .‬جثى على ركبيته مستسلما ورفع طرفه‬

‫إلى السماء فرأى بقعة من الماء لا تزال موجودة وإن‬

‫كانت تبتعد كلما اقترب منها‪ .‬الماء هو الحب في زمن‬

‫المرض! إنه الدواء لأخطر الأدواء! إنه التر ياق لأعظم‬

‫أقسى‬ ‫تتحدى‬ ‫التي‬ ‫الخضراء‬ ‫الساق‬ ‫إنه‬ ‫السموم!‬

‫الضخور! كانت تتردد عليه خطيبته بادئ الأمر على‬

‫استحياء ثم جاءت ذات يوم وفي يدها علبة‪ ،‬ظن أنها‬

‫هدية أو علبة شوكولا‪ .‬مدتها إليه قائلة‪:‬‬

‫‪ -‬أشكرك على كل شيء‪ .‬هذا هو الذهب الذي‬

‫أهديتني إياه‪ .‬الظروف تكون أحيانا أقوى منا‬

‫جميعا‪ .‬كنت أود لو أستطيع أن أبقى معك‬

‫ل كنني سأظلمك إن فعلت ذلك‪ .‬أتمنى لك‬

‫‪49‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫الشفاء والتوفيق‪ .‬وسأطمئن على صحتك بين‬

‫الحين والآخر‪.‬‬

‫انصرفت دون أن يجيب بكلمة واحدة‪ .‬اكتشف‬

‫أن بقعة الماء مجرد سراب لا وجود له‪ .‬أغشي عليه‬

‫ودفن رأسه في التراب وتركته راحلته كذلك والتي‬

‫كان يحمل عليها أقلامه وأحلامه حيث فقد كل الشهية‬

‫على الكتابة حتى‪ .‬هذه الكتابة بالنسبة إليه كأنبوبة‬

‫الأوكسيجين التي تخفف من أعراض المرض لا‬

‫أكثر‪ .‬عصا يتوكأ عليها وقدماه عليلتان‪ .‬الكتابة لن‬

‫تستأصل الكآبة من أساسها و يجب زراعة علقة من‬

‫الحب في فؤاده‪ .‬وجد لمى تعثر على جثته فأمسكته من‬

‫عضديه وجرته حتى وصلت به إلى واحة قريبة‪.‬‬

‫استيقظ فركض نحو الماء وأخذ يغرفه بكفيه ويشرب‬

‫‪50‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫بنهم شديد‪ .‬سمع فجأة صوتا جهور يا ينادي من الطرف‬

‫الآخر‪:‬‬

‫‪ -‬كيف تجرأت على الدخول إلى أرضي! أخرج‬

‫الآن وإلا قطعت رأسك بسيفي هذا!‬

‫إنه حبيبها!‬

‫***‬

‫دخلت الممرضة مع الدكتورة لمى فأخفى عمر‬

‫دموعه بسرعة وتظاهر أنه رشح عارض‪ .‬تسمرت في‬

‫مكانها عندما رأته فلم تتوقع أن يكون هو الذي طلبها‪.‬‬

‫ارتبكت كثيرا وتجمد الدم في أطرافها‪ .‬ما وسعها غير‬

‫‪51‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أن تتقدم منه بطر يقة عفو ية وتجلس قرب سريره ثم‬

‫تشد على يده‪:‬‬

‫‪ -‬كيف أصبحت يا عمر؟ ولماذا أنت هنا؟‬

‫رد عليها بجفاء واضح فأخذت المبادرة مجددا‪:‬‬

‫‪ -‬ما بك؟ هل كنت تبكي مجددا؟ ألم تعدني‬

‫بالبقاء قو يا؟ أَ لَم تعدني أن تقاوم الأَ لَم الذي أَ ل ََّم‬

‫بك؟‬

‫أنت!‬
‫ِ‬ ‫بسببك‬ ‫أتألم‬ ‫أنت!‬
‫ِ‬ ‫بسببك‬ ‫أبكي‬ ‫نعم‪،‬‬

‫أنقذت بدني من الموت لتقذفي روحي في آخر! ثم‬

‫رحلت غير آبهة بي!‬

‫‪ -‬أشكرك‪ ...‬أنا بخير‪ ...‬أستطيع أن أتدبر شؤوني‪.‬‬

‫‪ -‬عمر‪ .‬هل تخفي شيئا؟‬

‫‪52‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أنت يا دكتورة لمى؟ كم أنا‬


‫ِ‬ ‫‪ -‬صباح الخير‪ .‬هذه‬

‫سعيدة بلقائك مجددا!‬

‫‪ -‬صباح النور يا تانت أم بسام‪ .‬بل أنا التي‬

‫أنت وعمر‪ .‬من حسن‬


‫ِ‬ ‫سعدت بلقائكم مجددا‬

‫حظي أني أداوم في قسم الطوارئ‪ .‬أنا أعتب‬

‫عليكم لأنكم لم تتصلوا بي قبل قدومكم لأهتم بكم‬

‫بشكل أفضل‪.‬‬

‫‪ -‬أمي أين بسام؟‬

‫‪ -‬سيلحق بي‪ .‬انشغل باتصال هاتفي طارئ من‬

‫الشمال‪ .‬لم أفهم بالضبط ل كن يبدو أن أحد‬

‫أصدقائه في مأزق‪ .‬اعتدنا على مشاكله هو‬

‫ورفاقه‪.‬‬

‫‪ -‬لماذا أتيتم يا تانت؟ كيف يمكن أن أخدمكم؟‬

‫‪ -‬في الحقيقة أتينا لرؤ ية الدكتور رستم‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬تمام فهمت‪ .‬دقيقة واحدة‪ .‬سأتصل وأخبر‬

‫السكرتيرة بأنكم وصلتم كي لا تنتظروا كثيرا هنا‪.‬‬

‫‪ -‬أشكرك‪.‬‬

‫أجرت الاتصال من مكتب الاستقبال ثم عادت‬

‫إليهما‪ .‬حدثتها أم بسام ربع ساعة عن حال عمر ثم‬

‫انتقل بهم الحديث عن أحوالها هي وأحوال دراستها‬

‫وعملها‪ .‬كانت تسترق النظر إلى عمر بين لحظة وأخرى‬

‫وهو صامت لم يتفوه بكلمة واحدة طيلة الحديث‪.‬‬

‫وصل الدكتور رستم فاستمع إلى حالته ثم سأل‪:‬‬

‫‪ -‬هل معكم فحوصات قديمة كصور الاشعة وتقرير‬

‫طب الأنسجة وغيرها؟‬

‫‪ -‬نعم بالطبع‪ .‬لحظة لأخرجها من حقيبة يدي‪.‬‬

‫نظر إلى النتائج ثم حك صدغه وقال‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬خيرا إن شاء الله‪ .‬سأكتب لك تقريرا يا عمر‬

‫وأخبرك ما الذي يجب فعله‪.‬‬

‫خرج ليكتب هذا التقرير ففهمت عليه أم بسام‬

‫وتبعته‪:‬‬

‫‪ -‬طمئني يا دكتور‪.‬‬

‫ك في الشمال‪،‬‬
‫‪ -‬يا سيدة‪ .‬مع الأسف‪ ،‬كما أخبرو ِ‬

‫الحل الوحيد هو زراعة رئتين‪ .‬لا أملك له‬

‫المزيد سيدتي‪ .‬أنصحكم أن تأخذوه إلى البيت‬

‫مجددا فهناك ترتاح نفسيته أكثر من البقاء‬

‫مسجونا في غرف المستشفى‪.‬‬

‫‪ -‬لا حول ولا قوة إلا بالله‪ .‬لا ندخله إلى‬

‫المستشفى برأيك؟‬

‫‪55‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬لا حاجة إلى ذلك‪ .‬ستتكلفون مالا دون‬

‫فائدة‪ .‬لن تقدم له المستشفى في حالته أكثر من‬

‫البيت‪ .‬ارفعوا قليلا من نسبة الأوكسيجين في‬

‫الأنبوبة وسأصف له بخاخا قد يساعده قليلا‪.‬‬

‫من‬ ‫القصوى‬ ‫النسبة‬ ‫إلى‬ ‫سيصل‬ ‫قريبا‬

‫الأوكسجين‪.‬‬

‫‪ -‬أتشكرك يا دكتور على لطفك وعلى حسن‬

‫نصيحتك‪ .‬ولا أملك إلا التضرع إلى الله كي‬

‫يشفي ولدي‪.‬‬

‫‪ -‬عافاه الله وشفاه‪.‬‬

‫‪ -‬هل يجب أن أطلب له الإسعاف مجددا لينقله‬

‫إلى الشمال؟‬

‫‪ -‬كلا‪ .‬أعتقد أن الأوكسجين سيكفيه بما أننا‬

‫زدناه قليلا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬تمام‪ .‬أتشكرك‪.‬‬

‫عادت إلى الغرفة وكانت لمى قد تركتها بسبب تدهور‬

‫حال أحد المرضى في الجوار‪.‬‬

‫‪ -‬سنعود إلى الشمال يا عمر‪.‬‬

‫‪ -‬حسنا يا أمي‪ ...‬كما تشائين‪.‬‬

‫لم يعلق على كلامها بأكثر من ذلك‪ .‬لم تعد تعنيه‬

‫صحته‪ .‬فلتأخذه حيث تريد‪ ،‬الدنيا كلها مقبرة للأحزان‬

‫وقبو من الظلام واليأس والضنك‪ .‬انتظرت قليلا ليأتي‬

‫بسام فأخبرته بما قاله الدكتور رستم وطلبت منه أن‬

‫يسبقها مع أخيه إلى السيارة‪ .‬ستتشكر هي الدكتورة لمى‬

‫على مساعدتها ثم تتبعهما‪.‬‬

‫***‬

‫‪57‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫جلست لمى في حديقة المستشفى بعد أسبوع شاق‬

‫ترتشف قهوتها المحلاة الصباحية‪ .‬أقلعت السماء عن‬

‫المطر منذ الفجر وتركت نسيما باردا يداعب شعرها‬

‫و يلسع بشرتها‪ .‬يئست من فهم تصرف عمر معها‬

‫وحاولت أن تجد له تفسيرا طيلة هذه الأيام‪ .‬ليس‬

‫انسحابا تكتيكيا هذه المرة بل هو عزوف كلي عنها‪.‬‬

‫هل بلغ به المرض إلى هذا الحد الذي أفقده صوابه؟‬

‫وإن كانت تشكك في حبه لها فهي من جهتها رفعت‬

‫المارقة‪.‬‬ ‫لمشاعرها‬ ‫وأذعنت‬ ‫أخيرا‬ ‫البيضاء‬ ‫الرايات‬

‫صدمت بهذا الصد العنيف ولم يكن في وسعها أن تتخذ‬

‫خطوة إضافية نحوه‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫وهي تجري في موج من الأفكار العاتية أحست‬

‫بيد تحط على كتفها‪ .‬التفتت مرتعبة فرأت أنه أحد‬

‫العمال في المستشفى‪:‬‬

‫‪ -‬هههه‪ ...‬آسف جدا‪ ...‬لم أقصد أن أرعبك‪.‬‬

‫‪ -‬ههههه‪ ...‬لا مشكلة‪...‬‬

‫كثيرا‪.‬‬ ‫لمى‬ ‫دكتورة‬ ‫يا‬ ‫إزعاجك‬ ‫أريد‬ ‫‪ -‬لا‬

‫وجدت هذه وأنا أفرز بقايا مخلفات المستشفى‬

‫قبل حرقها وتعقيمها‪.‬‬

‫‪ -‬ما هذه؟‬

‫‪ -‬لا أدري‪ .‬رأيتُ اسمك فقط عليها في الأعلى‪.‬‬

‫ليس من حقي أن أقرأ ما فيها‪ .‬قلت في نفسي‬

‫أنه من الممكن أن يكون عامل التنظيفات قد‬

‫رماها خطأ وربما أنت تبحثين عنها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬لا أعرفها‪ ...‬غريب‪ ...‬على العموم أشكرك‪.‬‬

‫‪ -‬واجبي‪ ،‬أستأذن الآن‪.‬‬

‫على‬ ‫مباشرة‬ ‫عيناها‬ ‫فوقعت‬ ‫الورقة‬ ‫أمسكت‬

‫التوقيع‪ .‬لم تصدق ما تراه‪ .‬إنها تحمل اسم عمر الذي‬

‫صدر اسمه بقوله‪ " :‬الرجل الذي أحبك بصمت"‪.‬‬

‫التهمت كلمات الرسالة بعيونها وغاب كل شيء سواها‬

‫عن دائرة وعيها‪ .‬كان في منتهى الصراحة وكأنه فتح‬

‫الباب بغتة أمام كلمات مخنوقة محبوسة وراءه فاندفعت‬

‫دون وازع ولم يستطع أن يمسك بأفرادها‪ .‬أنهت‬

‫قراءتها ثم قالت بصوت شبه مسموع‪:‬‬

‫‪ -‬وأنا أحبك يا عمر‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫مؤاتيا‬ ‫الوقت‬ ‫فوجدت‬ ‫ساعتها‬ ‫إلى‬ ‫نظرت‬

‫للاتصال بصديقتها الممرضة لورا في قسم العناية في‬

‫الشمال‪.‬‬

‫‪ -‬آلو‪.‬‬

‫‪ -‬آلو‪ .‬لمى! كيف حالك؟‬

‫‪ -‬بخير الحمد لله‪ .‬وأنت؟‬

‫‪ -‬نشكر الله‪.‬‬

‫‪ -‬أعتذر على إزعاجك في هذا الصباح المبكر‪.‬‬

‫الأمر‬ ‫اليومين‪.‬‬ ‫هذين‬ ‫في‬ ‫منطقتكم‬ ‫سأقصد‬

‫ضروري‪ .‬هل تعرفين عنوان بيت عمر؟‬

‫‪ -‬في الحقيقة‪ ...‬هو عندنا الآن في قسم العناية!‬

‫‪ -‬لماذا؟!‬

‫‪61‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫‪ -‬ساءت حالته كثيرا مع الأسف‪ .‬أصبح يغيب‬

‫ساعات ثم يعود وعيه ساعات أخرى‪ .‬الأطباء‬

‫قالوا إن أيامه باتت معدودة وربما أقل!‬

‫‪ -‬يا إلهي! سآخذ إجازة اليوم وأنطلق مباشرة‪.‬‬

‫‪ -‬كلا! لا تفعلي! ستؤذينه إذا رآك يا لمى‪.‬‬

‫‪ -‬لماذا؟! ماذا تقولين؟!‬

‫‪ -‬اسمعيني‪ ...‬أخبرني بكل شيء!‬

‫‪ -‬لا أفهم!!!!‬

‫‪ -‬لمى‪ ...‬لا تنفعلي رجاء! من أجله هو لا تأتي‪.‬‬

‫‪ -‬حسنا‪ ...‬هدأت‪ ...‬ماذا قال لك؟‬

‫‪ -‬باح لي بحبه لك ليلة البارحة عندما كنت أغير‬

‫ك مع رجل آخر‬
‫له المصل‪ .‬وأخبرني كيف رآ ِ‬

‫عندما كان عندكم في بيروت‪ .‬ورآه يقبلك على‬

‫جبينك فكره كل شيء حتى نفسه‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫تذكرت أنها التقت بأخيها الطبيب في ذلك اليوم‬

‫عندما قاطعتهما ممرضة الطوارئ وأعلمتها بأنه ثمة من‬

‫يسأل عنها‪ .‬كانت تنتظر منه مفاتيح السيارة فقد‬

‫أوكلته بإصلاح عَجَلتها‪ .‬صرخت‪:‬‬

‫‪ -‬إنه ليس عشيقي‪ ...‬إنه أخي! إنه أخي! أنا‬

‫قادمة‪...‬‬

‫استأذنت رئيس قسم الطوارئ وأخبرته بشدة‬

‫حاجتها إلى التغيب هذين اليومين على الأقل‪ .‬وهي‬

‫تقود كالبرق وضعت نصب عينيها أسوأ الاحتمالات‪:‬‬

‫هل ستصل متأخرة؟ أم ستصل ويبقى في غيبوبته؟‬

‫هل سيتصارحان أخيرا وجها لوجه؟ وعينا لعين؟ هل‬

‫ستوضح له ما رأى أم يموت حاملا لمرارة سببتها هي؟‬

‫***‬

‫‪63‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أخذ بسام يتجول في باحة الانتظار خارج قسم‬

‫العناية وهو يل كم الحائط غيظا‪.‬‬

‫‪ -‬يا لها من حياة قاسية يا أمي! عندما أصبحت‬

‫قادرا على تسديد كلفة عملية الزرع أخبرونا‬

‫بعدم توفر رئات حاليا‪ .‬الوقت ليس في صالحنا!‬

‫‪ -‬الله يرضى عنك يا ولدي‪ .‬لا يسعني إلا أن‬

‫أقول لا حول ولا قوة إلا بالله‪ .‬لم تقصر في‬

‫حق أخيك‪ .‬أرجو أن يقوم بالسلامة‪.‬‬

‫وفجأة‪ ،‬اصطدم بهما عدد من الأطباء والممرضين‬

‫يركضون في الممر باتجاه الطوارئ‪ .‬قالت أم بسام‪:‬‬

‫‪ -‬ما الذي يحدث؟ عسى أن يكون خيرا‪.‬‬

‫‪ -‬سأستطلع الأمر وأعود‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫رأى الحارس قرب مدخل الطوارئ فسأله‪:‬‬

‫‪ -‬ما الذي يحدث؟‬

‫‪ -‬لا أدري تماما‪ .‬سمعت أنه شخص تعرض‬

‫لإطلاق نار‪.‬‬

‫‪ -‬استر يا رب‪.‬‬

‫كل الطاقم الطبي الموجود في القسم توجه لإنقاذ‬

‫هذا الشخص‪ .‬وبعد قرابة الساعة‪ ،‬أجمع الأطباء على‬

‫أنهم أمام حالة موت دماغي‪ .‬الرصاصة اخترقت‬

‫الرأس وتسببت بأضرار كبيرة في الدماغ‪.‬‬

‫***‬

‫بعد أيام عديدة‪ ،‬استيقظ عمر بسبب ألم شديد يمزق‬

‫صدره عندما ذهب مفعول المنومات والمسكنات‪ .‬ألقى نظرة‬

‫‪65‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫على موضع الألم فوجد جرحا يمتد على طول صدره العاري‪.‬‬

‫أحس بأن ضلوعه مشققة ومنكسرة تحت هذا الجرح‪ .‬تمل كه‬

‫خوف شديد فلم يكن يعرف ما يجري‪ .‬ماذا يحصل؟ أين‬

‫أنا؟ أين لمى؟ أين حبيبته؟ ما هذا الجرح؟ هل أنا حي؟ هل‬

‫هذه حقيقة؟ ما هذا الكابوس؟‬

‫رأى شخصا متوجها إليه زاد من بشاعة هذا الكابوس‬

‫الأليم‪ .‬إنه ذاته الرجل الذي رآه يقبل لمى‪ .‬ذلك الرجل‬

‫الذي حقد عليه وتمنى لو يخنقه بيديه‪ .‬بدأ يصرخ‪:‬‬

‫أنت؟ لا تتركيني!‬
‫‪ -‬لمى! لمى! أين ِ‬

‫أجابه الرجل‪:‬‬

‫‪ -‬لا تقلق‪ .‬لمى لن تتركك أبدا بعد اليوم‪ .‬إنها حية‬

‫تعيش في داخلك روحا وجسدا‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫ثم أجهش بالبكاء‪.‬‬

‫‪ -‬من أنت؟ وماذا تريد؟! ارحل عن وجهي‪ ...‬لمى!‬

‫‪ -‬أنا أخوها يا عمر‪ .‬لقد أنقذتك لمى من جديد‪.‬‬

‫تعرضت لإطلاق نار من جهة مجهولة‪ .‬اتصلوا بنا من‬

‫المستشفى وأخبرونا عن الحادثة في يومها‪ .‬يا عمر!‬

‫وصلتُ مع أبوي إلى هنا فوجدناها قد رحلت إلى‬

‫ربها ولم تنس أن تترك هدية للرجل الذي تحب‪.‬‬

‫أخبرتني الممرضة لورا عما حدث بينكما‪ .‬وهبتك‬

‫رئتيها لتتنفس بهما هواء الحب‪ .‬لتعيش بهما أسمى‬

‫معاني العشق‪ .‬لم تشأ أن تفارقك بالكلية فاحفظ لها‬

‫الجميل وتمتع بالحياة التي منحتك وبالأمل الذي‬

‫أعطتك‪ .‬الحياة تنتظرك يا حبيبي‪ .‬لا أكذب عليك‬

‫فأنا حزين جدا ل كني أعزي نفسي بأن قطعة من‬

‫‪67‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫أختي ستبقى خالدة على هذه الأرض وأنها لقيت ما‬

‫تمنت طول حياتها‪ .‬أرادت دوما أن تسعف المرضى‬

‫وها هي تقدم نفسها لأجل ذلك‪ .‬أصررت على‬

‫التعرف عليك‪ .‬هل تسمح لي يا عمر بأن أضع‬

‫السماعة على صدرك لأسمع صوتها في الداخل؟‬

‫لأسمع زفيرها وشهيقها؟‬

‫بكى عمر ومد يديه ليعانق صاحبه الجديد والشلل قد‬

‫أصاب لسانه‪ .‬دخلت أمه فرحة مسرورة رغم الغصة التي في‬

‫داخلها فإذا بها تبكي لما رأت الرجلين على هذه الحالة‪ .‬قبلت‬

‫يدي ابنها العائد إلى الحياة بحرارة شديدة‪ .‬سألها عن أخيه‬

‫فطمأنته بأنه في عمل هام في الجنوب سيطول قليلا واضطر‬

‫إلى الذهاب إليه بعد أن أمن عليه هو‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫وبعد أيام‪ ،‬تصدرت الصحف أخبار القبض على أكبر‬

‫رئيس عصابة في الشمال مع عدد من رجاله‪ .‬إنه بسام الذي‬

‫رفع النائب البرلماني الغطاء عنه هذه المرة إذ تجاوز كل‬

‫الحدود‪ .‬شكل مقتل لمى طرف الخيط الذي ف ُتحت من‬

‫خلاله كافة ملفاته‪ .‬فقد تحدث الإعلام كثيرا عن هذه‬

‫الحادثة كونها انتهت بتبرع الضحية برئتيها وانقاذ حياة شخص‬

‫آخر‪ .‬لذلك عملت أجهزة الأمن بكل طاقتها ل كشف‬

‫ملابسات الحادث‪ .‬وكعادتهم في السرقة‪ ،‬كان رجاله قد‬

‫أوقفوا لمى على طر يق فرعية وهي تتجه إلى المستشفى لرؤ ية‬

‫عمر وحاولوا نهب المال الذي بحوزتها‪ .‬أطلقوا النار عليها بعد‬

‫أن قاومتهم بعنف‪ .‬من حسن الحظ أن أحد العابرين بسيارته‬

‫وجدها على الأرض تنزف دما فحملها مباشرة إلى أقرب‬

‫مستشفى‪ .‬لم يتوقع بسام أن تطالها يد رجاله هي بالذات‪.‬‬

‫ل كن مقولته قد تحققت‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫"يا لها من حياة قاسية يا أمي!"‬

‫بقلم أحمد السبع أعين‬

‫‪ 12‬نوفمبر ‪2017‬‬

‫‪70‬‬
‫| كرست ضليع‬

‫تمت‬

‫‪71‬‬
‫حقوق النشر والتوزيع محفوظة‬

‫ببلومانيا للنشر والتوزيع‬

You might also like