Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 36

‫برنامج دراسة متون التوحيد وأصول اإلميان‬

‫شرح منت األصول الستة‬

‫لشيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب رحمه اهلل‬

‫شرح الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه اهلل‬

‫‪2441/2/32‬هـ‬
‫اغبمد هلل كبمده ونستعينو ونستغفره ونتوب إليو‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫مضل لو‪ ،‬ومن يضلل فبل ىادي لو‪ ،‬وأشهد أ ّن ال إلو إالّ هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أ ّن‬ ‫يهده هللا فبل ّ‬
‫دمحماً عبده ورسولو صلى هللا وسلم عليو وعلى آلو وأصحابو أصبعُت‪ .‬وبعد‪:‬‬
‫الوىاب رضبو هللا ؛ صبع فيها أصوالً‬ ‫ِ‬
‫فبُت أيدينا رسالة قيّمة ـبتصرة لئلمام اجمل ّدد شيخ اإلسبلم دمحم بن عبد ّ‬
‫بياًن وافيا ‪ ،‬وذُكرت ؽبا الدالئل البينات والشواىد الواضحات يف‬ ‫وجل ً‬ ‫عز ّ‬ ‫ستة عظيمة بُيّنت يف كتاب هللا ّ‬
‫وجل وسنة رسولو ؛ حبيث كانت واضحة وضوحاً ال خفاء فيو‪ ،‬وظاىرة ظهوراً ال التباس فيو‪،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫كتاب هللا ّ‬
‫السويّة‪ ،‬وقد نصح ىذا‬ ‫الصواب وعن الطّريق ّ‬ ‫جادة ّ‬ ‫ضل فيها أكثر الناس واكبرفوا فيها عن ّ‬ ‫ومع ذلك فقد ّ‬
‫الرسالة اؼبشتملة على أصول ستة من أصول ىذا الدين اؼببينة يف الكتاب والسنة‬ ‫اإلمام رضبو هللا جبمعو ىذه ّ‬
‫مشَتاً إىل أمهّيتها وعظم شأهنا ومنبِّهاً يف الوقت نفسو على نوع االكبراف الذي وقع فيو أكثر النّاس فيما‬
‫يتعلّق هبذه األصول الستة ‪.‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫من أعجب العجاب وأكرب اآلايت الدالة على قدرة ادللك الغالب ستة أصول بينها هللا تعاىل بياان‬
‫واضحا للعوام فوق ما يظن الظانون ‪ ،‬مث بعد ىذا غلط فيو كثري من أذكياء العامل وعقالء بين آدم إال‬
‫أقل القليل ‪.‬‬
‫**************‬
‫نت يف كتاب هللا عز‬ ‫الستة‪ ،‬وأ ّهنا قد بُيِّ ْ‬ ‫الرسالة بذكر عظم شأن ىذه األصول ّ‬
‫الشيخ رضبو هللا بدأ ىذه ِّ‬ ‫ّ‬
‫وجل‪ ،‬وبُيِّنت يف سنّة رسولو صلى هللا عليو و سلم صلوات هللا وسبلمو عليو بياًنً وافياً‪ ،‬وقد ذكر رضبو هللا‬
‫الرقم يف بداية حديثو عن‬ ‫ِ‬
‫أصول ستّةٌ‪ ،‬وذكره رضبو هللا ؽبذا ّ‬ ‫ىذه األصول وأشار يف بداية حديثو عنها أهنا ٌ‬
‫نثرا دون‬ ‫ىذه األصول الستة نوع من اإلعانة لطالب العلم على ضبط العلم ‪ ،‬فلو أنو ذكر ىذه األصول ً‬
‫إشارة إىل رقم جيمعها ردبا ضعف ضبط طالب العلم ؽبا‪ ،‬لكن إذا قرأىا طالب العلم وعرف أهنا ستّة‬
‫ث َم ْن ُكن فِ ِيو))‪،‬‬ ‫النيب يف سنتو عليو الصبلة والسبلم؛ قال‪(( :‬ثََبل ٌ‬ ‫استجمع ذىنو لضبطها؛ وىذا من ىدي ّ‬
‫اعبَنةَ‪:‬‬ ‫اض َمنُوا ِِل ِستًّا ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم أ ْ‬
‫َض َم ْن لَ ُك ُم ْ‬ ‫ان))‪ ،‬وقال‪ْ (( :‬‬ ‫اإلديَ ِ‬ ‫ث َم ْن ُكن فِ ِيو و َج َد َح َبلوةَ ِْ‬ ‫وقال‪(( :‬ثََبل ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ص َارُك ْم‪َ ،‬وُك ُّفوا‬
‫ضوا أَبْ َ‬‫وج ُك ْم‪َ ،‬وغُ ُّ‬ ‫اص ُدقُوا إِ َذا َحدثْتُ ْم‪َ ،‬وأ َْوفُوا إِ َذا َو َع ْد ُُْت‪َ ،‬وأ َُّدوا إِ َذا ْاؤُسبْن تُ ْم‪َ ،‬و ْ‬
‫اح َفظُوا فُ ُر َ‬ ‫ْ‬
‫((اجتَنِبُوا السْب َع الْ ُموبَِقات))‪ .‬فيأيت عنو عليو الصبلة والسبلم مثل‬ ‫ِ‬
‫أَيْديَ ُك ْم))‪ ،‬وقال عليو الصبلة والسبلم‪ْ :‬‬
‫ىذا كثَت‪ ،‬فبل يذكر األمور نثراً وإّّنا يذكر ؽبا رقم حيويها حبيث تُضبط اؼبسائل اؼبقصود بياهنا واألصول‬

‫‪1‬‬
‫اؼبقصود تقريرىا وإيضاحها؛ وؽبذا قال رضبو هللا ستة أصول‪.‬‬
‫وقولو (أصول)؛ األصل‪ :‬ىو ما يُبٌت عليو غَته‪ ،‬وىو األساس لغَته‪ ،‬وىذا تنبيو من اؼبصنِّف رضبو هللا إىل أ ّن‬
‫ضل فيها أكثر النّاس‪.‬‬‫ىذه من األصول الكبار والقواعد اعبوامع الكليّة‪ .‬ومع أهنا أصول وقواعد إال أنو قد ّ‬
‫الشديد الذي طرحو رضبو هللا متعجبا وطرحو أيضا لطالب العلم‬ ‫عجب ّ‬ ‫الرسالة ابلتّ ّ‬ ‫وبدأ رضبو هللا ىذه ّ‬
‫ليشاركو يف التعجب والتّ ّأمل يف ىذا األمر؛ وؽبذا بدأ الرسالة بقولو ((من أعجب العجاب)) أي من أش ّد‬
‫األمور إاثرة للعجب يف األذىان‪.‬‬
‫((وأكرب اآلايت ال ّدالة على قدرة ادللك الغالّب)) الحظ اآلن نبو على أمرين‪ :‬نبّو على أ ّن األصول اآليت‬
‫تدل‬
‫دل على أمر عجيب ج ّداً يف حال النّاس وواقعهم‪ .‬و ّ‬ ‫تقريرىا مع ـبالفة أكثر الناس ؽبا رغم وضوحها ت ُّ‬
‫أيضاً يف الوقت نفسو على كمال قدرة هللا سبحانو وتعاىل‪.‬‬
‫اؼبتصرف يف ىذا الكون عطاءً ومنعاً‪،‬‬ ‫((على قدرة ادللك الغالّب)) ؛ «اؼبلك» ‪ :‬أي الذي بيده اؼبلك ‪ِّ ،‬‬
‫يعز ويذل‪ ،‬وخيفض ويرفع ‪ ،‬ويعطي ودينع ‪ ،‬ويهدي ويضل‪ .‬الذي يتأمل ىذه‬ ‫خفضاً ورفعاً‪ ،‬قبضاً وبسطاً‪ّ ،‬‬
‫األصول الستة وواقع الناس معها تدلو على كمال قدرة اؼبلك الغبلب ؛ «الغبلّب» كما قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫ب َعلَى أ َْم ِرهِ ‪ :‬أي حكمو‬ ‫ِ‬ ‫ب َعلَى أ َْم ِرهِ َولَ ِكن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َال يَ ْعلَ ُمو َن [يوسف‪َ ، ]ٕٔ :‬غال ٌ‬ ‫{واّللُ َغال ٌ‬ ‫َ‬
‫يتصرف يف فبلكتو ويف ـبلوقاتو كيف شاء‪ ،‬ويدبّرىا تبارك وتعاىل‬ ‫ًنفذ‪ ،‬ال مع ّقب غبكمو وال ر ّاد لقضائو‪ّ ،‬‬
‫{ما‬
‫مضل لو ‪ ،‬ومن يضلل فبل ىادي لو‪َ ،‬‬ ‫كما يريد‪ ،‬ما شاء كان وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬من يهده هللا فبل ّ‬
‫ك فَ َبل ُم ْرِس َل لَوُ ِم ْن بَ ْع ِدهِ [فاطر‪ .]ٕ :‬فاألمر بيده تبارك‬
‫ك َؽبَا َوَما ديُْ ِس ْ‬
‫اس ِم ْن َر ْضبٍَة فَ َبل فبُْ ِس َ‬‫يَ ْفتَ ِح اّللُ لِلن ِ‬
‫الشمس‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫الستة واضحة وبيّنة وضوح ّ‬ ‫وتعاىل ‪ .‬ومن ال ّدالئل على أ ّن األمر بيده ىذه األصول ّ‬
‫الشديد‪،‬‬‫السويّة؛ فهذا أمر مدعاة للتعجب ّ‬ ‫اعبادة ّ‬
‫السبيل وينحرفون عن ّ‬ ‫يضل أكثر النّاس فيها عن سواء ّ‬ ‫ّ‬
‫ويف الوقت نفسو فيو داللة على قدرة هللا وكمال ملكو‪ ،‬وأنّو سبحانو وتعاىل غالب على أمره‪ ،‬وأن حكمو‬
‫ًنفذ وأن األمور بيده تبارك وتعاىل ‪ ،‬حيكم يف خلقو دبا يشاء ويقضي فيهم دبا يريد ‪ ،‬ال معقب غبكهم وال‬
‫راد لقضائو تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وأكرب اآلايت ال ّدالة على قدرة ادللك الغالّب ستة أصول بيّنها هللا تعاىل بياانً واضحاً للعوام‬
‫ِ‬
‫الستة‪ ،‬ووضوح‬ ‫فوق ما يظن الظّانون)) انظر ىنا إىل أتكيد اؼبصنّف رضبو هللا على وضوح ىذه األصول ّ‬
‫وجل وسنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم ؛ قال‪(( :‬بيّنها هللا بياًنً واضحاً)) أي جعلها‬ ‫عز ّ‬ ‫بياهنا يف كتاب هللا ّ‬
‫لكل أحد ‪ ،‬ليس فيها خفاء وال يكًتثها غموض‪ ،‬وال يبلبسها‬ ‫ليست ملتبسة‪ ،‬واضحة أي ظاىرة ّ‬ ‫ْ‬ ‫أموراً بيّنة‬
‫وجل‪ ،‬وكذلك يف سنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم‪.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫تعقيد‪ ،‬بل ىي واضحة ظاىرة يف كتاب هللا ّ‬
‫ابلراسخُت يف العلم بل ىي‬ ‫ـبتصاً أبىل العلم أو ّ‬‫((بياانً واضحاً للعوام)) أي أن وضوح ىذه ليس أمراً ّ‬

‫‪2‬‬
‫واضحة للعوام ؛ فضبلً عمن ىو أرفع منهم وأعلم منهم وأفقو منهم‪ ،‬واضحة للعوام سباماً ((فوق ما يظنو‬
‫ظن‪ ،‬قد يظنها اإلنسان واضحة لكن وضوحها القوي الظاىر البُت‬ ‫الظانون)) يعٍت وضوحها فوق ما قد يُ ّ‬
‫يتأمل اؼبسلم أنواع األدلة‬
‫الشيخ رضبو هللا؟ عندما ّ‬‫فوق ما يظنو الظانون ‪ ،‬ومىت يظهر ىذا اؼبعٌت الذي قالو ّ‬
‫الواردة يف الكتاب والسنة يف تقرير ىذه األصول ‪ ،‬وأهنا أقيمت عليها اغبجج البيّنات أبنواع من األدلة ؛‬
‫تنوع األدلة‪ ،‬وال من حيث أيضا كثرة‬ ‫ظن ‪ ،‬ال من حيث ّ‬ ‫حبيث أن ىذا البيان ؽبذه األصول فوق ما قد يُ ّ‬
‫عددىا‪.‬‬
‫األصل األول الذي سيأيت اغبديث عنو قال ابن القيم رضبو هللا إن عامة آايت القرآن يف تقريره ؛ الذي ىو‬
‫اإلخبلص والتحذير من الشرك قال بل كل آية يف القرآن فيها تقرير للتوحيد ‪ ،‬فالشاىد أن ىذه األصول‬
‫بينت بياًن واضحا ال خفاء فيو ‪ ،‬ليس ىذا البيان ألىل العلم أو للراسخُت يف العلم بل للعوام حبيث يفهمها‬
‫كل من يفهم اللسان العريب الذي أنزل بو القرآن الكرمي‬
‫((مث بعد ىذا كلو غلط فيها كثري من أذكياء العامل)) أي رغم وضوحها الشديد وبياهنا البُت وكوهنا ال‬
‫خفاء فيها وال التباس ؛ مع ذلك كلو غلط كثَت من أذكياء العامل ‪ ،‬ىنا قولو‪(( :‬غلط فيها)) ىنا العجب ‪،‬‬
‫وىنا ظهور اآلية اليت قال‪(( :‬آايت دالة على قدرة اؼبلك)) ‪ ،‬فهنا العجب ‪ ،‬تعجب غاية العجب عندما‬
‫كل ما سبشي خطوتُت‬ ‫يكون ىناك طريق يوصل إىل البلد اؼبقصود‪ ،‬واللوحات اإلرشاديّة للطريق كثَتة ج ّداً‪ّ ،‬‬
‫ذبد لوحة إرشاديّة‪ .‬طريق مكة وسهم يشَت إليو‪ ،‬مث سبضي والطريق أيضاً ذبد السهم يشَت‪ ،‬مث سبضي وذبد‬
‫السهم يشَت ‪ ،‬مث يف الوقت نفسو ذبد كثَتاً من الناس يريدون مكة ولكنهم أيخذون ذات اليمُت وذات‬
‫أتملت وضوح الطّريق وكثرة‬ ‫الشمال يضيعون ويضلون وينحرفون!! ىذا أمر يف غاية العجب؛ ألنّك إذا ّ‬
‫اللّوحات اإلرشادية الدالة عليو مث نظرت أكثر النّاس ينحرفون عنو‪ ،‬مث تتساءل تقول‪ :‬ىل الطريق غَت‬
‫واضح؟ ستقول لك نفسك‪ :‬وىل أوضح من ىذا؟ ىل أزيَد من ىذا الوضوح؟ ما أمشي خطوة أو خطوتُت‬
‫إال وأجد لوحة إرشادية تدل وتوضح ؛ فهذا أمر يف غاية العجب ‪،‬كثرة الدالئل واغبجج والرباىُت‪ ،‬مث يف‬
‫الضالُت ‪ ،‬فهذا أمر فيو مثار للعجب والتعجب‪ ،‬وفيو أيضاً داللة على‬ ‫الوقت نفسو كثرة اؼبنحرفُت والزائغُت و ّ‬
‫أ ّن األمور بيد هللا سبحانو وتعاىل‪ .‬األمور بيد هللا‪ ،‬اؽبداية بيد هللا‪ ،‬االستقامة بيد هللا‪ ،‬صبلح العبد بيد هللا‪،‬‬
‫ايب قيل لو‪ :‬دبا‬
‫كل األمور بيده تبارك وتعاىل ‪ ،‬وقد ُسئل أعر ٌّ‬ ‫توفيقو بيد هللا‪ ،‬سلوكو للطريق القومي بيد هللا‪ّ ،‬‬
‫ريب هبذا‪ ،‬أ ّن عزمي على شيء أو مهّيت على أمر من‬ ‫فت ّ‬ ‫فت ربك؟ قال‪" :‬بنقض العزائم وحل اؽبمم" ؛ عر ُ‬ ‫عر َ‬
‫األمور تنتقض‪ ،‬وأذبو إىل غَته وأًن عازم إىل أمر معُت وإذا يب أتوجو إىل آخر ‪ ،‬فهذا يدل على أ ّن األمور‬
‫بيد هللا تبارك وتعاىل‪ .‬وليس ىذا معناه أن العبد ال مشيئة لو وال اختيار‪ ،‬بل للعبد مشيئة يدل عليها‬
‫أتمل اإلنسان واقعو‬‫السبلم ويدل عليها واقع اإلنسان ‪ ،‬لو ّ‬ ‫الصبلة و ّ‬‫النّصوص يف كتاب هللا وسنة نبيّو عليو ّ‬

‫‪3‬‬
‫الشر ‪ ،‬ومشيئة ربت‬ ‫وحياتو وأموره جيد أن عنده مشيئة واضحة‪ ،‬عنده مشيئة خيتار هبا طريق اػبَت وطريق ّ‬
‫ُت‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫مشيئة هللا قال تعاىل‪{ :‬لِ َم ْن َشاءَ ِمْن ُك ْم أَ ْن يَ ْستَ ِق َيم (‪َ )ٕٛ‬وَما تَ َشاءُو َن إِال أَ ْن يَ َشاءَ اّللُ َر ُّ‬
‫[التكوير‪.]ٕٜ – ٕٛ :‬‬
‫قال‪(( :‬غلط فيها كثري من أذكياء العامل)) وىذا فيو داللة على أ ّن ال ّذكاء وحده ال يكفي العبد يف استقامة‬
‫أموره وصبلح أحوالو‪ ،‬فكم فبن ذكاؤىم مفرط وذىنهم وقّاد وفهمهم قوي لكنّهم يضلون {ي علَمو َن ظَ ِ‬
‫اىًرا‬ ‫َْ ُ‬ ‫ّ‬
‫اغبَيَاةِ الدُّنْيَا َوُى ْم َع ِن ْاآلَ ِخَرةِ ُى ْم َغافِلُو َن [الروم‪ .]ٚ :‬ذبده يف غاية ال ّذكاء ذكاؤه خارق ذكاء قوي‬ ‫ِم َن ْ‬
‫أىم أمر ُخلق ألجلو وُوجد لتحقيقو ليس عنده منو خرب ‪ ،‬بل تُعرض عليو حجج واضحات‬ ‫جدا‪ ،‬لكن ّ‬
‫ودالئل مقنعات فَتفضها وأيابىا وال يقبلها ! ال لكونو ال يفهم ‪ ،‬بل ىو ذكي يفهم أمور دقيقة وأمور عسرة‬
‫الفهم ذبده يفهمها‪ ،‬مث يُعرض عليو أبُت األمور وأوضحها فبل يفهمها وال تقبلها نفسو وأتيب قبوؽبا‪.‬‬
‫قال‪(( :‬ومع ذلك غلط فيها كثري من أذكياء العامل وعقالء بين آدم)) وىؤالء الذين وصفهم الشيخ رضبو‬
‫هللا ابل ّذكاء ىم يف اغبقيقة أوتوا كما يقول شيخ اإلسبلم ابن تيمية «أوتوا ذكاءً ومل يؤتوا زكاءً‪ ،‬وأوتوا فهوماً‬
‫ومل يؤتوا علوماً» ؛ فما أغٌت عنهم ذكاؤىم وال أغنت عنهم عقوؽبم وال انتفعوا هبا‪ ،‬وإذا كان عنده انتفاع‬
‫بعقلو فانتفاعو بو ؿبمود ينتهي دبوتو وليس لعقلو شبرة بعد موتو؛ وؽبذا يندم أىل النار غاية النّدم لعدم‬
‫{وقَالُوا لَ ْو ُكنا نَ ْس َم ُع أ َْو نَ ْع ِق ُل َما ُكنا‬
‫دت لتحقيقو ويقولون ًندمُت‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫استعماؽبم لعقوؽبم فيما ُخلقت لو وأُوج ْ‬
‫ِيف أَصح ِ ِ‬
‫اب السع َِت [اؼبلك‪ .]ٔٓ:‬لكن فساد العقل واكبرافو يفضي ابإلنسان إىل ىذا ّ‬
‫الزلل‪.‬‬ ‫َْ‬
‫اس َولَْو‬ ‫{وَما أَ ْكثَ ُر الن ِ‬ ‫قال‪(( :‬إالّ أقل القليل)) أي أ ّن أكثر النّاس ضلوا يف ىذا الباب‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫{وَما يُ ْؤِم ُن‬ ‫حرصت ِدبُؤِمنُِت [يوسف‪ .]ٖٔٓ :‬وقال‪{ :‬وقَلِ ِ ِ ِ‬
‫ور [سبأ‪ ، ]ٖٔ:‬وقال‪َ :‬‬ ‫ي الش ُك ُ‬
‫يل م ْن عبَاد َ‬
‫َ ٌ‬ ‫ََ ْ َ ْ َ‬
‫أَ ْكثَ ُرُى ْم ِابّللِ إِال َوُى ْم ُم ْش ِرُكو َن [يوسف‪ ]ٔٓٙ :‬واآلايت يف ىذا اؼبعٌت كثَتة‪ .‬فأقل القليل ىم الذين ُىدوا‬
‫السبيل‪.‬‬‫إىل صراط هللا اؼبستقيم واستقاموا على اعبادة السوية‪ ،‬وأكثر الناس ضلّوا عن سواء ّ‬
‫واؼبؤلف رضبو هللا قصد هبذه اؼبقدمة أن ينبّو طالب العلم على أمهية ىذه األصول الستة وعظيم مكانتها ‪-‬‬
‫الصادق على هللا تبارك وتعاىل أن يهديو وأن يثبّت‬ ‫ىذا من جهة‪ -‬وأن ينبو طالب العلم على ضرورة إقبالو ّ‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫النيب صلى هللا عليو و سلم ‪(( :‬اي مقلّب القلوب ثبِّ ْ‬ ‫قلبو وأن ال يزيغو عن سواء الصراط‪ ،‬ومن دعوات ّ‬
‫أنبت‪ ،‬وبك‬ ‫لت وإليك ُ‬ ‫آمنت وعليك توّك ُ‬ ‫أسلمت وبك ُ‬ ‫ُ‬ ‫قليب على دينك))‪ ،‬ومن دعواتو أيضاً‪(( :‬اللهم لك‬
‫اعبن واإلنس ديوتون))‪.‬‬ ‫اغبي الذي ال ديوت‪ ،‬و ّ‬ ‫بعزتك‪ ،‬ال إلو إالّ أنت أن تضلٍّت‪ ،‬فأنت ّ‬ ‫خاصمت‪ ،‬أعوذ ّ‬
‫وأراد أيضا أن ينبّو على ضرورة العناية هبذه اؼبسائل والعناية بضبطها وإتقاهنا‪ ،‬وأراد أن ينبو أن ال ّذكاء وحده‬
‫ال يكفي إذا مل يُرزق صاحبو ال ّسداد والتوفيق من هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬فبل يغًت اإلنسان دبا عنده من ذكاء وما‬
‫الشبهات‬ ‫لديو من نباىة ‪ ،‬فكم من ذكي مل ينتفع بذكائو ومل يستفد منو‪ ،‬وأراد أن ينبّو أيضاً على خطورة ّ‬

‫‪4‬‬
‫وزبل ابلعقول وتفسد‬ ‫الضرر ألهنا تقلِب اغبقائق وزبلط األوراق وتُردي ابلناس ُ‬
‫وأهنا تُضر ابلناس غاية ّ‬
‫أضرت‬
‫أضرت بعقيدتو ‪ّ ،‬‬ ‫األذىان‪ ،‬فالشبهات غاية يف اػبطورة‪ ،‬وإذا أصغى اإلنسان للشبهة وأعطاىا ظبعو ّ‬
‫أضرت بصلتو بربّو تبارك وتعاىل‪ .‬فهنا تنبيو من اؼبصنّف لطالب العلم أالّ خياطر بدينو بسماعو‬‫بعبادتو‪ّ ،‬‬
‫ملقن حجتو كما قال السلف رضبهم‬ ‫للشبهات ومطالعتو ؽبا؛ أل ّن الشبهات خطَتة ج ّداً وصاحب البدعة ٌ‬
‫هللا؛ أي يشبِّو على الناس ويلبّس عليهم‪ ،‬فمن أرخى لنفسو العِنان يف ظباع الشبهات واإلصغاء إليها‬
‫أئمة‬
‫تضرين‪ ،‬فقد كان ّ‬‫أفسدت قلبو‪ ،‬وال يقول اإلنسان يف ىذا اؼبقام‪ :‬أًن عندي ذكاء وعندي عقل أميّز وال ّ‬
‫ْ‬
‫السلف وعلماء السنة رضبهم هللا آاتىم هللا عز وجل من العلم والفهم وال ّذكاء وما كانوا يصغون إىل ِ‬
‫ؾبادل‬ ‫ّ‬
‫وال يصغون ألرابب الشبهات وأىل األىواء وال يتيحون ؽبم اغبديث يف ؾبالسهم‪ ،‬حىت وال نصف كلمة‬
‫كما جاء عن بعضهم ‪ ،‬كل ذلك حفظا للدين وؿبافظة عليو وصيانة لو من الزلل‪ ،‬فهذه كلّها أمور ينبو‬
‫عليها اؼبصنّف رضبو هللا بُت يدي ذكره ؽبذه األصول الستة العظيمة ‪.‬‬

‫قال رضبو هللا تعاىل ‪:‬‬


‫األصل األول‪:‬إخالص الدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو ‪ ،‬وبيان ضده الذي ىو الشرك ابهلل‪ ،‬وكون‬
‫أكثر القرآن يف بيان ىذا األصل من وجوه شىت بكالم يفهمو أبلد العامة ‪ ،‬مث دلا صار على أكثر األمة‬
‫ما صار أظهر ذلم الشيطان اإلخالص يف صورة تنقص الصاحلني والتقصري يف حقوقهم ‪ ،‬وأظهر ذلم‬
‫الشرك ابهلل يف صورة زلبة الصاحلني واتباعهم ‪.‬‬
‫***********‬
‫األول‪ :‬إخالص ال ّدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو)) بدأ ىذه األصول هبذا‬ ‫قال رضبو هللا ‪(( :‬األصل ّ‬
‫األصل العظيم ألنو أصل األصول وبقية األصول تبع لو‪ ،‬واكتسبت أمهيتها من جهتُت ‪ :‬ألهنا أصول تعُت‬
‫على ربقيق ىذا األصل ‪ ،‬فاؼبقصود أصالة ىذا األصل‪ ،‬وىو الغاية اليت ُخلق الناس ألجلها وأوجدوا‬
‫لتحقيقها ‪ ،‬مث األصول اآلتية ىي أصول من جهة أهنا معينة على ربقيق ىذا األصل الذي ىو اإلخبلص هلل‬
‫تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫((إخالص ال ّدين هلل)) ومعٌت اإلخبلص هلل تبارك وتعاىل ‪ :‬أي أن أييت العبد ابل ّدين خالصاً هلل جل وعبل ‪،‬‬
‫أي نقياً صافيا مل جيعل مع هللا تبارك وتعاىل فيو شريك؛ أل ّن معٌت اػبالص يف لغة العرب‪ :‬أي الصايف النّقي‬
‫{وإِن لَ ُك ْم ِيف ْاألَنْ َع ِام‬
‫‪ ،‬ما ال شائبة فيو تكدره‪ .‬ويوضح لنا معٌت اإلخبلص من حيث اللغة قول هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫ُت [النحل‪ .]ٙٙ :‬فقولو {لَبَنًا‬ ‫ِ ِ‬
‫صا َسائغًا للشا ِربِ َ‬
‫ِ‬ ‫لَعِْب رًة نُس ِقي ُكم ِفبا ِيف بطُونِِو ِمن ب ْ ِ ٍ ٍ‬
‫ُت فَ ْرث َوَدم لَبَنًا َخال ً‬‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ‬

‫‪5‬‬
‫صا وصف اللّنب أبنو خالص‪ ،‬واؼبعٌت أي صايف نقي‪ ،‬وأخرب تبارك وتعاىل أن ىذا اللّنب اػبالص قد‬ ‫ِ‬
‫َخال ً‬
‫خرج من بُت فرث ودم ‪،‬حىت قال بعض أىل اػبربة‪ :‬إ ّن خروجو من بُت الفرث وال ّدم يكون عند اغبلب ويف‬
‫وقتو‪ .‬ومن ال ّدالئل على ذلك من حيث الواقع أ ّن الناقة على سبيل اؼبثال إذا أراد صاحبها حلبها أييت إىل‬
‫أدرت اغبليب مث حلب ‪،‬‬ ‫ثديها فيحلب ال جيد حليباً‪ ،‬فإذا قرب ولدىا منها ونظرت إىل ولدىا عند ضرعها ّ‬
‫فيحلب من جهة وولدىا يرضع من جهة أخرى ‪ ،‬خيرج اغبليب من بُت فرث ودم صفتو خالص‪ ،‬ومعٌت‬
‫خالص‪ :‬أي ال ترى فيو نقطة دم وال ترى فيو قطعة فرث وىو للتو خرج من بُت الفرث والدم وال ترى فيو‬
‫قطرة دم وال قطعة دم ‪ ،‬صايف مص ّفى نقي من ّقى‪ ،‬أخرجو هللا تعاىل هبذه الصفة خالصاً ‪ ،‬مث جعلو أيضاً‬
‫طعما لذيذاً مع علمو من‬ ‫سبحانو وتعاىل سائغاً ‪ ،‬مع علم اإلنسان دبخرجو لكنو يستسيغو ويستلذه ويرى لو ً‬
‫الصايف النّقي الذي ال شائبة فيو‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صا أي صافيا نقيّاً‪ ،‬فاػبالص‪ :‬ىو ّ‬ ‫الشاىد قولو‪َ { :‬خال ً‬ ‫أين خرج‪ّ .‬‬
‫فاللّنب ؼبا مل يكن فيو نقطة دم وقطعة فرث خرج صافيا ظبي هبذا االسم أو وصف هبذا الوصف «خالصاً»‬
‫أي صافيا نقيّا‪.‬‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ين [البينة‪ ،]٘:‬وقولو‪ { :‬أََال ّلل ال ّد ُ‬ ‫ُت لَوُ ال ّد َ‬‫وقول هللا تعاىل‪َ { :‬وَما أُم ُروا إِال ليَ ْعبُ ُدوا اّللَ ُْـبلص َ‬
‫الصايف النقي‪ .‬ما ال ّدين اػبالص؟ ىو ال ّدين الصايف النقي الذي مل يقصد‬ ‫ِْ‬
‫ص [الزمر‪ ]ٖ :‬اؼبعٌت‪ :‬أي ّ‬ ‫اػبَال ُ‬
‫التقرب‬
‫جل وعبل‪ ،‬وقصد ّ‬ ‫تقرب بو إال هلل‪ ،‬فإذا دخل نية العبد يف دينو ويف قرابتو سوى هللا ّ‬ ‫بو إال هللا‪ ،‬مل يُ ّ‬
‫الشرك‪ :‬عدل غَت هللا تبارك وتعاىل ابهلل ‪ ،‬فاؼبشرك‬ ‫إليو خرج من اإلخبلص ألنو مل يصبح صافياً ‪ ،‬وؽبذا كان ّ‬
‫خرج من اإلخبلص ألنو عدل غَت هللا ابهلل وسوى غَته تبارك وتعاىل بو يف إعطاء غَت هللا من حق هللا‬
‫الشرك نقيض اإلخبلص‪.‬‬ ‫وتبارك وتعاىل وخصائصو سبحانو ‪ ،‬وىذا نقيض اإلخبلص‪ّ ،‬‬
‫نعرف اإلخبلص دبعناه حبيث نقول‪ :‬اإلخبلص ىو ال ّدين الصايف النقي الذي مل يرد بو إالّ‬ ‫وؽبذا ديكن أن ِّ‬
‫هللا ‪.‬‬
‫وديكن أن نعرفو بنفي ضده‪ ،‬فنقول‪ :‬اإلخبلص ىو الذي ال شرك فيو‪.‬‬
‫والشرك نوعان‪ :‬نوعٌ ينايف التوحيد من أصلو‪ ،‬ونوعٌ ينايف كمالو الواجب‪.‬‬
‫‪ ‬نوع ينايف التوحيد من أصلو وىو الشرك األكرب الناقل من ملة اإلسبلم ؛ وىو تسوية غَت هللا ابهلل تبارك‬
‫وتعاىل فيما ىو من خصائصو تبارك وتعاىل‪ .‬والشرك يقع يف أنواع التوحيد الثبلثة‪ :‬الشرك يف الربوبيّة‪،‬‬
‫والشرك يف األلوىية‪ ،‬والشرك يف األظباء والصفات‪ ،‬فإعطاء غَت هللا شيئًا من خصائص هللا يف ربوبيتو‪ ،‬أو‬
‫ألوىيتو‪ ،‬أو أظبائو وصفاتو‪ ،‬ىذا شرك أكرب ًنقل من ملة اإلسبلم‪ ،‬واؼبعًتك بُت األنبياء وأقوامهم ىو يف‬
‫يقرون أبنو الرب اػبالق الرازق ‪ ،‬ومن أنكر منهم أنكر‬ ‫شرك العبادة‪ ،‬ما يتعلق ابإلقرار بربوبية هللا الغالب ّ‬
‫استَ ْي َقنَ ْت َها أَنْ ُف ُس ُه ْم [النمل‪{ ، ]ٔٗ:‬قَ َال‬ ‫ِ‬
‫{و َج َح ُدوا هبَا َو ْ‬‫على وجو اؼبعاندة واالستكبار كما قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ض [اإلسراء‪ .]ٕٔٓ :‬فغالب جحد من جحد‬ ‫ب السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت َما أَنْ َزَل َى ُؤَالء إال َر ُّ َ َ‬ ‫لََق ْد َعل ْم َ‬
‫‪6‬‬
‫عن استكبا ٍر ومعاندة ‪ ،‬واؼبعًتك يف ىذا الباب بُت األنبياء وأقوامهم يف ابب العبادة وإخبلصها هلل تبارك‬
‫وتعاىل وعدم جعل الشريك معو فيها‪.‬‬
‫الشرك األكرب‬
‫‪ ‬والنوع الثاين‪ :‬الشرك األصغر‪ :‬وىو كل ما جاء يف النصوص وصفو شركاً ومل يصل إىل رتبة ّ‬
‫الناقل من اؼبلة ؛كيسَت الرايء ‪،‬وكشرك األلفاظ‪ ،‬مثل حلف اإلنسان بغَت هللا ‪ ،‬وقولو ما شاء هللا وشئت‪،‬‬
‫وقولو لوال البط ألاتًن اللصوص ‪ ،‬وكبو ذلك من األلفاظ الشركية اليت يصدر من اإلنسان لفظها وال‬
‫يعتقد حقيقتها ومضموهنا من تسوية لغَت هللا تبارك وتعاىل ابهلل‪.‬‬
‫األول‪ :‬إخالص ال ّدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو)) إخبلص ال ّدين هلل أي إخبلص تدين‬ ‫قال‪(( :‬األصل ّ‬
‫العبد هلل وتدينو وتقربو هلل ابألعمال الصاغبات والطاعات الزاكيات‪ .‬إخبلص ال ّدين هلل‪ :‬أي ال لغَته ؛ أبن‬
‫قرب إليو ونيل رضاه سبحانو‬ ‫يقع العمل من العامل مبتغياً بو وجو هللا سبحانو وتعاىل ‪ ،‬ال يريد بو إالّ هللا والتّ ّ‬
‫وتعاىل ‪.‬‬
‫((إخالص الدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو)) منبّهاً اؼبصنف رضبو هللا هبذا إىل أ ّن اإلخبلص لو ركنان ال‬
‫يكون إال هبما ؛ ومها‪ :‬اإلثبات والنّفي‪ .‬اإلثبات يف قولو‪« :‬وحده»‪ ،‬والنفي يف قولو «ال شريك لو» فبل‬
‫يكون العبد ـبلصاً إالّ ابلنّفي واإلثبات ومها ركنا التوحيد‪ ،‬واإلخبلص قائم على ركنُت اإلثبات والنفي ‪،‬‬
‫عمن كل من سواه كما ىو واضح يف كلمة التوحيد «ال إلو إالّ‬ ‫إثبات العبادة بكل معانيها هلل وحده ونفيها ّ‬
‫فإهنا قائمة على ىذين الركنُت‪ :‬النفي واإلثبات‪ ،‬نفي عام يف أوؽبا وإثبات خاص يف آخرىا‪(( .‬ال إلو))‬ ‫هللا» ّ‬
‫نفي للعبودية عن كل من سوى هللا‪ ،‬و((إالّ هللا)) إثبات للعبوديّة بكل معناىا هلل تبارك وتعاىل وحده ‪ .‬فمن‬
‫موحداً‪ ،‬بل ال يكون من أىل التوحيد إالّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موحداً‪ ،‬ومن أثبت ومل ينف ال يكون ّ‬ ‫نفى ومل يثبت ال يكون ّ‬
‫ابلنّفي واإلثبات‪ ،‬من نفى بدون إثبات قال «ال إلو» واكتفى هبذه الكلمة دون أن يثبت األلوىيّة هلل بعد‬
‫نفي لوجود اإللو‬
‫عمن سواه فإن ىذا إغباد‪ ،‬قولو ىذا إغباد ‪ ،‬وعقيدة اؼببلحدة‪" :‬ال إلو واغبياة مادة" ٌ‬ ‫نفيها ّ‬
‫موحداً من قال‪ :‬أًن أؤمن أبن هللا معبود ولكن ال أنفي العبودية عمن‬ ‫ِ‬
‫أصبلً‪ .‬ومن أثبت ومل ينف ال يكون ّ‬
‫ِ‬
‫موحداً بل ىو مشرك‪.‬‬
‫سواه ؛ ىذا ال يكون ّ‬
‫فالتوحيد ال يكون إالّ ابألمرين معاً ‪ :‬النفي واإلثبات‪« :‬ال إلو إال هللا»‪.‬وقولو‪(( :‬وحده ال شريك لو)) ىذا‬
‫أتكيد لركٍت التوحيد‪ ،‬أ ّكد اإلثبات بقولو‪(( :‬وحده)) وأ ّكد النفي بقولو‪(( :‬ال شريك لو))‪.‬‬
‫قال‪(( :‬األصل األول‪ :‬إخالص الدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو وبيان ضده الذي ىو الشرك ابهلل))‪.‬‬
‫يقول اؼبصنف‪ :‬اإلخبلص بُت يف القرآن وضده أيضاً ُح ّذر منو‪ .‬اإلخبلص بُُت ورغب فيو‪ ،‬والشرك بُت‬
‫وتنوعت ال ّدالئل يف القرآن يف بيان الشرك وبيان خطورتو والتحذير منو وسوء عاقبتو‬ ‫وح ّذر منو يف القرآن‪ّ ،‬‬
‫وذم اؼبشركُت والتحذير منهم‪،‬‬
‫الشرك والتحذير منو ّ‬ ‫على أىلو ‪ ،‬وسبر يف القرآن على آايت كثَتة فيها ذكر ّ‬

‫‪7‬‬
‫ولو أنك رجعت إىل بعض اؼبعاجم اؼبفه ِرسة أللفاظ القرآن عند كلمة (شرك) وتصريفاهتا ذبدىا وردت يف‬
‫ذما لو وربذيراً من أىلو وبياًنً لسوء عواقبهم يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬دير‬ ‫القرآن وروداً يف مواضع كثَتة جداً ؛ ّ‬
‫عليك يف ىذا الباب آايت كثَتة جداً يف القرآن الكرمي ‪ ،‬ىذا ما كان منها بلفظ (شرك) ‪ ،‬لكن أيضاً لو‬
‫الشرك ولو مل تذكر الكلمة نفسها‬ ‫نظرت إىل األلفاظ األخرى (ومن يدعو مع هللا) ىذا أيضاً ربذير من ّ‬
‫ِ‬ ‫ف الضِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫{والذ َ‬ ‫ُّر َعْن ُك ْم َوَال َْرب ِو ًيبل [اإلسراء‪َ ، ]٘ٙ:‬‬ ‫{قُ ِل ْادعُوا الذ َ‬
‫ين َز َع ْمتُ ْم م ْن ُدونو فَ َبل ديَْل ُكو َن َك ْش َ‬
‫ين َك َف ُروا بَِرّهبِِ ْم يَ ْع ِدلُو َن‬ ‫للشرك ُ ِ‬
‫{مث الذ َ‬ ‫ذم ِّ‬ ‫كل ىذا ٌ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ٍ‬
‫تَ ْدعُو َن م ْن ُدونو َما ديَْل ُكو َن م ْن قطْمَت [فاطر‪ّ ]ٖٔ :‬‬
‫ِ‬ ‫ض َبل ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫[األنعام‪ِ َ ، ]ٔ:‬‬
‫ُت [الشعراء‪]ٜٛ – ٜٚ :‬‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬‫ُت (‪ )ٜٚ‬إِ ْذ نُ َس ِّوي ُك ْم بَِر ِّ‬ ‫{اتّلل إِ ْن ُكنا لَفي َ‬
‫فالشرك ذُم يف القرآن بذكره بلفظو‪ ،‬وذُكر أيضاً أبلفاظ ومعاين وتقريرات أخرى‪ ،‬فبُ ُِّت‬ ‫للشرك‪ّ ،‬‬ ‫ىذا كلّو ذمٌّ ّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز ّ‬ ‫بياًنً وافيا واسعاً شافيا كافياً يف كتاب هللا ّ‬
‫قال‪(( :‬وكون أكثر القرآن يف بيان ىذا األصل من وجوه شىت)) ؛ القرآن أكثره يف بيان ىذا األصل من‬
‫وجوه شىت‪ ،‬ىذه الكلمة تفتح لك ابابً شريفاً من العلم وأنت تقرأ القرآن‪ ،‬أعظم األمور اؼببيّنة يف القرآن ما‬
‫ِ‬
‫يكتف‬ ‫الشرك‪ ،‬وبُ ُّت يف القرآن بياًنً شافياً يفهمو أبلد العامة‪ ،‬مل‬ ‫ىو ؟ التوحيد والتحذير من ض ّده وىو ّ‬
‫بقولو‪ :‬يفهمو العامة‪ .‬يفهمو أبلد العامة واضح جداً ‪ ،‬وأبنواع من األدلة ؛ فهذا يفتح لك ابابً شريفاً من‬
‫الشرك ؛ تنتبو ؽبا وتفهمها ألهنا‬ ‫تقرر التوحيد ورب ّذر من ّ‬ ‫العلم وأنت تقرأ القرآن حبيث تنتبو لآلايت اليت ِّ‬
‫أعظم شيء يف القرآن ‪ ،‬أعظم شيء يف القرآن الكرمي آايت التوحيد واآلايت اليت رب ّذر من الشرك؛ فكيف‬
‫يليق دبسلم عاقل دير عليها وال يدري ما ىي؟! وال يفهم منها معٌت ‪ ،‬أو يتجاىل عن معناىا ‪ ،‬أو يعرض‬
‫ابلصد عن تدبّر القرآن ‪-‬‬ ‫عن فهم معناىا ‪ ،‬أو يرتكب اؼبسلك الذي يرتكبو من ضلُّوا عن سواء السبيل ّ‬
‫وىذا سيأيت الكبلم عليو عند اؼبصنّف‪ -‬ص ّد النّاس عن تدبّر القرآن وفهم آايتو ‪ ،‬وبعض العوام إذا ذُكر لو‬
‫الشرك يقول‪" :‬ىذه آايت من القرآن‪ ،‬وفهم القرآن ليس لكل أحد" ىكذا‬ ‫آايت التوحيد والتحذير من ّ‬
‫يقول! "ىذه آايت من القرآن‪ ،‬وفهم القرآن ليس لكل أحد ‪ ،‬وإّنا فهم القرآن خاص ابجملتهدين‪ ،‬واجملتهد‬
‫صفتو كذا وكذا ‪ ،‬وكبن ال نفهم وال جيوز لنا أن كباول أن نفهم" ‪ ،‬ىكذا لُبّس على كثَت منهم أصبح يقرأ‬
‫آايت التوحيد واآلايت احمل ّذرة من الشرك وال حياول أن يفهم منها شيء ‪ ،‬ويبقى فهمو على ضوء ما قرر لو‬
‫أشياخو‪.‬‬
‫ُ‬
‫قصة صبيلة يف ىذا الباب‪ :‬أحد الذين من هللا عليهم بفهم التوحيد جلس مع‬ ‫مر معي يف بعض الكتب ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫رجل من العوام مث وجده وقع يف أمر شركي فنهاه عن الشرك وتبل عليو آية من القرآن واآلايت اليت يف‬
‫القرآن يف التحذير من الشرك كثَتة فتبل عليو آية إما قول هللا تعاىل {إِن اّللَ َال يَ ْغ ِف ُر أَ ْن يُ ْشَرَك بِِو‬
‫يب لَوُ إِ َىل يَ ْوِم الْ ِقيَ َام ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫[النساء‪ ، ]ٗٛ:‬أو { ومن أ ِ‬
‫َض ُّل فب ْن يَ ْدعُو م ْن ُدون اّلل َم ْن َال يَ ْستَج ُ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫الشرك‪ ،‬فقال لو ذلك الرجل‪ :‬ملَ تذكر لنا آايت القرآن؟‬ ‫[األحقاف‪ .]٘:‬تبل عليو آيةً يف التحذير من ّ‬
‫‪8‬‬
‫وؼباذا أيضاً تستشهد ابلقرآن وأنت لست من أىل االجتهاد؟ القرآن واالستدالل وذكر الشواىد منو ىذا‬
‫فرد كبلمو‬
‫ألىل االجتهاد وأنت لست من أىلو ‪ ،‬ومثلي ومثلك ال ديكن أن نذكر اآلايت ونستدل هبا‪ّ ،‬‬
‫هبذه الطريقة ‪ ،‬فالرجل سكت ومل يتكلّم معو‪ ،‬مث انتظر بعد قليل وكانوا يف بيت ذلك الرجل‪ ،‬فجاءت ابنةٌ‬
‫صغَتة لذلك الرجل قال لو ىذا الرجل‪ :‬من ىذه؟ قال‪ :‬ىذه ابنيت عمرىا ست أو سبع سنوات‪ .‬قال‪ :‬ؼباذا‬
‫تتزوجها؟ إيش اؼبانع؟!‬
‫اتق هللا! ىذه بنيت‪ ،‬كيف تقول ىذا الكبلم؟! قال‪ :‬ؼباذا ال ّ‬ ‫ال تتزوجها؟! قال‪ِ :‬‬
‫ت َعلَْي ُك ْم أُم َهاتُ ُك ْم َوبَنَاتُ ُك ْم [النساء‪.]ٕٖ :‬قال لو ‪:‬‬‫{حِّرَم ْ‬
‫ظبعت قول هللا تعاىل‪ُ :‬‬
‫فغضب الرجل‪ ،‬قال‪ :‬ما َ‬
‫ال‪ ،‬ىذا قرآن!‪.‬‬
‫فبلحظ اآلن صاحب اؽبوى ؼبا يؤتى لو ابل ّدليل الذي يرد ىواه وابطلو ديتنع هبذه الشبهة‪ ،‬لكن إذا رب ّدث يف‬
‫ردىا بطرق عديدة‪ ،‬وإذا‬ ‫ئت عليو آايت الشرك ّ‬ ‫األمور األخرى اليت يرتضيها ذبده يستدل ابلقرآن‪ ،‬إذا قر ْ‬
‫تليت عليو آايت يف األخبلق أو يف اآلداب أو يف اؼبعامبلت أو يف أمور أخرى يتقبلها‪ ،‬أما آايت الشرك‬
‫فلِما قام يف قلبو من الشبهة اليت صرفتو عن التوحيد وجرفتو عنو ديتنع من قبول اآلايت ‪ .‬ودعاة الضبلل‬
‫وضعوا يف ىذا الباب قاعدة سيأيت ذكرىا عند اؼبصنّف والتنبيو على خطورهتا يف أصل قادم‪ .‬قال‪(( :‬وكون‬
‫أكثر القرآن يف بيان ىذا األصل من وجوه شىت بكالم يفهمو أبلد العامة))‬
‫((مث دلا صار على أكثر األمة ما صار)) مراده بقولو «صار أكثر األمة ما صار» أي من اعبهل ابلدين‬
‫الصبلة والسبلم وتكاثر الشبهات على الناس ((دلا‬ ‫ودروس العلم وقلة الفهم بكبلم هللا وكبلم رسولو عليو ّ‬
‫شيطان اإلخالص يف صورة تنقص الصاحلني والتقصري يف‬ ‫صار على أكثر األمة ما صار أظهر ذلم ال ّ‬
‫حقوقهم)) انظر إىل مكر الشيطان هبؤالء ؛ أظهر ؽبم اإلخبلص يف صورة تنقص الصاغبُت‪ ،‬وأ ّن اؼبخلص‬
‫الذي ال يريد أن يُقصد ابلعمل إال هللا تبارك وتعاىل يقولون يف ح ّقو ىذا ال يعرف قيمة الصاغبُت‪ ،‬وال‬
‫يعرف مكانتهم‪ ،‬وال يعرف جاىهم‪ ،‬وال يعرف فضلهم‪ ،‬وليس عنده للصاغبُت قدر‪ ،‬وردبا قالوا‪ :‬ىذا ال حيب‬
‫ويسب الصاغبُت‪ ،‬وىكذا أييت ركام من الكبلم‬ ‫ّ‬ ‫الصاغبُت‪ ،‬وردبا ارتقوا أيضاً وقالوا‪ :‬ىذا يشتم الصاغبُت‬
‫الباطل الذي ىو من مكر الشيطان هبؤالء ‪.‬‬
‫قال‪(( :‬أظهر ذلم الشيطان اإلخالص يف صورة تنقص الصاحلني والتقصري يف حقهم)) دبعٌت‪ :‬أن الذي ال‬
‫متوجهاً إىل صاحبو ملتجئاً إليو ابكيًا بُت يديو متذلّبل منكسراً بزعمهم من ال يفعل ذلك مل‬ ‫يذىب إىل القرب ّ‬
‫يعرف قيمة ىذا الصاحل‪ ،‬وأصبحت معرفة مكانتو ومعرفة قدره عند ىؤالء ارتبطت دباذا؟ ابلشرك ‪ ،‬فبل‬
‫يعرف قدر الصاحل إال من جعلو شريكاً هلل‪ ،‬ىذا بزعمهم‪ .‬أظهر ؽبم الشيطان اإلخبلص يف صورة تنقص‬
‫الصاغبُت والتقصَت يف حقهم؛ من ال يستنجد هبم‪ ،‬من ال يستغيث هبم‪ ،‬من ال يذبح ؽبم‪ ،‬من ال ينذر ؽبم‪،‬‬
‫من ال يصرف ؽبم من أنواع العبادة ىذا يتنقصهم وال يعرف أقدارىم ‪ ،‬ىذا بزعم ىؤالء الذين مكر هبم‬

‫‪9‬‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫أيضا ((وأظهر ذلم الشرك يف صورة زلبة الصاحلني واتباعهم)) دبعٌت ‪ :‬أن الذي يقوى فيو التقرب إىل‬
‫ؿبب ؽبم وعرف قدرىم ‪ ،‬وأما من سواه فهو ال‬ ‫الصاغبُت دبا ال يُتقرب بو إالّ إىل هللا سبحانو وتعاىل‪ ،‬ىذا ٌ‬
‫يعرف قدر الصاغبُت وال حيب الصاغبُت ‪ ،‬هبذا اؼبكر ضل أكثر الناس عن سواء السبيل ‪ ،‬مع أنو ال ارتباط‬
‫الصاغبُت ومعرفة أقدارىم ال يرتبط هبا ال من‬ ‫لرب العاؼبُت ‪ ،‬وؿببّة ّ‬
‫حق ّ‬ ‫بُت األمرين ! ابب اإلخبلص ىذا ّ‬
‫قريب وال من بعيد إعطاؤىم شيء من خصائص هللا ‪ ،‬وؽبذا كان النيب عليو الصبلة والسبلم مع بيانو‬
‫وشئت" قال‪(( :‬أجعلتٍت هلل‬ ‫َ‬ ‫للتوحيد س ّد كل اؼبنافذ اليت تفضي إىل الشرك ‪ ،‬ظبع رجبلً يقول‪" :‬ما شاء هللا‬
‫النيب عليو الصبلة والسبلم فقال‪" :‬إين أتوب إىل‬ ‫ن ّدا‪ ،‬بل ما شاء هللا وحده))‪ .‬وؼبا جيء بذاك األسَت إىل ّ‬
‫هللا‪ ،‬وال أتوب إىل دمحم"‪ .‬قال عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬عرف اغبق ألىلو))‪ .‬وؼبا جاء ذاك الوفد إىل النيب‬
‫عليو الصبلة والسبلم وقالوا‪" :‬أنت سيدًن وابن سيدًن" قال‪(( :‬قولوا بقولكم أو بعض قولكم‪ ،‬وال‬
‫أحب أن تنزلوين فوق منزليت اليت أنزلٍت هللا إايىا))‪ ،‬وقال عليو‬ ‫يستجرينّكم الشيطان)) ‪ ،‬وقال‪(( :‬إين ال ُّ‬
‫الصبلة والسبلم‪(( :‬ال تطروين كما أطرت النصارى عيسى ابن مرمي‪ ،‬فإّنا أًن عبد‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد هللا‬
‫ورسولو))‪ ،‬وقال وىو يف النزع عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬لعنة هللا على اليهود والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم‬
‫مساجد))‪ ،‬وقال عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬إ ّن شرار اػبلق عند هللا يوم القيامة الذين يتخذون قبور أنبيائهم‬
‫مساجد))‪ .‬وجاء عنو يف ىذا الباب أحاديث كثَتة ج ّداً‪ ،‬ؼبا ظبع اؼبرأة تنشد وتقول‪" :‬فينا رسول هللا يعلم ما‬
‫يف غد" غضب وقال‪(( :‬ال يعلم ما يف غد إال هللا))‪ .‬فهو عليو الصبلة والسبلم ّبُت التوحيد وح ّذر من‬
‫الشرك وضبى ِضبى التوحيد وس ّد ال ّذرائع اليت تفضي ابلناس إىل الشرك ‪{ ،‬لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫ول ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم‬ ‫ّ‬
‫الصبلة والسبلم البيان‬ ‫ع ِزيز علَي ِو ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم ِابلْم ْؤِمنُِت رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌيم [التوبة‪ . ]ٕٔٛ :‬بُت عليو ّ‬ ‫َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ‬
‫الوايف‪ ،‬ومع ىذا البيان ووضوح ىذا األمر وجبلئو وعدم خفائو إال أ ّن أكثر الناس ضلُّوا يف ىذا الباب عن‬
‫الضبلل والباطل‬ ‫سواء السبيل ؛ بسبب الشبهات ‪ ،‬وبسبب مكر الشيطان هبؤالء‪ ،‬وبسبب إصغائهم لدعاة ّ‬
‫‪ ،‬وبسبب أيضاً نشأهتم يف ؾبتمعات ال يسمعون فيها إال صوت أىل الشبهات‪ ،‬يعٍت بعض العوام نشأ يف‬
‫ؾبتمعات ليس فيها إال صوت أىل الشبهات‪ ،‬ال يسمعون صوت من يدعوه إىل التوحيد‪.‬‬
‫شخص كان جالساً إىل جنيب يف اؼبسجد بعد صبلة اؼبغرب منذ سنوات‬ ‫ٍ‬ ‫مرت علي مع‬ ‫وال أنسى قصةً ّ‬
‫مادا يديو يدعو‪ ،‬مث ازداد يف اجتهاده ابل ّدعاء فأصبح لو بكاء وتسمع‬ ‫ليست قليلة‪ ،‬وكنت أقرأ القرآن وكان ًّ‬
‫نشيجو وىو يبكي ؛ فأثّر يف خشوعو‪ ،‬مث رفع صوتو قليبل يف دعائو فإذا بو يقول يف دعائو‪" :‬اي رسول هللا"‬
‫يبكي وخاشع ومتذلل يقول يف دعائو‪" :‬اي رسول هللا" ويعرض حاجاتو ‪ ،‬ابكياً خاشعاً متذلّبل ويعرض‬
‫حاجتو اي رسول هللا عليو الصبلة والسبلم مستغيثاً مستنجداً‪ ،‬فتحدثت معو طويبلً ‪ ،‬بدأت حديثي معو أوال‬
‫بسؤالو عن صحتو وعن بلده وعن أوالده وعن سفره وعن أمور عديدة‪ ،‬مث ؼبا اطمأن للحديث معي انتقلت‬
‫‪11‬‬
‫إىل جانب آخر وىو أمهية الدعاء‪ ،‬وقلت لو‪ :‬الدعاء عظيم ومكانتو يف الدين عظيمة وأخذت أسوق لو‬
‫آايت وأحاديث عديدة يف فضل الدعاء ‪ ،‬ففرح هبا ألنو كان يدعو‪ ،‬وأخذت أذكر لو آايت وأحاديث يف‬
‫فضل ال ّدعاء ومكانة الدعاء‪ ،‬مث التفت إِل وأًن أحدثو عن فضل الدعاء ومكانتو ‪ ،‬وكأن الرجل كانت عنده‬
‫مشاكل أو مهوم أو حاجات ويبكي يريد من الرسول عليو الصبلة والسبلم أن يكشفها عنو وجيلِّيها‪،‬‬
‫حق هلل سبحانو‬ ‫أبُت فيو أ ّن الدعاء ٌّ‬ ‫فأخذت أذكر لو آايت يف فضل الدعاء‪ ،‬مث انتقلت إىل حديث آخر ِّ‬
‫نت يف القرآن بياًنً واضحاً ال خفاء فيو‪ ،‬وأخذت أذكر لو آايت عديدة‬ ‫وتعاىل‪ ،‬وقلت لو ىذه مسألة بُيِّ ْ‬
‫ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين تَ ْدعُو َن م ْن ُدونو َما ديَْل ُكو َن م ْن قطْم ٍَت (ٖٔ) إِ ْن تَ ْدعُ ُ‬
‫وى ْم َال يَ ْس َمعُوا ُد َعاءَ ُك ْم َولَ ْو‬ ‫كقولو تعاىل‪َ { :‬والذ َ‬
‫ك ِمثْ ُل َخبِ ٍَت [فاطر‪ ]ٔٗ – ٖٔ :‬وقولو‪:‬‬ ‫ِ‬
‫استَ َجابُوا لَ ُك ْم َويَ ْوَم الْقيَ َام ِة يَ ْك ُف ُرو َن بِ ِش ْركِ ُك ْم َوَال يُنَ بِّئُ َ‬ ‫ِ‬
‫َظبعُوا َما ْ‬
‫ُّر َعْن ُك ْم َوَال َْرب ِو ًيبل [اإلسراء‪ ، ]٘ٙ :‬وقولو‪{:‬قُ ِل‬ ‫ف الضِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين َز َع ْمتُ ْم م ْن ُدونو فَ َبل ديَْل ُكو َن َك ْش َ‬ ‫{قُ ِل ْادعُوا الذ َ‬
‫ض َوَما َؽبُْم فِي ِه َما ِم ْن ِش ْرٍك‬ ‫ون اّللِ َال ديَْلِ ُكو َن ِمثْ َق َال َذرةٍ ِيف السماو ِ‬
‫ات َوَال ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ََ‬
‫ْادعوا ال ِذين َزعمتُم ِمن د ِ‬
‫َ َْ ْ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍِ‬
‫يب لَوُ‬ ‫َض ُّل فب ْن يَ ْدعُو م ْن ُدون اّلل َم ْن َال يَ ْستَج ُ‬ ‫{وَم ْن أ َ‬ ‫َوَما لَوُ مْن ُه ْم م ْن ظَهَت [سبأ‪ ،]ٕٕ:‬وقولو تعاىل‪َ :‬‬
‫وبدأت أذكر لو‬ ‫ُ‬ ‫إِ َىل يَ ْوِم الْ ِقيَ َام ِة [األحقاف‪ . ]٘ :‬وآايت يف ىذا اؼبعٌت عديدة‪ ،‬مث انتقلت إىل السنة‬
‫يب عليو الصبلة والسبلم‪ ،‬قلت لو‪:‬‬ ‫أحاديث ‪ ،‬وكل ذلك وىو يصغي إىل‪ ،‬مث ذكرت لو أمثلة من أدعية الن ّ‬
‫رب النّاس اذىب البأس واشف أنت الشايف))‪،‬‬ ‫كان إذا أويت لو دبريض كما يف حديث عائشة قال‪(( :‬اللّهم ّ‬
‫أزل أو‬ ‫ُضل‪ ،‬أو ّ‬ ‫أضل أو أ ّ‬ ‫وكان إذا خرج عليو الصبلة والسبلم من بيتو قال‪(( :‬اللهم إين أعوذ بك أن ّ‬
‫ووجهت وجي إليك))‪،‬‬ ‫ُزل))‪ ،‬وكان إذا وضع جنبو على فراشو قال‪(( :‬اللهم إين أسلمت نفسي إليك‪ّ ،‬‬ ‫أّ‬
‫وذكرت لو ّناذج واضحة ال لبس فيها يفهمها العامي فضبل عن غَته ‪ ،‬انتهيت وىو يسمع بكل إصغاء‬
‫أحببت أن أطمئن ىل الرجل فهم أو مل يفهم؟ ىل استوعب ىذه اآلايت أو مل‬ ‫ُ‬ ‫وإنصات ‪ .‬فلما انتهيت‬
‫فطرحت عليو سؤاالً ‪ ،‬السؤال يف ح ّد ذاتو خاطئ لكٍت قصدتو من أجل االطمئنان ‪ ،‬ؼبا انتهيت‬ ‫ُ‬ ‫يستوعبها؟‬
‫قلت لو‪ :‬ما رأيك يف ىذا الكبلم؟ فقال ِل كلمة عجيبة ذ ّكرتٍت بكلمة لئلمام الشافعي رضبو هللا ‪ ،‬قال ِل‬
‫كلمة عجيبة! قال ِل‪" :‬تقول ِل ما رأيك؟ وأنت تقرأ علي أايت وأحاديث؟!" ىذه ذ ّكرتٍت بكلمة للشافعي‬
‫رضبو هللا؛ سئل مرة عن مسألة فأجاب فيها حبديث‪ ،‬فقال لو السائل‪ :‬وما رأيك؟ فغضب رضبو هللا قال‪:‬‬
‫«ىل رأيتٍت معلقاً الصليب على صدري؟ ىل رأيت زجاجة اػبمر يف يدي؟ أقول لك‪ :‬قال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليو و سلم‪ ،‬وتقول‪ :‬ما رأيك؟ » يعٍت ىذا الكبلم ما يليق‪.‬‬
‫فأعدت عليو السؤال نفسو‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فالرجل قال ِل‪" :‬تقول ِل ما رأيك؟ وأنت تقرأ علي أايت وأحاديث؟!"‬
‫لت عند سؤاِل‪ :‬ما رأيك؟ ألنٍت ظبعتك تقول يف دعائك‪ :‬كذا وكذا ‪ ،‬فأقصد بقوِل‪ :‬ما رأيك؟ ىل‬ ‫نعم الز ُ‬
‫أنت ىذه اآلايت استوعبتها وقبِلتها؟ أم أن لك رأايً آخر خبلف ىذه اآلايت؟ فقال ِل كلمة أخرى‬
‫أعجب من األوىل! قال ِل‪ :‬أًن من بلد كذا وكذا ظبى ِل بلده ما أحد قال ِل الكبلم ىذا! كلمة قويّة ‪،‬‬
‫‪11‬‬
‫قال " أًن من بلد كذا وكذا ما أحد قال ِل الكبلم ىذا!" ماذا تعٍت ىذه الكلمة؟ كلمة مؤؼبة تعٍت أنو‬
‫مسكُت نشأ يف بلدة إذا ظبع اػبطيب يوم اعبمعة عرض لو شبهات يف ىذا الباب‪ ،‬وإذا حضر درساً أيضاً‬
‫عُرضت عليو شبهات يف ىذا الباب‪ ،‬وإذا قرأ كتااب يف الكتب اليت حولو تعرض عليو شبهات يف ىذا الباب‪،‬‬
‫مث ينشأ ويكرب ويكرب وال يسمع إال الشبهات ‪ ،‬وآايت التوحيد اليت ىي واضحة ُحجب عنها وغُيِّبت عنو ‪،‬‬
‫وأيضا ُح ِّذر من فهمها بقواعد‪ ،‬وسيأيت كبلم اؼبصنف الحقاً عن ىذا األمر ‪.‬‬
‫ضل فيو أكثر‬ ‫فهذا أصل األصول وأعظمها ‪ ،‬وبُ ُّت يف القرآن بياًنً وافياً يفهمو أبلد العامة ؛ ومع ذلك ّ‬
‫الناس !‬
‫قال شيخ اإلسبلم دمحم بن عبد الوىاب رضبو هللا تعاىل وغفر لو وللشارح والسامعُت ‪:‬‬
‫األصل الثاين ‪ :‬أمر هللا ابالجتماع يف الدين وهنى عن التفرق فيو؛ فبني هللا ىذا بياانً شافياً تفهمو العوام‬
‫‪ ،‬وهناان أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا ‪ ،‬وذكر أنو أمر ادلسلمني ابالجتماع يف الدين‬
‫التفرق فيو ‪ ،‬ويزيده وضوحاً ما وردت بو السنة من العجب العجاب يف ذلك ‪ ،‬مث صار‬ ‫وهناىم عن ّ‬
‫األمر إىل أن االفرتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم والفقو يف الدين ‪ ،‬وصار األمر ابالجتماع يف‬
‫الدين ال يقولو إال زنديق رلنون‪.‬‬
‫***********‬
‫قال اؼبصنف رضبو هللا ((األصل الثاين ‪ :‬أمر هللا ابالجتماع يف الدين وهنى عن التفرق فيو؛ فبني هللا ىذا‬
‫بياانً شافياً تفهمو العوام ‪ ،‬وهناان أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا)) ىذا األصل من األصول‬
‫عز وجل ويف سنة نبيو صلى هللا عليو و سلم‪ ،‬وقد تكاثرت‬ ‫العظيمة اؼببينة بياًنً وافياً شافياً يف كتاب هللا ّ‬
‫عز وجل‪{ :‬إِن‬ ‫النصوص يف ذلك وتضافرت يف تقريره والدعوة إىل االجتماع والنهي عن االفًتاق‪ ،‬قال هللا ّ‬
‫ت ِمْن ُه ْم ِيف َش ْي ٍء [األنعام‪ ، ]ٜٔ٘:‬وقال‪َ { :‬وَال تَنَ َازعُوا فَتَ ْف َشلُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين فَرقُوا دينَ ُه ْم َوَكانُوا شيَ ًعا لَ ْس َ‬
‫ِ‬
‫الذ َ‬
‫صب ًيعا َوَال تَ َفرقُوا [آل عمران‪:‬‬ ‫صموا ِحبب ِل اّللِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَ ْذ َى ِ‬
‫{و ْاعتَ ُ َْ‬ ‫ب رحيُ ُك ْم [األنفال‪ ، ]ٗٙ :‬وقال جل وعبل‪َ :‬‬ ‫َ َ‬
‫ك َوَما َوصْي نَا بِِو إِبْ َر ِاى َيم‬ ‫ِ‬
‫وحا َوالذي أ َْو َحْي نَا إِلَْي َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ع لَ ُك ْم م َن ال ّدي ِن َما َوصى بو نُ ً‬
‫{شَر َ‬
‫جل وعبل‪َ :‬‬ ‫ٖٓٔ] ‪ ،‬وقال ّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تتفرقوا يف ال ّدين» أي اجتمعوا‬ ‫ين َوَال تَتَ َفرقُوا فيو [الشورى‪]ٖٔ :‬؛ قولو‪« :‬ال ّ‬ ‫يسى أَ ْن أَق ُ‬
‫يموا ال ّد َ‬ ‫وسى َوع َ‬‫َوُم َ‬
‫كل لو وجهة ‪ ،‬وإّّنا‬ ‫كل لو رأي وكل لو قول و ّ‬ ‫فتتفرقون يف ال ّدين ّ‬
‫عليو وال يتخذ كلٌّ لنفسو منهاجاً وطريقاً ّ‬
‫وجل ‪ ،‬وأن يعتصموا حببل هللا صبيعاً ‪،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫اؼبطلوب من أىل اإلديان أن جيتمعوا على دين واحد وىو دين هللا ّ‬
‫الشقاق والتّدابر والتباغض والتّعادي فإ ّن ذلك ال خَت فيو‪ ،‬واػبَت يف االجتماع والرضبة‬ ‫فرق و ِّ‬ ‫وأن يطرحوا التّ ّ‬
‫النيب صلى هللا عليو و سلم أنو قال‪(( :‬االجتماع رضبة والفرقة عذاب))؛‬ ‫صح عن ّ‬ ‫يف االجتماع ‪ ،‬وقد ّ‬
‫لؤلمة ‪ ،‬جيتمعون على دين هللا وعلى كتاب هللا وعلى كلمة سواء وعلى تناصح وتعاون‬ ‫االجتماع رضبة ّ‬

‫‪12‬‬
‫السبلم‪(( :‬مثل اؼبؤمنُت يف تو ّادىم وتعاطفهم وتراضبهم‬ ‫الصبلة و ّ‬ ‫النيب عليو ّ‬
‫وتعاطف وتراحم ‪ ،‬ؿب ّققُت قول ّ‬
‫السهر))‪ ،‬وقولو عليو الصبلة‬ ‫عضو تداعى لو سائر اعبسد ابغبمى و ّ‬ ‫مثل اعبسد الواحد إذا اشتكى منو ٌّ‬
‫السبلم‪(( :‬اؼبؤمن للمؤمن كالبنيان يش ّد بعضو بعضاً))‪.‬‬ ‫و ّ‬
‫جدت بُت الناس ُوجد معها‬ ‫وىذه اؼبعاين العظام ال يكون ؽبا رب ّقق إال ابالجتماع ونبذ الفرقة‪ ،‬والفرقة إذا ُو ْ‬
‫الراحة والطمأنينة ‪ ،‬وذىب عنهم‬ ‫كل ٍّ‬
‫وجدت الرضبة واػبَت واألمن و ّ‬ ‫ْ‬ ‫شر‪ ،‬واالجتماع إذا ُوجد بينهم‬ ‫ّ‬
‫فرقكم ىذا من الشيطان)) ‪ ،‬مىت قال النيب‬ ‫الشيطان؛ وؽبذا قال عليو الصبلة والسبلم عن التفرق ((إّّنا ت ّ‬
‫النيب صلى هللا عليو و سلم ‪ ،‬قال راوي‬ ‫عليو الصبلة والسبلم ىذه الكلمة؟ كان الصحابة يف سفر مع ّ‬
‫تفرقنا حبيث يبقى طائفة‬‫تفرقنا أو للمقيل ّ‬ ‫اغبديث عنو عليو الصبلة والسبلم‪ :‬فكنا إذا أتينا مكاًنً للمبيت ّ‬
‫ىناك وطائفة ىناك يستظلون بتلك الشجرة‪ ،‬وطائفة يف الشجرة األخرى‪ ،‬فقال عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬إّّنا‬
‫تفرقكم ىذا من الشيطان)) ‪ ،‬انظر حرص الدين على االجتماع حىت يف األسفار ‪ ،‬يف اإلقامة‪ ،‬يف أي‬ ‫ّ‬
‫مكان يدعو إىل االجتماع ‪ ،‬وقال عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬إّنا أيكل الذئب من الغنم القاصية))‪ ،‬بينما إذا‬
‫اجتمعوا وتقاربوا يف ِحلق العلم ‪ ،‬يف ؾبالس ال ّذكر ‪ ،‬يف ؾبالسهم العامة ‪ ،‬يتقاربون ويكون بينهم األلفة‬
‫واحملبّة والًتاحم والتآخي كل ىذه معاين دعا إليها اإلسبلم وىي من أصولو اليت دعا إىل ربقيقها‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{إِّنَا الْ ُم ْؤِمنُو َن إِ ْخ َوةٌ [اغبجرات‪ ،]ٔٓ:‬ويف اغبديث يقول عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬ال تناجشوا وال‬
‫تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد هللا إخواًنً‪ ،‬اؼبسلم أخو اؼبسلم‪ ،‬ال يظلمو وال خيذلو‪ ،‬وال حيقره))‪ .‬وكما أ ّن‬
‫اإلسبلم دعا إىل االجتماع وهنى عن الفرقة‪ ،‬فإنو حذر أش ّد التحذير من كل أمر خيدش يف االجتماع أو‬
‫وحرم‬
‫وحرم اغبسد‪ّ ،‬‬ ‫وحرم التناجش‪ّ ،‬‬ ‫وحرم النّميمة‪ّ ،‬‬ ‫حرم الغيبة‪ّ ،‬‬ ‫وحرم كل أم ٍر من ىذا القبيل؛ ّ‬ ‫خيل بو‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وتفرق بُت اؼبسلمُت ‪،‬‬‫كل ىذه هنى عنها اإلسبلم ألهنا زبدش وزبل ابالجتماع‪ّ ،‬‬ ‫التدابر‪ ،‬والتباغض ‪ّ ،‬‬
‫وحرمو‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فكل أمر خيل ابالجتماع هنى عنو اإلسبلم ّ‬ ‫وتشتّت مشلهم ‪ ،‬وتوجد الفرقة بينهم‪ّ ،‬‬
‫وجل وسنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم اؼبشتملة على األمر‬ ‫عز ّ‬ ‫وؽبذا من يطالع األدلة يف كتاب هللا ّ‬
‫نت ‪ -‬كما قال اؼبصنِّف‪ -‬بياًنً وافياً ‪(( ،‬أمر هللا‬ ‫ابالجتماع والنهي عن الفرقة جيدىا كثَتة جدا‪ ،‬بُيِّ ْ‬
‫فبني هللا ىذا بياانً شافياً يفهمو العوام)) ىذا األصل ُمبُت يف‬ ‫فرق فيو‪ّ ،‬‬ ‫ابالجتماع يف ال ّدين وهنيو عن التّ ّ‬
‫الكتاب والسنة بياًن شافيا يفهمو العوام فضبل عن غَتىم من طبلب العلم أو العلماء‪ ،‬من ذا الذي خيفى‬
‫عليو بيان هللا يف كتابو‪ ،‬وبيان رسولو عليو الصبلة والسبلم يف سنتو ابألمر ابالجتماع!! قال عليو الصبلة‬
‫والسبلم‪(( :‬عليكم ابعبماعة‪ ،‬فإن يد هللا على اعبماعة))‪ ،‬من الذي خيفى عليو دعوة اإلسبلم لبلجتماع‬
‫وجل بياًنً شافيا وافيا تفهمو العوام فضبل عن غَتىم‪.‬‬ ‫عز ّ‬ ‫ونبذه للفرقة؟ فهذا أمر بُ ُّت يف كتاب هللا ّ‬
‫تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا)) ؛ أيضاً فبا جاء بيانو يف الكتاب والسنة‬ ‫قال‪(( :‬وهناان أن نكون كالذين ّ‬

‫‪13‬‬
‫حول ىذا األمر‪ :‬اإلخبار عن عواقب اؼبتفرقُت فبن كانوا قبلنا ‪ ،‬وأهنم مل يبوؤوا بتفرقهم إالّ الفشل واػبسران‬
‫التفرق يف ال ّدين يعٍت مل جيتمعوا على الدين الذي‬
‫التفرق‪ ،‬و ّ‬
‫وضياع الدين وتشتت الشمل‪ ،‬ىلكوا بسبب ّ‬
‫تفرقوا وأصبح كلٌّ على قبيل وكلٌّ على وجهة‪.‬‬ ‫بلغهم ووصل إليهم مل جيتمعوا عليو وإّنا ّ‬
‫التفرق فيو)) وىذا يف آايت كثَتة ّ‬
‫مر‬ ‫قال‪(( :‬وذكر أنو أمر ادلسلمني ابالجتماع يف الدين وهناىم عن ّ‬
‫اإلشارة إىل طرف منها‪.‬‬
‫قال رضبو هللا‪(( :‬ويزيده وضوحاً)) أي يزيد ىذا األمر وضوحاً وبياًنً ((ما وردت بو السنة من العجب‬
‫العجاب يف ذلك)) أي أن تبيان السنة ؽبذا األمر وأمر النيب عليو الصبلة والسبلم ابالجتماع وربذيره من‬
‫عرب بذلك‬‫الفرقة جاء يف السنة مبينا بياًن وافيا ‪ ،‬جاء يف السنة من بيان ذلك العجب العجاب كما ّ‬
‫كما كبَتاً وقدراً عظيماً من األحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليو و سلم يف األمر‬ ‫اؼبصنِّف ؛ يعٍت ًّ‬
‫ابالجتماع والتحذير من الفرقة ‪ ،‬وجاء األمر ابالجتماع يف أحاديث كثَتة ابلنّص على ىذا اللّفظ‬
‫«االجتماع» ‪ ،‬وجاء يف أحاديث أخرى عديدة ابؼبعٌت الذي يدل عليو واؼبقصد الذي يرمي إليو االجتماع ‪،‬‬
‫وكذلك التحذير من الفرقة وكل أم ٍر يؤدي إليها أو يفضي إليها‪ ،‬واألحاديث عنو عليو الصبلة والسبلم يف‬
‫األمر ابالجتماع والنهي عن الفرقة كثَتة جداً ‪.‬‬
‫وما أحوج الناس إىل الوقوف على كبلمو عليو الصبلة والسبلم يف ىذا الباب حىت يعا ََل ما يف الصدور من‬
‫أخذ أبسباب االفًتاق والعدوان ؛ وؽبذا من البحوث اؼبقًتحة يف ىذا الباب أن‬ ‫وميل إىل االفًتاق و ٍ‬
‫شتات ٍ‬
‫ُجيمع أنواع دالالت السنة على االجتماع وذم الفرقة يف أحاديث النيب عليو الصبلة والسبلم ‪ ،‬كم حيتاج‬
‫عجب عجاب‪ ،‬فلو وقف‬ ‫ٌ‬ ‫الناس إىل الوقوف على ذلك!! وىو ابب كما قال اؼبصنف ورد فيو يف السنة‬
‫قدر عظيم من ىذه األحاديث يف موضع واحد ‪،‬‬ ‫عليها طالب العلم وصبعها وصنّفها إىل أنواع حبيث جيتمع ٌ‬
‫والذي ورد عنو عليو الصبلة والسبلم يف ىذا الباب قدر كبَت جداً كما أشار اؼبصنف رضبو هللا إىل ذلك‪.‬‬
‫مث مع ىذا األمر‪ ،‬مع وضوح ىذا األمر يف الكتاب والسنة وكثرة الدالئل فيهما عليو يقول اؼبصنف ((مث‬
‫صار األمر)) أي عند الناس ويف واقعهم ويف حياهتم ((إىل أن االفرتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم‬
‫وىو الفقو يف الدين‪ ،‬وصار األمر ابالجتماع يف الدين ال يقولو إال زنديق أو رلنون)) يعٍت انقلب األمر‬
‫رأسا على عقب ؛ أصبح لكثرة الشتات واالفًتاق وتفرق الناس أصبح الداعي إىل االجتماع مذموما ‪،‬‬
‫والداعي إىل االفًتاق ؿبمودا ‪ ،‬صار واقع الناس يف ىذا الباب أن االفًتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم‬
‫ديجدوهنا ويعدُّوهنا ىي‬
‫وىو الفقو يف الدين ! بل ُديدح‪ ،‬ولعلنا نسمع يف حياتنا وواقعنا من يرفعون راايت ّ‬
‫صميم العلم وىي كبد اغبقيقة يقولون‪" :‬حرية االعتقاد"‪" ،‬حرية الرأي"‪" ،‬حرية الكلمة"‪ ،‬كلمات من ىذا‬
‫القبيل تطلق ونظائرىا كثَت ؛ أي أن كلٌّ لو رأي‪ ،‬وكل لو عقل‪ ،‬وكل لو عقيدة ‪ ،‬ومعٌت ذلك أ ّن ىذا دعوة‬

‫‪14‬‬
‫فرق وضبد لو وثناء عليو ‪ ،‬وال ديكن أن يكون اجتماع إال على كلمة سواء‪ ،‬أما إذا كان الناس كل لو‬ ‫للتّ ّ‬
‫وجهة وكل لو عقيدة وكل لو مذىب كيف جيتمعون؟ مثل ما قال أحد أىل العلم يف قضااي الدين عموماً‪،‬‬
‫ارض عن أيب بكر وعمر‪ ،‬وآخر يطوف ابلبيت‬ ‫رجل يطوف ابلبيت وىو يقول‪ :‬اللهم َ‬ ‫لكن أخذًن مثاالً‪ٌ :‬‬
‫ويقول‪ :‬اللهم الْ َعن أاب بكر وعمر‪ ،‬أين ىذا من ىذا؟! ال ديكن أن يكون بينهما اجتماع‪ ،‬وال ديكن أن‬
‫قس عليو بقية أمور الدين ‪ ،‬شخص يقول‪ :‬اإلديان يزيد‬ ‫يقال‪ :‬ىنا حرية كلمة أو حرية رأي‪ ،‬ىذا مثال وإال ْ‬
‫وينقص‪ ،‬وآخر يقول‪ :‬ال يزيد وال ينقص‪ ،‬أو آخر يُثبت القدر ويؤمن بو‪ ،‬وآخر ينفيو وجيحده‪ ،‬وىكذا؛‬
‫اختبلف يف العقيدة واختبلف يف العبادة ‪ ،‬ىذه األمور ما ديكن أن توجد وتبقى ويبقى معها اجتماع ‪،‬‬
‫التفرق ال يكون يف الدين‪ ،‬وؽبذا أحد العلماء قال كلمة عظيمة‬ ‫وؽبذا االجتماع ال يكون إالّ على ال ّدين ‪.‬و ّ‬
‫يف معٌت قول النيب صلى هللا عليو و سلم‪(( :‬وال تباغضوا)) قال «ويف قولو صلى هللا عليو و سلم‪(( :‬وال‬
‫جدت الفرقة بُت‬
‫وجدت ُو ْ‬‫ْ‬ ‫هني عن البدعة» ما معٌت ىذا الكبلم؟ قال‪« :‬ألن البدعة إذا‬ ‫تباغضوا)) ٌ‬
‫تفر‪ ،‬ق والسنة ذبمع‪ ،‬وؽبذا يقال‪ :‬أىل السنة واعبماعة‪ ،‬وأىل البدعة والفرقة‪ .‬البدعة إذا‬ ‫اؼبسلمُت»‪ ،‬البدعة ِّ‬
‫صبعت‪.‬السنة ذبمع والبدعة تفرق ؛ فبل ديكن أن نغالط حقائق األمور‬ ‫ْ‬ ‫جدت‬
‫السنة إذا ُو ْ‬
‫قت‪ ،‬و ّ‬
‫جدت فر ْ‬
‫ُو ْ‬
‫كل على بدعة ويُطلب االجتماع على !! بل بعضهم قعد يف ىذا قاعدة‬ ‫ونطلب االجتماع على البدعة‪ٌ ،‬‬
‫ت أصبلً يف العلم لدى أقوام ‪ ،‬قال‪" :‬قبتمع فيما اتفقنا فيو‪ ،‬ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيو" حبيث‬ ‫عُ ّد ْ‬
‫كل على عقيدة وكل على رأي وكل على مذىب ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيو ‪ .‬ىذا ضياع لل ّدين‪،‬‬
‫ىذا تقعيد لضياع الدين‪ ،‬وتقعي ٌد الفًتاق اؼبسلمُت وعدم اجتماعهم‪.‬‬
‫فاؼبصنِّف رضبو هللا يقول ىنا‪(( :‬صار األمر أن االفرتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم والفقو يف‬
‫ال ّدين)) ومعٌت كبلمو واضح‪ ،‬أصبح الكلمات اليت تطلق ويُدعى فيها إىل االجتماع على غَت كلمة سواء‬
‫أصبحت مثل ىذه ال ّدعوات ىي‬ ‫ْ‬ ‫وإّنا كلٌّ على فكره وكلٌّ على رأيو وكلٌّ على عقيدتو وكبلتو ومذىبو ؛‬
‫الصحيحة يف أفهام كثَت من الناس‪.‬‬‫ال ّدعوة للعلم‪ ،‬والدعوة ّ‬
‫ويف مقابل ذلك ((صار األمر ابالجتماع يف الدين)) وضع إشارة عند قولو «يف الدين» ((وصار األمر‬
‫ابالجتماع يف الدين ال يقولو إالّ زنديق أو رلنون)) نعم ىناك شعارات تُرفع لل ّدعوة إىل االجتماع ‪ ،‬لكن‬
‫الصحيح اؼبتل ّقى من كتاب هللا وسنّة نبيّو صلوات هللا‬
‫الشعار الذي يرفع لبلجتماع يف ال ّدين؟! أي ال ّدين ّ‬
‫أين ّ‬
‫وسبلمو عليو‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وصار األمر ابالجتماع يف الدين ال يقولو إال زنديق أو رلنون)) عند من؟ عند ىؤالء أىل االفًتاق‬
‫أصبح ال يدعو إىل االجتماع يف الدين إال من ىو عندىم زنديق أو ؾبنون ‪ .‬ومن حي ِّذر من البدع اليت ِّ‬
‫تفرق‬
‫ألقاب سيئة‪ ،‬ويتّهمونو يف عقلو ‪ ،‬يتّهمونو يف‬ ‫ٍ‬
‫بصفات شنيعة و ٍ‬ ‫تفرق يصفونو‬ ‫ومن حي ّذر من األىواء اليت ّ‬

‫‪15‬‬
‫فكره ‪ ،‬يتهمونو يف قصده ويف نيتو ‪ ،‬ويقعون يف عرضو‪ ،‬وىو مل يفعل إال أن دعا إىل السنة وح ّذر من‬
‫نقيضها وضدىا وىو البدعة واغبدث يف دين هللا‪.‬‬
‫وىنا ينبّو اؼبصنّف أن الدعوة لبلجتماع ليست دعوة الجتماع ىكذا كيف ما اتفق وكيف ما كان‪ ،‬وإّنا ىي‬
‫دعوة لبلجتماع على كبلم هللا وكبلم رسولو ‪ ،‬على دين هللا وعلى كتابو وعلى سنّة رسولو عليو الصبلة‬
‫صموا ِحبب ِل اّللِ َِ‬
‫صب ًيعا َوَال تَ َفرقُوا [آل‬ ‫ِ‬
‫{و ْاعتَ ُ َْ‬ ‫ورب العاؼبُت أمر العباد ابالجتماع واالعتصام قال‪َ :‬‬ ‫والسبلم ‪ّ ،‬‬
‫وجل‬
‫عز ّ‬ ‫عمران‪ ]ٖٔٓ:‬؛ حبلو قيل‪ :‬القرآن‪ ،‬قيل‪ :‬السنة‪ ،‬قيل‪ :‬اإلسبلم‪ .‬وىذا كلّو صحيح ‪ ،‬كلها حبل هللا ّ‬
‫دل عليو كتابو وسنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم‬ ‫؛ حبلو ودينو الذي ّ‬
‫قال رضبو هللا تعاىل ‪:‬‬
‫النيب‬
‫السمع والطاعة دلن أتمر علينا ولو كان عبداً حبشيا ‪ ،‬فبني ُّ‬ ‫األصل الثالث ‪ :‬أ ّن من متام االجتماع ّ‬
‫‪ ‬ىذا األصل بياانً شائعاً كافيًا بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا ‪ .‬مث صار ىذا األصل ال يعرف‬
‫عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل بو؟!‬
‫**************‬
‫السمع والطّاعة دلن أتمر علينا ولو كان عبداً‬ ‫مث ذكر رضبو هللا األصل الثالث ((أن من متام االجتماع ّ‬
‫الشفاية والكفاية‬ ‫حبشياً‪ .‬فبني هللا ىذا بياانً شائعاً كافياً)) شائعاً ‪ :‬أي ذائعاً منتشراً ‪ ،‬وشافياً‪ :‬أي فيو ّ‬
‫والغنية ((بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً)) شرعاً‪ :‬أي فيما جاء من ال ّدالئل على ذلك يف الكتاب‬
‫السنة ‪.‬‬
‫و ّ‬
‫َطيعوا اّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا أ ُ َ َ‬ ‫{اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫وجل‪َ :‬‬
‫عز ّ‬ ‫واألدلة يف القرآن والسنة يف السمع والطّاعة كثَتة‪ ،‬قال ّ‬
‫ُوِل ْاألَم ِر ِ‬
‫النيب عليو الصبلة والسبلم أحاديث كثَتة جداً يف‬ ‫ّ‬ ‫سنة‬ ‫ويف‬ ‫]‪.‬‬ ‫‪ٜ٘‬‬ ‫[النساء‪:‬‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ول َوأ ِ ْ‬ ‫الر ُس َ‬
‫السمع والطّاعة اقرأ طرفاً كبَتاً منها يف كتاب اإلمارة من صحيح مسلم؛ أورد أحاديث كثَتة جداً فيها األمر‬
‫أتمر ‪.‬‬
‫ابلسمع والطّاعة ؼبن ّ‬
‫وأشار اؼبصنّف رضبو هللا ىنا إىل حديث العرابض بن سارية الذي قال فيو العرابض‪« :‬وعظنا رسول هللا صلى‬
‫ِ‬
‫مودع‬
‫كأهنا موعظة ّ‬ ‫هللا عليو و سلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون‪ .‬فقلنا‪ :‬اي رسول هللا ّ‬
‫أتمر عليكم وإن كان عبداً)) ‪ ،‬وجاء يف‬ ‫وجل والسمع والطاعة ؼبن ّ‬‫عز ّ‬ ‫فأوصنا» قال‪(( :‬أوصيكم بتقوى هللا ّ‬
‫أتمر عليكم وصارت لو الغلبة وتوىل األمر‬ ‫بعض األحاديث‪(( :‬وإن كان عبداً حبشيّاً كأ ّن رأسو زبيبة)) إذا ّ‬
‫لسمع والطّاعة‪ .‬واألحاديث يف ىذا الباب كثَتة منها ‪ :‬ما جاء يف الصحيح عن عبادة‬ ‫استتب لو األمر فا ّ‬
‫و ّ‬
‫بن الصامت قال‪(( :‬ابيعنا رسول هللا صلى هللا عليو و سلم على السمع والطاعة يف العُسر واليُسر واؼبنشط‬
‫واؼبكره‪ ،‬وأن ال ننازع األمر أىلو)) قال‪(( :‬ما مل تروا كفراً بواحاً عندكم فيو من هللا برىان))‪ .‬وجاءت‬

‫‪16‬‬
‫أحاديث فيها الوعيد ؼبن نزع اليد من الطاعة وأنو إذا مات على ذلك مات ميتة اعباىلية ‪ ،‬وديكن الوقوف‬
‫على األحاديث يف ىذا الباب يف كتاب اإلمارة من صحيح مسلم ألنو رضبو هللا صبع يف ىذا الباب قدراً‬
‫كبَتاً من األحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليو و سلم‪.‬‬
‫فهذا األمر ّبُت يف الكتاب والسنة كما أشار اؼبصنِّف بياًنً شافياً كافياً بوجوه من أنواع البيان‪ ،‬فهذا حبث‬
‫آخر مقًتح‪.‬‬
‫البحث األول‪ :‬وجوه أنواع البيان يف األمر ابالجتماع‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬وجوه أنواع البيان يف السمع والطاعة ‪.‬‬
‫األول‪ :‬االجتماع‪ ،‬والثاين‪:‬‬
‫وىذا األمر مرتبط ابلذي قبلو أو ىذا األصل مرتبط ابألصل الذي قبلو؛ األصل ّ‬
‫األول منها إالّ ابلثاين؛ ألنو ال اجتماع إالّ إبمام ‪ ،‬وال‬
‫السمع والطاعة‪ .‬وىذان أصبلن مًتابطان ال يتح ّقق ّ‬
‫إمام إال بسمع وطاعة‪ ،‬بل إ ّن ىذه األصول الثبلثة اليت ذكرىا اؼبصنّف رضبو هللا ىنا مًتابطة ؛ اإلخبلص يف‬
‫العبادة‪ ،‬وأن يؤدي الناس عبادهتم مطمئنُت أبمن وأمان وسبلمة وطمأنينة‪ ،‬وىذا ال يتح ّقق ؽبم إالّ ابالجتماع‬
‫‪ ،‬أما إذا كانوا متفرقُت متعادين متباغضُت شغلتهم الفرقة عن الدين وعن العبادة وعن اإلخبلص‪ ،‬وصاروا‬
‫متشتتُت يف آرائهم وأفكارىم ووجهاهتم عن العبادة اليت ُخلقوا ألجلها ‪.‬‬
‫والقيام ابلعبادة حيتاج إىل اجتماع ‪ ،‬واالجتماع البد فيو من رأس وِل أمر إمام ‪ ،‬وال إمام إال بسمع وطاعة‪،‬‬
‫تبعا لذلك الفرقة‪ ،‬وإذا‬
‫وؽبذا إذا انفرط العقد يف ىذه انفرط يف صبيعها ‪ ،‬إذا نُزعت اليد من الطاعة ووجد ً‬
‫تفرقوا‬ ‫ِ‬
‫وجدت الفرقة ضاع الدين وضل الناس‪ .‬وقد أشار اؼبصنّف رضبو هللا قال‪(( :‬وهناان أن نكون كالذين ّ‬
‫للشمل‪ ،‬كيف يتح ّقق للنّاس عبادة؟ كيف‬ ‫واختلفوا قبلنا فهلكوا)) فالفرقة ىبلك وضياع لل ّدين وتشتّت ّ‬
‫يتح ّقق ؽبم طلب علم؟ وكيف يتح ّقق ؽبم فبارسة مصاغبهم العامة واػباصة إذا كانوا متفرقُت متعادين‬
‫كل ىذه األمور ال تتح ّقق إالّ‬‫متباغضُت؟ كيف تقام اغبدود؟ كيف يطمئن الناس على األموال واألعراض؟ ّ‬
‫جبماعة‪ ،‬واعبماعة ال تتحقق إال إبمام‪ ،‬واإلمامة ال تكون إال بسمع وطاعة؛ وؽبذا كان من األصول اليت أ ّكد‬
‫عليها عليو الصبلة والسبلم‪ :‬السمع والطاعة‪ ،‬بل إنو صلى هللا عليو و سلم ضم ىذا األصل يف بعض‬
‫حجة الوداع صلى هللا عليو و سلم‪(( :‬اعبدوا ربكم‪ ،‬وصلُّوا‬ ‫أحاديثو إىل فرائض اإلسبلم كما قال يف ّ‬
‫طبسكم‪ ،‬وصوموا شهركم‪ ،‬و ُّأدوا زكاة مالكم‪ ،‬وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّة ربِّكم)) ؛ فذكر الطاعة لذي‬
‫األمر مضمومةً إىل إقامة الصبلة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان ‪ ،‬وجعل ىذه كلها من موجبات دخول اعبنة‬
‫حجة الوداع‬
‫قال‪(( :‬تدخلوا جنّة ربّكم)) ‪ ،‬فأ ّكد عليو الصبلة والسبلم على ىذا األمر ‪ .‬وجاء أيضاً عنو يف ّ‬
‫أتمر عليكم عبد))‪.‬‬‫ابلسمع والطّاعة وإن ّ‬
‫أنو قال‪(( :‬عليكم ّ‬
‫حجة الوداع اعبمع بُت ىذه األصول الثبلثة اليت أشار إليها اؼبصنف يف حديث واحد يف‬ ‫وجاء عنو أيضاً يف ّ‬
‫مسجد اػبيف‪ ،‬خطب النّاس يف ّأول أايم التشريق يف مسجد اػبيف من مٌت كما يف حديث جبَت بن‬
‫‪17‬‬
‫مطعم يف حديث ابن مسعود قال‪ :‬يقول جبَت‪ :‬ظبعت رسول هللا صلى هللا عليو و سلم يف اػبيف من مٌت‬
‫ورب حامل فقو إىل‬ ‫فرب حامل فقو غَت فقيو‪ّ ،‬‬ ‫فأداىا كما ظبعها‪ّ ،‬‬‫((نضر هللا امرءً ظبع مقاليت فوعاىا ّ‬
‫يقول‪ّ :‬‬
‫من ىو أفقو منو‪ ،‬ثبلث ال يُغِ ُّل عليهن قلب امرئ مسلم‪ :‬إخبلص العمل هلل‪ ،‬ولزوم صباعة اؼبسلمُت‪،‬‬
‫ومناصحة من والّه هللا أمرىم)) ؛ فجمع عليو الصبلة والسبلم بُت ىذه األمور الثبلثة يف حديث واحد‪،‬‬
‫غل وأنفة‬ ‫ِ‬
‫غل ‪ :‬أي ال يوجد فيو ّ‬ ‫وأخرب عليو الصبلة والسبلم أ ّن قلب اؼبسلم ال يُغ ّل على ىذه األمور‪ ،‬ال يُ ّ‬
‫من ىذه األمور ‪ ،‬بل يتقبّلها ابنشراح وقبول وال يستنكف وال يستكرب‪ ،‬بل يتقبّلها بكل انشراح‪ :‬اإلخبلص‪،‬‬
‫ولزوم اعبماعة‪ ،‬والسمع والطّاعة‪ ،‬خبلف ما كان عليو أىل اعباىليّة‪.‬‬
‫واؼبصنِّف رضبو هللا شيخ اإلسبلم دمحم بن عبد الوىاب ؼبا صنّف كتابو «مسائل اعباىليّة اليت خالفها‬
‫فرق‪ ،‬واؼبسألة الثالثة‪:‬‬ ‫اإلسبلم» بدأىا أبضداد ىذه الثبلثة‪ ،‬قال‪ :‬اؼبسالة األوىل الشرك‪ ،‬واؼبسألة الثانية‪ :‬التّ ّ‬
‫شرك وتفرق وعدم ظبع وطاعة ‪،‬‬ ‫عدم السمع والطاعة‪ .‬واالستكبار عن السمع والطاعة ؛ ىذه جاىلية‪ٌ ،‬‬
‫واإلسبلم جاء ابلتوحيد‪ ،‬وجاء ابالجتماع‪ ،‬وجاء ابلسمع والطاعة‪ ،‬وىي أمور مًتابطة‪.‬‬
‫يغل عليهن قلب امرئ مسلم)) قال أيضاً العلماء يف معناه‪ :‬أن من ُوجد عنده ىذه‬ ‫وقولو‪(( :‬ثبلث ال ّ‬
‫الغل ‪ ،‬من ُوجد عنده ىذه األمور الثبلثة اإلخبلص هلل‪ ،‬ولزوم اعبماعة‪،‬‬ ‫األمور الثبلثة انتفى من قلبو ّ‬
‫والنّصيحة لوالة األمر فليس للغل يف قلبو مكان ‪.‬‬
‫‪ ‬أما اإلخبلص ‪ :‬فإ ّن قلبو متجو يف أعمالو كلها لطلب رضا هللا ‪ ،‬ال ؼبطمع دنيوي‪ ،‬وال لشهرة يريدىا‪ ،‬وال‬
‫غبظوظ زبصو يطمع هبا‪ ،‬وإّنا أعمالو يقوم هبا مبتغياً هبا وجو هللا ‪{ ،‬إِّنَا نُطْعِ ُم ُك ْم لَِو ْج ِو‬
‫اّللِ [اإلنسان‪ ، ]ٜ:‬فهو يف معاملتو للناس وؾبالستو ؽبم وؿبادثتو ؽبم كل ذلك قائم عنده على اإلخبلص‬
‫الغل إىل قلبو ‪ ،‬وقلبُو معمور ابإلخبلص للمعبود‬ ‫واؼبراقبة هلل تبارك وتعاىل ؛ فمن كان ىذا شأنو أين سبيل ّ‬
‫سبحانو وتعاىل!!‬
‫‪ ‬مث ينضم إىل ذلك حرصو على اعبماعة ونبذه الفرقة ورغبتو يف اجتماع الدين واجتماع أىلو عليو ‪ ،‬فمثل‬
‫الغل؛ أل ّن قلبو‬ ‫ِ‬
‫ىذا الذي ىو مبلزٌم للجماعة حريص عليها حريص على االجتماع ال يدخل إىل قلبو ّ‬
‫فالغل ليس لو سبيل على قلبو‪.‬‬ ‫متجو إىل اجتماع كلمة اؼبسلمُت ونبذ الفرقة‪ّ ،‬‬
‫وجل صبلحهم وىدايتهم ‪ ،‬وتقدديو للنصيحة‬ ‫‪ ‬وإذا كان ًنصحاً لوالة األمر يف قلبو ابل ّدعاء وسؤال هللا عز ّ‬
‫ؽبم ما استطاع ابلوسائل الشرعية والطرق الشرعية ‪ ،‬إذا كان هبذا األسلوب وهبذه الطريقة ال يكون يف قلبو‬
‫غلٌّ؛ وؽبذا ىنا ذبد الفرق بُت العامل وبُت صاحب اؽبوى ‪،‬كما قال الرب هباري رضبو هللا يف كتابو شرح‬
‫للسلطان فاعلم أنّو صاحب سنة‪ ،‬وإذا رأيتو يدعو على السلطان‬ ‫السنة قال‪« :‬إذا رأيت الرجل يدعو ّ‬
‫فاعلم أنو صاحب بدعة»‪ .‬وىنا يتبُت الفرق؛ صاحب السنة يهمو اجتماع اؼبسلمُت‪ ،‬ويعرف أن‬
‫اجتماعهم ال يكون إال على إمام ‪ ،‬ويعلم أن صبلح اإلمام صبلح للرعيّة؛ وؽبذا كان الفضيل يقول‪« :‬لو‬
‫‪18‬‬
‫كان ِل دعوة مستجابة عبعلتها للسلطان»‪ .‬قال عبد هللا بن اؼببارك‪« :‬ومن يقدر على ىذا إال مثلك؟!»‬
‫كل أحد‪ ،‬قال‪« :‬من يقدر على ىذا إال مثلك»‪ ،‬لو قيل اآلن‬ ‫‪ ،‬ىذه درجة يف الفقو عالية ما يصل إليها ّ‬
‫ألحدًن‪ :‬لك دعوة واحدة مستجابة‪ ،‬أدعو بشيء واحد معُت اآلن وتظفر بو إىل ماذا يتجو؟ يقول عبد‬
‫هللا بن اؼببارك‪« :‬من يقدر على ىذا إال مثلك» اآلن ىذا قلب كبَت الذي يقول‪« :‬لو كان ِل دعوة‬
‫األمة ابل ّدعوة اؼبستجابة ‪ ،‬مل خيصها لنفسو ؛‬‫مستجابة عبعلتها للسلطان» ىذا قلب كبَت ألنو استوعب ّ‬
‫الرعية تبع ‪ ،‬إذا طاب‬‫السلطان ّ‬ ‫األمة كلها ؼباذا ؟ ألنو إذا دعا للسلطان وأصلح هللا عز وجل ّ‬ ‫استوعب ّ‬
‫اؼبلك طاب اعبند‪ ،‬مثل قال أبو ىريرة هنع هللا يضر‪(( :‬وإذا طاب اؼبلك طابت جنوده)) والناس تبع ؼبلوكهم يف‬
‫الرئيس أو الواِل ويصلح عدد من الرعية والعكس أيضاً‪ ،‬لكن األصل أن الناس‬ ‫الغالب ‪ ،‬وإال قد يفسد ّ‬
‫تبع ؼبلوكهم ؛ وؽبذا ىذا قلب كبَت ؼبا يقول‪« :‬لو كان ِل دعوة مستجابة عبعلتها للسلطان» قلبو استوعب‬
‫خص ىذه الدعوة بنفسو‪ ،‬فهذا‬ ‫هبذه الدعوة األمة كلها واستوعب مصلحة األمة كلها ‪ ،‬خببلف لو أنو ّ‬
‫ويسب‬
‫ُّ‬ ‫وذبارت بو األىواء فيطعن يف الوالة‬
‫ْ‬ ‫من الفقو يف الدين‪ .‬وذبد يف اؼبقابل من الناس من يف قلبو غلٌّ‬
‫صح يف اغبديث عن النيب صلى هللا عليو و سلم قال‪(( :‬ال تسبُّوا أمراءكم)) هنى عن ذلك‪ ،‬إذا‬ ‫الوالة‪ ،‬بل ّ‬
‫ابلصبلح ابؽبداية ابالستقامة ‪ ،‬أل ّن صبلحهم يعود على رعيتهم‪ ،‬على‬ ‫كان اإلنسان لو دعاء فليدعُ ؽبم ّ‬
‫ؾبتمعهم‪ ،‬على اؼبسلمُت‪ .‬وىذا ابب من الفقو ما يصل إليو من دخل قلبو اؽبوى‪ ،‬وال يصل إليو اإلنسان‬
‫إال إذا كان على السنة ساؼباً من اؽبوى ؛ وؽبذا ال يغل ‪ ،‬يعٍت من كان عنده نصح لوالة األمر ال يغل‬
‫الغل‪ ،‬كما أ ّن لزوم اعبماعة يطرد الغل‪ ،‬كما أن اإلخبلص هلل تبارك وتعاىل‬ ‫قلبو‪ ،‬ألن النّصح للوالة يطرد ّ‬
‫يطرد الغل‪.‬‬
‫النيب عليو الصبلة والسبلم صبع بُت ىذه األصول الثبلثة يف حديث واحد قالو يف مسجد‬ ‫فالشاىد أ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫((نضر هللا امرءً ظبع‬
‫ّ‬ ‫اػبيف من مٌت‪ ،‬وىذا اغبديث‪(( :‬ثبلث ال يغل عليهن قلب امرئ مسلم)) وأولو‬
‫لعل من أسباب‬ ‫النيب صلى هللا عليو و سلم أكثر من عشرين صحابيّاً‪ .‬و ّ‬ ‫مقاليت)) حديث متواتر رواه عن ّ‬
‫النيب صلى هللا‬
‫تواتر اغبديث أنو ألقي يف ؾبم ٍع عام ويف خطبة عامة يسمعها اعبميع ‪ ،‬فهذا كلّو من نصح ّ‬
‫ألمتو صلوات هللا وسبلمو عليو‪.‬‬
‫ألمتو وبيانو ّ‬
‫عليو و سلم ّ‬
‫وقول اؼبصنّف رضبو اللههنا‪(( :‬إ ّن ىذا بُِّني شرعاً وقدراً)) شرعاً‪ :‬أي دبا جاء يف كتاب هللا وسنة نبيو صلى‬
‫هللا عليو و سلم من أدلة على ذلك‪ .‬وبيانو قدراً ‪ :‬أي دبا يُرى ويشاىد ويُعاين من الوقائع واألحداث اؼبدمية‬
‫اؼبؤؼبة بسبب التفرق‪ ،‬وأيضاً ما يشاىد ويعاين من األحداث اؼبفرحة بسبب االجتماع ‪ ،‬وكيف أنو‬
‫أىل اإلديان‬
‫ابالجتماع تتح ّقق الرضبة للناس ‪ ،‬وابلفرقة يبوؤون ابلعذاب ويصبحون هنبة لؤلعداء‪ .‬وإذا تنازع ُ‬
‫وتفرقوا ذىبت ىيبتهم وضعفت كلمتهم وتسلّط عليهم عدوىم ‪ .‬فهذا أمر مبُت قدراً من ينظر يف حال‬
‫الناس ويف واقعهم عرب التاريخ يرى واضحاً أثر االجتماع ويرى أيضاً واضحاً أثر الفرقة ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫مث يقول اؼبصنف بعد بيانو ؽبذا األمر‪(( :‬مث صار ىذا األصل الُ يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف‬
‫العمل بو)) ىذا األصل الذي ىو السمع والطّاعة ال يُعرف عند أكثر أىل العلم ‪-‬يعٍت دعك عن العوام‪-‬‬
‫ال يعرف عند أكثر أىل العلم فكيف العمل بو‪ ،‬فكيف أن يعمل بو يعٍت حيقق السمع والطاعة اليت أُمر‬
‫هبا !! إذا دخلت األىواء القلوب عميت عن السنة ‪ ،‬وأصبح يشتغل من ىو مع ٍ‬
‫نت ابلعلم ابلوقيعة يف الوالة‬
‫وإغارة الصدور على الوالة ومؤل القلوب ابلغش للوالة واغبقد وغَت ذلك من اؼبعاين اليت ليس يف القرآن وال‬
‫يف األحاديث حرف واحد يدعو إليها ‪ ،‬ال يوجد يف األحاديث حرف واحد يدعو إىل ىذه األمور‪ ،‬لكن‬
‫ترى يف األحاديث وبكثرة أمر ابلسمع والطاعة‪ ،‬أمر ابالجتماع‪ ،‬أمر ابلدعاء للوالة‪ ،‬أمر ابلنصيحة للوالة‪،‬‬
‫أحاديث كثَتة يف ىذا اؼبعٌت ‪ ،‬وال يوجد حديث واحد فيو األمر بسبِّهم‪ ،‬أو األمر بغشهم‪ ،‬أو األمر إبغارة‬
‫الصدور عليهم‪ ،‬أو مؤل النفوس غشا ؽبم ‪ ،‬ال يوجد حديث واحد ‪.‬‬
‫فمن عمل هبذه األمور ‪-‬أعٍت الغش والغل والسب‪ -‬ىل رائده يف ىذه األعمال السنة؟ إن قال‪ :‬نعم‪ ،‬أييت‬
‫حبرف واحد يف السنة يدل على ىذه األمور ‪ ،‬وإن كان رائده اؽبوى ‪-‬وىو فعبل رائده‪ -‬فهذا يهلك نفسو‬
‫ويهلك غَته‬
‫فالسنة ليس فيها إال الدعوة لبلجتماع واؼبناصحة ‪ ،‬حىت لو حصل من وِل األمر فساد وجور وظلم ففي‬
‫ىذا اؼبقام أكد النيب صلى هللا عليو و سلم أيضاً على السمع والطاعة‪ ،‬قال‪(( :‬اظبع وأطع وإن أخذ مالك‬
‫وضرب ظهرك)) ؛ وىذا فيو لفت انتباه إىل عموم الناس أن ضياع حظ اإلنسان ونصيبو الدنيوي ليس ـبوال‬
‫أًنس نزعوا أو كان سبب نزع اليد من طاعة ىو فوات حظّو الدنيوي ‪ ،‬مل‬ ‫لنزع اليد من الطاعة ‪ ،‬وكم من ٍ‬
‫حيصل كذا ومل حيصل كذا فيبدأ يسب الوالة ويطعن فيهم ويوغر الصدور عليهم ‪ ،‬وإذا فتشت عن سبب‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫نظرا غبظ النفس ‪ ،‬وؽبذا لفت النيب صلى هللا عليو و سلم االنتباه‬ ‫ىجمتو ىذه ال ذبدىا نصرًة للدين وإّنا ً‬
‫ؽبذا األمر قال‪(( :‬اظبع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك)) قال‪(( :‬اظبع وأطع)) ‪ .‬وجاء أيضاً‪(( :‬اصرب‬
‫حىت يسًتيح بَر أو يسًتاح من فاجر))‪ .‬أ ّكد على ىذا اؼبعٌت ‪ ،‬وكثَت من الناس عندما يدخل يف ىذه‬
‫القضية يدخل غبظوظو الدنيويّة؛ ّإما كان يريد رائسة فما حصلت لو‪ ،‬أو زعامة مل تتح ّقق لو‪ ،‬أو ماالً‪ ،‬أو ما‬
‫ضوا َوإِ ْن َملْ يُ ْعطَْوا ِمْن َها إِ َذا ُى ْم يَ ْس َخطُو َن [التوبة‪ ، ]٘ٛ:‬لكن الناصح‬ ‫ِ‬
‫إىل غَت ذلك {فَِإ ْن أ ُْعطُوا مْن َها َر ُ‬
‫عز وجل ‪ ،‬حىت لو فات بعض حظو‪ ،‬اجتماع الناس وصبلح أمرىم أىم‬ ‫الذي ليس يف قلبو غل مهو دين هللا ّ‬
‫عنده وأوىل عنده ابلعناية‪.‬‬
‫الشوكاين رضبو ا هلل يف رسالة لو يف ىذا الباب قصة تصور حال العوام يف ىذا الباب يقول‪ :‬كنا يف‬ ‫يذكر ّ‬
‫ؾبلس فتكلم أحدىم يف أحد الوزراء أخذ يطعن فيو ‪ ،‬فقلت لو تطعن فيو لدينو أو للدنيا ؟ قال بل للدين ‪،‬‬
‫يقول مث سكتنا قليبل فبدأ الرجل يتكلم عن ذاك الوزير قال ‪ :‬الفاعل ابن الفاعل يركب الفاره من الدواب‬
‫ويلبس الفاخر من الثياب ويسكن الكذا من القصور ‪ ،‬أصبح اغبديث عن ماذا ؟ عن الدنيا ردبا لو أعطي‬
‫‪21‬‬
‫ىذا مثلو قصور و‪ ..‬انتهت اؼبشكلة ‪ ،‬فأصبح طعنو فيو يف أمر الدنيا وليس نصحا للدين ‪ ،‬ولو كان نصحا‬
‫للدين ليس ىذا سبيلو‪ .‬سبيلو النصيحة اؼببينة يف سنة النيب الكرمي عليو الصبلة والسبلم ‪.‬‬
‫فهذه األمور ما تصلح إال ابلسنة ‪ ،‬والسنة البد فيها من قراءة أحاديث النيب صلى هللا عليو و سلم ٍ‬
‫بتجرد‬
‫من األىواء‪ .‬وكثَت من الناس بسبب غلبة األىواء عليهم يستوحش من قراءة األحاديث اليت فيها األمر‬
‫ابلسمع والطاعة‪ ،‬يقرأ ببل استيحاش األحاديث اليت يف الصبلة‪ ،‬ويقرأ ببل استيحاش األحاديث اليت يف‬
‫الزكاة‪ ،‬وإذا جاء إىل مثل كتاب اإلمارة من صحيح مسلم استوحش من األحاديث! ؼباذا؟ الذي أمر‬
‫ابلصبلة والصيام ىو الذي أمر ابلسمع والطاعة ‪ ،‬ومصلحة اؼبسلمُت يف ىذا كلو‪.‬‬
‫فهذا ابب عظيم وأصل مهم ؛ عندما يغلب على الناس األىواء يضيعونو ‪ ،‬ويكون تضييعهم لو ليس مبنيا‬
‫على قواعد شرعية ‪ ،‬وإّنا مبٍت على أىواء تتجارى ابلناس وتذىب هبم اؼبذاىب‪ ،‬ويف ىذا الباب ذبد من‬
‫يسلك ىذا اؼبسلك ‪-‬مسلك الفرقة والوقيعة يف الوالة‪ -‬يوصف بُت عوام اؼبسلمُت دباذا ؟ يوصف ابلذي ال‬
‫أتخذه يف هللا لومة الئم ‪ ،‬يقول كلمة اغبق وال يباِل ‪ ،‬وألقاب تطلق يف غَت ؿبلها حىت يُنفخ يف الناس‪،‬‬
‫وحقيقة أمره أنو يشق صف اؼبسلمُت ويفرق كلمتهم وال يتح ّقق فيهم على يديو خَتاً‪ ،‬اػبَت ابالجتماع‪،‬‬
‫الرضبة ابالجتماع‪ ،‬إبصبلح األمور ‪ ،‬ابلنصيحة‪ ،‬ابلدعاء ابلتعاون‪ ،‬ابللُت‪ ،‬ليس إبيغار الصدور‪ ،‬وتفرق‬
‫فالشاىد أ ّن ىذه األصول الثبلثة‪ :‬اإلخبلص‪،‬‬‫الكلمة‪ ،‬وتشتيت الشمل ؛ ىذه األمور ال يتحقق هبا خَت‪ّ .‬‬
‫قل من يعمل هبا بسبب األىواء‬ ‫واالجتماع‪ ،‬والسمع والطاعة‪ ،‬أصول كثر بياهنا يف النصوص واألدلة ‪ ،‬ولكن ّ‬
‫اليت تتجارى ابلناس‪.‬‬

‫قال اؼبؤلف رضبو هللا تعاىل وغفر لو وللشارح والسامعُت ‪:‬‬


‫األصل الرابع ‪ :‬بيان العلم والعلماء والفقو والفقهاء وبيان من تشبو هبم وليس منهم ‪ ،‬وقد بني هللا تعاىل‬
‫ِت ال ِِت أَنْ َع ْم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَْي ُكم}‬ ‫ائيل اذْ ُك ُروا ن ْع َم ِ َ‬
‫{اي بَِين إ ْسر َ‬
‫ىذا األصل يف أول سورة البقرة من قولو ‪َ :‬‬
‫{اي بَِين إِ ْسرائيل }[البقرة‪ ]ٕٕٔ:‬اآلية‪ ،‬ويزيده‬ ‫[البقرة‪ ]ٗٓ:‬إىل قولو قبل ذكر إبراىيم عليو السالم‪َ :‬‬
‫وضوحاً ما صرحت بو السنة يف ىذا من الكالم الكثري البني الواضح للعامي البليد‪ ،‬مث صار ىذا أغرب‬
‫األشياء‪ ،‬وصار العلم والفقو ىو البدع والضالالت‪ ،‬وخيار ما عندىم لبس احلق ابلباطل‪ ،‬وصار العلم‬
‫الذي فرضو هللا تعاىل على اخللق ومدحو ال يتفوه بو إال زنديق أو رلنون‪ ،‬وصار من أنكره وعاداه‬
‫وصنف يف التحذير منو والنهي عنو ىو الفقيو العامل))‪.‬‬
‫************‬
‫قال اؼبصنف رضبو هللا ‪(( :‬األصل الرابع ‪ :‬بيان العلم والعلماء والفقو والفقهاء وبيان من تشبو هبم وليس‬

‫‪21‬‬
‫ِ‬
‫أصل التبس على كثَت من الناس واختلط‬ ‫منهم))؛ ىذا األصل عقده اؼبصنّف رضبو هللا وأورده ىنا ألنو ٌ‬
‫عليهم دعاة اغبق من دعاة الباطل ‪ ،‬وأصبح الناس أيخذون عن كل متكلم ويبتغون كل ًنعق ‪ ،‬وال دييزون‬
‫بُت أىل اغبق والباطل بل ليس عندىم آلة دييزون هبا بُت من ىو داعية للحق أو داعية للهوى والباطل ‪،‬‬
‫اسأَلُوا‬
‫ورب العاؼبُت أرشد يف كتابو السائلُت واؼبستفتُت واؼبتعلمُت؛ أرشدىم إىل األخذ عن أىل الذكر‪{ :‬فَ ْ‬
‫أ َْى َل ال ِّذ ْك ِر إِ ْن ُكْن تُ ْم َال تَ ْعلَ ُمو َن [النحل‪ . ]ٖٗ:‬ليس األخذ عن كل أحد وإّنا األخذ عن أىل الذكر وىم‬
‫أىل العلم والفقو بدين هللا تبارك وتعاىل‪ .‬وعندما خيتلط ىذا األمر على الناس يصبح أخذىم عن كل أحد‬
‫وتلقيهم عن كل متحدث ‪ ،‬وىذا من أعظم أسباب االكبراف عن دين هللا تبارك وتعاىل ‪ ،‬وقد صح يف‬
‫األئمة اؼبضلُت)) ‪،‬‬‫اغبديث عن النيب صلى هللا عليو و سلم أنو قال‪(( :‬إن أخوف ما أخاف على أميت ّ‬
‫وأئمة الضبلل ىم من يلبسون لبوس العلم ويتزيؤون بزي العلماء ولكنهم ينشرون البدع يف األمة واػبرافات‬
‫واألىواء والضبلالت وما ال أصل لو يف دين هللا ‪ ،‬ويلبسون اغبق ابلباطل ‪ ،‬ويكتمون اغبق وحيجبونو عن‬
‫حيسنون هبم الظن ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الناس ؛ فتنتشر على أيديهم البدع وتنتشر على أيديهم اػبرافات ‪ ،‬وال يزال أتباعهم ّ‬
‫ويظنون أهنم يبينون دين هللا عز وجل ‪ ،‬وتراه يؤيد ابطلو إما حبديث مكذوب‪ ،‬أو آية حيرفها عن معناىا‪ ،‬أو‬
‫قصة خيًتعها‪ ،‬أو رؤية منامية ي ّدعيها‪ ،‬أو ذبربة يزعمها‪ ،‬أو كبو ذلك من اؼبسالك اؼبتبعة عند ىؤالء يف نشر‬
‫ما عندىم من خرافة وابطل‪ .‬ولضعف البصَتة يف الناس والفهم والدراية يروج عليهم كبلم أمثال ىؤالء ‪.‬‬
‫وؽبذا عقد اؼبصنف رضبو هللا ىذا األصل نصحاً للناس ‪ ،‬وبياًنً ؽبذا األمر ؛ أن يُعرف الفقو والفقهاء والعلم‬
‫والعلماء ‪ .‬العلم والفقو أي النافع الذي أمر هللا تبارك وتعاىل بو‪ ،‬فليس كل كبلم يُلقى ىو فقوٌ‪ ،‬وليس كل‬
‫يبُت ىو فقو‪ ،‬والعلم والفقو الذي مدح هللا عز وجل أىلو ورغب النيب صلى هللا عليو و سلم يف‬ ‫بيان ّ‬
‫ربصيلو وتلقيو ىو العلم الشرعي اؼبستمد من كتاب هللا عز وجل وسنة نبيو صلى هللا عليو و سلم‪« ،‬العلم‬
‫قال هللا قال رسولو» ىذا ىو العلم على ضوء فهم الصحابة الكرام ومن اتبعهم إبحسان؛ ىذا ىو العلم‬
‫يورثوا ديناراً وال‬
‫الذي امتدحو هللا وىذا ىو مَتاث األنبياء ‪ ،‬كما قال عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬فإن األنبياء مل ّ‬
‫ورثوا العلم ‪ ،‬فمن أخذه أخذ حبظ وافر)) ‪ ،‬وىذا ىو العلم الذي شهد عليو الصبلة والسبلم‬ ‫درمهاً وإّنا ّ‬
‫لصاحبو ابػبَتية ((من يرد هللا بو خَتاً يفقو يف ال ّدين)) ‪(( ،‬خَتكم من تعلّم القرآن وعلّمو))‪(( ،‬من سلك‬
‫سهل هللا لو بو طريقاً إىل اعبنة)) ‪(( ،‬وإ ّن اؼببلئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا‬ ‫طريقاً يلتمس فيو علماً ّ‬
‫الشرعي‪ .‬واؼبراد‬‫اغبث عليو فاؼبراد هبا العلم ّ‬
‫وردت يف الًتغيب يف العلم و ّ‬‫دبا يصنع))‪.‬كل األحاديث اليت ْ‬
‫وجل‪ ،‬سواء أريد ابلفقو الفقو األكرب الذي ىو العقيدة وأصول‬ ‫عز ّ‬ ‫ابلفقو الفقو الذي يستمد من كتاب هللا ّ‬
‫الدين ‪ ،‬أو الفقو األصغر الذي ىو األحكام والفروع‪ ،‬فهذه كلّها فقو يف دين هللا تبارك وتعاىل‪ .‬وال يكون‬
‫وجل وسنة رسولو عليو الصبلة والسبلم على‬ ‫عز ّ‬ ‫ىذا الفقو صاغباً سديداً إالّ إذا كان مستمداً من كتاب هللا ّ‬
‫ضوء فهم السلف الصاحل رضبهم هللا‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫الضرر‪ ،‬ومن أعظم‬ ‫ضر ابلناس غاية ّ‬ ‫وعند ما ال سبيّز ىذه اغبقيقة ُزبلط أمور يف ىذا الباب وتسمى علماً فتُ ّ‬
‫وجل دبعزل عن‬ ‫عز ّ‬ ‫ذلك خطراً على الناس وأدىاه عليهم علم الكبلم الذي بٌت عليو أراببو فهم دين هللا ّ‬
‫كتاب هللا وسنة نبيو صلى هللا عليو و سلم ‪ ،‬وصار الواحد منهم يف تقريره ألمور دينو وأمور االعتقاد يذكر‬
‫عقليات وتصورات وفلسفات ما أنزل هللا هبا من سلطان‪ ،‬فإذا أراد أن يقرر عقيدة قال‪ :‬دبا أن كذا يكون‬
‫كذا ‪ ،‬ولو كان كذا لكان كذا ؛ فيمضي هبذا األسلوب يف تقرير االعتقاد وبُت يديو كتاب هللا ًنطق ابغبق‬
‫ابغبق ودالة عليو فيُعرض عنهما‪ ،‬مث يقحم عقلو‬ ‫وبُت يديو سنة رسول هللا صلى هللا عليو و سلم شاىدة ّ‬
‫القاصر وتصوراتو الضعيفة! فيبدأ يقرر يف االعتقاد ما ال أساس لو وال أصل عليو‪ ،‬خوض يف هللا ويف دين هللا‬
‫ويف شرع هللا ببل علم؛ وىذا من أعظم احملرمات وأكرب اآلاثم { َوأَ ْن تَ ُقولُوا َعلَى اّللِ َما َال‬
‫صَر َوالْ ُف َؤ َاد ُك ُّل أُولَئِ َ‬
‫ك َكا َن َعْنوُ‬
‫تَعلَمو َن [األعراف‪{ ،]ٖٖ:‬وَال تَ ْقف ما لَيس لَ َ ِ ِ‬
‫ك بِو ع ْل ٌم إِن الس ْم َع َوالْبَ َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫َم ْسئُ ًوال [اإلسراء‪. ]ٖٙ:‬‬
‫وابت علم التوحيد الذي ىو أعظم العلوم وأجلها يسمى بسبب تعلق ىؤالء بعلم الكبلم يسمى «علم‬
‫الكبلم» يسمى علم التوحيد عندىم أو علم العقيدة يسمى علم الكبلم‪ ،‬ويبدأ ىؤالء يف تقرير االعتقاد على‬
‫العز رضبو هللا يف شرحو‬ ‫الكبلم الباطل واػبوض يف دين هللا عز وجل ابلعقليات واآلراء ‪ ،‬وقد قال ابن أيب ّ‬
‫للعقيدة الطحاوية‪« :‬كيف يرام الوصول إىل علم األصول بغَت ما جاء بو الرسول عليو الصبلة والسبلم؟!»‬
‫أي أ ّن ىذا ؿبال ال ديكن‪ ،‬ال ديكن لئلنسان أن يصل إىل األصول الصحيحة والعقيدة السليمة دون أن‬
‫الصحيحة إال ابلتلقي عن‬ ‫يتلقى ذلك عن رسول هللا عليو الصبلة والسبلم‪ ،‬وال ديكن أيضاً أن يعرف العبادة ّ‬
‫كل طريق إىل هللا سبحانو وتعاىل مسدود إال من طريق‬ ‫الرسول عليو الصبلة والسبلم؛ وؽبذا قال العلماء‪ّ :‬‬
‫حق وإىل علم ًنفع وإىل سديد‬ ‫الرسول عليو الصبلة والسبلم‪ ،‬ال ديكن لئلنسان أن يصل إىل ىدى وإىل ّ‬
‫قول وص احل عمل إال ابتباع الرسول صلى هللا عليو و سلم‪ ،‬وجعلو أسوة وقدوة يف عقيدتو وعبادتو وعملو‬
‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن يَ ْر ُجو اّللَ َوالْيَ ْوَم ْاآل ِخَر [األحزاب‪.]ٕٔ:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫{لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم ِيف َر ُسول اّلل أ ْ‬
‫ضل‪ ،‬وؽبذا كان شيخ اإلسبلم ابن تيمية رضبو هللا كثَتاً‬ ‫ومن فارق ما جاء بو الرسول صلى هللا عليو و سلم ّ‬
‫ضل السبيل‪ ،‬وال دليل إالّ ما جاء بو الرسول صلى هللا عليو و سلم » ويقول‬ ‫ما يقول‪« :‬من فارق ال ّدليل ّ‬
‫اغبجة‪،‬‬
‫رضبو هللا‪« :‬كلٌّ يستدل لقولو ال بو إال هللا ورسولو»‪ ،‬كبلم هللا وكبلم رسولو عليو الصبلة والسبلم ىو ّ‬
‫اغبجة إن وجدت يف‬ ‫حجةً‪ ،‬وإّّنا تطلب لو ّ‬ ‫وكبلم غَت هللا وكبلم غَت الرسول عليو الصبلة والسبلم ليس ّ‬
‫رد عليو قولو‪ ،‬وىذا معٌت قول مالك رضبو‬ ‫كتاب هللا أو سنة رسولو عليو الصبلة والسبلم‪ ،‬فإن وجدت وإالّ ّ‬
‫هللا‪« :‬كلٌّ يؤخذ من قولو ويًتك إالّ صاحب ىذا القرب» يعٍت رسول هللا صلى هللا عليو و سلم‪.‬‬
‫وكما يشَت اؼبصنِّف رضبو هللا ىنا ؛ اؼبصيبة على الناس يف ىذا الباب عظمت ألهنم أصبحوا ال دييزون بُت‬
‫اغبق وأدعياء الباطل‪ ،‬بل أصبح بعض العوام دييل يف تلقيو ويف استفتائو إىل من يراه يفتيو دبا يريد أو‬ ‫دعاة ّ‬
‫‪23‬‬
‫من يراه يفتيو على ىواه‪ ،‬وذبده يتنقل بُت من يفتون واحداً تلو اآلخر إىل أن يقع على شخص يرخص لو‬
‫وجل‪ ،‬وإّنا منشوده األمر الذي اذبو للسؤال عنو أو‬ ‫عز ّ‬ ‫فيما يريد ‪ ،‬ليس منشوده اغبق ومطلوبو دين هللا ّ‬
‫طلب الرخصة فيو‪ .‬وىذه من اؼبصائب العظيمة‪ ،‬أصبح يف الناس من ال دييز بُت الفقو والفقهاء والعلم‬
‫والعلماء‪ ،‬وأصبح الداعية للبدعة الذي ال يُسمع منو تقرير االعتقاد الصحيح والدين القومي على ضوء الدليل‬
‫اؼبستمد من كتاب هللا وسنة رسولو عليو الصبلة والسبلم يُعد عند بعض الناس عاؼباً وفقيهاً‪ ،‬وأصبح أيضاً‬
‫عكس ذلك ؛ العامل اؼبنضبط بضوابط الكتاب والسنة اؼبتقيّد دبا جاء يف كتاب هللا وسنة نبيو صلى هللا عليو‬
‫و سلم يُرمى أبوصاف ينفر هبا الناس عنو ‪ ،‬واألوصاف اليت يرمون هبا العلماء الذين ىم على السنة وعلى‬
‫التلقي من كتاب هللا عز وجل كثَتة جداً يف القدمي واغبديث‪.‬‬
‫قال‪(( :‬بيان العلم والعلماء‪ ،‬والفقو والفقهاء‪ ،‬وبيان من تشبّو هبم وليس منهم)) يشَت ىهنا إىل أن يف‬
‫يدس البدع وينشر الباطل واػبرافة بُت الناس‪ ،‬ال‬ ‫الناس من يشتبو أبىل العلم ويتظاىر ابلعلم وىو يف الواقع ّ‬
‫وبدعا ضالة ؛ ىذا الذي عنده وىذه بضاعتو ‪ ،‬لكنو‬ ‫وجل‪ ،‬وإّنا ينشر خرافات ابطلة ً‬ ‫ينشر دين هللا عز ّ‬
‫يتظاىر دبظهر العلم والفقو والبصَتة يف دين هللا فيغر العوام وخيدع اعبهال‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫يت ال ِيت‬ ‫ِ‬
‫{اي بٍَِت إ ْسر َ‬‫قال‪(( :‬وقد بني هللا عز وجل ىذا األصل يف أول سورة البقرة من قولو َ‬
‫ائيل اذْ ُك ُروا ن ْع َم َ‬
‫َين فَض ْلتُ ُك ْم َعلَى‬ ‫ت َعلَْي ُك ْم َوأِّ‬
‫يت ال ِيت أَنْ َع ْم ُ‬‫يل اذْ ُك ُروا نِ ْع َم ِ‬
‫َ‬
‫أَنْعمت علَي ُكم إىل قولو‪{ :‬اي ب ٍِت إِسرائِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫َْ ُ َ ْ‬
‫َ‬
‫ُت )) مشَتاً إىل أ ّن يف ىذا السياق بياًنً ؽبذه اغبقيقة ‪ ،‬وإيضاحاً إىل أن العامل اغبق شأنو ذكر نعمة‬ ‫ِ‬
‫الْ َعالَم َ‬
‫اغبق ابلباطل‪ ،‬وعدم كتمانو للحق ‪،‬‬ ‫هللا عليو وفضلو عليو وشكره لنعمة هللا تبارك وتعاىل ‪ ،‬وعدم لبسو ّ‬
‫وؿبافظتو على ما أُمر من إقامة الصبلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬والبعد عن أن يكون شأنو شأن من يدعو إىل الشيء‬
‫اس ِابلِْ ِّرب َوتَ ْن َس ْو َن أَنْ ُف َس ُك ْم [البقرة‪ ]ٗٗ:‬؛ فهذا السياق اؼببارك عندما يتأملو اؼبسلم‬ ‫وال يعملو {أ ََأتْ ُم ُرو َن الن َ‬
‫وطالب العلم جيد فيو ضوابط دييز هبا بُت العلماء واألدعياء‪ ،‬فالعلماء ؽبم صفاهتم‪ ،‬واألدعياء ؽبم صفاهتم‪،‬‬
‫وكلّها مبينة يف ىذا السياق ويف مواضع أيضاً أخرى من كتاب هللا عز وجل تكشف ىذا األمر وذبلي ىذه‬
‫اغبقيقة‪.‬‬
‫حت بو السنة يف ىذا الكالم الكثري البني‬ ‫صر ْ‬ ‫قال‪(( :‬ويزيده وضوحاً)) يزيد ىذا األمر وضوحاً وبياًنً ((ما ّ‬
‫الواضح للعام البليد)) أي أ ّن السنة جاءت ببيان العلماء وصفات أىل العلم‪ ،‬ولو وقف طالب العلم على‬
‫بعض الكتب اؼبصنّفة يف ىذا الباب ‪-‬وخباصة كتاب «جامع بيان العلم وفضلو» البن عبد الرب‪ -‬لوجد فيو‬
‫م ن السنة ذكر فضل العلم وعبلمات أىلو وصفاهتم يف ضوء سنة النيب الكرمي عليو الصبلة والسبلم ‪ ،‬فهو‬
‫أمر بُُِّت يف الكتاب والسنة غاية البيان‪ ،‬بُُِّت كما قال اؼبصنف بياًنً واضحاً للعامي البليد‪ ،‬ذُكر يف القرآن‬
‫توضح من ىم العلماء واضحاً للعامي البليد ‪ ،‬لكن اؼبعرض واؼبتبع ؽبواه وكبو ىؤالء زبتلط‬ ‫والسنة نصوص ِّ‬

‫‪24‬‬
‫عليهم األمور وتلتبس إما بسبب اعبهل أو بسبب اتباع األىواء‪.‬‬
‫قال‪(( :‬مث صار ىذا أغرب األشياء)) صار ىذا األمر أغرب األشياء ‪ ،‬يعٍت معرفة العلماء وعبلماهتم‬
‫والفقهاء وعبلماهتم صار ىذا أغرب األشياء ‪ ،‬يعٍت أمره صار غريباً بُت الناس ال يكاد يعرفو إال القبلئل‬
‫منهم‪ ،‬واألمر الغريب‪ :‬الذي ال يعرفو إال القلة من الناس‪.‬‬
‫((وصار العلم والفقو ىو البدع والضالالت)) وصار العلم أي العلم الصحيح اؼبستمد من الكتاب والسنة‬
‫ىو البدع والضبلالت‪ ،‬وأصبح يف الناس كثَتون من ينكرون السنن ويسموهنا ابلبدعة‪ ،‬وينكرون العقيدة‬
‫ابلضبلل‪ ،‬وينكرون العبادات الثابتة عن الرسول عليو‬ ‫الصحيحة اؼبستمدة من الكتاب والسنة ويصفوهنا ّ‬
‫الصبلة والسبلم ويصفوهنا ابلباطل؛ ىذا معٌت قولو رضبو هللا ((وصار العلم والفقو ىو البدع والضبلالت))‬
‫أي أ ّن ىؤالء أصبحوا يصفون العلم الصحيح والفقو الصحيح أبنو بدعة وضبللة‪ .‬وما ىو العلم؟! العلم ىو‬
‫البدع اليت ديارسوهنا ما أنزل هللا تبارك وتعاىل من سلطان‪.‬‬
‫((وخيار ما عندىم)) يعٍت أفضل شيء عند ىؤالء ((لبس احلق ابلباطل)) ولبس اغبق ابلباطل ىذا أمر ال‬
‫وزبلط على الناس أمور وتغيب عنهم اغبقيقة الناصعة‬ ‫خَت فيو ‪ ،‬أي خَتية يف أن يلبس اغبق ابلباطل ُ‬
‫اؼبأخوذة من الكتاب والسنة!! فإذا كان ىذا خيار ما عندىم لبس اغبق ابلباطل فمعٌت ذلك أن ىؤالء يف‬
‫وجل وسنة رسولو صلوات هللا وسبلمو عليو‪.‬‬‫اض اتم عن كتاب هللا عز ّ‬ ‫ضياع اتم وإعر ٍ‬
‫قال ‪(( :‬وصار العلم الذي فرضو هللا تعاىل على اخللق ومدحو ال يتفوه بو إال زندي ٌق أو رلنون)) ؛ قولو‪:‬‬
‫الشرعي اؼبستمد من‬ ‫«ال يتفوه بو إال زنديق أو رلنون» أي بزعم ىؤالء ؛ فيصفون الذي ّ‬
‫يتفوه ابلعلم ّ‬
‫مروق عن دين هللا تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫الزندقة‪ٌ :‬‬ ‫ابلزندقة‪ .‬و ّ‬
‫وجل يصفونو ابعبنون‪ ،‬وردبا وصفوه ّ‬ ‫كتاب هللا عز ّ‬
‫تمسك بدينو أبنو إما بو جنون‪ ،‬أو يصفونو أبنو زنديق أو مارق أو كبو ذلك من األوصاف ‪،‬‬ ‫فيصفون اؼب ّ‬
‫أسوةً ابؼبشركُت الذين وصفوا النيب عليو الصبلة والسبلم ابلساحر والكاىن واجملنون واؼبفًتي إىل غَت ذلك‬
‫من األوصاف اليت لقبوه هبا‪ ،‬ولُِّقب بنظائرىا أتباعو اؼبتمسكُت هبديو السائرين على هنجو صلوات هللا‬
‫وسبلمو عليو‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وصار من أنكره وعاداه وصنّف يف التحذير منو والنّهي عنو ىو الفقيو العامل)) ؛ «وصار من‬
‫أنكره وعاداه» الضمَت ىنا يعود إىل العلم والفقو الصحيح اؼبستمد من الكتاب والسنة‪ ،‬صار من أنكر العلم‬
‫الصحيح وعادى الفقو الصحيح اؼبستمد من الكتاب والسنة وصنّف يف التحذير منو ‪ -‬أي صنّف يف‬
‫التحذير من السنن الصحيحة والفقو الصحيح والعلم الصحيح‪ -‬وصنف يف التحذير منو والنهي عنو ىو‬
‫الفقيو العامل !! وىذا موجود ‪ ،‬تُصنيف كتب يف رد السنن واإلشادة ابلبدع وإحياء الضبلالت ويوصف‬
‫أصحاهبا ابلعلماء ويلقبون ابلفقهاء‪ ،‬وردبا قيل يف حقو إمام‪ ،‬وردبا قيل إمام األئمة من قِبل أتباعو من الغوغاء‬

‫‪25‬‬
‫واعبّهال ؛ وىو ليس عنده إال نشر اػبرافة ‪ ،‬إما نشر للقبورية والتعلق ابلقبور والكذب على رسول هللا عليو‬
‫الصبلة والسبلم ‪ ،‬أو نشر األحاديث الواىية الضعيفة ‪ ،‬أو ربريف اآلايت عن معانيها‪ ،‬أو حكاية القصص‬
‫وذكر الرؤى واؼبنامات ‪ ،‬ويكون الكتاب كلو مبنياً على ىذا األمر وال ترى فيو ((لعنة هللا على اليهود‬
‫والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم مساجد)) ‪(( ،‬إ ّن شرار اػبلق عند هللا الذين يتخذون القبور مساجد)) ىذه‬
‫الصحيحة ال تراىا‪ ،‬ترى إما آيةً حيرفوهنا عن معناىا ويصرفوهنا عن مدلوؽبا مثل استشهاد ىؤالء‬ ‫األحاديث ّ‬
‫ين َغلَبُوا َعلَى أ َْم ِرِى ْم لَنَ ت ِخ َذن َعلَْي ِه ْم َم ْس ِج ًدا‬ ‫ِ‬
‫كل من كتب منهم يف ىذا الباب بقول هللا تعاىل {قَ َال الذ َ‬ ‫و ّ‬
‫[الكهف‪ ]ٕٔ:‬؛ ىذا أمر حكاه هللا عز وجل عن أىل الغلبة وىم كفار كما يدل على ذلك سياق اآلايت‬
‫النيب صلى هللا عليو و سلم قبل أن ديوت‬ ‫يف سورة الكهف فيستدلون بو لفعل ىؤالء ‪ ،‬ويًتكون ما قالو ّ‬
‫بلحظات‪(( :‬لعنة هللا على اليهود والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم مساجد)) ‪ .‬وال يصح أن نقول ىذا شرع‬
‫من قبلنا وشرع من قبلنا جاء بنسخو ‪ ،‬ال يصح أن نقول ىذا الكبلم ؼباذا ؟ ألنو لو كان شرع ؼبن قبلنا‬
‫أيصح أن يقول عليو الصبلة والسبلم‪(( :‬لعنة هللا على اليهود والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم مساجد))؟‬
‫أيصح أن يقول ذلك يلعنهم على أمر ىو شرع عندىم؟ ىذا ال يقال‪ ،‬فازباذ القبور مساجد ليس شرعاً ؼبن‬
‫ذكر غبال أىل الغلبة من غَت اؼبسلمُت { إِن ُه ْم إِ ْن يَظْ َه ُروا‬ ‫قبلنا‪ ،‬بل ىو ابطل يف أداين صبيع األنبياء‪ ،‬واآلية ٌ‬
‫السياق واضح وصف غبال غَت اؼبسلمُت‪،‬‬ ‫َعلَْي ُكم يَر ُصبُوُكم أ َْو يُعِ ُ ِ ِ ِ ِ‬
‫يدوُك ْم يف ملته ْم [الكهف‪ّ . ]ٕٓ:‬‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫فيستدلون بعمل أىل الغلبة يف مساق ليس مساق مدح بل مساق ذم ويًتكون حديث رسول هللا صلى هللا‬
‫عليو و سلم !!‬
‫ين َغلَبُوا َعلَى أ َْم ِرِى ْم لَنَ ت ِخ َذن َعلَْي ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫العامي اؼبسكُت إذا قال لو واحد من ىؤالء‪ :‬هللا يقول { قَ َال الذ َ‬
‫َم ْس ِج ًدا ىذا القرآن ًنطق ابزباذ القبور مساجد‪ ،‬ىذا كتاب هللا ًنطق‪ ،‬فكيف يقولون إنو ال جيوز؟!‬
‫العامي مسكُت يقول لو أيضاً افتح سورة الكهف ويريو اآلية يف السورة‪ ،‬يقول‪ :‬كيف يقال إنو ىذا حرم؟!‬
‫العامي ما يدري‪ ،‬مث يردف ىذه اآلية اليت حرف معناىا حبديث يورده للعوام أ ّن الرسول صلى هللا عليو و‬
‫سلم قال‪(( :‬من اعتقد يف حجر نفعو)) مثبلً ‪ ،‬أو أشياء من ىذا القبيل يكذبوهنا ويفًتوهنا‪ ،‬مث يردف ذلك‬
‫عد مؤلفو عامل فقيو‪ ،‬وىو كلّو كذب على‬ ‫بقصص‪ ،‬قصة فبلن‪ ،‬وقصة فبلن‪ ،‬مث ُذبمع يف كتاب ويُع ّد علماً ويُ ُّ‬
‫للحق ولبس للحق ابلباطل‪ ،‬وخلط‬ ‫وتزوير وكتم ّ‬ ‫وتلفيق ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وقول على هللا ببل علم‪،‬‬
‫هللا وكذب على رسولو‪ٌ ،‬‬
‫ويسمى مؤلِّفو عامل فقيو ‪ ،‬والذين يكتوون من صبرة ىذا الرجل العوام‬ ‫كتاب عل ٍم‪ّ ،‬‬‫ويسمى الكتاب َ‬ ‫لؤلمور‪ّ ،‬‬
‫اعبهال‪ ،‬يغًتون ويقعون يف أنواع من الباطل ؛ ىذا مثال‪ ،‬قل يف صبيع أبواب الدين مثل ىذا ‪ ،‬عندما‬ ‫ّ‬
‫الضبلل فيفسدون يف الناس دبثل ىذه الطريقة‪ .‬فاؼبؤلف رضبو هللا وضع‬ ‫يتص ّدر للنّاس دعاة الباطل ودعاة ّ‬
‫ىذا األصل نصحاً للنّاس حىت ال خيتلط على عوام اؼبسلمُت وعلى اؼببتدئُت وطلبة العلم‪ ،‬ال زبتلط عليهم‬
‫األمور ويعرفون حقيقة األمر‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫قال رضبو هللا تعاىل ‪:‬‬
‫((األصل اػبامس‪ :‬بيان هللا سبحانو لؤلولياء وتفريقو بينهم وبُت اؼبتشبهُت هبم من أعداء هللا اؼبنافقُت‬
‫والفجار‪ ،‬ويكفي يف ىذا آية آل عمران وىي قولو تعاىل‪{ :‬قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِرببُّو َن اّللَ فَاتبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم اّللُ ‪،‬‬
‫ت هللاُ بَِق ْوٍم ُِحيبُّ ُه ْم‬
‫ف أيْ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا َم ْن يَ ْرتَد مْن ُك ْم َع ْن دينو فَ َس ْو َ َ‬
‫ِ‬
‫{اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫وآية يف اؼبائدة‪ ،‬وىي قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َْحيَزنُو َن*‬‫َوُِحيبُّونَوُ اآلية‪ ،‬وآية يف سورة يونس وىي قولو تعاىل‪{ :‬أََال إِن أ َْولِيَاءَ اّللِ َال َخ ْو ٌ‬
‫ين َآمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن ‪ .‬مث صار األمر عند أكثر من يدعي العلم وأنو من ىداة اػبلق وحفاظ الشرع إىل‬ ‫ِ‬
‫الذ َ‬
‫أن األولياء البد فيهم من ترك اتباع الرسل‪ ،‬ومن اتبعو فليس منهم‪ ،‬والبد من ترك اعبهاد‪ ،‬فمن جاىد فليس‬
‫منهم‪ ،‬والبد من ترك اإلديان والتقوى‪ ،‬فمن تعهد ابإلديان والتقوى فليس منهم‪ ،‬اي ربنا نسألك العفو والعافية‬
‫إنّك ظبيع ال ّدعاء))‪.‬‬
‫************‬
‫قال رضبو هللا ‪(( :‬األصل اخلامس)) وىذا أصل عظيم ومفيد ج ّداً للمسلم‪ ،‬والنّاس حباجة ماسة لفهمو‬
‫والعلم بو‪.‬‬
‫يقول رضبو هللا‪(( :‬بيان هللا سبحانو ألولياء هللا وتفريقو بينهم وبني ادلتشبّهني هبم من أعداء هللا ادلنافقني‬
‫والفجار )) ىذا أصل مهم جيب على اؼبسلم أن يفهمو يف ضوء كتاب هللا وسنة نبيو عليو الصبلة والسبلم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫السديد الذي عليو ىذا اإلمام يف توضيحو لؤلمور‪ ،‬ؼبا‬ ‫ولعلّنا نلحظ معاشر اإلخوة الطريقة اؼبباركة والنّهج ّ‬
‫أراد أن يذكر عبلمة العلماء وأمارة الفقهاء أورد آايت وأشار إىل أحاديث تُعرف هبا ومن خبلؽبا عبلماهتم‪،‬‬
‫وجل تعرف‬ ‫وؼبا أراد أن يبُت عبلمات األولياء أولياء هللا سبحانو وتعاىل أيضاً أورد آايت من كتاب هللا عز ّ‬
‫من خبلؽبا عبلماهتم ؛ منبّهاً بذلك أ ّن اغبق وأىلو ودعاتو إّّنا يُعرفون من جهة داللة كتاب هللا وسنة رسولو‬
‫صلى هللا عليو و سلم‪.‬‬
‫قال‪(( :‬بيان هللا سبحانو ألولياء هللا ‪ ،‬وتفريقو بينهم وبني ادلتشبّهني هبم من أعداء هللا ادلنافقني‬
‫ذكرت يف القرآن والسنة‪ ،‬وأولياء الشيطان الذين ي ّدعون أ ّهنم أولياء هللا‬ ‫والفجار)) ؛ فأولياء هللا ؽبم عبلمات ْ‬ ‫ّ‬
‫أيضاً ؽبم عبلمات ذكرت يف الكتاب والسنة‪ ،‬وقد صنّف شيخ اإلسبلم ابن تيمية رضبو هللا مصنفاً عظيم‬
‫النفع كبَت الفائدة ظباه «الفرقان بُت أولياء الرضبن وأولياء الشيطان» ‪ ،‬وىو كتاب عظيم جداً ذكر فيو ما‬
‫دييز بو بُت وِل هللا ووِل الشيطان ‪ ،‬ومن مل دييز خدعو أولياء الشيطان وغروه وصرفوه عن دين هللا تبارك‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫قال‪(( :‬يكفي يف ىذا آية يف سورة آل عمران وىي قولو تعاىل{قُ ْل إِ ْن ُك ْن تُ ْم ُُِتبُّو َن اَّللَ فَاتبِعُ ِوين ُُْيبِْب ُك ُم‬
‫آمنُوا َم ْن يَ ْرتَد‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬‫{اي أَيُّ َها الذ َ‬ ‫اَّللُ} [آل عمران‪ ]ٖٔ:‬اآلية‪ ،‬وآية يف سورة ادلائدة‪ ،‬وىي قولو تعاىل‪َ :‬‬

‫‪27‬‬
‫ْت هللاُ بَِق ْوٍم ُُِيبُّ ُه ْم َو ُُِيبُّونَوُ } [ادلائدة‪ ، ]٘ٗ:‬وآية يف سورة يونس وىي قول‬ ‫ف َي ِ‬
‫س ْو َ َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُك ْم َع ْن دينو فَ َ‬
‫ِ‬ ‫هللا تعاىل‪{ :‬أ ََال إِن أَولِياء ِ‬
‫آمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن}‬
‫ين َ‬ ‫ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َُْي َزنُو َن(ٕ‪ )ٙ‬الذ َ‬ ‫اَّلل َال َخ ْو ٌ‬ ‫ََْ‬
‫[يونس‪ )) ]ٖٙ-ٕٙ:‬؛ يقول رضبو هللا‪ :‬يكفي أن تعرف األولياء ح ّقاً وصدقاً من خبلل ىذه اآلايت‬
‫الثبلث فقط؛ ففيها كفاية لك يف معرفة من ىو الوِل‪ ،‬وما ىي عبلماتو‪.‬‬
‫فالعبلمة األوىل‪ :‬يف قولو تعاىل {قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِرببُّو َن اّللَ فَاتبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم اّللُ َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم العبلمة‬
‫يسمون ىذه اآلية «آية احملنة»‬ ‫النيب صلى هللا عليو و سلم‪ ،‬ولقد كان بعض أىل العلم ّ‬ ‫األوىل‪ :‬االتباع؛ اتباع ّ‬
‫وقوة ؿببّتو لرسول هللا صلى هللا عليو و سلم وقبل ذلك ؿببّتو‬ ‫؛ أي أن من أراد أن ديتحن نفسو يف صدق ّ‬
‫سبسكاً‬ ‫ِ‬
‫لرب العاؼبُت ؛ فلينظر أو ليقس ذلك على ضوء االتباع الذي عنده‪ ،‬فإنو كلما كان أعظم اتباعاً و ّ‬ ‫ّ‬
‫هبدي الرسول صلى هللا عليو و سلم فإ ّن ىذه أمارة على صدق احملبة‪ ،‬وكلما ضعُف فيو االتباع فهذا أمارة‬
‫على ضعفها‪ ،‬فكيف يكون وليّاً وىو ال يتبع الرسول عليو الصبلة والسبلم؟!‬
‫يف بعض البلدان جيلس من يُزعم ويُدعي أنو وِل متكئاً على سارية يف اؼبسجد وتقام الصبلة ويصلي الناس‬
‫وىو متكئ ما يصلي معهم! أين الوالية؟ أين الوالية بدون الصبلة؟ أو ال يكون أيضاً يف اؼبسجد يكون يف‬
‫الشارع جالساً يف مكان وتقام الصبلة وينادى ؽبا وال يقوم يصلي! ويُدعي أنو وِل من أولياء هللا! أين‬
‫كل ما‬ ‫ٍ‬
‫مررت ببلد ما على مكان وإذا برجل ّ‬ ‫الصبلة اليت فرضها هللا على عباده؟ يقول أحد األشخاص‪ُ :‬‬
‫فسألت عنو فقلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مررت جالس ما يقوم وليس بو علّة ‪ ،‬جالس يف مكان ال يقوم حىت أوقات الصلوات!‬
‫كل الناس يشهدون لو ابلوالية! ىذا نذر أن ال‬ ‫من ىذا؟ قالوا‪ :‬سبحان هللا ما تعرفو! ىذا وِلٌّ من أولياء هللا‪ّ ،‬‬
‫النيب صلى هللا عليو و سلم ‪ .‬الصبلة‬ ‫يقوم من ىذا اؼبكان أبداً ‪ ،‬فقط جيلس يف ىذا اؼبكان يصلي على ّ‬
‫اؼبفروضة اليت افًتضها هللا على عباده وأمر هبا ودعا إىل إقامتها يف اؼبساجد تًُتك ‪ ،‬وجيلس يف ىذا اؼبكان ال‬
‫يقوم منو! أين الوالية بدون االتباع؟! يغًت العوام عندما تؤتى ؽبم دبثل ىذه اغبكاايت‪ ،‬يغًت العوام ويظن فعبلً‬
‫أن ىذا من أولياء هللا‪ .‬فوِل هللا اؼبتبع ‪ ،‬عبلمتو االتباع ‪ ،‬وأعظم ما يكون فيو فعل الفرائض ‪ ،‬إذا ضيّع‬
‫الفرائض ليس من أولياء هللا ‪ ،‬ال ربتاج ىذه إىل مفاصلة ‪ ،‬واضحة ؛ من ضيّع الفرائض فهو ؼبا سواىا‬
‫أضيع‪ ،‬فالوالية البد فيها من فعل الفرائض‪.‬‬
‫وؽبذا قال العلماء‪ :‬الوالية درجتان‪ ،‬أولياء هللا على درجتُت‪ ،‬بُيِّنت ال ّدرجتان يف قولو عليو الصبلة والسبلم‬
‫إِل عبدي بشيء‬ ‫تقرب ّ‬ ‫عن هللا تعاىل يف اغبديث القدسي‪(( :‬من عادى ِل وليًا فقد آذنتو ابغبرب‪ ،‬وما ّ‬
‫حىت أحبو)) ‪ ،‬فاألولياء على درجتُت‪:‬‬ ‫يتقرب إِل ابلنّوافل ّ‬ ‫أحب إِل فبّا افًتضتو عليو‪ ،‬وال يزال عبدي ّ‬
‫ٔ‪ .‬درجة فعل الفرائض؛ الذي حيافظ على الفرائض ويًتك احملرمات ىذا من أولياء هللا ‪ ،‬وىي درجة يف‬
‫الوالية‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ٕ‪ .‬أعلى منها درجةً ‪ :‬من يفعل الفرائض ويًتك احملرمات وينافس يف فعل الرغائب واؼبستحبات‪ .‬وىذا معٌت‬
‫حىت أحبو‪ ،‬فإذا أحببتُو كنت ظبعو الذي يسمع بو‪ ،‬وبصره‬ ‫يتقرب إِل ابلنّوافل ّ‬ ‫قولو‪(( :‬وال يزال عبدي ّ‬
‫الذي يبصر بو‪ ،‬ويده اليت يبطش هبا‪ ،‬وقدمو اليت ديشي عليها‪ .‬ولئن سألٍت ألعطينّو‪ ،‬وألن استعاذين‬
‫ألعيذنو))‬
‫ىذه عبلمتو يفعل الفرائض‪ .‬أما شخص جيلس وال يصلي‪ ،‬مث يقول من حولو‪ :‬ىذا ما تعرفو! ىذا وِل من‬
‫أولياء هللا‪ ،‬مث يقولون أيضاً‪ :‬لو كان عندك مشكلة اجلس عنده بدون ما تكلمو وىو يعرف مشكلتك‪ ،‬وىو‬
‫يلقي يف قلبك ال ّدواء ؽبا‪ ،‬ىذا وِل! العوام مساكُت ُخيدعون دبثل ىذا الكبلم ‪ ،‬مث إذا قيل للعوام‪ :‬فبلن‬
‫جربت ومثل ىذه السوالف ال تسأل عن ركضهم على مثل ىذا زرافات ووحداًنً‪،‬‬ ‫جرب وفبلنة ّ‬ ‫جرب وفبلن ّ‬ ‫ّ‬
‫أصبحت اؼبقاييس يف الوالية مثل ىذه اؼبقاييس الفاسدة‪ ،‬أما اؼبقاييس اليت يف الكتاب‬ ‫ْ‬ ‫وىذا الضياع ‪ .‬و‬
‫يعرجون عليها وال يقفون عندىا‪.‬‬ ‫والسنة ال ذبدىم ّ‬
‫فإذاً عبلمة الوِل االتباع واالقتداء ابلرسول عليو الصبلة والسبلم وبسنتو‪ ،‬ومن أعظم ما يكون يف ذلك‬
‫الصبلة‪.‬كان بعض اؼبتقدمُت إذا أراد أن يذىب إىل مكان ليتل ّقى العلم عن شخص يذىب وينظر يف صبلتو‬
‫؛ إذا وجده من أىلها واحملافظُت عليها اطمأ ّن لعلمو ‪ ،‬وإال إن كان مضيّعاً للصبلة فهو ؼبا سواىا أضيع‪ ،‬وال‬
‫الصبلة‪ ،‬قال بعض السلف‪« :‬من أراد أن يعرف وزن اإلسبلم عنده فلينظر إىل‬ ‫حظ يف اإلسبلم ؼبن ضيّع ّ‬
‫وزن الصبلة» ؛ الصبلة ميزان إلسبلم الشخص ‪ ،‬إذا كان شخص ال يصلي وال يشهد الصبلة مع اعبماعة‬
‫ىذا وِل من أولياء الشيطان‪ ،‬جيلس يف قارعة الطريق وليس بو علة ومل دينعو مرض ومل دينعو عذر إالّ مثل ىذه‬
‫السًت‬ ‫ِ‬
‫النيب صلى هللا عليو و سلم يف آخر حياتو يف مرضو كشف ّ‬ ‫الدعاوى الباطلة ىذا ليس من أولياء هللا‪ .‬و ّ‬
‫الصديق هنع هللا يضر فتهلّل وجهو فرحاً عليو الصبلة والسبلم من ىذا اؼبنظر‬ ‫يؤمهم أبو بكر ّ‬ ‫ورأى الصحابة صفوفاً ّ‬
‫العظيم ؛ هتلل وجهو والناس يراىم صفوف يصلون يف اؼبسجد خلف خَت أصحابو أبو بكر هنع هللا يضر ‪ ،‬ىذه‬
‫الوالية‪ ،‬الوالية ‪ ،‬الوالية يف الصبلة يف عبادة هللا واتباع الرسول عليو الصبلة والسبلم ىذه عبلمة واضحة‬
‫اعبهال‪ ،‬وأصبح بعض‬ ‫نت يف القرآن ال ربتاج إىل بيان‪ ،‬لكن مع ذلك األمر التبس على كثَت من العوام و ّ‬ ‫بُيِّ ْ‬
‫العوام ال ينظر إىل ىذه العبلمة ليقيس وإّنا ينظر إىل طول العمامة ‪ ،‬ال ينظر إىل ىذه العبلمة وإّنا ينظر يف‬
‫معرفة الوالية إىل طول العمامة أو الزي أو الشكل‪ ،‬وأصبح بعضهم الوالية نوع من اللباس ونوع من الزي‬
‫معُت ونوع من اغبركات معينة تُفعل إذا ُوجدت أصبحت مقياساً ‪{ ،‬قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِرببُّو َن اّللَ فَاتبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم‬
‫اّللُ ىذه ال تقاس هبا‪ ،‬ىذا اؼبيزان الواضح ال يقاس بو وال دييز من خبللو من ىم أولياء هللا‪.‬‬
‫ف َأيِْيت اّللُ بَِق ْوٍم ُِحيبُّ ُه ْم َوُِحيبُّونَوُ أ َِذل ٍة‬
‫ين َآمنُوا َم ْن يَ ْرتَد ِمنْ ُك ْم َع ْن ِدينِ ِو فَ َس ْو َ‬ ‫ِ‬
‫{اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫مث كذلك اآلية الثانية َ‬
‫اى ُدو َن ِيف َسبِ ِيل اّللِ َوَال َخيَافُو َن لَ ْوَمةَ َالئٍِم [اؼبائدة‪ ]٘ٗ:‬ذكر ؽبم أربع‬ ‫َعزةٍ علَى الْ َكافِ ِرين ُجي ِ‬
‫علَى الْم ْؤِمنِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُت أ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫عبلمات‪:‬‬
‫‪29‬‬
‫ٔ أذلّة على اؼبؤمنُت ؛ يعٍت يف قلوهبم رضبة للمؤمنُت ‪ ،‬وؿببّة للخَت ؽبم ‪ ،‬ونصح ‪ ،‬ودعاء ‪ ،‬وتعاون معهم‬
‫على اػبَت‪.‬‬
‫بغض وكراىية للكفاّر وأعداء دين هللا تبارك‬ ‫عزة ومنعة‪ ،‬وفيها أيضاً ٌ‬ ‫أعزة على الكافرين ؛ قلوهبم فيها ّ‬ ‫ٕ ّ‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫ٖ وفيهم أيضاً اعبهاد يف سبيل هللا إلعبلء كلمة هللا سبحانو وتعاىل ونصرة دينو‪.‬‬
‫اغبق وإيضاحو والدعوة إليو ونشره‪.‬‬ ‫ٗ وفيهم أهنم ال خيافون يف هللا لومة الئم يف بيان ّ‬
‫مثل ىذه إذا وجدت ىذه عبلمات على أن لئلنسان من أولياء هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َْحيَزنُو َن‬ ‫مث ختم بعبلمة أخَتة يف قولو تبارك وتعاىل‪{ :‬أََال إِن أ َْولِيَاءَ اّللِ َال َخ ْو ٌ‬
‫ين َآمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن [يونس‪ ]ٖٙ:‬؛ العلماء‬ ‫ِ‬
‫[يونس‪ . ]ٕٙ:‬مث ذكر عبلمتهم تبارك وتعاىل قال‪{ :‬الذ َ‬
‫رضبهم هللا يقولون‪ :‬إذا ُصبت بُت اإلديان والتقوى يف آية واحدة أو يف نص واحد ؛ يكون اإلديان يتناول‬
‫الزائفة الباطلة وترك النواىي‪ ،‬فاإلديان‪ :‬اعتقاد‬ ‫العقائد الصحيحة وفعل األوامر‪ ،‬والتقوى‪ :‬البعد عن العقائد ّ‬
‫األمر الصحيح والعمل ابلطاعات اليت دل عليها الكتاب والسنة‪ ،‬والتّقوى‪ :‬البعد عن العقائد الباطلة‬
‫واتقاؤىا ‪ ،‬وأيضاً اتقاء احملرمات وما هنى هللا عنو تبارك وتعاىل وأييت يف مق ّدمة ذلك الشرك ابهلل‪.‬‬
‫فذكر ؽبم عبلمتان‪ :‬اإلديان والتقوى؛ وؽبذا من كان مؤمناً تقيّاً كان هلل وليّاً‪ ،‬والوالية تكون ابإلديان والتقوى ؛‬
‫ىذا أمر واضح يف كتاب هللا‪ ،‬وأصبح من يفعل نقيض ىذين األمرين تُدعى لو الوالية!‬
‫يف ابب فعل األوامر‪ ،‬ذبد يف أقوٍام عبلمتهم عند أصحاهبم ترك األوامر ويُعرفون عند أصحاهبم دباذا ؟‬
‫ابألولياء ‪ ،‬ذبده ال يصلي ذبده أيضاً ال يطوف ويعلن ذلك يقول‪ :‬األولياء ال يطوفون ابلبيت‪ ،‬البيت ىو‬
‫الذي يطوف هبم ‪ ،‬وىذا ليس كبلماً يقال‪ ،‬ىذا كبلم موجود يف كتبهم ويُنشر‪ ،‬يقول‪ :‬الوِل ىو الذي‬
‫ثت عن شخص أنو جاء ووصل إىل‬ ‫يطوف بو البيت‪ ،‬ليس ىو الذي يذىب إىل البيت يطوف بو‪ .‬وقد ُح ّد ُ‬
‫م ّكة ووقف ما طاف وقال‪ :‬ال‪ ،‬األولياء ىم الذين يطوف هبم البيت!!‪ .‬وإمام األولياء عليو الصبلة والسبلم‬
‫متكرراً‪ ،‬وىو إمام األولياء عليو الصبلة‬ ‫مرات‪ ،‬طاف ابلبيت طوافاً ّ‬ ‫حج واعتمر أربع ّ‬‫مرة طاف ابلبيت؟ ّ‬ ‫كم ّ‬
‫والسبلم ‪ ،‬مث يدعي ىؤالء أ ّن الوِل ال يطوف ابلبيت وأحقيتو ومكانتو أن البيت بطوف بو ‪ ،‬حىت إنو يف‬
‫أحد كتب الفقو عُقدت مسألة يف كتاب الصبلة مبنية على خرافة ىؤالء‪ ،‬عُقدت مسألة يف كتاب الصبلة‪:‬‬
‫إذا ذىبت الكعبة تطوف ابألولياء إىل أين يصلي الناس؟؟ ىذه مسألة فقهية!! قال صاحب الكتاب‪:‬‬
‫اختلف أىل العلم يف ىذه اؼبسألة على قولُت‪ :‬قال بعض العلماء يصلُّون إىل الكعبة ابعتبار األصل وابعتبار‬
‫أن الناس ال يستطيعون معرفة أين ذىبت الكعبة ‪ ،‬إذا حضر وقت الصبلة وفُرض أن الكعبة ذىبت إىل اؽبند‬
‫إيش يعلم الناس أن الكعبة يف اؽبند أو يف إفريقيا ‪ ،‬فقال‪ :‬يصلون إىل مكان الكعبة ابعتبار األصل ولعدم‬
‫يتحرى الناس أين ذىبت الكعبة ويستقبلوهنا‪ .‬ىذا ُحبث يف‬ ‫التمكن ؛ ىذا قول ‪ .‬القول اآلخر‪ :‬ال‪ ،‬البد أن ّ‬
‫‪31‬‬
‫أحد الكتب!! ويف كتب ترّوج عند العوام وفيها مثل ىذه اػبرافات وتنشر على أهنا عبلمة لؤلولياء‪ ،‬ال صبلة‬
‫وال طواف وال عبادة ويُ ّدعي فيو أنو وِلٌّ من أولياء هللا!! وىو وِلٌّ للشيطان ببل شك والريب ‪ ،‬إي وهللاِ وِلٌّ‬
‫{وَما َكانُوا أ َْولِيَاءَهُ [األنفال‪ ،]ٖٗ:‬ال تكون الوالية دبثل ىذا الضياع والباطل‪.‬‬
‫للشيطان ليس وليّاً للرضبن ‪َ ،‬‬
‫وأيضاً جانب التقوى ال تراىا فيو‪ ،‬وأًن أرب ّدث عن غبلة ىؤالء ‪ ،‬ال تراىا فيهم‪ ،‬تراه ديارس بعض احملرمات‬
‫الزًَن إِنو َكا َن فَ ِ‬
‫اح َشةً‬ ‫{وَال تَ ْقَربُوا ِّ ُ‬
‫ابسم الوالية‪ ،‬ديارس بعض احملرمات الصرحية الواضحة البينة كقولو تعاىل‪َ :‬‬
‫َو َساءَ َسبِ ًيبل [اإلسراء‪ . ]ٖٕ:‬ديارسو ابسم الوالية‪ .‬وقد قرأت يف بعض الكتب القددية ؽبؤالء وح ّدثٍت‬
‫بعض اؼبهتدين من ىؤالء دبا أذكره لكم اآلن‪ ،‬أن اؼبريد أييت إىل شيخ الطريقة اؼبزعوم أنو وِل‪ ،‬أييت اؼبريد إليو‬
‫يتكرم ابفتضاض بكارهتا ‪ ،‬مث‬ ‫توسل إليو ويتذلّل بُت يديو أن ّ‬ ‫يف ليلة زواجو‪ ،‬وأييت بزوجتو بكراً إىل شيخو وي ّ‬
‫خيلو هبا ويفتض بكارهتا من أجل الربكة ‪ ،‬مث زبرج من عنده ويقبّل ىذا اؼبريد قدمي شيخو شكراً لو على‬
‫مال على إحسانو لو‪ .‬ىذا ديارس ابسم الوالية‪ ،‬زًن والعياذ ابهلل‬ ‫ىذا اإلحسان‪ ،‬وردبا أعطاه أيضاً جزيل ٍ‬
‫اء‬ ‫ي‬‫وفواحش وأمور منكرة سبارس ابسم الوالية! ىؤالء أولياء الشيطان إي وهللا ليسوا أولياء هللا {أََال إِن أَولِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ين َآمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن [يونس‪« ، ]ٖٙ – ٕٙ:‬من كان‬ ‫ِ‬ ‫اّللِ َال َخو ٌ ِ‬
‫ف َعلَْيه ْم َوَال ُى ْم َْحيَزنُو َن (ٕ‪ )ٙ‬الذ َ‬ ‫ْ‬
‫مؤمناً تقيّاً كان هلل وليّاً»‪ ،‬فلما اختلطت األمور على الناس أصبحت ىذه العبلمة غَت واضحة عندىم‪،‬‬
‫أصبحت ىي اؼبقياس‪.‬‬‫ْ‬ ‫شرت بُت الناس و‬
‫وأصبحت العبلمة عندىم خرافات بُثّت وضبلالت نُ ْ‬
‫وؽبذا قال اؼبصنف‪ (( :‬مث صار األمر عند أكثر من يدعي العلم وأنو من أىل العلم وأنو من ىداة اخللق‬
‫وحفاظ الشرع إىل أن األولياء ال بد فيهم من ترك اتباع الرسول)) ؛ يعٍت أصبحت العبلمة للوِل ما ىي؟‬
‫لت لكم ببعض األمثلة‪.‬‬ ‫ترك االتباع‪ ،‬ترك الدين‪ ،‬ترك الشرع‪ ،‬ىذه العبلمة ‪ ،‬مثل ما مثّ ُ‬
‫((ومن تبعهم فليس منهم)) يعٍت من تبع األنبياء وسار على منهاجهم ليس منهم ‪ ،‬ألنو ال يكون منهم إال‬
‫بًتك االتباع ىكذا فهمت األمور ‪.‬‬
‫(( وال بد من ترك اجلهاد‪ ،‬فمن جاىد فليس منهم‪ ،‬وال بد من ترك اإلميان والتقوى فمن تعهد ابإلميان‬
‫والتقوى فليس منهم)) ىذه اؼبقاييس اليت يف اآلية تركها ىي الوالية أصبحت ‪ ،‬والعمل هبا ليس من الوالية‬
‫يف شيء‪ ،‬قُلبت األمور؛ وؽبذا دعا اؼبصنّف هبذه ال ّدعوة قال‪(( :‬اي ربّنا نسألك العفو والعافية إنك مسيع‬
‫الدعاء))‪.‬‬

‫قال رضبو هللا تعاىل ‪:‬‬


‫رد الشبهة الِت وضعها الشيطان يف ترك القرآن والسنة ‪ ،‬واتباع اآلراء واألىواء‬
‫األصل السادس‪ّ :‬‬
‫ادلتفرقة ادلختلفة؛ وىي‪ :‬أ ّن القرآن والسنة ال يعرفهما إال اجملتهد ادلطلق‪ .‬واجملتهد ىو ادلوصوف بكذا‬

‫‪31‬‬
‫وكذا أوصافاً لعلها ال توجد اتمة يف أيب بكر وعمر ‪ .‬فإن مل يكن اإلنسان كذلك فليُع ِرض عنهما فرضاً‬
‫حتماً الشك وال إشكال فيو‪ ،‬ومن طلب اذلدى منهما فهو إما زنديق وإما رلنون؛ ألجل صعوبة‬
‫رد ىذه الشبهة ادللعونة‬ ‫فهمها‪ .‬فسبحان هللا وحبمده! كم ّبني هللا سبحانو شرعاً وقدراً خلقاً وأمراً يف ّ‬
‫اس ال يَ ْعلَ ُمو َن } [غافر‪{ ]٘ٚ:‬‬ ‫من وجوه شىت بلغت إىل حد الضرورايت العامة‪َ { ،‬ولَ ِكن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫الال فَ ِهي إِ َىل األَ ْذقَ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ان فَ ُه ْم‬ ‫لََق ْد َحق الْ َق ْو ُل َعلَى أَ ْكثَرى ْم فَ ُه ْم ال يُ ْؤمنُو َن * إان َج َعلْنَا يف أَ ْعنَاقه ْم أَ ْغ ً َ‬
‫ص ُرو َن * َو َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم‬ ‫اىم فَ ُهم ال ي ْب ِ‬
‫ش ْي نَ ُ ْ ْ ُ‬ ‫ني أَيْ ِدي ِه ْم َس ًّدا َوِم ْن َخل ِْف ِه ْم َس ًّدا فَأَ ْغ َ‬
‫ُم ْق َم ُحو َن * َو َج َعلْنَا ِم ْن بَ ْ ِ‬
‫ٍِ‬ ‫ب فَ بَ ِّ‬ ‫نذرُىم ال ي ْؤِمنُو َن * إَِّنَا تُ ِ‬
‫نذ ُر َم ِن ات بَ َع ال ِّذ ْك َر َو َخ ِشي الر ْْحَ َن ِابلْغَْي ِ‬ ‫أَأَن َذرتَهم أ َْم َمل تُ ِ‬
‫ش ْرهُ ِِبَغْف َرة َوأ ْ‬
‫َج ٍر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُْ ْ‬
‫َك ِر ٍمي}[يس‪.]ٔٔ-ٚ:‬آخره‪ ،‬واحلمد هلل رب العادلني‪ ،‬وصلى هللا على سيدان دمحم‪ ،‬وعلى آلو وصحبو‬
‫وسلم تسليماً كثرياً إىل يوم الدين ‪.‬‬
‫*************‬
‫رد الشبهة الِت وضعها الشيطان يف ترك القرآن والسنة واتباع اآلراء واألىواء ادلتفرقة‬ ‫قال رضبو هللا ‪ّ (( :‬‬
‫ادلختلفة)) الشيطان وضع ألىل األىواء وأرابب الباطل شبهة ص ّدهتم عن كتاب هللا وعن سنة رسولو عليو‬
‫يروجوهنا بُت الناس‪ ،‬وكانت النتيجة إعراض ىؤالء يف التلقي واألخذ عن‬ ‫الصبلة والسبلم‪ ،‬وأصبح ىؤالء ِّ‬
‫أئمة‬ ‫ِ‬
‫يوجههم إليو ّ‬ ‫الكتاب والسنة معرضُت عن الكتاب والسنة‪ ،‬وأصبحوا أيخذون عن دعاة الباطل وما ّ‬
‫الضبلل ‪ ،‬وضع ؽبم شبهة‪ ،‬شبهة خبيثة قال‪(( :‬أوالً‪ :‬مقدمة أوىل‪« :‬ال يقرأ القرآن وال يتدبّر القرآن إال‬ ‫ّ‬
‫ؾبتهد»‪ .‬األمر الثاين‪« :‬ال يكون اإلنسان ؾبتهداً إال أبن يكون موصوفاً بكذا وكذا وكذا» صفات كثَتة قال‬
‫اؼبصنِّف‪(( :‬ال تكاد توجد اتمة يف أيب بكر وعمر))‪.‬‬
‫وأمر آخر يقولون‪« :‬ال يوجد يف زماننا ؾبتهدين»‪ .‬ىذه اؼبقدمات زبلص منها بنتيجة ما ىي؟ قول هللا عز‬
‫وجل {أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن [النساء‪ ]ٕٛ:‬أُلغي هبذه اؼبقدمات‪ ،‬وأصبحوا ال يتدبّرون القرآن‪ ،‬ويقرؤون‬
‫القرآن فقط للربكة بدون ؿباولة لفهمو‪ ،‬بل بعضهم ينبّو يقول‪ :‬انتبو وأنت تقرأ ال رباول أن تفهم‪ ،‬اقرأ ىكذا‬
‫فقط وإايك أن تفهم شيئاً منو؛ ألنّك إن فهمت شيئاً من القرآن على دينك خطر‪ُ ،‬خيشى على دينك أن‬
‫تتربك بقراءتو‪ ،‬حاول أن تقرأ مثل قراءة األعجمي للقرآن‪ ،‬أما أن تفهم‬ ‫ينحرف! لكن ىذا كتاب تقرأه للربكة ّ‬
‫صرح أبن القرآن فيو ظواىر كفرية ‪ ،‬أشياء تظهر منو كفرية‬ ‫شيئاً منو ىذا خيشى على دينك منو‪ ،‬بل بعضهم ّ‬
‫ُخيشى على الناس منها‪ ،‬لكن ال بد لنا من قراءتو للتربك ‪ ،‬ألنو كتاب مطالبون بقراءتو فنقرأه للتربك ‪ ،‬أما‬
‫التربك‪ ،‬وإذا قيل لو‪ :‬هللا عز وجل‬ ‫جملرد ّ‬ ‫للفهم وللتدبر إايك وىذا احذر ؛ فيصبح من يقرأ القرآن منهم يقرأه ّ‬
‫هنى عن الشرك‪ ،‬والدليل قولو تعاىل كذا‪ ،‬وهنى عن كذا والدليل قولو كذا‪ .‬يقول‪ :‬ال‪ ،‬ال تتكلّم يف ىذا‪ ،‬ىذا‬
‫للمجتهدين‪ ،‬ىذا ألىل االجتهاد‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫والعلماء رضبهم هللا يقولون‪ :‬الذي جاء يف القرآن وىو أمور كثَتة واضحة لكل أحد‪ ،‬ؼبا يقول هللا سبحانو‬
‫ضا َن [البقرة‪ ]ٔٛ٘:‬ىذه الكلمة واضحة أو غَت واضحة؟ وإال ربتاج إىل اجتهاد ومعرفة‬ ‫{ش ْه ُر َرَم َ‬
‫وتعاىل‪َ :‬‬
‫ابؼبقدمات اليت ذكروىا؟ واضحة شهر رمضان معروف عند كل أحد ‪{ ،‬أُنْ ِزَل فِ ِيو الْ ُق ْرآ ُن [البقرة‪]ٔٛ٘:‬‬
‫نزول القرآن يف رمضان أيضاً واضح‪ ،‬ىناك معاين ودقائق واستنباطات ألىل االجتهاد أما أمور واضحة ‪،‬‬
‫الزًَن [اإلسراء‪ ]ٖٕ:‬أو ربتاج إىل ؾبتهد مطلق؟ من الذي ال‬ ‫{وَال تَ ْقربُوا ِّ‬
‫من الذي ال يفهم قول هللا تعاىل َ َ‬
‫ِ‬
‫ت َعلَى‬ ‫يموا الص َبل َة [األنعام‪ ]ٕٚ:‬األمر إبقامة الصبلة‪{ ،‬إِن الص َبل َة َكانَ ْ‬ ‫يفهم قول هللا تعاىل‪َ { :‬وأَ ْن أَق ُ‬
‫ضوا ِمن أَب ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ُت كِتَ ًااب َم ْوقُ ً‬ ‫ِِ‬
‫صا ِرى ْم َوَْحي َفظُوا فُ ُر َ‬
‫وج ُه ْم‬ ‫ُت يَغُ ُّ ْ ْ َ‬ ‫وات [النساء‪{ ، ]ٖٔٓ:‬قُ ْل ل ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫الْ ُم ْؤمن َ‬
‫صا ِرِىن‬ ‫ات ي ْغض ْ ِ‬
‫ض َن م ْن أَبْ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫{وقُ ْل ل ْل ُم ْؤمنَ َ ُ‬ ‫غض البصر؟! َ‬ ‫[النور‪ ، ]ٖٓ:‬ربتاج إىل ؾبتهد مطلق حىت يُفهم ما ّ‬
‫غض البصر؟! ىذه أمور واضحة‪،‬‬ ‫وج ُهن [النور‪ ]ٖٔ:‬ربتاج إىل ؾبتهد مطلق حىت يفهم معٌت ّ‬ ‫َوَْحي َفظْ َن فُ ُر َ‬
‫وجل خاطب الناس بلسان عريب معلوم مفهوم يعلمون معناه‪ ،‬ففي القرآن أمور كثَتة واضحة لكل‬ ‫وهللا عز ّ‬
‫ين يَ ْستَ ْنبِطُونَوُ ِمْن ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬
‫من يقرأ القرآن فبن يفهم اللسان العريب‪ ،‬وىناك أمور ربتاج إىل ماذا { لَ َعل َموُ الذ َ‬
‫[النساء‪ ، ]ٖٛ:‬فيو دقائق ومسائل ربتاج إىل فقو واستنباط ىذه للمجتهدين نعم ‪ .‬أما أن يهجر القرآن‬
‫أردت بكثَت من الناس ‪ ،‬وأصبحوا معرضُت‬ ‫ويًتك تدبّر القرآن‪ ،‬ويقال يقرأ القرآن دبجرد الربكة ىذه شبهة ْ‬
‫عن القرآن وعن دالالتو‪ ،‬منشغلُت ابػبرافة وابألحاديث اؼبوضوعة‪ ،‬وابلقصص الواىية‪ ،‬وابغبكاايت‬
‫وابؼبنامات‪ ،‬وبينهم كتاب هللا عز وجل وسنة نبيو صلى هللا عليو و سلم إال أهنم عنهما معرضون نسأل هللا‬
‫العافية ‪.‬‬
‫فهذه شبهة وضعها الشيطان ؽبم وأثّرت يف كثَت منهم‪ ،‬وضعها الشيطان ؽبم من أجل ترك القرآن والسنة‬
‫النيب صلى هللا عليو و‬ ‫واتباع اآلراء واألىواء اؼبتفرقة اؼبختلفة‪ ،‬وإذا تُرك أخذ الدين والتدبّر للقرآن الكرمي وسنة ّ‬
‫سلم من أين أيخذ الناس دينهم ؟ إذا اقتنع الناس هبذه الشبهة من أين يُؤخذ الدين؟ من العقليات ‪ ،‬من‬
‫الضياع‪.‬‬‫التجارب ‪ ،‬من اػبرافات؛ وىذا عُت ّ‬
‫ماىي الشبهة؟ قال‪(( :‬ىي أن القرآن والسنة ال يعرفهما إال اجملتهد ادلطلق))‪ ،‬ىذه مقدمة أوىل‪.‬‬
‫اؼبقدمة الثانية‪(( :‬واجملتهد ىو ادلوصوف بكذا وكذا أوصافاً لعلّها ال توجد اتمة يف أيب بكر وعمر))‪.‬‬
‫النتيجة ماىي؟ قول هللا تعاىل‪{ :‬أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن يلغى سباماً‪ ،‬بل إ ّن ىذه اآلية {أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن‬
‫داخلة ربت القاعدة ىذه‪{ .‬أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن يقول لك‪ :‬القرآن ال يفهمو إال ؾبتهد ‪ ،‬وال يوجد يف‬
‫زماننا ؾبتهدين‪ ،‬حىت ىذه اآلية ال تقرأىا علينا‪ ،‬وال تطالبنا بفهمها ألن القرآن فهمو من خصائص‬
‫اس عن دين هللا‪.‬‬ ‫صد النّ ُ‬ ‫الشبهة ُ‬ ‫اجملتهدين! ربت ىذه ّ‬
‫ُوِل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم فَِإ ْن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِيف‬
‫ول َوأ ِ‬ ‫َطيعوا اّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا الر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا أ ُ َ َ‬ ‫{اي أَيُّ َها الذ َ‬ ‫قول هللا سبحانو وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َح َس ُن َأتْ ِو ًيبل [النساء‪]ٜ٘:‬؛‬ ‫ك َخْي ٌر َوأ ْ‬ ‫َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل اّلل َوالر ُسوِل إِ ْن ُكْن تُ ْم تُ ْؤِمنُو َن ِابّلل َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر ذَل َ‬
‫‪33‬‬
‫ىل ىذا على اببو يُرد إىل هللا والرسول ربت ىذه الشبهة؟ قال العلماء‪ :‬الرد إىل هللا‪ :‬الرد إىل كتابو‪ ،‬والرد إىل‬
‫الرد إليهما على ضوء ىذه الشبهة؟! اعبواب‪ :‬ال‪،‬‬ ‫الرسول عليو الصبلة والسبلم‪ :‬الرد إىل سنتو‪ ،‬فهل أصبح ّ‬
‫ال يُرد إىل الكتاب وال يرد إىل السنة ألن ىذا ال يكون إال على يد ؾبتهد مطلق‪ ،‬ويقولون‪ :‬ال يوجد يف‬
‫زماننا اجملتهد اؼبطلق ‪ ،‬فإذاً الُ يرد إىل الكتاب والسنة‪.‬‬
‫قال‪(( :‬فإن مل يكن اإلنسان كذلك)) يعٍت بتلك األوصاف للمجتهد ((فليع ِرض عنهما فرضاً حتماً‬
‫يهز العوام وخيلخل ثوابتهم ؛ فرضاً‬ ‫الشك وال إشكال فيو)) ىكذا يقولون‪ ،‬وبعضهم دبثل ىذه األلفاظ ّ‬
‫حتماً ال شك وال إشكال فيو أال تتدبر القرآن ‪ ،‬أنت ىل عندك صفات اجملتهدين ؟ ما جيوز لك أن تتدبّر‬
‫‪ ،‬فقط اقرأ القرآن للربكة ‪ ،‬يص ِّدق العامي ويصبح ال يقرأ القرآن إال جملرد التربك ‪ .‬واآلايت اليت فيها النهي‬
‫عن الشرك النهي عن الزًن كلّها ال أيخذ منها وال يفهم معناىا وال يتلقى عنها بناء على ىذه الشبهة‪.‬‬
‫قال‪(( :‬ومن طلب)) يعٍت ىذا كبلمهم‪(( ،‬ومن طلب اذلدى منهما)) أي من الكتاب والسنة ((فهو إما‬
‫زنديق )) ألنو خاطر بدينو‪ ،‬ما ىي اؼبخاطرة ابلدين؟ أن يفهم الدين من ظواىر الكتاب والسنة‪ ،‬ىذا إما‬
‫زنديق‪(( .‬وإما رلنون)) ؼباذا ؾبنون؟ ألجل صعوبة فهمهما‪ ،‬فهذا ؾبنون ألنو حياول أن يفهم من القرآن ما‬
‫ال ديكن أنُ يفهم من القرآن ؛ فهذا فيو نوع من اعبنون أو أنو إنسان زنديق مارق من الدين ‪ ،‬فمثل ىذا‬
‫يروج على العوام كم يفعل هبم! وكم يبعدىم عن كتاب رهبم وسنة نبيّهم صلوات هللا وسبلمو‬ ‫الكبلم عندما ّ‬
‫عليو! ‪.‬‬
‫والشيخ اإلمام الشنقيطي رضبو هللا يف كتابو «أضواء البيان» عند قول هللا تعاىل يف سورة دمحم {أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن‬
‫مطولة عند ىذا اؼبوضوع‪ ،‬وأورد ىذه الشبهة‬ ‫ٍ‬
‫الْ ُق ْرآ َن أ َْم َعلَى قُلُوب أَقْ َفا ُؽبَا(ٕٗ) عند ىذه اآلية وقف وقفة ّ‬
‫توسعاً طويبلً يف اإلجابة عنها ؛ حىت إهنا‬ ‫وتوسع ّ‬
‫موسعة ‪ ،‬وأشار إىل بعض من قاؽبا ‪ّ ،‬‬ ‫وأجاب عليها إجابة ّ‬
‫يعٍت تصلح أن تكون رسالة مفردة من اؼبعاين العظيمة والتوسعات والتقريرات اؼبفيدة اليت ذكرىا عند قولو‬
‫تعاىل{أَفَ َبل ي تَ َدب رو َن الْ ُقرآ َن أ َْم َعلَى قُلُ ٍ‬
‫وب أَقْ َفا ُؽبَا(ٕٗ) من تفسَته أضواء البيان ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫مث ختم بتسبيح هللا وضبده ؛ تسبيحو‪ :‬تنزيهو تبارك وتعاىل عن مثل ىذه االفًتاءات ‪ ،‬وعن مثل ىذا القول‬
‫الباطل يف كبلمو وكبلم رسولو عليو الصبلة والسبلم ‪ .‬وضبداً ‪ :‬على نعمة التوفيق للخَت واؽبداية لو والسبلمة‬
‫من ىذه الشرور‪.‬‬
‫رد ىذه الشبهة ادللعونة من‬ ‫قال‪(( :‬فسبحان هللا وحبمده كم بُ ِّني هللا سبحانو شرعاً وقدراً خلقاً وأمراً يف ّ‬
‫وجوه شىت بلغت إىل ح ّد الضرورايت العامة‪ ،‬ولكن أكثر الناس ال يعلمون)) ؛ يقول‪ :‬ىذه الشبهة زي ُفها‬
‫مكشوف سباما واضح يف القرآن والسنة‪ ،‬وكم بُ ُّت يف القرآن والسنة من ال ّدالئل على فساد ىذا الكبلم‬
‫ابلضرورة‪ ،‬ولكن‬ ‫وبطبلن ىذا التقرير الفاسد ‪ ،‬بُُِّت بياًنً إىل أن أصبح يف ح ّد الضرورايت اؼبعلومة من ال ّدين ّ‬

‫‪34‬‬
‫يروجوهنا ويص ّدون هبا الناس عن كبلم هللا‬ ‫استطاع الشيطان دبكره ومصائده أن يقنع أًنساً هبا‪ ،‬فأخذوا ِّ‬
‫وكبلم رسولو عليو الصبلة والسبلم‪.‬‬
‫ان فَ ُه ْم ُم ْق َم ُحو َن (‪َ )ٛ‬و َج َع ْلنَا ِم ْن‬ ‫مث ختم هبذه اآلايت الكردية {إًِن جع ْلنَا ِيف أ َْعنَاقِ ِهم أَ ْغ َبلًال فَ ِهي إِ َىل ْاألَ ْذقَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ص ُرو َن (‪َ )ٜ‬و َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم أَأَنْ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َملْ تُْن ِذ ْرُى ْم َال‬ ‫ُت أَي ِدي ِهم سدًّا وِمن خ ْل ِف ِهم سدًّا فَأَ ْغ َشي نَاىم فَهم َال ي ب ِ‬
‫ْ ُ ْ ُ ْ ُْ‬ ‫بَ ْ ِ ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ي ؤِمنو َن (ٓٔ) إِّنَا تُْن ِذر م ِن ات بع ال ِّذ ْكر وخ ِشي الر ْضبن ِابلْغَي ِ ِ ِ ِ‬
‫َج ٍر َك ِرٍمي [يس‪ ]ٔٔ-ٛ:‬قال‬ ‫ب فَبَ ّش ْرهُ دبَ ْغفَرةٍ َوأ ْ‬ ‫ُ َ ََ َ َ َ َ ََ ْ‬ ‫ُْ ُ‬
‫((آخره)) أي آخر ىذا الكتاب أو ىذه الرسالة‪.‬‬

‫‪35‬‬

You might also like