Professional Documents
Culture Documents
شرح متن الأصول الستة.
شرح متن الأصول الستة.
2441/2/32هـ
اغبمد هلل كبمده ونستعينو ونستغفره ونتوب إليو ،ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من
مضل لو ،ومن يضلل فبل ىادي لو ،وأشهد أ ّن ال إلو إالّ هللا وحده ال شريك لو ،وأشهد أ ّن يهده هللا فبل ّ
دمحماً عبده ورسولو صلى هللا وسلم عليو وعلى آلو وأصحابو أصبعُت .وبعد:
الوىاب رضبو هللا ؛ صبع فيها أصوالً ِ
فبُت أيدينا رسالة قيّمة ـبتصرة لئلمام اجمل ّدد شيخ اإلسبلم دمحم بن عبد ّ
بياًن وافيا ،وذُكرت ؽبا الدالئل البينات والشواىد الواضحات يف وجل ً عز ّ ستة عظيمة بُيّنت يف كتاب هللا ّ
وجل وسنة رسولو ؛ حبيث كانت واضحة وضوحاً ال خفاء فيو ،وظاىرة ظهوراً ال التباس فيو، عز ّ كتاب هللا ّ
السويّة ،وقد نصح ىذا الصواب وعن الطّريق ّ جادة ّ ضل فيها أكثر الناس واكبرفوا فيها عن ّ ومع ذلك فقد ّ
الرسالة اؼبشتملة على أصول ستة من أصول ىذا الدين اؼببينة يف الكتاب والسنة اإلمام رضبو هللا جبمعو ىذه ّ
مشَتاً إىل أمهّيتها وعظم شأهنا ومنبِّهاً يف الوقت نفسو على نوع االكبراف الذي وقع فيو أكثر النّاس فيما
يتعلّق هبذه األصول الستة .
بسمميحرلا نمحرلا هللا
من أعجب العجاب وأكرب اآلايت الدالة على قدرة ادللك الغالب ستة أصول بينها هللا تعاىل بياان
واضحا للعوام فوق ما يظن الظانون ،مث بعد ىذا غلط فيو كثري من أذكياء العامل وعقالء بين آدم إال
أقل القليل .
**************
نت يف كتاب هللا عز الستة ،وأ ّهنا قد بُيِّ ْ الرسالة بذكر عظم شأن ىذه األصول ّ
الشيخ رضبو هللا بدأ ىذه ِّ ّ
وجل ،وبُيِّنت يف سنّة رسولو صلى هللا عليو و سلم صلوات هللا وسبلمو عليو بياًنً وافياً ،وقد ذكر رضبو هللا
الرقم يف بداية حديثو عن ِ
أصول ستّةٌ ،وذكره رضبو هللا ؽبذا ّ ىذه األصول وأشار يف بداية حديثو عنها أهنا ٌ
نثرا دون ىذه األصول الستة نوع من اإلعانة لطالب العلم على ضبط العلم ،فلو أنو ذكر ىذه األصول ً
إشارة إىل رقم جيمعها ردبا ضعف ضبط طالب العلم ؽبا ،لكن إذا قرأىا طالب العلم وعرف أهنا ستّة
ث َم ْن ُكن فِ ِيو))، النيب يف سنتو عليو الصبلة والسبلم؛ قال(( :ثََبل ٌ استجمع ذىنو لضبطها؛ وىذا من ىدي ّ
اعبَنةَ: اض َمنُوا ِِل ِستًّا ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم أ ْ
َض َم ْن لَ ُك ُم ْ ان)) ،وقالْ (( : اإلديَ ِ ث َم ْن ُكن فِ ِيو و َج َد َح َبلوةَ ِْ وقال(( :ثََبل ٌ
َ َ
ِ
ص َارُك ْمَ ،وُك ُّفوا
ضوا أَبْ َوج ُك ْمَ ،وغُ ُّ اص ُدقُوا إِ َذا َحدثْتُ ْمَ ،وأ َْوفُوا إِ َذا َو َع ْد ُُْتَ ،وأ َُّدوا إِ َذا ْاؤُسبْن تُ ْمَ ،و ْ
اح َفظُوا فُ ُر َ ْ
((اجتَنِبُوا السْب َع الْ ُموبَِقات)) .فيأيت عنو عليو الصبلة والسبلم مثل ِ
أَيْديَ ُك ْم)) ،وقال عليو الصبلة والسبلمْ :
ىذا كثَت ،فبل يذكر األمور نثراً وإّّنا يذكر ؽبا رقم حيويها حبيث تُضبط اؼبسائل اؼبقصود بياهنا واألصول
1
اؼبقصود تقريرىا وإيضاحها؛ وؽبذا قال رضبو هللا ستة أصول.
وقولو (أصول)؛ األصل :ىو ما يُبٌت عليو غَته ،وىو األساس لغَته ،وىذا تنبيو من اؼبصنِّف رضبو هللا إىل أ ّن
ضل فيها أكثر النّاس.ىذه من األصول الكبار والقواعد اعبوامع الكليّة .ومع أهنا أصول وقواعد إال أنو قد ّ
الشديد الذي طرحو رضبو هللا متعجبا وطرحو أيضا لطالب العلم عجب ّ الرسالة ابلتّ ّ وبدأ رضبو هللا ىذه ّ
ليشاركو يف التعجب والتّ ّأمل يف ىذا األمر؛ وؽبذا بدأ الرسالة بقولو ((من أعجب العجاب)) أي من أش ّد
األمور إاثرة للعجب يف األذىان.
((وأكرب اآلايت ال ّدالة على قدرة ادللك الغالّب)) الحظ اآلن نبو على أمرين :نبّو على أ ّن األصول اآليت
تدل
دل على أمر عجيب ج ّداً يف حال النّاس وواقعهم .و ّ تقريرىا مع ـبالفة أكثر الناس ؽبا رغم وضوحها ت ُّ
أيضاً يف الوقت نفسو على كمال قدرة هللا سبحانو وتعاىل.
اؼبتصرف يف ىذا الكون عطاءً ومنعاً، ((على قدرة ادللك الغالّب)) ؛ «اؼبلك» :أي الذي بيده اؼبلك ِّ ،
يعز ويذل ،وخيفض ويرفع ،ويعطي ودينع ،ويهدي ويضل .الذي يتأمل ىذه خفضاً ورفعاً ،قبضاً وبسطاًّ ،
األصول الستة وواقع الناس معها تدلو على كمال قدرة اؼبلك الغبلب ؛ «الغبلّب» كما قال هللا تعاىل:
ب َعلَى أ َْم ِرهِ :أي حكمو ِ ب َعلَى أ َْم ِرهِ َولَ ِكن أَ ْكثَ َر الن ِ ِ
اس َال يَ ْعلَ ُمو َن [يوسفَ ، ]ٕٔ :غال ٌ {واّللُ َغال ٌ َ
يتصرف يف فبلكتو ويف ـبلوقاتو كيف شاء ،ويدبّرىا تبارك وتعاىل ًنفذ ،ال مع ّقب غبكمو وال ر ّاد لقضائوّ ،
{ما
مضل لو ،ومن يضلل فبل ىادي لوَ ، كما يريد ،ما شاء كان وما مل يشأ مل يكن ،من يهده هللا فبل ّ
ك فَ َبل ُم ْرِس َل لَوُ ِم ْن بَ ْع ِدهِ [فاطر .]ٕ :فاألمر بيده تبارك
ك َؽبَا َوَما ديُْ ِس ْ
اس ِم ْن َر ْضبٍَة فَ َبل فبُْ ِس َيَ ْفتَ ِح اّللُ لِلن ِ
الشمس ،ومع ذلك الستة واضحة وبيّنة وضوح ّ وتعاىل .ومن ال ّدالئل على أ ّن األمر بيده ىذه األصول ّ
الشديد،السويّة؛ فهذا أمر مدعاة للتعجب ّ اعبادة ّ
السبيل وينحرفون عن ّ يضل أكثر النّاس فيها عن سواء ّ ّ
ويف الوقت نفسو فيو داللة على قدرة هللا وكمال ملكو ،وأنّو سبحانو وتعاىل غالب على أمره ،وأن حكمو
ًنفذ وأن األمور بيده تبارك وتعاىل ،حيكم يف خلقو دبا يشاء ويقضي فيهم دبا يريد ،ال معقب غبكهم وال
راد لقضائو تبارك وتعاىل .
قال(( :وأكرب اآلايت ال ّدالة على قدرة ادللك الغالّب ستة أصول بيّنها هللا تعاىل بياانً واضحاً للعوام
ِ
الستة ،ووضوح فوق ما يظن الظّانون)) انظر ىنا إىل أتكيد اؼبصنّف رضبو هللا على وضوح ىذه األصول ّ
وجل وسنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم ؛ قال(( :بيّنها هللا بياًنً واضحاً)) أي جعلها عز ّ بياهنا يف كتاب هللا ّ
لكل أحد ،ليس فيها خفاء وال يكًتثها غموض ،وال يبلبسها ليست ملتبسة ،واضحة أي ظاىرة ّ ْ أموراً بيّنة
وجل ،وكذلك يف سنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم. عز ّ تعقيد ،بل ىي واضحة ظاىرة يف كتاب هللا ّ
ابلراسخُت يف العلم بل ىي ـبتصاً أبىل العلم أو ّ((بياانً واضحاً للعوام)) أي أن وضوح ىذه ليس أمراً ّ
2
واضحة للعوام ؛ فضبلً عمن ىو أرفع منهم وأعلم منهم وأفقو منهم ،واضحة للعوام سباماً ((فوق ما يظنو
ظن ،قد يظنها اإلنسان واضحة لكن وضوحها القوي الظاىر البُت الظانون)) يعٍت وضوحها فوق ما قد يُ ّ
يتأمل اؼبسلم أنواع األدلة
الشيخ رضبو هللا؟ عندما ّفوق ما يظنو الظانون ،ومىت يظهر ىذا اؼبعٌت الذي قالو ّ
الواردة يف الكتاب والسنة يف تقرير ىذه األصول ،وأهنا أقيمت عليها اغبجج البيّنات أبنواع من األدلة ؛
تنوع األدلة ،وال من حيث أيضا كثرة ظن ،ال من حيث ّ حبيث أن ىذا البيان ؽبذه األصول فوق ما قد يُ ّ
عددىا.
األصل األول الذي سيأيت اغبديث عنو قال ابن القيم رضبو هللا إن عامة آايت القرآن يف تقريره ؛ الذي ىو
اإلخبلص والتحذير من الشرك قال بل كل آية يف القرآن فيها تقرير للتوحيد ،فالشاىد أن ىذه األصول
بينت بياًن واضحا ال خفاء فيو ،ليس ىذا البيان ألىل العلم أو للراسخُت يف العلم بل للعوام حبيث يفهمها
كل من يفهم اللسان العريب الذي أنزل بو القرآن الكرمي
((مث بعد ىذا كلو غلط فيها كثري من أذكياء العامل)) أي رغم وضوحها الشديد وبياهنا البُت وكوهنا ال
خفاء فيها وال التباس ؛ مع ذلك كلو غلط كثَت من أذكياء العامل ،ىنا قولو(( :غلط فيها)) ىنا العجب ،
وىنا ظهور اآلية اليت قال(( :آايت دالة على قدرة اؼبلك)) ،فهنا العجب ،تعجب غاية العجب عندما
كل ما سبشي خطوتُت يكون ىناك طريق يوصل إىل البلد اؼبقصود ،واللوحات اإلرشاديّة للطريق كثَتة ج ّداًّ ،
ذبد لوحة إرشاديّة .طريق مكة وسهم يشَت إليو ،مث سبضي والطريق أيضاً ذبد السهم يشَت ،مث سبضي وذبد
السهم يشَت ،مث يف الوقت نفسو ذبد كثَتاً من الناس يريدون مكة ولكنهم أيخذون ذات اليمُت وذات
أتملت وضوح الطّريق وكثرة الشمال يضيعون ويضلون وينحرفون!! ىذا أمر يف غاية العجب؛ ألنّك إذا ّ
اللّوحات اإلرشادية الدالة عليو مث نظرت أكثر النّاس ينحرفون عنو ،مث تتساءل تقول :ىل الطريق غَت
واضح؟ ستقول لك نفسك :وىل أوضح من ىذا؟ ىل أزيَد من ىذا الوضوح؟ ما أمشي خطوة أو خطوتُت
إال وأجد لوحة إرشادية تدل وتوضح ؛ فهذا أمر يف غاية العجب ،كثرة الدالئل واغبجج والرباىُت ،مث يف
الضالُت ،فهذا أمر فيو مثار للعجب والتعجب ،وفيو أيضاً داللة على الوقت نفسو كثرة اؼبنحرفُت والزائغُت و ّ
أ ّن األمور بيد هللا سبحانو وتعاىل .األمور بيد هللا ،اؽبداية بيد هللا ،االستقامة بيد هللا ،صبلح العبد بيد هللا،
ايب قيل لو :دبا
كل األمور بيده تبارك وتعاىل ،وقد ُسئل أعر ٌّ توفيقو بيد هللا ،سلوكو للطريق القومي بيد هللاّ ،
ريب هبذا ،أ ّن عزمي على شيء أو مهّيت على أمر من فت ّ فت ربك؟ قال" :بنقض العزائم وحل اؽبمم" ؛ عر ُ عر َ
األمور تنتقض ،وأذبو إىل غَته وأًن عازم إىل أمر معُت وإذا يب أتوجو إىل آخر ،فهذا يدل على أ ّن األمور
بيد هللا تبارك وتعاىل .وليس ىذا معناه أن العبد ال مشيئة لو وال اختيار ،بل للعبد مشيئة يدل عليها
أتمل اإلنسان واقعوالسبلم ويدل عليها واقع اإلنسان ،لو ّ الصبلة و ّالنّصوص يف كتاب هللا وسنة نبيّو عليو ّ
3
الشر ،ومشيئة ربت وحياتو وأموره جيد أن عنده مشيئة واضحة ،عنده مشيئة خيتار هبا طريق اػبَت وطريق ّ
ُت ِ
ب الْ َعالَم َ مشيئة هللا قال تعاىل{ :لِ َم ْن َشاءَ ِمْن ُك ْم أَ ْن يَ ْستَ ِق َيم (َ )ٕٛوَما تَ َشاءُو َن إِال أَ ْن يَ َشاءَ اّللُ َر ُّ
[التكوير.]ٕٜ – ٕٛ :
قال(( :غلط فيها كثري من أذكياء العامل)) وىذا فيو داللة على أ ّن ال ّذكاء وحده ال يكفي العبد يف استقامة
أموره وصبلح أحوالو ،فكم فبن ذكاؤىم مفرط وذىنهم وقّاد وفهمهم قوي لكنّهم يضلون {ي علَمو َن ظَ ِ
اىًرا َْ ُ ّ
اغبَيَاةِ الدُّنْيَا َوُى ْم َع ِن ْاآلَ ِخَرةِ ُى ْم َغافِلُو َن [الروم .]ٚ :ذبده يف غاية ال ّذكاء ذكاؤه خارق ذكاء قوي ِم َن ْ
أىم أمر ُخلق ألجلو وُوجد لتحقيقو ليس عنده منو خرب ،بل تُعرض عليو حجج واضحات جدا ،لكن ّ
ودالئل مقنعات فَتفضها وأيابىا وال يقبلها ! ال لكونو ال يفهم ،بل ىو ذكي يفهم أمور دقيقة وأمور عسرة
الفهم ذبده يفهمها ،مث يُعرض عليو أبُت األمور وأوضحها فبل يفهمها وال تقبلها نفسو وأتيب قبوؽبا.
قال(( :ومع ذلك غلط فيها كثري من أذكياء العامل وعقالء بين آدم)) وىؤالء الذين وصفهم الشيخ رضبو
هللا ابل ّذكاء ىم يف اغبقيقة أوتوا كما يقول شيخ اإلسبلم ابن تيمية «أوتوا ذكاءً ومل يؤتوا زكاءً ،وأوتوا فهوماً
ومل يؤتوا علوماً» ؛ فما أغٌت عنهم ذكاؤىم وال أغنت عنهم عقوؽبم وال انتفعوا هبا ،وإذا كان عنده انتفاع
بعقلو فانتفاعو بو ؿبمود ينتهي دبوتو وليس لعقلو شبرة بعد موتو؛ وؽبذا يندم أىل النار غاية النّدم لعدم
{وقَالُوا لَ ْو ُكنا نَ ْس َم ُع أ َْو نَ ْع ِق ُل َما ُكنا
دت لتحقيقو ويقولون ًندمُتَ :
ِ
استعماؽبم لعقوؽبم فيما ُخلقت لو وأُوج ْ
ِيف أَصح ِ ِ
اب السع َِت [اؼبلك .]ٔٓ:لكن فساد العقل واكبرافو يفضي ابإلنسان إىل ىذا ّ
الزلل. َْ
اس َولَْو {وَما أَ ْكثَ ُر الن ِ قال(( :إالّ أقل القليل)) أي أ ّن أكثر النّاس ضلوا يف ىذا الباب ،قال تعاىلَ :
{وَما يُ ْؤِم ُن حرصت ِدبُؤِمنُِت [يوسف .]ٖٔٓ :وقال{ :وقَلِ ِ ِ ِ
ور [سبأ ، ]ٖٔ:وقالَ : ي الش ُك ُ
يل م ْن عبَاد َ
َ ٌ ََ ْ َ ْ َ
أَ ْكثَ ُرُى ْم ِابّللِ إِال َوُى ْم ُم ْش ِرُكو َن [يوسف ]ٔٓٙ :واآلايت يف ىذا اؼبعٌت كثَتة .فأقل القليل ىم الذين ُىدوا
السبيل.إىل صراط هللا اؼبستقيم واستقاموا على اعبادة السوية ،وأكثر الناس ضلّوا عن سواء ّ
واؼبؤلف رضبو هللا قصد هبذه اؼبقدمة أن ينبّو طالب العلم على أمهية ىذه األصول الستة وعظيم مكانتها -
الصادق على هللا تبارك وتعاىل أن يهديو وأن يثبّت ىذا من جهة -وأن ينبو طالب العلم على ضرورة إقبالو ّ
ِ
ت النيب صلى هللا عليو و سلم (( :اي مقلّب القلوب ثبِّ ْ قلبو وأن ال يزيغو عن سواء الصراط ،ومن دعوات ّ
أنبت ،وبك لت وإليك ُ آمنت وعليك توّك ُ أسلمت وبك ُ ُ قليب على دينك)) ،ومن دعواتو أيضاً(( :اللهم لك
اعبن واإلنس ديوتون)). اغبي الذي ال ديوت ،و ّ بعزتك ،ال إلو إالّ أنت أن تضلٍّت ،فأنت ّ خاصمت ،أعوذ ّ
وأراد أيضا أن ينبّو على ضرورة العناية هبذه اؼبسائل والعناية بضبطها وإتقاهنا ،وأراد أن ينبو أن ال ّذكاء وحده
ال يكفي إذا مل يُرزق صاحبو ال ّسداد والتوفيق من هللا تبارك وتعاىل ،فبل يغًت اإلنسان دبا عنده من ذكاء وما
الشبهات لديو من نباىة ،فكم من ذكي مل ينتفع بذكائو ومل يستفد منو ،وأراد أن ينبّو أيضاً على خطورة ّ
4
وزبل ابلعقول وتفسد الضرر ألهنا تقلِب اغبقائق وزبلط األوراق وتُردي ابلناس ُ
وأهنا تُضر ابلناس غاية ّ
أضرت
أضرت بعقيدتو ّ ، األذىان ،فالشبهات غاية يف اػبطورة ،وإذا أصغى اإلنسان للشبهة وأعطاىا ظبعو ّ
أضرت بصلتو بربّو تبارك وتعاىل .فهنا تنبيو من اؼبصنّف لطالب العلم أالّ خياطر بدينو بسماعوبعبادتوّ ،
ملقن حجتو كما قال السلف رضبهم للشبهات ومطالعتو ؽبا؛ أل ّن الشبهات خطَتة ج ّداً وصاحب البدعة ٌ
هللا؛ أي يشبِّو على الناس ويلبّس عليهم ،فمن أرخى لنفسو العِنان يف ظباع الشبهات واإلصغاء إليها
أئمة
تضرين ،فقد كان ّأفسدت قلبو ،وال يقول اإلنسان يف ىذا اؼبقام :أًن عندي ذكاء وعندي عقل أميّز وال ّ
ْ
السلف وعلماء السنة رضبهم هللا آاتىم هللا عز وجل من العلم والفهم وال ّذكاء وما كانوا يصغون إىل ِ
ؾبادل ّ
وال يصغون ألرابب الشبهات وأىل األىواء وال يتيحون ؽبم اغبديث يف ؾبالسهم ،حىت وال نصف كلمة
كما جاء عن بعضهم ،كل ذلك حفظا للدين وؿبافظة عليو وصيانة لو من الزلل ،فهذه كلّها أمور ينبو
عليها اؼبصنّف رضبو هللا بُت يدي ذكره ؽبذه األصول الستة العظيمة .
5
صا وصف اللّنب أبنو خالص ،واؼبعٌت أي صايف نقي ،وأخرب تبارك وتعاىل أن ىذا اللّنب اػبالص قد ِ
َخال ً
خرج من بُت فرث ودم ،حىت قال بعض أىل اػبربة :إ ّن خروجو من بُت الفرث وال ّدم يكون عند اغبلب ويف
وقتو .ومن ال ّدالئل على ذلك من حيث الواقع أ ّن الناقة على سبيل اؼبثال إذا أراد صاحبها حلبها أييت إىل
أدرت اغبليب مث حلب ، ثديها فيحلب ال جيد حليباً ،فإذا قرب ولدىا منها ونظرت إىل ولدىا عند ضرعها ّ
فيحلب من جهة وولدىا يرضع من جهة أخرى ،خيرج اغبليب من بُت فرث ودم صفتو خالص ،ومعٌت
خالص :أي ال ترى فيو نقطة دم وال ترى فيو قطعة فرث وىو للتو خرج من بُت الفرث والدم وال ترى فيو
قطرة دم وال قطعة دم ،صايف مص ّفى نقي من ّقى ،أخرجو هللا تعاىل هبذه الصفة خالصاً ،مث جعلو أيضاً
طعما لذيذاً مع علمو من سبحانو وتعاىل سائغاً ،مع علم اإلنسان دبخرجو لكنو يستسيغو ويستلذه ويرى لو ً
الصايف النّقي الذي ال شائبة فيو، ِ
صا أي صافيا نقيّاً ،فاػبالص :ىو ّ الشاىد قولوَ { :خال ً أين خرجّ .
فاللّنب ؼبا مل يكن فيو نقطة دم وقطعة فرث خرج صافيا ظبي هبذا االسم أو وصف هبذا الوصف «خالصاً»
أي صافيا نقيّا.
ِِ ِ ِ ِِ ِ ِ
ين
ين [البينة ،]٘:وقولو { :أََال ّلل ال ّد ُ ُت لَوُ ال ّد َوقول هللا تعاىلَ { :وَما أُم ُروا إِال ليَ ْعبُ ُدوا اّللَ ُْـبلص َ
الصايف النقي .ما ال ّدين اػبالص؟ ىو ال ّدين الصايف النقي الذي مل يقصد ِْ
ص [الزمر ]ٖ :اؼبعٌت :أي ّ اػبَال ُ
التقرب
جل وعبل ،وقصد ّ تقرب بو إال هلل ،فإذا دخل نية العبد يف دينو ويف قرابتو سوى هللا ّ بو إال هللا ،مل يُ ّ
الشرك :عدل غَت هللا تبارك وتعاىل ابهلل ،فاؼبشرك إليو خرج من اإلخبلص ألنو مل يصبح صافياً ،وؽبذا كان ّ
خرج من اإلخبلص ألنو عدل غَت هللا ابهلل وسوى غَته تبارك وتعاىل بو يف إعطاء غَت هللا من حق هللا
الشرك نقيض اإلخبلص. وتبارك وتعاىل وخصائصو سبحانو ،وىذا نقيض اإلخبلصّ ،
نعرف اإلخبلص دبعناه حبيث نقول :اإلخبلص ىو ال ّدين الصايف النقي الذي مل يرد بو إالّ وؽبذا ديكن أن ِّ
هللا .
وديكن أن نعرفو بنفي ضده ،فنقول :اإلخبلص ىو الذي ال شرك فيو.
والشرك نوعان :نوعٌ ينايف التوحيد من أصلو ،ونوعٌ ينايف كمالو الواجب.
نوع ينايف التوحيد من أصلو وىو الشرك األكرب الناقل من ملة اإلسبلم ؛ وىو تسوية غَت هللا ابهلل تبارك
وتعاىل فيما ىو من خصائصو تبارك وتعاىل .والشرك يقع يف أنواع التوحيد الثبلثة :الشرك يف الربوبيّة،
والشرك يف األلوىية ،والشرك يف األظباء والصفات ،فإعطاء غَت هللا شيئًا من خصائص هللا يف ربوبيتو ،أو
ألوىيتو ،أو أظبائو وصفاتو ،ىذا شرك أكرب ًنقل من ملة اإلسبلم ،واؼبعًتك بُت األنبياء وأقوامهم ىو يف
يقرون أبنو الرب اػبالق الرازق ،ومن أنكر منهم أنكر شرك العبادة ،ما يتعلق ابإلقرار بربوبية هللا الغالب ّ
استَ ْي َقنَ ْت َها أَنْ ُف ُس ُه ْم [النمل{ ، ]ٔٗ:قَ َال ِ
{و َج َح ُدوا هبَا َو ْعلى وجو اؼبعاندة واالستكبار كما قال تعاىلَ :
ض [اإلسراء .]ٕٔٓ :فغالب جحد من جحد ب السماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ ِِ ِ
ت َما أَنْ َزَل َى ُؤَالء إال َر ُّ َ َ لََق ْد َعل ْم َ
6
عن استكبا ٍر ومعاندة ،واؼبعًتك يف ىذا الباب بُت األنبياء وأقوامهم يف ابب العبادة وإخبلصها هلل تبارك
وتعاىل وعدم جعل الشريك معو فيها.
الشرك األكرب
والنوع الثاين :الشرك األصغر :وىو كل ما جاء يف النصوص وصفو شركاً ومل يصل إىل رتبة ّ
الناقل من اؼبلة ؛كيسَت الرايء ،وكشرك األلفاظ ،مثل حلف اإلنسان بغَت هللا ،وقولو ما شاء هللا وشئت،
وقولو لوال البط ألاتًن اللصوص ،وكبو ذلك من األلفاظ الشركية اليت يصدر من اإلنسان لفظها وال
يعتقد حقيقتها ومضموهنا من تسوية لغَت هللا تبارك وتعاىل ابهلل.
األول :إخالص ال ّدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو)) إخبلص ال ّدين هلل أي إخبلص تدين قال(( :األصل ّ
العبد هلل وتدينو وتقربو هلل ابألعمال الصاغبات والطاعات الزاكيات .إخبلص ال ّدين هلل :أي ال لغَته ؛ أبن
قرب إليو ونيل رضاه سبحانو يقع العمل من العامل مبتغياً بو وجو هللا سبحانو وتعاىل ،ال يريد بو إالّ هللا والتّ ّ
وتعاىل .
((إخالص الدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو)) منبّهاً اؼبصنف رضبو هللا هبذا إىل أ ّن اإلخبلص لو ركنان ال
يكون إال هبما ؛ ومها :اإلثبات والنّفي .اإلثبات يف قولو« :وحده» ،والنفي يف قولو «ال شريك لو» فبل
يكون العبد ـبلصاً إالّ ابلنّفي واإلثبات ومها ركنا التوحيد ،واإلخبلص قائم على ركنُت اإلثبات والنفي ،
عمن كل من سواه كما ىو واضح يف كلمة التوحيد «ال إلو إالّ إثبات العبادة بكل معانيها هلل وحده ونفيها ّ
فإهنا قائمة على ىذين الركنُت :النفي واإلثبات ،نفي عام يف أوؽبا وإثبات خاص يف آخرىا(( .ال إلو)) هللا» ّ
نفي للعبودية عن كل من سوى هللا ،و((إالّ هللا)) إثبات للعبوديّة بكل معناىا هلل تبارك وتعاىل وحده .فمن
موحداً ،بل ال يكون من أىل التوحيد إالّ ِ ِ ِ
موحداً ،ومن أثبت ومل ينف ال يكون ّ نفى ومل يثبت ال يكون ّ
ابلنّفي واإلثبات ،من نفى بدون إثبات قال «ال إلو» واكتفى هبذه الكلمة دون أن يثبت األلوىيّة هلل بعد
نفي لوجود اإللو
عمن سواه فإن ىذا إغباد ،قولو ىذا إغباد ،وعقيدة اؼببلحدة" :ال إلو واغبياة مادة" ٌ نفيها ّ
موحداً من قال :أًن أؤمن أبن هللا معبود ولكن ال أنفي العبودية عمن ِ
أصبلً .ومن أثبت ومل ينف ال يكون ّ
ِ
موحداً بل ىو مشرك.
سواه ؛ ىذا ال يكون ّ
فالتوحيد ال يكون إالّ ابألمرين معاً :النفي واإلثبات« :ال إلو إال هللا».وقولو(( :وحده ال شريك لو)) ىذا
أتكيد لركٍت التوحيد ،أ ّكد اإلثبات بقولو(( :وحده)) وأ ّكد النفي بقولو(( :ال شريك لو)).
قال(( :األصل األول :إخالص الدين هلل تعاىل وحده ال شريك لو وبيان ضده الذي ىو الشرك ابهلل)).
يقول اؼبصنف :اإلخبلص بُت يف القرآن وضده أيضاً ُح ّذر منو .اإلخبلص بُُت ورغب فيو ،والشرك بُت
وتنوعت ال ّدالئل يف القرآن يف بيان الشرك وبيان خطورتو والتحذير منو وسوء عاقبتو وح ّذر منو يف القرآنّ ،
وذم اؼبشركُت والتحذير منهم،
الشرك والتحذير منو ّ على أىلو ،وسبر يف القرآن على آايت كثَتة فيها ذكر ّ
7
ولو أنك رجعت إىل بعض اؼبعاجم اؼبفه ِرسة أللفاظ القرآن عند كلمة (شرك) وتصريفاهتا ذبدىا وردت يف
ذما لو وربذيراً من أىلو وبياًنً لسوء عواقبهم يف الدنيا واآلخرة ،دير القرآن وروداً يف مواضع كثَتة جداً ؛ ّ
عليك يف ىذا الباب آايت كثَتة جداً يف القرآن الكرمي ،ىذا ما كان منها بلفظ (شرك) ،لكن أيضاً لو
الشرك ولو مل تذكر الكلمة نفسها نظرت إىل األلفاظ األخرى (ومن يدعو مع هللا) ىذا أيضاً ربذير من ّ
ِ ف الضِّ ِ ِ ِِ ِ
ين
{والذ َ ُّر َعْن ُك ْم َوَال َْرب ِو ًيبل [اإلسراءَ ، ]٘ٙ: {قُ ِل ْادعُوا الذ َ
ين َز َع ْمتُ ْم م ْن ُدونو فَ َبل ديَْل ُكو َن َك ْش َ
ين َك َف ُروا بَِرّهبِِ ْم يَ ْع ِدلُو َن للشرك ُ ِ
{مث الذ َ ذم ِّ كل ىذا ٌ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ٍ
تَ ْدعُو َن م ْن ُدونو َما ديَْل ُكو َن م ْن قطْمَت [فاطرّ ]ٖٔ :
ِ ض َبل ٍل ُمبِ ٍ ِ [األنعامِ َ ، ]ٔ:
ُت [الشعراء]ٜٛ – ٜٚ : ب الْ َعالَم َُت ( )ٜٚإِ ْذ نُ َس ِّوي ُك ْم بَِر ِّ {اتّلل إِ ْن ُكنا لَفي َ
فالشرك ذُم يف القرآن بذكره بلفظو ،وذُكر أيضاً أبلفاظ ومعاين وتقريرات أخرى ،فبُ ُِّت للشركّ ، ىذا كلّو ذمٌّ ّ
وجل.
عز ّ بياًنً وافيا واسعاً شافيا كافياً يف كتاب هللا ّ
قال(( :وكون أكثر القرآن يف بيان ىذا األصل من وجوه شىت)) ؛ القرآن أكثره يف بيان ىذا األصل من
وجوه شىت ،ىذه الكلمة تفتح لك ابابً شريفاً من العلم وأنت تقرأ القرآن ،أعظم األمور اؼببيّنة يف القرآن ما
ِ
يكتف الشرك ،وبُ ُّت يف القرآن بياًنً شافياً يفهمو أبلد العامة ،مل ىو ؟ التوحيد والتحذير من ض ّده وىو ّ
بقولو :يفهمو العامة .يفهمو أبلد العامة واضح جداً ،وأبنواع من األدلة ؛ فهذا يفتح لك ابابً شريفاً من
الشرك ؛ تنتبو ؽبا وتفهمها ألهنا تقرر التوحيد ورب ّذر من ّ العلم وأنت تقرأ القرآن حبيث تنتبو لآلايت اليت ِّ
أعظم شيء يف القرآن ،أعظم شيء يف القرآن الكرمي آايت التوحيد واآلايت اليت رب ّذر من الشرك؛ فكيف
يليق دبسلم عاقل دير عليها وال يدري ما ىي؟! وال يفهم منها معٌت ،أو يتجاىل عن معناىا ،أو يعرض
ابلصد عن تدبّر القرآن - عن فهم معناىا ،أو يرتكب اؼبسلك الذي يرتكبو من ضلُّوا عن سواء السبيل ّ
وىذا سيأيت الكبلم عليو عند اؼبصنّف -ص ّد النّاس عن تدبّر القرآن وفهم آايتو ،وبعض العوام إذا ذُكر لو
الشرك يقول" :ىذه آايت من القرآن ،وفهم القرآن ليس لكل أحد" ىكذا آايت التوحيد والتحذير من ّ
يقول! "ىذه آايت من القرآن ،وفهم القرآن ليس لكل أحد ،وإّنا فهم القرآن خاص ابجملتهدين ،واجملتهد
صفتو كذا وكذا ،وكبن ال نفهم وال جيوز لنا أن كباول أن نفهم" ،ىكذا لُبّس على كثَت منهم أصبح يقرأ
آايت التوحيد واآلايت احمل ّذرة من الشرك وال حياول أن يفهم منها شيء ،ويبقى فهمو على ضوء ما قرر لو
أشياخو.
ُ
قصة صبيلة يف ىذا الباب :أحد الذين من هللا عليهم بفهم التوحيد جلس مع مر معي يف بعض الكتب ّ وقد ّ
رجل من العوام مث وجده وقع يف أمر شركي فنهاه عن الشرك وتبل عليو آية من القرآن واآلايت اليت يف
القرآن يف التحذير من الشرك كثَتة فتبل عليو آية إما قول هللا تعاىل {إِن اّللَ َال يَ ْغ ِف ُر أَ ْن يُ ْشَرَك بِِو
يب لَوُ إِ َىل يَ ْوِم الْ ِقيَ َام ِة ِ ِ ِ ِ [النساء ، ]ٗٛ:أو { ومن أ ِ
َض ُّل فب ْن يَ ْدعُو م ْن ُدون اّلل َم ْن َال يَ ْستَج ُ ََ ْ َ
الشرك ،فقال لو ذلك الرجل :ملَ تذكر لنا آايت القرآن؟ [األحقاف .]٘:تبل عليو آيةً يف التحذير من ّ
8
وؼباذا أيضاً تستشهد ابلقرآن وأنت لست من أىل االجتهاد؟ القرآن واالستدالل وذكر الشواىد منو ىذا
فرد كبلمو
ألىل االجتهاد وأنت لست من أىلو ،ومثلي ومثلك ال ديكن أن نذكر اآلايت ونستدل هباّ ،
هبذه الطريقة ،فالرجل سكت ومل يتكلّم معو ،مث انتظر بعد قليل وكانوا يف بيت ذلك الرجل ،فجاءت ابنةٌ
صغَتة لذلك الرجل قال لو ىذا الرجل :من ىذه؟ قال :ىذه ابنيت عمرىا ست أو سبع سنوات .قال :ؼباذا
تتزوجها؟ إيش اؼبانع؟!
اتق هللا! ىذه بنيت ،كيف تقول ىذا الكبلم؟! قال :ؼباذا ال ّ ال تتزوجها؟! قالِ :
ت َعلَْي ُك ْم أُم َهاتُ ُك ْم َوبَنَاتُ ُك ْم [النساء.]ٕٖ :قال لو :{حِّرَم ْ
ظبعت قول هللا تعاىلُ :
فغضب الرجل ،قال :ما َ
ال ،ىذا قرآن!.
فبلحظ اآلن صاحب اؽبوى ؼبا يؤتى لو ابل ّدليل الذي يرد ىواه وابطلو ديتنع هبذه الشبهة ،لكن إذا رب ّدث يف
ردىا بطرق عديدة ،وإذا ئت عليو آايت الشرك ّ األمور األخرى اليت يرتضيها ذبده يستدل ابلقرآن ،إذا قر ْ
تليت عليو آايت يف األخبلق أو يف اآلداب أو يف اؼبعامبلت أو يف أمور أخرى يتقبلها ،أما آايت الشرك
فلِما قام يف قلبو من الشبهة اليت صرفتو عن التوحيد وجرفتو عنو ديتنع من قبول اآلايت .ودعاة الضبلل
وضعوا يف ىذا الباب قاعدة سيأيت ذكرىا عند اؼبصنّف والتنبيو على خطورهتا يف أصل قادم .قال(( :وكون
أكثر القرآن يف بيان ىذا األصل من وجوه شىت بكالم يفهمو أبلد العامة))
((مث دلا صار على أكثر األمة ما صار)) مراده بقولو «صار أكثر األمة ما صار» أي من اعبهل ابلدين
الصبلة والسبلم وتكاثر الشبهات على الناس ((دلا ودروس العلم وقلة الفهم بكبلم هللا وكبلم رسولو عليو ّ
شيطان اإلخالص يف صورة تنقص الصاحلني والتقصري يف صار على أكثر األمة ما صار أظهر ذلم ال ّ
حقوقهم)) انظر إىل مكر الشيطان هبؤالء ؛ أظهر ؽبم اإلخبلص يف صورة تنقص الصاغبُت ،وأ ّن اؼبخلص
الذي ال يريد أن يُقصد ابلعمل إال هللا تبارك وتعاىل يقولون يف ح ّقو ىذا ال يعرف قيمة الصاغبُت ،وال
يعرف مكانتهم ،وال يعرف جاىهم ،وال يعرف فضلهم ،وليس عنده للصاغبُت قدر ،وردبا قالوا :ىذا ال حيب
ويسب الصاغبُت ،وىكذا أييت ركام من الكبلم ّ الصاغبُت ،وردبا ارتقوا أيضاً وقالوا :ىذا يشتم الصاغبُت
الباطل الذي ىو من مكر الشيطان هبؤالء .
قال(( :أظهر ذلم الشيطان اإلخالص يف صورة تنقص الصاحلني والتقصري يف حقهم)) دبعٌت :أن الذي ال
متوجهاً إىل صاحبو ملتجئاً إليو ابكيًا بُت يديو متذلّبل منكسراً بزعمهم من ال يفعل ذلك مل يذىب إىل القرب ّ
يعرف قيمة ىذا الصاحل ،وأصبحت معرفة مكانتو ومعرفة قدره عند ىؤالء ارتبطت دباذا؟ ابلشرك ،فبل
يعرف قدر الصاحل إال من جعلو شريكاً هلل ،ىذا بزعمهم .أظهر ؽبم الشيطان اإلخبلص يف صورة تنقص
الصاغبُت والتقصَت يف حقهم؛ من ال يستنجد هبم ،من ال يستغيث هبم ،من ال يذبح ؽبم ،من ال ينذر ؽبم،
من ال يصرف ؽبم من أنواع العبادة ىذا يتنقصهم وال يعرف أقدارىم ،ىذا بزعم ىؤالء الذين مكر هبم
9
الشيطان.
أيضا ((وأظهر ذلم الشرك يف صورة زلبة الصاحلني واتباعهم)) دبعٌت :أن الذي يقوى فيو التقرب إىل
ؿبب ؽبم وعرف قدرىم ،وأما من سواه فهو ال الصاغبُت دبا ال يُتقرب بو إالّ إىل هللا سبحانو وتعاىل ،ىذا ٌ
يعرف قدر الصاغبُت وال حيب الصاغبُت ،هبذا اؼبكر ضل أكثر الناس عن سواء السبيل ،مع أنو ال ارتباط
الصاغبُت ومعرفة أقدارىم ال يرتبط هبا ال من لرب العاؼبُت ،وؿببّة ّ
حق ّ بُت األمرين ! ابب اإلخبلص ىذا ّ
قريب وال من بعيد إعطاؤىم شيء من خصائص هللا ،وؽبذا كان النيب عليو الصبلة والسبلم مع بيانو
وشئت" قال(( :أجعلتٍت هلل َ للتوحيد س ّد كل اؼبنافذ اليت تفضي إىل الشرك ،ظبع رجبلً يقول" :ما شاء هللا
النيب عليو الصبلة والسبلم فقال" :إين أتوب إىل ن ّدا ،بل ما شاء هللا وحده)) .وؼبا جيء بذاك األسَت إىل ّ
هللا ،وال أتوب إىل دمحم" .قال عليو الصبلة والسبلم(( :عرف اغبق ألىلو)) .وؼبا جاء ذاك الوفد إىل النيب
عليو الصبلة والسبلم وقالوا" :أنت سيدًن وابن سيدًن" قال(( :قولوا بقولكم أو بعض قولكم ،وال
أحب أن تنزلوين فوق منزليت اليت أنزلٍت هللا إايىا)) ،وقال عليو يستجرينّكم الشيطان)) ،وقال(( :إين ال ُّ
الصبلة والسبلم(( :ال تطروين كما أطرت النصارى عيسى ابن مرمي ،فإّنا أًن عبد ،فقولوا :عبد هللا
ورسولو)) ،وقال وىو يف النزع عليو الصبلة والسبلم(( :لعنة هللا على اليهود والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم
مساجد)) ،وقال عليو الصبلة والسبلم(( :إ ّن شرار اػبلق عند هللا يوم القيامة الذين يتخذون قبور أنبيائهم
مساجد)) .وجاء عنو يف ىذا الباب أحاديث كثَتة ج ّداً ،ؼبا ظبع اؼبرأة تنشد وتقول" :فينا رسول هللا يعلم ما
يف غد" غضب وقال(( :ال يعلم ما يف غد إال هللا)) .فهو عليو الصبلة والسبلم ّبُت التوحيد وح ّذر من
الشرك وضبى ِضبى التوحيد وس ّد ال ّذرائع اليت تفضي ابلناس إىل الشرك { ،لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ
ول ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم ّ
الصبلة والسبلم البيان ع ِزيز علَي ِو ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم ِابلْم ْؤِمنُِت رء ٌ ِ
وف َرح ٌيم [التوبة . ]ٕٔٛ :بُت عليو ّ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ
الوايف ،ومع ىذا البيان ووضوح ىذا األمر وجبلئو وعدم خفائو إال أ ّن أكثر الناس ضلُّوا يف ىذا الباب عن
الضبلل والباطل سواء السبيل ؛ بسبب الشبهات ،وبسبب مكر الشيطان هبؤالء ،وبسبب إصغائهم لدعاة ّ
،وبسبب أيضاً نشأهتم يف ؾبتمعات ال يسمعون فيها إال صوت أىل الشبهات ،يعٍت بعض العوام نشأ يف
ؾبتمعات ليس فيها إال صوت أىل الشبهات ،ال يسمعون صوت من يدعوه إىل التوحيد.
شخص كان جالساً إىل جنيب يف اؼبسجد بعد صبلة اؼبغرب منذ سنوات ٍ مرت علي مع وال أنسى قصةً ّ
مادا يديو يدعو ،مث ازداد يف اجتهاده ابل ّدعاء فأصبح لو بكاء وتسمع ليست قليلة ،وكنت أقرأ القرآن وكان ًّ
نشيجو وىو يبكي ؛ فأثّر يف خشوعو ،مث رفع صوتو قليبل يف دعائو فإذا بو يقول يف دعائو" :اي رسول هللا"
يبكي وخاشع ومتذلل يقول يف دعائو" :اي رسول هللا" ويعرض حاجاتو ،ابكياً خاشعاً متذلّبل ويعرض
حاجتو اي رسول هللا عليو الصبلة والسبلم مستغيثاً مستنجداً ،فتحدثت معو طويبلً ،بدأت حديثي معو أوال
بسؤالو عن صحتو وعن بلده وعن أوالده وعن سفره وعن أمور عديدة ،مث ؼبا اطمأن للحديث معي انتقلت
11
إىل جانب آخر وىو أمهية الدعاء ،وقلت لو :الدعاء عظيم ومكانتو يف الدين عظيمة وأخذت أسوق لو
آايت وأحاديث عديدة يف فضل الدعاء ،ففرح هبا ألنو كان يدعو ،وأخذت أذكر لو آايت وأحاديث يف
فضل ال ّدعاء ومكانة الدعاء ،مث التفت إِل وأًن أحدثو عن فضل الدعاء ومكانتو ،وكأن الرجل كانت عنده
مشاكل أو مهوم أو حاجات ويبكي يريد من الرسول عليو الصبلة والسبلم أن يكشفها عنو وجيلِّيها،
حق هلل سبحانو أبُت فيو أ ّن الدعاء ٌّ فأخذت أذكر لو آايت يف فضل الدعاء ،مث انتقلت إىل حديث آخر ِّ
نت يف القرآن بياًنً واضحاً ال خفاء فيو ،وأخذت أذكر لو آايت عديدة وتعاىل ،وقلت لو ىذه مسألة بُيِّ ْ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين تَ ْدعُو َن م ْن ُدونو َما ديَْل ُكو َن م ْن قطْم ٍَت (ٖٔ) إِ ْن تَ ْدعُ ُ
وى ْم َال يَ ْس َمعُوا ُد َعاءَ ُك ْم َولَ ْو كقولو تعاىلَ { :والذ َ
ك ِمثْ ُل َخبِ ٍَت [فاطر ]ٔٗ – ٖٔ :وقولو: ِ
استَ َجابُوا لَ ُك ْم َويَ ْوَم الْقيَ َام ِة يَ ْك ُف ُرو َن بِ ِش ْركِ ُك ْم َوَال يُنَ بِّئُ َ ِ
َظبعُوا َما ْ
ُّر َعْن ُك ْم َوَال َْرب ِو ًيبل [اإلسراء ، ]٘ٙ :وقولو{:قُ ِل ف الضِّ ِ ِ ِِ ِ
ين َز َع ْمتُ ْم م ْن ُدونو فَ َبل ديَْل ُكو َن َك ْش َ {قُ ِل ْادعُوا الذ َ
ض َوَما َؽبُْم فِي ِه َما ِم ْن ِش ْرٍك ون اّللِ َال ديَْلِ ُكو َن ِمثْ َق َال َذرةٍ ِيف السماو ِ
ات َوَال ِيف ْاأل َْر ِ ََ
ْادعوا ال ِذين َزعمتُم ِمن د ِ
َ َْ ْ ْ ُ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍِ
يب لَوُ َض ُّل فب ْن يَ ْدعُو م ْن ُدون اّلل َم ْن َال يَ ْستَج ُ {وَم ْن أ َ َوَما لَوُ مْن ُه ْم م ْن ظَهَت [سبأ ،]ٕٕ:وقولو تعاىلَ :
وبدأت أذكر لو ُ إِ َىل يَ ْوِم الْ ِقيَ َام ِة [األحقاف . ]٘ :وآايت يف ىذا اؼبعٌت عديدة ،مث انتقلت إىل السنة
يب عليو الصبلة والسبلم ،قلت لو: أحاديث ،وكل ذلك وىو يصغي إىل ،مث ذكرت لو أمثلة من أدعية الن ّ
رب النّاس اذىب البأس واشف أنت الشايف))، كان إذا أويت لو دبريض كما يف حديث عائشة قال(( :اللّهم ّ
أزل أو ُضل ،أو ّ أضل أو أ ّ وكان إذا خرج عليو الصبلة والسبلم من بيتو قال(( :اللهم إين أعوذ بك أن ّ
ووجهت وجي إليك))، ُزل)) ،وكان إذا وضع جنبو على فراشو قال(( :اللهم إين أسلمت نفسي إليكّ ، أّ
وذكرت لو ّناذج واضحة ال لبس فيها يفهمها العامي فضبل عن غَته ،انتهيت وىو يسمع بكل إصغاء
أحببت أن أطمئن ىل الرجل فهم أو مل يفهم؟ ىل استوعب ىذه اآلايت أو مل ُ وإنصات .فلما انتهيت
فطرحت عليو سؤاالً ،السؤال يف ح ّد ذاتو خاطئ لكٍت قصدتو من أجل االطمئنان ،ؼبا انتهيت ُ يستوعبها؟
قلت لو :ما رأيك يف ىذا الكبلم؟ فقال ِل كلمة عجيبة ذ ّكرتٍت بكلمة لئلمام الشافعي رضبو هللا ،قال ِل
كلمة عجيبة! قال ِل" :تقول ِل ما رأيك؟ وأنت تقرأ علي أايت وأحاديث؟!" ىذه ذ ّكرتٍت بكلمة للشافعي
رضبو هللا؛ سئل مرة عن مسألة فأجاب فيها حبديث ،فقال لو السائل :وما رأيك؟ فغضب رضبو هللا قال:
«ىل رأيتٍت معلقاً الصليب على صدري؟ ىل رأيت زجاجة اػبمر يف يدي؟ أقول لك :قال رسول هللا صلى
هللا عليو و سلم ،وتقول :ما رأيك؟ » يعٍت ىذا الكبلم ما يليق.
فأعدت عليو السؤال نفسو ،قلت: ُ فالرجل قال ِل" :تقول ِل ما رأيك؟ وأنت تقرأ علي أايت وأحاديث؟!"
لت عند سؤاِل :ما رأيك؟ ألنٍت ظبعتك تقول يف دعائك :كذا وكذا ،فأقصد بقوِل :ما رأيك؟ ىل نعم الز ُ
أنت ىذه اآلايت استوعبتها وقبِلتها؟ أم أن لك رأايً آخر خبلف ىذه اآلايت؟ فقال ِل كلمة أخرى
أعجب من األوىل! قال ِل :أًن من بلد كذا وكذا ظبى ِل بلده ما أحد قال ِل الكبلم ىذا! كلمة قويّة ،
11
قال " أًن من بلد كذا وكذا ما أحد قال ِل الكبلم ىذا!" ماذا تعٍت ىذه الكلمة؟ كلمة مؤؼبة تعٍت أنو
مسكُت نشأ يف بلدة إذا ظبع اػبطيب يوم اعبمعة عرض لو شبهات يف ىذا الباب ،وإذا حضر درساً أيضاً
عُرضت عليو شبهات يف ىذا الباب ،وإذا قرأ كتااب يف الكتب اليت حولو تعرض عليو شبهات يف ىذا الباب،
مث ينشأ ويكرب ويكرب وال يسمع إال الشبهات ،وآايت التوحيد اليت ىي واضحة ُحجب عنها وغُيِّبت عنو ،
وأيضا ُح ِّذر من فهمها بقواعد ،وسيأيت كبلم اؼبصنف الحقاً عن ىذا األمر .
ضل فيو أكثر فهذا أصل األصول وأعظمها ،وبُ ُّت يف القرآن بياًنً وافياً يفهمو أبلد العامة ؛ ومع ذلك ّ
الناس !
قال شيخ اإلسبلم دمحم بن عبد الوىاب رضبو هللا تعاىل وغفر لو وللشارح والسامعُت :
األصل الثاين :أمر هللا ابالجتماع يف الدين وهنى عن التفرق فيو؛ فبني هللا ىذا بياانً شافياً تفهمو العوام
،وهناان أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا ،وذكر أنو أمر ادلسلمني ابالجتماع يف الدين
التفرق فيو ،ويزيده وضوحاً ما وردت بو السنة من العجب العجاب يف ذلك ،مث صار وهناىم عن ّ
األمر إىل أن االفرتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم والفقو يف الدين ،وصار األمر ابالجتماع يف
الدين ال يقولو إال زنديق رلنون.
***********
قال اؼبصنف رضبو هللا ((األصل الثاين :أمر هللا ابالجتماع يف الدين وهنى عن التفرق فيو؛ فبني هللا ىذا
بياانً شافياً تفهمو العوام ،وهناان أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا)) ىذا األصل من األصول
عز وجل ويف سنة نبيو صلى هللا عليو و سلم ،وقد تكاثرت العظيمة اؼببينة بياًنً وافياً شافياً يف كتاب هللا ّ
عز وجل{ :إِن النصوص يف ذلك وتضافرت يف تقريره والدعوة إىل االجتماع والنهي عن االفًتاق ،قال هللا ّ
ت ِمْن ُه ْم ِيف َش ْي ٍء [األنعام ، ]ٜٔ٘:وقالَ { :وَال تَنَ َازعُوا فَتَ ْف َشلُوا ِ ِ
ين فَرقُوا دينَ ُه ْم َوَكانُوا شيَ ًعا لَ ْس َ
ِ
الذ َ
صب ًيعا َوَال تَ َفرقُوا [آل عمران: صموا ِحبب ِل اّللِ َِ ِ وتَ ْذ َى ِ
{و ْاعتَ ُ َْ ب رحيُ ُك ْم [األنفال ، ]ٗٙ :وقال جل وعبلَ : َ َ
ك َوَما َوصْي نَا بِِو إِبْ َر ِاى َيم ِ
وحا َوالذي أ َْو َحْي نَا إِلَْي َ ِِ ِ ِ
ع لَ ُك ْم م َن ال ّدي ِن َما َوصى بو نُ ً
{شَر َ
جل وعبلَ : ٖٓٔ] ،وقال ّ
ِِ ِ ِ ِ
تتفرقوا يف ال ّدين» أي اجتمعوا ين َوَال تَتَ َفرقُوا فيو [الشورى]ٖٔ :؛ قولو« :ال ّ يسى أَ ْن أَق ُ
يموا ال ّد َ وسى َوع ََوُم َ
كل لو وجهة ،وإّّنا كل لو رأي وكل لو قول و ّ فتتفرقون يف ال ّدين ّ
عليو وال يتخذ كلٌّ لنفسو منهاجاً وطريقاً ّ
وجل ،وأن يعتصموا حببل هللا صبيعاً ، عز ّ اؼبطلوب من أىل اإلديان أن جيتمعوا على دين واحد وىو دين هللا ّ
الشقاق والتّدابر والتباغض والتّعادي فإ ّن ذلك ال خَت فيو ،واػبَت يف االجتماع والرضبة فرق و ِّ وأن يطرحوا التّ ّ
النيب صلى هللا عليو و سلم أنو قال(( :االجتماع رضبة والفرقة عذاب))؛ صح عن ّ يف االجتماع ،وقد ّ
لؤلمة ،جيتمعون على دين هللا وعلى كتاب هللا وعلى كلمة سواء وعلى تناصح وتعاون االجتماع رضبة ّ
12
السبلم(( :مثل اؼبؤمنُت يف تو ّادىم وتعاطفهم وتراضبهم الصبلة و ّ النيب عليو ّ
وتعاطف وتراحم ،ؿب ّققُت قول ّ
السهر)) ،وقولو عليو الصبلة عضو تداعى لو سائر اعبسد ابغبمى و ّ مثل اعبسد الواحد إذا اشتكى منو ٌّ
السبلم(( :اؼبؤمن للمؤمن كالبنيان يش ّد بعضو بعضاً)). و ّ
جدت بُت الناس ُوجد معها وىذه اؼبعاين العظام ال يكون ؽبا رب ّقق إال ابالجتماع ونبذ الفرقة ،والفرقة إذا ُو ْ
الراحة والطمأنينة ،وذىب عنهم كل ٍّ
وجدت الرضبة واػبَت واألمن و ّ ْ شر ،واالجتماع إذا ُوجد بينهم ّ
فرقكم ىذا من الشيطان)) ،مىت قال النيب الشيطان؛ وؽبذا قال عليو الصبلة والسبلم عن التفرق ((إّّنا ت ّ
النيب صلى هللا عليو و سلم ،قال راوي عليو الصبلة والسبلم ىذه الكلمة؟ كان الصحابة يف سفر مع ّ
تفرقنا حبيث يبقى طائفةتفرقنا أو للمقيل ّ اغبديث عنو عليو الصبلة والسبلم :فكنا إذا أتينا مكاًنً للمبيت ّ
ىناك وطائفة ىناك يستظلون بتلك الشجرة ،وطائفة يف الشجرة األخرى ،فقال عليو الصبلة والسبلم(( :إّّنا
تفرقكم ىذا من الشيطان)) ،انظر حرص الدين على االجتماع حىت يف األسفار ،يف اإلقامة ،يف أي ّ
مكان يدعو إىل االجتماع ،وقال عليو الصبلة والسبلم(( :إّنا أيكل الذئب من الغنم القاصية)) ،بينما إذا
اجتمعوا وتقاربوا يف ِحلق العلم ،يف ؾبالس ال ّذكر ،يف ؾبالسهم العامة ،يتقاربون ويكون بينهم األلفة
واحملبّة والًتاحم والتآخي كل ىذه معاين دعا إليها اإلسبلم وىي من أصولو اليت دعا إىل ربقيقها ،قال تعاىل:
{إِّنَا الْ ُم ْؤِمنُو َن إِ ْخ َوةٌ [اغبجرات ،]ٔٓ:ويف اغبديث يقول عليو الصبلة والسبلم(( :ال تناجشوا وال
تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد هللا إخواًنً ،اؼبسلم أخو اؼبسلم ،ال يظلمو وال خيذلو ،وال حيقره)) .وكما أ ّن
اإلسبلم دعا إىل االجتماع وهنى عن الفرقة ،فإنو حذر أش ّد التحذير من كل أمر خيدش يف االجتماع أو
وحرم
وحرم اغبسدّ ، وحرم التناجشّ ، وحرم النّميمةّ ، حرم الغيبةّ ، وحرم كل أم ٍر من ىذا القبيل؛ ّ خيل بوّ ، ّ
وتفرق بُت اؼبسلمُت ،كل ىذه هنى عنها اإلسبلم ألهنا زبدش وزبل ابالجتماعّ ، التدابر ،والتباغض ّ ،
وحرمو. ِ
فكل أمر خيل ابالجتماع هنى عنو اإلسبلم ّ وتشتّت مشلهم ،وتوجد الفرقة بينهمّ ،
وجل وسنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم اؼبشتملة على األمر عز ّ وؽبذا من يطالع األدلة يف كتاب هللا ّ
نت -كما قال اؼبصنِّف -بياًنً وافياً (( ،أمر هللا ابالجتماع والنهي عن الفرقة جيدىا كثَتة جدا ،بُيِّ ْ
فبني هللا ىذا بياانً شافياً يفهمو العوام)) ىذا األصل ُمبُت يف فرق فيوّ ، ابالجتماع يف ال ّدين وهنيو عن التّ ّ
الكتاب والسنة بياًن شافيا يفهمو العوام فضبل عن غَتىم من طبلب العلم أو العلماء ،من ذا الذي خيفى
عليو بيان هللا يف كتابو ،وبيان رسولو عليو الصبلة والسبلم يف سنتو ابألمر ابالجتماع!! قال عليو الصبلة
والسبلم(( :عليكم ابعبماعة ،فإن يد هللا على اعبماعة)) ،من الذي خيفى عليو دعوة اإلسبلم لبلجتماع
وجل بياًنً شافيا وافيا تفهمو العوام فضبل عن غَتىم. عز ّ ونبذه للفرقة؟ فهذا أمر بُ ُّت يف كتاب هللا ّ
تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا)) ؛ أيضاً فبا جاء بيانو يف الكتاب والسنة قال(( :وهناان أن نكون كالذين ّ
13
حول ىذا األمر :اإلخبار عن عواقب اؼبتفرقُت فبن كانوا قبلنا ،وأهنم مل يبوؤوا بتفرقهم إالّ الفشل واػبسران
التفرق يف ال ّدين يعٍت مل جيتمعوا على الدين الذي
التفرق ،و ّ
وضياع الدين وتشتت الشمل ،ىلكوا بسبب ّ
تفرقوا وأصبح كلٌّ على قبيل وكلٌّ على وجهة. بلغهم ووصل إليهم مل جيتمعوا عليو وإّنا ّ
التفرق فيو)) وىذا يف آايت كثَتة ّ
مر قال(( :وذكر أنو أمر ادلسلمني ابالجتماع يف الدين وهناىم عن ّ
اإلشارة إىل طرف منها.
قال رضبو هللا(( :ويزيده وضوحاً)) أي يزيد ىذا األمر وضوحاً وبياًنً ((ما وردت بو السنة من العجب
العجاب يف ذلك)) أي أن تبيان السنة ؽبذا األمر وأمر النيب عليو الصبلة والسبلم ابالجتماع وربذيره من
عرب بذلكالفرقة جاء يف السنة مبينا بياًن وافيا ،جاء يف السنة من بيان ذلك العجب العجاب كما ّ
كما كبَتاً وقدراً عظيماً من األحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليو و سلم يف األمر اؼبصنِّف ؛ يعٍت ًّ
ابالجتماع والتحذير من الفرقة ،وجاء األمر ابالجتماع يف أحاديث كثَتة ابلنّص على ىذا اللّفظ
«االجتماع» ،وجاء يف أحاديث أخرى عديدة ابؼبعٌت الذي يدل عليو واؼبقصد الذي يرمي إليو االجتماع ،
وكذلك التحذير من الفرقة وكل أم ٍر يؤدي إليها أو يفضي إليها ،واألحاديث عنو عليو الصبلة والسبلم يف
األمر ابالجتماع والنهي عن الفرقة كثَتة جداً .
وما أحوج الناس إىل الوقوف على كبلمو عليو الصبلة والسبلم يف ىذا الباب حىت يعا ََل ما يف الصدور من
أخذ أبسباب االفًتاق والعدوان ؛ وؽبذا من البحوث اؼبقًتحة يف ىذا الباب أن وميل إىل االفًتاق و ٍ
شتات ٍ
ُجيمع أنواع دالالت السنة على االجتماع وذم الفرقة يف أحاديث النيب عليو الصبلة والسبلم ،كم حيتاج
عجب عجاب ،فلو وقف ٌ الناس إىل الوقوف على ذلك!! وىو ابب كما قال اؼبصنف ورد فيو يف السنة
قدر عظيم من ىذه األحاديث يف موضع واحد ، عليها طالب العلم وصبعها وصنّفها إىل أنواع حبيث جيتمع ٌ
والذي ورد عنو عليو الصبلة والسبلم يف ىذا الباب قدر كبَت جداً كما أشار اؼبصنف رضبو هللا إىل ذلك.
مث مع ىذا األمر ،مع وضوح ىذا األمر يف الكتاب والسنة وكثرة الدالئل فيهما عليو يقول اؼبصنف ((مث
صار األمر)) أي عند الناس ويف واقعهم ويف حياهتم ((إىل أن االفرتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم
وىو الفقو يف الدين ،وصار األمر ابالجتماع يف الدين ال يقولو إال زنديق أو رلنون)) يعٍت انقلب األمر
رأسا على عقب ؛ أصبح لكثرة الشتات واالفًتاق وتفرق الناس أصبح الداعي إىل االجتماع مذموما ،
والداعي إىل االفًتاق ؿبمودا ،صار واقع الناس يف ىذا الباب أن االفًتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم
ديجدوهنا ويعدُّوهنا ىي
وىو الفقو يف الدين ! بل ُديدح ،ولعلنا نسمع يف حياتنا وواقعنا من يرفعون راايت ّ
صميم العلم وىي كبد اغبقيقة يقولون" :حرية االعتقاد"" ،حرية الرأي"" ،حرية الكلمة" ،كلمات من ىذا
القبيل تطلق ونظائرىا كثَت ؛ أي أن كلٌّ لو رأي ،وكل لو عقل ،وكل لو عقيدة ،ومعٌت ذلك أ ّن ىذا دعوة
14
فرق وضبد لو وثناء عليو ،وال ديكن أن يكون اجتماع إال على كلمة سواء ،أما إذا كان الناس كل لو للتّ ّ
وجهة وكل لو عقيدة وكل لو مذىب كيف جيتمعون؟ مثل ما قال أحد أىل العلم يف قضااي الدين عموماً،
ارض عن أيب بكر وعمر ،وآخر يطوف ابلبيت رجل يطوف ابلبيت وىو يقول :اللهم َ لكن أخذًن مثاالًٌ :
ويقول :اللهم الْ َعن أاب بكر وعمر ،أين ىذا من ىذا؟! ال ديكن أن يكون بينهما اجتماع ،وال ديكن أن
قس عليو بقية أمور الدين ،شخص يقول :اإلديان يزيد يقال :ىنا حرية كلمة أو حرية رأي ،ىذا مثال وإال ْ
وينقص ،وآخر يقول :ال يزيد وال ينقص ،أو آخر يُثبت القدر ويؤمن بو ،وآخر ينفيو وجيحده ،وىكذا؛
اختبلف يف العقيدة واختبلف يف العبادة ،ىذه األمور ما ديكن أن توجد وتبقى ويبقى معها اجتماع ،
التفرق ال يكون يف الدين ،وؽبذا أحد العلماء قال كلمة عظيمة وؽبذا االجتماع ال يكون إالّ على ال ّدين .و ّ
يف معٌت قول النيب صلى هللا عليو و سلم(( :وال تباغضوا)) قال «ويف قولو صلى هللا عليو و سلم(( :وال
جدت الفرقة بُت
وجدت ُو ْْ هني عن البدعة» ما معٌت ىذا الكبلم؟ قال« :ألن البدعة إذا تباغضوا)) ٌ
تفر ،ق والسنة ذبمع ،وؽبذا يقال :أىل السنة واعبماعة ،وأىل البدعة والفرقة .البدعة إذا اؼبسلمُت» ،البدعة ِّ
صبعت.السنة ذبمع والبدعة تفرق ؛ فبل ديكن أن نغالط حقائق األمور ْ جدت
السنة إذا ُو ْ
قت ،و ّ
جدت فر ْ
ُو ْ
كل على بدعة ويُطلب االجتماع على !! بل بعضهم قعد يف ىذا قاعدة ونطلب االجتماع على البدعةٌ ،
ت أصبلً يف العلم لدى أقوام ،قال" :قبتمع فيما اتفقنا فيو ،ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيو" حبيث عُ ّد ْ
كل على عقيدة وكل على رأي وكل على مذىب ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيو .ىذا ضياع لل ّدين،
ىذا تقعيد لضياع الدين ،وتقعي ٌد الفًتاق اؼبسلمُت وعدم اجتماعهم.
فاؼبصنِّف رضبو هللا يقول ىنا(( :صار األمر أن االفرتاق يف أصول الدين وفروعو ىو العلم والفقو يف
ال ّدين)) ومعٌت كبلمو واضح ،أصبح الكلمات اليت تطلق ويُدعى فيها إىل االجتماع على غَت كلمة سواء
أصبحت مثل ىذه ال ّدعوات ىي ْ وإّنا كلٌّ على فكره وكلٌّ على رأيو وكلٌّ على عقيدتو وكبلتو ومذىبو ؛
الصحيحة يف أفهام كثَت من الناس.ال ّدعوة للعلم ،والدعوة ّ
ويف مقابل ذلك ((صار األمر ابالجتماع يف الدين)) وضع إشارة عند قولو «يف الدين» ((وصار األمر
ابالجتماع يف الدين ال يقولو إالّ زنديق أو رلنون)) نعم ىناك شعارات تُرفع لل ّدعوة إىل االجتماع ،لكن
الصحيح اؼبتل ّقى من كتاب هللا وسنّة نبيّو صلوات هللا
الشعار الذي يرفع لبلجتماع يف ال ّدين؟! أي ال ّدين ّ
أين ّ
وسبلمو عليو.
قال(( :وصار األمر ابالجتماع يف الدين ال يقولو إال زنديق أو رلنون)) عند من؟ عند ىؤالء أىل االفًتاق
أصبح ال يدعو إىل االجتماع يف الدين إال من ىو عندىم زنديق أو ؾبنون .ومن حي ِّذر من البدع اليت ِّ
تفرق
ألقاب سيئة ،ويتّهمونو يف عقلو ،يتّهمونو يف ٍ
بصفات شنيعة و ٍ تفرق يصفونو ومن حي ّذر من األىواء اليت ّ
15
فكره ،يتهمونو يف قصده ويف نيتو ،ويقعون يف عرضو ،وىو مل يفعل إال أن دعا إىل السنة وح ّذر من
نقيضها وضدىا وىو البدعة واغبدث يف دين هللا.
وىنا ينبّو اؼبصنّف أن الدعوة لبلجتماع ليست دعوة الجتماع ىكذا كيف ما اتفق وكيف ما كان ،وإّنا ىي
دعوة لبلجتماع على كبلم هللا وكبلم رسولو ،على دين هللا وعلى كتابو وعلى سنّة رسولو عليو الصبلة
صموا ِحبب ِل اّللِ َِ
صب ًيعا َوَال تَ َفرقُوا [آل ِ
{و ْاعتَ ُ َْ ورب العاؼبُت أمر العباد ابالجتماع واالعتصام قالَ : والسبلم ّ ،
وجل
عز ّ عمران ]ٖٔٓ:؛ حبلو قيل :القرآن ،قيل :السنة ،قيل :اإلسبلم .وىذا كلّو صحيح ،كلها حبل هللا ّ
دل عليو كتابو وسنّة نبيّو صلى هللا عليو و سلم ؛ حبلو ودينو الذي ّ
قال رضبو هللا تعاىل :
النيب
السمع والطاعة دلن أتمر علينا ولو كان عبداً حبشيا ،فبني ُّ األصل الثالث :أ ّن من متام االجتماع ّ
ىذا األصل بياانً شائعاً كافيًا بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا .مث صار ىذا األصل ال يعرف
عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل بو؟!
**************
السمع والطّاعة دلن أتمر علينا ولو كان عبداً مث ذكر رضبو هللا األصل الثالث ((أن من متام االجتماع ّ
الشفاية والكفاية حبشياً .فبني هللا ىذا بياانً شائعاً كافياً)) شائعاً :أي ذائعاً منتشراً ،وشافياً :أي فيو ّ
والغنية ((بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً)) شرعاً :أي فيما جاء من ال ّدالئل على ذلك يف الكتاب
السنة .
و ّ
َطيعوا اّلل وأ ِ
َطيعُوا ِ ِ
ين َآمنُوا أ ُ َ َ {اي أَيُّ َها الذ َ
وجلَ :
عز ّ واألدلة يف القرآن والسنة يف السمع والطّاعة كثَتة ،قال ّ
ُوِل ْاألَم ِر ِ
النيب عليو الصبلة والسبلم أحاديث كثَتة جداً يف ّ سنة ويف ]. ٜ٘ [النساء: مْ ك
ُ ن
ْ م ول َوأ ِ ْ الر ُس َ
السمع والطّاعة اقرأ طرفاً كبَتاً منها يف كتاب اإلمارة من صحيح مسلم؛ أورد أحاديث كثَتة جداً فيها األمر
أتمر .
ابلسمع والطّاعة ؼبن ّ
وأشار اؼبصنّف رضبو هللا ىنا إىل حديث العرابض بن سارية الذي قال فيو العرابض« :وعظنا رسول هللا صلى
ِ
مودع
كأهنا موعظة ّ هللا عليو و سلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون .فقلنا :اي رسول هللا ّ
أتمر عليكم وإن كان عبداً)) ،وجاء يف وجل والسمع والطاعة ؼبن ّعز ّ فأوصنا» قال(( :أوصيكم بتقوى هللا ّ
أتمر عليكم وصارت لو الغلبة وتوىل األمر بعض األحاديث(( :وإن كان عبداً حبشيّاً كأ ّن رأسو زبيبة)) إذا ّ
لسمع والطّاعة .واألحاديث يف ىذا الباب كثَتة منها :ما جاء يف الصحيح عن عبادة استتب لو األمر فا ّ
و ّ
بن الصامت قال(( :ابيعنا رسول هللا صلى هللا عليو و سلم على السمع والطاعة يف العُسر واليُسر واؼبنشط
واؼبكره ،وأن ال ننازع األمر أىلو)) قال(( :ما مل تروا كفراً بواحاً عندكم فيو من هللا برىان)) .وجاءت
16
أحاديث فيها الوعيد ؼبن نزع اليد من الطاعة وأنو إذا مات على ذلك مات ميتة اعباىلية ،وديكن الوقوف
على األحاديث يف ىذا الباب يف كتاب اإلمارة من صحيح مسلم ألنو رضبو هللا صبع يف ىذا الباب قدراً
كبَتاً من األحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليو و سلم.
فهذا األمر ّبُت يف الكتاب والسنة كما أشار اؼبصنِّف بياًنً شافياً كافياً بوجوه من أنواع البيان ،فهذا حبث
آخر مقًتح.
البحث األول :وجوه أنواع البيان يف األمر ابالجتماع.
واآلخر :وجوه أنواع البيان يف السمع والطاعة .
األول :االجتماع ،والثاين:
وىذا األمر مرتبط ابلذي قبلو أو ىذا األصل مرتبط ابألصل الذي قبلو؛ األصل ّ
األول منها إالّ ابلثاين؛ ألنو ال اجتماع إالّ إبمام ،وال
السمع والطاعة .وىذان أصبلن مًتابطان ال يتح ّقق ّ
إمام إال بسمع وطاعة ،بل إ ّن ىذه األصول الثبلثة اليت ذكرىا اؼبصنّف رضبو هللا ىنا مًتابطة ؛ اإلخبلص يف
العبادة ،وأن يؤدي الناس عبادهتم مطمئنُت أبمن وأمان وسبلمة وطمأنينة ،وىذا ال يتح ّقق ؽبم إالّ ابالجتماع
،أما إذا كانوا متفرقُت متعادين متباغضُت شغلتهم الفرقة عن الدين وعن العبادة وعن اإلخبلص ،وصاروا
متشتتُت يف آرائهم وأفكارىم ووجهاهتم عن العبادة اليت ُخلقوا ألجلها .
والقيام ابلعبادة حيتاج إىل اجتماع ،واالجتماع البد فيو من رأس وِل أمر إمام ،وال إمام إال بسمع وطاعة،
تبعا لذلك الفرقة ،وإذا
وؽبذا إذا انفرط العقد يف ىذه انفرط يف صبيعها ،إذا نُزعت اليد من الطاعة ووجد ً
تفرقوا ِ
وجدت الفرقة ضاع الدين وضل الناس .وقد أشار اؼبصنّف رضبو هللا قال(( :وهناان أن نكون كالذين ّ
للشمل ،كيف يتح ّقق للنّاس عبادة؟ كيف واختلفوا قبلنا فهلكوا)) فالفرقة ىبلك وضياع لل ّدين وتشتّت ّ
يتح ّقق ؽبم طلب علم؟ وكيف يتح ّقق ؽبم فبارسة مصاغبهم العامة واػباصة إذا كانوا متفرقُت متعادين
كل ىذه األمور ال تتح ّقق إالّمتباغضُت؟ كيف تقام اغبدود؟ كيف يطمئن الناس على األموال واألعراض؟ ّ
جبماعة ،واعبماعة ال تتحقق إال إبمام ،واإلمامة ال تكون إال بسمع وطاعة؛ وؽبذا كان من األصول اليت أ ّكد
عليها عليو الصبلة والسبلم :السمع والطاعة ،بل إنو صلى هللا عليو و سلم ضم ىذا األصل يف بعض
حجة الوداع صلى هللا عليو و سلم(( :اعبدوا ربكم ،وصلُّوا أحاديثو إىل فرائض اإلسبلم كما قال يف ّ
طبسكم ،وصوموا شهركم ،و ُّأدوا زكاة مالكم ،وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّة ربِّكم)) ؛ فذكر الطاعة لذي
األمر مضمومةً إىل إقامة الصبلة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان ،وجعل ىذه كلها من موجبات دخول اعبنة
حجة الوداع
قال(( :تدخلوا جنّة ربّكم)) ،فأ ّكد عليو الصبلة والسبلم على ىذا األمر .وجاء أيضاً عنو يف ّ
أتمر عليكم عبد)).ابلسمع والطّاعة وإن ّ
أنو قال(( :عليكم ّ
حجة الوداع اعبمع بُت ىذه األصول الثبلثة اليت أشار إليها اؼبصنف يف حديث واحد يف وجاء عنو أيضاً يف ّ
مسجد اػبيف ،خطب النّاس يف ّأول أايم التشريق يف مسجد اػبيف من مٌت كما يف حديث جبَت بن
17
مطعم يف حديث ابن مسعود قال :يقول جبَت :ظبعت رسول هللا صلى هللا عليو و سلم يف اػبيف من مٌت
ورب حامل فقو إىل فرب حامل فقو غَت فقيوّ ، فأداىا كما ظبعهاّ ،((نضر هللا امرءً ظبع مقاليت فوعاىا ّ
يقولّ :
من ىو أفقو منو ،ثبلث ال يُغِ ُّل عليهن قلب امرئ مسلم :إخبلص العمل هلل ،ولزوم صباعة اؼبسلمُت،
ومناصحة من والّه هللا أمرىم)) ؛ فجمع عليو الصبلة والسبلم بُت ىذه األمور الثبلثة يف حديث واحد،
غل وأنفة ِ
غل :أي ال يوجد فيو ّ وأخرب عليو الصبلة والسبلم أ ّن قلب اؼبسلم ال يُغ ّل على ىذه األمور ،ال يُ ّ
من ىذه األمور ،بل يتقبّلها ابنشراح وقبول وال يستنكف وال يستكرب ،بل يتقبّلها بكل انشراح :اإلخبلص،
ولزوم اعبماعة ،والسمع والطّاعة ،خبلف ما كان عليو أىل اعباىليّة.
واؼبصنِّف رضبو هللا شيخ اإلسبلم دمحم بن عبد الوىاب ؼبا صنّف كتابو «مسائل اعباىليّة اليت خالفها
فرق ،واؼبسألة الثالثة: اإلسبلم» بدأىا أبضداد ىذه الثبلثة ،قال :اؼبسالة األوىل الشرك ،واؼبسألة الثانية :التّ ّ
شرك وتفرق وعدم ظبع وطاعة ، عدم السمع والطاعة .واالستكبار عن السمع والطاعة ؛ ىذه جاىليةٌ ،
واإلسبلم جاء ابلتوحيد ،وجاء ابالجتماع ،وجاء ابلسمع والطاعة ،وىي أمور مًتابطة.
يغل عليهن قلب امرئ مسلم)) قال أيضاً العلماء يف معناه :أن من ُوجد عنده ىذه وقولو(( :ثبلث ال ّ
الغل ،من ُوجد عنده ىذه األمور الثبلثة اإلخبلص هلل ،ولزوم اعبماعة، األمور الثبلثة انتفى من قلبو ّ
والنّصيحة لوالة األمر فليس للغل يف قلبو مكان .
أما اإلخبلص :فإ ّن قلبو متجو يف أعمالو كلها لطلب رضا هللا ،ال ؼبطمع دنيوي ،وال لشهرة يريدىا ،وال
غبظوظ زبصو يطمع هبا ،وإّنا أعمالو يقوم هبا مبتغياً هبا وجو هللا { ،إِّنَا نُطْعِ ُم ُك ْم لَِو ْج ِو
اّللِ [اإلنسان ، ]ٜ:فهو يف معاملتو للناس وؾبالستو ؽبم وؿبادثتو ؽبم كل ذلك قائم عنده على اإلخبلص
الغل إىل قلبو ،وقلبُو معمور ابإلخبلص للمعبود واؼبراقبة هلل تبارك وتعاىل ؛ فمن كان ىذا شأنو أين سبيل ّ
سبحانو وتعاىل!!
مث ينضم إىل ذلك حرصو على اعبماعة ونبذه الفرقة ورغبتو يف اجتماع الدين واجتماع أىلو عليو ،فمثل
الغل؛ أل ّن قلبو ِ
ىذا الذي ىو مبلزٌم للجماعة حريص عليها حريص على االجتماع ال يدخل إىل قلبو ّ
فالغل ليس لو سبيل على قلبو. متجو إىل اجتماع كلمة اؼبسلمُت ونبذ الفرقةّ ،
وجل صبلحهم وىدايتهم ،وتقدديو للنصيحة وإذا كان ًنصحاً لوالة األمر يف قلبو ابل ّدعاء وسؤال هللا عز ّ
ؽبم ما استطاع ابلوسائل الشرعية والطرق الشرعية ،إذا كان هبذا األسلوب وهبذه الطريقة ال يكون يف قلبو
غلٌّ؛ وؽبذا ىنا ذبد الفرق بُت العامل وبُت صاحب اؽبوى ،كما قال الرب هباري رضبو هللا يف كتابو شرح
للسلطان فاعلم أنّو صاحب سنة ،وإذا رأيتو يدعو على السلطان السنة قال« :إذا رأيت الرجل يدعو ّ
فاعلم أنو صاحب بدعة» .وىنا يتبُت الفرق؛ صاحب السنة يهمو اجتماع اؼبسلمُت ،ويعرف أن
اجتماعهم ال يكون إال على إمام ،ويعلم أن صبلح اإلمام صبلح للرعيّة؛ وؽبذا كان الفضيل يقول« :لو
18
كان ِل دعوة مستجابة عبعلتها للسلطان» .قال عبد هللا بن اؼببارك« :ومن يقدر على ىذا إال مثلك؟!»
كل أحد ،قال« :من يقدر على ىذا إال مثلك» ،لو قيل اآلن ،ىذه درجة يف الفقو عالية ما يصل إليها ّ
ألحدًن :لك دعوة واحدة مستجابة ،أدعو بشيء واحد معُت اآلن وتظفر بو إىل ماذا يتجو؟ يقول عبد
هللا بن اؼببارك« :من يقدر على ىذا إال مثلك» اآلن ىذا قلب كبَت الذي يقول« :لو كان ِل دعوة
األمة ابل ّدعوة اؼبستجابة ،مل خيصها لنفسو ؛مستجابة عبعلتها للسلطان» ىذا قلب كبَت ألنو استوعب ّ
الرعية تبع ،إذا طابالسلطان ّ األمة كلها ؼباذا ؟ ألنو إذا دعا للسلطان وأصلح هللا عز وجل ّ استوعب ّ
اؼبلك طاب اعبند ،مثل قال أبو ىريرة هنع هللا يضر(( :وإذا طاب اؼبلك طابت جنوده)) والناس تبع ؼبلوكهم يف
الرئيس أو الواِل ويصلح عدد من الرعية والعكس أيضاً ،لكن األصل أن الناس الغالب ،وإال قد يفسد ّ
تبع ؼبلوكهم ؛ وؽبذا ىذا قلب كبَت ؼبا يقول« :لو كان ِل دعوة مستجابة عبعلتها للسلطان» قلبو استوعب
خص ىذه الدعوة بنفسو ،فهذا هبذه الدعوة األمة كلها واستوعب مصلحة األمة كلها ،خببلف لو أنو ّ
ويسب
ُّ وذبارت بو األىواء فيطعن يف الوالة
ْ من الفقو يف الدين .وذبد يف اؼبقابل من الناس من يف قلبو غلٌّ
صح يف اغبديث عن النيب صلى هللا عليو و سلم قال(( :ال تسبُّوا أمراءكم)) هنى عن ذلك ،إذا الوالة ،بل ّ
ابلصبلح ابؽبداية ابالستقامة ،أل ّن صبلحهم يعود على رعيتهم ،على كان اإلنسان لو دعاء فليدعُ ؽبم ّ
ؾبتمعهم ،على اؼبسلمُت .وىذا ابب من الفقو ما يصل إليو من دخل قلبو اؽبوى ،وال يصل إليو اإلنسان
إال إذا كان على السنة ساؼباً من اؽبوى ؛ وؽبذا ال يغل ،يعٍت من كان عنده نصح لوالة األمر ال يغل
الغل ،كما أ ّن لزوم اعبماعة يطرد الغل ،كما أن اإلخبلص هلل تبارك وتعاىل قلبو ،ألن النّصح للوالة يطرد ّ
يطرد الغل.
النيب عليو الصبلة والسبلم صبع بُت ىذه األصول الثبلثة يف حديث واحد قالو يف مسجد فالشاىد أ ّن ّ
ّ
((نضر هللا امرءً ظبع
ّ اػبيف من مٌت ،وىذا اغبديث(( :ثبلث ال يغل عليهن قلب امرئ مسلم)) وأولو
لعل من أسباب النيب صلى هللا عليو و سلم أكثر من عشرين صحابيّاً .و ّ مقاليت)) حديث متواتر رواه عن ّ
النيب صلى هللا
تواتر اغبديث أنو ألقي يف ؾبم ٍع عام ويف خطبة عامة يسمعها اعبميع ،فهذا كلّو من نصح ّ
ألمتو صلوات هللا وسبلمو عليو.
ألمتو وبيانو ّ
عليو و سلم ّ
وقول اؼبصنّف رضبو اللههنا(( :إ ّن ىذا بُِّني شرعاً وقدراً)) شرعاً :أي دبا جاء يف كتاب هللا وسنة نبيو صلى
هللا عليو و سلم من أدلة على ذلك .وبيانو قدراً :أي دبا يُرى ويشاىد ويُعاين من الوقائع واألحداث اؼبدمية
اؼبؤؼبة بسبب التفرق ،وأيضاً ما يشاىد ويعاين من األحداث اؼبفرحة بسبب االجتماع ،وكيف أنو
أىل اإلديان
ابالجتماع تتح ّقق الرضبة للناس ،وابلفرقة يبوؤون ابلعذاب ويصبحون هنبة لؤلعداء .وإذا تنازع ُ
وتفرقوا ذىبت ىيبتهم وضعفت كلمتهم وتسلّط عليهم عدوىم .فهذا أمر مبُت قدراً من ينظر يف حال
الناس ويف واقعهم عرب التاريخ يرى واضحاً أثر االجتماع ويرى أيضاً واضحاً أثر الفرقة .
19
مث يقول اؼبصنف بعد بيانو ؽبذا األمر(( :مث صار ىذا األصل الُ يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف
العمل بو)) ىذا األصل الذي ىو السمع والطّاعة ال يُعرف عند أكثر أىل العلم -يعٍت دعك عن العوام-
ال يعرف عند أكثر أىل العلم فكيف العمل بو ،فكيف أن يعمل بو يعٍت حيقق السمع والطاعة اليت أُمر
هبا !! إذا دخلت األىواء القلوب عميت عن السنة ،وأصبح يشتغل من ىو مع ٍ
نت ابلعلم ابلوقيعة يف الوالة
وإغارة الصدور على الوالة ومؤل القلوب ابلغش للوالة واغبقد وغَت ذلك من اؼبعاين اليت ليس يف القرآن وال
يف األحاديث حرف واحد يدعو إليها ،ال يوجد يف األحاديث حرف واحد يدعو إىل ىذه األمور ،لكن
ترى يف األحاديث وبكثرة أمر ابلسمع والطاعة ،أمر ابالجتماع ،أمر ابلدعاء للوالة ،أمر ابلنصيحة للوالة،
أحاديث كثَتة يف ىذا اؼبعٌت ،وال يوجد حديث واحد فيو األمر بسبِّهم ،أو األمر بغشهم ،أو األمر إبغارة
الصدور عليهم ،أو مؤل النفوس غشا ؽبم ،ال يوجد حديث واحد .
فمن عمل هبذه األمور -أعٍت الغش والغل والسب -ىل رائده يف ىذه األعمال السنة؟ إن قال :نعم ،أييت
حبرف واحد يف السنة يدل على ىذه األمور ،وإن كان رائده اؽبوى -وىو فعبل رائده -فهذا يهلك نفسو
ويهلك غَته
فالسنة ليس فيها إال الدعوة لبلجتماع واؼبناصحة ،حىت لو حصل من وِل األمر فساد وجور وظلم ففي
ىذا اؼبقام أكد النيب صلى هللا عليو و سلم أيضاً على السمع والطاعة ،قال(( :اظبع وأطع وإن أخذ مالك
وضرب ظهرك)) ؛ وىذا فيو لفت انتباه إىل عموم الناس أن ضياع حظ اإلنسان ونصيبو الدنيوي ليس ـبوال
أًنس نزعوا أو كان سبب نزع اليد من طاعة ىو فوات حظّو الدنيوي ،مل لنزع اليد من الطاعة ،وكم من ٍ
حيصل كذا ومل حيصل كذا فيبدأ يسب الوالة ويطعن فيهم ويوغر الصدور عليهم ،وإذا فتشت عن سبب ِ
ّ
نظرا غبظ النفس ،وؽبذا لفت النيب صلى هللا عليو و سلم االنتباه ىجمتو ىذه ال ذبدىا نصرًة للدين وإّنا ً
ؽبذا األمر قال(( :اظبع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك)) قال(( :اظبع وأطع)) .وجاء أيضاً(( :اصرب
حىت يسًتيح بَر أو يسًتاح من فاجر)) .أ ّكد على ىذا اؼبعٌت ،وكثَت من الناس عندما يدخل يف ىذه
القضية يدخل غبظوظو الدنيويّة؛ ّإما كان يريد رائسة فما حصلت لو ،أو زعامة مل تتح ّقق لو ،أو ماالً ،أو ما
ضوا َوإِ ْن َملْ يُ ْعطَْوا ِمْن َها إِ َذا ُى ْم يَ ْس َخطُو َن [التوبة ، ]٘ٛ:لكن الناصح ِ
إىل غَت ذلك {فَِإ ْن أ ُْعطُوا مْن َها َر ُ
عز وجل ،حىت لو فات بعض حظو ،اجتماع الناس وصبلح أمرىم أىم الذي ليس يف قلبو غل مهو دين هللا ّ
عنده وأوىل عنده ابلعناية.
الشوكاين رضبو ا هلل يف رسالة لو يف ىذا الباب قصة تصور حال العوام يف ىذا الباب يقول :كنا يف يذكر ّ
ؾبلس فتكلم أحدىم يف أحد الوزراء أخذ يطعن فيو ،فقلت لو تطعن فيو لدينو أو للدنيا ؟ قال بل للدين ،
يقول مث سكتنا قليبل فبدأ الرجل يتكلم عن ذاك الوزير قال :الفاعل ابن الفاعل يركب الفاره من الدواب
ويلبس الفاخر من الثياب ويسكن الكذا من القصور ،أصبح اغبديث عن ماذا ؟ عن الدنيا ردبا لو أعطي
21
ىذا مثلو قصور و ..انتهت اؼبشكلة ،فأصبح طعنو فيو يف أمر الدنيا وليس نصحا للدين ،ولو كان نصحا
للدين ليس ىذا سبيلو .سبيلو النصيحة اؼببينة يف سنة النيب الكرمي عليو الصبلة والسبلم .
فهذه األمور ما تصلح إال ابلسنة ،والسنة البد فيها من قراءة أحاديث النيب صلى هللا عليو و سلم ٍ
بتجرد
من األىواء .وكثَت من الناس بسبب غلبة األىواء عليهم يستوحش من قراءة األحاديث اليت فيها األمر
ابلسمع والطاعة ،يقرأ ببل استيحاش األحاديث اليت يف الصبلة ،ويقرأ ببل استيحاش األحاديث اليت يف
الزكاة ،وإذا جاء إىل مثل كتاب اإلمارة من صحيح مسلم استوحش من األحاديث! ؼباذا؟ الذي أمر
ابلصبلة والصيام ىو الذي أمر ابلسمع والطاعة ،ومصلحة اؼبسلمُت يف ىذا كلو.
فهذا ابب عظيم وأصل مهم ؛ عندما يغلب على الناس األىواء يضيعونو ،ويكون تضييعهم لو ليس مبنيا
على قواعد شرعية ،وإّنا مبٍت على أىواء تتجارى ابلناس وتذىب هبم اؼبذاىب ،ويف ىذا الباب ذبد من
يسلك ىذا اؼبسلك -مسلك الفرقة والوقيعة يف الوالة -يوصف بُت عوام اؼبسلمُت دباذا ؟ يوصف ابلذي ال
أتخذه يف هللا لومة الئم ،يقول كلمة اغبق وال يباِل ،وألقاب تطلق يف غَت ؿبلها حىت يُنفخ يف الناس،
وحقيقة أمره أنو يشق صف اؼبسلمُت ويفرق كلمتهم وال يتح ّقق فيهم على يديو خَتاً ،اػبَت ابالجتماع،
الرضبة ابالجتماع ،إبصبلح األمور ،ابلنصيحة ،ابلدعاء ابلتعاون ،ابللُت ،ليس إبيغار الصدور ،وتفرق
فالشاىد أ ّن ىذه األصول الثبلثة :اإلخبلص،الكلمة ،وتشتيت الشمل ؛ ىذه األمور ال يتحقق هبا خَتّ .
قل من يعمل هبا بسبب األىواء واالجتماع ،والسمع والطاعة ،أصول كثر بياهنا يف النصوص واألدلة ،ولكن ّ
اليت تتجارى ابلناس.
21
ِ
أصل التبس على كثَت من الناس واختلط منهم))؛ ىذا األصل عقده اؼبصنّف رضبو هللا وأورده ىنا ألنو ٌ
عليهم دعاة اغبق من دعاة الباطل ،وأصبح الناس أيخذون عن كل متكلم ويبتغون كل ًنعق ،وال دييزون
بُت أىل اغبق والباطل بل ليس عندىم آلة دييزون هبا بُت من ىو داعية للحق أو داعية للهوى والباطل ،
اسأَلُوا
ورب العاؼبُت أرشد يف كتابو السائلُت واؼبستفتُت واؼبتعلمُت؛ أرشدىم إىل األخذ عن أىل الذكر{ :فَ ْ
أ َْى َل ال ِّذ ْك ِر إِ ْن ُكْن تُ ْم َال تَ ْعلَ ُمو َن [النحل . ]ٖٗ:ليس األخذ عن كل أحد وإّنا األخذ عن أىل الذكر وىم
أىل العلم والفقو بدين هللا تبارك وتعاىل .وعندما خيتلط ىذا األمر على الناس يصبح أخذىم عن كل أحد
وتلقيهم عن كل متحدث ،وىذا من أعظم أسباب االكبراف عن دين هللا تبارك وتعاىل ،وقد صح يف
األئمة اؼبضلُت)) ،اغبديث عن النيب صلى هللا عليو و سلم أنو قال(( :إن أخوف ما أخاف على أميت ّ
وأئمة الضبلل ىم من يلبسون لبوس العلم ويتزيؤون بزي العلماء ولكنهم ينشرون البدع يف األمة واػبرافات
واألىواء والضبلالت وما ال أصل لو يف دين هللا ،ويلبسون اغبق ابلباطل ،ويكتمون اغبق وحيجبونو عن
حيسنون هبم الظن ، ِ
الناس ؛ فتنتشر على أيديهم البدع وتنتشر على أيديهم اػبرافات ،وال يزال أتباعهم ّ
ويظنون أهنم يبينون دين هللا عز وجل ،وتراه يؤيد ابطلو إما حبديث مكذوب ،أو آية حيرفها عن معناىا ،أو
قصة خيًتعها ،أو رؤية منامية ي ّدعيها ،أو ذبربة يزعمها ،أو كبو ذلك من اؼبسالك اؼبتبعة عند ىؤالء يف نشر
ما عندىم من خرافة وابطل .ولضعف البصَتة يف الناس والفهم والدراية يروج عليهم كبلم أمثال ىؤالء .
وؽبذا عقد اؼبصنف رضبو هللا ىذا األصل نصحاً للناس ،وبياًنً ؽبذا األمر ؛ أن يُعرف الفقو والفقهاء والعلم
والعلماء .العلم والفقو أي النافع الذي أمر هللا تبارك وتعاىل بو ،فليس كل كبلم يُلقى ىو فقوٌ ،وليس كل
يبُت ىو فقو ،والعلم والفقو الذي مدح هللا عز وجل أىلو ورغب النيب صلى هللا عليو و سلم يف بيان ّ
ربصيلو وتلقيو ىو العلم الشرعي اؼبستمد من كتاب هللا عز وجل وسنة نبيو صلى هللا عليو و سلم« ،العلم
قال هللا قال رسولو» ىذا ىو العلم على ضوء فهم الصحابة الكرام ومن اتبعهم إبحسان؛ ىذا ىو العلم
يورثوا ديناراً وال
الذي امتدحو هللا وىذا ىو مَتاث األنبياء ،كما قال عليو الصبلة والسبلم(( :فإن األنبياء مل ّ
ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ حبظ وافر)) ،وىذا ىو العلم الذي شهد عليو الصبلة والسبلم درمهاً وإّنا ّ
لصاحبو ابػبَتية ((من يرد هللا بو خَتاً يفقو يف ال ّدين)) (( ،خَتكم من تعلّم القرآن وعلّمو))(( ،من سلك
سهل هللا لو بو طريقاً إىل اعبنة)) (( ،وإ ّن اؼببلئكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا طريقاً يلتمس فيو علماً ّ
الشرعي .واؼبراداغبث عليو فاؼبراد هبا العلم ّ
وردت يف الًتغيب يف العلم و ّدبا يصنع)).كل األحاديث اليت ْ
وجل ،سواء أريد ابلفقو الفقو األكرب الذي ىو العقيدة وأصول عز ّ ابلفقو الفقو الذي يستمد من كتاب هللا ّ
الدين ،أو الفقو األصغر الذي ىو األحكام والفروع ،فهذه كلّها فقو يف دين هللا تبارك وتعاىل .وال يكون
وجل وسنة رسولو عليو الصبلة والسبلم على عز ّ ىذا الفقو صاغباً سديداً إالّ إذا كان مستمداً من كتاب هللا ّ
ضوء فهم السلف الصاحل رضبهم هللا.
22
الضرر ،ومن أعظم ضر ابلناس غاية ّ وعند ما ال سبيّز ىذه اغبقيقة ُزبلط أمور يف ىذا الباب وتسمى علماً فتُ ّ
وجل دبعزل عن عز ّ ذلك خطراً على الناس وأدىاه عليهم علم الكبلم الذي بٌت عليو أراببو فهم دين هللا ّ
كتاب هللا وسنة نبيو صلى هللا عليو و سلم ،وصار الواحد منهم يف تقريره ألمور دينو وأمور االعتقاد يذكر
عقليات وتصورات وفلسفات ما أنزل هللا هبا من سلطان ،فإذا أراد أن يقرر عقيدة قال :دبا أن كذا يكون
كذا ،ولو كان كذا لكان كذا ؛ فيمضي هبذا األسلوب يف تقرير االعتقاد وبُت يديو كتاب هللا ًنطق ابغبق
ابغبق ودالة عليو فيُعرض عنهما ،مث يقحم عقلو وبُت يديو سنة رسول هللا صلى هللا عليو و سلم شاىدة ّ
القاصر وتصوراتو الضعيفة! فيبدأ يقرر يف االعتقاد ما ال أساس لو وال أصل عليو ،خوض يف هللا ويف دين هللا
ويف شرع هللا ببل علم؛ وىذا من أعظم احملرمات وأكرب اآلاثم { َوأَ ْن تَ ُقولُوا َعلَى اّللِ َما َال
صَر َوالْ ُف َؤ َاد ُك ُّل أُولَئِ َ
ك َكا َن َعْنوُ
تَعلَمو َن [األعراف{ ،]ٖٖ:وَال تَ ْقف ما لَيس لَ َ ِ ِ
ك بِو ع ْل ٌم إِن الس ْم َع َوالْبَ َ ُ َ ْ َ َ ُْ
َم ْسئُ ًوال [اإلسراء. ]ٖٙ:
وابت علم التوحيد الذي ىو أعظم العلوم وأجلها يسمى بسبب تعلق ىؤالء بعلم الكبلم يسمى «علم
الكبلم» يسمى علم التوحيد عندىم أو علم العقيدة يسمى علم الكبلم ،ويبدأ ىؤالء يف تقرير االعتقاد على
العز رضبو هللا يف شرحو الكبلم الباطل واػبوض يف دين هللا عز وجل ابلعقليات واآلراء ،وقد قال ابن أيب ّ
للعقيدة الطحاوية« :كيف يرام الوصول إىل علم األصول بغَت ما جاء بو الرسول عليو الصبلة والسبلم؟!»
أي أ ّن ىذا ؿبال ال ديكن ،ال ديكن لئلنسان أن يصل إىل األصول الصحيحة والعقيدة السليمة دون أن
الصحيحة إال ابلتلقي عن يتلقى ذلك عن رسول هللا عليو الصبلة والسبلم ،وال ديكن أيضاً أن يعرف العبادة ّ
كل طريق إىل هللا سبحانو وتعاىل مسدود إال من طريق الرسول عليو الصبلة والسبلم؛ وؽبذا قال العلماءّ :
حق وإىل علم ًنفع وإىل سديد الرسول عليو الصبلة والسبلم ،ال ديكن لئلنسان أن يصل إىل ىدى وإىل ّ
قول وص احل عمل إال ابتباع الرسول صلى هللا عليو و سلم ،وجعلو أسوة وقدوة يف عقيدتو وعبادتو وعملو
ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن يَ ْر ُجو اّللَ َوالْيَ ْوَم ْاآل ِخَر [األحزاب.]ٕٔ: ِ ِ
{لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم ِيف َر ُسول اّلل أ ْ
ضل ،وؽبذا كان شيخ اإلسبلم ابن تيمية رضبو هللا كثَتاً ومن فارق ما جاء بو الرسول صلى هللا عليو و سلم ّ
ضل السبيل ،وال دليل إالّ ما جاء بو الرسول صلى هللا عليو و سلم » ويقول ما يقول« :من فارق ال ّدليل ّ
اغبجة،
رضبو هللا« :كلٌّ يستدل لقولو ال بو إال هللا ورسولو» ،كبلم هللا وكبلم رسولو عليو الصبلة والسبلم ىو ّ
اغبجة إن وجدت يف حجةً ،وإّّنا تطلب لو ّ وكبلم غَت هللا وكبلم غَت الرسول عليو الصبلة والسبلم ليس ّ
رد عليو قولو ،وىذا معٌت قول مالك رضبو كتاب هللا أو سنة رسولو عليو الصبلة والسبلم ،فإن وجدت وإالّ ّ
هللا« :كلٌّ يؤخذ من قولو ويًتك إالّ صاحب ىذا القرب» يعٍت رسول هللا صلى هللا عليو و سلم.
وكما يشَت اؼبصنِّف رضبو هللا ىنا ؛ اؼبصيبة على الناس يف ىذا الباب عظمت ألهنم أصبحوا ال دييزون بُت
اغبق وأدعياء الباطل ،بل أصبح بعض العوام دييل يف تلقيو ويف استفتائو إىل من يراه يفتيو دبا يريد أو دعاة ّ
23
من يراه يفتيو على ىواه ،وذبده يتنقل بُت من يفتون واحداً تلو اآلخر إىل أن يقع على شخص يرخص لو
وجل ،وإّنا منشوده األمر الذي اذبو للسؤال عنو أو عز ّ فيما يريد ،ليس منشوده اغبق ومطلوبو دين هللا ّ
طلب الرخصة فيو .وىذه من اؼبصائب العظيمة ،أصبح يف الناس من ال دييز بُت الفقو والفقهاء والعلم
والعلماء ،وأصبح الداعية للبدعة الذي ال يُسمع منو تقرير االعتقاد الصحيح والدين القومي على ضوء الدليل
اؼبستمد من كتاب هللا وسنة رسولو عليو الصبلة والسبلم يُعد عند بعض الناس عاؼباً وفقيهاً ،وأصبح أيضاً
عكس ذلك ؛ العامل اؼبنضبط بضوابط الكتاب والسنة اؼبتقيّد دبا جاء يف كتاب هللا وسنة نبيو صلى هللا عليو
و سلم يُرمى أبوصاف ينفر هبا الناس عنو ،واألوصاف اليت يرمون هبا العلماء الذين ىم على السنة وعلى
التلقي من كتاب هللا عز وجل كثَتة جداً يف القدمي واغبديث.
قال(( :بيان العلم والعلماء ،والفقو والفقهاء ،وبيان من تشبّو هبم وليس منهم)) يشَت ىهنا إىل أن يف
يدس البدع وينشر الباطل واػبرافة بُت الناس ،ال الناس من يشتبو أبىل العلم ويتظاىر ابلعلم وىو يف الواقع ّ
وبدعا ضالة ؛ ىذا الذي عنده وىذه بضاعتو ،لكنو وجل ،وإّنا ينشر خرافات ابطلة ً ينشر دين هللا عز ّ
يتظاىر دبظهر العلم والفقو والبصَتة يف دين هللا فيغر العوام وخيدع اعبهال.
ِ ِ
يت ال ِيت ِ
{اي بٍَِت إ ْسر َقال(( :وقد بني هللا عز وجل ىذا األصل يف أول سورة البقرة من قولو َ
ائيل اذْ ُك ُروا ن ْع َم َ
َين فَض ْلتُ ُك ْم َعلَى ت َعلَْي ُك ْم َوأِّ
يت ال ِيت أَنْ َع ْم ُيل اذْ ُك ُروا نِ ْع َم ِ
َ
أَنْعمت علَي ُكم إىل قولو{ :اي ب ٍِت إِسرائِ
َ َ َْ َْ ُ َ ْ
َ
ُت )) مشَتاً إىل أ ّن يف ىذا السياق بياًنً ؽبذه اغبقيقة ،وإيضاحاً إىل أن العامل اغبق شأنو ذكر نعمة ِ
الْ َعالَم َ
اغبق ابلباطل ،وعدم كتمانو للحق ، هللا عليو وفضلو عليو وشكره لنعمة هللا تبارك وتعاىل ،وعدم لبسو ّ
وؿبافظتو على ما أُمر من إقامة الصبلة وإيتاء الزكاة ،والبعد عن أن يكون شأنو شأن من يدعو إىل الشيء
اس ِابلِْ ِّرب َوتَ ْن َس ْو َن أَنْ ُف َس ُك ْم [البقرة ]ٗٗ:؛ فهذا السياق اؼببارك عندما يتأملو اؼبسلم وال يعملو {أ ََأتْ ُم ُرو َن الن َ
وطالب العلم جيد فيو ضوابط دييز هبا بُت العلماء واألدعياء ،فالعلماء ؽبم صفاهتم ،واألدعياء ؽبم صفاهتم،
وكلّها مبينة يف ىذا السياق ويف مواضع أيضاً أخرى من كتاب هللا عز وجل تكشف ىذا األمر وذبلي ىذه
اغبقيقة.
حت بو السنة يف ىذا الكالم الكثري البني صر ْ قال(( :ويزيده وضوحاً)) يزيد ىذا األمر وضوحاً وبياًنً ((ما ّ
الواضح للعام البليد)) أي أ ّن السنة جاءت ببيان العلماء وصفات أىل العلم ،ولو وقف طالب العلم على
بعض الكتب اؼبصنّفة يف ىذا الباب -وخباصة كتاب «جامع بيان العلم وفضلو» البن عبد الرب -لوجد فيو
م ن السنة ذكر فضل العلم وعبلمات أىلو وصفاهتم يف ضوء سنة النيب الكرمي عليو الصبلة والسبلم ،فهو
أمر بُُِّت يف الكتاب والسنة غاية البيان ،بُُِّت كما قال اؼبصنف بياًنً واضحاً للعامي البليد ،ذُكر يف القرآن
توضح من ىم العلماء واضحاً للعامي البليد ،لكن اؼبعرض واؼبتبع ؽبواه وكبو ىؤالء زبتلط والسنة نصوص ِّ
24
عليهم األمور وتلتبس إما بسبب اعبهل أو بسبب اتباع األىواء.
قال(( :مث صار ىذا أغرب األشياء)) صار ىذا األمر أغرب األشياء ،يعٍت معرفة العلماء وعبلماهتم
والفقهاء وعبلماهتم صار ىذا أغرب األشياء ،يعٍت أمره صار غريباً بُت الناس ال يكاد يعرفو إال القبلئل
منهم ،واألمر الغريب :الذي ال يعرفو إال القلة من الناس.
((وصار العلم والفقو ىو البدع والضالالت)) وصار العلم أي العلم الصحيح اؼبستمد من الكتاب والسنة
ىو البدع والضبلالت ،وأصبح يف الناس كثَتون من ينكرون السنن ويسموهنا ابلبدعة ،وينكرون العقيدة
ابلضبلل ،وينكرون العبادات الثابتة عن الرسول عليو الصحيحة اؼبستمدة من الكتاب والسنة ويصفوهنا ّ
الصبلة والسبلم ويصفوهنا ابلباطل؛ ىذا معٌت قولو رضبو هللا ((وصار العلم والفقو ىو البدع والضبلالت))
أي أ ّن ىؤالء أصبحوا يصفون العلم الصحيح والفقو الصحيح أبنو بدعة وضبللة .وما ىو العلم؟! العلم ىو
البدع اليت ديارسوهنا ما أنزل هللا تبارك وتعاىل من سلطان.
((وخيار ما عندىم)) يعٍت أفضل شيء عند ىؤالء ((لبس احلق ابلباطل)) ولبس اغبق ابلباطل ىذا أمر ال
وزبلط على الناس أمور وتغيب عنهم اغبقيقة الناصعة خَت فيو ،أي خَتية يف أن يلبس اغبق ابلباطل ُ
اؼبأخوذة من الكتاب والسنة!! فإذا كان ىذا خيار ما عندىم لبس اغبق ابلباطل فمعٌت ذلك أن ىؤالء يف
وجل وسنة رسولو صلوات هللا وسبلمو عليو.اض اتم عن كتاب هللا عز ّ ضياع اتم وإعر ٍ
قال (( :وصار العلم الذي فرضو هللا تعاىل على اخللق ومدحو ال يتفوه بو إال زندي ٌق أو رلنون)) ؛ قولو:
الشرعي اؼبستمد من «ال يتفوه بو إال زنديق أو رلنون» أي بزعم ىؤالء ؛ فيصفون الذي ّ
يتفوه ابلعلم ّ
مروق عن دين هللا تبارك وتعاىل،
الزندقةٌ : ابلزندقة .و ّ
وجل يصفونو ابعبنون ،وردبا وصفوه ّ كتاب هللا عز ّ
تمسك بدينو أبنو إما بو جنون ،أو يصفونو أبنو زنديق أو مارق أو كبو ذلك من األوصاف ، فيصفون اؼب ّ
أسوةً ابؼبشركُت الذين وصفوا النيب عليو الصبلة والسبلم ابلساحر والكاىن واجملنون واؼبفًتي إىل غَت ذلك
من األوصاف اليت لقبوه هبا ،ولُِّقب بنظائرىا أتباعو اؼبتمسكُت هبديو السائرين على هنجو صلوات هللا
وسبلمو عليو.
قال(( :وصار من أنكره وعاداه وصنّف يف التحذير منو والنّهي عنو ىو الفقيو العامل)) ؛ «وصار من
أنكره وعاداه» الضمَت ىنا يعود إىل العلم والفقو الصحيح اؼبستمد من الكتاب والسنة ،صار من أنكر العلم
الصحيح وعادى الفقو الصحيح اؼبستمد من الكتاب والسنة وصنّف يف التحذير منو -أي صنّف يف
التحذير من السنن الصحيحة والفقو الصحيح والعلم الصحيح -وصنف يف التحذير منو والنهي عنو ىو
الفقيو العامل !! وىذا موجود ،تُصنيف كتب يف رد السنن واإلشادة ابلبدع وإحياء الضبلالت ويوصف
أصحاهبا ابلعلماء ويلقبون ابلفقهاء ،وردبا قيل يف حقو إمام ،وردبا قيل إمام األئمة من قِبل أتباعو من الغوغاء
25
واعبّهال ؛ وىو ليس عنده إال نشر اػبرافة ،إما نشر للقبورية والتعلق ابلقبور والكذب على رسول هللا عليو
الصبلة والسبلم ،أو نشر األحاديث الواىية الضعيفة ،أو ربريف اآلايت عن معانيها ،أو حكاية القصص
وذكر الرؤى واؼبنامات ،ويكون الكتاب كلو مبنياً على ىذا األمر وال ترى فيو ((لعنة هللا على اليهود
والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (( ،إ ّن شرار اػبلق عند هللا الذين يتخذون القبور مساجد)) ىذه
الصحيحة ال تراىا ،ترى إما آيةً حيرفوهنا عن معناىا ويصرفوهنا عن مدلوؽبا مثل استشهاد ىؤالء األحاديث ّ
ين َغلَبُوا َعلَى أ َْم ِرِى ْم لَنَ ت ِخ َذن َعلَْي ِه ْم َم ْس ِج ًدا ِ
كل من كتب منهم يف ىذا الباب بقول هللا تعاىل {قَ َال الذ َ و ّ
[الكهف ]ٕٔ:؛ ىذا أمر حكاه هللا عز وجل عن أىل الغلبة وىم كفار كما يدل على ذلك سياق اآلايت
النيب صلى هللا عليو و سلم قبل أن ديوت يف سورة الكهف فيستدلون بو لفعل ىؤالء ،ويًتكون ما قالو ّ
بلحظات(( :لعنة هللا على اليهود والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم مساجد)) .وال يصح أن نقول ىذا شرع
من قبلنا وشرع من قبلنا جاء بنسخو ،ال يصح أن نقول ىذا الكبلم ؼباذا ؟ ألنو لو كان شرع ؼبن قبلنا
أيصح أن يقول عليو الصبلة والسبلم(( :لعنة هللا على اليهود والنصارى ازبذوا قبور أنبيائهم مساجد))؟
أيصح أن يقول ذلك يلعنهم على أمر ىو شرع عندىم؟ ىذا ال يقال ،فازباذ القبور مساجد ليس شرعاً ؼبن
ذكر غبال أىل الغلبة من غَت اؼبسلمُت { إِن ُه ْم إِ ْن يَظْ َه ُروا قبلنا ،بل ىو ابطل يف أداين صبيع األنبياء ،واآلية ٌ
السياق واضح وصف غبال غَت اؼبسلمُت، َعلَْي ُكم يَر ُصبُوُكم أ َْو يُعِ ُ ِ ِ ِ ِ
يدوُك ْم يف ملته ْم [الكهفّ . ]ٕٓ: ْ ْ ْ
فيستدلون بعمل أىل الغلبة يف مساق ليس مساق مدح بل مساق ذم ويًتكون حديث رسول هللا صلى هللا
عليو و سلم !!
ين َغلَبُوا َعلَى أ َْم ِرِى ْم لَنَ ت ِخ َذن َعلَْي ِه ْم ِ
العامي اؼبسكُت إذا قال لو واحد من ىؤالء :هللا يقول { قَ َال الذ َ
َم ْس ِج ًدا ىذا القرآن ًنطق ابزباذ القبور مساجد ،ىذا كتاب هللا ًنطق ،فكيف يقولون إنو ال جيوز؟!
العامي مسكُت يقول لو أيضاً افتح سورة الكهف ويريو اآلية يف السورة ،يقول :كيف يقال إنو ىذا حرم؟!
العامي ما يدري ،مث يردف ىذه اآلية اليت حرف معناىا حبديث يورده للعوام أ ّن الرسول صلى هللا عليو و
سلم قال(( :من اعتقد يف حجر نفعو)) مثبلً ،أو أشياء من ىذا القبيل يكذبوهنا ويفًتوهنا ،مث يردف ذلك
عد مؤلفو عامل فقيو ،وىو كلّو كذب على بقصص ،قصة فبلن ،وقصة فبلن ،مث ُذبمع يف كتاب ويُع ّد علماً ويُ ُّ
للحق ولبس للحق ابلباطل ،وخلط وتزوير وكتم ّ وتلفيق ٌ
ٌ وقول على هللا ببل علم،
هللا وكذب على رسولوٌ ،
ويسمى مؤلِّفو عامل فقيو ،والذين يكتوون من صبرة ىذا الرجل العوام كتاب عل ٍمّ ،ويسمى الكتاب َ لؤلمورّ ،
اعبهال ،يغًتون ويقعون يف أنواع من الباطل ؛ ىذا مثال ،قل يف صبيع أبواب الدين مثل ىذا ،عندما ّ
الضبلل فيفسدون يف الناس دبثل ىذه الطريقة .فاؼبؤلف رضبو هللا وضع يتص ّدر للنّاس دعاة الباطل ودعاة ّ
ىذا األصل نصحاً للنّاس حىت ال خيتلط على عوام اؼبسلمُت وعلى اؼببتدئُت وطلبة العلم ،ال زبتلط عليهم
األمور ويعرفون حقيقة األمر.
26
قال رضبو هللا تعاىل :
((األصل اػبامس :بيان هللا سبحانو لؤلولياء وتفريقو بينهم وبُت اؼبتشبهُت هبم من أعداء هللا اؼبنافقُت
والفجار ،ويكفي يف ىذا آية آل عمران وىي قولو تعاىل{ :قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِرببُّو َن اّللَ فَاتبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم اّللُ ،
ت هللاُ بَِق ْوٍم ُِحيبُّ ُه ْم
ف أيْ ِ ِ ِِ ِ
ين َآمنُوا َم ْن يَ ْرتَد مْن ُك ْم َع ْن دينو فَ َس ْو َ َ
ِ
{اي أَيُّ َها الذ َ
وآية يف اؼبائدة ،وىي قولو تعاىلَ :
ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َْحيَزنُو َن*َوُِحيبُّونَوُ اآلية ،وآية يف سورة يونس وىي قولو تعاىل{ :أََال إِن أ َْولِيَاءَ اّللِ َال َخ ْو ٌ
ين َآمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن .مث صار األمر عند أكثر من يدعي العلم وأنو من ىداة اػبلق وحفاظ الشرع إىل ِ
الذ َ
أن األولياء البد فيهم من ترك اتباع الرسل ،ومن اتبعو فليس منهم ،والبد من ترك اعبهاد ،فمن جاىد فليس
منهم ،والبد من ترك اإلديان والتقوى ،فمن تعهد ابإلديان والتقوى فليس منهم ،اي ربنا نسألك العفو والعافية
إنّك ظبيع ال ّدعاء)).
************
قال رضبو هللا (( :األصل اخلامس)) وىذا أصل عظيم ومفيد ج ّداً للمسلم ،والنّاس حباجة ماسة لفهمو
والعلم بو.
يقول رضبو هللا(( :بيان هللا سبحانو ألولياء هللا وتفريقو بينهم وبني ادلتشبّهني هبم من أعداء هللا ادلنافقني
والفجار )) ىذا أصل مهم جيب على اؼبسلم أن يفهمو يف ضوء كتاب هللا وسنة نبيو عليو الصبلة والسبلم، ّ
السديد الذي عليو ىذا اإلمام يف توضيحو لؤلمور ،ؼبا ولعلّنا نلحظ معاشر اإلخوة الطريقة اؼبباركة والنّهج ّ
أراد أن يذكر عبلمة العلماء وأمارة الفقهاء أورد آايت وأشار إىل أحاديث تُعرف هبا ومن خبلؽبا عبلماهتم،
وجل تعرف وؼبا أراد أن يبُت عبلمات األولياء أولياء هللا سبحانو وتعاىل أيضاً أورد آايت من كتاب هللا عز ّ
من خبلؽبا عبلماهتم ؛ منبّهاً بذلك أ ّن اغبق وأىلو ودعاتو إّّنا يُعرفون من جهة داللة كتاب هللا وسنة رسولو
صلى هللا عليو و سلم.
قال(( :بيان هللا سبحانو ألولياء هللا ،وتفريقو بينهم وبني ادلتشبّهني هبم من أعداء هللا ادلنافقني
ذكرت يف القرآن والسنة ،وأولياء الشيطان الذين ي ّدعون أ ّهنم أولياء هللا والفجار)) ؛ فأولياء هللا ؽبم عبلمات ْ ّ
أيضاً ؽبم عبلمات ذكرت يف الكتاب والسنة ،وقد صنّف شيخ اإلسبلم ابن تيمية رضبو هللا مصنفاً عظيم
النفع كبَت الفائدة ظباه «الفرقان بُت أولياء الرضبن وأولياء الشيطان» ،وىو كتاب عظيم جداً ذكر فيو ما
دييز بو بُت وِل هللا ووِل الشيطان ،ومن مل دييز خدعو أولياء الشيطان وغروه وصرفوه عن دين هللا تبارك
وتعاىل.
قال(( :يكفي يف ىذا آية يف سورة آل عمران وىي قولو تعاىل{قُ ْل إِ ْن ُك ْن تُ ْم ُُِتبُّو َن اَّللَ فَاتبِعُ ِوين ُُْيبِْب ُك ُم
آمنُوا َم ْن يَ ْرتَد ِ
ين َ{اي أَيُّ َها الذ َ اَّللُ} [آل عمران ]ٖٔ:اآلية ،وآية يف سورة ادلائدة ،وىي قولو تعاىلَ :
27
ْت هللاُ بَِق ْوٍم ُُِيبُّ ُه ْم َو ُُِيبُّونَوُ } [ادلائدة ، ]٘ٗ:وآية يف سورة يونس وىي قول ف َي ِ
س ْو َ َ
ِ ِِ ِ
م ْن ُك ْم َع ْن دينو فَ َ
ِ هللا تعاىل{ :أ ََال إِن أَولِياء ِ
آمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن}
ين َ ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َُْي َزنُو َن(ٕ )ٙالذ َ اَّلل َال َخ ْو ٌ ََْ
[يونس )) ]ٖٙ-ٕٙ:؛ يقول رضبو هللا :يكفي أن تعرف األولياء ح ّقاً وصدقاً من خبلل ىذه اآلايت
الثبلث فقط؛ ففيها كفاية لك يف معرفة من ىو الوِل ،وما ىي عبلماتو.
فالعبلمة األوىل :يف قولو تعاىل {قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِرببُّو َن اّللَ فَاتبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم اّللُ َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم العبلمة
يسمون ىذه اآلية «آية احملنة» النيب صلى هللا عليو و سلم ،ولقد كان بعض أىل العلم ّ األوىل :االتباع؛ اتباع ّ
وقوة ؿببّتو لرسول هللا صلى هللا عليو و سلم وقبل ذلك ؿببّتو ؛ أي أن من أراد أن ديتحن نفسو يف صدق ّ
سبسكاً ِ
لرب العاؼبُت ؛ فلينظر أو ليقس ذلك على ضوء االتباع الذي عنده ،فإنو كلما كان أعظم اتباعاً و ّ ّ
هبدي الرسول صلى هللا عليو و سلم فإ ّن ىذه أمارة على صدق احملبة ،وكلما ضعُف فيو االتباع فهذا أمارة
على ضعفها ،فكيف يكون وليّاً وىو ال يتبع الرسول عليو الصبلة والسبلم؟!
يف بعض البلدان جيلس من يُزعم ويُدعي أنو وِل متكئاً على سارية يف اؼبسجد وتقام الصبلة ويصلي الناس
وىو متكئ ما يصلي معهم! أين الوالية؟ أين الوالية بدون الصبلة؟ أو ال يكون أيضاً يف اؼبسجد يكون يف
الشارع جالساً يف مكان وتقام الصبلة وينادى ؽبا وال يقوم يصلي! ويُدعي أنو وِل من أولياء هللا! أين
كل ما ٍ
مررت ببلد ما على مكان وإذا برجل ّ الصبلة اليت فرضها هللا على عباده؟ يقول أحد األشخاصُ :
فسألت عنو فقلت: ُ مررت جالس ما يقوم وليس بو علّة ،جالس يف مكان ال يقوم حىت أوقات الصلوات!
كل الناس يشهدون لو ابلوالية! ىذا نذر أن ال من ىذا؟ قالوا :سبحان هللا ما تعرفو! ىذا وِلٌّ من أولياء هللاّ ،
النيب صلى هللا عليو و سلم .الصبلة يقوم من ىذا اؼبكان أبداً ،فقط جيلس يف ىذا اؼبكان يصلي على ّ
اؼبفروضة اليت افًتضها هللا على عباده وأمر هبا ودعا إىل إقامتها يف اؼبساجد تًُتك ،وجيلس يف ىذا اؼبكان ال
يقوم منو! أين الوالية بدون االتباع؟! يغًت العوام عندما تؤتى ؽبم دبثل ىذه اغبكاايت ،يغًت العوام ويظن فعبلً
أن ىذا من أولياء هللا .فوِل هللا اؼبتبع ،عبلمتو االتباع ،وأعظم ما يكون فيو فعل الفرائض ،إذا ضيّع
الفرائض ليس من أولياء هللا ،ال ربتاج ىذه إىل مفاصلة ،واضحة ؛ من ضيّع الفرائض فهو ؼبا سواىا
أضيع ،فالوالية البد فيها من فعل الفرائض.
وؽبذا قال العلماء :الوالية درجتان ،أولياء هللا على درجتُت ،بُيِّنت ال ّدرجتان يف قولو عليو الصبلة والسبلم
إِل عبدي بشيء تقرب ّ عن هللا تعاىل يف اغبديث القدسي(( :من عادى ِل وليًا فقد آذنتو ابغبرب ،وما ّ
حىت أحبو)) ،فاألولياء على درجتُت: يتقرب إِل ابلنّوافل ّ أحب إِل فبّا افًتضتو عليو ،وال يزال عبدي ّ
ٔ .درجة فعل الفرائض؛ الذي حيافظ على الفرائض ويًتك احملرمات ىذا من أولياء هللا ،وىي درجة يف
الوالية.
28
ٕ .أعلى منها درجةً :من يفعل الفرائض ويًتك احملرمات وينافس يف فعل الرغائب واؼبستحبات .وىذا معٌت
حىت أحبو ،فإذا أحببتُو كنت ظبعو الذي يسمع بو ،وبصره يتقرب إِل ابلنّوافل ّ قولو(( :وال يزال عبدي ّ
الذي يبصر بو ،ويده اليت يبطش هبا ،وقدمو اليت ديشي عليها .ولئن سألٍت ألعطينّو ،وألن استعاذين
ألعيذنو))
ىذه عبلمتو يفعل الفرائض .أما شخص جيلس وال يصلي ،مث يقول من حولو :ىذا ما تعرفو! ىذا وِل من
أولياء هللا ،مث يقولون أيضاً :لو كان عندك مشكلة اجلس عنده بدون ما تكلمو وىو يعرف مشكلتك ،وىو
يلقي يف قلبك ال ّدواء ؽبا ،ىذا وِل! العوام مساكُت ُخيدعون دبثل ىذا الكبلم ،مث إذا قيل للعوام :فبلن
جربت ومثل ىذه السوالف ال تسأل عن ركضهم على مثل ىذا زرافات ووحداًنً، جرب وفبلنة ّ جرب وفبلن ّ ّ
أصبحت اؼبقاييس يف الوالية مثل ىذه اؼبقاييس الفاسدة ،أما اؼبقاييس اليت يف الكتاب ْ وىذا الضياع .و
يعرجون عليها وال يقفون عندىا. والسنة ال ذبدىم ّ
فإذاً عبلمة الوِل االتباع واالقتداء ابلرسول عليو الصبلة والسبلم وبسنتو ،ومن أعظم ما يكون يف ذلك
الصبلة.كان بعض اؼبتقدمُت إذا أراد أن يذىب إىل مكان ليتل ّقى العلم عن شخص يذىب وينظر يف صبلتو
؛ إذا وجده من أىلها واحملافظُت عليها اطمأ ّن لعلمو ،وإال إن كان مضيّعاً للصبلة فهو ؼبا سواىا أضيع ،وال
الصبلة ،قال بعض السلف« :من أراد أن يعرف وزن اإلسبلم عنده فلينظر إىل حظ يف اإلسبلم ؼبن ضيّع ّ
وزن الصبلة» ؛ الصبلة ميزان إلسبلم الشخص ،إذا كان شخص ال يصلي وال يشهد الصبلة مع اعبماعة
ىذا وِل من أولياء الشيطان ،جيلس يف قارعة الطريق وليس بو علة ومل دينعو مرض ومل دينعو عذر إالّ مثل ىذه
السًت ِ
النيب صلى هللا عليو و سلم يف آخر حياتو يف مرضو كشف ّ الدعاوى الباطلة ىذا ليس من أولياء هللا .و ّ
الصديق هنع هللا يضر فتهلّل وجهو فرحاً عليو الصبلة والسبلم من ىذا اؼبنظر يؤمهم أبو بكر ّ ورأى الصحابة صفوفاً ّ
العظيم ؛ هتلل وجهو والناس يراىم صفوف يصلون يف اؼبسجد خلف خَت أصحابو أبو بكر هنع هللا يضر ،ىذه
الوالية ،الوالية ،الوالية يف الصبلة يف عبادة هللا واتباع الرسول عليو الصبلة والسبلم ىذه عبلمة واضحة
اعبهال ،وأصبح بعض نت يف القرآن ال ربتاج إىل بيان ،لكن مع ذلك األمر التبس على كثَت من العوام و ّ بُيِّ ْ
العوام ال ينظر إىل ىذه العبلمة ليقيس وإّنا ينظر إىل طول العمامة ،ال ينظر إىل ىذه العبلمة وإّنا ينظر يف
معرفة الوالية إىل طول العمامة أو الزي أو الشكل ،وأصبح بعضهم الوالية نوع من اللباس ونوع من الزي
معُت ونوع من اغبركات معينة تُفعل إذا ُوجدت أصبحت مقياساً { ،قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِرببُّو َن اّللَ فَاتبِعُ ِوين ُْحيبِْب ُك ُم
اّللُ ىذه ال تقاس هبا ،ىذا اؼبيزان الواضح ال يقاس بو وال دييز من خبللو من ىم أولياء هللا.
ف َأيِْيت اّللُ بَِق ْوٍم ُِحيبُّ ُه ْم َوُِحيبُّونَوُ أ َِذل ٍة
ين َآمنُوا َم ْن يَ ْرتَد ِمنْ ُك ْم َع ْن ِدينِ ِو فَ َس ْو َ ِ
{اي أَيُّ َها الذ َ
مث كذلك اآلية الثانية َ
اى ُدو َن ِيف َسبِ ِيل اّللِ َوَال َخيَافُو َن لَ ْوَمةَ َالئٍِم [اؼبائدة ]٘ٗ:ذكر ؽبم أربع َعزةٍ علَى الْ َكافِ ِرين ُجي ِ
علَى الْم ْؤِمنِ ِ
َ َ ُت أ َ َ ُ َ
عبلمات:
29
ٔ أذلّة على اؼبؤمنُت ؛ يعٍت يف قلوهبم رضبة للمؤمنُت ،وؿببّة للخَت ؽبم ،ونصح ،ودعاء ،وتعاون معهم
على اػبَت.
بغض وكراىية للكفاّر وأعداء دين هللا تبارك عزة ومنعة ،وفيها أيضاً ٌ أعزة على الكافرين ؛ قلوهبم فيها ّ ٕ ّ
وتعاىل.
ٖ وفيهم أيضاً اعبهاد يف سبيل هللا إلعبلء كلمة هللا سبحانو وتعاىل ونصرة دينو.
اغبق وإيضاحو والدعوة إليو ونشره. ٗ وفيهم أهنم ال خيافون يف هللا لومة الئم يف بيان ّ
مثل ىذه إذا وجدت ىذه عبلمات على أن لئلنسان من أولياء هللا تبارك وتعاىل.
ف َعلَْي ِه ْم َوَال ُى ْم َْحيَزنُو َن مث ختم بعبلمة أخَتة يف قولو تبارك وتعاىل{ :أََال إِن أ َْولِيَاءَ اّللِ َال َخ ْو ٌ
ين َآمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن [يونس ]ٖٙ:؛ العلماء ِ
[يونس . ]ٕٙ:مث ذكر عبلمتهم تبارك وتعاىل قال{ :الذ َ
رضبهم هللا يقولون :إذا ُصبت بُت اإلديان والتقوى يف آية واحدة أو يف نص واحد ؛ يكون اإلديان يتناول
الزائفة الباطلة وترك النواىي ،فاإلديان :اعتقاد العقائد الصحيحة وفعل األوامر ،والتقوى :البعد عن العقائد ّ
األمر الصحيح والعمل ابلطاعات اليت دل عليها الكتاب والسنة ،والتّقوى :البعد عن العقائد الباطلة
واتقاؤىا ،وأيضاً اتقاء احملرمات وما هنى هللا عنو تبارك وتعاىل وأييت يف مق ّدمة ذلك الشرك ابهلل.
فذكر ؽبم عبلمتان :اإلديان والتقوى؛ وؽبذا من كان مؤمناً تقيّاً كان هلل وليّاً ،والوالية تكون ابإلديان والتقوى ؛
ىذا أمر واضح يف كتاب هللا ،وأصبح من يفعل نقيض ىذين األمرين تُدعى لو الوالية!
يف ابب فعل األوامر ،ذبد يف أقوٍام عبلمتهم عند أصحاهبم ترك األوامر ويُعرفون عند أصحاهبم دباذا ؟
ابألولياء ،ذبده ال يصلي ذبده أيضاً ال يطوف ويعلن ذلك يقول :األولياء ال يطوفون ابلبيت ،البيت ىو
الذي يطوف هبم ،وىذا ليس كبلماً يقال ،ىذا كبلم موجود يف كتبهم ويُنشر ،يقول :الوِل ىو الذي
ثت عن شخص أنو جاء ووصل إىل يطوف بو البيت ،ليس ىو الذي يذىب إىل البيت يطوف بو .وقد ُح ّد ُ
م ّكة ووقف ما طاف وقال :ال ،األولياء ىم الذين يطوف هبم البيت!! .وإمام األولياء عليو الصبلة والسبلم
متكرراً ،وىو إمام األولياء عليو الصبلة مرات ،طاف ابلبيت طوافاً ّ حج واعتمر أربع ّمرة طاف ابلبيت؟ ّ كم ّ
والسبلم ،مث يدعي ىؤالء أ ّن الوِل ال يطوف ابلبيت وأحقيتو ومكانتو أن البيت بطوف بو ،حىت إنو يف
أحد كتب الفقو عُقدت مسألة يف كتاب الصبلة مبنية على خرافة ىؤالء ،عُقدت مسألة يف كتاب الصبلة:
إذا ذىبت الكعبة تطوف ابألولياء إىل أين يصلي الناس؟؟ ىذه مسألة فقهية!! قال صاحب الكتاب:
اختلف أىل العلم يف ىذه اؼبسألة على قولُت :قال بعض العلماء يصلُّون إىل الكعبة ابعتبار األصل وابعتبار
أن الناس ال يستطيعون معرفة أين ذىبت الكعبة ،إذا حضر وقت الصبلة وفُرض أن الكعبة ذىبت إىل اؽبند
إيش يعلم الناس أن الكعبة يف اؽبند أو يف إفريقيا ،فقال :يصلون إىل مكان الكعبة ابعتبار األصل ولعدم
يتحرى الناس أين ذىبت الكعبة ويستقبلوهنا .ىذا ُحبث يف التمكن ؛ ىذا قول .القول اآلخر :ال ،البد أن ّ
31
أحد الكتب!! ويف كتب ترّوج عند العوام وفيها مثل ىذه اػبرافات وتنشر على أهنا عبلمة لؤلولياء ،ال صبلة
وال طواف وال عبادة ويُ ّدعي فيو أنو وِلٌّ من أولياء هللا!! وىو وِلٌّ للشيطان ببل شك والريب ،إي وهللاِ وِلٌّ
{وَما َكانُوا أ َْولِيَاءَهُ [األنفال ،]ٖٗ:ال تكون الوالية دبثل ىذا الضياع والباطل.
للشيطان ليس وليّاً للرضبن َ ،
وأيضاً جانب التقوى ال تراىا فيو ،وأًن أرب ّدث عن غبلة ىؤالء ،ال تراىا فيهم ،تراه ديارس بعض احملرمات
الزًَن إِنو َكا َن فَ ِ
اح َشةً {وَال تَ ْقَربُوا ِّ ُ
ابسم الوالية ،ديارس بعض احملرمات الصرحية الواضحة البينة كقولو تعاىلَ :
َو َساءَ َسبِ ًيبل [اإلسراء . ]ٖٕ:ديارسو ابسم الوالية .وقد قرأت يف بعض الكتب القددية ؽبؤالء وح ّدثٍت
بعض اؼبهتدين من ىؤالء دبا أذكره لكم اآلن ،أن اؼبريد أييت إىل شيخ الطريقة اؼبزعوم أنو وِل ،أييت اؼبريد إليو
يتكرم ابفتضاض بكارهتا ،مث توسل إليو ويتذلّل بُت يديو أن ّ يف ليلة زواجو ،وأييت بزوجتو بكراً إىل شيخو وي ّ
خيلو هبا ويفتض بكارهتا من أجل الربكة ،مث زبرج من عنده ويقبّل ىذا اؼبريد قدمي شيخو شكراً لو على
مال على إحسانو لو .ىذا ديارس ابسم الوالية ،زًن والعياذ ابهلل ىذا اإلحسان ،وردبا أعطاه أيضاً جزيل ٍ
اء يوفواحش وأمور منكرة سبارس ابسم الوالية! ىؤالء أولياء الشيطان إي وهللا ليسوا أولياء هللا {أََال إِن أَولِ
ْ َ َ
ين َآمنُوا َوَكانُوا يَت ُقو َن [يونس« ، ]ٖٙ – ٕٙ:من كان ِ اّللِ َال َخو ٌ ِ
ف َعلَْيه ْم َوَال ُى ْم َْحيَزنُو َن (ٕ )ٙالذ َ ْ
مؤمناً تقيّاً كان هلل وليّاً» ،فلما اختلطت األمور على الناس أصبحت ىذه العبلمة غَت واضحة عندىم،
أصبحت ىي اؼبقياس.ْ شرت بُت الناس و
وأصبحت العبلمة عندىم خرافات بُثّت وضبلالت نُ ْ
وؽبذا قال اؼبصنف (( :مث صار األمر عند أكثر من يدعي العلم وأنو من أىل العلم وأنو من ىداة اخللق
وحفاظ الشرع إىل أن األولياء ال بد فيهم من ترك اتباع الرسول)) ؛ يعٍت أصبحت العبلمة للوِل ما ىي؟
لت لكم ببعض األمثلة. ترك االتباع ،ترك الدين ،ترك الشرع ،ىذه العبلمة ،مثل ما مثّ ُ
((ومن تبعهم فليس منهم)) يعٍت من تبع األنبياء وسار على منهاجهم ليس منهم ،ألنو ال يكون منهم إال
بًتك االتباع ىكذا فهمت األمور .
(( وال بد من ترك اجلهاد ،فمن جاىد فليس منهم ،وال بد من ترك اإلميان والتقوى فمن تعهد ابإلميان
والتقوى فليس منهم)) ىذه اؼبقاييس اليت يف اآلية تركها ىي الوالية أصبحت ،والعمل هبا ليس من الوالية
يف شيء ،قُلبت األمور؛ وؽبذا دعا اؼبصنّف هبذه ال ّدعوة قال(( :اي ربّنا نسألك العفو والعافية إنك مسيع
الدعاء)).
31
وكذا أوصافاً لعلها ال توجد اتمة يف أيب بكر وعمر .فإن مل يكن اإلنسان كذلك فليُع ِرض عنهما فرضاً
حتماً الشك وال إشكال فيو ،ومن طلب اذلدى منهما فهو إما زنديق وإما رلنون؛ ألجل صعوبة
رد ىذه الشبهة ادللعونة فهمها .فسبحان هللا وحبمده! كم ّبني هللا سبحانو شرعاً وقدراً خلقاً وأمراً يف ّ
اس ال يَ ْعلَ ُمو َن } [غافر{ ]٘ٚ: من وجوه شىت بلغت إىل حد الضرورايت العامةَ { ،ولَ ِكن أَ ْكثَ َر الن ِ
الال فَ ِهي إِ َىل األَ ْذقَ ِ ِِ ِ ِ ِ ِِ
ان فَ ُه ْم لََق ْد َحق الْ َق ْو ُل َعلَى أَ ْكثَرى ْم فَ ُه ْم ال يُ ْؤمنُو َن * إان َج َعلْنَا يف أَ ْعنَاقه ْم أَ ْغ ً َ
ص ُرو َن * َو َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم اىم فَ ُهم ال ي ْب ِ
ش ْي نَ ُ ْ ْ ُ ني أَيْ ِدي ِه ْم َس ًّدا َوِم ْن َخل ِْف ِه ْم َس ًّدا فَأَ ْغ َ
ُم ْق َم ُحو َن * َو َج َعلْنَا ِم ْن بَ ْ ِ
ٍِ ب فَ بَ ِّ نذرُىم ال ي ْؤِمنُو َن * إَِّنَا تُ ِ
نذ ُر َم ِن ات بَ َع ال ِّذ ْك َر َو َخ ِشي الر ْْحَ َن ِابلْغَْي ِ أَأَن َذرتَهم أ َْم َمل تُ ِ
ش ْرهُ ِِبَغْف َرة َوأ ْ
َج ٍر َ ُ ْ ْ ْ ُْ ْ
َك ِر ٍمي}[يس.]ٔٔ-ٚ:آخره ،واحلمد هلل رب العادلني ،وصلى هللا على سيدان دمحم ،وعلى آلو وصحبو
وسلم تسليماً كثرياً إىل يوم الدين .
*************
رد الشبهة الِت وضعها الشيطان يف ترك القرآن والسنة واتباع اآلراء واألىواء ادلتفرقة قال رضبو هللا ّ (( :
ادلختلفة)) الشيطان وضع ألىل األىواء وأرابب الباطل شبهة ص ّدهتم عن كتاب هللا وعن سنة رسولو عليو
يروجوهنا بُت الناس ،وكانت النتيجة إعراض ىؤالء يف التلقي واألخذ عن الصبلة والسبلم ،وأصبح ىؤالء ِّ
أئمة ِ
يوجههم إليو ّ الكتاب والسنة معرضُت عن الكتاب والسنة ،وأصبحوا أيخذون عن دعاة الباطل وما ّ
الضبلل ،وضع ؽبم شبهة ،شبهة خبيثة قال(( :أوالً :مقدمة أوىل« :ال يقرأ القرآن وال يتدبّر القرآن إال ّ
ؾبتهد» .األمر الثاين« :ال يكون اإلنسان ؾبتهداً إال أبن يكون موصوفاً بكذا وكذا وكذا» صفات كثَتة قال
اؼبصنِّف(( :ال تكاد توجد اتمة يف أيب بكر وعمر)).
وأمر آخر يقولون« :ال يوجد يف زماننا ؾبتهدين» .ىذه اؼبقدمات زبلص منها بنتيجة ما ىي؟ قول هللا عز
وجل {أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن [النساء ]ٕٛ:أُلغي هبذه اؼبقدمات ،وأصبحوا ال يتدبّرون القرآن ،ويقرؤون
القرآن فقط للربكة بدون ؿباولة لفهمو ،بل بعضهم ينبّو يقول :انتبو وأنت تقرأ ال رباول أن تفهم ،اقرأ ىكذا
فقط وإايك أن تفهم شيئاً منو؛ ألنّك إن فهمت شيئاً من القرآن على دينك خطرُ ،خيشى على دينك أن
تتربك بقراءتو ،حاول أن تقرأ مثل قراءة األعجمي للقرآن ،أما أن تفهم ينحرف! لكن ىذا كتاب تقرأه للربكة ّ
صرح أبن القرآن فيو ظواىر كفرية ،أشياء تظهر منو كفرية شيئاً منو ىذا خيشى على دينك منو ،بل بعضهم ّ
ُخيشى على الناس منها ،لكن ال بد لنا من قراءتو للتربك ،ألنو كتاب مطالبون بقراءتو فنقرأه للتربك ،أما
التربك ،وإذا قيل لو :هللا عز وجل جملرد ّ للفهم وللتدبر إايك وىذا احذر ؛ فيصبح من يقرأ القرآن منهم يقرأه ّ
هنى عن الشرك ،والدليل قولو تعاىل كذا ،وهنى عن كذا والدليل قولو كذا .يقول :ال ،ال تتكلّم يف ىذا ،ىذا
للمجتهدين ،ىذا ألىل االجتهاد.
32
والعلماء رضبهم هللا يقولون :الذي جاء يف القرآن وىو أمور كثَتة واضحة لكل أحد ،ؼبا يقول هللا سبحانو
ضا َن [البقرة ]ٔٛ٘:ىذه الكلمة واضحة أو غَت واضحة؟ وإال ربتاج إىل اجتهاد ومعرفة {ش ْه ُر َرَم َ
وتعاىلَ :
ابؼبقدمات اليت ذكروىا؟ واضحة شهر رمضان معروف عند كل أحد { ،أُنْ ِزَل فِ ِيو الْ ُق ْرآ ُن [البقرة]ٔٛ٘:
نزول القرآن يف رمضان أيضاً واضح ،ىناك معاين ودقائق واستنباطات ألىل االجتهاد أما أمور واضحة ،
الزًَن [اإلسراء ]ٖٕ:أو ربتاج إىل ؾبتهد مطلق؟ من الذي ال {وَال تَ ْقربُوا ِّ
من الذي ال يفهم قول هللا تعاىل َ َ
ِ
ت َعلَى يموا الص َبل َة [األنعام ]ٕٚ:األمر إبقامة الصبلة{ ،إِن الص َبل َة َكانَ ْ يفهم قول هللا تعاىلَ { :وأَ ْن أَق ُ
ضوا ِمن أَب ِ ِ ِِ ُت كِتَ ًااب َم ْوقُ ً ِِ
صا ِرى ْم َوَْحي َفظُوا فُ ُر َ
وج ُه ْم ُت يَغُ ُّ ْ ْ َ وات [النساء{ ، ]ٖٔٓ:قُ ْل ل ْل ُم ْؤمن َ الْ ُم ْؤمن َ
صا ِرِىن ات ي ْغض ْ ِ
ض َن م ْن أَبْ َ
ِ ِ ِ
{وقُ ْل ل ْل ُم ْؤمنَ َ ُ غض البصر؟! َ [النور ، ]ٖٓ:ربتاج إىل ؾبتهد مطلق حىت يُفهم ما ّ
غض البصر؟! ىذه أمور واضحة، وج ُهن [النور ]ٖٔ:ربتاج إىل ؾبتهد مطلق حىت يفهم معٌت ّ َوَْحي َفظْ َن فُ ُر َ
وجل خاطب الناس بلسان عريب معلوم مفهوم يعلمون معناه ،ففي القرآن أمور كثَتة واضحة لكل وهللا عز ّ
ين يَ ْستَ ْنبِطُونَوُ ِمْن ُه ْم ِ ِ
من يقرأ القرآن فبن يفهم اللسان العريب ،وىناك أمور ربتاج إىل ماذا { لَ َعل َموُ الذ َ
[النساء ، ]ٖٛ:فيو دقائق ومسائل ربتاج إىل فقو واستنباط ىذه للمجتهدين نعم .أما أن يهجر القرآن
أردت بكثَت من الناس ،وأصبحوا معرضُت ويًتك تدبّر القرآن ،ويقال يقرأ القرآن دبجرد الربكة ىذه شبهة ْ
عن القرآن وعن دالالتو ،منشغلُت ابػبرافة وابألحاديث اؼبوضوعة ،وابلقصص الواىية ،وابغبكاايت
وابؼبنامات ،وبينهم كتاب هللا عز وجل وسنة نبيو صلى هللا عليو و سلم إال أهنم عنهما معرضون نسأل هللا
العافية .
فهذه شبهة وضعها الشيطان ؽبم وأثّرت يف كثَت منهم ،وضعها الشيطان ؽبم من أجل ترك القرآن والسنة
النيب صلى هللا عليو و واتباع اآلراء واألىواء اؼبتفرقة اؼبختلفة ،وإذا تُرك أخذ الدين والتدبّر للقرآن الكرمي وسنة ّ
سلم من أين أيخذ الناس دينهم ؟ إذا اقتنع الناس هبذه الشبهة من أين يُؤخذ الدين؟ من العقليات ،من
الضياع.التجارب ،من اػبرافات؛ وىذا عُت ّ
ماىي الشبهة؟ قال(( :ىي أن القرآن والسنة ال يعرفهما إال اجملتهد ادلطلق)) ،ىذه مقدمة أوىل.
اؼبقدمة الثانية(( :واجملتهد ىو ادلوصوف بكذا وكذا أوصافاً لعلّها ال توجد اتمة يف أيب بكر وعمر)).
النتيجة ماىي؟ قول هللا تعاىل{ :أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن يلغى سباماً ،بل إ ّن ىذه اآلية {أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن
داخلة ربت القاعدة ىذه{ .أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن يقول لك :القرآن ال يفهمو إال ؾبتهد ،وال يوجد يف
زماننا ؾبتهدين ،حىت ىذه اآلية ال تقرأىا علينا ،وال تطالبنا بفهمها ألن القرآن فهمو من خصائص
اس عن دين هللا. صد النّ ُ الشبهة ُ اجملتهدين! ربت ىذه ّ
ُوِل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم فَِإ ْن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِيف
ول َوأ ِ َطيعوا اّلل وأ ِ
َطيعُوا الر ُس َ ِ ِ
ين َآمنُوا أ ُ َ َ {اي أَيُّ َها الذ َ قول هللا سبحانو وتعاىلَ :
ِ ِ ِ ِ ٍ
َح َس ُن َأتْ ِو ًيبل [النساء]ٜ٘:؛ ك َخْي ٌر َوأ ْ َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل اّلل َوالر ُسوِل إِ ْن ُكْن تُ ْم تُ ْؤِمنُو َن ِابّلل َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر ذَل َ
33
ىل ىذا على اببو يُرد إىل هللا والرسول ربت ىذه الشبهة؟ قال العلماء :الرد إىل هللا :الرد إىل كتابو ،والرد إىل
الرد إليهما على ضوء ىذه الشبهة؟! اعبواب :ال، الرسول عليو الصبلة والسبلم :الرد إىل سنتو ،فهل أصبح ّ
ال يُرد إىل الكتاب وال يرد إىل السنة ألن ىذا ال يكون إال على يد ؾبتهد مطلق ،ويقولون :ال يوجد يف
زماننا اجملتهد اؼبطلق ،فإذاً الُ يرد إىل الكتاب والسنة.
قال(( :فإن مل يكن اإلنسان كذلك)) يعٍت بتلك األوصاف للمجتهد ((فليع ِرض عنهما فرضاً حتماً
يهز العوام وخيلخل ثوابتهم ؛ فرضاً الشك وال إشكال فيو)) ىكذا يقولون ،وبعضهم دبثل ىذه األلفاظ ّ
حتماً ال شك وال إشكال فيو أال تتدبر القرآن ،أنت ىل عندك صفات اجملتهدين ؟ ما جيوز لك أن تتدبّر
،فقط اقرأ القرآن للربكة ،يص ِّدق العامي ويصبح ال يقرأ القرآن إال جملرد التربك .واآلايت اليت فيها النهي
عن الشرك النهي عن الزًن كلّها ال أيخذ منها وال يفهم معناىا وال يتلقى عنها بناء على ىذه الشبهة.
قال(( :ومن طلب)) يعٍت ىذا كبلمهم(( ،ومن طلب اذلدى منهما)) أي من الكتاب والسنة ((فهو إما
زنديق )) ألنو خاطر بدينو ،ما ىي اؼبخاطرة ابلدين؟ أن يفهم الدين من ظواىر الكتاب والسنة ،ىذا إما
زنديق(( .وإما رلنون)) ؼباذا ؾبنون؟ ألجل صعوبة فهمهما ،فهذا ؾبنون ألنو حياول أن يفهم من القرآن ما
ال ديكن أنُ يفهم من القرآن ؛ فهذا فيو نوع من اعبنون أو أنو إنسان زنديق مارق من الدين ،فمثل ىذا
يروج على العوام كم يفعل هبم! وكم يبعدىم عن كتاب رهبم وسنة نبيّهم صلوات هللا وسبلمو الكبلم عندما ّ
عليو! .
والشيخ اإلمام الشنقيطي رضبو هللا يف كتابو «أضواء البيان» عند قول هللا تعاىل يف سورة دمحم {أَفَ َبل يَتَ َدب ُرو َن
مطولة عند ىذا اؼبوضوع ،وأورد ىذه الشبهة ٍ
الْ ُق ْرآ َن أ َْم َعلَى قُلُوب أَقْ َفا ُؽبَا(ٕٗ) عند ىذه اآلية وقف وقفة ّ
توسعاً طويبلً يف اإلجابة عنها ؛ حىت إهنا وتوسع ّ
موسعة ،وأشار إىل بعض من قاؽبا ّ ، وأجاب عليها إجابة ّ
يعٍت تصلح أن تكون رسالة مفردة من اؼبعاين العظيمة والتوسعات والتقريرات اؼبفيدة اليت ذكرىا عند قولو
تعاىل{أَفَ َبل ي تَ َدب رو َن الْ ُقرآ َن أ َْم َعلَى قُلُ ٍ
وب أَقْ َفا ُؽبَا(ٕٗ) من تفسَته أضواء البيان . ْ َ ُ
مث ختم بتسبيح هللا وضبده ؛ تسبيحو :تنزيهو تبارك وتعاىل عن مثل ىذه االفًتاءات ،وعن مثل ىذا القول
الباطل يف كبلمو وكبلم رسولو عليو الصبلة والسبلم .وضبداً :على نعمة التوفيق للخَت واؽبداية لو والسبلمة
من ىذه الشرور.
رد ىذه الشبهة ادللعونة من قال(( :فسبحان هللا وحبمده كم بُ ِّني هللا سبحانو شرعاً وقدراً خلقاً وأمراً يف ّ
وجوه شىت بلغت إىل ح ّد الضرورايت العامة ،ولكن أكثر الناس ال يعلمون)) ؛ يقول :ىذه الشبهة زي ُفها
مكشوف سباما واضح يف القرآن والسنة ،وكم بُ ُّت يف القرآن والسنة من ال ّدالئل على فساد ىذا الكبلم
ابلضرورة ،ولكن وبطبلن ىذا التقرير الفاسد ،بُُِّت بياًنً إىل أن أصبح يف ح ّد الضرورايت اؼبعلومة من ال ّدين ّ
34
يروجوهنا ويص ّدون هبا الناس عن كبلم هللا استطاع الشيطان دبكره ومصائده أن يقنع أًنساً هبا ،فأخذوا ِّ
وكبلم رسولو عليو الصبلة والسبلم.
ان فَ ُه ْم ُم ْق َم ُحو َن (َ )ٛو َج َع ْلنَا ِم ْن مث ختم هبذه اآلايت الكردية {إًِن جع ْلنَا ِيف أ َْعنَاقِ ِهم أَ ْغ َبلًال فَ ِهي إِ َىل ْاألَ ْذقَ ِ
َ ْ ََ
ص ُرو َن (َ )ٜو َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم أَأَنْ َذ ْرتَ ُه ْم أ َْم َملْ تُْن ِذ ْرُى ْم َال ُت أَي ِدي ِهم سدًّا وِمن خ ْل ِف ِهم سدًّا فَأَ ْغ َشي نَاىم فَهم َال ي ب ِ
ْ ُ ْ ُ ْ ُْ بَ ْ ِ ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ
ي ؤِمنو َن (ٓٔ) إِّنَا تُْن ِذر م ِن ات بع ال ِّذ ْكر وخ ِشي الر ْضبن ِابلْغَي ِ ِ ِ ِ
َج ٍر َك ِرٍمي [يس ]ٔٔ-ٛ:قال ب فَبَ ّش ْرهُ دبَ ْغفَرةٍ َوأ ْ ُ َ ََ َ َ َ َ ََ ْ ُْ ُ
((آخره)) أي آخر ىذا الكتاب أو ىذه الرسالة.
35