Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫‪1‬‬

‫عائشة ‪....‬المظلومة قبل أن تكون ظالمة)*(‬


‫‪Nizar Nayouf·Tuesday, February 7, 2017‬‬
‫‪1,427 Reads‬‬
‫نـزار نيوف ‪ :‬باريس ( أواخر العام ‪)0202‬‬

‫منذ بدأت اهتمامي بالتاريخ اإلسالمي القديم في بواكيره األولى قبل أكثر من ثالثين عاما‪ ،‬لفتت‬
‫انتباهي وأدهشتني شخصية ”عائشة بنت أبي بكر“‪ ،‬حتى أصبحت أطلق عليها لقب ”روزا‬
‫لوكسمبورغ اإلسالم“! وشيئا فشيئا‪ ،‬وكلما كانت قراءاتي تزداد عمقا واتساعا عن تلك المرحلة‪ ،‬من‬
‫مختلف وجهات النظر التي تناولتها‪ ،‬فضال عن كتب المررخين واإلخباريين المسلمين‪،‬كنت أجد‬
‫نفسي أزداد تعاطفا مع هذه الشخصية و ُحبا ً لها ‪،‬بالمعنى اإلنساني (و السياسي أحيانا‪ ،‬كما في موقفها‬
‫البطولي ـ الثوري من عثمان بن عفان وفساده الرهيب)‪ ،‬وأزداد إعجابا ً بها بوصفها ”امرأة“ ال‬
‫”حرمة“‪ ،‬واقتناعا ً بأنها من أكثر الشخصيات مظلوميةً في التاريخ العربي واإلسالمي‪ .‬وهي ـ في‬
‫ظلـِمت مرارا وتكرارا‪ ،‬على األقل بالمعنى اإلنساني‪ ،‬سواء من قبل ُمحابيها السنة و‬ ‫واقع الحال ـ ُ‬
‫خصومها الشيعة (بأطيافهم المختلفة‪ ،‬مع استثناءات نادرة في أوساط رجال الدين الشيعة‬
‫المعاصرين‪ ،‬مثل ”عبد الحسين شرف الدين العاملي“‪ ،‬ولدى ”الزيديين“ عموما)‪ ،‬فضال عن‬
‫الباحثين والمررخين أنفسهم(‪ .)0‬فحتى شخص مثل نبيل فياض‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬الذي كتب ـ من‬
‫وجهة نظري ـ أفضل كتاب توثيقي عن عائشة ودورها السياسي ( ”أم المرمنين تأكل أوالدها“)‪ ،‬لم‬
‫َينـْ ُج من السقوط في فخ الت حامل السافر والمسبق ضدها‪ ،‬إلى حد أني عجزت تقريبا عن أن أرى في‬
‫كتابه كله ولو محاولة جدية بسيطة لتف ُّهم (وال أقول التعاطف مع) مواقفها السياسية ومأساتها‬
‫”اإلنسانية ـ الوجودية“ كامرأة تزوجت بطريقة شبيهة باالغتصاب ‪ ،‬وكأخت قُتل أخواها (دمحم وعبد‬
‫الرحمن) وابن اختها (عبد هللا بن الزبير) من قبل النظام األموي على نحو بربري فريد في وحشيته!‬
‫الجدّي الرصين والحصيف ـ اإلشارة إلى حقيقة أنها هي نفسها قُتلت في‬ ‫بل إنه تجنب ـ وهو الباحث ِ‬
‫أواخر حياتها (كانت على أبواب السبعين) من قبل معاوية بن أبي سفيان شخصيا وزبانيته حين‬
‫سقطت ‪ ،‬أو باألحرى أ ُ ْس ِقطت‪ ،‬في بئر أو حفرة عميقة كان أعدها لها معاوية على شكل فخ مسقوف‬
‫بالعيدان واألعشاب الخفيفة من النوع الذي يعدّه الصيادون لصيد الثعالب والحيوانات البرية! وهو‬
‫أمر يجمع عليه عدد من المررخين واإلخباريين المسلمين السنة‪ ،‬وإن اختلفت رواياتهم في بعض‬
‫التفاصيل الجزئية‪.‬‬

‫أول ما لفتني في شخصيتها هو أنها قررت ‪،‬منذ بداية صباها وتفتح وعيها‪ ،‬وهذا ما شدني إليها‬
‫بقوة‪،‬أن تكون ”امرأة“ فاعلة وباسلة إلى حد الشراسة دفاعا عما اعتبرتْه حقـَّها‪ ،‬ورفضت دوما ً أن‬
‫كمجرد رقـَم إلى جملة ”حريم النبي“‪ ،‬إذا ما استعملنا تعبير الراحلة الكبيرة ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تكون ”حرمة“ تُضاف‬
‫عالمة االجتماع المغربية فاطمة المرنيسي‪ ،‬التي وضعتـْها ـ دون وجه حق ـ في جملة مصفوفة‬
‫”الحريم النبوي“ وعلى قدم المساواة بينهن‪ .‬لكن األخطر واألهم من هذا كله هو أنها كانت في طليعة‬
‫المشككين في ”نبوة“ زوجها ومزاعمه عن تلقي ”الوحي“ من السماء السابعة‪ .‬ولم يكن هذا مجرد‬
‫عرضي على سبيل المناكفة‪ ،‬بل منهج درجت عليه في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف‪،‬‬ ‫موقف َ‬
‫‪2‬‬

‫األمر الذي ال يمكن أن تقف وراءه سوى شخصية فذة صاحبة ذهن وقاد يعمل بال توقف‪ ،‬رغم صغر‬
‫سنها وتواضع تجربتها الحياتية والسياسية آنذاك‪ ،‬إذ لم يكن عمرها تجاوز الثامنة عشرة أو الثالثة‬
‫والعشرين‪ .‬وال يغير من هذه الحقيقة أن تشكيكها في ”النبوة“ و ”مصدر الوحي“ و ”عدالة“ النبي‬
‫كان دوما على خلفية ما اعتبرتْه معاملة تمييزية سلبية ضدها من قبل زوجها ”بدعم ومرازرة‬
‫مباشرة من هللا“ لصالح بعض ضرائرها‪ ،‬رغم أنها كانت صاحبة الحظوة األولى لديه بعد‬
‫سه في حضنها؛ بل وكان دوما‬ ‫”خديجة“‪ ،‬والتي كان ”الوحي“ يفضل أن يأتي النبي حين يكون رأ ُ‬
‫”ينقل لها تحيات جبريل“‪ ،‬كما يخبرنا ”ابن كثير“ في ”البداية والنهاية‪“!140/ 00:‬‬

‫غير أن هذا كله‪ ،‬منظورا إليه في سياق المسار الدرامي و التراجيدي لحياتها‪ ،‬ال يخفي حقيقة أنها‬
‫تعرضت ـ كامرأة تحب الحياة وتقبل عليها بكل جوارحها ـ لمظالم كبيرة شارك فيها الموالون لها‬
‫والمعارضون على حد سواء‪ .‬بل لعل المسار الدرامي والتراجيدي لحياتها‪ ،‬والذي يستحق أن يكون‬
‫موضوع فيلم سينمائي وأعمال فنية من المستوى الراقي والرفيع‪ ،‬هو نتاج تلك المظالم بالذات ‪.‬‬

‫أولى تلك المظالم التي تعرضت لها عائشة‪ ،‬كأنثى‪ ،‬وقعت حين كان زواجها حصيلة ”صفقة‬
‫سياسية“ بين أبيها الذي مثـّل قطبا من أقطاب الطبقة التجارية ورأس المال التجاري‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫والنبي الذي كان يمثل مشروع السلطة السياسية القادمة والواعدة‪ ،‬من جهة أخرى ‪ .‬وبغض النظر‬
‫عن الخالف بين المررخين واإلخباريين عن سن زواجها‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار طريقة احتساب‬
‫صاب األكبر في اإلسالم‪ ،‬فإن‬ ‫عمرها عند ”دخول النبي بها“‪ ،‬وكذلك رواية ”البخاري“‪ ،‬الدجال والن ّ‬
‫فارق السن بينها وبين النبي لم يكن أق ّل من ‪ 02‬عاما‪ ،‬إذا كان زواجها في سن الثامنة عشرة‪ ،‬و ‪13‬‬
‫عاما إذا كان في سن التاسعة‪ .‬وفي الحالتين كلتيهما يعتبرهذا الفارق كبيرا جدا وعامال أساسيا من‬
‫العوامل المولدة للتنافر والشقاق النفسي والجسدي بين األزواج‪ ،‬خصوصا وأن النبي كان ”يمتلك“‬
‫في اآلن نفسه بضع زوجات أخريات عليه أن يقوم بواجباته الزوجية نحوهن جميعا‪ .‬هذا طبعا إال إذا‬
‫أخذنا بروايات ”البخاري“ التي تقول‪ ،‬نقال عن المعتوه ”أنس بن مالك“‪ ،‬إن قوة النكاح عند النبي‬
‫كانت تعادل قوة ‪ 12‬رجال‪ ،‬أو ‪ 42‬رجال في رواية أخرى ينقلها البخاري النصاب عن ”أبو بكر‬
‫أحمد اإلسماعيلي الجرجاني“‪ ،‬وأنه كان يطوف على نسائه اإلحدى عشرة في ليلة واحدة! يا للهول!‬

‫وغني عن البيان أن زواج أية طفلة ‪ /‬صبية في هذا العمر سيحرمها من ممارسة طفولتها‬
‫ومراهقتها وينقلها على نحو مفاجئ إلى طور امرأة ناضجة تترتب عليها مسروليات زوجية وأخرى‬
‫"سياسية ـ اجتماعية" في منزل كان صاحبه أحدَ األقطاب الرئيسة للصراع في الجزيرة العربية ‪،‬‬
‫ع زعيم دولة قيد التكون‪ .‬وهذا من شأنه أن يولّد لديها صراعا نفسيا بين بُ ْعد الطفولة‬‫ومشرو َ‬
‫والمراهقة في شخصيتها‪ ،‬الذي يتطلب إشباعا باللعب وتفريغا للطاقة من خالله‪ ،‬كما يفيدنا الطب‬
‫السلوكي عموما وطب األطفال خصوصا‪ ،‬وبين بُعـْد ”الرشاد“ أو ”النضوج “‬
‫‪Maturity/Adulthood‬الذي جرى إقحامه على حياتها قبل أوانه‪ .‬هذا فضال عن التوتر العُصابي‬
‫الذي ستولده حياتها الجنسية غير السوية الحقا نتيجة فارق السن الكبير بينها وبين زوجها‪ ،‬بخالف‬
‫الرواية المجنونة التي تتحدث عن قوته الجنسية الهائلة! ولعل هذا ما تكشفه قصتها مع "صفوان بن‬
‫‪3‬‬

‫المعطل" الذي اختلت به بعد أن تخلّفت عن الجيش يوم العودة من ”غزوة بني المصطلق“‪ ،‬فقضى‬
‫منها وقضت منه وطرا إشباعا لحاجتها التي لم يكن النبي قادرا على إشباعها (‪ .)0‬وكان هذا أمرا‬
‫طبيعيا‪ ،‬حتى ولو أسموه ”خيانة“ أو ”زنا“ في شريعتهم وتقاليدهم‪ .‬فالمرأة التي ال تحصل على حقها‬
‫في إشباع حاجتها من زوجها ‪ /‬شريكها‪ ،‬من حقها المقدس أن تلتمس ذلك من مصدر آخر‪ .‬وإذا لم‬
‫تفعل ذلك‪ ،‬سيكون كرم أخالق وتضحية من قبلها ‪.‬‬

‫المظلمة الثانية التي تعرضت لها عائشة‪ ،‬وتشاركها فيها بقية زوجاته‪ ،‬تمثلت بالقرار الذي اتخذه‬
‫نص عليه في ”اآلية ‪ “31‬من ”سورة‬ ‫ّ‬ ‫حرم على أزواجه الزواج من بعده‪ ،‬والذي‬ ‫دمحم حين ّ‬
‫َّللاِ َوال أ َ ْن ت َ ْن ِك ُحوا أ َ ْز َوا َجهُ ِم ْن بَ ْع ِد ِه أَبَدا ً ِإ َّن ذَ ِل ُك ْم َكانَ ِع ْندَ‬
‫سو َل َّ‬‫األحزاب“ ( َو َما َكانَ لَ ُك ْم أ َ ْن تُرْ ذُوا َر ُ‬
‫َّللاِ َع ِظيما ً)‪ .‬وتعبّر هذه اآلية عن األنانية المفرطة التي طبعت تكوينه النفسي وسلوكه‪ .‬فهو ‪ ،‬وبقرار‬ ‫َّ‬
‫حرم على زوجاته العشر (‪) 1‬اللواتي بقين من بعده أن يعِشنَ بقية حيواتهن على نحو‬ ‫تعسفي مسبق‪ّ ،‬‬
‫طبيعي‪ ،‬فجردهن بذلك من أبسط حقوقهن‪ ،‬وهو حقهن في العيش مع رجل من بعده‪ .‬وتبدو جريمته‬
‫كن في ذروة‬ ‫هذه على نحو أوضح إذا علمنا أن تسعا ً من الزوجات العشر‪ ،‬اللواتي بقين من بعده‪ّ ،‬‬
‫نضوجهن ونشاطهن الجنسي‪ ،‬ولم يتجاوز عمر أكبرهن ( رملة بنت أبي سفيان) الـ‪ 41‬عاما حين‬
‫وفاة النبي‪ .‬وحتى الزوجة العاشرة‪ ،‬هند بنت أبي أمية‪ ،‬فلم يكن عمرها يتجاوز الثانية والخمسين‪،‬‬
‫وهو أيضا سن تبقى فيها المرأة في مستوى نشاط جنسي فعّال‪ ،‬رغم ما يطرأ من تغيرات هرمونية‬
‫لديها في مثل هذه الفترة من عمرها(‪. )1‬‬

‫المظلمة الثالثة التي تعرضت لها‪ ،‬والتي أخذت بعدا تراجيديا دمويا‪ ،‬فهي قتل أخيها ”عبد الرحمن‬
‫بن أبي بكر“ بالسم‪ ،‬و إعدام وحرق شقيقها ”دمحم بن أبي بكر“ على يدي معاوية بن أبي سفيان و‬
‫عمرو بن العاص ‪ ،‬رغم أنه كان أسيرا بين أيديهما‪ .‬فبعد قتله على أثر هزيمته في مواجهة جيشهما‬
‫في مصر‪ ،‬أمر معاوية بوضع جثمانه داخل جوف حمار ميت وإضرام النار به‪ ،‬كما يخبرنا ”ابن‬
‫األثير“ (في "أسد الغابة"‪ )104 / 4 :‬و ”ابن أبي شيبة“( في ”كتاب األمراء“‪ :‬الرواية رقم‬
‫‪ )12003‬و ”ابن سعد“( في ”الطبقات الكبرى“‪ :‬طبقات البدريين من المهاجرين‪ ،‬الرواية رقم‬
‫‪ ) 0273‬واإلمام ”النووي“ ( في ”شرح مسلم“‪ ) 000 / 00 :‬و“الطبري“ في تاريخه(‪ )27 / 4‬و‬
‫”ابن خلدون“ في تاريخه (‪ .)070 / 0‬وكان لتصفيته بهذه الطريقة الوحشية أثر كبير على عائشة‬
‫لجهة موقفها من المجر َميـْن معاوية و عمرو‪ ،‬إذ ظلت حتى آخر يوم من حياتها تدعو عليهما في‬
‫نهاية صلواتها‪ ،‬كما يخبرنا المررخون المذكورون‪.‬‬

‫وأما المظلمة الرابعة فهي الطريقة التي دبرها معاوية للتخلص منها‪ ،‬رغم أنها كانت بلغت قرابة‬
‫السبعين من عمرها‪ .‬فطبقا لعدد من المرويات التاريخية‪ ،‬المنقولة أساسا عن ”سليمان بن مهران‬
‫األعمش“ ‪ ،‬فإن معاوية دبرعملية قتلها حين حفر لها ‪،‬في الطريق الذي تسلكه في العادة على‬
‫حمارها‪ ،‬حفرة عميقة وغطاها بالقش والعيدان واألعشاب‪ ،‬بحيث ال تستطيع حمل حمارها‪ ،‬فيسقطان‬
‫معا فيها! وهذا ما حصل‪ ،‬حسب الرواية‪ .‬ويُنسب إلى معاوية قوله آنذاك ( أو ترديده قو َل أحد‬
‫الشعراء)‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫الحمار!‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫رجعت وال رجع‬ ‫الحمار بأم عمر ٍو ‪ ...‬فال‬
‫ُ‬ ‫ذهب‬
‫َ‬ ‫لقد‬

‫في تدقيق الرواية‪ ،‬وجدت أن جميع سردياتها تُنسب إلى ”األعمش“ الذي يعتبر من أشهر وأغزر‬
‫رواة الحديث‪ ،‬رغم أنه لم يترك لنا أي كتاب‪ .‬فالرجل‪ ،‬الذي يعتبر من ”التابعين“‪ ،‬والذي عاش في‬
‫القرنين األول والثاني الهجريين(السابع والثامن الميالديين)‪ ،‬أدرك عددا من ”الصحابة“ مثل أنس‬
‫بن مالك‪ .‬ويصفه ”علماء الحديث“ والمتخصصون منهم بـ ”علم التجريح والتعديل“‪ ،‬بأنه ”موضع‬
‫ثقة‪ ،‬وعارف بالقراءات“‪ ،‬بحسب تعبير شمس الدين الذهبي الحافظ‪ .‬وعنه يقول ”ابن كثير“ إنه كان‬
‫”ثقة وثبتا ً في الحديث“‪ .‬وكان مصدرا أساسيا لرواة الحديث من ”أهل السنة والجماعة“ الكبار‪ ،‬مثل‬
‫البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة‪ .‬بتعبير آخر‪ :‬إن الرواية المنسوبة له عن‬
‫اغتيال عائشة من قبل معاوية‪ ،‬فضال عن اغتيا ِله أخاها ”عبد الرحمن“ بالسم‪ ،‬تستحق التأمل‬
‫والوقوف عندها(‪ ...‬النص غير كامل)‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)*( ـ وجدت هذا النص‪ ،‬الذي لم أنشره من قبل‪ ،‬بمحض المصادفة وأنا أبحث في إرشيفي القديم عن مواد‬
‫تاريخية قديمة‪ .‬ال أعرف متى كتبته بالضبط‪ ،‬ولكن أظن أني كتبته أواخر العام ‪ ،0202‬بالنظر ألني أشرت فيه إلى‬
‫”فتوى الخامنائي“ عن عائشة‪ ،‬التي كانت صدرت للتو‪ .‬ومن المعلوم أن هذه الفتوى صدرت أواخر أيلول ‪.0202‬‬
‫وهو‪ ،‬في أي حال‪ ،‬نص غير مكتمل‪.‬‬

‫(‪ )0‬ـ من المحال أن يسمي الشيعة‪ ،‬ومنهم العلويون بالطبع‪ ،‬بناتهم باسم”عائشة“‪ .‬فاسمها يعتبر بحد ذاته‬
‫”شتيمة“‪ .‬ففي هذه البيئات‪ ،‬وإذا ما أراد أحد ما شتم امرأة‪ ،‬وصفها بـ ”عيشة الحمرا“(= عائشة‬
‫الحميراء)‪ ،‬وهو ما يعني ـ ضمنا ـ ”الفاجرة“! وأذكر أن أستاذا لألدب العربي وشاعرا معروفا في‬
‫منطقتنا (جبلة)‪ ،‬يدعى حافظ أحمد شنبرتي‪ ،‬سمى ابنته ”عائشة“‪ ،‬فقامت الدنيا بوجهه ولم تقعد منذ‬
‫الثمانينيات حتى اآلن‪ ،‬رغم أن الرجل غادر دنيانا! وأظن أنها المرأة الوحيدة التي تحمل هذا االسم في‬
‫طوائف الشيعة كلها‪ ،‬وليس عند العلويين فقط! ( بالمناسبة‪ ،‬هي محامية اآلن وصديقة على هذه‬
‫الصفحة)‪ .‬وحسنا فعل ”المرشد األعلى للثورة اإليرانية“ علي خامنائي‪ ،‬متبعا في ذلك فتوى آية هللا دمحم‬
‫حسين فضل هللا ‪،‬حين أصدر قبل أيام فتوى تحرم اإلساءة لعائشة بأي شكل من األشكال‪ .‬أما بالنسبة‬
‫لي‪ ،‬وللمناسبة‪ ،‬يُعتبر اسم ”عائشة“ من أحب وأجمل األسماء العربية عندي‪ ،‬فهو يعني في اللهجات‬
‫العربية القديمة‪ ،‬مثل العبرية( الكنعانية)‪” ،‬حواء“ أو ”الحياة“ أو ”مصدر الحياة“‪.‬وقد ورد في التوراة‬
‫باللفظة العبرية الكتابية الماسوراتية( الطبرانية) ”آيشا ִאשָׁ ה“ ( = حواء‪ ،‬امرأة‪ ،‬زوجة‪ ،‬أنثى)‪.‬‬

‫(‪ )0‬ـ ال يوجد مصدر آخر للقصة سوى عائشة‪ .‬وكان أمرا طبيعيا أن تنفي ما قيل عنها من اتهام بـ ”الزنا“‪.‬‬
‫لكن الحادثة ‪ ،‬المعروفة باسم ”حادثة اإلفك“‪ ،‬وقعت بالفعل‪ .‬وهو ما يستدل عليه ليس من طريقة‬
‫دفاعها غير الم نطقية عن نفسها في مواجهة تهمة من هذا العيار‪ ،‬بل من جميع النقاشات التي دارت بين‬
‫النبي وأصحابه حول القضية التي أدت إلى حصول هزة سياسية ـ اجتماعية في ”يثرب“ بين األوس‬
‫والخزرج وداخل كل قبيلة منهما‪ ،‬على خلفية شهادة ”عبد هللا بن أبي سلول“ ضد عائشة‪ ،‬ما اضطر‬
‫النبي يومها( بعد ‪ 32‬يوما من األزمة وحالة القلق واإلكتئاب التي عاشها) إلى اقتباس الجملة التي‬
‫استخدمها عمر بن الخطاب للدفاع عن عائشة‪ ،‬واالدعاء بأنها ”نص قرآني“ جاء به جبريل‪ .‬فبالعودة‬
‫إلى ”اآلية ‪ “03‬من ”سورة النور“ ‪ ،‬نجد أنها هي العبارة ذاتها التي استخدمها عمر حين استشاره النبي‬
‫‪5‬‬

‫في أمر ”حادثة اإلفك“‪ .‬ومن المعلوم أن عمر كان يشارك كثيرا بإيحاءاته في تأليف القرآن‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعرف في التاريخ اإلسالمي بـ ”موافقات عمر“‪ ،‬أي تلك اآليات التي تأتي على لسان دمحم‬
‫”موافقة‪ ،‬أو مطابقة بشكل حرفي أحيانا‪ ،‬لعبارات أدبية وبالغية كان نطق بها وأبدعها عمر بن‬
‫الخطاب سابقا !“‬
‫(‪ )1‬ـ كان لدى النبي عشر زوجات عند وفاته‪ ،‬هن‪ :‬سودة بنت زمعة (ليس معروفا تاريخ ميالدها‪ ،‬ولكن‬
‫كان عمرها عند وفاة النبي مابين ‪ 13‬ـ ‪ ،)41‬عائشة بنت أبي بكر الصديق (كان عمرها عند وفاة النبي‬
‫‪ 07‬عاما أو ‪ 02‬عاما‪ ،‬حسب طريقة الحساب)‪،‬وحفصة بنت عمر بن الخطاب(كان عمرها ‪ 07‬عاما)‪،‬‬
‫هند بنت أبي أمية (كان عمرها عند وفاته ‪ 30‬عاما)‪ ،‬وزينب بنت جحش(كان عمرها ‪ 40‬عاما)‪ ،‬وأم‬
‫حبيبة رملة بنت أبي سفيان(كان عمرها ‪ 41‬عاما)‪ ،‬وجويرية بنت الحارث (كان عمرها ‪ 04‬عاما)‪،‬‬
‫وصفية بنت حيي(غير معروف‪ ،‬ولكن حوالي ‪ 12‬ـ ‪ 13‬عاما)‪ ،‬وميمونة بنت الحارث(كان عمرها ‪17‬‬
‫عاما)‪ ،‬و مارية القبطية(غير معروف بدقة ولكن حوالي ‪ 12‬عاما) ‪ .‬واستنادا إلى أعمارهن‪ ،‬اقترحتُ‬
‫منذ العام ‪ 0377‬نظرية تتعلق بإصرار النبي على إكثاره من الزواج من فتيات ونساء صغيرات في‬
‫سن اإلنجاب‪ ،‬ال عالقة لها باألطروحة السوقية المبتذلة المتداولة عن نوازعه الجنسية‪ ،‬وهي توقه أن‬
‫يكون له ابن ذكر بعد وفاة أبنائه الذكور واإلناث جميعا خالل حياته باستثناء فاطمة‪ ،‬من أجل أن‬
‫”يورثه النبوة“‪ .‬وهذا على األرجح ما كان يفكر به‪ ،‬اقتدا ًء بأنبياء بني إسرائيل الذين أخذ معظم دينه‬
‫عنهم‪ ،‬فأصبح اإلسالم بذلك ”مذهبا يهوديا“ كما ”المسيحية الرسولية“(نسبة إلى بولس الرسول)‪،‬‬
‫وليس دينا قائما بذاته‪ .‬وألنه لم يُوفق في ذلك‪ ،‬صبّ حنانه كله‪ ،‬وإيثاره كله‪ ،‬على حفيديه ”الحسن“‬
‫و”الحسين“‪ ،‬فكادا أن يكونا بمنزلة األنبياء‪ ،‬لكنه لم يكن بإمكانه توريثهما النبوة‪ ،‬ألنهما ليسا من صلبه‬
‫مباشرة‪ ،‬ولكونهما حفيدين من ”أنثى“ (فاطمة) وليسا حفيدين من ”ذكر!“‬

You might also like