Professional Documents
Culture Documents
طبقات الشعراء - ابن المعتز
طبقات الشعراء - ابن المعتز
عبدالله بن المعتز
من نوادر التراث العر بي ،كان في ح كم الك تب المفقودة في القرون الخيرة ،ح تى ع ثر عل يه ال ستاذ عباس
إقبال ،فقام بنشره مصيورا ميع دراسية عنيه بالفرنسيية فيي بارييس 1938م ،قبيل أن تتيبرع لنشره لجنية جيب
التذكارية سنة 1942م .والمخطوطة الفريدة التي عثر عليها الستاذ عباس كتبت حديثا في شوال سنة 1285ه
فيحتميل أن الصيل الذي نقلت منيه ميا يزال موجودا ،وهيي نسيخة خاليية مين الضبيط ،مملوءة بالخطاء ،قيد
زورت لها مقد مة ظاهرة الوضع ،و سقطت منها خ مس تراجم .بالمقارنة مع (مختصر الطبقات) الموجود في
السكور ،وهو الثر الوحيد للطبقات ،ويقع في ( )49ورقة ،شرع أبو البركات الربلي في اختصاره حوالي
سنة 590ه وكمله سنة 630ه .أ ما المقد مة الموجودة في المخطوط ،ف هي مقد مة منحولة ل ت صمد أمام ب ضع
خطوات مين البحيث العلميي ،وربميا رقيى الشيك إلى عنوان الكتاب ،حييث أن الكتاب فيي حقيقتيه لييس كتاب
طبقات ،وهو في موضوعه أقرب إلى التسمية التي سماه بها حمزة الصفهاني( :الختيار من شعر المحدثين)
إل أن معظم من نقلوا عن ابن المعتز سموا كتابه (طبقات الشعراء) .وقد كتبه ابن المعتز في أيام قصار من
أخريات حيا ته ب عد عام 293ه ،وع ني ف يه بج مع المفاكهات والنوادر والمحا سن ال تي أثرت عن شعراء عاشوا
في بلط بني العباس وقصور وزرائهم ورجالتهم .وأفاد الربلي أن الكتاب يشتمل على ( )131ترجمة ،بينما
ت ضم الن سخة ال تي ب ين يدي نا ( )127ترج مة ،و قد ع ثر ال ستاذ عباس في المخت صر على الترا جم الخ مس
الساقطة ،ومنها ترجمة (ابن هرمة) التي افتتح بها ابن المعتز كتابه .أما من حيث التاريخ فأقدم من ترجم لهم
فيه (بشار بن برد) المتوفى سنة 167ه وآخرهم (الناشئ) المتوفى سنة 292ه ومح مد الشيرازي الذي قال في
ترجمته( :وهو اليوم شاعر زماننا) .ويؤخذ على ابن المعتز إهماله لذكر ابن الرومي الذي توفي قبله ب()13
سنة ،وهو صاحب أكبر ديوان في الشعر.
الح مد ل الذي أق حم م صاقع الف صحاء بمع جز كل مه ،وأخرس شقا شق البلغاء بترتي به ونظا مه ،وب هر العرب
العرباء باختراع مفت حه وختا مه ،الذي ل يرت قي نز الوهام إلى زلزل ك نه جبروته ،ول ي ستحوذ لهام الفهام
على سبر نقطة من مساحة بيداء ملكوته ،ول تؤمل أفكار الحكماء الراسخين ،إدراك لمعة من أثيريات لهوته.
ميز نوع النسان عن جنسه بفصل الكلم ،وفضلّ منه صنف الملوك فعظمت فضائلهم المشتركة بين الخاص
والعام .واختص من خلقه نبينا محمدا عليه أفضل الصلة والسلم.
أحمده حمد معترف بالق صور عن أداء ما يجب منه عليه ،وأشكره شكر مغترف من بحور فضله منيبا بكلي ته
إل يه .وال صلة وال سلم على من اهتزت بأرواح ن صرة أعطاف دولة العرب ،فماج ب ها خ ضم دول الكا سرة
والقياصرة فاضطرب ،وخضع من إعمال حسامه ر بّ التاج والسرير لصاحب الشاة والبعير ،فعطست العرب
فرحا بأ نف ال عز الشا مخ ،وجرت مرحا ذ يل الشرف الباذخ الذي أب كى بمولده عيون الكفرة فخمدت نار فارس،
وضعضيع دعائم الفجرة فأصيبح إيوان كسيرى وهيو طلل دارس ،محميد المبعوث لمتطاء العباد جادة الرشاد،
المبلغ عن الخالق إلى الخلئق قوانين الصواب والقواعد السداد ،وعلى آله الذين شيدوا من بيوت الدين قواعد،
وشرفوا بأقدامهيم أعواد المنابر وسياحات المسياجد ،وأصيحابه أئمية الديين ورؤسياء أهيل اليقيين بدور التمام
وم صابيح الظلم ،ما ل مع البرق وغنّى الحمام ،وأض حك الروض بكاء الغمام وب عد :فيقول أف قر العباد إلى ال
()1
عبد ال بن المعتز بال بن المتوكل على ال بن محمد المعتصم بال بن الرشيد بن هارون بن المهدي محمد بن
أبي جعفر المنصور عبد ال بن محمد بن علي بن عبد ال بن العباس رضي ال عنه :عقد الفكر طرفي ليلة
بالنجوم ،لوارد ورد عل يّ من الهموم ،نفض عن عيني كحل الرقاد ،وألبس مقلتي حلل السهاد ،فتأملت فخطر
على الخاطر في بعض الفكار ،أن أذكر في نسخة ما وضعته الشعراء من الشعار ،في مدح الخلفاء والوزراء
والمراء مين بنيي العباس ،ليكون مذكورا عنيد الناس ،متابعا لميا ألفيه ابين نجييم قبلي بكتابيه المسيمى طبقات
الشعراء الثقات ،مستعينا بال المسهل الحاجات ،وسميته طبقات الشعراء المتكلمين ،من الدباء المتقدمين.
فكان أول ترجمية ابين نجييم بشار بين برد وميا له مين الشعار والثار فنظرت فيي ذلك أن أجمعهيم فيي هذا
الكتاب ،فرأ يت الخت صار لشعار هم ع ين ال صواب ،ولو اقت صيت جم يع ما ل هم من الشعار لطال الكتاب،
وخرج عين حيد القصيد ،فاختصيرت ذلك وذكرت ميا كان شاذا مين دواوينهيم ،وميا لم يذكير فيي الكتيب مين
أشعارهم ،واقتصرت على ما كان من مطولت قصائدهم ،وبال الستعانة والتوفيق ،وإليه المرجع والمآب ،وما
توفيقي إل بال ،وعل يه فليتوكل المتوكلون ،ومنه يطلب الطالبون ،و هو حسبي ونعم الوكيل ،نعم المولى ونعم
النصير.
الصفحة 2 :
بشار بن برد
كان شاعرا مجيدا مفلقا ظريفا محسنا ،خدم الملوك وحضر مجالس الخلفاء ،وأخذ فوائدهم ،وكان يمدح المهدي
ويخضر مجلسه ،وكان يأنس به ويدنيه ويجزل في العطايا ،وكان صاحب صوت حسن ومنادمة ،وكان حضر
المهدي في مجلس مع جواريه بعث إليه لجل المسامرة والمحادثة وكان بشار يعد من الخطباء البلغاء الفصحاء
()2
وله قصيائد وأشعار كثيرة ،فوشيى به ب عض مين يبغضيه إلى المهدي بأ نه يديين بديين الخوارج فقتله المهدي.
وقيل :بل قيل للمهدي :إنه يهجوك ،فقتله والذي صح من الخبار في قتل بشار أنه كان يمدح المهدي ،والمهدي
ينعم عليه ،فرمي بالزندقة فقتله .وقيل :ضربه سبعين سوطا فمات؛ وقيل ضرب عنقه .وكانت وفاته سنة سبع،
وقيل :ثمان وستين ومائة في أيام المهدي.
ولما توفي تذكره المهدي وحسن معاشرته له .كان أنيس مجلسه وقد كان معجبا به وبشعره ،وكان يدنيه ،وكان
بشار كفيفا قبيل موتيه بأربعيين سينة ،ولهذا كان يحضير المجلس والجواري عنيد المهدي لكونيه ل يبصيرهن.
ب أن يجد شيئا يتعلق به ،فبعث إلى كتبه ،فأحضرها وأمروحكى أن المهدي لما قتل بشارا ندم على قتله وأح ّ
بتفتيشها طمعا في أن يجد فيها شيئا مما حزبه عليه ،فلم يجد من ذلك شيئا ،ومرّ بطومار مختوم ،فظن أن فيه
شيئا ،فأمر بنشره ،فإذا فيه :بسم ال الرحمن الرحيم ،إني أردت أن أهجو آل سليمان بن علي بن عبد ال بن
العباس ،فذكرت قرابتهم من رسول ال صلى ال عليه وسلم وآله ،فمنعني ذلك من هجوهم ،ووهبت جرمهم ل
عز وجل ،وقد قلت بيتين لم أذكر فيهما عرضا ولم أقدح في دين ،وهما :دينار آل سليمان ودرهمهم كالبابليين
شدّا بالعفاريت
ل يوجدان ول يرجى لقاؤهما كما سمعت بهاروت وماروت
فقال :الن وال صح الندم.
وحدثني أبو جعفر قال :قال ابن أبي أفلح :قال رجل لبشار :إن ال عز وجل ما سلب أحدا كريمتيه إل عوضه
عنهما حسن صوت أو ذكاء ،فأنت فماذا عوضك من بصرك? فقال :عوضني فقدان النظر إلى ابن زانية مثلك
منذ أربعين سنة.
قال السدري :كان عمي بشار من أفقه الناس وأعلمهم بكتاب ال ،فعاشر قوما من الحرانيين فخبث دينه .وكان
مفتنا بارعا ،وكان من الشعر بمكان لم يكن به أحد غيره ،وكان يقول :ما أعلم شيئا مما عندي أقل من الشعر.
حدّثني ابن أبي أفلح قال :أخبرني أبو حاتم السجستاني قال :سئل أبو عبيدة -وأنا حاضر -عن شعر بشار فقال
شذرة ونقرة.
قال :ود خل المهدي أيام خلف ته على جما عة من جوار يه ،و هن مجتمعات في حجرة بعض هن ،فجلس عند هن
يشرب ،فقلن له :لو أذ نت لبشار في الدخول علي نا لن سامره ونحاد ثه -وكان من أح سن الناس حديثا وأظرف هم
مجل سا ،وأكثر هم مل حا -فأ مر به فأح ضر .واجتم عن عل يه فحدث هن ،وج عل ي سرد علي هن من نوادره ومل حه
وينشد هن عيون شعره ،ف سررن بذلك سرورا شديدا ،وقلن له :يا بشار ،لي تك أبو نا فل نفار قك أبدا .قال :ن عم،
وأنا على دين كسرى .فضحك منه المهدي ،وأمر له بجائزة.
واطلع المهدي يوما على ب عض جوار يه ،و هي عريا نة تغت سل ،فأح ست به ،فض مت فخذي ها ،و سترت متاع ها
بكفي ها ،فلم يشمله ،ح تى انث نت ف سترته بع كن بطن ها ،فخرج المهدي ضاحكا ،وبشار في الدار ،فقال :أ جز هذا
البيت" .أبصرت عيني لحيني" فقال بشار على البديهة:
.................منظرا وافق شيني
سترته إذ رأتني تحت بطن الراحتين
فبدت منهُ فضول لم توار باليدين
فانثنت حتى توارت بين طيّ العكنتين
ل ساحر ،ولو ل أ نك أع مى لضر بت عن قك ،ول قد حك يت ال مر على وج هه ح تى
فقال المهدي :وال ما أ نت إ ّ
كأنك رأيته ،ولكني أعلم أن ذلك من فرط ذكائك ،وجودة فطنتك.
وكان بشار مولى لبنى عقيل .وقال بعضهم :لبنى سدوس ،وكان يلقب المرعث .والمرعث :المقرط ،والرعاث:
القرط .وكان يرمي بالزندقة ،وهو القائل:
كيف يبكي لمحبس في طلول من سيبكي لحبس يوم طويل
()3
إنّ في البعث والحساب لشغل عن وقوف برسم دارٍ محيل
الصفحة 3 :
وهذان البيتان يدلن على صحة إيما نه بالبعيث .وكان مطبوعا جدّا ل يتكلف ،و هو أ ستاذ المحدثيين وسييدهم،
و من ل يقدم عل يه ،ول يجارى في ميدا نه .وال صحيح ع ند أ هل العلم أن المهدي قتله بهجوه يعقوب بن داوود
وزيره بقوله:
بني أمية هبوا طال نومكم إنّ الخليفة يعقوب بن داوود
ق والعود
ضاعت خلفتكم يا قوم فالتمسوا خليفة ال بين الز ّ
وقال قوم :بل قتله على قوله :ل يؤيسنك من مخبأة قول تغلظه وإن قبحا
عسر النساء إلى مياسرة والصعب يمكن بعدما جمحا
فقال المهدي :رميت جميع نساء العالمين بالفاحشة .والقول الول أثبت.
وكان حماد عجرد يهجو بشارا ول يلتفت إليه حتى قال فيه :ويا أقبح من قرد إذا ما عمي القرد
وما اشتد عليه قوله :لو طليت جلدته عنبرا لنتنت جلدته العنبرا
أو طليت مسكا ذكيا إذا تحول المسك عليه خرا
وكان حماد مفلقا مجيدا ،إل أن موضعه لم يدان بشارا ول يقاربه.
ومن جيد شعر بشار كلمته في عمر بن العلء :إذا نبهتك حروب العداة فنبه لها عمرا ثم نم
ولول الذي زعموا لم أكن لمدح ريحانة قبل شمّ
وحضير بشار يوما مجلس عقبية بين سيلم الهنائي ،وقيد حضير عقبية بين رؤبية بين العجاج ينشده أرجوزة،
فاسيتحسنها بشار .فقال عقبية :ييا أبيا معاذ ،هذا طراز ل تحسينه أنيت ول نظراؤك ،فغضيب بشار فقال :تقول
هذا? وال إ ني لر جز م نك و من أب يك و من جدك .ثم غدا على عق بة ا بن سلم الهنائي بأرجوز ته الدال ية ال تي
يقول فيها :يا طلل الدار بذات الصمد بال خبر كيف كنت بعدي
وفيها يقول :الحر يلحى والعصا للعبد وليس للمحلف مثل الردّ
وصاحب كالدمل الممد حملته في رقعة في جلد
فأع جب به عق بة ،وقال ل بن رؤ بة :وال ما قلت أ نت ول أبوك ول جدك م ثل هذا .وو صل بشارا وأجزل له
العطية.
وكان بشار أستاذ أهل عصره من الشعراء غير مدافع ،ويجتمعون إليه وينشدونه ويرضون بحكمه.
وت شبيهاته -على أ نه أع مى ل يب صر -من كل ما لغيره أح سن .و من ذلك قوله :كأن مثار الن قع فوق رءو سنا
وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه
ومن خبيث هجائه قوله :فل تبخل بخل ابن قزعة إنه مخافة أن يرجي نداه حزين
إذا جئته للعرف أغلق بابه فلم تلقه إل وأنت كمين
فقل لبي يحيى :من تبلغ العل وفي كل معروف عليك يمين?
ل أل إن اللئام بهم جدود
وفيه يقول :بجدك يا بن قزعة نلت ما ً
ومن حذر الزيادة في الهدايا أقمت دجاجة فيمن يزيد
()4
ومما يستحسن لبشار ،لحكام رصفه ،وحسن وصفه كلمته التي يقول فيها بيته الذي ذكرناه في التشبيه ،فأولها:
جفا جفوة فازور إذ مل صاحبه وأزرى به أن ل يزال يصاحبه
خليلي ل تستكثرا لوعة الهوى ول لوعة المحزون شطت حبائبه
شفى النفس ما يلقى بعبدة مغرما وما كان يلقى قلبه وضرائبه
فأقصر عن داعي الفؤاد وإنما يميل به أمس الهوى ويطالبه
إذا كان ذواقا أخوك الهوى توجّهه في كلّ أوب ركائبه
فخّل له وجه الطريق ول تكن مطيّة رحّال كثير مذاهبه
أخوك الذي إن ربته قال إنما أربت وإن عاتبته لن جانبه
إذا كنت في كل المور معاتبا أخا لك لم تلق الذي ل تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه?
من الحيّ قيس قيس عيلن إنها عيون الندى منها تروي سحائبه
وما زال منها ممسك بمدينة يراقب أو ثغر تخاف مرازبه
إذا الملك الجبار صعر خدّه مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
الصفحة 4 :
()5
حدثني عن كتابٍ جاءني منك بالذم وما كنت أذم
ومن مستحسن شعره رائيته العجيبة البديعة المعاني الرفيعة المباني :رأيت صحابتي بخناصرات حمول بعد ما
متع النّهار
فكاد القلب من طرب إليهم ومن طول الصّبابة يستطار
وفي الحيّ الذين رأيت خود خلوب الدل آنسةٌ نوار
برود العارضين كأن فاها بعيد النوم عانقه عقار
كأنّ فؤاده كرةٌ تنزّى حذار البين لو نفع الحذار
ل شيءٍ مخافة أن يكون به السّرار
يروّعه السرار بك ّ
وودّا لليل زيد إليه ليلٌ ولم يخلق له أبدا نهارُ
جفت عيني عن التغميض حتّى كأنّ جفونها عنها قصار
وبلغني أن مسلم بن الوليد وجماعة ،منهم أبو الشيص وأبو نواس وغيرهما ،كانوا عند بعض الخلفاء ،فسألهم
عن ديباج الشعر الذي ل يتفاوت نمطه ،فأنشدوه لجماعة من المتقدمين والمحدثين ،فكأنه لم يقع منه بالغرض،
وسيأل عين أحسين مين ذلك ،فقال أبيو نواس :أنيا لهيا ييا أميير المؤمنيين .وأنشيد هذه البيات الرائيية لبشار،
فا ستحسنها جدّا ،وقال :وم ما أجاد ف يه وأفرط قوله في الفتخار :إذا ما غضب نا غض بة مضريّةٌ هتك نا حجاب
الشمس أو قطرت دما
إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة ذرى منبر صلّى علينا وسلّما
ومما يستحسن له قوله في عقبة بن سلم :حيّيا صاحبيّ أمّ العلء واحذرا طرف عينها الحوراءِ
إن في طرفها دواء ودا ًء لمحبّ ،والداء قبل الدواء
عذبتني بالحب عذبها الل ه بما تشتهي من الهواء
يقع الطير حيث يلتقط الح ب وتغشى منازل الكرماء
إنما همة الجواد ابن سلم في عطاء وموكب أو لقاء
ليس يعطيك للرجاء وللخو ف ولكن يلذ طعم العطاء
ومما يختار من مديحه قوله في ابن العلء فتى ل يبيت على دمنة ول يلعق الشهد إل بسمّ
ل لتعرفني أنا أنف الكرم
ثم يأخذ في الفتخار في قوله منها :أل أيّها السائلي جاه ً
نمتني الجياد :بنو عامر فروعي وأصلي قريش العجم
وإنّي لغني مقام الفتى وأصبي الفتاة ول تعتصم
ومن غزله الطيب الحسن المليح قوله :يا منية القلب إنّي ل أسميك أكني بأخرى أسميها وأعنيك
الصفحة 5 :
يا أطيب الناس ريقا غير مختبر إلّ شهادة أطراف المساويك
قد زرتنا زورة في الدّهر واحدة فاثني ول تجعليها بيضة الديك
يا رحمة ال حلّى في منازلنا حسبي برائحة الفردوس من فيك
()6
ومن بدائعه قوله :وخريدة سودٍ ذوائبها قد ضمخت بالمسك والورس
أقبلن في رأد الضحاء بها فسترن عين الشمس بالشمس
وله الق صيدة المشهورة ال تي يقول في ها هذا الب يت " يا رح مة ال ...الخ" و قد ضم نه أ بو نواس بشعره و هو هذا
البيت :يا رحمة ال حلي في منازلنا وجاورينا فدتك النفس من جار
وأخبار بشار كثيرة ونوادره في الشعر وطرائفه أكثر من أن يتضمنها هذا الكتاب على ما قدمنا فيه من إيثارها
اليجاز والختصار وقد أتينا بما يستدل على ما سواه.
()7
إن سوارا العمى من ذوي جهر جناة
جملي نعثلي لكم غير موات
الصفحة 6 :
أخبار سديف
كان سديف شاعرا مفلقا وأديبا بارعا وخطيبا مصقعا ،وكان مطبوع الش عر ح سنه .حدّثني العو في قال :حدّث ني
أحمد بن إبراهيم الرياحي قال :سلم سديف بن ميمون على رجل من بني عبد الدار فقال له الرجل :من أنت?
قال سديف :أصلحك ال أنا أحد أهلك ،أنا سديف بن ميمون .قال العبدي :وال ما أعرف في أهلي ميمونا قال
سديف ول مباركا.
()8
وحدثني جعفر بن إبراهيم الجعفري :كان سديف مولى لمرأة من خزاعة وكان لها زوج من اللهبيين وادعى
سديف بذلك ولء بني هاشم ،وزعم المدائني أنه مولى بني العباس وشاعرهم.
وكان سديف في أيام ب ني أم ية يقول :هو برئ من جور هم وظلم هم وعدوان هم ،الل هم صار فيئ نا دولة ب عد
القسمة ،وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثا بعد الختيار للمة ،واشتريت المعازف والملهي بمال اليتيم
والرملة ،وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة ،وتولى القيام بأمرهم فاسق كل محلة ،فل ذائد يذود عن هلكة،
ول مش فق ين ظر إلي هم بع ين الرح مة ،ول رادع يردع من أوى إليهم بمظل مة ،ول ذو شفقة يش بع الك بد الحرى
من السغب ،فهم أهل ضرع وضيعة وحلفاء كآبة وذلة قد استحصد زرع الباطل وبلغ نهايته ،واستجمع طريده،
واستوسق ،وضرب بجرانه .اللهم فأتح له يدا من الحق حاصدة تجتث سنامه ،وتهشم سوقه ،وتبدد شمله وتفرق
كلمته ،ليظهر الحق في أحسن صورته ،وأتم نوره ،وأعظم بركته .اللهم -وقد عرفنا من أنفسنا خللً تقعد بنا
عن استجابة الدعوة ،وأنت المفضل على الخلئق أجمعين ،والمتولى الحسان إلى السائلين -فآت لنا من أمرنا
حسب كرمك وجودك وامتنانك ،فإنك تقضي ما تشاء ،وتفعل ما تريد.
الصفحة 7 :
حدّثني جعفر ابن إبراهيم بن ميمون قال :حدّثني إسحاق بن منصور قال :حدّثني أبو الخصيب السدي قال :لما
تناهيت أيام بنيي أميية وانقضيت دولتهيم وأفضيت الخلفية إلى بنيي العباس ،وولى منهيم السيفاح -وهيو ابين
الحارث ية -ات صل ال خبر ب سديف و هو إذ ذاك بم كة ،فا ستوى على راحل ته وتو جه ن حو أ بي العباس -وكان به
عارفا -فلميا وصيل إلييه قال له :مين أنيت? قال :أنيا سيديف بين ميمون .قال :مولي سيديف? نعيم ييا أميير
المؤمنين ،ثم هنأه بالخلفة ،ودعا له بالبركة ،وأنشده قصيدة التي أولها :أصبح الملك ثابت الساس بالبهاليل
من بني العباس
ل تقيلن عبد شمس عثارا واقطعن كل رقلة وغِراس
ولقد ساءني وساءَ سوائي قربهم من منابر وكراسي
فاذكروا مصرع الحسين وزيد وقتيلً بجانب المهراس
والقتيل الذي بحران أضحى رهن رمس وغربة وتناسى
ذلهما أظهر التودد منها وبها منكم كحز المواسي
أنزلوها بحيث أنزلها الل ه بدار التعاس والنكاس
فعملت كلم ته في أ بي العباس وحر كت م نه ،وعنده قوم من ب ني أم ية فقالوا :أعرا بي جلف جاف ل يدري ما
يخرج من رأ سه .فتفرق القوم على ذلك ،فل ما كان من ال غد ،و جه أ بو العباس إلي هم :أن اجتمعوا واغدوا على
أمير المؤمنين مع سيدكم سليمان بن هشام ليفرض لكم ويجيزكم -وكان سليمان يكنى أبا الغمر ،وكان صديقا
لبي العباس من قبل أن تفضى إل يه الخلفة ،يكاتبه ويقضي حوائجه -فلما أصبحوا تهيئوا بأجمعهم ،وبكروا
إلى أ بي العباس مع أ بي الغ مر ،فأذن لهم ور فع مجال سهم ،وأجلس أ با الغ مر سليمان بن هشام عن يمي نه على
سريره ،وجاء سديف حين سمع باجتماعهم حتى استأذن عليه ،فلما مثل بين يديه ونظر إلى مجالسهم كهيئتها
بالمس ورأى أبا الغمر على السرير -وفيهم رجل من كلب من أخوال أبي الغمر ،وكان منعه الحاجب وقت
دخول هم ،فنادى :يا أ با الغ مر هذا يمنع ني من الدخول ،فقال أ بو الغ مر :هذا ر جل من أخوالي فاتر كه ،فقال له
الحا جب :ويلك ار جع ف هو خ ير لك ،فقال ل وال لدخلن ،قال :أ نت أعلم -ثم أن شأ سديف يقول :ل يغر نك ما
ترى من رجال إن تحت الضلوع دا ًء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى ل ترى فوق ظهرها أمويا
واستمر في القصيدة حتى أتى على آخرها ،وأبو العباس يغتاظ .ويحنق ويتلون .فقال سليمان بن هشام لسديف:
ييا ابين الفاعلة أل تسيكت? فلميا قال ذلك اشتيد غضيب أبيي العباس .ونظير إلى رجال خراسيان وهيم وقوف
()9
بالعمدة فقال لهم بالفارسية :دهيد ،يع ني اضربوا .فشدخوا رءو سهم بالعمدة حتى أتوا على آخرهم ،ثم نظر
إلى سليمان وقال له :يا أ با الغ مر مالك في الحياة خ ير ب عد هؤلء ،فقال :أ جل ،فشدخوا رأ سه وجروه برجله
حتى ألقوه مع القوم ،وصاج الرجل الكلبي فقال :يا أمير المؤمنين أنا رجل من كلب ،فقال أبو العباس :ساعدت
القوم في سرائهم فساعدهم في ضرائهم ،وأومأ أن اضربوه فإذا هو مع القوم ،ثم جمعهم وأمر بالنطاع فبسطت
علي هم ثم جلس فوق هم ،ود عا بالغداء فتغدى ،وإن ب عض القوم ليتحرك ،وفي هم من ي سمع أني نه ،فل ما فرغ من
غدائه ق يل له هل أمرت بهيم فدفنوا أو حولوا إلى مكان آ خر فإن رائحتهيم تؤذييك? قال :وال إن هذه الرائ حة
لطيب عندي من رائحة المسك والعنبر الن سكن غليلي.
ومما يستحسن من قول سديف في الغزل :أعيب التي أهوى وأطري جواريا يرين لها فضل عليهن بينا
برغمي أطيل الصد عنها إذا بدت أحاذر آذانا عليها وأعينا
ومن قول سديف في أمير كان على مكة من بني جمح :وأمير من بني جمح طيب العراق ممتدح
إن أبحناه مدائحنا عاضنا منهن بالوضح
ولما ظهر إبراهيم بن عبد ال بن الحسن بالبصرة صار إليه سديف هاربا من المنصور ،وأظهر عداوة بني
ل عليه بوجهه وقال :إيه أبا إسحاق مليتها في صحة منك
العباس .وصعد يوما المنبر يخطب فقام سديف مقب ً
وعمر طويل
اذكر هداك ال ذحل اللى يسرى بهم في مصمتات الكبول
الصفحة 8 :
يعني أباه ومن حمل معه .فلما قتل إبراهيم هرب سديف وتوارى حتى سكنت تلك الفورة ثم كتب إلى المنصور
يسأله أن يمن عليه بالعفو وكتب إليه بهذه البيات :أيها المنصور يا خير العرب خير من ينميه عبد المطلب
أنا مولكم وأرجو عفوكم فاعف عني اليوم قبل العطب
فوقع المنصور في كتابه بخطه :لم يلدني محمد بن علي إن تسميت بعدها بوليّ
ثم كتب إلى عبد الصمد بن علي عمه يأمره بقتله فيقال :أنه قطع يديه ورجليه ثم ضرب عنقه ،وقيل أيضا :إنه
حمل إلى المنصور فدفنه حيا .وحدثني محمد بن حازم عن النمري الشاعر -وكان كثير الرواية لشعر سديف-
قال :ما كان في زمان سديف أشعر منه ول أطبع منه ول أقدر على ما يريده من الشعر .وكان النمري ينكر
أن يكون المنصور قتله ويقول :ويحكم ،ما نزل ببني أمية ما نزل إل بسديف ،وكان يقول :ما فارق سديف أبا
العباس ثم من بعده المنصور إلى أن مات .قال :وأشعاره ونوادره كثيرة ،ولكن اقتصرنا منه على هذه الجملة.
()10
ه ُم يمنعون الجار حتى كأنّما لجارهم بين السماكين منزل
لهاميم في السلم سادوا ولم يكن كأوّلهم في الجاهلية أوّل
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وما يستطيع الفاعلون فعالهم وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
ثلث بأمثال الجبال حباهم وأحلمهم منها لدى الوزن أثقل
فقال له أبو يوسف -:وقد أعجبته البيات : -من قائل هذه البيات يا أبا علي? قال يحيى :قائلها مروان بن أبي
حفصة يمدح أبا هذا الفتى الذي تحت القبة؛ قال شراحيل :فرمقني أبو يوسف بعينه وأنا على فرسي.
وقال :من أ نت يا ف تى حياك ال? قلت :شراح يل بن معن بن زائدة .قال شراح يل :فوال ما مرت عل يّ ساعة
قط .كانت أقر لعيني من تلك الساعة ارتياحا وسرورا.
وكان يحيى بن أبي حفصة تزوج عمرة بنت إبراهيم بن النعمان بن بشير النصاري على صداق عشرين ألف
درهم ،و سير إليها مهر ها ق بل أن يبنى بها ،ولم الناس إبراهيم في ذلك وقالوا :زوجت عبدا وفضحت نفسك
وأباك.
وأرادوه على انتزاع ها فأ بى وع ظم ال مر في ذلك جدا ف في ذلك يقول إبراه يم :ف ما تر كت عشرون ألفا لقائل
مقالً ولم أحفل مقالة لئم
فإن كنت قد زوجت مولى فقد مضت به سنّ ٌة قبلي وحب الدراهم
ويقال :إن أبا حفصة كان يهوديا ،فأسلم على يدي عثمان ،فأثرى وكثر ماله ،وتولى الخزن لبني أمية ،وتزوج
خولة ب نت مقا تل بن طل بة بن ق يس بن عا صم ،وكان ق يس بن عا صم سيد أ هل الوبر ،فقال في ذلك القلخ
الشاعر يهجو مقاتل بن طلبة :نبئت خولة قالت حين أنكحها لطالما كنت منك العار أنتظر
أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما في فيك مما رجوت الترب والحجر
ل در جياد أنت قائدها برذنتها وبها التحجيل والغرر
ومروان من المجيدين المحككين للشعر ومما يستحسن له مراثيه في معن بن زائدة ،ومدائحه أيضا العجيبة فيه.
ويقال :إ نه د خل على جع فر ا بن يح يى البرمكي ،و قد امتد حه بهذه الق صيدة ،فو قف ين شد :أبر ف ما ير جو جواد
لحاقه أبو الفضل سباق اللهاميم جعفر
الصفحة 9 :
وزير إذا ناب الخليفة حادث أشار بما عنه الخليفة يصدر
فقال ويحكّ! أنشدني مرثيتك في معن :وكان الناس كلهم لمعن إلى أن زار حفرته عيال
فأنشده إياها حتى فرغ من القصيدة ،وجعفر يرسل دموعه ،فلما سكن قال :أثابك أحد من ولده وأهله على هذه
شيئا? قال :ل .قال جع فر :فلو كان م عن حيا ثم سمعها م نك ،كم كان يثي بك علي ها? قال :أربعمائة دينار .قال
جعفر :لكني أظن أنه كان ل يرضى لك بذاك ،وقد أمرنا لك عن معن بضعف ما قلت ،وزدنا نحن مثل ذلك،
فاقبيض مين الخازن ألفا وسيبعمائة دينار قبيل أن تنصيرف إلى رحلك .فقال مروان يذكير ذلك ،ويمدح جعفير،
وزادها في مرثيته لمعن :نفحت مكارما عن قبر معن لنا ممّا تجود به سجال
فعجلت العطية يا بن يحيى بتأدية ولم ترد المطال
فكافي عن صدى معن جواد بأجواد راح ٍة بذلت نوال
بني مالك خالد وأبوك يحيى بناء في المكارم لن ينال
()11
كأنّ البرمكي بكلّ مال تجود به يداه يفيد مال
ومن قلئده وأمهات قصائده كلمته في معن بن زائده -وهو معن بن زائده بن عبد ال بن زائدة بن مطر بن
شريك بن عمرو بن قيس ا بن شراح يل بن همام بن مرّة بن ذ هل بن شيبان -والقصيدة مختارة أولها :أم سى
المشيب من الشباب بديلً ضيفا أقام فما يريد رحيلً
والشيب إذ طرد السواد بياضه كالصبح أحدث للظلم أفول
وقال مروان يفت خر ،ول يس له ف خر قد يم ول حد يث غ ير الش عر ،وكان نا صبيّا معرّضا في شعره بآل الر سول
صلى ال عليه وعليهم :ذهب الفرزدق بالفخار وإنما حلو القصيد ومره لجرير
ولقد هجا فأمض أخطل تغلب وحوى اللها ببيانه المشهور
كل الثلثة قد أبر بمدحه وهجاؤه قد سار كل مسير
ولقد جريت مع الجياد ففتها بعنان ل شبم ول مبهور
ما نالت الشعراء من مستخلف ما نلت من جاه وأخذ بدور
عزت معا عند الملوك مقالتيما قال حيهم مع المقبور
ولقد حبيت بألف ألف تثب إل بسيب خليفة وأمير
ما زلت آنف أن أؤلف مدحه إل لصاحب منبر وسرير
ما ضرني حسد اللئام ولم يزل ذو الفضل يحسده ذو والتقصير
وتظل للحسان ضامنة القرى من كل تامكة السنام عقيري
أروى الظماء بكل حوض مفعم جودا وأترع للسغاب قدوري
أعطى اللها متبرعا عودا على بد ٍء وذاك عليّ غير كثير
وإذا أهدرت مع القروم محاضرا في موطن فضح القروم هديري
ومما يستحسن لمروان قوله :يا من بمطلع شمس ثم مغربها إن السخاء عليكم غير مردود
قل للعفاة أريحوا العيس من طلب ما بعد معن حليف الجود من جود
قل للمنية ل تبقي على أحد إذ مات معن فما ميت بمفقود
والقصييدة مشهورة ،وهيي طويلة وإنميا ذكرت فقرا وعيونا ومين أراد شعير القوم على الوجيه فإن دواوينهيم
موجودة ،ول سيما هؤلء المشهور ين ع ند أك ثر الناس ،فأ ما من ل يس يو جد شعره إل ع ند الخواص ف سنضمن
الكتاب ل هم قط عة صالحة ،و صدرا وافرا ،ليكون أك مل للفائدة عند نا ،و سنورد من ش عر مروان وطبق ته من
المعروفين القصائد التي يقل وجودها عند أكثر الناس ،مثل كافيته وما أشبهها من مخزون شعره ،والكافية هذه،
وأولها :لم في أم مالك عاذل كا ولعمر الله ما أنصفاكا
وكل عاذليك أصبح مما بك خلوا ،هواه غير هواكا
عذل في الهوى ،ولو جرباه أسعدا إذ بكيت أو عذراكا
كلما قلت :بعض ذا اللوم قال إن جهلً بعد المشيب صباكا
ث في الرأس حرثه الشيب لما حان إبان حرثه فعلكا
ب ّ
فاسل عن أم مالك ،وأنه قلبا طالما في طلبه عنّاكا
()12
أصبح الدهر بعد عشر وعشر وثلثين حجة قد رماكا
ما ترى البرق نحو قران إل هاج شوقا عليك فاستبكاكا
قد نأتك التي هويت وشطت بعد قرب نواهم من نواكا
وغدت فيهم أوانس بيض كعواطي الظباء تعطوا الراكا
كنت ترعى عهودهن وتعصي في هواهن كل لح لحاكا
إذ تلقي من الصبابة برحا وتجيب الهوى إذا ما دعاكا
عدّ عن ذكرهن واذكر هماما بقوى حبله عقدت قواكا
أين ل أين مثل زائدة الخيرات إل أبوه? ل أين ذاكا
ل أسير مسلم ل يبيت يرجو الفكاكا
يا بن معن يفكّ ك ّ
وبه تفعض الرئيس لدى المو ت إذا اصطكت العوالي اصطكاكا
مطري أغر تلقاه بالعر ف قؤول وللخنا تراكا
من يرم جاره يكن مثل ما را م بكفّيه أن ينال السماكا
لم تزل عند موطن يا بن معنعن مقام تقومه قدماكا
إنّ معنا يحمي الثغور ويعطي ما له في العل وأنت كذاكا
ل يضر امرأً إذا نال ودّا منك أل يناله من سواكا
ما عدا المجتدي أباك .وما من راغب يجتديه إل اجتداكا
ودّ كل امرئ من الناس لو كا ن أبوه لدى الفخار أباكا
قد وفى البأس والندى لك بالعق د ،كما قد وفيت إذ حالفاكا
وأجاباك إذ دعوت بلبيك كما قد أجبت إذ دعواكا
فهما دون من له تخلص الود ،وترعى إخاءه أخواكا
لست ما عشت والوفاء سناءٌلهما مخفرا ولن يخفراكا
رفعت في ذرا المعالي قديما فوق أيدي الملوك طرّا يداكا
وسما الفرع منك في خير أصل من نزار فطاب منه ثراكا
فبمعن تسمو ،وزائدة الخي ر ،وعبد الله ،كل نماكا
زين ما قدموا .ولم تلف صعبا في سلليم مجدهم مرتقاكا
أعصمت منكم نزارٌ بحبل لم يريدوا بغيره استمساكا
ورأبتم صدوعها بحلومٍ راجحات دفعن عنها الهلكا
فأشارت معا إليكم وقالت إنما يرأب الصدوع أولكا
يئس الناس أن ينالوا قديما في المعالي لسعيكم إدراكا
إن معنا كما كساه أبوه عزة السابق الجواد كساكا
كم به عارفا يخالك أيا ه ،وطورا يخاله إياكا
()13
لك من فضل بأسه يعرف البأ س ،كما من نداه فضل نداكا
كل من قد رآه يعرف منه نسم الخير فيك حين يراكا
سبق الناس إذ جرى ثم صلي ت كما من أبيه جاء كذاكا
دانيا من مدى أبيه مداه مثل ما من مداه أمسى مداكا
ماجدا النيل نيل مصر إذا ما طم آذيه كبعض جداكا
زاد نعمى أبي الوليد تماما فضل ما كان من جدي نعماكا
سخطك الحتف حين تسخط ،والغنم إذا ما رضيت يوما رضاكا
كل ذي طاعة من الناس يرجو ك كما كل مجرمٍ يخشاكا
ل كثيرا .ويقال ما أخذ أحدٌ من الشعراء المتقدمين ول
وهذه القصيدة تسمى الغراء أخذ عليها من ابن معن ما ً
المحدثين ما أخذ مروان بالشعر .كان رسمه على الخلفاء مائة ألف درهم.
ومن قلئده وأمهات شعره هذه اللمية :كأن التي يوم الرحيل تعرضت لنا من ظباء الرمل أدماء مغزل
تص ّد لمكحول المدامع لبنٍ إذا خلفته خلفها ،الطرف يعمل
وأشعاره كثيرة ،ونوادره جمة.
وحدثني أبو مالك عن أبيه أن عبيد ال بن أبي رافع مولى رسول ال صلى ال عليه وآله أتى الحسن بن علي
فقال :أ نا مولك -وكان قديما يك تب لعلي بن أ بي طالب عل يه ال سلم .فقال فيه مولى لتمام بن العباس بن عبد
المطلب :جحدت بني العباس حقٌ أبيهم فما كنت في الدعوى كريم العواقب
()14
وكان الناس كلهم لمعنٍ إلى أن زار حفرته عيال
ولم يك طالب للعرف ينوي إلى غير ابن زائدة ارتحال
مضى من كان يحمل كل ثقل ويسبق فيض نائلة السؤال
وما عمد الوفود لمثل معن ول حلوا بساحته الرحال
ف ذوي العطايا يمينا من يديه ول شمال
ول بلغت أك ّ
وما كانت تجف له حياض من المعروف مترعة سجال
فليت الشامتين به فدوه وليت العمر مدّ له فطال
ولم يك كنزه ذهبا ولكن سيوف الهند والحلق الفضال
وذابلة من الخطيّ سمرا ترى فيهن لينا واعتدال
وذخرا من محامد باقياتٍ وفضل لها به الفضال نال
مضى لسبيله من كنت ترجو به عثرات دهرك أن تقال
وقائلة رأت جسمي ولوني معا عن عهدها قلبا فحال
ل من الهندي قد فقد الصقال
أرى مروان عاد كذي نحو ٍ
رأت رجلً براه الحزن حتى أضر به وأورثه خبالً
وأيام المنون لها صروف تقلب بالفتى حال فحال
كأن الليل واصل بعد معنٍ ليالي قد قرن به فطال
فلهف أبي عليك إذ العطايا جعلن مني كواذب واعتلل
ولهف أبي عليك إذ اليتامى غدوا شعثا كأن بهم سلل
ولهف أبي عليك لكل هيجا غدت تلقى حواضنها السمال
ولهف أبي عليك إذ القوافي لممتدح بها ذهبت ضلل
أقمنا باليمامة إذ يئسنا مقاما ل نريد له زيال
وقلنا :أين نرحل بعد معن وقد ذهب النوال فل نوال
سيذكرك الخليفة غير قالٍ إذا هو بالمور بل الرجال
حباك أخو أمية بالمراثي مع المدح اللواتي كان قال
أقام وكان نحوك كل عام يطيل بواسط الكور اعتقال
وألقى رحلة أسفا وآلى يمينا ل يشد له حبال
وأشعار مروان كثيرة جدّا ،ولو أورد نا عيون شعره لطال ب ها الكتاب ،فل يس له إلّ كل عي نٍ ،ول سنا نخرج عن
الحدّ الذي استنناه من اليجاز والختصار.
()15
حدّثنا أبو مالك عبيد ال بن محمد قال :حدّثنا أبي قال :لما توفي أبو العباس السفاح دخل أبو دلمة على أبي
جعفر المنصور والناس عنده تعزيه فأنشأ يقول :أمسيت بالنبار يا بن محمد ل تستطيع إلى البلد حويل
ويلي عليك وويل أهلي كلهم ويل يكون إلى الممات طويلً
مات الندى إذ مت يا بن محمد فجعلته لك في التراب عديلً
أني سألت الناس بعدك كلهم فوجدت أسمح من رأيت بخيل
ألشقوتي أخرت بعدك للذي يدع السمين من العيال هزيل
فأبكى الناس قوله ،فغضب المنصور غضبا شديدا وقال :لئن سمعتك بعدها تنشد هذه القصيدة لقطعن لسانك.
فقال أبو دلمة :إن أبا العباس كان لي مكرما ،وهو الذي جاء بي من البدو ،كما جاء ال يوسف عليه السلم،
بإخوته ،فقل كما قال" :ل تثريب عليكم اليوم يغفر ال لكم وهو أرحم الراحمين" فقال له :أقلناك فسل حاجتك.
فقال أ بو دل مة :قد كان أ بو العباس أ مر لي بعشرة آلف در هم وخم سين ثوبا في مر ضه ،ولم أقبض ها ،فقال
المنصور :ومن يعلم ذلك? فقال :هؤلء وأشار بيده إلى جماعة ممن حضره ،فقام سليمان بن مجالد وأبو الجهم
فقال :يا أمير المؤمنين ،صدق أبو دلمة ونحن نعلم ذلك.
فقال المنصور لبي أيوب الخازن :يا سليمان أدفعها إليه وأخرجه في هذا الجيش الخارج إلى الطاغية ،يعني
عبد ال بن علي -وكان قد أظهر الخلف بالشام ودعا إلى نفسه وجمع جمعا كثيرا وبقايا أصحاب مروان :خلقا
مين أ هل الشام .وخاف المنصيور أن يتمادى أمره -فوثيب أ بو دلمية وقال :يا أم ير المؤمن ين أعيذك بال أن
تخرجني مع هذا العسكر فإن وال مشئوم ،فقال المنصور :إن يمني يغلب شؤمك فاخرج مع العسكر فقال أبو
دل مة :يا أم ير المؤمن ين ،ما أ حب لك أن تجرب ذلك ،فإ ني ل أدري أي المنزلت ين تح صل ،ول آ من أن يغلب
شؤمي ،فقال له :دع عنك هذا ،فما لك بد من المسير في الجيش ،قال :يا أمير المؤمنين وال لصدقنك ،إني
شهدت تسعة عساكر كلها هزمت ،فأنا أعيذك بال أن يكون العاشر .فاستفرغ ضحكا أبو جعفر ،وأمره بالمقام
مع عيسى بن موسى بالكوفة.
وحدثني محمد بن خالد البصري قال :حدّثني ابن أبي العوجاء قال :أراد موسى بن داوود بن علي بن عبد ال
بن عباس الخروج إلى الحج .فدعا أبا دلمة وقال تأهب للخروج معي إلى هذا الوجه المبارك ،فإنما هو الحج
وأعطاه عشرة آلف در هم وقال :إن كان عل يك دي نٌ فاق ضه وخلف لعيالك ما يكفي هم واخرج -وكان ط مع في
أن يعادله فيتمتع بفوائده وملحه ونوادره ،فإنه كان من أتراب الملوك -فأخذ المال وأجابه إلى ذلك ،فلما حضر
خروج مو سى طل به فلم يقدر عل يه ،فف تش عن أمره ،فق يل له :إ نه ب سواد الكو فة يتقلب في حانات الخمار ين،
وخاف مو سى أن يفو ته ال حج فقال :اتركوه إلى لع نة ال ،وخرج فل ما شارف القاد سية إذا هو بأ بي دل مة قد
خرج من قرية يريد الحيرة ،فقال :ائتوني بعدو ال الفاسق ،هرب من الحق إلى الباطل ،ومن الحج إلى حانات
الخمارين ،فجيء به إليه ،فقيده وألقاه في بعض المحامل ،وساروا ،فلما رأى أبو دلمة ذلك أنشأ يقول :يا أيها
الناس قولوا أجمعين معا صلّى الله على موسى بن داوود
كأن ديباجي خديه من ذهب إذا تشرف في أثوابه السود
أما أبوك فعين الجود نعرفه وأنت أشبه خلق ال بالجود
نبئت أن طريق الحج معطشة من الطلء وما شربي بتصريد
وال ما بي من خير فتطلبني في المسلمين وما ديني بمحمود
إني أعوذ بداوود وتربته من أن أحج بكرهٍ يا بن داوود
()16
فقال موسى القوه عن المحمل لعنه ال حتى يذهب حيث يشاء ،فألقوه عن المحمل ومضى لوجهه ،فما زال أبو
دلمة في السواد حتى أتلف ذلك المال؛ وانصرف موسى .فدخل أبو دلمة عليه مهنئا فقال له :يا محارف ماذا
فاتك من تلك المشاهد? فقال :يا سيدي وال فاتني أفاضلها ،يعني الحانات.
حدّثني ابن داوود قال :حدّثني العوفي قال :دخل أبو دلمة على المهدي وعنده عيسى بن موسى والعباس بن
مح مد وناس من ب ني ها شم ،فقال له المهدي :ا هج أي نا شئت .فن ظر إلى القوم وت صفحهم ،فكل ما مر نظره إلى
رجل غمز بعينه :إني على رضاك ول تفعل .فمكث هنيهة ثم أنشأ يقول :أل أبلغ لديك أبا دلمة فلست من
الكرام ول كرامة
جمعت دمامة وجمعت لؤما كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
()17
ناولني يدك أقبلها .قال :أما هذه فدعها .قال :وال ما منعت عيالي شيئا هو أهون عليهم من هذا .فضحك منه
حتى استلقى.
وحدث أبو مالك عبيد ال بن محمد عن أبيه قال :أنشد أبو دلمة أبا جعفر المنصور شعرا استحسنه جدا ،فجعل
من عنده من ندمائه يظهرون ا ستحسانه ،فل ما أفرطوا قال أ بو دل مة :وال يا أم ير المؤمن ين إن هم ل يعرفون
رديئة من جيده ،وإنما يستحسن منه باستحسانك ،وإن شئت بينت لك ذلك ،قال :افعل .فأنشده :أنعت مهرا كامل
في قدره مركبا عجانه في ظهره
ح تى فرغ من ها ،فا ستحسنوها ،فقال أ بو دل مة :ألم أ خبرك يا أم ير المؤمن ين? قال المن صور :صدق وال أ بو
دلمة ،كيف يكون عجانه في ظهره? قال الحنفي :خرج أبو دلمة مع المهدي وعلى بن سليمان إلى الصيد-
وكان أ بو دل مة صاحب نوادر -فر مى المهدي بنشا بة فأ صاب ظبيا .ور مى علي بن سليمان فأ صاب كلب
صيد .فضحك المهدي فنظر إلى أبي دلمة فقال :قد وجدت مقال فقل ولك حكمك .فقال :قد رمى المهدي ظبيا
شكّ بالسهم فؤاده
وعليّ بن سليما ن رمى كلبا فصاده
ل امرئٍ يأكل زاده
فهنيئا لكما ك ّ
فاستفرغ المهدي ضحكا وقال لعلي بن سليمان :لحكمنك على حكمه ،قال :أعيذك بال يا أمير المؤمنين .فقال:
ل بد من ذلك .قال فإني أحكم أبا دلمة .قال :نعم إذن .وافتدى منه بمال.
أخبرنا أبو العباس بن محمد قال :قال لي محمد بن منصور قال لي سعيد بن مسلم :ما رأيت شاعرا أحسن زيا
من أبي دلمة ،ول أظهر مروءة منه ،ول أنظف لباسا.
وم ما ي ستحسن له مرثي ته للمن صور وتهنئة المهدي في ق صيدته ،يذ كر في كل ب يت المعني ين .والق صيدة جيدة،
وهي التي يقول فيها :عينان :واحدة ترى مسرورة بإمامها جذلى وأخرى تذرف
تبكي وتضحك مرّة ،ويسوءها ما أبصرت ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرما ويسرها أن قام هذا الرأف
ما إن رأيت ول سمعت كما أرى شعرا أرجله وآخر أنتف
هلك الخليفة يا لمة أحمد فأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا ال فضل خلفة ولذاك جنات النعيم تزخرف
فابكوا لمصرع خيركم ووليكم واستشرفوا لمقام ذا وتشرفوا
حدّثني نصر بن محمد الخزري عن بعض رواة الخبار قال :كان أبو العباس مولعا بأبي دلمة ،ل يفارقه لي ً
ل
ول نهارا لحسين أدبيه ،وجودة شعره ،وكثرة ملحيه ،ومعرفتيه بأخبار الناس وأيامهيم ،وكان أبيو دلمية خليعا
ماج نا ،وكان يهرب م نه ،ويأ تي حانات الخمار ين ،فيشرب مع إخوا نه .ويكره مجالس الخلفاء ل ما في ذلك من
المشقية والتعيب وشدة التوقيي ،أبيو دلمية ي حب أن ينبسيط ويتكلم ،وكان ل يتهييأ ذلك له فيي مجلس الخلفية،
فهرب ،فعاتبه أبو العباس على ذلك وقال :ويحك ،أراك تحيد عنا وعن مجالسنا ،وتهرب منا .فليت شعري لم
ذاك? فقال له :يا أمير المؤمنين ،ما الخير والشرف والعز والفضل إل في مجالستك ،والوقوف على أبوابكم،
ولزوم خدمتكم ،ونكره مع ذلك أن تملونا ،فنقبض على أنفسنا بعض القبض ،ليكون أبقى لحالنا عندكم .قال أبو
العباس :ما مللتك ق طّ ،وما ذاك كما ذكرت ،ولكن قد اعتدت حانات الخمارين والخلعاء والمجان .ثم وكل به،
وألز مه أل يبرح حضر ته ،وكان ي صلي م عه ال صلوات كل ها ،فأ ضر ذلك به .ف في ذلك يقول أ بو دل مة :ألم
تعلمي أن الخليفة لزني بمسجده والقصر ،مالي وللقصر
()18
أصلي به الولى مع العصر دائبا فويلي من الولى وويلي من العصر
ويحبسني عن مجلس استلذه أعلل فيه بالسماع وبالخمر
ووال ما بي نية في صلته ول البر والحسان والخير من أمري
وما ضره وال يصلح أمره لو أن ذنوب العالمين على ظهري
فلما سمع أبو العباس البيات قال :وال ما يفلح هذا أبدا ،فذروه وأصحابه .ومن شعر أبي دلمة يهجو عليّ بن
صالح وقد كان وعده شيئا ولم يف له به :لعلي بن صالح بن عليّ حسب لو يعينه بسماح
ومواعيده الرياح فهل أن ت بكفيك قابض للرياح
وبنو صالح كثير ولكن مالنا في عديدهم من صلح
ل مستبينا على قريش البطاح
غير فضل فإن للفضل فض ً
ومن السائر الجيد قوله :لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس وارتفعوا إلى السماء فأنتم سادة الناس
ولبي دلمة في بنية له -يقال لها أم دلم مدل -يقول فيها ساعة ولدت :فما ولدتك مريم أم عيسى ولم يكفلك
لقمان الحكيم
ولكن قد تضمك أم سوء إلى لباتها وأب لئيم
ولبيي دلمية كلم ته ال سائرة فيي أبيي مسيلم صياحب الدعوة ،وكان توعده بالقتيل لشييء بلغيه ع نه .فلميا قتله
المنصور دخل أبو دلمة ،ورأسه في الطست فأنشأ :أبا مجرم ما غير ال نعمة على عبده حتى يغيرها العبد
أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى عليك بما خوفتني السد الورد
أفي دولة المنصور حاولت غدره أل إن أهل الغدر أباؤك الكرد
وهو الذي يحكي عن امرأته :ناشدتها بكتاب ال حرمتنا ولم تكن بكتاب ال ترتدع
فاخر نطمت ثم قالت وهي مغضبةٌ أأنت تتلو كتاب ال يا لكع
اذهب تبغ لنا نخل ومزدرعا كما لجيراننا نخل ومزدرع
إيت الخليفة فاخدعه بمسأل ٍه إنّ الخليفة للسؤال ينخدع
وأخبار أبي دلمة وشعره كثيرة ،وفيما ذكرنا منه كفاية ونهاية.
()19
حدثني إبراهيم بن عامر النوفلي عن بعضهم قال :رأيت أبا نخيلة قد خرج من عند الوليد بن يزيد راكبا ،وبين
يديه رجالة قد تقدموه وقد حمل معه مال كثير كان الوليد قد وصله به ،وهو يفرق يمينا وشمالً ويتصدق ،حتى
أتى منزلة وقد فرق منه شيئا كثيرا ،ثم دفع إلى الرجالة الذين كانوا بين يديه مائة دينار .وكان الوليد يحبه حبه
شديدا وهو الذي علم الوليد الشعر.
قال :وم ما ي ستحسن من ش عر أ بي نخيلة كلم ته ال تي يفت خر في ها ويذ كر قو مه ب ني تم يم :ن حن ضرب نا الزد
بالعراق والحيّ من ربيعة المراق
ضربا يقيم صعر العناق بغير أطماع ول أرزاق
إل بقايا كرم العراق وهي طويلة يذكر فيها حرب الزد وتميم بالبصرة ومما يستحسن من رجزه ويستطرف
كلمته التي يقول لها :لما رأيت الدين دينا يؤفك وأمست القبة ل تستمسك
ترتج من أرجائها وتهتك سرت إلى الباب فسار الدكدك
فيها الدجوجي وفيها الرمك كالليل إل أنها تحرك
وهذه البيات مشهورة فاقتصرنا على ذكرها.
وم ما ي ستحسن من شعره ق صيدته ال تي يمدح في ها م سلمة بن ع بد الملك ،و هي جيدة في ها معان ح سنة ،وفي ها
يقول :أمسلم أني يا ابن خير خليفة ويا فارس الدنيا ويا جبل الرض
شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضي
وألقيت لما جئت بابك زائرارواقا مديدا سامق الطول والعرض
وأنبهت لي ذكري وما كان خاملً ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
س المنبر القرارا وطابت الدنيا
ومما سار من رجزه واشتهر في أبي العباس يهنئه بالخلفة وهي قوله :الن م ّ
وصارت دارا
إذا نزل الخليفة النبارا
ومن أراجيزه المشهورة في أيدي الناس قوله :يا عمرو غم الماء ورد يدهمه يوم تلقي شاؤه ونعمه
واختلفت أمراسه وقيمه فأبلنا منك بلء نعلمه
فإنما أنت أخ ل نعدمه صاحب خلن كريم شيمه
مترفٌ كان أبوه يكرمه لم يتجشأ من طعام يتخمه
ولم تبت حمّى به توصمه تدك مدماك الطوى قدمه
أيهات من هامته مخدمه
ولبي نخيلة في طرد عشر نعائم يصفهن :أنعت مهرا سبط القرات وردا طمرا مدمج السراة
يغدو بنهد في اللجام عات نعائما عشرا مطردات
صك العراقيب هجنعات فانصاع وانصعن موليات
ما كان إل هاكه وهات حتى اجتمعن متناغصات
بالسهب والغدر من الحماة واختل حضنا هيقة شوشات
فانعقرت من آخر الهيقات بغير تكبير ول صلة
كأنهما خالفة السراة
()20
وله في الطرد أراجيز كثيرة مشهورة ،منها اللمية التي يقول فيها :فانصاع يسعى بالصعيد الهايل يلحن من
ذي ميعة معاجل
حتى دنا من وهج القساطل من ذات زف ساقط الخمايل
فاختلفنا تحت جناح المايل بضربة حديثه في الصاقل
منقوشة الرقين والخصايل فهو مقيط كمقاط الفايل
وأعاجيب أبي نخيلة في القنص وغيره كثيرة ،وفيما أوردنا من ذلك دليل على باقية .وشعره موجود كثير ،فمن
أراده لم يعوزه ذلك.
()21
أما والذي نادى من الطور عبده وكرم بالنجيل عيسى ابن مريما
وخص بآيات القران محمدا نبي الهدى صلى عليه وسلما
لقد حزت من قلبي مكانا ممنعا أرى لك فيه أن أريق لك الدما
أرى ذاك من غنمٍ ،ولست أرى الذي يرى الناس من غنم المكاسب مغنما
سأشرب كأسيك اللتين سقيتني وإن كانتا وال صابا وعلقما
وأدخل كفي إثر كفك في الذي عراك ولو أدخلتها ثقب أرقما
أخبار الحمادين
حماد عجرد وحماد بن الزبرقان وحماد الراوية ،وكانوا في عصر واحد ،وكلهم شاعر مفلق وخطيب مبرز.
حدثني أحمد بن محمد الثقفي قال :حدثني إبراهيم بن عمر الكوفي قال :كان حماد عجرد مولى لبني سوءة بن
عامر بن صعصعة وكان معلما ثم شهر بالشعر وامتدح الملوك .وكان بالكوفة ثلثة يقال لهم الحمادون :حماد
يلية يتنادمون على الشراب ،ويتناشدون الشعار ،ويتعاشرون أجمي ين الزبرقان وحماد الراويي
عجرد وحماد بي
عشرة ،كانوا كأنهيم نفيس واحدة ،وكانوا جميعا يرمون بالزنذقية ،وإذا رأى الناس واحدا منهيم قالوا :زندييق.
اقتلوه .وكان حماد بن الزبرقان ع تب على حماد الراو ية في شيءٍ فهجاه ،فقال في ما يهجوه ،وين سبه إلى شرب
الخمر
نعم الفتى لو كان يعرف قدره ويقيم وقت صلته حماد
هدلت مشافرة الدنان فأنفه مثل القدوم يسنها الحداد
وابيض من شرب المدامة وجهه وبياضه يوم الحساب سواد
وحماد عجرد هو القائل :إن الكريم ليخفي عنك عسرته حتى تراه غنيا وهو مجهود
وللبخيل على أمواله عِللٌ زرق العيون عليها أوجه سود
إذا تكرهت أن تعطى القليل ولم تقدر على سعة لم يظهر الجود
أورق بخير يرجى للنوال فما ترجى الثمار إذا لم يورق العود
()22
ومما يختار لحماد عجرد قصيدته التي يعاتب فيها أبا يزيد ويحيى وهي :قد جفاني أبو يزيد ويحيى ولعمري
ما خفت أن يجفواني
واصلني فيما مضى فلغير ال ود فيما مضى واصلني
غير أني كنت في ظل سلطا ن فكان الوصال للسلطان
ثم لما حال الزمان بسلطا ني حالوا مع احتيال الزمان
وقال يمدح محمد بن أبي العباس السفاح وهو والي المنصور على البصرة :أدعوك بعد أبي العباس إذ بانا يا
أكرم الناس أعراقا وعيدانا
فأنت أكرم من يمشي على قدم وأنضر الناس عند المحل أغصانا
لو مج عود على قوم عصارته لمج عودك فينا المسك والبانا
وهي طويلة .ومما يستحسن من شعر حماد كلمته التي يهجو بها بعض المويين :زر تُ امرًأ في بيته مرةً له
حياء وله خِيرُ
يكره أن يتخم أضيافه إن أذى التخمة محذورُ
ويشتهي أن يؤجروا عنده بالصوم والصائم مأجورُ
حدثني محمد بن عامر الحنفي قال :حدثني اليحصبي قال :شرب حماد عجرد مع أبي دلمة يوما ،فسكرا من
الخ مر فطلبوه ما ،فأ ما أ بو دل مة فهرب وأ ما حماد فأ خذ فُأ تي به المهدي فقال :ا ستنكهوه .ففعلوا فشموا م نه
رائحة الخمر ،فأحب أن يعبث به ،فقال :يا عدو ال أتشرب الخمر وتسكر? إني سأقيم عليك الحد ول تأخذني
في ال لومة لئم .وقال :احبسوه حتى يصحو .فمضي به إلى بيت فيه دجاج بعد أن وُجئ عنقه ومزق رداؤه،
فكتب إلى المهدي :أمير المؤمنين فدتك نفسي علم حبستني وخرقت ساجي
أقاد إلى السجون بغير ذنب كأني بعض عمال الخراجِ
ولو معهم حبست لهان وجدي ولكني حبست مع الدجاج
أمن صهباء ،ريح المسك منها ترقرق في الناء لدى المزاج
عُقا ٌر مثل عين الديك صرف كأن شعاعها لهب السراج
وقد طبخت بنار ال حتى لقد كنت من النطف النضاج
وقد كانت تحدثني ظنوني بأني من عقابك غير ناج
على أني وإن لقيت شرا لخيرك بعد ذاك الشر راج
فأخر جه وو صله ،فل ما ولي قال الرب يع :أ ما فهم تَ قوله :و قد طب خت بنار ال ح تى ل قد صارت من الن طف
النضاج
قال :بلى ،فميا أراد? قال :إنميا أراد الشميس ،وقال المهدي :ردوه .فردوه فقال :ميا أردت بقولك :وقيد طبخيت
بنار ال...
تعني بها الشمس? قال :ل ،ولكن نار ال الموقدة ،التي تطلع على الفئدة ،وهي على الربيع موصدة ،فضحك
منه وأمر بإطلقه.
وأشعار حماد كثيرة واسعة ،وهو من المشهورين.
()23
هو محمد بن عبد ال بن رزين الخزاعي ،ابن عم دعبل :قال أحمد بن إبراهيم السدي :قال لي أبو عَصيدة:
اجت مع م سلم ا بن الول يد صريع الغوا ني وأ بو فراس وأ بو الش يص ودع بل بن علي بن رز ين في مجلس على
الشراب فقالوا :ينشد كل واحد منكم أجود ما قال .ثم قالوا لمسلم :كأنا بك يا أبا الوليد وقد جئت بقولك :إذا ما
علت منا ذؤابة واحد تمشت به مشى المقيد في وحلِ
هل العيش إل أن تروح مع الصبا وتغدو صريع الكأس والعين النّجْل
و من ه نا سمى صريح الغوا ني ،سماه بذلك الرش يد ،وله مع ذلك ق صة عجي بة سنذكرها في أخباره -ثم قالوا
لبيي نواس :كأنيا بيك ييا أبيا علي قيد جئت بقولك :ل تبكِي ليلى ول تطرب إلى هنيد واشرب على الورد مين
حمراء كالوردِ
كأسا إذا انحدرت من كف شاربها أجدته حمرتها في العين والخد
فالكأس ياقوتة والخمر للؤلؤة من كفة لؤلؤة ممشوقة القد
تسقيك من عينها خمرا ومن يدها خمرا فمالك من سكرين من بد
لي سكرتان وللندمان واحدة شيء خصصت به من بينهم وحدي
ثم قالوا لدعبل :كأنك قد جئت بقولك :ل تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى
ومنها :ل تأخذوا بظلمتي أحدا طرفي وقلبي في دمي اشتركا
ثم قالوا لبي الشيص :كأنك قد جئت بقول :حُلي عقال مطيتي ل عن قلى وأمضى فإني يا أميمة ماضي
اثنان ل تصبو النساءُ إليهما ذو شيبة ومحالف النفاض
قال أبو الشيص :بل أنشدكم أبياتا قلتها في هذه اليام .قالوا :هات .فأنشدهم :وقف الهوى بي حيث أنت فليس
لي متأخر عنه ول متقدمُ
أجد الملمة في هواك لذيذة حبّا لذكرك فليلُمني اللومُ
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ما مَن يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهم
قال أبو نواس :أحسنت وال وملحت ولتعلمن أني سآخذ منك هذا المعنى فيشتهر ما أقول ول يشتهر ما قلت.
فأخذه وضمنه قوله في الخصيب :فما جازه جود وما حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير
فسار هذا لبي نواس ولم يسر بيت أبي الشيص إل دون ذلك.
وحدثني أبو مالك عبيد ال بن محمد قال :قال ابن العمش كان أبو الشيص عند عقبة بن جعفر بن الشعث
الخزاعي وكان من أكرم الناس عليه ،لنقطاعه إليه ومدحه إياه ،ولما بينهما من العشرة وكان لعقبة بن الشعث
خادم يحبه حبا شديدا ،فشرب أبو الشيص ليلة مع عقبة فسكر وبات .فلما كان في بعض الليل دب إلى الخادم،
فوجأه الخادم بالسكين فأصاب مقتله ،فقال له أبو الشيص :ويحك قتلتني ،فأما إذ قد فعلت فل تفضحني ونفسك.
فقال الخادم :وما أصنع? قال :هات قرابا فاكسره تحتي لموت فوقه فيقال :إنه كان سكران فوقع عليه فمات.
ففعيل ذلك .ومات أبيو الشييص مين سياعته ،فلم يأت على الخادم إل أيام يسييرة حتيى حدث موله الحدييث فلم
يُنَهنِه عقبة أن قتل الخادم.
وكان أبو الشيص أحد شعراء الرشيد ممن قد مدحه مدائح كثيرة ثم لما مات الرشيد رثاه ومدح محمدا المين
فمما قال في ذلك :جرت جوار بالسعد والنحس فنحن في وحشة وفي أنسِ
()24
العين تبكي والسن ضاحكة فنحن في مأتم وفي عرسِ
يضحكنا القائم المين ويُب كينا وفاةُ المام بالمس
بدران :بدر هذا ببغداد في ال خلد وبدر بطوس في الرمس
ومما يختار من شعره قوله :أبقى الزمان به ندوب عضاض ورمى سواد قرونه ببياضِ
نفرت به كأس النديم وأغمضت عنه الكواعب أيما إغماض
ولربما جُعلت محاسن وجهه لجفونها غرضا من الغراض
حسر المشيب قناعه عن رأسه فرمينه بالصد والعراض
اثنان ل تصبو النساء إليهما ذو شيبة ومحالف النفاض
فوعودهن إذا وعدنك باطل وبروقهن كواذب اليماض
ل تنكري صدى ول إعراضي ليس المقل على الزمان براض
حُلّى عِقال مطيتي ل عن قلى وأمضى فإني يا أميمة ماض
عوّضتُ عن برد الشباب ملء ًة خَلَقا وبئس معوضة المعتاض
ُ
أيام أفراس الشباب جوامحٌ تأبى أعنتها على الرواض
ب صرفت إليك وجوهها نكبات دهر للفتى عضاض
وركائ ٍ
()25
ومن مختار أبي الشيص قوله :خلع الصبا عن منكبيه مشيبُ فطوى الذوائب رأسه المخضوب
نشر البلى في عارضيه عقاربا بيضا لهن على القرون دبيبُ
ومما يستحسن له قوله :نهى عن خُلة الخمر بياض لح في الشعرِ
وقد أغدو وعين الشم س في أثوابها الصفر
على جرداء قباء ال حشا ملهبة الحضرِ
بسيف صارم الحد وزق احدب الظهرِ
وظبي يعطف الز َر ويثنيها على الخصر
على ألطف ما شدت عليه عقد الزر
مهاة ترتمي اللبا ب عن قوس السحر
لها طرف يشوب الخم ر للندمان بالخمر
عفيف اللحظ والعضا ء في الصحو وفي السكر
على عذراء لم تفتق بنار ل ول قدر
عجوز نسج الماء لها طوقا من الشذرِ
كأن الذهب الحم ر في حافاتها يجري
وليل تركب الركبا ن في أجوافه الخضر
بأرض تقطع الحير ة فيها بالقطا الكدر
تمسكت على أهوا لها بال والصبر
وإعمال بنات الري ح في المهمة والقفر
شماليل يصافحن متون الصخر بالصخر
بإيجاف يقد اللي ل عن ناصية الفجر
وم ما طار ل بي الش يص في الدن يا و سارت به الركبان هذه :أشا قك والل يل مل قى الجران غراب ينوح على
غصن بان
ح يبكي بعينين ل تهملنِ
أحمّ الجناح شديد الصيا ِ
ب وفي البان بين بعيد التدان
وفي نعبات الغراب اغترا ٌ
لعمري لئن فزعت مقلتاك إلى دمعة قطرها غير وان
فحق لعينيك أل تجف دموعهما وهما تطرفان
ومن كان في الحي بالمس منك قريب المكان بعيد المكان
فهل لك يا عيش من رجعة بأيامك المونقات الحسان
فيا عيشنا ،والهوى مورق له غصن أخضر العود دانِ
لعل الشباب وريعانه يسود ما بيض القادمان
وهيهات يا عيش من رجعة بأغصانك المائلت الدواني
لقد صدع الشيب ما بيننا وبينك صدع الرداء اليماني
()26
عليك السلم فكم ليلة جموحٍ وليل خليعِ العنان
قصرت بك اللهو في جانبيه بقرع الدفوف وعزف القيان
()27
ومما يستحسن من شعره قوله هذه اللمية :ختلته المنون بعد اختيال بين صفين من قنا ونصال
في رداء من الصفيح صقيل وقميص من الحديد مذال
لبي الشيص في الرشيد مرثية عجيبة :غربت في المشرق الشم س فقل للعين تدمع
ما رأينا قطّ شمسا غربت من حيث تطلع
و هي طويلة .ولو ذهبنيا ن سوق ق صائد خرج الكتاب عن حدّ ق صدناه ،وإن ما نأ تي بالب يت والبيت ين دليلً على
قصيدة مشهورة ونتفرق في خلل ذلك القصيدة -في الفرط -إذا كانت رائعة كثيرة الفوائد ليكون أحفظ .للناظر
في الكتاب إذا أراد الحفظ.
و من قلئد أ بي الش يص كلم ته في عق بة بن الش عث يمتد حه :مرت عي نه للشوق فالد مع من سكب طلول ديار
الحيّ مغترب
كسا الدهر برديها البلى ولربما لبسنا جديديها وأعلمنا قشب
فغير مغناها ومحت رسومها سماء وأرواح ودهر لها عقب
تربع في أطللها بعد أهلها زمان يشت الشمل ،في صرفه عجب
تبدلت الظلمان بعد أنيسها وسودا من الغربان تبكي وتنتحب
وعهدي بها غناء مخضرة الربا يطيب الهوى فيها ويستحسن اللعب
وفي عرصات الحي أظبٍ كأنها موائد أغصان تأود في كثب
عواتق قد صان النعيم وجوها وخفرها خفر الحواضن والحجب
عفائف لم يكشفن سترا لغدرةٍ ولم تنتح الطراف منهن بالريب
فأدرجهم طيّ الجديدين فانطووا كذاك انصداع الشعب ينأى ويقترب
وكأس كسا الساقي لنا بعد هجعة حواشيها مامج من ريقه العنب
()28
فأصبحت قد نكبت عن طرق الصبا وجانبت أحداث الزجاجة والطرب
ل لمن شرب
يحطان كأسا للنديم إذا جرت عليّ وإن كانت حل ً
ولو شئت عاطاني الزجاج أحورٌ طويل قناة الصلب منخزل العصب
ليالينا بالطف إذ نحن جيرة وإذ للهوى فينا وفي وصلنا آزب
تخالسني اللذات أيدي عواطل وجوف من العيدان تبكي وتصطخب
إلى أن رمى بالربعين مشبها ووقرني قرع الحوادث والنكب
وكفكف من غربي مشيب وكبرة وأحكمني طول التجارب والدب
وبحر يحار الطرف فيه قطعته بمهنوءة من غير عر ول جرب
ملحكة الضلع محبوكة القرى مداخلة الرايات بالقار والخشب
موثقة اللواح لم يدم متنها ول صفحيتها عقد رحل ول قتب
عريضة زور الصدر دهماء رسلة سناد خليع الرأس مزمومة الذنب
جموح الصلة موارة الصدر جسرة تكاد من الغراق في السير تلتهب
مجفرة الجنبين جوفاء جونة نبيلة مجرى العرض في ظهرها حدب
معلمة ل تشتكي الين والوجي ول تشتكي عض النسوع ول الدأب
ولم يدم من جذب الخشاشة أنفها ول خانها رسم المناسب والنقب
مرققة الخفاف صم عظامها شديدة طي الصلب معصوبة العصب
يشق حباب الماء حد جرانها إذا ما تفرى عن مناكبها الحبب
إذا اعتلجت والريح في بطن لجةً رأيت عجاج الموت من حولها يثب
ترامى بها الخلجان من كل جانب إلى متن مقتر المسافة منجذب
ومثقوبة الخفاف تدمي أنوفها معرفة الصلب مطوية القرب
صوادع للشعب الشديد التيامه شواعب للصدع الذي ليس ينشعب
ومن قلئد أبي الشيص البالغة السائرة في الرض قوله :يا دار مالك ليس فيك أنيس إل معالم آيهن دروس
الدهر غالك أم عراك من البلى بعد النعيم خشونة ويبوس
ما كان أخصب عيشنا بك مرة أيام ربعك آهل مأنوس
فسقاك يا دار البلي متجرف فيه الرواعد والبروق هجوس
دار جل عنها النعيم فربعها خلق تمر به الرياح يبيس
طلل محت آي السماء رسومه فكأن باقي محوهن دروس
ما استحلبت عينيك إل دمنة ومخرب عنه الشرى منكوس
ومخيس في الدار يندب أهله رث القلدة في التراب دسيس
أنس الوحوش بها فليس بربعها إل النعام تروده وتحوس
ربع تربع في جوانبه البلى وعفت معالمه فهنّ طموس
يدعو الصدى في جوفه فيجيبه ربد النعام كأنهن قسوس
()29
ولربما جر الصبا لي ذيله فيه ،وفيه مألف وأنيس
()30
الناس له فملوه ،وقد قيل :لكل جديد لذة ،والذي يستعمل في زماننا إنما هو أشعار المحدثين وأخبارهم ،فمن ها
هنا أخذنا من كل خبر عينه ومن كل قلدة حبتها.
()31
وحدثني اليزيدي قال :حدّثني أبو سلهب الشاعر قال :كان والبة بن الحباب ماجنا خليعا .ما يبالي ما قال ول ما
صنع .وكان منزله في آخر زقاق ل منفذ له .فكان إذا أتاه السائل يسأله ،ويتركه حتى يطيل ويكثر ول يجيبه،
فإذا علم أنه قد انصرف ومشى إلى طرف الزقاق -والزقاق طويل جدا -فتح بابه ثم ناداه ،فيجيبه :لبيك لبيك،
يظن أنه قد أخرج له شيئا ،ويقبل نحوه ،فإذا قرب منه قال :صنع ال لك.
وحدثيت أن المهدي ذكره ذات يوم فقال :ميا أشعره وأملح شعره! وهيو ميع ذلك أدييب واسيع الحفيظ .فقال له
ب عض من في مجل سه :ما يمن عك من منادم ته? قال :يمنع ني من ذلك قوله :قلت ل ساقينا على خلوة أدن كذا
رأسك من رأسي
وادن فضع صدرك لي ساعة إني امرؤٌ أنكح جلسي
فتريد أن ينكحنا ل أم لك.
()32
أما الرجل فله في الزهد في الدنيا ،والترغيب في الجنة ،والحث على الطاعة ل عز وجل ،والمر بمحاسن
ل وحكما فم ما ي ستحسن له قوله :تأوب ني هم
الخلق ،وذ كر الموت وال قبر ،ما ل يس ل حد وكان شعره كله أمثا ً
فبت أخاطبه وبت أراعي النجم ثم أراقبه
لما رابني من ريب دهر أضرني فأنيابه يبرينني ومخالبه
وأسهرني طول التفكير ،إنني عجيب لدهر ما تقضي عجائبه
أرى عاجزا يدعى جليدا لغشمه ولو كلف التقوى لفلت مضاربه
وعفّا يسمى عاجزا لعفافه ولو ل التقى ما أعجزته مذاهبه
وأحمق مصنوعا له في أموره يسوده إخوانه وأقاربه
على غير حزم في المور ول تقى ول نائل جزل تعد مواهبه
وليس بعجز المرء إخطاؤه الغنى ول باحتيال أدرك المال كاسبه
ولكنه قبض الله وبسطه فل ذا يجاريه ول ذا يغالبه
إذا كمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلقه ومناقبه
ف يا عج با ك يف يم كن أن يقول زند يق م ثل هذا القول?! وك يف يكون قائله زنديقا? وم ما ي ستحسن له قوله :أل
أحد يبكي لهل محل ٍة مقيمين في الدنيا وقد فارقوا الدنيا
كأنهم لم يعرفوا غير دارهم ولم يعرفوا غير التضايق والبلوى
ومما يختار من شعره قوله :فو حق من سمك السماء بقدرة والرض صير للعباد مهادا
إن المصر على الذنوب لهالك صدقت قولي أو أردت عنادا
وحدثني أحمد بن إبراهيم المعبر قال :رأيت صالح بن عبد القدوس في المنام ضاحكا مستبشرا ،فقلت له :ما
فعل ال بك? وكيف نجوت مما كنت فيه? فقال :إني وردت على رب ل تخفى عليه خافية ،فاستقبلني برحمته
وقال :قد علمت براءتك مما كنت تعرف به وترمى باعتقاده.
وأشعاره كثيرة ،إل أنها موجودة عند جميع الناس مستفيضة فيهم ،فاقتصرنا على ما ذكرنا منها
أخبار إبراهيم بن سيابة
حدّثني أبن أبي قباذ قال :قال العوفي :كان سيابة حجاما ،وفيه يقول عتبة العور يهجوه ويذكر صناعته :أبوك
أوهى النجاد عاتقه كم من كمي أدمي ومن بطل
يأخذ من ماله ومن دمه لم يمس من ثأره على وجل
ذلت رقاب الملوك خاضعة من بين حاف له ومنتعل
وكان ير مي بالزند قة وكان المهدي أخذه وأح ضر كت به فلم يو جد في ها ش يء من ذلك ،فآم نه وا ستكتبه ،وكان
يكتب في مجلسه وبين يديه وكان من أبلغ الناس وأفصحهم ثم صح عنده أن فيه شيئا مما كان اتهم به ،فاطرحه
وأقصاه ،فساءت بعد ذلك حاله ،واحتاج إلى مسألة الناس ،وكان أحد المطبوعين ،وكان محجاجا منطيقا.
ومما رويناه له قوله :جاء البشير مقدم البشراء منه عليّ بأعظم العظماء
أبشر أبا إسحاق أدركت الغنى والسؤل منه فأعطني بشرائي
فطفقت أعطي بالبشارة ما حوت كفاي من صفر ومن بيضاء
حتى إذا بقيت يدي من ملكها صفرا وجدت بجبتي وردائي
ل على الشياء
وبكل ما يدعو ويذكر ذاكر وبخاتمي فض ً
()33
ضار الذي أملته ورجوته يأسا رهينا قبضة العنقاء
قد كنت قبل اليوم أدعى مسلما واليوم صار الكفر من أسمائي
وأشعاره جيدة وأخباره حسينة ،ولييس يمكين السيتقصاء على ذلك لئل يخرج الكتاب مين حيد الختصيار إلى
التطويل
أخبار مطيع بن إياس
حدّثني محمد بن أحمد الزيادي قال :قال أبو نجد الشاعر :مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة بقصيدة فصيحة
جيدة ،فلميا سيمعها معين قال :ييا ابين إياس ،إن شئت أثبناك ،وإن شئت مدحناك ،فاسيتحيا مطييع مين اختيار
الثواب ،وكره اختيار المدح وهو محتاج ،فكتب إلى معن هذه البيات:
ثناء من أمير خير كسب لصاحب مغنم وأخي ثراء
ولكن الزمان برى عظامي ومالي كالدراهم من دواء
فلما قرأها معن ضحك وقال :صدق ،ما مثل الدراهم من دواء ،وأمر له بصلة .وحدثني محمد بن أحمد قال:
حدّثني أبو نجد قال :صار مطيع بن إياس إلى صديقه لحماد عجرد يعاتبها له ،وقد كانت هاجرته ،وكان مطيع
صديقا لحماد ،فأنشأ يقول :أنت معتلة عليه وما زا ل مهينا لنفسه في رضاك
فقام حماد بيين يدي المرأة وقبيل رأسيه وقال :جزاك ال خيرا مين أخ ،أفصيحت عميا فيي ضميري ،وشفييت
غليلي .والمرأة تضحك ،وحماد يقول ل عدمت منك هذا البر يا أخي ،ثم أنشأ مطيع يقول :فذريه وواصلي ابن
إياس جعلت نفسه الغداة فداك
فغضيب حماد وقال :ييا ابين الفاعلة ميا جئت بيك على هذا ،الحدييث لنفسيك ل لي فاسيتفرغت المرأة ضحكا،
ورابطت مطيعا ،وفارقت حمادا ،فكاد حماد يجن جنونا وجعل يشكو مطيعا إلى الناس.
وكان مط يع بن إياس صديقا ليح يى بن زياد ،ل يفار قه ليلً ول نهارا ،ويرى كل وا حد منه ما ب صاحبه الدن يا
مودة ومحبة ،ثم فسد ما بينهما فتهاجرا ،ففي ذلك يقول مطيع :كنت ويحي كيدي واحد نرمي جميعا ونرامى
معا
إن عضني الدهر فقد عضه أو موجع نال فقد أوجعا
أو نام نامت أعين أربع منّا ،وإن صم فلن أسمعا
حتى إذا ما الشيب في مفرقي لح ،وفي عارضه أسرعا
سعى سعاة بيننا دائبا فكاد حبل الوصل أن يقطعا
فكاد أعداء لنا لم تزل تطمع في تفريقنا مطمعا
حتى إذا استمكن من عثرة أوقد نيران القلى مسرعا
ومما يستحسن من شعره كلمته التي أولها :فلئن كنت لست تصحب إل صاحبا ل تزل ما عاش نعله
ل تجده ولو جهدت وأني بالذي ل يكاد يوجد مثله
إنما صاحبي الذي يغفر الذن ب ويكفيه من أخيه أقله
ليس من يظهر المودة إفكا وإذا قال خالف القول فعله
وصله للصديق يومٌ فإن طا ل فيومان ثم يصرم حبله
()34
ومما يستحسن له من غزله قوله :لقد أحببت جهد الح ب ذات الخال والعقد
وتحكي بعد غب الن وم مطروقا من الشهد
ل على الخد
غزال أحور العين له خا ٌ
كأن البدر ذاك الخا ل وافى ليلة السعد
ولمطيع بن إياس شعر كثير في جميع الفنون ،وهو أ حد الخلعاء المجان ،وكان صاحب نوادر ،ولو استقصينا
كل شاعر واستوعبنا شعره زال الكتاب عن الغرض الذي قصدناه .وتوفي مطيع سنة تسع وتسعين ومائة.
كان الخليل بن أحمد منقطعا إلى الليث بن نصر بن سيار ،وكان الليث من أكتب الناس في زمانه ،وكان بارع
الدب ،ب صيرا بالن حو والش عر والغر يب ،وكان يك تب للبرام كة ،ويط ير مع هم في دولت هم بجناح ين ،وكانوا
معجبين ،فارتحل إليه الخليل بن أحمد ،فلما عاشره وجده بحرا ،فأجزل له وأغناه .وأحب الخليل أن يهدي إليه
هد ية تل يق به ،فأق بل وأدبر ،وعلم أن المال والثاث ل ي قع م نه موقعا ح سنا ،لوجود ذلك عنده ،وكثر ته لد يه،
وأنه ل يسر بشيء سروره بمعنى لطيف من الدب ،فجهد نفسه في تصنيف كتاب العين ،فصنفه لليث بن نصر
دون سائر الناس ،ونم قه و حبره ،وأخر جه في أ سرى ظرف وأح سن خط ،فو قع م نه موقعا :عظيما ،و سر به
سرورا شديدا ،فوصله بمائة ألف درهم ،واعتذر إليه من التقصير ،وأقبل ينظر فيه ليلً ونهارا ،ول يمل منه
ول يف تر ،وكان يغدو ويروح على البرام كة ،فكأ نه على الر ضف ح تى ير جع إلى الكتاب وين ظر ف يه ،إلى أن
ح فظ ن صف الكتاب .وكا نت تح ته ب نت عم له ،وكا نت سرية نبيلة مو سرة جميلة ،وكا نت تهوى ا بن عم ها
وتحبه ،فاشترى الليث جارية نفيسة فائقة الجمال ،بثمن جزيل ،فأقعدها في منزل صديق له يتسرى بها ،فبلغ
ذلك ابنة عمه ،فوجدت من ذلك أشد وجد ،وحزنت وقالت :وال لغيظنه ول أتقي الغاية .وقالت :إن غظته في
المال فهيو ل يبالي بيه ول يكترث له ،ولكنيي أراه مشغوفا بهذا الكتاب ،وقيد هجير كيل لهيو ولذة ،وأقبيل على
الن ظر ف يه ،وال لفجع نه به .ثم عمدت إلى الكتاب بأ سره فأحرق ته ،فل ما كان بالع شي ،وراح الل يث من دار
البرامكة ،ودخل المنزل ،لم يكن له هم إل الكتاب ،فصاح بالغلم أن يحمله إليه ،فلم يوجد الكتاب ،وكاد يطير
طيشا ،و ظن أ نه سرق ،فج مع غلما نه وتهدد هم .فقال بعض هم :يا سيدنا أخذ ته الحرة ،فبادر إلي ها ليترضا ها
وي سترجع الكتاب ،وقال ل ها :ردي الكتاب والجار ية لك ،و قد حرمت ها على نف سي ،فأخذت بيده ،وأدخل ته الب يت
الذي أحرقته فيه ،فلما نظر إلى رماده وصح عنده أنه احترق ،سقط في يديه .وظن أنه أصيب بمال عظيم أو
يولد أو أعظم منه ،وكان قد حفظ نصف الكتاب ،ويبقى عليه نصفه -وقد مات الخليل -فطلبه في الدنيا كلها
فأعجزه ذلك ،ولم تكن النسخة وقعت إلى أحد ،فاستدرك النصف من حفظه وجمع على النصف الباقي علماء
()35
أهيل زمانيه .فقالوا :ميا تروم? قال :مثلوا علييه ،فمثلوا ،فلم يلحقوه ،ول شقوا غباره .فأنيت ترى ميا فيي أيدي
الناس من ذلك ،فإذا ما تأملته تراه نصفين ،النصف الول أتقن وأحكم ،والنصف الخر مقصر عن ذلك.
ومما يستحسن للخليل بن أحمد من شعره قوله :وما هي إل ليلة ثم يومها وحول إلى حول وشهر إلى شهر
مطايا يقربن الجديد إلى البلى ويدنين أشلء الكريم إلى القبر
ويتركن أزواج الغيور لغيره ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر
ومما سار له في الدنيا قوله :أبلغا عني المنجم أني كافر بالذي قضته الكواكبْ
عالم أن ما يكون وما كا ن قضاء من المهيمن واجبْ
ومن السائر الذي يروي له قوله :لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت تعلم ما تقول عذلتُكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
ومما يختار له قوله لسليمان بن قبيصة بن يزيد بن المهلب وقد كتب إليه يستزيره إلى السند وكان واليا عليها:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال
الرزق عن قدر ل الضعف ينقصه ول يزيدك فيه حول محتال
وأهدى إليه سليمان من السند هد ية برزة فرد ها وقال :وخصلة يك ثر الشيطان إن ذكرت من ها التعجب جاءت
من سليمانا
ل تعجبن لخير زل عن يده فالكوكب النحس يسقي الرض أحيانا
وأخبار الخليل وعجائبه كثيرة ،وشعره قليل لن شغله بالعلم كان أكثر منه بقول الشعر ،وفيما أوردنا من جملة
قصته كفاية.
حدثني الخاسر خالي .فقلت له :جعلت فداك ،لم سمي الخاسر? فضحك وقال :سمي الخاسر لنه تقرّأ فبقي في
تقرئه مدة ي سيرة .فر قت حاله فاغتم لذلك ،ورجع إلى شيء م ما كان عليه من الفسق والمجون ،وباع م صحفا
شعْر -فشاخ بالناس خبره،كان ورثه من أبيه ،فاشترى بثمنه طنبورا -وقيل :باع مصحفا واشترى بثمنه دفتر ِ
فسمي الخاسر بذلك ،وقيل له :ويلك ،في الدنيا أحد فعل ما فعلت? تبيع مصحفا وتشتري بثمنه طنبورا فقال :ما
تقرب أحد إلى إبليس بمثل ما تقربت إليه ،فإني أقررت عينه.
وقد قيل :إنما فعل ذلك مجونا ،ولم يكن رديء الدين .وأما الذين زعموا أنه اشترى بثمن المصحف الشعر ،فقد
رووا في أخباره أ نه ل ما أفاد من الخلفاء والبرام كة بشعره ما أفاد من الموال الجليلة قال :أ نا الرا بح ول ست
بالخاسر.
وكان من المطبوعين المجيدين .وكان تلميذا لبشار بن برد العمى ،ولما قال بشار بيته هذا :من راقب الناس
لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ
أخذ سلم هذا المعنى ،وجاء به في أجود من ألفاظه وأفصح وأوجز فقال :من راقب الناس مات غما وفاز باللذة
الجَسُورُ
()36
وقال بشار -حين قال بيته ذلك :-ما سبقني أحد إلى هذا المعنى ول يأتي بمثله أحد .فلما قال سَلْمٌ هذا البيت،
قال راوية بشار :صرت إليه فقلت :يا أبا معاذ ،قد قال سلم بيتا أجود من بيتك الذي تعجب به .قال :وما هو?
فأنشدته البيت ،فقال :أوخ ،ذهب وال بيتي ،لوددت أن ولءه لغير آل أبي بكر الصديق فأقطعه وقومه بهجوي.
وهذا مما يدل أن بشا ًر كان صحيح الدين .ثم نحاه عن نفسه ،حتى كلمه فيه بعض إخوانه فرده.
و سلم أ حد المطبوع ين المح سنين وكان كث ير البدائع والروائع في شعره و سار ب يت سلم الذي ذكرناه ،ولم يسر
بيت بشار.
ومن جيد ما يروى لسلم كلمته في يحيى بن خالد -ويقال :إنه أخذ عليها مالً عظيما ويقال :إنه من عمل بما
فيي هذه البيات مين قصييدته جاز أن يكون وزيرا والبيات هذه :بقاء الديين والدنييا جميعا إذا بقيي الخليفية
والوزيرُ
يغار على حمى السلم يحيى إذا ما ضيع الحزم الغيور
وليس يقوم بالسلم إل معار يستجار ويستجير
كِل يوميك من نفع وضر يحوط حماهما كرم وخير
وما ألهاك عما أنت فيه نعيم الملك والوطئ الوثير
إليك سبيلنا من كل وجه وكل المر أنت به بصير
بلوت الناس من عجم وعرب فما أحد يسير كما تسير
فكل المر من قول وفعل إذا علقت يداك به صغير
وفي كفيك مدرجة المنايا ومن جدواهما الغيث المطير
وأنت العز في حرب وسلم يضاف إلى مناكبك الطهور
عرفت الدهر من خير وشر فكل الرأي أنت به خبير
ولست مجازيا بالضغن ضفنا ولو أبدى المظاهرة الظهير
فكل الناس بين غنى وعفو لديك ،كلهما در درور
وما تخفى عليك وأنت طب بطون للمور ول ظهور
سرابيل المحامد ضافيات عليك يزينها الوشي الحبير
وما نزغتك للدنيا هنات إليك أعين الوزراء صور
وما إن نال من دين لدنيا قليل من هواك ول كثير
وكانت قبلك الوزراء غرقى يؤم كبيرهم فيها الصغير
وما إن جاء مقطع كل حق صعود في هواك ول حدور
تفرجت المور ببرمكي تضيء له المنابر والسرير
حملت فوادح العباء عنا عن السلم إن شكر الشكور
منا ملك نعم ووزير ملك عليه من لباس الشيب نورُ
بديهته وفكرته سواء إذا ما نابه الخطب الكبير
وأجزل ما يكون الدهر رأيا إذا عمي المشاور والمشير
ول غرس المور ول اجتناها كيحيى حين يعزم أو يسير
()37
الصفحة 28 :
()38
إن الخليفة في يدي ه سجال عفو وانتقام
كان سلم الخاسر يذهب بالمهدي إلى أنه المهدي الذي وصف رسول ال صلى ال عليه وآله.
وم ما ي ستحسن من شعره ق صيدته في مو سى الهادي بن المهدي و هي هذه :سألت الديار وأطلل ها و ما إن
تجاوب سؤالها
منازل قد أقفرت يعدنا وجرت بها الريح أذيالها
وصهباء تعمل في الناظرين شربت على الريق سلسالها
وقد كنت للكأس والغانيات إذا هجر القوم وصالها
وكم قد رفعت ستور الملوك وزاولت بالشعر أزوالها
ونلت مجالس مشهورة ينال الكرام بمن نالها
ولقد جعل ال في راحتيك حياة النفوس وآجالها
وجدناك في كتب الولي ن محي النفوس وقتالها
وموسى شبيه أبي جعفر ومعطي الرغائب سؤالها
ولول مكانك من بعده لنكرت العوذ أطفالها
مما يستحسن له كلمته في نجاح الحاجة وهذه البيات منها :يدير المور مقاديرها وللرزق داع إلى أهله
إذا أذن ال في حاجة أتاك النجاح على رسله
إذا قنع المرء نال الغنى وعرى المطية من رحله
ول تسأل الناس من فضلهم ولكن سل ال من فضله
وحدث ني ،أح مد بن مح مد النوفلي قال :ما وف قت إلى شا عر أعرف بأشعار الجاهل ية ول أدري ل ها من سلم
الخاسر ،وكان سلم مزاحا لطيفا ،مداحا للملوك والشراف ،وكانوا يجزلون له في الثواب والعطية ،فيأخذ الكثير
وينفقه على إخواته وغيرهم من أهل الدب.
ولما قال أبو العتاهية أبياته التي ذكر فيها سلما وبلغه قوله:
()39
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة تطالعن من هجل حفيّ إلى هجل
ي الرزق واجمع إذن شملي
فإن كنت عن تلك المواطن حابسي فأسبغ عل ّ
فقال له الوليد :قد أمرنا لك بمائتي ناقة سوداء ،ومائتي ناقة حمراء ،تضيء هذه من هنا ،وتظلم تلك من هنالك،
ف خذ الك تب بذلك إلى م صدّق كلب يدفع ها إل يك .فأ خذ ا بن ميادة الك تب وم ضى نحوه ،فل ما قرأ كتا به قال له:
أعفني من الجعودة وقد كان أمر له بها جعادا ،فأبي أن يقبلها إل جعادا كما أمر له ،وتماحل هو المصدق في
ذلك ،وك تب ا بن ميادة إلى الول يد يعل مه ذلك ،وض من كتا به هذ ين البيت ين :ألم يبل غك أن الح يّ كلبا أرادوا في
عطيتك ارتدادا
أرادوني بها لونين شتى وقد أعطيتها دهما جعادا
فكتب الوليد إلى المصدق يتوعده ويأمره أن يسلمها إليه -كما أمر -برعاتها وأدواتها .فأقبل يسوقها حتى أقبل
بها على حيه.
واسمه الرماح بن أبرد ،وميادة أمه ،وكانت أم ولد ،وهو من بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان .وكان ابن
ميادة يضرب أمه في صباه ويقول :اعر نزمي مياد للقوافي
يريد أنه سيهجو الناس فيهجونه ويذكرون أمه.
وأبوه مين ولد ظالم بين الحارث بين ظالم المري وهيو القائل يفتخير بذلك :سيقتني سيقاة مين آل ظالم بأرشيية
أطرافها في الكواكب
وبقي ابن ميادة حتى أدرك أيام بني العباس .وقد مر على جعفر بن سليمان ابن علي وهو والي البصرة فأنشد:
يا جعفر الخيرات يا جعفر ليتك ل تنعى ول تقبر
فل ما رأى جع فر ركا كة هذا الش عر وخف ته قال :يا رماح .قال :لب يك أي ها الم ير .قال :أتمدح الول يد بن يز يد
الفاسق بمثل ذلك الشعر وتمدحني بمثل هذا? قال :أيها المير إن مدح الشاعر على قدر العطية .وما علي من
فسق الوليد وقد أعطاني أربعمائة ناقة برعاتها وعبيدها وآلتها? وال ل قلت أبدا أنه فاسق ولو ضربت عنقي
فإن إحسيانه يمنعنيي عين ذلك ،فأعج به ميا رأى من شكره ووفائه للر جل بعيد الموت وذهاب الدولة ،فأ مر له
بأربعمائة ناقة ،وقال له :قل الن مثل شعرك الذي تقول فيه ،فقال:
كنت امرًأ أرمى الزوائل مرة فأصبحت قد ودعت رمى الزوائل
وعطلت قوس اللهو من شرعاتها وصارت سهامي بين رثّ وناصل
إذا حل أهلي بالجناب وأهلها بمنعرج العلن من ذي أذابل
فقل :خلة ضنت عليك بوصلها تقطع منها باقيات الوصائل
يمنونني منك الوصال وقد أرى بأني ل ألقاك من دون قايل
وما أنس من الشياء ل أنس قولها وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتع بذا اليوم القصير فإنه رهين بأيام الشهور الطاول
وكان ابن ميادة جيد الغزل ،ونمطه نمط العراب الفصحاء ،وكان مطبوعا ،وهو الذي يقول :كأن فؤادي في يد
علقت به محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه
وأشفق من وشك الفراق وإنني أظن لمحمول عليه فراكبه
فوال ما أدري :أيغلبني الهوى إذا جدّ جدّ البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وما يغلب الهوى فمثل الذي لقيت يغلب صاحبه
()40
فهذه معان وألفاظ يع جز عن ها أك ثر الشعراء ،فإ نه قد ج مع إلى اقتدار العراب وف صاحتهم محا سن المحدث ين
وملحهم ،وهو القائل :أقول لركب قافلين رأيتهم ببئر سليم من صراد وأشجع
أل إن بلغتم سالمين فأبلغوا تحية مرميّ بسهمين موجع
ومما يختار له قوله هاج البكاء وعاق منه صدوح خطباء باكية على التفراح
تدعو هديل في ذرا عبرية عيناء ليس عيونها بصواح
ناحت بما علمت ولست بنائح وأبت على دأب الدلل بصاح
ومما يستحسن له قوله :سل ال صبرا واعترف بفراق عسى بعد بين أن يكون تلق
أل ليتني قبل الفراق وبعده سقاني بكأس للمنية ساق
أخبار العماني
واسمه محمد بن ذؤيب ،وهو من بني نهشل بن دارم من بني فقيم .حدّثني أبو مالك عبيد ال بن محمد قال:
حدثني بن الرياشي قال :قال الصمعي :مات العماني وهو ابن ثلثين ومائة سنة ،ولم يكن عمانيا ،وإنما غلب
عليه العماني .وكان السبب في ذلك أن دكينا الراجز نظر إليه وهو يسقي البل ويرتجز ،فرآه مصفرا ضريرا
فقال :من هذا العماني? لصفرة وجهه ،فلزمه ذلك.
قال الريا شي :قال ال صمعي :د خل العما ني على الرش يد لينشده ،وعل يه قلن سوة طويلة ،و خف ساذج ،فقال له
الرشيد :إياك أن تنشدني إل وعليك عمامة عظيمة وخفان دلقمان.
فانصرف عنه في اليوم ،فلما كان من الغد غدا على الرشيد وقد تزيا بزي العراب ،ثم أنشده وقبل يده وقال:
يا أمير المؤمنين قد وال أنشدت مروان بن محمد فرأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته ،ومن قبله يزيد ابن
الوليد وإبراهيم بن الوليد ،ثم أبا العباس السفاح ،مدحته ورأيت وجهه ،وقبلت يده وأخذت جائزته ،ثم مدحت
المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم إلى كثير من أشباه الخلفاء والمراء والسادة والروساء ،وال يا أمير المؤمنين
أم ير المؤمن ين ما رأ يت في هم أب هى منظرا ،ول أح سن وجهان ول أندى را حة م نك يا أم ير المؤمن ين .قال:
فأجزل له الجائزة على شعره ،وأضعف ها على كل مه ،وأق بل عل يه بوج هه وتب سم له وب سطه ،ح تى تم نى جم يع
من حضر من الشعراء والخطباء والبلغاء والوفود الذين عنده أنهم قاموا ذلك المقام .وطار اسم العماني بذلك.
وحدثنيي حيان بين علي البصيري قال :حدثنيي الرياشيي عين الصيمعي قال :كان العمانيي شاعرا قديما مفلقا
مطبوعا مفيدان وكان جيد الرجز والقصيد غير أن الغلب عليه الرجز ،وكان يصف الفرس فيجيد ويحسن.
ومن قوله في ذلك :كأن تحت البطن منها أكلبا بيضا صغارا ينتهشن القبقبا
ومما يختار له كلمته في المهدي :الحمد ل الذي بحمده من على عباده بعبده
مهدينا الهادي الذي برشده أصبح بين غوره ونجده
وكل حر يرتجي من رفده فضل الذي بمجده
يا بن الذي كان نسيج وحده أثبت لهاورن مكان ورده
بمشرع يشفي الصدى ببرده وأشفع لنا موسى به من بعده
يا ابن أبيه وشبيه جده يعرف منه جده بجده
حذو الشراك قده بقده إنك إن عضدته بعضده
شددت زنده ساعد بزنده وقد جرت كواكب بسعده
قل للمام وولي عهده رديت موسى بردها فرده
()41
خليفة ال بمثل بردهوالحم المر له وسده
عن واجب من حقه وأده وادعم لنا أركان مصلخده
بمنكبيه يدفعا عن ضده وعن عرا الملك وعن مقوده
بالبيض تترى خلقا من سرده والخير ل يعرف ما لم تبده
كالسيف ل تعرفه في غمده حتى ترى بصائرا من حده
ضربا يزيل الهام عن ألده وما على الناصح فوق جهده
ومما يستحسن له كلمته في الرشيد :لما أتانا خبر كالشهد شبت بماء نقرة صلند
جاءت به البرد وغير البرد ودعت هندا وقطين هند
وكنت في سلوة عيش رغد مع الحسان الخفرات الخرد
()42
ليس على كهل بها وقار مثل الشياطين إذا استثاروا
لهم دنان ولهم جرار وفاشفارات لها قتار
في اليسر ل يطمع فيه الجار
ومما يستحسن له هذه البيات :يا رب شيخ عرق الجبين يغدو ببغذاذ مع الغادين
بعارضيه شبه الطحين وليس في دنيا ول لدين
وواقف في متواقفين بباب كل مخصب بطين
في ثوب قوهي وثوب لين إذا دعا لجمل سمين
وفاشفارات مع الطردين حاسر كفين بفارحين
هانت عليه حاجة المسكين وله أشياء حسان كثيرة ،وكان يوزن بالعجاج ورؤبة ،بل كان أطيع منهما .وكان من
أقرانهما في السن والزمان ،وأقران دكين وأبي النجم العجلي ،إل أنه عاش وبقي حتى أدرك أيام الرشيد ،وقد
امتدح الحجاج بن يوسف.
()43
هدل المشافر أيديها موثقة زج وأرجلها زل ،هزاليج
قالت :تغيرت عن ودي فقلت لها :ل والذي بيته يا سلم محجوج
ما أنس ل أنس منكم نظرة سلفت في يوم عيد ويوم العيد مخروج
فهذا ،كميا ترى ،شعير كأنيه الديباج ،بيل نظيم الدر فيي حسين وصيف ،وإحكام رصيف وهيو الذي يقول :نزل
المشيب فما يريد براحا وقضى لبانته الشباب فراحا
ل تبعدن من أليل ذي لذة وغضارة تدع المراض صحاحا
ما كنت بائعه بشيء يشترى أبدا ولو أني أصبت رباحا
فعلى الشباب تحية من زائر يغدو ويطرق ليلة وصباحا
وبنازل لما أراد إقامة أهلً ،أراد مروءة وصلحا
فدع الشباب فقد مضى بسبيله وانظر بعينك بارقا لماحا
ما زال يدفعه الصبا دفع الطل من لعلع حتى أضاء ولحا
جون الرباب عصى الرياح على الربا متبركا من فوقها إلحاحا
فعلى كحيل بني فنان على الذرا حوا ودهما يستردن بطاحا
وكأن أصوات الحجيج عشية يبغون بالصوت الرفيع فلحا
فيه ،وأصوات الروائم فارقت أولدها فلججن بعد رواحا
يغشى الوحوش بمرسل من مائه مثل الزقاق ملتهن رياحا
وترى صفوف الوحش في حافاتها كثمود يوم رغا الفصيل فصاحا
وكأن يثرب إذ علها وبله بلد ثغوت أهلها لبياحا
ومما يستحسن له كلمته التي يقول له :لقد كنت جلدا قبل أن يوقد الهوى على كبدي نارا بطيئا خمودها
ولو تركت نار الهوى لتضرمت ولكن شوقا كل يوم وقودها
فقد جعلت في حبة القلب والحشا عهاد الهوى تولي بشوق يزيدها
وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي إذا قدمت أيامها وعهودها
لمرتجة الرداف هيف خصورها عذاب ثناياها عجاف قيودها
وصفر تراقيها وحمر أكفها وسود نواصيها وبيض خدودها
يمنيننا حتى ترف قلوبنا رفيف الخزامى تحت طل يجودها
وفيهن مقلق الوشاح كأنها مهاة بسران طوال قدودها
مخصرة الطراف زانت عقودها بأحسن مما زينتها عقودها
ومما يستحسن له قوله :خليلي من عمرو قفا فتعرفا لسهمة دار بين لينة والحبل
وفيهن مقلق الوشاحين طفلة مبتلة الطراف ذات شوى خدل
حصان لها لونان جون وواضح وخلقان شيء من لطيف ومن عسل
وسنتها بيضاء واضحة السنا وذروتها مسودة الفرع والصل
فيا عجبا مني ومن حب قاتلي كأني أجازيه المودة عن قتلي
()44
ومن غنيات الحب أن كان أهلها أحب إلى قلبي وعيني من أهلي
ومن السائر المجاز لبن مطير كلمته في وصف السحاب والمطر -وكان من أحذق الشعراء بذلك وهي قوله:
كثرت لكثرة قطره أطباؤه فإذا تحلب فاضت الطباء
وكجوف ضرته التي في جوفه جوف السحاب سبحلة جوفاء
وكأن بارقه حريق يلتقي ريح عليه عرفج وألء
مستعبر بمدامع مستضحك بلوامع لم تمرها القذاء
وله بل حزن ول بمسرة ضحك يراوح بينه وبكاء
لو كان من لجج السواحل ماؤه لم يبق في لجج السواحل ماء
وكان سبب هذه الق صيدة أن واليا كان على المدي نة ،د خل عل يه ا بن مط ير -وكان ق يل له :هذا أش عر الناس-
فأراد أن يخ تبره ،فقال له :قيد نشأت سيحابة مكفهرة يا ا بن مط ير ،ف قل في ها ،ف قد أرسيلت عزالي ها فقال هذه
القصيدة التي أثبتنا منها هذه البيات.
ومما يختار له قوله :خليلي هذي زفرة اليوم قد مضت فما بعد مي زفرة قد أطلت
ومن زفرات لو قصدن قتلنني تقض التي تأتي التي قد تولت
ومما يستحسن قوله :وكنت أذود العين أن ترد البكا فقد وردت ما كنت عنه أذودها
خليلي ما في العيش عتب لو أنني وجدت ليام الصبا منن يعيدها
وهو من المكثرين المجيدين المعروفين ،وحسبنا ما أوردناه من أخباره دليلً على سائر نمطه.
()45
فأقبل ساعة ثم أقبل على القوم ساعة ،ثم رفع رأسه إل يّ وقال :من أين أنت? قلت :من أهل البصرة قال :أين
منزلك ب ها? قلت في ناح ية ب ني عا يش بمو ضع يقال له ال صوافين ،فقال :فتعرف ا بن زان ية يقال له الحجاج
الصواف? قلت :نعم تركته ينيك ابن مناذر .فضحك ثم قام إليّ فعانقني.
وحدث ني العرو ضي قال :قال لي أ بو إ سحاق :قال الع تبي :رأ يت مح مد بن مناذر و قد قام بم كة و قت المو سم
ينادي بأعلى صوته :معاشر الناس ،مناذر قرية ،وأنا ابن مناذر.
وحدثني محمد بن يزيد قال :حدثني محمد بن عامر الحنفي قال :كان ابن مناذر مولى لبني يربوع ،وكان في
أول أمره مستورا حتى علق عبد المجيد الثقفي فانتهك ستره ،فلما مات عبد المجيد خرج إلى مكة فلم يزل بها
مجاورا ،وكان يجالس سفيان بن عيينة ،وكان سفيان يسأله عن غريب الحديث ومعانيه فيجيبه عند ذلك.
وفي مدح هارون يقول ابن منذر قصيدته التي في نسبيها :هل عندكم رخصة عن الحسن الب صري تروي أو
ابن سيرينا
إنّ سفاها بذي الجللة والشي بة أل يزال مفتونا
لبست ثوب الصبا وبارقه وقد مضت من سني ستونا
لما رأينا هارون صار لنا الل يل نهارا بضوء هارونا
فلو سألنا بحسن وجهك يا هارون صوب الغمام سقينا
وهو القائل في كلمة له :أل يا قمر المسج د هل عندك تنويل
شفاني منك لو تول تني شم وتقبيل
سل كل فؤاد و فؤادي بك مشغول
لقد حملت من حب ك مال يحمل الفيل
وهو يقول في آخر هذا الشعر :وهذا الشعر في الوزن لمن كان له جول
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل
و من قول ا بن مناذر يه جو خالد بن طل يق ،وكان على قضاء الب صرة وكان كث ير الخ طإ :قل لم ير المؤمن ين
الذي من هاشم في سرها واللباب
()46
ومرثي ته في ع بد المج يد قد سارت في الدن يا وذكرت في المرا ثي الطوال الجياد ،و هي فحلة محك مة ف صيحة
جدا ،وقد عارض بها أبا زبيد الطائي .ويقال :إنه قال لبي عبيدة :احكم بين القصيدتين واتق ال ول تقل :ذاك
متقادم الزمان ،وهذا محدث متأخر ،ولكن ان ظر إلى الشعر واح كم لفصحهما وأجودهما .فقال :كل حي لقى
الحمام فمودي ما لحى مؤمل من خلود
ل تهاب المنون شيئا ول تر ى على والد ول مولد
يقدح الدهر في شماريخ رضوى ويحط الصخور من هبود
ولقد تترك الحوادث واليا م وهيا في الصخرة الجلمود
بعقل ال ما يشاء فيمضي ما لفعل الله من مردود
فكأنا للموت ركب محث ون سراع لمنهل مورود
أين رب الحصن الحصين بسورا ء ورب القصر المنيف المشيد
شاد أركانه وبوبه يا بي حديد وحفه بجنود
كان يجبي إليه ما بين صنعا ء فبصرى فقريتي يبرود
فرمى شخصه فأقصده الده ر بسهم من المنايا سديد
ثم لم ينجه من الموت حصنٌ دونه خندق وبابا حديد
وملوك من قبله عمروا الر ض أعينوا بالنصر والتأييد
وعزيز بالتاج معتصب أشو س يحمي الذمار جم العديد
ولو أن المنون أخلدن حيا لعلء أخلدن عبد المجيد
إن عبد المجيد يوم تولى هد ركنا ما كان بالمهدود
ما درى نعشه ول حاملوه ما على النعش من عفاف وجود
غيبوا في الصعيد حزما وعزما ولزاز الخصم اللد العنيد
ويح أيد حثث عليه وأيد غيبته ،ما غيبت في الصعيد?
هد ركني عبد المجيد وقد كنت بركن منه أبوء شديد
فبعبد المجيد تأمور نفسي عثرت بي بعد انتعاش جدودي
وسقاه ماء الشبيبة فاهت ز كغصن الراكة الملود
وسمعت نحوه العيون وما كا ن عليه لزائد من مزيد
فإذا ما ذكرته عرضت لي غصة في اللها وحبل الوريد
وكأني أدعوه وهو قريب حين أدعوه من مكان بعيد
فلئن كان ل يجيب فقد كا ن سميعا هشا إذا هو نودي
ى كان للمقامات زينا ل أراه في المحفل المشهود
يا فت ً
خنتك الود لم أمت جزعا بع د فإني عليك حق جليد
غير أني أبكيك ما حنت الني ب وحثت عيرانةٌ بقيود
لو فدى الحيّ ميتا لفدت نفس ك نفسي وطارفي وتليدي
فبكرهي كنت المعجل قبلي وبرغمي دليت في ملحود
()47
كنت لي عصمة وكنت سماء بك تحيا أرضي ويخضر عودي
تبلس الكاشح العدو على الضغ ن وتجزي بضعف ودّ الودود
عاد عبد المجيد رزءا وقد كا ن رجاء لريب دهر كنود
كان عبد المجيد سم العادي ملء عين الصديق رغم الحسود
وهذه القصيدة طويلة جدا ولكنها موجودة مروية ومما يستحسن من شعره مرثيته هذه في عبد المجيد :يا عين
حق لك البكا ء لحادث الرزء الجليل
فابكى على عبد المجي د وأعولي كل العويل
()48
فلما أن طغى وربا وأندى ضربت به حر أم أبي الشمقمق
أزيدك ،أم كفاك? وذاك أني رأيتك في التجارة لم توفق
فقال أبو الشمقمق :أعوذ بال من الشقاء ،ما كان أغناني عن هذه التجارة.
حدثني محمد بن يزيد قال :جعفر بن إسحاق المهلبي قال :سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول :ماتت ابنة
عم للمنصور ،فحضر المنصور دفنها ،فلما صار على شفير القبر إذا هو بأبي الشمقمق .فقال له :ما أعددت
لهذا المو ضع? قال :اب نة عم أم ير المؤمن ين .فض حك المن صور في ذلك المو ضع ،على أ نه قل يل الهزل ،و قد
روى بعض الناس أن هذا الكلم لبي دلمة مع المنصور.
ومما يروي له ويستحسن قوله :عاد الشمقمق في الخسارة وصبا وحنّ إلى زراره
من بعد ما قيل ارعوي وصحا لبواب الشطارة
من قهوة مسكية واللون مثل الجلنارة
تدع الحليم بل نهى حيران ليس به إحاره
ولربما غنى بها يا جارتا ما كنت جاره
يا أيها الملك الذي جمع الجللة والوقاره
ورث المكارم صالحا والجود منه والعماره
إني رأيتك في المنا م وعدتني منك الزياره
فغدوت نحوك قاصدا وعليك تصديق العباره
أني أتاني بالندى والجود منك إلى البشاره
إن العيال تركتهم بالمصر خبزهم العصاره
وشرابهم بول الحما ر مزاجه بول الحماره
ضجوا فقلت تصبروا فالنجح يقرن بالصباره
حتى أزور الهاشم ي أخا الغضارة والنضارة
ولقد غدوت وليس لي إل مديحك من تجاره
وله أيضا :ما جمع الناس لدنياهم أنفع في البيت من الخبز
والخبز باللحم إذا نلته فأنت في أمن من الترز
والقلز من بعد على إثره فإنما اللذات في القلز
()49
وله أيضاَ :الحمد ل شكرا أمشي ويركب غيري
قد كنت آمل طرفا فصرت أرضى بعير
ليت اليور دواب فكنت أركب أيري
لم ترض نفسي بهذا يا رب منك لخير
ل مين ورا الباب
وله يهجيو ابين البختكان ،وكان خيبيث الهجاء :ومحتجيب والناس ل يقربونيه وقيد مات هز ً
حاجبه
إذا قيل :من ذا مقبلً? قيل :لح ٌد وإن قيل :من ذا خلفه? قيل كاتبه
ومما يستحسن قوله :يبس اليدين فما يسطيع بسطهما كأن كفيه شدا بالمسامير
عهدي به آنفا في مربط لهم يكسكس الروث عن نقر العصافير
وله في بعضهم :وإبطك قابض الرواح يرمي بسهم الموت من تحت الثياب
شرابك في الشراب إذا عطشنا وخبزك عند منقطع التراب
وما روحتنا لتذب عنا ولكن خفت مرزئة الذباب
وله :ذهب الموال فل موا ل وقد فجعنا بالعرب
إل بقايا أصبحوا بالمصر من قشر القصب
بالقول بذوا حاتما والعقل ريح في القرب
وشعر أبي الشمقمق نوادر كله.
ول ما ولي المأمون خالد بن يز يد بن مز يد المو صل خرج م عه أ بو الشمق مق ،فل ما كان و قت دخوله البلد اندق
اللواء ،فتطير خالد لذلك ،واغتم غما شديدا ،فقال أبو الشمقمق فيه :ما كان مندق اللواء لريبة تخشى ول سبب
يكون مزيلً
لكن رأى صغر الولية فانثني متقصدا لما استقل الموصل
وكتب أصحاب الخبار بذلك إلى المأمون ،فولى خالدا ديار ربيعة كلها ،وكتب إليه :هذا الستقلل لوائك ولية
الموصل .وأحسن إلى أبي الشمقمق ،ووصله بعشرة آلف درهم .وتوفي أبو الشمقمق في حدود الثمانين ومائة.
()50
وطار له البيت الثاني في الفاق ولهج الناس به .فهو ينشد في كل مجلس ومحفل وسوق وطريق .وإنما يرزق
البيت من الشعر ذلك إنه كان جيد المعنى ،عذب اللفظ ،خفيفا على اللسان.
وم ما ي ستملح له هجوه لرجاء بن الضحاك على سخف لف ظه -وإن ما تع مد ذلك لي سبق إل يه العا مة وال صبيان
فيروونه -وفيه يقول :ورجاء الجرجرائي لو درى ما حسن رائي
لخباني في حر أمه وقعد فيمن ورائي
وله في آل برمك :إنما الدنيا كبيض عملوه نيمرش
فحشاه البرمكيو ن وقال الناس كشن
ومما سار له في الدنيا ورواه كل أحد لخفته على الفواه قوله :ل يا ملك الناس وخير الناس للناس
()51
دار لواضحة الخدين ناعمة غرثى الوشاح لها في دلها خفر
كأنها درة أغلى التجار بها مكنونة ،ربحوا فيها وما خسروا
قل للخليفة موسى :إن نائله جزل هني وما في سيبه كدر
متوج بالهدى ،بالحمد ملتحف مسربل بالندى ،بالمجد متزر
موسى الذي بذل المعروف ينهبه في الناس ،فالجود من كفيه ينهمر
أشم تنميه آباء جحاجحه شم النوف ،على ما نابهم صبروا
لن يؤمن الناس من لم يؤمنوا أبدا وال يؤمن من آووا ومن نصروا
ل يكسر الناس ما شدوا جبائره وليس يجبر طول الدهر من كسروا
أنت الدعامة يا موسى إذا احتدمت نيرانها وحماة الحرب تجتزر
وإن غضبت فما في الناس من بشر إل على خطر ما مثله خطر
ما مخدر خدر مستأسد أسد ضبارم خادر ذو صولة زئر
غضنفر غضف قرضابة ثقف مسترعب لقلوب الناس مصطبر
ذو برثن شرث ضخم مزورة خبعثن الخلق في أخلقه زعر
جأب الشراسيف رحب الجوف مفترس عند التجاول للقران مهتصر
عفرنس أهرت الشدقين ذو حنق للقرن عند لقا القران مقتسر
جهم المحيا هموس ل ينهنهه صوت الرجال ول للزجر ينزجر
في خطمه خنس في أنفه فطسكأنما وجهه من هضبة حجر
ذوالة قيسري حين تبرزه غشمشي فل يبقي ول يذر
ببالغ عشر عشر من شجاعته إذا تنازلت البطال واشتجروا
بل أنت أجرأ منه في تقدمه وأنت أقدم منه حين يجتئر
يا خير من عقدت كفاه حجزته وخير من قلدته أمرها مضر
إل النبي رسول ال إن له فضلً وأنت بذاك الفضل تفتخر
فهذا -ك ما ترى -مقتدر على الكلم مج يد للو صف ح سن الو صف قد ج مع إلى قوة الكلم محا سن المولد ين
ومعاني المتقدمين.
ومما يستحسن له قوله :وقد اغتدى قبل ضوء الصباح وقبل ورود الغطاط الحثاث
بصاقي الثلث قصير الثلث طويل الثلث عريض الثلث
محجل رجلين طلق اليدين له غرة مثل ضوء الراث
إذا احترث القوم ما عندهم فإن الجياد تكون احتراثي
ومما يستجاد له قوله للفضل بن يحيى بن خالد :تشاغل الناس ببنيانهم والفضل في بنا العل جاهد
()52
كل ذوي الرأي أهل النهى للفضل في تدبيره حامد
ي وجعا من النسا
ومما سار له قوله :قلت لرجلي وهي عوجاء الخطا تشكو إل ّ
ومن أذى العرق وفي العرق أذى مري فهيهاتك من أخذ العصا
ل تطمعن في الذي ل يشتهي وفي تسعيك الذي ل يرتجى
كم بين قول الغانيات :يا فتى وقولهن :شاب هذا وانحنى
وقد نظرن اليوم من قبح الجل جبين وجه وجبينا في القفا
أسره منهن كيما ل يرى ولو بدا رمين رأسي بالحصا
وأشعار أبي الخطاب كثيرة جيدة ،وهو أحد العرجان ،وقد ذكره الجاحظ في كتابه .وزعموا أنه بلغ من معرته
وخوف الناس بادرة ل سانه أن يب عث بع صاه إلى البواب في حوائ جه ،فل تح جب الع صا عن أ حد ،ول ينه نه
حتى تقضي حوائجه.
()53
وحان تنبهي فسألت عنهم فقال :أتى بهم قدر متاح
فقلت له :فسرع بي إليهم حثيثا فالسراح هو النجاح
فما إن زال ذاك الدأب منا إلى عشر نفيق ونستباح
نقيم معا وليس لنا تلق ببيت ما لنا منه براح
وذ كر أ نه مذ د خل سجستان إلى أن خرج من ها ما فارق كوى زيان و في ذلك يقول :ث بت الناس على رايات هم
وأبو الهندي في كوى زيان
منزل يزري بمن حل به تستحل الخمر فيه والزواني
إنما العيش فتاة غادة وقعودي عاكفا في بيت خان
أشرب الخمر وأعصى من نهى عن طلب الراح والبيض الحسان
في حياتي لذة ألهو بها فإذا مت فقد أودى زماني
وحدثني صالح بن إبراهيم قال :حدثني جعيفران الموسوس الشاعر :قال لي صدقة البكري :شرب أبو الهندي
مع قوم في قر ية من قرى مرو على سطح ل يس لي ستر ف سكر ،وكان خبيث ال سكر والنوم ،فل ما جن الظلم
وم ضى من الل يل ما م ضى ،و قد سكروا وأرادوا أن يناموا ،خشوا على أ بي الهندي أن ي سقط من ال سطح،
فربطوا في رجله حبل وأوثقوا ،وطولوا الحبل -لسكرهم -وشدوا طرف الحبل إلى شيء في السطح على غير
ع مد من هم .فقام أ بو الهندي في ب عض الل يل ليبول ،ف سقط فتدلىّ من ال سطح و هم ل يشعرون ،فل ما أ صبحوا
وجدوه متدليا ميتا :وقال صيدقة البكري :قرأت على قيبر أبيي الهندي هذه البيات :اجعلوا إن ميت يوما كفنيي
ورق الكرم وقبري معصره
وادفنوني وادفنوا الراح معي واجعلوا القداح حول المقبره
أنني أرجو من ال غدا بعد شرب الراح حسن المغفرة
قال :ورأيت الفتيان يجتمعون عند قبره ويشربون ويصبون نصيبه على قبره.
ومما يختار لبي الهندي كلمته التي تقول فيها :مفدمة قزا كأن رقابها رقاب بنات الماء أفزعن بالرعد
جلتها الجوالي حين طاب مزاجها وطيبنها بالبان والعنبر الوردي
تمج سلفا من قوارير صفقت وطاسات صفر كلها حسن القد
كميتا ثوت في الدن تسعين حجة مشعشعة في شربها واجب الحد
عقار إذا ما ذاقها الشيخ أرعشت مفاصله وازداد وجدا إلى وجد
ويبكي على ما فاته من شبابه بكاء أسير في الصفاد وفي القد
تضمنها زق أزب كأنه كراسيع قطع من جهينة أو نهد
إذا أنفدوا ما فيه جاءوا بمثله غطارفة أهل السماحة والمجد
فيومان يوم للمير أزوره ويوم لقرع الصنج والراح والنرد
ومما يستحسن له في الشراب واللهو والغزل :يا لقومي فتنتني جارتي بعد ما شبت وأبلني الكبر
وأتت لي سنوات أربع بعد ستين تقضت لي أخر
بعد ما كنت فتى ذا مرة بين غزلن أثارتها البطر
شيبة أنكرن حينا شأنها وأنا القرم إذا عدت مضر
حبذا الشرب بدارين إذا بت أسقاها وقد غاب القمر
()54
عندنا صناجة رقاصة وغلم كلما شئنا زمر
حسن العرنين ذو قصابة زانه شذر وياقوت ودر
وإذا قلت له قم فاسقنا قام يمشي مشية الليث الهصر
وأتانا بشمول قهوة نتعاطاها بكاسات الصفر
وأباريق تناهت سعة والذي في الكف ملثوم أغر
مثل فرخ هب في غبطلة حذر الصقر فأقعى ونظر
أو كظبي اللصب وافى مرقبا حذر القانص صبحا فنفر
فعلً ثم استوى مرتبئا قلة الطود على رأس الحجر
ومميا يسيتحسن له ،وإن كان شعره حسينا جيدا ،ول سييما إذا قال فيي الشراب قوله :وفارة مسيك مين عذار
شممتها يفوح علينا مسكها وعبيرها
سموت إليها بعد ما نام أهلها غدوا ولما نلق عنها ستورها
()55
وإذا صبت لشرب خلتها حبشيا قطعت منه الركب
ومنها :يا خليلي اسقياني عفوها بالبواطي البيض ليست بالعلب
من شراب خسرواني إذا ذاقه الشيخ تغنى وطرب
يترك القوم إذا ما طربوا في صياح ومراء وصخب
وإذا ما منتش قامت به رفعوا الوصال منه بالخشب
ثم ناحوا نوحة ثم بكوا ثم ضجوا ضحكا ،يا للعب
قال :وكان جما عة م ثل أ بي نواس والخل يع وأ بي هفان وطبقت هم إن ما اقتدروا على و صف الخ مر ب ما رأوا من
ش عر أ بي الهندي ،وب ما ا ستبطنوا من معا ني شعره و من هذه الق صيدة قوله :و هو من كب على جبه ته مز بد
الشدقين مسترخي العصب
رفع الشرب له يافوخه بعد لي ما تولى وانقلب
ساعة ثم دعوه باسمه فأجاب المرء صوتا ووثب
ينفض الرأس ،عليه غبرة من تراب ورماد وقتب
وأتوه بطهور طيب ليصلي فتلكا وقطب
أين ما رجله زكرته يتوسدها وطنبور طرب
وسراويل له مرفوعة حلق النيفق منها قد ذهب
ولبي الهندي أيضا :اصبب على كبدك من بردها إني أرى الناس يموتونا
ودع أناسا كرهوا شربها ليسوا بما في الخمر يدرونا
لو شربوها فانتشوا مرة لصبحوا بالخمر يهذونا
وقد عهدت الناس إذ دهرهمدهر يلوطون ويزنونا
كان لي حية النميري سيف يسميه لعاب المنية .وكانت المغرفة أقطع منه ،فدخل بيته كلب ليلة من الليالي من
حيث ل يدري به ،فلما حسه في البيت توهمه لصا ،فقام في البيت وقال :أيها المغتر بنا ،المجترئ علينا ،جئت
وال إلى خير قليل ،وسيف صقيل ،ونفس تأبى الضيم وتأنف العار ،جارها آمن ،وعدوها خائف ،أما سمعت
بلعاب المنية -ثكلتك أمك -مشهورة ضربته ،ل تخاف نبوته ،يقرب الجل .ويبطل المل .أما تخشى -إن كنت
أوطأ تك نف سك العشوة في نا ،و سولت لك ما ل تجده في نا -إن أدع ق سا ملت عل يك الرض خيلً ورجلً .ف يا
طيبها وطيب كثرتها .ما أنت وال ببعيد من بائقتها ،والرسوب في لجتها ،إن أقمت وثبت على طغيانك ،وإن
هربت أدركتك.
()56
ف ما زال ذلك دأ به و هو يخاف أن يد خل ،وإذا به قد خرج عل يه كلب يب صبص فقال له :الح مد ل الذي م سخك
كلبا ،وكفاني منك حربا .ثم قعد ل يدخل البيت ،فقيل له :ما لك ل تدخل? فقال :لعل اللص في البيت وهذا كلبه
قد خرج.
ومما يستحسن لبي حية النميري قوله :أل حي من بعد الحبيب المغانيا لبسن البلى مما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة تقاضاه شيء ل يمل التقاضا
ويستحسن أيضا قوله :تجود لك العينان من ذكر ما مضى إذا ضن بالدمع العيون الغوارز
ألوفان ينهلن من غصص الهوى كما انهل شق غيبته الجوارز
يهيج لي نوح الحمام صبابة ونوح مرنات شجتها الجنائز
لتفريق ألف كأن عيونها عيون المها جازت بهن الماعز
أولئك من بعد الهوى تصدع شعب بينهم فتمايزوا
تركن بقلبي إذ نأين حزازة أبت أن تجلى إذ نجلي الحزائز
ومما يستحسن له قوله :غراب ينادي يوم ل القلب عقله صحيح ول الشعب الذي أنصاع ملتقى
جزيت غراب البين شرا لطالما شجيت بتشحاج الغراب المطوق
ومن مختار قوله :زمان الصبا ليت أيامنا رجعن لنا الخاليات القصارا
ليالي رأسي غراب غداف فطيرة الشيب عنّي فطارا
ول يبعد ال ذاك الشباب وإن كان ل هو إل ادكارا
فأصبح مونعه ممحل جديبا خرابا يبابا قفارا
وإما مشايخ قد أفحشت فل أنا أسطيع منها اعتذارا
أجارتنا إن ريب الزما ن قبلي أفنى الرجال الخيارا
وهازئة إذ رأت كبر ًة تلفع رأسي بها فاستنارا
فإما ترى لمتي هكذا فأكثرت مما ترين النفارا
فقد اغتدى وهي هم الحسان وقد أسلب العطرات الخمارا
وقد كنت أسحب ذيل الصبا وأرخى على العقبين الزارا
ورقراقة ل تطيق القيا م إل رويدا وإل ابتهارا
خلوت بها نتجارى الحدي ث شيئا علنا وشيئا سرارا
كأن على الشمس منها الخمار إذا هي لثت عليها الخمارا
وكان أ بو ح ية تزوج اب نة عم له .فتوف يت ع نه .وكاد يخرج علي ها من الدن يا .وأشعاره الجياد كل ها في ها في
وصفها في حياتها ،ومراثيها بعد مماتها .وما رأيت ذكيا ول عاقلً ول كاتبا ظريفا إل وهو يتمثل من شعر أبي
حية النميري بشيء.
فمن ذلك قوله :فلما أبت إل اطراقا بودها وتكديرها الشرب الذي كان صافيا
شربت برنق من هواها مكدر وكيف يعاف الرنق من كان صاديا
وله أيضاَ :استبق دمعك ل يود البكاء به واكفف بوادر من عينيك تستبق
وما الدموع وإن جادت بباقية ول الجفون على هذا ول الحدق
()57
ومن ذلك قوله :وألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كفّ ومعصم
فراح وما يدري أفي طلعة الضحى تروح أم داجٍ من الليل مظلم
وله شعر جيد ولكن ل نخرج عن الذي رسمناه للكتاب.
توفي في حدود العشر والمائتين.
حدّث ني مح مد بن ع بد العلى قال :حدّث ني أ بو كرد ين قال :خلف الح مر يك ني أ با محرز ،وكان عالما بالن حو
والغرييب والنسيب وأيام الناس ،شاعرا مطبوعا مفلقا كثيير الشعير جيده .ولم يكين فيي نظرائه مين أهيل العلم
والدب أكثر شعرا منه.
حدّثني أحمد بن محمد بن جعفر بن الهيثم قال :قال أيوب بن إسحاق :قلت لخلف الحمر :يا أبا محرز أكتبني
أبياتا على أبيات أبي أمامة العبدي .فقال لي :اكتب لفلن ،رجل ل أعرفه.
أ أمام إن الدهر أه لك صرفه إرما وعادا
ورمى فأنزل أسعد الخ يرات قد جمع العبادا
بالبيض والحلق المقد ر سرده وحوى التلدا
فخطفته والدهر يت رك بعد صالحة فسادا
وكأن ذلك لم يكن إل التذكر حين بادا
أ أمام إن القدر لم تلعن أباك ول الرمادا
فلما مرض مرضه الذي توفي فيه دخلت عليه أعوده ،قال :ليست هذه البيات لمن ذكرتها له .وإنما هي لي،
وأنا قائلها .وأنا أستغفر ال ،وكان قد نسك وترك قول الشعر برهة.
وزعم غيره أنه عاد إلى قول الشعر ولم يتركه حتى مات .وقال دعبل :قال لي خلف الحمر ،وقد تجارينا في
شعر تأبط شرا وذكرنا قوله :إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلً دمه ما يطلّ
أنا وال قلتها ،ولم يقلها تأبط شرا .وحدثني ابن ثمامة عن إبراهيم بن إسحاق قال :قال أبو الحسن المدائني :لما
احت ضر خلف الح مر ق يل له :قل :ل إله إل ال .ف سكت .فأع يد عل يه ف سكت .فأع يد عل يه ثالثا ،فقال " :جف
بمقدار ما جرى قلمه" وما زال يرددها حتى مات.
حدثني أحمد بن نصر قال :حدثني الرياشي قال :قال لي الصمعي :كان خلف الحمر مولى أبي بردة بن أبي
مو سى ،أعت قه وأع تق أبو يه .وكان من سبي فرغا نة .وف يه يقول أ بو نواس :أودي جماع العلم مذ أودى خلف
من ل يعد العلم إل ما عرف
كنا متى ما ندن منه نغترف رواية ل تجتني من الصحف
فليذم من العياليم الخسف ومما سار له قوله :سقى حجاجنا نوء الثريا على ما كان من منع وبخل
هم ضموا النعال فأحرزوها وشدوا دونها بابا بقفل
فإن أهديت فاكهة وجديا وعشر دجائج بعثوا بنعل
ومسواكين طولها ذراع وعشرا من رديء المقل خشل
()58
أناس تائهون لهم رواء تغيم سماؤهم من غير وبل
إذا نسبوا فحي من قريش ولكن الفعال فعال عكل
وهو كثير الشعر مذكور ،وشعره موجود في أيدي الناس ،ويقال :إنه معلم الصمعي.
()59
أل ل بل أرى كل ال ذي عددت مقرونا
على مفرق هارون فداه الدميونا
قال :فأجزل له في العطاء ،فاجت مع عل يه الشعراء ففرق علي هم صلته .وكان الر سم في ذلك الزمان إذا و صل
الخليفة أحدا من الشعراء وحرم الباقين أن يصلهم ذلك الشاعر ويعطيهم على منازلهم ومراتبهم.
وكان ابن أبي السعلء تصدى لهارون بالمدينة وهو حاج .وقد خرج عنها يريد مكة على راحلة ،فارتجل هذه
البيات التي كتبناها رافعا بها صوته .وأعطاه عليها مالً جزيلً.
ل من غزاته وقد ظفر بهم وغنم :قرت
ومما يروي له في الرشد قصيدته التي يقول فيها -وقد قدم الرشيد قاف ً
عيون المسلم ين بمقدم الملك الرشيد
قرت به عين القري ب من الرعية والبعيد
بين المنابر والمجا لس والمدائح والنشيد
هارون أنت خليفة صورت من كرم وجود
الناس من طين وأن ت البدر في فلك السعود
وهم كأيام الشهو ر وأنت فيهم يوم عيد
وهي طويلة مشهورة.
ومما يستحسن له مرثيته في الرشيد التي يقول فيها :مات المام فعم أه ل الدين كلهم مصابة
عرين منه ركابه فتعطلت منه قبابه
وتفردت أجناده وخل من الحراس بابه
وأقام في ملحوده ل يرتجي منه إيابه
في الرمس مقترب المح ل لحافه منه ترابه
ما هابه القدر الذي أودى به غضا شبابه
قد كان كل الناس تر جوه وكلهم تهابه
فاعتاقه ريب المنو ن وحان من أجل كتابه
وهي أيضا طويلة سائرة.
ومما يستحسن له مرثيته لهارون :يا ليلة السبت التي طلعت كواكبها نحوسا
كنت البسوس عليهم بل فقت في الشؤم البسوسا
قفل الغزاة وخلفوا هارون في جدث حبيسا
في غربة من أهل طو س فليتني فارقت طوسا
ترحا لنا إن لم نقت ل عند مصرعه النفوسا
وهي أيضا طويلة سائرة.
ومما يختار له قوله في الرشيد يمدحه :قل للمام الهاشمي الذي عليه تاج الملك معقود
بلغت بالجود مدى غاية قد كان عنها قصر الجود
هارون بدر باهر زاهر تنجاب عنه ،الظلم السود
ومما يستملح قوله أيضا :إن للموكب نورا ساطعا بغشي العيونا
()60
أترون البدر فيه أم أمير المؤمنينا
ل ويمينا
وولة العهد عطفي ه شما ً
وأشعاره كثيرة ،وهو من فحولة المحدثين المجيدين.
أخبار أبي الهول الحميري
حدثني إبراهيم بن محمد قال :حدثني محمد بن عبد السلم قال :غضب الفضل بن يحيى على أبي الهول في
ش يء وجده عل يه -وكان عنده ق بل ذلك في حالة رفي عة ،وكان الف ضل معجبا بشعره ،وكان ي صله بال صلت
السنية -فلما غضب عل يه جفاه الناس وتنكروا له ،فلم يدر بمن يتحمل عليه وي ستشفع ح تى يرضى عنه ،فلما
ضاق به ذرعه قال :سما نحونا من غضبة الفضل عارض له زجل فيه الصواعق والرعد
وما لي إلى الفضل بن يحيى بن خالد من الجرم ما يخشى عليّ به الحقد
فجد بالرضى ل أبتغي منك غيره ورأيك فيما كنت عودتني بعد
فل ما قرأ الفضيل رقع ته و قع فيهيا :رضاي عنيك مقرون بإح ساني إل يك ،فإن أردت أن أفرق بينهميا لم أف عل.
وحمل إليه صلة ،واستغني بالبيات عن الشفع.
مما يستملح له كلمته في العباس بن محمد يرثيه -وكان محسنا إليه :أتحسبني باكرت بعدك لذة أبا الفضل أو
كشفت عن عاتق سترا
أو انتفعت عيناي بعد بنظرة وأني من حسناء مرتشف ثغرا
جفاني إذن يرمي إلى الليل مؤنسيوأضحت يمني من مكارمها صفرا
ولكنني استشعرت ثوب استكانة وبت كأن الموت يحفر لي قبرا
ومما يستحسن لبي الهول قوله في الغزل :وواحدة الجمال بل شريك لها صفة تتيه على الصفات
لها خلقان من ملق وتيه هما زفا الحياة إلى الممات
وقلب ل يجيب إذا دعونا وطرف يستجيب لنا مواتي
وأحيانا تموتني بصد فينشرني التلحظ بالغداة
دعي ذكر الصلة فإن ذكري لوجهك بالصلة لها قراتي
أصلي ساهيا بك لست أدري إذا صليت كم كانت صلتي
دهيت على المشيب بحب ريم يحاذر ظله حلك الفلة
ومما يستحسن له قوله في الغزل :إن أنل منكم ثلث خصال كنت لو نلتها بأحسن حال
ل لماما ول لثاما ول وع دا وإن لم تفز لنا بوصال
وأنا العاشق لمتيم المش غوف والمستهام أخرى الليالي
يا مهني هناك جسم صحيح قد براني هواك بري الخلل
لو حملن الجبال عشر الذي بي من هواكم ليقنت بزوال
ربما تجزع النفوس من الم ر له فرجة كحل العقال
()61
ومما يروى له قوله في بعض البرامكة :أصبحت محتاجَا إلى الضرب في طلبي المعروف من كلب
قد وقح السب له وجهه فصار ل ينحاش للسبّ
وأبو الهول من المحدثين المجيدين المشهورين.
()62
وأدليت دلوي في دلء كثيرة فأين ملء غير دلوي كما هيا
ومما سار في الدنيا قوله في وصف الناقة ،وقد أفرط وتجاوز الحد في بيته هذا :هي الريح ما خلتها غير أنها
تبيت غوادي الريح حيث تقيل
وهو القائل أيضا :لقد سامني طرفي وقد ضر نفسه وأظهر ما أكننت بين الجوانح
فلم أستطع سيرا لما بي من الهوى ولم يخف ما أضمرت والقلب فاضحى
فيا بؤس من نتأى عن اللف داره ويا بؤس من في القلب كالمتنازح
وأزداد شوقا حين أدنو توجسا لغاد بوشك البين منك ورائح
وكان أبو الحجناء يجيد الغزل والمدح والهجو والوصف ،ول يقصر في شيء من ذلك .وهو مخصوص ببني
بر مك .كانوا يتبجحون به ويقدمو نه ،واشترى له الف ضل دارا تقارب داره بألف دينار .وأشترى له ضي عة ت غل
غلة كثيرة ،وكانوا يجرون عل يه يعاشرو نه .وكذا كا نت عادة آل بر مك في من يت صل ب هم رحم هم ال ف ما خلفوا
بعدهم من شق غبارهم في الجود والكرم والبر والعطاء والحسان توفي بعد التسعين والمائة.
فف عل الر سول ذلك ،فل ما و قف العباس على البيت ين غ ضب ،وقام من وق ته إلى الرش يد فد خل عل يه ،وكان عم
أبيه ،وقد كان هم الرشيد أن يتزوج ابنته ،وكان له مكرما مبجلً ،فرأى الرشيد التغير في وجهه فقال :يا عم،
ما شأنك? قال :يا أمير المؤمنين هذا ربيعة الرقي قد هجاني .فقال الرشيد :ويلي على ابن اللخناء ،يهجو عمي
وأعز الناس عل يّ? وأمر بإحضاره ،فأحضر والرشيد يتميز غيظا عليه ،فقال له :يا ابن اللخناء أعل يّ تجترئ?
لقد كان إذن ضرب عنقك .فقال :يا أمير المؤمنين اسمع قصتي معه ،فإن وجدت عذرا ،وإل فافعل ما هممت
به وأنت من دمي في حل وسعة ،ثم أنشده مدحته فيه وقال :يا أمير المؤمنين كيف تراها? قال :ما مدح الخلفاء
بمثلها حسنا .فقال :يا أمير المؤمنين إنه وصلني عنها بدينارين ،فوهبتهما لرسوله وكتبت إليه البيتين .فلما سمع
الرشيد ذلك خجل وأطرق ،وأحب أن يتأمل القصيدة فقال :ائتني بها .فاستحى العباس وعلم أنه أخطأ ،فقال له
الرشيد :سألتك بحقي إل جئتني بها ،فأمر غلمه بحملها إليه فتأملها وأعجب بها وقال العباس .أحقا أن ك أثبته
علي ها بدينار ين? ف سكت ،فقال لربي عة :وي حك يا رق يّ أ صدقني .فقال :يا أم ير المؤمن ين وحيا تك إ نه و صلني
()63
بديناريين وإنيي وهبتهميا لغلميه .فنظير إلى العباس نظرا منكرا وقال :سيوءا لك ،فضحيت نفسيك وأسيلفك.
فاسيتحيا العباس ولم يحير جوابا .فأمير الرشييد لربيعية بثلثيين ألف درهيم ،وجعله نديما ،وخلع علييه فأعطاه
حلتين ،فلما أراد الخروج قال له :يا ربيعة .قال :لبيك يا أمير المؤمنين قال :إياك أن تذكره بعدها في شعرك.
وم ما سار له في الفاق ،و صار مثلً ،قوله يمدح يز يد بن حا تم ويه جو يز يد بن أ سلم ال سلمي :لشتان ما ب ين
اليزيدين في الندى يزيد بن سليم الغر ابن حاتم
يزيد سليم سالم المال والفتى أخو الزد للموال غير مسالم
فل يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم
فأما شعره في الغزل فإنه يفضل على أشعار هؤلء من أهل زمانه جميعا ،وعلى كثير ممن قبله ،وما أجد أطبع
ل من ربيعة ،وهو القائل :أنا للرحمن عاصي لجنوني برخاصول أصح غز ً
ثم للناس جميعا من أدان وأقاصي
ورخاص الكرخ ظبي لم أنل منه افتراصي
ولقد طال بأبوا ب الخريمي اقتصاصي
طمعا في صيد ظبي ذي شماس ملص
صيده أعمر من صي د الضواري والقلص
يا رخاصا يا رخاص الك رخ يا ذات العقاص
والثنايا الغر كالبر ق تلل في النشاص
ثم ردف كنقا الرم ل وأحشاء خماص
ما أبالي من لحاني فيك أو رام انتقاصي
ولقد عذبت روحي فمتى منك خلصي
فاتقي الرحمن فينا واحذري يوم القصاص
مشهدا يؤخذ بالق دام فيه والنواصي
ونديم أريحي واضح الوجه معاصي
قرشي من بني عب د مناف في العناصي
سائلي عن شعراء الن اس هل غاصوا مغاصي
قلت شعرا ينزل الع صم من رأس الصاصي
والغواني مغويات مولعات باقتناصي
قد تواصين بحبي حبذا ذاك التواصي
باذل في الخير ل ين ظر منه في ارتخاص
مهلك الموال في الل ذات مخشيّ القصاص
قد سقتني وسقته قينة ذات عقاص
قي أباريق لجين ل أباريق رصاص
ولدينا أدكن الجل دة كالزنجي شاصي
ذاك من معصية الل ه وهمّي في المعاصي
()64
فهذا يستحسن له قوله :صاح إني غير صاحي أبدا من حب داح
صار قدحا حب داح في فؤادي المستباح
جنح القلب إليها إن قلبي ذو جناح
()65
تعرض زائرا لك فارحميه فقد أورثت زائرك الجنونا
رآك وأنت مقبلة فلما رأتك العين هجت لنا فتونا
وقمت تأودين وعهد عيني بحسنك في الحزون تأودينا
فلما أن رآك الناس قالوا تعالى ال رب العالمينا
بدت منك الروادف مشرفات روادف لم تدع للناس دينا
وقد أعطاك ربك فاشكريه جمالً فوق وصف الواصفينا
ن بأحسن منك يوم تبذلينا
فما الشمس المضيئة يوم دج ٍ
إذا أقبلت رعت الناس حسنا وأن أدبرت قيدت العيونا
فلو أن الملوك رأوك يوما لخروا من جمالك ساجدينا
ولو أن النساء ملكن أمرا لكنت إذن أمير المؤمنينا
ل وقد حملت ما ل تحملينا
لقد أعطيت أردافا ونقا ً
إذا رمت القيام تخال دعصا يمانعك القيام فتقعدينا
إذا صليت ثم سجدت قلنا أل يا ليتها سجدت سنينا
وم ما ي ستملح له قوله -وإن كان شعره كله مليحا عذبا مطبوعا جيدا هي نا :-حما مة بلى ع ني سلما حبيبا ل
أطيق له كلما
وقولي للتي غضبت علينا علم وفيم يا سكني علما
أفي هجران بينك تصرميني وما رمنا لصرمكم صراما
ولم أهجرك مقلية ولكن حللت عراقكم وحللت شاما
عديني أن أزورك إن داري ودارك ل أرى لهما التياما
وإن جميع أهلك عنفوني ولموني ولم أطق الملما
كرام الناس قبلي قد أحبوا كرائمهم وأحببن الكراما
جميل والكثير قد أحبا وعروة من هوى لقى حماما
هم سنوا الهوى والحب قبلي وما ألفي لهم في الناس ذاما
فيا غنام يا بصري وسمعي رسيس هواك أورثني سقاما
لقد أقصدت حين رميتِ قلبيبسهم الحب إن له سهاما
زجرت القلب عنك فلم يطعني ويأبى في الهوى إل اعتزاما
إذا ما قلت أقصر واسل عنها أبى من صرمكم إل انهزاما
ولول فتنتي بك فاعلميهاإذا صلى ربيعة ثم صاما
()66
كلنا وامق كلف معنى بصاحبه وما يبغي حراما
أحب حديثها وتحب قربي وما إن نلتقي إل لماما
فيا ليت النهار يكون ليلً وليت الصبح ل يجلو الظلما
ويا ليت الحمام مسخرات لنرسل في رسائلنا الحماما
لعل حمامة تهدي إلينا كتابا منك نجعله إماما
وتبلغك المحبة من محب أحبك قلبك قلبه يفعا غلما
وما ذنبي وحبك هاج هذا ولو ترك القطا لغفا وناما
ولو أبصرت غنمة ذات يوم وقد سفرت وأحدرت اللثاما
ينوط وشاحها بقضيب بانٍ ويكسو مرطها دعصا ركاما
ق يجلو الظلما
إذا ابتسمت حسبت الثغر منها تألق بار ٍ
جلت ببشامة بردا عذابا كأن عليه مسكا أو مداما
فلم تزد البشامة فاكِ طيبا ولكن أنت طيبت البشاما
وما أدماء جؤذرها تراعى وتدنو حين يُسمعها بغاما
ت مدامعك اللثاما
بأحسن منك يوم رحت عنا وقد بلّ ْ
وتحتك بغلة زينت برحل مواشكة تنازعك اللجاما
وكل الحب لغو غير حبي فقد أردى الحشا وبرى العظاما
ومما يستملح له ويروي بكل أرض عند الخواص -لن شعر ربيعة لم يكثر في أيدي العوام -قوله :أعلل نفسي
منك بالوعد والمنى فهلّ بيأس منك قلبي أُعللُ
وموعدك الشهد المصفى حلوةً ودون نجاز الوعد صاب وحنظل
وأمنح طرف العين غيرك رقبةً حذار العدا والطرف نحوك أميل
لكيما يقول الناس :إن أمرا رمى ربيعة في ليلى بسوء لمبطلُ
لقد كذب الواشون بغيا عليهما وما منهما إل بريء معقل
فلو كنت ذا عقل لجمعت صرمكم برأيي ولكني امرو لست أعقل
وكيف بصبر القلب ل كيف عنكموباب فؤادي دون صرمك مقفل
ومن أين ل من أين يحرم قتلكموقتلى لكم يا أم ليلى محلل
أغرك أن ل صبر لي في طلبكم وأن ليس لي إل عليك معول
ولما تبينت الذي بي من الهوى وأيقنت أني عنك ل أتحول
ظلمت كذئب السوء إذ قال مرةً لسخل رأى والذئب غرثان مرمل
أأنت الذي في غير جرم شتمتني? فقال :متى ذا? قال :ذا عام أول
فقال وُلدت العام بل رمت غدرة فدونك كُلني ل هنا لك مأكل
أتبكين من قتلي وأنتِ قتلتني بحبك قتلً بينا ليس يُشكل
فأنت كذباح العصافير دائبا وعيناه من وجد عليهن تهمُلُ
()67
ف بهن ورحمة لكف يدا ليست من الذبح تعطلُ
فلو كان من رأ ٍ
فل تنظري ما تهمل العين وانظري إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل
فهذا كما ترى ل يسمع مثله لشاعر رقةً وغزلً.
ل غير متهم وصيفة فأتت إتيان مُنْكتم
ومما يستملح له قوله :دست سعاد رسو ً
خطّ بالقلم
جاء الرسول بقرطاس بخاتمه وفي الصحيفة سحر ُ
فيه فتون هوى لت تغيبه على الجهول وما يخفى على الفهم
وقد فهمتُ الذي أخفت فقلت لها بُوحي بل ونعم من بين الكليم
قالت :تعال إذا ما شئت مستترا والحكم حكمك يا رقي فاحتكم
أقدم ربيعة في رحب وفي سعة في غير قمراء ،والظلماء فاغتنم
فزرتها واقعا طرفي على قدمي وقد تلبستُ جلبابين من ظُلَم
ت وما عللت بالحرم
فكان ما كان لم يعلم به أحد وما جرح ُ
زارتها واقعا طرفي على قدمي وقد تلبست جلبابين من ظلم
()68
ت من مسكة والناس خَ ْل ُقهُ ُم من لزب الطين من صلصاله القَتِمِ
خُلق ِ
عرْبٍ ول عجم
ما صوّر ال إنسانا كصورتكم من بعد يوسف في ُ
أعلك من صعد ٍة سمرا مقومة والمِرط فوق كثيب منك مُرْتكمِ
ج أو روضة نضحت بالوبل والديمِ
وأنت جنةُ ريحان لها أر ٌ
أو بيضة في نَقا أو درة خرجت من زاخر مزبدِ الذى ملتطم
لقيت عند استلم الركن غانية غراء واضحة الخدين كالصنم
مرتجة الردف مهضوم شواكلُها تمشي الهوينا كمشي الشارب الثلمِ
تقول قيناتها ،والردف يقعدها من خلفها :قد أتيت الركن فاستلمي
ت ثم قامت ساعة فدعتْ فقمت أدعو ولول تلك لم أقم
فاستلم ْ
حتى إذا انصرفت سلمت فالتفتت فقلت :إنك من همي ومن سدمي
قالت :ومن أنت? قلن التابعات لها هذا ربيعة هذا فتنة المم
هذا المعنى الذي كانت مناسبه تأتيك فاستتري بالبرد والقتم
شيطان أمته لقاك محرمة فبالله من الشيطان فاعتصمي
قالت :أعوذ بربي منك واستترت بغادة رخصة الطراف كالعنم
قلت :الذمام وعهد ال خنت به ل عهد للغادر الختار للذمم
ألم تقولي :نعم? قالت :بلى .وهما مني وهل يُؤخذ النسان بالوهم
تبنا وصمنا وصلينا لخالقنا ولم تتب أنت من ذنب ولم تصم
فلمت نفسي على بذلي لها ِمقَتي وبخلها وقرعت السن من ندم
فابعد ال إنسانا وأسحقه أدام وُدا لنسان ولم يُدمِ
ومما يستحسن له قوله :خليلي هذا ربع ليلي فقيدا بعيريكما ثم أبكيا وتجلدا
قفا أسعداني بارك ال فيكما وإن أنتما لم تفعل ذاك فاقعدا
وإل فسيرا واتركاني وعولتي أقل لجنابي دمنة الدار أسعدا
فقال وقد طال الثوى عليهما :لعلك أن تنسى وأن تتجلدا
فسر عنك فد عنيتنا وحبستنا على دمن الطلل يوما مطردا
ل في الهوى أن أفندا
يلوم على ليلى خليلي سفاهة وما كنت أه ً
لعمري أي ليلى شطت النوى بليلي لقد صادت فؤادي معمدا
قتول بعينيها صيود بدلها وما تقتل الفتيان إل تعمدا
أل حبذا ليلى وأترابها اللى وعدنك من ليلى ومنهن موعدا
فأقبلن من شتىً ثلثا وأربعا وثنتين يمشين الهوينا تأودا
()69
يطأن مروط الخز يلحقها الحما ويسحبن بالعطاف ريطا معمدا
فلما التقينا قلن أهلً ومرحبا تبوأ لنا بالبطح السهل مقعدا
ومما يختار لربيعة قوله :يا غنم ردي فؤاد الهائم الكمد من قبل أن تطلبي بالعقل والقود
تيمتني بدلل منك يقتلني وقد رميت فما أخطأت عن كبدي
إن تقتليني كذا ظلما بل ترة فلست فائتة قومي بني أسد
أما الفؤاد فشيء قد ذهبت به فما يضرك أل تسقمي جسدي
أنت الهوى ومنى نفسي ومتعتها أقول ذاك ول أخفيه عن أحد
ل رائعا حسنا فما تسمين إل ظبية البلد
نلت الجمال ود ً
وأنت طيبة في القيظ باردة وفي الشتاء سخون ليلة الصرد
تسقي الضجيع رضابا من مقبلها من بارد واضح النياب كالبرد
يا ليتني قبل موتي قد خلوت بها على الحشية بين السجف والنضد
قد وسدتني اليد اليمنى ويارقها ودملج العضد اليسرى على عضد
في كل يوم لنا إلمامة بكم وليت دارك من داري على صدد
()70
إنما الدنيا أبو دلف بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره
ا ستشاط من ذلك وغ ضب وقال :ويلي على ا بن الفاعلة يزعم أ نا ل نعرف مكرمة إل م ستعارة من أ بي دلف،
وطل به فهرب إلى الجزيرة .فك تب في طل به وأخذه ،فح مل إل يه ،فل ما صار ب ين يد يه قال :يا ا بن اللخناء ،أ نت
القائل للقاسم بن عيسى:
()71
قدك من موف على أمل تحسر البصار عن نظره
إن من دون الغني جبلً ستكوس العيس في وعره
يتناصلن السرى قذفا قد كساها الميس من قتره
كم دجى ليل عسفن به يبتعثن الصبح من كسره
يتفرى عن مناسمها كتفري النار عن شرره
دع جدا قحطان أو مضر في يمانيه وفي مضره
وامتدح من وائل رجلً عصر الفاق من عصره
المنايا في مناقبه والعطايا في ذرا حجره
هضم الدنيا بنائله وأقال الدين من عثره
ملك تندى أنامله كابتسام الروض عن زهره
مستهل عن مواهبه كانبلج النوء عن مطره
عقد الجد المور به حين لم ينهض بمتعره
فكفاها واستقل بها لم تصف وهنا قوي مرره
جبل عزت مناكبه أمنت عدنان في ثغره
إنما الدنيا أبو دلف بين معراه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أًثره
لست أدري ما أقول له غير أن الرض في خفره
يا دواء الرض إن فسدت ومجير اليسر من عسره
رب ضافي المن في وزر قد أبت الخوف في وزره
وابن خوف في حشا خمر نشته بالمن من خمره
وزحوف في مواكبه كصياح الحشر في أمره
قدته والموت مكتمن في مذاكيه ومشتجره
فغدا جيلوه عنه وقد طوت المنشور من بطره
زرته والخيل عابسة تحمل البوسي إلى عقره
خارجات تحت رايتها كخروج الطير من وكره
()72
وتأنيت البقاء له فأبى المحتوم من قدره
وطغى حتى رفعت له خطة شنعاء من ذكره
قال أح مد بن مح مد المظ فر :قال لي ش يخ من ب ني ع جل من آل أ بي دلف :كان قرقور هذا صعلوكا ،يق طع
حوالي عمل أبي دلف ،وكان شجاعا بطلً ،ل يقاومه أحد ،وكان قطع على مال جليل كان حمل إلى أبي دلف
من بعض النواحي ،وقتل فرسانا كانوا مع ذلك المال ،فطلبه أبو دلف فلم يقدر عليه ،وذلك أنه لم يكن يقيم في
موضع ينسب إليه أو يعرف به إنما كان يصبح بمكان ،ويمسي بمكان غيره ،فضلت فيه حيلة أبي دلف ،وطال
عل يه أمره ،وكان أك ثر ما يق طع وحده ،ول يس م عه غ ير غلم ين ،وخرج يوما أ بو دلف يت صيد .وانق طع عن
أصحابه في وحش طرده ،حتى دفع إلى ثنية جبل ،فلم يشعر حتى أقبل قرقور على فرس جواد يخرق الرض
خرقا ،فل ما ن ظر إل يه أ بو دلف سقط في يده ،فإ نه كان وحده وكان قرقور ل تقوم له فوارس م ثل أ بي دلف،
ل قد
وعلم أنه إن ولي ع نه هلك ،فحمل عليه أبو دلف ونادى :يا فتيان ،اليمن اليمن .فظن قرقور أن معه خي ً
كمنوا له فد هش وولى هاربا ،وأتب عه أ بو دلف ح تى و ضع رم حه في ظهره ،واعت مد عل يه ح تى أخر جه من
صدره ،ثم صرعه ،ثم نزل إليه فاحتز رأسه ،وأدخله الكرج على رأس رمح .فذلك قول علي بن جبلة :وطغى
حتى رفعت له خطة شنعاء من ذكره
ويقال :إن رمحه حمل بين اثنين حتى أدخل الكرج.
ي يوميك اعتزيت له استضاء المجد من قتره
ومن القصيدة :أ ّ
لو رميت الدهر عن عرض ثلمت كفاك من حجره
صاغك ال أبا دلف صيغة في الخلق من خيره
كل من في الرض من عرب بين باديه إلى حضره
مسعير منك مكرمة يكتسيها يوم مفتخره
وقد سارت هذه في أبي دلف مسير الشمس والريح ،وأخذ منه بها مالً جليلً.
قال أبو العباس عبد ال بن المعتز :حدثني ابن رزين قال :ولد علي بن جبلة أعمى .وقال غيره :بل كف بصره
و هو صبي .وحدث ني أ بو ح فص الب صري قال :ل ما امتدح علي بن جبلة حميدا الطو سي وا ستأذن فد خل عل يه
ينشده قال :وما عسيت أن تقول فينا? وهل بقيت لحد مدحا بعد قولك في أبي دلف.
إنما الدنيا أبو دلف بين معراه ومحتضره
فإذا ولي حميد فعلى الدنيا السلم
قال :فتبسم حميد ولم يقل شيئا .وتعجب كل من حضر المجلس من جودة بديهته ،لنهم علموا أنه إنما قالهما
على البديهة في ذلك الوقت ،فأحسن حميد جائزته وأرغد له ،وسار بيتاه في أبي دلف بين الخاصة والعامة ،ولم
يسير بيتاه فيي حمييد حسيب ذلك ،وإنميا يرويهميا أهيل الدب وخاصية الناس وأهدى علي بين جبلة إلى حمييد
الطو سي في يوم نيروز -وأهدي الناس من فنون الهدا يا ما بلغ خطرا عظيما -هذه الق صيدة ،ف سر ب ها حم يد
وقال :وال إنها أحب إلي من جميع ما أهدي إلى في هذا اليوم .وهي هذه :دمن الدار دثور ليس فيهن مجير
بليت منها المغاني مثل ما تبلى السطور
قسم البين عليه ن رواح وبكور
وليال ساجيات نام عنهن السمير
فطوت أخبيه الحي كما يطوي الحبير
فاستجر بهم فدوت من نوى البين جرور
وبعينيك حمول ال حي والبين الشطير
كذرا النخل أشاعت رهوها الريح الدبور
()73
خلفت بالدار جور وغدت في الظعن حور
بدل ما استبدل الدا ئر فيها والمدير
نفرٌ مستجفلت لم ترببها الخدور
وبما أعتسف العي س أسدى أنير
وأزور الكاعب الخو د تواريها الستور
إذ عيون الدار صور وإذ الجيرة خير
()74
فله الحمد المبدي وله الحمد الخير
كدر الناس وصا في النيل ما فيه كدور
وعجول بعطايا وعلى الروع قتور
ما أعز ال جارا بسواه يستجير
يا أبا غانم الغن م على من يستمير
وأبا المن إذا ضا قت من الخوف الصدور
بك ركن الرض يرسو ورحي الملك يدور
أنت للملك نصير ولك ال نصير
رب ملتف السرايا غرة منك الغرور
أبطرته دعة النعم ة والعز النمير
قدته بالخيل قودا يوم قيد الخيل زور
وخميس تقبض الر ض له ،ظل يسير
تصل البيض خطاه وقنا الخط شجير
ويناحي ،فيه للمو ت أيامي تمور
مثل ما لفّ إليه قزع المزن الصبير
قد تركت الطير سا لمة وهو عقير
يستهل العلق الصا يل منه العتير
أنت للصبح ضياء ليس للصبح نكير
وإلى مجدك ينمي كل مجد ويحور
وندى كفيك بحرٌ منه تنشق البحور
كل ذي مجد طويل عند مسعاك قصير
وقليل من أيادي ك على الناس كثير
فابق ما عد من الده ر سنوه والشهور
ومما يستحسن لعلي بن جبلة في الغزل قوله :إني ليقنعني تعهد شكلة إن حال دون لقاء شكلة حائل
ويزيدني كلفا بها هجرانها ويسرني عنها الحديث الباطل
وإذا تلكم عاذل في حبها أغرى الفؤاد به وزق العاذل
من أين امتحنت محاسن وجهها بهر العيون بها هلل مائل
شجيت خلخلها بساق خدلة وشجيت عمدا بالذي هو قائل
ومما يختار لعلي بن جبلة قوله :أبيت فما تسعف وجرت فما تنصف
وتحلف لي بالهوى وتنكث ما تحلف
حبالك منحلة وودك مستطرف
وتهجرني واثقا فثق فأنا المدنف
()75
سأعطف من حيث ل تلين ول تعطف
()76
قال عوف :أحسين وال أبيو كيبير وأجاد أيهيا الميير .كان فيي هذييل أربعون شاعرا مذكورا محسينا سيواء
المتوسطين ،وكان أبو كبير ،من أظهرهم وأقدرهم على القول.
قال عبد ال :عزمت عليك إل أجزت هذا البيت .قال عوف :أصلح ال المير ،شيخ مسن وأحمل على البديهة،
وعلى معارضة مثل أبي كبير ،وهو من قد علمت? قال عبد ال :عزمت عليك وسألتك بحق طاهر إل فعلت.
فأنشأ يقول :أفي كل عام غربة ونزوح أما للنوى من ونية فتريح
لقد طلح البين المشت ركائبي فهل أرين البين وهو طليح
وأرقني بالري نوح حمامة فنحت وذو اللب الحزين ينوح
على أنها ناحت فلم تر عبرة ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ومن دون أفراخي مهامه فيح
أل يا حمام اليك فرخك حاضر وغصنك مياد ففيم تنوح
عسى جود عبد ال أن يعكس النوى فتضحي عصا التسيار وهي طريح
فإن الغني يدني الفتى من صديقه وعدم الغني للمعسرين طروح
فاستعبر عبد ال ورق له لما سمع من تشوقه إلى أهله وبلده ،فقال :يا بن محلم ما أحسن ما تلطفت لحاجتك،
وا ستأذنت في الرجوع إلى أهلك وولدك! وإني بك لضنين ،وبقربك لشحيح ،ولكن وال ل جاوزت مكانك هذا
ح تى تر جع إلى أهلك وولدك .وأ مر له بثلث ين ألف رد هم نف قة ،ورده إلى موض عه ذلك .وذلك ح يث يقول :يا
بن الذي دان له المشرقان وألبس المن به المغربان
إن الثمانين وبلغتهاقد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وأبدلتني بالشطاط انحنا وكنت كالصعدة تحت السنان
وعوضتني من زماع الفتى وهمه هم الهجين الهدان
وهمت بالوطان وجدا بها وبالغواني ،أين من الغوان
فقرباني بأبي أنتمامن وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة أوطانها حران فالرقمتان
سقى قصور الشادياخ الحيا من بعد عهدي وقصور الميان
فكم وكم من دعوة لي بها أن تتخطاها صروف الزمان
وهذه القصور التي ذكرها في شعره كلها بمرو ونيسابور ،وهي مساكن آل طاهر ،وكان عوف قد ألفها لكثرة
غشيانه إياها ،ومقامه معهم فيها ،ولذلك يدعو لها .ثم ودع عبد ال وخرج من عنده على أيسر حال ،فلما كان
في بعض الطريق عاجلته منيته فلم يصل إلى أهله ،واتصل الخبر بعبد ال فاشتد ذلك عليه وجزع له.
وفي عبد ال بن طاهر يقول عوف يمدحه :إليك فما حظي لغيري بصائر ول أجلي إن حم عني بقاصر
أعف وأستغني وإني لمقتر فتستر عفاتي عليّ مفاقري
وإني ليأتيني الغنى غير ضارع فأدنو به من صاحبي ومجاوري
لساني وقلبي شاعران كلهما ولكن وجهي مفحم غير شاعر
()77
ولو كان وجهي شاعرا أكسب الغنى ولكن وجهي مثل وجه ابن طاهر
فتى يختشي أن يخدش الذم عرضه ول يتقي حد السيوف البواتر
غليل وقد أوردت دلوي ببحره ول عيب في ورد البحور الزواخر
وقال يذكر عبد ال وأجداده :بنو مصعب للملك في السلم زينة وفي الحرب دون الملك بيض بواتر
وحول رواق الملك من آل مصعب ليوث لعناق الليوث هواصر
فما حال عن ود الخليفة طاهر ول زال حتى غيبته المقابر
وخلف عبد ال للملك ناصرا وهل مثل عبد ال للملك ناصر
فتى لو أسرت نفسه كفر نعمة لحاربها حتى تصح الضمائر
وم ما سار له في الدن يا قوله الطا هر ،إذ و قف على الج سر وطا هر في حرا قة ينحدر إلى دار ال سلطان ،فقال
عوف رافعا صوته :عجبت لحراقة ابن الحس ين كيف تسير ول تغرق
وبحران ،من تحتها واحد وآخر من فوقها مطبق
وأعجب من ذاك عيدانها وقد مسها كيف ل تورق
وكان عوف بن محلم سخيا على الطعام جدا ،صاحب شراب ولهو وخلعة ،وكان له إخوان يتمتع بهم ومعهم،
ويعاشرهم ويفضل عليهم ،وكان الشعراء الصاغر يقصدونه ويمدحونه ،فيعطيهم ويصلهم ،ويتوسلون به إلى
طاهر فيشفع لهم ويخرج جوائزهم.
وقدم مرة شاعر على عبد ال يقال له روح من البصرة ،فامتدح عبد ال بقصيدة ،ومدح عوفا بأبيات ،وقد أنزله
عنده وأحسن إليه ،فلما سمع عوف أبياته وجدها ضعيفة جدا ،قال أنشدني ما قلت في المير -واستدل بما سمع
على ض عف ن مط الر جل -فأنشده .فقال :ل تو صلها إل يه ،فإن الم ير ب صير بالش عر ،و هو يقول م نه الج يد
القوي ،ومثل هذا الشعر ل يقع منه موقعا ينفعك ،ولكني أقول فيه مدحه ،فانتحلها والقه بها .فأبى ،وظن أنه
يقول ذلك حسدا ،وكان الرجل رقيعا ل يفطن لعيب نفسه ،فقال له :فشأنك إذن وما تريد .فأنشد روح قصيدته
عبد ال ،فقال له :بمثل هذا الشعر يلقى المراء والملوك? أيقبل مثل هذا حر? وردها عليه ،فصار إلى عوف
وشكا إليه ،فقال له :ألم أنصحك? ألم أقل لك :إنه ل يقبل مثل هذا الشعر? فلما دخل عوف على عبد ال قال:
ويحك يا أبا ملحم ،أما سمعت شعر هذا القادم علينا فينا? قال عوف :بلى ،أعز ال المير ،قد سمعته ونصحت
له فلم يقبل.
وفي ذلك يقول عوف :أنشدني روح مديحا له فقلت :شعر? قال لي :فايش
فخلت لما أن بدا منشدا كأنني في قبة الخيش
فقلت :زدني وتغنمته والثلج في الصيف من العيش
ومما يستحسن لعوف ويختار له من شعره -على أنه كله مختار ليس فيه بيت ساقط .ول ناقص : -وكنت إذا
صخبت ديار قوم صحبتهم ونيتي الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنوهم وأجتنب الساءة إن أساءوا
وأبصر ما يريبهم بعين عليها من عيونهم غطاء
ومما يختار له قوله :وصغيرة علقتها كانت من الفتن الكبار
()78
كالبدر إل أنها تبقي على ضوء النهار
قالت غبار قد عل ك فقلت ذا غير الغبار
هذا الذي نقل الملو ك إلى القبور من الديار
يا هذه أرأيت لي لً يستنير بل نهار
قالت :ذهبت بحجتي عني بحسن العتذار
ومما يختار له أيضا قوله :وليلتنا طابت وطاب بها الهوى إلى أن بدا أو كاد منسلخ الفجر
فما عدلتها ليلة ذات نعمة ول ليلة الضحى ول ليلة الفطر
إذا هي قيست بالليالي وجدتها يكاد يساوي فضلها ليلة القدر
تمليتها حتى الصباح بطفلة مصورة أبهى من الشمس والبدر
قتول بعينيها خلوب بدلها سلوب للباب الرجال وما تدري
ومما يروى له ويستحسن قوله :سألت المحبين الذين تجشموا تباريح هذا الحب في سالف الدهر
فقلت لهم :ما يذهب الحب بعدما تنشب ما بين الجوانح والصدر
فقالوا :شفاء الحب حب تفيده لخر أو نأى طويل على الهجر
أو اليأس حتى تذهل النفس بعد ما رجت طمعا واليأس عون على الصبر
قعيدك من حب أمالك رحمة ول بك عني من توان ول فتر
وقتلتني حينا وحينا أعشتني فأفنيت عمري بالمانة والنشر
ومما يستحسن له وهو من السائر المشهور له قوله :فما زالت الكأس تغتالها وتذهب بالول الول
إلى أن توافت صلة العشاء ونحن من السكر لم نعقل
فمن كان يعرف حق النعيم وحق الجليس فل يجهل
وما إن جرت بيننا مزحة تهيج مراء على السلسل
ومما يختار له أيضا قوله :وإني لذو حلم على أن سورتي إذا هزني قوم حميت بها عرضي
وإن طلبوا ودي عطفت عليهم ول خير فيمن ل يئول ول يغضي
وما كل ذي غش يضرك غشه ول كل من يؤتى كرامته يرضي
ومعترض في القول غربت قوله وقلت له ليس القضاء كما يقضي
ركبت به الهوال حتى تركته بمنزل ضنك ل يكد ول يمضي
وإني لجزي بالكرامة أهلها وبالحقد حقدا في الشدائد والخفض
ومما يختار له قوله :وإني لمن أحببت حبي دائم ولست بذي لونين أسود أبلق
مدوف يرى الخلن منه تظرفا له خلق عند البلء ممزق
يخالط إخوانا له بملقة وثر الخلء الخئون المملق
()79
وإني لستحيي الصديق وأتقي وكل امرئ ل يتقي الدمم أحمق
ومما سار له قوله :ما ينزل ال بي أمرا فأكرهه إل سينزل بي من بعده الفرجا
يا رب أمرين قد فرجت بينهما من بعد ما اشتبكا في الصدر واعتلجا
()80
واهج نزارا وأفر جلدتها وهتك الستر عن مثالبها
واحبب قريشا لحب أحمدها واشكر لها الجزل من مواهبها
()81
ومنزل هم الكو فة .والمهال بة من العت يك ومحل هم الب صرة أ ما قوله :أ ما تم يم فغ ير راح ضة ما شل شل الع بد في
شواربها
فإ نه أراد أ با سُواج ،و خبره مشهور مع صرد بن جمرة ،و هو الذي يه جو به ع مر بن ل جا والخ طل جريرا
ل لئيمة بها من مني العبد رطب ويابسُ
وقومه .وقال ابن لجا :تُمسح يربوع سبا ً
فما ألبس ال امرأ فوق جلده من اللؤم إل ما الكليبي لبسُ
عليهم ثياب اللوم ل يخلعونها سرابيل في أعناقهم وبرانسُ
وقال الخطل حين عيره جرير بشرب الخمر :تعيب الخمر وهي شراب كسرى ويشرب قومك العجب العجيبا
ج أحق من المدامة أن تعيبا
مني العبد عبد أبي سوا ٍ
وقوله :قوس حاجبها يعني .حاجب بن زرارة بن عُدس بن زيد ،وكان دفع قوسه تذكرة بذمته إلى ح شّ ،وهو
ب لكسرى ألعامل كسرى على السواد وأطراف بوادي العبر ،حين رعت بنو تميم ولفهم السواد ،وضمن حاج ٌ
يعيثوا ففي ذلك يقول حاجب :ربينا ابن ماء المزن وابني مُحرق إلى أن بدت منهم لحى وشواربُ
ثلثة أملك رُبُوا في حجورنا على مضر صلنا بهم ل التكاذُبُ
وأقسّم حش ل يسالم واحدا من الناس حتى يرهم القوس حاجب
وأما قوله :سوى محاربها ،فإنه محارب بن خصفة بن قيس عيلن بن مضر ،وفيهم ضعة ،والعرب تضرب
بهم المثل ،قال القطامي :فلما تنازعنا الحديث سألتها من الحي? قالت معشرٌ من محاربِ
من المشتوين القِد مما تراهم جياعا وعيش الناس ليس بناضب
وأما قوله :وإن أكل اليور مُوبقها ،فهذا شيء يعاب به بنو فزارة ،وذلك أن نفرا منهم كانوا في سفر ،فجاعوا،
وأخذوا غرمول حمارٍ فاشتووه وأكلوه.
وأما قوله :لم تعف كلبها بنو أسد .فإن للكلب أيضا حديثا مع بني أسد نحو حديث الير مع بني فزارة ،وأما
قوله :وما لبكر بن وائل عصم إل بحمقائها وكاذبها
فإ نه ير يد بالكاذب م سيلمة ،وكان من ب ني حني فة ،والحمقاء هبن قة القي سي من ب ني ق يس بن ثعل بة ،و هو ر جل
من هم ،كان يضرب الم ثل بحم قه ،وإن ما أراد بأحمق ها لن فعلء ل يكون إل للمؤ نث .فمن عه الوزن فل حن وله
مثل هذا التهجم كثير.
سوَ في حقائبها
وأما قوله :وأصبحت قاسط وإخوتها تدخر الفَ ْ
فإن إخوتها عبد القيس ،وهي تُسَبّ بالفساء ،قال الشاعر :وعبد القيس مصفر لحاها كأن فُسَاءَها قِطع الضبابِ
ولهذا الخبر أيضا حديث يطول ،وهذا آخر تفسير هذه القصيدة.
وكان أبو نواس لشدة عصبيته لقحطان يقول في هذا المعنى كثيرا وهو القائل :إذا ما تميمي أتاك مفاخرا فقل:
عد عن ذا كيف أكلك للضب
تفاخر أولد الملوك سفاهة وبولك يجري فوق ساقك والكعب
وهو القائل أيضا :دع الطلل تسفيها الجنوب وتبلي عهد جدتها الخطوبُ
وخل لراكب الوجناء أرضا تخب بها النجيبة والنجيبُ
ول تأخذ عن العراب لهوا ول عيشا فعيشهمُ جديبُ
()82
ل رقيق العيش بيتهم غريبُ
دع اللبان يشربها رجا ٌ
ح وأكثر صيدها كلب وذيبُ
بأرض نبتها عش ٌر وطل ٌ
إذا راب الحليب فبل عليه ول تحرج فما في ذاك حُبُ
فأطيب منه صافيةٌ شَمولٌ يطوف بكأسها ساق لبيبُ
أعاذلتي خل رُشدي قديما فشقى الن جيبك ل أتوب
فذاك العيش ل شجر البوادي وذاك العيش ل اللبن الحليب
فأين البدو من إيوان كسرى وأين من الميادين الزروب
تُعيرني الذنوب ،وأي حُر من الفتيان ليس له ذنوب
ومما ذكر من خصال أبي نواس المحمودة ،ما حدثني به أحمد بن أبي عامر قال :حدثني سلمان شحطة .قال:
كان أ بو نواس عالما فقيها ،عارفا بالحكام والفت يا ،ب صيرا بالختلف ،صاحب ح فظ .ون ظر ومعر فة بطرق
الحديث ،يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه ،ومحكمه ومتشابهه ،وقد تأدب بالبصرة ،وهي يومئذ أكثر بلد ال علما
وفقها وأدبا ،وكان أحفظ لشعار القدماء والمخضرمين وأوائل السلميين والمحدثين.
وحدثني محمد بن أحمد القصار قال :حدثني يوسف بن الداية
قال :قال لي أبو نواس :أحفظ .سبعمائة أرجوزة ،وهي عزيزة في أيدي الناس ،سوى المشهورة عندهم ،وكان
لزم بعد والبة بن الحباب خلفا الحمر ،وكان خلف نسيج وحده في الشعر ،فلما فرغ أبو نواس من إحكام هذه
الفنون تفرغ للنوادر والمجون والمُلح ،فحفظ منها شيئا كثيرا حتى صار أغزر الناس ،ثم أخذ في قول الشعر،
فيبرز على أقرانيه ،وبرع على أهيل زمانيه .ثيم اتصيل بالوزراء والشراف ،فجالسيهم وعاشرهيم ،فتعلم منهيم
الظرف النظافة .فصار مثلً في الناس ،وأحبه الخاصة والعامة ،وكان يهرب من الخلفاء والملوك بجهده ويلم
على ذلك فيقول :إنما يصبر على مجالسة هؤلء الفحول المنقطعون ،الذين ل ينبعثون ول ينطقون إل بأمرهم،
ال لكأني على النار إذا دخلت عليهم ،حتى أنصرف إلى إخواني ومن أشاربه ،ولني إذا كنت عندهم فل أملك
من أمري شيئا.
وحدثني إسماعيل بن حرب قال :أخبرني سعد بن خزيم قال :قال جعفر البرمكي لسعيد بن وهب :أين تأدب أبو
نواس? قال :ببلد البصرة.
وحدثني أبو عمرو عن أبي دعامة قال :قال أبو عمرو الشيباني لول ما أخذ فيه أبو نواس من الرفث لحتججنا
بشعره لنه مُحكم القول.
و من أخبار أ بي نواس مع أبا نٍ اللح قي ما حدث ني به القا سم بن داوود قال :حدث ني ا بن أ بي المنذر قال :كان
اللح قي شاعرا ظريفا يمدح البرامكة ،وكان مخصوصا من بين هم بجع فر ل يكاد يفارقه ،وكا نت البرامكة ،إذا
أرادوا تفر قة مال على الشعراء ولوه ذلك ،فأُ مر له بمال يفر قه في هم ،وكان كثيرا له خ طر ،ففر قه وأ مر ل بي
نواس بدرهم ناقص ،وأرسل إليه :إني قد أعطيت كل شاعر على قدره ،وهذا مقدارك .فوجد عليه أبو نواس،
فلما قال اللحقي قصيدته الحائية التي يصف فيها نفسه ويلفق فيها عند جعفر بن يحيى وهي هذه القصيدة :أنا
من حاجة المير وكنز من كنوز المير ذو أرباحِ
كاتب حاسب أديب خطيب ناصح راجح على النصاحِ
شاعر مفلق أخف من الري شة مما تكون تحت الجناح
لو رآني المير عاين مني شمريا كالجُلجل الصياح
()83
لحية سبطة وأنف طويل واتقاد كشعلة المصباح
لسنت بالمفرط الطويل ول بال ُم ستكن المجحدر الدحداح
أيمن الناس طائرا يوم صيد لغدوّ دُعيت أم لرواح
أبصر الناس بالجوارح والكلُ ب والخرد الصباح الملح
وبلغ أبا نواس هذه القصيدة فقال :وال لعرفنه نفسه ،وأنشأ يقول :إن أولى بخسة الحظ مني للمسمى بالجلجل
الصياحِ
فبلوا منه حين غنى لديهم أخرس الصوت غير ذي إفصاح
ثم بالريش شبه النفس في الخف ة مما يكون تحت الجناح
فإذا الشم من شماريخ رضوى عنده خفة نوى السباح
لم يكن فيك غير شيئين مما قلت من بعد خلقك الدحداح
لحية سبطة وأنف طويل وهباء سواهما في الرياح
فيك ما يحمل الملوك على الخُر ق ويُزري بالسيد الجحجاح
فيك تيه وفيك عُجبٌ شديد وطماحٌ يفوق كل طماح
بار ُد الطرف مظلم الكذب تيا هٌ معيد الحديث غث المُزاح
فل ما انت هى الش عر إلى اللح قي سقط في يده ،وعلم أ نه إن بلغ ذلك البرام كة أُ سقط عند هم ،وندم على ما كان
منه ،فبعث إلى أبى نواس :أن ل تذعها ولك حكمك ،فبعث إلى أبي نواس :أن ل تُذعها ولك حكمك ،فبعث إليه
يقول :لو أعطيتني الدنيا ما كان بد من إذاعتها ،فاصبر على حرارة كيها ،واعرف قدرك ،قال :فلما سمع جعفر
ش عر أ بي نواس في اللح قي قال :وال ل قد قر فه بخ مس خلل ل تقبله ال سفلة على واحدة من ها ،فك يف تقبله
الملوك? فقيل له :يا سيدنا إنه كذب عليه .فتمثل يقول :قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا فما اعتذارك من شيء إذا
قيل
وصار أبان بعد ذلك لبي نواس كالعبد ،ل يلقاه ول يُذكر له إل يجله وحدثني إبراهيم بن الخصيب قال :أخبرني
ابن أبي المنذر قال:
إنما نفق شعر أبي نواس على الناس لسهولته وحسن ألفاظه ،وهو مع ذلك كثير البدائع ،والذي يراد من الشعر
هذان.
وحدث ني مح مد بن زياد بن مح مد عن أ بي هفان قال :قال لي أ بو نواس :الشره في الطعام دناءة ،و في الدب
مروءة ،و كل من حرص على ش يء فا ستكثر م نه سكن حرصه وقرت عي نه غير الدب ،فإ نه كل ما ازداد منه
ل فيه.
صاحبه ازداد حرصا عليه وشهوة له ودخو ً
حدثني أحمد بن سلمان قال :حدثني اليؤيؤ قال :سمعت أبا نواس يقول :ل ضيعة على أديب حيث توجه ،فإنه
يجالس أشراف الناس وملوكهم في كل بلد يرده ،وما قُرن شيء إلى شيء أحسن من عقل إلى أدب.
حدثني علي بن إسحاق قال حدثني ابن أبي خلصة قال :رأيت أبا نواس واقفا بالجسر ،ومعه غلم وجارية ،لم
أر أحسن منهما ،وهو على حمار فاره ،فقل :يا أبا على ما وقوفك? وما هذان معك? قال :إن الخصيب حملني
على هذا الحمار ،ووهيب لي هذا الغلم وهذه الجاريية ،فكييف تراهميا :قلت :ميا يصيلحان إل للملوك .قال:
صدقت ولكنها نع مة فيكشخني فيها ،فهل عندك من رأى? قلت :تجعل الجارية في منزل الثقات من إخوانك،
()84
فتزورها إن شئت .قال :أخاف أن أسترعي الذئب .وافترقنا ،ثم التقينا بعد أيام ،فقال لي :شاورناك في أمرهما
ف ما فت حت ل نا بابا ،وإ ني ل ما فارق تك ازد حم الرأي على ل ساني وقل بي .فقلت :ما صنعت? قال :زو جت الغلم
ل لك فجعل ته حراما .فقال :يا أح مق أ في الحلل بالجار ية ،ف صرت أكشخ نة في ها .فقلت :إن الش يء كان حل ً
شاورناك أم قلنيا لك :ميا الرأي? فقلت :علييك لعنية ال ميا أهداك إلى كيل آبدةٍ! ومميا لبيي نواس مين شعره
ب مني فالمربدان فاللبب
البصريّ :عفا المصلي وأقوت الكُثُ ُ
والمسجد الجامع المروءة والدين عفا فالصحان فالرحب
منازلٌ قد عمرتها يفعا حتى بدا في عذارى الشهب
في فتيه كالسيوف هزهم شرخُ شباب وزانهم أدب
ُثمّت راب الزمانُ فاقتسموا أيدي سبا في البلد فأنشبعوا
ويز عم البغداديون أن ها من شعره الذي قاله ببغداد ،وأخلق به أن يكون ببغداد يب كي إخوا نه أ هل الب صرة ،ل نه
يقول فيها :لما تيقنت أن روحتهمْ ليس لها ما حييت منقلبُ
أبليت صبرا لم يبله أحد واقتسمتني مآرب شُعب
ومن شعره البصري السائر قوله :ودار ندامي عطلوها فأدلجوا بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جر الزقاق على الثرى وأضغاث ريحان جنى ويابس
حبست بها صحبي وجددت عهدهم وإني على أمثال هاتيك حابس
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ويوما له يوم الترحل خامس
تدور علينا الراح في عسجدية حبتها بألوان التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها مَها تدريها بالقسي الفوارس
فللراح مازُرت عليه جيوبها وللماء ما دارت عليه القلنس
حدثني المنقري عن يوسف بن الداية قال :كنت وأبو نواس وجماعة من إخواننا نطوف في شهر رمضان إذا
أفطر نا كل ليلة ،فمرر نا ليلة بم سجد ال سلولي واب نه ي صلي بالناس التراو يح ،وكان من أ صبح الخلق وأح سنهم
وجها ،فضرب بأ بي نواس وقال :ل ست أبرح ح تى يفرغ مجل سنا ،وكا نت ليلة خت مة ،فل ما قرأ :أرأ يت الذي
يكذب بالدين قال أبو نواس :وَ َفرَا مُعلنا ليصدع قلبي والهوى يصدع الفؤاد العزوما
أرأيت الذي يكذب بالدين فذاك الذي يدعُ اليتيما
حدثني إبراهيم بن حرب الكوفي قال :حدثني ابن الداية قال :اجتمع أبو نواس ومسلم بن الوليد والخليع وجماعة
من العراء في مجلس ،فقال بعضهم :أيكم يأتيني ببيت شعر فيه آية من القرآن وله حكمه? فأخذوا يفكرون فيه،
فبادر أبو نواس فقال :وفتية في مجلس وجوههم ريحانهم قد أمِنوا الثقيل
دانية عليهم ظللها وذللت قطوفها تذليل
فتعجبوا وأفحموا ولم يأت أحيد منهيم بشييء .قال محميد بين عبيد الوهاب :فسيمعت بعيد ذلك بمدة بيتا لدعبيل
استحسنته وهو :ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنينا
حدثني نصر بن محمد قال :أخبرني ابن أبي شقيقة الوراق قال :كان يجتمع الشعراء في دكان أبيه ببغداد وإن
أبا العتاهية حضرهم يوما ،فتناول دفترا ووقع على ظهره ينشد :أيا عجبا كيف يُعصى الل ُه أم كيف يجحده
الجاحدُ
()85
ول في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهدُ
وفي كل شيء له آي ٌة تدل على أنه واحد
فلما كان من الغد جاء أبو نواس ،فجلس فتحدث ساعة ،ووقعت عينه على ذلك الدفتر ،وقرأ البيات .فقال :من
صاحبها? لوددت أنها لي بجميع شعري :فقلنا ،أبو العتاهية ،فكتب تحتها سبحان من خلق الخل ق من ضعيف
مَهين
فساقه من قرا ٍر إلى قرار مَكين
يحول خلقا فخلقا في الحجب دون العيون
فل ما كان من ال غد جاء أ بو العتاه ية وقال :ل من هذه البيات? لوددت أن ها لي بجم يع شعري ،فقل نا :أ بو نواس.
وتعجبنا من اتفاق قوليهما.
وحدثني أبو النجم قال :بلغني أن أبا نواس وهو في الكتاب وكان مليحا صبيحا -مرت به صبية وضيئة الوجه،
فمازح ته ساعة ،ثم ر مت إل يه بتفا حة معض ضة وان صرفت فقال :ش جر التفاح ل خ فت الق حل ل ول زلت
لغايات المثل
تقبل الطيب إذا علت به وبها من غير طيب محتمل
وعدتني قبلة من سيدي فتقاضت سيدي حين فعل
ليس ذاك العض من عيب لها إنما ذاك سؤال للقبل
ويقال أن الذي ر غب ف يه وال بة بن الحباب ح تى أخذه غلما فأد به وخر جه هذه البيات .وق يل أيضا :إن الذي
بعث أبا نواس على صحبة والبة وأرغبه فيه بيتا والبة وهما همذان :ولها ول ذنب لها حب كأطراف الرماح
في القلب يجرح دائما فالقلب مجروح النواحي
فإنه استحسنهما وجزلهما ورغب في الشعر .وهذا لعمري كلم دونه السحر.
()86
دينار في صواني ،فأ مر فنثرت علي هم فانتهبو ها ،والشراب ب عد يدور علي هم بال كبير وال صغير ،من ال صرف
والممزوج ،وليس يمنع أ حد منهم مما يريد ،ول يكره على ما يأباه ،وكان ج يد الشراب ،ف صبروا معه إلى أن
سكر فنام ،ونام جميع من في المجلس عند ذلك إل أبا نواس فإنه ثبت مكانه فشرب وحده ،فلما كان السحر دنا
من محمد فقال :يا أمير المؤمنين .قال :لبيك يا خير الندامى .فقال أبو نواس :يا سيد العالمين ،أما ترى رقة
هذا النسييم ،وطييب هذه الشمال ،وبرد هذا السيحر ،وصيحة هذا الهواء المعتدل والجيو الصيافي ،وبهييج هذه
النوار? فلما سمع محمد وصفه استوى جالسا وقال :يا أبا نواس ،ما بي للشرب موضع ،ول للسهر مكان ،وقد
بسطتني بمنثور وصفك فنشطني بمنظومه للشرب .فأنشأ يقول :نبه نديمك قد نعس يسقيك كأسا في الغلس
صرفا كأن شعاعها في كف شاربها قبس
تذر الفتى وكأنما بلسانه منها خرس
يدعى فيرفع رأسه فإذا استقل به نكس
يسقيكها ذو قرطق يلهي ويؤذي من حبس
خنث الجفون كأنه ظبي الرياض إذا نعس
أضحى المام محمد للدين نورا يقتبس
ورث الخلفة خمسة وبخير سادسهم سدس
تبكي البدور لضحكه والسيف يضحك إن عبس
فارتاح المخلوع ودعا بالشراب فشرب معه.
ومما يختاره أهل الفهم من شعر أبي نواس كثير ،كما أن الرديء ينفونه من شعره ،ولكن نورد من ذلك ما لم
يشتهر عند العوام ،وندع ما قد اشتهر ،فإن رائيته في الخصيب :أجارة بيتينا أبوك غيور وميسور ما يرجى
لديك عسير
وإن كانت من قلئده موجودة عند كل إنسان ،وليست كميميته التي ل تقصر عنها حسنا وجودة ،وهي مع ذلك
ل يعرفها إل الخواص وهي هذه :يا دار ما فعلت بك اليام لم تبق فيك بشاشة تستام
عرم الزمان على الذين عهدتهم بك قاطنين وللزمان عرام
أيام ل أغشي لهلك منزلً إل مراقبة عليّ ظلم
ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم وأسمت سرح اللهو حيث أساموا
وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه وإذا عصارة كل ذاك أثام
()87
ملك إذا اقتسر المور مضى به رأيٌ يفل السيف وهو حسام
داوي به ال القلوب من الجوى حتى برئن وما بهن سقام
أصبحت يا ابن زبيدة ابنة جعفر أملً لعقد حباله استحكام
فبقيت للعلم الذي يهدي به وتقاعست عن يومك اليام
ومن ذلك قوله أيضاَ :يا من يبادلني عشقا بسلوان أم من يصير لي شغلً بإنسان
كيما أكون له عبدا يقارضني وصلً بوصل وهجرانا بهجران
إذا التقينا لصلح بعد معتبة لم نفترق دون موعود يلقيان
أقول والعيس تعروري الفلة بنا سعر الزمة من مثني ووحدان
لذات لوث عفرناه عذافرة كأن تضبيرها تضبير بنيان
يا ناق ل تسأمي أو تبلغي ملكا تقبيل راحته والركن سيان
م خير من يمشي على قدم ممن برى ال من إنس ومن جان
مقابل بين أملك تفضله ولدتان من المنصور ثنتان
مد الله عليه ظل مملكة أضحى القصي بها كالقرب الداني
تنازع الحمدان الشبه فاشتبها خلقا وخلقا كما حذ الشراكان
إن يمسك القطر لم تمسك مواهبه ولي عهد يداه تستهلن
هذا الذي قدم ال القضاء به أل يكون له في فضله ثاني
هو الذي امتحن ال القلوب به عما يجمجمن من كفر وإيمان
وإن قوما رجوا إبطال حقكم أمسوا من ال في سخط وعصيان
لن يدفعوا حقكم إل بدفعهم ما أنزل ال من آي وقرآن
وإن ال سيفا فوق هامهم بكف أبلج ل غمر ول واني
يستيقظ الموت منه عند هزته فالموت من نائم فيه ويقظان
حدث ني محمد بن ع بد العلى القر شي قال :أخبر نا ع بد ال بن أحمد قال :قال الصمعي :ما رأ يت أن جب من
البرام كة رجالً وأطفالً ،ول أشرف من هم أحوالً ،ما أعلم أ ني حضرت يح يى والف ضل وجعفرا إل ان صرفت
عنهم ولخواني بالحباء الجزيل .ثم قال :طرب الفضل بن يحيى إلى مذاكرتي ،فأتاني رسوله ،وكان يوما باردا
ذا صر وقر .فقال :أجب الوزير .فمضيت معه ،فلما دخلت عليه إذا هو في بهو له .قد فرش بالسمور ،وهو
في د ست م نه ،وعلى ظهره دواج سمور أش هب ،مب طن ب خز ،وب ين يد يه كانون ف ضة ،فو قه أثف ية ذ هب ،في
و سطها تمثال أ سد را بض ،في عين يه ياقوتتان تتوقدان ،وفوق ال صينية إبر يق زجاج فرعو ني ،وكأس كأن ها
جوهرة محفورة ،ت سع رطلً ،ل أظن ها ي في ب ها مال كث ير ،و هو على سرير من عاج ،وأ نا على ثياب ق طن.
فسلمت عليه فرد السلم وقال لي :يا أصمعي .ليس هذا من ثياب هذا اليوم .قلت :أصلح ال الوزير .إنما يلبس
الر جل ما ي جد ،فقال :يا غلم ألق عل يه شيئا من الوبر .فأت يت بم ثل ما عل يه فلب سته ح تى الجورب ،ثم أ تي
بخوان لم أدر ما جنسه ،غير أني تحيرت في جنسه ،وبصفحة مشمسة ،فيها لون من مخ الطير ،فتناولنا منها.
()88
ثم تتاب عت اللوان ،فأكلت من جم يع ما ح ضر ،أل والذي ا صطفى محمدا صلى ال عل يه وآله بالر سالة ما
عرفت منها لونا واحدا ،إل أني لم آكل في الدنيا شيئا يدانيها قط لذة وطيبا عند خليفة ول ملك .ثم رفع الخوان،
وأتينا بألوان من الطيب ،فغسلنا أيدينا ،وكنت كلما استعملت من لونا ظننته أطيب ما في الدنيا من عطر فاخر،
ح تى إذا ا ستعملت غيره زاده عل يه طيبا ،فل ما فرغ نا من ذلك إذا غلم قد أق بل م عه جام بلور ف يه غال ية ،قد
ازرقت بكثرة العنبر ،فتناولنا بملعقة من الذهب حتى نضحناه ،فصرت كأني جمرة ،ثم قال :أسقنا ،فسقاه رطلً
وسقاني مثله ،فما تجاوز وال لهاتي حتى كدت أطير فرحا وسرورا ،وصرت في مسلخ ابن عشرين طربا.
ودبت الشربة فخثرت ما بين الذؤابة والنعل ،وكأن دبي الجراد يثب ما بين أحشائي وثبا ،فلم أتمالك أن قلت:
قاتل ال أبا نواس حيث يقول :إذا ما أتت دون اللهاة من الفتى دعا همه صدره برحيل
فقال الفضل :هذا البيت له? قلت :نعم يا سيدي ،قال :وليس إل هذا البيت الواحد? قلت :أعز ال الوزير ،هي
أبيات ،قال :هاتها ،فأنشدته :وخيمة ناطور برأس منيفة تهم يدا من رامها بزليل
حططنا بها الثقال فل هجيرة عبور رية تذكى بغير فتيل
نأيت قليلً ثم فاءت بمزقة من الظل في رث الباء ضئيل
كأنا لديها بين عطفي نعامة جفا زورها عن مبرك ومقيل
حلبت لصحابي بها درة الصبا بصفراء من ماء الكروم شمول
إذا ما أتت دون اللهاة من الفتى دعا همه صدره برحيل
فلما توفي الليل جنحا من الدجى تصابيت واستجملت غير جميل
وأصبحت ألحي السكر والسكر محسن أل رب إحسان عليك ثقيل
كفى حزنا أن الجواد مقتر عليه ول معروف عند بخيل
سأبغي الغنى إما نديم خليفة يقيم سواء ،أو مخيف سبيل
بكل فتى ل يستطار جنانه إذا نوه الزحفان باسم قتيل
ليخمس مال ال في كل فاجر وذي بطنة للطيبات أكول
أم تر أن المال عون على الندى وليس جواد معدم كبخيل
قال :قاتله ال ما أشعره ،يا غلم :أثبتها .ثم قال :أما وال لو ل قاله الناس فيه ما فارقني ،ولكن إذا فكرت فيه
وجدت الر جل ماجنا خليعا متهتكا ألوفا لحانات الخمار ين فأترك نف عه لضره .فقلت :أ صلح ال الوز ير إ نه مع
ذلك بمكان من الدب ،ول قد جال سته في مجالس كثيرة ،قد ض مت ذوي فنون من الدباء والعلماء ،ف ما تجاروا
في شيء من فنونهم إل جاراهم فيه ،ثم برز عليهم ،وهو من الشعر بالمحل الذي قد علمته ،أليس هو القائل:
ذكرتم من الترحال يوما فغمنا فلو قد فعلتم صبح الموت بعضنا
زعمتم بأن البين يحزنكم .نعم سيحزنكم حزنا ول مثل حزننا
تعالوا نقارعكم ليحقق عندكم من أشجى قلوبا أم من أسخن أعينا
أطال قصير الليل يا رحم عندكم? فإن قصير الليل قد طال عندنا
ومن يعرف الليل الطويل وهمه من الناس إل من تنجم أو أنا
خليون من أوجاعنا يعذلوننا يقولون :لو لم يعب بالحب لنثني
يقومون في القوام يحكون فعلنا سفاهة أحلم وسخرية بنا
فلو شاء ربي لبتلهم بمثل ما اب تلنا فكانوا ل علينا ول لنا
سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد هواك لعل الفضل يجمع بيننا
()89
مير رأيت المال في حجراته مهينا ذليل النفس بالضيم موقنا
ذا ضن رب المال ثوب جوده بحي على مال المير وأذنا
وللفضل أجرا مقدما من ضبارم إذا لبس الدرع الحصينة واكتنى
إليك أبا العباس من دون من مشى عليها امتطينا الحضرمي الملسنا
قلئص لم تعرف كللً على الوجى ولم تدر ما قرع الفنيق ول الهنا
قال الفضل :قد عرفتك أنه لو ل ما هو بسبيله من هذا الفتك ما فاتني قربه ومعاشرته ،ثم قال :يا غلم ،احمل
إليه ألف دينار ،فقلت للرسول :أعلمه أن الصمعي عند الوزير .فتبسم وقال :يا غلم ،وإلى بيت أبي سعيد ألف
دينار.
()90
ومن طريف الشعر وبديعه قوله لبي دلف :نادي نداك فاتوا هم إذا امرا ن يدعوا فاهبا كل مستمع
زوروا المير وبيت ال تنتفعوا فاختار وجهك فينا كل منتفع
أراد قول ال عز وجل" :وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالً" وم ما يستحسن أيضا له قوله :ليس الفتى بجماله
وكماله إنّ الجواد بماله يدعى الفتى
ويستحسن أيضا قوله :فتى ل يراعي جاره هفواته ول حكمه في النائبات غريب
حليم إذا ما الجهل أذهل أهله عن الحلم ،مغشي الفناء نجيب
ومما يختار له قوله أيضا :أهدي إليك نصيحتي ومودتي قبل اللقاء شواهد الرواح
وعلى القلوب من القلوب دلئل بالود قبل تشاهد الشباح
ومما يختار له أيضا :لو كان خلفك أو أمامك هائبا أحدا سواك لهابك المقدار
ومن قلئد وأمهات قصائده قوله :وليلة جمع لم أبت ناسيا لكم وحين أفاض الناس من عرفات
ل إلى الجمرات
ولم تنسنيك البيض بالخيف من منيّ وقد رحن أرسا ً
فطوفن بالبيت العتيق لياليا وزرن فناء البيت العرصات
()91
متى تشتمل بكر على بدارها أبت واثقا بالجود والنجدات
وفي أسد والنمر أبناء قاسط أمان من اليام والغيرات
وإن ذوي القدام والصبر والنهي لخواننا ذهل على اللزبات
ي وتغلب أبت واثقا بالمال والثروات
وإن تشتمل قيس عل ّ
وكم من مقام في ضبيعة معمر يضاف إلى الشراف والسروات
وفي أكلب تلد وطارف بعيد من التقصير والتبرات
وما الفتك إل في ربيعة والغنى وذب عن الحساب والحرمات
وقاد زمام الجاهلية منهم مناجيب سباقون في الجلبات
وقادوا جيوشا أول بعد أول أقر لها عاد بكثر أداة
مفاتيح أبواب الندى بأكفنا فسؤالنا يدعون بالشهوات
ذا هلك البكري كان تراثه سنان وسيفٌ قاضب الشفرات
ولم يدعوا من مال كسرى وجنده على الرض شيئا بعد طول بيات
إذا لم يسلطنا القضاء على العدا منوا وابتلوا من خوفنا بخفات
وكل قتيل من ربيعة ينتمي إلى حسب صعب المناكب عات
وأول ما اختطوا اليمامة واحتووا قصورا وأنهارا خلل نبات
وعاجت على البحرين منهم عصابة حمتها بأعلم لها وسمات
وهم منعوا ما بين حلوان غيرة إلى الدرب درب الروم ذي الشرقات
وأما بنو عيسى فماه ديارهم إلى ما حوت جو من القريات
بنو حرة أدت أسودا ضواريا على الحرب وهابين للبدرات
على أعظم بالرايحان ودايه مقدسة تحت التراب رفات
قفا واسألها إن أجابت وجربا أبا دلف في شأنها الحسنات
فتى ما أقل السيف والرمح مخرجعداه من الدنيا بغير بيات
هو الفاضل المنصور والراية التي أدارت على العداء كأس ممات
أذاق الردى جلويه في خيل فارس ونصرا فصاروا أعظما نخرات
وما اعتورت فرسان قحطان قبله على أحد في السر والجهرات
()92
وجاس تخومات البلد مصمما على أهلها بالخيل والغزوات
نفى الكرد عن شعبي نهاوند بعدما سقى فرض القربان بالرفقات
وأورد ماء البشر بالبيض فارتوت وعلّ رماحا من دم نهلت
ولم يثنه عن شهر زور مصيفها وورد أجاج الشرب غير فرات
ومن همذان قارعته كتيبة فآبت بطير النحس النكبات
وبالحرشان استنزل القوم وحده يخرون للذقان والجبهات
ولم ينج منه طالب قبل طالب وقد أوسعا في الطعن هاك وهات
بدين أمير المؤمنين ورأيه ندين وننفي الشك الشبهات
فكل قبيل من معد وغيرها يرى قاسما نورا لدى الظلمات
ولو لم يكن موت لكان مكانه أبو دلف يأتي على النسمات
أبا دلف أوقعت عشرين وقعة وأفنيت أهل الرض في السنوات
تركت طريق الموت بالسيف عامرا تخرقه القتلى بغير وفاة
صبرت لن الصبر منك سجية على غدرات الدهر ذي الغدرات
إلى أن رفعت السيف والرمح بعدما سموت فنلت النجم بالسموات
ولبيت هارون الخليفة إذ دعا فألفيته في ال خير موات
فأمنت سربا خائفا ورددته وألفت عجلً بعد طول شتات
أعدت اللحا فوق العصا فجمعتها وقد صيروا عجم العصا عبرات
وألبست نعماك الفقير وغيره وأتبعت برا واصلً بصلت
فعزك مقرون بعلم وسؤدد وجودك مقرون بصدق عدات
وما افتقدت منك القبائل ساعة جوادا يبذ الرمح حلف هبات
ومالك ظللتنا منك بالخير نعمة جعلت لها أمثالها أخوات
بسطت الغنى والفتك والخير والندى بشدة إقدام وحسن أناة
أبو دلف أفنى صفاتي مديحه وإني ليكفي الناس بعض صفاتي
به ارتد ملك كاد يودي وأسبغت على آل عيسى أفضل النعمات
بني قاسم مجدا رفيعا بيوته وشاد بيوت المجد بالعزمات
وأشبه عيسى في نداه وبأسه وفي حبّه الفضال والصدقات
وأشبه إدريس الذي حد سيفه تشب به النيران في الفلوات
كأن جياد المقليين في الوغى جهنم ذات الغيظ الزفرات
أبوه عمير قاد أبناء وائل إلى العز الكشاف للكربات
بنو دلف بالفضل أولى لنهم معادن أيقان بما هو آت
كأن غمام العز حشو أكفهم إذا طبق الفاق بالديمات
()93
هذا الب يت أقرت الشعراء قاط بة أ نه ل يكون وراءه ح سن ول جودة مع نى ،على أن الق صيدة كل ها ن مط وا حد
دونه الديباج.
إذا زرتهم في كل عام تباشروا ولم يغفلوا اللطاف والنفحات
فكم أصلحوا حالي وأسنوا جوائزي وأجروا على البذل والنفقات
وإني على ما في يدي من حبائهم كمعن ومثلي طلحة الطلحات
فمنية قومي أن أخلد فيهم ومنية أعدائي نفاد حياتي
أنا الشاعر المملي على ألف كاتب ويسبق إملئي سريع فرات
فأبدي ول أروي لخلق قصيدة وأحسب إبليسا لحسن وراتي
?أخبار الرقاشي
واسمه الفضل بن عبد الصمد الرقاشي ،مولى ربيعة.
حدّثني أبو مالك قال :قال الفضل بن الربيع للفضل بن عبد الصمد الرقاشي ويلك يا رقاشي ،أردت بوصيتك
الخلف على الصالحين .فقال له :جعلت فداك .لو علمت أني أعافى من علتي وأعيش ما أو صيت ،فإنها من
الذخائر النفيسة التي تدخر للموت.
وو صيته هذه أرجوزة مزدو جة ،يأ مر في ها باللواط وشرب الخ مر والقمار والهراش ب ين الدي كة والكلب ،و هو
يزعيم -كميا ترى -أنهيا تدخير لوقيت الموت ،مجونا وخلعية .وأولهيا :أوصيى الرقاشيي إلى خلنيه وصيية
المحمود في إخوانه
وهي مشهورة موجودة.
حدث ني إبراه يم بن تم يم قال :حدّث ني المعلى بن حم يد قال :الرقا شي من أ هل الري من الع جم ،وف يه يقول أ بو
نواس يهجوه في موجدة وجدها عليه :وجدت الفضل أكرم من رقاش لن الفضل موله الرسول
أراد بذلك قول ال نبي صلى ال عليه وآله "أنا مولى من ل مولى له" حدث ني ابن أ بي الخن ساء قال :حدث ني أبي
قال :لما قال أبو دلف قصيدته التي يقول فيها :ناوليني الدرع قد طا ل عن الحرب جمامي
قال الرقاشي مجيبا له :جنبيني الدرع قد طا ل عن القصف جمامي
واكسري البيضة والمط رد وابدي بالحسام
واقذفي في لجة البح ر بقوسي وسهامي
وبترسي وبرمحي وبسرجي ولجامي
واعقري مهري أصاب الل ه مهري بالصدام
أنا ل أطلب أن يع رف في الحرب مقامي
وبحسبي أن تراني بين فتيان كرام
نهزم الراح إذا ما هم قوم بانهزام
ونخلي الضرب والطع ن لجساد وهام
()94
لشقيّ قال قد طا ل عن الحرب جمامي
والرقاشي كثير الش عر ،قليل الجيد ،وكان منقطعا إلى البرام كة يمدحهم يعيش بهم ،فلما زال أمر هم خرج إلى
خراسان ،واتصل بطاهر بن الحسين ،زال بها حتى مات.
وقد زادني تيها على الناس أنني أراني أغناهم وإن كنت ذا فقر
قال المأمون :أحسن الرجل أحسن.
وحدث ني المعرو سي الكو في قال :حدث ني محمد بن زياد -كان يروي ل بي العتاه ية شعرا كثيرا قال :جلس أ بو
العتاه ية يوما إلى ق صار ف سمع صوت الكد ين فقال باقتداره شعرا على إيقا عه ،م نه هذا الب يت :المنون مفنيات
واحدا فواحدا
كأنه نظر إلى القصار أخذ ثوبا بعد ثوب ،فشبهه بأخذ الموت إنسانا بعد إنسان ،وأخذ الوزن من وقع الكدين.
ل ماذا تردون على السائل
ومما سار له قوله :بسطت كفي نحوكم سائ ً
إن لم تنيلوه فقولوا له قولً جميلً بدل النائل
()95
أو كنتم العام على عسرة ويلي فمنوه إلى قابل
ولهذا الشعر من قلوب النساء موقع الزلل البارد من الظمآن لرقته ،وحدثني أبو البلد عن الخوص الصغر
قال :كا نت عت بة ال تي ي سبب ب ها ويظ هر عشق ها أ بو العتاه ية جار ية لرائ طة ب نت أ بي العباس ال سفاح ،وكان
رائ طة ت حت ا بن عم ها المهدي بن المن صور أم ير المؤمن ين ،فل ما بلغ المهدي إكثاره في شعره من ذكر ها
ووصفها غضب وقال :ما يجد هذا الجرار أحدا يعبث بحرمة غيرنا? وكان أبو العتاهية قديما يبيع الجرار في
سوق الكو فة ،ثم تأدب فارت فع بأد به .قال :فأ مر بحب سه ،فع مل أ بو العتاه ية من ق بل يز يد بن من صور خال
المهدي -وكان أعيز الناس إلييه -حتيى تخلص ،فعاد إلى مثيل حاله معهيا ،فلميا طال هذا دخلت رائطية على
المهدي فشكتيه وقالت :قيد شهير بجاريتيي بشعره وفضحهيا ،واحفظتيه علييه ،فأحضره وضربيه بالسيياط فيي
الدواوين بين يديه ،وكان ضعيف البنية فغشى عليه ،فلما أفاق رفع رأسه فإذا بعتبة واقفة تنظر إليه من سطح
فقال :بخ بخ يا عتب من مثلكم قد قتل المهدي فيكم قتيل
فتعجب المهدي ورق له ورحمه ،وأمر بالحسان إليه ،ووعده بالجارية أن يستوهبها من مولتها ويدفعها إليه،
فلميا علميت الجاريية ذلك ،وألح أبيو العتاهيية على المهدي يقتضييه ميا وعده بشعره قالت :ييا أميير المؤمنيين
أستجير في مروءتك وشرفك وما يلزمك من حق خدمتي وصحبتي أن تخرجني من دار النعمة إلى بائع جرار
سوقي دنيء النفس ،وبعد ،فإنما يريد الذكر والشهرة ،وليس بعاشق ،فإن أردت أن تعرف ما يقول فمر له بمال
له خطر ،فإنه سيلهيه عني ويشغله عن ذكري ،فأمر له المهدي بمائة ألف ،ولم يسم ورقا ول عينا ،فأورد أبو
العتاه ية توقيعة بذلك على الكتاب ،فأعطوه مائة ألف درهم على أنه لم يسم شيئا ،فأبى ولم يرض وقال :أنا ل
أراه وقع لي بمائة ألف دينار ،فإنه لم يكن ليعوضني منها أقل من هذا ،فقالوا :حتى نؤامره إذا في هذا الكتاب،
وكان يتردد شهرا يطالب به ،فأشرقت عليه عتبة وقالت له -:وقد دخل الدار يقتضي ذلك : -يا صفيق الوجه،
لو كنت عاشقا لشغلك العشق عن المفاضلة بين الدراهم والدنانير .وبلغ كلمها المهدي ،فعلم أنها كانت أعرف
بقصة الرجل ،فأمسك عن أمره.
ولبي العتاهية في الرشيد وكان وجد عليه فحبسه فكتب إليه :تفديك نفسي من كل ما كرهت نفسك إن كنت
مذنبا فاغفر
يا ليت قلبي لديك صور ما فيه لتستيقن الذي أضمر
فرق له ،وو قع في رقع ته :ل بأس عل يك ،فاطمأن إلى ذلك .ثم تمادى مك ثه في الح بس فك تب إل يه :كأن الخلق
ركب فوق روح له جسد وأنت عليه رأس
أمين ال إن الحبس بأسٌ وقد وقعت :ليس عليك باسُ
فأمر بإطلقه.
ومما كتب إليه في الحبس أيضا هذا :إنما أنت رحمة وسلمة زادك ال غبطة وكرامة
قيل لي قد رضيت عني فمن لي أن أرى لي على رضاك علمه
وحقيق أل يراع بسوء من رآك ابتسمت منه ابتسامه
لو توجعت لي فروحت عني روح ال عنك يوم القيامة
وكان الرشيد حين حبسه جعل أمره خادم له يقال له ماهر ،وكان يحسن إليه ،فهو يقول :كفاني العناية من أمره
بتشمير ما كان من غرسه
وكان الشفيع إلى غيره فصار الشفيع إلى نفسه
وحدثني بعض أهل الدب قال :أهدي أبو العتاهية إلى الرشيد نعلً وكتب إليه:
()96
نعل بعثت بها لتلبسها قدما تسير بها إلى المجد
لو كان يمكن أن أشركها خدي جعلت شراكها خدي
وسمع رجل أبا العتاهية ينشد :فانظر بعينك حيث شئ ت فلن ترى إل بخيل
أراد ما في صورة ال سراء " قل لو أن تم تملكون خزائن رح مة ر بي إذا لم سكتم خش ية النفاق وكان الن سان
قتورا" فقال الرجل :يا أبا العتاهية بخلت بجميع الناس ،قال :فأكذبني بواحد.
حدثني محمد بن راشد الكاتب عن ابن جبلة البنوي قال :أتى أبو العتاهية باب أحمد بن يوسف كاتب المأمون،
فحجب عنه فقال :متى يظفر الغادي بحاجة ونصفك محجوب ونصفك نائم
فسيار بيتيه هذا فيي الفاق ،وجعيل الناس يتناشدونيه ،فاعتذر إلييه .ومميا يسيتحسن له فيي المواعيظ والحكمية:
وعظتك أجداث صمت ونعتك أزمنة خفت
وتكلمت عن أوجه تبلى وعن صور شتت
وأرتك قبرك في القبو ر وأنت حيّ لم تمت
وله في استبطاء بعض الناس ،وما سمع بأحسن منها :ما أنا إل لمن يراني أرى خليلي كما يراني
لست أرى ما ملكت أمري مكان من ل يرى مكاني
من ذا الذي يرتجي القاصي إن لم ينل خيره الداني
فلي إلى أن أموت رزق لو جهد الخلق ما عداني
ل يكرم الدهر كل من ل يصلح إل على الهوان
واستغن بال عن فلن وعن فلن وعن فلن
فالمال من حله صيان للوجه والعرض واللسان
والفقر بيت عليه قفل مفتاحه العجز والتواني
ل تكون منه على بيان
ول تدع مكسبا حل ً
ورزق ربي له وجوه هن من ال في ضمان
سبحان من لم يزل عليا ليس له في العلو ثاني
قضى على خلقه المنايا فكل شيء سواه فاني
يا رب لم نبك من زمان إل بكينا على زمان
ي من الليالي تصرفهن حالً بعد حال
وهو القائل أيضا :نعمى نفسي إل ّ
فما لي لست مشغولً بنفسي ومالي ل أخاف الموت مالي
لقد أيقنت أن غير باق ولكني أراني ل أبالي
أمالي عبرة في ذكر قوم تفانوا ربما خطروا ببالي
كأن ممرضي قد قام يسعى بنعشي بين أربعة عجال
وخلفي نسوة يبكين شجوا كأن قلوبهن على المقالي
تعالى ال يا سلم بن عمرو أذل الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى الزوال
فما ترجو بشيء ليس يبقى وشيكا ما تغيره الليالي
()97
بلوت الناس قرنا بعد قرن فلم أر غير خلب وقالي
وذقت مرارة الشياء جمعا فما شيء أمر من السؤال
ل وأفظع من معاداة الرجال
ولم أر في المور أشد هو ً
وأشعار أبي العتاهية كثيرة جدا ،إل أنها مشهورة وموجودة ،وفيما أوردناه منها كفاية.
وهي مشهورة سائرة جيدة عجيبة .ومما يستحسن له -على أن شعره كله ديباج حسن ل يدفعه عن ذلك أحد-
قوله :فإني وإسماعيل يوم وداعه لكالغمد يوم الروع زايله النصل
فإن أغش قوما بعده أو أزرهم فكالوحش يدنيها من النس المحل
وهذا معنى ل يتفق للشاعر مثله في ألف سنة.
وهو القائل في يزيد بن مزيد في قصيدة له جيدة طويلة عجيبة.
موف على مهج في يوم رهج كأنه أجل يسعى إلى أمل
ل يرحل الناس إل نحو حجرته كالبيت يضحى إليه ملتقى السبل
يكسو السيوف نفوس الناكثين به ويجعل الروس تيجانا على الذيل
قد عود الطير عادات وثقن بها فهن يتبعنه في كل مرتحل
تراه في المن في ردع مضاعفة ل يأمن الدهر أن يدعى على عجل
ل من هاشم في أرضه جبل وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
صدقت ظني وصدقت الظنون به وحط جودك جل الرحل عن جملي
وأول هذه القصيدة :أجررت حبل خليع في الصبا غزل وشمرت همم العذال في العذل
وهي كما قلنا مشهورة ،فتركناها إل هذه البيات فإنها من عيون القصيدة ،وإن كانت القصيدة كلها عينا.
ومما سار له من هجوه قوله :يا ضعيف موسى أخي خزيمة صم أو فتزود إن كنت لم تصم
ل على نعم
أطرق لما أتيت ممتدحا فلم يقل ل فض ً
()98
فخفت إن مات أن أقاد به فقمت أبغي النجاة من أمم
لو أن كنز البلد في يده لم يدع العتلل بالعدم
ومما يختار له أيضا قوله :لن يبطئ المر ما أملت أوبته إذا أعانك فيه رفق متئد
والدهر آخذ ما أعطي مكدر ما أصفى ومفسد ما أهوى له بيد
فل يغرك من دهر عطيته فليس يترك ما أعطي على أحد
ومما يستملح له قوله :شججتها بلعاب المزن فاغتزلت نسجين من بين محلول ومعقود
أهلً بوافدة للشيب واردة وإن تراءت بشخص غير مودود
ل أجمع الحلم والصهباء قد سكنت نفسي إلى الماء عن ماء العناقيد
ومميا يختار له قوله للفضيل بين يحييى أو الفضيل بين جعفير بين يحييى :تسياقط يمناه الندى وشماله ال ردى
وعيون القول منطقه الفصل
بكف أبي العباس يستمطر الغنى وتستنزل النعمى ويسترعف النصل
متى شئت رفعت الستور عن الغنى إذا أنت زرت الفضل أو أذن الفضل
ومن السائر الذي يروي له قوله في السفينة :كشفت أهاويل الدجى عن مهولة بجارية محمولة حامل بكر
إذا أقبلت راعت بقلة قرهب وإن أدبرت راقت بقادمتي نسر
أقلت بمجدافين يعتورانها وقومها كبح اللجام من الدبر
كأن الصبا تحكي بها حين واجهتنسم الصبا مشي العروس إلى الخدر
ركبنا إليه البحر في أخرياته فأوفت بنا من بعد بحر إلى بحر
ومما يستملح له حسن تشبيه وجودة معنى قوله :إبريقنا سلب الغزالة جيدها وحكى المدير بمقلتيه فزال
يسقيك باللحظات كأس صبابة ويعيدها من كفه جريال
ومن مختاراته أيضا قوله :إذا شئتما أن تسقياني مدامة فل تقتلها ،كل ميت محرم
خلطنا دما من كرمة بدمائنا فأظهر في اللوان منا الدم الدم
ومن بديع ما يروي له قوله :إن كنت تسقين عين الراح فاسقيني كأسا ألذ بها من فيك تشفيني
عيناك راحي وريحاني حديثك لي ولون خديك لون الورد يكفيني
ومن بدائعه أيضا قوله :خفين على ريب المنون وغصت ال رين فلم ينطق لها أبدا ححل
ولما تلقينا قضى الليل نحبه بوجه كوجه الشمس ما إن له مثل
وخال كخال البدر في وجه مثله لقينا المنى فيه فحاجزنا البذل
وماء كماء الشمس ل يقبل الذى إذا درجت فيه الصبا خلته يغلو
من الضحك الغر اللواتي إذا التقت تحدث عن أسراره السبل السبل
صدغنا به حد الشمول وقد طغت فألبسها حلما وفي حلمها جهل
()99
ومما يستحسن من لميته في الرشيد قوله :ومانحة شرابها الملك قهوة يهودية الصهار مسلمة البعل
بعثنا لها منا خطيبا لبضعها فجاء بها يمشي العرضنة في مهل
قد استودعت دناّ فهو قائمٌ بها شغفا بين الكروم على رجل
شققنا لها في الدن عينا فأسبلت كألسنة الحيات خافت من القتل
ويختار من قوله هجوه لسعيد بن سلم :وأحببت من حبها الباخلي ن حتى ومقت ابن سلم سعيدا
إذا سيل عرفا كسا وجهه ثيابا من اللوم صفرا وسودا
ومما السحر معناه رقة وحسنا إذا التقينا منعنا النوم أعيننا ول تلئم غمضاَ حين نفترق
أقر بالذنب مني لست أعرفه كيما أقول كما قالت فنتفق
حبست دمعي على ذنب تجدده فكل يوم دموع العين تستبق
ومن جيد ما يروى له قوله :فما سلوت الهرى جهلً بلذته ول عصيت إليه الحلم من خرق
يا واشيا أحسنت فينا إساءته نجي حذارك إنساني من الغرق
ويختار له أيضا قوله في غلبة اليأس على النفس والرجوع إلى الطمع :أعاود ما قدمته من رجائها إذا عاودت
باليأس منها المطامع
رأتني عمى الطرف عنها فأعرضت وهل خفت إل ما تشير الصابع
وما زينتها النفس لي عن لجاجة ولكن جرى فيها الهوى وهو طائع
مللت من العذال فيها فأطرقت لهم أذن قد صم عنها المسامع
فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصبا وقد فاجأتها العين والستر واقع
ومما يستحسن له في الزهد قوله :كم رأينا من أناس هلكوا فبكى أحبابهم ثم بكوا
تركوا الدنيا لمن بعدهم ودهم لو قدموا ما تركوا
كم رأينا من ملوك سوقوا ورأينا سوقة قد ملكوا
وضع الدهر عليهم بركة فاستداروا حيث دار الفلك
حدثني عبد الرحيم بن ميمون البصري قال :حدثني أبو هفان قال :كان أبان اللحقي شاعرا أديبا ،عالما ظريفا
منطقيا ،مطبوعا في الش عر ،مقتدرا عل يه ،يقت ضب الخ طب ،وير سل الر سائل الجياد ،و هو صاحب البرام كة
وشاعرهم وصاحب جوائزهم للشعراء ،وهو يستخرجها لهم ويفرقها عليهم ،وهو الذي نقل كليلة ودمنة شعرا
بتلك اللفاظ الحسنة العجيبة ،وهي هذه المزدوجة التي في أيدي الناس ،وكان الذي استدعى ذلك وأراده يحيى
بن خالد بن برمك ،وكان قد اختار أ با نواس ،فصار إليه أبان اللح قي فقال كالمنتصح :أنت رجل مغرم بهذا
الشراب ل تصبر عنه وعن الجتماع مع إخوانك عليه ،وهو لذتك من الدنيا ومتعتك ،وهذا الكتاب مشهور ،ولم
ينت قل إلى هذا الو قت من المنثور إلى الش عر ،وإذا فعل ذلك تداوله الناس وطلبوه ونظروا ف يه ،فإن أ نت تولي ته
ميع تشاغلك بلهوك ولذتيك لم يتوفير علييه فكرك وخاطرك ،ولم يخرج بالغا فيي الجودة والحسين ،وإن توفرت
عليه واهتممت به قطعك ذلك عن لهوك ولذتك ومتعتك .فل تقدم عليه إل بعد إنعام النظر في أمرك .فظن أبو
()100
نواس أنه قد نصح له ،واستقال المر فيه ،فاستعفى عنه ،وتخلى به اللحقي ،ولزم بيته ل يخرج حتى فرغ منه
في أربعة أشهر ،وهي قريبة من خمسة آلف بيت ،لم يقدر أحد من الناس أن يتعلق عليه بخطإ في نقله ،ول
أن يقول :ترك من لفظ الكتاب أو معناه .ثم حمله إلى يحيى بن خالد ،فسر به سرورا عظيما ،وأعطاه على ذلك
مائة ألف درهم .فحزن أبو نواس وحسده ،وتبين له أنه كان احتال عليه .فهذا سبب ما كان بينهما من العداوة.
وكان في جميع أحواله أرفع طبقة من أبي نواس .وقد هجاه أبو نواس بشعر كثير .فما سار له فيه شيء على
شهرة شعره ،ولم ي قل في أ بي نواس غ ير ثل ثة أبيات ،و قد سارت في الدن يا ،و هي هذه :أ بو نواس بن ها ني
وأمه جلبان
والناس أفطن شي ٍء إلى حروف المعاني
إن زدت بيتا على ذي ما عشت فاقطع لساني
()101
ت تعجلين :أل تنزل بالقوم نقمة العاجل
حتى متى أن ِ
ل يعجل ال إن عجلت وما ربك عما ترين بالغافل
وعاذلي أنني أحب بني أحمد فالترب في فم العاذل
قد دِنت ما دينكم عليه فما وصلت من دينكم إلى طائل
دينكم جفوة النبي وما ال جافي لل النبي كالواصل
فلما بلغ قوله في ذكر فاطمة عليه السلم وأمر فدك ،وذكر أبي بكر وعمر ،وزعمه أنهما ظلماها في أمر فدك
وهو قوله :مظلومة والله ناصرها تُديرُ أرجاء مقلة حافل
قال له الرشيد :يا عتابي ،من قال هذا? قال :عدوك يا أمير المؤمنين الذي تظن أنه وليك .فقال :ويلي على ابن
الفاعلة ،ي حض الناس على الخروج علي ،يض مر عداو تي ويظ هر من موال تي ما يظ هر ،و قد اقت ني م ني هذه
الموال ،ومنزلته هذه المنزلة -وكان منصور يعتزي إلى الرشيد بالخؤولة من جهة نتيلة النمرية أم العباس بن
ع بد المطلب ،وكان يمدح الرش يد بالمدائح الجياد ال تي ل يس ل حد مثل ها ،وكان ي صله بال صلت الجزيلة ،وكان
النمري يد ين بالما مة سرا ،ويمدح آل الر سول ،ويعرض في شعره بال سلف ،والرش يد ل يعلم ذلك ح تى ك ثر،
وكان ذلك اليوم -ثم أقبل العتابي يحضه ،ويذكر مذهبه ،وينشد شعره في الطالبيين شيئا بعد شيءٍ ،فدعا الرشيد
بأبي عصمة الشيعي وهو من الزيدية في شيعة بني العباس .فقال له :اخرج من ساعتك هذه إلى الرقة ،فخذ
منصورا النمري ،فسل لسانه من قفاه ،واقطع يده ورجله ،ثم اضرب عنقه ،واحمل إلى رأسه ،واصلب هناك
بد نه .فخرج أ بو ع صمة لذلك ،فل ما صار بباب الر قة ،و هو يد خل المدي نة ،إذا هو بجنازة النمري قد ا ستقبلته
فانك فأ راجعا إلى الرش يد فاعل مه .فقال له :فأل إذ صادفته ميتا أحرق ته بالنار? و هو القائل بق صيدته ال تي يمدح
فيها الرشيد :يا بن الئمة من بعد النبي ويا أب ن الوصياء أقر الناس أم دفعوا
لول عدي وتيم لم تكن وصلت إلى أمية تمريها وترتضعُ
إن الخلفة كانت إرث والدكم من دون تيم وعفو ال متسع
وما لل علي في إمارتكم حق وما لهم في إرثكم طمع
يا أيها الناس ل تغرب عقولكم ول تضفكم إلى أكنافها البدع
العم أولى من ابن العم فاستمعوا قول النصيح فإن الحق يستمع
و قد أقام القيا مة في ت شبيب هذه الق صيدة بالشباب فالت شبيب من ها :أودى الشباب وفاتت ني بشر ته صروف د هر
وأيام لها خدع
ما كنت أوفي شبابي كنت غرته حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع
إن كنت لم تطمعي ثكل الشباب ولم تشجى بغصته فالعذر ل يقع
وأول هذه القصيدة :ما تنقضي حسرة مني ول جزع إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
ورووا أنه دخل على الرشيد يوما فانشده :بني حسن وقل لبني حسينٍ عليكم بالسداد من المورِ
أميطوا عنكم كذب الماني وأحلما يعدن عدات زور
مننت على ابن عبد ال يحيى وكان من الحتوف على شفير
ولو جايت ما اقترفت يداه دلفت له بقاصمة الظهور
ي ٌد لك في رقاب بني علي ومن ليس بالمن الصغير
وإنك حين تبلغهم أذاة وإن ظلموا لمحترق الضمير
أل ل در بني علي وزور من مقالتهم كبير
()102
يُسمون النبي أبا ،ويأبى من الحزاب سطر في سطور
يريد قوله عز وجل "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال" قال :فقال الرشيد لما سمع قوله :وإنك
حين تبلغهم أذاةوإن ظلموا لمحترق الضمير
ويحك ،ما هذا? شيء كان في نفسي منذ عشرين سنة لم أقدر على إظهاره فأظهرته بهذا البيت .ثم قال للفضل
بن الربيع :خذ بيد النمري فأدخله بيت المال ،ودعه يأخذ ما شاءَ ،فأدخلني وليس فيه إل سبع وعشرون بدرة،
فاحتملتها.
وأ خذ النمري على شعره في دفعت ين ما لم يأخذه شا عر قط :إحداه ما هذه ،والخرى أن الرش يد كان بالر قة،
وكان ي ستحسنها وي ستطيبها ،فيق يم ب ها ،وأطال المقام ب ها مرة ،فقالت زبيدة للشعراء :من و صف مدي نة ال سلم
وطيب ها في أبيات يشوق أم ير المؤمن ين إلي ها أغني ته .فقال في ذلك جما عة ،من هم النمري قال أبياتا أول ها :ماذا
ببغداد من طيب أفانين ومن عجائب للدنيا وللدين
إذا الصبا نفحت والليل معتكر فحرشت بين أغصان الرياحين
فوقعت أبياته من بين جميع ما قالوا ،وانحدر الرشيد إلى بغداد .فوهبت زبيدة للنمري جوهرة .ثم دست إليه من
اشتراها ،بثلثمائة ألف درهم.
ومن جيد ما قال في آل الرسول عليهم السلم :آل الرسول ومن يحبهم يتطامنون مخافة القتلِ
أمن النصارى واليهود وهم من أمة التوحيد في أزلِ
وله الميمية التي يغني بها ،يمدح فيها الرشيد وهي جيدة أولها :يا زائرينا من الخيامِ حياكما ال بالسلم
لم تطرقاني وبي حراك إلى حلل ول حرامِ
هيهات للهو والتصابي وللغواني وللمدامِ
أقصر جهلي وثاب حلمي ونهنه الشيب من عرامي
ل حبي وترب حبي ليلة أعياهما مرامي
آذنتاني بطول هجري وعدتاني مع السوامِ
وانطوتا لي على ملمٍ والشيب شر من الملم
بورك هارون من إمام بطاعة ال ذو اعتصام
يسعى على أمة تمنى أن لو تقية من الحمام
لو استطاعت لقاسمته أعمارها قسمة السهام
ق بعد النبيين في النام
يا خير ماض وخير با ٍ
ل في سائر الناس وأولها :لعل عُذرا وأنت تلو ْم وكم
وميميته في المأمون وهو ولي عهد عجيبة ،قد صارت مث ً
لئم قد لم وهو مُليم
وأشعار النمري فيي آل الرسيول عليهيم السيلم كثيرة جيدةً ،مين أجود ميا مُدحوا بيه .وكذلك ميا له فيي المدح
والغزل كله جيد .وهو من فحولة المحدثين .وله أخبار كثيرة ونوادر.
أخبار البطين
()103
حدث ني أ بو ريحان قال :قال لي سليمان بن علي :كان طول البط ين اث ني ع شر شبرا بأ تم ما يكون من أشبار
الناس ،ولم ير في زما نه أ حد أطول م نه ،وكان ير عب من رآه .وكان مع ذلك قب يح الو جه ،فكان إذا أق بل ل
يشك من يراه أنه شيطان ،حتى يحاوره فيصيب م نه آدب الناس وأفصحهم ،وكان مع ذلك فا سقا معلنا بفسقه،
وكان أحمق خلق ال مع ذلك الدب والفصاحة.
حدثنا أبو عدنان قال :حدثنا عبد الصمد بن إبراهيم الخزري قال :عشق البطين جارية من أهل الرملة يهودية،
فرام تزوج ها ،فأ بى قوم ها أن يزوجوه ل سلمه ،فل ما رأى امتناع هم بذلك ال سبب تهود ،وم كث على اليهود ية
سنين حتى تزوجها ،ثم عاد إلى السلم .وفي البطين يقول أبو خالد الغنوي :وإن حرا أدى البطين بزحر ٍة ولم
تنفتق أقطاره لرحيبُ
وإن زمانا أنطق الشعر مثله وأدخله في عدنا لعجيب
ويحشر يوم البعث أما لسانه فعي وأما دُبره فطيب
وحدث نا عن الخ صيبي قال :قال البط ين -وكان من أ هل ح مص -ل ما خرج أ بو نواس من العراق ير يد م صر
زائرا للخصيب ،وبلغنا أنه يجتاز بنا ،لم أزل أترقب وروده حمص ،حتى قيل :قد وفد ،فمضيت إلى الحان فإذا
برجل له هيئة ،في إزار مُعصفر ،وهو جالس على درجة الحان ،في يده جردق من جرادق يفركها ويطرحها
للع صافير ،ف سلمت عل يه وقلت :أ ين نزل أ بو نواس? قال :وي حك أل نظرت إلى مظل مة الك فر ،فل تحتاج إن
تسأل? فمضيت به إلى منزلي ،فأقام عندي أياما ثم شيعته أميالً.
وكان ج يد الش عر محك مه ،يش به نم طه ن مط العراب .و هو القائل :لم أ قل ع ند الكري هة يا ليت ني في الخ فض
والدعة
بل تسربلتُ الحفاظ على ميت ،في الصدر لم يمت
وحسام ل يطيق صدا كانصباب الكوكب الكفتِ
وُصلتْ بالموت هبته كاتصال السم بالحمة
فهو ما أحببت من وزرٍمطرق ما لم يهج حفتِ
()104
وهذا معنى بديع قلما يرزق الشاعر مثله ،وفيها يقول :شيعت قلبي إلى مشيئته متبعا في الهوى ومتبعا
ورب قلب يقول صاحبه تعسا لقلبي فبئس ما صنعا
ت من تعطفه ومن كساه وتعطفي خلعا
يا من تعري ُ
ما هبت الريح من بلدكم إل تقطعت إثركم قطعا
ول استقلت من نحو بلدتنا إل تمنيت أن نكون معا
ومما يستحسن له قوله أيضا ،وهي أيضا كأنها أعرابية :رميننا خمسة ورموا نُعيما وكان الموت للفتيان زينا
فلما لم ندع ندبا ورمحا بركنا للكلكل فارتمينا
فإنك لو رأيت بني أبينا وشدتهم وعكرتهم علينا
لعمر الباكيات على نعيم لقد عزت رزيته علينا
فل تبعد نعيم فكل حي سيلقى من صروف الدهر حينا
()105
ومختار شعره في الرشيد وف مكة .فمما له في الرشيد قوله ،وقد ركب في يوم عيد ركبة لم ير الناس مثلها
أحسن هيئة وأتم زينة وأكمل أداة وأكثر قوادا وجندا:
ل زلت تنشر أعيادا وتطويها تمضي بها لك أيام وتثنيها
مستقبلً جدة الدنيا وبهجتها أيامها لك نظم في لياليها
العيد والعيد واليام بينهما موصولة لك ،ل تفنى وتفنيها
ليهنك النصر واليام مقبلة بالنصر والعز معقود نواصيها
والقصيدة طويلة ،وهي مشهورة ،فاقتصرنا على ذكرها.
ولشجع في محمد بن منصور بن زياد يرثيه بقصيدته التي أولها :أنعى فتى الجود إلى الجود ما مثل من أنعى
بموجود
أنعى فتى أصبح معروفة منتشرا في البيض والسود
أنعى فتى مص الثرى بعده بقية الماء من العود
أنعى فتى كان بمعروفه يمل ما بين ذرا البيد
قد ثلم الدهر به ثلمة جانبها ليس بمسدود
فأصبحا بعد تساميهما قد جمعا في بطن ملحود
الن تخشى عثرات الندى وعدوة البخل على الجود
وأشجع هو القائل في ابن صبيح :له نظر ما يغمض المر دونه تكاد ستور الغيب عنه تمزق
ويختار له مرثيته في أخيه :خليلي ل تستبعدا ما انتظرتما فغير بعيد كل ما كان آتيا
أل تريان الليل يطوي نهاره وضوء النهار كيف يطوي اللياليا
هما الفتيان المرديان إذا انقضت شبيبة يوم عاد آخر ناشيا
ويمنعني من لذة العيش أنني أراه إذا فارقت لهوا برانيا
كأن يمني يزم فارقت أحمدا أخي وشقيقي فارقتها شماليا
وأشجع هو الذي يقول :داء قديم في بني آدم صبوة إنسان بإنسان
()106
وحدث ني أ بو مالك عن الجلح بن يز يد قال :كان العباس بن الح نف صاحب غزل ،رق يق الش عر ،يش به في
عصره بعمر بن أبي ربيعة المخزومي في عصره ،ولم يكن يمدح ول يهجو ،إنما كان شعره كله ،في الغزل
والوصف ،وهو الذي يقول :أشكو الذين أذاقوني مودتهم حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
لخرجن من الدنيا وحبهم بين الجوانح لم يشعر به أحد
ألقيت بيني وبين الهم معركة فليس تنفد حتى ينفد البد
ومما يستحسن له قوله :لو كنت عاتبة لسكن لوعتي أملي رضاك ،وزرت غير مراقب
لكن مللت فلم تكن لي حيلة صد الملول خلف صد العاتب
ما ضر من قطع الرجاء ببخله لو كان عللني بوعد كاذب
وهذا المعنى يشبه قول الشاعر :أميتني ،فهل لك أن تردى حياتي من مقالك بالغرور
أرى حبيبك ينمي كل يوم وجورك في الهوى عدل فجوري
و من بد يع ما للعباس وطري فه ما ل يس ل حد في معناه ش يء يدان يه قوله :أحرم من كم ب ما أقول و قد نال به
العاشقون من عشقوا
()107
حتى إذا الهجر تمادى به راجع من يهوى على الرغم
فا ستحسن الرش يد إ صابته حاله ما ،وقال :وال ل صالحنها ك ما قال .وعر فت ماردة ال سبب في الش عر .ولم تدر
من قائله .ف سألت الرش يد فقال :ل أدري من صاحب الش عر .ول كن الف ضل بن الرب يع ب عث به ،فأر سلت إلى
الفضل تسأله ،فأعلمها ،فأمرت له بألف دينار ،وأمر له الرشيد بألفي دينار ،وأمر له الفضل بخمسمائة دينار.
ومن بدائعه وصفه تمشي المرآة بالهوينا :كأنها حين تمشي في وصائفها تمشي على البيض أو فوق القوارير
قال :أحسنت وال وأجدت ،هذا وأبيك يشبه ما نحن فيه ،فخذ بال هذا الدواج .قال سعيد :فقلت :وال ل أخذته
على هذه الحالة .فقال :وال لتأخذ نه فإن و قع الر ضا كان عند نا مثله كث ير ،وإن لم ي كن إل ما ن حن ف يه فأ نت
أحيق بذلك ،هذا لييس مميا تتغيير بيه حال .فقلت له :جعلت فداك ،شييء برك به أميير المؤمنيين ،ول شيك أن
ال سجان يمنع ني من إخرا جه ،قال :فب عث إلى ال سجان فقال له :إ ني قد وهب ته له فل تمن عه من إخرا جه ،فقال
السجان أنا ل أمنعه .ولكن اكتب إلى مسرور الخادم فأعلمه ،قال :فكتب إليه ،فكثر عجبه منه ،وأعلم الرشيد
بما فعل فأطرق الرشيد مليا وقال :ما وهبته له وأنا أعترض عليه في شي ٍء يفعله به؛ ليهبه من يشاء .فلما قام
سعيد ليخرج من ع ند الف ضل قال له :ها ه نا ش يء قال :و ما هو? قال :إ نه سيعرض لك ،ويذ هب لك إلى
الرشيد ،فيسألك عن السبب ،ويقول لك :بأي شيء وهب لك الدواج? فإن أنت ذكرت له خشف أهلكتني .قال له
سعيد :ف ما أ صنع? فقال له الف ضل :قل :تحدث نا بب عض أخبارك ومل حك ،فإذا سألك ف قل :حد يث ك يت وك يت،
فوهبه لي .قال سعيد :وال ما أدري ما أحدثه ،قال ل بد من ذلك ،فتفكر في شيء يكون عندي علمة فأينا سئل
عن السبب خبر به ،فلم يختلف الخبران قلت :كانت لي دار ،ولها باب صغير في زقاق ،سوى بابي المعروف
الذي إلى الشارع ،وكان ل يد خل إليّي مين هذا الباب الصيغير إل المرد ف قط .فأتيى الخادم المو كل بذلك الباب
يوما فقال لي :فتى له لحية يستأذن عليك من هذا الباب الصغير فقلت له :صيره إلى الباب الكبير ،فخرج إليه
ثم ر جع فقال :قلت له فأ بى .وز عم أ نه ل يد خل إل من هذا الباب ،فإن ر سمه كذلك ،فق مت فأطل عت من شق
()108
الباب ،وإذا حريف لي غاب عن البلدة غيبة فرجع وهو ملتح وجاء للعادة من ذلك الباب ،فكتبت إليه :قل لمن
رام بجهل مدخل الظبي الغرير
بعد ما علق في خدي ه مخلة الشعير
انفلت وادخل إذا شئ ت من الباب الكبير
ووج هت الرق عة إل يه ،فل ما قرأ ها ض حك وجاء إلى الباب ال كبير وا ستأذن ،فأذ نت له ود خل .فقال له الف ضل:
أح سنت وال ومل حت وقام فك تب البيات على الحائط وقال :ا مض في ح فظ ال :فل ما خرج سعيد عرض له:
فذ هب به إلى الرش يد ،قال سعيد بن و هب :فل ما دخلت عل يه ،صاروا بي إلى مجلس كان بي ني وبي نه سجف
فسلمت فرد السلم .ثم قال :يا سعيد ،بم حدثت الفضل حتى وهب لك الدواج? فقلت :إن رأى أمير المؤمنين أن
يعفيني ،فإنه كان شيء في أيام الحداثة والجهالة .قال :ل بد منه .قلت :يا أمير المؤمنين ،أنت إمام ،ول يجوز
أن أحدثك مثل هذا من غير أمان ،أفأنا آمنٌ حتى أحدثك? قال :تحدث وأنت آمن .قال :فحدثته الحديث ،وأنشدته
الشعر .فضحك وقال :يا غلم أعط سعيدا ثلثين ألف درهم .ثم قال :يا سعيد آنس القوم بحديثك ،وأكثر من
زيارتهم.
وكان سعيد ير مي بالب نة ،وكان شاعرا مفلقا ،ينا ضل أ با ال صلت الشا عر ،و في سعيد يقول أ بو ال صلت :قولً
لفضل يا بن الولى ملكوا ال أرض على رغم من ينازعها
بابن وهب داء يعالجه أدم ظباء نجل مدامعها
يغدو على صيدها وليس له إل ذكور الظباء يافعها
وهو بروس الظباء يهتف في النا س وإضماره أكارعها
ومما يستحسن من شعر ابن وهب قوله :كنت يوم العيد عبدا لبني أم أبيها
هائما أبتعهم أو كنت بالعبد شبيها
فلعمر ال ما ذ لك من حب بنيها
ل ولكن لغزال هو مولى لخيها
وفي مجونه يقول :وقل لمن كان أمردا يضع ال معروف من قبل آفة الشعر
كأنهم بعد بهجة درست ركب عليهم عمائم السفر
وصرت بعد بهجة بهم أصرف عنهم إذا بدوا بصري
وله أيضا صبحك الرحمن يا سيدي ما عشت بالخير ومساكا
أحمل الدهر وأوقاته كل البليا غير شكواكا
خبرني من كنت ساءلته عن حال ممساك وحماكا
بكل ما أهوى ولكنه قطع قلبي عند ذكراكا
أخبار العتابي
()109
وا سمه كلثوم بن عمرو ،و هو من ب ني تغلب ،من ولد عمرو بن كلثوم التغل بي قا تل ع مر بن ه ند .ويك نى أ با
عمرو ،من أهل قنسرين.
حدّثني ابن أبي الخوصاء قال :حدثني عمي قال :حدّثني أبو الهذيل قال :دخل العتابي على المأمول فكلمه بكلم
أح سن ف يه وأو جز .قلت :و ما ذاك الكلم يا أ با هذ يل? فإن كلما ا ستحسنه لح سن ،قال :قال له المأمون :يا
عتا بي تل كم ،فقال :يا أم ير المؤمن ين اليناس ق بل الب ساس إن المرء ل يح مد أول أمره على صواب ،ول يذم
على خ طإ ،ل نه ب ين حال ين :من كلم قد سواه أو ح صر تعناه ،ول كن يب سط بالمؤان سة ،ويب حث بالمناق شة.
فأعجب المأمون بكلمه.
وحدثني إبراهيم بن عمرو السدي الموصلي عن ابن جابر الكاتب قال :كتب العتابي لبي يوسف القاضي :أما
ب عد ،ف خف ال الذي أن عم عل يك بتلوة كتا به ،واحذر أن يكون ل سانك عدة للفت نة ،وعملك ردءا للمعتد ين ،فإن
أئ مة الجور إن ما يكيدون ال صالحين با ستصحاب أ هل العلم .وحدث ني ورقاء بن مح مد العجلي قال :حدث ني أ بو
صاعد قال :كان العتا بي مجيدا مقتدرا على الش عر عذب الكلم ،وكاتبا ج يد الر سائل حاذقا ،وقل ما يجت مع هذا
لحد ،ولما اشخصه المأمون إليه دخل عليه قال له المأمون :بلغتني وفاتك فساءتني ثم بلغتني وفادتك فسرتني.
فقال :يا أمير المؤمنين .لو قسمت هذه الكلمة على أهل الرض لوسعتهم ،وذلك أنه ل دين إل بك ،ول دنيا إل
معك .فسر المأمون بكلمه وقال له :سلني .قال :يا أمير المؤمنين ،يدك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة.
وحدثني جعفر المالكي قال :ما سمعت كلما قط .لحد من المتكلمين أحسن من كلم العتابي .وما رأيت كاتبا
تقلد الشعر مع الكتابة إل وجدته ضعيف الشعر غيره ،فإنه كان فحل الشعر جيد الكلم.
ومما يستحسن له من شعره قوله :ردت إليك ندامتي أملي وثني إليك عنانة شكري
وجعلت عتبك عتب موعظة ورجاء عفوك منتهى عذري
ومما يستحسن تجنب دار العامرية إنها تكلفه عهد الصبا والكواعب
منازل لم تنظر بها العين نظرة فتقلع إل عن دموع سواكب
ول وصل إل أن تعاج مطية على دارس العلم عافي الملعب
ومن بديع ما روي له أيضا قوله :ماذا عسى قائل يثني عليك وقد ناجاك في الوحي تقديس وتطهير
فت المدائح إل أن ألسننا مستنطقات بما تخفي الضمائير
ويستحسن له أيضا قوله :ماذا شجاك بحوارين من طلل ودمنة حسرت عنها العاصير
شجاك حتى ضمير القلب مشترك والعين إنسانها بالماء مغمور
لبست أردية النوار من طلل وزلت أخضر تعلوك الزاهير
ومما يستحسن له قوله :عرفت مصيفا من سليمى ومربعا بذروة نمود فأكناف بلتعا
بلدٌ تشتاها الوحوش وترتعي قواما من البهمي وجارا مدعدعا
ل من أناس ومجمعا
ترود بها الدم المتالي وربما تراها مح ً
وله أيضا :صدت نوار فصد واجتنبا وطوت فأعرض دونها السببا
فكأنما وصلت بمقلته تمثالها من حيث ما ذهبا
وله أيضا :رمى القلب يأسٌ من سليمى فاقصدا وكان بها هيامة القلب مهندا
وهي قصيدة مشهورة جيدة ،وأشعار العتابي كلها عيون ليست فيها بيت ساقط.
()110
الصفحة 82 :
حدّثنيي أبيو العباس الميبرد قال :كنيت منحدرا مين سير مين رأى ،فأدركنيي المسياء فأمرت الملح أن يقرب
الزروق مظلل قد قرب من ال شط ل نبيت هناك .وكان ع ند غروب الش مس ،فإذا أ نا بزورق مظلل قد قرب من
الشط ،فلما صار إلى الشط خرج منه خادم معه قوس بندق ،قم خرج آخر معه خريطة بندق ،ثم خرج بعدهم
ي وض يء الو جه قد انح نى على خادم ،فل ما رأي ته قلت في نف سي :ما أ شك أن هذا الر جل من أ هل ش يخ به ّ
النعمة .و قل ما يكون من النع مة إل أديب وإما وحيد فتبعته وقد أ خذ قوس بندق ،فرمى ع صفورا فأخطأ .ثم
ر مى فأخ طأ ،ثم ر مى ثالثا فأخ طأ ،فناول القوس ب عض الخدم وقال" :نر مي الع صافير فنخطيه نّ" قال ال مبرد:
فقلت على البدي هة :رميا ضعيفا ل يس يوذي هن فقال الش يخ :من هذا الذي يج يز عل يّ? فقلت :أ نا -جعلت فداك-
المبرد ،فمن أ نت يا سيدي? قال :أ نا دعبل .فأسرعت إل يه وقبلت يده ،ولم أزل أوانسه حتى دخل بغداد ،فل ما
أردت أن أنصيرف عنيه إلى منزلي منعنيي وقال :فبمين أسير إذا انصيرفت? فقلت :جعلت فداك ،إن مفارقتيك
لت شق عل يّ ،ول كن أ نا معذور هذا الو قت ،وأعود ب عد فن ستأنس .فأذن لي .حدّث ني اليزيدي قال :قال ر جل ل بن
ل قد ن حت خشب ته وجعل ها على عن قه، الزيات :لم ل تج يب دعبل عن ق صيدته ال تي هجاك في ها? قال :إن دعب ً
يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلثين سنة وهو ل يبالي ما قال هؤلء وما فعل له.
وحدثني إبراهيم بن محمد قال :كان دعبل يخرج إلى خراسان والمأمون بها ،والرضا عليه السلم معه هناك،
فيمدح ها فيجزلن له العطية ،وكان يجتاز بقم فيق يم ع ند شيعت ها في سقطون له في كل سنة خم سين ألف در هم،
وكان ب قم إن سان يتعا طى الش عر ،يقول شيئا ضعيفا يض حك م نه .وأن شد دع بل شيئا من شعره ،فقال للمن شد،
أمسك فإن استماع هذا يصدأ منه السمع .فبلغ الرجل ذلك فصار إليه وقال له :أنت الذي رذلت شعري? قد قلت
فيك أبياتا .فقال له :هات ،فقال :في است دعبل بلبل ليس يشفى لقابل
ليس يشفيه إل أير بغل بكابل
قال :ف سقط في يده وقال :وال لي سرن ش عر هذا الجي فة على أل سنة العا مة ال صبيان ،وقال :أعط يك شيئا وتك تم
هذه البيات ول ترويها? قال :وما أريد غير ذلك ،وكان خفيف الحال ،فقال :أعطوه مائة درهم ،فقال :وال ل
أخذت إل ألفان فقبضه وخرج ،فقلنا له :ما صنعت? هذا يدفع إليه من درهم إلى درهمين وقد كان يرضيه منك
خمسة دراهم ،فقال :دعوني من هذا ،وال لو احتكم على الخمسين اللف التي قسمت لي بقم لدفعتها إليه .ثم
خرج دعبل ،وشاع ذلك في البلد ،فهتف به الغوغاء ،والسفل والعبيد ،واحتاج أن يدع البلد بعد ذلك ول يدخله.
وق صد إلى دع بل شا عر فقال :إ ني مدح تك ،فقال :أوتعرف ني? قال :ن عم ،أ نت دع بل .قال :إذن فإن شد .فأنشده:
لقائل قلت وقد قال ليأكرم من تسأله دعبل
أيطلب السائل من سائل? فقال لي :السائل ل يبخل
لبئس ما قدر في نفسه أن يسأل الناس ول يسأل
قال :فوصله وأكرمه.
وم ما يستملح لدعبل أرجوز ته في المأمون و هي ف صيحة سهلة يقول فيها :يا سلم ذات الوضح العذاب ور بة
المعصم ذي الخضاب
والكفل الرجراج في الحقاب والفاحم السود كالغراب
بحق تلك القبل في الحقاب بعد التجني منك والعتاب
إل كشفت اليوم عني ما بي
ومما يستحسن له قوله :وبدل ضيفي في الظلم على القري إشراق ناري أو نباح كلبي
حتى إذا واجهته ولقينه حيينه ببصابص الذناب
فتكاد من عرفان ما قد عودت من ذاك أن يفحصن بالترحاب
()111
وله في أبي سعد المخزومي :إن أبا سعد على مجونه ورقة في عقله ودينه
يبترك الدهر على جبينه لحية تنساب في تسعينه
يزرع قثا جاره في تينه
ولدعبل في القرى :عللني بسماع وطل وبضيف طارق يبغي القرى
نغمات الضيف أحلى عندنا من رغاء الشاء في ذات الرغا
ننزل الضيف إذا ما حل في حبة القلب وألواذ الحشا
رب ضيف تاجر أخسرته بعته المطعم وابتعت الثنا
()112
ج بة أ سرى من تلك الج بة فقلت :ك يف أ صبحت يا أ با عمران قال بخ ير صبحك ال به .قلت :يا كر يم الخاء
للخوان قال :أسمعك ال خيرا يا أخي .قلت :إن لي حاجة فرأيك فيها أنا فيها وأنت لي سيان
قال :هاتها على اسم ال .قلت :جبة من جبابك الخز كيما ل يراني الشتاء حيث يراني
فضم يده إلى صدره وقال :خذها على بركة ال ،فخلعتها عنه ولبستها ،وجئت وأبو نواس مكانه بعد ،فلما رآها
على قال :من أين جاءتك هذه الجبة? قلت :من حيث جاءت تلك .أعني ما عليه.
ومما يستحسن من شعره قوله في المجون :وشاطري اللسان مختلق التكري ه شاب المجون بالنسك
بات بغمي يرتاد صالية النا ر ويكني عن أبيت الملك
دسست صفراء كالشعاع له من كف علج يدين بالفك
يحلف في طبخها بملته ودين موسى ومنشئ الفلك
حتى إذا رنحته سورتها وأبدلته السكون بالحرك
كشفت عن عجنة مزعفرة في لين صينية من الفنك
فكان ما كان ل أبوح به في الناس من هاتك ومنتهك
وقد نسب العوام هذا أبي نواس ،وذلك منحول ،إنما هو للحسين ابن الضحاك.
ومما يستحسن له قوله :محب نال مكتتما مناه وأسعده الحبيب على هواه
فأصبح ل يلم بما جناه من التقصير إنسان سواه
أسر ندامة الكسعي لما رأت عيناه ما فعلت يداه
وله في بعض الملوك :سيبقى فيك ما يهدي لساني إذا فنيت هدايا المهرجان
قصائد تمل الفاق مما أحل ال من بسط اللسان
بها ينفي الكرى السارون عنهم ويلهو الشرب عن وتر القيان
وله أشعار كثيرة ،وهو أحد المفتنين في الشعر ،جيد المدح ،جيد الغزل ،جيد الهجو ،كثير المجون ،صاحب جد
وهزل ،وهو عندهم في بحار أبي نواس ،بل هو شعرا وأقل تخليطا منه ،وهو غلم أستاذه والبة بن الحباب.
()113
ومما يستحسن من شعر النظام قوله :أل يا خير من رأت العيون نظيرك ل يحس ول يكون
وفضلك ل يحد ول يجاري ول تحوي حيازته الظنون
خلقت بل مشاكلة لشيءٍ وأنت الفوق والثقلن دون
كأن الملك لم يك قبل شيئا إلى أن قام بالملك المين
وهذا إبراهيم النظام هو القائل :ما زلت آخذ روح الدن في لطف وأستبيح دما من غير مذبوح
حتى انثنيت ولي روحان في جسدي والزق مطرح جسم بل روح
وشعره قليل ،وكان يستقي الشعر من الكلم والجدل.
()114
وله في غزله وكان ل يرغب فيه:
أخبار الحارثي
واسمه عبد الملك بن عبد الرحيم .حدّثنا أبو مالك النصاري قال :حدّثني أبو السود الشاعر قال :كان الحارثي
شاعرا مفلقا مفوها مقتدرا مطبوعا ،وكان ل يشبيه بشعره شعير المحدثنيي الحضرييين .وكان نمطيه نميط
العراب .ول ما قال ق صيدته المعرو فة العجي بة انقاد الشعراء وأذعنوا .و هو أ حد من ن سخ شعره بماء الذ هب،
والقصيدة التي ذكرناها هي هذه :هأنذا يا طالبي ساعي محتضر بزي إلى الداعي
ج ويحمد الشاهد إيقاعي
أحمي حمى من غاب من مذح ٍ
ل هلع في الحرب هاع إذا ريق فيها كل هلواع
قد باضت الحرب على هامتي وصممتني أذني واعي
واستودعتني مقلتي أرق ل يضع الجنب لتهجاع
مستحصد المرة ذي همة ضرار أقوام ونفاع
ل توجد الغرة منه وإن هيج به هيج بمنصاع
أشوس ينضو الدرع عن منكب مثل سنان الرمح شعشاع
كما ترى أفطح ذا رقطة تنجاب عنه هبوة القاع
فاجتمعت الشعراء والدباء على أن هذه البيات ليست من نمط عصره ،وأن ل أحد يطمع في مثلها ،ولعمري
إنه لكلم مع فصاحته وقوته يقدر من يسمعه أنه سيأتي بمثله ،فإذا رامه وجده أبعد من الثريا ،وكذلك الشعر
المتناهي الذي ليس قبله في الجودة غاية ،وقد سئل بعض العلماء فقيل له ما الشعر عندك? قال :السهل الممتنع.
()115
وللحارثي قصيدة ير ثي فيها أخاه سعيد بن ع بد الرح يم ليست بدون قصيدة متمم التي يرثي أخاه مالكا ،و هي
على روي تلك ،يقول فيها :فما أم خشف أودعته قراره من الرض وانساحت لترعى وتهجعا
خليس كلون اليهقان ابن ليلة أمر قواه أن ينوء فيركعا
ويهتز في الممشي القريب كأنه قضيب من البان التوى فترعرعا
فظلت بمستن الصبا من أمامه تنغم في المرعى إليه ليسمعا
إذا أغفلت نادت وإن ناب نبأة على سامعها تذكر طلها فتربعا
فخالفها عاري النواهق شاسب أخو قفرة أضحى وأمسى مجوعا
فأنهل منه بعد عل ولم يدع لملتمس إل شريحا مذعذعا
فجاء برياه نسيم من الصبا صباحا ودر جر ثكلً فأرجعا
وهذا كلم يعجز الشعراء ويفضحهم ،وفيها يقول :وأبيض وضاح الجبين كأنه سنا قمر أوفى على العشر أربعا
ولول خروجنا من شرط الكتاب لكان إثبات هذه القصيدة خيرا من تركها ،وإن كنا قد كتبنا في بعض المواضع
الق صائد الطوال ،وإن ما نش بت من ها ما لم ي كن موجودا ع ند أك ثر الناس ،وأ ما الموجود المشهور فل نورد ما
طال منه ،وإنما نقتصر من كل قصيدة على هذه البيات اليسيرة ،بل ربما اقتصرنا على ذكر القصيدة وبيت
واحد منها فقط ،كما صنعنا في أخبار السيد ونظرائه ،وإنما سمينا أمهات قصائد.
ومما يستحسن له أيضا كلمته في أخيه وهي التي يقول فيها:
()116
أجل عن العور الهواجر سمعه ونزهة من أن يقال فيسمعا
إذا نال من أقصى عرا المجد غاية سما طالبا من تلك أسنى وأرفعا
هذا البيت سجدة للشعراء ،ولو لم يكن في كتابنا إل شعرا الحارثي لكان جليل.
()117
يرى ل طراد الدمع في صحن خده أخاديد شقت باستنان همول
على بدعة لما يرى ال خلقه فصوره فردا بغير مثيل
تبدي كبدر لم يمر ببرجه كسوف ولم يكدر غداة أفول
أمات قلوبا واستمال بأنفس تكشفن منه عن ذهاب عقول
خليلي إني قد رضيت قليله وإن كنت ل أرضى له بقليل
خليلي جثماني بكف نحوله ينادمه قلبي بكأس عليل
وهذا نمط كما تراه إنما هو السحر الحلل.
ومما يستحسن له قوله :وصاحب السوء كالداء العياء إذا ما ارفض في الخد يجري من هنا وهنا
يبدي ويخبر عن عوراء صاحبه وما يرى عنده من صالح دفنا
فإن يكن ذا فكن عنه بمعزلة أو مات هذا فل تشهد له خبنا
ولمح مد بن ي سير ح كم كثيرة ،وموا عظ ح سنة ،و هو أن عت الناس للحيوان والط ير والشاء ،و ما أش به ذلك وله
مرثية طويلة في بستان أكلته الشاء ،ويقال أنه بستانه كان ذراعا في ذراع ،وقال بعضهم :بل كان شعيرا تحت
جرة ماء فهلك .ولم نذكرها خوف الطالة.
()118
له قناعا مغد فا" وقوله" :خش نت عل يه أ خت ب ني خش ين" وقوله" :خذي عبرات عي نك من زما عي" وقوله" :يوم
الفراق لقد خلقت طويلً"
لو استقصينا ذكر أوائل قصائد الجياد التي هي عيون شعره لشغلنا قطعة من كتابنا هذا بذلك وإن لم نذكر منها
إل م صراعا ،لن الر جل كث ير الش عر جدا ،ويقال إن له ستمائة ق صيدة وثمانمائة مقطو عة ،وأك ثر ماله ج يد،
والرد يء الذي له إن ما هو ش يء ي ستغلق لف ظه ف قط .فأ ما أن يكون في شعره ش يء يخلو من المعا ني اللطي فة
والمحاسن والبدع الكثيرة فل ،وقد أنصف البحتري لما سئل عنه وعن نفسه فقال :جيد خير من جيدي ،ورديي
خ ير من رد يه ،وذلك أن البحتري ل يكاد يغلظ ل فظ ه ،إن ما ألفا ظه كالع سل حلوة ،فأ ما أن ي شق غبار الطائي
في الحذق بالمعا ني والمحا سن فهيهات ،بل يغرق في بحره .على أن للبحتري المعا ني الغزيرة ،ول كن أكثر ها
مأخوذ من أ بي تمام ،وم سروق من شعره .وأ بو تمام هو الذي يقول :يا لب سا ثوب المل حة أبله فل نت أولى
لبسيه بلبسه
لم يعطيك ال الذي أعطاكه حتى استخف ببدره وبشمسه
رشأ إذا ما كان يطلق طرفه في فتكه أمر الحياء بحبسه
وأنا الذي أعطيته عض الهوى وضممته فأخذت عذرة أنسه
وغرسته فلئن جنيت ثماره ما كنت أول مجتنٍ من غرسه
مولك ،يا مولي ،صاحب لوعة في يومه وصبابة في أمسه
وهو القائل :محمد بن حميد أخلقت رممه هريق ماء المعالي مذ هريق دمه
تنبهت لبنى نبهان يوم ثوىيد الزمان فعاثت فيهم وفمه
رأيته بنجاد السيف محتبيا كالبدر لما جلت عن وجهه ظلمه
في روضة قد كسا أطرافها زهر أيقنت عند انتباهي أنها نعمة
فقلت والدمع من حزن ومن فرح في اليوم قد أخضل الخدين منسجمه
ألم تمت يا شقيق النفس مذ زمن فقال لي :لم يمت من لم يمت كرمه
()119
وله أيضا :قد جار وال على جاره وال قد أوصاه بالجار
حتى متى يا سيدي أنت لي تمزج إقبال بإدبار
يا من رأى فيمن رأى قبله ال دينار في راحة الدينار
وهذه أبيات فيها من خفر الوزن ما ترى.
أخبار أبي عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبي وهو من ولد المهلب بن أبي صفرة ،ويزعم آل المهلب أن أبا
عيينة اسم .وقال لي شيخ منهم :كل من كان من المهالبة يدعى أبا عيينة ،وكنيته أبو المنهال ،وكذلك يقول بنو
سدوس :إن أبا رهم هو اسم ،وكثير فيهم.
حدثني إبراهيم بن سعيد قال :أخبرني أبو هاشم العبيد قال :أبو عيينة ابن محمد بن أبي عيينة هو الذي كان
يهجو ابن عمه خالد بن يزيد بن حاتم المهلبي ،وأخوه عبد ال بن محمد هو الذي صاحب طاهر بن الحسين فلم
يرض صحبته وهجاه ،وأخوه داوود بن محمد هو الذي يقول فيه وفي آل سليمان بن علي :قوم إذا أكلوا أخفوا
كلمهم واستوثقوا من رتاج الباب في الدار
ل يقبس الجار منهم فضل نارهم ول تكف يد عن حرمة الجار
فهؤلء الثلثة كلهم بنو محمد شعراء.
وحدثني أبو عبد الرحمن قال :أخبرني محمد بن المظفر قال :دخل أبو عيينة يوما على المأمون فقال له :يا أبا
عيينة .هجوت ابن عمك بألف بيت ما عرضت له بمحرم ول تجاورته إل في بيت واجد ،وددت إنك ما قلته.
قال :وما هو يا أمير المؤمنين? قال :قولك :ولوذينك فوق ما آذيتني ولوسدن على نعاجك ذيبي
فقال :يا أمير المؤمنين ،فإني أدرت بالنعاج بنيه ل غيرهم ،فسرى عن المأمون.
وهو القائل في خالد :بح بما قد كنت تخفي ه وصرح ل خفاء
ما على هذا عزاء غلب الصبر العزاء
وبدا المر المغطى كاشفا عنه الغطاء
خالد كلفني جر جان ظلما واعتداء
خطة ما نلت منها طائلً إل العناء
خالد لول أبوه كان والكلب سواء
لو كما ينقص يزدا د إذن نال السماء
وهو القائل :يا حفص عاط أخاك عاطه كأسا تهيج من نشاطه
صرفا تعود بشربها كالظبي أطلق من رباطه
جزع المخنث خال ٌد لما وقعت على نماطه
وهي طويلة جدا .وشعر أبي عيينة أنقى من الراحة ،ليس فيه عيب ،فل بيت يسقط.
وهو القائل :داوود محمود وأنت مذمم عجبا لذاك وأنتما من عود
فلرب عود قد يشق :لمسجد نصفٌ ،وسائره لحش يهود
والحش أنت له ،وذاك المسجد كم بين موضع مسلح وسجود
()120
داوود يفتح كل باب مغلق بندي يديه وأنت قفل حديد
وأ بو عيي نة أ حد المطبوع ين الرب عة الذ ين لم ير في الجاهل ية وال سلم أط بع من هم :و هم بشار وأ بو العتاه ية
والسيد وأبو عيينة.
ل من أهل البصرة تاق إلى الخروج إلى وحدثني خلف بن إسحاق الكوفي قال :حدّثنا بعض أهل العلم :أن رج ً
داوود بن يز يد بن حا تم بن قبي صة ا بن المهلب بن أ بي صفرة زائرا له بال سند هو والي ها ،فتخ ير له كتبا من
إخوانه وأهل بيته ،ثم أتى عبد ال بن محمد أخا أبي عيينة فقال له :جعلت فداك ،تكتب إلى ابن عمك داوود بن
يزيد ،فكتب إليه كتابا لطيفا ودفعه إليه ،وقال له :إذا أوصلت إليه ما معك من الكتب وقرأها فادفع إليه كتابي.
فلما وصل ودفع إليه الكتب وقرأها قال له :أصلحك ال ،إن معي من أبي جعفر عبد ال بن محمد كتابا إليك.
قال :هات كتاب أبي جعفر ،ولم أخرته? قال :بذلك أوصاني .ودفعه إليه ففضه فإذا فيه :إن امرأ قصدت إليك
به في البحر بعض مراكب البحر
تجري الرياح به فتحمله وتكف أحبانا فل تجري
ويرى المنية كلما عصفت ريح له للخوف والذعر
للمستحق بأن تزوده كنت المان له من الفقر
قال داوود :ل جرم ل تترك حتى ترجع إليه غنيا .فأعطاه ألف دينار وخمسة آلف درهم.
ولعبد ال يعاتب طاهرا :يا ذا اليمنين ما شيء إقامته على الطالة إقصاء وتقصير
وما شهاب منير قد أضر به هم بنارك حتى ما له نور
وله أيضا :أيا ذوا اليمنين إن العتا ب يشفي صدورا ويغري صدورا
وكنت أرى أن ترك العتا ب خير وأجدر أل يضيرا
إلى أن ظننت بأن قد ظنن ت أني لنفسي أرضى الحقيرا
ثم هجاه بعد ذلك :وما طاهر إل سفاه تحركت برائحة الفضل بن يحيى فمرت
فأغنت بريح الفضل كل غنائها بالفضل ساءت حين ساءت وسرت
وله في ابن كوستيذ الصفهاني :أترضى أن تناك وأنت مولى ول ترضى بأن يزني الغلم
كأن نكاحه إياك حل ونيك سواك من سيما حرام
كمثل البغل يسرج ليس يأبى ويابي أن يغص به اللجام
()121
إذا ما ناك موله غلم فليس على سوى المولى ملم
وله أيضا :موهت وصلك حتى إذا كتبت كتابي
تقول هجري صواب والهجر غير صواب
أما ترى بك وجدي أما رحمت انتحابي
أما رأيت حمامي في الحب بعد العتاب
وله في الشيب :وذي حيلة للشيب ظل يحوطه فيخضبه طورا وطورا ينتف
وما لطفت للشيب حيلة عالم على الدهر إل حيلة الشيب ألطف
()122
فكيف لو كلم الليث الهصور? إذا تركتم الناس مأكول ومشروبا
هذا السنيدي ل تخفى دمامته يكلم الفيل تصعيدا وتصويبا
أني امرؤ من قريش في أرومتها ل يستطيع لي العداء تكذيبا
ول مصاهرة الحبشان من شيمي ول ترى لو وجهي الدهر غربيبا
اذهب إليك ،فلن آتي عليك ولن ألفي ببابك طلبا ومطلوبا
فأخذه الش عث فضر به مائ تي سوط ،فعو قب في ذلك فقال :إ ني لم أضر به للهجاء ،ول كن ضرب ته لكذ به في
الش عر وجهله ،إ نه ج عل كلم الذئب ل بي ال سندي ،هذا م ثل ذاك? وحدث ني ب عض أ صحابنا عن النوفلي قال:
ادعى أبو سعد في بني مخزوم .ولم يكن منهم ،ول عرف بهم قط .وقال أبو البرق مولى خثعم وشاكر المدائني
في أبي سعد :وما تاه على الناس شريف يا أبا سعد
فته ما شئت إذ كنت بل أصل ول جد
وإذا حظك في الشبا ه بين الحر والعبد
()123
ففعلوا ،فطال علي هم ،فهرب من بغداد إلى الري ،وأقام ب ها ح تى مات .وحدث ني أ بو جع فر قال :أ بو سعد يأ خذ
نفسه بآلت الشراف وكان دعيا ،وبآلت الشجعاء وكان جبانا ،وربما جلس على مزرد .ولكن كان جيد الشعر
وهو القائل لدعبل :ولول معد وأيامها وأنهم السنخ والمنصل
لضاق الفضاء على أهله ولم يك ناس ول منزل
وزلزت الرض زلزالها وأدخل في أست أمه دعبل
وهو كثر الشعر جيده.
()124
أيها البادي بنسبته ما لما قد قلت تحصيل
قاتل المخلوع مقتول ودم القاتل مطلول
بأخي المخلوع طلت يدا لم يكن في باعها طول
وبنعماه التي كفرت فعلت تلك الفاعيل
يا ابن بنت النار يوقدها ما لحاذيه سراويل
من حسين من أبوه ومن طاهر غالتهم غول
من رزيق إذ تعدده نسب في الخلق مجهول
تلك دعوى ل يناسبها لك آباء أراذيل
ما جرى في عود أثلتهم ماء مجد فهو مدخول
قدحت منه أسافله وأعاليه مهازيل
فبلغت القصيدة عبد ال بن طاهر ،فلما خرج إلى الشام جعل طريقه على حصن مسلمة عمدا ،ثم مضى مع نفر
من إخوانه إلى أبي الصبغ متنكرا من حيث ل يعرفه ،فلما رآه قال له :أنت أبو الصبغ? قال :نعم ،قال :ما
حملك على ما قلت في جواب عبد ال? قال :وما قلت? قال :عبد ال :قولك :من حسين من أبوه ومن طاهر
غالتهم غول
من رزيق إذ تعدده نسب وال مجهول
ففطن له الحصني وعلم أنه عبد ال فقال :أنت حملتني على ذلك يقول :وأبي من ل كفاء له من يسامي مجده?
قولوا
فل ما قلت :قولوا .لم نجد بدا من أن نقول .فتبسم ع بد ال وقال :صدقت ،و قد عذرناك ،وأمر نا لك بألف دينار،
ولكن ل يغرك حلمي فتعاود هجو المراء ،فإنك ل تدري كيف يقع ،لعله يتفق لك من ل يحلم عليك .فأفرغ بعد
ذلك الحصني شعره في مدح آل طاهر.
()125
رحلت عنسي إلى البيت الحرام على ما كان من تعب فيها ومن دأب
أرمي بها وبوجهي كل هاجرة تكاد تقدح بين الجلد والعصب
حتى إذا ما انقضى نسكي عطفت لها ثني الزمام فأمت سيد العرب
إني اعتصمت بإستارين مستلما ركنين مطلبا والبيت ذا الحجب
فالبيت للجل المرجو آجله وأنت للعاجل المرجو للرغب
()126
ومما يستحسن له من غزله قوله في قصيدة طويلة :إن الخليفة عدل في حكومته فامضي إلى بابه أني موافيك
وأرجعي لي فؤادا قد ذهبت به يا أبين الناس ظلما في تباريك
لقد ظلمت أخا جود ومكرمة وقد مريت فتى ما كان يمريك
أراك يا زينة الدنيا وبهجتها تنسين من ليس في حال بناسيك
كأن راحا وتفاحا يخالطه حب القرنفل بعد النوم في فيك
للناس دين ،ودنيا يشغلون بها وما لنفسي شغل غير ذكرك
وله أيضا :يا شبيه القضيب حسنا وقدا وبديعا أخدى إلى الصب وجدا
أنت في الحسن والملحة والغن ج وكل البهاء قد صرت فردا
أنا أصبحت يا مناي وسؤلي روجائي لحسن وجهك عبدا
فأجرني من القلى واعف عني واسقني من رضاب ريقك شهدا
أخبار الخاركي
واسمه أحمد بن إسحاق ل يعرف إل بالخاركي حدثني أبو جعفر محمد بن ع مر قال :حدثني ابن الداية قال:
قال لي أبو نواس :ما مجنت ول خلعت العذار حتى عاشرت الخاركي فجاهر بذلك ولم يحتشم فامتثلنا نحن ما
أتى به وسلكنا مسلكه ،ونحن ومن يذهب مذهبنا عيال عليه.
ومن شعره السائر قوله :لما أتوني بنار من شرابهم يدعى الطلء صليبا غير خوار
أظهرت نسكا وقلت الخمر أكرهها وال يعلم أن الخمر إضماري
آلي زعيمهم بال :قد طبخت يريد مدحتها بالشين والعار
()127
أخبار محمد بن حازم الباهلي
ي عبد ال بن حدثني محمد بن الصقر الموصلي قال :أخبرني دعامة قال :سمعت محمد بن حازم يقول :وجه إل ّ
طا هر بجار ية ح سناء وضيئة ،فلم أتمالك أن وق عت علي ها ،فوجدت ها من ال سعة والبرد فوق ال صفة ،مفازة م كة
عندها ثقب عفصة ،وثلج همذان عندها الحمام فأحببت أن أعرف عبد ال أمرها فكتبت إليه :ل جوهرة يرو ق
للعين حسن صفائها
أبصرتها فحمدتها من قبل حين جلئها
فندمت إل كنت قد تركتها بغطائها
ورضيت واستمتعت م نها زهرها برواتها
فل ما و صلت البيات إل يه ب عث بأخرى ظاهر ها كباطن ها ،فب عث الولى بخم سمائة دينار .وحدث ني أ بو ال سود
الم كي قال :حدث ني ا بن أ بي عون المدي ني -وكان المدي ني فقي ها -قال :كان مح مد الباهلي من أل حف الناس إذا
سال ،وألح هم إذا ا ستماح ،مع كثرة ذكره للقنا عة بشعره ،و هو أ حد جما عة كانوا ي صفون أنف سهم ب ضد ما هم
عليه حتى اشتهروا بذلك ،منهم أبو نواس ،كان يكثر ذكر اللواط ويتحلى به وهو أزنى من قرد .وأبو حكيمة
كان يصف نف سه بالع نة والعجز عن النكاح وكان يقال له :إ نه يق صر عن الت يس .وجحشو يه كان يصف نفسه
ل عن غيره. القناعة والنزاهة وكان أحرص من الكلب ،كان يركب النيل في ردهم واحد فض ً
وهو أجود الشعراء لفظا وألطفهم معنى ،و هو القائل :إن المور إذا سدت مسالكها فالصبر يفتق منها كل ما
ارتتجا
ل تيأسن وإن طالت مطالبه إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للبواب أن يلجا
اطلب لرجلك قبل الخطو موضعها فمن عل زلقا عن غرة زلجا
وذكر على خلف ما وصفنا من حرصه وكلبه فعل عجيب يدل على كبر الهمة وشرف النفس ،وهو أنه كان
ألح على مح مد بن حم يد بن قحط بة يهجوه الهجاء المؤلم الذي يؤذ يه ،فكان يتل فى ال مر م عه ب كل حيلة ول
ينجع فيه ،فعمد إلى بدرة فيها عشرة آلف درهم ،وتخت فاخر من الثياب ،وفرس عتيق ،ووصيف رائع ،فوجه
إليه بجميع ذلك مع ثقة له ،وكتب إليه رقعة يحلف فيها أنه ما يعلم بذلك غيره وغير رسوله ،ويقول له فيها:
أ ما لك أن تق بل هذه وتكفي ني أمرك وت كف ع ني? قال :فرد جم يع ذلك وك تب له في ظ هر رقع ته :وفعلت ف عل
ابن المهلب إذ كعم الفرزدق بالندى الغمر
ل أقبل المعروف من رجل ألبسته عارا على الدهر
وبعثت بالموال ترغبني كل ورب الحشر والنشر
وكتب تحت البيات :ولكني وال ل عدت بعدها إلى ذكرك بسوء فأمسك عنه فما هجاه بعد ذلك .وهذا عجيب
من مثله ،فإ نه حدث ني أ بو إبراه يم الجرجا ني قال :حدث ني إ سحاق بن شي بة قال :أ خبرني ربي عة الرازي قال:
رأيت محمد بن حازم يطلب من إسحاق بن حميد بن نهيك ِتكّةً فمنعه ،فقال له ابن حازم :يا أبا يعقوب إن لم
يمكنك تكة ففرد نيفق أو ليس بعجيب أن يفعل مثل تلك الفعلة وهو بهذا الحد من الجشع?
أخبار محمد بن وهيب
حدثني أحمد بن الهيثم قال :حدثني العرمزي قال :حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال:
()128
قال ا بن وه يب الشا عر :وال لحدث نك حديثا ما مر بم سامعك مثله ،إن أ نت جعل ته أما نة وكتم ته علي ،قلت:
حدثني ،قال :إنه ليس مما سمعت قط ،قلت :كم هذا التعقد بالمانة ،حدثني ول أخبر به أحدا ما دمت حيا ،قال:
بينا أنا بمكة أيام الموسم معها صبي يبكي ،وهين تسكته ويأبى ول يسكت ،فأخرجت من فيها شق درهم فناولته
الصبي فسكت ،فتأملتها فإذا هي ذات وجه جميل وشكل رطب وظرف ليس بعده شيء ،فقلت لها :أفارغة أنت
أم مشغولة? قالت :بل مشغولة ،وزو جي ر جل من ب ني مخزوم ،ولك ني عندي فار غة ذات حر ض يق وو جه
ح سن وث بج كبير ،أج مع لك هذا كله بأ صفر سليم ،قلت و ما أ صفر سليم? قالت :دينار،قلت :لي ست هذه من
شرائط الدنييا .هذه مين شرائط الجنية ،قالت :فهات إذن الشرط .فدفعيت إليهيا فأخذتيه ،وأخرجيت آخير فقلت:
اصرفي هذا في الطيب ،قالت :إنها ل تمس الطيب للرجال ،قلت :فاصرفيه في غيره ،ثم مضت ودخلت زقاق
العطار ين ف صعدت غر فة وقالت :ا صعد ،ف صعدت ،و صفقت بيد ها لجار ية ل ها فقالت :قولي لفل نة عجلي ول
تبطئي ،فأقبلت جارية كأنها الشمس .وقالت :قولي لبي الحسن وأبي الحسين ليحضرا :فقلت :هذا نعت علي بن
أبيي طالب علييه السيلم .ثم جعلت أن ظر إلى حسين وجيه صياحبتها وحلوة صيورتها فكيت أجين .وقالت لي
صياحبتي :هذا التيي ذكرت لك ،وقالت للجاريية :إنيي قيد ذكرتيك لهذا الفتيى ،وهيو على ميا تريين مين الهيئة
والجمال والنظا فة والظرف ،قالت :حياه ال وقر به ،قالت :و قد بذل لك من ال صداق دينار ين ،فقالت :يا أماه،
أخبرته بشرطي? قالت :إني وال نسيت ،فنظرت إل يّ وقالت :إنها وال أشجع من عمرو بن معد كرب ،وأكثر
زهوا من ربيعة بن مكدم ،ولست تصل إليها حتى تسكر ،فإذا سكرت ففيها مطمع فقلت :هذا هين .فإذا شيخان
قد أقبل ،فخطب أحدهما وأجاب الخر ،فزوجاني ثم انصرفا ،وأتينا بطعام فأكلنا ،ثم أحضرت شرابا فشربت
وسقتني .فلما دب فينا الشراب غنت بهذا الصوت راحوا يصيدون الظباء وإنني لرى تصيدها عليّ حراما
أشبهن منك سوالفا ومدامعا فأرى لهن بذا ذماما
وهي توقع بقضيب على دواة .فوال إني لنتاب القيان منذ ثلثين سنة إن كنت سمعت قط أحسن من صوتها،
ول غناء أحسن من غنائها ،فكدت أطير طربا وقلت :يا سيدة النساء ما سمعت بهذا الصوت قط ،ول عرفت
هذا الشعر ،قالت :بلى ولكن قام لمعبد فيه صوتان قلت :جعلت فداكن وليس إل ما قلت? قالت :بلى ولكن ليس
هذا وق ته .فل ما أم سينا قا مت ف صلت ،وق مت ف صليت .وال ما أدري كم صليت ،حر صا وطمعا ،وعد نا إلى
شرابنا فشربت وناولتني ،فلما مضت ساعة من الليل قلت لها :جعلت فداك أتأذنين لي في الدنو منك? قالت :قم
أول فتجرد وأ مش مقبلً ومدبرا ح تى أراك .فق مت وتجردت ومش يت وأ نا من عظ ،ول أدري ما يراد بي ،ثم
وق عت بالقض يب على الدواة وغ نت بأح سن صوت وأ صنع غناء كأ ني بالمجرد قد عل ته نعال القوم والخ شب
السواري
فلم اف طن للح ين الذي يراد بي ،وقلت :جعلت فداك ،أول يس لهذا الب يت ثان? قالت :بلى ،و سوف ت سمعه ب عد
ساعة ثم قالت :امش حتى أراك بين يدي ،ومشيت فقالت :توسط المجلس واقرب مني ففعلت ،وهناك خرق إلى
أسفل قد غطي ببواري ول أعلم .فما وضعت رجلي عليه إذا أنا في سوق العطاري قائم ،وإذا الشيخان قد كمنا
لي بنعالهميا ،فضربانيي حتيى كدت أموت وأنيا عريان ،وإذا الصيوت مين الغرفية :ولو علم المجرد ميا أردنيا
لحاصرنا في الصحارى
فوال يا أبا محمد لقد وقع على قفاي من النعال خفاف وثقال حتى رضضت ،وإذا رجل يقول :ويلك رحلك ل
ينذورا بك السلطان فنقع في بلية ،فقمت وأنا مرضوض عريان متجرد حتى صرت إلى رحلي ،فلما أصبحت
وتهيأت للخروج مع أصحابي جعلت طريقي على سوق العطاري فنظرت فإذا الجارية في الغرفة فقالت لي :يا
فتى هل لك في العود? قلت :أما على تلك الشرائط فل .فسألت عنها فقيل :جارية من آل أبي لهب.
ب مات الحياء ومات الرغب والرهب
ومما يستحسن له من شعره قوله :مات الثلثة لما مات مطل ُ
ل أربعة قد ضمهم كفن أضحى يعزى به السلم والعرب
يا يوم مطلب أبكيت أعيننا بعد الدموع دما ما دامت الحقب
()129
ت صوبا على الرض أو ما اخضرت العشب
فاذهب ذهاب غوادي المزن ما سفح ْ
أخبار العتبي
حدثني ابن القرشي قال :حدثني أبو عبد ال الموي قال :قال العتبي :بينا أنا أمر في شارع المربد يوما إذ أنا
بامرأة جميلة ،فتبعتها وقلت:
يا أمة اله ،هل لك زوج?قالت :ل ،قلت :فما رأيك في? فدنت مني وقالت :إن رأسي أشمط .فوليت عنها ،فلما
بعدت نادت ني ،يا ف تى ار جع ،فرج عت ،فكش فت قناع ها ،فإذا أ نا بش عر كالغراب ،فبق يت متعجبا ،فقالت :كره نا
منك ما كرهته منا.
ومما روينا في هذا المعنى للعتبي :رأين الغواني الشيب لح بعارضي فأعرضن عني بالخدود النواضر
وكن متى أبصرنني أو سمعن بي سعين فرقعن الكوى بالمحاجر
فإن عطفت عني أعنة أعين نظرن بأحداق المها والجآذر
فإني من قوم كريم ثناؤهم لقدامهم صيغت رؤوس المنابر
ومما يستحسن له قوله :ولما رأيتك ل فاسقا قويا ول أنت بالزاهد
وليس عدوك بالمتقى وليس صديقك بالحامد
أقمتك في السوق سوق الرقيق وناديت :هل فيك من زائد
على رجل غادر بالصديق كفور لنعمائه جاحد
()130
فما جاءني رجل واحد يزيد على درهم واحد
سوى رجل خانه عقله وحلت به دعوة الوالد
فبعتك منه بل شاهدٍ مخافة ردك بالشاهد
وأبت حميدا إلى منزلي وحل البلء على الناقد
وله أيضا :ليس احتيال ول عقل ول أدب يجدي عليك إذا لم يسعد القدر
ول توان ول عجز يضر إذا جاء القضاء بما فيه له الخير
ما قدر ال ل يعييك مطلبه والسعي في نيل ما لم يقضه عسر
وما عرتني من اليام معضلة إل صبرت لها ،والحر مصطبر
إني على عسري بال ذو ثقةورب قوم إذا ما أعسروا كفروا
كم مانع نفسه لذاتها حذرا للفقر ليس له من ماله ذخر
إن كان إمساكه للفقر يحذره فقد تعجل فقرا قبل يفتقر
حدثني مسلم بن رياح الجريري قال :حدثني أبو رياح بن عمرو قال :قدم عمارة من البادية إلى الحضر حين
اتصل بالناس شعره ،وكان أشعر أهل زمانه ،وكان ينحو نحو أبيه وجده ،ول يأخذ في معنى من المعاني إل
استغرقه ،وكان نقي الشعر ،محكم الرصف جيد الوصف ،من أهل بيت الشعر ،وكان مداحا للخلفاء والوزراء
والشراف والملوك ،فكسب مالً عظيما وانصرف إلى البادية.
حدث ني ع مر :قال :قدم عمارة بن عق يل من الباد ية إلى الح ضر ،و هو أف صح الناس ،وأح سنهم هديا وق صدا،
صحيح الد ين ،ليس عنده من المجون وال سخف شيءٌ ،ف ما رجع إلى الباد ية وهو مؤ من بحرف من كتاب ال،
وذلك أنه وقع إلى قوم يقولون بالدهر ،فعاشرهم فأفسدوا عليه دينه ،فكان بعد ذلك ل يرجع إلى شيء من أمر
الدين.
ومما يستجاد لعمارة بن عقيل :عناء القلب من سلمى عنا ُء وما أبدا له منها عزاءُ
تكلفني هواها النفس جهلً وخير نصيبها منها الرجاء
رقيقة مرشف المسواك ،فيها مع الدل الملحة والبهاء
غذاها عيش مرغدة وشيب تمدحها ،وتعسفها النساء
تطببها له بصدود عمرو فأعيانا التطبب والدواء
وشر جزاء ذي نعمى نجرنا بنو عمرو إذا احتمل الجزاء
منعناهم بني سعد وعمروعبيد عصا لسعد أو إماءُ
ومما يختار له أيضا :ويرفع المال أقواما وإن خملوا ويزري الفقر أقواما وإن كرموا
وقد رأيت رجالً إذ رأيتهمُ خلو مواريثهم للناس واخترموا
()131
لم يحملوا بالذي خلوا وراءه ُم ولم يحوزا به إل الذي اجترموا
عُمار إن أحق الناس كلهم بأن تزور إمام المة الحكم
الواهب اللف والمخشى صولته والمحكم العقد لما خانت المم
والقائد الخيل نحو الثغر معلمة شعثا تصلصل في أفواهها اللجم
وله أيضا :طرقت أميمة والعيون نيام شعثا وأطلحا بهن أوام
أوقعن تحليل اليمين بقفرة يهماء طامسة بها العلم
جبن الدجى وجشمن كل تنوفة حتى كأن صحاحهن سقام
حيا الله خيالها من زائر ومع التحية خيرة وسلم
أأميم إنك لو بليت خلئقي لعلمت أني ماجد بسام
شهاد أندية الكرام مزور وفر التلد ملوم لوام
أشبهت آبائي فجئت كمثلهم كانوا الُلى قدم لها وإمام
ومما يستحسن له قوله -والمرثية في أخيه :-أخي يوم أحجار الثمام بكيته ولو حم يومي قبله لبكاني
تداعت له أيامه فاخترمنه وأبقين لي شجوا بكل مكان
فليت الذي يبكي بعثمان غدوة دعا عند قبري مثلها فنعاني
فلو قسمت في الجن والنس عبرتي عليه بكى من حرها الثقلن
وإنميا عنيي بالروافيض الطاهرييين .وبأهيل العتزال بنيي داود ،وبالنصيارى بختيشوع بين جبرييل ،فإنيه كان
يعاديه .ووجد عليه طاهر من ذلك ،فما زالوا يكاتبون المتوكل في أمره ويحتالون ،حتى أخرج إلى خراسان،
فلميا وقيع فيي أيديهيم صيلبوه بباب الشاذياخ ،فاجتميع الناس ينظرون إلييه وقيد صيلب عريانا ،فقال وهيو على
خشبته :لم ينصبوا بالشاذياخ صبيحة ال إثنين مغموزا ول مجهول
نصبوا بحمد ال مل َء عيونهمْ حُسنا ومل َء قلوبهم تبجيل
()132
ما ضره أن بز عنه لباسه فالسيف أهول ما يرى مسلول
فاتصلت البيات بالقوم فأنزلوه وأكرموه.
ومن خبيث هجائه :بني متيم هل تدرون ما الخبر وكيف يستر أمر ليس يستتر
حاجيتكم :من أبوكم يا بني عصبٍ شتى ولكنما للعاهر الحجرُ
قد كان شيخكم شيخا له خطرٌ لكن أمكم في أمرها نظر
فلم تكن أمكم وال يكلؤهامحجوبة دونا البواب والستر
كانت مغنية الفتيان إن شروا وغير محجوبة عنهم إذا سكروا
وكان إخوانه غرا جحاجحة ل يمكن الشيخ أن يعصى إذا أمروا
عفّاء إل في بيوتكم فإن في مثلها قد تخلع العذر
قوم أ َ
قوم إذا نسبوا فالم واحدة وال أعلم بالباء إذ كثروا
حدثني ابن أبي فنن قال :حدثني أبو عبد ال اليحصبي قال :ل ما قال علي بن الجهم وهو محبوس كلمته التي
يخاطب فيها المتوكل :قالت :حُبست فقلت ليس بضائري حبسي ،وأي مهند ل يغمدُ
ثم قال حين صلب :ما ضره أن بز عنه لباسه فالسيف أهول ما يرى مسلول
حكموا له بأنه أشعر الناس ،فأذعنت له الشعراء وهابته المراء.
ل وللدهر أيام تجور وتعدلُ
ومما يختار له قوله :هي النفس ما حملتها تتحم ُ
ول عار أن زالت عن الحر نعمة ولكن عارا أن يزول التجمل
وعاقبة الصبر الجميل جميلة وأفضل أخلق الرجال التفضلُ
وله :أقلني أقالك من لم يزل يقيك ويصرف عنك الردى
وأعلك حتى لو أن السما تنال لجاوزتها مصعدا
فما بين ربك جل اسمه وبينك إل نبي الهدى
وأنت بسنته مقتد وفيها نجاؤك منه غدا
وي ستحسن له أيضا قوله من رائي ته في المتو كل :إذا ن حن شبهناك بالبدر طالعا وبالش مس قالوا حق للش مس
والبدر
ولو قُرنت بالبحر سبعة أبحر لما بلغت جدوى أناملك العشر
وله :إذا نحن شبهناك بالبدر طالعا بخسناك حظا أنت أبهى وأكمل
ونظلم إن قسناك بالليث في الوغى فإنك أحمى للذمار وأبسلُ
فل عرف إل قد تجاوزت حده ول بحر إل سيب كفك أفضل
وهو ممن شهر بشعره ،ووجد عند الخاصة والعامة ،وليس قصدنا الستقصاء ،وفيما ذكرناه كفاية.
()133
ف وبكاؤه ضحك الضعيف الواهي
ضحك الفراق بكاء صب مدن ٍ
ل وكل ربع محيلِ
وله :دعْ دارسات الطلو ِ
ول تصف دار سلمى ذرها لكل جهول
ل تقل :آل ليلى قد آذنوا برحيل
حسبي بحب مهنا عمن غدا في الحمول
بذي دلل وجيد لدى محب بخيل
صعب العنان شموس بالمقلتين قتول
كغصن بان تثنى على كثيب مهيل
()134
ل ولو بذل الطريف مع التليد
وما كان الوليد لذاك أه ً
أبا العباس دونك فارتبطه فما هو بالعنود ول البليد
فإني قد طلبت الجر فيه وفي حمل العجوز على البريد
وعيسى بن زينب يعرف بالمراكبي .زعم الثرم أنه من موالي بني أمية .وكان محسنا مفلقا .وأحد من يجيد
في الخمر ،ويشربها ول يفتر عنها ،وهو القائل :حي الصبابة ميت الصبر قامت عليه قيامة الهجرِ
متحير سدت مذاهبه لهفان حيث غرامه يغرى
لو كان يسبق ميتٌ أجل لسكنت قبل منيتي قبري
()135
من حب من فاقت محاسنه لول مشابهة من البدر
وله :سبى فؤادي بمقلتيه وقد أمسى فؤادي سبته عيناه
حتى حبست العمى فيدركني فأغمض الطرف للذي راه
يهتز كالغصن في غضارته زينه بالرحيق موله
أسفله كالكثيب تحسبه وكالقضيب الرشيق أعله
()136
يا سادتي ظبيكم قاتلي ظلما وما قتلي بالدين
ما زال عن قوس الهوى طرفه فوق لي سهما ويرميني
حتى إذا أقصدني سهمه حط ،وأدنى ذاك يكفيني
يا ذا الذي أسقمني ليس لي غيرك من خلق يداويني
ولست وال إذا رمته منك على قلبي بمامون
لكنني أقنع يا سيدي دون وصال أن تمنيني
تعلتي فيك بطيب المنى دهرا ،فعيشي عيش كمون
وهذا من جملة شعره المستحسن المستجاد.
يا دعبل بن علي أنت في حسن كالكلب ينبح من بعد على السد
فاكفف لسانك عما قلت في حسن فقد رأيت له مثلي من العدد
فكتب إليه دعبل :ل أعود .واتصل الخبر بالحسن فبعث بخمسين ثوبا إلى أبي السد.
ومما رويناه واخترناه :روحي مقيم بين أثوابي مستوفز عن جسدي نابِ
ت حتى ما بقي مسلك في جسدي مجرى لوصاب
نَحُف ُ
لم يبق إل حركات الهوى مني وعين ذات تسكاب
من يرني يحسبني لم أمتأرده في شك مرتاب
أي سقام وهوى فادحٍوأي ضر حل أثوابي
لو لمسوني ملء أيديهم لم يجدوا غير أسلبي
حدث ني أح مد بن مروان الخزري قال :حدث ني ع بد الوارث بن عمرو من أ هل الجزيرة قال :كان أ بو ال سد
الثعلبي حين ترعرع أخذ في قول الشعر ،وكان أصحابنا يقولون :يخرج وال أبو السد خروجا يتحدث به ،لنه
كان غوا صا ،و ما زال كذلك ح تى سمي الخ طل ال صغير .ثم لم ي بق إل ي سيرا ح تى ل حق بالع سكر ،ومدح
الملوك ،وأجزلوا له .فكان يقدم القد مة وم عه من الورق الكث ير ،والحملن والطرف ما يعل مه ال ،ح تى اعت قد
ضياعا بالجزيرة ،وكان من أيسر أهلها.
()137
وتشرب وتنيك وتناك .ومما روينا :حدثني عمر بن عبد الرحمن قال :حدثني باذنجانة وهو أحد أولد الفضل
بن ربيع قال :بال يا مُنية حتى متى يرتفع الحب وينحط
وكيف منجاتي إذا صرت في بحر هوى ليس له شطّ
يا أقدر الناس على علتي ما إن أتى الناس بها قط
قد صرت نصوا فوق فرش الهوى كأنني من دقتي خط
وهو صاحب بديع رفيق .ومما استملحنا له قوله :ها أنا ذا يسقطني للبلى عن فرشي أنفاس عوادي
لو حسد الساك على دقة خلقا لمسى بعض حسادي
وله أيضا :قل للغزال أقمت يا سكني على قلبي القيامة
لما رأيتك ل عدم تُ رؤاك تخطر في العمامة
كالشمس يزهو نورها إما تبدت من غمامه
نظري إليك بما لكم في القلب يعطيك ألوَلمه
والجسم فيه شواهد بالحب يشهد لي قسامه
وحلفت أنك قاتلي والفتك يعقبك الندامه
بجمال وجهك شج لي كأس الهوان من الكرامه
فلقد أميل إلى هوا ك وقد أغصص بالملمه
ولقد شربت مدامة فذكرت ريقك بالمدامه
ولقد يئست من الحيا ة كما يئست من السلمه
ولم ي كن ابين شادة مخنثا ،إن ما كان ل يهجيو أحدا ول يعرض له ،فسيمي بذلك مخنثا على التلق يب ،وكان آدب
الناس.
()138
إذا سمعت أذناي منطق عودها وأفصحت الوتار عنها بما تخفي
وغنت كصوت الصنج تحت لهاتها تجاوبه النايات في نغم النف
فيجمع بين الرجز والشج حذقها وتسكت من غنجٍ على مقطع الحرف
موردة الخدين مهضومة الحشى معقربة الصدغين فاترة الطرف
تقمّص أثواب الرجال تمردا وتأنف من لبس القلدة والشنف
وهو حسن الشعر مليحه ،ولما تاب ترك الشعر،وكان يقال له :لم ل تقوله وأنت نسيج وحدك? فيقول :قد أبدلني
ال تلوة كتابه .وما قال بعد ذلك شعرا حتى مات.
()139
فأخذه يحيى فحبسه في حبس بأصبهان ،يقال له الدليج .فاحتال حتى تخلص ،ثم هجاه بكل قبيح ،ولم يُبق غاية
في مكروهه .ومما قال فيه :يقول جليساه إذا خَلَو به تنفس يحيى ويحه أم تغوطا
وهي طويلة .إل أنها فاحشة فتركناها .فلما صرف يحيى،وورد بغداد أهدى إليه طرائف كثيرة ،وبره ووصله،
ثم ولي قزو ين .فب عث إلى ا بن الدور قي أن يتأ هب للخروج م عه ،ووعده كل إح سان وخ ير ،فجاءه وقال :يا
سيدي ،كم تدفع إلي إذا خرجت معك? قال :عشرة آلف درهم.قال :أحسنت وال وجودت ،إنما تدفع إلي ديتي،
وما أحسبني أجوز النهروان حتى تقتلني ،ولن يراني ال فاعل ذلك أبدا ،ولو أعطيتني مائة ألف درهم بعد ما
قلت فييك ميا قلت .فقال له يحييى :إن الكرام والشراف ل يفعلون ميا تقول ،وإنميا عاداتهيم اصيفح والعفيو
والحسيان والزيادة ،يريدون بذلك جمييل الذكير .فقال :ييا سييدي ،دعنيي مين هذا ،فإنيي أرى الموت عيانا إن
خرجيت معيك .فأعطاه العشرة اللف معجلة وقال :وال لئن خرجيت لفعلن لك ولصينعن لك .فقال :إنيي ل
أستجرئ على ذلك ،وأخاف أن تسكر وتدعوني وتضرب عنقي.
ل يعود وولى والزمان به حميدُ
وهو القائل في هاشم بن عبد ال بن مالك يرثيه :مضى من هاشم ما ً
()140
ب خمّارة بالقفص حانتها عادية ذات أطما ٍر مهاريتِ
فمما رويناه لسماعيل قوله :يا رُ ّ
نبهتها سحرا والنجم منكدرٌ والديك يمزج تصفيقا بتصويت
فأوجست خيفة مني وما علمت أني طريق لربات الحوانيت
فقلت :عندك خمر تمتعين بها صحبي? وحظك عندي كل ماشيت
قالت :أصبت المنى من عانس عُصرت في العهد من صاحب اليقطين والحوت
وقتل لما رأيت الكأس ساطعة تجلو الظلم :أل يا خمر حُييت
فقلت ما نالها غيري فكيف بها قالت فأنت لها قلنا لها إيتي
ولم أزل أتحساها مصفقةً مع كل مدرعٍ بالحكم سكيت
ترى وجوههم منها إذا خضعوا للسكر تلمع كالبيض المصاليت
ينقضّ منها شرار كلما مُزجت كالشهب تنقض في إثر العفاريت
ترى لها في أعالي كأسها حدقا من الحباب كأحداق المباهيت
كأنها حين حل الماء يرثمها شيبت بمسك ذكي الريح مفتوت 1
فكم لها من صريع فارس بطل قد كان يُرهب يوم الروع مسبوت
ق في ريح كافورٍ ولون خلوق
ومما يستحسن له قوله :نور تحدر من فم البري ِ
صبغ الظلم شعاعها لما رمت أقطاره بصواعق وبروق
فكأنه سبج زها بسواده ثم ارتدى منها بثوب عقيق
وكأنها وشرارها متطايرٌ والماء يخمدها ضرام حريق
()141
لو لقوا ما لقيت من حُرفة العق ل لساروا إلى الحماقة رَسْل
أذعن الناس لي جميعا وقالوا يا أبا العجل مرحبين وسهل
فبها ل عدمتها صرت فيهمسيدا أُتّقى ورأسا ورِجل
وله أيضا :اكفف ملمك محسنا أو مُجملً متطول
أعَلَى الحماقة لمتني قد كنت مثلك أول
فدخلت مصر وأرضها والشام ثم الموصل
وقرى الجزيرة لم أدع فيها لحى منزل
إل حللت فِناءه بالعقل كي أتمول
وإذا التعاقل حرفةٌ فعزمت أن أتحول
فانظر إلى أما ترى حال الحماقة أجمل
من ذا عليه مؤنبي حتى أعود فأعقل
وحماقات أبي العجل ومجاناته كثيرة.
()142
لكنت تضحك حتى تمسك البططنه
وله عجائب كثيرة من هذا الشأن ل حاجة بنا إلى استقصائها إذا كان ل نفع فيها ،وإنما أحببنا أن ل نترك شيئا
مما ذكره أح ٌد مَدَح في هذه الدولة خليفة وذكر في الشعراء ،وكفى ما أوردناه ونوادره.
()143
وله :كفى حزنا أن النوى قذفت بنا بعيدا وأن النأي أعيت مطالبه
فلو أننا إذ فرق الدهر بيننا عسى واحد منا تمول صاحبه
ولكننا من دهرنا في مؤونة يكالبنا طورا وطورا نكالبه
ومن طلب الدنيا على ما يريده أصاب ثراء أو أرنت حبائبه
فدونك هذا الصبر إني وجدته معينا على المر الذي عز جانبه
فل تحسب المقدور فات وقوعه فإن قضاء ال ل بد طالبه
ومما يستحسن له قوله أيضا :فدهري دؤوب بين حل ورحلة يطوف بي ما عشت أرضا إلى أرضِ
كأني ،بتعبير البلد موكّل لَبلغ منها مبلغ الطول والعرض
فإن يقض لي يوما رجوع فإننيسأكفر بالديوان والقرض والفرض
وأبعد نفسي عن أمور تشينها وألزم بيتي وافر الدين والعرض
فإن دام لي عز القناعة سرني وإل فبعض الشر أهون من بعض
وله في أخيه خثنام :دلس لي خثنام برذونه وكان دهرا طالما دلسا
كان يناوي دهره موسرا فكيف باليائس إذ أفلسا
لما فشا في الناس إفلسه ولم يجز تمويهه غطسا
فل تغرنك قعاقيعه ما عنده شيء وإن دخمسا
لم يبق إل شبح ماثل يا ويحه في الفقر ما أفرسا
قرطس في الفلس من غلوة ولو رمى من فرسخ قرطسا
وله في آل الفيض :ل تعجبوا جهلً بأحسابكم فتوقعوا أنفسكم في الحتوف
متى غزوناكم فأفلتم بعفو أو بقتل عنيف
فكم أقمنا بينكم مأتما بطعنة من قيل شريف
يلجأ في الروع إلى نفسه ما إن يعاف الموت بين الصفوف
يصونها في المن لكنه يهينها تحت ظلل السيوف
وله أيضا
()144
إن كان رزقي إليك فارم به في ناظري حية على الرصد
أصبحت فيما رضيت منك به أدعى أبا الكلب ل أبا السد
وقد رويت هذه البيات لبي السد وهي لمنصور أثبت :وله أيضا :يا ذا الذي ذم دهره من أجل أن حط قدره
ل تأسفن لشي ٍء ففي المغيرة عِبره
لو نيل رزق بعقل لم يعطه ال بعره
أو لم يكن منه جود كفته ما عاش كسره
وله فيه أيضا فضيحة جاءت على غفلة يبلى الجديدان ول تبلى
مغيرة بن الفيض في بيته جارية من غيره حبلى
ف موف عليه كأنه سقف
وله فيه أيضا :وجه المغيرة كله أن ُ
رجل كوجه البغل طلعته ما ينقضي من قبحه الوصف
من حيث ما تأتيه تبصره من أجل ذاك أمامه خلف
حصن له من كل نائبة وعلى بنيه بعده وقْف
جفت المدائح عن خلئقه ولقد يليق بوجهه القذف
ولمنصور أيضا في المغيرة :ثكلتك أمك لم تذد عنك الذي سيرت فيك من الهجاء السائر
حتى أتيت مشاتما لتكفني عن شتم فاجرة ونغلٍ فاجر
زعم المغيرة أنه بي آمر إن كان يكذب نكت أم المر
ومما يستحسن له في آل سلم :أن مستيقن رضاك ولكن ليس يخفيه منك طرف حقود
حُدث عني وصرت تنظر شزرا نظرا دونه يكون الوعيد
وله في أخيه وكان خطيب البلد :أقول غداة العيد والناس شُهدٌ ومنبرنا العالي البناء رفيع
لعمري لئن أضحى رفيعا فإنه بمن يرتقي أعواده لوضيع
أقول إذا ما قام ينهق فوقه أتبلغ هذا المرتقى وأضيع
ومن عجب الدنيا صعودك منبرا وحولك ألف سامع ومطيع
وما كنت أخشى مثلها البوم نكبة أذل لها ،والمسلمون جميع
وله فيه أيضا :قلت لخثنام على بخله يا بأبي يا ذا القرون الطوال
لو تملك الرض بأقطارها لكنت كشخانا على كل حال
فهمة النذال في بخله وهم من في البيت جمش الرجال
ولمنصور في رجل يرميه بأنه كان حجّاما :يا ذا الذي صار يعمل القلما قد كنت دهرا تقعقع الجلما
عشت زمانا وأنت تعمله أحذق من يمشي ومن حجما
فإن تكن بالقريض مشتغلً فرب يوم سفكت فيه دما
كم من كريم سفعت نقرته فطأطأ الرأس منك ما انتقما
وكم رقاب جرحت خاضعة وإن يرمها سواك كن حمى
بسيف شيخ قد كان فارسه ومن حكى شيخه فما ظلما
()145
حتى إذا هزه ليعمله شفى بذاك الصداع واللما
فإن يكن بالجبال منكتما فإنه بالعراق على كسائي
أصيرتم كسائي قهرمانا تكفل بالغداء وبالعشاء
فكيف سلبت من بين الندامى ألم يحضر غداءكم سوائي
فردوا قد نصحت لكم كسائيول تجلو إلى كشف الغطاء
فإني إن هجوتكم ببيت كشفت الستر عن باب النساء
وله أيضا :أأترك الخمر لن حرمت وأسأل النذال شرب الحلل
()146
إذا ما بدا لك فوق الحمار فقنبرة فوقها قنبره
تحرم في بيتك المشربات وفي بيت غيرك ما أكثره
فطورا تجرجرها نخب ًة وطورا تجرجرها تذكره
وله أيضا :له وجه خنزير وخيشوم بغلة وصدرة ملح وتقطيع حائك
شكا فسوه جن البلد وإنسها وقد خفت أن يؤذي خيار الملئكِ
فلو كان في أهل الجحيم َلوَ ْلوَلُوا إلى ربهم من فسوه المتدارك
وقالوا :العذاب الضعف أهون عندنا وكلهم مستصرخ نحو مالك
وله أيضا :قل للذي جاء من الحج يا أحوج الناس إلى العفجِ
لم تهد لي نعلً ول مقلة كأنما جئت من البرج
تهت بأن جئت بحجامة ونعفة من نعف الزنج
لو نلت ملكا ناله طاهر لكنت مقطوع اليرطنج
كيف انكباب يا أبا جعفر تقدم اللبد مع السرج
فلست تلفي بعده مفلحا ما أطلع الحجاج من فجّ
وله في عقبة بن مالك :يا خطبة ضيعها مالك أضيع منها المنبر الهالكُ
يا آل بكر قبلوا قاسما صار على شرطته مالك
عضادة المنبر في كفه أير حمار أسود حالك
وكان أبو دلف يقول :ما رأيت أحدا فوق منبر ،وعضادة المنبر في كفه إل ذكرت قول منصور بن باذان فكدت
أضحك .وكان منصور من المجيدين ل سيما للهجو فإنه كان أهجى الناس.
()147
كم تعذلوني قد حشوت مسامعي فسددتها عن نغمة العذال
كم تعنفون على الذين صدورهم طويت على الزفرات والبلبال
مطرت خدودهم سحاب شئونهم فعفت طلولهم مع الطلل
فتكاد تبدؤهم لطول وقوفهم في المنزل الطلل بالتسآل
بعث الرحيل بصبره أيدي سبا حين الحسان برزن للترحال
زم العزاء غداة زم مطيهم فحدا الحداة به مع الجمال
بيض سلبن مها الصريم عيوها ومن الصريم مآكم الكفال
قضب على كثب تقل أهلّة تركت أهلتنا بغير جمال
أخذت لنا أهب البعاد وقربت آجالنا بمحاجر الجال
من كل بهكنة يريك سفورها قرن الغزالة فوق جيد غزال
غصت خلخلها وجال نطاقها ونطاقها فأقل من خلخال
قطع الحوادث وصلهن بريبها فكأنما قطعن من أوصالي
سقيا ليام مضين سوالفا قصر الحبائب طولها بوصال
ما كان طول سرورها لما انقضتإل اكتحال متيم بخيال
والحادثات متى فغرن لغصتي ألقمتهن شجى بوخد جمال
ونضوت سربال المفارز بالسرى وجعلت أردية الدجى سربالي
ونشرت من حبر القصائد يمنة نجمت أهلتها على ابن هلل
فالشعر ليس بنافع أو يرتدي ألي وألّ مطيتي بالل
والنجع في كنف الدروب مقيله ل في مقيلك عن بني القبال
قطع التنائف وصل ما أملته فصل الغدو بها إلى الصال
بأبي معاذ فاستعذ بل جوده لك عوذة من لزبة المحال
رد لجة المعروف ترو بفيضه حتام أنت تحوم في الوشال
قل يا عبيد ال يا بن هلله تزل الحوادث عنك كل مزال
ل من العظام والجلل
ملك ترى الملك عنه إذا بدا خو ً
مغناه مصرع أجمل وأيانق وذراه مطرح أحلس ورحال
ونداه معروف تدفق حوله لجج من النعام والفضال
وإذا الكماة تخالسوا مهجاتهم ضربا بكل مهند قصال
وحسبت غمغمة الفوارس في الوغى زأر السود زأرن في الغيال
صنعت بأرواح العداة سيوفه ما كان يصنع جوده في المال
نفسي فداؤك أي ليث كريهة ندعو به والمعلمون :مَزَال
والخيل قاصدة على قصد الفتى نحو الحتوف كأنهن متالي
مدت سنابكها عليه سرادقا نسجت مضاربه من القسطال
()148
في حومة ما إن يبين من الوغىإل :هل في زجرهن وهال
ليل من الغمرات أنت سراجه ونجومه هندية وعوالي
بيض وسمر إن عرين تسربلت بدل الجفون جماجم البطال
أوردتهن تواضعا لجج الردى فصدرن في قمص من الجر
أضحكت سن الدين بعد عبوسه في فرسجين وقيعة الضلل
غادر أيام الضلل لياليا ولياليَ السلم غير ليال
والدين متزرا بثوب جماله والكفر متزرا بثوب نكال
كان كماتهم لديك عانة لعبت بهن براثن الرئبال
شبهت يومك يوم حجر وصنوه عمرو صبيحة ليلة الجبال
ما ضر دارم يوم قمت بمجدها أن ل تقوم مجاشع بجلل
بأبي وأمي أنتم من معشر بكم الملذة ساعة الزلزال
من يعتصم بقراه في مثلها يلقِ العصا بمعاقل الوعال
أُس ٌد متى ندبت ليوم كريهة أدرْن في غيل من السال
()149
وله أيضا :تزينك خلت من ال أربعٌ فثنتان للدنيا وثنتان للدينِ
سماح أخي طيّ ويأس ابن ظال ٍم وصدق أبي ذر ونسك ابن سيرينِ
ومما يستحسن له أيضا قوله :أداري بضحكي عن هواك وربما سهرت فتبدي ما أجن المدامعُ
وأمنع طرفي وهو ظمآن ورده وأخفي الذي تحنو عليه الضالعُ
عجبت لطرفي كيف يبقي على الهوى وليس لقلبي من ضميرك شافع
أذوب وأبلي من رسيس هواكم وتسهر عيني والعيون هواجع
بكيت وما أبكي لما قد خبرته ولكنني أبكي لما هو واقع
ومما يستحسن قوله :نم فقد وكلت بي الرقا لهيا بعدي بمن عشقا
إنما أبقيت من بدني شبحا غير الذي خُلقا
وفتى ناداك من كربٍ أشعلت أحشاؤه حرقا
ولبن العلف أشعار كثيرة ،وهو أحد المجيدين ،وهو رواية للشعر القديم والحديث.
وإني وإن مليت في العيش حقبة كذي سفر قد حان منه رحيلُ
فهل لي إلى أن تنظر العين نظرةًإلى ابن هشام في الحياة سبيل
فقد كدت ألقى المنايا بحسرة وفي النفس منه حاجة وغليل
()150
ل عن حالي تحب أن تعلمها ،وأن تأتيك عني سلمة ،وأنا يوم كتبت إليك
وأما بعد ،فإني أعلم أنك وإن لم تَ سَ ْ
سالم النفس مريض القلب.
وكان في الكتاب ر قة في ها :أ نا في صنعة كتاب مل يح ظر يف ،ف يه ت سمية القوم وأن سابهم وبلد هم وأزمنت هم
وطبقاتهم وبعض أحاديثهم ،وأحاديث قِيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات بها ،المذكورات ،وما قيل فيهن
مين الشعار ،ولمين كين ،وإلى مين صيرن ومين كان يغشاهين ،ومين كان يُرَخّصي فيي لغناء مين الفقهاء
والشراف ،فأعلمني رأيكما تشتهي لعمل على قدره إن شاء ال تعالى.
()151
تمر خطوب مفصحات بنطقها فتزور أحيانا وهن جنوح
وكم جسد يهتز بالخفض ناعما سيصبح مفقودا ويذهب روح
تغيرت عن عهد الشباب وطيبه وكان ،وطيب العيش منه يفوح
إذا شئت فاستدع المشيب خضابه فرأسه يبكي للبل وينوح
وله أيضا :قد سلم الساكت الصموت كلم واعي الكلم قوتُ
ما كل لفظ له جواب جواب ما يحذر السكوت
ئ ضحوك مستيقن أنه يموت
يا عجبا لمر ٍ
ب ممن هويت تروعُ
ع على كر ٍ
ومما يستحسن له أيضا قوله :صبرت وإني يا عليّ جزو ُ
ت له حتى سجدت لعبده ولم يدنني شيئا إليه خضوع
خضع ُ
وأبطأتُ عنه بالساءة إنه إلى كل أمرْ شائن لسريع
ن أشكو إليك من الجوى بكيتُ ،وإني بالبكاء ولوع
أبا حس ٍ
كنا بواسط ومعنا ابن أبي الشيص ،فتجارينا أمر الشعراء ،ففضلنا بعضا على بعض .فقال ابن أبي الشيص :أنا
أشعر الناس ،وكان أشعر مني أبي ونمن جميع من مضى ومن بقي ،فقلت له :كذبت في نفسك خاصةً ،فأما
أبوك فلعمري إ نه كان أش عر أ هل زما نه -وكا نت با بن أ بي الش يص لو ثة ،لن ال سوداء غل بت عل يه -فاختلط
واشتاط وخرق ثيابه ،ثم زج نفسه في دجلة وكان فينا جماعة يسبحون فأخرجناه وهو ل يعقل لما به من البرد-
وكان يوم شديد البرد -فدثرناه حتى تماسك وقوي قليلً ،فلما أصبح مات.
ومما يستحسن له :أظن الدهر قد آلى فبرا بأن ل يُكسب الموال حرا
كأن صفائح الحرار أردت أباه فحارب البرار طُرا
وأمكن من رقاب المال قوما وملّكهم بها نفعا وضرا
وأصبح كل ذي شرف ركوبا لعناق الدجى بحرا وبرا
يهتك جيب درع الليل عنه إذا ما جيب درع الليل ذرا
يراقب للغنى ونجها ضحوكا ووجها للمنية مكفهرا
ليكسب من أقاصي الرض مال يحل به المحل المشمخرا
ومن جعل الظلم له قعودا أصاب به الدجى خيرا وشرا
وله أيضا :كفى حزنا أني أرى من أحبه لدي صريعا ل أطيق له نفعا
سوى أنني أدعو له ال مخلصا وأُذري على خدي بمصرعه دمعا
()152
أخبار محمود الوراق
حدثني القاسم بن داوود قال :أخبرني الحسن العلو يّ قال :كان سكن جارية محمود الوراق من أحسن خلق ال
وجها ،وأكثر هم أدبا ،وأطيبهم غناء ،وكانت تقول الشعر فتأتي بالمعا ني الجياد واللفاظ الحسان ،وكان محمود
قد رقت حاله في بعض الدهر ،واختلت اختلل شديدا ،فقال لجاريته سكن :قد ترين يا سكن ما أنا فيه من فساد
الحال ،وصعوبة الزمان ،وليس بي وجلل ال ما ألقاه في نفسي ولكن ما أراه فيك ،فإني أحب أن أراك بأنعم
حال وأخ فض ع يش ،فإن آثرت أن أعر ضك على الب يع فعل تُ ،ل عل ال عز و جل أن يخر جك من هذا الض يق
إلى السعة ،ومن هذا الفقر إلى الغنى.
قالت الجارية :ذلك إليك .فعرضها ،فتنافس الناس ورغبوا في اقتنائها ،وكان أحد من بذل فيها أحد الطاهريين
مائة ألف درهم ،وأحضر المال ،فلما رأى محمود تلك ال ِبدَر سَلِس وانقاد ومال إلى البيع ،وقال :يا سكن البسي
ثيابك واخرجي .فلبست ثيابها وخرجت على القوم كأنها البدر الطالع ،وكان محمود -وهي كذلك -معها ،فقالت
سيكن وأذرت دمعهيا :ييا محمود ،هذا كان آخير أمري وأمرك أن اخترت علي مائة ألف درهيم? قال محمود:
فتجلسين على الفقر والخسف? قالت :نعم ،أصبر أنا وتضجر أنت ،فقال محمود :أُشهدكم إنها حرة لوجه ال،
وأنيي قيد أصيدقتها داري وهيي ميا أملك ،وقيد قاميت علي بخمسيين ألفا .خذوا مالكيم بارك ال لكيم فييه ،قال
الطاهري :أ ما إذ فعلت ما فعلت فالمال لك ما ،ووال ل ردد ته إلى مل كي .فأ خذ محمود المال وعاش مع سكن
بأغبط عيش.
وش عر محمود كث ير ،وأكثره أمثال وح كم وموا عظ وأدب ،ول يس يق صر بهذا ال فن عن صالح بن ع بد القدوس
وسابق البربري.
ومن قوله :يُثمل ذو الحزم في نفسه مصائبه قبل أن تنزل
فإن نزلت بغتة لم ترعه لما كان في نفسه مثل
رأى الهم يُفضي إلى آخ ٍر فصير آخره أول
وذو الجهل يأمن أيامه وينسى مصارع من قد خل
فإن بدهته صروف الزمان ببعض مصائبه أعول
ولو قدم الحزم في نفسه لعلمه الصبر عند البل
توفي محمود الوراق في حدود المائتين والثلثين.
كان أحمد بن المعذل لي صديقا ،وكنت أغشاه كثيرا ،فلما قدم من سر من رأى ،من عند أمير المؤمنين صرت
إليه ،ورأيت جلة أهل البصرة عنده ،وقد كان الخليفة أكرمه ،وخلع عليه ووصله بمال كثير ،فلم أر أخاه عبد
الصمد عنده فيمن أراه ،فقلت :ما لي ل أرى أبا القاسم عندك? فقال :إن أبا القاسم أعزه ال وافتنى هديته في
هذه الليلة التي قد مت فيها بما يكون من الخ البار بأخيه ،فإن أحببتم أريتكم ذلك ،قلنا له :قد أحبب نا ،أ صلحك
ال ،فمثله من بر ،ومثله من و صل وأكرم أخاه .فر فع ثِ نى و سادته وأخرج رق عة وإذا في ها :وغاب وخ صيتاه
كأكرتين وآب وخصيتاه كنصف دُبّهْ
ولما أن أتته دريهمات من السلطان باع بهن ربه
()153
وكان يذمهم في كل يوم يشي بالجهل والهذيان خُطبه
كسبت أبا الفضول لنا معابا وعارا قد شملت به وسبه
ولم نر مالكا أجدى عليه كما أجدى على النرسي شعبه
ثم قال :هذا بره وإكرا مه إياي .قل نا :بئس وال ما أهدى .وقبح نا فعله .فقال :إن لم ي كن مع هذا غيره فن حن
بخير ،قلنا :وما عسى أن يكون? فقال :هيهات ،أنا أعرف أبا القاسم أعزه ال.
ومما يستحسن له قوله :ناديته وظلم الليل معتكر تحت الرواق دفينا في الرياحينِ
فقلت :قم.قال :رجلي ل تطاوعني فقلت :خذ .قال :كفى ل تواتيني
إنى غفلت عن الساقي فصيرني كما تراني سليب العقل والدين
وله أيضا :لما رأيت البدر في أُفق السماء وقد تعلى
ورأيت قرن الشمس في أفق الغروب وقد تدلى
شبهت ذاك وهذه وأرى شبيههما أجل
وجه الحبيب إذا بدا وقفا الحبيب إذا تولى
وهذا معنى ما سبقه إليه أحد :تشبيه الوجه مقبل بالبدر ،وتشبيه القفا موليا بالشمس ليلة المقابلة ولكنه أخذه من
كلم مشهور لبي نواس ومسلم بن الوليد ،كانا واقفين في الشماسية إذ أقبل غلم كأن خوط بانٍ ،بوجه كالبدر،
بهاء ،فقال م سلم ل بي نواس:وي حك يا أ با علي أماترى هذا? قال :رأي ته ،فتبارك ال رب العامل ين وخالق هذا،
ثم ولي الغلم فإذا قفاه مستدير لم ير الناس مثله في الدنيا فتحيرا فيه فقال مسلم :الوجه بدر والقفا شمس.
فقال أبو نواس :ووجه ذابح.
()154
وليس بكافيه من حبها سوى أن يدلك أو يحتلم
إذا بات سكران من حبها وأصبح من جوعه متخم
فيالك من عاشق مفلس أخي صبوة موسر من عدم
ونبئته زارها ليلة تُبيل الحمار من القُ ّر دَمْ
()155
وله في جفاءٍ كان من جعفر بن القاسم قوله :قد جفاني المير حين تقرّا فتقرأت مكرها لرضائه
ما طلق لمكره بطلق قد رواه المير عن فقهائه
والذي انطوى عليه المعاصي علم ال ذاك لي من سمائه
()156
ل تراني كاذبا في وصفه لو تراه قلت لي :قد صدقا
وله أيضا :وصبية مثل فراخ الذر سود الوجوه كسواد القدرِ
شرّ بغير ٌُمص وبغير أُزر
جاء الشتاءُ وهم بِ َ
حتى إذا لح عمود الفجر وجاءني الصبح غدوت أسري
وبعضهم ملتصق بصدري وبعضهم منحجر بحجري
أسبقهم إلى أصول الجدرِ هذا جميع قصتي وأمري
فارحم عيالي وتول أمري كنيت نفسي كنية في شعري
أنا أبو الفقر وأم الفقر
وهذه القصيدة من خيارها :والذي أخذ فيه طريق الجد كلمته في الحسن بن سهل وقد أجمع الناس على حسنها
وفصاحتها وهي قوله :سُقيا لحى باللوى عهدتهم منذ زمان ثم هذا عهدهم
عهدتهم والعيش فيه غرة ولم يناو الحدثان شعبهم
ولم يبينوا لنوى قذافة تقطع من وصل حبالي حبلهم
فليت شعري هل لهم من مطلب أو أجدن ذات يوم بدلهم
الناس أشبا ٌه كما قد مثلوا وفيهم خير وأنت خيرهم
حاشا أمير المؤمنين إنه خليفة ال وأنت صهرهم
فأحسنوا التدبير لما ناصحوا وأمنوا العتب فطال نصحهم
إليك أشكو صبية وأمهم ل يشبعون وأبوهم مثلهم
قد أكلوا اللحم ولم يشبعهم وشربوا الماء فطال شربهم
وامتذقوا المذق فما أغناهم والمضغ إن نالوه فهو عُرسهم
ل يعرفون الخبز إل باسمه والتمر هيهات فليس عندهم
وما رأوا فاكهة في سوقها وما رأوها وهي تنحو نحوهم
زعر الرءوس قرعت هاماتهم من البل واستك منهم سمعهم
كأنهم جناب أرض مجدب محل فلو يعطون أوجي سهمهم
بل لو تراهم لعلمت أنهم قوم قليل ريهم وشبعهم
وجحشهم أجرب منقور القرى ومثل أعواد الشكاعي كلبهم
كأنهم كانوا وإن وليتهمطرا موالي وكنت عبدهم
مجتهدا بالنصح ل آلوهم أدعو لهم يا رب سلم أمهم
()157
ل أحسب الجور ينقضي وعلى المة والٍ من آل عباس
وكان أبو الفضة عفيفا.
حدث ني أ بو الع مش قال :كان أ بو الف ضة في محلة كان تعرف في القد يم بمحلة العتاة ،وكان في هم قوم مُجّان،
يُكرِهون كل من ي مر ب هم على الف سق والفجور وشرب الخ مر ،ف مر ب هم أ بو الف ضة .فأخذوه وأدخلوه دارا،
وجاءوا بامرأة وقالوا :لتباشرنهيا أو لنقتلنيك .فقال لهيم :ييا قوم اتقوا ال ،فهذا شييء ل أفعله ول عهيد لي بيه،
فحلفوا لئن لم يفعل ليقتلنه فلما رأى ذلك دخل ،فإذا صبية صبيحة الوجه مليحة ،وأغلقوا عليهما الباب .فقال أبو
الفضة للجارية :هل لك في خير? قالت :وما هو? قال :أنت وال مُنية المتمني .ولكني أكره أن أفتح على نفسي
هذا الباب ،فتقر بي إلى ال بأن تخل صيني من هؤلء القوم وتقولي :إ نه قد ف عل .فقالت الجار ية :أي ها الر جل،
ا ستحييت لك على قلة الد ين ،أتأمر ني أن أكذب في يوم جم عة? ول بي الف ضة مرث ية في جار ية له جيدةٌ ،قد
ن إلى دمنة المنزل الموحشِ أدخلوها في المراثي الطوال التي جمعوها وأولها هذا :أجد بِخُلّتك المُبكرو َ
وهذه قصيدة مشهورة موجودة في أيدي الناس.
جعَيفران المُوسوس
أخبار ُ
حدثني أحمد بن إبراهيم ال ُقمّي عن أحمد بن يوسف الكاتب قال :كنت عند أبي دُلف إذ دخل آذنه فقال :جعيفران
المو سوس بالباب ،فقال أ بو دلف :و ما ل نا وللمجان ين? َأوَ قد فرغ نا من ال صحاء? قال أح مد :فقلت :هو وال
ظريف حلو الشعر.قال :فليدخل إذن .فدخل ،لما وقف بين يديه أنشأ يقول :يا أكرم المة موجودا وأفجع المة
مفقودا
()158
لما سألت الناس عن واحد أصبح في العالم محمودا
قالوا جميعا :إنه قاسم أشبه آباء له صيدا
قال أحميد :فنظير إلي أبيو دلف وقال :صيدقت وال .لييت أصيحاب الشعير قالوا مثيل هذا .فأمير له بألف دره
وخل عة .قال جعيفران :أ ما الخل قة فأخرج ب ها ،وأ ما اللف فتأ مر القهرمان أن يعطي ني كل ما جئت خم سة ،فإ ني
أخاف أن يُسرق مني أو أطرحه .قال :يا فلن ،اقبِض من الخازن ألفا،وادفع إليه كلما جاءك خمسة ،فإذن َنفِد
الل فُ فاق بض مثله وأجرِه على الر سم في الخم سة ال تي يأخذ ها كل ما جاءك ،ل تقطع ها ع نه ح تى يق طع بين نا
وبينه الموت ،فنظر إلى أحمد فقال :يموت هذا الفتى تراه وكل شيء له نفادُ
لو كان شيء له خلود خُلّدَ ذا المُفضل الجواد
قال :فأُعجب أبو دلف بقوله وقال لحمد بن يوسف :أنت كنت أعرف بصاحبك.
قال :ووقف جعيفران يوما بالكوفة ونادى :أضيفونا .فلم يُجبْه أحد ،قال :فأخرج خمسة دراهم وقال لرجل :ابتع
لي تمرا وهات لي جرة ماء وبارية ففعل الرجل فقال له :ابسط البارية واطرح عليها التمر وضع الماء .ونادى
جعيفران يقول :يا أ هل الكو فة سألتكم القِرى فلم تقرو ني فهلموا الن فاطعموا ،وأن شأ جعيفران يقول :لو نازل
ال خلقا في بريته نازلت ربي في الخلق الذين أرى
وقلت من عجبي مما أرى به ُم لي شيء إلهي يصلحون أول
()159
أخبار أبي حيان الموسوس
حدث ني طا هر بن محمد الهوازي قال :رأ يت أ با حيان المو سوس و قد قدم من الب صرة إلى بغداد ،ولم يكن له
همة دون أن أشتري جرة مدارية كبيرة ،ثم جاء إلى دجلة فملها ثم صار إلى ال صراة فصب الجرة فيها ،ثم
حمل أيضا من الصراة ماء فصبه في دجلة ،ثم لزم ذلك طول مقامه ببغداد إلى أن مات ،وما له شغل ول عمل
غيره ،وكان إذا جنه الليل وضع الجرة وجلس يبكي عليها ويقول :اللهم فرّج عني وخفف علي هذا العمل الذي
أنا فيه.
وحدثني مسلم بن عبد ال قال :رأيت أبا حيان الموسوس حين قدم من البصرة وقد أولع بصب الماء ،يحمله من
محلة إلى محلة أخرى فيصبه ،فيقال له في ذلك فيقول :لو لم أفعل ذلك في كل يوم متّ.
ومما رويناه لبي حيان قوله :ل تبكِ هندا ول المواعيسا ول لربع عهدت مأنوسا
وقف بقطربل ونزهتها واحبس بها عن مسيرك العيسا
وانزل لشيخ بالدير مسكنه يدعوه أهل الكتاب قِسيسا
لم َي ْقنُ وفرا له فيملكه إل صليبا له وناقوسا
فجاء بالزق فوق عاتقه يحمل حظا إلى منقوسا
أتيته فاشمأز لي ذعرا فقلت موسى فقال بل عيسى
فصب في الكوب صوب صافية لم يفترس عود كرمها السوسا
وكان أبو حيان موسوسا آخر عمره ،وكان يخلط في الكلم ،ول يخلط في الشعر أصل ،وهكذا هؤلء الشعراء
الذين خولطوا بعد قولهم الشعر ،يوجد في كلمهم تفاوت كثير شديد ،فإذا جاءوا إلى الشعر مروا على رءوسهم
ورسمهم المعهود قبل أن يوسوسوا.
صعَب الموسوس
أخبار مُ ْ
حدثني جعفر بن عبد ال الخريمي قال:
ن إلى الطر يق ،لب عض التجار، مر م صعب المو سوس بدرب الثلج ببغداد ،ف نر إلى ع ين شاة من شباك روش ٍ
فظن أنها عين جارية ،فعشقها وتردد إلى ذا المكان شهرا ،ثم لزمه ،فكان ل يبرح منه ،وكان مربط الشاة في
ذلك المكان من الجناح ،فكان ربما اتفق أن يرى عينها ول يراها ،فاستحكم هذا عليه ولزم موضعه ،وكان إذا
و جد خلوة من الناس كلم ها ش كا إلي ها وب كى ،و هو ل ي شك أن ها ت سمع ،ورب ما ر مى إلي ها بالتفا حة المنق شة
المطيبة ،والُترجة المفلقة ،والشمامة ،والتحفة الحسنة من المناديل وما أشبهها ،فانكسرت الشبكة يوما ،فنظر
فإذا عين شاة ،وفطن له الصبيان ،فجعلوا يقولون :يا عاشق الشاة .فغ ضب ،وتفاقم المر عليه في ذلك ،فكان
سبب وسواس مصعب.
حدث ني ا بن بكار قال :قال م صعب المو سوس :العلوم عشرة :ثل ثة كِ سروية ،وثل ثة يونان ية ،وثل ثة عرب ية،
وواحيد عفيى على الجمييع .أميا الكسيروية فالعود والشطرنيج والصيولجان ،وأميا اليونانيية فالهندسية والطيب
والنجوم ،وأما العربية فالنحو والفقه والشعر .وأما الذي عفى على الجميع فأخبار المحدثين وأيامهم.
وحدثني ابن بكار قال :قال لي مصعب ،قلت لصبي رأيته قد خرج من الديوان :أي كُتّاب ديوانكم أكتب? قال:
أجودهم بريا للقلم.
ومما يستحسن من شعر مصعب الموسوس :وذي نخوة قد براني هوا ه يزداد في الحب إن هِبت عزا
()160
فما زلت بالمكر حتى اطمأن وقد كان من قبل ذاك اشمأزا
وأقبلت بالكأس أغتاله وكنت لمثاله مستفزا
وقال عبد ال :البيات التي يرويها الناس لعلي بن محمد بن نصر بن بسام هي لمصعب الموسوس وهي هذه:
خبيصة تُعمل من سكره وبُرمة تطبخ من قنبرة
عند فتى ،من حسن تدبيره ينصب قدرين على مجمره
وليس ذا في كل أحواله هذا له في الدعوة المنكرة
في يوم قصف هائل ريقه كثيرة اللذات والخرخرة
وله شعر كثير جيد.
أخبار جحشويه
حدث ني يقظان بن مح مد الخزري قال :قال جحشو يه :دخلت يوما إلى داري فإذا غلم ين يك حمارا ،فل ما رآ ني
استحيا وحار وذهب يهرب ،فحلت بينه وبين ذلك وقلت :يا ابن الفاعلة ما حملك على هذا? قال :يا سيدي ،ال
ال ،فإن متاعي كان قائما ،فلما رأيتك قعد -وكان أعجميا -فأعجبتني كلمته وتركته.
وحدثني أبو نصر مولى البجليين قال :كان جحشويه من ألوط الناس وأبعدهم مما يرمى به نفسه ،وكان ينسب
ن من جارية دعجاء معدودة خمصانة نفسه إلى البغا ،وله في هذا تملح على غير حقيقة .من ذلك قوله :أحس ُ
فرعاءِ
ذات وشاح طفلة بيضاء ومن عُقارٍ مُزجت بماءٍ
ومن وقوف الرجل ال َبكّاء في منزل أقفر من قباء
سقّاء ذي القربة الحلوة والقباء
أير الغلم المرد ال ّ
يختال في قطيفة حمراء بفيشة كالهامة الصلعاء
كأنها جمرة من الجماء
ومما يستحسن له في ابن الجهم قوله :تماري ندى ابن الجهم يوما وبأسه وقال رضينا في المحاكمة الفخرا
فقال الندى :يا فخر ،أنهبت ماله ولكنني عوضته الحمد والجرا
فقال له البأس :انتضيت سيوفه فأوردتها بيضا وأصدرتها حمرا
فقال مجيبا :شدتما قبة العل وأوطنها فلتعمراها ،به الدهرا
ومما يستحسن له قوله :لو مضى ابن الجهم قِيس يد مضت الدنيا له تبعا
غير أني ل أرى أحدا دون راجي عُرفه انتفعا
ل أرى من دون راحتهلمرئٍ وافاه مُنتجعا
لو يرد الطرف لحظته في صفاة ماؤها نبعا
وجحشويه من المجيدين المشهورين.
()161
هو راشد بن إسحاق حدثني محمد بن علي البصري قال :كان بين ابن الزيات وبين أبي حكيمة مودة عجيبة
وأ نس كث ير ،فقدم ا بن الزيات من م كة ،فج عل الناس يحضرو نه للتهنئة ويقولون :أ ين صديقك أ بو حكي مة? إذ
س عهدي ول مودتيه واشتق إلى طلعتي ورؤيتيه جاءت رقعة وفيها :ل تن َ
()162
وكان سبب موت أ بي نعا مة أن مفلحا د خل بغداد و هو ير يد صاحب الب صرة فق يل له :إن أ با نعا مة يم يل إلى
علي وولده ،فضربه بالسيف فتلفت نفسه ،فسمع بذلك علي بن محمد بن صاحب البصرة فقال :إن كان ضربه
لحبه عليها وأهل بيته فما يفلح بعدها وال مفلح ،فلم يمض إل شهر حتى قتله العلوي بالبصرة.
ومما يستحسن قوله من شعر أبي نعامة كلمته في أبي السمط الصغر ،وهو مروان بن أبي حفصة بن مروان
بن أبي حفصة وفيها يقول :رأينا البرد مشتدا فساءلنا عن القصه
فقالوا :منشد ينش د شعر ابن أبي حفصه
ك بحلقوم استه غُصّه
فتى من شهوة الني ِ
أخبار البحتري
واسمه الوليد بن عبيد ويكنى أبا عبادة.
()163
حدث ني علن بن مح مد قال :ه جا البحتري أ با الف ضل بن الح سن بن سهل ،فتر كه أيا ما وأظ هر قلة المبالة
والهمال لهجائه ،ولم يظهير الموجدة بذلك .وحضره يوما فقال له :ييا أبيا عبادة .تيبيعني غلميك نسييما?فقال:
كيف أبيعك من لو فارقته ساعة فارقتني روحي? فقال :أعطيك به رغيبة فقال :وكم تعطيني? قال:أعطيك ألف
دينار .قال :ل أفعيل.قال :أعطييك ألفيي دينار ،فقال له :أحضير المال .فباعيه وتسيلمه أبيو الفضيل .فميا مير
للبحتري يوم حتى قامت قيامته،وندم ،فواصل غدوه برواحه إلى باب أبي الفضل يسأله القالة وهو يأبى عليه،
فلما عيل صبره كتب إليه :أبا الفضل في تسع وتسعين نعج ًة غنى لك عن ظبي بساحتنا فرد
أتأخذه مني وقد أخذ الهوى فؤادي له فيما أس ّر وما أبدي
وتغدو عليه صبوتي وصبابتي ولم يعده وجدي ولم يأله جهدي
وقلت :اسلُ عنه ،والمنية دونه وكيف سلو ابن المفرغ عن بُرد
وابن المفرغ شاعر كان له غلم اسمه برد فباعه وندم .وله فيه أشعار كثيرة -فقال أبو الفضل :أبيعكه بجميع
ما تملك ،فقال له :أف عل .فبا عه بجم يع مل كه وأش هد عل يه ورد الغلم إل يه ،فل ما كان من ال غد ،رد عل يه الكتاب
وأقاله من جم يع ذلك ،وح مل إل يه صلة وقال له :إياك أن ته جو الحرار ،فإن ل هم مكا يد ي ضل في ها هجوك
ومدحك.
()164
وصلى على سلف الصالح ين منكم وبارك فيمن غبر
()165
ربما قلت :وصله ليس عنه مدفع من قلىً فيحيا نشاطي
فأنا الدهر في رجاء ويأس من حبيبي وفي رضا أو سخاط
فإذا رمته فلمس الثريا دونه أو لقاؤه في الصراط
وكساني هواه من خلع السق ِم رياطا فأنحلتني رياطي
ورسائله وشعره كثير مشهور معروف
أخبار عصابة الجرجرائي
واسمه محمد بن عب بن إسماعيل الكوفي .قال غيره :اسم عصابة الجرجرائي إسماعيل بن محمد وكنيته أبو
إسحاق ،ولقبه عصابة.
وحدثني محمد بن منصور قال:
قال لي عصابة الجرجرائي :بعث إلي الحسن بن رجاء حاجبه وقال :أجب المير لتنادمه ،فسألته أن يُعفيني من
منادمته ،وأن يحتال لي في ذلك ،وأضمن له شيئا فلم يفعل فركبت ومضيت معه ،فصار بي إلى حجرة معتزلة.
وجاءني بطعام فأكلت ثم أدخلني إلى الحسن بن رجاء ،فقمت من بعيد ،فما زال يدنيني حتى أجلسني بين يديه،
وقال لي :هذا يوم لذة وسيرور وغبطية ،فسياعدني على أمري ،وانبسيط ول تحتشيم .ثيم قال :ييا غلم اسيقني
رطلً ،ف سقاه ،ثم قال :ا سق أ با إ سحاق ،ف سقاني رطلً خ ثر ما ب ين الذؤا بة والن عل .ثم تذاكر نا فقال :أنشد ني
خمسمائة بيت من شعرك وشعر غيرك ،فأنشدته قريبا من ذلك ،إلى أن قال أنت وال كثير الحفظ ،جيد الشعر،
واندف عت أن شد وال نبيذ يع مل عمله ،إلى أن قال :يا غلم ا سقني وع صابة رطل ،فجاء الخادم بر طل ،ف صب
نصفه في قدحه ونصفه في قدحي ،فنظرت إلى الغلم متأملً ،فإذا بعينيه قد دارتا في رأسه كالعلقتين .وإذا هو
يومئ أن خذ رأسه ،فوثبت قائما وقلت :أيها المير ما أردت سوءا ،فأقلن أقالك ال .وأكببت على البساط أقبله
وأتضرع إليه ،فقال لي :قد أقلتك على أل تقيم بفارس أصلً .قلت :أصلحك ال ول ما والها من المدن .قال:
فانيج بنفسيك .فخرجيت وأنيا ل أعقيل لميا تداخلنيي مين الرعيب .فارتحلت مين سياعتي بمين معيي مين العيال
والحاشية ،فل صرت على فرسخين من شيراز إذا أنا بفارس يركض ورائي وبيد شيء ،فلما وافاني قال لي:
يقول لك المير :هذه العشرة اللف درهم اصرفها في نفقتك.فدعوت بقرطاس ودواة وكتبت إليه :ل يخضبون
عوالي المران إل من العلق النجيع القاني
يمشون والرايات فوق رؤوسهم وكأنهن كواسر العقبان
والخيل تعترض القنا بصدورها وكأنهن نوازع الشطان
اقرَ السلم على المير وقل له إن المدام هي الرضاع الثاني
إن المنادمة التي نادمتني رفعت عناني فوق كل عنان
ونقضت مني بنيتي فبنيتني بيديك أحسن بنية البنيان
وعليك تقويمي إذا ما نالني أود لنك كنت أنت الباني
قال :ودفعيت البيات إلى الرسيول الذي حميل المال ،فمضيى و سرت أنيا على سينني فلميا صيرت على عشرة
فرا سخ إذا أ نا بجما عة يغذون ال سير خل في ح تى لحقو ني وقالوا :يا هذا قتلت نا وقتلت دواب نا .ود فع أحد هم إلي
كتابا .فإذا هو كتابي الذي كتبت فيه البيات ،وإذا هو قد كتب إلي تحت هذين البيتين :أبلغ أبا إسحاق أن محله
مني بحيث الرأس والعينان
فليفرخ الروع الذي روعته إن المحل محل كل أمان
()166
فلت للفرسيان :قيد أغذذتيم السيير وحملتيم على أنفسيكم ،فانزلوا واعملوا الليلة على المقام تسيتريحوا وتريحوا
دوابكيم .قالوا :وال لو قطعتنيا ميا أقدمنيا على ذلك ،إميا أن ترد الجواب أو تُر ّد معنيا .قلت :فوجهزا بفارس
يتقدمكم ويعلمه أنا غدا عنده .قالوا :أما هذا فنعم ،وبادروا إليه بفارس يركض الليل أجمع حتى وافاه وأعلمه أنه
لحقو ني بمو ضع كذا وكذا ،وأن هم غدا عنده .فطا بت نف سه .فل ما كان من ال غد ارتحل نا و قد ا ستراحت دواب نا
ووافينا بابه واستأذنا ،فأذن لنا ،فلما قمنا بين يديه وسلمت رد أحسن رد ومد يديه معا إلي فناولينهما وضمني
إل يه ،وأقعدني ب ين يد يه ،فنادمته يومي ذلك إلى الل يل ،وظهر م نه من ال سرور برجو عي إل يه غ ير قل يل .فل ما
ص مكانأردت النصراف آمر لي بألف دينار وحملني وخلع علي،ولم أزل عنده بعد ذلك بأجلّ محلّ وأخ ّ
قدم بعض تجار البصرة فصار إلى أبى حاتم السجستاني فقال له :من أي بلد آنت? قال :من أهل فارس ،فقال
له :ما فعل شاعر عندكم ،لو كان بالبصرة ما قيل :إن بها شاعرا غيره? قال له الرجل :ومن هو أصلحك ال?
قال :الذي يكنى أبا سلهب .قال الرجل :ما هو عندنا بهذا المحل .قال :لعمري ذلك مبلغهم من العلم ،وال لقد
أنشدوني من شعره ما لم أسمعه لحد من أهل عصره ،فإذا لقيته فاقرأ عليه السلم عني وقل له :هل لك في أن
تنحدر إلى ناحيتنا حتى أردك إلى بلدك بألف دينار? فقال :أفعل ذلك .قال الرجل :فلما قدمت أتيته فقصصت
عل يه ال خبر ،ف ما م كث إل قليل ح تى ل حق بأ بي حا تم ،وان صرف إلي نا ب عد مدة و قد أفاد ض عف ما قال ،وكان
يحدث عين غزارة أبيي حاتيم وسيعة علميه ،وعين حسين قياميه له حتيى أفاد ذلك المال ،ثيم لم يزل صيديقا له
يتكاتبان إلى أن توفي أبو حاتم السجستاني.
ومما روينا لبي سلهب في الحسن بن علي بن أبي سويد يهجوه :يا دار دار أبي سويد حاول تْ طير الشائم
فيك ما يتحذرُ
ورميت عن قوس الزمان بمحنة نكباتها تبقى ول تتغيرُ
دار أبيحت للخنا تبا لها والنازلون بها أتب وأخسر
بتر المناسب ليس بعد أبيهم حسب يعد ول قديم يذكر
دنست من اللؤم القديم جلودهم فثيابهم بجلودهم تتقذر
يا فارسا ل تصطلى شداته عند اللقاء إذا الحروب تسعرُ
قد سد ثغرا ما حمى ماسده عمرو ول أسد الفوارس عنترُ
والرستمان ول المعادي ربه شوبين إذ يفصي الكماة ويهصر
وحمى كليب يوم يحمى ما حمى وبعزة فينا ربيعة تفخر
ما كان يحمي ما حميت له الحمى عند الطعام إذا رغيفك يحضُر
()167
في ذلك نفع عاجل ول آجل ،ول هو يحسه ول يعلمه ،وإنما خلق من أخلق العامة ولقد أحسن القائل :للفينّك
بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي
وإن مذهبي فيه ما يقول أخو بني أسد :وإني لستحييك والترب بيننا كما كنت أستحيي وأنت تراني
ومما روينا للفتاك قوله :يشكي فهل أنت له راحمإليك أم أنت به عالمُ
متى يُع ّر الثوبُ عن جسمه فليس إل شبح قائم
أحلف بال وآلئه أنك لي يا قاتلي ظالم
أفواه أكمامك محصورة والجيب فيه سعة لزم
وله :ويحبس جعسه في البطن شهرا مخافة أن يجوع إذا خريه
ويبكي إذ خرى أيضا عليه كما يبكي اليتيم على أبيه
()168
وبشار حيث يقول :لم يطل ليلي ولكن لم أنم ونفى عني الكرى طيف ألمّ
وخالد بن يزيد حيث يقول :رقدت ولم ترث للساهر وليل المحب بل آخر
حدثني خالد بن يزيد الكاتب ،والصبيان يصيحون به :يا خالد يا بارد ،فيرميهم بالجر ،لنه كان وسوس في
آخر عمره ،وتغير عقله.
وشعره حسن جدا ،وليس لحد من الرقيق ما له ،وهو القائل :وضع الدموع مواضع الحزن حي السهاد وميت
الجفنِ
عبراته نطق بما ضمنت أحشاؤه ولسانه يكني
في كل جارحة له مقل تبكي على قلب له رهن
لم يدر إل حين أسلمه قدر للحظة واحد الحسن
وله أيضا :على ثقة من أنني بك واثق صددت وأن الناس بي منك أعرفُ
إذا كنت في كلي بكلك مفرغا فأي مكان من مكانك ألطف
ع كلما غبت يهتف
فمني إذا ما غبت في كل مفصل من الشوق دا ٍ
إلى أين لي من حسن وجهك مذهب ومن أين لي منه إذا جاء مصرف
ن الرقيب الرقيبا أخطأتني لما رأيت الحبيبا
وهو القائل :كيف خانت عي ُ
رحمتني فساعدتني فقبل تُ بعيني مع الحبيب الرقيبا
()169
حدثني أبو الورد قال :رأيت محمد بن واصل وقد عرض جيشا من العراب من بني تميم بفارس ،وكانوا من
عشير ته فوجد هم على غا ية الرثا ثة وق بح الهيئة .وان صرف عن هم إلى قوم من ع بد الق يس من أ هل البحر ين،
فعرضهم فوجدهم أخس زيا ،واردأ ثيابا .فالتفت إلى الحسين بن دعبل -وكان أتاه زائرا فأكرمه وقدمه ،وقبل
شعره ورعيى له فيي أبييه -فقال :ييا دعبلي ،قال :لبييك أيهيا الميير .قال :إن أنشدتنيي فيي قرب شبيه هؤلء
العراب بعضهم ببعض وصلتك بعشرة آلف درهم ،قال :أيها المير رجوت أني قد وُفقت لما تريده ،هم كما
قال حبيب بن أوس الطائي :لئام طغام بل كرام بزعمهم سواسية ما أشبه الحول بالقبل
قال ا بن وا صل :أح سنت وال ،ما عدوت ما في نف سي .وأ مر له بعشرة آلف در هم.وم ما روي نا للح سين بن
دعبل قوله في الحارث بن سيما :هذا زئير الليث فاستقيما ول تناما ول تنيما
سيرا حثيثا ودعا التهويما واستعمل العنيق والرسيما
ق من ناظري على خدي يستبقُ
ومما اخترنا له قوله :دمع تصوبه النفاس والحُر ُ
يرقى إلى مقلتي بالشوق مجتمعا من الحشا بزفير ثم يفترق
ربيع خدي من عيني متصل وماء عيني من فرط الهوى غدق
لم أدر أن سبيل النوم منقطع حتى رأيت جفوني ليس تتفق
والدعبلي مليح الشعر جدا.
()170
أخبار يعقوب التمار
حدثني ابن الديك قال :قال لي يعقوب التمار:دببت إلى غلم ليلة ،فانتبه وقال لي :أي شيء تعمل? قلت :جئت
أشرب الماء .فقال لي :ييا ابين الفاعلة ،بطنيي إداوة أم سيِقاية? وكان التمار هذا مين أصيحاب أبيي نواس
المذكورين ،ومما رويناه له :أيا ظبي لول الذي في الحشا وفي القلب مني ولول الحرق
لما هتك الدمع ستر الهوى وأوردني العشق بحر الغرق
وهل :قد كنت قصرت من الحب وتبت من هم ومن كربِ
وأُلْت من عيشي إلى خفضه ناعم بالٍ فارغ القلب
حتى بدا لي شادن أحورٌُ فكدت أقضي أبدا نحبي
يغتصب العشاق ألبابهم فكان ما قد حار لي لبي
فمن لصب عقله في يدي رخيم دل كافر القلب
قد قلت لما لم أجد حيلة :أحمدُ قد أوصاكم ربي
بالجار والجار له حرمة عليك والصاحب بالجنب
أحمد يا سؤلي ويامنيتي حسبي فخرا بكم حسبي
إن كان عيبا عشق أهل الهوى فليس في عشقك من عيب
يا بأبي الدرب الذي ليس له مولى ،به مبتهج الدرب
رضيت إن لم تنصفوا في الهوى أن تقرءوا يا سيدي كتبي
وله شعر جيد موجود في أيدي الناس ،والتمار هذا من المعروفين فيمن حوى جودة الطبع وقلة التكلف.
()171
يتيه بصدره رمان ثدي على عكن تفتح عن نطاق
تعاوره الحواضن كل يوم بمسح العارضين إلى التراقي
أقول له وقد أودى بقلبي سقام ما يفتر عن خناقي
أيا قمر القبيلة من لصب أسير الحب أصبح في وثاق
وله البيت العجيب في تشبيه المصلوب الذي ل يس لحد مثله في قوله :كأنه عاشق قد مد ب سطته يوم الفراق
إلى توديع مُرتحلِ
أو قائم من نعاس فيه لوثته مواصل لتمطيه من الكسلِ
()172
ومما يستحسن قوله في علي بن الجهم :أراد ابن جهم أن يقول قصيدة بمدح أمير المؤمنين فأذنا
فقلت له ل تعجلن بإقامة فلستُ على طهر ،فقال ول أنا
وقد روى الناس أن هذين البيتين لمروان ،وليس ذلك بشيء.
حدثني التميمي أحمد بن المنذر قال :سمعت أحمد بن أبي طاهر يقول :أنشدت أبا حكيمة لي مرثية لمتاعي منها
هذان البيتان :أيري على مر الزمان مع الزما ن فمن أذم ومن ألومُ
الشأن في أيري يُق وّم للقيام فل يقوم
فقال أبو حكيمة :وال إنه ل شريك لي في هذا الفن ،وإني قد تفردت به من دون الخلق ،وأنا أعطي ال عهدا
يأخذني به إن أنا قلت شيئا بعدها في هذا المعنى .قال :فكان أبو تمام يقول بعد ذلك :يا متوب أبي حكيمة من
شقائه كيف حالك.
وابن أبي طاهر هو القائل :إذا اليد نالتها بضغن توقرت على ضغنها ثم استقادت من الرجل
وقد هذا البيت في قصيدة لبي تمام .والبيت لبن أبي طاهر .وشعره أشهر عند الخاصة والعامة من أن يحتاج
أن نورده في كتابنا هذا وله غير كتاب معمول في فنون من الدب والخبار واليام ،وقد بلغ الشرق والغرب.
أخبار الناشئ
واسمه عبد ال بن محمد ،وكنيته أبو العباس.
حدثنيي أيوب بين عمير النصياري قال :اجتميع أبيو العباس الناشيئ ،ميع عدة إخوان على الشراب فيي بعيض
المتنزهات ،ومعهم قينة محسنة ،فاقترح بعض القوم عليها هذا الصوت :أدير المدام ول بد لي حماية دين ال
من كل شانئ أم الجود بالدنيا كل ذين مفخرُ
إلى ال أشكو والوزير مذلتي ببغداد والدنيا ربيع مبكر
مقيما على التعطيل يوما وليلة بل عوذة شيطانها يتنمر
()173
أنا الربعي الوائلي الذي قضت لبائه بالفخر عك وحمير
ول رحمي أغنت فتيل ول شفت عليل ،ول عودي بظلك أخضر
وها أنا والقربى طليح بذلة وأنتم فأنتم إن هذا لمنكرُ
ولو كنت من غوري تهامة لم يجب ضياعي لديكم والقرابة تذكر
إذا أنت لم تعد التي تستطيعها إلى غيرها قالوا كريم معذر
ومن غر آيات الوزارة فعله بمثلي وإل فهو ملكٌ مزور
فلم يمس يومه حتى حمل إليه أربعمائة دينار ،وقاد إليه دابة فارهة .وحمل إليه ثيابا.
ومما يستحسن له :أظننت أن الملك يطرح حبله بيديك أو قلدت أمرك صاعدا
وهي قصيدة جيدة حسنة طويلة ،وشعره كله جيد ،ولو استقصينا كل شعره وقصائده لخرج كتابنا عن حده .وال
المستعان.
()174
لم القرى خربت بالحريق ومات بها الناس سيفا ونارا
إلى ال أشكو مقام العدا بمكة قد حاصروها حصارا
وأسرى تقطع أيديهم فماتوا صفوفا وماتوا حذارا
فمن صابر نفسه في البلء ومن خائف فر منها فطارا
ومن حامل نفسه في السفين يجوب الدجى ويخوض البحارا
فيا قرية كنت مأوى الضعيف إذا لم يجد في سواها قرارا
ومأوى الغريب ومأوى القريب وآمنة ليلها والنهارا
سأبكي قريشا لما نالها وبدلها الخوف دارا فدارا
وأضحوا عبابيد قد شردوا وحلو الجبال وحلو القفارا
بجيران بيتك حل النكال وقد عز من كان ل جارا
()175
أصدودا بعد ما استهويتني فيم ذا يا قرة العين ولِمْ
فلك ال بأن أعتبكم ثم ل أُعتب فيكم من رغمْ
في هامش المختصر في ترجمة ابن ميادة ومدح الوليد بن عبد الملك ابن مروان.
وإل فدع الناس ودعني أسأل الناس
وأبغي منهم الخير فإن الناس للناس
()176
والدلو ل يجبي حياض الورد إل بفتل مرس وحصد
ما المال إل مقدحي وزندي وعللي من السرى ووخدي
إلى حميد مستراح الرفد محرز إرث الحمد واسم الحمد
إلى الذي سن بناء المجد بكل غور وبكل نجد
أفنت مساعيه حساب العد له بكل أكمة ووهد
سحابة تغني وأخرى تردى كالدهر يعدو مرة ويعدي
ويستحل علما ويهدي
وما قرن شيء إلى شيء أحسن من عقل إلى أدب.
ب أنت إذا بينهما معذب
وتذاكر قوم في اغزل العرب فقال أحدهم :القائل هو أبو نواس :حب مجد وحبيب يلع ُ
وفي أوصفهم للخمر ،فقال :أبو نواس :أذكى سراجا وساقي القوم يمزجها فقام في البيت للمصباح مصباحُ
كدنا على علمنا للشك نسأله من راحنا النار أم من نارنا الراح
قال يوسف ابن الداية :كنت وأبو نواس وجماعة من إخواننا..
ل نلوم إل أنفسنا نحن بعثناه على ذلك.
ومما يختار لبكر كلمته التي يقول فها :فلو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق ال سائله
وما بعثت في العالمين فضيل ٌة من المجد إل مجده وفضائله
وقوله أيضا :ولقد طلبنا في البلد فلم نجد أحدا سواك إلى المكارم ينسبُ
فاصبر لعادتنا التي عودتنا أو ل فأرشدنا إلى من نذهب
واسمه الفضل بن عبد الصمد.
حدثني إبراهيم بن تميم قال :حدثني المعلى بن حميد قال :الرقاشي من أهل الري من العجم.
ومما يستحسن من شعر الرقاشي كلمته في موسى بن يحيى بن خالد :قالت بنو برمك وقد صدقت إن قريع
السماء موساها
خالدها في الوغى إذا استعرت وفي التقى والعفاف يحياها
ومميا يسيتحسن أيضا قوله فيي موسيى بين يحييى بين خالد :والقصييدة طويلة وهيي سائرة مشهورة ،فتركناهيا
اقتصارا على هذين البيتين:
()177
وفي ترجمة أبي العتاهية وسمع أبو العتاهية بقول جميل بن معمر :خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيل بكى من
حب قاتله قبلي
قال :فأخذه أبو العتاهية كله وأخذ معانيه فقال:
ل بكى من شدة الوجد على القاتل
يا من رأى قبلي قتي ً
حدثني صالح بن محمد العوفي قال :حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى المدني النصاري .قال :مسلم بن الوليد من
النصار.
وداوود بن مزيد وفي البرامكة وكاتبهم محمد بن منصور بن زياد وقد كان مدح الخلفاء أيضا.
حدثني ابن المغير قال :كان مسلم بن الوليد مدح..
في المختصر يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم المدائني قال :حدثني أبي قال :كان مسلم بن الوليد مدح..
في المختصر في أول ترجمة النمري.
حدث ني أ بو صاعد وكان أبوه شاعرا قال :حدث ني أ بي قال :قال علي بن الج هم :أ نا اش عر من امرئ الق يس،
والنمري أشعير منيي قال :حدثنيي السيدي محميد بين زياد قال :حدثنيي الهللي قال :كان النمري مقدما عنيد
الرشيد ،وكان يمت له بأم العباس بن عبد المطلب وهي نمزية ،وكان هارون يعطيه فيجزل له.
وكان مع ذلك فاسقا معلنا بفسقه وكان أحمق..
ويقال في المثل :لن يخطئك من طويل إما قرحه في رجله وإما خلل في عقله.
ويمنعني من لذة العيش أنني أراه إذا قارفت لهوا يرانيا
أخده من قول الخر :وإني لستحييك حتى كأنما علي بظهر الغيب منك رقيب
في المختصر ومحا سن أخلق وفضل على إخوانه ،ومذهبه في لك كله مذهب جم يل يرجع إلى حياء وعفاف
وسخاء ونبل في نفسه.
وفي مجونه يقول :ما بالكم يا ظباء وجرة أم ما بالكم يا جآذر البشر
غابوا فآبوا وفي خدوده ُم كما يكون الكسوف في القمر
ماتوا ولم يقبروا فيحتسبوا ففيهم عبرة لمعتبر
وقل لمن كان أمردا يصنع ال معروف من قبل آفة الشعر
قال فوصله وأكرمه.
وشاطري اللسان مختلق التكريه..
في هامش المختصر أحسن ما فيه :قوله بعد الول :كأنما نصب كأسه قمر يكرع في بعض أنجم الفلك
محب نال مكتتما صفاه وأسعده الحبيب على هواه
أضاع اللهو أنفس ما يعاني وما عذر المضيع لما عناه
كأن الملك لم يك قبل شيئا إلى أن قام بالملك المين
وشعره قليل وكان يستقي الشعر من الكلم والجدل.
وكان إبراهيم بن سيار عداده في الشعراء ،يمدح الخلفاء والوزراء والشراف ،وقال النظام :لن يموت الرجل
على رحله في طلب رزقه أحب إلي من أن يموت في سبيل ربه،هذا رد على الصوفية.
ووصف كلما فقال كلم أملس المتون ،كثير الفنون ،سهل الموارد والمصادر ،ملتف الوائل بالواخر ،يتغلغل
إلى حبة القلب فيشكها وإلى صميم النفس فيصيبها.
()178
وقال النظام :قال زيد بن علي لرجل سبه عند هشام بن عبد الملك :إني وال ما أنا بالوشيظة المستلحقة ،ول
الحقيبة المستردفة ،ول أنت بعبدي فأضربك ول ب ُكفْئي فأسبك.
ب ما أسدى ،وتكون أولى يديه رهنا بالخرى.
وقال النظام :الحر يرى في حريته أن يستتم ما ابتدأ ،وَ َيرُ ّ
وقال النظام :من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك :وأشعاره كثيرة وهو مؤدب المأمون.
وكان يقول بمكة أشعارا كتبناها عنه في الحكمة والموعظة.
وذكره محمد بن الجهم فقال :كان إذا تكلم أفاد ،وإذا سئل أجاد ،وإذا ابتدأ أعاد.
كما ترى أفطح ذا رقطة تنجاب عنه هبوة القاع
تهوى بقاي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزال على الحرم
يرى لطراد الدمع في صحن خده أخاديد شقت باستنان همول
وقال :هذا معنى يستحسن الشعراء ويختارونه
()179
فارحموا ضُري وإل فأريحوا واقتلوني
وله :إن المور إذا الحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خلل
إن الشباب لهم في المر معجلة وللشيوخ أناة تدفع الزلل
في أول ترجمة أبي سعد.
حدثني عمر بن أبى جعفر قال :حدثني ابن أبي ربيعة قال :كان أبو سعد الشاعر لقيطا دعيا ،وكان من أشعر
أهل زمانه وأفصحهم لهجة ،وأطبعهم وأقدرهم على الشعر فقال في أشعث بن جعفر الخزاعي :أتيت بابك..
في أول ترجمة مخلد.
م ما ي ستملح من ش عر مخلد بن بكار يمدح مح مد بن حبيب الطو سي :صدت و ما صدت لش يب عيالي أ خبي
بحندسة سراج قذالي
لما رأت همي على مرهوبة أسمو بها وأصون وجه سؤالي
قال :ومما يستملح من شعر مخلد بن بكار كلمته في الغزل..
سائلي عن كنه حالي ل تسل ...........................
لطفت لي حمرة في جنبها بخفي من تجاويد العمل
فاكتست حمرتها وجنته حين أومى لوصالي بالخجل
في ترجمة الصيني ،ونورد بعض ما في المختصر لنوضح ما سبق في الصل.
حدثنا إبراهيم بن الخصيب قال :حدثنا عبد ال بن جعفر الصم قال :كان الصيني في جملة طاهر بن الحسين
وكان شاعرا منطيقا مقتدرا ،وإن طا هر بن الح سين أ مر بح سبه فبلغ لك المأمون فقال لطا هر :يا أ با الط يب،
قال:لبيك يا أمير المؤمنين ،قال :ما فعل شاعرك الصيني? قال :حبسته يا أمير المؤمنين وأمرت بإسقاط اسمه
من دفتري ،قال :ولم ذاك? قال :لكثرة إلحافة وبذاء لسانه ،قال :يستحق من زعم أن الملك قام في دار الخلفة
بمقام طاهر تحت ظلل السيوف? وال لقد أسأت إليه وما كافأته ،فأما إذ فعلت ما فعلت فما أحد يطلبه بحقه
غيري مذ قال فيك :مقامك تحت ظلل السيوف أقر الخلفة في دارها
فعلم طاهر أنه أخطأ وقابله بغير ما يستحقه منه .قال :يا أمير المؤمنين عثة من عثرات الملوك .وسقطة من
سقطات المراء ،قال :ما رع يت الذمام ول عر فت ال حق وأ نا أع طى ال عهدا إن خرج من الح بس ما د مت
حيا ،ليتأدب بذلك ،فإذا أرادوا أن يقولوا قول لم يذموا.
والصيني هو الذي يقول..
في المختصر :ومما يستحسن من شعر الصيني في الغزل كلمته التي يقول فيها :ليت شعري عن أملح الناس
دل أمقيم لنا على الوصل أم ل
زعموا أن من تشاغل باللذات..
()180
فأطل الفراق فاتفقا في ه ،فراق أتاهما باتفاق
كيف أدعو على الفراق بمكرو هٍ ويوم الفراق كان التلقي
خوص نواج إذا حث الحداة بها رأيت أرجلها قدام أيديها
وبيت آخر وهو قوله :ولقد هممت بقتلها من حبها كيما تكون خصيمتي في المحشر
فأجرني من القتل واعف عني واسقني من رضاب ريقك شهدا
ولعمر والقصافي :سبحان من أنزل اليام منزلها وصير الناس مأفونا ومرموقا
فعالم فطن أعيت مذاهبه وأحمق خرق في الناس مرزوقا
هذا الذي ترك اللباب حائرة وصير الفطن النحرير زنديقا
وكان يجاري الشعراء ويناضل هم ويهاجي هم ،وكان يف ضل على شعراء زما نه ،ول ي عف له ب يت إل في مد يح
خليفة أو وزير ،وان قد رزق منهم ،وكان مولعا بالشراب.
س ُفحُ
قال :ومما يختار له من شدة الحب :مغتبق للصبوح مصطبحُ يبكي بعين دموعها ُ
تظل أيدي الهوى لمهجته بزند بين الفراق تقتدح
ظمآن طرف إلى رشا نطقٍ حسير بين فؤاده ترح
أخفى الهوى في الحشا وأضمره فيه فباحت دعومه السفح
فجلوتها لزيدها في حسنها وبهائها
مدت على عيوبها وعوارها بجلبها
وكان امتدح الحسن بن سهل فوعده فأتاه بعد ذلك ما آيسه .فأنشأ يقول :أجارتنا إن التعلل بالياس وصبرا على
استدرار دنيا بإبساس
حريّان أل يقذفا بمذلّه كريما وأل يحوجاه إلى الناس
أجارتنا إن القداح كواذب وأكثر أسباب النجاح مع الياس
فل ما سمع الح سن بن سهل البيات ق مت لر جع فقال :ك يف ب يت القداح? فأعد ته ف صرفني بأضعاف ما ك نت
أّصلت.
وإن يفاجئك أضياف أتاك لهم من المسناة خير الوز والسمك
وإن فزعت إلى الحلوى لهم من سوق زهمان برني بها علك
لقد تمنيت عيشا ليس يعرفه إل بصير بطيب العيش محتنك
ومما يستحسن من شعره مديحه في المعتمد :سيبقى فيك ما يهدي لساني إذا فنيت هدايا المرجان
قصائد ،..انظر الصل ترجمة الحسين بن الضحاك صلى ال عليه وسلم 270فهي منسوبة له.
ومما يختار له أيضا في أمير المؤمنين يقول فيها وهي طويلة.
صلبوه باب الشاذياخ ،مو ضع آل طا هر وف يه ق صرهم وب يت ملك هم وب ساتين وأنهار وموا ضع مشر فة مرتف عة
فاجتمع الناس..
فاتصلت البيات بالقوم فأنزلوه وأكرموه.
في المختصر قال :فسمع ذلك بعض كتاب عبد ال بن طاهر فدخل إليه فقال :هذا الشاعر الذي أمرت بصلبه
قال كذا وكذا ،فقال :قاله و هو م صلوب? قال :ن عم ،قال :ل حيلة ف يه ،أنزلوه واخلعوا عل يه ،فأنزل وخلع عل يه
وصالحوه ونادموه.
()181
ل كنت إن كان هذا هذا لبعض دخيل
فكم تقطع نفسي بوصلك الممطول
اردد على الجسم روحي بريقك المعسول
قال وكان خالد النجار شاعرا متقدما إل أنه كان خبيث اللسان..
في المخت صر كان من أش عر أ هل زما نه وكان مطبوعا مقتدرا ومفو ها منطيقا ل يتكلف ك ما يتكلف غيره من
الشعراء ،وله أشعار جياد في المد يح ،وكان هجاء أيضا فم ما ي ستحسن من شعره كلم ته في الول يد بن ال صقر
يهجوه ،وكان بذيء اللسان وفيه المجون أيضا :أنا النجار..
فإني قد طلبت الجر فيه وفي حمل العجوز على البريد
أوقيها بذلك حر نار وإياه ومن برد الجليد
من حب من فاقت محاسنه لول مشابهة من البدر
يسبي القلوب بمقلتي رشا مكحولة الجفان بالسحر
قد ملكت طاعاته يده فتراه يُخليها وما يدري
()182
وإقدام ليث وانخزال مؤنث وقسوة شار حين حكم في الزحف
أراها بعيني ثم أمضي بحسرة كأن فؤادي فوق نار من الرضف
تقدمني رجلي إلى البعد ،والهوى يحول وجهي بالتفات إلى خلفي
فيقول قد أبدلني ال به تلوة كتابه أختمه في كل يوم وليلة فتى كانت به اليام ُتزْهى ودنيانا به أبدا تزيد
وفي الغزل :رفقا بقلبي يا معذبتي رفقا فليس لظالمي رفقُ
وإذا رأيتك ل تكلمني ضاقت علي الرض والُفقُ
وصير لي حمقي بغال وغلمة وكنت زمان العقل ممتطيا رجلي
وكان أبو العجل من آدب الناس وأحكمهم وأكملهم عقل وأشعرهم وأظرفهم ،عالما بالنحو والغريب ،عارفا بأيام
الناس وأخباره ،قد نظر في شيء من الفلسفة ،وكان مع هذا مقترا عليه ،فما رأى ذلك استعمل الغفلة والرطازة
ل كثيرا .ول ما صار المتوكل إلى دم شق تلقاه أ بو الع جل راكبا على
فلم ي حل عل يه الحول ح تى اكت سب بذلك ما ً
ق صبة ،و في إحدى رجل يه خف و في الخرى ن عل ،وب ين يد يه غلم بيده غاش ية ،وعل يه درا عة ،وعلى رأ سه
ل ما قلنسوة من الطواميز ،فنظر إليه المتوكل فتبسم وقال :ويحك جننت بعدنا ،فأنشأ يقول :شه شه على العقل ِ
هو من شكللي
صاحبه مفلولس قليل ذي الحيلل
قد استرحت في ال لوام والعذلل
لما أبالي ما الذي قلت وما قيل لي
وحمقي قد صير ذا الع الم خول للي
آمل أن يحملني حمقي على بغلل
من عند ذا الس يد والمنعم المفضلل
أمير دين المؤمن ين المتوكل لِلِي
فاستفرغ المتوكل ضحكا وأمر له بخلعة ووصله بعشرة آلف درهم .ونقش على خاتمه :حمقت فنبلت.
فإنها ل تعود تتحرك قال إسحاق وليس عندك إل هذا? قال :أو ليس في هذا كفاية? قال :فأمر إسحاق بتخليته
وعلم أنه ممن ل يرعوي ول يرجع عما هو عليه.
لكنت تضحك حتى تمسك البططنّه
ومن مجونه :أل قل لمن طلب دوا جيدا عجب
إذا أصابك الجرب مع الويل والحَرَب
أبو العباس يعطيك دواء ليس يشفيك
تداوي به الضراس وللرجل وللراس
وللكلى والطحال وللحلق والسعال
وللنثى إذا بالت وللحمى إذا طالت
وللنقرس في الرجل وللنقصان في العقل
()183
وهو لكل الوجاع إذا أصابك الصداع
ل ...............
فإن كان بك الس ّ
فخذ كف عقاقرحا وما طاف به الرحا
وخذ أدمغة الفار ودوّارة الحمار
وخذ طرق طبرُويَه ومن شعره علويه
فإن كانوا يبولون فمن هذا يروثون
ومما اخترناه قوله :في المختصر مما يستحسن من شعر ابن العلف كلمته في علي بن محمد يمتدحه :يتلقى
الندى بوجه حيي ....................................
هكذا هكذا تكون..
وله أيضا كلمته يمدح بها المطلب بن عبد ال بن مالك الخزاعي تزينك خلت..
وفتى ناداك من كرب أشعلت أحشاؤه حرقا
غرقت في الدمع مقلته فدعا إنسانها الغرقا
ما لمن تمت محاسنه أن يعادي طرف من عشقا
لك أن تبدي لنا حسنا ولنا أن نعمل الحدقا
كان ابن أبى حكيم يحلق لحيته كلها ،ومنزله عندنا بالشرقية ومما يستحسن له أيضا قوله :في المختصر ،ومما
يستحسن من شعره قديما قبل أن يأخذ في الزهد.
وأبطأت عنه بالساءة إنه إلى كل أمر شائن لسريع
فإن تجزني بالوصل فالوصل متعتي وإل فإني سامع ومطيع
كذبت في نفسك خاصة فأما أبوك فلعمري ،إنه اشعر أهل زمانه.
فلما أصبح مات .في المختصر :فما بقي ذلك إل خمسة أيام حتى مات.
يح ال دهرا ألجأك إلى هذا ،فقال محمود :أعيدي
يحبتي قبي
يي صيأن اخترت علي مائة ألف درهيم فزهدت في
كلمك ،فأعادت كلمها ،فقال :أشهدكم أنها حرة.
ولم نر مالكا أجدى عليه كما أجدى على النرسي شعبه
ف الناس عن أذى الناس ،وأتقا هم وأ صونهم
قال وكان أح مد بن المعذل هذا من أق صد الناس هديا و سمتا ،وأك ّ
لدينه وعرضه ،وكان عبد الصمد المعذل من الزهو الكبر وذهابه بنفسه في أمر ل ينادي وليده ،وكان بذيء
اللسان هجاءً يؤذي الناس حتى أقاربه وإخوانه وجيرانه ،وكان من اشعر الناس وأفصحهم لسانا وأبينهم كلما،
وكان الناس يتقون ل سانه ويجانبو نه ويبغضو نه ،وكانوا يودون أخاه أح مد ،وكان ذلك م ما يزيده غيظا ويحمله
على أن يقع في كل من يصاحب أخاه أحمد.
وم ما اخترناه له من ش عر قوله :يمتدح ب ها أ با عمرو الرو مي وا سم أ بي عمرو مح مد :إ ني جعل تك يا مح مد
مفزعا
من كان في هدم المكارم شغله
ويستحسن من شعره كلمته في الغزل إذا كان قلبك لي وامقا لِمْ يلعب الهجر بي في الوسط
ستندم إن ذقت حلو الوصال من الهجر يوما على ما فرط
وكان جيد الشعر مليح المعاني صاحب نظر.
()184
قد دو نت أشعاره وكان مدح سبعة من الخلفاء .وعاش إلى أيام المتو كل وأدركته أ نا ولم يُفقَد من فهمه شيء،
وهذه اللقية الثانية أيام المتوكل وكان المتوكل يحسن إليه..
فصب في الكوب صافية .......................
وأشعار أبي حيان في الخمر والمجون كثيرة حلوة.
لو يرد الطرف لحظته في صفاء ماؤها نبعا
في هامش المختصر ،وهو الذي يقول :تولى زمان بين المحصنات وجاء زمان بني الزانية
ما اعتذاري عنده في ك وقد صرت شعاره
صرت كالهدب المدلى بعد حسن وغضاره
ليس يحظى بك يوما زائر عند الزيارة
ولكن أبي كان جارا لمه فلما روى الشعار أوهمني أمرا
قال :وأما يحيى بن أبي السمط .فسماه المتوكل محمودا ،ويحيى الذي يقول في المتوكل.
إن الظباء ظباء همها السخب ترعى القلوب وفي قلبي لها عشُبُ
هن الظباء اللواتي ل قرون لها وحليها الدر والياقوت والذهب
لم يذكر المختصر في البحتري غير ما يأتي:
حدث ني إبراه يم بن ع مر قال :ك تب وك يل البحتري من من بج يعل مه إن العا مل قد تحا مل عل يه في خرا جه،
وعار ضه في ما أقط عه ال سلطان ب ما يكره وإ نه أدخله في جملة أ هل البلد في التق سيط -قال :وللبحتري ضياع
يد ال ،والعمال والكتاب يار إلى ديوان عبيي
ية ،وصي يت على البحتري القيامي يج وغلة كثيرة -فقامي جليلة بمنبي
مجتمعون ،فشكا إليهم ما كتب به وكيله ،فقال له بعض العمال :تحتاج إلى بذل لنكتب لك إلى العامل هناك أن
يجري ضيا عك على ما لم تزل .فان شأ البحتري يقول :أمُرت جع م ني حباءُ خلئف تول يت ت سيير المد يح ل هم
وحدي
ولم يحتمل إل الذي قلت فيهمُ وإن رفدوا قوما وزادوا على الرفد
وما لي وللتقسيط إذ تكتبونني وتكتب قبلي جلة القوم أو بعدي
سبيلي أن أعطي الذي تسألونني وحكمي أن يجدي علي ول أجدي
وإن أُخذ اليغار أخذ صريمة ودارت على القطاع دائرة الرد
فردوا القوافي السائرات التي مضت وما ضمنت من مأثرات ومن مجد
وشرخ شباب قد نضوت جديده إليكم كما ينضو الفتى سمل البرد
أحد المتكلمين المتقدمين واسم العطوي محمد بن أبي عطية.
ال تي ك نت تظهر ها أيام حيا ته كان أكثر ها نفاقا قال :لم? قال :لقعودك عن زيارة قبره وتر كك ما عل يه أ هل
مودته من المواظبة على ذلك..
وإني لستحيبك والترب بيننا كما كنت أستحيي وأنت تراني
اعت بهجري وصد ما شيتا واجعل نصيبي في الكرى قوتا
()185
وأعطِ في الحسود مُنيته منك وشملي فزده تشتيتا
بدر يلوح على غصن يجاذبه ردف يمور إذا ما اهتز ريانا
لم يخلق ال من وجه يعادله أستغفر ال إذا أغفلت حمدانا
يغتصب العشاق ألبابهم فكان مما قد حار لي لبي
فرحت مغصوبا على لبه مشمرا في حاجة الحب
تلحظه العيون بكل وجه ولكن ل سبيل إلى التلقي
يتيه بصدره رمان ثدي على عكن تفتح عن نطاق
أضاف المختصر لبي العيناء ما يأتي :ومما يستحسن من شعر أبي العيناء :إذا أنت لم ترسل وجئ تُ فلم أصل
ملت بعذري منك سمع لبيبِ
أتيتك مشتاقا فلم أر جالسا ول ناظرا إل بعين غضوب
كأني غريم مقتض وكأنني طلوع رقي أو نهوض حبيب
ومما يستحسن له :في المختصر :قال :ومما يستحسن من شعر محمد بن عروس كلمته في صاعد بن مخلد من
أبيات :لما قرنتك في الجياد مجربا سبقوا وجئت رسيل كلبك قاعدا
خفض عليك فلو كساك رداءه تموز كنت فتى وحقك باردا
أظننت أن الملك يطرح حبله ...........................
لعب الفحول بثفرها وعجانها ........................
قول له يا بن الحمار أما ترى في العطن منك شمائل البغل
وكان شاعرة مفل قة مطبو عة وكا نت تت بع آثار الشعراء فتخرج من ها مو ضع خطئ هم وغلط هم وتعر ضه على
المأمون ،وكا نت من أظرف الناس وأ سرعهم نادرة ،وكان المأمون يعشق ها و هي ع ند مول ها ا بن المرا كبي،
ولها حديث في غرامها أيام شبابها لم نودعه كتابنا هذا لشناعته.
وانحرافا عن آل الرسول عليهم السلم ،ل يمكنه أن يسمع بذكر علي ابن أبي طالب عليه السلم.
()186
ونسب البيت وتالياه في المختصر 44ب للخطل الذي جاءت ترجمته في هذا الكتاب في ص 411أيا كبداه من
غصص الفراق وحب ما أراه وما ألقي
نسب البيت وبقية القصيدة في المختصر 45ب للقصافي الصغر الذي جاءت ترجمته في هذا الكتاب في ص
.413وانظر بقية البيات في ص 412ياظبي عبد الحميد ما صنعت عيناك بالقلب أورثت كربا
نسب البيت والثلثة بعده في المختصر 44ب للخيطل الذي جاءت ترجمته في هذا الكتاب في ص 411
نصوص ليست في الطبقات ول المختصر
الغاني ج 13ص ،79 ،78وأشار إليه ق :نسخت من كتاب عبد ال بن المعتز حديثي العجلي قال :حدثني
أبو دهمان قال:
كان أبو حنيفة الفقيه صديقا لحماد عجرد ،فنسك أبو حنيفة فطلب الفقه ،فبلغ ما بلغ ورفض حمادا ،وبسط لسانه
فيه ،فجعل حماد يلطفه حتى يكف عن ذكره وأبو حنيفة يذكره ،فكتب إليه حماد بهذه البيات :إن كان نسكك
ل يتم بغير شتمي وانتقاصي
أو لم تكن إل به ترجو النجاة من القصاص
فاقعد وقم بي كيف شئ ت مع الداني والقاصي
فلطالما زكيتني وأنا المقيم على المعاصي
أيام تأخذها وتع طي في أباريق الرصاص
قال :فأمسك أبو حنيفة بعد ذلك عن ذكره خوفا من لسانه.
معاهد التنصيص ج 2ص :87وحكى عبد ال بن المعتز أن أبا خالد العامري قال له :من أخبرك أنه كان في
الدن يا أش عر من أ بي الش يص فكذ به ،وال لكان الش عر أهون عل يه من شرب الماء على العطشان ،وكان من
أوصف الناس للشراب ،وأمدحهم للملوك ،وكان سريع الهاجس جدا فيما ذكر عنه.
الغاني ج 15ص ، 39ربيعة الرقي وأشار إليها ق ،وذكره عبد ال ابن المعتز فقال :كان ربيعة اشعر غزل ً
من أبي نواس ،لن في غزل أبي نواس بردا كثيرا ،وغزل هذا سليم عذب سهل.
وانظر هامش ص 36من كتابنا هذا نق ً
ل عن مجالس المؤمنين.
()187