Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 61

‫سرد وتحليل‬

‫القس إميل زكي‬


‫د‪ .‬فنيس نقوال‬

‫‪1‬‬
‫محتوى كتاب تاريخ الكنيسة المشيخية‬
‫ِّ‬
‫مقدمة‬
‫لماذا لم ِّ‬
‫يسجلوا التاريخ؟‬
‫لماذا هذا الكتاب؟‬
‫اقتصاديا‬
‫ً‬ ‫يخيا و‬
‫المسيحية في مصر تار ً‬
‫بداية عصر التنوير (محمد علي)‬
‫بداية العمل اإلنجيلي‬
‫اإلرسالية األمريكية في مصر‬
‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية والوطنية المصرية‬
‫النظام اإلداري‬ ‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية ديمقراطية‬
‫العبادة‬ ‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية عابدة‬
‫الترنيم‬
‫التعليم العام‬ ‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية خادمة‬
‫التعليم الالهوتي‬
‫الخدمة الطبية‬
‫المرأة‬ ‫‪0‬‬
‫الطفل‬
‫الشباب‬
‫التنمية‬
‫المجتمع الحضري‬
‫خدمة الجهات النامية‬
‫النشر‬ ‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية كارزة‬
‫خدمة وادي النيل‬
‫الحوار المسكوني‬
‫مقابالت ذات داللة‬
‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية إلى أين؟‬

‫‪2‬‬
‫الكنيسة المشيخية بمصر‬
‫روحانية تفيض في وادي النيل‬

‫الدين‬

‫االقتصاد‬ ‫السياسة‬

‫الروحانية‬

‫‪3‬‬
‫الموروث المجتمع‬
‫ويتغير لون مياهه‬
‫َّ‬ ‫الفياض الذي يرتفع‬ ‫ن ِّ‬
‫ركز على الجانب الروحاني في حياة الكنيسة التي عايشت وتعايش النيل َّ‬
‫ذاتيا وكما أن النيل ال يعرف‬
‫ويغمر األرض فيعطي الخصب ثم يعود إلى االنخفاض ليعطي األرض الفرصة أن تثمر ً‬
‫أيضا للعالم العربي وبالد المهجر‪.‬‬
‫الحدود السياسية فإن الكنيسة امتدت وأثمرت ليس فقط في حوض النيل لكن ً‬
‫ِّ‬
‫المتطورة والفياضة مع النيل ولمساعدة القارئ على إدراك الحقائق واألحداث‬ ‫ِّ‬
‫سنركز هنا على روحانية الكنيسة‬
‫البد من تعريف الروحانية المقصودة والعوامل المؤثرة في صياغتها‪.‬‬
‫واللفظ أصله الكتابي يأتي من كلمة "ريح" أو "روح" أي "نسمة" عندما يقول عند خلق آدم أن الله نفخ في أنفه‬
‫صور متنوعة‬
‫ًا‬ ‫"نسمة" حياة فالمقصود هو تأكيد "ارتباط اإلنسان بالله" فهو َ"ن َسمة فيه" ومرتبط به‪ .‬وهذا االرتباط يأخذ‬
‫معا وتصوغ وتعيد صياغة هذه العالقة سواء في العبادة أو نوع الحياة أو التوجه‬ ‫طبًقا للمؤثرات العديدة التي تتفاعل ً‬
‫العقلي أو األخالقي والسلوكي‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المتغيرات االجتماعية والمجتمعية‪ ،‬ب‪.‬المتغيرات‬ ‫ولعل أبرز العوامل التي تؤثر في صياغة الروحانية هي‪ :‬أ‪.‬‬
‫وغالبا ما تكون مرتبطة بالسياسة وطبيعة المجتمع‪ ،‬د‪.‬‬‫ً‬ ‫السياسية ونظم الحكم واإلدارة‪ ،‬جـ‪ .‬و ِّ‬
‫المتغيرات االقتصادية‬
‫ِّ‬
‫المتغير الديني وأقصد به التوجهات والفكر عن الله ًأيا كان اسم ال دين‪ .‬وهذه العوامل األربعة ديناميكية وليست ساكنة‬
‫سلبا عندما تتصادم المصالح‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫إيجابا لالستفادة بها أو ً‬
‫ً‬ ‫أحيانا‬
‫ً‬ ‫وتؤثر وتتأثر كل واحدة منها ببقية المنظومة‬
‫تشكل وتعيد تشكيل وتطوير الروحانية التي هي –كما أشرنا‪-‬صورة وطبيعة‬ ‫وهذه الحركة الفاعلة هي التي ِّ‬
‫متعددة من الروحانيات نشير إلى بعضها في سياق السرد إلدراك أثر كل‬ ‫طا ِّ‬ ‫العالقة بين اإلنسان والله‪ ،‬لذلك نجد أنما ً‬
‫العوامل التي أشرنا إليها‪.‬‬
‫فكيف تفاعلت هذه العوامل وما زالت تتفاعل إلى اليوم في إطار أنواع الروحانيات التي أنتجتها هذه المتغيرات‬
‫أيضا التراث الثقافي والديني في مصر؟‬
‫السياسية واالقتصادية والمجتمعية و ً‬
‫بدءا من نهضة محمد على إلى الثورات إلى االستقرار‪ .‬أسرة محمد على تتولى قيادة مصر‬
‫متغيرات سياسية‪ً :‬‬
‫وتمليك المصريين لألراضي‪ ،‬ثورة عرابي وثورة ‪ ،9191‬صدور دستور ‪ ،32‬دخول النظام اإلنجليزي إلى السودان‬
‫ِّ‬
‫المتطرفة‬ ‫أيضا‪ ،‬ثورة ‪9193‬ثم اإلصالح الزراعي‪ ،‬حرب السويس ‪ 9191‬وكذلك حرب ‪ ،62 ،16‬ظهور الجماعات‬ ‫ً‬
‫دينيا في مصر والعالم العربي‪ ،‬غياب الديمقراطية في العقد األخير من القرن العشرين والعقد األول من القرن الواحد‬
‫ً‬
‫والعشرين وما تال من أحداث سريعة ومتالحقة في شكل ثورات وتوجهات لم تتحدد مالمحها بعد‪.‬‬
‫متغيرات اقتصادية‪ :‬نظام اشتراكي في حكم جمال عبد الناصر‪ ،‬نظام رأسمالي في حكم السادات‪ ،‬نظام‬
‫خصوصا مع تعطل عدد من المصانع وعودة‬
‫ً‬ ‫رأسمالية فردية في حكم مبارك‪ ،‬تحفظ اقتصادي مع مطلع القرن ‪39‬‬
‫عمال من العراق ومن ليبيا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫متغيرات مجتمعية وثقافية‪ :‬بعد توزيع األراضي بمعرفة الخديوي ظهرت فئة مالك األراضي وتغذية النظام‬
‫القبلي (األسرة الممتدة) وزيادة تأكيد القيم الموروثة وتسمية القرى والمشروعات بأسماء العائالت‪ ،‬مع ثورة ‪9191‬‬
‫ظهرت حركة وطنية جمعت كل فئات المجتمع حول قضية الوطن والدستور‪ ،‬مع ثورة ‪ 9193‬ظهرت حساسية في‬
‫التعامل بين فئات الشعب المختلفة من عمال وفالحين صغار وأتباع نظام الحكم‪ ،‬كما ظهرت حركة منظمة الشباب‬
‫التحول‬
‫ُّ‬ ‫إيجابيا إلى ظهور حركة شباب الكنيسة‪ ،‬أما‬
‫ً‬ ‫أيضا‬
‫وخلقت تحديات جديدة داخل المجتمع وقد أدى هذا ً‬
‫وتوجه للربح حتى‬
‫االشتراكي فأعاد صياغة التركيبة المجتمعية‪ ،‬والتحول إلى الرأسمالية خلق صياغة مجتمعية جديدة ُّ‬
‫إذا كان على حساب القيم الموروثة‪ ،‬وخلقت الهجرة الداخلية عشوائيات المدن‪ ،‬أما العمل في بالد البترول فقد خلق‬
‫سلوكيات معينة‪ ،‬أما الهجرة للخارج فقد أفقدت البالد الكثيرين من القيادات الفكرية والمجتمعية‪.‬‬
‫ِّ‬
‫متغيرات دينية‪ :‬من تالحم بين مسيحيين ومسلمين في مواجهة الحروب إلى ُّ‬
‫تشدد ديني في وقت سيطرة رأس‬
‫المال إلى حوارات لمحاولة لم الشمل‪ ،‬إلى استخدام الدين للهيمنة الفكرية والسياسية‪ ،‬وال ننسى أثر الفضائيات على‬
‫إعادة صياغة بل ُّ‬
‫تعدد الصياغات الدينية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الكنيسة اإلنجيلية المشيخية‬
‫مصرية‬

‫‪6‬‬
‫مــقدمــة‬
‫لماذا لم يسجلوا التاريخ‬
‫جديدا أو يعملوا على إزهار وإثمار شجيرة‬
‫ً‬ ‫كان اهتمام اإلنجيليين أن يزرعوا زرًعا‬
‫صغيرة في بلد صغير أو قرية أو عزبة أو نجع‪ ،‬في مستشفى أو في مستوصف‪ ،‬في‬
‫مبسطة لألطفال أو في‬
‫ملجأ أو في مدرسة صغيرة من فصل واحد‪ ،‬في تقديم دراسة َّ‬
‫عمق للدراسة الكتابية‪ ،‬في ترجمة ترانيم وألحان تراثية أو في كتابة وتلحين ترانيم ِّ‬
‫تعبر‬
‫غالبا على أنه أقل من‬
‫عن المفاهيم والمشاعر والفكر الالهوتي حسبما رأوه وقيـَّموه ً‬
‫سجل ويـُنشر‪ .‬وذلك لألسباب اآلتية‪:‬‬
‫أن ُي َّ‬
‫حساسية الكالم عن الحوارات والمجادالت‪ ،‬وعوامل الشد والجذب التي كانت‬ ‫‪.1‬‬
‫تظهر بين الحين واآلخر‪ ،‬في موقع أو آخر سواء مع الكنيسة التقليدية أو مع‬
‫المجتمع في أطر ضيقة‬
‫اقتصاديات الكنيسة التي جعلت أولوياتها الك ارزة والشهادة والخدمة لم ِّ‬
‫تبق‬ ‫‪.2‬‬
‫متفرغة لإلدارة وبالتالي أنظمة ِّ‬
‫متفرغة لتسجيل التاريخ واألحداث‬ ‫مساحة ألجهزة ِّ‬
‫إ ًذا لماذا نخرج عن هذا اإلطار ونحاول أن ِّ‬
‫نسجل التاريخ ونحتفل به؟‬
‫هل ألن الظروف تغيرت؟ أو أن االقتصاد اختلف؟ أو أننا نتتبَّع عمل الرب من خالل‬
‫هذه النبتة التي امتدت فروعها إلى السودان والعالم العربي بل وإلى بالد المهجر؟ أم‬
‫ِّ‬
‫ونجدد العهد من‬ ‫ونتحسس مواطن ضعفنا وألمنا‬
‫َّ‬ ‫أننا نحتاج إلى وقفة لنلتقط أنفاسنا‬
‫ِّ‬
‫متجددة؟‬ ‫جديد لنسمع ِّ‬
‫ونميز دعوة‬
‫ربما بعض هذه األسباب أو كلها أو أكثر منها‪ ،‬لكننا على أي حال سوف نحاول أن‬
‫ننـ ِّقب في دفاترنا القديمة من محاضر جلسات ومجالَّت وتقارير من الداخل والخارج‪،‬‬
‫ونجمع ما هو مناسب ويساير المكتوب من شهادات شفوية للمتقدمين من السن‪ ،‬أو‬
‫من محاضر جلسات بعض مجالس الكنائس أو حتى من وثائق الممتلكات التي تؤكد‬
‫عمل روح الله في تنشيط السخاء فيما قدم المصريون من أمالك وأطيان ومبان‬
‫ومدارس بعضها ضخم وبعضها متواضع من أجل استمرار ونمو الخدمة‪ .‬بل إن‬
‫ِّ‬
‫المميز ألجيال اإلنجيليين في مختلف مواقعهم‪.‬‬ ‫خدمة المجتمع ككل كانت هي الطابع‬
‫ولعل ما سجله األستاذ أديب نجيب في كتابيه" "تاريخ الكنيسة اإلنجيلية" و"اإلنجيليون‬
‫والعمل القومي" يعطي صورة واضحة ‪ ،‬وقد َّ‬
‫ركز غفي الكتاب األول على التاريخ‬
‫الموسع والكافي الذي يعطي صورًة واضحة عن البدايات والمسيرة‪ ،‬كما تناول في‬
‫َّ‬
‫الثاني خدمة القضايا القومية على المستوى السياسي ومحاربة االستعمار وبناء‬
‫الدستور للبالد وتفعيل ديمقراطية األحزاب‪.‬‬
‫لنتطور‬
‫َّ‬ ‫ذكر ‪َّ ..‬‬
‫لنتعلم‪..‬‬ ‫لنسأل أوال لماذا ندرس التاريخ‪ :‬لنت َّ‬
‫لنذكر كيف كانت الرؤى قادرة أن تصنع التاريخ بأقل اإلمكانيات لتحقيق القصد‬
‫اإللهي ألن الدعوة العليا من الله وليست متروكة للضعف البشري لكن َّ‬
‫تتحقق بسبب‬
‫فاعلية الروح القدس في جماعة استجابت للدعوة العليا‪.‬‬
‫َّ‬
‫لنتعلم كيف استطاع السابقون تحدي الصعوبات‪ ،‬وكيف استفادوا بالمتاح‬ ‫وندرس‬
‫منتظر أن يكون‪:‬‬
‫ًا‬ ‫سلبيا في وقته‪.‬وكيف عملوا في غياب ما كان‬
‫وحتى مما كان يبدو ً‬
‫إلدراك أن القيمة أغلى من المال‬ ‫‪‬‬
‫وأن الخدمة تأتي قبل المنصب‬ ‫‪‬‬
‫وأن العطاء بمختلف صوره حتمية إيمانية وليس انتظا ار لألخذ‬ ‫‪‬‬
‫ِّ‬
‫لنطور أهدافنا بما يتناسب مع العصر بكل ما فيه من إيجابيات‬ ‫وندرس‬ ‫‪‬‬
‫وسلبيات واحتياجات وأيضا ِّ‬
‫نطور أسلوب األداء ليعطي أكبر إنتاج برؤية أوسع‬
‫وبروح مسكوني‬
‫ربما ِّ‬
‫لنغير التاريخ أو نضيف إليه‬ ‫‪‬‬
‫لنغير ما يحتاج إلى تغيير‬ ‫وأيضا َّ‬
‫نتعلم منه ونكمله أو ِّ‬ ‫‪‬‬
‫تصدى‬ ‫ِّ‬
‫المتغيرات ون َّ‬ ‫جديدا ذا طبيعة جديدة يتفاعل مع‬‫ً‬ ‫يخا‬
‫أو لنصنع تار ً‬ ‫‪‬‬
‫تنوعت َّ‬
‫وتعددت من أقصى اليمين‬ ‫للتحديات على مختلف األصعدة‪ ،‬فاألفكار الدينية َّ‬
‫تعلق بصيغة إصالح القرن‬‫إلى أقصى اليسار بين أصولية وسلفية وتقليد‪ ،‬إلى ُّ‬
‫وعقائديا‪ ،‬إلى تأثر بتيارات وضغوط‬
‫ً‬ ‫افيا‬
‫السادس عشر‪ ،‬إلى انفتاح على العالم جغر ً‬
‫مؤثرة أو اقتصادية حاكمة أو حتى انفعاالت نفسية‬ ‫متقلبة أو سياسية ِّ‬
‫اجتماعية ِّ‬
‫شخصية تحاول أن تجد إشباعا في حركات دينية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المسيحية في مصر‬
‫سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا‬
‫مصر في بداية ظهور المسيحية‪:‬‬
‫تدور الدراسة التاريخية لمصر في تلك الفترة في محور سيطرة قوة أجنبية سواء األسرة‬
‫ثانيا والهدف األساسي لكل هذه الصراعات‬
‫البطلمية المقدونية أوال أو القادة الرومان ً‬
‫بين القوى السياسية المختلفة هو السيطرة على القمح المصري‪.‬‬
‫لقد قام السالم الروماني على هبات من األراضي الزراعية المصرية وإمدادات هائلة‬
‫من القمح المصري‪ ،‬وعلى الكميات الضخمة من ذهب البطالمة الذي أتى في‬
‫األساس من مقابر الفراعنة‪.‬‬
‫وفي حين أعطت اإلمبراطورية الرومانية درجة كبيرة من االستقالل والحكم الذاتي‬
‫لم دن وأقاليم عديدة في حوض البحر المتوسط‪ ،‬أنكرت على مصر أي درجة من‬
‫االستقالل‪ ،‬بل وضعت مجموعة من التوجيهات الخاصة للحاكم الروماني لمصر‬
‫صارما سيطر به الرومان على‬
‫ً‬ ‫قانونا‬
‫عرفت بـ "مقننة األيديوس لوجوس" التي كانت ً‬
‫صارما من الشعائر‬
‫ً‬ ‫نظاما‬
‫ً‬ ‫البناء االجتماعي المصري وفرضوا على المصريين‬
‫الدينية‪ .‬وفي القرن الثالث الميالدي بدأت ثورات المصريين تأخذ الطابع الديني‬
‫مستخدمة االستقالل عن الكنيسة الكاثوليكية التي هي الرومانية وسيلة لتوكيد‬
‫الخصوصية المصرية‪ .‬لقد كانت حركة تأسيس الكنيسة القبطية المصرية أول حركة‬
‫اعتراض على الكنيسة الكاثوليكية في تاريخ المسيحية‪ ،‬وسبقت اعتراض الحركة‬
‫‪9‬‬
‫البروتستانتية األوروبية على الكنيسة الكاثوليكية بـ ‪ 93‬قرنا‪.‬‬
‫الكنيسة في مصر ويوم الخمسين‪:‬‬
‫ورد في سفر األعمال أن المصريين كانوا في أورشليم في يوم حلول الروح القدس (أع‬
‫‪ )3‬وليس من الغريب أن يعودوا إلى اإلسكندرية للتفاعل مع مدرسة الفكر اإلسكندري‬
‫ذات المرجعية اليونانية وكذلك مع الفكر اليهودي السكندري الذي أنتج الترجمة‬

‫‪ 1‬د‪ .‬رأفت عبد الحميد‪ ،‬الفكر المصري في العصر المسيحي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.2222 :‬‬
‫‪9‬‬
‫السبعينية للعهد القديم فكانت التربة جاهزة لمناقشة المستجدات من جهة تحقيق‬
‫النبوات في العهد القديم وأيضا من جهة حرية المدرسة اليونانية في المناقشة والحوار‪.‬‬
‫اإلسكندرية صانعة الفلسفة والعلم والدين‪:‬‬
‫كانت اإلسكندرية مصدر األديان بحكم تواجد مصادر عديدة ألديان عديدة (يهود‪،‬‬
‫يونانيين‪ ،‬معابد وكهنة مصريين) قبل أن تكون مركز تبادل الفكر والعلم حين أقام‬
‫متحفا يعتبر أول جامعة في العالم ضم أبحاثًا‬
‫ً‬ ‫بطليموس األول (ال قرن‪ 2‬ق‪.‬م)‬
‫وسجالت ودارسون كانت أسماء أشهر العلماء مألوفة لديهم ومنه نشأت مدرسة‬
‫دينيا ( ‪ Museum‬مشتق من اسم االله‬ ‫اإلسكندرية‪ .‬وقد أخذ هذا المتحف شكال ً‬
‫ميوز) حتي يضمن عطايا في مجتمع لم يألف هذا النوع من التعليم الدنيوي لكن‬
‫علميا‪ ،‬وقد ضعف أثره بعد حوالي مئة سنه من إنشائه تحت تأثير‬ ‫توجهه كان ٍ‬
‫فلسفا‬
‫ً‬
‫تقاليد الكهنة التي ابتلعته ‪ ،‬لكن بطليموس أنشأ المكتبة التي اشتهرت بمكتبة‬
‫وكانت‬ ‫اإلسكندرية فكانت أكبر دائرة معارف عرفها العالم في ذلك الوق ت‪، 3‬‬
‫اإلسكندرية بحكم موقعها المتميز واسطة عقد بين ثقافات وفلسفات البحر المتوسط‬
‫بين عقالنية الفكر الفلسفي ومدارسه من جانب وروحانية الشرق وصوفيته من جانب‬
‫مركز للدراسات األفالطونية ومهد األفالطونية المحدثة‪ .‬فاإلسكندرية‬
‫ًا‬ ‫آخر‪ ،‬فكانت‬
‫حاضرة تاريخية وعقل العالم الهلينستي بمدرستها ومكتبتها يقصدها طالب العلم‬
‫والعلماء والشعراء والفنانون‪ ،‬وكانت فلسفة اإلسكندرية تُعد قبل كل شيء فلسفة دينية‬
‫ترجع إلى فلسفة أفالطون اإللهية الدينية‪ ،‬ذلك ما هيأ لإلسكندرية القيام بدورها في‬
‫فلسفة لمواجهة الوثنيين‪ .‬ولما دخلت المسيحية مصر َّقدمتها‬
‫الم َ‬
‫تقديم المسيحية ُ‬
‫اإلسكندرية للعالم الروماني بشكل يليق بمكانتها الفكرية وأسهمت بأكبر نصيب في‬
‫المناقشات الجدلية التي كانت بمثابة مبارزات الهوتية أصابت النصف الشرقي من‬
‫اإلمبراطورية الرومانية‬
‫ومع الشهرة التي حققتها اإلسكندرية في الفلسفة الدينية‪ ،‬لم يكن غر ًيبا أن تتولى زعامة‬
‫الدفاع عن المسيحية ضد الفرق التي ظهرت تجمع بين الفكر الوثني واألفكار‬
‫المسيحية بصورة معينة وخاصة الغنوصية أو األدرية التي أنكرت الهوت المسيح‪.‬‬

‫‪H.G. Wells ,The Outline of History(the whole story of man) p.p.261- 2‬‬
‫‪261,,England,1922freeeBook//manybooks.net/‬‬
‫‪12‬‬
‫حيث َّ‬
‫تبنت مدرسة اإلسكندرية االتجاه المعتمد على ما في روح الكتاب المقدس‪،‬‬
‫باالعتماد على التفسير الصوفي المجازى والتأويل الرمزي واختارت فلسفة أفالطون‬
‫لتحاول الدخول بالعقيدة إلى مدارج العقل عن طريق الفلسفة‪ .‬فاإلسكندرية كانت رائدة‬
‫اتجاه المزج بين الفلسفة والدين‪ ،‬وكان مفكروها هم أساتذة زمنهم في المذهب االنتقائي‬
‫التوفيقي‪.‬‬
‫أشهر مدرسة مسيحية في العالم المسيحي‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫خصوصية مدرسة اإلسكندرية‪:‬‬
‫وقد بدأت مدرسة اإلسكندرية الالهوتية رحلتها مع الوجود كمدرسة للموعوظين فربما‬
‫أن نشأتها في األساس ال تعود لشخص معين وإنما كان محصلة للعظات‪، 4‬ثم تُركت‬
‫ِّ‬
‫التصدي للدفاع عن العقيدة ضد‬ ‫تلك المهمة لرجال الكنيسة و َّ‬
‫ركز أساتذتها على‬
‫شنوا هجومهم بأسلحة فكرية وحجج فلسفية إضافة إلى الفرق العديدة‬
‫الوثنيين الذين ُّ‬
‫وأشهرها مدرستي الغنوصيين واألدريين حتى ُعرفت االسكندرية بمدرسة المدافعين‬
‫جنبا إلى جنب مع المدرسة الفلسفية السكندرية فقد نشأت بجوار المدرسة‬‫وسارت ً‬
‫المشهورة بدراساتها الهلنستية دون أن تقضي أحدهما على األخرى‪.‬‬
‫ومن هنا برزت مدرسة اإلسكندرية الالهوتية في هذا الشأن والتي ُعرفت "بمدرسة‬
‫أعدادا‬
‫ً‬ ‫منبر للدفاع عن العقيدة المسيحية‪ ،‬هذا الدور اجتذب‬
‫المدافعين"‪ ،‬واُعتبرت ًا‬
‫كبيرة من المثقفين الذين راحوا يبحثون في الفلسفة التي تحولت على يد المدرسة‬
‫السكندرية من فلسفة عقل نظري إلى فلسفة عقل عملي ثم في النهاية إلى فلسفة دينية‬
‫وتفكير ديني‪.‬‬
‫وقد بدأت مدرسة اإلسكندرية رحلتها إلى الوجود في البداية باعتبارها "مدرسة‬
‫دروسا في العقيدة المسيحية للراغبين في‬
‫ً‬ ‫الموعوظين" كما سبق القول‪-‬التي تقدم‬
‫التحول إليها‪ ،‬غير أنها سرعان ما َّ‬
‫تخلت عن هذه المهمة‪ ،‬وأعلن أساتذتها أن دورهم‬
‫األساسي يتركز في التصدي للدفاع عن العقيدة ضد الوثنيين‪ ،‬ومن ثًم ذاع صيت هذه‬
‫المدرسة وغدت أول معهد علمي للدراسات الالهوتية في عالم المسيحية األول‪،‬‬

‫‪ 3‬موقع األنبا تكالهيمانوت‬


‫‪ 4‬رأفت عبد الحميد‪ ،‬المرجع السابق حيث يرى أن أثناجوراس (القرن ‪2‬م) لم يكن هو المؤسس لهذه المدرسة‬
‫(ص ‪)126‬‬
‫‪11‬‬
‫وأضحى آباء هذه المدرسة مسئولين عن صياغة الالهوت المسيحي ووضع الشروح‬
‫والتفسيرات والتعريفات المحددة لألرثوذكسية‪.‬‬
‫ونظر ألن مدرسة اإلسكندرية تستمد أصالتها من أصالة المدينة نفسها‪ ،‬والتي تستند‬
‫ًا‬
‫إلى ظهير حضاري مصري يمتد إلي أقصي الجنوب عند طيبة‪ ،‬كما أن المدينة تُعد‬
‫المركز التجاري وملتقى خطوط التجارة‪ .‬لذا فقد اختارت اإلسكندرية لنفسها طريًقا‬
‫يجمع بين هذا كله وبين شخصيتها اليونانية‪ ،‬وهو ما أضفى على المسيحية في‬
‫متميز يخصها وحدها‪ ،‬حتى أنه يمكن القول إن ما حدث في بوتقة‬
‫ًا‬ ‫طابعا‬
‫ً‬ ‫مصر‬
‫أمر‬
‫اإلسكندرية الفكرية الالهوتية هو في حقيقة األمر تمصير للمسيحية‪ ،‬وكان ذلك ًا‬
‫ال مفر منه بفعل الروحانية التي عكف عليها المصري القديم الذي سما بآلهته إلى‬
‫حيث ينبغي لها أن تكون في العال ولم ينزل بها إلى حيث نزل اإلغريق بآلهتهم حين‬
‫وتآمر‪.‬‬
‫ًا‬ ‫اوجا‬
‫جعلوها تختلط بالبشر تز ً‬
‫توزعت االتجاهات الفكرية لمدرسة اإلسكندرية بين أربعة اتجاهات‪:‬‬ ‫َّ‬
‫يتمسك بالقديم‪ِّ :‬‬
‫وتمث ل في السلفية الوثنية المنتشرة بين الطبقة االرستقراطية التي‬ ‫َّ‬ ‫‪ -9‬من‬
‫استمدت مكانتها من مكانة اآللهة القديمة وظل هذا التيار حتى القرن الخامس‬
‫الميالدي بعد أن بدأ يضعف منذ القرن الرابع الميالدي مع ضعف األرباب في‬
‫مواجهة التحديات التي أصابت الدولة واألخطار المحيقة بها وكذلك إصدار مرسوم‬
‫‪ 219‬لإلمبراطور ثيودوسيوس األول(‪ )219-261‬باعتبار المسيحية الدين الرسمي‬
‫للدولة وكانت إلى ذلك الوقت لم تكن قد كسبت سوى ُعشر أهالي اإلمبراطورية‬
‫المستضعفين‬
‫رواد الفكر الوثني عن تيارهم في مواجهة العقيدة المسيحية التي لم يقف‬
‫وقد دافع َّ‬
‫كبير احتوى على‬
‫أدبيا ًا‬ ‫َّ‬
‫روادها صامتين أمام هذه المعركة الكالمية مما خلف ت ارثًا ً‬‫ُّ‬
‫دفاع كل طرف عن عقيدته وفكره‪.‬‬
‫‪-2‬من يأخذ بالجديد‪ :‬وهو التيار الفلسفي الذي ضم تيارات فلسفية شتى‪ ،‬فقد اجتذبت‬
‫اإلسكندرية بمدرستها الشهيرة الكثيرين من ِّ‬
‫مفكري العالم اليوناني وأساتذته وطالبه‪.‬‬
‫وكان لفلسفة اإلسكندرية طابعها الخاص‪ ،‬فمفكروها يهدفون إلى حكمة إلهية تحقق‬

‫‪12‬‬
‫خالص اإلنسان‪ ،‬حيث اختلطت الفلسفة واصطبغت بالدين والوحي وارتبطت بهما معا‬
‫‪5‬‬
‫بسبب االمتزاج والتفاعل الذي حدث بين الفكر اليوناني والفكر الشرقي‪.‬‬
‫فلسفة‪( :‬أي محاولة التوفيق بين الفلسفة والمسيحية وهي غير‬‫الم َ‬
‫‪-3‬تيار المسيحية ُ‬
‫الفلسفة المسيحية) وظهر هذا التيار نتيجة لالمتزاج والتفاعل الذي حدث بين الفكرين‬
‫اليوناني والشرقي وانفتاح كل منهما على اآلخر‪ ،‬والتي كانت اإلسكندرية المركز‬
‫الرئيسي الذي تمت فيه عملية التفاعل واالمتزاج بين المسيحية والفلسفة وخاصة‬
‫األفالطونية‪ .‬فقد أرى آباء المسيحية السكندرية أن دراسة الفلسفة والتراث اليوناني‬
‫هدية الله التي قدمها للخاصة ليسلكوا بها السبيل الحق لمعرفة المسيحية‪ ،‬األمر الذي‬
‫تحول مدرسة اإلسكندرية من "مدرسة للموعوظين" الداخلين إلى المسيحية‬
‫أدى إلى ُّ‬
‫حديثًا إلى "مدرسة للمدافعين"‪ .‬وظهر من يمزج بين االثنين مع إعمال العقل للبحث‬
‫عن األفضل وهو ما ُيطلق عليه المسيحية المتفلسفة وهو تيار عمل على دخول‬
‫المسيحية من باب الفلسفة حيث تأخذ منها وتعطيها‪ .‬ومن أشهر رموز هذا التيار‬
‫أوريجانوس وإكليمندس واآلباء الكبادوكيون الثالثة‪ .‬ويقابل هذا التيار اتجاه ينادي بأن‬
‫الكتاب المقدس وحده فيه كل الكفاية لإلجابة على التساؤالت وإشباع الحاجات‪ ،‬وقد‬
‫حرم ذلك التيار قراءة أعمال الوثنيين وحاول تقديم أدب مسيحي يصرف الشباب عن‬
‫َّ‬
‫اآلداب الوثنية فإن أرادوا أن يق أروا في التاريخ فعليهم قراءة سفر الملوك وإن أرادوا أن‬
‫يق أروا في البالغة فليق أروا األنبياء والمزامير‪ .‬الخ ومن أشهر رموز هذا التيار ترتليان‬
‫‪6‬‬
‫وجيروم وجريجوريوس العظيم والذين ُيعرفون بأعداء الفلسفة‪.‬‬
‫‪-4‬تيار الرهبنة‪ :‬من ينأى بنفسه عن كل ذلك ويأخذ في التأمل منعزال وهو "التيار‬
‫الرهباني" في اإلسكندرية والرهبانية ظاهرة قديمة أساسها االحتجاج الصامت ضد‬
‫االستبداد السياسي والعسف االقتصادي ثم االضطهاد الديني‪ ،‬وهذا ال ينفي أن هناك‬
‫سياسيا لهذا التيار ظهر منذ القرن الرابع حتى السابع الميالدي من خالل‬ ‫ً‬ ‫دور‬
‫ًا‬
‫األساقفة‪ ،‬فالرهبان هم الظهير الطبيعي لبيعة اإلسكندرية والعمق االستراتيجي لها في‬
‫طول البالد‪ .‬وأضحي الرهبان قوة ضخمة استخدمها أساقفة اإلسكندرية في التصدي‬
‫للق اررات التعسفية لألباطرة البيزنطيين ضد الكنيسة والمصريين عامة فالكنيسة وحدها‬

‫‪ 5‬المرجع السابق‪ ،‬رأفت عبد الحميد‪.‬‬


‫‪ 6‬المرجع السابق‪ ،‬رأفت عبد الحميد‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫التي توطدت بصورة جدية فيما بين القرنين الرابع والسابع‪ ،‬ووضع أساقفة اإلسكندرية‬
‫‪7‬‬
‫أنفسهم على رأس هذه الحركة‪.‬‬
‫وتتميز األديرة في مصر بأنها ُمقامة في جوف الصحراء‪ ،‬وبالتالي انصرف ساكنوها‬
‫إلى مباشرة أمور العقيدة‪ ،‬ولم يكن للرهبان من عالقة خارج أسوار األديرة‪ ،‬ويتميز‬
‫التيار الرهباني بالتأمل في الكون وفي الله عن طريق االبتعاد عن العالم مقابل ما‬
‫ِّ‬
‫يميز تيار المسيحية المتفلسف من تأمل في الكون والله عن طريق االنشغال بما في‬
‫العالم من ظواهر ِّ‬
‫متعددة‪.‬‬
‫مع األخذ في االعتبار وقع التأثير الصوفي على الفكر المصري والضربات المتالحقة‬
‫للفلسفة على يد الحكومة الرومانية والكنيسة حيث دخلت المدارس الفلسفية الوثنية في‬
‫صراع مع األساقفة بل إن األساقفة دخلوا في صراع حتى مع الالهوتيين المسيحيين‬
‫مثل أوريجانوس فلم ُيسمح لهم أن تفوق شهرتهم مكانة البطريرك حتى نجحوا في ضم‬
‫مدرسة اإلسكندرية تحت لواء الكنيسة‪.‬‬
‫مما يلفت االنتباه أنه رغم الشهرة الزائعة التي َّ‬
‫حققتها مدرسة االسكندرية في األوساط‬
‫المسيحية ورغم االنتشار الذي لقيه الفكر األوريجيني في الدوائر المسيحية خاصة‬
‫المثقفين إال أن المدرسة لم ِّ‬
‫تحقق مثل هذا الذيوع بين المصريين أنفسهم‪ 8‬وربما يرجع‬
‫السبب إلى أن أسقف اإلسكندرية قضى منذ البداية على كل محاولة لوجود زعامات‬
‫َّ‬
‫وتعلقت األنظار على كرسي اإلسكندرية‬ ‫كنسية أخرى على امتداد مصر كلها‬
‫األسقفي فقط تنتظر منه القول الفصل في المسألة العقيدية ومن ثَم لم يحدث في‬
‫مصر ما كان قائما في سوريا وفلسطين من ُّ‬
‫تعدد الزعامات األسقفي ة‪ 1‬كما أن‬
‫كبير على تقوية مركزها وتثبيت سلطانها على‬
‫اعتمادا ً ا‬
‫ً‬ ‫الكنيسة السكندرية اعتمدت‬
‫الرهبان المصريين وكانوا يتحدثون بلسانهم المصري ويبتعدون عن الجدال الالهوتي‬
‫ميز فكر مدرسة اإلسكندرية الالهوتي أما الرهبان فال يستهويهم حركة التفسير‬
‫وهو ما َّ‬
‫المجازي لنصوص الكتاب المقدس عالوة على موقفهم ضد األوريجانية التي ال‬

‫‪ 7‬المرجع السابق ص ‪.174‬‬


‫‪ 8‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.174‬‬
‫‪ 9‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫يفهمونها فأصبح من المستحيل نقض هذا السياج في وقت كان الناس يعتقدون فيما‬
‫ُيشاع عن معجزات لهؤالء الرهبان‪.‬‬
‫وعندما احتدم النزاع حول طبيعة المسيح أعلنت اإلسكندرية إيمانها الكامل بطبيعة‬
‫المسيح الواحدة وهنا أعلنت احتجاجها بالتخلِّي عن استخدام اللغة اليونانية في‬
‫الصلوات والقداسات في الكنائس المصرية وإحالل اللغة المصرية القديمة وهي اللغة‬
‫‪90‬‬
‫القبطية مكانها مع إضافة بعض الحروف اليونانية إليها‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫اإلسكندرية واالضطهاد‬
‫وكانت مدينة اإلسكندرية ميدان صراع دائم بين مختلف األجناس والديانات‪،‬‬
‫وقد وجد المصريون في روحانية مسيحية القرن األول الميالدي وبساطتها طريًقا‬
‫للخروج مما كانوا يعانونه من صراع فكري وديني‪ ،‬هذا فضالً عن أنهم تعاطفوا مع‬
‫هذا الدين الجديد ليظهروا ثورتهم على حكم الرومان وليؤكدوا شخصيتهم الذاتية وحرية‬
‫اختيارهم‪.‬‬
‫إال أن الرومان لم يتركوا المصريين وشأنهم‪ ،‬بل لقد عانى المسيحيون‬
‫المصريون من االضطهاد الروماني نفس المعاناة التي اختبرها المسيحيون في بقاع‬
‫أخرى من العالم‪ .‬وقد أصدر اإلمبراطور سبتيموس سيفيروس (‪399 -912‬م) ًا‬
‫أمر‬
‫بعدم السماح ألحد باعتناق الدين المسيحي‪ ،‬تحت أي ظرف‪ ،‬وأُغلقت المدرسة‬
‫الالهوتية الشهيرة في اإلسكندرية واُقتيد المسيحيون الذين رفضوا تقديم البخور لصور‬
‫اإلمبراطور إلى اإلسكندرية حيث ُشنقوا أو أُحرقوا أو أُلقوا فريسة للوحوش الكاسرة‪،‬‬
‫وهلك اآلالف من المسيحيين المصريين خالل حكم اإلمبراطور فاليريان (‪-393‬‬
‫‪ 310‬م)‪ ،‬وكانت أقسى ألوان االضطهاد في أثناء حكم اإلمبراطور دقلديانوس (‪-384‬‬
‫‪ 209‬م)‪ ،‬وقد أدى هذا إلى إسباغ قيمة خاصة لالستشهاد من أجل اإليمان عند‬
‫األقباط‪ ،‬ويمكن أ ن ندرك ذلك إذا ذكرنا أن التقويم القبطي يبدأ من ‪ 31‬أغسطس سنة‬
‫‪384‬م وهو يوم اعتالء دقلديانوس للعرش‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫الخالفات العقائدية وانفصال األقباط في خلقيدونية‬

‫‪12‬المرجع السابق‪.175 ،‬‬


‫‪ 11‬ق‪.‬د‪ .‬فايز فارس‪ ،‬علم األخالق المسيحية ج ‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار الثقافة‪.1987،‬‬
‫‪ 12‬المرجع السابق‬
‫‪15‬‬
‫دافعا للمسيحيين المصريين أن يقفوا‬
‫كان االضطهاد رغم بشاعته وقسوته‪ً ،‬‬
‫احدا في مواجهته‪ ،‬دون النظر إلى تفصيالت العقيدة الدقيقة التي يمكن أن‬‫صفا و ً‬ ‫ً‬
‫يختلفوا إزاءها‪ .‬إال أنه بعد "إعالن ميالن" الشهير الذي أصدره اإلمبراطور قسطنطين‬
‫معلنا حرية العقيدة في الدولة الرومانية‪ ،‬بدأ المسيحيون يواجهون‬
‫في عام ‪292‬م ً‬
‫مسائل الخالفات في تفاصيل العقيدة‪ ،‬فشغلت هذه الخالفات أفكارهم حتى انتهى‬
‫األمر بانفصال الكنيسة القبطية عن باقي الكنائس في الشرق والغرب في مجمع‬
‫خلقدونية في عام ‪499‬م‪.‬‬
‫اضحا بمرور الزمن بين الالهوتيين في مدرسة‬
‫لقد أصبح الخالف و ً‬
‫أنطاكية‪ ،‬وبين الالهوتيين في مدرسة اإلسكندرية حول طبيعة المسيح‪ ،‬إذ سيطر‬
‫الفكر األخالقي العملي على مدرسة أنطاكية‪ ،‬بينما اهتمت مدرسة اإلسكندرية بعقيدة‬
‫الخالص حيث ضم الخالف أطرافا عديدة منها الطرف السياسي ( اإلمبراطور‬
‫ثيوديسيوس الثاني وبطاركة أنطاكية والقسطنطينية وبابا روما ‪ ،‬وتراوحت الخالفات‬
‫بين هدنة مؤقتة ( االتفاق بين اإلسكندرية وأنطاكية) لكن الخالفات بينهما حول‬
‫طبيعة السيد المسيح كانت تتزايد‪ ،‬ومعها تزايدت محاوالت إعالء شأن كرسي بابوي‬
‫على آخر كما حدث عام ‪444‬م‪ ،‬حيث كان على كرسي اإلسكندرية البطريرك‬
‫هم ه رفع مكانة كرسي اإلسكندرية في العالم‪ .‬وبعد سنتين‬
‫ديوسقورس‪ ،‬الذي كان كل ُّ‬
‫من تولِّي ديوسقورس كرسي اإلسكندرية تولى كرسي القسطنطينية بطريرك جديد وهو‬
‫فالفيان‪ ،‬وكان يميل في فكرة الالهوتي إلى آراء مدرسة أنطاكية‪.‬‬
‫كان قرار مجمع خلقدونية هو بداية انفصال الكنيسة القبطية بمصر ومعها‬
‫بعض الكنائس األخرى المجاورة لها مثل األرمينية والسريانية‪ ،‬والحبشية واليعاقبة عن‬
‫باقي الكنائس‪ ،‬وقد ُع رفت هذه الكنائس عند غيرها باسم كنائس المونوفيزايت أي التي‬
‫تؤمن بالطبيعة الواحدة (‪ )Monophysite‬على أنها في العصر الحديث ُعرفت‬
‫تمييز لها عن كنائس الروم‬ ‫ًا‬ ‫ب"الكنائس الشرقية" (‪)Oriental Churches‬‬
‫األرثوذكس المعروفة باسم (‪ )Greek Orthodox‬أي الكنائس األرثوذكسية الشرقية‬
‫‪92‬‬
‫وهي التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية في أوائل القرن الحادي عشر‪.‬‬

‫‪ 13‬وقد تم االتفاق بين الكنيستين حول عقيدة طبيعة االبن في أواخر القرن العشرين‪ .‬انظر تقرير اللقاء الذي تم‬
‫في دير األنبا بيشوي وتقارير مجلس كنائس الشرق األوسط‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫نذكر هنا أن الكنيسة القبطية األرثوذكسية بمصر بعد أن انفصلت عن باقي الكنائس‪،‬‬
‫حفظت تراثها القديم وأصبحت إلى حد ما فريدة بين الكنائس‪ .‬هذا االنفصال أفاد‬
‫الكنيسة في بعض النواحي وال شك‪ ،‬لكنه من الناحية األخرى أضر بالكنيسة في‬
‫بعض المواقف‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫الكنيسة المصرية والفتح العربي لمصر‬
‫حدث الفتح العربي اإلسالمي لمصر في عام ‪121‬م أي بعد أقل من قرنين‬
‫من زمن انعقاد مجمع خلقيدونية السابق اإلشارة إليه‪ ،‬والذي انفصلت فيه الكنيسة‬
‫المصرية عن غيرها من الكنائس‪ .‬وكانت مصر حينذاك تحت الحكم الروماني‬
‫البيزنطي (فقد حاول اإلمبراطور هرقل توحيد العقيدة الدينية داخل اإلمبراطورية واحتج‬
‫األسقف الشرعي بنيامين على سياسة االضطهاد باالحتماء بالرهبان في الصحراء‪.‬‬
‫أسقفا لألرثوذكسية الخلقيدونية‬
‫أرمينيا و ً‬
‫ً‬ ‫وبنيامين ليس هو المقوقس ولكن المقوقس كان‬
‫أسقفا لإلسكندرية ثم نائبا‬
‫الملكانية وليس لألرثوذكسية القبطية وهو الذي تم تعيينه ً‬
‫‪99‬‬
‫) وقد اتخذ‬ ‫منفيا في ذلك الوقت‬
‫لإلمبراطور في حكم مصر حيث كان بنيامين ً‬
‫رحبوا بهم ألن البيزنطيين لم‬
‫محايدا إزاء العرب الفاتحين‪ ،‬بل لعلهم َّ‬
‫ً‬ ‫موقفا‬
‫األقباط ً‬
‫يكونوا يحسنون معاملتهم‪ ،‬كذلك كان أنصار الكنيسة التي انفصلوا عنها (وكان يطلق‬
‫عليهم لقب الملكيين) يضطهدونهم ويحاولون إغالق الكنائس القبطية‪ ،‬ويستعينون‬
‫على ذلك ب الغوغائية إال أنهم في أوقات التسامح الديني عاشوا في درجة مقبولة من‬
‫يتكيفوا مع الظروف المختلفة‪.‬‬
‫األمان وبذلك استطاعوا أن َّ‬
‫‪16‬‬
‫قدوم اإلرساليات المسيحية من الغرب‬
‫كانت هذه اإلرساليات قنطرة لنقل بعض مالمح التفكير الغربي إلى‬
‫المسيحيين المصريين‪ ،‬سواء رحبوا بها أم رفضوها فلقد ظلت الكنيسة القبطية‬
‫األرثوذكسية بعيدة عن االتصال بغيرها من الكنائس في العالم (فيما عدا بعض‬
‫الكنائس التي شاركتها في رفض ق اررات مجمع خلقيدونية وفي البالد القريبة المحيطة‬
‫بها مثل كنائس السريان األرثوذكس واليعاقبة وكنيسة الحبشة)‪ .‬وقد اجتازت كنائس‬

‫‪ 14‬فايز فارس‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪ 15‬رأفت عبد الحميد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.254 ،253‬‬
‫‪ 16‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫الغرب ظروًفا ِّ‬
‫متعددة منها انفصال الكنائس الشرقية عن الكنائس الغربية في القرن‬
‫فعرفت األولى باسم الكنائس األرثوذكسية الشرقية‪ ،‬واألخيرة ‪-‬أي‬‫الحادي عشر‪ُ ،‬‬
‫وعرفت باسم الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ثم‬
‫الغربية‪ -‬احتفظت بوحدتها تحت رئاسة روما ُ‬
‫جاء اإلصالح اإلنجيلي أو البروتستانتي‪ 96‬في أوروبا في أوائل القرن السادس عشر‪،‬‬
‫وقامت أيضا حركات إصالحية داخل الكنيسة الكاثوليكية لمواجهة اإلصالح‬
‫اإلنجيلي‪ ،‬وقد هاجر كثيرون من األوروبيين إلى العالم الجديد حينذاك‪ ،‬وهو أمريكا‬
‫لينعموا بحرية العقيدة هرًبا من االضطهاد الكاثوليكي في بعض البالد‪ .‬وكانت‬
‫الكنيسة القبطية في مصر منحصرة في ظروفها المحلية اإلقليمية‪ ،‬إلى أن جاءت‬
‫اإلرساليات المسيحية م ن الغرب‪ ،‬وبخاصة من أوروبا ثم من أمريكا‪ ،‬دخلت عدة‬
‫إرساليات ومن بينها الكنيسة المشيخية ‪ PCUSA‬لتبدأ خدمتها من خالل التعليم‬
‫وفتح الكتاب المقدس باللغة العربية أمام عامة الشعب كما اعتمدت النظام الديمقراطي‬
‫في إدارة الكنيسة المحلية من خالل شيوخ الكنيسة باالشتراك مع الراعي ومن هنا جاء‬
‫اسمها الكنيسة اإلنجيلية المشيخية بمصر‪ .‬وفي عام ‪ 9191‬أكدت الكنيسة على‬
‫وطنيتها فصار اسمهما الكنيسة القبطية اإلنجيلية المشيخية‪ .‬وعقيدتها تنطلق من‬
‫فهمها لإلنجيل على أنه المرجع األساسي والوحيد أُعطي من الله لإليمان واألعمال‬
‫بفاعلية الروح القدس‪.‬‬
‫عندما جاءت اإلرساليات الكاثوليكية واإلنجيلية وجدت مقاومة من الكنيسة القبطية‪،‬‬
‫خطر على "الكنيسة األم"‬
‫ًا‬ ‫فقد رأت الكنيسة القبطية أن هذه الكنائس الوافدة ِّ‬
‫تشكل‬
‫وتمشيا مع أسلوب التفكير المصري في تقدير التراث‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأعلنت ذلك بشتى الوسائل‪.‬‬
‫صارت هذه الكنائس الوافدة حديثًا تدافع عن نفسها وعن عقيدتها‪ ،‬بأنها ال تقدم للناس‬
‫جديدا إنما هي تعود بالناس إلى منابع الفكر المسيحي األصيل الذي كان في‬
‫ً‬ ‫فكر‬
‫ًا‬
‫الكنيسة في عصورها األولى‪ ،‬وأنها تحيي مبادئ الكنيسة‪ ،‬وهكذا صارت العودة إلى‬
‫التراث وتعليم اإلنجيل األصيل هو الحجة التي تتم َّسك بها كل كنيسة وتدافع بها عن‬
‫نفسها وتدفع عنها "تهمة" التحديث‪ ،‬لكي تجتذب إليها المسيحيين المصريين‪.‬‬

‫‪ 17‬البروتستانتية معناها االحتجاج وكان األمراء المساندين للوثر قد احتجوا على القرارات الصادرة دده ومن‬
‫هنا جاء استخدام هذه الكلمة كلقب لحركة لوثر‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫وقد كانت الكنيسة المشيخية المتحدة في أمريكا التي جاء منها أول المرسلين‬
‫األمريكان من الكنائس المحافظة الهوتيا‪ ،‬و ِّ‬
‫المدققة في حياة أعضائها‪ ،‬متأثرة‬ ‫ً‬
‫التَقويين التي ظهرت في أوروبا‪ ،‬وانتقل هذا االتجاه إلى المصريين الذين‬
‫بجماعات َ‬
‫اعتنقوا المذهب اإلنجيلي في مصر‪ ،‬فاهتموا بتعليم الخالص الشخصي والحياة التقوية‬
‫وحرموا شرب الخمر والتدخين ولعب الميسر وألو ًانا‬
‫الفردية متأثرين باألفكار التطهرية َّ‬
‫كثيرة من وسائل الترفيه‪ ،‬واهتموا بتقديس يوم الرب للعبادة وقد كان هذا االتجاه يتالءم‬
‫مع طبيعة المصريين النسكية‪.‬‬
‫وعندما توتَّرت العالقات بين مصر والغرب عند حرب السويس في سنة‬
‫‪ ،9191‬وحرب ‪ ، 9116‬أطلقت الكنائس اإلنجيلية على نفسها اسم كنيسة "األقباط‬
‫وردا على االتهام‬
‫تأكيدا لحقيقة انتمائها إلى الشعب القبطي أي المصري‪ً ،‬‬
‫اإلنجيليين" ً‬
‫الذي ينسبها إلى الفكر الغربي‪ ،‬وذلك باعتبار أن أعضاءها كلهم من المصريين‬
‫المصلح‬
‫الوطنيين‪ ،‬وكذلك إدارتها وتمويلها‪ .‬أما مسألة انتمائها إلى الفكر اإلنجيلي ُ‬
‫نسبة إلى اإلصالح الديني البروتستانتي الذي حدث في أوروبا في القرن السادس‬
‫عشر‪ ،‬فقد قالت الكنيسة إن الفكر ال وطن له‪ ،‬وال يضير الكنيسة أن تأخذ به‪ ،‬ألنه‬
‫عودة إلى تعليم الكتاب المقدس األصيل‪.‬‬
‫وفي سياق هذه الدراسة التي نرجو أن تكون تحليلية نؤكد على مدى‬
‫التفاعل بين الكنيسة والمجتمع والظروف المحيطة سواء سياسيا أو اقتصاديا حتى‬
‫نخلص في النهاية إلى حتمية المراجعة المستمرة لتطوير تفكير الكنيسة وبرامجها‬
‫وعالقتها مع الكنائس األخرى على المستوى المحلي والعالمي وكذلك أن تطور‬
‫تفاعلها مع المجتمع بما يتناسب مع التطورات المحيطة‬
‫وهذا ما سنحاول أن نظهره في الموضوعات التي ستتناولها الفصول التالية‬

‫‪19‬‬
‫بدايات عصر التنوير‬
‫عصر محمد علي‬
‫‪28‬‬
‫والتحول من الهيمنة الدينية إلى التعليم الحر والديمقراطية‬

‫مرت على مصر أنظمة‬


‫في زمن العثمانيين وحتى تولي محمد علي حكم مصر َّ‬
‫وحكام شتي‪ ،‬لكنهم اتفقوا جميعا علي طمس الهوية المصرية وامتصاص‬ ‫وأحكام ُ‬
‫طا يدفعون الجزية‪ ،‬البعض يدفعها ألنه‬
‫دماء المصريين وكان الجميع مسلمين وأقبا ً‬
‫مسيحي‪ ،‬والمسلمون يدفعونها في صورة ضرائب ألنهم مقهورون‪.‬‬
‫وأتى محمد علي ليحاول أن ينهض بمصر‬
‫كدولة ذات هوية مستقلة‪ ،‬ويمكن تلخيص‬
‫سياسته في ثالث كلمات‪ :‬التحديث ـ التصنيع ـ‬
‫التغريب‪ ,‬ويروي فالنتين شيرول في كتابه‬
‫"المسألة المصرية" إن محمد علي كان يقول‬
‫دوما‪ :‬إن مصر جنة الله في األرض ولو‬
‫منحني الله ألف حياة غير حياتي هذه لبذلتها‬
‫جميعا من أجل مصر‪( :‬ص‪ 21‬من الطبعة‬
‫االنجليزية األولى) ويروي شيرول قصة بناء‬
‫الجيش المصري األول منذ انتهاء العصور‬
‫طا ـ هموم ومتاعب الجندية‬
‫جميعا ـ مسلمين وأقبا ً‬
‫ً‬ ‫الفرعونية فقال‪ :‬اقتسم المصريون‬
‫وشارك األقباط في الجيش ألول مرة وهكذا لم يعد األقباط مجرد ذميين وإنما‬
‫مواطنون في دولة حديثة‪.‬‬
‫وسواء كان محمد علي يحب نفسه أو يحب مصر‪ ،‬فإنه قد منحها أولى خطوات‬
‫المواطنة المتكافئة في دولة حديثة‪ ،‬فقد نهج منذ بداية حكمه (‪ )9809‬سياسة‬
‫تسامح ديني واضحة‪ ،‬فألغي القيود المفروضة علي زي األقباط الذين ِّ‬
‫يميزهم"‬
‫عمامة سوداء"‪ ،‬وألغى كل القيود التي كانت مفروضة على ممارساتهم لطقوسهم‬
‫فرصا متكافئة في تولِّي الوظائف وكانت األفضلية لألكفأ‬
‫الدينية ومنح الجميع ً‬
‫‪ 18‬مقال للدكتور رفعت السعيد‪ ،‬جريدة األهرام باب قضايا وآراء ‪ 16‬أكتوبر ‪.2212‬‬
‫‪22‬‬
‫بغض النظر عن الدين‪ .‬وتشهد وثائق القلعة أسماء قبطية َّ‬
‫تولى أصحابها مواقع‬
‫إدارية رفيعة ووظائف مأمورين لمراكز برديس والفشن وديرمواس وبهجورة‪ ,‬وكان‬
‫محمد علي أول حاكم يمنح األقباط رتبة البكوية وكان له مستشارون عديدون من‬
‫األقباط‪ ,‬ولعل استعانة محمد علي بعديد من الخبراء الغربيين وهم من المسيحيين‬
‫اتيا لذلك‪ ,‬ويأتي عصر‬
‫مناخا مو ً‬
‫ً‬ ‫قد أوجد‬
‫الوالي سعيد(‪ 9894‬ـ‪ )9812‬ليصدر‬
‫قانون الخدمة العسكرية الذي يعامل‬
‫جميعا مسلمين وأقباطا على‬
‫ً‬ ‫المصريين‬
‫قدم المساواة‪ ,‬وكذلك كان األمر في سلك‬
‫القضاء وفي البعوث التي سافرت إلى‬
‫قبطيا على مصوع ويأتي عصر الخديو إسماعيل‬ ‫ً‬ ‫حاكما‬
‫ً‬ ‫عين‬
‫أوروبا‪ ,‬كما أنه َّ‬
‫طا في البرلمان‪.‬‬
‫ليزيد من عدد القضاة األقباط ولينتخب وألول مرة أقبا ً‬
‫بارز في إحياء أسس‬ ‫وعلى المستوى الشعبي لعب رفاعة الطهطاوي ًا‬
‫دور ًا‬ ‫‪‬‬
‫الدولة المدنية‪ ,‬وفي كتابه "مناهج األلباب المصرية في مباهج اآلداب العصرية"‬
‫تحدث رفاعة عن المجد الفرعوني المصري وأكد مبدأ المواطنة وأورد تعبيرات مثل‬
‫األخوة الوطنية والكرامة الوطنية وخاض معركة التنوير مع رفاعة عديد من‬
‫ُّ‬
‫تالميذه األقباط مثل تادرس وهبي وميخائيل عبد السيد‪ ,‬ومن تالميذه عديد من‬
‫األقباط تولوا مناصب قيادية في الجيش وفي سلك اإلدارة صالح بك مجدي ـ‬
‫"حلية الزمن بمناقب خادم‬
‫الوطن" لرفاعة بك رافع‪ .‬وفي‬
‫تشارك‬ ‫العرابية‬ ‫الثورة‬
‫جميعا ـ مسلمين‬
‫ً‬ ‫المصريون‬
‫طا ـ في غمار الثورة‬‫وأقبا ً‬
‫وتشاركوا في معاداة االحتالل‬
‫البريطاني‪ ,‬وفي مطلع القرن‬
‫العشرين ارتفع شعار مصر للمصريين في مواجهة دعاة فكر الخالفة الذين رفعوا‬

‫‪21‬‬
‫شعار ال وطنية في اإلسالم ‪،‬ونهض لطفي السيد بعبء الدولة الليبرالية لمواطنة‬
‫موحدة على أساس المساواة الكاملة‪ ,‬وأكد أن المواطنة تعني انتماء‬
‫َّ‬ ‫واحدة‬
‫موحد وتساويهم في الحقوق والواجبات في اطار‬
‫المواطنين إلى كيان سياسي َّ‬
‫الوطن‪ (.‬د‪ .‬عفاف لطفي السيد‪-‬ـ الليبرالية المصرية ـ الطبعة االنجليزية‬
‫ص‪ )993‬ويقول ألبرت حوراني في كتابه( الفكر العربي في عصر النهضة ـ‬
‫ص‪ )391‬كان لطفي كغيره من المفكرين المصريين‬
‫الليبراليين ال يحدد األمة على أساس اللغة أو الدين بل‬
‫على أساس االنتماء إلى األرض وهو لم يفكر بأمة‬
‫دوما إنها أمة‬
‫إسالمية أو عربية بل بأمة مصرية قال ً‬
‫القاطنين على أرض مصر‪.‬‬
‫وتأتي ثورة‪ 9191‬لتكرس االنصهار المصري تحت‬ ‫‪‬‬
‫شعار "الدين لله والوطن للجميع" وانخرط فيها جملة كبيرة‬
‫من كبار األقباط‪ .‬وفي عام‪ 9133‬ومع التهاب العمل الثوري قبضت سلطة‬
‫االحتالل على سبعة من القادة الوفديين كان بينهم أربعة أقباط هم ويصا واصف‬
‫ومرقص حنا وبطرس غالي‪ ،‬وجورجي خياط‪ .‬وحوكم‬
‫السبعة أمام محكمة عسكرية حكمت عليهم باإلعدام‬
‫لكن الحكم جرى تخفيفه‪.‬‬
‫وعندما َّألف سعد زغلول أول ا‬
‫وزرة له في يناير‪9134‬‬
‫اختار فيها ثالثة أقباط من بين تسعة وزراء هم مجموع‬
‫مجلس الوزراء‪ ,‬لكن السلطان فؤاد رفض قائال‪ :‬هناك‬
‫خطأ في الحساب يا باشا‪ ,‬فقد اعتدنا ان يكون هناك‬
‫قبطيا َّ‬
‫مرش ًحا لتولي و ازرة العدل التي يتبعها‬ ‫ير ً‬ ‫وزير قبطي واحد‪ ,‬ثم إن هناك وز ًا‬
‫القضاء الشرعي‪ ,‬وتنازل سعد عن األخير وأتى للو ازرة بوزيرين قبطيَين من تسعة‬
‫وزراء‪ ,‬لكنه قبل أن يفعل ذلك واجه السلطان قائال‪ :‬إن رصاص االنجليز لم‬
‫يحترم عادة أن يكون هناك وزير واحد فكان يحصد المصريين إبان الثورة دون‬
‫تمييز بين مسلم ومسيحي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ويجيء اإلعداد لدستور‪ 9132‬والذي يرفض األقباط النص فيه علي تمثيل نسبي‬
‫لهم في البرلمان‪ ,‬مؤكدين أن قبول التمثيل النسبي يعني التشكيك في ِّنيات‬
‫المسلمين من أبناء الوطن وعدم الثقة في إيمانهم بالمواطنة‪ ,‬ويتضمن الدستور‬
‫مواد حازمة مثل حرية االعتقاد مطلقة ( م‪ )93‬وحرية ال أري مكفولة ( م‪)94‬‬
‫والمصريون لدى القانون سواء وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية‬
‫وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة‪ ,‬ال تمييز بينهم في ذلك بسبب‬
‫األصل أو اللغة أو الدين‪ ( .‬انظر موقف الكنيسة اإلنجيلية والسنودس في‬
‫المشاركة في مرحلة اإلعداد للدستور ‪. )9132‬‬
‫تميَّزت والية محمد علي بأنها بدأت بوضع‬
‫األساس للدولة القومية الحديثة التي أفرزت‬
‫األفكار الحديثة والشكل المؤسسي لنظم الدولة‪،‬‬
‫وأيضا استجالب النظام الطبقي المعروف في‬
‫الغرب‪ ،‬وظهور الجيش والمصانع‪ ،‬وإدخال‬
‫أنماط علمانية في التعليم‪ .‬وخلف محمد على ابنه الخديوي إسماعيل (‪-9812‬‬
‫‪ )9861‬الذي عمل على التسريع في عملية التحديث على النمط األوربي آنذاك‪.‬‬
‫ولمزيد من إيضاح مالمح التنوير في تلك الحقبة نضيف ما يلي‪ :‬هناك عدة‬
‫محاور حكمت حركة اإلصالح في عهد محمد على وهي‪:‬‬
‫‪ ‬تخلـُّف الشرق مقابل تقدم الغرب‬
‫واالهتمام بالعلم باعتباره الوسيلة التي حققت التقدم‬ ‫‪‬‬
‫في الغرب‬
‫والمزاوجة بين قيم الحداثة الغربية وقيم الدين والتقاليد‬ ‫‪‬‬
‫‪91‬‬
‫في الشرق‪.‬‬
‫كما أسس محمد على دولته على أسس عصرية‬ ‫‪‬‬
‫َّ‬
‫منظم‪-‬اقتصاد قوي‪.‬الخ) ومن هنا كان‬ ‫(جيش‬
‫االحتياج لكفاءات متعلِّمة‪ ،‬وبالتالي االحتياج لتطوير‬

‫‪ 19‬ردا محمد هالل‪ ،‬مصر القرن العشرين‪ ،‬دورية العصور الجديدة‪ ،‬يناير ‪ ،2222‬العدد الخامس‪ ،‬ص ‪.275-274‬‬
‫‪23‬‬
‫قاصر على تعليم الكتاتيب في المساجد والكنائس‪،‬‬
‫ًا‬ ‫نظام التعليم‪ ،‬فقد كان التعليم‬
‫وألول مرة عرفت مصر التعليم المدني والذي كان قد بدأ في أوربا في منتصف‬
‫‪30‬‬
‫القرن ‪. 91‬‬
‫ِّ‬
‫المتعلمين بمدارس‬ ‫استعان محمد على بالمسيحيين المصريين ثم الشوام‬ ‫‪‬‬
‫اإلرساليات‪ ،‬وأيضا باألوربيين‪ ،‬مما كلـَّفه أعباء مالية كبيرة‪ ،‬عالوة على ضعف‬
‫ِّ‬
‫المتعلمين‪ 39‬واهتم‬ ‫اللغة العربية عند األوربيين‪ ،‬فقرر تكوين نخبة من المصريين‬
‫محمد على بنشر التعليم في جميع المراحل‪ ،‬كما بدأ محمد على في إرسال بعثات‬
‫ألوربا ضمت طلبة األزهر وأيضا طلبة مسيحيين الكتساب المهارات الالزمة‬
‫كما أنشأ أول دار‬ ‫للتنمية‪ ،‬واتجهت البعثات األولى إلى إيطاليا ( ‪)9801‬‬
‫للطباعة وأول جريدة رسمية ‪ (9838‬الوقائع المصرية)‪ ،‬وأضاف الطلبة الذين‬
‫ترجمة وعلى رأسهم رفاعة‬ ‫َّ‬
‫ضمتهم البعثات التعليمية الكثير من الكتب بين مؤلفة ُم َ‬
‫َّ‬
‫الطهطاوي‪ .‬وكانت نتيجة ذلك أن تأسست مطابع كثيرة في مصر والشام واحتاجت‬
‫المطابع والمجالت إلى مادة للنشر‪ ،‬فظهرت الكتب والمجالت العلمية واألدبية‬
‫وكانت نسبة كبيرة منها مترجمة عن الفرنسية‪ ،‬كما تأسست مؤسسات تعليمية مدنية‬
‫‪33‬‬
‫حديثة‪.‬‬
‫ساعدت إصالحات محمد علي في تهيئة الوعي االجتماعي المصري‬ ‫‪‬‬
‫الستقبال أفكار جديدة‪ ،‬إال إن المجتمع لم يكن‬
‫مستعدا بعد لتقبـُّل تلك األفكار‪ ،‬إذ كان المثقفون‬
‫الشوام أسبق في تقديم اإلسهامات األولى للفكر‬
‫القومي العربي منذ النصف الثاني من القرن ‪91‬‬
‫ِّ‬
‫المتفجرة للموقف في مصر عنه في‬ ‫نتيجة للطبيعة‬
‫الشام وذلك لعدة أسباب‪:‬‬
‫‪ .9‬كان الحكم العثماني في مصر أخف حدة في‬
‫أفعاله عما هو بالشام‪ ،‬فقد شهدت األخيرة مواجهات‬

‫‪ 22‬د‪ .‬عبد المجيد حنون‪ ،‬الالنسونية وأثرها في رواد النقد العربي الحديث الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2226:‬ص ‪.19 ،18‬‬
‫‪ 21‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ 22‬د‪ .‬عبد المجيد حنون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪24‬‬
‫حادة بين العرب واألتراك‪ ،‬ومن هنا تزايد المد العربي وبرزت أهميته على المد‬
‫‪32‬‬
‫هذا عالوة على األهمية المتزايدة للدين عموما في مصر‬ ‫االسالمى في الشام‬
‫‪34‬‬
‫وحتى اآلن سواء أكان الدين اإلسالمي أو المسيحي‪.‬‬
‫االحتالل الفرنسي ‪ 9616‬واالنجليزى ‪ 9193-9883‬جعل مصر‬ ‫‪.3‬‬
‫تحتاج لمساندة السلطة العثمانية في مواجهة االستعمار‬
‫فقد أدى تسلـُّط األجانب على البالد في الستينيات والسبعينيات من القرن ‪ 91‬إلى‬
‫تفجـُّر النضال ضد الخاصة اإلقطاعية وهي في ذات الوقت تركية – شركسية‬
‫وضد الفساد والتعسف‪ ،‬وتمارسه في ذلك الوقت السلطات مع األجانب‪ .‬ومن هنا‬
‫ظهر شعار (مصر للمصريين) بزعامة لفيف من المثقفين مثل محمد عبده وعبد‬
‫الله النديم ويعقوب صنوع‪ ،‬باإلضافة إلى وجود عدد من المهاجرين السوريين من‬
‫أدباء وأيديولوجيين وكان عدد كبير منهم من المسيحيين مثل شبلي شميل الذي‬
‫درس الطب في كلية البروتستانت وتخرج‬
‫طبيبا عام ‪ 9869‬وهو صاحب ثورة‬ ‫ً‬
‫فكرية قام بها عن طريق الكتابة‪ ،‬وفرح‬
‫أنطون وكان قد تولى إدارة مدرسة أهلية‬
‫في طرابلس قبل ذهابه إلى مصر ولم‬
‫تكن المدرسة طائفية فقد أنشأتها جمعية‬
‫ورئيسها‬ ‫األرثوذكس‬ ‫للروم‬ ‫خيرية‬
‫بروتستنتي والمدير والناظر مارونيان وأستاذ اللغة العربية مسلم‪.‬‬
‫النشاط الصحافي‪:‬‬
‫تمثـِّل الصحافة أحد األركان األساسية إلرساء الفكر الديمقراطي وهو دور ظهر‬
‫بالفعل في منتصف القرن التاسع عشر في مصر‪ ،‬واستطاع تيار القومية المصرية‬
‫الليبرالي في مصر أن يكون حركة ليبرالية علمانية تشغل الفكر والسياسة في‬
‫مصر حتى قيام الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪ 23‬مصطفى الفقي‪ ،‬تجديد الفكر العربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 17‬انظر أيضا أديب نجيب‪ ،‬اإلنجيليون والعمل القومي‪،‬‬
‫‪(-‬دراسة توثيقية) (القاهرة‪ :‬دار الثقافة‪ ،)1993 ،‬ص ‪ ، 44‬وز‪.‬إ ليفين‪ ،‬التنوير والقومية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ 24‬د‪ .‬رفعت السعيد‪ ،‬الليبرالية المصرية‪( ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪-‬مكتبة األسرة‪)2227،‬‬
‫ص ‪.116-115‬‬
‫‪25‬‬
‫بارز في وضع األساس اإليديولوجي للفكر‬‫دور ُا‬‫لعبت الصحافة المصرية ًا‬ ‫‪‬‬
‫الديمقراطي في مصر‪ ،‬إال أن مفهوم الديمقراطية في هذه الفترة اقتصر علىُ بعدها‬
‫السياسي فقط حتى نهاية الحرب العالمية األولى عندما بدأ المفهوم االجتماعي‬
‫‪39‬‬
‫كما أن عبارة الديمقراطية نفسها لم تظهر قبل الحرب‬ ‫للديمقراطية في الظهور‬
‫العالمية األولى و كانُ يعبـَّر عنها بكلمتي( سلطة الشعب‪ ،‬والشورى) وكانت‬
‫األحزاب السياسية ثمرة من ثمرات الصحافة وليس العكس‪ ،‬فقد نشأت األحزاب من‬
‫قلب الصحف المصري ة‪ ،‬ويمكن تفسير هذه الظاهرة بأن حرية الصحافة سبقت‬
‫حرية العمل السياسي والحزبي‪ ،‬فقد اتبعت انجلت ار سياسة إطالق حرية الصحافة‬
‫وبالتالي ظهرت مجموعة من الكتـَّاب والمفكرين‪ .‬إال أنه وبعد تكوين األحزاب‬
‫لتطور‬
‫ُّ‬ ‫انتعشت الصحافة‪ ،‬فقد ساعدت األحزاب على ازدياد عدد المتابعين‬
‫‪31‬‬
‫األحداث‪.‬‬
‫كان هناك شخصيات مسيحية سياسية مصرية بارزة لها دور في إرساء‬ ‫‪‬‬
‫بعض المفاهيم‪ ،‬مثل المضمون االجتماعي للديمقراطية والتي تناولها عزيز ميرهم‪،‬‬
‫َّ‬
‫وحددها في توافر الحريات العامة وتضييق مسافة الثروة بين الفقراء واألغنياء‬
‫والعدالة الضريبية‪ .‬وتكلم ميخائيل عبد السيد عن حدود الحريات التي تسمح بها‬
‫أحوال البالد آنذاك‪ ،‬وأسس صحيفة‬
‫عام‬ ‫األسبوعية‬ ‫الوطن‬
‫‪9866‬وكانتُ تطبع في مطبعة كان قد‬
‫استوردها البابا كيرلس الرابع من أوربا‬
‫(وهو َّ‬
‫الملقب بأبي اإلصالح وعاصر‬
‫عباس األول وسعيد)‪ .‬وكان ميخائيل‬
‫عبد السيد أول من شغل منصب نائب‬
‫وكيل الطائفة اإلنجيلية عام‪9102‬‬
‫ورغبة منه في التعمـُّق في اللغة‬

‫‪ 25‬د‪.‬فاروق أبو زيد‪ ،‬أزمة الديمقراطية في الصحافة المصرية‪( ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪ )1976 ،‬ص‪،24 ،23 ،19‬‬
‫‪.26‬‬
‫انظر أيضا أديب نجيب سالمة‪ ،‬اإلنجيليون والعمل القومي‪ ،‬ص ‪.98-93‬‬
‫‪ 26‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫تديا مالبس والده البلدية‪،‬‬
‫سر مساء كل يوم مر ً‬
‫العربية‪ ،‬كان يذهب إلى األزهر ًا‬
‫حيث كان يدرس الفقه واللغة على أيدي علمائها وكان معه وهبي بك تادرس مدير‬
‫مدارس األقباط الكبرى‪ .‬واستمروا في المواظبة على الحضور لمدة عامين حتى‬
‫كشف أمرهما ُومنعا من الحضور‪ ،‬لكن اإلمام محمد عبده حينما علم بقصتهما أذن‬
‫بقبولهما لمتابعة حلقات الدرس باألزهر‬
‫أسس ميخائيل عبد السيد جريدة "الوطن" وقال عنها عبد الرحمن الرافعي‬ ‫‪-‬‬
‫إن سياستها كانت وطنية ولهجتها حرة‪ ،‬كما اهتم تادرس المنقبادى بالبحث في‬
‫"أصول االستبداد‪ ".‬وأسس جريدة سياسية (مصر) والتي تميزت بالتنوع‪ ،‬فشملت‬
‫موضوعات في السياسة واالقتصاد واالجتماع‪ ،‬وكان المنقبادي من أنصار الفكر‬
‫التعاوني االشتراكي فقام بتأسيس (الشركة التجارية) عام ‪ 9884‬وهي أول شركة‬
‫من نوعها تتأسس في الوجه القبلي‪ .‬وشجع المنقبادي صغار الموظفين لالكتتاب‬
‫فيها‪ ،‬كما أنشأ شركات عقارية تساعد على إنماء ثروة المشتركين فيها‪ ،‬ووضع‬
‫مشروعـًا لتأسيس شركة عقارية تشتري ‪ً 9690‬‬
‫فدانا من أطيان الدومين بمديرية‬
‫أسيوط وقام بإدارتها مجلس إدارة يوزع أرباحه على المزارعين‪ .‬وأنشأ المنقبادي‬
‫صناديق مخصوصة للتوفير تحت اسم‬
‫‪36‬‬
‫(بنك التوفير الوطني")‬
‫إصدار مجلة المقتطف‪:‬‬
‫اشترك فارس نمر مع الدكتور يعقوب‬
‫صروف في إصدار مجلة (المقتطف) في‬
‫بيروت في سنة ‪ 9861‬وفي دراسة للدكتور‬
‫عبد الله العمر عن هذه المجلة‪ ،‬قال‪":‬‬
‫لعلها خير شاهد على زخر الثقافة وتعدد‬
‫جوانب الفكر العربي وانفتاحه على علوم‬
‫الغرب وثقافته الحديثة في القرن التاسع‬
‫عشر"‪.‬‬

‫‪ 27‬رامي عطا‪ ،‬أقباط في ذاكرة الصحافة المصرية‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الجيل للطباعة)‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪27‬‬
‫إصدار جريدة المقطم‪:‬‬
‫أسس فارس نمر ويعقوب صروف وشاهين مكاريوس جريدة "المقطم" كجريدة‬
‫يومية سياسية تجارية أدبية في القاهرة في ‪ 94‬فبراير ‪9881‬‬
‫روز أنطون‬
‫وهي سورية األصل صاحبة مجلة "السيدات"‪ ،‬أولى المجالت النسائية في مصر‬
‫التي تناولت القضية الفلسطينية‪ .‬كانت ِّ‬
‫مدرسة ثم ناظرة لمدرسة البنات األمريكية‬
‫باإلبراهيمية باإلسكندرية "إحدى المدارس اإلنجيلية"‪.‬‬
‫وكانت روز أنطون قد سافرت إلى سوريا في سنة ‪ 9133‬مارة بفلسطين ولم تكن‬
‫قد رأت هذه البالد منذ قدومها صبية مع أسرتها إلى مصر‪ ،‬وهالها ما شاهدته من‬
‫تطورات سياسية أثـَّرت في تفكيرها فقررت أن ِّ‬
‫تكرس قلمها وصفحات مجلتها‬
‫‪28‬‬
‫للكتابة عن قضايا المنطقة وبخاصة القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫بلسم عبد الملك‪ :‬؟؟‪1131-‬‬
‫ُُولدت في صعيد مصر وكانت واحدة من أوائل المصريات الالتي شاركن في‬
‫ثورة ‪ 9191‬كما كان لها دور أساسي في إحياء ذكرى مصطفى كامل سنة ‪9130‬‬
‫حيث خطبت في ساحة األزهر مشيدة بهذا الزعيم الذي كانت تعرفه معرفة‬
‫شخصية‬
‫أصدرت بلسم مجلتها النسائية (المرأة المصرية) عام ‪ 9130‬وتميزت كتابتها‬
‫بالمنهج الواضح واألسلوب الصريح في معالجة كافة مشكالت المجتمع المصري‬
‫واستخدمت مجلتها منب ار لنشر العلوم والفنون واآلداب التي تعمل على رقي المرأة‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫ملكة سعد‪-1881 :‬؟؟‬


‫ُُولدت بالقاهرة عام ‪ 9889‬وأرسلها والدها لتلقي العلم في بيروت بلبنان وعملت‬
‫مدرسة بالقاهرة وكان لها نشاط وطني وكانت تؤمن بدعوة قاسم أمين الخاصة‬
‫بتحرير المرأة‪ ،‬وكانت صديقة لهدى شعراوي وصفية زغلول وشاركتهن النشاط‬

‫‪ 28‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ 29‬رامي عطا‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.59‬‬
‫‪28‬‬
‫السياسي وشاركت في تأسيس جمعية نشر الفضيلة واآلداب الدينية والتي اهتمت‬
‫‪20‬‬
‫بمحاربة األمراض االجتماعية‪.‬‬
‫بداية الصحافة اإلقليمية في مصر‪:‬‬
‫تأسست الصحافة اإلقليمية في مصر عام ‪ 9881‬حيث أصدر كل من جورجي‬
‫خياط وخليل إبراهيم ويوسف تادرس صحيفة "النزهة" في أسيوط التي أصدرت‬
‫عددها األول يوم ‪ 99‬فبراير من ذلك العام‪ ،‬وقد بدأت "كنبذة" نصف شهرية ثم‬
‫تحولت إلى جريدة أسبوعية وإن كان البعض يرى أنها “مجلة"‪ .‬ومن أسيوط‬
‫َّ‬
‫ازدهار وبعد‬
‫ًا‬ ‫انتقلت إلى اإلسكندرية بحثًا عنُ قـَّراء أكثر وحيث حركة التجارة أكثر‬
‫أيضا جريدة‬
‫سبع سنوات من إصدار "النزهة" أصدر بطرس حنا في أسيوط ً‬
‫"الراوي" وكانت نصف شهرية إخبارية‪ ،‬أدبية‪ ،‬وفي نفس سنة إصدارها صدرت في‬
‫أيضا مجلة "رياض التوفيق القبطية"‪ ،‬وذلك كمجلة شهرية علمية وأدبية‪.‬‬
‫أسيوط ً‬
‫والسبب في صدور أول صحف إقليمية في مصر في محافظة أسيوط يرجع إلى‬
‫وجود اإلرساليات هناك واهتمامها بإنشاء المدارس والجمعيات الخيرية والصحف‬
‫بمعرفة خريجي هذه المدارس والمدارس األخرى التي أنشأها أبناء أسيوط على‬
‫‪29‬‬
‫نفس المستوى‪.‬‬
‫وهكذا وخطوة خطوة أقام المصريون صرح دولتهم المدنية وإن ظلت تشوبها مسحة‬
‫من تطرف‪ ،‬لكنها على األقل تعلن مجرد إعالن يراه البعض شكليا أنها تقوم على‬
‫أساس وحدتهم الوطنية والتي بدونها تختل قواعد المواطنة‪ ،‬فال مواطنة بال تكافؤ‬
‫والواجبات‪.‬‬ ‫الحقوق‬ ‫في‬ ‫تامة‬ ‫ومساواة‬

‫‪ 32‬رامي عطا‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.88‬‬


‫‪ 31‬أديب نجيب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪29‬‬
‫بــــــدايــة العمـــــل اإلنجيـــــلـي‬
‫بدأ هذا العمل بمجيء بعض الخدام من الكنيسة المورافية‪ ،‬أولهم الدكتور وليم‬
‫هوكر الذي جاء سنة ‪ 9690‬ثم خلفه جون هنري دانك‪ ،‬سنة ‪ 9618‬وفي سنة‬
‫‪ 9683‬انتهت خدمة هؤالء الخدام‪.‬‬
‫وبدأ بعد ذلك نشاط َّ‬
‫خدام الكنيسة األسقفية (اإلنجليكانية) بمجيء خمسة من‬
‫الخدام في نهاية سنة ‪ 9839‬هم‪ :‬صموئيل جوبات‪ ،‬ج‪ .‬ر‪ .‬ت‪ .‬ليدر‪ ،‬ثيودور مولر‪،‬‬
‫وليم كراوس‪ ،‬وكريستيان كوجلر وهم في األصل ألمان درسوا بمعهد بازل‪ .‬وفي‬
‫صغير‬
‫ًا‬ ‫اجتماعا‬
‫ً‬ ‫القاهرة افتتحوا مدرسة داخلية للبنين‪ ،‬بدأت بعشرة تالميذ كما أقاموا‬
‫يحا بالخدمة‬
‫سنة ‪ 9824‬وفي سنة ‪ 9840‬أعطاهم بطريرك األقباط األرثوذكس تصر ً‬
‫في ستة أماكن في القاهرة وقد ترك مولر الخدمة سنة ‪ 9829‬كما أن جوبات وكوجلر‬
‫ُنقال لمكان آخر وبقي ليدر وكراوس يخدمان لفترة طويلة واهتمت الجمعية المرسلية‬
‫الكنسية ‪ CMS‬بتوزيع الكتب المقدسة والبشائر باللغة العربية كما كان هناك اهتمام‬
‫كبير بتدريس الدين المسيحي للشباب‪ .‬وعمل اإلنجليكان على فتح مدرسة إلعداد‬
‫الكهنة األقباط سنة ‪ 9842 /43‬وظلت حتى ‪ 9846‬وقال ‪ Eugene Steck‬في‬
‫كتابه عن تاريخ هذه الجمعية المطبوع في لندن سنة ‪ 9811‬الجزء الثاني ص‪944‬‬
‫إنه ليس المقصود من عمل َّ‬
‫خدامها تكوين جماعات داخل الكنائس القائمة بمصر‬
‫تسير على نظام كنيسة‬
‫إنجلت ار بل الهدف هو‬
‫الكنائس‬ ‫هذه‬ ‫إنهاض‬
‫وإجراء التعديالت الداخلية‬
‫رؤسائهم‬ ‫بواسطة‬ ‫فيها‬
‫‪32‬‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫زار‬ ‫قد‬ ‫وكان‬
‫مصر الدكتور جوزيف‬

‫ب‪ .‬طومسون وأعد ً‬


‫كتابا أسماه "مصر الماضي والحاضر" أشاد فيه بخدمة القس‬

‫‪ 32‬الهدى ‪ . 1978‬انظر أيضا أديب نجيب سالمة‪ ،‬تاريخ الكنيسة اإلنجيلية بمصر‪ ،‬القاهرة‪ :‬در الثقافة‪.1982 ،‬‬
‫‪31‬‬
‫ليدر (األسقفي) في مصر وقال إن الباب مفتوح أمام العمل اإلنجيلي في مصر بدون‬
‫ِّ‬
‫التعدي على برامج الخدمات القائمة أو اإلقالل منها‪ .‬وقد كانت كلمات طومسون‬
‫هذه بمثابة إشارة البدء لبداية خدمة الكنيسة المشيخية في مصر حيث وصلت‬
‫اإلرسالية المشيخية إلى مصر عام ‪ 9894‬باسم اإلرسالية المشيخية كجزء من حركة‬
‫البروتستانت األميركية إذ كانت لها خدمة في دمشق (سوريا) وجاء أحد أعضائها‬
‫للقاهرة للعالج وهو الدكتور باولدنج‪ ،‬وفي خالل زيارته لمس الحاجة للعمل فدعا لفتح‬
‫خطابا في‬
‫ً‬ ‫مقر للخدمة اإلنجيلية بالقاهرة‪ .‬وبعد عودته إلى دمشق كتب لرئاسته‬
‫ديسمبر ‪َّ 9892‬‬
‫ووقعه معه زميله بارنيت وفرايزر َّ‬
‫وحددوا في خطابهم أهمية بدء‬
‫رحب سعيد باشا الذي تولى الحكم في‬
‫الخدمة اإلنجيلية المشيخية في القاهرة وقد َّ‬
‫سنة ‪ 9894‬بهذا العمل‪ ،‬كما أن خدام الكنيسة في سوريا كانوا في حاجة للجوء إلى‬
‫مصر بسبب االضطرابات السياسية التي كانت قائمة في بالد الشام وكان عددهم‬
‫هناك ال بأس به مما ِّ‬
‫يسهل ذهاب بعضهم للقاهرة‪.‬‬
‫في ‪ 39‬مايو ‪ 9892‬قرر السنودس العام للكنيسة المتحدة في اجتماعه في‬
‫(اليجيني ‪ "Alleghney‬بوالية بنسلفانيا‪ -‬بأمريكا") بأمريكا أن يذهب بعض َّ‬
‫الخدام‬
‫للقاهرة‪ ،‬وكان القس توماس ماكيج هو أول من لبَّى القرار‬
‫وكان هذا هو أول ظهور للمرسلين األمريكيين المشيخيين في مصر والذي‬
‫سرعان ما تحول إلى إرسالية مسيحية‪ .‬وبحلول عام‬
‫يخيا لفترة‬
‫تتب ًعا تار ً‬
‫‪ 9816‬نشر القس أندرو واطسن ُّ‬
‫تصل ألكثر من ‪ 42‬عاما‪ .‬وفيه رصد أن الكنيسة‬
‫عضوا ُدعوا إنجيليين‬
‫ً‬ ‫المشيخية بمصر تضم ‪9299‬‬
‫في كنائس تنتشر من اإلسكندرية إلى األقصر‬
‫‪22‬‬
‫وأغلبهم من الكنيسة األرثوذكسية‪.‬‬
‫وفي النصف الثاني من القرن ‪ 91‬حاول‬
‫حضور‬ ‫على‬ ‫األرثوذكس‬ ‫تشجيع‬ ‫المرسلون‬
‫اجتماعاتهم بهدف نشر اإلصالح في الكنيسة‬

‫‪Heather Sharky, American Evangelicals in Egypt: Missionary Encounters in an 33‬‬


‫‪Age of Empire Princeton University. Press, 2228, p18.‬‬
‫‪32‬‬
‫األرثوذكسية‪ ،‬والتي ترى أن تاريخها يرجع إلى القديس مرقس البشير في مصر‬
‫الرومانية إال أنها قطعت صلتها باألرثوذكسية العامة في الشرق األوسط في عام‬
‫‪ 499‬بعقد مجمع خلقدونية وبالتالي مع السلطات البيزنطية في القسطنطينية ويرجع‬
‫السبب للخالف حول طبيعة المسيح‪ .‬ومع بدء العمل المشيخي في مصر عام‬
‫‪َّ 9894‬‬
‫ردد المرسلون األمريكان أن الكنيسة القبطية كانت كنيسة ميتة و ً‬
‫أحيانا دعوها‬
‫َّ‬
‫المحنطة‪ ،‬وهم مسيحيون باالسم والشكل‪ ،‬وهو األمر الذي شعروا فيما بعد‬ ‫بالكنيسة‬
‫فادحا‪ .‬وكتب أندرو واطسن "تشبه الكنيسة القبطية مومياء َّ‬
‫محنطة‬ ‫ً‬ ‫أنه كان خطأ‬
‫خرجت من التابوت وبالتالي فقدت تأثيرها على المجتمع المصري"‪ 24.‬وكان بطريرك‬
‫الكنيسة األرثوذكسية في ذلك الوقت هو األنبا أثنايوس خزام ‪ 9814-9894‬وتاله‬
‫األنبا أغابيوس بشاي‬
‫وعندما نأتي لنقترب من مراجعة بدء العمل اإلنجيلي الرسمي للكنيسة‬
‫اإلنجيلية المشيخية‪ ،‬فنحتاج أن ننظر إلى هذه الحقبة أنها مرحلة في تاريخ عمل الله‬
‫في كنيسته‪ ،‬وهي مرحلة في تاريخ تطور الفكر المسيحي في مصر والشرق األوسط‪،‬‬
‫ممكنا أن يقع ما َّ‬
‫تحقق من‬ ‫ً‬ ‫ومرحلة في الشهادة لعمل النعمة التي بدونها لم يكن‬
‫تتمكن الكنيسة من ُّ‬
‫التغلب على الصعوبات التي واجهتها‬ ‫انتصارات وال أن َّ‬
‫واالقتراب إلى التاريخ ليس بحساب مواقع العمل اإلنجيلي لكن بحساب نقاط التحول‬
‫في الفهم والفكر والشهادة‪ ،‬وهذه العوامل ِّ‬
‫تشكل إطار الروحانية التي تربط عمل الله‬
‫بعمل اإلنسان في إعالن الحب لكل الخليقة‬
‫الكنيسة اإلنجيلية امتداد لشهادة الكنيسة األولى‬
‫لم تبدأ الرسالة عام ‪ 9894‬فهي موجودة حتى قبل مرقس وقد بدأت بمن‬ ‫‪‬‬
‫عادوا من احتفال يوم الخمسين‪ ،‬ومرت الكنيسة بفترات نمو وشهادة إنجيلية ودفاع‬
‫عن اإليمان‪ ،‬كما مرت بفترات ضعف وبمرحلة اإلصالح اإلنجيلي في مصر‪،‬‬
‫وجاءت الكنيسة المشيخية ليس لتبدأ كنيسة بل لتنعش الكنيسة المصرية القائمة منذ‬
‫بدء التاريخ المسيحي‪ ،‬إال أن الظروف تطورت فحدث األمران‪:‬‬
‫تكونت كنيسة إنجيلية مشيخية‬
‫‪َّ .9‬‬

‫‪ 34‬المرجع السابق ص ‪.18‬‬


‫‪33‬‬
‫‪ .3‬انتعشت الكنيسة المصرية بصفة عامة‬
‫وعرفت الكتاب المقدس المترجم للغة العربية ومطبوعا‬ ‫‪‬‬
‫وتبنـَّت العديد من برامج الخدمة‬ ‫‪‬‬
‫وانضمت إلى الصفوف المسكونية‬ ‫‪‬‬
‫وخرجت من العزلة التي فرضتها عليها مجامع مسكونية قديمة مثل مجمع‬
‫خلقيدونية وغيرها‪ ،‬وإليك صورة موجزة وسريعة عن الكنيسة المشيخية في مصر‬
‫وسنحاول في هذا االستعراض للتاريخ أن نبرز البعد الالهوتي وراء وجود وخدمة‬
‫الكنيسة اإلنجيلية في مصر‪ ،‬كما نذكـِّر الجيل الجديد باألجيال التي سبق أن خدمت‬
‫في إطار الهوتي وبحس وطني ووعى إنساني يعلن محبة الله لكل البشر‪-‬المحبة‬
‫التي تعطي وأيضا‬
‫تنمي الفكر‪ ،‬فدخلت‬
‫الكنيسة في حوارات‬
‫أو‬ ‫ُّ‬
‫تشدد‬ ‫بغير‬
‫وواجهت‬ ‫تعصب‪،‬‬
‫ُّ‬
‫قضايا بغير إحساس‬
‫أنها تتصرف كجسم‬
‫بقية‬ ‫عن‬ ‫مستقل‬
‫الكيانات في المجتمع‬
‫الواحد‪،‬‬ ‫المصري‬
‫وكانت وما زالت تجاهد بأكبر درجة ممكنة نحو تعميق الفكر المسكوني والحس‬
‫المسكوني في غير ما ُّ‬
‫تشنج‪ .‬ولكي تبقى الكنيسة في هذه األطر كان عليها أن‬
‫تجاهد وأن تبني وتنمي روحانيتها‪ ،‬وأن تعاود التفكير عند كل نقطة احتاجت إلى‬
‫توقف وإعادة التفكير والتخطيط واالنطالق من جديد‬
‫وهذا العمل أرجو أن يكون دعوة النطالقة جديدة بفكر الهوتي متجدد وبخدمة أكثر‬
‫فاعلية وبتجاوب مستمر مع دعوة الله العليا في المسيح يسوع بعمل الروح القدس‬
‫التبشير‪ :‬بداية العمل اإلنجيلي‬

‫‪34‬‬
‫مع التزايد الملحوظ لعضوية الكنائس اإلنجيلية خالل الربع األول من القرن‬
‫العشرين فإن حوالي ‪ %18‬منهم جاءوا من كنائس أرثوذكسية‪ ،‬ويمكن القول بصفة‬
‫ِّ‬
‫المبكرة للمرسلين لم تكن هناك حركة شعبية أي أنه لم يحدث‬ ‫عامة إنه منذ الجهود‬
‫أن انضمت قرية إلى البروتستانتية فقد كان الدخول في البروتستانتية عبارة عن‬
‫‪29‬‬
‫إال أن هناك عائالت ذات ثقل انضمت إلى الكنيسة ولكن تجدر اإلشارة هنا‬ ‫أفراد‪.‬‬
‫ثوذكسيا قال ليثودور رزوفلت إن اإلرساليات األمريكية قامت بعمل ضخم‬
‫ً‬ ‫أسقفا أر‬
‫أن ً‬
‫في مصر فقد َّ‬
‫علمت الناس قراءة الكتاب المقدس‪.‬‬
‫بعضا من ثماره في الدلتا عندما كان التجار‬
‫وأثمر العمل اإلنجيلي في صعيد مصر ً‬
‫في أسيوط يسافرون للتجارة في الدلتا‪ ،‬ففي عام ‪ ،9884‬كان هناك رجل وزوجته‬
‫يسافران إلى الدلتا للعمل لتجارة العسل‪ ،‬من قرية كفر بيلش تبعد حوالي ‪ 43‬دقيقة‬
‫عن محطة السكة الحديد يقطعانها بالحمير‪ ،‬وفي نفس السنة تم افتتاح مكتبة‬
‫الكتاب‬ ‫دار‬ ‫الزقازيق بمساعدة‬
‫شخص‬ ‫مديرها‬ ‫وكان‬ ‫المقدس‬
‫مصري وكان هو وزوجته التي‬
‫كانت طالبة في مدرسة حارة‬
‫السقايين يعقدان اجتماعات في‬
‫البلدة‪ .‬وكان العدد يصل إلى ‪1‬‬
‫أشخاص كما عمل هناك بعض‬
‫وكونوا‬
‫َّ‬ ‫أسيوط‬ ‫من‬ ‫األفراد‬
‫‪21‬‬
‫اجتماعات‪.‬‬
‫اإلرسالية ِّ‬
‫تشكل مجمعا وطنيا في مصر‬
‫وفي ‪ُ 9810 /4 /92‬ش ِّكل أول مجمع للكنيسة المشيخية بمصر ضم ثالثة قسوس‬
‫وفي نفس السنة انضم لهم القس يوحنا هوج الذي كان المجمع قد قرر في جلسته‬
‫كارز فكان بذلك أول قسيس‬
‫قسا ًا‬
‫المنعقدة باإلسكندرية في ‪ 9810 /9 /32‬رسامته ً‬

‫‪Earl Elder, Vindication a Vision: The History of the American Mission 1854- 35‬‬
‫‪1954, Philadelphia USA 1958.p 111.‬‬
‫‪ 36‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫يرسمه مجمع مصر‪ ،‬ويجدر بنا هنا أن نعرض سيرته في إيجاز‪" :‬ولد من أبوين‬
‫تقيين وكان ميالده في اسكتلندا سنة ‪ 9832‬وهو الثالث بين سبعة أخوة وكان والده‬
‫عضوا بهذه الكنيسة في سنة‬
‫ً‬ ‫يترددان على الكنيسة المشيخية في ترانيت وُقِّبل‬
‫ووالدته َّ‬
‫‪ 9844‬والتحق بجامعة أدنبرة سنة ‪ 9841‬لدراسة الهندسة والجيولوجيا كما درس‬
‫وتفوق بها ونال شهادتها سنة ‪.9891‬‬
‫اللغتين العربية واإليطالية ثم العلوم الالهوتية َّ‬
‫قسا وفي‬
‫صرح له مجمع أدنبرة بالعمل المرسلي‪ ،‬فجاء إلى مصر حيث سيم فيها ً‬
‫َّ‬
‫‪ 9810 /1 /34‬ألقى أول موعظة له باللغة العربية وطلب المجمع منه أن يذهب‬
‫بحر في ‪ 9819 /9 /2‬على إحدى المراكب التي‬ ‫للخدمة في أسيوط فسافر إليها ًا‬
‫يوما‬
‫كانت تحمل غالال فقطعت المسافة عبر النيل من القاهرة إلى أسيوط في ‪ً 96‬‬
‫وهناك نزل في مرسى الحمراء بأسيوط واستقبله السيد واصف خياط الذي نقل هوج‬
‫وزوجته وأمتعته حتى منزله‪ ،‬وبقوا عنده عشرة أيام إلى انتقلوا لمنزل خاص بهم‬
‫احدا من المنزل وكانت أحداهما للبنين‬
‫دور و ً‬
‫أسسوا فيه مدرستين شغلت كل منها ًا‬
‫بدأت بخمسة طالب واألخرى للبنات بدأت بأربع بنات وبعد ‪ 8‬أسابيع صار بها ‪98‬‬
‫طالبا وطالبة وهما كانتا نواة لكلية أسيوط‪ .‬وقبل نهاية عام ‪ 9811‬نجح الشعب‬
‫ً‬
‫اإلنجيلي في أسيوط في تغيير موعد يوم السوق بالمدينة من يوم األحد إلى يوم‬
‫السبت حتى َّ‬
‫يتمكن الشعب من تقديس يوم الرب‪ .‬وتوفى د‪ .‬هوج في ‪/3 /91‬‬
‫ودفن في بلدة درنكة بجوار أسيوط في مقبرة ُشِّيدت على نفقة السيد رضا‬
‫‪ُ 9881‬‬
‫بقطر‪.‬‬
‫ومن واقع ما سجلته مجلة الهدى عام ‪ 9129‬نورد النص التالي بخصوص بدء عمل‬
‫اإلرسالية‪:‬‬
‫‪37‬‬
‫المرسلية األمريكية بمصر (بقلم الدكتور سكوت طمسن مدير الكلية)‬
‫عملها التهذيبي‬
‫ابتدأ عمل المرسلية األمريكية يوم ‪ 99‬نوفمبر سنة ‪ 9894‬بعاصمة الديار المصرية‬
‫(كما ذكرنا سابقا) وكان أول شيء ُعمل هو الحصول على بيت للسكن والعمل‬

‫‪ 37‬الهدى ‪1931‬‬
‫‪36‬‬
‫أيضا‪ .‬وأُجريت أول خدمة دينية باللغة اإلنجليزية في األحد األخير من ديسمبر‪ .‬أما‬
‫ً‬
‫الخدمة باللغة العربية فابتدأت في الشهر التالي يوم ‪ 39‬يناير سنة ‪.9899‬‬
‫وافتُتحت أول مدرسة للبنين تحت إدارة اإلرسالية يوم ‪ 31‬نوفمبر سنة ‪ 9899‬في‬
‫بيت اإلرسالية بالقاهرة في حي درب‬
‫الجنينة (األزبكية اآلن) وكان عدد‬
‫خمسة‬ ‫افتتاحها‬ ‫يوم‬ ‫تالمذتها‬
‫صبيان‪ .‬وأول مدرسة للبنات في‬
‫القاهرة فتحت في حارة السقايين في‬
‫يونيو سنة ‪ 9810‬بعشرين بنتًا‪ ،‬ثم‬
‫افتُتحت مدرسة بنات ثانية في حي‬
‫األزبكية في أكتوبر سنة ‪9819‬‬
‫بثماني بنات‪.‬‬
‫ولما تعيَّن أول مرسل أمريكي في اإلسكندرية ‪ 9896‬كان فيها مدرسة للبنات برعاية‬
‫جمعية السيدات باسكتلندا‪ .‬ومدرسة للبنين أسستها جمعية أسكتلندية فهذه استلمتها‬
‫اإلرسالية يوم ‪ 31‬مايو ‪ 9898‬فيها ‪ 31‬تلميذة واستلمت مدرسة البنات وكان فيها‬
‫عشرون تلميذة‪ .‬هذه هي البداية المتواضعة التي ابتدأت بها اإلرسالية األمريكانية‬
‫عملها التهذيبي في البالد المصرية‪.‬‬
‫النمو‬
‫ومنذ ‪ 9819‬صار عمل اإلرسالية التهذيبي ينتشر في كل أنحاء مصر وعلى الغالب‬
‫أيضا‪ .‬وفي أغلب األحيان كانت‬ ‫حيث يوجد جمعية أو كنيسة إنجيلية فهناك مدرسة ً‬
‫سببا لوجودها‪ .‬ويوجد اليوم (في تاريخ كتابة المقال"‬
‫المدرسة تسبق الكنيسة وتصير ً‬
‫بالهدى ‪ )"9129‬في كل بالد مصر لإلرسالية األمريكانية ‪ 944‬مدرسة للبنين و‪11‬‬
‫مدرسة للبنات فيها‬
‫يتمرن الطلبة والطالبات في جمعيات خاصة بهم من جمعيات‬ ‫وفي هذه المدارس َّ‬
‫أدبية وجمعيات المساعي للطلبة وجمعيات محاربة المسكرات وبهذه وأمثالها َّ‬
‫ترقي‬
‫المدرسة االختبارات الشخصية ُّ‬
‫وتعلم الحكم الذاتي واالهتمام بالمصالح العامة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الرقي االجتماعي‬
‫أيضا ليس من أغراض اإلرسالية الرئيسية ألنها لم تأت إلى مصر لتحمل لها‬ ‫وهذا ً‬
‫رسالة تجديد اجتماعي‪ ،‬فهذا يجب أن يأتي والبد أن يأتي على يد المصريين أنفسهم‪،‬‬
‫وإنما نقول بكل تأكيد أنه لما َّ‬
‫يتعلم الطلبة الحكمة النازلة من فوق من عند الله ولما‬
‫يمتلئ الطلبة بمحبة المسيح لألفراد من رجال ونساء ولما يعرفون أن المحبة َّ‬
‫تتأنى‬
‫وتتحمل كل شيء وهي ِّ‬
‫مترفقة ال تطلب ما لنفسها وال تظن السوء‪ ،‬ولما يصيرون‬ ‫َّ‬
‫خليقة جديدة في المسيح يسوع ويتغيَّرون إلى صورة مجده‪ ،‬فإن الحياة الجديدة التي‬
‫لهم بكلمة الله وروحه تنشئ فيهم كل أثمار ملكوته‪ (.‬إال أن الكنيسة الوطنية بعد‬
‫استقاللها شعرت بمسئوليتها نحو الخدمة االجتماعية الذي سوف نعرض له في باب‬
‫مستقل من هذا الكتاب)‬
‫تنظيم الكنيسة اإلنجيلية بمصر‬

‫مشيخي‬ ‫مجمع‬ ‫أول‬


‫مصري‬
‫بعد مرور خمس سنوات‬
‫التبشيري‬ ‫العمل‬ ‫في‬
‫صار‬ ‫القاهرة‪،‬‬ ‫بمدينة‬
‫قبول أربعة أعضاء يوم‬
‫اهبا‪ ،‬وعوض أفندي‬‫‪ 99‬سبتمبر عام ‪ 9891‬وهم أبونا ميخائيل البلينى الذي كان ر ً‬
‫حنا الذي صار موزعا للكتب المقدسة‪ .‬نصر أفندي السوري وكان يعمل بالتجارة‪،‬‬
‫ويعقوب أفندي متياس وكان صائغا أرمينيا‪ .‬هؤالء األربعة كانوا باكورة الكنيسة‬
‫بمصر‪ ،‬وكان اجتماعهم للعبادة بدرب الجنينة قريبا من شارع الموسكي بالقاهرة‪.‬‬
‫وهكذا انتظم أول مجمع مشيخي مصري في ‪ 92‬أبريل عام ‪9810‬بمدينة القاهرة في‬
‫دار المرسلية بدرب الجنينة‪ ،‬وقد جاء في قرار المحفل العام بخصوص هذا األمر‪:‬‬
‫"يجتمع القسوس توماس ماكينج وجامس بارنيت وجوليان النسنج في مدينة القاهرة‬
‫مجمعا واختير‬ ‫ِّ‬
‫ويشكلون من أنفسهم‬ ‫بمصر وبالصالة باسم وسلطان الرب يسوع‬
‫ً‬
‫كاتبا‬
‫سنا واختير الدكتور ماكينج ً‬ ‫ئيسا باعتباره أكبر األعضاء ً‬
‫الدكتور بارنيت ر ً‬
‫‪38‬‬
‫وأطلقوا على هذا المجمع "مجمع مصر" باإليمان أنه سيأتي يوم يضم مجمعهم كل‬
‫وادي النيل‪.‬‬
‫أول كنيسة إنجيلية في مصر‬
‫في ‪ 9‬يناير سنة ‪ 9812‬تم انتخاب شيوخ وشمامسة للكنيسة باألزبكية‪ ،‬وفي ‪99‬‬
‫فبراير من نفس السنة صارت رسامتهم‪ ،‬وبذلك‬
‫أصبحت كنيسة األزبكية أول كنيسة إنجيلية ُن ِّظمت‬
‫في مصر‪.‬‬
‫أول راع إنجيلي مصري‬
‫في يوم ‪ 33‬أبريل سنة ‪ 9869‬قدمت كنيسة النخيلة‬
‫بأسيوط دعوة رعوية للمبشر تادرس يوسف‪ ،‬وبعد‬
‫ستة شهور من تقديم الدعوة ‪-‬أي في ‪ 29‬أكتوبر‬
‫سنة ‪ 9869-‬صارت رسامته قسا وراعيا‪ ،‬وبذلك‬
‫صار القس تادرس يوسف أول راع إنجيلي في‬
‫مصر‪.‬‬
‫سنودس النيل اإلنجيلي‪:‬‬
‫تشكيله وتقسيمه‪:‬‬
‫عند التئام المجمع المشيخي المصري في الكنيسة اإلنجيلية بسنورس في ‪ 6‬فبراير‬
‫سنة ‪ 9818‬نظر المجمع في أمر اتساع العمل اإلنجيلي في مختلف جهات مصر‬
‫وعدم استطاعة مجمع واحد إدارة شئون كل الكنائس‪ ،‬لذلك شكـَّل المجمع لجنة لدراسة‬
‫هذا األمر‪ ،‬وفي التئام المجمع في العام التالي بالكنيسة اإلنجيلية بقوص في ‪4‬‬
‫فبراير سنة ‪ 9818‬قدمت اللجنة تقريرها بخصوص هذا األمر‪ ،‬وقد رأت اللجنة أن‬
‫تشير على المجمع بأن يصير تقسيمه إلى أربعة مجامع على الوجه التالي‪:‬‬
‫المجمع األ ول‪ :‬هو مجمع الوجه البحري ويشمل الدلتا والقاهرة‬
‫المجمع الثاني‪ :‬يبدأ من مديرية بني سويف شماال إلى آخر حدود مديرية المنيا‬
‫جنوبا‪ ،‬ويشتمل على مديريات الفيوم وبني سويف والمنيا وهو " مجمع مشيخة األقاليم‬
‫الوسطي “‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫المجمع الثالث‪ :‬يبدأ من حدود مديرية أسيوط شماال وينتهي بآخر حدودها جنوبا وهو‬
‫" مجمع مشيخة أسيوط "‪.‬‬
‫المجمع الرابع‪ :‬يبدأ من حدود‬
‫جرجا إلى آخر حدود مصر من‬
‫الجنوب وهو " مجمع مشيخة‬
‫األقاليم العليا"‬
‫وأُضيف السودان كمجمع خامس‬
‫واستمر جزء من السنودس حتى‬
‫انفصل ‪9119‬‬
‫وبعد مصادقة المجمع على تقرير اللجنة‪ ،‬رفعه المجمع إلى المحفل العام بأمريكا‬
‫للموافقة على تشكيل المجامع والسنودس الذي يضم المجامع األربعة‪ ،‬وجاء رد‬
‫المحفل العام بالموافقة وأعلن ذلك في أوائل فبراير سنة ‪ ،9811‬كما تقرر أن تشكـَّل‬
‫شكل السنودس في ‪ 99‬مايو سنة‬ ‫المجامع األربعة في ‪ 33‬فبراير سنة ‪ 9811‬وأن ُي َّ‬
‫‪ 9811‬برئاسة الدكتور وطسن‪.‬‬
‫وفيما يلي جزء من نص االلتئام األول للسنودس‪:‬‬
‫" إنه بناء على اإلذن من المحفل العام بأمريكا حسب طلب المجمع‬
‫المشيخي المصري بشأن تقسيم المجمع المذكور إلى أربعة مجامع‬
‫تتحدد جميعها في سنودس النيل الذي يتألف اآلن من نواب كل مجمع‬
‫من المجامع األربعة باعتبار قسيس من كل ثالثة‪ ،‬ويكون برفقته شيخ‬
‫ئيسا للسنودس السنة الحاضرة‪ ،‬وأن‬
‫واحد وقد رئي أن يستمر الدكتور القس وطسن ر ً‬
‫يكون القس شحاتة عويضة ً‬
‫كاتبا للسنودس‪ ،‬ثم ختم السنودس اجتماعه بالصالة من‬
‫القس فيني وختم بالبركة حضرة رئيس السنودس الدكتور القس وطسن "‪.‬‬
‫كاتب السنودس‬ ‫رئيس السنودس‬
‫القس شحاتة عويضه‬ ‫اندراوس وطسن‬

‫‪42‬‬
‫أول رئيس للسنودس‪:‬‬
‫القس الدكتور اندراوس وطسن هو أول رئيس لسنودس النيل‬
‫اإلنجيلي في اجتماعه بمدينة أسيوط في الكنيسة اإلنجيلية‬
‫بتاريخ ‪ 99‬مايو ‪.9811‬‬
‫أول سكرتير للسنودس‪:‬‬
‫القس شحاتة عويضة هو أول سكرتير لسنودس النيل في دورته المنعقدة بأسيوط عام‬
‫‪9811‬‬
‫معنى كلمة سنودس‪:‬‬
‫‪-1‬المعنى الدارج‪:‬‬
‫اعتادت الكنيسة أن تطلق كلمة (سنودس) على االجتماعات‬
‫اإلدارية التدريبية التي تُعقد لدراسة أمور أو مشاكل خاصة‬
‫بالكنيسة وتحتاج التخاذ ق اررات بشأنها وتعتبر ق اررات‬
‫السنودس ُم َلزمة ألبناء الكنيسة‪.‬‬
‫‪-3‬المعنى العلمي‪:‬‬
‫كلمة (سنودس) مشتقـَّة من كلمة يونانية تعني مجمع‪ ،‬وقد تعني أيضا جماعة‬
‫معا على الطريق في شركة محبة ولهم رؤى وتطلعات مستقبلية مباركة‬‫المسافرين ً‬
‫نحو الكنيسة لمجد المسيح ِّ‬
‫متمسكين بالحق الموجود في كلمة الله‪ ،‬ولكن في انفتاح‬
‫للمفاهيم الجديدة التي يقدمها الروح القدس لكل جيل وعصر فإن كنيستنا اإلنجيلية‬
‫المشيخية هي كنيسة ُمصَلحة‪ ،‬ولكنها ال تعني بذلك أن اإلصالح قد تم وانتهي‪ ،‬فإن‬
‫اإلصالح الحقيقي حركة مستمرة وانفتاح مستمر على كلمة الله المقدسة‬
‫المجامع ِّ‬
‫تكون سنودس النيل اإلنجيلي‬
‫نصف عضوية الكنيسة اإلنجيلية كانت في مجمع أسيوط أما في القاهرة‬
‫عضوا وهناك ثالثة كنائس في كل مصر‪ ،‬رحبت بوجود‬
‫ً‬ ‫فكان هناك أقل من ‪390‬‬

‫‪41‬‬
‫كنيسة مشيخية وهي الجاولي في مجمع أسيوط‪ ،‬وسنورس في الفيوم وطنطا بالدلتا‪،‬‬
‫وكان عدد األعضاء بالكامل ‪.1,000‬‬
‫في ‪9‬نوفمبر ‪ 9819‬تم رسامة وتنصيب القس صالح حناالله في كنيسة حارة‬
‫السقايين‪.‬‬
‫احتفال الكنيسة اإلنجيلية المشيخية بمصر بمرور ‪ 151‬عاما على بدء العمل‬
‫اإلنجيلي‪:‬‬
‫ار الحتفاالت الكنيسة بمثل هذه المناسبة فقد احتفلت باليوبيل الفضي ثم‬
‫استمرًا‬
‫الذهبي ثم الماسي‪ 28.‬وقد أكدت الكنيسة في االحتفال على أن ‪ 9894‬كان بدء‬
‫العمل المشيخي لكن في نفس الوقت كان بدء المسيحية في مصر قبل وجود‬
‫ِّ‬
‫المرسلة لشمال‬ ‫الطوائف منذ القرن المسيحي األول‪ ،‬بل وصارت مصر الكنيسة‬
‫أفريقيا ولبالد الحبشة‪ .‬لكن التأكيد على مفردات تاريخ الكنيسة المشيخية هو فقط‬
‫للتنبير على ما ميَّز ِّ‬
‫ويميز العمل اإلنجيلي المشيخي في مصر وأثره في المجتمع‬
‫المصري في مختلف الم ارحل والتطورات السياسية واالجتماعية كما أيضا التركيز‬
‫على امتداد خدمة الكنيسة المشيخية المصرية بين األقطار العربية سواء بتدريب‬
‫خداما في‬
‫ً‬ ‫قيادات من تلك البالد أو بإرسال قسوس للعمل هناك‪ ،‬كما صار للكنيسة‬
‫بالد المهجر في الغرب‪ .‬ظهر في التأكيد على العالقات المسكونية داخليا بمشاركة‬
‫والكنائس‬ ‫األوسط‬ ‫الشرق‬ ‫كنائس‬ ‫مجلس‬
‫األرثوذكسية والكاثوليكية من مصر وقيادات‬
‫الدولة وممثلين لألزهر وو ازرة األوقاف‪ .‬ومن‬
‫الخارج شارك عدد من الكنائس الغربية مثل‬
‫الكنيسة المشيخية بأمريكا وكنيسة اسكتلندا‬
‫وغيرهم‪ .‬وصدر في ذلك الوقت كتاب يسرد‬
‫اإلنجازات والتوجهات التي سارت بها الكنيسة‬
‫في هذه المرحلة كما ظهر في االحتفال‬
‫التطلعات والرؤية المستقبلية للخدمة في ظل الظروف الحالية والمتوقعة أيضا‪.‬‬

‫‪ 38‬انظر أديب نجيب‪ ،‬تاريخ الكنيسة اإلنجيلية بمصر لتفاصيل أكثر عن هذه االحتفاالت‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫تأثير الكنيسة اإلنجيلية في مصر‬
‫بدون شك كان للكنيسة اإلنجيلية تأثيرها الطيب والمبارك و َّ‬
‫الفعال على الكنيسة في‬
‫مصر وعلى مجتمعنا المصري‪ ،‬ولقد ظهر هذا التأثير بكل وضوح على المستوى‬
‫الروحي والعلمي واالجتماعي‬
‫‪-1‬تأثير الكنيسة الروحي‪ :‬إن حالة الكنيسة الروحية قبل دخول الكنيسة اإلنجيلية‬
‫مصر كانت فاترة‪ ،‬ألن الكتاب المقدس لم يكن متداوال بين الشعب‪ ،‬لكن بدخول‬
‫ركزت على أهمية كلمة الله‪ .‬يقول المرِّنم " سراج لرجلي كالمك‬
‫الكنيسة اإلنجيلية َّ‬
‫ونور لسبيلي " مز ‪ 909:991‬ويقول إشعياء النبي " إلى الشريعة وإلى الشهادة إن‬
‫لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر " إش ‪ 30:8‬لذلك اهتمت الكنيسة بتوزيع‬
‫الكتاب المقدس في اللغة العربية حتى يكون في متناول الجميع‪َّ ،‬‬
‫فأسست دار الكتاب‬
‫المقدس بالقاهرة‪ .‬ولقد أثَّرت الكنيسة اإلنجيلية في إنعاش الحياة الروحية في الكنيسة‬
‫أيضا من خالل االهتمام الحقيقي بخدام الكلمة من قسوس ورعاة‪ ،‬لذلك قرر المجمع‬
‫المشيخي المصري للكنيسة في ‪ 9‬فبراير عام ‪ 9812‬إنشاء مدرسة الهوتية إنجيلية‪،‬‬
‫عوامة الدكتور‬
‫ففي عام ‪ 9814‬تقرر افتتاح ماُ سمي بصف الالهوت وذلك في َّ‬
‫هوج‪ .‬وفي عام ‪ 9191‬قرر السنودس تشكيل لجنة لدراسة مشروع إقامة مبنى خاص‬
‫لمدرسة الالهوت على مساحة قدرها ‪ 2100‬متر مربع بشارع السكة البيضاء‬
‫بالعباسية‪ ،‬ولقد تم وضع حجر األساس للمبنى في نوفمبر عام ‪ 9139‬ثم أقيم حفل‬
‫تغير اسم مدرسة الالهوت فيما بعد إلى‬
‫تدشين المبنى في ‪ 6‬أبريل عام ‪ 9136‬وقد َّ‬
‫كلية الالهوت‪.‬‬
‫وكان القس غبريال ميخائيل الضبع أول مدير وطني للكلية ثم خلفه في إدارة الكلية‬
‫الدكتور القس غبريال رزق الله ثم الدكتور القس لبيب مشرقي ثم القس إلياس مقار‪،‬‬
‫القس باقي صدقة‪ ،‬د‪.‬ق ألبير أستيرو‪ ،‬د‪.‬ق‪ .‬إكرام لمعي‪ ،‬د‪.‬ق مكرم نجيب‪ ،‬أما‬
‫المدير الحالي للكلية فهو د‪.‬ق عاطف مهني‬
‫‪ ‬احتفاالت الصالة‬
‫لكن هناك عامل آخر جعل الكنيسة اإلنجيلية أن تكون سبب بركة وتقدم روحي‬
‫روحيا‪ ،‬فاهتمت بعمل‬
‫ً‬ ‫لبالدنا هو إدراكها ألهمية الصالة في نهضة الكنيسة وإنعاشها‬

‫‪43‬‬
‫احتفاالت للصالة على المستوى العام للكنيسة اإلنجيلية بمصر‪ ،‬ومن هنا بدأت فكرة‬
‫احتفال الصالة السنوي عندما بدأها القس غبريال ميخائيل الضبع راعي الكنيسة‬
‫اإلنجيلية بالفجالة‪ ،‬وكان ذلك يوم الثالثاء ‪ 98‬ديسمبر عام ‪ 9100‬بمدينة أسيوط‪.‬‬
‫‪ -2‬تأثير الكنيسة العلمي‪:‬‬
‫عندما جاءت الكنيسة اإلنجيلية مصر كان من أهدافها األساسية ‪-‬مع تقديم رسالة‬
‫اإلنجيل‪-‬االهتمام بفكر اإلنسان وعقله وثقافته‪ ،‬فاهتمت بإنشاء المدارس والكليات‬
‫سواء للبنين أو البنات في أماكن كثيرة من البالد ففتحت أبواب المدارس والكليات‬
‫أمام الكثيرين الذين يطلبون العلم (انظر الحقا فصل الكنيسة اإلنجيلية المشيخية‬
‫والتعليم)‬
‫‪ -3‬تأثير الكنيسة االجتماعي‪:‬‬
‫إن خدمة الكنيسة االجتماعية البد أن تسير مع خدمتها الروحية ألنها في تأثيرها‬
‫االجتماعي تسعى لكي تزرع في اإلنسان روح المحبة العملية والتعاون انطال ًقا من‬
‫الهوت الشركة‪ ،‬فالكنيسة هي جماعة الله التي خرجت من العالم ال لتستريح على‬
‫مؤيدة بقوة الروح القدس لخدمة العالم البائس‬
‫جبل الشركة فقط‪ ،‬بل لتنزل إلى األرض َّ‬
‫تحررها من العالم على قدر ما تكون خدمتها قوية ومؤثرة في‬
‫ُّ‬ ‫المحتاج‪ ،‬وعلى قدر‬
‫العالم‪.‬‬
‫إن خدمة الكنيسة االجتماعية هي برهان صدق شركتها مع الله‪ ،‬فإذا أردنا أن نتكلم‬
‫عن المسيح الذي يقدم الحياة والبر إلنسان يعاني من العطش والجوع والعري فهل‬
‫يمكن لهذا اإلنسان أن يستمع إلينا إن لم ُّتقدم له حاجات الجسد؟ هذا هو ما أخبرنا‬
‫به يعقوب الرسول عندما قال " ‪ .....‬أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي‬
‫إيماني " يع ‪ 98:3‬إن رسالة الكنيسة االجتماعية في المجتمع ليس مجرد تقديم‬
‫بعض المساعدات المادية للمحتاجين‪ ،‬بل العمل على تنمية الحياة اإلنسانية كلها‬
‫إن الكنيسة تسعى دائما ألجل َّ‬
‫تقدم المجتمع الذي نعيش فيه وعندما نأتي إلى النظام‬
‫اإلداري والتنموي فيما بعد سوف نرى التشكيل الرسمي للجان خدمة المجتمع ثم‬
‫لمجلس الخدمات والتنمية وأيضا إشهار الهيئة القبطية اإلنجيلية للخدمات االجتماعية‬
‫وكذلك إشهار جمعيات إنجيلية لخدمة المجتمع‬

‫‪44‬‬
‫‪-4‬الكنيسة المشيخية والعطاء‬
‫إن من يدرس الحضارة المصرية ويتتبَّع تاريخها في بيئة زراعية تعيش على عطاء‬
‫النهر وخصوبة األرض يعرف ما أثر ذلك في سلوكيات المصريين من اإليمان‬
‫بالبركة التي تأتي من الله‪ ،‬وأيضا باختبار لذة المشاركة إذ كانت القرية كلها أقرب‬
‫إلى أن تكون أسرة ممتدة‪ .‬وزاد الفكر المسيحي األرثوذكسي من تأصيل الربط بين‬
‫العطاء والبركة في صورة نذور وهبات للكنائس واألديرة‪ .‬ولما جاءت الكنيسة‬
‫البعد الكتابي للعطاء والشركة فأبرزت تعاليم العهد القديم عن‬
‫المشيخية أعطت ُ‬
‫الباكورة والعش ور ثم أبرزت تعليم العهد الجديد عن الوكالة المسيحية والشركة التي‬
‫طا لعضوية الكنيسة اإلنجيلية هو أن يقدم العضو‬
‫تربط الجسد الواحد‪ ،‬فصار شر ً‬
‫عشوره كامل ًة بل وفي معظم القرى كانت العشور تُقدم عينية من غالل الحقل وحتى‬

‫من إنتاج عسل النحل حتى ال يكون هناك احتمال خطأ في تقدير قيمة ُ‬
‫العشر‪ ،‬لقد‬
‫وضح الجانب التكريسي ومسئولية وعطاء وممارسة الوكالة المسيحية ليس فقط على‬
‫األموال لكن على الوقت والحياة بجملتها ‪،‬‬
‫وانطال ًق ا من فكرة الشركة المرتبطة بالك ارزة والتكريس فتحت الكنائس المحلية جهات‬
‫جديدة للخدمة بل َّ‬
‫وتبنتها حتى كبرت وصارت كنائس مستقلة‪.‬‬
‫وهذا السخاء شجع الكنائس المحلية أن تقدم ليس فقط ُعشر األموال والمحاصيل بل‬
‫أيضا ُعشر الوقت للخدمة فخرج الشيوخ والشباب على نفقتهم لفتح جهات جديدة أو‬
‫زيارة قرى أو عمل نهضات مما أثرى وحدانية الكنيسة وزاد في اتساع الرقعة‪ ،‬وجاء‬
‫تماما عن أي تعضيد مادي يدخل في‬ ‫الوقت الذي استقلت فيه الكنيسة اإلنجيلية ً‬
‫وسمي مشروع االستقالل المالي‪،‬‬ ‫تحديدا سنة ‪ُ 9131‬‬
‫ً‬ ‫مكافآت القسوس وقد حدث ذلك‬
‫وقدمت بعض األسر الغنية عـُشر أراضيها ليكون ً‬
‫وقفا لبناء أو إنفاق لبناء وتمويل‬
‫مجانا ومال جيء إلعالة عائالت فقيرة من‬
‫ً‬ ‫الصرف على مدارس تقدم التعليم‬
‫المسيحيين والمسلمين‪.‬‬
‫بل لم يكن من الصعب على اإلنجيليين أن يشاركوا كجزء من المجتمع المصري في‬
‫وقت الفيضانات أو السيول أو الزالزل ألن روح العطاء صار جزًءا من منظومة قيم‬
‫حياة الشعب اإلنجيلي‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪-5‬الكنيسة والخدمة الطبية‬
‫بدأت اإلرسالية األمريكية المشيخية عملها المرسلي في مصر بخدمة متكاملة‬
‫شملت التعليم والك ارزة وتنمية المجتمع ولم تهمل العناية بالصحة لكي تكون التنمية‬
‫وجسديا برعاية صحة‬
‫ً‬ ‫وروحيا بالك ارزة ودراسة الكتاب المقدس‬
‫ً‬ ‫متكاملة فكرًيا بالتعليم‬
‫وماديا‬
‫ً‬ ‫سلوكيا‬
‫ً‬ ‫وتنمويا بترقية المجتمع‬
‫ً‬ ‫اإلنسان‬
‫وإن كان التعليم والك ارزة قد بدآ بمجرد وصول المرسلين أوائل في عام ‪ 9894‬فإن‬
‫الخدمة الطبية المنتظمة بدأت في أسيوط ‪ 9881‬بفتح عيادة صغيرة في المدينة‬
‫وتحرك منها إلى القرى المحيطة بأسيوط لزيارة المرضى‬
‫َّ‬ ‫أدارها الدكتور جوهانزتون‬
‫في منازلهم‪ .‬ثم تبع ذلك إنشاء مستشفى في أسيوط وأخرى في طنطا أقامتهما‬
‫اإلرسالية‪ ،‬ثم قامت الكنيسة المصرية بفتح المستشفى اإلنجيلي بشب ار والعديد من‬
‫المستوصفات المحلية مثل أسيوط األولى – سوهاج‪-‬بورسعيد‪-‬وغيرها‪.‬‬
‫‪-6‬الكنيسة والبرامج التنموية‬
‫تدربت قيادات القرية على نظم اإلدارة‬
‫دخلت تنمية المهارات المهنية لترقية القرية و َّ‬
‫الديمقراطية وما إلى غير ذلك من البرامج التنموية‪ ،‬ومن بين أساليب التنمية كان‬
‫برنامج محو األمية وتثقيف فالحي القرية من مختلف‬
‫ِّ‬
‫متخصصة هي رسالة‬ ‫الجوانب وظهرت لذلك مجلة‬
‫النور التي تناولت التثقيف العام وترسيخ مفهوم‬
‫المواطنة والتوجيه الز ارعي وأبواب الرعاية الصحية‪ ،‬كما‬
‫فتحت المجال ألبناء وبنات القرية للكتابة البسيطة‬
‫والتدريب على الفنون المختلفة مثل الكاريكاتير والرسم‬
‫وباألخص ما تميَّز به توفيق لطف الله‪.‬‬
‫القراء ‪ ،‬ولعل من‬
‫خاصا لمناقشة رسائل َّ‬
‫ً‬ ‫بابا‬
‫وأفردت ً‬
‫أبرز ما قدمته هو مجموعة مقاالت للقس ناجي فرنسيس تعالج قضايا سلوكية في‬
‫ِّ‬
‫المتعلمين الجدد تحت عنوان (‬ ‫مبسط يخاطب‬
‫القرية بفكر الهوتي واضح وبأسلوب َّ‬
‫عيب عليك يا راجل) ( عيب عليك يا حواء) وتبعه في نفس الخط ُكتَّاب آخرون مثل‬
‫القس أمير جيد واألستاذ توفيق لطف الله والقس أنور زكي ‪ ،‬كما أفسحت المجلة‬

‫‪46‬‬
‫ِّ‬
‫لمتخصصين من مسيحيين ومسلمين لتقديم الثقافة المناسبة بأفضل الطرق‬ ‫المجال‬
‫كما َّ‬
‫تبنت الهيئة بقيادتها العديد من الحوارات ‪ ،‬كما كان لها الدور الذي ما زال‬
‫كتبا في العديد من‬
‫مستم ار في االنفتاح الثقافي من خالل دار الثقافة الذي ينشر ً‬
‫ِّ‬
‫متجددة في الفكر والحوار ‪.‬‬ ‫المجاالت الدينية والتثقيفية ويقدم انطالقات‬
‫‪-7‬الكنيسة والمسكونية‬
‫الروح المسكونية في الكنائس المحلية كانت وما زالت هي توجه الكنيسة المشيخية‬
‫لخدمة المجتمع بجملته في إطار إيماني ‪ ،‬ولذلك أخذت العالقة مع الكنائس األخرى‬
‫ِّ‬
‫متعددة وفًقا للزمان والمكان ونوع القيادات سواء في الكنائس المشيخية أو‬ ‫ألو ًانا‬
‫الكنائس األخرى ‪ ،‬فبعض العالقات سادها الجدل لكن بغير تباعد ‪ ،‬وبعضها سادته‬
‫َّ‬
‫المودة ألن المرجعية دائما هي وحدانية اإليمان‬ ‫ِّ‬
‫متعددة من‬ ‫المناقشة في درجات‬
‫ووحدانية الروح مع االتفاق على مبدأ المشاركة المسيحية ليس فقط بين المسيحيين‬
‫لكن أيضا مع البشرية كلها وسوف نأتي لهذا الموضوع بالتفصيل في باب‬
‫المسكونية‪.‬‬
‫‪-8‬الكنيسة والديمقراطية‪ :‬سنشير في هذا الكتاب إلى عدد من القيادات اإلنجيلية‬
‫التي سبق وأن برزت في القيادات السياسية وقيادات الحكم لكن هناك تفاصيل أكثر‬
‫فيما سبق وكتبه األستاذ أديب نجيب ‪ ،‬أى أننا نريد أن نبرز دور الكنيسة اإلنجيلية‬
‫بدءا من نشر التعليم من خالل المدارس وتشكيل‬
‫في تأصيل وتعميق الديمقراطية ً‬
‫جمعيات ِّ‬
‫متنوعة داخل المدارس منها ما هو للخطابة وما هو للمناظرة عن الرأي‬
‫والرأي اآلخر وما هو للمسابقات األدبية والتعبيرية‪ ،‬هذا من جانب ومن جانب آخر‬
‫دربت الكنيسة اإلنجيلية المشيخية أعضاءها في كل كنيسة محلية أن ينتخبوا لهم‬
‫فقد َّ‬
‫أيضا ينتخبون الراعي على خالف ما كان‬
‫مجلسا من بينهم من شيوخ وشمامسة بل ً‬ ‫ً‬
‫متبعا في الكنيسة التقليدية أن يقوم األسقف بتعيين الكاهن في الجهة‪.‬‬
‫ً‬
‫وامتدت حركة الديمقراطية إلى الشباب أيضا فكانت جمعيات المساعي في كل‬
‫سنويا المسئولين فيها وأعضاء اللجان والكل يقدم تقريره للجهة‬
‫ً‬ ‫كنيسة تقر ًيبا تنتخب‬
‫األعلى‪ ،‬والكنيسة بجملتها ترفع تقريرها للمجمع‪ .‬ولم يكن التقرير مجرد كلمات‬
‫إنشائية بل كانت هناك مراجعة سنوية لدفاتر العضوية وتحديد الزيادة والنقصان‬

‫‪47‬‬
‫ومحاضر جلسات المجالس لمراجعة قانونية الجلسات والق اررات والسجالت المالية‬
‫مجدولة في‬
‫َ‬ ‫شاملة كل أنشطة الكنيسة واجتماعاتها‪ ،‬والمجامع بدورها ترفع تقارير‬
‫إحصائية عامة للسنودس‪ .‬وفي المجامع ينتخب األعضاء لجان مجمعية في إطار‬
‫تداول السلطة‪ ،‬فالرئيس ُينت خب لسنة واحدة وبقية الوظائف واللجان لمدة ثالث أو‬
‫أربع سنوات‪ .‬وال يجوز أن يبقى شخص في موقع واحد أكثر من دورتين ‪0‬‬
‫‪-1‬الكنيسة اإلنجيلية المصرية والسياسة‬
‫‪ -9‬ساعد تأثر المثقفين في مصر بعصر النهضة على اتساع المجتمع‬
‫وخصوصا الطبقة الوسطى المثقفة لقبول أفكار وتوجهات الفكر المصلح والتعاون مع‬
‫ً‬
‫الكيان الكنسي في بناء مجتمع منفتح متكاتف يحترم تميز السلوكيات اإلنجيلية سواء‬
‫في مفردات الكالم (بدون قسم) أو في أسلوب التعامل (الصدق واألمانة) أو في‬
‫احترام المبادئ المتفق عليها في الوسطى اإلنجيلي (مثل تكريس العشور وحفظ يوم‬
‫الرب) وهكذا أثرت الكنيسة في تطوير السياسية بمعناها الواسع (إدارة المدينة) كما‬
‫برز بين اإلنجيليين من ساهم في الثورات الشعبية (‪ )9191‬وصياغة الدستور‬
‫المصري (‪ )9132‬وتشكيل األحزاب ‪.‬‬
‫دائما في‬
‫‪-3‬وأما من جهة السياسة بمعناها األضيق‪ ،‬فمع أن الكنيسة كانت ً‬
‫صفوف قيادة النظام واألحزاب وصياغة دستور ‪ ،9132‬إال أنها كسائر المؤسسات‬
‫السياسية تسير عادة في ركاب الحزب الحاكم فيما عدا ما يتعلق باألمور التي تمس‬
‫القيم ومواقف العدالة وترابط مكونات المجتمع المصري والعربي بمسئولية مع وجود‬
‫التفاعل الحيوي بين الكنيسة والمجتمع عبر تاريخها فقد كان ومازال للكنيسة اإلنجيلية‬
‫الفعال في خدمة المجتمع وزرع القيم وتطوير أنماط الحياة وأنماط األسرة‬
‫الدور َّ‬
‫وإقامة الحوار مع ذوي التوجهات المتباينة‪.‬‬
‫‪-11‬التوجه الالهوتي في الكنيسة اإلنجيلية‪:‬‬
‫كرازى بنائي اعتمد على الدعوة الفردية في إطار كيان كنسي مع التأكيد على أهمية‬
‫الكتاب المقدس‪ ،‬هذا واجه مشكالت مقابل الكنائس التقليدية وسلطان الكهنوت فيها‬
‫ومقابل محدودية الثقافة والتعليم في مصر‪ ،‬وهذا جعل الكنيسة تركز أكثر على‬
‫المدارس لنشر الوعي الديمقراطي‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫اهتمت الكنيسة بدراسة اإلسالم وكانت في أغلبها موضوعية وفي جزء منها جدلية‬
‫لكنها لم تدخل في صراع فكرى أو اجتماعي بل أخي ار دخلت في برامج حوارات‬
‫مسيحية إسالمية في مواقع مختلفة في الداخل والخارج وانفتحت قنوات االتصال بين‬
‫الكنيسة واألزهر‪ ،‬وشارك القس صموئيل حبيب في المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬وزار شيخ‬
‫األزهر الكنائس اإلنجيلية والجوامع في الواليات المتحدة وساعد منتدى الحوار‬
‫ِّ‬
‫المفكرين من الجانبين‪ .‬في السنوات األخيرة بدأت‬ ‫المسيحي اإلسالمى على تقارب‬
‫الكنيسة تصارع بين ُّ‬
‫تعدد التوجهات الالهوتية داخلها وبين حركات أصولية فرضها‬
‫رأسمال األصوليين في الغرب وإصرارهم على االنتشار‪ ،‬كما أن العوامل السياسية‬
‫واالقتصادية في الشرق األوسط جعلت التربة خصبة لنمو األصولية سواء اإلسالمية‬
‫أو المسيحية‪.‬‬
‫كما ظهر أيضا التيار الكارزماتي كنتاج طبيعي للضغوط النفسية والحاجة إلى‬
‫الهروب إلى الغيبيات أو تفريغ الطاقات التي لم تجد فرصة‪ ،‬وبذلك احتاج الفكر‬
‫مشيخيا‬
‫ً‬ ‫المشيخي إلى إعادة قراءة وإعادة صياغة‪ ،‬وهنا رأت الكنيسة أن تكتب الهوتًا‬
‫معاصر وما زالت المحاولة قائمة لكن الكنيسة مازالت تدرك وتعلن أنها نور‬
‫ًا‬ ‫مصرًيا‬
‫وملح للمجتمع وتتجاوز العزلة التي يمكن أن تصل إليها سواء بسبب األصولية أو‬
‫الكارزماتية‬
‫وإن كانت الكنيسة قد َّ‬
‫توقفت عن تمويل اإلرسالية المصرية في جنوب السودان‪ ،‬إال‬
‫وتيا‬
‫فعاال في تدريب الطلبة السودانيين وتأهيلهم اله ً‬ ‫إسهاما َّ‬
‫ً‬ ‫أنها رأت أن تساهم‬
‫اما هناك‪ ،‬كما أنها تشعر بالتزام المسئولية الك ارزية لألقليات في مواقع‬
‫ليعودوا خد ً‬
‫ليست فيها كنائس‪ ،‬كما تهتم بأبنائها الذين هجروا القرية إلى المدن الجديدة أو إلى‬
‫األقطار العربية األخرى أو إلى دول المهجر‪.‬‬
‫وقد بدأت الهجرة إلى الغرب في مطلع الخمسنيات من القرن العشرين واحتاج‬
‫المهاجرون المصريون إلى رعاة على األقل في المرحلة االنتقالية بين التحول من‬
‫الثقافة الشرقية إلى الثقافة الغربية وكان من أوائل الذين قاموا بهذه المهمة ق‪.‬د‪.‬‬
‫فيكتور مكاري بخلفيته المصرية ودراسته األكاديمية في أمريكا‪ ،‬كما احتاجت الكنيسة‬
‫المشيخية المتحدة في أمريكا إلى إقامة عالقة شركة مع الكنيسة المشيخية المصرية‬

‫‪49‬‬
‫بعد استقالل سنودس النيل اإلنجيلي عام ‪ 9198‬عن المحفل العام بالواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ .‬وفي مطلع الستينيات تولى ‪ .‬د‪ .‬فيكتور مكاري مسئولية مكتب االتصال‬
‫بين الكنيستين المشيخية المتحدة بأمريكا واإلنجيلية المشيخية بمصر وظل في الموقع‬
‫حتى سن التقاعد‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المميزة على طريق تطور الفكر المشيخي في‬ ‫وإذا أردنا أن نضع بعض العالمات‬
‫مصر والتوجهات الالهوتية فيمكن مالحظة اآلتي‪:‬‬
‫يتعرفوا على الكنيسة بدرجة أو بأخرى أن‬
‫بدأت الرسالة بتوجه كرازي بدعوة الذين لم َّ‬
‫ينتبهوا إلى أمرين أولهما‪ :‬دور النعمة في خالص اإلنسان‪ ،‬والثاني‪ :‬هو دور الكلمة‬
‫المكتوبة في توجيه اإلنسان في مختلف اتجاهات حياته‪ ،‬ونظ ار لالرتفاع الكبير في‬
‫نسبة األميين في المجتمع فقد شجعت الكنيسة على حفظ اآليات الكتابية وعملت‬
‫مسابقات على مختلف المستويات أشهرها مسابقة حفظ مائة آية ومسابقة حفظ‬
‫خمسمائة آية‪.‬‬
‫المصَلح بالهوت الكنيسة التقليدية في مصر وأيضا‬ ‫ومع تطور احتكاك الفكر ُ‬
‫باالحتكاك بالفقه اإلسالمي ألن اإلسالم ينظر إلى التوراة والمزامير واإلنجيل ككتب‬
‫سماوية‪ ،‬لذلك أثُير العديد من األسئلة الجدلية في معظمها والحوارية في بعضها‪.‬‬
‫ثم تبنـَّت الكنيسة العديد من القضايا الالهوتية إما انطال ًقا من الظروف السياسية‬
‫واالجتماعية التي عاشتها البالد فبحثت المفهوم الالهوتي والكتابي للمواطنة حول‬
‫َّ‬
‫وتجدد‬ ‫ثورة ‪ 9191‬إلى أن اشترك بعض أبناء الكنيسة في صياغة دستور ‪9132‬‬
‫أيضا في الثالثينيات عندما اجتمعت كل قوى األمة لمقاومة االستعمار‬
‫الموقف ً‬
‫اإلنجليزي‬
‫التطرف الديني إلى منطقة‬
‫ُّ‬ ‫وفي الثمانينيات من القرن العشرين عندما امتدت موجة‬
‫الشرق األوسط فكان للكنيسة ومازال دورها الواضح في نشر الفكر الالهوتي فيما‬
‫يرتبط بالمواطنة وقبول اآلخر‪.‬‬
‫تحركت الكنيسة على مختلف المستويات‬
‫ومع قيام ثورة الشباب في ‪َّ 3099/9/39‬‬
‫معا في لجان شعبية عندما اختفى دور الشرطة‬
‫لتتفاعل مع األحداث فخرجت األسر ً‬
‫واضطرب األمن ‪ ،‬وفي الكنائس تزايدت اللقاءات مع مختلف المذاهب والطوائف‬

‫‪52‬‬
‫اإلنجيلية من أجل مراجعة وتنمية الحس الوطني ومراجعة دور الكنيسة في خدمة‬
‫المجتمع وسط الظروف المرتبكة بين الطفرة الشعبية الديمقراطية واألزمات المجتمعية‬
‫لبعض الفئات‪ ،‬بل وفتحت الكنيسة اإلنجيلية بقصر الدوبارة أبوابها لتصير قاعاتها "‬
‫مستشفى ميداني" لعالج المصابين في ميدان التحرير‪ -‬واحتفل المسيحيون‬

‫والمسلمون ً‬
‫معا برأس السنة الميالدية في ميدان التحرير وعقدت الكنيسة والمجلس‬
‫الملِّي والهيئة القبطية اإلنجيلية عدة ندوات توعية سياسية ودعوة لدور الكنيسة في‬
‫المجتمع‪ .‬كما انضم كثيرون من القيادات اإلنجيلية لألحزاب الجديدة وصار هناك‬
‫عضو في في مجلس الشعب هو د‪ .‬حلمي صموئيل وآخر في مجلس الشورى عن‬
‫القاهرة وهو د‪ .‬إيهاب الخراط‪.‬‬
‫لكن الكنيسة أيضا اتجهت إلى تأصيل الالهوت في البحث عن صياغة الهوت‬
‫مصري يتفاعل مع القضايا المصرية والتراث المحافظ الموروث والبيئة الشرق‬
‫أوسطية حتى وصلت كلية الالهوت إلى إنشاء قسم خاص بالكلية للدراسات الشرق‬
‫أوسطية والتراث العربي المسيحي‪ ،‬بل إننا نعتز بكـُتـِّابنا الذين قدموا مراجع أساسية‬
‫الهوتية للعالم العربي ألول مرة مثل كتاب علم التفسير للدكتور القس فهيم عزيز‬
‫وكتب تاريخ الفكر المسيحي للدكتور القس حنا الخضري وكتب في علم األخالق من‬
‫وجهة نظر مصلحة للدكتور القس فايز فارس وهذه على سبيل المثال‬
‫مهما من جهد الكنيسة في مختلف مراحلها حتى‬
‫كما أن الهوت التنمية أخذ جزًءا ً‬
‫تصور في صياغة متكاملة في كتابات وأعمال الدكتور القس صموئيل حبيب‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪-11‬الكنيسة المشيخية وحركة التنوير‪:‬‬
‫كان استثمار حركة التنوير في المجتمع بإنشاء مدارس تخدم المجتمع ككل بأسلوب‬
‫صادما للمجتمع المصري ألن مبعوثي محمد‬
‫ً‬ ‫تعليم يشابه التعليم الغربي ولم يكن هذا‬
‫مهدوا الطريق لفتح مدارس تساير المناهج الغربية فبدأت‬
‫علي ومن بعدهم إلى فرنسا َّ‬
‫أول مدرسة في إسكندرية‪َّ .‬‬
‫فكر المرسلون في فتح المزيد من المدارس استمرًا‬
‫ار للحركة‬
‫التنويرية فبعد مدرسة الجنينة(األزبكية) سافر يوحنا هوج إلى أسيوط وهناك بدأ ما‬
‫مصدر لنشر التعليم في القرى‬
‫ًا‬ ‫ُعرف فيما بعد بكلية أسيوط األمريكية‪ .‬وصارت الكلية‬
‫وشجعت تالميذ هذه المدرسة‬ ‫المحيطة بأسيوط بكل من فيها من مسيحيين ومسلمين َّ‬

‫‪51‬‬
‫أن يرجعوا في عطلة نهاية األسبوع التي كانت أيام الجمعة والسبت واألحد إلعطاء‬
‫وتشجع أهل القرى‬
‫َّ‬ ‫التالميذ فرصة أن يعلِّموا القرية ومحو أمية القرى التي جاءوا منها‬
‫مكانا لمدرسة الفصل الواحد حتى أن وثائق السنودس النيل اإلنجيلي‬
‫ً‬ ‫أن يقدموا‬
‫المصري سنة ‪ 9818‬تبيَّن أن عدد مدارس الفصل الواحد بلغت ‪ 302‬مدرسة‪.‬‬
‫هذا من جانب خدمة التعليم العام في مصر للمجتمع المصري بكل فئاته‪ ،‬وقد تزايد‬
‫عدد المدارس القانونية بمراحل التعليم المختلفة حتى وصلت إلى المرحلة التي فيها تم‬
‫إنشاء الجامعة األمريكية بالقاهرة‪ .‬ومن الجانب اآلخر ركزت الكنيسة المشيخية على‬
‫التعليم الالهوتي وكانت كلية أسيوط أول مكان إعداد طلبة الهوتيين ليتفرغوا للخدمة‪،‬‬
‫ثم صارت الذهبية هي موقع تعليم ما ُعرف بصف الالهوت (كلية الالهوت فيما‬
‫تحول صف الالهوت إلى مدرسة الهوت في مبنى األزبكية بالقاهرة إلى أن‬
‫بعد) ثم َّ‬
‫تم بناء كلية الالهوت اإلنجيلية بالعباسية القاهرة في شارع السكة البيضا سنة ‪9131‬‬
‫في عهد الملك فؤاد‪.‬‬
‫و لما اتسع تأثير الكنيسة اإلنجيلية ظهر التباعد بينها وبين الكنيسة األرثوذكسية‬
‫وظهرت بعض الكتابات النقدية لكل من الطرفين‪ ،‬وهنا تنبَّهت الكنيسة األرثوذكسية‬
‫للتعليم والكتاب والعقيدة في مواجهة الفكر اإلنجيلي‪ ،‬كما اتجهت الكنيسة اإلنجيلية‬
‫في مجاالتها إلى التأكيد على الفكر المشيخي مقابل التقليد األرثوذكسي‪ ،‬إال أن هذا‬
‫سلبيا يكمله ما حدث داخل الكنيسة األرثوذكسية فقد اتجهت هي‬
‫الموقف الذي يبدو ً‬
‫األخرى إلى تأسيس ما ُعرف فيما بعد (بمدارس األقباط الكبرى) كما بدأت في مرحلة‬
‫الحقة بتطوير التعليم الالهوتي حتى صار اآلن العديد من المدارس اإلكليريكية على‬
‫مستوى أبراشيات غير قليلة وأيضا َّ‬
‫توجهت إلى تطوير نظام العبادة فترجمت أجزاء‬
‫ودربت القسوس والقمامصة على الوعظ‪.‬‬
‫من الليتورجية القبطية إلى اللغة العربية َّ‬
‫وفي مرحلة الحقة انضمت هذه الكليات إلى رابطة كليات الالهوت في الشرق‬
‫األوسط‪.‬‬
‫ومثلما اهتمت الكنيسة اإلنجيلية بالطفل وتربيته المسيحية بدأت الكنيسة األرثوذكسية‬
‫تطور إلى إصدار مجلة مدارس األحد وبرامج تدريب ِّ‬
‫لمدرسي‬ ‫نامجا لمدارس األحد ُّ‬
‫بر ً‬
‫مدارس األحد‪ .‬وفي النصف الثاني من القرن العشرين عيَّنت ً‬
‫أسقفا لمدارس األحد‬

‫‪52‬‬
‫وال يمكن عدم اإلشارة إلى دخول المواعظ في القداسات بل وإصدار كتب باللغة‬
‫العربية بل ودور نشر كبيرة مثل مكتبة المحبة وإصدارات أسقفية الشباب وغيرها– أما‬
‫تكونت أسقفية خدمات على غرار برامج خدمة الريف‬
‫من جهة الخدمة المجتمعية فقد َّ‬
‫وخدمة المجتمع في الكنيسة اإلنجيلية‬
‫وعندما بدأت الكنيسة اإلنجيلية في إقامة مصايف ومؤتمرات لخدمة الشباب‬
‫وخصصت برامج ومطبوعات تعالج قضايا الشباب شجع هذا الكنيسة األرثوذكسية أن‬
‫َّ‬
‫تعمل نفس الشيء أن تقيم أسقفية خاصة للشباب‬
‫تتدرب من خالل مدرستين‬ ‫وكما فتحت الكنيسة اإلنجيلية المجال للمرأة أن َّ‬
‫تتعلم وأن َّ‬
‫ِّ‬
‫للمبشرات واحدة في طنطا وأخرى في المنيا فإن الكنيسة األرثوذكسية بدورها فتحت‬
‫خاصا على خدمة المرأة في الكنيسة وفتحت‬‫تركيز ً‬
‫ًا‬ ‫المكرسات وأعطت‬
‫َّ‬ ‫الباب لخدمة‬
‫أمامها باب الرهبانية‪ .‬ومع هذا االنفتاح والتطوير توجهت الكنيسة اإلنجيلية والكنيسة‬
‫معا سنة ‪ 9148‬لالنضمام لمجلس الكنائس العالمي وصارت كل منهما‬
‫األرثوذكسية ً‬
‫عضوا‪ .‬وقد تبع ذلك مشاركات في عضوية عدد من المجالس المسكونية مثل‬‫ً‬
‫المجلس العالمي للتربية المسيحية ومؤتمر كنائس كل أفريقيا‪ .‬وفي سنة ‪9164‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تشكل مجلس كنائس الشرق األوسط وتمثلت فيه الكنائس األرثوذكسية ً‬
‫جنبا إلى جنب‬
‫مع الكنائس اإلنجيلية وسيأتي الكالم عنه عند تناول المسكونيات‬
‫التحول الفكرية والالهوتية البارزة بدء الحوار الالهوتي الذي‬
‫ُّ‬ ‫ولكن من نقاط‬ ‫‪‬‬
‫حدث بين الكنيستين اإلنجيلية المشيخية من جانب والقبطية األرثوذكسية من جانب‬
‫آخر والذي بدأ عام ‪ 9188‬واستمر حتى ‪ 9119‬وصدرت كثمرة له أول مجلة‬
‫مسكونية أرثوذكسية ( الكرمة) وفيها بيان لالهوتيات َّ‬
‫المتَفق عليها بين الكنسيتين في‬
‫موضوع الخالص وسيأتي الكالم عنها أيضا في باب المسكونيات ووسط كل هذه‬
‫التطورات لم يخل األمر من بعض التوتُّرات التي ظهرت بين الحين واآلخر لكن‬
‫القيادات من الجانبين كانت وما زالت حريصة على الحوار والعتاب أحيانا وربما‬
‫نرجع الى بعض هذه النماذج في باب المسكونيات أيضا‬
‫‪-12‬الكنيسة والسلوكيات‪ :‬لم تكن األفكار المرتبطة بالمال والوقت هي الضابط‬
‫الوحيد في حياة أبناء وبنات الكنيسة اإلنجيلية بل كانت هناك برامج تعليمية وكتابية‬

‫‪53‬‬
‫إلعادة صياغة نمط حياة األسرة ووصل التدقيق فيها للحد أن مجالس الكنائس كانت‬
‫تحاسب أعضاءها إذا ظهرت مشاكل في أسرهم حتى أنه ورد في جلسة مجلس‬
‫كنيسة أسيوط أن المجلس قرر وقف العضو عن التناول في مائدة الرب إلى أن‬
‫سببا مقنعا لفسخ خطبة ابنته‪ ،‬واشتملت المحاضر على حث الكنائس على‬
‫يعطي ً‬
‫الفضائل (من محاضر سنة ‪)9811‬‬
‫وهذه صورة من محاضر كنيسة أسيوط ترجع للسبعينيات من القرن ‪ 91‬تتناول‬
‫ونظر لعدم إمكانية إعادتهم لمن باعوهم‪،‬‬
‫ًا‬ ‫موضوعات مثل تحريم شراء العبيد واإلماء‪،‬‬
‫فإن الكنيسة تصير مسئولة عن تربيتهم وتعليمهم‪ ،‬وعلى سادتهم يقع التأديب‬
‫قرار‬ ‫لمخالفتهم‬
‫الكنيسة‬

‫وهناك أحكام تأديبية من الكنيسة على من يشتغلون بالفايظ (أي الفائدة المرتفعة)‬
‫ونق أر أيضا في محاضر السنودس أن أحد طلبة الالهوت اجتاز االمتحانات التحريرية‬
‫قرر حرمانه من الدرجة حتى يتجاوب مع المالحظات‬
‫كلها بنجاح لكن مجلس الكلية َّ‬
‫التي أُبديت حول سلوكه‬
‫كما اهتم السنودس بتنظيم دفاتر محاضر الجلسات بأنواعها‪ ،‬ووضع قواعد لكتابتها‬
‫وأيضا فحصها وتقييمها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫بتقدم الكنيسة وتنظيم عمل الشيوخ والشمامسة وتحديد‬ ‫كما اهتم السنودس‬
‫اختصاصاتهم وكيفية القيام بمسئولياتهم طبًقا لما جاء بمحاضر السنودس عام‬
‫‪:9813‬‬
‫تقرير تقدم الكنيسة ‪1812‬‬
‫للتبصر في الوسائل المناسبة لتقدم الكنيسة في األثمار المسيحية‬
‫ُّ‬ ‫قدم تقرير العمدة‬
‫ورئى قبوله بندا بندا وهو كما يأتي‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫يلزم أن مجلس كل كنيسة يكون له اجتماعات خصوصية للنظر في أمر‬ ‫‪-9‬‬
‫الوسائل الفعالة لتقدم اإلثمار المسيحية‪.‬‬
‫يجب أن كل مجلس يدعو األعضاء المتأخرين في العطاء والبخال والذين‬ ‫‪-3‬‬
‫يندرون من أموالهم للرب وال يفون‪ .‬وينذرهم على اإلنفراد ألجل إتمام واجباتهم من‬
‫هذا القبيل‪ ،‬كما من جهة واجبات كل األعضاء في الصالة العائلية وباقي الواجبات‬
‫الروحية‪.‬‬
‫ينبغي أن أعضاء كل مجلس يكونون قدوة حسنة في إظهار روح السخا‬ ‫‪-2‬‬
‫والغيرة المسيحية‪.‬‬
‫يجب أن مجلس كل كنيسة عند قبول أعضاء جدد يعلمهم االشتراك في‬ ‫‪-4‬‬
‫العطاء للرب بقدر إمكانهم وذلك قبل انضمامهم إلى عضوية الكثير ويحثونهم على‬
‫الجد في سائر الواجبات الدينية‪.‬‬
‫بعضا يتبادلون الزيارة كل واحد في‬
‫يلزم أن القسوس المجاورين بعضهم ً‬ ‫‪-9‬‬
‫دائرة رعوية اآلخر‪ . . .‬ومصحوبين بشيوخ كل دائرة رعوية ويجرون مجاهدة الزيارة‬
‫الوسائط المناسبة للتقدم كتعيين وقت للصوم والصالة واالجتماع باألخوة المتأخرين‬
‫وحثهم على إتمام واجباتهم وإلقاء مواعظ وإنذارات عمومية وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫السؤاالت التي ُّ‬


‫تقدم لمجلس الكنيسة‬
‫هل لكم اجتماعات مرتبة في أوقات معينة للصالة والمفاوضة عن واجباتكم‬ ‫‪-9‬‬
‫بعضكم نحو البعض وعما يختص بصوالح الكنيسة وعملها‪.‬‬
‫سنويا‪ ،‬وهل يحضر جميع األعضاء‬
‫ً‬ ‫كم مرة يجتمع المجلس شهرًيا أو‬ ‫‪-3‬‬
‫بالمواظبة‪.‬‬
‫هل لكل شيخ عمل مخصوص في الكنيسة أو جزء معين من العضوية‬ ‫‪-2‬‬
‫يمارس العمل من نحوه‪.‬‬
‫هل يحضر الناس الجمعيات للصالة ويشتركون فيها‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫كم عدد الحاضرين من األعضاء في أيام األحاد وفي أوقات العشاء‬ ‫‪-9‬‬
‫الرباني‪.‬‬
‫هل يحضر األعضاء الكنيسة في بداية خدماتها أو يتأخرون في ذلك‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪55‬‬
‫هل يدعو األعضاء أخرين في الكنيسة ويترحبون بهم عند حضورهم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫هل يعتني األعضاء بالواجبات الدينية العائلية وعلى الخصوص بالعبادة‬ ‫‪-8‬‬
‫والتعليم العائليين‪.‬‬
‫هل أنتم مهتمون بمدرسة األحد ومجتهدون حتى تكون في حالة النجاح‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫هل يواظب األخوة على الحضور في مدرسة األحد وهل يلزمون أوالدهم أن‬ ‫‪-90‬‬
‫يهتموا بها وهل يالحظون أوالدهم لكي يهتموا بدروسهم‪.‬‬
‫هل يأتي الوالدون بأوالدهم للكنيسة بالمواظبة‬ ‫‪-99‬‬
‫هل يتمسك الشعب بالتعاليم اإلنجيلية الخصوصية ويهتمون بانتشار اإلنجيل‬ ‫‪-93‬‬
‫في الكنيسة وفي الخارج‪.‬‬
‫ما هي الوسائل المستعملة بينكم النتشار اإلنجيل وهل يشترك األعضاء‬ ‫‪-92‬‬
‫فيها‪.‬‬
‫هل يغيب أحد عن الكنيسة ألسباب فارغة كحصول زعل ‪ ..‬الخ ‪.‬‬ ‫‪-94‬‬
‫هل تراعون تدابير المجمع المشيخي وهل كنيستكم مجتهدة بحسب إمكانياتها‬ ‫‪-99‬‬
‫أن تساعد الكنائس األخرى‪.‬‬
‫ه ل يظهر أن الشعب كله يشترك بسخاء في العطاء للرب بما يتناسب‬ ‫‪-91‬‬
‫اقتدارهم‪.‬‬
‫ما هو رأيكم على وجه العموم عن حالة الكنيسة الروحية‪.‬‬ ‫‪-96‬‬
‫هل يوجد بين األخوة المحبة الواجبة للذين ليسوا مسيحيين وبذل الجهد في‬ ‫‪-98‬‬
‫إيصال اإلنجيل إليهم‪.‬‬
‫السؤاالت التي تقدم لراعي الكنيسة‪.‬‬
‫كافيا لكل خدماتك‪.‬‬
‫استعدادا ً‬
‫ً‬ ‫هل تبذل كل جهدك في أن تستعد‬ ‫‪-9‬‬
‫كم مرة تكرز باإلنجيل أسبوعيا لدى الجمهور‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫هل أنت معتاد أن تشرح األسفار المقدسة بالتتابع ألجل تعليم الرعية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫هل تجتهد أن تعلم كل التعاليم اإلنجيلية الخصوصية باألمانة وتلح على‬ ‫‪-4‬‬
‫إتمام الواجبات المتعلقة بها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫خصوصيا‬
‫ً‬ ‫احتياجا‬
‫ً‬ ‫هل تزور المرضى والذين جعلتهم عناية الله يحتاجوا‬ ‫‪-9‬‬
‫للتعليم الشخصي والمشورة والصالة‪.‬‬
‫هل تعتني بالزيارة العائلية المرتبة بالضبط‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫هل تحضر في مدرسة األحد وتستعمل الوسائط الالزمة لنجاحها‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫دينيا عندكم كل أسبوع‪.‬‬
‫اجتماعا ً‬
‫ً‬ ‫كم‬ ‫‪-8‬‬
‫هل يسمع الشعب بسرور وانتباه لما تكرز باإلنجيل في أيام اآلحاد وغيرها‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫هل ترى أن الكلمة المكروز بها لها تأثير عملي في تصرف الناس‪.‬‬ ‫‪-90‬‬
‫هل حصلت حركة دينية خصوصية السنة الماضية من أي نوع كان‪.‬‬ ‫‪-99‬‬
‫السؤاالت التي تقدم للشيوخ‬
‫هل اجتهدت أن تعرف حق المعرفة المسئولية الواقعة عليك كمالحظ في‬ ‫‪-9‬‬
‫بيت الرب‪.‬‬
‫هل اجتهدت أن تدرك معاني تعاليم الكتاب التي ِّتبين واجبات وظيفتك‬ ‫‪-3‬‬
‫وتأملت فيها حتى تسلك بموجبها‪.‬‬
‫هل تجتهد أن تزور عائالت الكنيسة أو أعضائها أو الجزء المعيَّن عليك‬ ‫‪-2‬‬
‫منهم وبالخصوص المصابين بمرض أو ضيق‪.‬‬
‫يضا وخاصة متى كان حضور‬
‫أتخبر الراعي إذا علمت أن أحد األعضاء مر ً‬ ‫‪-4‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫الراعي ضرورًيا ً‬
‫هل تنتهز الفرصة لتتكلم مع األعضاء عما يختص بصالح أنفسهم ولتلح‬ ‫‪-9‬‬
‫عليهم بالتعاليم التي تسمع من ِّ‬
‫المبشر‪.‬‬
‫هل تجتهد أن تالحظ كل من يغيب عن االجتماعات الجمهورية وأن تنذر‬ ‫‪-1‬‬
‫وتنصح كل من يذنب في هذا الشأن‪.‬‬
‫هل تواظب على الحضور في جلسات المجلس وهل تحضر في المجمع إن‬ ‫‪-6‬‬
‫تعيَّن عليك ذلك‪.‬‬
‫هل تشترك مع الراعي وباقي الشيوخ في المسئولية واالهتمام في قبول‬ ‫‪-8‬‬
‫ظا أنهم يظهرون العالقات الموافقة الدالة على‬
‫األعضاء الجدد إلى الكنيسة مالح ً‬
‫كونهم في حالة مناسبة وأنهم يقرون بالتعاليم اإلنجيلية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫هل تواظب على الحضور في االجتماعات األسبوعية وتعمل ما في إمكانك‬ ‫‪-1‬‬
‫لتجعلها مفيدة وملذة‪.‬‬
‫هل تواظب على الحضور في مدرسة األحد وتشترك في ذلك العمل‪.‬‬ ‫‪-90‬‬
‫‪ -99‬هل تجتهد أن تكون قدوة حسنة للشعب ً‬
‫قائدا إياهم في في كل عمل صالح‬
‫وفي العطاء من مالك وفي االجتهاد في المعيشة المقدسة‪.‬‬
‫هل تجتهد بالتعليم والقدوة حتى َّ‬
‫يقدس يوم األحد كله أي ‪ 34‬ساعة وليس‬ ‫‪-93‬‬
‫فقط جزًءا منه‪.‬‬
‫‪ -92‬هل تجتهد أن تمتنع عن الخطيئة والعوائد الرديئة وتظهر عدم مصادقتك‬
‫عليها في كل فرصة‪.‬‬
‫هل تجتهد كل االجتهاد أن تشجع الراعي ِّ‬
‫وتخفف أتعابه وتساعده في كل ما‬ ‫‪-94‬‬
‫يؤول إلى خير الكنيسة والكنائس كلها‪.‬‬
‫السؤاالت التي تقدم للشمامسة‬
‫هل تعلمت الكنيسة بأن العطاء للرب هو أحد الواجبات المهمة التي التغافل‬ ‫‪-9‬‬
‫ار روحية بالغة‪.‬‬
‫عنها يجلب إضرًا‬
‫هل يوجد شعور عند كل األعضاء بأن كال منهم مسئول من جهة دوام‬ ‫‪-3‬‬
‫وسائط النعمة بواسطة عطاياهم الشخصية للكنيسة‪.‬‬
‫هل ظاهر من تصرفات األعضاء بأنهم معتبرون أن ما يدفعونه في مرتب‬ ‫‪-2‬‬
‫الراعي هو على سبيل دين ملتزمون بوفائه وبأنهم في هذا ِّ‬
‫يتممون أمر الرب "بأن‬
‫الذين ينادون باإلنجيل من اإلنجيل يعيشون"‬
‫المتعهد به للراعي على الكامل وفي الميعاد باالنتظام‬
‫َّ‬ ‫هل ُدفع المرتب‬ ‫‪-4‬‬
‫هل على الكنيسة دين وإن كان يوجد فما هي الوسيلة الحادية لوفاة الدين‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ما هي كيفية الجمع لخزينة الكنيسة بطرفكم وهل هي نافعة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مقدم قدوة حسنة في العطاء لخزينة الكنيسة من مالك بسخاء‬‫هل أنت ِّ‬ ‫‪-7‬‬
‫وسرور وفي وفاء تعهداتك من جهة الدفع‪.‬‬
‫ومن بين التعاليم التي انعكست على الحياة اليومية أيضا نق أر أن كثي ار من القرى التي‬
‫ُوجدت فيها كنيسة إنجيلية غيرت يوم السوق في القرية ألن اإلنجيليين يقدسون يوم‬

‫‪58‬‬
‫األحد ويمتنعون عن البيع والشراء فيه‬
‫ومن بين الفضائل أيضا التي تميَّزت بها أخالقيات اإلنجيليين في العشرينيات من‬
‫القرن العشرين فضيلة الصدق في الكلمة حتى أن المحاكم سمحت لإلنجيليين بتغيير‬
‫القسم للشهادة واالكتفاء بالقول (أقول الصدق في المسيح)‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الكنيسة ونظام العبيد‬
‫ظهر هذا الدور من خالل حادثة في المطيعة‪ ،‬ففي أثناء العشاء الرباني عام‬
‫عبدا ولم يكن العبيد يعتبرون ضمن أعضاء الكنيسة‬
‫‪ 9869‬كان السيد حنا الله يملك ً‬
‫القبطية‪ .‬وبعد‬
‫مناقشة‬
‫مستفيضة‬
‫توصل حنا الله‬
‫َّ‬
‫إلى أنه قبل أن‬
‫إلى‬ ‫ينضم‬
‫يحرر عبده ووعد أن يعلِّمه ال أن يطلقه فقط‪ ،‬وقد َّ‬
‫تعمد‬ ‫الكنيسة اإلنجيلية عليه أن ِّ‬
‫العبد فيما بعد في أسيوط‪ .‬ومع أنه لم يكمل دراسته فإن دراسته التمهيدية لالهوت‬
‫ِّ‬
‫بالمبشر األسود في كل الكنائس‬ ‫أمينا إليمانه الجديد وعرف فيما بعد‬
‫شاهدا ً‬
‫ً‬ ‫جعلته‬
‫الجديدة النامية‪ .‬وتعتبر أسيوط مركز مكافحة العبودية ربما ألنها انطالق طريق‬
‫العربات التي كانت تقطع الصحراء إلى النوبة والسودان (الطريق المعروف باسم‬
‫درب األربعين)‪ .‬وفي عام ‪ 9880‬كان مستر إلبرت روت وهو مدرس شباب في كلية‬
‫أسيوط كان أداة إلطالق عدد كبير من‬
‫العبيد‪.‬‬
‫واآلن نعرض لبعض من مالمح‬
‫مميزة صاحبت بداية العمل اإلنجيلي بمصر‬
‫َّ‬
‫‪41‬‬
‫المركب أيبس‬
‫في عام ‪ 9894‬كان عدد المرسلين‬

‫‪Vindication p.82, 81. 39‬‬


‫‪Sharky.p22 42‬‬
‫‪59‬‬
‫كبير في القاهرة واإلسكندرية والدلتا حيث األغلبية مسلمة‪ ،‬وشعر المرسلون أنهم‬
‫ًا‬
‫سوف يلقون الترحاب في صعيد مصر بين األقباط فبدأوا رحالتهم من الفيوم إلى‬
‫حيث‬ ‫األقصر‬
‫أغلبية‬ ‫تعيش‬
‫قرر‬
‫قبطية‪ .‬كما َّ‬
‫عدم‬ ‫المرسلون‬
‫على‬ ‫التركيز‬
‫المسيحيين‬
‫المتعلِّمين الذين‬
‫كثير منهم‬
‫ًا‬ ‫كان‬
‫يعملون في أعمال الحسابات والضرائب في وظائف حكومية‪ ،‬واختاروا التركيز على‬
‫الفالحين والفقراء‪ ،‬ولذا ففي عام ‪ 9810‬استخدم المرسلون المركب أيبس في ُّ‬
‫التنقل‬
‫إلى القرى بين المسيحيين‪ .‬وارتبطت هوية المرسلين بالمركب حتى أن البعض أُطلق‬
‫عليهم " إرسالية المركب"‪ .‬وكان األمريكان قد اشتروا هذا المركب عام ‪9810‬‬
‫واشتراها المهراجا الهندي في يناير ‪ 9819‬لقضاء شهر العسل مع عروسه بمبة‬
‫ال طالبة بمدرسة األزبكية واتخذها فرصة لتوزيع الكتاب المقدس ثم ترك المركب‬
‫‪49‬‬
‫للمرسلين عند عودته مع عروسه عام ‪.9864‬‬
‫تدمير اإليقونات في الكنيسة القبطية‬
‫تزايد مركز أسيوط أهمية بالنسبة للتواجد المرسلي‪ ،‬وكان جون هوج قد استقر‬
‫فيها‪ ،‬وكان واصف خياط من الشخصيات المهمة في الكنيسة القبطية وتعاطف‬
‫احدا من الجماعة البروتستانتية وفي إحدى‬
‫حقيقيا مع العمل واعتبر و ً‬
‫ً‬ ‫تعاطفا‬
‫ً‬
‫األمسيات في مارس ‪ 9811‬كانت هناك مجموعة مجتمعة في بيت حنا بقطر لدراسة‬
‫الكتاب المقدس وهو شخص مميز في الكنيسة القبطية‪ ،‬وكان بعض من الحضور‬
‫أعضاء في الكنيسة البروتستانتية‪ ،‬ولكن والءهم مازال للكنيسة القبطية إال أنهم كانوا‬
‫غيورين لحركة اإلصالح ورفضوا الممارسات والعادات غير الكتابية وكانوا يدرسون‬

‫‪41‬‬
‫‪Vinidication, p41.‬‬
‫‪62‬‬
‫اإلصحاح السادس من سفر القضاة حيث يذكر أمر الله لجدعون بهدم مذبح البعل ‪،‬‬
‫وفي مناقشاتهم لإلصحاح عقدوا مقارنة بين الصور واأليقونات الموجودة في الكنيسة‬
‫القبطية‪ ،‬وما ورد في ذلك األصحاح‪ .‬وتساءلوا فيما ماذا كان لديهم شجاعة وإخالص‬
‫َّ‬
‫وصلوا ثالث مرات فقاموا وذهبوا إلى الكنيسة األرثوذكسية القريبة من البيت‬ ‫جدعون‬
‫َّ‬
‫ووزعوا أنفسهم لكي يقوموا بتحطيم األيقونات الموجودة بالكنيسة وقاموا بإحراق‬
‫بعضها وتقابلوا مع حنا بقطر وواصف خياط وطلبوا منهم االنضمام‪.‬‬
‫وعندما أُكتشف األمر قام األقباط بإبالغ الشرطة وتم سجن من قاموا بهذا‬
‫مؤكدا على كسر‬
‫ً‬ ‫ماليا‪ .‬قام يوحنا هوج بالوعظ في عيد الشكر‬
‫مبلغا ً‬
‫العمل وتغريمهم ً‬
‫األصنام التي في القلب وكسب اآلخرين بأفعال وأقوال المحبة‪.‬‬
‫تعبير عن انتمائهم وإيمانهم بأنهم‬
‫ا‬ ‫قرية تستضيف كل المجمع لمدة أسبوع كامل‬
‫‪42‬‬
‫شركاء في المسئولية وااللتزامات المادية أيضا‪.‬‬
‫فقد حضر في التئام المجمع في بني عدي من ‪ 8‬فبراير ‪ 9812‬الذي ضم‬
‫وطنيا و‪ 9‬شيوخ و‪ 6‬مندوبين عدا الكثيرين ممن ليسوا‬
‫ً‬ ‫قسيسا‬
‫ً‬ ‫‪ 992‬مرسالً و‪99‬‬
‫أعضاء في المجمع وال مندوبين من كنائس‪ ،‬وقد قام األخوة ببني عدي بفرائض‬
‫ُّ‬
‫التشكرات الزائدة‬ ‫الضيافة بكل اجتهاد وسخاء ولطف وعناية مألت قلب المجمع من‬
‫لهم‪.‬‬

‫‪ 42‬النشرة اإلنجيلية المصرية‪-‬مارس ‪.9812‬‬


‫‪61‬‬

You might also like