Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫مذكرة في أصول الفقه (‪ )3‬تفسير النصوص الشرعية‬


‫أقسام اللفظ من حيث املعنى املوضوع له‬
‫‪ -3‬المشترك ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الخاص‬ ‫‪ -1‬العام‬
‫تعريف العام‪:‬‬
‫لغة‪ :‬مأخوذ من العموم‪ ،‬وهو الشمول واإلحاطة‪ ،‬ومنه عم المطر البلد‪ ،‬أي شمل المطر جميع أطراف البلد ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واصطالحا‪ :‬العام لفظ وضع وضعا واحدا لكثير غير محصور مستغرق جميع ما يصلح له ‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬قال تعالى‪( :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فلفظ السارق يشمل كل سارق‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫(‪ ) 1‬فالعام موضوع لكثير من األفراد‪ :‬وبذلك يخرج اللفظ الذي وضع لواحد بالشخص كزيد‪ ،‬أو بالنوع كرجل‪ ،‬أو بالجنس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كإنسان‪ ،‬فإنه ليس عاما‪ ،‬بل خاصا ‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )2‬والكثير الذي وضع له اللفظ العام غير محصور في أفراد معينة بداللة من اللفظ‪ ،‬وإن كان محصورا في الواقع‪ ،‬فلفظ‬
‫(السارق) يشمل كل من أوقع عليه السرقة‪ ،‬وليس فى اللفظ ما يفيد الحصر فى عدد معين‪ ،‬وإن كان ما دل عليه اللفظ‬
‫محصورا في الواقع وبذلك يخرج عن العام كل لفظ وضع لكثير محصور‪ ،‬كلفظ المثنى وأسماء األعداد‪ ،‬فإنها من قبيل‬
‫الخاص ال العام ‪ .‬فإن قلت جاءني مائة ألف رجال فلفظ مائة ألف ليس من قبيل العام‪ ،‬وإن كان موضوعا لكثير إال أن الكثرة‬
‫فيه محصورة في عدد معين ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ولفظ العام يستغرق جميع ما يصلح له‪ ،‬وما يصلح له اللفظ هو ما وضع له لغة‪ ،‬والمعنى أن العام يشمل جميع أفراده‬
‫مرة واحدة‪ ،‬وال يشمل كل واحد منها على سبيل البدل‪ ،‬فقوله عليه السالم‪( :‬من قتل قتيال فله سلبه) يشمل كل من يقتل‬
‫ً‬
‫محاربا‪ ،‬ألن (من) من ألفاظ العموم ‪.‬‬
‫(‪ )4‬واستغراق العام ألفراده بوضع واحد ال بأوضاع متعددة‪ :‬فأهل اللغة يطلقون لفظ (المؤمنون) في قوله تعالى (قد أفلح‬
‫المؤمنون) على الكثير غير المنحصر من أفراده بوضع واحد‪ ،‬وبذلك يخرج المشترك‪ ،‬ألنه وإن كان موضوعا لكثير‪ ،‬إال أن‬
‫األوضاع فيه تتعدد ‪ .‬فلفظ العين قد وضع للجارية بوضع‪ ،‬وللجارحة بوضع آخر وللجاسوس بوضع آخر‪.‬‬
‫ألفاظ العموم (صيغ العموم)‪:‬‬
‫‪ /1‬الجمع المعرف بأل الجنسية أو االضافة ‪.‬‬
‫مثال المعرف بأل الجنسية كلفظ (المطلقات) في قوله تعالى‪( :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء)‪ ،‬ومثال الجمع‬
‫المعرف باإلضافة كلفظ (أوالدكم) في قوله تعالى‪( :‬يوصيكم الله في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين) ‪.‬‬
‫‪ /2‬األسماء الموصولة وأسماء الشرط وأسماء االستفهام ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬األسماء الموصولة كلفظ (الذين) في قوله تعالى‪( :‬والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء)‪ ،‬ولفظ (ما) في قوله‬
‫تعالى‪( :‬وذروا ما بقي من الربا) ‪.‬‬
‫وأما أسماء االستفهام فكلفظ (من) في قوله تعالى‪( :‬من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) ‪.‬‬
‫وأما أسماء الشرط فكلفظ (أين) في قوله تعالى‪( :‬أينما تكونوا يدرككم الموت) ولفظ (من) في قوله تعالى‪( :‬من يطع الرسول‬
‫فقد أطاع الله) ‪.‬‬
‫ّ‬
‫المعرف بأل الجنسية أو االضافة‪.‬‬ ‫‪ /3‬المفرد‬

‫‪1‬‬
‫مثال‪ :‬المعرف بأل الجنسية كلفظ (الصيد) في قوله تعالى‪( :‬ال تقتلوا الصيد وأنتم حرم)‪ ،‬والمعرف باالضافة كلفظ (ليلة‬
‫الصيام) في قوله تعالى‪( :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)‪.‬‬
‫‪ /4‬النكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط أو النهي‪:‬‬
‫مثال‪ :‬النكرة الواقعة في سياق النفي كلفظ (وصية) في قوله عليه السالم‪( :‬ال وصية لوارث) ‪ .‬ومثال النكرة الواقعة في سياق‬
‫الشرط كلفظ (أحد) في قوله تعالى‪( :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) ‪ .‬ومثال النكرة الواقعة في سياق النهي لفظ‬
‫ً‬
‫(أحد) في قوله تعالى‪( :‬وال تصل على أحد منهم مات أبدا) ‪.‬‬
‫‪ /5‬لفظ كل وجميع وكافة وعامة وغيرها‪:‬‬
‫مثال‪ :‬كل‪ :‬قوله عليه السالم‪( :‬كل راع مسؤل عن رعيته)‪ ،‬ولفظ كافة‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ادخلوا في السلم كافة) ‪ .‬ولفظ جميع‪:‬‬
‫قوله تعالى‪( :‬خلق لكم ما في األرض جميعا)‪.‬‬
‫تعريف اخلاص‪:‬‬
‫الخاص لغة‪ :‬مأخوذ من الخصوص بمعنى التفرد واالنفراد‪.‬‬
‫ً‬
‫اصطالحا‪ :‬هو لفظ وضع لواحد‪ ،‬أو لكثير محصور‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫ً‬
‫الواحد‪ :‬قد يكون واحدا بالذات كزيد‪ ،‬أو بالنوع كرجل وفرس‪ ،‬أو بالجنس كإنسان‪ .‬وأما لكثير محصور فهو أسماء األعداد‬
‫والمثنى‪ ،‬كعشرة‪ ،‬ورجلين‪.‬‬
‫تعريف املشرتك‪:‬‬
‫المشترك لغة‪ :‬مأخوذ من الشرك‪ ،‬وهي اشتراك المتعدد في ش يء واحد‪.‬‬
‫ً‬
‫واصطالحا‪ :‬لفظ وضع لكثير غير محصور بأوضاع متعددة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬كلفظ العين فإنه موضوع للعين الباصرة‪ ،‬وللجارحة‪ ،‬وللجاسوس‪ ،‬وللذهب بأوضاع متعددة‪.‬‬
‫املقارنة بني العام واخلاص واملشرتك‪:‬‬
‫ً‬
‫المشترك يفارق العام من حيث تعدد الوضع في المشترك ووحدته في العام‪ ،‬فكل من المشترك والعام‪ ،‬وإن كان موضوعا‬
‫لكثير‪ ،‬إال أن العام قد وضع لهذا الكثير دفعة واحدة بوضع واحدة‪ ،‬وأما المشترك فقد وضع لكل واحد من هذا الكثير بوضع‬
‫مستقل‪ ،‬ويفارق المشترك الخاص في أن الخاص موضوع إما لمعنى واحد ال تعدد فيه‪ ،‬وإما لكثير محصور بوضع واحد ال‬
‫بأوضاع مختلفة‪.‬‬
‫ويشارك العام الخاص في أن كل واحد منهما موضوع بوضع واحد ال تعدد فيه‪ ،‬ويختلفان من حيث األفراد‪ ،‬فالعام يشمل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جمعا غير محصور من المسميات أو األفراد‪ ،‬وأما الخاص فإنه ال يشمل إال واحدا أو عددا محصورا من األفراد ‪.‬‬
‫حكم العام‪:‬‬
‫لحكم العام حالتان‪:‬‬
‫(‪ )1‬داللة العام قبل التخصيص ‪ )2( .‬داللة العام بعد التخصيص ‪.‬‬
‫(‪ )1‬داللة العام قبل التخصيص‪:‬‬
‫اختلف األصوليون في داللة ألفاظ العموم هل هي تدل على االستغراق والشمول قطعا أما ظنا‪ ،‬على قولين‪:‬‬
‫(‪ )1‬ذهب األحناف إلى أن داللة العام على الشمول قطعية ال ظنية‪ ،‬ألن العام في معنى عندهم يشمل جميع أفراده قطعا‪،‬‬
‫فهو قاطع في معناه والمقصود بالقطع عند األحناف أن العام ال يحتمل غير العموم احتماال ناشئا عن دليل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫دليل األحناف‪ :‬إن ألفاظ العموم قد وضعت لغة في العموم والشمول فهي حقيقة في االستغراق‪ ،‬واللفظ إذا اطلق دل على‬
‫ما وضع له قطعا ما لم يقم دليل على أنه مستعمل في غيره‪ ،‬فإذا اطلقت ألفاظ العموم دلت على ما وضعت له وهو الشمول‬
‫قطعا‪ ،‬واحتمال إرادة الخصوص من هذه األلفاظ احتمال مجرد عن الدليل‪ ،‬واالحتمال املجرد من الدليل ال ينافي القطعية‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )2‬ذهب الشافعية إلى أنه هذه األلفاظ تفيد العموم والشمول ظنا فهي ظاهرة في العموم وليست نصا يفيد القطع ‪.‬‬
‫دليل الشافعية‪ :‬إن علماء الشافعية وغيره قد قاموا بالبحث عن هذه الصيغ فوجدوا أنه قد كثر إطالقها وارادة الخصوص‬
‫منها‪ ،‬بل إنه قد اشتهر بين العلماء أنه ما من عام إال وخصص‪ ،‬وهذا يفيد أن هذه الصيغ ال تدل على العموم والشمول إال‬
‫ظنا راجحا وال سبيل إلى القطع بعد وجود احتمال التخصيص فيها ‪.‬‬
‫مثرة اخلالف‪:‬‬
‫ويترتب على الخالف بين الشافعية واألحناف في داللة العام‪ ،‬أن األحناف ال يجوزون تخصيص عام الكتاب والسنة المتواترة‬
‫بالقياس وال بالخبر الواحد‪ ،‬ألن عام الكتاب والسنة المتواترة قطعي في داللته وسنده‪ ،‬و خبر الواحد إن كان قطعيا من‬
‫حيث داللته إال أنه ليس قطعيا من حيث السند‪ ،‬فلم يصل إلى درجة الكتاب والسنة المتواترة في القوة‪.‬‬
‫وأما الشافعية فإنهم يخصصون عام الكتاب والحديث المتواتر بالخبر الواحد ألن عام الكتاب ظني فيقع التعارض بينه وبين‬
‫الخبر الواحد‪ ،‬ويكون دفع التعارض بطريق الجمع بينهما وذلك بالتخصيص ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قال تعالى‪( :‬وال تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)‬
‫ً‬
‫‪ /1‬إن األحناف ال يجوزون تخصيص هذه اآلية بالقياس وال بالخبر الواحد‪ ،‬فيقولون بحرمة متروك التسمية عمدا‪ ،‬وال يحل‬
‫أكله ألنه منهي عنه والنهي يقتض ي التحريم‪ ،‬وكلمة (ما) في اآلية عامة قطعية في مفهومها فال يجوز تخصيصها بخبر الواحد‬
‫والقياس‪ ،‬ألنهما يفيدان الظن والعام يفيد القطع وال تعارض بين قطعي وظني‪ ،‬بل يعمل بالقطعي ويترك الظني ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ /2‬الشافعية يجوزون تخصيص هذه اآلية بالخبر الواحد والقياس‪ ،‬فيقولون بحل متروك التسمية عمدا فيحل أكله‪ ،‬ألنه‬
‫م خصوص من اآلية بخبر الواحد وهو قوله عليه السالم‪( :‬المسلم يذبح على اسم الله تعالى‪ ،‬سمى أو لم يسم) وبالقياس على‬
‫ً‬
‫الناس ي‪ :‬فإن من نس ي التسمية حال الذبح حلت ذبيحته إجماعا‪ ،‬فتحل ذبيحة العامد قياسا ‪.‬‬
‫(‪ )2‬داللة العام بعد التخصيص‪:‬ـ‬
‫ال خالف بين األحناف والشافعية في أن العام بعد التخصيص حجة ظنية‪ ،‬فيجوز تخصيصه بالقياس والخبر الواحد‪ ،‬ألن‬
‫ً‬
‫العام إذا خص ثبت أنه لم يكن شامال لكل األفراد فلم تكن داللته على الشمول قطعية ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قال تعالى‪( :‬فإذا انسلخ األشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فاألحناف يخصصون هذه اآلية بخبر‬
‫الواحد‪ ،‬فإن لفظ (المشركين) عام فيشمل الشيوخ والعجائز منهم‪ ،‬لكنهم خصصوه بقوله عليه السالم‪( :‬ال تقتلوا الشيوخ‬
‫والعجائز) وهو من أخبار اآلحاد‪ ،‬وذلك ألن هذا العام ظني الداللة ألنه قد خص قبل ذلك بقطعي‪ ،‬وهو قوله تعالى‪( :‬وإن‬
‫أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم الله) فهذه اآلية قد أخرجت المستأمن من حكم اآلية األولى‪ ،‬فبقي‬
‫العام بعد هذا التخصيص حجة ظنية‪ ،‬فجاز تخصيصه بدليل ظني كخبر الواحد ‪.‬‬
‫ختصيص العام‪:‬‬
‫التخصيص عند األحناف‪:‬‬
‫(‪ )1‬تعريف التخصيص‪( :‬أنه قصر العام على بعض أفراده بدليل لفظي مستقل مقارن) ‪.‬‬
‫(‪ )2‬شروط التخصيص عند األحناف‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون دليل التخصيص لفظيا (فيخرج به تخصيص العقل والحس والمشاهدة) وإذا كان تخصيصه بالعقل أو‬
‫الحس أو المشاهدة لم يكن تخصيصا للعام بالمعنى االصطالحي فيبقى العام قطعي الداللة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مثال العام المقصور على بعض أفراده بالعقل قوله تعالى‪( :‬الله خالق كل ش يء) فإن العقل يقصره على غير ذاته تعالى‪،‬‬
‫ً‬
‫فليست مخلوقة له ومنه خطاب التكليف أمرا ونهيا‪ ،‬كقوله (أقيموا الصالة) و قوله (وال تقتلوا النفس التي حرم الله) فإن‬
‫العقل يقصر هذا الخطاب على غير الصبيان واملجانين‪.‬‬
‫ومثال ال عام الذي قصره الحس على بعض أفراده قوله تعالى في بلقيس ملكة سبأ‪( :‬وأوتيت من كل ش يء) فإن الحس يدل على‬
‫أن بلقيس لم تؤت بعض األشياء فقصر العام على بعض أفراده بواسطة الحس ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن يكون دليل التخصيص مستقال‪ :‬ومعنى المستقل‪( :‬الذي يدل على معناه بنفسه ال حاجة إلى غيره)‬
‫وعلى ذلك يخرج قصر العام على بعض أفراده بواسطة االستثناء أو الشرط أو الصفة أو الغاية عن التخصيص‪ ،‬فال يختبر‬
‫تخصيصا ‪.‬‬
‫مثال قصر العام على بعض أفراده بواسطة االستثناء‪ ،‬قوله عليه السالم (ال نكاح إال بولي) ‪ .‬فإن قوله (ال نكاح) عام في نفي‬
‫النكاح وعدم صحته‪ ،‬وقوله بعد ذلك (إال بولي) يفيد صحته بالولي ‪.‬‬
‫ومثال قصر العام على بعض أفراده بواسطة الشرط‪ ،‬قوله تعالى‪( :‬فإن طلقها فال جناح عليهما أن يتراجعا)‪ ،‬فقوله تعالى‬
‫(فال جناح عليهما) يفيد رفع الجناح في كل حال‪ ،‬ألنها نكرة في سياق نفي فتعم‪ ،‬وقوله بعد ذلك (إن ظنا أن يقيما حدود الله)‬
‫قصر رفع الجناح على حالة ظن إقامة حدود الله دون غيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون العام وتخصيصه نزل في وقت واحد‪:‬‬
‫ً‬
‫ألن تقدم أحدهما وتأخر اآلخر كان المتأخر ناسخا للمتقدم‪ ،‬فإذا كان المتأخر هو العام نسخ الخاص‪ ،‬وإذا كان المتأخر‬
‫ً‬
‫هو الخاص كان ناسخا للعام فيما دل عليه من األفراد‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬أن يكون املخصص مثل العام في القوة ومساويا له بأن يكون العام من القرآن فال بد أن يكون املخصص من القرآن مثله‪.‬‬
‫هذه هي الشروط التي ال يتحقق التخصيص بدونها عند األحناف‪ ،‬ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪( :‬اقتلوا المشركين) فإنه عام مخصوص‬
‫بقوله تعالى‪( :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) ألن هذه اآلية األخيرة قد توافرت فيها شروط املخصص األربعة‪ :‬وهي‬
‫أنه دليل لفظي مقارن مستقل وقرآن مثله ‪.‬‬
‫التخصيص عند الشافعية‪:‬‬
‫تعريفه‪( :‬قصر العام على بعض أفراده بدليل ما‪ ،‬أو هو إخراج بعض ما يتناوله لفظ العام بدليل) ‪.‬‬
‫ً‬
‫فالتخصيص عندهم تفسير للعام وبيان أن ما تناوله الدليل املخصص لم يكن مرادا للشارع من العام‪.‬‬
‫شروط التخصيص عند الشافعية‪:‬‬
‫إن الشافعية ال يشترطون ما شرطه الحنفية من كون الدليل املخصص لفظيا مستقال مقارنا‪ ،‬فالتخصيص عندهم يكون‬
‫بالدليل اللفظ والعقلي والحس ي‪ ،‬ويكون بالدليل المستقل وبغيره من االستثناء والشرط‪ ،‬ويكون بالمقارن وبغيره ‪.‬‬
‫الفرق بني التخصيص والنسخ‪:‬‬
‫‪ /1‬أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته‪ ،‬وأما التخصيص فإنه بيان للمراد باللفظ العام‪.‬‬
‫‪ /2‬التخصيص يكون في األحكام وفي األخبار‪ ،‬والنسخ ال يكون إال في األحكام ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ /3‬أن المقطوع يخص بالمظنون عند الجمهور خالفا لألحناف وال ينسخ المقطوع إال مقطوع مثله اتفاقا ‪.‬‬
‫‪ /4‬التخصيص ال يدخل إال على العام‪ ،‬أما النسخ فإنه يدخل على العام والخاص ‪.‬‬
‫‪ /5‬التخصيص إخراج لبعض ما يتناوله العام من االفراد‪ ،‬وأما النسخ فإنه إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ من األزمان‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تعريف املخصص‪:‬‬
‫املخصص‪ :‬هو الدليل الذي يخرج بعض أفراد العام‪ ،‬وذلك بإثبات حكم لبعض ما تناوله العام يخالف حكم العام ‪.‬‬
‫أنواع املخصص‪:‬‬
‫(‪ )2‬ومنفصل ‪.‬‬ ‫املخصص نوعان‪ )1( :‬متصل‬
‫(‪ )1‬املخصص المتصل‪ :‬هو الذي ال يستقل عن الكالم الذي اشتمل عليه‪ .‬وهو أقسام أربعة‪ :‬االستثناء‪ ،‬والشرط‪ ،‬والصفة‪،‬‬
‫والغاية ‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬املخصص المنفصل‪ :‬هو ما استقل في إفادة معنى عن الكالم الذي يخصصه‪ .‬وأقسامه ثالثة‪ :‬العقل والحس والنقل أو‬
‫الدليل السمعي ‪.‬‬
‫تعارض العام واخلاص‪:‬‬
‫إذا تعارض العام والخاص‪ ،‬بأن كان الخاص يثبت لبعض أفراد العام حكما يخالف حكم العام‪ ،‬فإن األحناف يجعلون‬
‫ً‬
‫المتأخر في التاريخ منهما ناسخا للمتقدم‪ ،‬سواء كان المتأخر هو العام أو الخاص‪ ،‬أما إذا علمت المقارنة فإنهم يقولون‬
‫بالتخصيص بمعنى أن ما تناوله الخاص يأخذ حكم الخاص وال يطبق بشأنه حكم العام ويطبق حكم العام على ما بقي بعد‬
‫التخصيص فقط ‪.‬‬
‫ً‬
‫والجمهور يقولون أن التخصيص فيه إعمال للدليلين معا‪ :‬الخاص فيما تناوله والعام فيما بقي‪ ،‬وذلك بخالف النسخ فإن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إبطاال ألحد الدليلين ومن المقرر الثابت أن إعمال الدليلين معا أولى من إبطالهما أو إبطال أحدهما‪ ،‬فكان القول‬ ‫فيه‬
‫ً‬
‫بالتخصيص راجحا ‪.‬‬
‫املخصصات اللفظية‪:‬‬
‫(‪ )1‬التخصيص بالكتاب‪:‬‬
‫ً‬
‫القرآن قطعي الثبوت إال أنه قد يكون قطعي الداللة‪ ،‬وقد يكون ظنيها‪ ،‬وألن القرآن قطعي الثبوت فإنه يصلح مخصصا لكل‬
‫األدلة الشرعية ‪ ،‬فيكون خاص الكتاب مخصصا لعامه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬التخصيص بالسنة‪:‬‬
‫السنة على نوعان‪( :‬أ) سنة متواترة‪ :‬وهي قطعية الثبوت كالقرآن‪( .‬ب) وسنة آحادية ال تفيد إال الظن الراجح ‪.‬‬
‫فا لسنة المتواترة تصلح مخصصة لبقية األدلة‪ ،‬فتخصص عام القرآن والسنة المتواترة وآخبار اآلحاد‪ ،‬ألن كل ذلك من‬
‫قبيل تخصيص القطعي بالقطعي‪ ،‬أو الظني بالقطعي‪.‬‬
‫مثال‪ :‬تخصيص السنة المتواترة لعام الكتاب‪ :‬قوله عليه السالم‪( :‬ال يرث القاتل) فإنه خصص العام في قوله تعالى‪:‬‬
‫(يوصيكم الله في أوالدكم) ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما سنة آحادية فيرى الجمهور (الشافعية‪ ،‬المالكية‪ ،‬الحنابلة) أن خبر الواحد يصلح أن يكون مخصصا لعام الكتاب والسنة‬
‫المتواترة‪.‬‬
‫ويرى المتأخرين من األحناف‪ :‬أن خبر الواحد ال يصلح أن يكون مخصصا لعام الكتاب والسنة المتواترة‪ ،‬ألن الكتاب والسنة‬
‫المتواترة قطعي الداللة قطعي السند‪ ،‬وأما خبر الواحد فقطعي الداللة ولكن ظني السند‪ ،‬فال يصلح أن يخصص قطعي‬
‫الداللة بظني الداللة‪.‬‬
‫(‪ )3‬التخصيص بالجماع‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫اإلجماع دليل قطعي‪ ،‬فلذلك يخص به كل دليل قطعي أو ظني‪ ،‬فيخصص عام الكتاب والسنة المتواترة وآخبار اآلحاد‪.‬‬
‫مثال تخصيص اإلجماع لعام الكتاب‪ :‬اإلجماع على تنصيف حد الزنا على العبد بجعله خمسين جلدة بدال من مائة‪ ،‬فإن‬
‫اإلجماع يخصص قوله تعالى‪( :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ‪.‬‬
‫(‪ )4‬التخصيص بالقياس‪:‬‬
‫اختلف العلماء في التخصيص بالقياس لعام الكتاب والسنة المتواترة وخبر الواحد‪:‬‬
‫فذهب جمهور العلماء (الشافعية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والحنابلة وحتى اإلمام أبي حنيفة بنفسه) إلى أن القياس يخصص عام الكتاب‬
‫ً‬
‫والسنة المتواترة‪ ،‬ودليلهم أن القول بالتخصيص فيه إعمال للدليلين معا ‪.‬‬
‫وذهب بعض األحناف‪ :‬أن القياس ال يصلح مخصصا لعام الكتاب والسنة المتواترة إال إذا خصا بدليل قطعي قبله ذلك ألن‬
‫داللة العام قطعية وداللة القياس ظنية‪ ،‬وال تعارض بين القطعي والظني‪ ،‬بل يقدم القطعي عليه ‪.‬‬
‫(‪ )5‬التخصيص بالعرف‪:‬‬
‫ال خالف بين الشافعية واألحناف في تخصيص العام بالعرف القولي‪ ،‬وهو ما ثبت باستعمال اللفظ في معنى يخالف المعنى‬
‫الموضوع له ‪ .‬وأما عرف االستعمال فإن األحناف يخصصون به اللفظ العام‪ ،‬وأما الشافعية فال يعدونه مخصصا إال إذا‬
‫استند إلى إقرار من الرسول عليه السالم ‪.‬‬
‫حكم اخلاص‪:‬‬
‫أوال‪ :‬داللة الخاص‪ :‬الخاص يدل على معناه داللة قطعية‪ ،‬فيجب العمل به فيما وضع له‪ ،‬إال إذا صرفه عن هذا المعنى دليل‬
‫يحتج بمثله‪ ،‬وعلى ذلك يقرر األصوليون أن الخاص ال يحتاج إلى بيان‪ ،‬إذ البيان إثبات الظهور وإزالة الخفاء‪ ،‬والخاص ظاهر‬
‫في معناه الموضوع له‪ ،‬وليس فيه خفاء يحتاج معه إلى بيان‪.‬‬
‫مثال الخاص‪ :‬ومن الخاص الذي يجب العمل بما يدل عليه وال يحتمل البيان‪ ،‬لفظ (الثالثة) في قوله تعالى‪( :‬والمطلقات‬
‫يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء)‪ ،‬فإن الثالثة اسم خاص لعدد معلوم ال يحتمل غيره‪ ،‬كالفرد ال يحتمل العدد‪ ،‬والواحد ال‬
‫يحتمل االثنين‪ ،‬ولذلك يرى األحناف أن لفظ القرء في اآلية السابقة ال يحمل على الطهر كما يقول الشافعية‪ ،‬بل يحمل على‬
‫الحيض‪ ،‬ألننا إذا حملناه على الطهر‪ ،‬فإن احتسبنا الطهر الذي طلق فيه‪ ،‬كما يقول الشافعي‪ ،‬كانت العدة طهرين وبعض‬
‫الطهر‪ ،‬وإن لم نحتسبه كانت العدة ثالثة أطهار وبعض الطهر‪ ،‬وهذا إبطال لحكم الخاص‪ ،‬وهو لفظ الثالثة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أقسام اخلاص‪:‬‬
‫ينقسم الخاص إلى‪ )1( :‬األمر (‪ )2‬النهي (‪ )4 ،3‬المطلق والمقيد ‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬األمر‪:‬‬
‫تعريف األمر‪ :‬هو القول الطالب للفعل على سبيل العلو‪ ،‬بأن يكون اآلمر أعلى من المأمور رتبة كما في أوامر الشارع سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫حاالت األمر‪ )1( :‬األمر إذا صدر من أعلى درجة من المأمور فيسمى أمرا (‪ )2‬وإذا صدر األمر من األدنى رتبة لمن هو أعلى‬
‫منه فهو دعاء (‪ )3‬وإذا صدر من المساوي له فهو التماس ‪.‬‬
‫صيغة األمر‪ :‬يأتي األمر على أربع صيغ‪:‬‬
‫(‪ )1‬صيغة فعل األمر (وهو الغالب في النصوص) مثل قوله تعالى‪( :‬أقيموا الصالة) ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صيغة الفعل المضارع المقترن بالم األمر‪ ،‬مثل قوله تعالى‪( :‬لينفق ذو سعة من سعته) ‪.‬‬
‫(‪ )3‬صيغة المصدر النائب عن فعل األمر‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬فرهان مقبوضة) ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ً‬
‫(‪ )4‬وقد تدل الجملة الخبرية على األمر مجازا‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬كتب عليكم القتال) ‪.‬‬
‫داللة صيغة األمر‪:‬‬
‫معان‪ ،‬نذكر بعضها‪:‬‬‫تستعمل صيغة األمر في خمسة عشر ٍ‬
‫(‪ )1‬الوجوب‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬وجاهدوا في الله حق جهاده) ‪ )2( .‬الندب‪ ،‬كقوله تعالى في األرقاء (فكاتبوهم)‪ ،‬فإن مكاتبة الرقيق‬
‫مندوبة وليست واجبة‪ )3( .‬اإلرشاد‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ‪ )4( .‬اإلباحة كقوله تعالى‪( :‬وإذا‬
‫حللتم فاصطادوا)‪ )5( .‬التهديد‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬اعملوا ما شئتم) ‪.‬‬
‫ما تفيده صيغة األمر حقيقة‪:‬‬
‫اختلف العلماء في حقيقة صيغة األمر على أقوال‪:‬‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬ذهب المالكية إلى أن األمر حقيقة في الندب‪ ،‬ومجازا في غيره‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )2‬وذهب بعض الشافعية إلى أن األمر حقيقة في اإلباحة ومجازا في غيره‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬وذهب اإلمام الغزالي وعلماء الكالم‪ :‬إلى أن األمر ال يحمل على واحد من هذه المعاني بل حكمه التوقف ونبحث عن‬
‫القرائن فإذا كانت القرينة تدل على الوجوب أخذنا على الوجوب وإذا كانت تدل على غير ذلك أخذناه على ذلك ‪.‬‬
‫(‪ )4‬وذهب الجمهور‪ :‬إلى أن صيغة األمر حقيقة في الوجوب مجاز في غيره ‪( .‬وهذا هو الراجح) أدلتهم‪:‬‬
‫دليلهم من الكتاب‪ :‬قال تعالى‪( :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)‪ ،‬ووجه االستدالل‬
‫أنه جعل مخالفة األمر موجبة للعذاب‪ ،‬فكان األمر داال على وجوب المأمور به‪ ،‬ألنه ال عذاب إال على ترك الواجب‪.‬‬
‫ً‬
‫دليلهم من السنة‪ :‬قوله عليه السالم لبريرة وقد عتقت وهي زوجة لعبد ال تحبه فأرادت أن تفسخ زواجها منه استعماال لحقها‬
‫في الخيار‪( :‬لو راجع ِته‪ ،‬فقالت‪ :‬بأمرك يا رسول الله؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬إنما أنا شافع‪ ،‬فقالت‪ :‬ال حاجة لي فيه) ووجه االستدالل أنه‬
‫عليه السالم أقر بريرة على أن األمر منه يوجب الطاعة ويفيد اإللزام ‪.‬‬
‫ودليلهم من اإلجماع‪ :‬قد أجمعت األمة على أن الوجوب يستفاد من صيغة األمر إذا لم تصرفه عن الوجوب قرينة‪ ،‬ولم يزل‬
‫جميع املجتهدين يستدلون بصيغ األمر على الوجوب‪.‬‬
‫داللة صيغة األمر على الفور أو التكرار‪:‬‬
‫الراجح عند األصوليين‪ :‬أن صيغة األمر ال تدل بوضعها على وجوب المأمور به على الفور والتراخي‪ ،‬كما أنها ال تفيد المرة أو‬
‫التكرار‪ ،‬وإنما يستفاد الفور أو التكرار من القرائن المقترنة بالصيغة أو األدلة الخارجة عنها ‪.‬‬
‫كقوله تعالى‪( :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فإنه يفيد أن الصوم يجب عند شهود كل شهر وهكذا ‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬النهي‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬النهي بأنه القول الطالب للكف عن الفعل على سبيل العلو‪.‬‬
‫صيغة النهي‪:‬‬
‫للنهي صيغة (‪ )1‬حقيقية (‪ )2‬ومجازية‪ ،‬أما الحقيقية فهي الفعل المضارع المسبوق بال الناهية كقوله تعالى‪( :‬ال تأكلوا الربا)‪.‬‬
‫وأما صيغة النهي املجازية فهي الجملة الخبرية التي تفيد طلب الكف عن الفعل بواسطة القرينة‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬حرمت‬
‫عليكم الميتة) فإن المراد من الخبر في اآليتين اإلنشاء وطلب الكف عن الفعل ‪.‬‬
‫داللة صيغة النهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬ما تستعمل فيه الصيغة‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫استعملت صيغة النهي في عدة معان‪ :‬منها (‪ )1‬التحريم كقوله (وال تقربوا الزنا)‪ )2( .‬الكراهة‪ ،‬كقوله (ال تسألوا عن أشياء إن‬
‫تبدلكم تسؤكم)‪ )3( ،‬الدعاء‪ ،‬كقوله (ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)‪ )4( ،‬لبيان العاقبة‪ ،‬كقوله (ال تحسبن الله غافال عما‬
‫يعمل الظالمون)‪ )5( ،‬اليأس‪ ،‬كقوله‪( :‬ياأيها الذين كفروا ال تعتذروا اليوم) ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما تدل عليه صيغة النهي حقيقة‪:‬‬
‫الراجح في داللة صيغة النهي هو‪ :‬أن النهي يفيد التحريم‪ ،‬وهذا هو مذهب الجمهور‪ ،‬ودليلهم‪:‬‬
‫قوله تعالى‪( :‬وما نهاكم عنه فانتهوا) ووجه االستدالل أن الله أمر المسلمين باالنتهاء عما نهى عنه الرسول عليه السالم‪ ،‬وقد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تقدم أن األمر يفيد الوجوب‪ ،‬وبذلك يكون االنتهاء واجبا‪ ،‬ولما كان ترك الواجب حراما‪ ،‬كان فعل المنهي عنه حراما ‪ ،‬وكان‬
‫النهي داال على التحريم‪.‬‬
‫‪ -3‬داللة النهي على الفور والتكرار‪:‬‬
‫الراجح أن النهي يقتض ي الفور والتكرار بخالف األمر‪ .‬ذلك ألن النهي يقتض ي عدم االتيان بالمنهي عنه‪ ،‬وعدم االتيان ال‬
‫ً‬
‫يتحقق إال بتركه في جميع األزمنة‪ ،‬ما يلي منها النهي مباشرة‪ ،‬وما يأتي بعده فيكون النهي مفيدا للفور والتكرار ‪...‬‬
‫القسم الثالث والرابع‪ :‬املطلق واملقيد‪:‬‬
‫تعريفهما‪ :‬المطلق‪ :‬ما دل على فرد شائع من أفراد جنسه‪ .‬المقيد‪ :‬ما دل على حصة معينة من هذا الجنس ‪.‬‬
‫فالمطلق كلفظ (رقبة) في قوله تعالى في كفارة اليمين‪( :‬أو تحرير رقبة)‪ ،‬والمقيد كلفظ (رقبة مؤمنة) في قوله تعالى في كفارة‬
‫القتل الخطأ‪( :‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) فلفظ (رقبة) دل على فرد شائع من أفراد الرقبة‪ ،‬أي فرد كان مما‬
‫يصدق عليه لفظ الرقبة‪ ،‬وأما لفظ (رقبة مؤمنة) فإنه دل على حصة من الرقاب‪ ،‬وهي الرقاب المؤمنة دون الكافرة ‪.‬‬
‫حكم املطلق واملقيد‪:‬‬
‫لحكم المطلق والمقيد أربع حاالت‪:‬‬
‫(‪ )1‬إذا ذكر اللفظ مطلقا‪ ،‬ولم يوجد دليل على تقييده‪ ،‬فهذا المطلق يحمل على إطالقه ‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )2‬إذا ذكر اللفظ مطلقا ودل الدليل على تقييده‪ ،‬فهذا المطلق يحمل على تقييده باالتفاق ‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )3‬إذا ورد اللفظ مقيدا ولم يوجد دليل على عدم اعتبار القيد فهذا المقيد يحمل على قيده باالتفاق‪.‬‬
‫مقيد وقام الدليل على عدم اعتبار القيد فهذا المقيد يعمل به مطلقا عن القيد وذلك باالتفاق أيضا‪.‬‬ ‫(‪ )4‬إذا ورد اللفظ ً‬
‫محل املطلق على املقيد‪:‬‬
‫إذا لم يتعارض المطلق والمقيد فيعمل بالمطلق على إطالقه وبالمقيد مع قيده‪ ،‬وإذا ظهر التعارض بينهم فإن هذا التعارض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يجب دفعه‪ ،‬وذلك بحمل المطلق على المقيد‪ ،‬واعتبار القيد شرطا فيه‪ ،‬وفي ذلك عمل بالدليلين معا‪ ،‬ألن المطلق جزء من‬
‫ً‬
‫المقيد فإذا عملنا بالمقيد فقد عملنا بالمطلق‪ ،‬ألن المقيد مطلق زااد قيدا‪ ،‬بخالف ما إذا عملنا بالمطلق فإننا نكون قد‬
‫أهملنا المقيد‪ ،‬ألنه ليس جزءا منه‪.‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬احتاد الواقعة واحلكم‪:‬‬
‫ً‬
‫ومن أمثله هذه الحالة قوله تعالى‪( :‬قل ال أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) مع‬
‫قوله تعالى‪( :‬حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) فإن الدم ورد مطلقا في اآلية الثانية‪ ،‬وورد مقيدا بالمسفوح في اآلية‬
‫األولى‪ ،‬والموضوع واحد‪ ،‬وهو الدم‪ ،‬والحكم فيهما واحد وهو الحرمة‪ ،‬وهنا يجب حمل المطلق على المقيد باتفاق الفقهاء‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬اختالف الواقعة واحلكم‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫والختالف الواقعة والحكم أمثلة منها قوله تعالى في كفارة القتل الخطأ‪( :‬فمن لم يجل فصيام شهرين متتابعين) مع قوله‬
‫تعالى في كفارة اليمين‪( :‬فمن لم يجد فصيام ثالثة أيام) فالواقعة هنا مختلفة‪ ،‬ألنها في اآلية األولى كفارة القتل الخطأ‪ ،‬وفي‬
‫اآلية الثانية كفارة اليمين‪ ،‬والحكم فيهما مختلف كذلك‪ ،‬ألنه فى األولى صيام شهرين‪ ،‬وفي الثانية صيام ثالثة أيام‪ ،‬وقد ورد‬
‫الصيام في اآلية االولى مقيدا بالتتابع وفي الثانية مطلقا عنه‪.‬‬
‫اتفق الفقهاء على عدم حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة‪ ،‬إذ ال تعارض في الحقيقة بين النصين‪ ،‬الختالف الواقعتين‬
‫والحكمين‪ ،‬وهذا االختالف قد يقتض ي زيادة قيد أحد الحكمين دون اآلخر ‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪ :‬احتاد الواقعة واختالف احلكم‪:‬‬
‫مثاله آية الوضوء‪( :‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) مع قوله تعالى في آية‬
‫التيمم‪( :‬فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فإن الموضوع في النصين واحد‪ ،‬وهو‬
‫التطهر للصالة‪ ،‬واختلف الحكم في النص األول غسل اليدين بالماء‪ ،‬وفي الثاني مسحهما بالتراب‪ ،‬وقد جاءت األيدي مطلقة‬
‫في آية التيمم‪ ،‬وقيدت في آية الوضوء بكونها إلى المرفقين‪ ،‬فهل يحمل المطلق على المقيد‪ ،‬فتمسح األيدي إلى المرفقين أم‬
‫يعمل على إطالقه؟‬
‫اختلف األصوليون في هذه الصورة‪ ،‬فيرى البعض أن اتحاد الواقعة يجب التعارض بين النصين‪ ،‬وإن اختلف الحكم فيجب‬
‫رفع هذا التعارض بحمل المطلق على المقيد (هذا مذهب كثير من الشافعية) ‪.‬‬
‫وذهب جمهور األصوليين أن ال تعارض بين المطلق والمقيد في هذه الحالة‪ ،‬فال يحمل المطلق على المقيد إال بدليل‪،‬‬
‫فالمالكية والحنابلة يرون العمل بالمطلق في آية التيمم‪ ،‬ويقولون بمسح اليدين إلى الكوعين‪ ،‬ال إلى المرفقين في التيمم‪ ،‬وأما‬
‫األحناف فإنهم وإن كانوا ال يقولون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة فإنهم أوجبوا المسح إلى المرفقين فى التيمم‪،‬‬
‫عمال بالحديث‪( ،‬التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه وضربة لليدية إلى المرفقين) فكان حمل المطلق على المقيد بهذا الدليل ‪.‬‬
‫احلالة الرابعة‪ :‬اختالف املوضوع واحتاد احلكم‪:‬‬
‫ومثال هذه الحالة قوله تعالى في البيع‪( :‬وأشهدوا إذا تبايعتم) مع قوله تعالى في مراجعة الزوجة‪( :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم)‪،‬‬
‫فا لموضوع في اآليتين مختلف‪ ،‬ألنه البيع في األولى‪ ،‬والمراجعة في الثانية‪ ،‬مع أن الحكم فيهما واحد وهو اإلشهاد‪ ،‬وفي حمل‬
‫المطلق على المقيد الخالف السابق‪ ،‬فيرى الشافعية حمل المطلق في آية البيع على المقيد في آية المراجعة‪ ،‬فيقولون‬
‫ً‬
‫باشتراط العدالة في الشاهد على عقد البيع‪ ،‬وأما األحناف الذين ال يرون تعارضا في هذه الحالة فإنهم ال يحملون المطلق‬
‫على المقيد إال إذا ورد الدليل‪ ،‬وقد دل الدليل على أن العدالة شرط في الشهادة عند األحناف فحملوا به المطلق على‬
‫المقيد‪.‬‬
‫حكم املشرتك‪:‬‬
‫ال خالف بين العلماء أنه إذا ورد لفظ مشترك ووجدت معه قرينة تعين بعض معانيه‪ ،‬أنه يجب حمله على ما دلت عليه‬
‫القرينة‪ ،‬وذلك كقوله تعالى وصفا للجنة‪( :‬فيها عين جارية)‪ ،‬فإن العين هنا تحمل على عين الماء بقرينة قوله (جارية) ومثل‬
‫ذلك قولك‪ :‬عندي عين أشتري بها ما أشاء‪ ،‬فإنه يحمل على الذهب بقرينة الشراء‪ ،‬ومثله عوقب العين‪ :‬فإنه يحمل على‬
‫الجاسوس بقرينة العقاب ‪.‬‬
‫وأما إذا تجرد المشترك عن القرائن التي تبين أحد معانيه فإنه يكون مجمال عند من يمنع استعماله في جميع معانيه وهم‬
‫األحناف ويدخل في المشكل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان المشترك الذي لم تعين القرينة أحد معانيه مجمال فإنه يجب التوقف فيه والبحث عن قرينة ليمكن العمل بما‬
‫تعينه‪.‬‬
‫وأما من يجوز استعمال المشترك في جميع معانيه‪ ،‬وهم الشافعية‪ ،‬فإنهم يحملونه على معانيه كلها إذا أمكن الجمع بينها‪،‬‬
‫ً‬
‫أما إذا لم يكن الجمع بينها‪ :‬كما في لفظ (القرء) فإنه يكون مجمال فيجب البحث عن دليل يبين المعنى المراد منه‪.‬‬
‫استعمال المشترك في كل معانيه‪:‬‬

‫اختلف األصوليون يف استعمال اللفظ املشرتك يف مجيع معانيه‪:‬‬


‫فذهب الشافعية أنهم يجوز استعمال المشترك في جميع معانيه‪ ،‬واستدلوا أنه قد ورد عن الشارع استعمال المشترك في‬
‫معانيه كلها دفعة واحدة‪ ،‬ذلك أن لفظ (الصالة) مشترك بين الرحمة واالستغفار‪ ،‬وقد أراد الشارع منه هذين المعنيين في‬
‫قوله تعالى‪( :‬إن الله ومالئكته يصلون على النبي)‪ ،‬فالصالة من الله رحمة‪ ،‬ومن المالئكة االستغفار‪ ،‬وقد جمع الشارع بينهما‬
‫ً‬
‫فكان ذلك استعماال للمشترك في معنييه جميعا ‪.‬‬
‫وذهب االحناف إلى أنه ال يجوز استعمال المشترك في جميع معانيه‪ ،‬واستدلوا‪ :‬أن المشترك إما أن يكون موضوعا لكل معانيه‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬أو غير موضوع لها دفعة واحدة‪ ،‬فإن ل م يكن موضوعا لها دفعة واحدة فال يصح استعماله فيها‪ ،‬ألن اللفظ‬
‫ً‬
‫إنما يستعمل فيما وضع له ال فيما لم يوضع له‪ ،‬وإن كان موضوعا لها دفعة واحدة‪ ،‬لم يكن مستعمال في جميع معانيه‪ ،‬ألن‬
‫الفرض أنه مستعمل في كل واحد مه هذه المعاني على انفراد ذلك ‪.‬‬
‫وقد رد األحناف على أدلة الشافعية بقولهم إن المراد بالصالة في اآلية القدر المشترك بين الرحمة واالستغفار وهو االعتناء‬
‫بالرسول وإظهار شرفه‪ ،‬وبذلك يكون اللفظ مستعمال في معنى واحد‪ ،‬وكل من الرحمة واالستغفار أفراد له‪ ،‬فليس ذلك من‬
‫قبيل المشترك ‪ ،‬ألن المشترك هو الذي دل على معنيين فأكثر بأوضاع متعددة‪ ،‬وهذا قد دل على معنى واحد بوضع واحد‪،‬‬
‫وهذا ما يسيمه األصوليون بالمشترك المعنوي‪ ،‬والكالم ليس فيه وإنما في المشترك اللفظ الذي يتحد فيه اللفظ وتتعدد‬
‫المعاني واألوضاع ‪.‬‬
‫وهناك رأي ثالث ولكنه ضعيف وهي‪ :‬إذا كان في سياق النفي يجوز استعماله في جميع المعاني‪ ،‬وإذا كان في سياق االثبات ال‬
‫يجوز استعمال المشترك في جميع المعاني ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫احلقيقة واجملاز‬
‫تعريف احلقيقة واجملاز‪:‬‬
‫احلقيقة‪ :‬هي استعمال اللفظ فيما وضع له في اصطالح المتكلم‪ ،‬وهي أقسام أربعة‪/1( :‬حقيقة لغوية‪ /2 ،‬حقيقة عرفية‬
‫عامة‪ /3 ،‬حقيقة عرفية خاصة‪ /4 ،‬حقيقة شرعية) ‪.‬‬
‫‪ /1‬احلقيقة اللغوية‪ :‬استعمال اللفظ فيما وضع له في أصل اللغة‪ ،‬كاستعمال اإلنسان في الحيوان الناطق‪.‬‬
‫‪ /2‬احلقيقة العرفية العامة‪ :‬هي اللفظ الذي وضعه أهل اللغة لمعنى معين استعمله أهل العرف العام في غيره‪ ،‬وشاع هذا‬
‫االستعمال‪ ،‬كلفظ الدابة فقد وضعه أهل اللغة لكل ما يدب على األرض‪ ،‬ثم استعمله أهل العرف العام في بعض أفراده‬
‫وهو ذوات األربع‪ ،‬وكثر هذا الستعمال ‪.‬‬
‫‪ /3‬احلقيقة العرفية اخلاصة‪ :‬هي اللفظ الذي وضعه أهل اللغة لمعنى معين‪ ،‬ثم استعمله أهل عرف خاص في غيره كلفظ‬
‫(الرفع والجر) عند النحاة‪.‬‬
‫‪ /4‬احلقيقة الشرعية‪ :‬اللفظ الذي وضعه أهل اللغة لمعنى معين‪ ،‬ثم استعمله أهل الشرع في غيره‪ ،‬كلفظ الصالة والزكاة‬
‫والحج والطالق والنكاح ‪ .‬فالصيام لغة اإلمساك‪ ،‬وقد استعمله أهل الشرع في إمساك مخصوص ‪.‬‬
‫تعريف اجملاز‪:‬‬
‫ً‬
‫املجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطالح المتكلم‪ ،‬لقرينة وعالقة‪ ،‬كلفظ األسد في قولك‪ :‬رأيت أسدا في‬
‫ميدان الحرب‪ ،‬فإنه موضوع لغة للحيوان المفترس‪ ،‬وقد استعمل في الرجل الشجاع بقرينة قولك في ميدان الحرب‪،‬‬
‫والعالقة بين األسد والرجل الشجاع في الشجاعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الصريح والكناية‪:‬‬
‫ينقسم كل من الحقيقة واملجاز إلى صريح وكناية‪:‬‬
‫فالصريح‪ :‬ما ظهر المراد منه ولم يكن خيفا ‪ .‬والكناية‪ :‬ما لم يظهر المراد منه وكان معناه خفيا ‪.‬‬
‫(أ) الصريح ‪.‬‬
‫ً‬
‫فصريح الحقيقة‪ :‬مثل قمت وسافرت‪ ،‬لغة‪ .‬وصليت وحججت شرعا‪.‬‬
‫وصريح املجاز‪ :‬مثل أكلت من هذه الشجرة‪ ،‬وقوله تعالى‪( :‬واسأل القرية) فهذه األلفاظ قد استعملت في معانيها مجازا غالبا‪،‬‬
‫ولذلك ينكشف معناها لكل من له علم بلغة العرب‪.‬‬
‫(ب) الكناية‪:‬‬
‫كناية الحقيقة‪ :‬كقولك (كنت أصلي) تريد أنك كنت تدعو‪ .‬فهذه ألفاظ استعملت فيما وضعت له لغة‪ ،‬فهي حقائق لغوية‪،‬‬
‫إال أن المراد منها ال ينكشف للسامع‪ ،‬ألن هذه الحقائق قد هجرت وغلب استعمال هذه األلفظ في مجازاتها حتى صار بعض‬
‫هذه املجازات حقائق عرفية أو شرعية‪.‬‬
‫كناية املجاز‪ :‬كقول المطلق لزوجته‪( :‬الحقي باهلك) يريد الطالق‪ ،‬فهذه األلفاظ لم تستعمل في حقائقها لغة‪ ،‬بل استعملت‬
‫في معانيها املجازية إال أن استعمالها في هذه المعاني قليل نادر‪ ،‬ولذلك يستتر المراد من اللفظ وال ينكشف للسامع‪.‬‬
‫حكم احلقيقة واجملاز‪:‬‬
‫لقد وضع علماء األصول القواعد التي يتبين منه الحكم‪ :‬فقرر الجمهور أن اللفظ يحمل أوال على حقيقته‪ :‬شرعية أو لغوية‬
‫أو عرفية‪ ،‬وال يصار إلى املجاز إال إذا تعذر حمله على هذه الحقائق كلها‪ ،‬فإذا أمكن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية أو‬

‫‪11‬‬
‫اللغوية أو العرفية وجب حمله عليها‪ ،‬ألن الحقيقة هي األصل‪ ،‬فال يصرف اللفظ عنها إلى املجاز إال إذا تعذر الحمل عليها‪ ،‬أو‬
‫قام الدليل على عدم إرادتها‪ ،‬ففي هذه الحالة األخيرة وحدها يجوز حمل اللفظ على مجازه‪.‬‬
‫فإذا تعددت حقائق اللفظ بأن كانت له حقيقة لغوية وأخرى عرفية أو شرعية‪ ،‬فقد قرر الجمهور وجوب حمله على الحقيقة‬
‫الشرعية أوال‪ ،‬فإن تعذر الحمل عليها وجب حمله على الحقيقة العرفية‪ ،‬فإن تعذر الحمل عليها حمل على الحقيقة اللغوية‪،‬‬
‫فالحقيقة الشرعية مقدمة على العرفية واللغوية‪ ،‬والعرفية مقدمة على اللغوية‪.‬‬
‫فإذا تعذر الحمل على واحدة من الحقائق الثالث أو قامت القرائن على عدم إرادة واحدة منها وجب حمل اللفظ على معناه‬
‫املجازي‪ ،‬فإن تعددت مجازاته حمل على ما ترجح منها بمرجح من المرجحات التي ذكروها‪ ،‬فإذا لم يترجح واحد منها‪ ،‬كان‬
‫اللفظ مجمال فيها فيتوقف فيه حتى تقوم القرينة على تعيين المراد ‪.‬‬
‫محل اللفظ على املعنى احلقيقي‪:‬‬
‫يقرر األصوليون أن الحقيقة راجحة على املجاز‪ ،‬فهي أصل واملجاز استثناء‪ ،‬وعلى ذلك إذا ورد لفظ في كالم الشارع فإنه‬
‫يجب على الفقيه أن يحمله على معناه الحقيقي اللغوي أو العرفي أو الشرعي‪ ،‬وال يصرفه إلى معنى مجازي حتى تقوم القرائن‬
‫على أن الشارع قد قصد به ذلك المعنى ‪.‬‬
‫(‪ )1‬احلمل على احلقيقة الشرعية دون اجملاز‪ :‬ومن ذلك حمل الشافعية لفظ النكاح في قوله تعالى‪( :‬وال تنكحوا ما نكح‬
‫آباؤكم من النساء) على العقد‪ ،‬ألن النكاح حقيقة شرعية عندهم فيه‪ ،‬ولم يحملوه على معناه املجازي‪ ،‬وهو الوطء فلم‬
‫يقولوا لذ لك بحرمة مزنية األب على االبن ‪ ،‬ألن اللفظ إذا اطلق حمل على حقيقته ما لم تقم قرائن على وجوب حمله على‬
‫املجاز ‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلمل على احلقيقة العرفية دون اجملاز‪ :‬اذا انتفت الحقيقة اللغوية‪ ،‬وكان للفظ حقيقة عرفية حمل عليها دون‬
‫مجازه‪ ،‬ومن ذلك قوله عليه السالم‪( :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فإن هذا يقتض ي بالوضع‪ ،‬أي‬
‫بالحقيقة اللغوية نفي نفس ال خطأ والنسيان واالكراه‪ ،‬وهذا غير ممكن‪ ،‬ألن الخطأ والنسيان واالكراه واقع قطعا‪ ،‬فكانت‬
‫الحقيقة اللغوية متعذرة‪ ،‬وعند ذلك يحمل اللفظ على الحقيقة العرفية‪ ،‬أي على ما كان يفهمه أهل العرف عند نزول الشرع‬
‫من مثال هذا الكالم وهو رفع المؤاخذة بالذم والعقوبة‪.‬‬
‫تقديم احلقيقة الشرعية على اللغوية‪:‬‬
‫إذا دار اللفظ بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي ولم توجد قرينة تعين المراد منهما‪ ،‬وجب حمله على المعنى الشرعي عند‬
‫جمهور الفقهاء‪ ،‬ألن غالب عادة الشرع استعمال هذه األلفاظ في معانيها الشرعية وإن كان يطلقها أحيانا على ما وضعت له‬
‫لغة‪.‬‬
‫ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم حيث لم يقدم إليه غداء‪( :‬إني إذا أصوم) فإنه إن حمل على الصوم الشرعي‪ ،‬كما يقول‬
‫ً‬
‫الجمهور‪ ،‬دل على جواز النية نهارا‪ ،‬وإن حمل على الصوم اللغوي‪ ،‬وهو مطلق االمساك‪ ،‬لم يدل على ذلك ‪.‬‬
‫محل اللفظ على جمازه‪:‬‬
‫إذا انتفت الحقيقة بجميع أنواعها اللغوية والشرعية والعرفية فإن اللفظ يحمل على مجازه‪ ،‬فإن كان له مجاز واحد حمل‬
‫عليه كقوله تعالى‪( :‬واسأل القرية) فإنه يتعذر فيه الحمل على الحقيقة بجميع أنواعها‪ ،‬فاللغوية متعذرة‪ ،‬وليس ألهل العرف‬
‫أو الشرع فيه اصطالح معين فيجب الحمل على املجاز‪ ،‬أي أهل القرية ‪.‬‬
‫فإن تعددت املجازات بأن كان اللفظ يستعمل في عدة معان على سبيل املجاز‪ ،‬فإن ترجحت أحد املجازات حمل اللفظ عليه‪،‬‬
‫وإن تساوت كان اللفظ مجمال بينها‪ ،‬وقد ذكر األصوليون أسبابا ثالثة للترجيح بين املجازات‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫(‪ )1‬أن يكون أحد املجازات أقرب إلى الحقيقة من غيره ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قوله عليه السالم‪( :‬ال صالة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب) فإن حقيقة هذه اللفظ اللغوية اإلخبار عن نفي ذات الصالة‬
‫عند انتفاء الفاتحة‪ ،‬وهذه الحقيقة غير مرادة للشارع‪ ،‬ألننا نشاهد الذات قد تقع بدون ذلك‪ ،‬ولما لم يكن ألهل الشرع عرف‬
‫معين في مثل هذه األلفاظ تعين الحمل على املجاز وهو إضمار الصحة أو الكمال فاللفظ مجاز فيهما‪ ،‬وإضمار الصحة أرجح‬
‫ألنه أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن يكون أحد املجازات أظهرعرفا من غيره ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قوله عليه السالم‪( :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فإن حقيقة اللفظ لغة ارتفاع نفس الخطأ وما‬
‫ذكر معه وهو باطل الستحالة رفع الش يء بعد صدوره‪ ،‬فتعين حمله على املجاز بإضمار الحكم‪ ،‬أي حكم الخطأ‪ ،‬من وجوب‬
‫ً‬
‫الضمان أو القضاء‪ ،‬أو المؤاخذة اإلثم‪ .‬فاللفظ مجاز في هذه المعاني الثالثة‪ ،‬ويرجح األخير لكونه أظهر عرفا ‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )3‬أن يكون أحد املجازات أعظم مقصودا ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قوله تعالى‪( :‬حرمت عليكم أمهاتكم) فإن الحقيقة اللغوية منتفية لتعذرها‪ ،‬وليس له حقيقة عرفية‪ ،‬فتعين الحمل‬
‫ً‬
‫على املجاز‪ ،‬ولما كان له مجازات كثيرة‪ ،‬ألن األم يحرم منها النظر واللمس والوقاع‪ ،‬وجب الحمل على أعظمها مقصودا من‬
‫المرأة وهو الوقاع‪.‬‬
‫اجلمع بني احلقيقة واجملاز‬
‫ذهب الشافعية أنه ليس هناك ما يمنع من حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في آن واحد‪.‬‬
‫وذهب الحنفية إلى أنه ال يجوز الجمع بين الحقيقة واملجاز في آن واحد‪ ،‬واستدلوا أنه لم يرد في اللغة استعمال اللفظ في‬
‫حقيقته ومجازه‪ ،‬بل إن ذلك يوجب التنافي‪ ،‬إذ حمله على املجاز يقتض ي وجود القرينة الصارفة له عن معناه الحقيقي ‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬قوله تعالى في آية التيمم‪( :‬أو المستم النساء‪ ،‬فلم تجدوا ماء فتيمموا) فقد حمل األحناف اللمس فيها على املجاز‬
‫وحده وهو الوقاع‪ ،‬دون اللمس باليد‪ ،‬ورتبوا على ذلك أن مس المرأة ال ينقض الوضوء‪ ،‬ألن اللمس في اآلية محمول على‬
‫ً‬
‫الوقاع دون اللمس باليد‪ ،‬وأما الشافعية فقد حملوه على المعنيين جميعا‪ :‬الحقيقي واملجازي‪ ،‬فقالوا بوجوب الطهارة من‬
‫مس المرأة باليد لهذه اآلية ‪.‬‬
‫عموم اجملاز‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إذا كان املجاز واحدا فيحمل عليه باالتفاق‪ ،‬وإذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته فصرنا إلى املجاز‪ ،‬وكان اللفظ واردا في‬
‫صيغة من صيغ العموم‪ ،‬فهل يحمل على العموم والشمول فيشمل كل أفراد المعنى املجازي دفعة واحدة‪ ،‬أم يقتصر على‬
‫فرد واحد من هذه األفراد‪ ،‬ويرجع في تعيينه إلى األدلة والقرائن؟‬
‫ذهب الشافعية إلى أنه ال يجوز عموم املجاز‪ ،‬ألن الحمل على املجاز كان ضرورة‪ ،‬ألننا لم نصر إليه إال بعد تعذر الحمل على‬
‫الحقيقة أو قيام الدليل على عدم إرادتها‪ ،‬والضرورة تقدر بقدرها فيكتفي بالحمل على فرد من أفراد املجاز ليصح الكالم‪،‬‬
‫وال يحمل على ما زاد عليه لعدم الحاجة إلى ذلك الحمل ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية‪ :‬إلى أنه يحمل اللفظ على مجازاته كلها إذا ورد بصيغة عامة‪ ،‬ألن صيغ العموم تدل على شمول الصيغة لكل‬
‫أفراد ما وضعت له‪ ،‬سواء كان هذا الوضع على سبيل الحقيقة أو املجاز‪ ،‬إذ املجاز وضع استعمالي ‪.‬‬

‫(وائل فضل)‬

‫‪13‬‬

You might also like