Professional Documents
Culture Documents
أصول الفقه 3
أصول الفقه 3
1
مثال :المعرف بأل الجنسية كلفظ (الصيد) في قوله تعالى( :ال تقتلوا الصيد وأنتم حرم) ،والمعرف باالضافة كلفظ (ليلة
الصيام) في قوله تعالى( :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم).
/4النكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط أو النهي:
مثال :النكرة الواقعة في سياق النفي كلفظ (وصية) في قوله عليه السالم( :ال وصية لوارث) .ومثال النكرة الواقعة في سياق
الشرط كلفظ (أحد) في قوله تعالى( :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) .ومثال النكرة الواقعة في سياق النهي لفظ
ً
(أحد) في قوله تعالى( :وال تصل على أحد منهم مات أبدا) .
/5لفظ كل وجميع وكافة وعامة وغيرها:
مثال :كل :قوله عليه السالم( :كل راع مسؤل عن رعيته) ،ولفظ كافة :قوله تعالى( :ادخلوا في السلم كافة) .ولفظ جميع:
قوله تعالى( :خلق لكم ما في األرض جميعا).
تعريف اخلاص:
الخاص لغة :مأخوذ من الخصوص بمعنى التفرد واالنفراد.
ً
اصطالحا :هو لفظ وضع لواحد ،أو لكثير محصور.
شرح التعريف:
ً
الواحد :قد يكون واحدا بالذات كزيد ،أو بالنوع كرجل وفرس ،أو بالجنس كإنسان .وأما لكثير محصور فهو أسماء األعداد
والمثنى ،كعشرة ،ورجلين.
تعريف املشرتك:
المشترك لغة :مأخوذ من الشرك ،وهي اشتراك المتعدد في ش يء واحد.
ً
واصطالحا :لفظ وضع لكثير غير محصور بأوضاع متعددة.
مثال :كلفظ العين فإنه موضوع للعين الباصرة ،وللجارحة ،وللجاسوس ،وللذهب بأوضاع متعددة.
املقارنة بني العام واخلاص واملشرتك:
ً
المشترك يفارق العام من حيث تعدد الوضع في المشترك ووحدته في العام ،فكل من المشترك والعام ،وإن كان موضوعا
لكثير ،إال أن العام قد وضع لهذا الكثير دفعة واحدة بوضع واحدة ،وأما المشترك فقد وضع لكل واحد من هذا الكثير بوضع
مستقل ،ويفارق المشترك الخاص في أن الخاص موضوع إما لمعنى واحد ال تعدد فيه ،وإما لكثير محصور بوضع واحد ال
بأوضاع مختلفة.
ويشارك العام الخاص في أن كل واحد منهما موضوع بوضع واحد ال تعدد فيه ،ويختلفان من حيث األفراد ،فالعام يشمل
ً ً ً
جمعا غير محصور من المسميات أو األفراد ،وأما الخاص فإنه ال يشمل إال واحدا أو عددا محصورا من األفراد .
حكم العام:
لحكم العام حالتان:
( )1داللة العام قبل التخصيص )2( .داللة العام بعد التخصيص .
( )1داللة العام قبل التخصيص:
اختلف األصوليون في داللة ألفاظ العموم هل هي تدل على االستغراق والشمول قطعا أما ظنا ،على قولين:
( )1ذهب األحناف إلى أن داللة العام على الشمول قطعية ال ظنية ،ألن العام في معنى عندهم يشمل جميع أفراده قطعا،
فهو قاطع في معناه والمقصود بالقطع عند األحناف أن العام ال يحتمل غير العموم احتماال ناشئا عن دليل.
2
دليل األحناف :إن ألفاظ العموم قد وضعت لغة في العموم والشمول فهي حقيقة في االستغراق ،واللفظ إذا اطلق دل على
ما وضع له قطعا ما لم يقم دليل على أنه مستعمل في غيره ،فإذا اطلقت ألفاظ العموم دلت على ما وضعت له وهو الشمول
قطعا ،واحتمال إرادة الخصوص من هذه األلفاظ احتمال مجرد عن الدليل ،واالحتمال املجرد من الدليل ال ينافي القطعية.
ً
( )2ذهب الشافعية إلى أنه هذه األلفاظ تفيد العموم والشمول ظنا فهي ظاهرة في العموم وليست نصا يفيد القطع .
دليل الشافعية :إن علماء الشافعية وغيره قد قاموا بالبحث عن هذه الصيغ فوجدوا أنه قد كثر إطالقها وارادة الخصوص
منها ،بل إنه قد اشتهر بين العلماء أنه ما من عام إال وخصص ،وهذا يفيد أن هذه الصيغ ال تدل على العموم والشمول إال
ظنا راجحا وال سبيل إلى القطع بعد وجود احتمال التخصيص فيها .
مثرة اخلالف:
ويترتب على الخالف بين الشافعية واألحناف في داللة العام ،أن األحناف ال يجوزون تخصيص عام الكتاب والسنة المتواترة
بالقياس وال بالخبر الواحد ،ألن عام الكتاب والسنة المتواترة قطعي في داللته وسنده ،و خبر الواحد إن كان قطعيا من
حيث داللته إال أنه ليس قطعيا من حيث السند ،فلم يصل إلى درجة الكتاب والسنة المتواترة في القوة.
وأما الشافعية فإنهم يخصصون عام الكتاب والحديث المتواتر بالخبر الواحد ألن عام الكتاب ظني فيقع التعارض بينه وبين
الخبر الواحد ،ويكون دفع التعارض بطريق الجمع بينهما وذلك بالتخصيص .
مثال :قال تعالى( :وال تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)
ً
/1إن األحناف ال يجوزون تخصيص هذه اآلية بالقياس وال بالخبر الواحد ،فيقولون بحرمة متروك التسمية عمدا ،وال يحل
أكله ألنه منهي عنه والنهي يقتض ي التحريم ،وكلمة (ما) في اآلية عامة قطعية في مفهومها فال يجوز تخصيصها بخبر الواحد
والقياس ،ألنهما يفيدان الظن والعام يفيد القطع وال تعارض بين قطعي وظني ،بل يعمل بالقطعي ويترك الظني .
ً
/2الشافعية يجوزون تخصيص هذه اآلية بالخبر الواحد والقياس ،فيقولون بحل متروك التسمية عمدا فيحل أكله ،ألنه
م خصوص من اآلية بخبر الواحد وهو قوله عليه السالم( :المسلم يذبح على اسم الله تعالى ،سمى أو لم يسم) وبالقياس على
ً
الناس ي :فإن من نس ي التسمية حال الذبح حلت ذبيحته إجماعا ،فتحل ذبيحة العامد قياسا .
( )2داللة العام بعد التخصيص:ـ
ال خالف بين األحناف والشافعية في أن العام بعد التخصيص حجة ظنية ،فيجوز تخصيصه بالقياس والخبر الواحد ،ألن
ً
العام إذا خص ثبت أنه لم يكن شامال لكل األفراد فلم تكن داللته على الشمول قطعية .
مثال :قال تعالى( :فإذا انسلخ األشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فاألحناف يخصصون هذه اآلية بخبر
الواحد ،فإن لفظ (المشركين) عام فيشمل الشيوخ والعجائز منهم ،لكنهم خصصوه بقوله عليه السالم( :ال تقتلوا الشيوخ
والعجائز) وهو من أخبار اآلحاد ،وذلك ألن هذا العام ظني الداللة ألنه قد خص قبل ذلك بقطعي ،وهو قوله تعالى( :وإن
أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم الله) فهذه اآلية قد أخرجت المستأمن من حكم اآلية األولى ،فبقي
العام بعد هذا التخصيص حجة ظنية ،فجاز تخصيصه بدليل ظني كخبر الواحد .
ختصيص العام:
التخصيص عند األحناف:
( )1تعريف التخصيص( :أنه قصر العام على بعض أفراده بدليل لفظي مستقل مقارن) .
( )2شروط التخصيص عند األحناف:
-1أن يكون دليل التخصيص لفظيا (فيخرج به تخصيص العقل والحس والمشاهدة) وإذا كان تخصيصه بالعقل أو
الحس أو المشاهدة لم يكن تخصيصا للعام بالمعنى االصطالحي فيبقى العام قطعي الداللة.
3
مثال العام المقصور على بعض أفراده بالعقل قوله تعالى( :الله خالق كل ش يء) فإن العقل يقصره على غير ذاته تعالى،
ً
فليست مخلوقة له ومنه خطاب التكليف أمرا ونهيا ،كقوله (أقيموا الصالة) و قوله (وال تقتلوا النفس التي حرم الله) فإن
العقل يقصر هذا الخطاب على غير الصبيان واملجانين.
ومثال ال عام الذي قصره الحس على بعض أفراده قوله تعالى في بلقيس ملكة سبأ( :وأوتيت من كل ش يء) فإن الحس يدل على
أن بلقيس لم تؤت بعض األشياء فقصر العام على بعض أفراده بواسطة الحس .
– 2أن يكون دليل التخصيص مستقال :ومعنى المستقل( :الذي يدل على معناه بنفسه ال حاجة إلى غيره)
وعلى ذلك يخرج قصر العام على بعض أفراده بواسطة االستثناء أو الشرط أو الصفة أو الغاية عن التخصيص ،فال يختبر
تخصيصا .
مثال قصر العام على بعض أفراده بواسطة االستثناء ،قوله عليه السالم (ال نكاح إال بولي) .فإن قوله (ال نكاح) عام في نفي
النكاح وعدم صحته ،وقوله بعد ذلك (إال بولي) يفيد صحته بالولي .
ومثال قصر العام على بعض أفراده بواسطة الشرط ،قوله تعالى( :فإن طلقها فال جناح عليهما أن يتراجعا) ،فقوله تعالى
(فال جناح عليهما) يفيد رفع الجناح في كل حال ،ألنها نكرة في سياق نفي فتعم ،وقوله بعد ذلك (إن ظنا أن يقيما حدود الله)
قصر رفع الجناح على حالة ظن إقامة حدود الله دون غيرها.
-3أن يكون العام وتخصيصه نزل في وقت واحد:
ً
ألن تقدم أحدهما وتأخر اآلخر كان المتأخر ناسخا للمتقدم ،فإذا كان المتأخر هو العام نسخ الخاص ،وإذا كان المتأخر
ً
هو الخاص كان ناسخا للعام فيما دل عليه من األفراد.
ً
-4أن يكون املخصص مثل العام في القوة ومساويا له بأن يكون العام من القرآن فال بد أن يكون املخصص من القرآن مثله.
هذه هي الشروط التي ال يتحقق التخصيص بدونها عند األحناف ،ومثاله :قوله تعالى( :اقتلوا المشركين) فإنه عام مخصوص
بقوله تعالى( :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) ألن هذه اآلية األخيرة قد توافرت فيها شروط املخصص األربعة :وهي
أنه دليل لفظي مقارن مستقل وقرآن مثله .
التخصيص عند الشافعية:
تعريفه( :قصر العام على بعض أفراده بدليل ما ،أو هو إخراج بعض ما يتناوله لفظ العام بدليل) .
ً
فالتخصيص عندهم تفسير للعام وبيان أن ما تناوله الدليل املخصص لم يكن مرادا للشارع من العام.
شروط التخصيص عند الشافعية:
إن الشافعية ال يشترطون ما شرطه الحنفية من كون الدليل املخصص لفظيا مستقال مقارنا ،فالتخصيص عندهم يكون
بالدليل اللفظ والعقلي والحس ي ،ويكون بالدليل المستقل وبغيره من االستثناء والشرط ،ويكون بالمقارن وبغيره .
الفرق بني التخصيص والنسخ:
/1أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته ،وأما التخصيص فإنه بيان للمراد باللفظ العام.
/2التخصيص يكون في األحكام وفي األخبار ،والنسخ ال يكون إال في األحكام .
ً ً
/3أن المقطوع يخص بالمظنون عند الجمهور خالفا لألحناف وال ينسخ المقطوع إال مقطوع مثله اتفاقا .
/4التخصيص ال يدخل إال على العام ،أما النسخ فإنه يدخل على العام والخاص .
/5التخصيص إخراج لبعض ما يتناوله العام من االفراد ،وأما النسخ فإنه إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ من األزمان.
4
تعريف املخصص:
املخصص :هو الدليل الذي يخرج بعض أفراد العام ،وذلك بإثبات حكم لبعض ما تناوله العام يخالف حكم العام .
أنواع املخصص:
( )2ومنفصل . املخصص نوعان )1( :متصل
( )1املخصص المتصل :هو الذي ال يستقل عن الكالم الذي اشتمل عليه .وهو أقسام أربعة :االستثناء ،والشرط ،والصفة،
والغاية .
( ) 2املخصص المنفصل :هو ما استقل في إفادة معنى عن الكالم الذي يخصصه .وأقسامه ثالثة :العقل والحس والنقل أو
الدليل السمعي .
تعارض العام واخلاص:
إذا تعارض العام والخاص ،بأن كان الخاص يثبت لبعض أفراد العام حكما يخالف حكم العام ،فإن األحناف يجعلون
ً
المتأخر في التاريخ منهما ناسخا للمتقدم ،سواء كان المتأخر هو العام أو الخاص ،أما إذا علمت المقارنة فإنهم يقولون
بالتخصيص بمعنى أن ما تناوله الخاص يأخذ حكم الخاص وال يطبق بشأنه حكم العام ويطبق حكم العام على ما بقي بعد
التخصيص فقط .
ً
والجمهور يقولون أن التخصيص فيه إعمال للدليلين معا :الخاص فيما تناوله والعام فيما بقي ،وذلك بخالف النسخ فإن
ً ً
إبطاال ألحد الدليلين ومن المقرر الثابت أن إعمال الدليلين معا أولى من إبطالهما أو إبطال أحدهما ،فكان القول فيه
ً
بالتخصيص راجحا .
املخصصات اللفظية:
( )1التخصيص بالكتاب:
ً
القرآن قطعي الثبوت إال أنه قد يكون قطعي الداللة ،وقد يكون ظنيها ،وألن القرآن قطعي الثبوت فإنه يصلح مخصصا لكل
األدلة الشرعية ،فيكون خاص الكتاب مخصصا لعامه .
( )2التخصيص بالسنة:
السنة على نوعان( :أ) سنة متواترة :وهي قطعية الثبوت كالقرآن( .ب) وسنة آحادية ال تفيد إال الظن الراجح .
فا لسنة المتواترة تصلح مخصصة لبقية األدلة ،فتخصص عام القرآن والسنة المتواترة وآخبار اآلحاد ،ألن كل ذلك من
قبيل تخصيص القطعي بالقطعي ،أو الظني بالقطعي.
مثال :تخصيص السنة المتواترة لعام الكتاب :قوله عليه السالم( :ال يرث القاتل) فإنه خصص العام في قوله تعالى:
(يوصيكم الله في أوالدكم) .
ً
أما سنة آحادية فيرى الجمهور (الشافعية ،المالكية ،الحنابلة) أن خبر الواحد يصلح أن يكون مخصصا لعام الكتاب والسنة
المتواترة.
ويرى المتأخرين من األحناف :أن خبر الواحد ال يصلح أن يكون مخصصا لعام الكتاب والسنة المتواترة ،ألن الكتاب والسنة
المتواترة قطعي الداللة قطعي السند ،وأما خبر الواحد فقطعي الداللة ولكن ظني السند ،فال يصلح أن يخصص قطعي
الداللة بظني الداللة.
( )3التخصيص بالجماع:
5
اإلجماع دليل قطعي ،فلذلك يخص به كل دليل قطعي أو ظني ،فيخصص عام الكتاب والسنة المتواترة وآخبار اآلحاد.
مثال تخصيص اإلجماع لعام الكتاب :اإلجماع على تنصيف حد الزنا على العبد بجعله خمسين جلدة بدال من مائة ،فإن
اإلجماع يخصص قوله تعالى( :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) .
( )4التخصيص بالقياس:
اختلف العلماء في التخصيص بالقياس لعام الكتاب والسنة المتواترة وخبر الواحد:
فذهب جمهور العلماء (الشافعية ،والمالكية ،والحنابلة وحتى اإلمام أبي حنيفة بنفسه) إلى أن القياس يخصص عام الكتاب
ً
والسنة المتواترة ،ودليلهم أن القول بالتخصيص فيه إعمال للدليلين معا .
وذهب بعض األحناف :أن القياس ال يصلح مخصصا لعام الكتاب والسنة المتواترة إال إذا خصا بدليل قطعي قبله ذلك ألن
داللة العام قطعية وداللة القياس ظنية ،وال تعارض بين القطعي والظني ،بل يقدم القطعي عليه .
( )5التخصيص بالعرف:
ال خالف بين الشافعية واألحناف في تخصيص العام بالعرف القولي ،وهو ما ثبت باستعمال اللفظ في معنى يخالف المعنى
الموضوع له .وأما عرف االستعمال فإن األحناف يخصصون به اللفظ العام ،وأما الشافعية فال يعدونه مخصصا إال إذا
استند إلى إقرار من الرسول عليه السالم .
حكم اخلاص:
أوال :داللة الخاص :الخاص يدل على معناه داللة قطعية ،فيجب العمل به فيما وضع له ،إال إذا صرفه عن هذا المعنى دليل
يحتج بمثله ،وعلى ذلك يقرر األصوليون أن الخاص ال يحتاج إلى بيان ،إذ البيان إثبات الظهور وإزالة الخفاء ،والخاص ظاهر
في معناه الموضوع له ،وليس فيه خفاء يحتاج معه إلى بيان.
مثال الخاص :ومن الخاص الذي يجب العمل بما يدل عليه وال يحتمل البيان ،لفظ (الثالثة) في قوله تعالى( :والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء) ،فإن الثالثة اسم خاص لعدد معلوم ال يحتمل غيره ،كالفرد ال يحتمل العدد ،والواحد ال
يحتمل االثنين ،ولذلك يرى األحناف أن لفظ القرء في اآلية السابقة ال يحمل على الطهر كما يقول الشافعية ،بل يحمل على
الحيض ،ألننا إذا حملناه على الطهر ،فإن احتسبنا الطهر الذي طلق فيه ،كما يقول الشافعي ،كانت العدة طهرين وبعض
الطهر ،وإن لم نحتسبه كانت العدة ثالثة أطهار وبعض الطهر ،وهذا إبطال لحكم الخاص ،وهو لفظ الثالثة.
ثانيا :أقسام اخلاص:
ينقسم الخاص إلى )1( :األمر ( )2النهي ( )4 ،3المطلق والمقيد .
القسم األول :األمر:
تعريف األمر :هو القول الطالب للفعل على سبيل العلو ،بأن يكون اآلمر أعلى من المأمور رتبة كما في أوامر الشارع سبحانه
وتعالى.
ً
حاالت األمر )1( :األمر إذا صدر من أعلى درجة من المأمور فيسمى أمرا ( )2وإذا صدر األمر من األدنى رتبة لمن هو أعلى
منه فهو دعاء ( )3وإذا صدر من المساوي له فهو التماس .
صيغة األمر :يأتي األمر على أربع صيغ:
( )1صيغة فعل األمر (وهو الغالب في النصوص) مثل قوله تعالى( :أقيموا الصالة) .
( )2صيغة الفعل المضارع المقترن بالم األمر ،مثل قوله تعالى( :لينفق ذو سعة من سعته) .
( )3صيغة المصدر النائب عن فعل األمر ،كقوله تعالى( :فرهان مقبوضة) .
6
ً
( )4وقد تدل الجملة الخبرية على األمر مجازا ،كقوله تعالى( :كتب عليكم القتال) .
داللة صيغة األمر:
معان ،نذكر بعضها:تستعمل صيغة األمر في خمسة عشر ٍ
( )1الوجوب ،كقوله تعالى( :وجاهدوا في الله حق جهاده) )2( .الندب ،كقوله تعالى في األرقاء (فكاتبوهم) ،فإن مكاتبة الرقيق
مندوبة وليست واجبة )3( .اإلرشاد ،كقوله تعالى( :إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) )4( .اإلباحة كقوله تعالى( :وإذا
حللتم فاصطادوا) )5( .التهديد ،كقوله تعالى( :اعملوا ما شئتم) .
ما تفيده صيغة األمر حقيقة:
اختلف العلماء في حقيقة صيغة األمر على أقوال:
ً
( )1ذهب المالكية إلى أن األمر حقيقة في الندب ،ومجازا في غيره.
ً
( )2وذهب بعض الشافعية إلى أن األمر حقيقة في اإلباحة ومجازا في غيره.
( ) 3وذهب اإلمام الغزالي وعلماء الكالم :إلى أن األمر ال يحمل على واحد من هذه المعاني بل حكمه التوقف ونبحث عن
القرائن فإذا كانت القرينة تدل على الوجوب أخذنا على الوجوب وإذا كانت تدل على غير ذلك أخذناه على ذلك .
( )4وذهب الجمهور :إلى أن صيغة األمر حقيقة في الوجوب مجاز في غيره ( .وهذا هو الراجح) أدلتهم:
دليلهم من الكتاب :قال تعالى( :فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ،ووجه االستدالل
أنه جعل مخالفة األمر موجبة للعذاب ،فكان األمر داال على وجوب المأمور به ،ألنه ال عذاب إال على ترك الواجب.
ً
دليلهم من السنة :قوله عليه السالم لبريرة وقد عتقت وهي زوجة لعبد ال تحبه فأرادت أن تفسخ زواجها منه استعماال لحقها
في الخيار( :لو راجع ِته ،فقالت :بأمرك يا رسول الله؟ فقال :ال ،إنما أنا شافع ،فقالت :ال حاجة لي فيه) ووجه االستدالل أنه
عليه السالم أقر بريرة على أن األمر منه يوجب الطاعة ويفيد اإللزام .
ودليلهم من اإلجماع :قد أجمعت األمة على أن الوجوب يستفاد من صيغة األمر إذا لم تصرفه عن الوجوب قرينة ،ولم يزل
جميع املجتهدين يستدلون بصيغ األمر على الوجوب.
داللة صيغة األمر على الفور أو التكرار:
الراجح عند األصوليين :أن صيغة األمر ال تدل بوضعها على وجوب المأمور به على الفور والتراخي ،كما أنها ال تفيد المرة أو
التكرار ،وإنما يستفاد الفور أو التكرار من القرائن المقترنة بالصيغة أو األدلة الخارجة عنها .
كقوله تعالى( :فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فإنه يفيد أن الصوم يجب عند شهود كل شهر وهكذا .
القسم الثاني :النهي:
تعريفه :النهي بأنه القول الطالب للكف عن الفعل على سبيل العلو.
صيغة النهي:
للنهي صيغة ( )1حقيقية ( )2ومجازية ،أما الحقيقية فهي الفعل المضارع المسبوق بال الناهية كقوله تعالى( :ال تأكلوا الربا).
وأما صيغة النهي املجازية فهي الجملة الخبرية التي تفيد طلب الكف عن الفعل بواسطة القرينة ،كقوله تعالى( :حرمت
عليكم الميتة) فإن المراد من الخبر في اآليتين اإلنشاء وطلب الكف عن الفعل .
داللة صيغة النهي:
( )1ما تستعمل فيه الصيغة:
7
استعملت صيغة النهي في عدة معان :منها ( )1التحريم كقوله (وال تقربوا الزنا) )2( .الكراهة ،كقوله (ال تسألوا عن أشياء إن
تبدلكم تسؤكم) )3( ،الدعاء ،كقوله (ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) )4( ،لبيان العاقبة ،كقوله (ال تحسبن الله غافال عما
يعمل الظالمون) )5( ،اليأس ،كقوله( :ياأيها الذين كفروا ال تعتذروا اليوم) .
( )2ما تدل عليه صيغة النهي حقيقة:
الراجح في داللة صيغة النهي هو :أن النهي يفيد التحريم ،وهذا هو مذهب الجمهور ،ودليلهم:
قوله تعالى( :وما نهاكم عنه فانتهوا) ووجه االستدالل أن الله أمر المسلمين باالنتهاء عما نهى عنه الرسول عليه السالم ،وقد
ً ً ً
تقدم أن األمر يفيد الوجوب ،وبذلك يكون االنتهاء واجبا ،ولما كان ترك الواجب حراما ،كان فعل المنهي عنه حراما ،وكان
النهي داال على التحريم.
-3داللة النهي على الفور والتكرار:
الراجح أن النهي يقتض ي الفور والتكرار بخالف األمر .ذلك ألن النهي يقتض ي عدم االتيان بالمنهي عنه ،وعدم االتيان ال
ً
يتحقق إال بتركه في جميع األزمنة ،ما يلي منها النهي مباشرة ،وما يأتي بعده فيكون النهي مفيدا للفور والتكرار ...
القسم الثالث والرابع :املطلق واملقيد:
تعريفهما :المطلق :ما دل على فرد شائع من أفراد جنسه .المقيد :ما دل على حصة معينة من هذا الجنس .
فالمطلق كلفظ (رقبة) في قوله تعالى في كفارة اليمين( :أو تحرير رقبة) ،والمقيد كلفظ (رقبة مؤمنة) في قوله تعالى في كفارة
القتل الخطأ( :ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) فلفظ (رقبة) دل على فرد شائع من أفراد الرقبة ،أي فرد كان مما
يصدق عليه لفظ الرقبة ،وأما لفظ (رقبة مؤمنة) فإنه دل على حصة من الرقاب ،وهي الرقاب المؤمنة دون الكافرة .
حكم املطلق واملقيد:
لحكم المطلق والمقيد أربع حاالت:
( )1إذا ذكر اللفظ مطلقا ،ولم يوجد دليل على تقييده ،فهذا المطلق يحمل على إطالقه .
ً
( )2إذا ذكر اللفظ مطلقا ودل الدليل على تقييده ،فهذا المطلق يحمل على تقييده باالتفاق .
ً
( )3إذا ورد اللفظ مقيدا ولم يوجد دليل على عدم اعتبار القيد فهذا المقيد يحمل على قيده باالتفاق.
مقيد وقام الدليل على عدم اعتبار القيد فهذا المقيد يعمل به مطلقا عن القيد وذلك باالتفاق أيضا. ( )4إذا ورد اللفظ ً
محل املطلق على املقيد:
إذا لم يتعارض المطلق والمقيد فيعمل بالمطلق على إطالقه وبالمقيد مع قيده ،وإذا ظهر التعارض بينهم فإن هذا التعارض
ً ً
يجب دفعه ،وذلك بحمل المطلق على المقيد ،واعتبار القيد شرطا فيه ،وفي ذلك عمل بالدليلين معا ،ألن المطلق جزء من
ً
المقيد فإذا عملنا بالمقيد فقد عملنا بالمطلق ،ألن المقيد مطلق زااد قيدا ،بخالف ما إذا عملنا بالمطلق فإننا نكون قد
أهملنا المقيد ،ألنه ليس جزءا منه.
احلالة األوىل :احتاد الواقعة واحلكم:
ً
ومن أمثله هذه الحالة قوله تعالى( :قل ال أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) مع
قوله تعالى( :حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) فإن الدم ورد مطلقا في اآلية الثانية ،وورد مقيدا بالمسفوح في اآلية
األولى ،والموضوع واحد ،وهو الدم ،والحكم فيهما واحد وهو الحرمة ،وهنا يجب حمل المطلق على المقيد باتفاق الفقهاء.
احلالة الثانية :اختالف الواقعة واحلكم:
8
والختالف الواقعة والحكم أمثلة منها قوله تعالى في كفارة القتل الخطأ( :فمن لم يجل فصيام شهرين متتابعين) مع قوله
تعالى في كفارة اليمين( :فمن لم يجد فصيام ثالثة أيام) فالواقعة هنا مختلفة ،ألنها في اآلية األولى كفارة القتل الخطأ ،وفي
اآلية الثانية كفارة اليمين ،والحكم فيهما مختلف كذلك ،ألنه فى األولى صيام شهرين ،وفي الثانية صيام ثالثة أيام ،وقد ورد
الصيام في اآلية االولى مقيدا بالتتابع وفي الثانية مطلقا عنه.
اتفق الفقهاء على عدم حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة ،إذ ال تعارض في الحقيقة بين النصين ،الختالف الواقعتين
والحكمين ،وهذا االختالف قد يقتض ي زيادة قيد أحد الحكمين دون اآلخر .
احلالة الثالثة :احتاد الواقعة واختالف احلكم:
مثاله آية الوضوء( :يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) مع قوله تعالى في آية
التيمم( :فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فإن الموضوع في النصين واحد ،وهو
التطهر للصالة ،واختلف الحكم في النص األول غسل اليدين بالماء ،وفي الثاني مسحهما بالتراب ،وقد جاءت األيدي مطلقة
في آية التيمم ،وقيدت في آية الوضوء بكونها إلى المرفقين ،فهل يحمل المطلق على المقيد ،فتمسح األيدي إلى المرفقين أم
يعمل على إطالقه؟
اختلف األصوليون في هذه الصورة ،فيرى البعض أن اتحاد الواقعة يجب التعارض بين النصين ،وإن اختلف الحكم فيجب
رفع هذا التعارض بحمل المطلق على المقيد (هذا مذهب كثير من الشافعية) .
وذهب جمهور األصوليين أن ال تعارض بين المطلق والمقيد في هذه الحالة ،فال يحمل المطلق على المقيد إال بدليل،
فالمالكية والحنابلة يرون العمل بالمطلق في آية التيمم ،ويقولون بمسح اليدين إلى الكوعين ،ال إلى المرفقين في التيمم ،وأما
األحناف فإنهم وإن كانوا ال يقولون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة فإنهم أوجبوا المسح إلى المرفقين فى التيمم،
عمال بالحديث( ،التيمم ضربتان :ضربة للوجه وضربة لليدية إلى المرفقين) فكان حمل المطلق على المقيد بهذا الدليل .
احلالة الرابعة :اختالف املوضوع واحتاد احلكم:
ومثال هذه الحالة قوله تعالى في البيع( :وأشهدوا إذا تبايعتم) مع قوله تعالى في مراجعة الزوجة( :وأشهدوا ذوي عدل منكم)،
فا لموضوع في اآليتين مختلف ،ألنه البيع في األولى ،والمراجعة في الثانية ،مع أن الحكم فيهما واحد وهو اإلشهاد ،وفي حمل
المطلق على المقيد الخالف السابق ،فيرى الشافعية حمل المطلق في آية البيع على المقيد في آية المراجعة ،فيقولون
ً
باشتراط العدالة في الشاهد على عقد البيع ،وأما األحناف الذين ال يرون تعارضا في هذه الحالة فإنهم ال يحملون المطلق
على المقيد إال إذا ورد الدليل ،وقد دل الدليل على أن العدالة شرط في الشهادة عند األحناف فحملوا به المطلق على
المقيد.
حكم املشرتك:
ال خالف بين العلماء أنه إذا ورد لفظ مشترك ووجدت معه قرينة تعين بعض معانيه ،أنه يجب حمله على ما دلت عليه
القرينة ،وذلك كقوله تعالى وصفا للجنة( :فيها عين جارية) ،فإن العين هنا تحمل على عين الماء بقرينة قوله (جارية) ومثل
ذلك قولك :عندي عين أشتري بها ما أشاء ،فإنه يحمل على الذهب بقرينة الشراء ،ومثله عوقب العين :فإنه يحمل على
الجاسوس بقرينة العقاب .
وأما إذا تجرد المشترك عن القرائن التي تبين أحد معانيه فإنه يكون مجمال عند من يمنع استعماله في جميع معانيه وهم
األحناف ويدخل في المشكل.
9
ً
وإذا كان المشترك الذي لم تعين القرينة أحد معانيه مجمال فإنه يجب التوقف فيه والبحث عن قرينة ليمكن العمل بما
تعينه.
وأما من يجوز استعمال المشترك في جميع معانيه ،وهم الشافعية ،فإنهم يحملونه على معانيه كلها إذا أمكن الجمع بينها،
ً
أما إذا لم يكن الجمع بينها :كما في لفظ (القرء) فإنه يكون مجمال فيجب البحث عن دليل يبين المعنى المراد منه.
استعمال المشترك في كل معانيه:
10
املبحث الثاني
احلقيقة واجملاز
تعريف احلقيقة واجملاز:
احلقيقة :هي استعمال اللفظ فيما وضع له في اصطالح المتكلم ،وهي أقسام أربعة/1( :حقيقة لغوية /2 ،حقيقة عرفية
عامة /3 ،حقيقة عرفية خاصة /4 ،حقيقة شرعية) .
/1احلقيقة اللغوية :استعمال اللفظ فيما وضع له في أصل اللغة ،كاستعمال اإلنسان في الحيوان الناطق.
/2احلقيقة العرفية العامة :هي اللفظ الذي وضعه أهل اللغة لمعنى معين استعمله أهل العرف العام في غيره ،وشاع هذا
االستعمال ،كلفظ الدابة فقد وضعه أهل اللغة لكل ما يدب على األرض ،ثم استعمله أهل العرف العام في بعض أفراده
وهو ذوات األربع ،وكثر هذا الستعمال .
/3احلقيقة العرفية اخلاصة :هي اللفظ الذي وضعه أهل اللغة لمعنى معين ،ثم استعمله أهل عرف خاص في غيره كلفظ
(الرفع والجر) عند النحاة.
/4احلقيقة الشرعية :اللفظ الذي وضعه أهل اللغة لمعنى معين ،ثم استعمله أهل الشرع في غيره ،كلفظ الصالة والزكاة
والحج والطالق والنكاح .فالصيام لغة اإلمساك ،وقد استعمله أهل الشرع في إمساك مخصوص .
تعريف اجملاز:
ً
املجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطالح المتكلم ،لقرينة وعالقة ،كلفظ األسد في قولك :رأيت أسدا في
ميدان الحرب ،فإنه موضوع لغة للحيوان المفترس ،وقد استعمل في الرجل الشجاع بقرينة قولك في ميدان الحرب،
والعالقة بين األسد والرجل الشجاع في الشجاعة.
ثانيا :الصريح والكناية:
ينقسم كل من الحقيقة واملجاز إلى صريح وكناية:
فالصريح :ما ظهر المراد منه ولم يكن خيفا .والكناية :ما لم يظهر المراد منه وكان معناه خفيا .
(أ) الصريح .
ً
فصريح الحقيقة :مثل قمت وسافرت ،لغة .وصليت وحججت شرعا.
وصريح املجاز :مثل أكلت من هذه الشجرة ،وقوله تعالى( :واسأل القرية) فهذه األلفاظ قد استعملت في معانيها مجازا غالبا،
ولذلك ينكشف معناها لكل من له علم بلغة العرب.
(ب) الكناية:
كناية الحقيقة :كقولك (كنت أصلي) تريد أنك كنت تدعو .فهذه ألفاظ استعملت فيما وضعت له لغة ،فهي حقائق لغوية،
إال أن المراد منها ال ينكشف للسامع ،ألن هذه الحقائق قد هجرت وغلب استعمال هذه األلفظ في مجازاتها حتى صار بعض
هذه املجازات حقائق عرفية أو شرعية.
كناية املجاز :كقول المطلق لزوجته( :الحقي باهلك) يريد الطالق ،فهذه األلفاظ لم تستعمل في حقائقها لغة ،بل استعملت
في معانيها املجازية إال أن استعمالها في هذه المعاني قليل نادر ،ولذلك يستتر المراد من اللفظ وال ينكشف للسامع.
حكم احلقيقة واجملاز:
لقد وضع علماء األصول القواعد التي يتبين منه الحكم :فقرر الجمهور أن اللفظ يحمل أوال على حقيقته :شرعية أو لغوية
أو عرفية ،وال يصار إلى املجاز إال إذا تعذر حمله على هذه الحقائق كلها ،فإذا أمكن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية أو
11
اللغوية أو العرفية وجب حمله عليها ،ألن الحقيقة هي األصل ،فال يصرف اللفظ عنها إلى املجاز إال إذا تعذر الحمل عليها ،أو
قام الدليل على عدم إرادتها ،ففي هذه الحالة األخيرة وحدها يجوز حمل اللفظ على مجازه.
فإذا تعددت حقائق اللفظ بأن كانت له حقيقة لغوية وأخرى عرفية أو شرعية ،فقد قرر الجمهور وجوب حمله على الحقيقة
الشرعية أوال ،فإن تعذر الحمل عليها وجب حمله على الحقيقة العرفية ،فإن تعذر الحمل عليها حمل على الحقيقة اللغوية،
فالحقيقة الشرعية مقدمة على العرفية واللغوية ،والعرفية مقدمة على اللغوية.
فإذا تعذر الحمل على واحدة من الحقائق الثالث أو قامت القرائن على عدم إرادة واحدة منها وجب حمل اللفظ على معناه
املجازي ،فإن تعددت مجازاته حمل على ما ترجح منها بمرجح من المرجحات التي ذكروها ،فإذا لم يترجح واحد منها ،كان
اللفظ مجمال فيها فيتوقف فيه حتى تقوم القرينة على تعيين المراد .
محل اللفظ على املعنى احلقيقي:
يقرر األصوليون أن الحقيقة راجحة على املجاز ،فهي أصل واملجاز استثناء ،وعلى ذلك إذا ورد لفظ في كالم الشارع فإنه
يجب على الفقيه أن يحمله على معناه الحقيقي اللغوي أو العرفي أو الشرعي ،وال يصرفه إلى معنى مجازي حتى تقوم القرائن
على أن الشارع قد قصد به ذلك المعنى .
( )1احلمل على احلقيقة الشرعية دون اجملاز :ومن ذلك حمل الشافعية لفظ النكاح في قوله تعالى( :وال تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء) على العقد ،ألن النكاح حقيقة شرعية عندهم فيه ،ولم يحملوه على معناه املجازي ،وهو الوطء فلم
يقولوا لذ لك بحرمة مزنية األب على االبن ،ألن اللفظ إذا اطلق حمل على حقيقته ما لم تقم قرائن على وجوب حمله على
املجاز .
( )2احلمل على احلقيقة العرفية دون اجملاز :اذا انتفت الحقيقة اللغوية ،وكان للفظ حقيقة عرفية حمل عليها دون
مجازه ،ومن ذلك قوله عليه السالم( :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فإن هذا يقتض ي بالوضع ،أي
بالحقيقة اللغوية نفي نفس ال خطأ والنسيان واالكراه ،وهذا غير ممكن ،ألن الخطأ والنسيان واالكراه واقع قطعا ،فكانت
الحقيقة اللغوية متعذرة ،وعند ذلك يحمل اللفظ على الحقيقة العرفية ،أي على ما كان يفهمه أهل العرف عند نزول الشرع
من مثال هذا الكالم وهو رفع المؤاخذة بالذم والعقوبة.
تقديم احلقيقة الشرعية على اللغوية:
إذا دار اللفظ بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي ولم توجد قرينة تعين المراد منهما ،وجب حمله على المعنى الشرعي عند
جمهور الفقهاء ،ألن غالب عادة الشرع استعمال هذه األلفاظ في معانيها الشرعية وإن كان يطلقها أحيانا على ما وضعت له
لغة.
ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم حيث لم يقدم إليه غداء( :إني إذا أصوم) فإنه إن حمل على الصوم الشرعي ،كما يقول
ً
الجمهور ،دل على جواز النية نهارا ،وإن حمل على الصوم اللغوي ،وهو مطلق االمساك ،لم يدل على ذلك .
محل اللفظ على جمازه:
إذا انتفت الحقيقة بجميع أنواعها اللغوية والشرعية والعرفية فإن اللفظ يحمل على مجازه ،فإن كان له مجاز واحد حمل
عليه كقوله تعالى( :واسأل القرية) فإنه يتعذر فيه الحمل على الحقيقة بجميع أنواعها ،فاللغوية متعذرة ،وليس ألهل العرف
أو الشرع فيه اصطالح معين فيجب الحمل على املجاز ،أي أهل القرية .
فإن تعددت املجازات بأن كان اللفظ يستعمل في عدة معان على سبيل املجاز ،فإن ترجحت أحد املجازات حمل اللفظ عليه،
وإن تساوت كان اللفظ مجمال بينها ،وقد ذكر األصوليون أسبابا ثالثة للترجيح بين املجازات:
12
( )1أن يكون أحد املجازات أقرب إلى الحقيقة من غيره .
مثال :قوله عليه السالم( :ال صالة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب) فإن حقيقة هذه اللفظ اللغوية اإلخبار عن نفي ذات الصالة
عند انتفاء الفاتحة ،وهذه الحقيقة غير مرادة للشارع ،ألننا نشاهد الذات قد تقع بدون ذلك ،ولما لم يكن ألهل الشرع عرف
معين في مثل هذه األلفاظ تعين الحمل على املجاز وهو إضمار الصحة أو الكمال فاللفظ مجاز فيهما ،وإضمار الصحة أرجح
ألنه أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال .
( )2أن يكون أحد املجازات أظهرعرفا من غيره .
مثال :قوله عليه السالم( :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فإن حقيقة اللفظ لغة ارتفاع نفس الخطأ وما
ذكر معه وهو باطل الستحالة رفع الش يء بعد صدوره ،فتعين حمله على املجاز بإضمار الحكم ،أي حكم الخطأ ،من وجوب
ً
الضمان أو القضاء ،أو المؤاخذة اإلثم .فاللفظ مجاز في هذه المعاني الثالثة ،ويرجح األخير لكونه أظهر عرفا .
ً
( )3أن يكون أحد املجازات أعظم مقصودا .
مثال :قوله تعالى( :حرمت عليكم أمهاتكم) فإن الحقيقة اللغوية منتفية لتعذرها ،وليس له حقيقة عرفية ،فتعين الحمل
ً
على املجاز ،ولما كان له مجازات كثيرة ،ألن األم يحرم منها النظر واللمس والوقاع ،وجب الحمل على أعظمها مقصودا من
المرأة وهو الوقاع.
اجلمع بني احلقيقة واجملاز
ذهب الشافعية أنه ليس هناك ما يمنع من حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في آن واحد.
وذهب الحنفية إلى أنه ال يجوز الجمع بين الحقيقة واملجاز في آن واحد ،واستدلوا أنه لم يرد في اللغة استعمال اللفظ في
حقيقته ومجازه ،بل إن ذلك يوجب التنافي ،إذ حمله على املجاز يقتض ي وجود القرينة الصارفة له عن معناه الحقيقي .
ومثال ذلك :قوله تعالى في آية التيمم( :أو المستم النساء ،فلم تجدوا ماء فتيمموا) فقد حمل األحناف اللمس فيها على املجاز
وحده وهو الوقاع ،دون اللمس باليد ،ورتبوا على ذلك أن مس المرأة ال ينقض الوضوء ،ألن اللمس في اآلية محمول على
ً
الوقاع دون اللمس باليد ،وأما الشافعية فقد حملوه على المعنيين جميعا :الحقيقي واملجازي ،فقالوا بوجوب الطهارة من
مس المرأة باليد لهذه اآلية .
عموم اجملاز:
ً ً
إذا كان املجاز واحدا فيحمل عليه باالتفاق ،وإذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته فصرنا إلى املجاز ،وكان اللفظ واردا في
صيغة من صيغ العموم ،فهل يحمل على العموم والشمول فيشمل كل أفراد المعنى املجازي دفعة واحدة ،أم يقتصر على
فرد واحد من هذه األفراد ،ويرجع في تعيينه إلى األدلة والقرائن؟
ذهب الشافعية إلى أنه ال يجوز عموم املجاز ،ألن الحمل على املجاز كان ضرورة ،ألننا لم نصر إليه إال بعد تعذر الحمل على
الحقيقة أو قيام الدليل على عدم إرادتها ،والضرورة تقدر بقدرها فيكتفي بالحمل على فرد من أفراد املجاز ليصح الكالم،
وال يحمل على ما زاد عليه لعدم الحاجة إلى ذلك الحمل .
وذهب الحنفية :إلى أنه يحمل اللفظ على مجازاته كلها إذا ورد بصيغة عامة ،ألن صيغ العموم تدل على شمول الصيغة لكل
أفراد ما وضعت له ،سواء كان هذا الوضع على سبيل الحقيقة أو املجاز ،إذ املجاز وضع استعمالي .
(وائل فضل)
13