أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع أبنائه الروحيين

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 35

‫‪ ‬أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع أبنائه الروحيين ‪1‬‬

‫‪1907‬‬

‫كان أجدادي تجارا أغنياء جدا في مدينة سسمارا‪ ،‬وكانوا يمتلكككون شككارعا بككأكمله كككان‬
‫اسمه الشارع القازاني‪ .‬وعموما كيل عائلتنا كانت تحككت شككفاعة مميككةزة ليقونككة والككدة‬
‫الله القازانية‪.‬‬

‫عندما كنت في السنة الثالثة أو الرابعة‪ ،‬كثيرا مككا كنكت أذهككب مككع أبكي إلكى الكنيسكة‪،‬‬
‫وفي مرات عديدة عندما كنت أقف أمام إيقونة والدة الله كان يتهييأ لي بأن والدة الله‬
‫تنظر إليي من اليقونة وتبتسم لي وتدعوني للقككتراب منهككا‪ .‬فكنككت أركككض إلككى أبككي‬
‫"!وأهتف‪" :‬بابا‪ ،‬بابا‪ ،‬هي حيية‬

‫وكان والدي يسألني‪ " :‬من هي يا بني؟"‬

‫فأجيبه‪" :‬والدة الله!"‬

‫ولكن والدي لم يكن يفهمني‪ .‬وذات مرة حصلت معنكا حادثكة وأنكا فكي السادسكة‬
‫مككن عمككري‪ .‬كنككا وقتهككا نعيككش فككي بيتنككا الصككيفي فككي عةزبتنككا الككتي بجككانب مدينككة‬
‫أورينبورغ‪ .‬كان بيتنا يقككع فككي وسككط حديقككة كككبيرة وكككان تحككت حراسككة مشككيددة مككن‬
‫الحيراس والكلب‪ ،‬بحيث كان من المستحيل على أي شككخص غريككب أن يتسككلل إليككه‪.‬‬
‫ذات ميرة كنا نتميشى في الحديقة أنا وأبي‪ ،‬وفجأة ظهر أمامنا عجوز ل نعرف من أين‬
‫أتى‪ ،‬واقترب من أبي وقال له‪" :‬تذيكر أيها الب‪ ،‬بأن هككذا الطفككل فككي يككوم مككن اليككام‬
‫سينتشل أرواحا من الجحيم"‪ .‬قال هذا واختفى فجكأة كمكا ظهكر‪ ،‬وفتشكنا عنكه فكي ككل‬
‫مكان ولكن بل جدوى ولم يره أحد من الحيراس‪.‬‬
‫لقد توفيت والدتي أثناء ولدتي‪ ،‬وتةزيو ج والدي ميرة أخرى‪ .‬كانت زوجة والككدي‬
‫امراة طيبة القلب وتقيية جداا‪ ،‬لذلك فهككي عيوتضككتني عككن أيمككي‪ .‬ومككن الممكككن حككتى أين‬
‫والدتي لم تكن لتقدر أن تعطيني مثل هذه التربية‪ .‬كانت تقوم في الصباح البككاكر وكككل‬
‫يوم كانت تصيلي معي صلة السحرية بالرغم من صغر سني‪.‬‬

‫كنت أستيقظ في الصباح البككاكر‪ ،‬ولكنككي كنككت أرغككب فككي البقككاء فككي الفككراش‪.‬‬
‫كانت الخادمككة تسككاعد أمككي علككى الغتسككال‪ ،‬أمككا أنككا فكنككت أبقككى تحككت اللحككاف فككي‬
‫الفراش‪ .‬وها هي أيمي جاهةزة‪ ،‬فتأتي إلى الغرفة وتقول‪" :‬آهه‪ ،‬ل يةزال بافككل )بككولس(‬
‫نائماا"‪ ،‬فتنادي على الخادمة قائلة‪" :‬أعطيني الماء البارد "‪.‬‬

‫فتجدني في الحال أخر ج رأسي من تحت اللحاف وأقول‪" :‬ماما‪ ،‬أنا تمستيقظ!"‬

‫وتيلبسونني ملبسي‪ ،‬وأتويجه مع أمي إلى الكنيسة‪ .‬كانت الدنيا ل تككةزال ظلمككاا‪،‬‬
‫وكنت أمشي مسرعا وراء أمي وأقع مكن وقكت إلكى آخكر فكي حفكر الطريكق الثلجيكة‪.‬‬
‫وكانت أمي تحيب الصلة في البيت‪ ،‬وكثيرا ما كانت تقرأ الكاثيسكتون وككان صكوتي‬
‫ل‪" :‬أيتها الفائق قدسها والدة الله خيلصينا!"‬
‫الرفيع يرتفع في كل البيت مرت ا‬

‫عنككدما بلغككت التاسككعة مككن عمككري دخلككت المدرسككة الثانويككة‪ .‬مضككت سككنوات‬
‫الدراسة سريعاا‪ ،‬وبعد ذلك التحقت بالعمل واسككتقررت فككي قككازان تحككت حمايككة ملكككة‬
‫السماء‪ .‬وعندما بلغت الخامسة والعشرين تويجهت أمي إليي بعرض للككةزوا ج‪ .‬وبإلحككاح‬
‫منها تقيربت من النساء لول مرة في حياتي ودخلت في حديث معهم‪ .‬فقلت في نفسككي‪:‬‬
‫"يا إلهي! إنه تضجر ل تيطاق‪ ،‬فالنساء طول الوقت يتكلمككن عككن الةزيككارات والملبككس‬
‫والقبعات‪ .‬ما الذي سأتحيد ث عنه مع زوجتي عندما أتةزيو ج؟ ل‪ ،‬ل أريد ذلك"‪.‬‬

‫ومضت خمس سنوات أخرى‪ .‬وصارت أيمي مكن جديكد تنصكحني قائلكة‪" :‬فيككر‬
‫في المر يا بافلوشا٭‪ ،‬قد ترغب في أن تتةزيو ج‪ ،‬انظر إلى الفتيات مككن حولككك‪ ،‬عسككى‬
‫أن تعجبك واحدة منهين "‪.‬‬
‫وأطعتت أيمي كما في المرة الولى‪ ،‬ولكني خرجكت بنفكس النتيجكة بعكد الحكديث‬
‫مع النساء وقررت في نفسي أل أتةزيو ج‪ .‬عنككدما بلغككت الخامسككة والثلثيككن مككن العمككر‬
‫أعادت أمي الكيرة مرة أخرى وقالت‪" :‬بافلوشا‪ ،‬أنككت ل تككةزال تتجينككب النسككاء‪ ،‬وتكككبر‬
‫في السن وسنوات عمرك تمضي‪ ،‬وقريبا لن ترتضى بك الفتيات زوجاا‪ ،‬فانظر بنفسككك‬
‫لئل تندم فيما بعد"‪.‬‬

‫من أجل طاعتي لمي نيفذت رغبتها وقررت ميرة أخرى الخوض في حديث مع‬
‫النساء‪ .‬كان ذلك في يوم كنت فيه مدعوا لحفلة غداء عند أحد المعككارف‪ .‬وفيكككرت فككي‬
‫نفسي بأنني سأخوض في حديث غريب عليي مع الشككخص الككذي يكككون بجككانبي علككى‬
‫المائدة‪ .‬فجلست في مقعدي‪ ،‬وإذا بكي أجكد نفسكي بجكانب ككاهن‪ ،‬وككان متميكةزا بحي اة‬
‫روحية سامية‪ ،‬وفتح معي حديثا حول صلة يسوع‪ .‬وكنككت أسككتمع إليككه بشككغف حككتى‬
‫أنني نسيت تماما موتضوع التحيد ث إلى الفتيات‪ .‬ومع انتهاء الغداء كان قراري الحاسم‬
‫بعدم الةزوا ج قد نضج‪ ،‬وأخبرت أيمي بقراري هذا‪ .‬ففرحككت أيمككي جككداا‪ .‬كككانت رغبتهككا‬
‫الدائمة هي أن أكيرس حياتي للرب‪ ،‬ولكنها لم تكيلمنككي أبككدا بهككذا الموتضككوع مككن قبككل‪.‬‬
‫وبطرق تمستقصاة عن الفهككم أتككى الككريب بككي إلككى الرهبنككة‪ .‬وبرحمككة مككن الكك عرفككت‬
‫أوبتينا٭٭ والب أمبروسيوس٭٭٭ الذي أعطاني البركة لدخول الدير‪.‬‬

‫وقبل دخولي السقيط بسنة‪ ،‬في اليوم الثاني من عيد الميلد المجيد كنككت عائككدا‬
‫من الكنيسة بعد حضور القيداس المبيكر‪ .‬وكككان الظلم ل يككةزال باقيككا والمدينككة تنهككض‬
‫لتيوها من النوم‪ .‬وفجأة اقكترب منككي رجككل عجكوز يطلككب صككدقة‪ .‬وتنيبهككت للتككو بككأني‬
‫نسيت محفظكة نقكودي‪ ،‬ولكم يككن فكي جيكبي سكوى عشكرين كوبيككا ٭٭٭٭ فأعطيتهكا‬
‫للعجوز قائ ا‬
‫ل‪" :‬سامحني‪ ،‬ل يوجد معي أكثر مككن ذلككك"‪ .‬فشكككرني وأعطككاني قربانككة‪،‬‬
‫فأخذتها منه ووتضعتها في جيبي ورفعت عينيي لقول له شيئاا‪ ،‬ولكنه كككان قككد اختفككى‪.‬‬
‫وعبثا تلفيت في كل النواحي باحثا عنه لنه اختفى بل أثر‪ .‬وفي السنة التالية وفي نفس‬
‫اليوم كنت قد دخلت السقيط‪.‬‬
‫لو أمعينا النظر في الحياة لوجدناها مليئة بالعجائب‪ ،‬لكننا في الغالب ل نلحظها‬
‫ونعبر عنها بل مبالة وبعدم اكترا ث‪.‬‬

‫فليعطنا الرب الحكمة لنقضي أييام حياتنا بانتبككاه ولنسككير نحككو خلصككنا بخككوف‬
‫وورع‪ .‬آمين‪.‬‬

‫‪-----------------‬‬

‫٭ "بافلوشا" هي صيغة التصغير من "بولس"‪.‬‬

‫٭٭ "أوبتينا" هي اسم مختصر لدير دخول والدة الله إلى الهيكل للرهبان في بيرية أوبتينككا‬
‫في محافظة كالوغا بشمال روسيا‪ .‬اشتهر الدير فكي القكرن التاسكع عشكر وأوائكل القكرن العشكرين‬
‫كأهيم مركةز لتقليد الرشاد الروحي من قبل الشيوخ الروحانيين في روسيا‪.‬‬

‫٭٭٭كك القيديس أمبروسيوس )غرينكوف( المتوشح بال )‪ (1891-1812‬هو أشككهر شككيوخ‬


‫دير أوبتينا‪.‬‬

‫٭٭٭٭ ‪ 1/100‬من الروبل‪.‬‬


‫‪ ‬أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع أبنائه‬
‫الروحيين ‪2‬‬

‫ديسيمبر ‪1908‬‬

‫"يكا صكهيون ارفعكي عيونكك المسكتديرة وانظكري‪ ،‬فهكا أين أولدك قكد تكواردوا إليكك‬
‫كدراري مستضاءة من ال‪ ،‬من المغارب والشمال والبحر والمشككرق مبككاركين الككرب‬
‫فيه إلى الدهار"٭‪ .‬والن يمكن القول‪ :‬وأنتم يا أبنائي تقاطرتم هنا من أمككاكن مختلفككة‬
‫بحثا عن المسيح‪ .‬فليكافئكم الرب على هذا وليرسل لكم السككلم وليمل قلككوبكم بككالفرح‬
‫المقيدس‪.‬‬

‫طوباكم‪ ،‬لنكم أحببتم الرب وها أنتم تقضون عيد الميلد المجيد بين جدران هذا‬
‫الدير‪ .‬العالم يغرق الن في الخطيئة والرذيلة‪ ،‬ويهلك الكثيرون ويضيعون بل رجعة‪،‬‬
‫‪.‬أما أنتم فإنكم هنا بأمان في هذا الملجأ المقيدس‪ ،‬في تضيافة والدة الله‬

‫وأنتم موجودون هنا بواسطة صلواتها وشفاعتها‪ .‬فاحمدوا الرب‪ ،‬لنه يحرسكككم‬
‫من المصائب والهجمات‪ .‬ومن الممكن أين بعضكم سيؤهل لرتداء السكيم الملئكككي‪.‬‬
‫أنا ل أدعوكم إلى الدخول في الدير ول إلى الخرو ج من الدير‪ ،‬فككالخل ص ممكككن فككي‬
‫العالم أيضاا‪ .‬المهيم أل تنسوا ال‪ ،‬ولكن الذين يختككارون الككدير يككأتون إلككى هنككا لتحقيككق‬
‫الكمال العلوي‪ .‬وبصراحة‪ ،‬هنا التجارب أكثر‪ ،‬ومع ذلك تتعطى المعونة من الرب في‬
‫الدير أكثر ميما في العالم‪.‬‬
‫أراد أحد القيديسين أن يعرف كيف يساعد الكك الرهبككان‪ ،‬فككرأى رؤيككة‪ .‬لقككد رأى‬
‫راهبا محروسا بجوق من الملئكة بمصابيح مشتعلة‪ .‬يقولون بأن التجارب فككي العككالم‬
‫أقيل ميما هي في الديرة‪ ،‬ولكن تصيوروا معي إنسانا يركض هاربا من أحككد الشككرار‪،‬‬
‫وحتى لو افترتضنا بأن هذا النسان استطاع أن يفلت من يديه‪ ،‬لكككن الشككرير سككيتويعده‬
‫مهكددا‪" :‬سكتقع فكي قبضكتي!" أو لنتصكيور إنسكانا يسكير فكي طريقكه‪ ،‬وبغتكة‬
‫من بعيد ت د‬
‫تتعيرض له عصابة من اللصككو ص‪ ،‬ول مجككال للهككرب‪ .‬ولكككن فجككأة يظهككر فككو ج مككن‬
‫العسكر ويهيبون لمساعدة هذا النسان فيهككرب اللصككو ص مككدميي الوجككوه مككذعورين‪.‬‬
‫ففي الحالة الثانية يكون النسان في أمان أكثر من الحالة الولى‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫وحتى وجه النسان الذي يعبد ال هو بذاته يعيبر عن فلحه الروحي‪ .‬ذات مككرة‬
‫رأيت في الكنيسة أسقفا وكان وجهه قد لفت انتباهي‪ .‬وتذكرت كلمككات النجيككل‪" :‬لن‬
‫وجهه كان مدتجها إلى أورشليم" )لو ‪ .(53 :9‬بالفعل فإن هذا السقف كان يعيش حياة‬
‫النسك وكان متجها نحو أورشليم العلوية بخطى ثابتككة‪ .‬وبككالعكس‪ ،‬فككإن وجككه النسككان‬
‫الفاسد يعكس حالته النفسية‪ .‬والمحةزن في المر أن هناك أناس بنفسيات جيككدة ولكنهككم‬
‫يتعاملون مع الحياة بل انتباه‪ ،‬يعيشون يوما بعككد يككوم دون أن يقككيدموا حسككابا لنفسككهم‬
‫عن تصيرفاتهم فيهلكون‪.‬‬

‫أنا الن أتذكر من الماتضككي البعيككد أحككد معككارفي الجيككدين الموسككيقار والمليحككن‬
‫باسخالوف‪ .‬لقد كان يمتلك موهبة عظيمة‪ ،‬وكان المستمعون يتةزاحمون باللف علككى‬
‫حفلته الموسيقية‪.‬‬

‫أنككا عنككدما كنككت فككي العككالم كنككت هاويككا كككبيرا للموسككيقى وكنككت أعككةزف علككى‬
‫"الهارمونيكا"‪ .‬ومن أجل تطوير الداء‪ ،‬ابتدأت بأخذ الدروس عند باسخالوف‪ .‬وطلب‬
‫مبلغا كبيرا مقابل الدروس فوافقت لني كنت أمتلك النقود‪ .‬بعد ذلككك أحيبنككي أنككا الغيككر‬
‫المستحق وعرض عليي أن أمارس معه الموسيقى بدون مقابل ولكنني رفضككت طبعككاا‪.‬‬
‫كانت دروسنا تسير بنجاح‪ ،‬ولكني كنت حةزينا جدا وذلك لن باسخالوف قد ابتعد عككن‬
‫الكنيسة نهائياا‪ ،‬وبسبب ذلك تحيدثت معه أكثر من مرة في الموتضوع‪.‬‬
‫كنت أقول له‪" :‬الخل ص مستحيل بدون الكنيسة‪ ،‬أنت تؤمن بال‪ ،‬فلماذا ترفض‬
‫الوسيلة إلى الخل ص؟" فأجابني‪" :‬وما الغرابة فيما أفعل؟ أنا أعيش مثل جميع النككاس‬
‫أو كمعظمهم‪ ،‬فما الحاجة إلى الطقككوس؟ وهككل الخل ص مسككتحيل بككدون الككذهاب إلككى‬
‫الكنيسة؟"‬

‫فأجيبه‪" :‬نعم مستحيل‪ ،‬هناك سبعة أبواب للخل ص‪ ،‬أنككت قككد دخلككت فككي واحككد‬
‫منها فقط‪ ،‬لكن يجب الدخول في البواب الخرى"‪.‬‬

‫‪" -‬أية سبعة أبواب؟ أنا لم أسمع مثل هذا من قبل"‪.‬‬

‫‪" -‬السبعة أبواب‪ ،‬هي أسرار الكنيسة السبع‪ .‬أنككت دخلككت مككن بككاب واحككد وهككو‬
‫المعموديككة‪ ،‬ولكككن يجككب الككدخول فككي بككاب التوبككة والتحككاد مككع المسككيح فككي سككر‬
‫الفخارستيا‪"...‬‬

‫‪" -‬مككا هككذا الككذي تقككوله لككي يككا بافككل إيفككانوفيتش! كككل واحككد يخككدم الكك حسككب‬
‫استطاعته وحسب ما يراه تضرورياا‪ ،‬أنت تذهب إلى الكنيسة وتمارس الصوم وما إلى‬
‫ذلك‪ ،‬أما أنا فأخدم ال من خلل الموسيقى‪ .‬أليس هذا نفس الشيء؟"‬

‫ودون أن ينتظر مني جوابا أخذ بالعةزف‪.‬‬

‫لم أسمع أبدا مثل هذه الموسيقى‪ ،‬لقد كان عةزفه في ذلك المساء ل مثيل له‪ .‬كنت‬
‫أسكن في غرف مفروشة بالفندق‪ ،‬فازدحمت كل مميرات الفندق بالناس‪ ،‬وانفتحت كككل‬
‫أبواب الغرف‪ ،‬كان الجميع يرغبون في سماع هذا الموسيقار العبقري‪ .‬وأخيرا توقككف‬
‫عن العةزف‪.‬‬

‫فعيلقت‪" :‬رائع‪ ،‬تمدفهش‪ .‬لكككن الموسككيقى تبقككى موسككيقى فهككي ل تقككدر أن تكككون‬
‫بديلة عن الكنيسة‪ ،‬لكل شيء وقته"‪ .‬وامتيد حديثنا في ذلك المساء إلى ما بعد منتصككف‬
‫ ص وكان هادئككا وفرحككان‪ .‬وفككي اليككوم التككالي‬
‫الليل بكثير‪ .‬لقد غادر وهو في مةزا ج خا ي‬
‫أتى عندي من جديد‪ .‬فقال لي‪" :‬هل تعلم يا بافل إيفانوفيتش بككأني طككوال ليلككة البارحككة‬
‫فكرت وقلت لنفسي كم أنا خاطئ كبير‪ ،‬كم مككن السككنوات مككيرت دون أن أصككوم‪ .‬لكككن‬
‫قريبا سيحيل الصوم الكبير فسأصوم وسأتناول"‪.‬‬

‫صم الن‪ ." ....‬لقد كان بسككخالوف تمحقككا‬


‫فقلت له‪" :‬لماذا تنتظر الصوم الكبير؟ ت‬
‫في تفكيره‪ ،‬لكنه نسي بأن هناك عدو لن يعجبه هذا التغيير الحاصل معه‪ ،‬فكان الجدر‬
‫ببسككخالوف أن يسككتعيد للحككرب‪ .‬لكنككه أسككقط كككل هككذا مككن حسككاباته‪ .‬وذات مككرة عككاد‬
‫بسخالوف إلى بيته في وقت متأخر من الليل وأمكر الخادمكة بكأن تكدفع الجكرة لسكائق‬
‫العربة‪ ،‬فخرجت الخادمكة إلكى الشكارع ولكنهككا رأت كائنككا بشكع المنظككر جالسكا علككى‬
‫ت‬
‫كرسي السائق‪ ،‬كان منظره تمخيفا وفائق البشاعة إلى درجة أن الخادمة تأغمككي عليهككا‪.‬‬
‫ومن غير المعلوم أين كان بسخالوف وإلى أين أخذه العدو؟ لكنه في اليوم التالي مككات‬
‫موتا فجائياا‪ ،‬وهلكت نفسه إلى البد‪ .‬أنا أشعر بالسف عليه من أعماق قلبي‪ .‬إن العدو‬
‫يميد شباكه في كل مكان راغبا في هلك النسان‪ ،‬فتيهلك الطائشين العديمي الحذر‪.‬‬

‫عندما ابتدأت تكدريجيا فكي البتعكاد عكن العكالم وكنكت ل أزال بعكد فكي العكالم‪،‬‬
‫توقفتت عن زيارة الككثير مكن الكبيوت وبقيككت أتككريدد علكى بيكتين أو ثلثككة مككن السكر‬
‫المسيحية التقية‪ .‬كنت في زيارة لحدى هذه السر وكانت تتكيون من أيم عجوز وابنتها‬
‫الرملة وحفيدتها‪.‬‬

‫صت عليي الرملة ما يلي‪:‬‬


‫وذات مرة جلسنا حول مائدة الشاي وتحادثنا‪ .‬فق ي‬

‫"عندما فقككدت زوجككي منككذ عككيدة سككنوات مضككت‪ ،‬كنككت حةزينككة وكئيبككة للغايككة‪.‬‬
‫وفقدت الحياة بالنسبة لي جاذبيتها‪ .‬وابتدأت فكرة النتحككار تتككوارد علككى رأسككي أكككثر‬
‫فأكثر‪ .‬لن أنسى أبدا عشية فصح تلك السنة الحةزينة‪ .‬لقد تككيم السككتعداد للعيككد فككي بيتنككا‬
‫وذلك بفضل والدتي وكان البيت مةزدينا يةزهو بحلة العيد‪ .‬ولكن نفسي لم تشعر بالفصح‬
‫بل امتلت بيأس مظلم‪.‬‬

‫لقد كانت والدتي تعلم بحالتي النفسية الصعبة ولككذلك لككم تكككن تككتركني لوحككدي‪،‬‬
‫وقررت أن أستغيل ليلككة الفصككح لكككي أنفككذ فكككرة النتحككار‪ .‬كككانت أيمككي دائمككا تحضككر‬
‫ر‬
‫سحرية الفصح وهذا كان يعني بأني سأكون لوحدي في البيت مع ابنتي الصغيرة التي‬
‫لن يعيقني وجودها‪ .‬فقلت ليمي بأني لن أذهب معها إلى الكنيسككة لن رأسككي يككؤلمني‪.‬‬
‫فقالت لي أمي محاولة إقناعي‪" :‬نككامي الن وارتككاحي وبعككدها مككن الممكككن أن يككةزول‬
‫الصداع وعندها نذهب معا إلى الكنيسة"‪ .‬ذهبتت للنوم لئل أدخل في حديث مطيول مككع‬
‫أمي‪ ،‬وغفوت‪ .‬وفجأة رأيت حلما ت د‬
‫مروعا‪ :‬كنت أقككف علككى مقربككة مككن سككرداب تمظلككم‬
‫تحت الرض وتراءت من بعيد أعمدة من اللهب ومن أعمككاق الرض كككانت تركككض‬
‫نحوي صديقتي فككي المعهككد وكككان جسككمها مليئككا بككالحروق وحبككل يلتككيف علككى عنقهككا‬
‫ومنظرها تمخيف‪ .‬فناديتها قائلة‪" :‬أولغا‪ ،‬أولغا ماذا بك؟" فصرخت بككي قائلككة‪" :‬وأنككت‬
‫أيضا أيتها الشقية تريدين أن تأتي إلى هنا!" وفجأة دوى صوت جككرس كنسككي كككبير‪،‬‬
‫وفتحت عينيي والخوف والرعب يتملكني وعندما رأيت غرفتي فرحت لني لست فككي‬
‫السرداب تحت الرض‪ .‬فكي هككذه اللحظكة دخلككت والككدتي الغرفككة‪ .‬فقكالت أمكي‪" :‬هككل‬
‫استيقظت يا عةزيةزتي؟ كيف رأسك الن؟"‬

‫فأجبتها‪" :‬لقد زال الصداع‪ ،‬سأذهب معك إلى الكنيسة"‪ .‬ففرحت والدتي وقالت‪:‬‬
‫"المجد لك يا رب! كنت سأحةزن لو أنك بقيت بدون سحرية الفصح"‪.‬‬

‫وبعد قداس الفصح وتبادل القبلت بيننا والفطككار أخككبرتت والككدتي بكككل شككيء‪.‬‬
‫وبصككعوبة بالغككة حصككلنا علككى عنككوان عككيم صككديقتي أولغككا الككذي كككان يعيككش فككي‬
‫سيمبيرسك وكتبنا له رسالة نسأله فيها عن عنوان صديقتي أولغا‪ .‬فجاءتنا منككه رسككالة‬
‫جوابية يخبرنا فيها خبرا حةزينا وهو أن ابنة أخيه أولغا انتحرت منككذ سككنتين‪ .‬وعنككدها‬
‫فهمنا أنا وأمي مغةزى الحلم"‪.‬‬

‫إين الرب أرشد أمته من خلل حلككم‪ .‬عمومككا أنككا ل أويلككي أهميككة للحلم‪ ،‬ولكككن‬
‫ل رأى حلما عن إحدى الراهبات‪ .‬لقد رأى‪ ،‬وإذا‬
‫توجد أحيانا أحلم مميةزة‪ .‬أعرف رج ا‬
‫باليم الرئيسة والراهبات أحضرن راهبة موثوقة اليدين والرجلين وفتحن بابككا أرتضككيا‬
‫وأصبحن تينةزلن الراهبة فيه‪ .‬ففيكر الرائي قائ ا‬
‫ل‪" :‬يا إلهككي‪ ،‬إلككى أيككن سككينةزلنها؟"‪ .‬أمككا‬
‫الم الرئيسة فأمرت بإنةزالها أعمككق فككأعمق وكككانت تمسككك بيككديها نهايككة الحبككل الككذي‬
‫تربطت به الراهبة‪ .‬فاستيقظ الرائي من نومه‪ .‬وفي الصباح تقابل مع راهبة عجوز من‬
‫ص عليها حلمه‪.‬‬
‫ذلك الدير فق ي‬

‫فسألته الراهبة العجوز‪" :‬هل لك أن تصككف لككي تلككك الراهبككة؟" فأجابهككا‪" :‬هككي‬
‫شقراء وطويلة القامة وعلككى وجههككا نمككش"‪ .‬فقككالت الراهبككة‪" :‬نعككم‪ ،‬حلمككك صككحيح‪.‬‬
‫بالفعل لقد وقعككت هككذه الراهبككة فككي خطيئككة‪ ،‬فأرسككلتها الم الرئيسككة إلككى قليككة الككدير‬
‫البعيككدة المنعةزلككة"‪ .‬وعنككدما سككألوا السككتاريتس أمبروسككيوس عككن تلككك الراهبككة الككتي‬
‫سقطت‪ ،‬أجاب‪" :‬هي لن تهلك‪ ،‬لين الم الرئيسة كانت تمسك بنهايككة الحبككل ولككم تفلتككه‬
‫من يديها‪ ،‬وهذا يعني بأن الراهبة ستخلص"‪.‬‬

‫وأنا أقول لكم‪ ،‬سيروا نحوا الخل ص يككا أبنككائي‪ ،‬وليككؤهلكم الككريب لن تصككبحوا‬
‫مطيعين لملكوته‪ .‬وليجمع الرب أرواحنا بعد الموت ونجتمع هناك ونتذيكر هكذا الككوخ‬
‫وجلساتنا‪.‬‬

‫أيها الرب يسوع المسيح يا ابن ال ارحمنا نحن الخطككأة‪ ،‬وأيهلنككا لشككركة نككورك‬
‫الذي ل يعروه مساء في ملكوتك السماوي‪.‬‬

‫آمين‪.‬‬

‫‪---------------------------‬‬

‫٭ الوديكككككككككككككككككة الثامنكككككككككككككككككة مكككككككككككككككككن قكككككككككككككككككانون الفصكككككككككككككككككح‪.‬‬

‫‪ ‬أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع أبنككائه‬


‫الروحيين ‪3‬‬
‫ديسمبر ‪1908‬‬ ‫‪28‬‬

‫ينظر ال إلى قلب النسان وإذا وجد فيه رغبة قوية لتنفيذ مشيئته اللهية فعندها يعينككه‬
‫ال بطرق هو وحده يعرفها‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يرغب إنسان فككي الككذهاب إلككى الككدير‬
‫وأن يخكدم الكرب هنكاك‪ ،‬ويخفكي نييتكه هكذه بعيكدا عكن النكاس‪ ،‬لككن الك يكرى رغبتكه‬
‫فيساعده‪.‬‬

‫لقد علمت عن وجود بريية أوبتينا بطريقة غير منتظرة‪ .‬سافرت إلى هنككاك‪ .‬الب‬
‫أمبروسيوس كان في شاموردينو٭‪ ،‬وأنا ذهبككت إليككه‪ .‬فبككاركني للككذهاب إلككى السككقيط‬
‫مباشرة‪ .‬أتذكر أنني عندما رأيت الب أمبروسيوس سمعت صوتا يقول لي‪" :‬هذا هككو‬
‫الذي سيقبلك"‪.‬‬

‫قبل دخولي الدير سافرت لصيلي عند تضريح القيديس سككيرجي )رادونيجسككي(‪.‬‬
‫وفي ذلك الوقت كان هناك في إسقيط تشكيرنيغوف٭٭ الب برنابكا٭٭٭‪ ،‬فكذهبت إليكه‬
‫لخذ البركة‪ .‬باركني وقال لي‪" :‬قد أصابك الكبرد‪ ،‬عليكك بكالةزوا ج"‪ .‬فجعلتنكي كلمككاته‬
‫هذه في حيرة من أمري وأربكتني كثيراا‪ .‬قال لي بعض الككذين كككانوا معككي والككذين لككم‬
‫يكونكككوا يحيبكككون الب برنابكككا‪" :‬أرأيكككت أيكككة نصكككائح يعطكككي؟ السكككتاريتس العظيكككم‬
‫أمبروسيوس يباركك لدخول الرهبنة‪ ،‬أما هذا فيدعوك بأن تتةزيو ج"‪.‬‬

‫كلمات الب برنابا كان لها انطباع في نفسككي وحييرتنككي بشككدة‪ .‬عنككدما أصككبحت‬
‫راهبا أخبرت الب أمبروسيوس بما قاله لي الب برنابا‪ ،‬ففيسر لي كلمه كالتككالي‪ :‬إن‬
‫ككل نفكس مسكيحية هكي عكروس للمسكيح‪ ،‬وبالتكالي يجكب عليهكا أن تكتةزيو ج أي تتحكد‬
‫بالمسيح‪ ،‬أما كلمته "أصككابك الككبرد" فهككي تعنككي المككرض الروحككي الككذي يعككاني منككه‬
‫النسان إلى أن يتصيور فيه المسيح‪.‬‬
‫في يوم من اليام ومنذ زمن بعيد عندما كنت ل أزال "بافل إيفككانوفيتش" ذهبككت‬
‫إلككى المسككرح‪ ،‬وكككان يومهككا العككرض الول لمسككرحية "الغوغينككوت"‪ .‬وجلسككت مككع‬
‫رؤسائي في العمككل‪ .‬ككانوا يغنكون علكى المسكرح أغكانن عاطفيكة عككن الحككيب‪ ،‬أمكا أنككا‬
‫ففكرت‪" :‬ماذا لو تميت الن؟ إلى أين ستذهب روحي؟ بالطبع لن تذهب إلى الفككردوس‪.‬‬
‫وإن لم تذهب إلى الفردوس فإلى أين ستذهب؟" فأصككابني رعككب شككديد حككتى أنككي لككم‬
‫أرغب بالنظر إلى المسرحية‪ .‬وكان صوت داخلي يقول لي‪" :‬اخككر ج مككن هنككا!" لكككن‬
‫كيف أخر ج؟ هذا ل يليق لن رؤسائي يجلسون معي‪ .‬أما الصوت الداخلي فكككان يعيككد‬
‫ويكيرر‪" :‬اخر ج‪ ،‬اخر ج‪ ."...‬قمت ومشيت حتى الباب بهدوء ثككيم خرجككت‪ .‬فككي البدايككة‬
‫كنت أمشي ببطء وبعد ذلك أسرعت أكثر وأكككثر فأشككرت للحككوذي واسككتقللت العربككة‬
‫وذهبت إلى البيت‪.‬‬

‫منككذ تلككك الحادثككة أصككبحت أتهككيرب مككن المسككرح‪ .‬أحيانككا كككان يككأتي الصككدقاء‬
‫ويعرتضون عليي أن نتقاسم الشرفة في المسككرح أمككا أنككا فكنككت أختلككق العككذار دائمككاا‪.‬‬
‫وكذلك مرتضت عيناي ولم أذهب إلى المسرح د‬
‫مجددا‪.‬‬

‫وبعد عيدة سنوات كانت لي رغبة شديدة في أن أعكرف مكن الكذي س اعدني لككي‬
‫أخر ج من مسرحية "الغوغينوت" في ذلك اليوم‪ .‬فعرفت بأن عرض المسككرحية لول‬
‫مرة كان في تاريككخ ‪ 4‬أكتككوبر وهككذا اليككوم هككو عيككد القككديس بارسككانوفيوس‪ .‬وعنككدها‬
‫فهمت أن هذا القديس هو الذي ساعدني على الخرو ج من المسرح‪.‬‬

‫بعد ذلك مضت سنوات عديدة‪ ،‬وكنت حينهككا فككي الككدير أح ي‬


‫ضككر نفسككي للرسككامة‬
‫الرهبانية‪ ،‬وفجأة مرتضت مرتضا خطيراا‪ ،‬ويئس الجميع مككن شككفائي‪ ،‬لكذلك قكيرروا أن‬
‫يسرعوا في رسامتي‪ .‬أتذيكر عنكدما سكألوني‪" :‬مكا هكو السكم الكذي تريكد أن تأخكذه؟"‬
‫فكككأجبتهم بصكككعوبة بالغكككة ‪":‬ل فكككرق"‪ .‬فسكككمعتهم يكككدعونني فكككي الرسكككامة باسكككم‬
‫بارسانوفيوس‪ .‬إذاا‪ ،‬وحتى هنا لم يتركني القديس ورغب في أن يكون هو شفيعي‪.‬‬

‫‪---------------------‬‬
‫٭ شاموردينو – قرية قرب برية أوبتينا حيث تككيم تأسككيس ديككر للراهبككات مككن قبككل القككيديس‬
‫أمبروسيوس في عام ‪.1884‬‬

‫٭٭ السكقيط التكابع للفكرا الثكالو ث القكدوس والقكديس سكيرجي المككيرس ليقونكة عكذراء‬
‫تشيرنيغوف العجائبية )تشيرنيغوف هي مدينة في شمال أوكرانيا(‪.‬‬

‫٭٭٭كك الراهككب الكككاهن برنابككا ميركولككوف )‪ – (1906-1831‬أحككد الشككيوخ الروحككانيين‬


‫المشهورين في روسيا‪ .‬كان الكثيرون يأتون إليه للبركة مكن شكتى أنحكاء البلد‪ .‬تكم إعلن قداسكته‬
‫في عام ‪.1995‬‬

‫‪ ‬أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع أبنككائه‬


‫الروحيين ‪3‬‬

‫يناير ‪1909‬‬ ‫‪6‬‬

‫عظيمة هي المكافأة التي أعيدها الرب للذين يحيبونه‪ .‬يقكول القكديس بكولس‪ ..." :‬مكا لكم‬
‫تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال بشر‪ ،‬ما أعيده ال للذين يحيبونه" ) ‪1‬كو‬
‫‪.(9 :2‬‬

‫أجككل‪ ،‬طككوبى للككذين تككأيهلوا لنيككل الحيككاة البديككة‪ .‬نحككن الن ل نقككدر أن نفهككم مككا هككو‬
‫الفردوس‪ .‬لقد أظهر الرب لبعض الناس الفردوس بشكل حيسي‪ ،‬ورأوه فككي كككثير مككن‬
‫الحالت في صورة بسكتان جميكل أو كنيسكة‪ .‬وعنكدما كنكتت فكي العكالم عيةزانكي الكرب‬
‫ميرتين بأن أراني الفردوس في الحلم‪ .‬ذات مرة رأيت مدينة بهية تقككع علككى قمككة جبككل‬
‫وكانت جميع بنايات هذه المدينة ذات جمال غير عادي وبطراز معماري مميككةز لككم أسر‬
‫مثله من قبل‪ .‬كنت واقفا أميتع ناظريي بإعجاب شديد‪ .‬وفجككأة رأيككت "ميشككا"٭ المتبككاله‬
‫ل إلى ركبتيه وكان حافي القككدمين‪ .‬تميعنككت‬ ‫يقترب من المدينة وكان لبسا قميصا طوي ا‬
‫فيه فرأيته ل يمشي على الرض وإنمككا يتحككيرك منككدفعا طككائرا فككي الهككواء‪ .‬أردت أن‬
‫أسأله شيئا فلكم ألحكق لن الحلكم انتهكى واسكتيقظت مكن النكوم‪ .‬اسكتيقظت وفكي نفسكي‬
‫شعور فرح غير عادي‪ .‬عند خروجي من البيت رأيت "ميشا" فجأة‪ ،‬فكان على عادته‬
‫مسرعا وفي عجلة من أمره‪ .‬فقلت له‪" :‬يا ميشا‪ ،‬لقد رأيتك اليوم في حلم"‪ .‬فنظككر إلككي‬
‫وأجابني‪" :‬لنه ليس لنا هنا مدينة باقية ولكننا نطلب العتيدة" )عب ‪ .(14 :13‬قال هذا‬
‫‪.‬ومضى مسرعا‬

‫في حلم آخر كنت أقف في كنيسة بديعة الجمال فككي خدمككة قككداس الفصككح وكككان‬
‫الباب الملوكي مفتوحاا‪ .‬وكان يقف على المبككون شككماس إحككدى كنككائس مدينككة قككازان‬
‫يرتل أودية من قانون الفصح والخور ص يريد عليه‪ .‬وانطبعت في ذهني بشكل خككا ص‬
‫الكلمات الخيرة‪" :‬سيمي تا دما٭٭‪ .".‬كان ترتيل الخور ص مدهشاا‪ .‬لم أسمع فككي حيككاتي‬
‫ترتي ا‬
‫ل كهذا‪ ،‬تهييأ لي بأن كل ذيرة في الهواء كانت ترتل‪ .‬كككانت رقككة الترتيككل تأخككذني‬
‫إلى فرح وابتها ج ل يمكن وصفه‪ .‬في الوقت الحاتضكر لكم أعكد أنكا الخكاطئ أرى مثكل‬
‫هذه الحلم‪ ،‬الرب ل يعطيني تعةزية كهذه )كككأنه يقككول لككي ‪:‬امككض هكككذا فككي طريككق‬
‫الحياة(‪ ،‬لكني أتمنى أن أعيش ذلك الفرح العظيم ولو لميرة واحدة‪ .‬وأذكككر بككأني بقيككت‬
‫ل أن أتذكر كل حيثيياته‪ .‬كنت أيضككا أفكككر‪ :‬لمككاذا رأيككت‬
‫ل متأثرا بهذا الحلم محاو ا‬
‫طوي ا‬
‫هذا الشماس بالذات في الكنيسة السماوية؟ فصكرت أسكأل النككاس الككذين يعرفككونه‪ .‬فككي‬
‫البداية كنت أحصل على أجوبة لم تقنعني مثل ‪":‬عنده صوت ممتاز"‪ ...‬لكن الصككوت‬
‫الممتاز ل تيدخل النسان إلى الفردوس‪ .‬فعلمكت بعكد هككذا أنكه يعيكش حيكاة النسككك فككي‬
‫الخفاء‪.‬‬

‫آه‪ ،‬لو أيهلنا الرب جميعنا لن نحظى بالفردوس السماوي! مع أنه يجب علينككا أن‬
‫نرجو ذلك‪ ،‬فاليأس خطيئككة مميتككة‪ .‬هنككاك درجككات مختلفككة فككي الغبطككة السككماوية كككلل‬
‫حسب استحقاقه‪ ،‬فهناك من سيكون مع الشككيروبيم وآخككرون سككيكونون مككع السككيرافيم‬
‫وهكذا‪ .‬أما نحن فحسبنا أن نكون في عداد الذين يخلصون‪.‬‬

‫هناك نيساك عظام مثل القديس سيرافيم المتويشح بال‪ ،‬هؤلء عاشوا بالروح مثل‬
‫ملئكة السيرافيم والن هم يرثون المجد معهم‪ .‬ل يقدر الجميع طبعككا علككى أن يصككلوا‬
‫إلككى مثككل تلككك القداسككة‪ .‬كككان المرحككوم أبونككا مكككاريوس٭٭٭ يقككول‪" :‬تلككك الكككواكب‬
‫المضيئة مثل القديس أنطونيوس الكبير والقديس مكاريوس المصري وغيرهما كككانوا‬
‫عند ال مثل جنرالت الجيش فشغلوا مناصب جنرالت في السماء‪ ،‬أمككا نحككن الجنككود‬
‫فبركة لنا إن شغلنا آخر مرتبة في صفوف التمخيلصين"‪.‬‬

‫روح الشير المشتعل حسدا لجنس البشر يسعى لتيضيل الجميع عن الطريق السككليم‬
‫وهو بالفعل تيضيل الكسالى والمتهاونين‪.‬‬

‫ذات مككرة ظهككر الشككيطان بشكككل حيسككي لحككد الينسككاك‪ ،‬فسككأله الناسككك‪" :‬لمككاذا‬
‫تهاجمون جنس البشر بهذا الحقد والضغينة؟"‬

‫فأجاب الشيطان‪" :‬ولماذا أنتم البشرأخذتم أماكننا الشاغرة؟"‬

‫لقد فقد الشياطين أمككاكنهم فككي الغبطككة السككماوية بسككبب كبريككائهم‪ ،‬والبشككر الن‬
‫يشغلون تلك الماكن بواسطة التضاع! إن التضاع يرفعنا فوق فشباك الشيطان‪.‬‬

‫في إحدى المرات رأى القديس أنطونيوس الكبيرفي رؤيا كيف ينصب الشككيطان‬
‫شباكه لجميع الناس في كل مكان‪ .‬فتكيدر الناسك وتنيهد وقال‪" :‬يا رب‪ ،‬من يستطيع أن‬
‫يتجينب هذه الششباك؟" فسمع الجواب‪" :‬الميتضعون"‪.‬‬

‫يجب أن نسعى بجيد لقتناء التضاع‪ ،‬فبدونه كل جهاداتنا ل قيمة لهككا‪ .‬ولككو ظككين‬
‫النسان نفسه بأنه ذو قيمة فهو هالك‪ .‬فالخاطئ المتضع محبوب مككن الككرب أكككثر مككن‬
‫الباير المتكيبر‪.‬‬

‫كان القديس مكاريوس المصري المتوشككح بككال يمتككاز بمككواهب روحيككة خاصككة‬
‫ولهذا تيطلق عليه لقب مكاريوس الكبير‪ .‬لكن في ذات يوم جاءه فكر بككأنه هككو المركككةز‬
‫الروحي لكل القليم الذي يعيش فيه وبأنه الشمس الككتي يستضككيء بنورهككا الكككثيرون‪.‬‬
‫وبالفعل هكذا كان‪ ،‬لكن عندما ابتدأ القديس مكاريوس يفيكر في هذه الشياء عن نفسه‪،‬‬
‫سمع صوتا يقول له بأن هناك إمرأتين تعيشان في القريككة المجككاورة وهمككا مرتضككيتان‬
‫عند الرب أكثر منه‪ .‬فحمل السككتاريتس عصككاه وانطلككق يبحككث عككن هككاتين المرأتيككن‪.‬‬
‫وبتدبير إلهي وجدهما بسرعة ودخل إلى بيتهما‪.‬‬

‫عندما رأت المرأتان القديس مكاريوس خيرتا ساجدتين له وهما ل تجدان كلمككات‬
‫لتعيبرا بها عن دهشتهما لرؤيته وعن شكرهما له‪ .‬فرفعهما القديس وابتدأ يسككألهما بككأن‬
‫تكشفا له عن كيفية إرتضائهما ل‪ .‬فقالت المرأتان‪:‬‬

‫‪ -‬أيها الب القديس‪ ،‬نحن ل نفعل شيئا يرتضي ال‪ ،‬صشل لنا‪ ،‬لجل الرب‪.‬‬

‫ولكن القديس أصير على المرأتين بأن ل تحجبا عنه فضائلهما‪ .‬فخككافت المرأتككان‬
‫من أن تعصيا الستاريتس فابتدأتا تحدثانه عن حياتهما‪:‬‬

‫‪ -‬كنا غريبتين عن بعضنا البعض ولكن تةزيوجنا من أخوين فأصبحنا نعيككش معككا‬
‫وها نحن لم نفترق لمدة ‪ 15‬سنة‪ .‬طوال هذه المدة لم نتخاصم ولم تقل إحدانا للخككرى‬
‫كلمة مسيئة واحدة‪ .‬نثابر بحسب المكان أن نتواجككد أككثر وأككثر فككي الكنيسكة‪ ،‬نلكتةزم‬
‫بالصوام الكنسية‪ ،‬وبحسب مقدرتنا نساعد المحتاجين‪ ...‬ونعيش مع أزواجنا كمككا مككع‬
‫إخوتنا‪ ،‬ول يوجد لدينا أي شيء حسن أكثر من هذا‪.‬‬

‫‪ -‬وهل تعتبران نفسيكما قيديستين أو بايرتين من وراء الخير الذي تفعلنه؟‬

‫تعجيبت المرأتان‪:‬‬

‫‪ -‬قديستين؟ أيي قديسات وأيي بايرات نحككن؟ نحككن خاطئتككان عظيمتككان‪ .‬صككشل مككن‬
‫أجلنا أيها الب القديس‪ ،‬فليرحمنا الرب!‬

‫فباركهما القديس ثم اعتةزل راجعا إلى الصحراء وشاكرا ل على الرشككاد الككذي‬
‫ناله‪ .‬ولم يخبرهما بكلمة عن الرؤيا التي رآها خوفا من أن يعثرهما بمديحه لهما‪.‬‬

‫على غرار القديس مكاريوس الكبير حصل هذا أيضا مع القديس الناسك بيككتيريم‬
‫الذي أخبره الملك ذات مرة بأنه بالرغم من ككل جهكاداته فهككو لككم يصكل بعكد لدرجككة‬
‫القداسة الككتي وصككلت إليهككا إحككدى مريككدات الرهبنككة الككتي تعيككش فككي ديككر شككركوي‪.‬‬
‫وبإرشاد من الملك انطلق القديس بيتيريم قاصدا ذلك الدير‪.‬‬

‫ولدى وصوله هناك طلب من رئيسة الدير أن تريه جميع راهبات الدير‪ .‬وعندما‬
‫حضرت جميعهين وابتدأن بأخذ البركة‪ ،‬سأل القديس بيتريم‪:‬‬

‫‪ -‬أل يوجد أخت أخرى؟‬

‫فأجابت الرئيسة‪:‬‬

‫‪ -‬يوجد‪ ،‬لكن ل يجوز إحضارها‪ ،‬هي شبه مجنونة ونحن نحتملها هنا فككي الككدير‬
‫من أجل الشفقة فقط‪.‬‬

‫ومككع ذلككك أصككير القككديس علككى إحضككارها‪ .‬أتككت الخككت لبسككة أسككما ا‬
‫ل مهلهلككة‬
‫وإيشاربها منسحل على رأسها‪ .‬سألها القديس‪:‬‬

‫‪ -‬أين كنت يا أم؟‬

‫فأجابت‪:‬‬

‫‪ -‬كنت مستلقية عند البالوعة‪.‬‬

‫فقال لها القديس‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا هكذا يا أم‪ ،‬ألم تجدي مكانا أفضل؟‬

‫فأجابت‪:‬‬

‫‪ -‬أنا ل أستحق مكانا أفضل من هذا‪.‬‬

‫فسمح لها القديس بيتيريم بالذهاب‪ ،‬ثم تويجه نحو الرئيسة والخوات وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ديرككم هكذا يملكك كنكةزا ل تيقكيدر بثمكن‪ ،‬أختككم هكذه المتواتضكعة هكي تمرتضكية‬
‫عظيمة ل‪.‬‬

‫اتضطربت الراهبات جميعهين لدى سماعهين ذلك‪ .‬فواحدة اعكترفت للقكديس بأنهكا‬
‫كثيرا ما كانت تضرب تلك الخت‪ ،‬وثانية اعترفت بأنها كككانت تشككبعها شككتماا‪ ،‬وثالثككة‬
‫تحتقرها جدا حتى أنها كانت ل تعتبرها إنساناا‪ ،‬ورابعة اعترفت بأنها كانت عن قصككد‬
‫تسكب عليها التغسالة )ماء الشطف(‪ .‬أرادت الراهبات في الحال أن يطلبن السماح مككن‬
‫تلك الخت‪ ،‬فلما علمت بأنهين يردن العتذار منها‪ ،‬غادرت الدير سرا وذلك هربا من‬
‫المجد الباطل الذي من الممكن أن يهلكهككا‪ .‬قككال الككرب‪" :‬مككن رفككع نفسككه إيتضككع ومككن‬
‫وتضع نفسه ارتفع" )لو ‪.(11 :14‬‬

‫‪--------------------‬‬

‫٭ ميشا )‪ – (Миша‬صغة التصغير من اسم "ميخائيل"‪.‬‬

‫٭٭ الدودية الرابعة من قانون الفصح‪.‬‬

‫٭٭٭ الراهب الكاهن مكاريوس إيفانوف )‪ - (1860-1788‬قديس من شيوخ أدوبتينا‪.‬‬

‫المجموعة‪ :‬رسائل وأحاديث‬

‫أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع‬


‫أبنائه الروحيين )‪(5‬‬
‫‪5‬‬
‫يونيو ‪1909‬‬

‫في هذه اليام ابتدأت تنتشر قناعة ليس فقط بين العلمانيين ولكن أيضا بين الكليروس‬
‫الشباب وهي أن العذاب البدي ل يتوافق مع رحمة الكك الغيككر محككدودة وبالتككالي فككإن‬
‫العذاب غير أبدي‪.‬‬

‫هذه الضللة تنشأ من عدم الفهم‪ ،‬فالعككذاب البككدي والغبطككة البديككة همككا ليسككا مجككيرد‬
‫أشياء تأتينا من الخار ج‪ ،‬ولكنها قبل كككل شككيء مككن داخككل النسككان نفسككه‪" ...‬ملكككوت‬
‫السماوات في داخلكم" )لو ‪.(21 :17‬‬

‫كل المشاعر التي يةزرعها النسان داخل نفسه أثناء حياته هي ما يغادر بهككا إلككى‬
‫الحياة البدية‪ .‬الجسد المريض يتعيذب على الرض وكلما اشتيد المككرض زاد العككذاب‪.‬‬
‫وهكذا هي الروح المصابة بأمراض مختلفة تبدأ تتعيذب عند انتقالها إلى الحياة البدية‪.‬‬
‫مرض الجسد المستعصي ينتهي بالموت‪ ،‬ولكن كيف يمكككن أن ينتهككي مككرض الككروح‬
‫بما أين الروح ل تموت؟ الحقد والغضب والسخط والةزنا وغيرها من أمككراض الككروح‬
‫هي مثل الفاعي تةزحف وراء النسان إلى الحياة البدية‪.‬‬

‫ومن هنا يتليخص الهدف من هذه الحياة وهو أن نسككحق تلككك الفككاعي هنككا علككى‬
‫الرض لتتنيقى نفوسنا كلديا‪ ،‬لكي نقول مع مخيلصنا قبل الموت‪ ..." :‬رئيس هككذا العككالم‬
‫آنت وليس له فيي شيء" )يو ‪ .(30 :14‬النفس الخاطئة التي لم تتنقق بالتوبة ل يمكن أن‬
‫تكون في مجمع القديسين‪ .‬ولو أسكنوا تلك النفس في الفردوس لما أطاقت التواجد فيككه‬
‫ولكانت ستسعى إلى أن تخر ج من هنككاك‪ .‬بالفعككل‪ ،‬كيككف يتواجككد القسككاة مككع الرحمككاء‬
‫والةزناة مع العفاء والشرار مع التعطفاء؟‬
‫ذات مرة تدعي أحد المديرسين البسطاء إلى مأدبة غداء‪ .‬وأجلسوه بين الجنرالت‬
‫على المائدة‪ ،‬فشعر بحر ج‪ ،‬لم يعرف كيف يستخدم السكين والشوكة مثل جلسككائه مككن‬
‫تعلية القوم‪ ،‬وربط المنديل على عنقه ونظككر فككإذا بككه الوحيككد الككذي فعككل هككذا‪ ،‬فوتضككع‬
‫المنديل على ركبته فانةزلق على الرض فانحنى تحت المائككدة ليرفعككه‪ .‬أنككواع الطعككام‬
‫كانت كثيرة لكن المديرس رفض بعضها لنها غريبة ولم يعككرف كيككف تتؤكككل‪ .‬طككوال‬
‫فترة الغداء كان كمن يجلس على المسامير ويحلم‪ :‬متى ينتهي هذا كله؟ أمككا الخككرون‬
‫فكانوا يتصيرفون وككأنهم فكي بيككوتهم وتنككاولوا مككن جميكع الطعمكة وكككانوا يتحككدثون‬
‫بمرح ويضحكون‪ .‬وأخيرا انتهى الغداء وبعد الحلوى قيدموا آخككر وجبككة وهككي عبككارة‬
‫عن كؤوس صغيرة مملوءة بسائل أبيض شيفاف وموتضوعة في داخل فناجين زجاجية‬
‫كبيرة‪ .‬قيدموا د‬
‫أول للجنرال الجالس بجانب المديرس فأخذ الفنجان ووتضعه بجككانبه وثككيم‬
‫للمديرس‪ .‬وكان المكديرس عطشكان فتنكاول الككأس وشكرب مكا فيهكا دفعكة واحكدة‪ ،‬فلكم‬
‫يستطعم بلذة لنها عبارة عن ماء ساخن ونعنع‪ .‬وكم أصككابه الرتبككاك عنككدما رأى أن‬
‫الجميع كانوا يتمضمضون منه ولم يشرب أحد هذا الماء‪.‬‬

‫فقام عن المائدة منةزعجا للغاية وقاطعا علكى نفسكه عهككدا بكأن ل يحضككر حفلت‬
‫الناس الكابر فيما بعككد‪ .‬انظككر كككم هككو تمةزعككج ومكككروه أن يكككون المككرء فككي مجتمككع‬
‫غريب عنه هنا على الرض‪ ،‬فكم بالحرى هناك في السماء‪.‬‬

‫تنتشر الن انتشارا واسعا نظرة غير صحيحة في العذابات بشكل عام‪ ،‬وتفهمهككا‬
‫الناس من منظور معنوي وبتجيرد زائد على أنها تأنيب للضمير‪ .‬بالطبع سيكون هنكاك‬
‫تأنيب للضمير ولكن سيكون هناك أيضا عذاب للجسد‪ ،‬ليس لجسكدنا الكذي نلبسكه الن‬
‫ولكن للجسد الجديد الذي سنلبسه بعد القيامككة‪ .‬وجهينككم هككي مكككان معلككوم وليككس فكككرة‬
‫تجريدية‪.‬‬

‫كان يعيش في إحدى المدن تضككابط شككاب وكككانت حيككاته ملؤهككا الفككراغ واللهككو‪،‬‬
‫ويبدو أنككه لككم يفكككر أبككدا بالمسككائل الدينيككة‪ ،‬وفككي كككل الحككوال كككان يتعامككل مككع هككذه‬
‫المواتضيع بشككيك وريبككة‪ .‬وإليكككم مككا حصككل ذات يككوم وبحسككب روايتككه‪ " :‬فككي إحككدى‬
‫الميرات رجعت إلى البيت وكنت أشعر بالتويعك‪ ،‬فاسككتلقيت علككى السككرير ويبككدو أنككي‬
‫غفوت‪ ...‬فرأيت في المنام أنني موجود في مدينة غير معروفة لي وكان منظر المدينة‬
‫حةزينا والبنايات الكبيرة الرمادية اللون شبه المهيدمة تبرز كئيبة وخلفها تظهكر السكماء‬
‫بلون شاحب‪.‬‬

‫الشوارع تضييقة ومعويجة وأكوام القمامة في كككل مكككان‪ ،‬ول يوجككد أحككد! ول أي‬
‫مخلوق بشري! من المؤكد أن المدينة كانت مهجورة بسبب عدو‪ .‬ل أستطيع أن أعيبككر‬
‫عن الشعور بالكآبة واليأس الذي تميلكني‪ .‬يا إلهي‪ ،‬أين أنا؟ أخيرا ها أنككا أرى فككي قبككو‬
‫إحدى البنايات شخصين معروفين لككديي‪ ،‬المجككد لككك يككا الكك! مككن همككا؟ صككرت أحككيث‬
‫ذاكرتي فتذكرت بأنهما رفيقيي في الثكنككة وقككد ماتككا منككذ عككدة سككنوات‪ .‬وهككم بككدورهما‬
‫عرفاني وسألني‪" :‬كيف ذلك‪ ،‬وأنت أيضككا هنكا؟"‪ .‬وبغكض النظرعككن غرابكة اللقكاء‪،‬‬
‫فرحت وطلبت بأن يرياني أين يعيشكان‪ .‬فقكاداني إلكى سكرداب رطكب تحكت الرض‪،‬‬
‫فدخلت إلى حجرة أحدهما‪ .‬فقلت له‪" :‬صككديقي‪ ،‬أنككت كنككت فككي حياتككك تحككيب الجمككال‬
‫والناقة‪ ،‬وكانت شقتك دائما رائعة الجمال‪ ،‬والن؟"‪ .‬لم يجبني بشيء‪ ،‬كان فقط ينظر‬
‫بعينين شاحبتين مليئتين بالحسرة إلى جدران سجنه المظلم‪.‬‬

‫متوجهاكك إلككى عمككق‬


‫وسككألت الخككر‪":‬وأنككت أيككن تعيككش؟"‪ .‬فقككام متن دهداكك بككأنين د‬
‫السرداب‪ .‬لم أتجيرأ على أن أتبعه وتويسلت إلى رفيقي الثاني بأن تيخرجني إلى الهككواء‬
‫الطلق‪ ،‬فأراني الطريق وبصعوبة بالغة خرجت أخيرا إلى الشارع فقطعت بضع أزقة‬
‫فانتصب أمام عيني حائط حجري تضخم‪ ،‬ليس هناك وجهة للذهاب إليها‪ .‬استدرت فإذا‬
‫بحيطان عالية مظلمة من خلفي أيضاا‪ ،‬كنت وكأني موجود في داخل شوال حجري‪.‬‬

‫"أنقذني يا ريب!" – صرخت يائسا واسككتيقظت‪ .‬وعنككدما فتحككت عينككيي‪ ،‬نظككرتت‬


‫وإذا بي أقككف علككى حافككة هاويككة تمخيفككة وهنككاك مخلوقككات تمرعبككة تحككاول جاهككدة أن‬
‫تدفعني إلى تلك الهاوية‪ .‬تميلك الرعب كيل كياني‪" .‬ساعدني يا رب!"‪ -‬ناديتت من قلبي‬
‫واستفقتت‪ .‬يا إلهي‪ ،‬في أي مكان كنتت‪ ،‬وفي أيي مكككان أنككا الن موجككود؟ سككهل رتيككب‬
‫كئيب تمغيطى بالثلج‪ ،‬ومن بعيد تظهر جبال هرمية الشكل‪ .‬ول يوجككد أي إنسككان‪ ،‬وأنككا‬
‫أمشي‪ ،‬وها هو نهر تمغطى بطبقة رقيقة من الجليد‪.‬‬

‫هنككاك أنككاس علككى الناحيككة الخككرى‪ ،‬وهككم يمشككون أرتككا ا‬


‫ل ويككريددون‪" :‬الويككل‪،‬‬
‫فقررت العبككور إلككى الضككفة الخككرى‪ .‬الجليككد يتصككيدع ويتكيسككر ومككن النهككر‬
‫الويل!"‪ .‬ر‬
‫تظهر وحوش تحاول أن تقبض عليي‪ .‬وأخيرتا هكا أنككا علككى الضككفة الخككرى‪ .‬الطريككق‬
‫يؤدي إلى الجبل‪ ،‬الجو بارد وفي النفس كآبة ل تنتهي‪ .‬لكن هنكاك بعيككدا تظهككر النككار‪،‬‬
‫وأرى خيمة منصوبة وفيها أناس‪ .‬الحمد ل‪ ،‬لست وحدي! وأدنو من الخيمة‪ ،‬ونظرت‬
‫ضككوا علككيي شكامتين‪" :‬آآآ‪ ،‬وقعككت أخيككرا‬
‫وإذا الجالسين في الخيمة هم أليد أعدائي‪ ،‬وانق ي‬
‫فككي أيككدينا أيهككا العةزيككةز ولككن تككذهب مككن هنككا حدياكك"‪ .‬فصككرخت‪ ":‬يككا إلهككي خيلصككني‬
‫وارحمني!"‪ .‬ما هذا؟ أنا تمميدد فككي تككابوت وأسككمع خدمككة الجنككاز وحككولي الكككثير مككن‬
‫الناس‪ ،‬وأرى كاهننا العجوز‪،‬الذي تمييةز بحياة روحانية سامية وعنككده موهبككة الرؤيككة‪،‬‬
‫فأتى بسرعة نحوي وقال‪" :‬هل تعلم بأنك كنككت بككالروح فككي الجحيككم؟ ل تتحككيد ث الن‬
‫بأي شيء‪ ،‬اهدأ!"‪.‬‬

‫منذ ذلك الوقت تغيير الشاب فجأة‪ ،‬ترك الفو ج واختككار لنفسككه عم ا‬
‫ل آخككر‪ ،‬وابتككدأ‬
‫بالذهاب للكنيسة كل يوم وكان كثير التناول من السرار المقيدسة‪ .‬رؤيا الجحيم تركت‬
‫في نفسه انطباعا ل تيمحى‪ .‬إين تذكار الموت والجحيم مفيككد جككدا للنفككس‪" ...‬فككي جميككع‬
‫أعمالك اذكر أواخرك‪ ،‬فإنك لن تخطئ أبداا" )سيراخ ‪ .(39 :7‬مككع أن تككذكار الغبطككة‬
‫السماوية يساعد أيضا في حفظ النسان من السقوط‪.‬‬

‫عاش في أحد الديرة راهب اسمه بيمن‪ ،‬وكان من الوكرانييككن وكككان أ دمياكك ولككه‬
‫من العمر سبعون عاماا‪ .‬كانت خدمة الطاعة له في الدير هي تقطيع الحطب وإحضككار‬
‫الماء وإشعال النار‪ .‬كان الطيباخ في ذلك الدير معروفا بطبعه النةزق وبسككرعة غضككبه‬
‫وكان كثيرا ما يغضب ويضككرب الب بيمككن بكككل مككا تطككاله يككده‪ :‬بمحككراك الطبككخ أو‬
‫بالملقاط أو بالمكنسة‪ .‬لم يسر أحد قط بأن الب بيمن غضب من الطباخ أو قال له كلمككة‬
‫جارحة‪ .‬في بعض الحيان كان يسأله الخوة‪" :‬هل تتألم‪ ،‬أيهككا الب بيمككن؟" فيجيككب‪:‬‬
‫"ل بأس‪ ،‬أصابتني بظهري"‪ ،‬وكان وجهه الكهل تيشرق بابتسامة‪.‬‬

‫ذات مرة وفي أثناء الصلة غفى أحككد رهبككان هككذا الككدير فككرأى حلمكاا‪ :‬كككان فككي‬
‫بستان فيه أشجار ذات جمال غير عادي ومحيملة بالثمار وتفوح منها رائحككة عطريككة‪،‬‬
‫فف يكر الراهب في نفسه وتساءل‪" :‬من صاحب هذا البستان الرائع؟"‪ .‬وفجأة رأى الب‬
‫بيمن‪.‬‬

‫هتف الراهب‪" :‬كيف‪ ،‬أنت هنا؟"‪.‬‬

‫‪" -‬الرب أعطاني إياه‪ ،‬هذا منةزلي الصيفي‪ .‬كلما شعرت بانقباض في نفسي آتككي‬
‫إلى هنا وأتعيةزى"‪.‬‬

‫‪" -‬هل تقدر أن تعطيني من ثمار الجينة هذه؟"‬

‫‪ " -‬طبعاا‪ ،‬بكل سرور‪ ،‬ميد ثوبك نحوي"‪.‬‬

‫ميد الراهب ثوبه فمل الب بيمن فحججره بالثمككار العجيبككة‪ .‬فككي تلككك اللحظككة رأى‬
‫الراهب والده الكاهن المتوفي‪.‬‬

‫"أبي‪ ،‬أبي‪ ،‬وأنت أيضا هنا؟" ‪ -‬هتف الراهب فرحا وميد يكديه نحكو أبيكه‪ ،‬فكأفلت‬
‫طرف الثوب من يديه ووقعت الثمار كيلها على الرض‪ .‬استيقظ الراهب‪ .‬كككان الككوقت‬
‫صباحاا‪.‬‬

‫نظر الراهب من نافذة قليته وسمع صراخاا‪" :‬أنت أيها السككافل!"‪ .‬كككان الطبككاخ‬
‫يصرخ‪ " :‬مرة أخرى لم تتحضر مااء كافياا‪ ،‬يجب أن تكون البراميل كلها ملنككة وأنككت‬
‫حتى لم تتفيحصها أيها البهيم!" وتضرب الطباخ الب بيمن بالمحراك بكل ما أوتي من‬
‫قيوة‪ .‬خر ج الراهب من قليته واقترب وقال للطباخ‪" :‬ابتعد عنه"‪ .‬والتفت الراهب إلى‬
‫الب بيمن وسأله‪" :‬أيهككا الب بيمككن‪ ،‬أيككن كنككت الن؟" فأجككاب الب بيمككن‪" :‬غفككوت‬
‫قلي ا‬
‫ل في المطبخ وبسبب ذاكرتي الهرمة نسيت أن أحضر الماء الكككافي وبككذلك جلبككت‬
‫على نفسي عقوبة الطباخ العادلة واستياءه مني‪.‬‬

‫‪ -‬ل‪ ،‬أيها الب بيمن ل تخفف عني‪ ،‬أين كنت أنت الن؟‬

‫‪ -‬أين كنتت؟ كنتت هناك حيث كنست أنت‪ .‬ال الذي رحمته ل توصف أعيد لي ذلككك‬
‫المنةزل‪.‬‬

‫فسأله الرهب‪" :‬ماذا لو لم تسقط الثمار من حجري؟"‬

‫فأجككابه الب بيمككن‪" :‬كككانت سككتبقى معككك‪ ،‬وكنككت ستصككحى مككن النككوم وسككتجد‬
‫حجرك مليئا بالثمار‪ ،‬ولكن عندها كان سيتويجب عليي أن أترك الدير"‪.‬‬

‫بعد هذه الحادثة بوقت ليس بطويل تككوفي الب بيمككن ورحككل للبككد إلككى المنككةزل‬
‫التمعيد له‪ .‬ليؤيهلنا الرب الله بأن نسكن في دياره مع كل الذين أرتضوه!‬

‫تحيد ث أحد رهبان جبل آثوس إلى ستاريتس برية أوبتينا تمخبرا إياه بالتي‪" :‬لقككد‬
‫كنت في شبابي غنيا جدا وكنت أعيككش عيشككة المككرح والككترف‪ .‬كنككت سككعيدا فككي كككل‬
‫النككواحي‪ .‬ومضككت السككنون وأصككبحت صككاحب مصككانع كككبيرة وكككان دخلككي تيعككيد‬
‫بالمليين‪ .‬وكنت أمتلك صيحة جيدة ولم أكن أفكر في أمور الحياة أبدا وككان موتضكوع‬
‫العقاب والثواب بعد الموت بالنسبة لي خرافة‪.‬‬

‫غفوت ذات مرة بعد الغداء في مكتبي‪ .‬وفجأة رأيككت بكككل وتضككوح ملكككا منيككرا‬
‫وأخذني من يدي وقال‪" :‬لنذهب‪ ،‬سأريك المكان الذي سيكون بيتك إلى البد"‪ .‬فتبعككتت‬
‫الملك بخوف‪.‬‬

‫هبطنا إلى واند‪ .‬وفي وسط الوادي ارتفع جبل هرمي الشكككل وكككانت تخككر ج منككه‬
‫أعمدة من دخان ومن داخل الجبل كانت تتسمع أصوات عويل‪ .‬قككال الملك‪" :‬هككذا هككو‬
‫المكان الذي ستأتي إليه بعد موتككك إذا بقيككت تعيككش كمككا تعيككش الن‪ .‬الككرب أمككر بككأن‬
‫تيكشف لك هذا"‪ .‬اختفى الملك‪ ،‬واستيقظتت‪ ،‬وأعطيت مجدا وشكرا ل الككذي أعطككاني‬
‫وقتا للتوبة‪ .‬بعد هذا أسرعت في إنهاء أعمالي‪ ،‬وترككت لةزوجكتي مليكون نقككدا ومثلهكا‬
‫للولد أيضاا‪ ،‬أما أنا فانعةزلت وذهبت إلى جبل آثوس المقيدس‪ .‬لم يقبلني رئيككس الككدير‬
‫في البداية لن سني كبير ولني غير معتاد على العمل‪ ،‬لكنككي تككبيرعت للككدير بمليككون‬
‫لذلك قبلني عنده في الدير‪ .‬أنكا الن تكأيهلت للبكس السككيم وبمعونكة الك آمكل فكي أن‬
‫أتفادى مكان التعذيب ذلك"‪.‬‬

‫أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع‬


‫أبنائه الروحيين )‪(6‬‬

‫أغسطس ‪1909‬‬ ‫‪4‬‬

‫أتص يور بأنه ل يوجد في أي بلد في العالم أغنياء عظماء مثل أغنياء أمريكا‪ .‬على سككبيل المثككال‬
‫هناك في الوقت الحاتضر يشككتهر المليككونير روكفيلككر‪ .‬فهككو يمتلككك مليككار دولر نقككدا عككدا عككن‬
‫العقارات‪ ،‬يعني يمتلك ألف مليون‪.‬‬

‫تخييلوا ألف صندوق وفي كل منها مليون‪ ،‬ولو وقككف جنككدي أمككام كككل صككندوق‪ ،‬فيلةزمنككا فككو ج‬
‫كامل من العسكر‪ .‬لو حكمنا من الناحية البشرية‪ ،‬أل يمكن أن يكون هذا النسان سعيداا! ولكنككه‬
‫في الواقع أتعس إنسان في العالم‪ .‬هو مصاب بمرض تعضال في المعدة‪ ،‬ولقد تم وتضككع صككيمام‬
‫مثلث في معدته مع مسابير من ذهب لضخ الطعككام‪ ،‬أمككا العصككائر المغذيككة فتتمتككص مككن خلل‬
‫الجلد‪ ،‬وبين الحين والخر هو يعككاني آلمككا مبرحككة بحيككث يتمنككى المككوت ظانككا بككأن اللككم فككي‬
‫الجحيم سيكون أخيف‪.‬‬
‫هو يقضي الوقت كيله في قراءة الجرائككد جميعهككا متمنيككا أن يعككرف إذا كككان قككد ظهككر عككالم‬
‫شهير في مجال الطب في العالم‪ ،‬وإن قرأ عن أحد الطباء المشهورين فسرعان ما تيجيهككةز السككفينة‬
‫ويرسلها لتحضر ذلك الطبيب‪ ،‬ولكنه لغاية الن لم يحصل على أي تحيسن‪.‬‬

‫يبدو غريبا أن أتكلم الن عن روكفيلر‪ ،‬ما شأننا به؟ إنما تكلمت عنككه لريكككم بككأن الغنككى‬
‫بذاته ل يمكن أن يجلب السعادة للنسان‪ .‬الفرح موجود فقط في الرب‪ ،‬وإذا كان النسان بعيككدا‬
‫عن ال فإنه بعيد عن السعادة الحقيقية‪.‬‬

‫زارني مؤخرا معلم مع ابنه الغير مؤمن من بينةزا*‪ .‬أنا قلت للب‪" :‬بدون إيمان لن يجككد‬
‫ابنك السعادة على الرض"‪ .‬فةزعل مني‪ .‬يحتقر الرسول بولس زماننا هذا فيكتككب‪ ..." :‬أكملككت‬
‫السعي حفظت اليمان" )‪ 2‬تيم ‪ .(7 :4‬هذا يعني أنه صعب جدا وبخاصة في زماننا هذا‪.‬‬

‫ظهر عندنا مؤخرا الكثير من اللصو ص‪ ،‬ليس أولئككك الككذين يتسككللون الككى جيوبنككا وينهبككون‬
‫بيوتنا‪ ،‬ل‪ ،‬فاللصو ص الجدد أشير وأخطر‪ .‬هم لئقو الملبس ويتكلمون بعبارات طينانة وفي النتيجككة‬
‫هم يسرقون أغلككى شككيء وهككو اليمككان‪ .‬وعنككدما يكككون النسككان مسككلوب اليمككان يسككأل معلميككه‪:‬‬
‫"وكيف أعيش الن؟" فيجيبونه‪" :‬عش بحسب عقلك"‪ .‬ومن المعروف بأن العقل بدون اليمككان ل‬
‫يكون ناصحا جيدا دائماا‪ ،‬فيبدأ النسان بالنسياق لرغبات جسده ويسقط من أسفل إلى أسفل‪.‬‬

‫يا أبنككائي‪ ،‬حككافظوا علككى اليمككان المقككدس‪ ،‬إنككه كنككةز ل تيقككيدر بثمككن ومعككه تككدخلون إلككى‬
‫الملكوت‪ .‬فنحن نجتهد ليس لشيء قليل بل من أجل الفوز بالملكوت وأي ملكوت!‪ ...‬السككماوي!‬
‫نريد أن نصير مواطنين فيه‪.‬‬

‫وها أنا اليكومينوس الخاطئ ل أعرف راحة من الصبح إلى الليل‪ .‬من أجككل مككاذا؟ أرغككب‬
‫جدا في الوصول إلى الملكوت لنه لو سقطتت في الجحيكم ‪ -‬ل سكمح الك – فحيكاتي كلهكا سكتذهب‬
‫أدرا ج الرياح‪.‬‬

‫‪ 6‬أغسطس ‪) 1909‬في الطريق من الكنيسة إلى السقيط(‬

‫كنت أريد اليوم أن ألقي عظة بعككد القككداس ولكنكي البارحكة لكم آخككذ إذن المباركككة مككن الب‬
‫الرشمندريت‪ .‬هو طبعا كان سيسمح لي بسرور ولكن من المستحسن عدم القيام بكأي عم ل بكدون‬
‫أخذ إذن المباركة‪ .‬إذا ككان النككاس فككي العككالم يستشكيرون أهكل الخككبرة فكي أعمكالهم فكككم بكالحري‬
‫الراهب الذي يجب أن يسلك في الطاعة‪.‬‬

‫حدثت عندنا في السقيط حادثة‪ :‬أراد أحد الرهبان في الشتاء أن يذهب إلى دكككان الككدير‪،‬‬
‫فجاءته فكره وهي أنه ل يستوجب أن يةزعج الستاريتس بأمر تككافه كهككذا فالمسككافة إلككى الككدكان‬
‫تستغرق ربع الساعة‪ .‬في الحقيقة جاءته فكرة أخرى وهي أنه من الفضل أن يأخذ إذن مباركة‬
‫من الستاريتس ولكن الرغبة الولى تغيلبت فذهب الراهب إلى الدكان بدون إذن‪.‬‬

‫كان الوقت غسككقا والطريككق يمككير عككبر غابككة ومشككى الراهككب ومشككى ولكنككه لككم يسككتطع‬
‫الوصول إلى الدكان‪ ،‬فحل الظلم ولكنه لم يصل‪ .‬ما هذا الذي يحصل؟ لحت له أتضكواء قريكة‬
‫من بعيد وعلى ما يبدو أنه وصل إلى قرية "بريسكي" وفجأة ظهرت أمامه وحوش غريبة‪.‬‬

‫فصرخ مرقس )هكذا كان اسم الراهب( من الخوف‪ .‬وعندما اقترب رأى بأن هذه ليسككت إل‬
‫كومة من القش وصككار يصككيح طالبككا المسككاعدة‪ .‬تراكككض القرويككون وأخرجككوه مككن كومككة القككش‬
‫ووتضعوه على عربة وأحضروه للسقيط‪ .‬تجيمدت رجله اليمنى بالكامل لذلك نصح الطبيب ببترها‬
‫ولكن مرقس لم يوافق على البتر وقال‪" :‬هذه الرجل التي مشت بحسب رغبتها فلتتعذب للنهاية"‪.‬‬

‫وبالفعل تحيمل مرقس آلميا مبرحة‪ .‬بقككي لمككدة ‪ 12‬سككنة طريككح الفككراش‪ ،‬إسككويدت رجلككه‬
‫وأصبحت تتقييح ونغل الككدود فيهككا وخرجككت منهككا رائحككة كريهككة جكداا‪ .‬عنككدما كككان يككأتي أحككد‬
‫لةزيارته كان مرقس يقول له‪ " :‬انظكروا إلكى ال ذي تصكيرف علكى ه واه"‪ .‬وككانوا يقولكون لكه‪:‬‬
‫"اهدأ أيها الخ مرقس‪ ،‬لقد غفر لك الرب"‪ .‬فكان يجيب‪" :‬طبعا غفر لنه إله رحيم ولكن يجب‬
‫أن ل أغفر لنفسي"‪ .‬اقتنى الخ مرقس تواتضعا عظيماا‪ ،‬وبعد مككوته هككير لحككد الخككوة وبيشككره‬
‫بأن الرب قد رحمه وهو الن يتعيةزى في الفردوس‪.‬‬

‫‪---------------------‬‬

‫* بينةزا – مدينة كبيرة في وسط الجةزء الوروبي لروسيا‪ ،‬مركةز المحافظة‪.‬‬

‫المجموعة‪ :‬رسائل وأحاديث‬


‫أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع‬
‫أبنائه الروحيين )‪(7‬‬

‫ديسمبر ‪1909‬‬ ‫‪22‬‬

‫هناك عادة في السقيط وهي أخذ البركة من السككتاريتس لليككل وللنهككار‪ .‬أهككل السككقيط‬
‫كلهم يأتون إلى رئيس الدير صباحا ومسااء وهو يبككارك الجميككع‪ .‬إشككارة الصككليب لهككا‬
‫دللة عظيمة‪ ،‬فل أحد يعرف ما سيأتي به الليل القادم‪ ،‬لذلك مككن المهككم جككدا التح ي‬
‫صككن‬
‫بقوة الصليب الشريف والمحيي‪ .‬أحيانا تحد ث عندنا في القللي أشياء غريبة‪.‬‬

‫منذ مدة غير بعيدة توفي في السقيط الب بانفيل اللبس السكككيم‪ .‬كككان سككابقا‬
‫يخدم في الجيش وشارك في الحرب المجرية عام ‪ 1848‬وفي حملة القرم وثككم بعككدها‬
‫ترك كل شيء وذهب ليعيش في الدير‪.‬‬

‫ذات مرة حضر إلى الصلة السكحرية وهكو متككيدر ويتنهكد متألمكا وإبهكام يكده‬
‫معصوب‪.‬‬

‫سألناه‪ :‬ماذا حصل؟‬

‫فاجاب‪ :‬الشياطين استحوذت عليي في الليل يا إخوة‪ .‬كنت لتكيوى قكد رقكدت فكي‬
‫الفراش ولم أغتف بعد‪ ،‬فرأيككت رت ا‬
‫ل مككن النككاس لبسككين جاكيتككات مثككل الخككادمين فككي‬
‫المطاعم‪ ،‬ففكرت‪ ،‬كيف جكاء هككؤلء النككاس إلككى هنكا وكل البككابين مغلقككان بالمفاتيككح‪.‬‬
‫عندها فهمت من هؤلء‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا جئتم إلى هنا أيها الملعين؟ من دعاكم؟‬

‫فأجابوا‪ :‬سنريك الن‪ ،‬أمسكوه‪.‬‬

‫فأمسكوني‪ ،‬أما أنا فارتبكت ولم ألحق برشككم نفسككي بإشككارة الصككليب فصككاروا‬
‫يصلبونني وشككيدوا يككديي ورجلككيي وتضككربني أحككد الشككياطين بالمطرقككة‪ ،‬كككان يريككد أن‬
‫يضربني في كف يدي فأصاب إبهامي وهيشمه فشعرت بألم شديد فصرخت‪" :‬يا ربككي‬
‫يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ!" وللوقت اختفت الشياطين‪ .‬نظرت وإذا بقميصككي‬
‫ضب بالدماء وإبهامي يؤلمني ألما ل تيطاق فربطته فنظرت وإذا وقت الذهاب إلككى‬
‫مخ ي‬
‫الصلة السحرية قد حان‪ .‬صيدقوني يا إخوة‪ ،‬أنا ل أكذب‪.‬‬

‫بالفعل‪ ،‬معروف من سير القديسين بكأن الشككياطين تسككتطيع أن تككؤذي النسككان‬


‫إيذاءا جسدياا‪ .‬كثيرا ما هاجمت الشياطين القككديس أنطونيككوس حيسككيا وكككانت تضككربه‪.‬‬
‫ذات مككرة ظهككرت مجموعككة مككن الشككياطين للقككديس وابتككدأوا يضككربونه بسككوط‬
‫"سكوربيون" )العقرب( وهذا السوط له أسنان حادة في نهككايته تمككةزق الجسككد وتنككةزع‬
‫منه قطعا من اللحم‪ .‬كانت هذه من أرهب طرق التعذيب عند الرومككان‪ .‬أحككيس القككديس‬
‫أنطونيوس بألم ل يطاق ونادى "يككا رب‪ ،‬يككا رب!" فككاختفت الشككياطين‪ .‬كككان القككديس‬
‫مطروحا أرتضا بل حراك مخضبا بدمائه وفجأة ظهر المخيلص وشفى جراحككه بلمسككة‬
‫واحدة‪ .‬فقال القديس أنطونيوس‪" :‬أين كنت يا رب؟ لماذا سككمحت بككأن تيهككان عبككدك؟"‬
‫فأجابه المخلص‪" :‬كنتت هنا لكني لم أظهر لك لكي تخةزي الشياطين بنفسك"‪.‬‬

‫كككانت هنككاك حادثككة أخككرى فككي أوبتينككا‪ .‬جاءنككا إلككى السككقيط مريككد الرهبنككة‬
‫المميرض إيفان‪ .‬قبله أبونا أمبروسيوس تحككت إشككرافه‪ ،‬وإيفككان هككذا حككيدثنا عككن نفسككه‬
‫التي‪.‬‬

‫كان يعيش فككي محافظككة تككول وفككي ذات يككوم تعككيرف علككى سككاحر وكككان هككذا‬
‫الساحر يهودي الصل وليس معلوما إن كان مع دمدا أم ل‪ .‬أراد المميرض أن يتعيلككم فككن‬
‫العرافة‪.‬‬
‫وافق الساحر أن يقبله تلميذا له‪ ،‬فأحضر في المككرة الولكى مقعكدا وأمكر إيفكان‬
‫بأن يضع يديه عليه‪ ،‬فوتضع إيفان يديه فارتفع المقعد إلى السككقف‪ .‬ارتعككب إيفككان وفككير‬
‫هاربا لكن الساحر أوقفككه قككائ ا‬
‫ل‪" :‬إلككى أيككن تهككرب يككا جبككان؟ أنككت تريككد أن تفهككم كككل‬
‫المعرفة وتخاف من أشياء بسيطة"‪ .‬فهدأ إيفان وعاد ومنذ ذلك الحين كككان التعليككم يتككم‬
‫بنج اح وسكرعان مكا أصكبح يكرى الرواح بكذاتها‪ .‬مكن ناحيكة يبكدو غريبكا أن تظهكر‬
‫الرواح العادمة الجساد في أشكال حيسية ومختلفة أيضاا‪ :‬إما علككى هيئككة إنسككان وإمككا‬
‫على هيئة قطة وحتى على هيئة شعاع القمر‪ ،‬كما ظهر ذات مرة للساحر وتلميذه‪ .‬من‬
‫المفترض أن الرواح تختار لنفسها جسما ماديا من الجسام الموجودة في الفضاء‪.‬‬

‫كان إيفان الممرض على وشك الهلك ولكن الرب الذي ل يشككاء هلك البشككر‬
‫أتى به وبطرق مستقصاه عن الفهم إلى ديرنا المقيدس‪ ،‬فعاش عندنا بعض الوقت‪ .‬ذات‬
‫ليلة جاء إيفان إلى قلية الب أمبروسيوس وطلب مككن الخككادم بككأن يككوقظ الباتيوشكككا‪.‬‬
‫فقال له الخادم‪" :‬الوقت متأخر والباتيوشكا نائم وهو تعبان‪ ،‬تعككال غككداا"‪ .‬فقككال إيفككان‪:‬‬
‫"ل‪ ،‬الب أمبروسيوس قال بأنه يمكننككي المجيككء إليككه فككي كككل وقككت سككواء نهككارا أم‬
‫لي ا‬
‫ل"‪ .‬فأيقظوا الب أمبروسيوس‪.‬‬

‫استمع الب أمبروسيوس باهتمام وروى إيفان له التككالي‪" :‬بعكد إتمكامي قكانون‬
‫المسككاء أردت أن أسككتلقي وفجككأة رأيككت إنسككانا متقككدما فككي السككن فككي القليككة‪ .‬كككانت‬
‫البواب مغلقة تماما وبالتالي ل يقدر أحد أن يدخل قليتي‪ ،‬فككتيقنت بككأن هككذا شككيطان‪.‬‬
‫أما هو فقال لي‪:‬‬

‫‪ -‬أنت تصيرفت بطريقة غير لئقة جدا‪ .‬كنكت صكديقنا ونحكن أعلنكا لكك بعكض‬
‫السرار وفجأة أنت تترك كل هذا وترتبط بهذا العجوز‪.‬‬

‫فتساءلت‪ :‬ماذا عليي أن أفعل؟‬

‫فأجابني‪ :‬كما تركتنا هكذا تتركه أيضاا‪ .‬ما عليك سوى أن ترغب في ذلككك وأنككا‬
‫في لحظة أنقلك من هنا إلى معلمك السابق‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ليس عندي فروة والجو صقيع في الخار ج‪.‬‬

‫فقال‪ :‬ل تقلق‪ ،‬يوجد فروة ويوجد حصان أيضاا‪.‬‬

‫فقلت‪ :‬السقيط مغلق‪.‬‬

‫فقال‪ :‬نتسلل من فوق السور وفي الخار ج تنتظرنا عربة‪.‬‬

‫فصرخت‪ :‬أيها الرب يسوع المسيح يا ابن ال ارحمنككي أنككا الخككاطئ‪ .‬واختفككى‬
‫الشيطان بلمح البصر‪.‬‬

‫أما أنا فانتابني خوف غريب وفكرت‪ :‬ماذا لو أنه يعود فجأة ويخنقني؟ وها أنككا‬
‫أتيتك راكضا يا أبتي"‪.‬‬

‫ليست كل الرواح متساوية‪ ،‬كما في الجيش هنككاك جنككود وتضككباط وجنككرالت‬


‫وجنرالت فوق الجنرالت هكذا أيضا في قكوات الشكياطين‪ .‬لككو أخككذنا قصكة النجيككل‬
‫عن شفاء مجنون جدارة‪ ،‬عندما سأل الرب الككروح النجككس السككاكن فككي ذلككك النسككان‬
‫عن اسمه فكان جوابه‪" :‬لجيون"‪ .‬واللجيون في الجيش الروماني هو لككواء يتككألف مككن‬
‫‪ 6400‬شخص‪ ،‬وبالتالي ففي المجنون كان يسكن رئيس شياطين‪ .‬وعنككدما سككمع الب‬
‫أمبروسيوس كلم الراهب إيفان قال‪:‬‬

‫حسنا أنك أتيت‪ ،‬لقد كان عندك شيطان قوي ومخيف‪ ،‬رئيس ثمانيككة ألويككة ول‬
‫أحد يستطيع أن يفلت منه تقريباا‪ .‬لقد أخبرني الرب بأنك فككي خطكر فنهضككت للصككلة‪.‬‬
‫المجد ل أنك تذكرت اسمه المقدس والمخيف وبه طردت الشيطان‪.‬‬

‫انقطعت أخبار هذا الراهب عنككدما التحككق بالخدمككة العسكككرية ولككم يعككد بعككدها‬
‫للدير‪.‬‬

‫نحن المؤمنين نمتلك سلحا عظيماا! إنه قوة الصليب المحيي‪ .‬عندما أفكككر فككي‬
‫غير المؤمنين ينتابني الهلع من أجلهم فهم بدون حماية بالكامل‪.‬‬
‫هذا يشككبه إنسككانا ذهككب إلككى غابككة كثيفككة دون أن يحمككل معككه أي سككلح‪ ،‬فهككو‬
‫سيكون فريسة لول وحش سيصادفه فهو ل يملك شيئا يدافع به عككن نفسككه‪ .‬أمككا نحككن‬
‫فلن نخاف من الشياطين‪ .‬لن قوة إشارة الصليب واسم يسوع المخيف لعداء المسككيح‬
‫هما ينقذاننا من شباك الشياطين الشريرة‪ .‬آمين‪.‬‬

‫المجموعة‪ :‬رسائل وأحاديث‬

‫أحاديث القديس بارسانوفيوس ستاريتس أوبتينا مع‬


‫أبنائه الروحيين )‪(8‬‬

‫ديسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسمبر ‪1909‬‬ ‫‪26‬‬


‫عجيبة هي مقاصد الرب الككتي تككأتي بالنسككان إلككى طريككق الحككق! عاشككت فككي مدينككة‬
‫كورسك عائلة أنتيمونوف الغنية والمشهورة وكانت تجككارتهم بككالمليين‪ ،‬وكككان إيفككان‬
‫هو ابنهم الوحيد يسعى دائما إلى الدير‪ ،‬فأراد أهله أن يةزيوجوه بأسرع وقت‪.‬‬

‫مرتضت الم وقبل أن تموت قالت لبنها‪" :‬فانيا*‪ ،‬ادخل الدير"‪ .‬وبعد عككام وجككد الب‬
‫عروسا شابة جميلة وغنية لبنككه فككذهب الب ليككرى العككروس‪ .‬فككي ذلككك الككوقت كككان‬
‫الوالدان هما اللذان يقيرران هذه المور واختيارهما نهائي وغير قابككل للنقككاش‪ .‬عنككدما‬
‫‪:‬عاد الب من زيارته سأله ابنه‬

‫‪ -‬كيف رأيت العروس يا أبي‪ ،‬جيدة؟‬

‫‪ -‬جيدة جداا‪.‬‬

‫‪ -‬متى تأذن لي بالذهاب لرؤيتها؟‬


‫‪ -‬ل داعي للعجلة‪.‬‬

‫‪ -‬كيف ذلك يا أبي؟ أنا سأتةزيو ج‪ ،‬فلهذا يجب عليي أن أرى العروس‪.‬‬

‫‪ -‬ل داعي لن تراها‪ ،‬هي فع ا‬


‫ل عروس ولكنها ليست عروسك‪.‬‬

‫‪ -‬كيف هذا؟‬

‫‪ -‬هكذا! أنا من سيتةزيوجها‪.‬‬

‫‪ -‬تةزيوج ج يا أبي‪ ،‬وهل تسمح لي بالذهاب للعمل بصيد السماك؟‬

‫‪ -‬اذهب في رعاية ال‪.‬‬

‫جلس البن في العربة وغادر وبدال من الذهاب للعمل في الصيد ذهب مباشرة‬
‫إلى دير أوبتينا‪ .‬سارت عربة الترويكا** نحو الدير وأخطأ الحككوذي وعككبر قليل عككن‬
‫فندق الدير‪ .‬فخر ج الراهب خادم الفنككدق علككى صككوت أجككراس الحصككنة وإذا بعربككة‬
‫ترويكا تقرل شخصا بلباس العلمانيين ولكن على رأسه تا ج السقف‪ .‬فاندهش وقال‪" :‬يا‬
‫ربي يسوع المسيح ارحمني‪ ،‬هل أنككا فككي كامككل وعيككي ولسككت أحلككم؟"‪ .‬دخككل الفنككدق‬
‫راكضا وهو يقول‪ :‬رأيت كذا وكذا‪.‬‬

‫فقالوا له‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا بك أيها الب‪ ،‬هل أنت بكامل عقلك؟‬

‫فقال الكاهن‪:‬‬

‫‪ -‬تعالوا إلى الخار ج وانظروا‪.‬‬

‫خرجوا للخار ج‪ .‬في هذه الثناء كان الحوذي قككد أدار الخيككول ورجككع بالعربككة‬
‫إلى الفندق‪ .‬فخر ج إيفان من العربة وانحنى‪.‬‬
‫فسأله خادم الفندق‪:‬‬

‫‪ -‬أنتم الذين عبرتم منذ لحظات؟‬

‫‪ -‬نعم‪ ،‬الحوذي أخطأ وعبر قلي ا‬


‫ل عن الفندق‪ ،‬لماذا يا أبتي تنظر لي هكذا؟‬

‫‪ -‬ما الذي كان على رأسك؟‬

‫‪ -‬قبعة‪.‬‬

‫‪ -‬قبعة؟‬

‫ص عليه كل شككيء‪ ،‬لكككن‬


‫ذهب خادم الفندق إلى الب الرشمندريت موسى وق ي‬
‫الب موسى لم يكن عنده إعلن من ال بالمر‪ .‬فقال له‪:‬‬

‫‪ -‬ل أعرف ماذا أقول لك‪ .‬اذهب إلى الستاريتس مكاريوس‪.‬‬

‫أما الب مكاريوس فاستقبله قبل أن يتفيوه بكلمة بالسؤال‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا بك؟ أرأيت أرشمندريتا في العربة؟ رأيت التا ج على رأسه؟ سيكون هذا‬
‫الشاب أرشمندريتا عظيما باسم إسحق‪.‬‬

‫وهكذا صار كما قال الب مكاريوس‪ .‬ولكن لم يقل أحد شيئا ليفككان‪ .‬أمككا والككد‬
‫إيفان فغضب على ابنه إلى درجة أنه لم يةزره ثل ث سنوات‪ ،‬ثم جاء إلى الككدير وقككال‪:‬‬
‫"أروني هذا البن العاصي"‪ .‬لكن الب ارتاح في أوبتينا جدا حتى أنه فيكر فككي البقككاء‬
‫فيها‪ .‬لكن الب مكاريوس قال له‪ " :‬ل‪ ،‬اذهككب وعككش كمككا كنككت تعيككش فلككم يبككق لككك‬
‫الكثير من الوقت"‪.‬‬

‫أما الرشمندريت إسحق فترأس الكدير لمكدة ‪ 38‬سكنة‪ .‬إن الكرب يكؤدي النكاس‬
‫للخل ص بطرق مختلفة‪ .‬آمين‪.‬‬
‫‪----------------------------‬‬

‫* صيغة تصغير من اسم "إيفان"‪.‬‬

‫ل مجموعة ثلثية‪ .‬هنا – عربة تجيرها ثل ث خيول‪** .‬‬ ‫الترويكا – كلمة روسية تعني أص ا‬
‫كما دخلت الكلمة لغات أخرى للشارة إلى اللجنة أدو الهيئة التي تتكون من ةثلةثة أشخاص أدو‬
‫‪.‬ةثل ث جهات‬

‫المجموعة‪ :‬رسائل وأحاديث‬

You might also like