Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 25

‫‪1‬‬

‫أوراق ماركوس فولف السورية والشرق أوسطية‬


‫مختارات من الرسائل واألوراق الشخصية غير المنشورة لمدير المخابرات الخارجية‬

‫في ألمانيا الشرقية السابقة الجنرال »ماركوس فولف« ‪Markus Wolf‬‬

‫الجزء األول ‪ :‬عالقة حافظ األسد بالمخابرات البريطانية وأسرار زياراته السرية الثالث‬

‫إلى لندن في النصف الثاني من الستينيات وتدبير انقالبه بالتنسيق معها ومع السعوديين‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نـزار نيوف ـ لندن‬

‫‪ 1‬ـ ماركوس فولف وطريقي إليه ‪:‬‬

‫خريف العام ‪ ،1002‬وبينما كنت أتابع عالجي في ألمانيا بعد عجز الفرنسيين عن ذلك‪ ،‬تسنى لي التعرف‬
‫على الجنرال ماركوس فولف ‪Markus‬‬
‫المخابرات‬ ‫مؤسس‬ ‫‪،Wolf‬‬
‫الخارجية(‪ )HVA‬في ألمانيا الشرقية‬
‫ومديرها على مدى‪ 43‬عاما وحتى تقاعده‬
‫في العام ‪ 2891‬بناء على طلبه من أجل‬
‫التفرغ لجمع وتحرير ونشر إرث شقيقه‬
‫المخرج السينمائي الشهير كونراد فولف ‪،‬‬
‫و مسرحيات والده فريدريش فولف ‪،‬إلى‬
‫جانب إعداد ونشر مؤلفاته هو‬
‫شخصيا‪،‬التي صدرت في خمسة كتب‬
‫اعتبارا من العام ‪ .2882‬ومن المعلوم أن‬
‫فولف كان أيضا‪،‬طوال فترة خدمته تقريبا وحتى تقاعده‪ ،‬النائب األول لـ إيريش ميلكه‪ ،‬وزير جهاز أمن‬
‫الدولة‪( MfS‬المعروف في العالم باسم "شتازي")‪.‬‬

‫ال يمكن أحدا يلتقي ماركوس فولف‪ ،‬حتى وإن كان مثلي يحتقر ضباط المخابرات وعاش طوال حياته في‬
‫دوخ العالم‪ ،‬شرقـه‬
‫صراع ومواجهات معهم‪،‬فوق الطاولة وتحتها‪ ،‬إال أن يقع أسيرا في ِسحر هذا الرجل الذي ّ‬
‫وغربه‪ ،‬طوال ثالثة عقود من "الحرب الباردة"‪ ،‬واستطاع الوصول إلى قدس أقداسه األمنية والعسكرية في‬
‫قلب مقر"الحلف األطلسي" وداخل وكر وكالة المخابرات المركزية األميركية في "النغلي" وقلب المخابرات‬
‫البريطانية‪ ،‬بفرعيها ‪ MI5‬و ‪ ،MI6‬وأن يجند عشرات ضباط المخابرت والمسؤولين السياسيين الكبار في‬
‫‪2‬‬

‫أعلى قمم األجهزة المعادية ومؤسساتها‪ ،‬فضال عن إدارته شبكة تضم في الحد األدنى خمسين ألف "عميل"‬
‫ومخبر في الدول الغربية وبقية أنحاء العالم‪ ،‬بينهم ثالثة آالف في ألمانيا الغربية وحدها آنذاك‪ ،‬ناهيك عن‬
‫عملياته الكبرى التي تحسده عليها ـ مهنيا ـ حتى الموساد نفسها‪ ،‬وعلى رأسها عمليته المخابراتية ـ البحرية‬
‫المعقدة‪ ،‬التي قادها نائبه ورئيس"دائرة العالم الثالث" في الجهاز الجنرال هورست يينكيه‪، Horst Jänicke‬‬
‫إلنقاد قادة وكوادر الحزبين االشتراكي والشيوعي في تشيلي ونقلهم إلى خارج بالدهم بعد ساعات على‬
‫انقالب بينوشيه الذي دبرته وكالة المخابرات المركزية واغتيال الرئيس المنتخب سلفادور أليندي‪.‬‬

‫يوصف ماركوس فولف ‪ ،‬من قبل وسائل اإلعالم وأجهزة االستخبارات الغربية وفي أدبياتها‪،‬بأنه "أعظم‬
‫رجال المخابرات في القرن العشرين‪ ،‬وأكثرهم ذكاء وإبهارا"‪ ،‬وبأنه "الرجل بال وجه"‪ ،‬بسبب عجزهم عن‬
‫الحصول على صورة له ومعرفة مالمحه طوال قرابة ثالثة عقود من البحث والتحري لم تنت ِه إال حين‬
‫حصلت المخابرات السويدية في العام ‪ 2819‬على صورة له بمحض المصادفة بينما كان يقوم بزيارة عمل‬
‫ْ‬
‫فشاركت كال من‬ ‫خاصة إلى السويد‪ ،‬أكبر مقر عمليات لـ ‪ CIA‬في العالم خارج الواليات المتحدة‪،‬‬
‫استخبارات ألمانيا الغربية واألميركية هذه الصورة‪ ،‬ليتعرف عليه الحقا أحد "المنشقين" من ألمانيا الشرقية‬
‫عرضت عليه! كما يُعزى له الكثير من النجاحات الفعلية واالختراقات الكبرى األكثر شهرة‬ ‫إلى الغربية حين ُ‬
‫وتعقيدا ‪ ،‬التي ُوقّعت باسم المخابرات السوفييتية ‪ ، KGB‬رغم أن فولف هو بطلها الفعلي‪ ،‬إذ كان الصيت لها‬
‫أما الفعل فله هو‪ ،‬بالنظر ألن معظم إنجازاتها البارزة‪ ،‬السيما في دول الحلف األطلسي‪،‬بما فيها الواليات‬
‫المتحدة وبريطانيا وفرنسا نفسها‪ ،‬ناهيك عن مقر الحلف نفسه في بروكسل‪ ،‬كانت بفضله وبفضل جهازه‬
‫‪،( Hauptverwaltung Aufklärung( HVA‬مع أن ‪ ، KGB‬بالمقابل‪،‬كما كشف في مذكراته‪،‬وكما‬
‫أخبرني شخصيا خالل لقاءاتنا وفي مراسالتنا المتبادلة‪ ،‬كانت تحجب المعلومات عن "شتازي" رغم أنهما‬
‫كانا جهازين حليفين في معسكر سياسي وأيديولوجي واحد ـ حلف وارسو!‬

‫ال عالقة لماركوس فولف من قريب أو بعيد بالشخصية "النمطية" لضباط المخابرات‪ ،‬سواء كانوا في‬
‫الشرق أم الغرب أم في بالدنا المصابة بطاعون حكمهم المزمن‪ ،‬وسواء منهم أولئك الذين نعرفهم بفضل‬
‫تجاربنا الحياتية أو من خالل قراءاتنا عنهم في الكتب أو مشاهداتنا لهم في األعمال الدرامية‪ .‬فهو صحفي في‬
‫األصل‪ ،‬كان أول عمل مهني له تغطية محاكمات الضباط النازيين في"محكمة نورمبرغ" عقب الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬رغم أنه مهندس طيران في األساس من حيث دراسته األكاديمية‪ ،‬قبل أن يُعهد له تأسيس‬
‫وإدارة "راديو صوت الشعب األلماني" خالل الحرب وبعد اندحار النازية‪ ،‬ثم إنشاء "إدارة االستطالع‬
‫والتجسس المضاد‪ ،" HVA‬في العام ‪2812‬ـ ‪ ،2811‬والتي بقي على رأسها حتى تقاعده في العام ‪.2891‬‬
‫كان مثقفا من طراز رفيع ‪ ،‬وشيوعيا ديمقراطيا حقيقيا‪ ،‬رغم ما يمكن أن يتركه هذا التعبير من طنين منفّر في‬
‫األذن التي لم تعت ْد سوى على اإلرهاب اللينيني ـ الستاليني‪ ،‬الفكري منه والجسدي! واألهم ـ كما يقول وكما‬
‫يقول من عايشوه خالل حياته المهنية ـ إنه كان طاهر الكف ولم تتلوث يداه بدم أحد‪ ،‬خصوصا مواطني بلده‪.‬‬
‫وال أدل على ذلك من أنه كان في محنة مالية كبيرة عند تقاعده‪ ،‬ولم يستطع تجاوزها إال من عائدات العقود‬
‫‪3‬‬

‫التي أبرمها مع دور النشر لطباعة كتبه وكتب أخيه و والده‪ .‬وهو‪ ،‬إلى ذلك‪ ،‬كان قارئا نهما لألدب الكالسيكي‬
‫وأحدث ما يخرج من المطابع في مختلف حقول الثقافة والفكر‪ ،‬شرقا وغربا باللغات الثالث التي كان يجيدها‬
‫كما لغته األم‪ ،‬وشغوفا بحضور مسرح بريخت واألعمال المسرحية األخرى‪ ،‬وحافظا عشرات القصائد لكبار‬
‫شعراء ألمانيا‪ ،‬أمثال غوتة و هنريخ هاينة و برتولد بريخت و غونتر غراس (على غرار ضباط مخابراتنا‬
‫تماما‪ ،‬الذي يشنّفون آذانهم و ويُ ْغنون ثقافتهم الفنية بأغاني علي الديك وأليسا ونانسي عجرم)‪.‬‬

‫ليس هذا أمرا غريبا عن رجل أبوه هو الطبيب والمسرحي والمناضل الكبير فريدريش فولف‪ ،‬رفيق روزا‬
‫لوكسمبورغ و كارل ليبكنخت في ثورة ‪ 2828‬المغدورة‪ ،‬وأحد الكوادر المؤسسين للحزب الشيوعي األلماني‬
‫ورئيس "المجلس العمالي" في مدينة درسدن خالل "ثورة سباراتكوس" وفترة جمهورية فايمار التي أعقبتها‪،‬‬
‫قبل أن يتوجه إلى إسبانيا للقتال والعمل كطبيب في صفوف "األلوية األممية" من الشيوعيين واليساريين‬
‫اآلخرين المتطوعين في الحرب األهلية اإلسبانية في مواجهة فاشيي فرانكو‪ ،‬إلى جانب مثقفين كبار من‬
‫أصدقائه ورفاقه أمثال إرنست همنغواي و جورج أورويل و أندريه مارلو و بابلو نيرودا (ولو أن مشاركة‬
‫هذا األخير كانت غير مباشرة من خال دعم "الجمهوريين" والالجئين اإلسبان المناهضين لفرانكو من خالل‬
‫عمله كقنصل لبالده‪ ،‬وهو ما أدى إلى طرده من وظيفته)‪.‬‬

‫بعد سقوط ألمانيا الشرقية وإعادة توحيد األلمانيتين جرى اعتقال ماركوس وإحالته إلى القضاء‪ ،‬رغم أن‬
‫كال من وكالتي المخابرات األميركية واإلسرائيلية (باعتباره يهوديا بالوالدة من جهة أبيه) عرضتا عليه‬
‫"االنشقاق" واللجوء مع امتيازات مالية وسكنية مغرية بهدف االستفادة من أكبر أرشيف معلومات حمله رجل‬
‫في رأسه عبر التاريخ‪ ،‬إال أنه رفض ذلك‪ .‬وفي العام ‪ 2884‬أدين بتهمة "الخيانة" و ُحكم عليه بالسجن لمدة‬
‫ست سنوات من قبل محكمة "دوسلدورف"‪ ،‬لكن المحكمة األلمانية العليا ألغت الحكم في العام ‪ 2881‬وفق‬
‫اجتهاد دستوري جاء فيه "إنه كان يعمل موظفا في دولة (ألمانيا الشرقية السابقة) ذات سيادة معترف بها دوليا‬
‫وعضو في األمم المتحدة‪ ،‬مثلها في ذلك مثل ألمانيا االتحادية ‪/‬الغربية على قدم المساواة‪ ،‬ومن حقه بالتالي أن‬
‫خرج خالل حياته وبعد‬‫يمثل مصالح دولته ويمارس السلطات الممنوحة له في إطار قوانينها الخاصة"‪ .‬وقد أ ُ ِ‬
‫صها وسيناريوهاتها من سيرة حياته خالل‬ ‫ست قص ُ‬ ‫وفاته عددٌ من األفالم السينمائية الروائية الغربية التي اقت ُ ِب ْ‬
‫فترة تدريبه وتعلمه في االتحاد السوفيتي الذي فر إليه مع عائلته مع صعود هتلر والنازيين إلى السلطة في‬
‫العام‪ ،2844‬وخالل انضمامه إلى فرق "األنصار الشيوعيين" في مقاومة النازية خلف خطوطها‪ ،‬فضال عن‬
‫إنجازاته االستخبارية الشهيرة في اختراق أجهزة مخابرات ألمانيا الغربية و الحلف األطلسي طوال وعرضا‪.‬‬

‫كان ماركوس فولف كريما ونبيال جدا معي رغم وضعه الصحي وتقدمه في السن ومحنته الناجمة عن‬
‫شنت عليه في جميع صحف الغرب و وسائل إعالمه عقب سقوط‬ ‫اعتقاله واإلهانات والحمالت اإلعالمية التي ُ‬
‫جدار برلين‪ ،‬وبشكل خاص محاوالت االبتزاز واالقتناص والشراء التي تعرض لها من قبل كل من وكالة‬
‫‪4‬‬

‫المخابرات المركزية والموساد وحتى الـ ‪ KGB‬نفسها في ظل غورباتشوف الذي رفض استقباله في االتحاد‬
‫السوفييتي ورفض بحث قضية منحه ومنح زمالئه في "شتازي" حصانة من المالحقة خالل مباحثات توحيد‬
‫ألمانيا بينه وبين المستشار األلماني هيلموت كول! وبفضل صديقة ورفيقة عتيقة متقاعدة من منظمة"الجيش‬
‫ْ‬
‫تدربت ـ‬ ‫ض ْ‬
‫لت اإلشارة إلى اسمها بـ" لورا ماركس"‪ ،‬والتي سبق لها أن‬ ‫األحمر األلماني" (بادرماينهوف)‪ ،‬ف ّ‬
‫بتزكية من ماركوس فولف نفسه ـ لدى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" زمن القائد الشهيد وديع حداد‪،‬‬
‫ومكثت الحقا سنين طويلة من عمرها وراء قضبان السجون األلمانية على هذه الخلفية؛ وكذلك المساعدة‬ ‫ْ‬
‫الكريمة التي حصلتُ عليها من الدكتورة غابرييله غاست ‪ Gabriele Gast‬رئيسة "قسم تحليل الشؤون‬
‫السوفييتية" في مخابرات ألمانيا الغربية ‪ ، BND‬والذراع المخابراتية الضاربة لماركوس فولف في ألمانيا‬
‫الغربية منذ أن استطاع تجنيدها في العام ‪ 2819‬وحتى انكشاف أمرها واعتقالها ومحاكمتها وسجنها سبع‬
‫سنوات اعتبارا من العام ‪ ،2880‬تمكنتُ من الوصول إليه واالجتماع به مرارا في منزله الريفي في‬
‫‪ 40( Prenden‬كم شمال برلين)‪ ،‬وأحيانا في منزله ببرلين أو منزل "لورا" بمدينة "اليبزغ"‪ ،‬في لقاءات‬
‫توزعت على أربع سنوات (‪ 1001‬ـ‪ ،)1001‬بحسب ما كان‬ ‫ْ‬ ‫عمل بلغ طولها في مجموعها أكثرمن ‪ 10‬ساعة‬
‫يسمح به وضعي الصحي والتزاماتي العالجية في مشافي فرنسا ومشفى "بادن ـ بادن" بألمانيا‪ .‬وقد تمكنت‬
‫خال ل هذه اللقاءات من تدوين عشرات الصفحات من مذكراته ومعلوماته عن سوريا وقضايا ذات صلة‪ .‬هذا‬
‫فضال عن الرسائل التي كنا نتبادلها بالفاكس‪ ،‬سواء من وإلى فرنسا أو خالل وجودي ضيفا لبضعة أشهر في‬
‫استراحة مؤسسة ‪ Heinrich-Böll-Haus Foundation‬في بلدة ‪ Langenbroich‬األلمانية التي‬
‫تستضيف صحفيين وكتابا وفنانين تحرروا حديثا من سجون بالدهم‪،‬على سبيل قضاء فترة نقاهة؛ وكان‬
‫إصراره على التراسل بالفاكس عند الضرورة ناجما عن موقفه السلبي الحازم من استخدام تكنولوجيا‬
‫االتصاالت اإللكترونية الحديثة في المراسالت‪ ،‬السيما اإلنترنت والبريد واإللكتروني! بل إنه عارض‬
‫بشدة‪،‬يوم كان ال يزال على رأس عمله خالل السبعينيات‪ ،‬فكرة "مكننة" أرشيف "شتازي"‪ ،‬وأصر على‬
‫تنظيمه وتشفير عملية الدخول إلى محتوياته الورقية والميكروفيلمية من قبل خمسة أشخاص فقط بطريقة‬
‫حالت دون اختراقه طوال وجود دولة ألمانيا الشرقية!‬

‫تبين منذ اللحظات األولى للقائنا األول أن هناك كيمياء مشتركة بيننا‪ ،‬رغم فارق السن الكبير الذي يفصلنا‬
‫عن بعض (‪ 48‬عاما) وطبيعة تجاربنا السياسية والحياتية المختلفة كليا‪ .‬ولعل ذلك ناجم عن فهمنا المتطابق‬
‫تقريبا‪ ،‬كما ظهر الحقا‪ ،‬لحقيقة وطبيعة تجربة ما يسمى "المعسكر االشتراكي"‪ ،‬السيما "الثورة" البلشفية‬
‫المزعومة‪ ،‬وحجم الدور السوفييتي التخريبي القذر في تدمير الحركات الثورية وحركات التحرر الوطني في‬
‫مختلف أنحاء العالم‪ ،‬الذي كاد في منعطفات و و ْهالت كثيرة من القرن العشرين أن يتفوق حتى على دور‬
‫وكالة المخابرات المركزية األميركية نفسها‪ ،‬رغم اختالف دوافع كل من الطرفين‪ .‬ولعل أبرز تطابق في‬
‫وجهات النظر بيننا كان في مجال الموقف من الجيل الثاني من آباء الماركسية الذين تصدوا للينينية التخريبية‬
‫في مهدها‪ ،‬كالمناضلة الباسلة والمفكرة العبقرية روزا لوكسمبورغ (صاحبة" تراكم رأس المال") والقائد‬
‫والمفكر الشيوعي الهندي الكبيرمانابيندرا ناث روي ‪ Manabendra Nath Roy‬؛ وكذلك في مجال‬
‫‪5‬‬

‫الموقف من آباء الجيل الثالث الذي عرف تحت اسم "اليسار الجديد" بطيفه الواسع‪ ،‬كرواد مدرسة‬
‫فرانكفورت (السيما بول باران‪ Paul Baran‬و كارل فيتفوغل ‪ Karl Wittfogel‬في االقتصاد وعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬و إريك فروم ‪ Erich Fromm‬في علم النفس) و مؤسسي مجلة ‪ Monthly Review‬األميركية‬
‫‪،‬التي كانت مجلته الفكرية المفضلة‪،‬وبول سويزي ‪ Paul Sweezy‬وهاري ماغدوف ‪ Harry Magdoff‬و‬
‫ليو هابرمان ‪ ،Leo Huberman‬وصوال إلى أستاذي الراحل أندريه غوندر فرانك ‪Andre Gunder‬‬
‫‪ Frank‬الذي مات بين يدي في لوكسمبورغ في نيسان ‪/‬إبريل من العام ‪ .1001‬وبفضل هذه الكيمياء‬
‫المشتركة‪ ،‬التي كانت تعيد مزجها كلما التقينا‬
‫روايةُ بيتر فايس التاريخية "جماليات‬
‫المقاومة" في أجزائها الثالثة ( ‪Peter‬‬
‫‪Weiss:‬‬ ‫‪Die‬‬ ‫‪Ästhetik‬‬ ‫‪des‬‬
‫‪ ،)Widerstands‬وهو الكتاب المفضل لدى‬
‫فولف‪ .‬وبفضل التطابق الواسع في وجهات‬
‫نظرنا إزاء تلك التجارب والقضايا‬
‫ومساهمات المذكورين ‪،‬سرعان ما تحولت‬
‫المعرفة إلى صداقة شخصية بعد لقائنا األول‬
‫في منزله الصيفي بضاحية برندن شمال شرق‬
‫برلين أوائل شباط ‪ /‬فبراير ‪ ،1001‬ثم إلى‬
‫صداقة عائلية ال تزال مستمرة حتى اآلن‬
‫ربطتني بزوجته "أندريا شتينغل‪ ،"Andrea Stingl‬وابنته األصلية "تاتيانا" وشقيقتها من جهة األم‪ ،‬ابنة‬
‫ماركوس بالتبني‪ ،‬كلوديا فال ‪ ،Claudia Wall‬التي تدير اآلن مع زوجها مؤسسة‪ /‬غاليري ‪Die Möwe‬‬
‫(النورس) في برلين ‪ ،‬المعنية بإحياء األعمال الفنية األلمانية للجيل المسمى بـ "الجيل المفقود" من التشكيليين‬
‫األلمان الذين جرى التنكر لهم وعدم االعتراف بهم وتكريسهم ألسباب سياسية وأيديولوجية تتصل بالمحن‬
‫والكوارث التي عاشتها ألمانيا في النصف األول من القرن العشرين‪.‬‬

‫كنت أعرف‪ ،‬كما عرف ويعرف كثيرون غيري‪ ،‬أن أي باحث أو مؤرخ في العالم معني بالشؤون السورية‬
‫المعاصرة ‪ ،‬السيما أسرار تخليق نظام حافظ األسد في العام ‪ ،2810‬فضال عن أسرار عالقاته وارتباطاته‬
‫وصفقاته اإلقليمية والدولية‪ ،‬ستبقى رؤيته قاصرة وعوراء ومنطقـ ُه أعرج وكسيحا ما لم يتمكن من االطالع‬
‫على أرشيف "شتازي"‪ ،‬األضخم واألخطر من نوعه في العالم‪ ،‬ليس لجهة ما يتعلق بأسرار الحرب الباردة‬
‫بين حلفي وارسو واألطلسي فقط‪ ،‬بل وبأسرار بلداننا أيضا‪ ،‬السيما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بدءا بالسياسة‬
‫والديبلوماسية واألمن وانتهاء بالعسكر واالقتصاد وحتى الثقافة؛ فكيف إذا تسنى للباحث أو المؤرخ االجتماع‬
‫برجل مثل ماركوس فولف‪ ،‬كان منذ نهاية الحرب وحتى ‪ 3‬سنوات قبل سقوط جدار برلين "الماكينة"‬
‫‪6‬‬

‫المحركة التي وقفت وراء صناعة هذا األرشيف الخرافي ‪ ،‬والعقل المدبر الذي يعرف كل شاردة و واردة‬
‫فيه‪ ،‬والصندوق األسود الذي تراكمت فيه "منتجات" أجهزة استخبارات الشرق والغرب معا!؟‬

‫في ذلك الوقت‪ ،‬بعد خروجي من السجن في أيار‪/‬مايو ‪ 1002‬ومجيئي إلى فرنسا في ‪ 21‬تموز ‪ /‬يوليو ثم‬
‫ألمانيا لعالج عمودي الفقري‪ ،‬ورغم أن الحكومة األلمانية كانت قد أنشأت مفوضية خاصة بفحص وتصنيف‬
‫وإدارة أرشيف "شتازي" الذي ورثته عقب إعادة توحيد ألمانيا في العام ‪ ،2882‬لم تكن محتوياته قد أصبحت‬
‫بعد في متناول الباحثين والمؤرخين‪ ،‬ليس ألسباب قانونية ـ أمنية فقط (في الواقع بعضها الكثير جدا ال يزال‬
‫ممنوعا االطالع عليه حتى اآلن)‪ ،‬بل ألسباب لوجستية أيضا تتعلق بإعادة تنظيمه وتبوبيه وفرزه وتأمين‬
‫المخازن القادرة على استيعابه وفق الشروط العلمية‪ ،‬وهو الذي يقارب عدد محتوياته المليار وثيقة ورقية‬
‫(‪ 919‬مليونا على وجه التحديد) يبلغ طولها إذا ما رصفت بجانب بعضها البعض أكثر من ‪ 221‬كم‪ ،‬فضال‬
‫ع ّما يقارب مليوني صورة و‪ 11‬ألف شريط فديو وتسجيل صوتي‪ ،‬وما طوله ‪ 31‬كيلو مترا من الوثائق‬
‫الميكروفيلمية (حوالي نصف مليار وثيقة)‪ ،‬و ‪ 21‬ألف حقيبة وصندوق تتضمن مواد أرشيفية مختلفة‪ ،‬وأكثر‬
‫من عشرة آالف قرص صلب وشريط تسجيل ممغنط! هذا فضال عن ماليين الوثائق والتسجيالت التي تمكنت‬
‫‪ KGB‬السوفييتية من سحبها إلى موسكو قبل سقوط جدار برلين‪ ،‬وماليين الوثائق األخرى التي أتلفها ودمرها‬
‫زمالء فولف في تشرين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪ ،2898‬بناء على توجيهاته رغم أنه كان متقاعدا من أجل حماية‬
‫اآلالف عمالء داخل وخارج ألمانياعندما أصبح مصير ألمانيا الشرقية محسوما نتيجة للصفقة الخسيسة بين‬
‫غورباتشوف وهيلموت كول!‬

‫وألني كنت أعرف هذه الحقائق من خالل متابعتي تطورات قضية "أرشيف شتازي" عبر وسائل اإلعالم‪،‬‬
‫قبيل وبعد اعتقالي‪ ،‬إذ كنت وضعت نصب عيني حلم الوصول إليه ذات يوم‪ ،‬وجدتني أردد بيني وبين نفسي‬
‫مع "األخنس بن كعب"‪ :‬تُسائِ ُل عن ُحص ْين ك َّل ر ْكب ‪ ...‬وعند ُجهيْنة الخب ُر الي ِق ُ‬
‫ين!‬

‫هكذا كان ال بد من التوجه إلى "جهينة األلمانية"‪ ،‬ماركوس فولف‪ ،‬وهكذا وصلت إليه بعد جهد جهيد‬
‫وأصبحنا معارف وأصدقاء حتى رحيله في ‪ 8‬تشرين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪1001‬؛ وكان بذلك ضابط المخابرات‬
‫الوحيد في العالم الذي عرفته عن قرب وقبلت ـ برحابة صدرـ مصادقته واالعتزاز بصداقته!‬

‫‪ 2‬ـ أرشيف ماركوس فولف ‪ ..‬السوري والشرق أوسطي‪:‬‬

‫لم يكن فولف‪ ،‬من موقعه كمدير إلدارة المخابرات الخارجية‪ HVA‬وكنائب لرئيس "شتازي"‪ ،‬معنيا مباشرة‬
‫بقضايا وبلدان الشرق األوسط أوعلى تماس مباشر معها‪ ،‬بل بشؤون دول الحلف األطلسي أساسا حيث كان‬
‫جهده االستخباري‪ ،‬سواء "السلبي"(حماية الداخل من االختراق)أو"اإليجابي"(اختراق دول العدو)‪ ،‬منصبا‬
‫بشكل كامل‪ .‬إال أن وجود دائرتين في جهازه‪ ،‬من أصل عشرين دائرة تكون منها الجهاز‪ ،‬معنيتين بالشرق‬
‫األوسط و كل من حركات التحرر الوطني والمنظمات اإلرهابية‪ ،‬وتابعتين له مباشرة‪ ،‬مكنه من اإلحاطة‬
‫بدول المنطقة وشؤونها األمنية والسياسية‪ .‬وبسبب أهمية هذه المنطقة‪ ،‬من حيث كونها منطقة صراع بين‬
‫المعسكرين آنذاك‪ ،‬عيّن نائبا له لشؤون قضايا الشرق األوسط برتبة جنرال أعطاه اسما مشفرا هو"روشر"‬
‫‪ ، Roscher‬ال يزال مجهول الشخصية الحقيقية إلى اآلن‪ ،‬حتى بالنسبة للمخابرات األلمانية بعد الوحدة؛ إذ إن‬
‫فولف رفض دوما ذكر اسمه الحقيقي‪ ،‬كما أسماء العشرات غيره‪ ،‬سواء في مذكراته أو حتى في الغرف‬
‫‪7‬‬

‫المغلقة مع أصحابه وأصدقائه‪،‬ورحل عن الدنيا دون أن يسمي أحدا منهم‪،‬لتبقى شخصياتهم الحقيقية المشفّرة‬
‫في أرشيف "شتازي" مجهولة ربما إلى األبد!‬

‫بنى فولف "أرشيفه السوري والعربي"‪ ،‬إذا جاز‬


‫التعبير‪،‬وكما أخبرني‪،‬استنادا إلى خمسة مصادر كان‬
‫"نتاجها" االستخباري كله يصب في أدراج مكتبه من‬
‫خالل مساعده ‪ ،Roscher‬وهي ‪:‬‬

‫‪)1‬ـ المعلومات التي كانت تحصل عليها ‪HVA‬‬


‫عن طريق "أصدقائها" داخل النظام السوري‬
‫نفسه‪،‬قبل انقالب األسد وبعده‪ ،‬سواء من‬
‫العسكريين أو المدنيين أو ضباط المخابرات‬
‫أنفسهم‪ ،‬كـ علي دوبا و دمحم الخولي على سبيل‬
‫المثال؛‬

‫‪)2‬ـ المعلومات التي كانت تحصل عليها ‪ HVA‬من‬


‫خالل قيادات في فصائل منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬السيما جورج حبش (الذي ُمنح الحقا‬
‫شقة حكومية صغيرة مؤقتة في درسدن كان‬
‫يستخدمها أثناء زيارة ابنته طالبة الطب في جامعة‬
‫ي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(التي كان فولف يصف‬ ‫التكنولوجيا في المدينة) و وديع حداد‪ ،‬قائد ْ‬
‫عملها بالمهني والمحترف)‪ ،‬فضال عن بعض قيادات "فتح" كـ خليل الوزير و صالح خلف ‪(.‬كان ‪،‬كما‬
‫جهازه كله‪ ،‬وبأوامره الشخصية‪ ،‬يرفض رفضا مطلقا التعامل بأي شكل من األشكال‪ ،‬حتى بالمعنى‬
‫اإلنساني‪ ،‬مع حسن سالمة (أبو علي)‪ ،‬إذ كان يحتقره ويطلق عليه لقب ‪ ،CIA’s Playboy‬وقد رفض‬
‫مرارا طلبه االجتماع به‪ ،‬كما أخبرني شفهيا وخطيا)؛‬

‫‪)3‬ـ المعلومات التي كانت تجمعها أجهزة مخابرات أوربا الشرقية بنفسها‪ ،‬السيما ‪ ،KGB‬وكانت‬
‫‪ HVA‬تحصل عليها إما من خالل اتفاقيات التعاون بين هذه األجهزة باعتبارها تنتمي لحلف واحد‪ ،‬أو‬
‫حتى من خالل"القرصنة" حين كانت ‪ KGB‬ترفض مشاركتها معلوماتها في أحيان كثيرة (باستثناء فترة‬
‫رئاسة يوري أندروبوف لجهاز ‪ KGB‬خالل الفترة ‪ 2811‬ـ ‪ ،1982‬إذ كان هذا األخير يعشق فولف‬
‫ومهنيته ويفخر بها وال يمنع عنه أية معلومات ممكنة‪ ،‬إلى حد أنه منحه "وسام الراية الحمراء"‪،‬وهو أقدم‬
‫وأعلى وسام عسكري سوفييتي لم يكن يُمنح عادة إال للعسكريين السوفييت‪ ،‬بينما كان فولف ـ بالمقابل ـ‬
‫يعتبر أندروبوف مثله األعلى وصديقه الحميم‪ ،‬كونه "الرائد الحقيقي لإلصالحات التي قبرها بريجينيف‬
‫في مهدها"‪ ،‬كما أخبرني خالل نقاشاتنا وفي إحدى رسائله)؛‬
‫‪8‬‬

‫‪)4‬ـ التقارير والمعلومات المتعلقة‬


‫بالشرق األوسط ككل أو بسوريا على‬
‫وجه الخصوص‪ ،‬التي كانت ‪HVA‬‬
‫تحصل عليها من ينابيعها الغربية‬
‫مباشرة‪ ،‬السيما البريطانية ‪ MI6‬و‬
‫‪ MI5‬واألميركية‪ . CIA‬ومن المعلوم‬
‫أن فولف تمكن من اختراق هذه‬
‫األجهزة وخردقتها طوال وعرضا‪،‬‬
‫إلى حد أنه لم يكن يمرعام تقريبا إال‬
‫وتتكشف بريطانيا والواليات المتحدة‬
‫عن عملية "صيد" جديدة نفذها فولف‬
‫في أعماق أجهزتهما وفي أعلى هرم‬
‫قياداتها‪ .‬وفي معظم الحاالت كانت‬
‫السمكة التي تعلق بصنارته في‬
‫ُعرف‪ ،‬أو على‬
‫محيطات هذه األجهزة أكثر دسما ولحما وشحما من كيم فيلبي نفسه‪ ،‬األشهر من أن ي ّ‬
‫األقل ال تقل عنه شأنا؛‬

‫‪)5‬ـ المعلومات "العرضية" التي كانت تحصل عليها ‪ HVA‬من خالل عمالئها ‪ Moles‬داخل أجهزة‬
‫ترد بشكل عرضي أو ثانوي في تقارير هذه األجهزة حول‬ ‫االستخبارات الغربية نفسها‪ ،‬والتي كانت ِ‬
‫قضايا عالمية وإقليمية أخرى‪ ،‬فتقوم ‪ HVA‬الحقا بمتابعة خيوطها وتنميتها عبر مصادرها وجهودها‬
‫الخاصة إلى أن تصبح ملفا متكامال في حال ثبتت صحتها وكان لها من األهمية ما يجعلها جديرة‬
‫بالمتابعة والحفظ‪.‬‬

‫كانت حصيلة لقاءاتي مع فولف على مدى أكثر من أربع سنوات‪ ،‬والتي كان آخرها قبل شهرين من وفاته‬
‫ي محتوياتها خالل تلك اللقاءات جوابا‬
‫في ‪ 8‬تشرين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪ ،1001‬أكثر من ‪ 110‬صفحة أملى عل ّ‬
‫على االستفسارات واألسئلة التي كنت أطرحها عليه بخصوص الشؤون السورية وما يتصل بها من قضايا‬
‫عربية وعالمية‪ ،‬فضال عن عشرات الرسائل المرسلة بالفاكس‪ ،‬والتي تراوحت ما بين رسالة مطولة ورسالة‬
‫استدراكية قصيرة إليضاح أو تصحيح فكرة أو معلومة وردت في رسالة من رسائله السابقة أو جرى الحديث‬
‫عنها خالل أحد لقاءاتنا؛ وهي رسائل يبلغ حجمها ما يقارب مئتين وخمسين صفحة في مجموعها‪.‬هذا‬
‫باإلضافة إلى بعض التسجيالت الصوتية التي كانت من ضمن أقراص ‪ CD‬التي سطا عليها عناصر‬
‫المخابرات الفرنسية الداخلية ‪ DST‬حين داهموا منزلي في ضاحية ماالكوف بتاريخ ‪ 18‬كانون الثاني‪ /‬يناير‬
‫‪ 1003‬بينما كنت أخضع للتحقيق في مقرهم بمنطقة "بير حكيم" في باريس على خلفية اكتشافهم وصولي إلى‬
‫أدلة و وثائق تثبت ضلوع الفرنسيين في الهولوكوست البيوكيميائي في "خان أبو الشامات" في البادية‬
‫السورية اعتبارا من أواسط الثمانينيات‪ ،‬باإلضافة لوثائق تتعلق بتلقي جاك شيراك أمواال ( كاش ‪ /‬بنك نوت)‬
‫من رفيق الحريري وقبله صدام حسين كان ينقلها ويسلمها له الملحق الثقافي العراقي في باريس مهدي‬
‫حبيب‪ ،‬الذي اعترف لي بذلك في تسجيل صوتي بحضور صديقنا المشترك رجل األعمال السوري الراحل‬
‫‪9‬‬

‫سركيس سركيس‪ ،‬القيادي في "حركة االشتراكيين العرب" بزعامة أكرم الحوراني‪ ،‬وممول هذا األخير‬
‫وناشر مذكراته‪(.‬راجع هنا تقرير صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية عن عملية السطو على األقراص‪ ،‬والدعوى‬
‫ي الفرنسي وليم بوردون بالنيابة عني لدى األمن الجنائي الفرنسي ضد ‪.)DST‬‬
‫التي رفعها محام ّ‬
‫المحاولة الثانية التي نفذتها ‪ ،DST‬والتي سطت خاللها على وثائق ورقية هذه المرة‪ ،‬من بينها أكثر من‬
‫عشرين رسالة من رسائل فولف‪ ،‬كانت في ‪ 11‬تشرين األول ‪ /‬أكتوبر ‪ 1001‬على خلفية التقرير الذي كنت‬
‫نشرت ُه في ‪ 28‬من الشهر نفسه وكشفتُ فيه ـ من بين قضايا أخرى ـ عن وقوف المخابرات الخارجية الفرنسية‬
‫‪( SDECE‬وليس تنظيم األخوان المسلمين‪ ،‬وفق الرواية السائدة)‪ ،‬وراء مجزرة حي األزبكية بدمشق في ‪18‬‬
‫تشرين الثاني ‪ /‬نوفبر ‪ ،2892‬التي نجمت عن تفجير سيارة مفخخة بحوالي نصف طن من المتفجرات أودت‬
‫بحياة المئات بين قتيل وجريح من األبرياء الذين كانوا خارجين للتو من وظائفهم ومدارسهم وجامعاتهم‪،‬‬
‫فضال عن دمار هائل في األبنية السكنية المجاورة! ولم يكن مصدر معلوماتي عن الجهة التي وقفت وراء‬
‫التفجير والمجزرة سوى ماركوس فولف نفسه في رسالة بالفاكس تحمل تاريخ ‪ 21‬تشرين األول ‪ /‬أكتوبر‬
‫‪ .1001‬وهذه هي المرة األولى التي أذكر فيها المصدر الحقيقي وأنشر فيها صورة عن الرسالة (سيجري‬
‫نشرها في جزء آخر من هذا النص بعد أيام قليلة)‪ .‬وكان فولف ‪ ،‬كما أبلغني في الرسالة‪ ،‬علم للمرة األولى‬
‫بمسؤولية المخابرات الفرنسية عن المجزرة بعد أيام من حصولها حين كان مجتمعا في موسكو مع رئيس‬
‫جهاز ‪ ، KGB‬يوري أندروبوف‪ .‬فقد كانت المخابرات السوفييتية تلقت معلومات عن ذلك من عميلها‬
‫التكنولوجي الفرنسي المهندس بيير بورديول‪ ، Pierre Bourdiol‬أحد كبار مهندسي"مشروع أريان‬
‫الفضائي"‪ ،‬الذي حصل عليها بدوره‪،‬وبمحض المصادفة‪،‬من خالل صديق له يعمل في وزارة الخارجية‬
‫الفرنسية قبل اكتشاف أمره واعتقاله ومحاكمته كعميل لـ‪ KGB‬وجهاز "شتازي"أواخر العام ‪ .2894‬وقد تأكد‬
‫فولف الحقا من هذه المعلومات بنفسه‪ ،‬كما أشار في الرسالة نفسها‪ ،‬عبر أحد عمالء ‪ HVA‬في باريس‪،‬‬
‫فضال عن معلومات أخرى أكثر تفصيال عن المجزرة من منظمة التحرير الفلسطينية ومن المخابرات‬
‫ت‬‫األردنية‪ ،‬تشير إلى تنسيق المخابرات الفرنسية مع مخابرات صدام حسين خالل اإلعداد لها‪ ،‬والتي اعتمد ْ‬
‫بدورها على المخابرات األردنية التي جندت إسالميا سوريا شابا ( ياسين ساريج) لتنفيذها!علما بأن الرئيس‬
‫األلماني هونيكر ـ كما أكد فولف نفسه في الرسالة ـ اتصل بـ حافظ األسد وأبلغه بمسؤولية الفرنسيين عن‬
‫المذبحة‪ ،‬لكن النظام تستر على األمر وأخفاه بحكم المصالح التي كانت تربط الطغمتين المافيوزيتين‬
‫الحاكمتين في باريس ودمشق‪ ،‬رغم ما كان ينشب بينهما من صراعات كلبية مسعورة بين حين وآخر ألسباب‬
‫سياسية مختلفة‪ ،‬السيما بشأن لبنان‪ ،‬وألنهما كانا يتفاوضان سرا‪ ،‬من خالل رفعت األسد و بيير ماريون (مدير‬
‫المخابرات الفرنسية)‪ ،‬على "اتفاق جنتلمان" أمني بينهما يحيّد أراضي الطرفين ولبنان‪ ،‬فضال عن بلدان‬
‫االتحاد األوربي‪ ،‬عن أعمالهما اإلرهابية‪،‬بحسب رسالة فولف!‬

‫على أي حال‪،‬إذا كانت التسجيالت الصوتية قد جرى السطو عليها أوال‪ ،‬فإن رسائل فولف الورقية ‪ ،‬ورغم‬
‫شمول قسم منها بعملية السطو الثانية‪ ،‬ظلت كلها في مأمن ‪ ،‬ال لشيء إال ألني كنت أحفظ نسخا منها في مكان‬
‫ي وصديقي الفرنسي وليم بوردون‪ ،‬الذي يتمتع مكتبه ومنزله بحصانة توفرها له سمعته‬ ‫آخر لدى محام ّ‬
‫ومهنته‪ ،‬رغم أنه في نهاية المطاف‪ ،‬وكما يجب االعتراف‪ ،‬ال حصانة ألحد في فرنسا من تشبيح و بلطجة‬
‫وقذارة أجهزتها‪ ،‬كما أكدت لنا عشرات القصص المعروفة‪ ،‬أو على األقل منذ اختطاف وتصفية المناضل‬
‫المغربي المهدي بن بركة في العام ‪ ،2811‬بالتعاون مع الموساد‪،‬وحتى اآلن!‬
‫‪10‬‬

‫كانت غايتي األساسية من معلومات فولف وأوراقه استخدامها في بحثي عن االنقالب البونابرتي الذي قاده‬
‫حافظ األسد في العام ‪ ،2810‬والذي كانت المخابرات البريطانية والسعودية (بتواطؤ سوفييتي‪ ،‬كما سنرى في‬
‫إحدى رسائل فولف المنشورة أدناه) تسعيان منذ العام ‪ 2811‬إلى تدبيره بهدف المجيء بنظام يعترف‬
‫بإسرائيل ويقبل إبرام صفقة سالم معها‪ ،‬فلم تجدا أفضل من حافظ األسد للقيام بذلك‪ ،‬خصوصا وأنه كان قد بدأ‬
‫ينظـ ّر سرا لهذا األمر منذ مطلع ذلك العام‪ ،‬ثم علنا منذ صيف العام ‪ 2811‬على األقل‪ ،‬حين قررت قيادة حزب‬ ‫ّ‬
‫البعث التحقيق معه ومحاسبته على خلفية مسؤوليته عن هزيمة حرب حزيران‪ ،‬بصفته وزيرا للدفاع وقائدا‬
‫للقوى الجوية‪ .‬وقد أصبح السعي البريطاني ـ السعودي أكثر إلحاحا وضرورة‪ ،‬من وجهة نظرهما‪ ،‬بعد‬
‫المفاجأة غير المتوقعة التي شكلها مجيء نظام أكثر راديكالية من الذي سبقه‪ ،‬سياسيا واجتماعيا واقتصاديا‬
‫‪،‬في ‪ 14‬شباط ‪ /‬فبراير ‪ 2811‬بقيادة الثالوث "المتمركس" حديثا‪...‬صالح جديد و نور الدين األتاسي و‬
‫يوسف زعيّن‪ .‬إال أن الكتاب الذي كنت بصدده لم ير النور ألسباب شخصية وموضوعية مختلفة‪ ،‬أحدها‬
‫يتعلق برفض دار الفارابي نشره(فضال عن رفضها كتابا آخر في فترة الحقة بعد أن تحولت من دار‬
‫نشر"شيوعية" إلى دار نشر "شيعية"!)‪ ،‬وكذلك رفض "دار الساقي" و"دار الريس"‪ ،‬كل ألسبابها ودوافعها‬
‫ضرت مالحقه الوثائقية‪ .‬وفي وقت الحق فكرت‬ ‫الخاصة‪ ،‬رغم أني كنت سودت عشرات الصفحات فيه وح ّ‬
‫بإخراج معلومات و رسائل فولف‪ ،‬فضال عما يمكن أن أحصل عليه من أرشيف "شتازي" نفسه(حصلت في‬
‫شهر آب الماضي على الدفعة األولى المكونة من ‪ 133‬وثيقة وأنتظر الدفعة الثانية)‪ ،‬في كتاب مستقل بعنوان‬
‫"أوراق ماركوس فولف السورية والعربية"‪ ،‬الذي تشكل هذه الصفحات مختارات تلخيصية من فصوله‬
‫المختلفة‪ .‬لكن هذا المشروع‪ ،‬وكما سابقه‪ ،‬لم يُكتب له أن يرى النور أيضا ألكثر من سبب‪ ،‬على رأسها السبب‬
‫الصحي‪ .‬ولهذا‪ ،‬وألن الدنيا "فيها حياة وموت"‪ ،‬كما يقال‪ ،‬وألن وضعي الصحي أصبح على درجة من‬
‫الحرج لم يعد يسمح بالبطر واللعب العبثي مع الزمن‪ ،‬قررت أن أنشر ما يمكنني نشره من أوراق فولف‪ ،‬مع‬
‫علمي المسبق أن نشرها بهذه الطريقة‪ ،‬دون وضع محتوياتها في سياق تحليلي تاريخي موسع‪ ،‬سياسيا‬
‫واقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬سيفقدها الكثير من أهميتها على األقل "تقنيا"‪ ،‬خصوصا بالنسبة لمن ليس لديهم خلفية‬
‫معرفية أو حد أدنى من اإللمام واالطالع على مجريات تلك الحقبة‪ ،‬السيما وأن هذه الرسائل غير متسلسلة‬
‫الموضوعات‪ ،‬وبعضها ينطوي على استدراكات وشروحات تتعلق بمراسالت سابقة بيننا وأحاديث أفضى بها‬
‫لي ودونتها‪ ،‬سواء خالل لقاءاتنا في برلين وبرندن‪ ،‬أو خالل اتصاالتنا الهاتفية القصيرة على قلتها‪.‬‬

‫مختارات من رسائلة وأوراقه‪:‬‬

‫‪I‬ـ رسالة فولف (‪ :)2002/ 3/ 11‬هكذا بدأت عالقة حافظ األسد بالمخابرات البريطانية‪ ،‬ولهذه األسباب‬
‫زارها سرا ثالث مرات‪ ،‬وهكذا كذب عميل المخابرات البريطانية والفرنسية باتريك سيل في أمرها وأمر‬
‫غيرها‪:‬‬

‫ثمة إشارة وحيدة من عشرة أسطر‪ ،‬ال يوجد غيرها في العالم‪ ،‬وردت في كتاب باتريك سيل "األسد ـ الصراع‬
‫على الشرق األوسط"‪ ،‬تتحدث عن أن األسد األب قام بزيارة إلى بريطانيا "صيف العام ‪ "2811‬إلجراء‬
‫فحصوات طبية‪ ،‬قابل خاللها وزير الدولة لشؤون الشرق األوسط جورج طومسون‪ .‬وبناء على هذه اإلشارة‬
‫بُنيت ولُفقت روايات خيالية ال أساس لها‪ ،‬رغم أن ما أورده سيل نصفه تخريف والنصف اآلخر مزيف‬
‫بالكامل لغايات تضليلية‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫يزعم سيل (ص ‪ 211‬من الترجمة لعربية‪ ،‬و ص من النص اإلنكليزي األصلي) أن األسد‪ ،‬وخالل فترة‬
‫الصراع بين أجنحة السلطة بعد انقالب البعث‪ ،‬قرر "صيف العام ‪ 2811‬أخذ إجازة مهماته(‪ )..‬وذهب إلى‬
‫لندن لمدة ثالثة أشهر‪ ،‬واصطحب معه أحد كبار ضباط سالح الجو‪ ،‬ناجي جميل‪ ،‬و آمر الشرطة العسكرية‬
‫حسين ملحم‪ ،‬و الطبيب يوسف الصايغ"‪ .‬ويزعم سيل أيضا أن هذه الزيارة "كانت أول وآخر زيارة له إلى‬
‫بريطانيا‪ ،‬وقد أقام األربعة في شقة بمنطقة كنزينغتون‪ .‬والذي عرف حتى اآلن أن اتصال األسد الوحيد‬
‫بالبريطانيين الرسميين كانت زيارته لوزير الدولة للشؤون الخارجية جورج طومسون (‪ .)...‬أما السبب‬
‫الظاهري لرحلة األسد إلى بريطانيا فكان لتلقي عالج أللم في ظهره وفي رقبته نتج عن هبوط اضطراري‬
‫عندما كان طيارا متدربا‪ .‬إال أن أوجاع األسد وآالمه ربما كانت من نوع المرض الديبلوماسي"‪ ،‬في إشارة‬
‫غير مباشرة إلى أنه ذهب إل لندن لتلمس العون السياسي!‬

‫وزور بحيث أصبحت الزيارة لمدة ثالثة أشهر‬ ‫ّ‬ ‫هذا كل ما قاله سيل حرفيا‪ ،‬وبمنتهى األمانة‪ .‬وقد كذب فيه‬
‫(لكي تبدو أنها زيارة عالجية) بدال من ثالثة أيام‪ ،‬وهي مدتها الحقيقية؛ وأصبحت الزيارة صيف العام ‪2811‬‬
‫بدال من أن تون مطلع شهر أيار من ذلك العام‪ ،‬ليس كما سنعرف من أوراق فولف فقط‪ ،‬بل حتى من رسالتين‬
‫منشورتين على موقع "األرشيف الوطني البريطاني"‪ ،‬أوالها من السفارة وثانيتها من الخارجية ردا عليها‪ ،‬ال‬
‫تتضمنان أية معلومات ذات قيمة‪ ،‬سوى أن رسالة الخارجية وصفت األسد" بأنه ثرثار‪ ،‬يعلك كليشيهات‬
‫أيديولوجية ممجوجة عن إسرائيل والالجئين الفلسطينيين والمسؤولية األخالقية البريطانية عما حصل لهم‪،‬‬
‫ورغبته في إفادة حزب البعث من تجربة حزب العمال البريطاني"‪ .‬وهاتان الوثيقتان البريطانيتان هما‬
‫سمح بنشرهما عن زيارة األسد حتى اآلن‪ ،‬رغم مرور‬ ‫الوحيدتان عن الزيارة‪ ،‬اللتان ُرفعت عنهما السرية و ُ‬
‫أكثرمن نصف قرن على حصولها! وقد حاولت مرارا وتكرارا‪ ،‬منذ مجيئي إلى بريطانيا في العام ‪،1020‬‬
‫وحتى اآلن‪ ،‬الوصول إلى باقي الوثائق المتعلقة بها‪ ،‬بما في ذلك إقامة دعوى قضائية على وزارة الخارجية و‬
‫المخابرات البريطانية ‪ MI6‬عمال بالقانون الذي يمنح الحق في الوصول إلى المعلومات التي تهم الرأي العام‪.‬‬
‫وكانت النتيجة دوما خسارة محاوالتي‪ ،‬ألن القضية "تتعلق باألمن القومي البريطاني"‪ ،‬وهو ما يعني عمليا‬
‫عدم الكشف عن وثائق ومحاضر تلك الزيارة إلى أن "ينقرض" آل األسد كما انقرضت الديناصورات!‬

‫في رسالة فولف التي تحمل تاريخ ‪ 21‬آذار ‪ /‬مارس ‪ ،1001‬المنشور صورة عنها نهاية هذا النص‪ ،‬سوف‬
‫نعرف أن تلك الزيارة لم تكن الوحيدة‪ ،‬كما زعم سيل‪ ،‬بل األولى من ثالث زيارات‪ ،‬ثانيتهما حصلت نهاية‬
‫العام ‪ 2811‬ومطلع العام ‪ ،2811‬والتي قطعها األسد وعاد إلى دمشق ليال على متن طائرة نقل عسكرية‬
‫بريطانية عبر قاعدة " " في قبرص حين فوجىء مع البريطانيين ومدير المخابرات السعودية بالحركة التي‬
‫كانا يطبخان آمرا آخر للقضاء على من قام بها‪ ،‬ثم عبر سيارة ديبلوماسية بريطانية من بيروت إلى دمشق‪.‬‬
‫وثالثتهما نهاية تشرين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪ ،2819‬بعد الضربة السياسية القاصمة التي تعرض له فريقه في‬
‫المؤتمر القطري الرابع لحزب البعث‪.‬‬

‫وألن الرسالة تحتوي على كم هائل من المعلومات والتفاصيل التي يعرفها الناس ألول مرة‪ ،‬سأعمد إلى‬
‫وأعرف ببعض األسماء‬
‫ّ‬ ‫ترجمتها حرفيا‪ ،‬وأشرح ـ حين يقتضي األمر ـ بعض التعبير والرموز الواردة فيها‪،‬‬
‫التي ترد فيها‪ ،‬وهي على األرجح مجهولة تماما بالنسبة لتسعة أعشار من سيقرأ هذا التوثيق‪ .‬هذا مع اإلشارة‬
‫إلى أن ما سيرد فقط بين قوسين [‪ ]...‬سيكون من وضعي لغاية اإليضاح‪:‬‬
‫‪12‬‬

‫" برندن‪ ،‬السبت ‪1001/ 4/ 21‬‬

‫من‪ :‬ماركوس فولف‬

‫إلى ‪ :‬نزار نيوف‬

‫بواسطة‪ :‬السيدة سيغرون ريكهاوس ‪ /‬مؤسسة "هنريش بول هاوس ـ لينخنبرويش‬

‫الرفيق العزيز نزار‪،‬‬

‫آمل أن يكون وضعك الصحي آخذا في التحسن‪،‬وبمعزل عما يمكن أن يقال بشأن تاريخ مؤسسة هنريش بول‬
‫هاوس‪ ،‬فإننا‪،‬أنا وأندريا [ زوجته] سعيدون لدعوة المؤسسة لك‪ ،‬بالنظر ألنها ستوفر لك بعض الوقت للراحة‪،‬‬
‫واالستجمام‪ ،‬وربما الكتابة أيضا(بالمناسبة‪ :‬في ألمانيا الشرقية السابقة‪ ،‬وفي كتلة أوربا الشرقية عموما‪،‬‬
‫اقترفنا جريمة حين أنشأنا مثل هذه المؤسسات‪ ،‬لكن المكرسة للنخب الحزبية والبريوقراطية الطفيلية‪ ،‬وليس‬
‫للمناضلين الحقيقيين!)‪.‬‬

‫متابعة لمناقشاتنا في برندن الشهر الماضي‪ ،‬أود أن أخبرك بأني أتفق معك بشأن التحليل النظري الذي قدمته‬
‫حول طبيعة نظام األسد وانقالبه في العام ‪ 2810‬وعن االنقالب الذي سبقه‪ .‬لقد فكرت به مليا ووجدت أنه‬
‫يشمل أيضا حتى دول كتلتنا [الشيوعية]السابقة‪ ،‬السيما النظام الذي صنعته الثورة البلشفية ‪ ،‬أو "الثورة‬
‫الخيانية" كما تفضل أنت توصيفها قالبا التعبير الخالد لـ"معلمك" تروتسكي [ كان فولف يعتبرني تروتسكيا‪،‬‬
‫ولو على سبيل المناكفة]‪ .‬لذلك‪ ،‬أنت مصيب تماما في توصيف لينين وحزبه كيعاقبة وترفض اعتبارهما‬
‫ماركسيين‪ .‬ولكن هذه قضية أخرى ليس هنا مكان مناقشتها (ربما يمكننا متابعة نقاشنا خالل زيارتك القادة إلى‬
‫برندن أو برلين)‪.‬‬

‫هذا يقودني إلى سؤالك في رسالتك بتاريخ ‪ 8‬من الشهر الحالي[آذار ‪ .]1001‬كما لعلك تتذكر‪ ،‬لقد أخبرتك بأن‬
‫القسم الثالث في ‪[ HVA‬المخابرات الخارجية في ألمانيا الشرقية] كان يغطي منطقة الشرق األوسط‪ ،‬والذي‬
‫كان يعد التقارير مباشرة إلى نائبي الجنرال هورست يينكيه ‪ ، Horst Janick‬رئيس اإلدارة الثالثة التي‬
‫تغطي العالم ا لثالث ككل‪ ،‬والذي كان يمرر لي فقط المعلومات االستخبارية التي كان يعتقد أنها ذات أهمية‬
‫خاصة‪ .‬لذلك‪ ،‬وحينما ال تساعدني دفاتر يومياتي‪ ،‬سأعتمد على ذاكرتي ولو جزئيا الستعادة بعض التفاصيل‬
‫والتواريخ‪ ،‬التي سيكون من األفضل لك أن تراجعها في سجالت القسم الثالث وبعض سجالت الدائرة ‪11‬‬
‫[دائرة مكافحة اإلرهاب]‪ ،‬السيما تلك التي أعدها "روشر"( االختصاصي في مكتبي‪ ،‬الذي كان مسؤوال عن‬
‫قضايا الشرق األوسط‪ ،‬والذي ال أريد ذكر اسمه الحقيقي هنا) و ‪ /‬أو الجنرال غيرهارد نيبر ‪Gerhard‬‬
‫‪(Neibr‬أحد النواب األربعة لوزير أمن الدولة "ميلكه‪.)"Milelke‬‬

‫بالنظر ألن قضية انقالب األسد في العام ‪ 2810‬كانت حدثا بالغ األهمية في أوساط حلفائنا وأصدقائنا في‬
‫العالم الثالث‪ ،‬فإنها ـ كما ال أزال أتذكر جيدا ـ احتلت مساحة واسعة من نقاشاتنا‪ ،‬ليس فقط في أوساط أعضاء‬
‫قيادة ألمانيا الشرقية‪ ،‬بل أيضا بلدان أوربا الشرقية ككل‪ ،‬السيما في نقاشاتنا مع السوفييت وزمالئنا في‬
‫‪ ،KGB‬السيما يوري أندروبوف‪ ،‬الرمز الذي طالما أعجبت به‪ ،‬والذي أصبح رئيسا لـ ‪ KGB‬في أيار ‪/‬مايو‬
‫‪13‬‬

‫سربت لنا‬ ‫‪ .2811‬في الواقع‪ ،‬لقد بدأت تلك النقاشات بعد الحرب العربية ـ اإلسرائيلية في العام ‪ 2811‬عندما ُ‬
‫معلومات استخبارية حول نزاع فيما بين أعضاء قيادة النظام السوري نشأ حين أراد بعضهم معاقبة األسد ‪،‬‬
‫بوصفه وزيرا للدفاع‪ ،‬ومعه فريقه‪ ،‬وتحميلهم مسؤولية الهزيمة‪ .‬ففي برلين كان هناك اتجاهان في التفكير‪،‬‬
‫أحدهما يتبناه هونيكر [ مسؤول لجنة األمن والدفاع في المكتب السياسي آنذاك] و إيريك ميلكه ‪ ،‬المدعومان‬
‫من قبل الثالثي بريجينيف و كوسيغن و غروميكو [ زعيم ورئيس وزراء و وزير خارجية االتحاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬على التوالي]؛ بينما االتجاه اآلخر تبناه كل مني أنا شخصيا‪ ،‬وإلى حد ما الجنرال غيرهارد نيبر‬
‫والجنرال يينكه‪ ،‬إلى جانب "روشر" بالطبع‪ ،‬الذي كان يعتمد في صياغة مواقفه على المعطيات التي يحصل‬
‫عليها من اتصاالته مع جورج حبش‪ ،‬الذي سيحتفظ بشقة في مدينة درسدن اعتبارا من أواسط السبعينيات‬
‫الستخدامها خالل زياراته البنته التي كانت تدرس في الجامعة التقنية هناك‪ .‬بالنسبة لفريقنا‪ ،‬خصوصا أنا‪،‬‬
‫كانت شكوكنا حول نزعات األسد الموالية للغرب قد بدأت في أيار ‪ 2811‬حين علمنا من أحد "موالتنا"‬
‫‪[Moles‬شامة‪،‬أو خلد‪ ،‬و"عميل" في أدبيات االستخبارات] في لندن‪ ،‬والذي حصل على معلوماته بالمصادفة‬
‫من البرفيسور أنتوني بالنت‪ ، Anthony Blunt‬أن األسد قام بزيارة سرية بناء على طلبه إلى لندن بذريعة‬
‫الخضوع لفحوص طبية‪ ،‬وقد رافقه في الزيارة كل من العقيد ناجي جميل‪ ،‬قائد قاعدة الضمير الجوية‪ ،‬والعقيد‬
‫حسين ملحم‪ ،‬قائد الشرطة العسكرية‪ ،‬وطبيبه الخاص يوسف الصايغ‪ .‬لكن ما أثار انتباهنا في المعلومات‬
‫األولية أن األربعة كان في استقابلهم في مطار لندن شخص يدعى تيري(تيرنس) جوزف كالرك‪ ،‬وليس‬
‫ضابطا من القوات الجوية الملكية البريطانية‪ ،‬كما يمكن االفتراض [بروتوكوليا] في مثل هذه الحاالت‪ ،‬وأن‬
‫الشقة التي وضعت بتصرفهم في منطقة "كينسينغتون" [في لندن] خالل إقامتهم كانت تعود ملكيتها‬
‫للمخابرات البريطانية ‪ .MI6‬تيري كالرك‪ ،‬الذي سيصبح سفيرا لبريطانيا في العراق بعد ذلك بعشرين عاما‪،‬‬
‫وتحديدا خالل حرب صدام على إيران‪ ،‬كان معروفا في قاعدة بيانات جهازنا على أنه ضباط في "قسم‬
‫المعلومات" في وزارة الخارجية البريطانية‪ ،‬وهو قسم مرتبط مباشرة بـ ‪ .MI6‬علما بأن كالرك سيصبح‬
‫رئيسا لهذا القسم اعتبارا من العام ‪ 2894‬وحتى ذهابه سفيرا إلى العراق في العام ‪ .2891‬كما وكان معروفا‬
‫لدينا حين خدم في مخابرات سالح الجو البريطاني كضابط متخصص بتحليل المعلومات السوفييتية والعربية‪،‬‬
‫باعتباره يجيد الروسية والعربية‪ .‬وقد أصبح واضحا لنا من المعلومات والوثائق االستخبارية التي تلقيناها في‬
‫حزيران ‪ /‬يونيو ‪ 2811‬أن الزيارة جرى تقييمها من قبل وزارة الخارجية البريطانية وجهاز ‪MI6‬بطريقتين‬
‫مختلفتين؛ فبينما نظرت الوزارة إلى الزيارة‪ ،‬اعتمادا على المباحثات التي جرت على مدى ‪ 31‬دقيقة بين‬
‫وزير الدولة لشؤون الشرق األوسط جورج تومسون واألسد‪ ،‬على أنها "غير واعدة" و وصفت األسد حرفيا‬
‫بأنه "ضابط صغير عديم الخبرة السياسية‪ ،‬قفز بسرعة [في مسؤولياته العسكرية] في جيش مسيس‪ ،‬يتشدق‬
‫بكلشيهات عن اإلمبريالية والصهيونية والقضية الفلسطينية والالجئين الفلسطينيين والمسؤولية البريطانية عن‬
‫مأساتهم (‪ )...‬ولم يقدم أي دليل على أن لديه فكرا شخصيا"‪ ،‬فإن التقويم واالنطباع اللذين قدمهما جهاز ‪MI6‬‬
‫عنه وعن الزيارة كانا مختلفين كليا‪ ،‬ربما ألن األسد تحدث مع رئيس الجهاز بلغة مختلفة عن تلك التي‬
‫استخدمها مع الوزير طومسون‪ .‬فرئيس ‪ [ MI6‬ريشارد‪ /‬ديك وايت] كما سنعلم بعد بضعة أشهر‪ ،‬اعتبر‬
‫األسد " براغماتيا‪ ،‬طموحا ينظر باحتقار إلى زمالئه اليساريين الذين وصف بعضهم بأنهم ماويون أطفال‪،‬‬
‫بينما وصف بعضهم اآلخر بأنهم مراهقون معجبون بتشي غيفارا‪ ،‬ولديهم أفكار مجنونة لتحويل سوريا إلى‬
‫كوبا الشرق األوسط وربطها بالكتلة الشيوعية"‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫ما هو جدير بالذكر هو أن برنامج الزيارة الذي وضعته وزارة الدفاع البريطانية تضمن القيام يزيارة قصيرة‬
‫للمارشال صموئيل تشارلز إلوورثي‪ ،‬قائد القوات الجوية الملكية البريطانية‪ ،‬والتي اقتصرت على األسد و‬
‫ناجي جميل وحدهما‪ .‬لكن الواقعة التي أثارت انتباهنا أكثر من أي شيء آخر وجعلتنا على يقين مطلق من أن‬
‫الزيارة كانت ذات طابع استخباري وليست عسكرية ‪ /‬مهنية أو حتى طبية‪ ،‬وهو ما سنعلمه من البارون‬
‫فيكتور روتشيلد قبل أيلول ‪ /‬سبتمبر‪ ،‬هو أن كال من الجنرال األسد والعقيد جميل "اختفيا" حوالي ‪ 39‬ساعة‬
‫إلى حد أن كال من زميليهما ‪ ،‬العقيد ملحم والدكتور صايغ‪ ،‬أجريا اتصاال مع تيري كالك في وزارة الخارجية‬
‫" لإلعراب عن قلقهما بشأن غياب زميليهما"! في الواقع‪ ،‬إن غيابهما ليومين كان بهدف عقد لقاءين‪ :‬األول‬
‫مع رئيس جهاز‪ MI6‬ديك‪ /‬ريشارد وايت‪ ،‬والذي ضم كال من األسد وجميل والمقدم علي دوبا‪ ،‬الملحق‬
‫العسكري السوري آنذاك في السفار السورية‪ ،‬بينما كان اللقاء الثاني مع مارشال الجو السير هارولد ماغواير‪،‬‬
‫والذي ضم األسد وجميل فقط‪ .‬وفي تشرين األول ‪ /‬أكتوبر من العام نفسه‪ ،‬استطاع البارون روتشيلد نفسه‪،‬‬
‫الذي اعتمد على شبكة عالقاته األخطبوطية في ذلك‪،‬الوصول إلى سجالت المرضى في مشفى الملكة‬
‫ألكسندرا العسكري‪ ،‬حيث كان من المفترض أن يجري األسد فحوصاته الطبية المزعومة‪ ،‬وتأكد من أن األسد‬
‫لم يزر المشفى على اإلطالق‪ ،‬وأن حكايتها‪ ،‬كما سيظهر الحقا‪ ،‬كانت مجرد "غطاء" لزيارته‪.‬‬

‫بحسب التقرير الذي رفعه ريتشارد وايت‪ ،‬رئيس جهاز ‪ ،MI6‬عن اجتماعه الذي دام ثالث ساعات مع‬
‫األسد‪ ،‬والذي تمكن البارون روتشيلد من الحصول عليه وتزويدنا بنسخة منه عبر البروفيسور فيك ألن ‪Vic‬‬
‫‪ ، Allen‬استاذ سوسيولوجيا المجتمع الصناعي في جامعة ليدز البريطانية[والقيادي الشيوعي ـ النقابي‬
‫المعروف]‪ ،‬والذي كان إحدى "شاماتنا"‪ ،‬فإن األسد وصف عمليات التأميم التي حصلت في سوريا مطلع‬
‫العام المكور بأنها "عملية سطو على الممتلكات الخاصة حصل عليها أصحابها بجهدهم وتعبهم‪ ،‬جرى تنفيذها‬
‫من قبل اشتراكيين متطرفين متأثرين بأفكار ماركسية وماوية غريبة عن ثقافتنا العربية ـ اإلسالمية"‪ ،‬وتعهد‬
‫سئل من قبل وايت حول أحداث مدينة‬ ‫بأنه" سيعيدها إلى أصحابها حين يكون قادرا على القيام بذلك"‪ .‬وحين ُ‬
‫حماة الدموية في العام السابق‪ ،2813‬وصف الذين وقفوا وراءها بأنهم "مجموعة مارقة معزولة" و "برأ‬
‫جماعة األخوان المسلمين من المسؤولية عما جرى"‪ .‬وحين تطرقت النقاشات إلى العاقة مع الصين والكتلة‬
‫الشيوعية‪ " ،‬شدد على أن مستقبل سوريا سيكون مع الواليات المتحدة وأوربا‪ ،‬بالنظر ألن الثقافتين الماوية‬
‫والشيوعية غريبة عن بالدنا‪ ،‬وأن حساسية شعبنا إزاء بالدكم[بريطانيا] نشأت من مناصرة بالدكم إلسرائيل‬
‫وتنكرها للقضية الفلسطينية التي يمكن حلها بالطرق السلمية فقط‪ ،‬ألن إسرائيل حقيقة بقوة األمر الواقع‬
‫وجزءا من المنطقة إلى حد عدم إمكانية اقتالعها‪ .‬وهذا ما يجعلكم مسؤولين عن البحث عن حل سلمي"‪.‬‬

‫المشكلة السورية المحلية التي استحوذت أيضا على اهتمام ريتشارد وايت كانت قضية أنابيب شركة نفط‬
‫العراق ‪ IPC‬وشركة التابالين وموقف األسد من بعض أصوات أعضاء الحكومة السورية التي طالبت بزيادة‬
‫رسوم عبور أنابيب الشركتين في األراضي السورية‪ .‬بحسب تقرير وايت‪ ،‬شدد األسد على حاجة سوريا‬
‫لألموال من أجل تمويل مشاريع التنمية‪ ،‬لكنه"عبر عن إيمانه بأن القضية جرى افتعالها في هذا الوقت‬
‫ألسباب شخصية أو للمزايدة السياسية"‪ ،‬وأنه شعر بأنه "لو كان صاحب قرار‪ ،‬لما كان أثار القضية في هذا‬
‫الوقت‪ ،‬ولكان بحث عن حل بالتراضي مع كل من الشركتين ومع الحكومتين البريطانية والسعودية"‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫في ذلك الوقت‪ ،‬لم تكن هناك عالقات عمل قوية بيني وبين الجنرال ألكسندر شيلبين‪،‬رئيس ‪KGB‬‬
‫‪،‬بالنظر ألنه كان قليل االهتمام بقضايا االستخبارات الخارجية التي ترك أمرها للجنرال ألكسندر‬
‫ساخاروفسكي‪ ،‬رئيس"المديرية األولى"( المخابرات الخارجية)في ‪ ،KGB‬الذي كان رجال حاد الذكاء‬
‫وعظيم االحترام من قبل عناصر جهازه ومن قبلي أنا أيضا‪ ،‬فقد كان يتعاطى معي كما لو أني ابنه‪ ،‬أخذا بعين‬
‫االعتبار فارق السن الكبير بيننا‪.‬‬

‫ال زلت أتذكر جيدا تعليق ساخاروفسكي عندما أطلعته على تقريري بشأن زيارة األسد إلى لندن‪ ،‬السيما‬
‫حيثيات اجتماعه مع السير وايت‪ ،‬ناهيك عن أني كتبت تعليقه في مفكرتي أيضا بسبب أهميته‪ .‬علق‬
‫ساخاروفسكي بأن"ما قاله األسد للسير وايت ليس سوى بيان انتخابي أو تقديم أوراق اعتماد للحكومة‬
‫البريطانية عموما وجهاز مخابرات‪ MI6‬خصوصا"‪.‬في الواقع كنت مرغما على إبالغ ساخاروفسكي حول‬
‫زيارة األسد ليس فقط بسبب عالقة التعاون بين جهازينا‪ ،‬ولكن ألن سوريا لم تكن أقامت عالقات ديبلوماسية‬
‫مع ألمانيا الشرقية حتى ذلك الحين‪ ،‬وهي عالقات لن تقوم إال بعد أربع سنوات على ذلك(في العام ‪.)2818‬‬
‫لهذا لم يكن لنا أي نشاط ذو أهمية في سوريا باستثناء بعض عالقات الصداقة مع بعض الشيوعيين الذين كانوا‬
‫يدرسون في جامعاتنا بموجب منح دراسية تعطى للحزب الشيوعي السوري‪ ،‬أمثال الفيلسوف طيب تيزيني‬
‫(الذي جاء إلينا شيوعيا وعاد إلى سوريا بعثيا بعد انقالب األسد)‪ ،‬والدكتور سلطان زياد [ يقصد سلطان أبو‬
‫زيد] الذي‪ ،‬بعد العام ‪ ،2812‬سينضم إلى الجناح اآلخر للحزب ("مجموعة رياض الترك") الذي سيجري‬
‫اختراقه أواسط السبعينيات من قبل المخابرات العراقية و وكالة المخابرات المركزية األميركية‪ CIA‬من‬
‫خالل بعض قادة "الحزب االشتراكي الديمقراطي" األميركي‪ ،‬السيما كارل غيرشمان‪،Carl Girshman‬‬
‫الذين كانوا مجرد واجهة للوكالة‪ .‬لكن هذه قضية أخرى يمكن أن نعود إليها في وقت آخر‪.‬‬

‫يبقى أن يقال في هذا السياق إن العقل المدبر لزيارة األسد إلى بريطانيا كان عبد الحليم خدام الذي رتب‬
‫الزيارة بالتنسيق مع السفير البريطاني في دمشق تريفور إيفانس ‪ .Trefor Evans‬فمنذ العام ‪ 2813‬كان‬
‫معلوما لدينا أن خدام جرى تجنيده من قبل المخابرات البريطانية ‪MI6‬منذ العام ‪ 2812‬حين بدأ عمله مع‬
‫"شركة نفط العراق" البريطانية فور تخرجه من جامعة دمشق في ذلك الحين‪ ،‬وقبل أن يجري طرده بعد عام‬
‫ضبط متلبسا بسرقة رواتب العمال نصف الشهرية في مقرات الشركة في طرطوس‪،‬‬ ‫أو عامين على ذلك حين ُ‬
‫بينما العقيد ناجي جميل جرى تجنيده بعد بضع سنوات على ذلك حين كان يتلقى تدريبا كفني طيران في كلية‬
‫هندسة الطيران التابعة لوزارة الدفاع البريطانية خالل الفترة ‪ 2811‬ـ‪ .2811‬ولهذا لم نفاجأ أبدا حين علما أنه‬
‫كان مرافقا لألسد في زيارته وشارك في اجتماعه مع وايت‪ .‬أما بالنسبة لتجنيد خدام على وجه التحديد‪ ،‬فإن‬
‫سجالت ‪ ،HVA‬ومعظمها مصدره ‪ MI6‬و‪ ، MI5‬وإلى حد ما المخابرات العامة السورية نفسها‪ ،‬تشير إلى‬
‫أنه ُجند لصالح المخابرات البريطانية من قبل النقيب صالح الشيشكلي ‪ ،‬شقيق الديكتاتور الذي يحمل الكنية‬
‫نفسها [أديب الشيشكلي]‪ ،‬الذي كان عضوا في الحزب القومي السوري شبه النازي‪ ،‬الذي جرى اختراقه من‬
‫قبل ثم في فترة الحقة من قبل وكالة المخابرات المركزية األميركية‪ ،‬وكان له [ أي النقيب الشيشكلي]‬
‫عالقات قوية مع السفير البريطاني في دمشق آنذاك السير وليم مونتغيو ـ بوالك‪.‬‬

‫على أي حال‪ ،‬كانت االنعطافة الحاسمة في عالقة األسد مع البريطانيين أواخر العام ‪ 2811‬وأوائل العام‬
‫ي التوقف قليال عند ما نسبته في رسالتك للصحفي البريطاني باتريك‬
‫‪ .2811‬لكن قبل الحديث عن ذلك‪ ،‬عل ّ‬
‫‪16‬‬

‫سيل حول تلك العالقة‪ .‬ليس هنا المكان المناسب للحديث مصداقية سيل وكيف اكتشف الـ "مول" ‪ /‬الرفيق‬
‫جورج بليك أنه كان على عالقة مدفوعة األجر مع كل من المخابرات البريطانية والمخابرات الفرنسية حين‬
‫كانا زميلين وصديقين في بيروت العام ‪ ،2812‬ومع األسد نفسه على األقل منذ العام ‪،2811‬لكن من المهم أن‬
‫أخبرك بأن ما قاله عن "زيارة ألسد‬
‫الوحيدة" إلى بريطانيا هو تضليل‪ ،‬لثالثة‬
‫أسباب‪ :‬أوال ـ إن زيارة األسد األولى إلى‬
‫لندن لم تكن صيف العام ‪2811‬؛ ثانيا ـ لم‬
‫تستغرق الزيارة ثالثة أشهر كما زعم‪ ،‬بل‬
‫ثالثة أيام فقط (إذا لم يكن هناك خطأ‬
‫مطبعي‪ ،‬والذي أستبعده)؛ وثالثا ـ لم تكن‬
‫الزيارة الوحيدة‪ ،‬فاألسد ـ في حدود ما‬
‫علمته وتأكدت منه ـ كرر زياراته السرية‬
‫إلى لندن ثالث مرات على األقل خالل‬
‫الفترة ‪ 2811‬ـ ‪ 2819‬وحدها‪ .‬وإذا كان‬
‫الزيارة األولى في أيار ‪ 2811‬لـ"تقديم‬
‫أوراق اعتماده[للبريطانيين]"‪ ،‬فإن‬
‫الزيارتين الثانية والثالثة اللتين حصلتا في‬
‫أواخر العام ‪ 2811‬و تشرين الثاني‪/‬‬
‫نوفمير ‪ (2819‬بعد المؤتمر الرابع لحزب البعث‪ ،‬الذي خسر فيه فريقه نفوذه لصالح التيار اليساري)‪ ،‬كانتا‬
‫بمثابة وضع حجر األساس النقالبه الذي سيحصل في تشرين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪ 2810‬بالتعاون مع المخابرات‬
‫البريطانية والسعودية‪ .‬وهذا ما يقودني إلى ما وصفته أعاله بـ"نقطة‬
‫االنعطاف" في عالقته مع البريطانيين‪.‬‬

‫أواخر كانون الثاني ‪ /‬يناير ‪ ،2811‬تلقينا معلومات استخبارية من "مولنا"‬


‫في الـ ‪ MI6‬تقول إن األسد موجود في لندن‪ ،‬وأنه اجتمع مع وايت‪ .‬لكن ما‬
‫أثار انتباهنا في معلومات الـ"مول" هو أن الشيخ كمال أدهم‪ ،‬رئيس‬
‫المباحث السعودية [المخابرات السعودية الحقا]‪ ،‬و ضابط االرتباط‬
‫الرئيسي مع وكالة المخابرات المركزية في عموم الشرق األوسط اعتبارا‬
‫من العام ‪ ،2811‬قطع زيارته إلى الواليات المتحدة وجاء إلى لندن بناء‬
‫على طلب عاجل من الملك فيصل للمشاركة في االجتماع‪ .‬وفي الحقيقة‬
‫كان مجرد نسب هذه المعلومات‪ ،‬من قبل "المول"‪ ،‬إلى البروفيسور بالنت‬
‫كاف بذاته لنا العتبارها فوق الشك‪ ،‬ألننا كنا ندرك أنه كان وثيق الصلة‬
‫بكل من وايت‪،‬رئيس الـ‪، MI6‬والسير روجر هوليس(رئيس الـ‪.)MI5‬لكن‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬وألنه‬
‫[البروفيسور وايت] كان أصبح يعتبر نفسه خارج "حلقة كيمبريدج الخماسية"‪ ،‬و" تصالح" مع االستابلشمنت‬
‫البريطانية‪ ،‬فقد كان علينا أن نشك في تلك المعلومات وأن نفترض أنهم [المخابرات البريطانية] كانوا‬
‫‪17‬‬

‫يستخدمونه كـ "طعم استخباري"‪ .‬لهذا طلبنا من أحد "موالتنا" في ‪ MI5‬أن يتأكد من الملحق العسكري المقدم‬
‫علي دوبا من مسألة واحدة تتعلق بما إذا كان األسد موجودا فعال في لندن آنذاك أم ال‪ .‬وقد أكد المقدم دوبا‬
‫حصول الزيارة فعال‪ ،‬لكنه زعم أن "الغا ية منها هو شراء قطع تبديل لطائرات هوكر هنتر البريطانية الصنع‪،‬‬
‫المستخدمة من قبل القوات الجوية السورية‪ ،‬ومحاولة إبرام صفقة لشراء أجيال جديدة من هذه الطائرة أكثر‬
‫تطورا"‪ .‬كان من الواضح لنا أنه كان يكذب‪ ،‬بالنظر ألن هذا النوع من الطائرات كانت القوات الجوية‬
‫السورية بدأت التخلص منه منذ العام ‪ 2811‬حين بدأت سوريا تتلقى طائرات حربية من الكتلة الشرقية‬
‫(تشيكوسلوفاكيا واالتحاد السوفييتي)‪ .‬ولهذا توجهنا إلى البارون روتشيلد‪ ،‬الذي كان آنذاك رئيسا لفريق‬
‫األبحاث في شركة "شل" للنفط‪ ،‬والذي كان مشتبها فيه بأنه العضو الخامس في "حلقة كمبريدج"( لكنه لمك‬
‫يكن كذل في الواقع)‪ ،‬وكان يُعتبر صديقا وثيق الصلة بالبروفيسور بالنت‪ ،‬الذي أكد تلك صحة تلك‬
‫المعلومات[وجود األسد في لندن]‪.‬‬

‫كان الوصول المفاجىء للشيخ كمال أدهم إلى لندن‪ ،‬قادما من الواليات المتحدة‪ ،‬للمشاركة في اجتماعات‬
‫[األسد ـ وايت] كاف بذاته بالنسبة لنا لكي نعتقد بأن هناك شيئا ما كان يجري طبخه لسوريا‪ ،‬ولكن لم نكن‬
‫نعلم طبيعته وتفاصيله وسجالت وقائعه حتى تشرين الثاني ‪ /‬نوفمير ‪ 2819‬عندما قام األسد بزيارته السرية‬
‫الثالثة (واألخيرة؟) إلى لندن مصحوبا بالعميد ناجي جميل أيضا‪ .‬الشيخ أدهم شارك أيضا في هذا االجتماع‬
‫مع كل من وايت‪ ،‬الذي كان تقاعد للتو من الـ وأصبح مستشارا "شبه رسمي" لصديقه رئيس الوزراء هارولد‬
‫ويلسون‪ ،‬وفي االجتماع مع خلفه في رئاسة الـ ‪ ،‬السير جون أوغيلفي رينيه‪.‬‬

‫كان واضحا من المعلومات والسجالت التي تلقيناها من صديقنا البارون روتشيلد ومن "موالتنا" في الـ و الـ‬
‫في كانون األول ‪ /‬ديسمبر ‪ 2811‬ثم أوائل العام ‪ 2819‬أن األسد والشيخ أدهم‪ ،‬باإلضافة إلى شريكيهما جميل‬
‫ودوبا‪ ،‬كانوا يطبخون انقالبا في اجتماعهم الثالثي األول(كانون الثاني وشباط ‪ )2811‬حين فوجئوا بأن‬
‫"الجناح اآلخر"‪ ،‬صالح جديد ورفاقه‪ ،‬أطاحوا الجناح اليميني شبه الفاشي الذي يقوده اليوناني األصل ميشيل‬
‫عفلق ليلة ‪ 11/12‬شباط ‪/‬فبراير ‪ ،2811‬إلى حد أن األسد ومرافقه جميل قطعا زيارتهما وعادا إلى دمشق‬
‫على متن رحلة عسكرية من لندن إلى قاعدة أكروتيري ـ ديكليا الجوية البريطانية في قبرص‪ ،‬ومن هناك إلى‬
‫بيروت حيث وضعت السفارة البريطانية سيارة ديبلوماسية بتصرفهما لتنقلهما إلى دمشق‪ .‬لكان كل شيء كان‬
‫قد حسم حين وصال صباح اليوم التالي‪ 14 ،‬شباط ‪ /‬فبراير‪ ،‬إلى دمشق‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬لم يشعر األسد‬
‫باليأس‪ ،‬واستمر في التخطيط والعمل بجد إلعادة التوازن لصالحه‪ ،‬معتبرا نفسه "شريكا أساسيا في حركة‬
‫التغيير"! وهنا تجدر المالحظة أنه كان ثمة اختالف في الرأي بين جناحي وزارة الخارجية البريطانية‪،‬‬
‫الجهاز الديبلوماسي و ‪ .MI6‬فاألول‪ ،‬الذي اعتمد عل تقرير من السفير "تيفور إيليس إيفانس" في دمشق‬
‫وصف ما حصل [ حركة ‪ 14‬شباط] بأنه"انقالب فرنسي" نفذه الجنرال يوجين غويببو‪ ،‬رئيس المخابرات‬
‫الخارجية الفرنسية ‪ SDECE‬تحت رعاية الجنرال ديغول"‪ ،‬في حين أن الـ ‪ MI6‬وصفت الحركة بأنها‬
‫"مؤامرة سوفييتية"‪ .‬وبالطبع الرأيان كالهما كانا محض تخريف‪ .‬وما هو جدير بالمالحة أيضا أن المقدم دوبا‬
‫جرى نقله بعد بضعة أشهر من قبل صالح جديد إلى العاصمة البلغارية صوفيا ليكون ملحقا عسكريا هناك‪،‬‬
‫بعد أن اكتشف أنه كان يعمل "سمسارا مشاركا" لصالح األسد في لندن‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬نحن من أخبر جديد‬
‫باألمر عبر موفد خاص أرسله الجنرال ساخاروفسكي [إلى جديد]‪ ،‬وكانت هذه المرة الوحيدة التي نتدخل فيها‬
‫نحن ( أو‪ ) KGB‬في الصراع على السلطة في سوريا آنذاك في حدود ما أعلم‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫في اجتماعاته األسد وايت والشيخ أدهم العام ‪ ،2811‬وإذا ما استخدمنا تعبير ساخاروفسكي‪ ،‬بدا األسد أنه ال‬
‫يسعى فقط لتقديم أوراق اعتماده لدى البريطانيين ( وإلى السعوديين أيضا‪ ،‬ومن خاللهم إلى األميركيين‪ ،‬كما‬
‫يمكن لنا أن نخمن) ‪ ،‬لكن باألحرى كمحرض على جديد ورفاقه‪،‬أو على األقل هذا ما يمكن فهمه من السجالت‬
‫المفصلة التي حصلنا عليها الحقا‪ .‬فهذه السجالت تظهر أن األسد عبر عن " قلقه من تزايد نفوذ الماركسية‬
‫والشيوعية‪ ،‬السيما بنسختهما الماوية‪ ،‬في أوساط الجيش وإدارة الدولة‪ ،‬باإلضافة إلى حزب البعث نفسه‪،‬‬
‫بفضل صالح جديد الذي أحضر المقدم [ أحمد] سويداني من بكين ‪ ،‬حيث كان ملحقا عسكريا وتأثر هناك‬
‫بالماوية‪ ،‬وكلفه بنشر العقيدة العسكرية الماوية وعقيدة الجنرال الفيتنامي نغوين جياب في صفوف الجيش‪،‬‬
‫المنظر ياسين حافظ بوضع أسس نظر لحزب البعث في ضوء الماركسية ـ اللينينية‪ ،‬واالشتراكية‬ ‫ّ‬ ‫بينما كلف‬
‫العلمية وفلسفة اإللحاد المتناقضة مع تقاليدنا العربية واإلسالمية"‪ .‬وألنه كان يعرف "كعب أخيل"‬
‫البريطانيين والغرب عموما‪ ،‬زعم أن " جديد يعمل مع البعثيين العراقيين إلنشاء جبهة شرقية ‪ /‬شمالية ضد‬
‫إسرائيل وتوريط سوريا في حروب غير متكافئة معها"‪ .‬وفي هذا السياق ذهب إلى حد الزعم بأن " جديد‬
‫وساعده األيمن سويداني أقاما معسكرات لتدريب الفدائيين الفلسطينيين وتزويدهم بالسالح من أجل شن‬
‫عمليات ضد إسرائيل انطالقا من األراضي السورية"‪.‬‬

‫على أي حال‪ ،‬إن سجالت اجتماعات وايت مع زبائنه في تشرين الثاني ‪ /‬نوفمير ‪ ،2819‬األسد وجميل‬
‫والشيخ أدهم‪ ،‬والتي عقدت بعد أن تعرض األسد لضربة كبيرة في المؤتمر الرابع لحزبه‪ ،‬تظهر أن األسد ـ‬
‫وحين سأله وايت عن موقفه الخاص من حرب األيام الستة [حزيران] ‪ 2811‬ـ أقدم على اتهام " رموز‬
‫المجموعة اليسارية المغامرة[جديد ورفاقه] بالمسؤولية عن تورط سوريا في الحرب وهزيمتها فيها‪ ،‬وادعى‬
‫أن االتحاد السوفييتي هو من دفعهم لشن هجمات عسكرية ضد إسرائيل لمؤازرة جمال عبد الناصر"‪ .‬فضال‬
‫عن ذلك‪ ،‬كشف أنه هو وفريق زمالئه "أبدوا مقاومة عنيدة على مدار األيام األربعة األولى من الحرب في‬
‫مواجهة المغامرين الذين ضغطوا بقوة من أجل المشاركة فيها إلى جانب نظام ناصر"‪ ،‬مشددا على أنه "كان‬
‫قادرا على االستمرار في تلك المقاومة لتجنيب سوريا الحرب‪ ،‬لكنه وجد نفسه محرجا ومستسلما لرغبتهم‬
‫حين بدأت إسرائيل في شن هجمات عنيفة على القواعد الجوية واألراضي السورية في العاشر من حزيران ‪/‬‬
‫يونيو"‪ .‬وما يثير الصدمة في هذا السياق أنه كشف عن أن إصداره البيان الكاذب الشهير الذي أعلن سقوط‬
‫مدينة القنيطرة في أيدي اإلسرائيليين ‪ ،‬على الرغم من أنهم كانوا ال يزالون يبعدون عنها ما بين ‪ 1‬ـ ‪ 20‬كم‪،‬‬
‫"كان عن سابق إ صرار وتعمد من أجل إرغام السوفييت على فعل شيء ما‪ ،‬سواء تدخل عسكري مباشر أو‬
‫إجبار مجلس األمن على إصدار قرار بوقف إطالق النار فورا‪ ،‬بالنظر ألن سقوط المدينة يوحي بأن الطريق‬
‫إلى دمشق أصبح مفتوحا أمام اإلسرائيليين وأن العاصمة ذاتها أصبحت مهددة‪ .‬ولحسن الحظ فقد نجحت‬
‫خطتي"‪ ،‬كما ينهي األسد زعمه‪.‬‬

‫يجر الحديث عنها قبل اليوم للعالقة بين األسد والبريطانيين‪ :‬كيف‬
‫هذه باختصار األسرار المجهولة التي لم ِ‬
‫بدأت‪ ،‬وماذا حصل خالل االجتماعات الثالثة التي جمعته بهم‪ ،‬وكيف اكتشفنا ذلك‪ .‬بالطبع هناك تفاصيل‬
‫أخرى كثيرة‪ ،‬السيما ما يتعلق بالدور الذي لعبه الملك األردني في دعم األسد والتسويق له ولبرنامجه‬
‫السياسي في واشنطن‪ ،‬ودوره في اختراق قيادة الجيش السوري عشية حرب يوم الغفران[ حرب‬
‫تشرين‪ ]2814‬ثم في هزيمة هذا الجيش في القطاع الجنوبي من جبهة الجوالن خالل الحرب‪...‬إلخ‪ .‬ولكن ال‬
‫‪19‬‬

‫أعلم كم هي مهمة في سياق الوقائع المتعلقة بتلك الفترة التي تستهدفها في بحثك التاريخي‪ ،‬فأنت األقدر مني‬
‫على تقرير ذلك ‪.‬‬

‫بانتظار مالحظاتك وأسئلتك‪ ،‬أرسل لك( وللسيدة سيغرون ريكهاوس) تحياتي‪ ،‬وتحيات خاصة لك من أندريا‪.‬‬

‫ميشا‬

‫ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(*) ـ بحسب ما أذكره‪ ،‬في آب ‪ /‬أغسطس ‪ ، 1790‬أو نحو ذلك‪ ،‬أرسل صالح جديد مذكرة إلى المكتب السياسي في الحزب‬
‫االشتراكي األلماني [الشرقي] عبر فيها عن تذمره وغضبه من موقف الترويكا السوفييتية( بريجينيف‪ ،‬كوسيغن‪ ،‬غروميكو)‬
‫إزاء الصراع على السلطة في سوريا‪ ،‬واتهم تلك الترويكا بـ "تشجيع الجناح اليميني [في سوريا‪ ،‬األسد وفريقه] خدمة‬
‫لمصالح االتحاد السوفييتي االنتهازية التي تلهث للتعايش السلمي مع المصالح األميركية‪ ،‬السيما في الشرق األوسط"‪ .‬ال‬
‫أعلم إذا ما كنت ال أزال أحتفظ بنسخة من هذه المذكرة في أرشيفي القديم‪ .‬فإذا لم أجدها‪ ،‬عليك أن تبحث عنها في سجالت "‬
‫مفوضية إدارة أرشيف شتازي"[ التي أنشأتها ألمانيا بعد إعادة الوحدة] أو في أرشيف الحزب االشتراكي األلماني"‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــ انتهت رسالة فولف ــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫في الجزء الثاني من عرض أوراق ماركوس فولف‪ ،‬سأتناول قضية االجتماع السري بين "األسد" و رئيس‬
‫الوزراء السوفييتي "كوسيغن" على هامش جنازة الرئيس "عبد الناصر" في األول من تشرين األول ‪ /‬أكتوبر‬
‫‪ ،2810‬كان مرافقا للرئيس الراحل نور الدين األتاسي للمشاركة في الجنازة‪ ،‬وماذا جرى خالل االجتماع‪،‬‬
‫وكيف جرى كشفه عن طريق جورج حبش ‪ ،‬و الخالف بين األتاسي واألسد خالل االجتماع ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫مالحظة بشأن بعض األسماء الواردة في رسالة فولف‪:‬‬

‫فيكتور روتشيلد‪ :‬بارون صناعة النفط و زعيم عائلة روتشيلد الشهيرة في ذلك الوقت‪ .‬كان ينظر إليه‬
‫باعتباره العنصر الخامس "المفقود" في "حلقة كيمبردج"‪ ،‬لكنه لم يكن كذلك‪ ،‬كما أكد لي "وولف"‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فقد أدت الحديث عن أنه " العنصر الخامس" إلى أزمة سياسية و"برلمانية" في بريطانية‪ ،‬وفي النتيجة أقدمت‬
‫"تاتشر" على حل مركز األبحاث الذي كان يديره في مقر الحكومة البريطانية‪ ،‬وهو آخر منصب رسمي‬
‫احتله قبل وفاته في العام ‪.2880‬‬

‫البروفيسور "النت" ‪ :‬كان أحد أعضاء "حلقة جامعة كيمبريدج" التي تعمل مع المخابرات السوفييتية‬
‫واأللمانية الشرقية‪ ،‬والتي كشف عنها بفضل اختراق المخابرات األميركية للمخابرات البولونية آنذاك‪ .‬وقد‬
‫تسبب أمرها بفضيح كبرى في بريطانيا‪ ،‬وال تزال حتى اآلن‪ ،‬بالنظر ألن "العضو الخامس" في الحلقة ال‬
‫يزال مجهوال حتى اآلن وموضوع ظنون وافتراضات‪.‬‬

‫جورج بليك‪ :‬أحد أشهر ضباط المخابرات البريطانيين خالل الحرب العلمية الثانية وما بعدها‪ ،‬جرى تجنيده‬
‫من قبل "كي جي بي"‪ .‬وحين كشف أمره مطلع الستينيات وحكم عليه بالسجن‪ ،‬تمكن "فولف" من تهريبه من‬
‫سجنه البريطاني إلى برلين‪ ،‬ثم إلى موسكو‪ .‬قابلته في منزل فولف بالمصادفة العام ‪ .1003‬وهو ال يزال على‬
‫قيد الحياة عند كتابة هذه الصفحات‪ ،‬ويبلغ من العمر ‪ 81‬عاما‪.‬‬

You might also like