Professional Documents
Culture Documents
التفريق بين الطريقة والأسلوب والوسيلة بسم الله الرحمن الرحيم
التفريق بين الطريقة والأسلوب والوسيلة بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد ل الواحد الحد الفرد الصمد ،والصلةا والسلم على سيدنا محمد رسول ا صلى ا عليه وآله وسلم .
وبعد،
ل بد أول من التفريق بين الطريقة والسلوب والوسيلة ،كي يكون النقاش في هذا الموضوع المهم نقاشا على
أرضية واضحة في المسميات.
الطريقة:
الطريقة هي الكيفية الدائمة للقيام بالعمل ،وهي منهج ثابت ل يتغير ،وفي السلم تكون الطريقة من ا
تعالى ،فهي شرع ا الذي ل يتغير ول يتبدل ،والدليل على الطريقة النص الشرعي ،والناحية العملية بثبات
الرسول صلى ا عليه وآله وسلم عليها وعدم تغييرها.
والطريقة تتميز بالوضوح أي أن من يسلكها يدرك أنه يسير على خط واضح المعالم ليس فيه ظلمة ول تعثر،
بل يوصل إلى الهدف بشكل قويم ،هذا الوضوح يؤخذ من الشارع وتوجده الحكام التفصيلية المتعلقة
بالطريقة ،لذلك كان ل بد من فهم أحكام الطريقة فهما دقيقا قبل القيام بالعمل.
وإدراك المسلم أحكام الطريقة والتزامه بها كفيل بأن يوجد لديه الثقة بها وأنها ستوصله إلى الغاية التي يعمل
من أجلها.
ول يبحث في أحكام طريقة استئناف الحياةا السلمية الواجب والمندوب ذلك لن الطريقة حكم شرعي قرره
الشرع للقيام بالعمل ول حكم غيره ول منهج سواه ،فطريقة الرسول صلى ا عليه وآله وسلم في إقامة
الدولة السلمية هي منهج وحيد واجب التباع ل لوجود الختلف بين الفهام فيه من حيث الوجوب أو الندب
أو عدمه ،بل لنه المنهج الوحيد ول منهج غيره ،فل يتأتى فيه التردد في قبوله أو رفضه ،وهو كالسنة سواء
بسواء ،الخذ بها من اليمان وإنكارها من الكفر ،وهذا بخلف أحاديث الحاد التي هي من السنة كون إنكار
بعضها ل يعد إنكارا للسنة وبالتالي ل يعد كفرا ،لذا أرجو ملحظة هذه الناحية.
ولذلك ل يتبادر إلى الذهن )فيما يتعلق بالطريقة( إذا ما تأخر تحقيق الغاية ،أو ظهرت من العوائق والعقبات
ما تصور التأخر ،ل يتبادر إلى الذهن أن سبب ذلك كله هو النحراف في الطريقة أو الخطأ في فهمها أو
الساءةا في تطبيقها ،فالطريقة من العقيدةا ول يجوز أن يتطرق إليها شك ،وهي واضحة مرسومة من قبل
الشارع ،أحكامها منصوصة ،وأعمالها مدروسة ،أخذت من النصوص وعرفت أعمالها تطبيقيا من سيرةا
الرسول صلى ا عليه وآله وسلم فل يأتيها الباطل أبدا.
إن السد المنيع الذي يحمي الطريقة من النحراف ويحمي العاملين بحسبها من النزلق في مهلكة الشك فيها،
هو فهم الطريقة فهما دقيقا واستيعاب أحكامها استيعابا كامل ،وهذا بالنسبة للكتلة قد تحقق تحققا منقطع
النظير ،قدوتنا في ذلك رسول ا صلى ا عليه وآله وسلم عندما كان يخبر صحابته بالنصر والتمكين وهم
في أشد حالت الضعف ،فهو يخبرهم في شعب أبي طالب حيث المجاعة بأنهم سيغنمون من غنائم كسرى،
وهو يخبرهم في خضم تلقيهم العذاب بسيادةا السلم على المدر والوبر ،وهو يعطي سراقة أساور كسرى
وهو خارج من مكة ،وكلها روايات مشهورةا.
والمشكلة التي وقع فيها المسلمون وبعض العاملين في الحركات السلمية هو تغييب طريقة الرسول صلى
ا عليه وآله وسلم في إقامة الدولة السلمية ،وابتداع طرق غير شرعية )هذا مع افتراض وجود الغاية
عندهم وهي إقامة الدولة ،مع تحفظي على ذلك( ما أدى إلى عدم وضع هذه الطريقة الوحيدةا نصب أعين
المسلمين ليلتفتوا إليها دراسة وفهما وتطبيقا واعتقادا ،المر الذي جعل المسلمين يدفعون ثمن هذا التغييب
وما زالوا يدفعون ثمنه من عزتهم ووحدتهم وحياتهم اليومية.
إن ا تعالى )جلت قدرته وعظمت مشيئته( خلق الخلق وأرسل الرسل وشرع الدين ليكون منهاجا لعباده
يسيرون عليه ويبتغون به رضوان ربهم ،فيحيون به الحياةا الدنيا طائعين لربهم ،ملتزمين بمنهجه ،ويحيون
بسببه الحياةا الخرةا متنعمين حاصدين ما زرعوه في الدنيا.
وا عز وجل عندما شرع الدين )السلم( لم يترك المسلمين حيارى في تنفيذه ،كما أنه لم يعطهم الصلحية
ليشرعوا من أنفسهم ما يجدونه من نقص في هذا الدين ،ولذا فإنه أنزل هذا الدين كامل ل يأتيه النقص من
بين يديه ول من خلفه ،وجعل هذا من العقيدةا؛ من أنكره فقد كفر)) .اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم السلم دينا(( .
والطريقة من أحكام الشرع ،وتتميز بأنها منهج وحيد للتباع ،بها تكون العمال وبها تتحقق الغايات ،والخلط
فيها يؤدي إلى معصية ا تعالى كما يؤدي إلى عدم تحقق الغاية.
يقول ا تعالى)) :ولينصرن ا من ينصره إن ا لقوي عزيز ) (40الذين إن مكناهم في الرض أقاموا
الصلةا وآتوا الزكاةا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور(( فقوله تعالى )من ينصره( وصف
لولئك الذين يعملون لنصر ا وهو وصف كاف لهم ليدل على التزامهم طريقة ا تعالى وانتهاجهم نهجه،
وقوله )ولينصرن( قرينة على استحقاقهم النصر بنصرهم ربهم ،وقوله تعالى) :إن ا لقوي عزيز( تذكير
لمن نصر ا بأن ا بقوته وعزته قادر على تحقيق النصر في أي حالة من الحالت ،والنصر عادةا يحتاج
لقوةا تحققه وإذا تحقق ل بد أن يكون عزيزا وإل فل قيمة له ،أما قوله تعالى )أقاموا الصلةا وآتوا (...فإنه
ليس وصفا لهم بقدر ما هو وصف لما يريدون أن يحققوه إن حصل لهم التمكين وهو إقامة شرع ا تعالى،
وقوله تعالى )إن مكناهم( إسناد التمكين له ،فهم ل يملكون هذا التمكين وليسوا أهل لتحقيقه بل التمكين من
ا وحده هو القادر عليه ،وما عليهم إل أن يلتزموا ليروا التمكين الذي ل يستطيعون بشأنه شيئا .فالية
تنص على أن ا تعالى ينصر من استحق نصر ا بأن نصر ا قبل أن ينصره ا) ،والنصر سيتحقق حتما
لن ا تكفل به وهو القوي العزيز( ،أولئك الذين يعملون من أجل إقامة شرع ا تعالى فهي غايتهم ،ولذلك
فإنهم نصروا ا وجعلوا غايتهم إقامة شرعه ،فاستحقوا بذلك التمكين الذي ل يكون إل من ا عز وجل.
وإن ل أيضا نواميس أوجدها وهي ل تتخلف لن ا هو الذي أوجدها ،ول يملك خرقها إل هو ،ول يخرقها
سبحانه إل وفق ما يريد هو ويبين هو .ومن هذه النواميس السباب وما ينتج عنها من مسببات ،وأن القوى
ينتصر على الضعف ،وأن النار تحرق ما هو قابل للحتراق ،وأن التعذيب يؤذي الجسد ،وأن الكثرةا تغلب
القلة ،وهكذا.
وما على العباد إل أن يفهموا هذه النواميس ويسيروا بحسبها مع اللتزام بالطريقة الشرعية ،وبذلك يكونون
قد وافقوا النواميس فلم يخالفوها )بالسير وفقها( ،ويكونون بذلك قد أرضوا موجد النواميس )بالتزامهم
طريقته( فإن شاء خرق لهم تلك النواميس في هذه الحالة وهم ل شك سيكونون أهل لهذا الخرق.
إن الخلط في أحكام الطريقة هو كمن يستخدم دفتر إرشادات لجهاز معين في تشغيل جهاز آخر ،فمن يظن مثل
أن الدعاء لقامة الخلفة يمكن أن يحقق شيئا فهو مخطئ لن الدعاء لم يشرع طريقة لما وضع له الشرع
طريقة معينة خاصة به ،وفاعل ذلك إن كان معتقدا به مصرا عليه فقد عصى ربه )إن لم يكن مستهزءا بشرع
ا( وهو كالقائل :نعم يا رب ،أنا أعلم أن ثمة طريقة لقامة الخلفة ولكني ل أقوم بها وأكتفي بالدعاء فأقمها
أنت يا رب .ومن يظن أن الدعاء للحكام الذين يحكمون بما أنزل ا يمكن أن يصلحهم مخطئ أيضا ولن ينفع
دعاؤه ولو استمر عليه مئات السنين لن الطريقة التي شرعها ا تجاه هذا الواقع هو العمل لزالتهم
وتنصيب خليفة للمسلمين مكانهم ،فمن يدعو لهؤلء الحكام فإنه يقوم بعبث يغنيه عنه العمل لقامة شرع ا
بتنصيب خليفة.
إن الدعاء عبادةا وهو ليس طريقة لتحقيق الغايات ،فالغايات التي بين الشرع لها طريقة لتحقيقها ل يحققها
الدعاء لن تحقيقها بالدعاء عبث ،والغايات التي جعل ا لها نواميس لتحقيقها فإنها تحقق بنواميسها ،وعلى
فرض صحة رأي من قال بأن الدعاء ليس عبادةا فقط ولكنه أيضا وسيلة لتحقيق القصد فإن هذا ينحصر فيما
ليس له طريقة لتحقيقه كالمرض العضال وغيره.
ومن أراد أن ينقذ مسلما يقتل أو مسلمة يعتدى عليها فإنه ل يفعل ذلك بالدعاء لن الدعاء هنا عبث ،ولكنه
إن باشر طريقة إزالة هذا القتل أو ذلك العتداء ودعا ا فإنه يكون قد قام بالطريقة وعبد ا بدعائه.
ومن أراد أن يخرج اليهود من فلسطين بالدعاء ،وبالمناسبة وصل الحال بالمسلمين أن أبدعوا بالدعاء بل
وصل بهم الحال أن طلبوا من ا أن يباشر هو مقاتلة اليهود ،وكأن ا )جل وعل وتعالى عن كل نقص( قد
أخبرهم أنه إذا احتلت أرضهم فما عليهم إل أن ينادوه تعالى ليقاتل المحتل نيابة عنهم ،أقول :أبدعوا في ذلك
فصرنا نسمع :اللهم دمر دباباتهم ،واحرق بيوتهم ،اللهم اقتلهم اللهم أبدهم ،وما زالوا محتلين وما زالوا
يفعلون بالمسلمين العاجيب ،هل لن ا راض عنهم أو يؤيدهم ،ل وألف ل ،ولكن لن المسلمين تخلوا عن
طريقة العلج واتجهوا إلى طريقة ابتدعوها يظنون أنها مجدية وما هي كذلك.
لقد دعا رسول ا صلى ا عليه وآله وسلم ربه في بدر وفي غيرها ،ففي بدر) :نظر نبي ا صلى ا عليه
وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر رجل فاستقبل نبي ا صلى ا عليه وسلم
القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم أتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه
العصابة من أهل السلم ل تعبد في الرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه من
منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي ا كفاك مناشدتك ربك
إنه سينجز لك ما وعدك فأنزل ا إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين(
]الترمذي[ وعن عبد ا بن مسعود قال :ما سمعنا مناشدا أنشدا حقا له أشد مناشدةا من محمد صلى ا عليه
وسلم يوم بدر جعل يقول اللهم إني أنشدك ما وعدتني اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة ل تعبد ثم التفت كأن
وجهه القمر فقال :كأنما أنظر إلى مصارع القوم عشية] .الطبراني في الوسط[ ولكن رسول ا لم يعتبر
الدعاء طريقة للنتصار على المشركين ،بل أعد الجيش وأخذ بالراء الحربية الفنية ،ونظم الصفوف )وكان
ينظمها بشكل دقيق بعود في يده( ولما انتهى من ذلك كله بدأ بعبادةا ربه والتقرب إليه بالدعاء ليكون ا معه
ولينصره.
وكان أبو بكر الصديق رضي ا تعالى عنه وأرضاه ،إن أعد العدةا حسبته لم يتكل على ربه ،وإن رأيته يتهجد
يلح بالدعاء على ربه حسبته لم يعد شيئا ،هكذا هو التوازن بين ا لحكام عند فهمها.
ول يقال أن ثمة فئة تعمل بالطريقة فلم لم يتحقق النصر ،ل يقال ذلك لن النصر من ا يأتي به متى يشاء،
ولن هذه الفئة لم تحصل بها الكفاية ولو تحققت بها الكفاية لقضي المر ،ولذلك فإنها ما زالت تدعو المة
لتقف إلى جانبها وتنصرها.
الساليب والوسائل:
السلوب هو كيفية معينة غير دائمة لتحقيق العمل ،ويتميز عن الطريقة بأمرين:
الثاني :أن الدليل الشرعي على السلوب يختلف عن دليل الطريقة ،ذلك أن الطريقة جاء الدليل العام بها،
والسلوب هو فرع لها أي مما يحتاج إليه للقيام بها ،فاندرج تحت دليلها وأخذ حكم الباحة ما لم يرد نص
على تحريمه.
ذلك أن الفعال إما أن تكون أصل جاء به الدليل العام وتفرعت عن هذا الصل أفعال اندرجت تحت الدليل
العام ،أو أصل جاء به الدليل الخاص ولم تندرج أفعاله الفرعية تحت دليله ،أو فرعا لصل جاء الدليل العام
لصله ،أو فرعا لصل لم يأت دليل عام لصله بل جاء دليل أصله خاصا فصار كل فعل اندرج تحت الصل
يحتاج إلى دليل خاص به.
فالحج مثل فعل جاء دليله خاصا ،والفعال التي اندرجت تحته لم يأت بها الدليل الخاص بل جاءت أدلة خاصة
بها ،فال لم يأمر عباده بالحج وتركهم يحجون كما يرون ،بل أمرهم بالحج بدليل الحج وبين لهم في أدلة
أخرى كيف يحجون .أما تنصيب الخليفة مثل وإقامة الدولة السلمية فالدليل على الطريقة بها جاء عاما،
ولذلك فإن الفعال التي تتفرع عنه من أجل القيام به تدخل تحت الدليل العام ،ذلك أنه لم يأت دليل خاص بكل
فعل منها ،فتنصيب الخليفة بالرضا والختيار ،جاء به الدليل العام ،أما الساليب التي تتخذ من أجل إقامة هذا
الفعل أي التنصيب فلم يأت دليل خاص بها وذلك كالقتراع وصناديق القتراع والتصويت بالورقة أو بالصوت
أو غير ذلك ،فهذه كلها أساليب يتخذ منها ما لم يأت دليل على تحريمه.
والثقافة والتثقيف من أعمال الكتلة ومن أحكام الطريقة ولكن لم يأت دليل خاص بها أي كيفية تلقي هذه
الثقافة في درس أم محاضرةا أم جلسة أم قراءةا في كتاب أم حفظا على الصدور أم قراءةا جماعية ،لم يبين
الدليل كيفيتها فيتخذ إزاءها السلوب المناسب فكانت الحلقة أسلوبا ،وكانت الحلقة الجماعية أسلوبا ،وكانت
القراءةا في كتاب أسلوبا وهكذا مع ملحظة إمكانية تغيير هذه الساليب حسب ما تراه الكتلة.
والصدع بالدعوةا إي إظهارها مع بداية التفاعل من أحكام الطريقة ولم يحدد الشرع أسلوبا خاصا له ،فيكون
أسلوبه مما يتوصل إليه الذهن حسب فهم الواقع ،فيندرج تحت دليل الطريقة ،ويتخذ إزاءه السلوب المناسب
فقد يكون الصدع بالحديث على المنابر ،أو بتوزيع البيانات أو بالمؤتمر الصحفي ،مع ملحظة أن القصد من
اتخاذ السلوب ليس التجربة والخطأ بل القيام بالعمل كما أمر الشرع أي تحقيق القصد من العمل ،وهذا يعني
أن استخدام أسلوب ل يحقق القصد من العمل ل يجوز بل يوقع في الثم فل يجوز مثل الصدع في حي من
أحياء المدينة والقول بأن هذا صدع في المجتمع.
وإنشاء الكتلة من أحكام الطريقة ولكن الشرع لم يبين كيف تكون أجهزةا هذه الكتلة هل تكون خليا تنظيمية
أم أسر أم مسئولين وأفرادا ،كل هذا من الساليب التي تتخذ لتيسير العمل.
ومن هذا يلحظ أن الطريقة ليس فيها إبداع بشري لنها من ا تعالى وهي فوق البداع البشري ،لقيام الدليل
عليها ولوضوحها فكرا وعمل ،أما الساليب فهي تحتاج إلى البداع ،ويتجلى فيها البداع ،ويستلزم البداع
في الساليب فهم الواقع المعمول به والعمل المراد تحقيقه ،ذلك أن الساليب تتشابه وتتداخل ،فمثل الدعوةا
لفكرةا في المجتمع من أجل جعل الناس تتقبلها تختلف عن لفت النظر لفكرةا ما ،فالولى تحتاج إلى طرح
الفكرةا ومناقشتها وبيان حقيقتها بالعقل والبرهان وسوق الدلة لن المسألة مسألة قناعة ،أما الثانية فل
تحتاج لكل هذا بل يكفي حملة همس بين الناس حول الفكرةا ،أو مجرد دعاية لها للفت النظر كالقول مثل أل
سمعتم عن الفكرةا الفلنية ،أو :ما الذي يدور بين الناس حول الفكرةا الفلنية؟ وهكذا ،فالتفريق بين العمال
المراد تحقيقها يؤدي إلى التفريق بين الساليب واتخاذ المناسب منها.
لقد تعلمنا من القراء والمشايخ الذين يدرسون السلم بحسب الطريقة التقليدية القديمة )الكتاتيب( أن
السلوب الناجع في تعليم البناء أصول اللغة والتجويد والفقه أن يحفظوا المتون )المنظومات( في صغرهم
دون أن يعرفوا معانيها فيحفظ الطفل مثل :مفرده كلمة والقول عم ،،،،وكلمة فيها الكلم قد يؤم .ويرددها
وهو ل يعرف معناها ،ذلك أن الطفل في مرحلة الصغر مهيؤ للحفظ فإذا كبر قليل وقد ثبتت المتون في ذاكرته
يبدأ بدراستها وفهم تفصيلتها ،وكذلك بالنسبة لحفظ القرآن فإنه يحفظه في الصغر دون معرفة معانيه،
وهكذا .فهذه أساليب تم اختيارها بعد دراسة وعناية وتجربة.
ول يقال أنه ل يوجد خطأ في الساليب أو أن الخطأ في الساليب يؤدي إلى النحراف ،ل يقال ذلك :لن الخطأ
وارد في الساليب أول لنها من البشر ولذلك ورد عليها التغيير ،وثانيا فإن الخطأ في الساليب ل يؤدي إلى
النحراف أو عدم تحقق النصر والتمكين ذلك لن الساليب جائزةا بالدليل العام ،وجوازها مع جواز وجود
الخطأ عليها أمر أقره الشرع ،فال خلق النسان وأعطاه القدرةا على التفكير في الواقع والساليب والعمال
والوسائل وهو ل يحاسبه ول يعاقبه إن أخطأ في اتخاذ الساليب أو غيرها ما لم يتخذ أسلوبا حرمه الشرع،
أو لم يتخذ أساليب ابتداء.
أما الوسائل فهي الدوات المادية التي تستخدم عند تحقق الساليب ،فصندوق النتخاب وسيلة لتحقيق
النتخاب ،والورقة أو المنشور وسيلة لنشر الثقافة ،وهكذا.
والوسائل تعتبر من الشياء وليس من الفعال ولذلك فإن دليلها يختلف عن دليل الطريقة ودليل السلوب
السابق الشارةا لهما ،ودليل الوسيلة هو الباحة ما لم يرد دليل التحريم وهي بهذا تندرج تحت القاعدةا
الصولية) :الصل في الشياء الباحة ما لم يرد دليل التحريم( .
إذن فل يقال أن لقامة الخلفة وسيلة ،بل لها طريقة ،ول يقال أن طلب النصرةا طريقة لقامة الخلفة فهي
ليست كذلك بل إن طلب النصرةا حكم من أحكام الطريقة وليس مرحلة من مراحلها ،وهو من أحكام الطريقة
لخذ الحكم بعد القيام بما أوجبه ا على الكتلة من القيام به من أعمال بدءا بالتأسيس والتثقيف وانتهاء
بأعمال الرتكاز.
أما طريقة استئناف الحياةا السلمية فهي الكتلة وليس أخذ الحكم ،وذلك بإقامة الخلفة التي هي طريقة لتنفيذ
أحكام الشرع وحمل السلم دعوةا إلى العالم وهي من تبعات رسالة محمد عليه وآله أفضل الصلةا والسلم.
أما استخدام القوةا كأسلوب في العمل من أجل تحقيق النصر ،أو غير القوةا كالدخول في المجالس النيابية ،أو
أخذ الوزارةا ،أو التعامل مع السفارات الجنبية ،أو التقرب من الحاكم والدخول في بطانته ،فإنها كلها أساليب
يجوز الخذ بها ويمكن أن نبدع غيرها ونتفنن في هذا البداع ولكن حسب أمرين:
وكل المرين متعذر ،فالشرع قد بين الطريقة الشرعية لستئناف الحياةا السلمية ،ول نملك تغييرها أو الحيد
عنها ،والساليب المبتدعة )المذكورةا( جاء النص بتحريمها ،ولو لم يأت نص بتحريمها وخالفت الطريقة
لكانت هذه المخالفة دليل كافيا على تحريمها.
إن العاملين المخلصين لستئناف الحياةا السلمية لم يقوموا بكل ما قاموا به من أعمال :جهود ،وتضحيات،
وتفان ،وبذل للمال والنفس ،وحياةا كلها شقاء في شقاء إما مطاردةا في الرزق أو مطاردةا في الجل ،أو حياةا
في ظلمات السجون ،ومن هؤلء العاملين )وهم سادتي وقرةا عيني( من رحل عن هذه الدنيا غريبا لم يعرفه
أحد ،عالما قديرا كان بإمكانه أن يكون سيد وقته ،أو طبيبا بارعا قضى حياته في السجون ومات ولم يعرف
به أحد ،أو تاجرا بذل كل أمواله في الدعوةا ،أو فردا بسيطا في الحياةا الجتماعية نافح وجاهد وبذل حتى لقي
ربه ،كل هؤلء لو كان بإمكانهم ولو بشبهة دليل أن يغيروا طريقة ربهم عز وجل من أجل أن يعزوا أمتهم
لفعلوا ولكنهم كانوا أكثر الناس هما وأكثرهم علما بأن ما جاء من ا هو من ا ل يمكن تغييره ول تبديله
وأن ا ما أمرنا لنغير فيما أمرنا به بل أمرنا لنلتزم بما أمرنا به ،فنثبت له أننا قدر اختباره وابتلئه وبالتالي
أهل لرضوانه إن شاء ا تعالى.
ل يتصور واحد منا أن هؤلء العاملين المخلصين الذين عانوا أكثر مما عانى غيرهم :ل يعرف الشوق إل من
يكابده ،،،،ول الصبابة إل من يعانيها .ل يتصور أحد أنهم يعبثون بل إنهم وا يواصلون الليل والنهار من
أجل أمتهم ولو أنهم رأوا في خرت أبرةا نصرا لمتهم لدخلوه.
رحم ا أبا إبراهيم الذي يروي لي أحد أقرانه في الزهر أنه كان بإمكانه أن يكون عالم المسلمين قاطبة
بذكائه المفرط وحفظه العجيب :لغة وفقها وأصول وتاريخا )يروى أمين مكتبة الزهر :كان هناك ولد اسمه
تقي الدين يأتيني ليستعير المراجع ،وكنا ل نعيرها لحد ولكن لن هذا الولد كان ذكيا ،فقد كنت أعيرها له
وكان يرجعها بعد أن يقرأها وقد قرأها كلها( وهو الذي ناظر محمد عبده فأسكته ،ولكنهم كانوا يقولون :سلك
الشيخ تقي طريق السياسة وحرم نفسه أن يكون كالعلماء الموجودين على الساحة يشتهرون بفتاويهم،
وتعرفهم الناس بقربهم من الحكام .ما ضره أن يكون كذلك ،لقد رحل عن هذه الدنيا بصمت ودعه فيها أفراد
قليلون ل يملك منها شيئا إل ما يستر جسده ويمل بعض بطنه ،لم لم يبدع في ابتكار الطرائق )جمع طريقة(
من أجل أن يوصلنا للنصر ويريحنا مما نحن فيه .ونظرةا سريعة إلى ما كتبه وأنتجه لتدل على قدرته على
البداع في ابتكار طريقة بل طرائق عددا.
وها هو سيدي عبد القديم زلوم رحمه ا تعالى ،وهو أول متفرغ فقد تفرغ للدعوةا قبل أبي إبراهيم ،عاش
حياته زاهدا ورعا ملتفتا عن الدنيا وبهرجها ،وهو العالم اللغوي الصولي الفقيه لم لم يغير ويبدل ويستخدم
عقله المبدع في ابتداع الطريقة تلو الطريقة حتى يصل إلى الحكم ،بل أمضى من حياته ستين سنة لم يتخلف
فيها يوما واحدا عن العمل ،ولكنه أيضا لم يغير في هذه الستين سنة شيئا بل ظل على الطريقة والتزمها حتى
لقي ربه.
وغيرهما الكثير الكثير من جنود الخفاء إخوان صاحب النقب عليهم رحمة ا ،منهم من نعرف ومنهم من ل
نعرف كلهم مضوا إلى ربهم لم يغيروا ولم يبدلوا ولن يسألهم ا عن التأخير فهو شأنه هو سبحانه ولكن
سيسألهم ماذا عملتهم فيما كلفتكم به؟ أقمتم به كما أمرتكم؟ أم أنكم ابتدعتم وغيرتم؟
وأختم بالمسك؛ سيدي وقدوتي وإمامي من فداه أبي وأمي وولدي؛ رسول ا صلى ا عليه وآله وسلم أفضل
البشر وخاتم النبياء الذي ما زال يعلمنا ويدرسنا ويربينا ،هل غير في طريقته ،ألم تكن هناك مئات السباب
التي تدعوه ليغير ويبدل ولكنه لم يفعل بل كان يردد) :إن لم يكن بك علي غضب فل أبالي( )إني عبد ا وهو
ناصري ولن يضيعني( )أترون هذه الشمس؟ قالوا :نعم .قال :ما أنا بأقدر أن ادع ذلك منكم أن تشعلوا منها
شعلة( )صبرا ،آل ياسر فإن موعدكم الجنة ،إني ل أملك لكم من ا شيئا( وغيرها من الدلة الناصعة التي
تعج بها السيرةا المطهرةا ،كان بإمكانه صلى ا عليه وآله وسلم أن يحمي صحابته بالعمل المادي )وهم أهل
حماية وسلح( وكان بإمكانه أن يجمع لهم الموال ولكن لم يفعل ،وقد بينت شيئا من هذا مفصل في بحث
بعنوان أثر الحكام التي شرعت في المدينة المنورةا على الحكام المكية ،نشر في الوعي وأظن أن بعض
الخوةا الكرام وضعه في هذا المنتدى الطيب كما أخبرني أحد الفضلء.
بقيت نقطة أخيرةا وهي ما يردد دائما بأن النصر تأخر ،وأقول :إن هذه المقولة تطلق مجازا ،لن النفس ميالة
إلى الخلص مما يؤذيها ،كما أن من طبيعتها العجلة)) :خلق النسان من عجل(( ،وإل فإن من يقول أن
النصر تأخر على الحقيقة وليس على المجاز ل بد وأن يكون عالما بموعده وإل كيف يعرف أن ثمة تأخيرا إن
لم يعرف الموعد المضروب لما تأخر.
ول يعلم موعد النصر إل ا تقدست أسماؤه .وهو الذي يأتي بالنصر ول نصر إل منه )عسى أن يوفق ا
لنكتب في هذا الموضوع بحثا منفصل( وما على عباده إل التزام أوامره وانتظار مشيئته ،أما أن يكلف العباد
أنفسهم ما ل طاقة لهم به وما لم يكلفهم به ربهم أصل فهذا غير صحيح.
إنني لم أبذل جهدا ولو يسيرا في التفكير بتأخر النصر ،ولكني أبذل كل الجهد للتأكد من أنني على الطريق
الصحيح لم أحد ولم أحرف ولم أغير أو أبدل ،لني أدرك أن طبيعة الطريقة التي تعمل بها الكتلة أنها ل تؤثر
تأثيرا سريعا ول تبرز بشكل ظاهر كبروز العمال المادية ،وكثيرا ما أضرب هذا المثال وهو أن عمل الكتلة
من أجل استئناف الحياةا السلمية كالغاز الثقيل الذي ل يرتفع عن الرض وهو شديد الشتعال ،هذا الغاز
يكون موجودا ولكن ل يشمه الناس فهو يغطي أقدامهم وهو أثقل من الهواء فل يشعرون به ولكن بمجرد أن
يلقي أحدهم عود ثقاب فإن هذا الغاز يشتعل ويحرق المنطقة بأسرها وعندئذ يشعر به من كان جاهل فيه.
ولنا في رسول ا عليه وآله أفضل الصلةا والسلم ،فقد كان التسارع في النتائج بعد إقامة الدولة أكثر بكثير
من العمل في مكة رغم أن العمل في مكة فاق العمل في المدينة بثلث سنوات ،فالعمل في مكة على عظمة
القوةا الروحية التي يملكها الرسول وصحبه ،وعلى عظمة كل ما قام به من عمل ،لم يؤثر في مكة إل في
أفراد معدودين ،مع أنه مكث في مكة ثلث عشرةا سنة ،ومصعب بن عمير رضي ا عنه أثر في سنة واحدةا
في المدينة المنورةا ،في المجتمع والجماهير والفراد بل وفي سادةا القوم ،فانظر إلى الفرق مع استحالة
مقارنة مصعب برسول ا عليه وآله أفضل الصلةا والسلم )ويحرم القول بأن مصعبا كان أقدر من رسول ا
بل قد يوصل هذا القول إلى الكفر( ،ولكنها مشيئة ا لن النصر والتأثر يأتي من ا وحده ))ليس عليك
هداهم ولكن ا يهدي من يشاء(( فكان الدأب على العمل بما أمر ا وتوطيد الصلة بال لزدياد التقرب منه
ونيل محبته وإرضائه ،أما النصر فإنه سيحصل حتما لنه وعد ا الذي ل يتخلف ،ولكن صدق رسول ا
)ولكنكم قوم تستعجلون( .