Professional Documents
Culture Documents
حرب العصابات بين النظرية العلمية والتطبيق الفلسطيني PDF
حرب العصابات بين النظرية العلمية والتطبيق الفلسطيني PDF
الع�صابات
رب َِح ُ
بني ال ّنظرية العلم ّيـة
والتطبيق الفل�سطيني
2
حرب الع�صابات
العلميـة والتطبيق الفل�سطيني
ّ بني ال ّنظرية
________________________________________________________
�سورية – دم�شق – �ص.ب13029 :
هاتف00963116374802 :
فاك�س00963116374551 :
الربيد االلكرتوينthaqafa@thaqafa.org :
املوقع االلكرتوينwww.thaqafa.org :
3
حرب الع�صابات
العلميـة والتطبيق الفل�سطيني
ّ بني ال ّنظرية
�إهـــــداء
مـن َق ِ
ـبـ�س ال ُّن ّ
ـبـوة
أيت ليل َة �أُ�سرْ َِي بي عموداً �أبي�ض ًا ك�أنه ل�ؤل�ؤ ،حتم ُله املالئكة ،فقلت :ما
«ور� ُ
إ�سالم �أُمرنا �أنْ ن�ض َعه بال�شّ ام»
حتملون؟ قالوا :عمو َد ال ِ
8
َ
«عليك بال�شّ ِام ف�إ ّنها ِخري ُة اهلل من �أر�ضه ،جتبي �إليها خريته من عباده»
«�ستجدون �أجناداً :جنداً بال�شام ،وجنداً بالعراق ،وجنداً باليمن .قال عبد
َ
ر�سول اهلل .فقال :عليكم بال�شّ ام ،فمن �أبى فقلت :اخرت يل يا
ُ فقمت
ُ اهلل:
وجل قد تكف َّل يل بال�شّ ام
َّ فليلحق مبنه ،ولي�ستعذ من غدره ،ف�إنّ َ
اهلل ع َّز
و�أه ِله»(.)1
***
1جميع ما تقدم م�أخوذ من كتاب (ف�ضائل ال�شام /للربيعي) ،حتقيق ال�شيخ الألباين ،وجميع الأحاديث �إما �صحيحة
�أو ح�سنة.
9
تقدمي
الدكتور �أحمد نوفل
�أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية يف اجلامعة الأردنية
واخلالف بني بني الب�رش �س ّنـ ٌة �أخرى ،و�سيالزمهم ذلك ما الزم ْتهم احلياة:
ِ
}ﭙ ﭚ ﭛ{ [هود .]١١٨:وكثرياً ما يح�سم الب�رش خالفاتهم بالقوة
واحلروب.
نف�سها
ثمة ِخالفات ،ف�إن نظرية (فائ�ض القوة) �ستجد َ
وحتى �إن مل يكن ّ
ومتدداً يف �أر�ضه ،ومت ّتع ًا برثوته� .إن
متحقّق ًة يف الواقع؛ اعتدا ًء على ال�ضعيفّ ،
ال�ض ْع ِف أقوياء �إال باالعتداء على ّ
الطرف ال�ضعيف ،ورائحة َّ عف ال ُيغري ال َ
ال�ض َ
َّ
القر�ش يف البحار واملحيطات َ
أ�سماك ِ
الد ِم �
أقوياء كما جتذب رائح ُة ّ
جتذب ال َ
نحو الفرائ�س.
10
عذاب
ٍ ال�سالم �إال �أماين
هذه هي طبيعة احلياة ،وهذه طبيعة الأ�شياء .وما ّ
الر�سمي
ّ ال�ضعفاء ويتع َّللونَ بها ،كما هو حال العامل العربي
و�أحالم ،يحلم بها ّ
اليوم.
على �أنّ حرب الع�صابات� ،أو حرب ال�شعب� ،أو املقاومة� ،أو العمل الفدائي،
11
الـم�س َتعمرة منها� ،صار لها قد �أ�صبحت ِعلم ًا وممار�سةً ،و�صار لل�شعوبّ ،
خا�صة ُ
جتارب ،تتبادلها الأمم والأقوام ،وتتكامل اخلربات بني امل�ست�ضعفني.
ُّ
فكل عاملنا الإ�سالمي خا�ض حرب حترير �ضد امل�ستعمر ،حتى حقّق لبالده
َّ
ولعل من �أجمل �صفحات ال ِّن�ضال واجلهاد اال�ستقالل ،واحد ًة فواحدة..
قدمت فيها اجلزائر مليون ًا
اجلزائري يف مقاوم ٍة �شعبي ٍة ّ
ّ والقتال؛ ما َّ
�سطره ال�شعب
ون�صف ًا من ال�شهداء.
وثورة غيفارا وحربه الفدائية مدر�س ٌة يف حرب الع�صابات ،حتى غدا رمزاً
العرب ين مقاوم ًة عنيد ًة با�سلةًّ ،
و�سطر مالحم من ِ للمقاومة .وخا�ض ال�شّ عب اللبنا ّ
وري يف مقارعة اال�ستعمار الفرن�سي،
ال�س ُّ
عب ُّ
والبطولة والت�ضحية .وكذا ال�شّ ُ
بطوالت وت�ضحيات.
ٍ َّ
�سط َر
ال ّتجارب ،وخا�صة جتربة (حما�س) ..ومن قبلها جتربة املقاومة الفل�سطينية
ت�سويات غري �سو ّية� ،إمنا تنخرط يف
ٍ القيادات وتنجرف باجتاه
ُ َ
تنحرف قبل �أن
مقاومة املقاومة.
ِ م�رشوع
ّ
والتوطن تطورت مبقاومة م�رشوع اليهود ال�صهاينة ،بالهجرة �إىل فل�سطني
ثم ّ
الق�سام،
الدين ّ
البطولية ،من �أبرزها ع ّز ّ
ّ قيادات ّ
فذ ٌة لهذه الأعمال ٌ فيها .وظهرت
وتقب َل
ّ ال�سعدي ،وعبد القادر ا ُ
حل�سيني ،وغريهم ...رحمهم اهلل وفرحان َّ
جها َدهم.
ت�ستفيد من ِّ
كل َ �أ�س�أل اهلل لهذا الكتاب وكاتبه القبول ،و�أ�س�أل اهلل ل ّأمتنا �أن
وخياراً ،فما َج َن ْـيـنا كلمة مقاومة ،و�أن َ
جتعل املقاوم َة لها نهج ًا َ كل ِ جتربة ،ومن ِّ
أربح اخليارات
وخيار املقاومة � ُ
ُ ال�سالم �إال العلقم واملوت ال ُّز�ؤام.
من خدعة ّ
العدو �أ�سو�أُ و�أرد�أُ اخليارات ..والأحمق من ال تع ّلمه
ّ وخيار م�ساملة
ُ واحللول،
اخلربة والتجربة.
ال وح ّق ًا� ،أنّ ما �أُ ِخ َذ بالقوة؛ ال ميكن �أن ي�سرت َّد �إال بالقوة ،وما جاء
وفع ً
14
يتحرر
َّ التحديات .والأق�صى �أكر ُم على اهلل و�أع ّز من �أن
ّ تبدده � ُّ
أقل باملفاو�ضات ّ
قدم الأحياء؛
هره �أكرم ما ُي ِّ
�إال بالدماء وال�شهداء ،فهذا م�رسى �أعظم الأنبياء ،و َم ُ
الدماء ..وال نامت �أعني اجلبناء..
ّ
د�.أحمد نوفل
�أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية
يف اجلامعة الأردنية
عمان ـ الأردن
15
ِّ
مـقـدمــة
الناظر �إىل حال العمل الثوري واجلهادي يف فل�سطني على مدار العقود
َ �إنَّ
ال�سابقة ،يجده قائم ًا على التطور الع�شوائي ،معتمداً على الكثري من اجلهود
الفردية واملبادرات الذاتية ،ما يجعله مفتقراً �إىل النظرات التحليلية والتقييمية
غالب ًا ،فالتجارب الثورية ـ رغم غزارتها ـ متر مرور الكرام من غري توثيق �أو
حتليل ،فرتى مئات بل �آالف العمليات الع�سكرية تُنفذ ومتر ب�إجنازاتها و�أخطائها
جتد من يتوقف عندها فيدر�سها وي�ستخل�ص النتائج منها ،ثم ي�ضعها بني
دون �أن َ
�أيدي العاملني لال�ستفادة منها.
لذا ،ف�إن كثرياً من ال�سلبيات ا ّلتي واجهت العمل الوطني الفل�سطيني ال زالت
متكررة ،وما زال ال�سقوط عند «الع�صافري» ي�شكل ن�سبة كبري ًة من االعرتافات،
ّ
وال زالت االغتياالت تُنفَّذ بحق املقاومني بنف�س الطريقة ،ودومنا يقظة �أو
مراجعة حقيقية مت�أ ّنية.
�إنَّ الثورة الفل�سطينية حتتاج �إىل مفكرين ميتازون بعقول نرية ،لهم جتارب
عملية ثرية يدعمونها بدرا�سات متعمقة لثورات العامل امل�شابهة ،الأمر الذي
الكم الهائل من التجربة والتاريخ الثوري يف فل�سطني ،و�إنني
ي� ّؤهلهم �إىل درا�سة ّ
�أ� ّؤكد �أنّ وجود مثل ه�ؤالء املفكرين ،ي�ضمن جتاوزاً للكثري من ال�سلبيات التي
تكر َر الوقوع فيها ،وي�سمح بالتخطيط امل�ستقبلي البديل عن االندفاع الع�شوائي
َّ
الذي ن�شهده كثرياً للأ�سف.
لن جنلد ذاتنا ،فاملقاومة حقّقت من الإجنازات ما نفخر به� ،إال �أنّ الأمل
معقود عليها لتكون �أكرث قوة و�أبلغ �أثراً ،و�أدق تخطيط ًا ،و�أكرث ا�ستفادة
وا�ستثماراً للخربات.
فخبرِ ُت
لقد ا�ستمعت يف �سجني �إىل مئات التجارب اجلهادية الق�ساميةَ ،
متكررة وم�ستمرة ،وقد
ّ الكثري من الأخطاء التي تقع فيها ،وللأ�سف ف�أغلبها
وا�ست�شهدت بها مبا يتوافق مع الأبواب
ُ ا�ستفدت من بع�ضها يف هذه الدرا�سة،
ُ
التي �سنطرقها.
�أ�س�أل اهلل العظيم �أن يكتب لهذا العمل القبول ،ويجعل فيه اخلري والنفع
والفائدة ،و�أن يكتبه يف ميزان ح�سناتنا يوم نلقاه� ،إنه �سميع جميب.
18
19
متهيد
20
21
متهيد
جي�شنيِ
َ بينما احلروب النظامية (الكال�سيكية) ،ف�إنها تقوم على تقابل
نظامينيِ �أو �أكرث ،تدور بينهم معارك ع�سكرية كبرية ذات طابع معلوم ،وتعتمد
َّ
هذه احلرب على نظام اجليو�ش يف التعبئة والتنظيم والقتال ،وا�ستخدام ال�سالح
خمتلف
ٌ ٌ
�شكل الثقيل من املدفعية والدبابات والطائرات وال�سفن احلربية .فهي
من التكتيكات واخلطط والآليات ،تختلف يف �أهدافها وو�سائلها و�أ�ساليبها
وميزاتها ومبادئها التي ت�ستند �إليها.
22
وتوجهه
ّ وحرب الع�صابات ت�ستند �إىل حركة �سيا�سية تقود العمل املقاوم
تقيم �أداءه ،وتقطف ثماره .هذه احلركة تقوم
الوجهة التي ر�سمتها لنف�سهاّ ،
بوعي ال�شعب ليكون قادراً
ِ �سيا�سي يرقى
ٍّ وعي
ٍ بخلق
ِ مبوازاة العمل املقاوم
على حمل �أعباء وتبعات الثورة .فحرب الع�صابات هي ذراع ع�سكري حلركة
ال�شيوعية هي
ّ �سيا�سية ،وهذا ما �أثبته (ماو) يف مبادئ ثورته حني قال�« :إنّ
القائد ُة حلرب الع�صابات ّ
ال�صينية»(.)1
حترري ًا طارداً
فمتعددة :منها ما كان دافعه ّ
ّ �أما دوافع حرب الع�صابات
لالحتالل؛ كما الثورة الفل�سطينية والثورة اجلزائرية ،ومنها ما كان هدفه
التخل�ص من الدكتاتورية؛ كالثورة ال�صينية والكوبية ،ومنها ما كان لدوافع
البا�سكية
ّ انف�صالية؛ كثورة الأكراد على احلدود الرتكية العراقية الإيرانية ،والثورة
املم َّثلة بحركة (�إينا) االنف�صالية.
جي�ش
وحرب الع�صابات كما ذكرنا تكون بني طرفني غري متكافئني ،الأول ٌ
ذات كيانٍ و�سيادة ،ميلك عتاداً ثقي ً
ال و ِف َرق ًا وت�شكيالت نظامي يتبع لدول ٍة ِ
ٌّ
مكون ٌة من �أفراد ال ميلكون �إال
فمجموعات مقاتل ٌة َّ
ٌ مقاتلة� ،أما الطرف الآخر
�سالح ًا خفيف ًا مدعوم ًا بالإميان والإخال�ص يف االنتماء.
التي يفر�ضها الطرف ال�ضعيف ،وبالتايل يتخ ّلى هذا اخل�صم عن تفوقه الهائل،
وال ي�ستطيع اال�ستفادة منه كثرياً.
وقد تكون حرب الع�صابات تكتيك ًا ،فتكون �إحدى طرق القتال امل�ساندة
للقتال التقليدي الدائر بني جيو�ش نظامية ،فت�ستخدم هذه اجليو�ش �أ�ساليب
قتالية حمددة تخو�ضها وحدات خا�صة مدربة على هذا اللون من القتال ،تقوم
ب�أغرا�ض حمددة؛ كوحدات من الكوماندوز .ويف ذات الإطار ،قد تعمد بع�ض
الدول املتحاربة �إىل خلق ع�صابات غري نظامية كي تخد َم �أغرا�ضها.
لقد �أُطلق على حرب الع�صابات عاملي ًا ا�سم (جاريال) ،وهي كلمة التينية
تعني (احلرب ال�صغرية) ،ولأنه م�صطلح عاملي يعرب عن م�صطلحات اجلهاد
والثورة واملقاومة والن�ضال واالنتفا�ضة ،ف�سن�ستخدمه نحن يف درا�ستنا.
ال�سلبية
ّ حمببة �إىل النف�س الرتباطها ببع�ض املعاين
وقد تكون الع�صابة كلمة غري َّ
ال�سلبية يف حقيق ِتها وجوهرها ،فقد وردت
ّ يف الأذهان� ،إال �أنها لي�ست بالكلمة
«اللهم �إنْ تهلك هذه الع�صابة من
َّ حديث لر�سول اهلل [ يف �صحيح م�سلم:ٍ يف
�أهل الإ�سالم؛ ال تُعبد يف الأر�ض».
24
ملحة تاريخية:
ُعد حرب الع�صابات �صورة قدمية من �صور ال�رصاع� ،سبقت احلرب النظامية
ت ُّ
يف وجودها ،ذلك �أن النزاعات وال�رصاعات بد�أت بني قوات غري نظامية،
ثم �أخذت هذه القوات ت ُِـع ُّـد نف�سها ،وتزيد من قدرتها وترفع من كفاءتها،
وت�ضاعف من قواتها ملواجهة الهجمات امل�ضادة والرد عليها ب�رسعة وقوة،
وت�شن هجمات ا�ستباقية خاطفة ،فبد�أت ت�شكل القوات �شبه النظامية ،ومن ثم
النظامية ،لتتحول ال�رصاعات �إىل حرة نظامية ت�شبه واقع احلال هذه الأيام.
ولقد بد�أت حرب الع�صابات على �شكل غارات خاطفة ومتكررة بني مقاتلي
أرا�ض جديدة �إىل
ول�ضم � ٍ
ِّ القبائل املختلفة يف م�ساع لل�سيطرة على الكلأ واملاء،
ممتلكات القبيلة وزعيمها ،وا�س َتخدمت هذه الغارات بع�ض الأ�ساليب البدائية
عنا�رصها بقيت
َ والفر ،والتمويه واملباغتة � ،اّإل �أن
ّ كالكر
ِّ حلرب الع�صابات؛
غري مكتملة ،فال تنطبق عليها مبادئ حرب الع�صابات املعا�رصة ب�شكل فعلي.
ومن �أ�شهر حروب الع�صابات القدمية يف تاريخنا العربي( :حرب الب�سو�س) ،و
(داح�س والغرباء) .ثم جاءت جتارب حروب الع�صابات يف ع�رص النبوة ،ومن
�أبرزها جتربة ال�صحابي اجلليل (�أبو ب�صري).
ومن الأمثلة املعا�رصة التي انت�رصت فيها حرب الع�صابات على عدوها:
الثورة ال�صينية يف مواجهة الدكتاتورية الداخلية واال�ستعمار الياباين ،والثورة
الفيتنامية يف مواجهة الواليات املتحدة الأمريكية ،والثورة اجلزائرية يف وجه
الكوبية يف وجه الدكتاتور ّية املدعومة خارجي ًا،
ّ اال�ستعمار الفرن�سي ،والثورة
والثورة الأفغانية يف وجه ال�سوفييت.
***
26
27
مدار�س
ُ
الع�صابات
َحرب ِ
28
29
وهذا الن�ص هو( :من جاء �إىل املدينة من �أهل مكة ُم�س ِلم ًا فعلى امل�سلمني
ر ّده �إىل �أهله� ،أما من جاء �إىل مكة من �أهل املدينة م�رشك ًا فلي�س على �أهل مكة
رده)..
يفر من قيده
ولقد ا�ستطاع ال�صحابي املجاهد عتبة بن �أ�سيد (�أبو ب�صري) �أن َّ
كبله به خا ُله ،الأخن�س بن �رشيفَّ ،
وفر �إىل مدينة ر�سول اهلل [ ،و�أقام فيها الذي ّ
�أيام ًا بني �إخوانه م�رسوراً بدينه �سعيداً ب�إميانه ،وملا علمت قري�ش بذلك �أر�سلت من
وحدثوا ر�سول اهلل بذلك ،فما كان من ر�سول اهلل [
امل�رشكني من ير ّده �إليهمّ ،
وفا ًء للعهد �إال �أنْ ر ّده �إليهم على َكر ٍه من ال�صحابة.
ويف طريق العودة ،احتال �أبو ب�صري على ُح ّرا�سه ،فقتل �أحدهما ،بينما
ّ
متكن الثاين من الفرار �إىل املدينة ،فتبعه �أبو ب�صري ..وهناك مل يجر�ؤ امل�رشك
على ا�صطحاب �أبي ب�صري معه ثانيةً ،بعد ما ر�أى ما ح�صل ب�صاحبه ،وعندها
�أوم�أ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�إميائة خفية التقطها �أبو ب�صري و�سارع �إىل
تنفيذها ،فقال عليه ال�سالم «ويح � َّأمه! ُي�سعر حرب ًا لو كان معه رجال» ..فانطلق
فار بدينه من �أر�ض الكفر ،حتى
وكل ٍّ َ
الرجال َّ �أبو ب�صري �إىل �أر�ض حمايدة يجمع
جتمع لديه جمموعات مقاتلة ،واتخذت لنف�سها قاعدة ع�سكرية قريبة من �ساحل
ّ
البحر.
31
ثم بد أ� بالإغارة على قوافل امل�رشكني و�سلبها ،حتى ت�رضرت جميع قوافلهم،
وفقدوا الأمان حتى على �أنف�سهم ،فما كان من م�رشكي مكة �إال �أن بعثوا بوفدٍ
�إىل ر�سول اهلل [ يف املدينة يطلبون منه �أن يتنازل عن ال�رشط الذي و�ضعوه هم،
وهو ال�رشط الذي ذكرناه �آنف ًا .وبذاك حق َّق �أبو ب�صري هدفه ،وعاد جند الإ�سالم
�إىل مع�سكرهم و�إىل مدينة ر�سول اهلل [ والن�رص ي�سري بركبهم(.)1
االغتياالت:
ولقد ا�ستخدم ر�سول اهلل [ مبد أ� االغتياالت يف العديد من املرات التي ر�أى
ويفت من ع�ضد امل�رشكني
ّ فيها �أنه احلل الأمثل ،فيحقن بذلك دماء امل�سلمني
ويدب اله َل َع يف قلوبهم ،وقد حققت عمليات االغتيال يف
ُّ ويفرق �شم َلهم
ّ
جمملها �أهدافَها بنجاح ،ومن �أمثلة االغتياالت يف عهد النبوة؛ اغتيال (كعب
بن الأ�رشف) ،و (�سالم بن �أبي حقيق) ،و (�أبو عقل) ،و (�أبو رافع) ،و (ابن
�سنينة) ..وجميعهم يهود .و (�سفيان بن خالد الهنديل) و (ع�صماء بنت
مروان) ..وغريهم.
ونقف مع �أحد هذه الأمثلة ،وهي عملية اغتيال ر�أ�س الكفر اليهودي�( :سالم
جمع عدو اهلل (ابن �أبي حقيق) اليهو َد من حوله ،و�أخذ
َ بن �أبي حقيق) ..فقد
يحر�ض على امل�سلمني ،ومتادى يف التعري�ض بهم وب�أعرا�ضهم ،ويف �إيذائهم
ّ
بكل و�سيلة ممكنة ..ولذا كان قرار قتله.
اختار ر�سول اهلل [ �أمري املجموعة مبوا�صفات خا�صة جتعله قادراً على �إنفاذ
املهمة بنجاح ،فهو (عبد اهلل بن عتيك) ،جماهد �صادق خمل�ص يف دينه� ،شجاع
ومقدام ،ال ي�ساوره الرتدد يف �أ�صعب املواقف ،ويتقن اللغة العربية ـ لغة اليهود،
وبالتايل ميكنه التعامل معهم والفهم عليهم و�إفهامهم �إن لزم الأمر .ثم �إن �أمه
بالر�ضاعة يهودية ،مما يوفر له مربراً كافي ًا لدخول ح�صن اليهود ،ويوفر له ملج�أ
يف حال اقت�ضت احلاجة .وترك ر�سول اهلل [ لعبد اهلل �أن يختار جمموعته،
وذلك كي يختارهم �ضمن موا�صفاته ،فيطمئن �إليهم و�إىل قدراتهم ،ويكونوا
على توافق كامل ي�سهل عليهم �إجناح مهمتهم.
انطلق عبد اهلل و�إخوانه الثالثة �صوب ح�صن خيرب ،حيث يقيم (�سالم)،
بعد �أن جمعوا ما توفر من معلومات عن عدوهم .وكان همهم الأول دخول
احل�صن ،و�إيجاد ملج�أ �آمن بداخله ي�سمح لهم بر�صد الهدف عن قرب والقيام
بعمليتهم على ب�صرية كاملة ،فكان ات�صال عبد اهلل ب� ّأمه التي �سمحت لهم بالإقامة
يف بيتها ،وبالتايل ا�ستطاعوا دخول احل�صن ب�صحبتها ،ومن ثم �إيجاد ملج�أ ق�ضوا
فيه مد َة اال�ستعداد والر�صد ثم االنطالق .وملا جتمعت لديهم املعلومات الالزمة
والكافية لتنفيذ املهمة ،واملتوفرة عرب الر�صد واملراقبة ،و�ضع املجاهدون خطتهم،
وانطلقوا للعمل متوكلني على اهلل ،م�ستفيدين من قدرات �أمريهم ،وحتديداً يف
احلديث باللغة العربية ،حيث كانت مفتاحهم للو�صول �إىل داخل ق�رص عدو اهلل
�س
(�سالم بن �أبي حقيق) ،وهناك ا�ستطاعوا قتله واالن�سحاب ب�أمان ،دون �أن يمُ َّ
أحدهم ب�سوء(.)1
� ُ
1نور اليقني.
33
هذه ال�رسايا عملت على طريقة حرب الع�صابات يف معظمها؛ فقد اعتمدت
وال�سية .ولذا كان الأمر النبوي لقادتها ب�أن
ب�شكل �أ�سا�سي على مبد أ� املباغتة رِّ
ي�سريوا لي ً
ال ويكمنوا نهاراً ،و�أن ال ّ
يحدثوا عن وجهتهم .بل �إنه ا�ستخدم �أول
ر�سالة مغلقة ال يعلم بنو َدها وفحواها حام ُلها ،فقد �أر�سل َ
(عبد اهلل بن جح�ش)
على ر�أ�س �رسية ،ومل يخربه عن وجهته ،بل �أعطاه ر�سالة مغلقة ،وطلب منه �أن
ال يفتحها �إال بعد م�سري يومني ،و�أن يقوم بقراءتها على جنده ،ومن ثم يخيرّ ه
يف اال�ستمرار �أو االن�سحاب ،وبذلك تكون وجهة ال�سرّ ِ ّية جمهولة حتى على
جندها.
***
34
ال�صينيّة (املاويّـة):
ثانياً :املدر�سة ِّ
خللق
متعددة الأ�شكال ،موجهة ِ
ّ هي جاريال ريفية كبرية ،رافقَها �أن�شط ٌة
�سيا�سي لدى �أفراد ال�شعب ،قادها احلزب ال�شيوعي ال�صيني ،وكان هدفها
ٍّ وعي
ٍ
ال�سيطرة على احلكم ..فحاربت العدو اخلارجي ،واال�ستبداد الداخلي.
�أطلق (ماو) �رشارة الثورة يف الأرياف ،بعك�س تعاليم املارك�سية ،فقد حترك
وحر َك االحتادات الفلاّ حية
ّ من (هوتان) حني تر�أّ�س قاعدة �أول نواة ثورية،
لتحقيق هدفه ،و�أطلق عليها ا�سم( :احلرب الأهلية الثورية الأوىل).
بادر (ماو) يف �سنة (1927م) �إىل بناء جي�ش ثوري ،بهدف حترير مناطق
ي�صعب مهاجمتها ،وذلك لإقامة قاعدة انطالق على �أر�ضها ،معتمداً يف ذلك
الفارين من قيادة
على عمال املناجم والفالحني� ،إ�ضافة �إىل بع�ض اجلنود الثائرين ّ
( الكومنتانغ).
بد�أ (ماو) بتنظيم (انتفا�ضة ح�صاد اخلريف) من خالل فرقته الأوىل� ،إال �أنّ
لقي القب�ض ُ
وتكبدت قواته خ�سائر فادحة ،و�أ َ
ّ حماولته تلك ُمـ ِن َـيـت بالف�شل،
عليه ،غري �أنه متكن من الفرار.
جل�أ (ماو) �إىل اجلبال ،حيث �أن� أش� قواعد �سوثياتية ،ومناطق حكم تدير كل
35
الأمور احلياتية والع�سكرية ،ثم عمد �إىل �إن�شاء (قواعد حمراء) �أخرى ،فات�سعت
فعل عنيفة لدى (ت�شيانغ كاي ت�سك) الذي حاولت
رقعة �سيطرته ..مما �أثار ر ّدة ٍ
قواته تطويق قوات (ماو ) وجي�شه� ،إال �أن (ماو) بادر باالن�سحاب بقواته �إىل
ال�شمال الغربي ،وذلك ما بات يعرف با�سم (امل�سرية الكربى) التي ا�ستغرقت
قواته قد بد�أت بـ ()100 عام ًا كام ً
ال ،عرب فيها � 10آالف كيلو مرت ،وكانت ّ
�ألف ثائر ،وانتهت بـ (� )20ألف ثائر فقط ،حتى و�صل �إقليم (�شان �سي ).
ويف العام (1937م) كانت اليابان قد �شنت هجوم ًا على ال�صني ،فتحالف
�صد العدوان الياباين ،وا�ستمر احلال على ذلك حتى
(ماو) مع (ت�شيانغ كاي) يف ِّ
جتد َد
العام 1945م ،حتى و�ضعت احلرب �أوزارها با�ست�سالم اليابان .وعندئذ ّ
القتال بني الطرفني؛ ال�شيوعي بقيادة (ماو) ،واليميني بقيادة (ت�شيانغ ) ،وا�ستمر
القتال دائراً بني الطرفني حتى العام 1949م ،حيث ا�ستطاع ال�شيوعيون
االنت�صار ،والتج أ� (ت�شيانغ ) �إىل جزيرة تايوان و�أقام حكومة ال�صني الوطنية.
ووا�ضع �أُ ِ
�س�سها، َ مفكر الثورة ال�صينية،
َ ِـر (ماوت�سي تونغ)،
هذا وقد اع ُتـب َ
حتى ُ�س ِّميت منظومة �أفكار الثورة ال�صينية بـ (املاوية) ن�سب ًة له ،ومن الكتب التي
و�ضعها يف هذا املجال« :امل�شكالت اال�سرتاتيجية للحروب الثورية يف ال�صني»
و «يف احلرب طويلة الأمد» ،و «امل�شكالت اال�سرتاتيجية حلرب الأن�صار �ضد
اليابان»� .إ�ضاف ًة �إىل عدد �آخر من امل�ؤ َّلفات التي �أ�صبحت مدر�س ًة �أ�سا�سي ًة من
مدار�س حرب الع�صابات احلديثة(.)1
-3ال�رضبة اال�سرتاجتية :تتغري الثورة لت�صبح جي�ش ًا نظامي ًا وتُنزل بالعدو �رضبة
قوية لتحقِّق الن�رص.
�أ -ع�سكري ًا ومنهجي ًا :العمليات التكتيكية ت�أخذ بعداً ا�سرتاتيجي ًا ،واملراحل
تعطي اجلاريال القدرة على زيادة خلق املبادرة والزيادة التدريجية يف
حجم العمليات.
ب -نف�سي ًا و�أيدولوجي ًا :اجلاريال تبث روح الأمل يف نفو�س ال�شعب
واملقاتلني ،فترُ ِيهم ال�ضوء يف نهاية النفق ،فيفهمون �أن الأمل واملعاناة
والت�ضحية �سيكون لها ثمار ونتائج(.)1
ويرى (ماو) �أن حرب الع�صابات تتنا�سب مع الدول الوا�سعة كال�صني ،التي
حررت مقاطعة (ينالدا) ف�أ�صبحت مركزاً لها.
كما يرى �رضورة االعتماد على الذات من الناحية اللوج�ستية ،بحيث يكون
�سالح الثورة غنيم ًة من عدوها ،حيث يقول« :مع�سكر دعمنا يف وا�شنطن،
و�ضابط التوريد الذي ينقله لنا هو ت�شانغ كاي �شك».
و�أخرياً ،ف�إن من املبادئ التي �أكد عليها (ماو) كذلك ،هو �أنه ال جناح للثورة
�إال باالعتماد على الفالحني.
***
وفور خروج كا�سرتو من ال�سجن ،توجه �إىل املك�سيك ،وهناك جمع بع�ض
ودرب �أتباعه ،وعاد
عدتهّ ،
�س معهم حرك َة ( 26متوز) ،ثم �أعد ّ
�أن�صاره ،و� ّأ�س َ
بهم على ظهر �سفينة (غرانا) ،ي�صحبه ( )81منا�ض ً
ال� ،أبر ُزهم املنا�ضل املعروف
(ت�شي جيفارا).
وقد �أطلق ال ُّثوار ال�رشار َة الأوىل لثورتهم من جبال (�سريا ماي�سرتا) ،حتت �شعار
38
(�سنعي�ش هذه ال�سنة �أحراراً �أو منوت �شهداء) .ويف نهاية العام كان الفالحون قد
ا�ستجابوا للثورة ،ثم ا�ستجابت جبهات �أخرى يف جبال (دوليكامرياي) ويف
وهبت الثور ُة يف كامل القطاعات
�شمال (�سانتياغو) ...وهكذا ا�شتعلت البالدّ ،
واملناطق.
بد�أت الثورة يف �أيامها القا�سية بالزحف �إىل اجلبال �صوب املدن ،و�رشعت
يف دخول املدن وفتحها دومنا عناد كبري ،بدءاً من مدينة (�سانتاكالرا) التي فتحها
(ت�شي جيفارا) ،وانتها ًء بالعا�صمة (هافانا) التي فُتحت على يد( فيدل كا�سرتو)
يف مطلع عام (1959م).
ُيذكر �أن ت�شي جيفارا حاول نقل التجربة �إىل (بوليفيا) ،فانتقل �إليها ب�صحبة
جمموعة من الثوار� ،إال �أنه ف�شل يف ذلك لعدم قدرته على جمع ال�سكان حوله،
فانتهت ثورته بعد (� )11شهراً مبقتله يف �أكتوبر عام .)1(1967
كونت القواعد املتحركة التي تعمل على ن�رش الأفكار وتوجيه املقاتلني الذين
ّ
ينت�رشون بني ال�سكان.
-اعتمدت الثورة على تنفيذ عمليات ت�شكل الدعاية امل�سلحة التي تُعر�ض
ِي�س تخلق �أجوا ًء وظروف ًا �سيا�سي ًة و�إعالمية ،وحت�شد
أداة تَ�سي ٍ
�أمام العامة ك� ِ
الب�سطاء �أكرث ت�أثراً بالبطوالت والأعمال
الأن�صار والثوار ،فكان الفالحون ُ
من الأفكار والأقوال.
-مل تعتمد على وجود مراحل حمددة ووا�ضحة النت�صارها.
�رضب من املغامرة
ٌ حقيقي ًا مل�شقّات الثورة ،فهي
ّ -يعترب البع�ض �أنها ال تقيم وزن ًا
غري املح�سوبة ،والتي تقود �أ�صحابها �إىل النهاية امل�أ�ساوية ،كما حدث مع
جتربة 26متوز.
-نادى (كا�سرتو) ب�إمكانية بدء الثورة يف كل زمان ومكان مبجرد وجود ثور ّيني
�سماهم هو با�سم (ب�ؤرة الثورة) ،ودون احلاجة النتظار
م�ستعدين للقتالّ ،
ّ
ظروف ثور ّية مواتية.
يف العام (1963م) عملت �أمريكا على �إ�سقاط نظام (نغودين يام)،
وو�ضعت قوتها يف امليزان ،ثم تبع ذلك �سل�سلة انقالبات ع�سكرية زعزعت
40
احلكومة الثورية امل�ؤقتة بهجوم ع�سكري كبري ووا�سع النطاق على طول احلدود
الكمبودية الفيتنامية يف نهاية عام 1974م ،ومل ي�أت �شهر ني�سان من العام
(1975م) حتى وقعت املدن الرئي�سية يف فيتنام بيد الثوار ،وكان احلدث الأهم
�سقوط العا�صمة �سايغون بيد الثوار ،فغيرّ وا ا�سمها �إىل (هو�شي من)(.)1
***
القوميني
ِّ انطلقت �رشارة الثورة يف 1954/11/30م ،والذي ي�صادف عيد
القدي�سني عند الأوروبيني ،حيث بد�أت مبجموعات م�سلحة �صغرية ،متلك بع�ض
ِّ
الأ�سلحة البدائية ،ثم �أعلنت عرب بيانٍ لل�شعب اجلزائري عن هدفها ،ودعت �أبناء
ال�شعب لالن�ضمام �إليها.
وقد دخلت الثورة اجلزائرية �أربع مراحل حتى و�صلت �إىل التحرير:
فتح جبهات متعددة ،وحاول قطع ويف املقابل ،اعتمد جي�ش التحرير َ
خطوط �إمداد اجلي�ش الفرن�سي ،وقد �أعلن الثوار يف هذه املرحلة عن حكومة
م�ؤقتة برئا�سة (فرحات عبا�س).
كما �أعلن (ديغول) خالل ذلك عن اعرتاف فرن�سا بحق اجلزائر يف تقرير
يتم بني احلكومة الفرن�سية واحلكومة اجلزائرية
م�صريها ،وكان التفاو�ض وقتها ُّ
امل�ؤقتة.
43
وفع ً
ال ،توقّف القتال يف 1962/3/19م .وكان الأول من متوز يو َم ا�ستفتاء
اجلزائري ل�صالح اال�ستقالل ،وكان ان�سحاب اجلي�ش
ُّ ال�شعب
ُ ف�صو َت
ّ �شعبي،
الفرن�سي يف 1962/11/5م ،وهو ذات التاريخ الذي دخلت فيه فرن�سا اجلزائر
قبل ( )130عام ًا.
***
أح�س ال�شعب الفل�سطيني �أن املهاجرين اليهود بد�ؤوا م�رشوع ا�ستيالء على
� َّ
الأر�ض ،خ�صو�ص ًا بعد �صدور (وعد بلفور) امل�ش�ؤوم ،الذي ّ
قدمت فيه بريطانيا
تعهداً ب�إقامة (وطن قومي) لليهود يف فل�سطني ،فبد أ� ال�شعب عمليات احتجاج
ورف�ض للهجرة والوجود اليهودي يف فل�سطني ،و َّمت تقدمي �شكوى للباب العايل
ثم �إىل املندوب ال�سامي� ،إال �أن ذلك مل ي�ضع حداً للهجرة اليهودية �أو املمار�سات
اال�ستعمارية املتمثلة باغت�صاب الأر�ض وبناء امل�ستوطنات والإف�ساد والتحر�ش
الهبات ال�شعبية العفوية ،كثورة (النبي مو�سى) ،و(ثورة
بال�سكان ..لتبد�أ بعدها ّ
يافا) و(ثورة الرباق) ،والتي جاءت بغالبها كر ّدات فعل غري من�سقة على
املمار�سات الربيطانية واليهودية.
ويف العام (1936م) دخلت البالد حالة �إ�رضاب وع�صيان ا�ستمر �ستة �أ�شهر،
عيد انتهائه دخلت اجلماهري ثورة
كان له �أثر كبري يف حتريك ال�شارع وحت�شيده ،و ُب َ
( )1936ال�شهرية ،والتي ا�ستمرت ثالث �سنوات ،خا�ضت خاللها املقاومة
الفل�سطينية حرب ع�صابات �رش�سة ،وقدمت الت�ضحيات واجلراحات ،و�أثخنت
يف عدوها� ،إال �أن اخليانة العربية حالت دون جناحها(.)1
دخلت فل�سطني احلرب عام (1948م) ،وتقدمت اجليو�ش العربية ـ �شكلي ًا
ـ نحو فل�سطني ،وا�شتبكت مع القوات ال�صهيونية يف عدة مواقع ،وتقدمت
كتائب املتطوعني من الإخوان امل�سلمني وغريهم ،فقاتلوا بب�سالة و�رضاوة ،و�أبلوا
بال ًء ح�سن ًا ،وا�ستخدموا فنون حرب الع�صابات بنجاح� ،إال �أن اخليانة العربية
�أط ّلت من جديد؛ حيث ان�سحبت اجليو�ش العربية من �أر�ض املعركة ،واعتقلت
وزجت بهم يف ال�سجون( ،)2ف�سقط ( )%78من الأرا�ضي الفل�سطينية
املتطوعنيّ ،
بيد االحتالل الإ�رسائيلي ،والذي �أعلن قيام دولته يف 1948/5/15م.
عا�ش ال�شعب الفل�سطيني بعدها حال ًة من ال�ضياع والت�رشيد ،ومل يجد من
الدول العربية االهتمام الكايف بق�ضيتهّ ،
وفكر العرب بت�شكيل ج�سم ميثل ال�شعب
الفل�سطيني فيلقون على كاهله م�س�ؤولية الق�ضية ،فكان ت�شكيل منظمة التحرير
الفل�سطينية عام ( )1964برئا�سة (�أحمد ال�شقريي) ،وت�شكلت حركة فتح التي
قادت املقاومة يف ذلك احلني ،تبعها ت�أ�سي�س اجلبهتني ال�شعبية والدميقراطية،
و�أحزاب �أخرى� ،شك ّلت مبجموعها منظومة املقاومة الفل�سطينية امل�سلحة يف
ذلك احلني ،ونفذت مئات العمليات الع�سكرية من داخل الأرا�ضي املحتلة،
ومن الأردن ولبنان وم�رص ،خ�صو�ص ًا بعد العام (1967م) ،حيث �أ�صبحت
ني حمتل ًة ك ُّلها.
فل�سط ُ
بعد ذلك ،دخلت املنظمة مرحلة (�أو�سلو) التفاو�ضية ،والتي خا�ضت حركة
فتح من خاللها عملية تفاو�ضية طويلة ،متخ�ضت عن اتفاق هزيل ،ا�سرتجعت
فيه جزئيات من الأر�ض ،واعرتفت بحق (�إ�رسائيل) بباقي الأرا�ضي الفل�سطينية،
وبذلك تنازل من ال ميلك ،ملن ال ي�ستحق.
لكن املقاومة بقيت م�ستمرة بوترية معتدلة ،قادتْها حركة حما�س ،التي
ّ
املقاومة� ،إىل �أن اندلعت انتفا�ضة الأق�صى يف
�أ�صبحت كربى احلركات الوطنية ِ
ُعد �أعنف الثورات الفل�سطينية ،و�أكرثها ع�سكريةً،
العام (2000م) ،والتي ت ُّ
قدم خاللها ال�شعب الفل�سطيني �آالف ال�شهداء� ،إ�ضافة �إىل
ل�سنوات ّ
ٍ وا�ستمرت
املهدمة ،و�أ�صابت من العدو
ع�رشات الآالف من اجلرحى والأ�رسى والبيوت َّ
تكبدها
�أكرث من �ألف قتيل ،عدا عن عدد كبري من الإ�صابات والأ�رضار التي ّ
العدو ،ما دفع االحتالل ال�صهيوين لالن�سحاب من قطاع غزة.
47
ولقد ا�ستطاعت املقاومة تطوير �أدائها ،ورفع كفاءة مقاوميها ،فبالإ�ضافة �إىل
عمليات �إطالق النار وعمليات التفجري التقليدية التي متيزت بقوتها و�رشا�ستها؛
ا�ستطاعت املقاومة �إنتاج �سالح �صاروخي فل�سطينيُ ،عرف با�سم (�صاروخ
دب الرعب يف قلب الكيان ال�صهيوين بكافة قطاعاته.
الق�سام) ،والذي َّ
ّ
كذلك فقد ابتكرت املقاومة ما ُعرف با�سم (حرب الأنفاق) ،التي امتاز بها
قطاع غزة ،وغري ذلك من الأ�ساليب التي �أظهرتها بقوة غري معهودة �سابق ًا ،وقد
ّ
�شكل (قطاع غزة) بعد االن�سحاب ال�صهيوين منه قاعد ًة ثوري ًة �أنتجت قو ًة ثوري ًة
َّ
منظمة ،ا�ستطاعت ت�صنيع ال�سالح ،و�إعداد الرجال ،وتوجيه ال�رضبات امل�ؤملة �إىل
عدوها ،فكانت قفز ًة نوعي ًة يف العمل الفل�سطيني املقاوم.
48
مقارنة:
وال�ستفاد ٍة �أعمق من جتارب ومدار�س العامل يف حروب الع�صابات؛ جنري
هذه املقارن َة بينها وبني احلالة الفل�سطينية:
ـ لي�س لها مراحل. ـ لي�ست لها مراحل ـ لها مراحل حمددة. تعدد املراحل:
ـ ّ
(ع�شوائية)
-فالتجربة ال�صينية اعتمدت ب�شكل �أ�سا�س على �سعة الرقعة اجلغرافية التي
متتاز بها ال�صني ،مما ّ
مكن الثورة هناك من االبتعاد عن مركز قوة النظام ،و�إقامة
مع�سكرات تدريب و�إعداد ،وت�شكيل جبهة خلفية داعمة ل�صفوف املقاومة
املتقدمة ،وكان ذلك يف مقاطعة (نيان) ..بل �إن الثورة بقيادة (ماو) عندما
فر (ماو) ومعه جي�ش قوامه ع�رشات
تعر�ضت لهزمية نكراء يف بادئ الأمر؛ َّ
الألوف من املقاومني ،وقاموا باالن�سحاب الذي ُعرف با�سم (الهروب
الكبري) ،م�ساف ًة ت�صل �إىل ع�رشة �آالف كيلو مرت مبتعداً عن خ�صمه.
احلرب �إىل جانب قوات الثورة (�ألفيت كونغ) .فكانت احلرب يف الكثري
من الأحيان حرب ًا نظامية ،تدعمها حرب ع�صابات من الداخل ،ا�س ُتخدمت
فيها الأ�سلحة الثقيلة واملواجهات ال�رش�سة الوا�سعة ،بالإ�ضافة �إىل (القر�صات)
ال�صغرية هنا وهناك ..وقد ذكرنا �أن هجوم (تت) ال�شهري �سقط فيه من الثوار
واجلي�ش الفيتنامي ال�شمايل حوايل (�23ألف) مقاتل ،ومن اجلي�ش الأمريكي
والفيتنامي اجلنوبي ثالثة �آالف جندي ،فكم �سيكون حجم القوات امل�شاركة
يف ذلك الهجوم؟ وما هي الأ�سلحة امل�ستخدمة فيه من كال الطرفني؟!
ثم �أين �شعبنا الفل�سطيني من ذلك ،ففي الوقت الذي حاول فيه ال�شعب
الفل�سطيني العمل من خارج �أر�ضه تعر�ض للم�ؤامرات ،فقد �أنهى النظام الأردين
الوجود الفل�سطيني امل�سلح من الأر�ض الأردنية التي ت�شكل االمتداد الطبيعي
لفل�سطني و�صاحبة �أطول حدود معها ،متذرع ًا بالأخطاء التي وقعت فيها ف�صائل
املقاومة الفل�سطينية ،ومت طردها بعد حرب دامية قُتل فيها الآالف من الطرفني،
هي حرب (�أيلول).
ثم انتهى الوجود الفل�سطيني يف لبنان بعد ح�صار بريوت عام (1982م)،
ومل يقف �أي جي�ش عربي مع املقاومة الفل�سطينية ليقاتل معها �أو يحت�ضنها
تلق املقاوم ُة من هذه اجليو�ش �سوى
لت�شكل �أر�ضه نقطة انطالق لها ،ومل َ
امل�ؤامرات واخلذالن.
لقد ان�سحب اجلي�ش الإ�رسائيلي من �أر�ض �سيناء ومن جنوب لبنان �إىل الأر�ض
التي يدعي �أنها �أر�ضه ،ثم ان�سحب جزئي ًا من ال�ضفة الغربية وقطاع غزة �إىل
53
مربعه الأخري ،ومل يعد ميلك الكثري من اخليارات ،ولذا ف�إن �رصاعه الآن �رصاع
وجود ،ونحن على ثقة ب�أنه �سيزول ب�إذن اهلل.
***
54
55
ُ
أهداف �
حرب الع�صابات
ِ
56
57
ا�ستنزاف العدو اقت�صادياً و�إرهاقه مادياً� ،سواء كان ذلك ب�رضب من�ش�آته
االقت�صادية� ،أو زعزعة موارده ال�سياحية� ،أو تكبيده اخل�سائر املادية� ،أو جعله
م�ضطراً لإنفاق مبالغ طائلة يف م�ساعيه حلفظ �أمنه والق�ضاء على املقاومة.
لقد كان االقت�صاد ال�صهيوين مرهون ًا بارتفاع وانخفا�ض وترية العمل املقاوم،
إ�رسائيلي ب�أن اقت�صاده و�صل �إىل �أدنى م�ستوى له منذ َعقدٍ ،
ُّ ُّ
املحتل ال وقد اعرتف
وذلك يف العام( 2002ـ 2003م) ،وذلك عندما كانت املقاومة تنال منه ومن
مدنه ومغت�صباته ومن�ش�آته ،فقد بلغت ن�سبة منو اقت�صاده يف العام (1999م)� ،أي
قبل انتفا�ضة الأق�صى بعام ،ن�سبة ( ،)%8وهي من �أكرث الن�سب ارتفاع ًا يف العامل،
الت�ضخم (� ،)%7.5أي برتاجع مقداره
ّ �أما يف العام (2003م) ،فقد بلغت ن�سبة
( )%15.5عن �سنواته ال�سابقة(.)1
-فقد ك ّلفته الأن�شطة الع�سكرية جلي�شه موازنات �ضخمة ،و�صلت �إىل ب�ضعة
االحتياطيني،
ّ ماليني من ال�شواكل يومي ًا ،وخ�صو�ص ًا بعد ا�ستدعاء �آالف اجلنود
�إ�ضافة �إىل ما يلزمه من �سالح وعتاد وم�صاريف.
فقد �أعلنت قناة �إ�رسائيل الثانية بتاريخ 2005/2/22م �أن �سيارة تُ�رسق
كل ( )17دقيقة� ،أي مبعدل (� )30ألف �سيارة �سنوي ًا( ،)2وميكننا �أن نتخيل كم
�سيكون جمموع خ�سائره �إذا ما قي�س مبثل هذا البند.
�1صحيفة (يديعوت �أحرنوت) ،العدد ال�صادر يف 2007/2/23م« :حت�صل �إ�رسائيل على م�ساعدات �سنوية من
�أمريكا بقيمة ( )2.4مليار دوالر ،لكنها قبل �أربع �سنوات ب�سبب االنتفا�ضة وموجة الأعمال الإرهابية طلبت من
�أمريكا قر�ض ًا بقيمة ( )9مليار دوالر� ،إ�ضافة �إىل مليار واحد غري م�سرتد».
2قناة �إ�رسائيل الثانية ،يف 2005/2/22م.
59
ا�ستنزاف العدو �سيا�سياً ،وك�شف الوجه احلقيقي لال�ستعمار وتعريته �أمام العامل:
ففي الوقت الذي يقوم فيه الثوار ب�رضب العدو والإثخان به ،ف�إنه �سري ّد على ذلك
بوح�شية وهمجية؛ فريتكب املجازر ،وينتهك احلقوق ،ويقرتف املحرمات،
وبهذا ي�ضع نف�سه يف املكان احلقيقي الذي يقفه ،ويك�شف القناع املز ّيف الذي
يلب�سه مدعي ًا الدميقراطية والعدالة.
60
ولقد ا�ستطاعت املقاومة العراقية �أن متار�س مع اجلي�ش الأمريكي هذا الدور،
فكلما جنحت املقاومة يف �رضب خطوط اجلي�ش ووحداته ،كانت طائراته
وقواته ترد بقوة �ضد املدنيني الآمنني ،فتقتل الن�ساء والأطفال ،وتفتح ال�سجون
لتزج بع�رشات الألوف من الأبرياء بها ،ثم تبد أ� ف�ضائحها بالظهور على و�سائل
الإعالم ،كف�ضيحة �سجن (�أبو غريب) و(غوانتانامو) وغريهما...
� 20« 1ألف يهودي يرتكون البالد �سنوياً ،وهو �أكرث من الهجرة �إىل البالد يف هذا العام بـ (� )5000شخ�ص».
يديعوت �أحرنوت ،العدد ال�صادر يف 2007/4/20م.
61
تعر�ض اجلنوب
تعر�ض ال�شمال الفل�سطيني ل�صواريخ الكتيو�شا اللبنانية ،ثم مع ّ
ل�صواريخ الق�سام الفل�سطينية.
وقد �أورد الرئي�س ال�سابق جلهاز ال�شاباك الإ�رسائيلي (يعقوب بريي) يف كتابه
(مهنتي كرجل خمابرات) ق�صة تاجر الذهب الإ�رسائيلي الذي مت خطفه من مدينة
(طولكرم) على يد مقاومني من حركة (فتح) ،وكيف �أنه فور �إطالق �رساحه
ا�صطحب عائلته و�أقاربه وهاجر بهم �إىل م�سقط ر�أ�سه من حيث �أتى(.)1
وبهذا �أ�صبح ال�صهاينة ال ي�أمنون على �أنف�سهم ركوب احلافالت �أو ال�سري
دفع �رشكة احلافالت الرئي�سية (�إيغد)
يف ال�شوارع العامة والأ�سواق املكتظة ،ما َ
�إىل تنظيم حفالت غنائية داخل احلافالت ،لت�شجيع النا�س على ركوبها ،وذلك
�إثر عمليات الث�أر التي قامت بها كتائب الق�سام رداً على اغتيال املهند�س القائد
�رصحت �أجهزة �إعالم االحتالل �أكرث من مر ّة بحقيقة ما
(يحيى عيا�ش) .ولقد ّ
يعاين منه املجتمع ال�صهيوين نتيجة الفعل املقاوم ،ومن ذلك �أن الإقبال على
العيادات النف�سية ت�ضاعف مع �أحداث التفجري ،و�أنه كلما كان انفجار �صاروخ
�أو هجوم يقع م�صابون يف نفو�سهم �أكرث مما يقع م�صابون يف �أج�سادهم.
خلق ظرف مت�أزم ال خمرج منه ،وتر�سيخ قناعة لدى قادة االحتالل و�سا�سته
�أن ح ً
ال ع�سكري ًا للق�ضية لن يكون ،و�أن ال�شعب واملقاومة لن تنك�رس مهما
ال�سابق.
( 1مهنتي كرجل خمابرات) ،يعقوب بري؛ رئي�س جهاز ال�شّ اباك الإ�رسائيلي ّ
62
ا�شتدت ال�رضبات ،و�أنه على الرغم من �إمكانية �إ�ضعاف (اجلاريال) حين ًا� ،إال �أنها
لن تلبث �أن تنه�ض من جديد؛ لأنها مت ّثل ال�شعب ب�أ�رسه ،وال ميكن الق�ضاء عليها
�إال بالق�ضاء على ال�شعب ب�أكمله ،وبالتايل �إيجاد قناعة لدى العدو ب�أن خمرجه
الوحيد من �أزمته هو اللجوء �إىل التفاو�ض الذي يف�ضي �إىل االن�سحاب والرحيل.
وكذلك حتى يعلم العدو ب�أن تكلفة مت�سكه باالحتالل �أو بكر�سي احلكم باهظة
الثمن ،تفوق ما ميكن �أن يحققه ا�ستمرار اال�ستعمار من مكا�سب.
هذا ما ا�ستطاعت الثورات التي انت�رصت �أن حتقّقه ،وهذا ما �أقنعت به الثورة
اجلزائرية فرن�سا ،وهو ما و�صل �إليه الأمريكيون يف فيتنام دون �أن تُهزم جيو�شهم
يف �أر�ض املعركة ،وكذا احلال مع اجلي�ش ال�سوفييتي يف �أفغان�ستان.
�إن الهجوم ال�شهري ( )TETيف (فيتنام) ،والذي قُتل فيه �أكرث من � 32ألف
مقاتل فيتنامي �شمايل وثائر من قوات الثورة (فيتكونغ) ،مقابل (�ألف) جندي
�أمريكي و(�ألفي) مقاتل فيتنامي جنوبي موايل ،وعلى الرغم من خ�سارة الثورة
الكبرية للأرواح� ،إال �أنه ترك انطباع ًا كبرياً و�أثراً عميق ًا لدى ال�شارع الأمريكي،
وذلك لب�سالة ال�شعب الفيتنامي وا�ستعداد ثواره للت�ضحية مبثل هذا العدد الكبري
من الأرواح ،فخرج ال�شعب الأمريكي يف مظاهرات كبرية تدعو حكومتها
�إىل االن�سحاب من فيتنام ،بل �إن الرئي�س الأمريكي (ليندون جون�سن) �أعلن
عن قراره بعدم تر�شيح نف�سه ،فكان هذا الهجوم نقطة انعطاف وحتول ل�صالح
ال�شعب الفيتنامي الثائر.
ويالحظ �أنه يف اللحظة التي ي�صل فيها االحتالل �إىل هذه القناعة ،ف�إن املقاومة
تكون قد حقّقت هدف ًا �آخر ،هو وقف ّ
تو�سع االحتالل على الأر�ض ،و�إيقافه عند
احلدود التي و�صلها ،ثم حماولة ا�ستخال�ص �أي �أر�ض �أو موقع من بني يديه.
63
�إبراز عدالة الق�ضية عاملياً� :إن التزام �أ�صحاب احلق باملطالبة بحقهم،
وا�ستماتتهم يف �سبيل حت�صيله ،وت�ضحيتهم الّالحمدودة يف �سبيله؛ يجعل الأنظار
تتوجه �إليهم ،والعقول ت�ؤمن بعدالة مطلبهم .وكذا ف�إن وجود �رصاع يف �أي
ّ
بقعة يف العامل يلفت النظر �إليها ،ويثري االهتمام بق�ضيتها ،ويجرب الإعالم على
متابعتها ،فتكون الفر�صة مهي�أة ل�رشح �أبعاد الق�ضية واملظلمة الواقعة عليها،
وعدالة مطلبها...
لقد عملت جميع حركات املقاومة وجتارب (اجلاريال) على ب�سط ق�ضيتها
عرب املقاومة ،وكذا كانت الق�ضية الفل�سطينية عندما وقف الأخ (يا�رس عرفات)
لأول مرة يف العام (1994م) على منرب الأمم املتحدة عار�ض ًا ق�ضيته.
وقد قامت االنتفا�ضة الفل�سطينية بالدور خري قيام ،ودخل الإعالم بقوة
يف دعم هذا الهدف وتعظيمه و�إجناحه ،و�إنّ �صورة واحدة من �صور املقاومة
ال�شعبية لأطفال فل�سطني بحجارتهم �أغنت عن �ألف بيان و�إعالن ،ومثلها
ال�شعب
َ من الكتب وامل�ؤلفات ،ف�صورة الطفل ال�شهيد (فار�س عودة) م ّثلت
ال�شعب
َ الفل�سطيني ال�شجاع املقاوم ،و�صورة الطفل ال�شهيد (حممد الدرة) م ّثلت
64
�إ�ضاف ًة ملا �سبق ،ف�إن (اجلاريال) حتقّق جملة من الأهداف الآنية التي تخدم
الهدف الأ�سمى:
ِّـق نه�ض ًة عامة لدى ال�شعب و�صحوة يف نفو�س �أبنائه؛ فتوقظهم من
-ك�أن حتق َ
ال�سبات ،وت�رصفهم عن �سفا�سف الأمور ،وت�ؤ ّدي بهم �إىل رف�ض اال�ستعمار
ني �أو
ومقاومته ،وامل�سارعة �إىل االن�ضمام وااللتحاق ب�صفوف الثورة مقاتل َ
ني �أو م�ؤيّدين.
داعم َ
-ولعل الثورة حتقق يقظة �أ�شمل يف �إطار قطرها ،فت�ساهم يف �إحياء الأمة
وتوجيه طاقاتها و�شبابها نحو وجهة �أكرث جدية وعملية ،وتب�صرّ ها بامل�صائب
الواقعة فيها ،والأخطار املحدقة حولها ،كما فعلت املقاومة الفل�سطينية يف
نفو�س ع�رشات �آالف ال�شباب العربي والإ�سالمي.
1ـ الو�صول �إىل املرحلة احلا�سمة بحيث ت�صبح (اجلاريال) مع الزمن جي�ش ًا قوي ًا
فينق�ض على عدوه ويجهز عليه بال�رضبة القا�ضية بعد �أن يكون قد �أنهكه،
ّ منظم ًا،
وهذا عني ما ح�صل يف الثورة ال�صينية والثورة الكوبية ،وهي املرحلة الثالثة التي
ا�سرتاتيجيته الثورية ذات املراحل الثالثة.
ّ حددها (ماوت�سي تونغ) يف
أ�سلوب
ٌ وميكن �أن ُي�ضاف �إىل هذه الطريقة طريق ٌة �أخرى ،ي�صفُها البع�ض ب�أنها �
منف�صل ،وهي طريقة (حرب ال�شعلة) ،وذلك ب�أن تعمد (اجلاريال) �إىل �رضب
العدو ب�شكل متالحق ،حتى ي�ضطر �إىل الرد ب�رضبات ع�شوائية انتقامية تطال
دو ًال �أخرى يتواجد فيها عنا�رص (اجلاريال) ،فتدخل هذه الدول حلبة ال�رصاع،
فيتو�سع القتال ،وتكون نهاية العدو على يد هذه الدول بالتعاون مع (اجلاريال)،
ّ
وهذا ما حاولته الثورة الفل�سطينية لكنها مل تنجح يف الو�صول �إليه.
واحل�سم بهذه الطريقة يكون ع�سكر ّي ًا ،بجي�ش (اجلاريال) ودعم غريها،
فيكون الق�ضاء على قوة العدو و�إ�سقاط حكمه وطرده من الأر�ض.
2ـ فر�ض و�ضع ال خمرج منه ،ي�صل �إليه االحتالل بعد �أن ميار�س مع رجال
(اجلاريال) وال�شعب كل ما ميلكه من �أ�ساليب وو�سائل م�رشوعة وغري م�رشوعة،
ال وت�رشيداً وتنكي ً
ال لكن دون جدوى. فيثخن بهم قت ً
يف املقابل ،تُظهر (اجلاريال) ج َلداً و�صرباً و�إ�رصاراً ،فتقاوم التنكيل ،وتثبت
متفرقة،
قر�صات ّ
ٍ عدوها عرب
يف وجه العا�صفة ،وحتاول �أن تر ّد ال�صاع �إىل ّ
و�رضبات هنا وهناك.
ٍ
67
�إن العامل الأ�سا�سي الذي يفر�ض هذا احلل ،هو معادلة (امليزان احليوي)،
التي متيل ل�صالح املقاومة ،فرتجح على ميزان القُوى املختل ،والراجح ل�صالح
وطرد امل�ستعمر يفوق حاجة
ِ �ص ال�شعب اجلزائري على نيل حريته
فح ْر ُ ّ
املحتلِ ،
الفرن�سيني �إىل �إيجاد م�ستعمرات �إ�ضافية والبقاء يف اجلزائر كاحتالل ،ورغب ُة
ّ
ال�شعب الفيتنامي بالتخل�ص من اال�ستبداد واالنعتاق من الدكتاتوريّة يفوق
يقدم لهم الكثري.
ا�ستبدادي ال ّ
ٍّ أمريكيني على دعم نظام
ّ حر�ص ال
َ
***
68
69
قواعد
ِ ِمن
الع�صابات
حرب ِِ
70
71
اجلماعات الثائر ُة ِ
والف َـر ُق املقاتل ُة ُ انتهجـ ْتها
َ هي مبادئ عامة ،وقواعد ثابتة،
ميزت حرب وقوالب ّ
َ �سمات
ٍ ف�شكلت مبجموعها يف �ش ّتى الأ�صقاع والأزمانّ ،
تخت�ص
ّ وبع�ضها
َ بع�ضها ت�شرتك به اجلاريال مع احلروب الكال�سيكية،
الع�صاباتَ ،
به دون غريها.
َ
الـك ُّـر والـف َّـر:
وهي من �سيا�سات حرب الع�صابات على مدار تاريخها ،فاحلركة الثورية
املقاتلة ال تتخذ �شك ً
ال واحداً من الهجوم والكر واالختفاء والفر� ،أي �أنها
ال متوا�ص ً
ال بحيث ت�ضع نف�سها �أمام مواقف حا�سمة ال تهجم هجوم ًا �شام ً
وم�صرييّة ،وكذلك ال تختفي عن ال�ساحة ب�شكل كامل ال حمدود فتكون
بال ح�ضور وال ت�أثري ،بل هي دائمة احلركة مبا تقت�ضيه احلاجة وال�رضورة،
تهاجم يف اللحظة املنا�سبة ،وتن�سحب دون حرج عندما يكون االن�سحاب
�رضوري ًا.
وهي بذلك كله حتقِّق مبد�أ املباغتة واملفاج�أة ،وبذلك حتقّق �أهداف ًا مرحلية
«دفاع من �أجل
ٌ �ضمن ما يعرف ب ِـ (القر�صات املو�ضوعية) ،يقول (ماو):
72
م�شي
التقدم ،وانحنا ٌء من �أجل مواجه ٍة و�سيطرةٌ ،
وان�سحاب من �أجل ّ
ٌ الهجوم،
متعر ٌج لأجل الذهاب امل�ستقيم»(.)1
ِّ
والفر وظيف ٌة لتح�صيل الهدف الأ�سا�سي وهو االنت�صار ،وبالتايل
ُّ فالكر
ُّ �إذاً
اختيار للأ�سلوب الأمثل الذي يتنا�سب واحلالة الراهنة للجاريال .يقول
ٌ فهو
لوران�س« :على املقاتلني �أن يختفوا كالبخار» ،ويقول كلوزي�ست« :على
إجماع لدى مدار�س حرب الع�صابات على
ٌ املقاتل �أن يختفي كالغيم»� .إذن هو �
تب ّني العمل بهذا املبد�أ.
وبالعودة �إىل عمليات املقاومة الفل�سطينية ،ف�إننا نالحظ �أنها بجملها تخ�ضع
لهذا املبد�أ ،با�ستثناء العمليات اال�ست�شهاد ّية ب�أ�شكالها� ،أما الأ�ساليب الأخرى
حمددة ،وال�رضب بقوة و�رسعة ،ثم
الكر على �أهداف ّ
من املقاومة ،فقد اعتمدت َّ
يجد العدو وقت ًا ال�ستدعاء فرق م�ساعدة
االن�سحاب ب�أقل وقت ممكن؛ قبل �أن َ
ودعم .وحني مل ي�ستطع املقاومون االن�سحاب ب�رسعة من موقع الهجوم ،كان
م�صريهم اال�ست�شهاد �أو االعتقال �أو الوقوع يف م�آزق �صعبة ،كما ح�صل مع
جماهدي اخللية الأردنية على احلدود الفل�سطينية يف �إحدى عمليات الدوريات،
وقد �أوردناها يف هذا البحث.
التفوق يف القوة التي يتم ّتع بها عدوهم ..وقد �أك َرث مقاتلو حرب
ال ُّثوار �شيئ ًا من ّ
الع�صابات من ا�ستخدام �أ�ساليب خداعية يف �رضب اخل�صوم ،ومن �أ�شهر ما
كتب التاريخ يف هذا الباب؛ ق�صة (ح�صان طروادة) ال�شهرية ،والذي
تناقل ْته ُ
ا�ستخدمه اجلي�ش الروماين يف احتالل مدينة طروادة ،فقد ا�ستع�صت املدينة
عليهم �شهوراً طويلة ،و�صمدت يف وجه ّ
قواتهم ملناعة �أ�سوارها و�صمود �أهلها
خ�شبي ًا حل�صانٍ
ّ جم�سم ًا
أعدوا ّ
الرومان �إىل اخلديعة� ،إذ � ّ
فعمد ّ
َ وا�ستب�سال مقاتليها،
أعدوا
كبري ،وهم يعلمون �أن �أهل طروادة يع�شقون اخليل لدرجة التقدي�س ،وقد � ّ
اجلي�ش
ُ تظاهر
َ بع�ض اجلنود ،ثم
كمن بداخله ُ
املج�سم ب�شكل �أجوف ،حيث َ
ّ هذا
طلع ال�صباح ولي�س �أمام �أ�سوار املدينة �إال باالن�سحاب لي ً
ال من حميط املدينة ،حتى َ
املج�س َم داخل املدينة ،واحتفلوا بالن�رص ،وعند
ّ جم�سم احل�صان ،ف� َ
أدخل ال�سكانُ َّ
احلرا�س فقتلوهم،
وتوجهوا �إىل ّ
ّ امل�ساء خرج اجلنود من مكمنهم داخل احل�صان،
أ�سوار قد
فوجد ال َ َ ويف ذات الوقت كان اجلي�ش الروماين قد عاد �أدراجه،
ُف ِتحت ،و�سقطت املدينة يف �أيديهم باخلداع واحليلة ،ال بالقوة و�شدة الب�أ�س!
والناظر يف �سرية (عمرو بن العا�ص) َر ِ�ض َي اهلل عنه ،يجد ع�رشات الق�ص�ص
مكنته من اخلروج من امل�آزق واالنت�صار يف املعارك ،وهذا حال اخلداعية التي ّ
ّ
عقلي ًة خلاّ ق ًة
املميزين ،فكلما كانت القيادة للعمل املقاوم متتلك ّ
قادة احلروب ّ
مبتكر ًة ف َِطنة ،وتبتدع الأ�ساليب تبع ًا للمواقف والأحداث ومقت�ضياتها ،كان
العمل الثوري �أكرث جناح ًا وقدر ًة على اال�ستمرار والإجناز والإثخان بالعدو.
ب�ص َورٍ
�أما يف جتربتنا الفل�سطينية ،فقد ا�ستخدم املقاتلون �أ�ساليب (املخادعة) ُ
متعددة ،فتار ًة يظهر مقاتل الق�سام على طريق (رام اهلل) بلبا�س (قمباز) �أو لبا�س
ينق�ض عليهم
املارون يف املوقع به ،ويف اللحظة املنا�سبة ُّ
امر�أة ،فال َي�أبه امل�ستوطنون ّ
74
املخب�أ حتت ثيابه .وتار ًة يزرع املقاومون عبوة �صغرية يف �أحد املواقع
ّ ب�سالحه
تهدف �إىل حمل ال�صهاينة على الفرار �إىل االجتاه املعاك�س ،وهناك تكون العبوة
نف�سه داخل مقهى �صهيوين ،بينما الكبرية بانتظارهم .وتار ًة ّ
يفجر اال�ست�شهادي َ
ينتظر �صاحبه اال�ست�شهادي الآخر يف اخلارج ،ومع تدافع النا�س يتظاهر ب�أنه
من رجال الأمن ،فيبد�أ بجمع النا�س من حوله متظاهراً �أنه �سينقذهم ،حتى �إذا
وحلبية) .ورابع ًة
ّ فجر نف�سه بهم( ،كما فعل اال�ست�شهاد ّيان :بحر
جتمعوا حوله ّ
ّ
وخام�س ًة و�ساد�سة ،وكلما �أتقن املقاومون ِح َيلهم ،كان النجاح حليفهم(.)1
لقد متكن ر�سول اهلل [ وقادة الفتح الإ�سالمي من بعده من ا�ستخدام عن�رص
املباغتة على �أكمل وجه ،وتوظيفه بالقدر الذي ّ
مكنهم من ج ْن ِي االنت�صارات التي
تخطت احل�سابات املادية واملنطقية ،فقد ّ
متكن عليه ال�سالم من مباغتة م�رشكي ّ
مكة بجي�ش قوامه ع�رشة �آالف مقاتل يقف على ر�ؤو�س اجلبال املحيطة بهم،
تكرر احلال ع�رشات املرات يف ال�سرَّ ايا والبعوث واملعارك والغزوات على
وكذا ّ
مدار تاريخنا .وهو ما فعله ر�سول اهلل [ �أي�ض ًا مع يهود (خبري) عندما خرج
بجي�شه نحو (غطفان) ،ف�أوهمهم �أنه يق�صدهم فا�ستعدوا له ،بينما اطم�أ ّنت
خبري ،ومل تقم ب� ِّأي ا�ستعداد ،فانعطف عليه ال�صالة وال�سالم باجلي�ش عليهم،
ففاج�أهم وهو يقف على �أعتاب ح�صونهم.
ومن الق�ص�ص اجلميلة التي تُروى عن القائد اجلليل (خالد بن الوليد) َر ِ�ض َي
زعزع بها �صفوف جي�ش َ اهلل عنه ،ما قام به من حرك ٍة �أُحاد ّي ٍة جريئ ٍة مفاجئة،
ا�صطف اجلي�شان للمواجهة؛ امل�سلمون
َّ عدوه الذي يفوقُه عدداً وعتاداً ،فبعد �أن
ّ
بقيادة خالد ،والفُر�س ومن واالهم من العرب بقيادة عقّة ،ويف غفلة من
عدوه ،واجلميع يف ذهول ،ومل ي�صحوا
َر�سه �صوب ّ خالد على ف ِ
اجلي�شينْ ،انطلق ُ
َ
خالد �إىل قائد جي�شهم (عقّة) ،وانتزعه وهو على
ُ َ
و�صل من ذهولهم �إال بعد �أن
فر�سه ،وعاد به �أ�سرياًَّ ،
فدب اال�ضطراب يف �صفوف الكفَرة ،وهجم اجلي�ش
الإ�سالمي يقتل منهم وي�أ�رس ،فلم يجدوا �إال الفرار �سبي ً
ال ،وحق َّق امل�سلمون ن�رصاً
م�ؤ ّزراً بغري خ�سائر(.)1
ومن مناذج املباغتة يف الع�رص احلديثُّ ،
متك ُن اجلي�ش ال�صهيوين من مباغتة
فدم َـر �سالح الطريان
اجلي�ش امل�رصي الذي كان قادتُه يف غفلتهم ولهوهمَّ ،
ويالحظ �أن حتييد � ّأي بقعة جغرافية ،وا�ستثناءها من �ساحة املواجهة دون
مربر ،يعطي العدو �أمان ًا فيها ،ويجعله ّ
يركز اهتمامه باجتاه البقع ال�ساخنة ،وينقل
قواته ،وتزداد قوته يف
قواته وا�ستخباراته �إليها ،فتقل حاجته ال�ستخدام كامل ّ
�رضب املقاومة.
وبنظرة �إىل واقع االحتالل ،ف�إننا جند �أن املواقع امل�ستهدفة تنق�سم مكانياً �إىل
ق�سمني:
الأول :يتم ّثل بال�ضفة الغربية وحميط قطاع غزة ،وي�شمل كذلك امل�ستوطنات
واملع�سكرات واحلواجز والطرق االلتفافية والآليات الع�سكرية واال�ستيطانية،
كما ي�شمل الدفاع عن املدن �أثناء االجتياحات .والثاين :هو الأرا�ضي املحتلة
امل�سماة (مدنية
ّ عام (1948م) ،وي�شمل جميع املواقع الع�سكرية ،واملواقع
كدور العبادةواقت�صادية) ،واملوا�صالت ،مع جت ّنب املواقع ذات اخل�صو�صيةُ ،
ملربر،
واملراكز الطبية وحتى التعليمية ،وما من مرة �ضرُ بت فيه هذه املواقع �إال ِّ
ك�إقدام االحتالل على ارتكاب جمازر كبرية� ،أو اغتيال قادة� ،أو �رضب مواقع
فل�سطينية م�شابهة ،فكانت حماول ًة لتحقيق (توازن الردع) ،كما ح�صل يف
عملية اجلامعة العربية يف القد�س ،والتي نفّذها جماهدو خلية �سلوان؛ ر ّداً على
الد َرج) يف غزة ،والتي ا�س ُت�شهد فيها القائد العام لكتائب الق�سام
جمزرة (حي ّ
ال�شيخ �صالح �شحادة ،و�سبعة ع�رش فل�سطيني ًا �آخر ،وذلك ب�إلقاء قنبلة عليهم
ت َِـزنُ (ط ّنـ ًا).
78
ون�شري �إىل �أن املجاهد قد ي�ضطر �إىل املواجهة وال�صمود حتى النهاية ،لكن
ذلك يف حاالت خا�صة جداً ،وحتديداً �إذا ّ
متك َن العدو من حما�رصة خلي ٍة �أو
مطاردٍ يف موقع ما ،بحيث ال ميكن االن�سحاب منه ،فاملواجهة هي الأ�صل هنا،
َ
مع الإدراك �شبه اليقيني �أن ال�شهادة هي نهاية هذه املواجهة.
�إن من عوامل جناح (اجلاريال) �أن تفر�ض هي �شكل املواجهة ،وعندما ي�ستطيع
العدو فر�ض �شكل املواجهة ف�إنه يكون �أقرب لالنت�صار ،وجت ُّنب املواجهات
الوا�سعة �شك ً
ال وزمان ًا يعطي املقاومة فر�ص ًة �أكرب للنجاح.
79
نعم! �إن البعد عن الروتني يجعل الزمان مفتوح ًا للعمل بليله ونهاره� ،صيفه
و�شتائه ،هدوئه وا�شتعاله ،ويجعل املكان كله �ساحة مقاومة ،ال ت�ستثنى منه
جوه وباطن
يحده ميدان؛ �سهله وجبلهَ ،ب ُّـره و ما�ؤهُ ،مدنه و�أريافهّ ،
بقعة ،وال ُّ
�أر�ضه ...و�إن من �ش�أن ذلك �أي�ض ًا� ،أن يجعل من الو�سائل املتاحة م�ستخدم ًة على
الدوام بح�سب احلاجة والإمكان� ،إطالق نار �أو تفجري �أو �صواريخ �أو اغتيال
أر�ضي ًة جيد ًة للتطوير ،فال يكون التوقف
وقن�ص ،ويجعل من الو�سائل املتوفرة � ّ
ويطور احلايل ،ويبتكر اجلديد،
ّ عند و�سيلة ا�س ُتخدمت ،بل ي�ستخدم ال�سابق،
وي�ستجلب ما ا�ستخدمه الغري....
ّ
كل ذلك يجعل االحتالل يف حرية من �أمره ،ويحجزه عن توقّع القادم،
و ُيف�شله يف مقاومته ،و ُيعدم قدرته على مواكبة ما ت�ستحدثه املقاومة من �أ�ساليب،
بينما ذلك ي�ضع املقاومة يف موقع املبادرة و�صناعة احلدث.
80
وقد كان النموذج الفل�سطيني متميزاً يف تطوره وتنوع �أ�ساليبه ودخوله يف
مراحل �إبداعية متعاقبة ،خرجت به من دائرة العمل ال�شعبي الأعزل� ،إىل دائرة
عدوه ،فبعد �أن
الإبداع واالبتكار يف �إيجاد الأ�سلحة املنا�سبة لطريقته يف مقاومة ّ
االحتجاجية واال�ستنكار ّية ،ثم االنتفا�ضة
ّ ال�سلمية
ّ بد َ�أ العمل الفل�سطيني باملقاومة
ُ
العمل ليدخل مرحلة (ثورة ال�شعبية امل�س َّلحة باحلجر والزجاجة احلارقة؛ ّ
تطو َر ّ
ال�سكاكني) التي ا�س َتخدمت �أب�سط �أنواع ال�سالح الأبي�ض املتوفّر يف املنازل،
عدة قنابل ،كل قنبلة حتوي �آالف امل�سامري الفوالذ ّية 1القنابل امل�سماريّة تُطلق على �شكل دفعاتّ ،
كل دفعة حتوي ّ
كل قنبلة على م�ساحة طولها ( )300مرت ،وعر�ضها ()90 بطول (� )10سنتيمرتاً ،تنطلق بقوة فتنت�رش م�سامري ّ
مرتاً تقريباً.
81
ثم كانت مرحلة التفجري التي ا�ستخدم فيها املجاهدون املوا َّد املتفجرة
املوجودة يف الألغام القدمية وكحل البارود وغريه ،وعندما عجزوا عن توفري
املواد الكافية بد�ؤوا بالبحث عن مواد � ّأولية ُي�ص ِّنعون من خاللها متفجراتهم،
فا�ستخدموا الأ�سمدة النباتية ،واملواد الطبية ،ومواد التنظيف الكيماوية ،فكانت
مادة (�أم العبد) املتفجرة التي �أثبتت جناع َتها يف عمليات التفجري ،ثم تطور
هذا ال�سالح حتى دخلت فيه ق�ضية التكنولوجيا يف التوجيه ،فكان التفجري
عن ُبعد وغريه من الو�سائل ...ويف هذه املرحلة ،دخلت املقاومة الفل�سطينية
حرب
ُ حرب اال�ست�شهاد ّيني ،الذين �أ�صبحوا �سالح املقاومة الأقوى .ثم كانت
املح�صنة بالألغام
َّ الـمـ�صطنعة
الأنفاق ،التي ا�ستطاعت فيها املقاومة جتاوز احلدود ُ
والأ�سالك ال�شائكة والأبراج و�أجهزة الر�صد الإلكرتونية.
وهكذا ،ف�إنه ال ا�ستمرار للمقاومة ،وال بقاء ملقاتليها ،وال �إجناز �أو حتقيق
لأهدافها دون �أن تتمكن من تطوير �أدائها ،وم�ضاعفة دفاعاتها ومناعتها،
و�إيجاد احللول للمع�ضالت التي تعرت�ضها(.)1
كمي ًة من قذائف 1يروي املجاهدون املتطوِّ عون من الإخوان امل�سلمني يف حرب عام (1948م) �أنهم غنموا ّ
املورتر ،ومل يكونوا ميلكون قاذفات لها ،فلم ي�ستطيعوا اال�ستفادة منها� ،إال �أنهم فوجئوا يف اليوم التايل باملجاهد
بدائيـ ًا يدويّـ ًا َ�سهِ َر على �إعداده طوال الليل ،وهكذا ا�ستفادوا مما غنموه .ومن
(يو�سف طلعت) قد ابتكر قاذف ًا ّ
التاريخـيـة على جتاوز العقبات؛ ما كان من (القعقاع بن عمرو) َر ِ�ض َي اهلل عنه يف معركة القاد�سية، ّ الـقـ�ص�ص
فر�سه عليه حتى �أَ ِلفَه و� َ
أ�صبح ال يخ�شى الفِ َيلة، ال (متثا ًال) ّ
ودر َب َ ف�صنع في ً
َ اخليل تنفر من الفِ َيلة، َ عندما وجدَ
ثخن فيها.
احلقيقية يف اليوم التايل ،و�أن ُي َ
ّ وا�ستطاع �أن يهاجم به الفِ َيل َة
82
املركزية والالمركزية:
حتتاج احلركات الثورية �إىل ا�ستخدام املركزية يف بع�ض جوانب العمل املقاوم
حفاظ ًا على امل�سار وجناح العمل ،وحتديداً يف القرارات اال�سرتاتيجية وال�سيا�سية،
فلي�س من احلكمة ترك قرارات وقف �أو �إنهاء ال�رصاع� ،أو تغيري �أ�س�س ومبادئ
العمل� ،أو قطع �أو و�صل عالقات خارجية� ،أو دخول مواجهات داخلية �أهلية،
ّ
تتحكم بها اخلاليا العاملة هنا وهناك. بقرارات ال مركزية،
بينما من ال�صواب ترك حرية العمل واالجتهاد لهذه اخلاليا يف الق�ضايا امليدانية
واليومية والروتينية ،والتي تقع �ضمن ال�سيا�سة العامة والإطار العري�ض الذي
حددته القيادة ،ف�إنْ كان القرار ال�سيا�سي بدخول ثورة م�سلحةُ ،يـرتك للخاليا
ّ
حتدد املكان والزمان والكيفية التي تنفذ من خاللها هجماتها.
العاملة �أنْ ّ
تنمي
ت�شجع املبادرات الذاتية والفردية امل�ضبوطة ،والتي ّ
بل �إن على القيادة �أنْ ّ
فاعليته و�إجنازاته وجناحاته ..ومن هنا ،ف�إننا نالحظ
ّ العمل وترتقي به وتزيد من
كمـ ًا كبرياً من العمل الفل�سطيني املقاوم يقع �ضمن دائرة اجلهود الفردية التي
�أنّ ّ
نفّذها �أبطا ُلها مبفردهم� ،أو تلك التي نفّذها �أو ابتد�أها الأفراد ،ثم كان االت�صال
وقدم ،ومن ثم كان االنخراط الع�سكري يف الإطار
بالتنظيم الذي �ساعد ووف َّـر َّ
احلركي.
وحترراً من القيود
�إن الالمركزية يف الأعمال اليومية ُيعطي العمل حيو ّي ًة ُّ
التقدم والإجناز .ويف ذات الوقت ،ف�إن هذه
البريوقراطية املعقّدة التي تُعيقه عن ّ
ا ّلالمركزية ال تعني بحال �أن ُيرتك للأطراف واخلاليا املتناثرة واملنت�رشة �أنْ ّ
حتد َد
م�سار العمل الثوري و�آلية �إنفاذه ..وكلما كانت تلك الالمركز ّية متوافق ًة مع
83
قياداتها ،متناغم ًة مع ما ي�صدر عن القيادة من قرارات ،ف�إن ذلك ي�ساهم قطع ًا
يف �رسعة الإجناز ،وجت ّنب الوقوع يف الأخطاء والأخطار.
�إذاً ،فاملقاومة حتتاج �إىل املركزية على امل�ستوى اال�سرتاتيجي ال�سيا�سي ،و�إىل
الالمركزية على امل�ستوى التكتيكي والإجرائي ،وهذا ما امتازت به (حركة
حما�س) وذراعها الع�سكري (كتائب الق�سام) ،ففي الوقت الذي كانت تعلن
فيه احلركة عن قبول هدنة م�رشوطة مع العدو ،كان عنا�رصها ومقاتلوها هم
الأكرث ان�ضباط ًا والتزام ًا ،ف�إذا انتهت الهدنة انطلقوا �إىل ميادين البطولة ،وقد
�شهد لهم االحتالل ذاته على ذلك.
و ُق ِت َ
ـل العديد من رجالها .يقول (ماو)« :ا�رضب ال�ضعيف دون خجل ،واهرب
من القوي دون خجل!».
املتحركة،
ِّ ويف ثورتنا الفل�سطينية ،كانت هذه القاعدة دافع ًا الختيار الأهداف
بالدور ّيات وال ّآليات والراجلة ،والأهداف الثابتة املتم ّثلة باحلواجز
واملتم ّثلة ّ
الع�سكرية النائية ،وبقيت عمليات اقتحام املع�سكرات ال�ضخمة احل�صينة مقت�رص ًة
�ضيق ،وحتديداً يف قطاع غزة ،لندرة الأهداف الأخرى هناك� .أما
على نطاق ّ
ال�ضفة الغربية فهي حمكومة بظروف خا�صة ،مع ال�سعي الدائم الختيار املوقع
الأقل حت�صين ًا والأ�ضعف �أمن ًا بال �شك.
ويف �أر�ضنا الفل�سطينية ،ا�ضطر جي�ش االحتالل ورغم ِ�صغ َِر م�ساحة الأر�ض
�إىل االنت�شار على م�ساحات وا�سعة ،يف حماولة منه حلماية م�ستوطنيه وطرقه
االلتفافية ،وملالحقة مطاردي وجماهدي املقاومة ،فبالعودة �إىل �إح�صائية يف
ّ
(حزيران 2007م) ،ف�إن �أرا�ضي ال�ضفة الغربية وحدها حتوي )217( :ب�ؤرة
ا�ستيطانية ،و( )210قاعدة ع�سكرية ،و( )576حاجزاً ع�سكري ًا ،و( )800كم
أمر الذي ي�شري �إىل توفر عدد كبري جداً من الأهداف
من الطرق االلتفافية .ال ُ
()1
التي ميكن �رضبها ،وخ�صو�ص ًا �أن الكثري من هذه الأهداف �ضعيف �أمني ًا وي�سهل
الو�صول �إليه ،وهذا ما جعل عدداً من ال�ضباط الع�سكريِّني يف اجلي�ش ال�صهيوين
ن�رش اجلي�ش ع�رشات احلواجز يف
يقدم احتجاجاته على �سيا�سة احلواجز ،فقد َ
ّ
أمني ًا) ،ف�أ�صبحت �صيداً �سه ً
ال لرجال املقاومة الذين ا�ستهدفوها مواقع (�ساقطة � ّ
ع�رشات املرات.
ولذا ،ف�إن اعتماد اجلاريال على القاعدة ال�شعبية مينحها فر�ص ًة �أطول لل�صمود
يف وجه الت�ضييق والقمع والتنكيل .ففي الوقت الذي يكون فيه ال�شعب على
قناعة بحركات املقاومة ودورها و�أدائها و�أ�شخا�صها ،ف�إنه يحتمل يف �سبيلها
الكثري ،وهذا ما جعل ال�شعب يف قطاع غزة ي�صرب مع حركة (حما�س) ،رغم
احل�صار والتجويع وانقطاع الرواتب وقلة ذات اليد.
جترتئ عليه،
َ وعليه ،ف�إن واجب املقاومة جتاه ال�شعب �أنْ تحُ ِ�س َن �إليه ال �أن
عليها �أن ت�شعر ب�شعوره ،و�أن ت�سعى ّ
حلل �إ�شكاالته ،و�أن توفر له احتياجاته ،و�أن
�ض له بالأذى والرتهيب والتنكيل والإ�ساءة ،فينظر
تتعر َ
تنقذه من �أزماته ،و�أن ال ّ
�إليها بكراهية ونفور.
�شعبي قد يعي�ش
ٍّ تنظيم
ٍ نعم� ،إن علينا �أن ندرك �أن هناك فرق ًا بني جماع ٍة �أو
م�رصوفات وله َتبِعات.
ٍ مقاو ٍم م�س َّل ٍح يحتاج �إىل
عمل ِعلى اال�شرتاكات ،وبني ٍ
كذلك ،ف�إن من واجب اجلاريال جتاه ال�شعب �أن ت�سعى �إىل تثقيفه و�إعداده
وت�أهيله وتوريثه الفكرة ال ّثور ّية والقناعة بها ،لكي يبدي اال�ستعداد للت�ضحية
َّ
ت�ضمحل وتتال�شى، بها ،وبدون هذا التثقيف ف�إن اجلماعات املقاتلة ال تلبث �أنْ
املنابع الّتي ّ
تغذيها بالرجال الذين ي�ضمنون لها احلياة. َ فال جتد
تغر�سها يف نفو�س
َ �إن من �أهم الأمور التي يجب على قُوى املقاومة �أن
ال�شعب؛ هو كراهية االحتالل ،والقناعة ب�رضورة �إزالته ،فهي �أهم �أ�سباب
ات متالحق ٍة تبع ًا لهذه القناعة،
بهب ٍ
انتف�ض ال�شعب الفل�سطيني ّ
َ النجاح ..ولقد
قر َر فلم تكن هذه القناعة �شديد َة ّ
الر�سوخ يف مطلع عقد الثمانينات ،وعندما ّ
غر�سها يف نفو�س ال�شعب ،بد�أت معاين اجلهاد والوطنية وحب املجاهدون َ
وتدعمت هذه املعاين بع�رشات املجازر
ّ ّ
تتجذر يف نفو�س املواطنني، الأوطان
قتل و�إبعادٍ واعتقالٍ وم�صا َدرة ،فانتف�ض ال�شعب
ال�صهيونية واجلرائم املتنوعة من ٍ
العدو ال ّنج�س،
ّ الفل�سطيني الطاهر يف وجه خمرز
ُّ الكف
ُّ ووقف
َ على جلاّ ده،
ظروف غاية يف
ٍ مر به �شعبنا من
وا�ستمرت االنتفا�ضة �سنوات طويلة رغم ما ّ
ّ
الق�سوة وال�شدة والأمل.
ومن الأمثلة العاملية على جناح الثورات بف�ضل االلتفاف اجلماهريي حولها:
(الثورة الإ�سالمية يف �إيران) ،فقد انتظم ال�شعب يف م�سريات ومظاهرات
بطلب من قائد الثورة (ا ُ
خلميني) من منفاه يف بريطانيا ،عرب ٍ حا�شدة ومتوا�صلة،
�سجلة ب�صوته ،حتى ُعرفت الثورة الإيرانية ب ِـ(ثورة الكا�سيت)..
كا�سيتات ُم َّ
حداً عجيب ًا ،وكانت �سبب ًا رئي�س ًا يف الن�رص.
ولقد بلغت هذه الطاعة واالن�ضباط ّ
88
ويف املقابل ،ف َِ�ش َل املنا�ضل البولويف (ت�شي جيفارا) يف نقل الثورة من (كوبا)
�إىل (بوليفيا) ،فقد انتقل مع بع�ض رفاقه �إىل جبال (بوليفيا) ،وبد َ�أ العمل الثوري،
�إال �أنه مل ي�ستطع ك�سب ثقة وت�أييد ال�شعب ،فا�ستطاعت القوات احلكومية النيل
منه وقتله بعد �أقل من عام على �إعالن الثورة التي انتهت مبقتله.
إحباط �أو
و�إذا �سمحت القوى الثائرة لنف�سها �أو لعنا�رصها ب�أن تدخل مرحل َة � ٍ
تقد ٍم
تقهقر يف ميدانٍ �أو ُّ
ٍ جزئي �أو
ٍّ ف�شل
مو�ضعي ٍة �أو ٍ
ّ ناجت عن هزمي ٍة
�ضغط ٍ ٍ ي� ٍأ�س �أو
للعدو ،فتلك �إذاً هي بداية النهاية� ..أما �إذا انطلقت الثورة بعزمي ٍة ّ
متقدم ٍة و�إ�رصارٍ
تثبت املبد�أ القائل« :ال�رضبة التي ال تمُ ي ُتنا ُ
تزيدنا قوة». وت�صميم؛ ف�إنها ّ
هذا املبد أ� ينطبق على كل مهمة وعمل ،حتى �إن العا ِلـم امل�شهور (توما�س
89
�أدي�سون) �أجرى �ألف جتربة لإنتاج م�صباحه الكهربائي ،وكانت نتيجتها جميع ًا
الف�شل ،حتى ا�ستطاع يف النهاية �إنتاج هذا االخرتاع الرائع الذي خ َّل َد ا�سمه يف
التاريخ.
�أما يف الثورات العاملية؛ ففي املدر�سة الكوبية ،ف َِ�ش َل القائد (فيدل كا�سرتو)
ح�صل ،واع ُتقل هو وعدد من رفاقه ،وقُتل
يف هجوم (22متوز) ،ل�سوء تقدير َ
�آخرون ،وانتهت الثورة� ..إال �أن القائد (كا�سرتو) مل يي�أ�س ،بل �سارع فور
بلده ،طارداً
خروجه من ال�سجن �إىل جمع فلوله وم�ؤ ّيدي ِفكره ليعو َد فاحت ًا َ
احلكومة العميلة من �أر�ضه.
هذه القاعدة مت ّثل �إجاب ًة وجت�سيداً ملبد أ� �أ�سا�سي تخ�ضع له جميع �أ�شكال حروب
الع�صابات ،وهو مبد�أ (ا�سرتاتيجية اال�ستنزاف) ،والت�أثري الرتاكمي للهجمات
عدوها ب�رضبة واحدة� ،أو حتى
الناجحة املحدودة ،فال ميكن للجاريال �أن تهزم ّ
ب�سل�سلة �رضبات ومعارك حمدودة ،بل �إنّ زمن ًا طوي ً
ال من العمل الد�ؤوب،
وال�رضبات املتوالية ،واجلهود َّ
املركزة ،وال�صرب دون ي�أ�س ،وجتاوز العقبات ،هذا
وح�سم احلرب ل�صالح املقاومة.
ِ هو الكفيل بالن�رص على االحتالل،
فخر َج � ُ
أبطال مار�س املجاهدون املثابرة وعدم الي�أ�س كثرياًَّ ،
َ ويف امليدان،
خلية (�صوريف) ع�رشات الطلعات اجلهادية بحث ًا ،حتى ّ
متكنوا من خطف
اجلندي (�شارون �أدري) ،و�ص ّن َع مهند�سو كتائب الق�سام ع�رشات النماذج من
ال�صواريخ ،و�أجروا عليها ع�رشات التجارب ،حتى خرج ال�صاروخ �إىل حيز
الوجود.
90
ا�سرتاتيجية حترير
ّ متيـ ُز حركة (حما�س) بني
ففي مقاومتنا الفل�سطينيةِّ ،
مرحلية التحرير واجلاهز ّية لت�س ّلم
ّ فل�سطني كلها من بحرها �إىل نهرها ،وبني
ا�سرتاتيجية
ّ وفرقت حما�س بني
�أي �شرب يخرج منه االحتالل ،كما يف (غزة)ّ ..
وم�رشوعية العمل لطرد االحتالل ،وبني تكتيك
ّ احلق يف املقاومة بكل �أ�شكالها،
اختيار الأ�سلوب الأمثل للمقاومة الذي تواجه به االحتالل ،والذي يتنا�سب مع
املرحلة وظروفها.
وب�صيغ ٍة �أخرى ،هو تفريق وتوفيق بني الثابت واملتغري؛ ثابت املقاومة ومتغري
الأ�سلوب ،ثابت ال�سعي يف التحرير ومتغري القبول بالهدنة امل�ؤقّتة ذات الأهداف
املحددة.
َّ
***
91
العمل
الفل�سطيني
ّ
املقـاوم
92
93
لتنق�ض من
َّ ال�رسية،
فهي تعتمد خيار الكمائن ،والتي ت ُِع ُّدها حماط ًة بكل ّ
خاللها على عدوها ب�صورة تُفقده القدرة على رد الفعل ،فتمتلك هي حينها
زمام املبادرة ،وتُثخن فيه ،ثم تن�سحب �إىل م�أمنها .وال�شكل الذي يتنا�سب مع
الكمائن ،هو ال�رضب من موقع ثابت نحو هدف متحرك.
وهي تعتمد الهجوم املباغت ،ف ُت ِع ُّـد مقاتليها مبا يلزم ،ومبا ينا�سب املهمة من
�سالح وعتاد ،لينفّذوا هجوم ًا مباغت ًا على الهدف الذي �سبق �أن ّمت ر�صده؛ ثابت ًَا
كان �أم متحرك ًا .و ُي�شرتط يف مثل هذا الهجوم ال�رسعة و ِق�صرَ ّ
مدة التنفيذ ،و�أن
مهمتها ،ثم تعود �أدراجها �إىل
تكون طريقة االن�سحاب مر�سومة ،فتنجز اخللية ّ
مكمنها.
وهي تعتمد اال�ستدراج ،والذي يخدم طريقة الكمائن� .سواء كان اال�ستدراج
يتحرك بناء عليها
ّ مبا�رشاً؛ عرب �إي�صال معلومات ا�ستخبار ّية مغلوطة �إىل العدو
حتددها املقاومة ،فيكون الكمني جاهزاً لالنق�ضا�ض على الهدف� .أو
�إىل نقطة ّ
ا�ستدراج ًا غري مبا�رش ،وذلك بتوجيه �رضبات تكتيكية تهدف �إىل �إغرائه ّ
بتتبع �أثر
94
***
95
لقد انطلق ال�شعب مبا ميلكه من �إمكانات بدائية ب�سيطة؛ بدءاً باحلجر الذي
واعت�صامات
ٍ ومظاهرات
ٍ م�سريات
ٍ م ّثل رمز ال�شعب واملرحلة ،وما رافقه من
عدوه �إىل
ا�ضطرته احلاج ُة �إىل �إيالم ّ
ّ ؤمترات ومهرجانات ...ثم
إ�رضابات وم� ٍ
ٍ و�
َ
فدخل مرحلة حرب ال�سكاكني التي �أعلنت �أن يبحث عن �أدوات �أكرب �أ َثراً،
عنها حركة حما�س يف (1995/10/15م) ،وكان �أول املنت�سبني �إليها املجاهد
(عامر �أبو �رسحان) ،وتبعته القافلة ترتى.
1املنا�ضل (عبد الهادي غنيم) من حركة فتح ،قام بعمل حادث يف حافلة يقودها وي�ستق ّلها عد ٌد من اليهودَ ،
فقتل
�صهيونياً .واملجاهد (راتب زيدان) من حركة حما�س قام بده�س عدد من ال�صهاينة املتوقّفني على
ّ منهم ()15
ب�سيارته َ
فقتل منهم ثالثة .واملجاهد (خليل �أبو علبة) قام بده�س جنود �صهاينة على جانب الطريق، حافّة الطريق ّ
َ
فقتل منهم ثمانية ،وهو من حركة اجلهاد الإ�سالمي.
96
وبقيت عمليات �إطالق النار مرت ّبع ًة على َ�ص َدارة عمليات املقاومة من حيث
العدد حتى يومنا هذا ،على الرغم من وجود كافة �أنواع و�أ�شكال العمليات
ومن االمتيازات التي يراها البع�ض لعمليات �إطالق النار� ،أنها تُخرج املقاومة
َت�سب ُب به العمليات اال�ست�شهادية ،التي قد تَظهر بنظر العامل
احلرج الذي قد ت َّ
من َ
�أنها عمليات �إرهابية ،وت�أخذ �صدى �إعالمي ًا وا�سع ًا.
كما �أن ر ّدة فعل االحتالل على العمليات اال�ست�شهادية عاد ًة ما تفوق مثيلتها
من عمليات �إطالق النار� ،إذ قد ي�صل الأمر �إىل �إ�صدار قرارات االغتيال بحق
ال�سيا�سيني كر ٍّد على العمليات اال�ست�شهادية يف العمق ال�صهيوين ،كما
ّ القادة
حدث مع القادة ال�شهداء؛ ال�شيخ �أحمد يا�سني ،والدكتور عبد العزيز الرنتي�سي،
واملهند�س �إ�سماعيل �أبو �شنب ،والدكتور فتحي ال�شقاقي...
متحرك:
�أ ـ ال�رضب من موقع ثابت نحو هدف ّ
وذلك ب�أنْ يتمركز املجاهدون ب�أ�سلحتهم النارية يف نقطة ثابتة؛ انتظاراً
ر�صده ،ك�سيارة جيب ع�سكري� ،أو م�ستوطن �صهيوين،
ُ �سبق
متحرك َ
ّ لهدف
�أو حافلة ّ
ركاب �إ�رسائيلية ،ثم االنق�ضا�ض عليها بقوة و�رسعة ،وال َّنيل منها ،ثم
االن�سحاب من املكان قبل و�صول تعزيزات العدو ،والعودة �إىل نقطة الأمان.
االنق�ضا�ض من نقطة ارتكاز �آمنة توف ُِّـر للمجاهدين اال�ستتار الذي يحافظ على
عن�رص املباغتة واالحتماء من ر ّدة فعل العدو ،ثم ي�سارع املجاهدون بعد تنفيذ
املهمة �إىل االن�سحاب.
متحرك:
متحرك نحو هدف ِّ
ج ـ ال�رضب من موقع ِّ
وهي العمليات التي تعارف عليها املجاهدون ا�صطالح ًا بـ (عمليات
التجاوز) ،وخري من ا�ش ُتهر بها ال�شهيد (عماد عقل) ،حيث كان � ّأو َل من
َّ
ت�ستقل اخللي ُة �سيار ًة مدنية ،ثم تعمد �إىل بد�أَها .وتقوم عمليات التجاوز على �أنْ
مالحقة �إحدى �سيارات االحتالل الع�سكرية �أو املدنية دون �أنْ ت�شعر ،وعندما
�سائق �سيارة املجاهدين بال�رسعة الق�صوى ليتجاوز
حتني الفر�ص ُة املنا�سبة ،ينطلق ُ
ال�سيارتان متوازي َتني؛ ُي ِط ُّل املجاهدون
الهدف ،ويف اللحظة التي ت�صبح فيها ّ
�سيارتهمُ ،فيفرغون ما معهم من ر�صا�ص يف ال�سيارة
ب�سالحهم من نوافذ ّ
�سريهم يف طريق االن�سحاب .مع مالحظة امل�ستهدفة ّ
وركابها ،ثم يوا�صلون َ َ
�إمكانية �أنْ يكون التنفيذ وجه ًا لوجه ،ولي�س بالتجاوز.
هـ ـ القن�ص:
وهو من �أ�ساليب املقاومة قليلة اال�ستخدام ،وذلك لأنه يحتاج �إىل مهارة
بالتدرب عليها ،وقبل ذلك َ
ملك موهب ًة ّ خا�صة ال ميلكها �إال من اجتهد
ملمار�ستها .وميتاز هذا الأ�سلوب ب�أنه ال يحتاج �إىل الكثري من الرجال وال�سالح،
كما �أنه ال يحوي ن�سبة خماطر ٍة عالية تُعيق الق ّنا�ص.
وقد ا�ستخدمته املقاومة العراقية ب�شكل وا�سع ،فا�شتهر (ق ّنا�ص بغداد) الذي
عمليا ِته وب ّثها عرب
ّ وحلفاءهم ،وقام بت�صوير
َ أمريكيني
ّ �أردى مئات اجلنود ال
الإعالمّ ،
ف�شكلت �إهان ًة و�صفع ًة للجي�ش الأمريكي وجنوده .بينما مل ت�ستخدمه
املقاومة الفل�سطينية على نطاق وا�سع ،و�أبرز و�أجنح عمليات املقاومة الفل�سطينية
بهذا الأ�سلوب هي عملية (عيون احلرامية) البطولية ،وكان بطلها وفار�سها (ثائر
حماد) من حركة فتح ،وقد �أثمرت عمليته تلك عن �أحد ع�رش قتي ً
ال �صهيوني ًا،
دون خ�سائر يف املقابل ،فكانت من �أكرث العمليات جر�أ ًة وقوة.
متفرق،
وقد جنحت كتائب الق�سام يف قن�ص عددٍ من جنود االحتالل ب�شكل ّ
خ�صو�ص ًا يف حميط قطاع غزة ،ومنها ما ب ّثته عرب �رشيط تلفزيوين َّ
م�صور ،يف �شهر
أ�يّار من العام 2007م ،حيث ا�ستطاعت قتل �أحد جنود االحتالل املتمركزين
على ظهر د ّبابة �صهيونية تقف على حدود قطاع غزة.
ونلفت �إىل �أن ال�سالح الناري ا�ستخدم يف معظم �أ�شكال املقاومة الأخرى،
�سواء يف االغتياالت �أو عمليات اخلطف �أو يف حرب الأنفاق ،بل �إنّ بع�ض
يتوجهون لتنفيذ عملية ا�ست�شهادية تفجريية ،كانواّ املجاهدين الذين كانوا
ي�صطحبون معهم �سالح ًا نار ّي ًا �صغرياً ال�ستخدامه وقت احلاجة.
101
وقد دخلت عمليات التفجري مراحل عدة �صاحبت خمتلف مراحل املقاومة
امل�س ّلحة ،ويف كل مرحلة كان يظهر على �ساحة املقاومة �أبطال ورموز �صبغوها
بطابع خا�ص ومميز ،ومن �أبرز ه�ؤالء؛ ال�شهيد القائد واملهند�س الأول (يحيى
عيا�ش) ،الذي �أ�صبح عنوان املرحلة ورمز عمليات التفجري.
ولتو�ضيح ذلك ،نعر�ض فيما يلي ل�شك َلني من �أ�شكال املقاومة امل�ستخدمة يف
هذا املجال ،وهما :العبوات ،والعمليات اال�ست�شهادية:
102
1ـ العبوات:
وهو التفجري بدون وجود ا�ست�شهادي ،ويكون بو�ضع عبوة نا�سفة يف طريق
املنا�سبة �إنْ كان التفجري
ِ اللحظة
ِ الهدف� ،أو يف موقع اكتظاظ ،ثم القيام بتفجريها يف
موجه ًا� ،أو تركها تنفجر وحدها �إنْ كانت تعمل بالتوقيت �أو بنظام الألغام.
َّ
ميزات هذا الأ�سلوب ،عد ُم احلاجة �إىل ا�ست�شهادي لت�شغيله،
وتُـ َع ُّـد من �أبرز ِّ
مبعنى عدم وجود خ�سائر ب�رشية يف �صفوف املقاومة ،وبالتايل عدم ترك �آثار
ما ّدية ّ
ت�شكل بداية اخليط الذي قد ُير�شد �أجهزة الأمن ال�صهيونية �إىل ك�شف
اخللية التي تقف وراء العمل.
ب ـ التّوقيت :وهو نظام قدمي ،تكون فيه العبوة مو�صول ًة ب�ساع ٍة ِّ
حتدد وقت
االنفجار ح�سبما ي�ضبطها املقاومون ،فتنفجر وحدها يف ذلك الوقت .وعاد ًة
ّ
املكتظة والأهداف الثابتة ،بعك�س الألغام ،وال ميكن ما تُ�ستخدم يف الأماكن
ا�ستخدامها لأهداف متحركة.
103
و�إ�ضافة �إىل ما �سبق ،فقد ا�ستخدمت املقاومة بع�ض الطرق غري املنت�رشة؛
كالتفجري عرب الظل ،وال�صوت ،وغريه� ...إال �أنها بقيت يف نطاق �ضيق،
تتكرر.
وجتارب حمدودة مل ّ
وقد ا�ستخدمت املقاومة �أكرث من نظام ت�شغيل يف �آنٍ واحد ،وذلك �إما بتزويد
العبوة ب�أكرث من �أداة ت�شغيل� ،أو باال�ستعانة ب�أ�سلو َبنيِ مع ًا لتجاوزِ �إِ�شكال معني.
أعده �أبطال خلية (�سلوان) ،عندما �أرادوا و�ضع عبو ٍة يف موقع
ومثال ذلك؛ ما � َّ
104
ال ُ
ت�صل �إليه خدمة ا�ستقبال (الرميوت) ،ويف ذات الوقت ،يكون بعيداً عن نقطة
ب�سلك طوله مائتي مرت،
ٍ بو�صل العبوة
ِ الأمان م�سافة تزيد عن مائتي مرت ،فقاموا
ثم �شبكوا يف نهايته جهاز ا�ستقبال ،وابتعدوا عن املكان ،ثم قاموا بت�شغيل العبوة
وتفجريها عرب (الرميوت) ،وبهذا جتاوزوا م�شكلة الأمان وم�شكلة امل�سافة.
وهي �سيدة �أ�شكال املقاومة ،و�صاحبة الباع الأطول يف �إيالم العدو و�رضبه
يف عقر داره ،و�إيقاع القدر الأكرب من اخل�سائر املادية والب�رشية يف �صفوفه ،وهي
متثل الت�ضحية والفداء واال�ستعداد الكامل وال�صادق لتقدمي الروح رخي�ص ًة يف
�سبيل اهلل ،ون�رص ًة لهذا الوطن امل�سلوب.
�إال �أنّ املقاوم َة حتقِّق من خالل عمليات اخلطف �أهداف ًا �أخرى ،منها احل�صول
أمني ٍة من خالل التحقيق مع الأ�سري (الع�سكري خ�صو�ص ًا) ،كما
معلومات � ّ
ٍ على
فة رجل املخابرات ال�صهيوين (�سا�سون) ،ومنها �رضب معنو ّيات ح�صل مع َ
خط ِ
العدو وال ّت�أثري على جنوده ،ورفع معنويات املقاتلني والأ�رسى وال�شعب.
ومن �أبرز عمليات تبادل الأ�رسى التي �شهدتها فل�سطني؛ �صفقة التبادل
التي نفّذتها (القيادة العامة) ،املعروفة ب�صفقة (�أحمد جربيل) ،والتي جرت
عام (1985م) ،و ُ�أطلق مبوجبها �رساح (� )1150أ�سرياً فل�سطيني ًا من �سجون
االحتالل ،ومنهم ال�شيخ (�أحمد يا�سني) ،مقابل الإفراج عن ثالثة جنود �صهاينة
تكررت املحاوالت
كانوا قد وقعوا �أ�رسى يف يد اجلبهة �أثناء غزو لبنان .ثم ّ
مراراً ،منها ما جنح جناح ًا جمزوءاً ،ومنها ما ف�شل ف�ش ً
ال ُمطلق ًا.
وقد عملت حركة حما�س طوال االنتفا�ضة الأوىل ،ويف عهد �أو�سلو،
ويف انتفا�ضة الأق�صى ،على اختطاف عدد من جنود االحتالل ،فنجحت يف
�أ�رس ب�ضعة ع�رش جندي ًا ،بدءاً من اجلندي ال�صهيوين (�آيف �سب�سورتا�س) ،الذي
ّمت اختطافه يف العام (1989م) ،و(�إيالن �سعدون) ،و(ن�سيم طوليدانو)...
و� ً
صوال �إىل رجل املخابرات (�سا�سون) ،الذي اخ ُتطف يف العام (2005م)..
�إال �أن �أي ًا من هذه العمليات مل ي�ؤ ِّد �إىل عقد �صفقة تبادل �أ�رسى مع االحتالل،
فكان م�صريهم القتل دون مقابل.
و�أخرياً كان �أ�رس اجلندي ال�صهيوين (جلعاد �شاليط) ،يف عملي ٍة غاية يف
املتبدد) ،وال زالت
الروعة والإتقان� ،أطلقت عليها الكتائب ا�سم (عملية الوهم ِّ
احلركة ترت ّبع على �صدارة هذا اللون من العمليات منذ االنتفا�ضة الأوىل ب�صورة
�شبه مطلقة ال يجاريها فيها �أحد.
107
خام�ساً :االغتياالت:
وهو �أ�سلوب ناجح من �أ�ساليب حرب الع�صابات التي ا�ستخدمها املقاتلون
ّ
ومفكريه، اخل�صم ورموزِ ه
ِ عرب التاريخ ،كان هدفه الأ�سا�س التخ ّل َ
�ص من قادة
و�إ�صابته ُّ
بالذعر و�رضب معنوياته ،والظهور مبظهر القادر على �إجناز �أي مهمة،
والو�صول �إىل �أي هدف تختاره (اجلاريال) ،وحتقيق انت�صار �إعالمي و�سيا�سي..
الردع ،والر ّد على اعتداءات العدو واغتياالته لقادة
ثم تثبيت مبد أ� توازن َّ
(اجلاريال).
�ضحايا االغتيال؛ ال�شهداء (�أحمد يا�سني ،عبد العزيز الرنتي�سي ،خليل الوزير
«�أبو جهاد»� ،صالح خلف «�أبو �إياد» ،فتحي ال�شقاقي� ،أبو علي م�صطفى،
غ�سان كنفاين� ،إ�سماعيل �أبو �شنب� ،إبراهيم املقادمة ،كمال عدوان ،كمال
نا�رص� ،سعد �صايل� ،صالح �شحادة ،يحيى عيا�ش ،وغريهم الكثري الكثري.)...
كما حاول االحتالل اغتيال (خالد م�شعل) ،رئي�س املكتب ال�سيا�سي حلركة
حما�س� ،إ ّال �أنّ حماولته باءت بالف�شل ،ور َّد اهلل َ
كيدهم �إىل نحورِ هم.
لذا ،كان من املنا�سب �أن يكون الر ُّد على جرائم االحتالل باملثل ،حتى نحق َّق
ولكن �إحقاق ًا للحق ،ف�إن جتربتنا الفل�سطينية متوا�ضعة جداً يف
ْ ال ِّنكاي َة والردع،
هذا املجال� ،إذ مل تنجح يف �إحداث ثغرات بارزة يف هذا اجلدار (جدار �أمن
ال�شخ�صيات الإ�رسائيلية) ،ومل ّ
تتمكن من الو�صول �إىل � ٍّأي من قادتهم ورموزهم ّ
البارزين ،رغم تكرار املحاوالت.
وقد �أجاد رفاق (اجلبهة ال�شعبية) يف عملية اغتيال الوزير ال�صهيوين احلاقد
(رحبعام زئيفي)� ،صاحب فكرة (الرتان�سفري) ،والذي ّ
متكن مقاتلو اجلبهة من
الو�صول �إليه يف الفندق الذي يقيم فيه ،فقتلوه ر ّداً على اغتيال الأمني العام
للجبهة ال�شعبية (�أبو علي م�صطفى).
لقد جرت حماوالت عديدة للو�صول �إىل ر�ؤو�س االحتالل� ،إال �أنها بقيت
حماوالت حمدود ًة مل يرافقها الكثري من الإعداد ،ولذا مل يحالفها النجاح ،ومنها
ٍ
حماولة جماهدي �إحدى خاليا (القد�س) اغتيال الإرهابي �أوملرت ،وحماولة اغتيال
(�شارون)� ،إال �أنها مل تُوفَّق ومل يكتب لها النجاح ،بل �إن �أكرثها مل يخرج عن
خطوات �أو�سع ملالحقة بع�ض الرموز
ٍ دائرة الر�سم والتخطيط .بينما َخطا الإخو ُة
109
ديق و� َ
أذهل العدو، ال�ص َ وقد حقّقت عمليات الأنفاق جناح ًا رائع ًا فاج�أَ َّ
َّ
ف�شكلت له � َأرق ًا و ُذعراً جعله ُيعيد ح�ساباته ،ويهرع �إىل حماولة �إيجاد احللول التي
ُغن عنه �شيئ ًا ،ف� َ
أدخل ما ميلك من علم وتكنولوجيا وخربات ،وا�ستعان ب�أذنابه مل ت ِ
يف الفل�سطينية و�أجهزتها الأمنية� ،إال �أنّ َّ
كل ذلك مل ِ ّ وعمالئه ،ثم بال�سلطة
بالغر�ض ،ومل مينع الأبطال من موا�صلة احلفر والو�صول �إىل �أهدافهم ،وتكرار
حماوالتهم م�صحوب ًة بتطوير الأ�سلوب ،حتى باتت (حرب الأنفاق) عام ً
ال مهم ًا
�رسعت يف قرار االحتالل باالن�سحاب من قطاع غزة.
من العوامل التي ّ
نوعي ًة يف العمل الفل�سطيني املقاوم،
ّ �شكلت عمليات الأنفاق قفز ًة لقد ّ
وم ّثلت تطبيق ًا مثالي ًا للحكمة القائلة( :احلاجة �أم االخرتاع) ،فكانت كتائب
التفوق الع�سكري وال ّتقني ال�صهيوين
ّ الق�سام َو ُلوداً لالخرتاعات التي جعلت
ال يقف حائ ً
ال دون ا�ستمرار املقاومة وتوا�صل جناحاتها يف �رضب عد ِّوها،
وال زالت عمليات الأنفاق منذ ذلك احلني ح�رصاً على �أبناء كتائب الق�سام
و�أبطالها.
111
�سابعاً :ال�صواريخ:
عقلية البحث والتطوير الفل�سطينية املح ّلية .وكان
وهو �آخر ما تف ّتقت عنه ّ
�صاروخي فل�سطيني بتاريخ (2001/10/30م)� ،إذ �أعلنت
ٍّ �إنتاج �أول �سالح
كتائب ال�شهيد عز الدين الق�سام عن �إنتاج �صاروخ (ق�سام ،)1الذي �أ�صبح
م�سجلة ُي ِق ُّـر بها العدو وال�صديق ،وتُطلق على ِّ
كل ال ّنماذج املماثلة َّ ا�سمه عالم ًة
لهذا ال�صاروخ.
ثم قفز الإنتاج ال�صاروخي احلم�ساوي قفز ًة �أخرى بت�صنيع �صواريخ م�ضا ّد ٍة
م�سميات�( :صاروخ البنا� ،صاروخ اليا�سني� ،صاروخ الب ّتار)،
للدروع ،حتت َّ
ُّ
املدرعة �أثناء حماوالتها اجتياح
الت�صدي ل ّآليات العدو َّ
ّ والذي �أثبت جناع ًة يف
مدن وخميمات قطاع غزة.
�رص َح �أحد مقاتلي كتائب الق�سام ،وحدة �سالح ال ّت�صنيع ،يف برنامج
وقد ّ
(يف �ضيافة البندقية) ،الذي ب ّثته قناة اجلزيرة يف حزيران من العام (2006م)(،)1
�أنّ قاذف ( )RBJكان يك ّلف خزينة الكتائب �أكرث من �أحد ع�رش �ألف دوالر
يتم ت�صنيعه اليوم ب�أيدي �أبطال الكتائب حتت
�أمريكي لل�سالح الواحد ،بينما ُّ
م�سمى (اليا�سني) ،بتكلف ٍة ال تتجاوز مئتي دوالر �أمريكي.
َّ
ولقد ا�ستطاعت �صواريخ الق�سام �إيقاع خ�سائر ب�رشية وما ّدية يف �صفوف
ني
م�ستوط ْ
ِ االحتالل� ،إال �أنّ الأثر ال ّنف�سي واملعنوي ا ّلذي خ ّلفه ال�صاروخ يف
املغت�صبات املحيطة بقطاع غزة ومدن االحتالل القريبة ،بل ويف قادة حكومة
االحتالل و�أركان جي�شه و�أجهزته الأمنيةَ ،
فاق الأثر املادي والب�رشي ،حتى
الداخلية
ّ �أ�صبح كابو�س ًا يزرع فيهم الرعب واال�ضطراب ،بل و�أوجد (الهجرة
يفرون من ِحمم ال�صواريخ
ال�صهيونية) ؛ فكان م�ستوطنو املناطق امل�ستهدفة ّ
()1
نحو مناطق ومدن �أخرى توفّر لهم مزيداً من الأمن ،كما ح�صل على �سبيل
املثال يف مدينة (ا�سديروت) يف �شهر �أيار من العام (2007م) ،عندما �أخلى
�أكرث من ن�صف امل�ستوط ِنني بيوتَهم نحو ال�شمال ،هرب ًا من كثافة ّ
ال�صواريخ
الق�سامية.
ّ
وقد َّ
�شك َ
ـل �صاروخ الق�سام عام ً
ال �أ�سا�سي ًا يف تثبيت مبد�أ (توازن َّ
الردع)
الذي ابتد أ�تْه العمليات اال�ست�شهادية ،وكثرياً ما �أبدى االحتالل ا�ستعدا َده لوقف
اعتداءاته �ضد ال�شعب الفل�سطيني والدخول معه يف هدنة ،مقابل وقف �إطالق
جتمعاته.
ال�صواريخ على ّ
العدو �إىل ت�رسيع ان�سحابه من قطاع
َّ دفع وكان �صاروخ الق�سام عام ً
ال �إ�ضافي ًا َ
غزة ،كما �أوجد و�سيل ًة �أخرى للو�صول �إىل العمق ال�صهيوين دون احلاجة �إىل
الدائم
تعر�ضها ّ ّ
جراء ّ
«ا�ضطرت �سلطة ال�ضرّ ائب �إىل التخفي�ض على ال�سكان يف مدينة ا�سديروت بـ (ّ ،)%13
ّ 1
الق�سام ،التي �أ ّدى �سقوطها �إىل هجرة ّ
ال�سكان منها»� .صحيفة (يديعوت �أحرنوت) ،يف عددها ال�صادر ل�صواريخ ّ
يف 2006/11/24م.
113
امل�شددة وا ُ
جل ُـدر الإلكرتونية والإ�سمنتية التي كانت َّ أمنية
اخرتاق ال ّتح�صينات ال ّ
تف�صل املجاهدين عن هدفهم.
***
114
115
مناذجُ
ٌ
وتطبيقات
ق�سام ّيـة
ّ
116
117
ق�سامية
مناذج وتطبيقات ّ
قتالية منفردة،
عملياتها �أ�ساليب ّ
ّ ا�ستخدمت يف
َ وقد ذكرنا �أنّ املقاوم َة
وا�ستخدمت يف عمليات �أخرى �أ�ساليب قتالية ُم�شترَ كة؛ فدجمت بني الإطالق
والتفجري ،و�أ�رشكت العمل اال�ست�شهادي باجلهد اال�ستخباريّ ،
ووظفت الأنفاق
يف خدمة الهجمات ال ّنارية وال ّتفجري ّية وعمليات اخلطف وهكذا...
(ال�سهم ال ّثاقب)،
ت�ستحق اال�ستدالل بها ،عملية َّ
ّ ومن الأمثلة الكبرية التي
التي ا�ستخدم فيها املقاومون الأ�سلوب اال�ستخباري (العميل املزدوج)،
املتفجر� ،إ�ضاف ًة �إىل �سالح
ِّ وحرب الأنفاق ،وال�سالح ال ّناري مع ال�سالح
اال�ست�شهاديِّني.
املقاومة ال�شعبية:
ال�سكاكني:
�أ ـ حرب ّ
عملية يافا
ال ّزمـان1995/2/14 :م.
املـكـان :مدينة يافا.
املنفِّذون :مروان الزايغ ـ غزة (�شهيد) ،و�أ�رشف البعلوجي ـ غزة (م�ؤ َّبد).
النتيجة :ثالثة قتلى.
وعرفا تفا�صيلها
فخبرِ اها َ كان ال َأخوانِ يعمالن يف مدينة يافا املحت ّلةَ ،
قدم �إىل لقاء ر ِّبه .ومع فجر
نف�سيهما �إعداد من َي ُ
ْ أعدا
ب�شوارعها وبناياتها ،ف� ّ
ذلك اليوم ،ح َزما طعا َمهما ،و� ْأخفَيا به ِ�س ّكي َننيِ لتنفيذ املهمة ،وانطلقا �صوب
هدفَيهما ِّ
متوكلني على اهلل ع َّز وجل� ،سائلي َنه التوفيق والنجاح.
جاء العامل الثاين بعده بقليل ،ففعال به ما فعاله مع زميله الأول ،و�أحلقاه به،
119
فانق�ضا
ّ ثم جل�سا انتظاراً للتايل ،وكانت جم ّند ًة �صهيوني ًة يف جي�ش االحتالل،
ملطخ ًة بدمائها. ّ
بال�سكني ،حتى وقعت �رصيع ًة َّ عليها طعن ًا
املجاهدين ،وقام
َ ي�رضب مين ًة وي�رس ًة ع ًّله ي�صل �إىل
ُ ُج َّن جنون االحتالل ،وبد�أ
بحق قيادات وعنا�رص و�أن�صار
بحملة اعتقاالت �رش�سة هي الأو�سع يف ذلك احلني ِّ
احلركة يف ال�ضفة الغربية وغزة ،حتى زاد عدد املعتقلني فيها عن ()1400
جماهد.
120
وقب َ
ـل �أوالده، و�ضوءه لل�صالة ،و ّدع زوجته ّ
َ جماهدنا فجراًَ ّ ،
تو�ض�أ ُ ا�ستيقظ
وم�ضى �إىل م�سجد القرية لأداء �صالة الفجر .ثم انطلق ب�سيارته وعيونُه تنظر �إىل
وجهه �شطر (تل الربيع)،
َ حواري وبيوت و�أرا�ضي القرية نظر َة مو ِّدع ،وولىّ
م�رسح بطول ِته.
َ لتكون
ال�سكاكني؛ ما
ومن الأمثلة الأخرى على عمليات املقاومة ال�شعبية وحرب ّ
املجاهدين :عامر �أبو �رسحان ،عماد زيدان� ،إياد ّ
البطاط ،وهيب ِ نفّذه ٌّ
كل من
�أبو الرب ،زيد الكيالين ،ماهر �أبو �رسور� ،أحمد الفليت ،من�صور ريان ،هيثم
121
جملة ،ف�ؤاد �أبو العمرين ،هاين جابر ،وجمموعة عملية م�صنع كارين ،ووحدة
بدر ،وخلية البلدة القدمية يف اخلليل ،و�أمثلة كثرية �أخرى...
ّ
تخطاهم اجليب ،بينما بقوا يف م�سارهم ،وما �أن اختفى عن وهكذا
�أنظارهم حتى ا�ستدارت ال�سيارة ب�رسعة ،وانطلقت تلحق بفري�س ِتها ،وت� ّأه َب
البطالن للمهمة :عماد يتكفّل باجلندي اجلال�س يف املقعد اخللفي ،بينما يقوم
املقدمة.
اجلال�سنيِ يف ِّ
َ �أحمد مبهاجمة اجلند َّينيِ
تقدم جميل مبهار ٍة حتى �أ�صبحت ال�سيارة مبحاذاة اجليب ،وتالقت املر�آتان،
َّ
ويف تلك اللحظة �ضغطت الأ�صابع على ال ِّزناد ،وانطلقت احلناجر بال ّتكبري،
لت�ستقر يف �أج�ساد اجلنود الثالثة الذين مت َّلك ْتهم احلرية،
َّ الر�صا�صات
واندفعت َّ
دوا�سة َ
�ضغط جميل على ّ فلم ي�ستيقظوا منها �إال وقد َّ
تخطفهم املوت .وعندئذ
البنزين ليغادروا املوقع �آمنني.
وف ََّـر الإخوة ر�شا�ش (كارلو غو�ستاف)� ،إ�ضاف ًة �إىل ر�شا�ش املجموعة
قوتهم ال�ضاربة ،مما يوفّر لهم نتائج �أف�ضل،
(الكال�شنكوف) ،وذلك لزيادة ّ
و�رسع ًة يف الأداء ،وقدر ًة على مواجهة �أي طارئ.
أنف�سهم كما اقت�ضت اخلطة ،وانطلقوا للعمل ..حتى عد املجاهدون � َ َ�أ َّ
و�صلوا املوقع قُبيل املغرب بقليل ،فوجدوا فيه ما ال ُّ
يقل عن اثني ع�رش م�ستوطن ًا
يهودي ًا يقفون يف املحطة ،وال تقف معهم � ُّأي حرا�سة ،ففرحوا بذلك وا�ستب�رشوا
لتفح�صه ،ففوجئوا بوجود حاجز
ال�س َري يف ال�شارع ّ
بنجاح املهمة ،ثم وا�صلوا ّ
(العروب) ،و�شعروا ب�أن هذا احلاجز
ّ ع�سكري يرب�ض قريب ًا من مدخل خميم
ّ
للخطة ،وت�شاورٍ للمعطيات اجلديدة ،ومراجع ٍة
ِ مهمتهم .وبعد درا�س ٍة
�سيف�شل ّ
ُ
قدموا على تنفيذها
مهم ِتهم ا�ست�شهاديةً ،و�أنْ ُي ِ
اعتبار ّ
َ قر َر الإخوة
فيما بينهمَّ ،
مهما ك ّل َ
ف الأمر ،فوجود هذا العدد الكبري من امل�ستوطنني يغري بالتنفيذ،
وا�ستعداداتهم ال�سابقة والطويلة تعطي فر�ص ًة جيد ًة للنجاح.
عاد الإخو ُة �إىل موقع التنفيذ ،وقبالة املحطة ومن فيها من امل�ستوط ِننيَّ � ،
أطل
املجاهدان �شكيب ومو�سى من النافذة ب�أ�سلح ِتهم ،و�شرَ َعا ب�إطالق النار ،حيث
�أطلق �شكيب كمي ًة كبري ًة من الر�صا�ص من �سالحه (الكال�شنكوف) ،فيما ّ
تعط َ
ـل
�سالح مو�سى (الكارلو) ،ومل ُيطلق �أي ر�صا�صة.
َ
و�صل الإخوة �إىل احلاجز مع اجلنود املتواجدين على احلاجز �إنْ َل ِز َم الأمر .فع ً
ال،
الذي يبعد عن موقع التنفيذ �أقل من كيلو مرت واحد ،وتوقّعوا �أنْ يكونَ اجلنود
أخبار مل ت�صل �إليهم بعد ،و�أ�صوات الر�صا�ص مل تتنا َه
بانتظارهم ،فوجدوا �أنّ ال َ
ني مبا وفّقهم
فمر جماهدونا ب�سالم ،وانطلقوا يف طريق العودة ف َِرح َ
م�سامعهمَّ ،
ِ �إىل
اهلل �إليه.
متحرك:
ج ـ �إطالق النار من موقع ثابت نحو هدف ِّ
عملية (غان تال)
املكان :م�ستوطنة (غان تال) ـ غزة.
اخللية� :إبراهيم �سالمة ـ خانيون�س/غزة�( ،شهيد).
براء الأغا ـ غزة.
جمال مو�سى ـ غزة ،وهو �سائق املجموعة.
النتيجة :قتل جند َّيني و�إ�صابة ثالث ،وغنيمة �سالح ر�شا�ش.
يتجول منفرداً يف ال�شارع
الر�صد ب�صيدٍ ثمني؛ جيب ع�سكري ّ
جاءت �أعني َّ
الأمني مل�ستوطنة (غان تال) ،فكان قرار الإخوة وعلى ر�أ�سهم جرنال الكتائب
واال�ستيالء على �سالح اجلنود فيه ،فا�ستدعى املجموعة،
َ (جميل وادي) �رض َبه
أعدوا ّ
خطـ َة الهجوم. وو�ضعهم بال�صورة ،وتدار�سوا التفا�صيل ،و� ّ
126
انطلق الأبطال� :إبراهيم ،وبراء ،وجمال ،مع �ساعات الفجر الأوىل �صوب
وتقدما من
َّ ترج َل املجاهدان؛ �إبراهيم وبراء،
حمددةَّ ،
امل�ستوطنة ،وعند نقطة َّ
ال�سلك ال�شّ ائك املحيط بامل�ستوطنة ،وبدءا باحلفر �أ�سف َله بهم ٍة و�رسعة ،ذلك
�أنّ ّ
اخلطة التي ر�سموها تقت�ضي ب�أنْ يت�س َّلال من حتت ال�سلك ،لكنهما ا�صطدما
التقدم..
أ�سمنتي مدفونٍ يف الرمال من َعهما من ّ
ٍّ ب�سورٍ �
موقع
ٍ أ�شار �إىل
ملعرفة براء باملنطقةَ � ،
ِ ولكن
ْ �أُ�صيب ال َأخوان ب�صدمة وحرية،
ووجدا مدخ ً
ال منا�سب ًا نَـفذا ال بدي ً
ال ،فانطلقا �إليه دون تر ُّددَ ، قريب يحوي مدخ ً
منه �إىل الداخل.
مل يكن موقع التنفيذ مثالي ًا ،فاالحتالل �أحكم حرا�سته للم�ستوطنة ،ومل
يحتمي بها �أو
َ يرتك يف املحيط �أ�شجاراً �أو �سواتر طبيعية ت�سمح للمهاجم �أن
أمني ًا يحيط بامل�ستوطنة َ
ليزيدها ترابي ًا � ّ
وجد املجاهدان �شارع ًا ّ
ي�ست َرت خلفها .كما َ
جريات �صغري ًة �أ�شبه باحل�شائ�ش املرتفعة
ٍ ح�صان ًة وم َنعة� ،إال �أن الأبطال تخيرَّ ا ُ�ش
تنمو على حافّة الطريق فاحتميا بها ،وكادا �أن يدفنا نف�سيهما بالرمال حتى ال
يظهر منهما �شيء .بل وزياد ًة على ذلك ،و�إح�سان ًا لعن�رص املباغتة ،ف�إنهما َ
كمنا
الداخلية لل�شارع الأمني� ،أي بعك�س ما يتوقّعه جنود الدورية ،وبعك�س
يف اجلهة ّ
�ستتوجه �إليه �أنظارهم واهتمامهم.
ّ ما
أل�سن
بقلوب كال�صخر ،وعيونٍ كال�صقر ،و� ٍ
ٍ كمن الأبطال انتظاراً لهدفهم
تلهج بالدعاء ِّ
والذكر ،و�أيدٍ تقب�ض على بندقية (كارلو غو�ستاف) ،مكتوب على
حزامها (كتائب الق�سام ـ خانيون�س) ،وبندقية ( )M16غَ ِن َمها املجاهدون من
اجلندي ال�صهيوين (�ألون كورثاين) بعد اختطافه.
127
�سالحه من ر�صا�ص،
ُ فانق�ض عليها �إبراهيم ِّ
بكل ما حواه َّ مرت الدورية
َّ
ال ،وال َأخوان ال يعلمان ما ح�صل مع ّ
ركاب اجليب. وبراء يحمل �سالح ًا َّ
معط ً
ظن �أنّ
خرج اجلندي الثالث اجلال�س يف املقعد اخللفي ،وقد َّ َ وبعد حلظات،
وجدهم �رصعى بد أ� بال�رصاخ،
َ مبحاكاة زمالئه ،وملا
ِ املجاهدين ان�سحبا ،وبد َ�أ
َ
الر�صا�ص باجتاه اخلارج حتى �أفرغ وتوجه نحو ال�سلك ال�شائك ،و� َ
أخذ ُيطلق َّ ّ
خمزن الر�صا�ص ،ثم انطلق يعدو مبتعداً عن املكان ،وعندئذ �سارع �إبراهيم �إىل
انطلق خلفه يطلق الر�صا�ص عليه حتى �أ�صابه.
َ تبديل خمزن الر�صا�ص ،ثم
عاد ال َأخوان �إىل اجليب ،و�أخرجا قطعة ال�سالح الأوىل ،وحاوال �إخراج
الثانية ،لكنها كانت عالق ًة حتت اجلندي القتيل ،فرتكاها و�سارعا باالن�سحاب
بعيداً عن املكان.
عمليات مثلها:
عمليات االغتيال:
عملية اغتيال (�شمعون بريان) ،خمتار م�ستوطنة (كفار داروم).
الزمان 1992/5/27 :م.
املكان :م�ستوطنة (كفار داروم) ـ غزة.
املنفِّذ� :أحمد الفليت ـ دير البلح/غزة( ،م�ؤ َّبد).
النتيجة :قتل خمتار امل�ستوطنة (�شمعون بريان).
خط َط و� َّ
أعد لها املجاهد فردي كاملّ ،
ٍّ تلك عملي ٌة بطولي ٌة ناجحة ،مبجهودٍ
�أحمد ،ونفَّذها بكفاء ٍة واقتدار.
يتوق �إىل العمل اجلهادي ،ويبحث عن ال�شهادة ،بينما مل يكن كان �أحمد ُ
ّ
ميلك من �أدواتها املا ّدية �إال �سكين ًا يجت ُّز بها ِّ
الرقاب� ،أما الأدوات املعنويّة
فحدث وال َح َرج! وحيةِّ ،
والر ّ
ُّ
أر�ضه يف قطاع غزة،
ين يغت�صب � َ
ال�صهيو َّ َ
االحتالل ّ فوجد
َ نظر �أحمد حوله،
َ
ووجد م�ستوطنة (كفار داروم) جتثم وع�رشات امل�ستوطنات على �أر�ض فل�سطني،
َ
قر َر �أن تكون
وت�سلبها من �أ�صحابها ..ولذا ،فقد ّ
ُ وتنهب خريا ِتها،
ُ فتطر ُد �أه َلها،
ِوجهته نحو كبري هذه امل�ستوطنة وخمتارها ،واملعروف بحقده وكراهيته ِّ
لكل
فل�سطيني وعربي وم�سلم ،ملا مي ّثله قت ُله من �أ َث ٍر معنوي على ّ
�سكان امل�ستوطنة ٍّ ٍّ
معنوي م�ضا ّد ،واملتم ّثل بالفرحة الكبرية ل�سكان قطاع غزة ٍّ ومغت�صبيها ،و�أ َث ٍر
الذين ذاقوا الويالت على يد هذا احلاقد.
وا�ستمر
ّ للم�ستوطنة وخمتارِ ها (�شمعون بريان)،
ِ بد�أ �أحمد مرحل َة ر�صدٍ طويلة
حد َد �أحمد خاللهما من �أين ُت� َؤكل الكتف.
ير�صد ويتابع طوال �شهرينّ ،
131
***
132
عمليات اخلطف:
�أ ـ اخلطف الفردي:
عملية خطف اجلندي (�شارون �إدري).
الزمان1996/9/9 :م.
املكان� :رصفند ـ تل الربيع (تل �أبيب).
اخللية :جمال الهور ـ �صوريف/اخلليل.
مو�سى غنيمات ـ �صوريف/اخلليل�( ،شهيد).
رائد �أبو حمدية ـ �صوريف/اخلليل�( ،شهيد).
عبد الرحمن غنيمات ـ �صوريف/اخلليل.
النتيجة :خطف اجلندي وقتله.
مرتني ليلية مبعدل ّ
د� َأب جماهدو خلية �صوريف على اخلروج يف جولة ّ
إ�رسائيلي ي�أ�رسوه ،وا�ستمروا على هذا احلال زمن ًا
ٍّ جندي �
ٍّ �أ�سبوعي ًا؛ بحث ًا عن
جتولوا خالله ب�سيارتهم يف طول البالد وعر�ضها ،و�ساروا على �أقدامهم طوي ً
الّ ،
ال�رسية ال�صهيونية بحث ًا عن ُبغيتهم ،حتى كان طوي ً
ال وهم يلب�سون زِ ّي ال�رشطة ّ
التا�سع من �أيلول من العام 1996م.
كانت ِوجهتهم نحو م�ست�شفى (�رصفند) ،ذلك �أنّ عز َمهم كان � اّأل ي�أ�رسوا
�إال جندي ًاّ ،
وجتولوا ب�سيارتهم كاملعتاد� ،أ�شار اجلندي (�شارون �إدري) لل�سيارة
وحتدث معه (مو�سى) باللغة العربية بطالقة ،فركب اجلندي يف املقعد
فتوقّفتّ ،
اخللفي بجانب املجاهد (رائد) ،وانطلقت به ال�سيارة تعرب به الطريق مبتعد ًة
نحو نهايته.
�سارت اخلطة كما هو مر�سوم ،ولكن بعد �أنْ �سارت ال�سيارة م�ساف ًة لي�ست
الريبة ،و� َ
أخذ يلتفت مين ًة وي�رسة ،عندئذ وبغري �شيئ من ّ
�ساور اجلندي ٌ
َ طويل ًة
م�سد�سه �إىل �صدر اجلندي ،و�أطلق ثالث
ّ �صو َب (رائد)
ما اقت�ضت اخلطة ّ
ر�صا�صات ،ف�أ�صاب اجلندي باثنتني ،بينما انحرفت الر�صا�صة الثالثة لت�صيب
�سكت �إىل الأبد.
َ ج�سم ال�سيارة ،ف�رصخ اجلندي�( :أمي� ..أمي) ،ثم
بعد حلظات كان املجاهدون يقفون ا�ضطراراً �أمام �إ�شارة َ�ضوئية يتواجد
أر�ضيـة ال�سيارة وتغطيتها
املارة ،ف�سارعوا �إىل و�ضع اجلثة يف � ّ
عندها بع�ض ّ
بقمي�ص �أحدهم.
134
وفور و�صولهم حميط (�صوريف) ،بد�ؤوا بحفر قرب للجندي امليت ،وا�ستغرق
تعر�ضوا خاللها �إىل مواقف �صعبة ،فقد
العمل طوال الليلة حتى ا�ستطاعوا �إجنازهّ ،
كان الو�ضع الأمني َح ِرج ًا ،وطائرات االحتالل جتوب ّ
اجلو وتر�صد املنطقة.
أعدوها على
�أخذ الإخوة �أوراق اجلندي ال ّثبوتية ،ودفنوه يف احلفرة التي � ّ
َعجل ،و�أبقوه فيها �شهرين ،ثم قام ال َأخوان (عبد الرحمن) و (جمال) بعد ذلك
بتغيري موقع اجل ّثة احتياط ًا؛ حتى ال يكون باقي �أفراد اخللية على علم مبوقع اجل ّثة.
وبقيت اجلثة يف موقعها مدفون ًة ت�سع َة �أ�شهر ،مل يكن خاللها لدى حكومة
ٌ
خمطوف لدى الفل�سطينيني� ،إىل �أن اع ُتقلت اجلندي
َّ علم ب�أن
االحتالل � ُّأي ٍ
وك�شف مكان اجلثة ،وحينئذ خرج رئي�س وزراء العدو (بنيامني نتيياهو) اخلليةُ ،
ليعلن بنف�سه �أن (�شارون �إدري) كان خمطوف ًا ،و�أنهم عرثوا �أخرياً
َ �إىل الإعالم،
على ج ّثته.
135
ويالحظ �أن جميع عمليات اخلطف التي قامت بها الكتائب كانت فرديةً� ،إال واحدة،
ومنها:
ب ـ اخلطف اجلماعي:
عملية خطف احلافلة ـ القد�س.
الزمان1993/7/1 :م.
املكان :التلة الفرن�سية/القد�س.
اخللية :ماهر �أبو �رسور ـ خميم عايدة/بيت حلم ،وهو م�س�ؤول اخللية�( ،شهيد).
حممد عزيز ر�شدي ـ خميم العروب/اخلليل ،وهو القائد العام�( ،شهيد).
حممد الهندي ـ بيت حلم�( ،شهيد).
�صالح عثمان ـ خميم جباليا/غزة.
النتيجة :مقتل اثنني من ال�صهاينة وجرح �آخرين.
اجلماعية الوحيدة التي نفّذتها كتائب الق�سام منذ
ّ هي عملية االختطاف
انطالق حركة املقاومة الإ�سالمية (حما�س) ،مبعنى �أنها العملية الوحيدة التي
ا�ستهدفت اختطاف عدد من اجلنود ولي�س جندي ًا واحداً .حيث بد�أ القائد
ال�شهيد (حممد عزيز) و�إخوانه بالإعداد لعملي ٍة تهدف �إىل �أ�رس عدد كبري من
ال�صهاينة ،وذلك ملقاي�ضتهم بجميع الأ�رسى يف �سجون االحتالل.
136
متفجرة ،وبندقية
ّ ركب (حممد) و (ماهر) يف القاطرة الأوىل معهما حقيبة
متفجرة
ّ ّ
ا�ستقل (حممد) القاطرة الثانية ومعه حقيبة ( )M16وم�سد�س ،فيما
مقدمة احلافلة ،و�أعلن ّ
للركاب �أنّ احلافلة مخُ تطفة، وقف (ماهر) يف ِّ
وم�سد�س ،ثم َ
ّ
�سيفجرون احلافلة بهم،
ّ و�أن عليهم التزام الهدوء وال�صمت ،و�إال ف�إن املجاهدين
�أما (�صالح) فقد تظاهر ب�أنه �أحد املخطوفني..
وبينما الأمر حتت ال�سيطرة ،قامت امر�أ ٌة يهودية مبحاولة خطف �سالح
بجراح َخ ِطرة ،فد ّبت الفو�ضى
ٍ (ماهر) ،ف�أطلق عليها الر�صا�ص و�أ�صابها
والإرباك يف احلافلة ،ثم انطلقت بع�ض الطلقات �أ�صابت �إحداها ر�أ�س (�صالح)،
ف�سقط على الأر�ض م�صاب ًا بجراح َخ ِطرة ،وحاول ال�سائق ا�ستغالل الفو�ضى
وخطف ال�سالح من يد (ماهر)� ،إال �أنّ (ماهر) عاجله بر�صا�صة �أردتْه قتي ً
ال.
137
�سارت احلافلة بدون �سائق م�ساف ًة ق�صرية ،ثم ما لبثت �أن ا�صطدمت بعمود
كهرباء ،فقف َز املجاهدان (ماهر) و (حممد) من احلافلة حماولني االن�سحاب من
املوقع ،و�سارعا �إىل �إيقاف �سيارة �إ�رسائيلية تقودها �سيدة يهودية ،وركبا معها
حتت تهديد ال�سالح ،وانطلقا �صوب مدينة (بيت حلم).
ويف هذه الأثناء ،حاولت اليهودية التي تقود ال�سيارة �أن تتباط�أ ،ومل تتجاوب
ورميـها من ال�سيارة ،ف�أ�صابوها �إ�صابة
َ فف�ضلوا ق ْتـ َلها
مع توجيهات املجاهدينّ ،
لت�ستقر على حافة الطريق ،وقد
ّ غري مبا�رشة ،فانحرفت ال�سيارة عن م�سارها
َ
وحرق جثامينهم. �أُ�صيب ّ
كل من فيها ،فقام االحتالل باعتقالهم ،ثم ق َتـ َلهم
138
عمليات التفجري:
�أ ـ العمليات اال�ست�شهادية:
1ـ با�ستخدام ال�سيارات املفخخة:
عملية (دير �رشف).
الزمان2001/4/29 :م.
املكان :مدينة نابل�س.
املنفّذ :اال�ست�شهادي جمال نا�رص ـ نابل�س.
كان (جمال) من ن�شطاء الكتلة الإ�سالمية يف جامعة النجاح الوطنية ،وكان
بحث بط ُلنا عن ال�شهادة طوي ً
ال ،حتى َ �أحد م�س�ؤويل اللجنة الدعوية فيها.
وجدها قريب ًة منه ،ووجد الأبواب تُفتح له م�رشعةً ،فاندفع �إليها م�رسع ًا ال يهاب
املوت..
وتطيب ،ثم
ّ �أعد (�أبو خالد) نف�سه للقاء ربه ،فاغت�سل ولب�س �أجمل الثياب
خرج مبت�سم ًا فرح ًا بقرب املوعد الذي مت ّناه.
ب�سيارته نحوها بال�رسعة الق�صوى ،وعند نقطة ال�صفر �ضغط على مفتاح ال�شهادة
فانفجرت ال�سيارة باحلافلة وتطايرت النريان منها� ،إال �أنّ احلافلة كانت م�صفّحة،
الأمر الذي ق ّلل من خ�سائر االحتالل و�إ�صاباته.
العدو
ّ �صيده ،فانطلق نحوه بخربة ال�صياد ،ومل ي�ستطع زورق ُ والح له
يح�سوا به �إ ّال وقد انغر�س يف ج�سم زورقهم ،ثم انفجر ّ
ب�شد ٍة �أن يوقفه ،ومل ّ
حولت ال ّزورقَنيِ �إىل كتلة من الّلهب ُر ِئيت من �شواطئ البحر� ،إال �أن عدم وجود
ّ
ال�صحافة يف عر�ض البحر ،حال دون الك�شف عن حقيقة خ�سائر االحتالل
الذي مل يعلن عن وقوع العملية.
141
ثم كان الإعداد النهائي ،ليخرج (عبد البا�سط) بال�صورة التي �سينفذ بها
اخللقة ،كان اخليار ب�أن ّ
يتنكر على ُ
جميل ِ و�سيم
ٌ �شاب
�شهيدنا ٌّ
َ هجومه ،ولأن
هيئة فتاة �إ�رسائيلية ت�ستطيع الدخول حيث ت�شاء ،ف�أح�سن الإخوة يف �إعداده،
ظهر على غري الهيئة التي عرفوه بها!
حتى َ
143
ويف داخل الأر�ض املحتلة عام 1948م ،جابت ال�سيارة طول البالد
وعر�ضها دون جدوى ،فقد كان يوم عيد ،واملحالت واملطاعم والنوادي وكل
ا�ستمرا بالبحث ،حتى و�صال �إىل مدينة (نتانيا)،
ّ املرافق مغلقة الأبواب ،لكنهما
يعج
وبعد طول عناء و�صال �إىل فندق (بارك) ،وبتوفيقٍ من اهلل ،وجداه دون غريه ّ
وترجل
ّ بال ّنزالء ،وعلى بابه حار�س يف ّت�ش كل من ي�شتبه به .فتوقّفت ال�سيارة،
(عبد البا�سط) ،وطلب من (فتحي) املغادر َة بعد �أن َ
وعده بال�شفاعة.
عامر بالإميان!!
ٍ قلب �أ�سدٍ ه�صورٍ
كانت هيئ َة فتا ٍة جميلة ،ويف �أثوابها ُ
بخطى ثابت ٍة نحو هدفه ،ودخل الفندق دون �أن يعرت�ض احلار�س
ً انطلق
144
مت�ض �إال دقائق معدودة ،حتى كان الفندق خراب ًا ،و�إذا َمن بداخله
طريقه ،ومل ِ
كع�صف م�أكول!..
ٍ
مدمراً ال ّ
ي�صدق العقل �أنّ عبو ًة ويف امل�ساء ،كانت �صور الإعالم تُظهر مكان ًا َّ
املعدة بطريقة مثالية تفعل َّ
كل ذلك، ت َِزنُ ب�ضع َة كيلو غرامات من املواد املتفجرة ّ
ولكننا نقول كما قال تعاىل } :ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{.
�أُ�صيب االحتالل بذهول �شديد ،فعبرّ عن ذلك بعملية اجتياح �رش�سة ،كانت
جي�شه املدنَ منت�صف ال ّت�سعينات ،ف�شملت معظم مدن
هي الأو�سع منذ ترك ُ
ال�ضفة الغربية ،و�أحدثت جمازر ب�شعة يف خميم (جنني) ومدينة (نابل�س) .ثم ظهر
ذات احلقد على املجاهدين �أبطال اخللية بعد اعتقالهم� ،سواء يف مدة التحقيق
ال�ص َورية ،التي اقرتحت خاللها
امتدت قرابة �أربعة �أ�شهر� ،أو يف املحاكم ُّ
التي ّ
�إحدى القا�ضيات ال�صهيونيات �أن يمُ نع �أفراد اخللية من ر�ؤية ال�شم�س طوال
حياتهم ،بينما طالب القا�ضي الثالث ب�إعدامهم.
ب ـ العبوات:
عملية اجلامعة العربية
الزمان2002/7/31 :م.
املكان :اجلامعة العربية ـ القد�س.
اخللية :حممد عرمان ـ خربثا/رام اهلل ،وهو م�س�ؤول اخللية 35( ،م�ؤ َّبد).
حممد عودة ـ �سلوان/القد�س.
وائل قا�سم ـ �سلوان/القد�س.
النتيجة� :سبعة قتلى ،و 95جريح ًا منهم 11حالة َخ ِطرة.
بحق
�أقدم االحتالل الإ�رسائيلي بتاريخ 2002/7/23م على جرمية ب�شعة ّ
حربية ثقيلة،
الد َرج) ب�صواريخ ّ
�أهلنا يف مدينة غزة ،حيث �أقدم على ق�صف (حي َّ
زِ نَتها ( )1طن؛ وذلك الغتيال القائد العام لكتائب الق�سام ،ال�شيخ (�صالح
�شحادة) ..مما �أ ّدى �إىل ا�ست�شهاده و�سبعة ع�رش مواطن ًا من الرجال والن�ساء
ّ
لت�شكل جمزر ًة ب�شع ًة ال �أخالقي ًة كباقي جمازره ،فكان قرار والأطفال وال�شبان،
الإخوة ب�رضورة الإعداد ل�رضب ٍة ق�سامي ٍة نوعية ،ت�أخذ بالث�أر ،وال تراعي ُحرمة
يراع االحتالل ُحرمة املكان وحرمة البيوت الآمنة.
املكان ،كما مل ِ
بد�أ الإعداد ،ومل يكن لدى املجاهدين �أكرث من ب�ضعة كيلو غرامات من املواد
معدنية،
ّ �شظية
درا�سيةُ ،مط َّعمة (ب�ألف) ّ
ّ أعدوها على �شكل حقيبة
املتفجرة ،ف� ّ
والدور والوظيفة التي �ست�ؤديها،
تتنا�سب يف �شكلها واملكان الذي �س ُتزرع فيه ّ
يتم ت�شغيل العبوة عرب الهاتف النقّال (البلفون)..
بحيث ّ
واختار الإخوة لث�أرهم موقع ًا جديداً ،مل ي�سبق �أن ا�س ُتهدف يف عملية من
قبل ،وهو كفترييا اجلامعة العربية يف مدينة ( القد�س) ،حيث يكرث الطلبة يف
146
وتوجه
ّ اجلميع ّ
اخلطـ َة وناق�شوها، ُ وو�ضع
َ أعد الأخ (عرمان) العبوة النا�سفة،
� ّ
ال َأخوان( :عودة) و(وائل) بالعبوة نحو حرم اجلامعة ،وبتاريخ 7/28ت�س ّلقا
�سورها �إىل الداخل ،وو�ضعا احلقيبة يف �صالة الكفترييا ،ثم ان�سحبا بهدوء فلم
َيرهما �أحد .ومن خارج اجلامعة ،قاما باالت�صال لتفجري العبوة� ،إال �أن املفاج�أة
كررا املحاولة لكن دون جدوى.
كانت �أنها مل تنفجر! ّ
وتوجها �إىل الأخ
ّ عاد الأخ (عودة) �أدراجه و�أخذ العبوة من مكانها،
ـن له �أنّ هناك خل ً
ال �أ�صابها يف تو�صيل فتبي َ
فح�صها ّ
َ (عرمان) ،الذي �أعاد
الأ�سالك ،وذلك حينما قام الإخوة ب�إلقائها من �سور اجلامعة لإدخالها �إليها،
بل �إن لطف اهلل ورحمته حالت دون تفجريها ،ف�أعاد الأخ (عرمان) تو�صيل
الأ�سالك ،و�أ�صبحت العبوة جاهز ًة للتفجري من جديد.
اقتحام املع�سكرات:
اقتحام م�ستوطنة �أدورة.
الزمان2002/4/27 :م.
املكان :م�ستوطنة �أدورة ـ اخلليل.
اخللية :منري مرعي ـ بيتا/نابل�س ،وهو م�س�ؤول اخللية 5( ،م�ؤبدات).
طارق دوف�ش ـ اخلليل�( ،شهيد).
فادي دويك ـ اخلليل 5( ،م�ؤبدات).
النتيجة 5 :قتلى ،و 18جريح ًا.
وهي عملي ٌة بطولي ٌة من �أكرث عمليات اقتحام امل�ستوطنات جناح ًا ،فقد جمعت
بني النتائج اجليدة يف عدد القتلى واجلرحى ،وبني النجاح يف االن�سحاب
عمليات
ٍ ُعد
من موقع التنفيذ بعد �إجناز املهمة ،رغم �أن مثل هذه العمليات ت ّ
ا�ست�شهادية.
يف منطقة احلرم الإبراهيمي يف املدينة ،ثم للقيام بعملية ا�ست�شهادية يف مدينة
(ال�سبع)� ..إال �أن عدداً من العوامل والظروف حالت دون �أي تنفيذ.
وقبل العملية بيوم ،ا�صطحبهما (منري) �إىل �سكنه ،وهناك قام بت�صويرهما
فوتوغرافي ًا وعلى �رشيط فيديو ،وك�شف لهما عن ا�سم امل�ستوطنة الهدف ،وكان
ّ
توجهوا جميع ًا �إىل حميط امل�ستوطنة ،ودر�سوا
ر�صده ب�شكل دقيق وطويل ،ثم ّ
َ قد
املعدة للهجوم ،واتفقوا على �آلية التنفيذ
املوقع عن كثب ،وتدار�سوا اخلطة ّ
ووقته.
ثم انطلقا �صوب امل�ستوطنة م�رسعني ،ويف الطريق �ص ّليا الفجر ،ووا�صال
و�صال قرب �سور امل�ستوطنة ال�شّ ائك ،وهناك َكمنا قلي ً
ال ،ثم تعانقا ال�سري حتى َ
عناق مو ّدع ،و َبدءا مرحلة العبور ،فتجاوزا ال�سلك ال�شائك الأول ،ثم الثاين
ال�سكنية ،وبعد مبق�ص كانا يحمالنهَ ،
وكمنا من جديد قرب البيوت ّ بعد ْ
قطعه ٍّ
149
قليل جاء �أحد اجلنود ،ودخل البيت الذي كانا يختبئان عنده ،فتبعه (فادي)
ٍ
�ش الطابق الأول فلم يجد فيه �إال ولداً نائم ًا ،فرتكه و�صعد
ودخل البيت خلفه ،ف ّت َ
�إىل الطابق الثاين ،وانتظر عند باب غرفة النوم ،حتى ي�سمع �صوت �إطالق النار
�سمع �صوت الر�صا�ص ،حتى قام بك�سرْمن (طارق) ح�سب االتفاق ،وما �إن َ
توجه م�رسع ًا
فوجد اجلندي مع زوجته ،ف�أطلق عليهما النار وقتلهما ،ثم ّ
َ الباب؛
�إىل الطابق الأول حيث ينام الولد ،فقام بقتله ،ثم خرج من البيت.
تقد َم ال َأخوان يف �سريهما حتى التقيا من جديد ،وف َتحا ا�شتباك ًا مريراً مع
ّ
ح�شدٍ من امل�ستوطنني والع�سكريّني ،و�أكثرَ ا من �إطالق الر�صا�ص حتى َ
فقد
ال�سمع ب�إحدى ُ�أذنيه ،و�أثناء ذلك �أط ّلت عليه �إحدى الن�ساء اليهود ّيات
(طارق) ّ
جندي �صهيوين ،ف�أطلق عليها النار و�أ�صابها.
ٌّ من نافذة املنزل ظا ّنـ ًة �أنه
فخرجا من
قررا االن�سحابَ ،وبعد �أن �شارفت ذخري ُة ال َأخوين على النفادّ ،
دخال ،بعد �أن َ
مكثا يف امل�ستوطنة قرابة ال�ساعة ،وبد�أت رحلة العودة، حيث َ
لكن من طريق غري الذي �س َلـكاه �صباح ًا ،ولأنهما ال يعرفان الطريق اجلديد
جيداً� ،ضلاّ الطريق ،فطال وقت االن�سحاب حتى ح�رضت �أثناء ذلك �أربع ّ
مروحية �صهيونية ،وبد�أت بتم�شيط املكان بحث ًا عنهماَ ،
فكمنا �أ�سفل ّ طائرات
�إحدى �أ�شجار الزيتون ،وبعد �أربع �ساعات من االنتظار �شاهدا عمليات �إنزال
150
عمليات الدوريات:
عملية نهر الأردن.
الزمان1990/11 :م.
املكان :احلدود الأردنية الفل�سطينية.
اخللية :خالد �أبو غليون ـ خميم حطني/الأردن( ،م�ؤبد).
�سامل �أبو غليون ـ خميم حطني/الأردن( ،م�ؤبد).
فايق كعابنة ـ خميم حطني/الأردن( ،م�ؤبد).
�أمني ال�صانع ـ عمان/الأردن( ،م�ؤبد).
�إبراهيم غامن ـ خميم البقعة/الأردن25( ،عام ًا).
النتيجة :مقتل �ضابط ،وجرح �أربعة جنود.
وا�ستقرت يف نفو�سهم،
ّ ال�شهادة ،فكر ٌة طاملا داعبت �أفكارهم ّ
وخميلتهم
ف�شغلتهم حتى بد�ؤوا بالبحث عنها لينالوها ،فكان االنطالق �إىل فل�سطني..
تكفّل (�إبراهيم) بتوفري ال�سالح ،بينما انطلق باقي الإخوة نحو نقطة العبور
حددوها لأنف�سهم ،واتّفقوا على اللقاء على احلافة ال�رشقية للنهر .وهناك
التي ّ
152
تفاج�أ الإخوة �أن (�إبراهيم) ح�رض �إىل املوقع ولي�س معه � ّأي قطعة �سالح ،ومل
ال�شخ�صية ،فهل يعودون؟!
ّ امل�سد�سات
ّ يكونوا يحملون �إال
وهنا كان اجلواب منهم قاطع ًا� ،أن ال عودة وال ت�أجيل ،فقد ح�سبوا �أنف�سهم
يف طريقهم �إىل لقاء اهلل ،فكيف مبن ع�شق ال�شهادة وحان �أجلها ف�أ�صبحت
مب�سد�ساتهم و�إميانهم،
عدل عنها ويختار الرجوع؟! ثم انطلقوا ّ
�أمام ناظريه �أن َي ِ
واخرتقوا الأ�سالك ال�شائك َة و� ً
صوال �إىل هدفهم.
حرب الأنفاق:
عملية ال�سهم الثاقب
الزمان2004/12/8 :م.
املكان :كارين ـ غزة.
النتيجة :مقتل جندي ،وجرح �أربعة �آخرين.
بطولي ٌة جريئ ٌة من عمليات (حرب الأنفاق) ،تلك التي �ش ّنها �أبطال الع ّز
ّ عملي ٌة
عدوهم ،ليحيلوا الأر�ض ناراً حتت �أقدامهم .وهي من العمليات التي امتازت على ّ
عدة من ال�سالح املقاوم؛ فقد ا�ستخدم املجاهدون فيها ال�سالح
با�ستخدام �أنواع ّ
ال ّناري ،و�سالح التفجري ،كما ا�ستخدموا �أ�سلوب الهجوم واملباغتة ،والعمل
اال�ستخباري ،و�أ�سلوب الأنفاق ،وفوق ذلك ك ّله �سالح اال�ست�شهاد ّيني.
من باطن الأر�ض ،اجتاز املقاومون ال�شِّ يك الأول ،ثم اجتازوا الطريق الأمني
الذي اتّخذه العدو حلماية حدوده امل�صطنعة ،ثم اجتازوا ال�شِّ يك املحيط باملع�سكر،
حددوها م�سبق ًا ،وعند هذه النقطة قاموا
وهكذا و�صل الأبطال نقط ًة داخل املوقع ّ
ّ
التحكم بها عن ُبعد. بزرع عبوة نا�سفة �ضخمة تزن مئات الكيلو غرامات يتم
ن�سقت
البعد اال�ستخباري ،فقد ّ
�أما اجلزء الأروع يف العملية ،فهو �إدخال ُ
الكتائب عملي ًة ا�ستخباري ًة معقّد ًة عرب عميل مزدوجَ ،
زرعه �أبطال الق�سام يف
154
�صفوف العدو ،هذا اجلزء الها ّم من العملية �ساهم ب�صورة كبرية يف �إجناح املهمة
و�إرباك العدو وجع َله يفقد �صوابه.
كان دور العميل املزدوج هو �إي�صال املعلومة املغلوطة التي طلبت قيادة
الكتائب منه �إي�صالها �إىل �أجهزة الأمن ال�صهيونية ،واملعلومة تُفيد ب�أن مطارداً
من قادة كتائب الق�سام �سيتواجد يف ذات النقطة التي ُزرعت فيها العبوة لتنفيذ
فتوجهت قوات االحتالل �إىل املوقع على �شكل جمموعات راجلة
مهمة جهاديةّ ،
�سعي ًا منهم ال�صطياد املجاهد.
و�صلت املجموعة الأوىل من جنود االحتالل على �شكل دور ّية راجلة
املحددة
َّ مدرب وما �إن و�صلت املجموعة �إىل النقطةبولي�سي َّ
ٌّ كلب
يتقدمها ٌ ّ
وكلبهم
َ حتى قام ُ�أ ْ�سد الق�سام بت�شغيل العبوة �أ�سفلهم ،فقتلت َ
قائد املجموعة
البولي�سي ،وجرحت �أربعة جنود �آخرين بجروح �صعبة.
ّ
ومل يكتف املجاهدون بذلك ،بل خرج من النفق مقاتالن من الق�سام نحو
القوة ال�صهيونية التي تتابعت للم�ساندة ،وا�شتبكا معها ،وتبادلوا �إطالق ًا كثيف ًا
دويوا�ستمر اال�شتباك مد ًة طويل ًة كان ُّ
ّ للر�صا�ص� ،أُ�صيب �أثناءه عدد من اجلنود،
وفرقعات قناب ِله تُ�سمع من بعيد ،حتى حانت �ساعة ال�شهادة ،واختار ُ ر�صا�صه
ِ
أ�سد ِين �إىل جواره.
اهلل ال َ
حرب ال�صواريخ:
�أ ـ ال�صواريخ امل�ضادة للدروع (البتّار):
عملية حي الزيتون.
الزمان2004/5/11 :م.
املكان :حي الزيتون ـ مدينة غزة.
النتيجة :مقتل �ستة جنود ،بعد تدمري د ّبابتهم.
بعد �أن توغلت د ّبابات وناقالت جند �صهيونية يف قطاع غزة ،وو�صلت
عد معق ً
ال من معاقل حركة حما�س يف القطاع ،وذلك حي الزيتون الذي ُي ّ
بهدف تدمري م�ستودعات وم�شاغل وخمارط حديد حتت ذريعة �أنها ُور�ش ت�صنيع
ع�سكري لإنتاج �صواريخ الق�سام.
مهمتها ،ثم عادت �أدراجها� ،إال �أن وحد ًة نفّذت تلك القوة ال�صهيونية ّ
أعدت لها كمين ًا �صاروخي ًا
مقاتل ًة من كتائب الق�سام كانت لها باملر�صاد� ،إذ � ّ
قُبيل الفجر ،وا�ستهدفت هذه الوحدة الق�سامية �إحدى املدرعات ال�صهيونية
ب�صاروخ م�ضاد للدروع حم ّلي ال�صنع من نوع (ب ّتار) ،و�شاءت �إرادة اهلل �أن حتوي
املركب ُة امل�ستهدف ُة بداخلها موا َّد �شديد َة االنفجار ،ا�ستجلبتها القوة ال�صهيونية
معها لتدمري ُور�ش العمل ،ف�أ ّدى انفجار ال�صاروخ الق�سامي �إىل تفجري هذه
املدرعة �إىل عبوة هائلة انفجرت ب�شدة وتبعرثت �إىل �أ�شال ٍء
املواد ،فا�ستحالت َّ
مم َّزق ٍة تو ّزعت يف م�ساح ٍة تزيد عن ن�صف كيلو مرت مربع ،وتناثرت معها �أ�شالء
اجلنود ال�س ّتة الذين كانوا بداخلها..
وقد و�صف �أحد اجلنود ال�صهاينة الذين كانوا ي�ستق ّلون مركب ًة �أخرى ت�سري
156
باملدرعة تختفي
ّ خلف الآلية امل�ستهدفة ذلك االنفجار فقال« :كنا ن�سري مع ًا ،و�إذا
ف�صدمت ومل �أعلم ما الذي حدث!». فج�أ ًة ومل َ
يبق منها �شيئُ ،
هذا وقد ّ
متكنت وحد ٌة من (�رسايا القد�س) التابعة حلركة اجلهاد الإ�سالمي
ا�ضطرت
ّ أحد اجلنود ،وحاولت املقاي�ض َة عليها� ،إال �أنها
من احل�صول على �أ�شال ِء � ِ
�ضغوطات �شديد ٍة ُمور�ست عليها من جميع
ٍ أزمة
�إىل ت�سليمها �إىل االحتالل بعد � ِ
الأطراف ،مبا فيها ال�سلطة الفل�سطينية واحلكومة امل�رصية.
ُج َّن جنون االحتالل �إثر العملية ،و�أجرى العديد من ال ّتحليالت وال ّتقييمات
والدرا�سات ،خل�ص منها �إىل �إ�صدار قرار مبنع �أ ّيـة مركبة ع�سكرية من حمل
ّ
كمية من املتفجرات �إال بقرار من القائد الأعلى للجي�ش.
ب ـ �صواريخ الق�سام(:)1
هذه �إح�صائية نوردها لبع�ض تواريخ ونتائج �إطالق �صواريخ الق�سام من
التجمعات ال�صهيونية:
ّ �أرا�ضي غزة نحو
النتائج املوقع امل�ستهدف التاريخ
اثنان جرحى ا�سديروت 2002/3/5م
�إ�صابة خطرة ا�سديروت 2003/3/19م
اثنان قتلى ا�سديروت 2004/6/28م
ثالث �إ�صابات �شاعر هينجف 2004/6/29م
قتيلة واحدة غو�ش قطيف 2004/9/24م
قتيل واحد و 6جرحى موراغ 2004/10/28م
�ست �إ�صابات نفي دجاليم 2004/12/10م
جرح 11جندي ًا عت�صمونة 2004/12/16م
�إ�صابة 12جندي ًا ،منهم اثنان
موقع ع�سكري 2005/1/5م
خطرة
عدة �إ�صابات� ،إحداها برت يد نت�سارمي 2005/1/15م
قتل جم ّندة ا�سديروت 2005/7/14م
قتيل ،و�إ�صابات خطرة ،وحرق
ا�سديروت 2006/11/21م
م�صنع
قتيلة ،و�إ�صابات خطرة ،وتفجري
ا�سديروت 2007/5/21م
�سيارة
التجمعات
ّ وال زالت ال�صواريخ الق�سامية تنطلق من �أر�ض غزة نحو
ال�صهيونية �إىل اليوم ،بينما مل ينتقل هذا الأ�سلوب �إىل ال�ضفة الغربية ،مع وجود
العديد من املحاوالت يف هذا املجال� ،إال �أنها انتهت �إما بالف�شل� ،أو ا�ستطاع
االحتالل اعتقال العاملني عليها و�إيقاف تطويرها.
159
العمل اال�ستخباري:
عملية قتل ال�ضابط (نوعام كوهن).
الزمان1994/4/13 :م.
املكان :بيتونيا/رام اهلل.
اخللية :عبد املنعم �أبو حميد ـ خميم الأمعري/رام اهلل�( ،شهيد).
علي العامودي ـ غزة( ،م�ؤبد).
النتيجة :قتل �ضابط املخابرات و�إ�صابة حار�سيه.
كان �شهيدنا (عبد املنعم) من املجاهدين الذين ال تلني لهم قناة ،وال تهد�أ
ألح عليه
وطنيته وانتمائه ،و� َّ
مرة ،و�ساومه على ّ
لهم حركة ،فاعتقله االحتالل غري ّ
بالعمل معهم كعميل ،مقابل الإفراج عنه ،و�إعطائه امتيازات عديدة.
بد�أت املخابرات ب�إعداده مبا يلزمه للقيام باملهمة املوكلة �إليه ،حتى �أ�صبح
بنظرهم جاهزاً الخرتاق �صفوف كتائب الق�سام ،واتفقوا معه على � ّآليات
بحجة عدم اعرتافه بال ُّتهم املن�سوبة �إليه.
التوا�صل واللقاء ..ثم �أطلقوا �رساحه ّ
و�أطلعهم على ما ح�صل معه ،وو�ضع نف�سه بني �أيديهم التخاذ القرار املنا�سب.
ومل يكن �إخوانه � ّ
أقل مبادرةً ،فقد وجدوها فر�ص ًة �سانح ًة لالنتقام من االحتالل،
وهنا بد�أ التخطيط ،ومن ثم الإعداد والتنفيذ.
كانت اخلطة تقوم على �أن يتفق (عبد املنعم) مع ال�ضابط (كوهن) على لقاء
لتنق�ض عليه
َّ يف موعد حمدد ،ويف ذات املوقع تكمن �أُ ْ�سد الكتائب باالنتظار؛
هو ومن معه.
والكيفية:
ّ أحد �شوارع (بيتونيا) يف رام اهلل،
كان املوعد يف ،4/13واملكانُ � :
تقوم على �أ�سا�س �أنْ يح�رض ال�ضابط مع مرافقيه ب�سيارة مر�سيد�س عربية ،ويجد
(عبد املنعم) يف املوقع امل َّتفق عليه ،ويلب�س لبا�س ًا مميزاً حتى يعرفوه من خالله،
موقع جمهولٍ ل ّلقاء.
في�صعد معهم يف ال�سيارة؛ لي�أخذوه �إىل ٍ
�صفحات م�ضيئة،
ٍ و�سطور من
ٌ ق�سامي ٍة كثرية،
بطوالت ّ
ٍ مناذج من
ُ تلك
حاو ْلنا جمعها يف كتابنا (�صفحات من جهاد �أبناء الق�سام) ،فلمن �أراد اال�ستزادة
الرجوع �إليه؛ ففيه اخلري وال ّنفع �إن �شاء اهلل.
***
162
163
حتتاج الع�صابات يف م�سريتها نحو حتقيق �أهدافها �إىل و�سائل و�أدوات تُعينها
وتقويها يف مواجهة ال�صِّ عاب،
ومتكنها من بلوغ ُمرادهاّ ،مهمـ َتها ّ
وت�سهل عليها ّ
ّ
عدوها وو�سائ َله التي يعتمد عليها يف حربه.
وبها جتابه َّ
�إنّ هذه الأدوات ّ
ت�شكل حلق ًة يف �سل�سلة احللقات التي تعمل على ك�رس
ال�شعبية ،وهي
ّ الهوة ال�سحيقة بني قوة العدو املا ّدية ،وقوة (اجلاريال) والثورات
ّ
وفاعليتها يف �رضب احلركات الثورية.
ّ تق ّلل من كفاءة قوة العدو
�أوالً :التنظيم
ع�صابات �أن حتقّق �أهدافها �أو تنت�رص يف حربها؛ �إال �إذا
ٍ حلرب
ِ ال ميكن
وتقييم متوا�صل ،وفوق ذلك كله قيادة
ٍ رتيب
وتنظيم ٍ
ٍ لتخطيط دقيقٍ
ٍ خ�ضعت
حكيمة قادرة على قراءة الواقع وتقدير و�إ�صدار القرار احلكيم الذي ينا�سبها.
الهبة ال�شعبية التي تنفجر ،ثم �رسعان ما تخبو
وبغري ذلك ت�صبح الثورة �أقرب �إىل ّ
وينطفئ �أوارها دون �أن تحُ دث تغيرياً جوهري ًا على الأر�ض.
�رضب من الع�شوائية
ٌ فال يفهم ال�سامع �إذن �أن (حرب الع�صابات) هي
والّالتنظيم ،بل �إن جوهرها هو التنظيم ،و�أ�سا�سها االن�ضباط والتناغم يف الأداء.
نعم! �إنّ وجو َد تنظيمات عاملة على �ساحة املقاومة ،تقوم بدورها يف �إدارة
دفّة القيادة وتوجيه مركب الثورة لري�سو على بر الأمان ،هو �ضمانُ النجاح.
وما من ثور ٍة معا�رص ٍة من الثورات الناجحة التي �أ�سلفنا ذكرها� ،إال و�أدارتْها
ال�صفاتورجال جتديدٍ ميلكون من ُّ وثو ٌار وتنظيمات ير�أ�سها ّ
مفكرون ّ ٌ حركات
ٌ
القياد ّية ما ي� ّؤهلهم ليكونوا على ر�أ�س الهرم ويف موقع القيادة وال ّتوجيه .ولقد
عدة مراحل ،ال بد للثورةتت�ضمن ّ
ّ و�ضع ه�ؤالء ّ
املفكرون لثوراتهم ُخطط ًا �شامل ًة
وحددوا الأ�ساليب التي تتنا�سب ّ
وكل مرحلة ،والو�سائل التي يلزم ّ متر بها،
�أن َّ
ا�ستخدامها يف كل دور.
167
�أ�شكال التنظيم:
الهرمي:
�أوالً :التنظيم َ
ن�سب ًة �إىل �شكل الهرم الذي مي ّثل ر� ُأ�سه املد َّب ُب ر� َأ�س التنظيم وقيادتَه ،وقاعدتُه
العري�ضة هي قاعدة التنظيم وعنا�رصه ،وتت�صل فيه القيادة بالقاعدة كما هو
الهرم ،فالقيادة ت ّت�صل بامل�ستوى الذي دونها ب�صورة مبا�رشة ،ويت�صل امل�ستوى
الثاين بقاعدة �أو�سع ،والتي تت�صل بدورها بامل�ستوى الذي يليها ،وهكذا يكون
168
ميتاز هذا الأ�سلوب من التنظيم ب�سهولة االت�صال و�رسعته بني حلقات التنظيم،
وعدم وجود (بريوقراطية) مم ّلة ب�سبب االنفتاح يف العالقة واالت�صال ،وعدم
ال�سلبية الأبرز فيه ،تكمن يف
ّ وجود خطوط مقطوعة �أو غري معلومة� .إال �أن
�سهولة اكت�شاف جميع حلقات التنظيم ،و�إمكانية توجيه �رضبة قا�سية �إىل جميع
حلقاته من ر�أ�س الهرم �إىل قاعدته ،فبحدوث خط�أ �أمني �أو اخرتاق داخلي� ،أو
عرب التحقيق االعتقايل؛ ف�إن االنهيار ال يتوقف �إال ب�صمود �أو ا�ست�شهاد م�ستوى
من حلقات الو�صل التي تقطع الطريق �أمام املخابرات املعادية ،ومتنعها من
اال�ستمرار يف فرط عقد التنظيم وك�شف م�ؤ�س�ساته وعنا�رصه ..وعليه ،ف�إن هذا
املهنية
ّ االجتماعية �أو
ّ ال�سيا�سية �أو ال ّنقابية �أو
الأ�سلوب ال ي�صلح �إال للأعمال ّ
املعر�ضة للمالحقة ال�شديدة ..بينما ال ي�صلح للعمل الع�سكري
الهادئة ،وغري ّ
والأمني واخلاليا الثائرة املنت�رشة يف ميدان املعركة.
ر�سم ()1
القيادة
امل�ستوى الثاين
امل�ستوى الثالث
امل�ستوى الرابع
169
وميكن اعتماد هذا الأ�سلوب يف العمل الع�سكري والأمني عموم ًا ،فهو �أكرث
�أمن ًا من �سابقه ،لأن �صمود �شخ�ص واحد ميكن �أن يكون كفي ً
ال بوقف ال ّنزيف
و�إبطال م�سل�سل االنهيار وك�شف العاملني ،كما �أن ا�ستخدام و�سائل االت�صال
الآمنة فيه ي�ضمن قطع اخلطوط� ،إال �أن ع َّلته الأبرز هي كونه �أكرث بطئ ًا وحاج ًة
للوقت واجلهد.
ر�سم ()2
القيادة
امل�ستوى الثاين
امل�ستوى الثالث
170
�شبي ٌه بعنقود العنب يف �شكله ،ولذا ُين�سب �إليه ،فهو يتم ّثل يف قياد ٍة مركزية،
ت ّت�صل بها جمموع ٌة من القيادات الفرعيةٌّ ،
وكل منها تقود خاليا فرعية منفردة،
والعالقة بينها تكون مرتبطة بقيادة اخلاليا فقط ،بحيث ّ
ت�شكل يف جمموعها
حبات عنقود العنب( ..انظر الر�سم.)3
حبـ ٍة مت ّثل خلي ًة منفردة ،وهذه اخللية لي�س لها � ّأي ارتباط مع اخلاليا �إذن ُّ
فكل ّ
تف�صيلية عنها ،وقائد ٍّ
كل منها ال يعرف ّ الأخرى العاملة ،ولي�س لديها �أي معلومة
املجموعة الأخرى ،ولي�س له ارتباط �إال مع قائده الأعلى ،وكذلك القادة ال
يعرفون �إال مر�ؤو�سيهم (قادة اخلاليا) ،دون �أن يعرفوا التفا�صيل الأخرى ،فهي
�أكرث الأ�ساليب �أمن ًا ،و�أف�ضلها �أدا ًء يف العمل الأمني والع�سكري.
ر�سم ()3
171
عد هذا النوع من العمل معتمداً بكرثة يف جتربتنا الفل�سطينية ،خ�صو�ص ًا
و ُي ُّ
مع اخلاليا املجاهدة التي ال جتد لنف�سها خطوط ات�صال� ،أو التي متلك �أفراداً
تواقني للجهاد ،وهم غري منت�سبِني �إىل جهاز ع�سكري ،فيبادرون بجهودهم
ّ
الفردية لإن�شاء اخللية و�إعدادها وحت�صيل ال�سالح والعتاد ،ف�إذا �سنحت الفر�صة
لهم لإيجاد روابط ب�إحدى الأجنحة الع�سكرية املقاتلة ،ف�إنها تعقد هذا االت�صال،
فتدخل �ضمن هيكليته التنظيمية.
ولقد �أثمر هذا ال�شكل من العمل يف فل�سطني عن نتائج طيبة ،فقد عملت
هذه اخلاليا مطمئن ًة ِلع ْلمها �أنها متلك مفاتيحها بيدها ،وال ميكن جلهة �أن تكون
�سبب ًا ل ُت�ؤتى من خلفها ،و�إن �أي اعتقاالت �أو حمالت قد تطال تنظيمات ثائرة
لن ت�صل يف النهاية �إىل ك�شف �أمر اخللية ،فال ارتباط بينهما ي�ؤدي �إىل ك�شفها،
أحد علم ًا ب�أمر هذه اخللية وما ا�ستطاعت �إجنازه من مهمات.
وال ميلك � ٌ
يكون االت�صال فيه من القيادة للقاعدة وبالعك�س ويف جميع املراحل فردي ًا،
يتعرف العن�رص �إال على عن�رص �أعلى منه ،و�آخر �أدنى منه ،وفقط( .انظر
وبذا؛ ال ّ
الر�سم.)5
ٌ
ات�صال �إذن بني ( )2و( ،)4وبني ( )1و( ،)4وبني ()1 فال يكون هناك
و(.)3
ويف جمموع �أ�ساليب العمل التّنظيمي ،نلحظ �أن الأمن يتنا�سب عك�سي ًا مع
معرفة قادة و�أفراد اخلاليا بع�ضهم بع�ض ًا ..فكلما ُك�شفت اخلاليا على بع�ضها،
173
تعرف العاملون على بع�ضهم ،وكلما زاد عدد وحجم اخلطوط املو�صولة؛
وكلما ّ
ق ّل ْت ن�سبة الأمان ،وزادت املخاطر و�إمكانية ال�سقوط واحتمالية ك�شف اخليوط
واخلطوط..
وكلما ا�س ُتخدم مبد أ� قطع اخليوط عرب النقاط امليتة ،وقلة املتعارفني ،وكلما
أقل ات�صا ًال واحتكاك ًا؛ زادت ن�سبة الأمان ،وق ّلت
ا�س ُتخدمت الأ�ساليب ال ّ
احتمالية الوقوع واالنهيار.
وعلى الرغم من ذلك ،ف�إن ق�صوراً ال يزال يعرتي العمل الفل�سطيني املقاوم
تنظيمية �آمنة ،و�إن ال�سقوط املتوا�صل وال�رسيع لعدد من
ّ يف ت�شكيل هياكل
خاليا املجاهدين دليل على ذلك .فانعدام اخلربة ،و�ضعف الكفاءة يف �إعداد
الت�شكيالت التنظيمية ،واال�ستهتار الذي وقع به العديد من العاملني ،وعدم
ثغرات كانت
ٍ كل ذلك ّ
�شك َل بجملته ا�ستخدام الأ�ساليب الآمنة يف التوا�صلُّ ،
ت�صدع وانهيار �أركان العمل الع�سكري ...ويف درا�ستنا (�أمن املطارد/
ت�سهم يف ّ
ٌ
تف�صيل مفيد ،نن�صح بالرجوع �إليه. باب �أمن املجموعات)
174
ثانياً :التّ�سليح
بد للمقاتل من �سالح ي�ستخدمه يف حربه �ضد عدوه ،هذا ال�سالح يتنا�سب
ال ّ
وطبيعة احلرب التي يخو�ضها رجل الع�صابات .ومن املعروف بداه ًة �أن هناك
فرق ًا كبرياً بني �سالح املقاتل الثائر ،وبني �سالح الدولة املحت ّلة التي تقاتله؛ ففي
نظامي ًا و�أ�سلح ًة ثقيل ًة من ّ
الطريان وال ّآليات الثقيلة ّ حني ميتلك االحتالل جي�ش ًا
والقطع احلربية �أو البحرية والعتاد القتا ّ
يل الهائل ،ف�إن الثائر ال ميلك �إال �سالح ًا
خفيف ًا ي�ستطيع القتال به منفرداً ،هذا ال�سالح اخلفيف ي�ساعده يف اتّباع قواعد
ُ
رجل الع�صابات وفـر ومباغت ٍة وكمائن ..ولو َ
ملك كـر ٍّ
حرب الع�صابات من ٍّ
�سيتعر�ض للتدمري
ّ �سالح ًا ثقي ً
ال ملا ا�ستطاع �إخفاءه �أو االن�سحاب به ،وعندها
والفناء� ،إال �إن كانت (اجلاريال) يف دولة �صديقة.
كما �أن �إمكانات (اجلاريال) الب�سيطة ،وال ّت�ضييق الذي يفر�ضه عليها املحتل،
وغريها من الأ�سباب؛ ال ت�ساعد يف امتالك ال�سالح الثقيل بكافّة �أ�شكاله ،ولو
ا�ستطاعت توفريه �ستبقى النقطة الأوىل حائ ً
ال دون قدرة الثوار على ا�ستخدامه..
التقدم يف ت�صنيع ال�سالح� ،أ�صبح ب�إمكان الثائر �أن يح�صل على �سالح
ّ ومع
فردي لكنه ذو فاعلية وكفاءةّ ،
وميكنه من مواجهة ال�سالح الثقيل ،كما فعل
املجاهدون يف �أفغان�ستان بح�صولهم على �صواريخ (�ستبحح) الأمريكية
املحمولة على الكتف ،والتي ت�ستطيع �إ�سقاط الطائرات ،فكانت �سهم ًا �أ�صاب
املتفوق.
ّ الرو�س يف مقتل ،و�آمل طريانهم
ولقد ا�س ُتخدم ال�سالح الأبي�ض يف بع�ض �أ�شكال املقاومة اخلا�صة التي ال
ي�صلح لها �إال ال�سالح الأبي�ض ،وال ي�صلح غريه ،مثل بع�ض عمليات االغتيال؛
كقتل �ضابط املخابرات (نحماين) ،وكقتل بع�ض اجلنود املختطفني ،كرجل
املخابرات (�سا�سون) ...و�سبب ا�ستخدامه هو عدم �إ�صدار �صوت كما يفعل
ال�سالح الناري ،وبالتايل ال ُيلفت النظر ،وال يك�شف املنفّذين.
ويقع �ضمن �إطار ال�سالح الأبي�ض� ،إ�ضاف ًة �إىل ّ
ال�سكني ،ما ي�شابه عمله :كالف� ِأ�س
الفارغة وكل ما هو دون ال�سالح الناري.
ِ جاجات
ِ واحلجارة وال ّز
ِ يف
وال�س ِ
ّ
�أما عن كيفية احل�صول على ال�سالح وا�ستخدامه واحلفاظ عليه ،ففي باب
ٌ
وب�سط ميكن الرجوع �إليه. ٌ
تف�صيل (�أمن ال�سالح) من درا�ستنا (�أمن املطارد)
املتفجر:
ال�سالح ّ
ثالثاًّ :
وهو �أحد �أ�سلحة اجلاريال الأ�شد فتك ًا ..ا�ستخدم ْته الثور ُة الفل�سطيني ُة قدمي ًا،
جنمه زمن ًا ،ليعود من جديد مع مطلع ال ّت�سعينات وبقوة مت�صاعدة و�أ�شكال
ثم َخبا ُ
متنوعة ،خ�صو�ص ًا مع انطالق العمليات ال ّتفجري ّية اال�ست�شهاد ّية التي ُ�صبغت بها
املقاومة الفل�سطينية.
مييز هذا ال�سالح� ،أنه ذو ت�أثري كبري يفوق مثيله من الأ�سلحة ال ّنارية �أو
وما ّ
البدائية ،حيث �أنّ �أذاه �أكرب ،وال�رضر املرتتّب عليه �أبلغ ،بالإ�ضافة �إىل التدمري
الذي ي�صاحبه ،واخل�سائر املا ّدية اجل�سيمة التي ُيحدثها ،والإ�صابات الأكرب،
والأكرث عدداً يف الأرواح ،كما �أنه يرتك �أثراً نف�سي ًا بالغ ًا يف املحيط ،قد يفوق
إعالمي ًا �صارخ ًا يف املجتمع..
ّ يف عمقه الإ�صابات املبا�رشة ،كما يحدث َدو ّي ًا �
178
و�أكرثها �أثراً هي العمليات التي حيرّ ت العدو ال�صهيوين ،فوقف �أمامها �صامت ًا،
ومل يجد عليها �إجابة.
ال�صاروخي:
ال�سالح ّ
رابعاًّ :
كال�صواريخ املحمولة على الكتف؛
ونق�صد به ال�سالح ال�صاروخي اخلفيفّ ،
مثل �صاروخ ( )RBJامل�ضاد للدروع ،وهو �أول �سالح �صاروخي ا�ستخدم ْته
الفل�سطينية خارج فل�سطني ،ثم �أ�صبح يف نهاية ال ّت�سعينات بيد املقاومة
ّ املقاومة
يف (غزة)� ،إىل �أن ّ
متكنت كتائب الق�سام من �إنتاجه حم ّلي ًا حتت َّ
م�سمى (اليا�سني).
ومثله �صاروخ (الو) ،وهو ٌ
قليل يف فل�سطني.
وي�سمى
َّ ومنها �صواريخ ذات قاعدة �أر�ضية؛ بدءاً باملقذوفات (الهاون)،
(املورتر) ،والتي كانت ت�أتي جاهزة ،ثم امل�ص َّنعة حم ّلي ًا ،و� ً
صوال �إىل ال�صواريخ
ال�سالح املح ّلية،
�صناعة ّ
ِ (الق�سام) ،والتي �أ�صبحت مفخر َة
ّ أر�ضية حم ّلية ُّ
ال�صنع ال ّ
وقد تطور هذا ال�صاروخ �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،ليزداد وزنه وحجمه و َمداه ّ
وقوة تفجريه،
برعب كبري.
ٍ وال يزال العمل على تطويره جاري ًا ،الأمر الذي ُي�شعر االحتالل
أنواع
ت�صنيع � َ
َ ولقد ا�ستطاعت املقاومة الفل�سطينية ،وحتديداً كتائب الق�سام،
للدروع ،و�صواريخ (�أر�ض ـ �أر�ض) ،واملقذوفات،
عديد ٍة من ال�صواريخ امل�ضا ّدة ّ
ال�سبق من
املقاومة تت�سابق يف هذا امليدان ،وال زال َّ
ِ و�أ�صبحت جميع القوى
ن�صيب الق�سام.
لقد �أثبتت هذه ال�صواريخ جناع َتها وقدرتَها على �رضب �أهدافها والإثخان
العدو على �إيجاد
ّ ٌ
ف�ضل يف عدم قدرة وع�شوائيتها)
ّ بعد ِّوها ،وقد كان (لغباءها
م�ضا ّد لها ،على الرغم من تقدمه العلمي ،وا�ستعانته بخرباء اجلي�ش الأمريكي
عدة �أنواع من
واجلي�ش الربيطاين وغريها من اخلربات ،وعلى الرغم من �إنتاجه ّ
ال�سالح امل�ضاد ،وتطويره �أ�سلحة �أخرى ،وا�ستعانته ب�أ�سلحة جاهزة� ...إال �أنها
الت�صدي له.
ّ ف�شلت ك ُّلها يف �إ�سقاط �صاروخ الق�سام �أو
180
الرعب،
الردع) ،و�أثارت ُّ
لذا ،فقد خلقت هذه ال�صواريخ حال ًة من (توازن ّ
ـج ِـد معه
و�أذهلت العدو و�أجهزته الأمنية والع�سكرية وعموم جمتمعه ،فلم ُي ْ
م�شددة� ،أو رقابة
واق� ،أو حزام �أمني� ،أو ح�صار ع�سكري� ،أو �إجراءات ّ
�سور ٍ
ٌ
ومبتفجراته �إىل هدفه،
ّ املقاو ُم بحاجة �إىل االنطالق بنف�سه
ِ دائمة ...كما مل يعد
فال�صاروخ يقوم باملهمة عنه.
ومن �أ�شكال الرعب التي ظهرت على الكيان ال�صهيوين م� َّؤخراً؛ حماول ُته
�إيجاد دروع معنو ّية ثقيلة على جميع املباين يف مدينة (ا�سديروت) ،باعتبارها
وت�رضراً منها� ،إال �أنهم َع َدلوا عن الفكرة لعدم
ّ تعر�ض ًا ل�صواريخ الق�سام
الأكرث ّ
جدواها ،والرتفاع ُكلفتها ،ولأن الكتائب ّ
و�سعت نطاق ال�صواريخ و�أ�صبحت
قادر ًة على �رضب مراكز �أخرى.
هذه هي الأ�سلحة اخلفيفة التي ت�س ّلحت بها املقاومة الفل�سطينية داخل الوطن،
�أما خارجه؛ فقد ا�ستطاعت املقاومة �أثناء تواجدها يف لبنان احل�صول على بع�ض
�أنواع الأ�سلحة الثقيلة ،كالد ّبابات الرو�سية ( ،)T55وبع�ض ال�صواريخ امل�ضا ّدة
ّ
للطريان ،واملدافع الثقيلة ،وراجمات ال�صواريخ ،و�أنواع �أخرى من ال�سالح� ،إال
181
�أنها ا�س ُتخدمت بغالبها يف ال�رصاع الداخلي واحلرب الأهلية ،وانتهى مع خروج
قوات الثورة نحو اجلزائر.
ثالثاً :اال�ستخبارات
لكل ثور ٍة م�س َّلح ٍة وجماع ٍة منا�ضل ٍة من الت�س ّلح بال�سالح اال�ستخباري
بد ِّ
ال ّ
عدوها ،و ُيعينها على
الأمني؛ فهو ي�ضمن لها ا�ستقراريّتها ،و َيقيها من مكائد ّ
ـخل منوذج من مناذج حرب الع�صابات احلديثة من مهامها ...ومل َي ُ
ّ تنفيذ
ا�ستخباري ي�ؤ ّدي هذا الغر�ض ،بل �إنّ مع ّل َمنا ر�سول اهلل [ اعتمد مبد�أ
ٍّ جهازٍ
اال�ستطالعية التي تعمل على ك�شف
ّ الف َرق
اال�ستطالع واال�ستخبار باعتماد ِ
حتركاتهم ،وتعمل على
وتتح�س�س �أخبارهم ،وت�ستطلع ّ
َّ نوايا �أعداء امل�سلمني،
يقتدي
َ حر�ص [ يف ذات الوقت على �أن
َ معلومات مغلوط ٍة �إليهم .كما
ٍ �إي�صال
�أ�صحابه به ويحذوا ْ
حذوه ،يقول عنه الكاتب (منري الغ�ضبان) حتت عنوان؛ (قوة
املخابرات ال ّنبو ّية)« :لو وقفنا على ال�سرّ ايا والبعوث والغزوات يف هذه املرحلة،
ال»(.)1 لأذه َلنا ّ
قوة املخابرات النبو ّية ب�صور ٍة يكاد ال ي�شهد لها التاريخ مثي ً
ثم تبعه �صحابته الأخيار من بعده( ،)1فاقتفوا �أ َثره ،فهذا عمر بن اخلطاب
و�صيته ل�سعد بن
ّ َر ِ�ض َي اهلل عنه ،ي�ضع بع�ض ًا من قواعد ّ
الر�صد واال�ستطالع يف
�أبي وقّا�ص َر ِ�ض َي اهلل عنه ،قائد جي�ش امل�سلمني يف معركة القاد�سية ،فيقول له:
«�إذا وط ْئ َت الأر�ض ف�أر�سل العيون ،وال تخف عليك �أمرهم ،وليكن عندك من
تطمئن من ن�صحه و�صدقه ،ف�إن الكذوب ال ينفعك
ّ العرب �أو �أهل الأر�ض من
ني عليك ولي�س عين ًا لك».
والغا�ش ع ٌ
ّ بع�ضه، خربه و�إن َ�ص َ
دقك ُ
فروع
أمر ِين اثنَني ،ينبثق عنهما ٌ
�إن �أهمية العمل اال�ستخباري تكمن �أ�سا�ساً يف � َ
عديدة:
واال�ستقرار
َ �أ ّولهما� :إعطاء رجل الع�صابات واملجموعات املقاتلة الطم�أنين َة
التفرغ الكامل للعمل والإعداد والتخطيط ّ عور بالأمان ،مما يدفعه �إىل
وال�شّ َ
عدوه وال َّنيل منه ،فهو يثق بوجود عيون �ساهرة وجنود جمهولني يقومون
ل�رضب ّ
على حمايته واحلفاظ عليه من �أن ُي�ؤتى من م�أْ َمـ ِنه� ،أو �أن ُيطعن على حني ّ
غرة.
واملتابع للعمل اال�ستخباري ،يالحظ �أنه ينق�سم من حيث مها ِّمـه �إىل ق�سمني:
ويقوم على متابعة الأو�ضاع الداخلية للتنظيم وخالياه العاملة ،حفظ ًا وترتيب ًا
و�إعداداً ،فهو ي�شمل:
والتفاف جماهريي،
ٍ تعاطف �أُممي ،وت�أييدٍ عاملي،
ٍ للأهداف ...وما يحيطها من
�سقف
َ حما�سهم واندفاعهم ،ويرفع
ِ ف�إن ذلك ك َّله يرفع ِه َ
مم املقاتلني ،ويزيد من
بعدالة ق�ضيتهم ،ويحفظهم من اال�ضطراب.
ِ ا�ستعدادهم وقناع َتهم
ِ
هذه الأ�رسار على اختالف م�سمياتها و�أ�شكالها حتتاج �إىل من يقوم بحفظها،
وهـمـه الذي ميلأ ر�أ�سه،
َّ يخت�ص بهذه املهمة ،وتكون ُ�شغ َله ال�شاغل،
ّ بحيث
ومهن َته التي ُيبدع فيها ،فيبحث عن �أجنع الطرق والو�سائل التي حتقق له الهدف،
وي�ضع �أعتى العراقيل التي حتول دون ت�رسيبها �أو الو�صول �إليها ،وي�رشف ب�شكل
كل جديد �إليها ،ويقوم على ا�سرتجاع ا ّلالزم
دائم على �سالمتها ،و ُيعنى ب�إ�ضافة ِّ
منها.
ومن العلوم التي وجب على �أهل االخت�صا�ص االهتمام بها؛ ملا لها من دورٍ
ال�س ّـرية) ،ولنا معها
يف �أر�شفة وحفظ املعلومات( ،علم ال ّت�شفري) و(علم الكتابة ِّ
وقفة فيما هو �آت.
كما يهدف العدو من خالل ه�ؤالء العمالء �إىل حرف الثورة عن م�سارها،
تبو�أَ منا�صب قياد ّية ومواقع
و�إخراجها من م�سلكها ،وخ�صو�ص ًا �إن كانوا ممن ّ
العدو من خالل عمالئه َ
تثبيط ِهمم �أبناء املقاومة وال�شعب، ُّ متقدمة .ويحقّق
و�إحباط جهودهم ،وال ّتخذيل عنهم ومن حولهم ،وبذا ف�إن َ
مثل ه�ؤالء العمالء
يتعر�ض له مقاتلو الع�صابات وجماهدو
متعددي الأغرا�ض؛ هم من �أخطر ما ّ
ّ
املقاومة.
186
املخت�صة،
ّ املقاومة �أجهزتها الأمنية
ِ حلركات
ِ د ـ �أمن التّعبئة والتوجيه :فكما �أنّ
وتخ�ص�ص ًا ،وهي ت�صل الليل بالنهار
ّ وعدة وتنظيم ًا
ف�إن لعد ِّوها �أجهزة تفوقها عدداً ّ
بحث ًا وتخطيط ًا وعم ً
ال وتنفيذاً ل�رضب املقاومة و�أذرعتها ،وهي بعملها حتاول
بد للمقاومة التطوير واالبتكار ،ف�ض ً
ال عن ا�ستخدام الأ�ساليب التقليد ّية امل َّتبعة ،فال َّ
وحماولة
ِ ور ْ�ص ِدها
متابعة �أ�ساليب هذه الأجهزة وو�سائ ِلها يف �رضب املقاومة َ
ِ من
َـحد من خطرها.
إيجاد العالجات واحللول الأمثل التي ت ُّ
الوقوف عليها ،و� ِ
جتمعه،
كم من املعلومات عن مراكز ّ
ويهتم بالعد ِّو اخلارجي ،ومعرفة �أكرب ٍّ
وماهية نظامه الأمني الذي يحمي
ّ حتركه ،و�آلية عمله،
وخطوط �إمداده ،وكيفية ّ
به نف�سه ،وطرق ات�صاله ،ومكامن قوته ،ونقاط �ضعفه ،وهو مق�سو ٌم �إىل:
�إنّ من قواعد العمل الع�سكري� ،أنَّ (الر�صد ن�صف العمل الع�سكري) ،وقد
عرفت نف�سك،
َ قيل« :با�ستطاعتك �أن تخو�ض � َّأي معرك ٍة دون خ�سارة؛ �إذا
ُعرف
بد من جمع املعلومات الدقيقة ،والتي ت ِّ عدوك» ،وبالتايل ال َّ
وعرفت َّ
َ
مقاتلي الثورة بحقيقة عد ِّوهم ،وثغراته التي ميكن �أن ي�أتوه من ِق َبلها ...فال ميكن
قتالي ٍة غري حم�سوبة بدقّة� ،أو بدون �أن
مهم ٍة ّ
للمجموعات املقاتلة �أنْ تقو َم على ّ
كيفية الو�صول �إليه و�آلية �رضبه ،وطريقة العودة
تخرب هدفها بو�ضوح ،وتعرف ّ
املهمة من رجالٍ وعتادٍ و�إمكانات؟ وكم يلزمها
�إىل امل�أمن ،وما الذي حتتاجه ّ
من الوقت حتى تنجز؟ وما هي املخاطر التي حتفّها؟ ّ
والطوارئ التي ميكن �أن
وحماور كثري ٌة
ُ امل�ستجدات؟
ّ وكيفية التعامل ال�سليم مع هذهّ ت�ستجد خاللها؟
َّ
بحالة العدو.
ِ و�أ�سئل ٌة عديد ٌة ال ت�أتي الإجابة عليها �إال عرب معرف ٍة دقيق ٍة و�شامل ٍة
�أطلقت عليها (كتائب املرابطني) ،وهي ِف َـرقٌ كثري ُة العدد من املجاهدين ،مو ّزع ٌة
وجتمعاته،
ّ التعرف على حركة اجلي�ش ّ على طول حدود قطاع غزة ،هدفها
ور�صد ن�شاطاته ،وو�ضع ذلك ك ِّله بيد القيادة ،وقد قامت هذه ِ
الف َر ُق ب�أدوارٍ
املتكررة ،وذلك بر�صد حركة الطائرات
ّ طيب ٍة يف مواجهة حماوالت االغتيال
ّ
احليطة واحلذر.
امل ّتجهة �إىل القطاع ،والإبالغ عنها قبل و�صولها لأخذ ِ
الر�صد واال�ستطالع �أنالتقدم العلمي وال ّتقني ،ف�إنه ميكن ِلف َر ِق َّ
ّ ومع
الر�صد الّليلي ،مروراً ب�أدواتتقنية متطوِّ رة ،بدءاً ب�أجهزة ّ
ت�ستخدم و�سائل ّ
املتقدمة ،و� ً
صوال �إىل الإنرتنت وما يحويه من خرائط ميكن توفريها ِّ ال ّت�صوير
على خدمة ( ،)Google earthوكل ما من �ش�أنه خدمة هذا الهدف.
املفتوحة مع عد ِّوها،
ِ وكذا اعتمدت الثورات هذا الأ�سلوب يف مواجها ِتها
اخرتاقات �أحدث ْتها
ٍ الفل�سطينية من ر ِّد اعتبارها مراراً عرب ّ
عدة ّ فقد ّ
متكنت املقاومة
ال�صهيوين.
يف جدار الأمن ُّ
حتقيق ع ّدة �أغرا�ض:
وقد ا�ستطاعت املقاوم ُة من خالل اخرتاقاتِها َ
عمالء
َ عرب
معلومات خاطئ ٍة َ
ٍ إي�صال
متكنت من ت�ضليل العدو ،وذلك ب� ِ -فقد ّ
معلومات جتعل
ٍ مزدوجني �رصفوا النظر حين ًا عن بع�ض املجاهدين ،و�س ّلموا
بحث �أجهزة الأمن ال�صهيونية ي�سري يف االجتاه اخلاطئ.
ّ
باالطالع معلومات ا�ستخباري ٍة عن االحتالل و�أذنابه� ،سواء
ٍ -احل�صول على
حتركات جي�شه،
معلومات عن ّ
ٍ على �أ�سماء عمالئه وك�شفهم� ،أو مبعرفة
�أو بالطريقة التي ا�ستطاع فيها ال�شهيد (ماهر �أبو �رسور) احل�صول على
ال�صهيوين امل�س�ؤول عن َ
�ضابط املخابرات ّ املعلومات ،وذلك عندما َ
قتل
جتنيد العمالء بعد �أن كان على اتفاق معه للقائه يف �ش ّق ٍة � ّ
أعدها االحتالل
حقيبة �أوراقه وما حتويه
ِ �شهيدنا على
ُ لغر�ض االت�صال بالعمالء ،ثم ا�ستوىل
من وثائق ومعلومات.
190
رابعاً :الإعــالم
لمية التي متلك ت�أثرياً كبرياً على النا�س يف ِّ
كل ال�س ّ
عـد الإعالم من الأ�سلحة ِّ
ُي ُّ
الظروف ِ�سلم ًا �أو حرب ًا ،وقد ُ
ا�صطلح على ت�سمية الإعالم ب ِـ (ال�سلطة الرابعة)؛
والق�ضائيـة.
ّ �رشيعيـة
ّ ال�سلطات الثالث :ال ّتنفيذ ّيـة وال ّت
ملا ميلكه من ت�أثري كبري يوازي ُّ
�صاحب ت�أثري على اجلمهور حيثما كان� ،إىل
َ و�سلط ُة الإعالم نابع ٌة من كونه
توجها ِتهم ،ويح�سم قرارا ِتهم ،حتى بدا وك�أنه
ويحدد ّ
ّ كرهم،
حد �أنه يبني ِف َ
ِّ
ميلك عليهم �سلط ًة لكنها بالإقناع ،و�إن كان الإعالم قدمي ًا ميلك هذه ال�سلطة،
ف�إنه ميلك اليوم �أ�ضعافها.
191
أ�سلوب
ٍ قتالية ،و�
مقاو ٍم و�أدا ٍة ّ
ك�سالح ِ
ٍ ويف حرب الع�صابات ،يربز الإعالم
ا�سرتاتيجي ال متلك ثور ٌة
ٌّ �سالح
ٌ ن�ضا ٍّ
يل موازٍ حلمل ال�سالح و�رضب العدو ،فهو
ت�ستغني عنه� ،أو �أن تق�صِّ َـر فيه ،ف�إنْ علمنا دوره؛ عرفْنا ال�سبب
َ �أو مقاوم ٌة �أن
قتالي ًا.
ا�سرتاتيجي ًا ولي�س تكتيك ًا ّ
ّ الذي جعله �سالح ًا
إيقاع
و�صوبه �إىل �صدر عد ِّوه؛ ف�إنه يهدف �إىل � ِ
ّ �إذا امت�شق املقاوم �سالحه
وحـمـ ِله على االن�سحاب من �أر�ضه ،ف�إن كان العمل املقاوم مقت�رصاً
ْ الأذى به
على هذا الأ�سلوب ،ف�إن ت�أثريه يبقى حمدوداً مقت�رصاً على من تلقّى ال�رضبة املبا�رشة،
ويعمم �أ َثره،
ّ املقاو َم �إعال ٌم موازٍ له؛ ف�إنه ي�ضاعف مفعوله،
ِ َ
العمل �أما �إذا رافق
ويقطف ثماره ،وهذا ما عبرّ عنه العقيد الإ�رسائيلي (�شموئيل نري) بعد احلرب
حزب اهلل بطائراتِنا
مع (حزب اهلل) يف جنوب لبنان ،فقال« :لقد كنّا نحارب َ
ودبّاباتِنا يف لبنان ،بينما كان يهز ُمنا يف بيوتِنا من خالل التلفزيون» .فقد كان ت�أثري
يتحرك لتنفيذ عملية؛
مقاتل ّ
ٍ الإعالم اللبناين �أقوى من ت�أثري ال�صواريخ ،وكان ُّ
كل
يتحرك خلفه م�صوِّ ٌر لتوثيق ما يقوم بهُّ ،
وكل �أ ٍّم يهود ّي ٍة كانت ترى االنفجار على ّ
ال�ضحية.
ّ تت�صو َر �أنّ اب َنها هو
ّ التلفاز؛
-رفع معنويات ال�شعب و�شحذ همته ،وتنمية �صموده ،وزيادة �إ�رصاره على
192
جمالدة عد ِّوه وحت�صيل حقوقه ،و�إقناع هذا ال�شعب بقدرته على دحر عدوه
حتى لو ظهر ميزان القوى راجح ًا لكفّة االحتالل .فهو يربز مواطن ّ
القوة
العاملية على جناح �أ�صحاب
ّ لدى املقاومة ،ويعر�ض �إجنازاتها ،وي�رضب الأمثلة
احلق يف انتزاع حقوقهم من ُمغت�صبيها ،وهو ُيربز َ�ضعف االحتالل وه�شا�شة
جر َاء
ال�ضعف التي بدت عليه ّ
قوته ،و ُيظهر بع�ض مناحي ّ
كيانه ،وزيف ّ
�رضبات املقاومة.
ِ
-وهو كذلك ين�رش ثقاف ًة م�ضا ّد ًة للثقافة اال�ستعمارية التي يحاول االحتالل
قو ِة احتاللٍ ع�سكري ٍة �إال
يغر�سها يف �أذهان ال�شعب املقهور .فما من ّ
َ �أن
ت�ضليلي ًة تهدف �إىل �رصف �أنظار ال�شعب
ّ قو ُة � ٍ
إعالم ين�رش ثقاف ًة �صاحبها ّ
َ
الرذيلة والف�ساد
بتوافه الأمور عن عظائمها ،ون�رش ّ
ِ ق�ضيته ،و�إ�شغالهم
عن ّ
إعالم
بد لهذا الإعالم من � ٍ
الذي ُي�شغلهم عن املقاومة واجلهاد ،وال ّ
م�ضا ّد.
-والإعالم ذو ت�أثري كبري على العدو كما �أ�سلفنا ،فالعمل املقاوم من غري
�إعالم �سيفقد كثرياً من �أ َثره ،وهذا ما يدفع االحتالل �إىل عدم االعرتاف
املقاو ُم قو ّي ًا،
ِ يتزعزع ا�ستقرار جمتمعه .ف�إذا كان الإعال ُم
َ بخ�سائره خماف َة �أن
بيت من
كل ٍبحيث ي�ستطيع �أن يك�شف احلقائق ويو ّثقها وي�صل بها �إىل ِّ
عمل �صغري ،ويحقّق بيوت عد ِّوه ،ف�إنه ينجح يف �إنتاج �أ�صداء كبرية ِّ
لكل ٍ
ويفت من َع ُ�ض ِده،
ُّ �أثراً معنو ّي ًا يفوق الأثر املا ّديّ ،
فيثبط معنو ّيات عد ِّوه،
و ُيو�صله �إىل القناعة ب�أنه �ضعيف �أمام املجاهدين ،و�أنّ املقاومة تقوى يوم ًا
بعد يوم ،و�أنه �سيدفع ال ّثمن يومي ًا من نف�سه و�أوالده واقت�صاده و�أمنه ،و� اّأل
مفر من االن�سحاب.
َّ
جنح به ُث ّوار فيتنام (الفيت كونغ) ،ف�أو�صلوه �إىل ال�شعب الأمريكي
وهذا ما َ
مبظاهرات �شعبي ٍة �أرغمت احلكوم َة الأمريكي َة على �سحب
ٍ الذي خرج
جي�شها من �أر�ض فيتنام .وهذا ما حتقّقه املقاومة العراقية يوم ًا بعد يوم مع
نع�ش
جندي يتهاوى� ،أو ٍ
ٍّ ّ
تتحطم� ،أو ت�صوير تب ُّثه لعبو ٍة تنفجر� ،أو مركب ٍة
ٍ ِّ
كل
ُيحمل� ،أو مقاوم ٍة تنت�رص.
-والإعالم املقاوم يقوم بدور ال ّتحري�ض الذي ال ت�ستمر (اجلاريال) �إال به؛
رب الع ّزة بقوله}:ﭿ ﮀ
أمر به ُّ
ال�صادق الذي � َ
التحري�ض مبفهومه ّ
نبي اهلل [ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ{ [�سورة الأنفال ،]65:فتلق َ
َّف ُّ
مات على
نف�سه بالغ ْزوَ ،
يحد ْث َ
مات ومل َي ْغـ ُز ،ومل ِّ
أمر ر ِّبه فقال« :من َ
� َ
ُ�شعب ٍة من ال ِّنفاق»(.)1
-كما �أن الإعالم املقاوم �إنْ كان �صادق ًا ومو ِّثق ًا يف عر�ضه لإجنازات وعمليات
املقاومة ،ف�إنه يدفع املحتل �إىل االعرتاف بخ�سائره ،فيزيد من انهيار جمتمعه،
حما�س مقاتلي املقاومة
َ ّ
ويحطم معنو ّيات جنده ،و ُيلهِ ُب يف الوقت ذاته
وال�شعب .كما �أنه بذلك يو ِّث ُ
ـق ملقاومته ،ويثبت بطوالته ،في�ضعها بني يدي
امل�شاهد يتع ّلم منها در�س ًا فيقتدي� ،أو يهتدي بال ّتكرارِ تارةً ،وباالعتبارِ تار ًة
ِ
�أخرى.
ومتيزه
الدور ،وذلك ل�سعة انت�شاره و�سهولته ّ
(الإنرتنت) ،ت�ؤ ّدي عربه ذات َّ
قنوات تلفزيونية ،كما هو احلال مع حركة
ٍ بالأمان� ،إ�ضاف ًة �إىل امتالك بع�ضها
وف�ضائيتها (تلفزيون الأق�صى).
ّ حما�س
خام�ساً :الـتّـخــفّـي
العمليات
ّ التخفّي لغ ًة هو الكتمان والتورية ،وا�صطالح ًا :هو جمموع ُة
واملمار�سات التي ي ّتبعها املجاهد ال ّثائر لإخفاء حقيقته عن عد ِّوه ،واحلفاظ على
مهمته من الف�شل ،في�ستخدم يف �سبيل ذلك �أ�ساليب
نف�سه من االنك�شاف ،وعلى ّ
احليلة واخلداع الّلفظي وال�شّ كلي والعملي.
ّ
والتنكر الناجحة التي وقد امتلأت كتب التاريخ بق�ص�ص و�أحداث التخفّي
ا�ستخدمها املقاتلون بهدف ِخداع عد ِّوهم للهروب منه� ،أو لت�سهيل �رضبه يف
عمقه.
196
�أهداف التخفّي:
وا�س ُتخدم التخفّي يف �أعمال املطاردة ،كما فعلت املقاومة ومقاتلوها يف
عيا�ش) ،والقادة (عماد عقل) و(عادل عو�ض
فل�سطني ،ومنهم املهند�س (يحيى ّ
اهلل) و(حممود �أبو ه ّنود) ،ونف َ
َّـذ املجاهد اال�ست�شهادي (عبد البا�سط عودة)
بزي فتاة ،وكذا َ
فعل (معاوية جرارعة) يف عملية (حمنى يهودا). عمليـ َته ّ
متنكراً ِّ ّ
وهو �أي�ض ًا ما فع َله قائد ع�صابات (الأرجون) ال�صهيونية؛ (مناحم بيغن)،
�شخ�صية طبيب ،ورجل دين،
ّ ال�شخ�صيات ،ومنها
ّ �ص العديد من
تقم َ
الذي ّ
197
العدو
ّ �إذاً فالتخفِّي ا�س ُتخدم يف و�سائل ّ
قتالية حتقِّق هدفَنيّ � :أولهما؛ اخرتاق
�ضده،
الدقيقة عنه ،ل�رضبه يف ُعقْر داره ،وتنفيذ العلميات ّوجلب املعلومات ّ
وثانيهما؛ االختفاء عن �أعني العدو ،واحلفاظ على ّ
الذات ،والتنقّل ب�أمانٍ �أكرب.
�أ�ساليب التَّخفِّي:
وال يخرج ال ّتخفّي الفردي يف �إطاره العام عن �أحد �أ�سلو َبني؛ ف�إما �أن يكون
التغيري يف ال�شكل واملظهر اخلارجي� ،أو �أن يكون يف اال�سم مع �إخفاء حقيقة
املق�صد ،وميكن اجلمع بني الأ�سلو َبني زياد ًة يف االختفاء.
�أ ـ انتحال ا�سم جديد بد ًال عن اال�سم الأ�صلي ،وتزوير �أوراق ثبوتية،
ال�سفَر ،ورخ�صة
أ�صلية؛ كالهو ّية ،وجواز ّ
كبديل عن الأوراق ال ّ
ٍ وا�ستخدامها
ال�سياقة ،و�شهادة امليالد.
ِّ
ميتني� ،أو �أ�صحاب هو ّيات
أ�سماء �أ�شخا�ص ِّ
وقد اعتاد املتخفّون �أن ينتحلوا � َ
وهمية،
ّ انتحال �أ�سمائهم� ،أو ح ّتى �أ�سماء
ِ مفقودة� ،أو باالتفاق مع �أ�شخا�ص على
أ�سماء املن َت َحل ُة
االنتباه �إىل �أنْ ال تكونَ ال ُ
ِ جميع هذه احلاالت حتتاج �إىل
َ على �أنّ
املالحقة.
َ ِّ
لل�شك �أو ني �سوابق جتع ُلهم َّ
معر�ض َ َ تعود لأ�شخا�ص ميلكون
ب ـ تغيري املظهر ،وهو الأ�سلوب الأكرث ا�ستخداماً ،و ُي�ستخدم معه الأ�سلوب
بوتية ال ّأول دائم ًا� ،إذ ال ُيعقل ُ
تغيري املظهر اخلارجي دون تغي ِري اال�سم والأوراق ال ُّث ّ
املحمولة.
العامة
ّ مبحاولة تغي ٍري للمعامل
ِ تطو َر ب�شكل م�ضطرد ،بدءاً أ�سلوب َّ
ُ هذا ال
عر ُم�ستعار ،مروراً تركيب َ�ش ٍ
ِ كحلق الّ ِ
لحية وال�شّ وارب وال�شّ عر� ،أو ِ للوجه،
زي عجوز �أو امر�أة، طبيعة الِّ ِ
لبا�س ا ّلذي اعتا َد �أن يرتديه املطارد ،كارتداء ّ ِ بتغي ِري
199
الب�رشة
ِ غي ُـر لونَ زي العدو ،و� ً
صوال �إىل ا�ستخدام علم ال ّتجميل الذي ُي ِّ �أو ارتداء ِّ
وال�شعر .بل وجتاوز الأمر �إىل ا�ستخدام هذا العلم َّ ومعا َمل الوجه ولونَ العي َننيِ
ك�شكل
ِ غريها،
عالمات فارقة ،وي�ضع َ
ٍ جذري يف املظهر يزيل
ٍّ يف �إحداث تغي ٍري
أنف وال�شِّ فاه �أو ال�شّ امة.
ال ِ
الـمـتخفِّني:
ك�ش ِف ُ
�آليّات العد ّو يف ْ
ل�رضب رجل الع�صابات املتخفّي ،لعلمهم بخطورته
ِ يبذل العدو جهوداً كبري ًة
ُّ
املحتل يف ذلك ما ميلكه من وقدرته على حتقيق ما يعجز عنه غريه ،وي�ستخدم
وعقلية ،ومن ذلك:
ّ وعملية
ّ علمية
و�سائل ّ
الر�صد ،وذلك بتجنيد العمالء واخلونة يف �صفوف ال�شعب لهذه املهمة:
ّ -
وجماهديه
ِ العدو جهوداً ُم�ضني ًة يف �سبيل �إ�سقاط �أبناء هذا ال�شعب
ُّ فلقد َ
بذل
وجتنيدهم يف �صفوف (ال�شِّ ني بيت) ال�صهيوين ،وت�سخريهم يف �رضب املقاومةِ
200
ٌ
ا�ستكمال للبند -اخرتاق املتخفّني ،وزرع املت�ساقطني يف �صفوفهم :وهي
تنظيمي
ٍّ إيجاد ٍّ
خط عمالءه هنا وهناك يف حماول ٍة ل ِ
َ ُ
االحتالل ال�سابق ،فكثرياً ما َ
ن�رش ّ
ني �أو
املقاوم َ
ِ مربر ،ومن ثم ال ّتظاهر ب�أنهم من
يو�صلهم �إىل املطاردين حتت � ِّأي ِّ
املطلوبِني ،واالنخراط يف �صفوف املقاومة ،وك�شف الهياكل العامة ،و�أماكن
تواجدها و�آليات عملها ،ورفعها �إىل �أجهزة الأمن االحتاللية لتوجيه ال�رضبة يف
الوقت املنا�سب ،وقد ك�شفت ال ّتحقيقات ا�ستخدام ًا وا�سع ًا لهذا الأ�سلوب.
العد ِّو ومعرفته ل�سلوك املطارد ،وحتديد �أ�ساليب التخفّي التي يعتمدها ،خ�صو�ص ًا
متكررة وي�ستخدمها ُج ُّ
ـل املطاردين. ِّ الغالبية ال ُعظمى من هذه الأ�ساليب
ّ �أن
-التَّ ُّ
ـنكر ب�أزياء املطاردين وعلى هيئتهم :وقد َ
�سبق احلديث عن وحدات
�رض َب
(امل�ستعربني) ال�صهيونية التي ن�شطت يف االنتفا�ضة الأوىل ،وا�ستطاعت ْ
َّ
ولعل القارئ يف كتاب (مهنتي كرجل خمابرات) لكاتبه رئي�س املقاومة مراراً،
ُ
االحتالل ال�سابق (يعقوب بري) ،يدرك كم كان جهاز ال�شّ اباك الإ�رسائيلي ّ
يطلق ِف َرق ًا من جنوده يف اجلبال واملناطق التي يتوقّع �أن يكون فيها مقاومون
مطاردون ،بحيث تنت�رش هذه الفرق بلبا�س رجال ّ
املنظمات ،وحتمل �أ�سلح ًة
لقاء واالت َ
ّ�صال باخلاليا ال ّنا�شطة �شبيه ًة ب�أ�سلحتهم (كال�شنكوف) ،ويحاولون ا ّل َ
والعاملة بتلك املنطقة ،ومن ثم اعتقالها �أو اغتيالها �أو و�ضعها حتت عد�سات
أهداف �أخرى ،وقد جنحوا يف حماوالت عديدة.
ٍ لتحقيق �
ِ الرقابة
ّ
إخراجهم منني و� ِ جللب املتخ ِّف َ
ِ أحداث
ٍ بافتعال �
ِ -اال�ستدراج :ويكون
مكانهم وظهورهم على حقيق ِتهم ،فقد اعتمدت �أجهزة الأمن ال�صهيونية مبد�أَ
�سالح يف �أحد املواقع ومراقب ِته بعد
ٍ كرم ِي ُّ
(الط ْعم) يف العديد من احلاالتْ ،
افتعال م�شكل ٍة
ِ إي�صال معلوم ٍة ملن ُيعتقد �أنّ له عالق ًة باملطارد كي ُيو�ص َلها �إليه� ،أو
� ِ
�صاحب ال�شّ �أنِ �إىل ُّ
الظهور ،ومن ثم االنق�ضا�ض عليه. َ حد ٍث يدعو
معين ٍة �أو َ
ّ
-ا�ستخدام التّكنولوجيا وا�ستثمار التق ّدم العلمي والتّقني امل�ضطرد :كالت�ص ّنت
والتعرف من خاللها على ب�صمة
ّ والال�سلكية،
ّ ال�سلكية
ّ على �أجهزة االتّ�صال
والتعرف
ّ ال�صوت وموقع �صاحبه ،ومعرفة �شبكة العالقات املحيطة باملطارد،
وجت�س ٍ�س يف بع�ض املواقع
ُّ بزرع �أجهزة ت�ص ّن ٍت
ِ وحتركاته ونواياه� ،أو
على خمبئه ّ
طائرات
ِ والبيوت و ِق َط ِع ّ
ال�سالح التي تعود للمطارد� .إ�ضاف ًة �إىل ا�ستخدام
202
***
ومن �أبرز ال ّزوايا التي تزخر بال ّثغرات( :و�سائل االت�صال)� ،سوا ًء بني
املجاهدين �أنف�سهم� ،أو مع الآخر؛ يف خطوط التوا�صل بني القائد واجلندي،
و بني املجموعة والأخرى ،وبني �أفراد املجموعة ذا ِتها ،وبني قطاعات املقاومة
203
�أوالً :التَّ�شفري:
هو �أ�سلوب وعلم ال ّتخاطب بني طرفَني �أو �أكرث بطريقة يفهمونها ،بحيث
خمتلف
ٍ معنى
ً الرموز؛ ت�شري يف معناها احلقيقي �إىل
حتمل الر�سالة جمموع ًة من ّ
عن معناها ّ
الظاهري ،وهي تلك ا ّللغة اخلا�صة البديلة امل�ستخدمة بال ّتوافق بني
َ
الوقوف على معانيها. فهمها �أو
غريهم َ
أحد ُ
الأطراف ،بحيث ال ي�ستطيع � ٌ
وبعد ذلك ،كان ا�ستخدام �أ�سلوب احلفر على اخل�شب ،ثم �سكب ال�شّ مع
204
مع وقر�أ
أذاب ال�شَّ َ
الطرف الآخرَ � ، الـمذاب فيه وطالئه لل ّتمويِه ،ف�إذا جاء ّ
ُ
�رسية ،و�أجادتاملكتوب ،ثم كانت الهند التي �ألزمت �سفراءها بتع ّلم الكتابة بلغ ٍة ّ
يف ذلك حتى و�ضعت � ّأو َل كتاب يف هذا العلم...
َ
لي�صل �إىل اليونان التي �أ�ضافت �إليه �إ�ضافات تو�سعت رقعة ا�ستخدامه،
ثم ّ
ني ثم ف ُْـر�س ورومان� ،إىل
ني و�آ�شوريِّ َ
بابلي َ
هرين ،من ِّ
هامة ،ثم ح�ضارة ما بني ال َّن َ
�أن جاء امل�سلمون الذين جعلوه علم ًا م�ستق ً
ال قائم ًا بذاته كباقي العلومّ .
فدونوه
خطي ًا يف العام 241هـ ،حني َ
كتب العامل اجلليل (�أبو بكر وح�شية) كتابه: ّ
(�شوق امل�ستهام يف معرفة رموز الأقالم) ،ثم كانت مو�سوعة (�صبح الأع�شى)
للقلق�شندي ،الذي �أفر َد جم َّلداً بعنوان (�إخفاء املعلومات ال�رسِّية يف ّ
الر�سائل)،
الرموز واال�صطالحات ،والثاين يف ِّ
فك ق�سمني؛ الأول يبحث يف ّ
وق�سمه �إىل َ
ّ
واحلرب ال�رسِّي.
الرموز ِ
ّ
البدائي
َّ ومل تكن املقاومة الفل�سطينية بِدع ًا وال ن�شازاً ،بل ا�ستخدمت ال ّت َ
�شفري
205
اجتماعية ،و�أن
ّ م�شفَّرة ،بل يجدها ر�سال ًة عاطفية مث ً
ال� ،أو ر�سال َة عمل� ،أو ر�سال ًة
وال ،لأنه عندئذٍ �سيعلممفكك ًة �أو ال تُعطي مدل ً يجدها مرتابط ًة متنا�سقة ،لي�ست َّ
َ
رواءها ،ويبد�أ بالبحث عن مفتاحها ،فت�سهل عليه ك�شف
�أنّ وراء الر�سالة ما َ
الر�سالة ،فالواجب �أن يكون الت�شفري بطريق ٍة ال تثري ارتياب �أحد.
موجه ًة
ـر�سلـة �إليه ،ف�إذا كانت ّ
الـم َ
منا�سب ًة لل�شخ�ص ُ
� -أن تكون الر�سالة ِ
الدرا�سة وال ّتعليم وال ّت�سجيل
ظاهرها عن ّ
ُ يتحد َث
ّ طالب مث ً
ال ،فالأ�صل �أن ٍ �إىل
واالمتحانات ،و�إذا كانت ُمر�س َلـ ًة �إىل مهند�س ،فاحلديث عن امل�شاريع
الريبة.
الهند�سية واخلرائط ،وهكذا ...حتى ال تثري ّ
ّ َّ
واملخططات
الر�سالة امل�شفَّرة،
ال�سعي �إىل البحث وال ّتطوير واالبتكار يف �أ�ساليب �إر�سال ّ
ّ -
�سبق من و�سائل وما َّمت اكت�شافه من �أ�ساليب ،وكلما ا�ستطاع
وعدم االكتفاء مبا َ
املقاو ُم �إيجا َد و�سائل غري م�سبوقة ،يكون قد و�ضع عراقيل جديدة يف طريق من
ِ
يحاول ك�شف ال�شِّ يفرة.
تق�سم
ال �أن َّ ٌ
وتف�صيل كثري ،ومنه مث ً حديث طويل،
ٌ وحتت هذا املو�ضوع
ن�ص الر�سالة دفع ًة واحد ًة خالي ًة من
ر�سل ُّ الر�سالة بك ِّل ّـيـ ِتها �إىل ّ
عدة �أق�سام� ،أو �أن ُي َ
� ِّأي رقم �أو ا�سم ،وتُر�سل الأرقام والأ�سماء وال ّتواريخ م�شفَّر ًة يف ر�سال ٍة �أخرى.
وكذا �أن ُير�سل مفتاح ال�شِّ يفرة جم ّزءاً ،فالأحرف والكلمات يف ر�سالة ،ورموزها
ومعانيها يف ر�سالة �أخرى .وميكن �أن يكون التق�سيم �أكرث من ذلك و�أعقد،
وكلما ازداد تعقيده ازداد �أمانه.
-عدم ك�شف ال�شِّ يفرة ومفاتيحها بعد االنتهاء منها ،والإبقاء عليها �ضمن
ك�شف العدو �أ�سلوب ًا جديداً يف ال ّت�شفري ،ف�إنه يحاول
َ املعلومات ال�رسِّية ،فك ّلما
املقاومني وطرق تفكريهم ،وي�سعى �إىل تقدير ال ّآلية التي
ِ ذهنية
من خالله فهم ّ
يعملون بها �أو �سيعملون.
208
ومن هذه املحاليل �أو الأحبار ال�رسية ا ّلتي ا�س ُتخدمت يف كتابة ّ
الر�سائل؛
ّ
كاخلل ال�سوائل الع�ضو ّية،
كربيتات ال ّنحا�س ،وحملول البرياميدون ،وبع�ض ّ
ال�سوائل التي تختفي فور كتابتها.
والليمون واحلليب ،وغريها من ّ
مدعم ًا ب�أ�سلوب (ال ّت�شفري)
كذلك مما يزيد من قوة هذا الأ�سلوب؛ ا�ستخدامه َّ
ومبوقع
ٍ ال�رسي،
وباحلرب ّ ِ الر�سالة بالرموز امل�شفَّرة،
�سبق ِذكره ،ك�أن تُكتب ّ
الذي َ
غ ِري متوقَّع (بني �سطور ر�سالة عادية �أو على ظهر رقعة غري متوقَّعة �أو يف مكان
�آمن) ،وبهذا ف�إنه �إذا �سقط احلاجز الأول ُ
وك�شفت الرقعة ،و�سقط احلاجز الثاين
209
ال�صوتي َة
املوجات ّ
ِ عرب الأثري ،فيجب �أال نن�سى �أنّ
�شفري َ
ا�ستخدمنا ال ّت َ
ْ و�إنِ
ا�ستخدمنا
ْ َ
الو�صول �إليها ،و�إذا ُّ
والكل ي�ستطيع ال�سابحة يف اجلو ٌ
ملك للجميع،
الدول ا�ستخدم ْته منذ
خمابرات ُّ
ِ جميع
َ َ
ندرك �أن احل َرب ال�رسِّ َّي ب�أنواعه ،فعلينا �أن
ِ
تابية ،ف ْل ّ
نتذكر �أنّ لدى عد ِّونا و�أجهزته الك ّالرمو َز ِ
ا�ستخدمنا ّ
ْ زمن بعيد ،و�إذا
ٍ
ومتفرغ ٌة لدرا�سة وحتليل ِّ
كل �أنواع الكالم ِّ خا�ص ٌة متخ�صِّ �ص ٌة
�سات ّ
أمنية م� ّؤ�س ٌ
ال ّ
الذي ي�صلها �سعي ًا �إىل تفكيكه والو�صول �إىل فحواه ..ف ْلنحذر!
يهدف ا�ستخدام ال ّنقاط امليتة يف االت�صال �إىل قطع اخليوط الوا�صلة بني
تتبع
مهمة االحتالل يف ّ
معلوماتية جتعل ّ
ّ الأطراف ،و�إيجاد فراغات وتقطيعات
املعلومة والو�صول �إليها ثم الو�صول من خاللها �إىل �أطراف العمل �أمراً يف غاية
ال�صعوبة وال ّتعقيد.
ّ
210
و�سواء �أكانت ال ّنقاط (ميتةً) عرب نقطة لقاء جامدة� ،أو (ن�صف ميتة) عرب
�شخ�ص مل ّثم �أو غري معروف ..و�سواء �أكانت (طبيعيةً) ال حتتاج �إىل �إعداد� ،أو
الغر�ض
َ وا�ستخدامات خا�صة ،ف�إنها ت�ؤ ّدي
ٍ أغرا�ض
ٍ ( ُم َ
�صطنعةً) تُـ َع ُّـد من ال ّثوار ل
الذي �أ�سلفناه ذاتَه.
قدرٍ �أعلى من الهدف ا ّلذي ا�س ُتخدمت لأجله ال ّنقاط امليتة ،ف�إنه ال
ولتحقيق ْ
جمموعة مالحظات ،منها:
ِ بد من اتّباع
َّ
بد من اتّباع قدرٍ كب ٍري من ال�رسِّية والك ْتمان يف ال ّتعامل مع ال ّنقاط امليتة؛
-ال َّ
يك�شف
َ �سواء مبكانها� ،أو �شكلها� ،أو توقيت العمل بهاّ ،
وكل ما من �ش�أنه �أن
أمرها.
� َ
-االلتزام مبواعيد العمل يف ال ّنقاط امليتة (ال�شّ حن وال ّتفريغ واللقاء) ،لأن
رف الآخر يف العمل ،وبالتايل ال حتقّق الط َ احل�ضور ّ
املبكر �أو املت�أخر قد يك�شف ّ َ
ال ّنقطة امليت ُة عم َلها وغاي ّتها ،وعدم الرت ّدد على املوقع بغري حاجة ،فكرثة الرت ّدد
عليها ُي�رسِّ ُع يف ك�شفها.
-االهتمام ب�ضمان �سالمة حميط النقطة امليتة ،بحيث تكون �آمن ًة بعيد ًة عن
�أعني العدو وعمالئه.
�أخرياً ،ميكنني �أن �أقول� :إن �أ�سلوب (ال ّنقاط امليتة)� ،إذا �أ�ضفْناه �إىل الأ�سلو َبنيِ
م�ضاعف من الأمن
ٍ قدرٍ
و(احلرب ال�رسِّي) ،ف�إننا ن�صل �إىل ْ
ِ ال�سابقَني؛ (ال ّت�شفري)
ّ
واملحافظة على املعلومة بعيد ًة عن �آذان و�أعني العدو.
***
212
مناذج خالدة:
التوكل َّ
يتخل امل�سلمون يوم ًا عن بذل اجلهد والأخذ بالأ�سباب املا ّدية ،ثم ّ مل
على اهلل بفهمه احلقيقي� :إِميانٌ و�إِعداد .ويف جميع املواجهات واملعارك التي
حليف الإ�سالم و�أهله ،دون ال ّنظر �إىل ما
َ توف َّـر فيها هذان العن�رصان ،كان ال ّن�رص
ميلكون من ال َعتاد وال ّتعداد.
ني ففي معركة الريموك ،كان عدد جند الروم � 240ألف جندي َّ
مدجج َ
الروم (هرقل) ،وعدد جند
�سالح يف ذاك الع�رص ،قائدهم �إمرباطور ُّ
ٍ أحدث
ب� ِ
الإ�سالم � 40ألف جماهد ،قائدهم �سيف اهلل (خالد بن الوليد) َر ِ�ض َي اهلل عنه،
بن
(خالد ُ
ُ الروم و� َّ
أقل امل�سلمني!» ،ف�أجابه أحد امل�سلمني« :ما �أك َرث ُّ حتى قال � ُ
الواثق بن�رصه ،العارف باملعنى احلقيقي
ِ ؤمن باهلل،
الوليد) َر ِ�ض َي اهلل عنه �إجاب َة امل� ِ
الروم و�أكرث امل�سلمني! �إمنا تَك ُرث اجلنو ُد بال ّن�رص ،وت َِق ُّل للقوة ،فقال« :بل ما � َّ
أقل ُّ
الرجال» ،ودارت معرك ٌة طاحن ٌة انتهت �إىل هزمي ٍة منكر ٍة
دد ّباخلذالن ،ال ب َع ِ
ُتل من امل�سلمنيجلي�ش الكرثة ،ف ُق ِت َل منهم �أكرث من � 120ألف جندي ،بينما ق َ
بِ�ضع ُة �آالف(.)1
1ابن الأثري ّ
والطربي.
د�.سيد ح�سني العفاين.
ّ ال�صحابة الأخيار)،
( 2فر�سان ال ّنهار من ّ
214
�سيلمة ّ
الكذاب) ومعه �أربعون َ
تقابل ( ُم ْ الر ّدة،
ويف معركة اليمامة من حروب ِّ
�ألف مقاتل ،وخالد َر ِ�ض َي اهلل عنه بجي�ش فيه ثالثة ع�رش �ألف م�ؤمن ،وانك�شفت
قتيل ُمرت َّد ،و�ألف ومائتي �شهيدٍ م�ؤمن.
املعركة عن �أربعة ع�رش �ألف ٍ
يا�ضيات
الر ّ نعم! لقد تكف َّل اهلل ب�أمر الكرثة ،ب�رشط حت ِّل ْينا بالإميان وال�صرب ،ومنطق ِّ
رب الع ّزة يف كتابه العزيز فقال }:ﮆ ﮇﮈ
و�ضحه لنا ُّ
الـر ّبـانية ّ
واحل�سابات ّ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ
ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ
ﯕﯖﯗﯘﯙ{ [الأنفال٦٥:ـ.]٦٦
الهزائم تتواىل
ُ ففي الوقت الذي بد�أ فيه الوهن ميلأ قلوب امل�سلمني ،بد�أت
ين ا ّلذي يج�رس ّ
هو َة احل�سابات عم الر ّبا َّ
الد َ
وت�صبح من ن�صيبهم ،وبد�ؤوا يفقدون ّ
خلي
خر ِل ُت َ َراجعات ِّ
كل ح�ضار ٍة بال َّن ِ ُ الرا�شد« :وكما تبد�أ ت املا ّدية ،يقول الأ�ستاذ ّ
كل دعو ٍة تُغزى جتعل َّاملقدم ُة ا ّلتي ُ
الفتنَ َ هي ّ مكانَها �إىل ح�ضار ٍة مناف�سة ،ف�إنّ ِ
الريا�ضيات انتها ًء؛ الدعا َة �إىل � ِ قر دارِ ها ،في ِك ُل ُ
أنف�سهم ،فيعود منطق ّ اهلل ّ َ يف ُع ِ
القليل على الكثري ،بل الواحد ال ي�ساوي � اّإل الواحد، َ ين ين�رص
ثم َة َعونٌ ر ّبا ٌّ
لي�س ّ
***
الرا�شد.
�( 1صناعة احلياة)� ،أ.حممد �أحمد ّ
�( 2صفحات من ال ّتاريخ الإ�سالمي)� ،أ.ناجي �صبحة.
217
ُ
�صفات
الع�صابات الناجح
رجل ِ
218
219
املرهقة للج�سد،
ِ وري من الأعمال ال�شاق ِّة على ال ّنف�س،
اجلهادي وال ّث ُّ
ُّ ُ
العمل ُيـ َع ُّـد
رب الع ّزة يف كتابه الكرمي} :ﭑﭒ ا َ
خل ِط َرة على كل �صعيد ،ولذا قال عنه ُّ
ﭓﭔ ﭕ ﭖ{ [البقرة.]٢١٦:
نف�سه:
ويف هذا الباب ،ن�ستعر�ض بع�ضاً من تلك ال�صفات التي يحتاجها املجاهد ُ
-م�ؤمن بربِّه ،خمل�ص يف عمله ،يحمل بني جوانحه �إميان ًا عميق ًا ،وروحانية
رهفة ،والتزام ًا ب�رشع اهلل ،وبعداً عن املعا�صي .لأنه �إنِ التز َم كان بعيداً عن
ُم َ
ال�سلبية يف املمار�سات ،متج ِّنب ًا للتباهي والتفاخر الذي ي�صيب ال ّثائر يف مقتل،
ّ
متفاني ًا يف �إجناز عمله ،باذ ًال اجلهد يف �إتقانه.
ني
جراء عمله هذا( ،)1كما �أنّ هذا اليق َ
طلب ،وال يبايل بفداحة ال َّثمن الذي يدفعه ّ
مهمته؛ فال يقبل
و�سمو وكرامة ّ
ّ أخالقية هدفه،
ّ ب�صدقية و�
ّ يوفّر له القناع َة املطلقة
ال ّت�شكيك ،وال يت�أ ّثر مبحاوالت ال ّت�أثري امل�ضا ّد� ،أو الإ�سقاط يف �رشك اخليانة.
-يتح ّلى بالأخالق الكرمية الفا�ضلة ،ويعامل النا�س باحرتام ،ويرتك يف
التم�سك بفكرته ،والدفاع عنه ،والوقوف معه،
ّ نفو�سهم �أ َثراً ّ
طيب ًا يدفعهم �إىل
التذمر من تبعات ذلك .فالأخالق الفا�ضلة هي مفتاح
ّ والت�سابق خلدمته دون
النجاح مع النا�س ،و(اجلاريال) كما �أ�سلفْنا تعتمد على ال�شعب يف وجودها،
ن�صريها واحلامي لها.
َ تك�سبه ل�صفِّها ليكونَ
َ وعليها �أن
ذلك مع املجاهد ال�شهيد (�إبراهيم �سالمة) و(علي عا�صي)� ،إ�ضاف ًة �إىل ع�رشات
الق�ص�ص مع جماهدين �آخرين.
ال�سوي
ِّ قو َة اجل�سم و�سالم َة ُ
البنية تكون �أكمل باختيار الأخ ويالحظ �أنّ ّ
�أو ًال ،ثم العمل على �إعداد هذا اجل�سم وتدريبه مبا يلزم من دورات و�ألعاب
ّ
املحك احلقيقي، عملية ت�ضعه على
ّ قوى ،ثم �إخ�ضاعه �إىل امتحانات وجتارب
وت�سرب غَ وره وقدراته وجاهز ّيته ملا َّ
تدر َب عليه.
�إنّ �إتقان التعامل مع ال�سالح؛ يجعل املقاوم ي�شعر بدرج ٍة �أعلى من االطمئنان،
طارئ جديد ،واخلروج من � ِّأي م�أزق قد
ٍ مهيئ ًا ل�رسعة اال�ستجابة ل ِّأي
ويجعله َّ
يقع فيه(.)1
ُ
املقاتل خا�صة ،فك ّلما � َ
أتقن أهمي ٍة ّ
أمر ذو � ّ
-يتقن العديد من املهارات ،وهو � ٌ
أقرب �إىل حتقيق درجة املقاتل املثا ّ
يل ،وبالإ�ضافة �إىل مهارة مهارات �إ�ضافيةً؛ كان � َ
ٍ
�إتقان التعامل مع ال�سالح ،هناك مهارات �أخرى يحتاجها املجاهد ،منها:
-بع�ض املهارات البَـ َدنيّـة؛ مثل اقتحام املواقع ،واخرتاق احلدود ،وت�س ّلق
وال�س َهر املتوا�صل،
وق�ص الأ�سالك ال�شّ ائكة ،وجتاوز حقول الألغامّ ،
اجلدرانّ ،
ملدة طويلة.
الر�صد والترّ كيز ّ
والليلية ،والقدرة على ّ
ّ والدقّة يف املراقبة النهار ّية
� 1أُ�صيب املجاهد (تي�سري �سليمان) �أثناء عملية خطف اجلندي (يرون) بر�صا�ص ٍة يف فَخذه ،فا�ستخدم ما تع ّلمه من
عملية اخلطف بنجاح.
نف�سه ،ثم تابع مع �إخوانه ّ
يل يف عالج ِإ�سعاف �أو ٍّ
ٍ �
224
اتّ�صال ،عندئذٍ نحتاج �إىل االجتهاد ،ومن ميلك وعي ًا �سيا�سي ًا ي�ستطيع تقدير
�صوابية العمل �أو خطئه.
ّ
-احلالة النف�سيّة العالية ،والتي يجب على املقاتل �أن يتح ّلى بها كلَّ حني ،فالعامل
أهم و�سائل احل�سم يف (اجلاريال) ،وكلما ارتفعت معنويات
ف�سي هو �أحد � ّ
ال ّن ُّ
املقاتل؛ ازدا َد اندفاع ًا وعطا ًء و�إ�رصاراً على موا�صلة الطريق مهما ارتفع الثمن.
بعقلية لديه قدرة على ا�ستيعاب اجلديد ،وتطوير ما ميلك من �أ�ساليبّ ،
فيفكر ّ
225
اخل�صم ،وي�ضع نف�سه مكان عد ِّوه ،ويح�سب ما ميكن �أن يفع َله ،وهذا يحتاج �إىل
الع على ثقافة اخل�صم .هذا الأ�سلوب ِ�س َع ِة ُ�أفق و�إبحار يف اخليال� ،إ�ضاف ًة �إىل ّ
اط ٍ
عدوه ،وما هي
قدم عليه ُّ
�سي ِ هو الذي يجعل رجل الع�صابات قادراً على ُّ
التنب�ؤِ مبا ُ
ال ّثغرات التي يحاول ال َّنفا َذ عربها؟ وبالتايل َي ُ�س ّد هذه الثغرات ،ويغلق �أبواب
اخلط أ� املحتمل الذي تُبنى عليه �أ�سو�أ االحتماالت(.)1
رين وجمازِ فني؛ فاملد ِّبرونَ يتولّون ال ّتحليل املايل و�ش�ؤون العاملني التي
املفكر (بيرت دركر)« :نحن بحاجة �إىل مد ِّب َ 1يقول ِّ
تقيدهم احلقائق ،وينظرون �إىل امل�ستقبل ني فهم �أ�صحاب اخليال اجلامح ا ّلذين ال ّ حتتاج �إىل درا�سة وحتليل� ،أما املجازِ ف َ
نظر ًة � ّ
إبداعية».
قول �صحيح و�إن مل يثبت حديث ًا نبوياً. ٌ 2
226
املفيدة عنه عرب �إعالمه ،ويعينه يف التخفّي �إن كان مطارداً ،وال ّتمويه على نف�سه
عمليات
ّ واخلروج من امل�آزق ،وي�ساعده يف تنفيذ بع�ض �أعماله ،وعلى ر�أ�سها
العمليات اال�ست�شهاد ّية.
ّ اخلطف وبع�ض
و�إنّ الأخذ بهذه املالحظات� ،إ�ضاف ًة �إىل القواعد العامة حلرب الع�صابات،
هو ما ي�ؤ ّدي �إىل حتقيق قدر �أعلى من الإجناز والنجاح ب�إذن اهلل ،ومن هذه
املالحظات:
أمر به
ؤوب يف �سبيل توفري �أ�سباب النجاح وجت ُّن ِب عوامل الف�شل ،وهو عني ما � َ
د� ٌ
دي ُننا احلنيف ،و�سار عليه ر�سولنا الكرمي [.
لقد �أخذ ر�سول اهلل [ بتجميع �أ�سباب الن�رص ،ومار�س مبادئ احلرب،
نبي ُم ٌ
ر�سل يتن ّزل عليه الوحي واجتهد يف احليطة واحلذر واال�ستعداد ،رغم �أنه ٌّ
حفظ ًا وتوجيه ًا وب�شارة ،وهذا البذل كان �سبب ًا يف ن�رصه على �أعدائه ،ودر�س ًا
للعاملني من بعده .هكذا كان حاله [ يف هجرته ،وهو د�أبه يف جميع غزواته
وو�صيته لقادة جنده وجماهدي كتائبه و�رساياه التي جابت اجلزيرة
ّ وحروبه،
العربية ط ً
وال وعر�ض ًا.
�إن االطمئنان �إىل دقّة التخطيط مدعا ٌة �إىل اال�ستقرار الذي يبعث على
احتمالية النجاح واال�ستمرار ،ف�إذا
ّ الإبداع ،كما �أن العمل على ب�صري ٍة يزيد من
كان التخطيط غري مكتمل؛ فالأَوىل ت�أجيل العمل حتى يكون املوقف كامل
الو�ضوح ،واخلطط مكتملة الإعداد.
3ـ التّقييم الدائم لكلِّ مراحل العمل ،الأمر الذي ي�ضمن اال�ستفادة مما �سبق،
والتعرف على مكامن القوة للأخذ بها،
ّ والوقوف عند مواطن اخللل لتج ّنبها،
اخللية وحتفظها ،واكت�ساب خربات
ّ والو�صول �إىل نتائج وخال�صات حتمي
ومهارات تزيد من جناحها.
231
جنودها ،ت�سمع
ِ توا�صل مع كافّة
ٍ بد لقيادة العمل املقاوم من �أن تكون على
ال َّ
وتلبي رغباتهم ،وجتيب على ت�سا�ؤالتهم،
منهم وحتاورهم ،توفُّر احتياجاتهم ّ
نب�ضه ،وت�سمع �صوتَه،
جت�س َ
متا�س مع ال�شارع ُّ
ثم على املقاومة �أن تكون على ٍّ
وتدعم �صمو َده ،وتعي�ش معه ،في�شعر �أنه جز ٌء منها و�أنها جز ٌء منه ،فيحميها
وين�رصها.
232
5ـ ا�ستخدام مهارات وعلوم ت�ساهم يف جناح العمل ،كا ّلتي ا�ستخدم ْتها
حروب الع�صابات ال�سابقة ،كعلم ال ّت�شفري الذي ي�ضمن توا�ص ً
ال �آمن ًا بني �أطراف
التنكر والتخفّي الذي يوفّر للمجاهد قدر ًة على االختفاء بعيداً عن وفن ّالعملّ ،
�أعني العدو ملدة �أطول ،وفنون االت�صال واملرا�سالت ،وا�ستخدام احلرب ال�رسي
والنقاط امليتة.
وكلما مت ّتع �أع�ضاء اخللية مبهارات �إ�ضافية تخدم هدفهم؛ ازدادت كفاءتُهم
مهامهم ،وقدرتُهم على جتاوز العقبات التي تعرت�ضهم ،ومعاجلة الأزمات
يف �أداء ّ
التي يقعون فيها.
وي�سخر
ّ 7ـ �رسِّيّـة العمل :فحرب الع�صابات تواجه ّ
عدواً �شرَ ِ�س ًا يبذل جهده
وهمه الأول
�إمكاناته وخرباته يف �سبيل �رضبها والإجهاز عليها� ،سعيه الأكرب ّ
هو جمع املعلومات عن املقاومة وقادتها وجنودها ،وقواعد انطالقها و�أماكن
ّ
وخمططاتها، قوتها و�ضعفها ،و�أ�سلوب تفكريها
تواجدها وت�سليحها ،ونقاط ّ
أكرب من املعلومات؛ وكل كبرية و�صغرية متع ّلقة بها ..وكلما ا�ستطاع حت�صيل ٍّ
كم � َ
كانت قدرته على �رضب املقاومة �أعلى ،و�سهامه نحوها �أكرث �إيالم ًا و�إثخان ًا.
يقابل ذلك كله ،حر�ص (اجلاريال) على �إخفاء معلوماتها ،وجعل العدو
املوجهة جاه ً
ال بحقيقتها وباملعلومات التي يبحث عنها ،فت�صبح حربه و�رضباته َّ
أذى كبرياً
والتخبط على غري هدى ،فال تثمر � ً
ّ الع�شوائية
ّ �إىل املقاومة �رضب ًا من
ُ
االحتالل على تقوية �أجهزة ا�ستخباراته ،و�إمدادها للمقاومني .ومن هنا ،د�أَ َب
التطور العلمي والتقني؛ حتى
ّ بالكادر الب�رشي ،والإمكانات املادية ،وو�سائل
ت�ؤ ّدي دورها على �أكمل وجه.
�إن من �أوىل �أولويات العمل املقاوم :احلفاظ على �رسِّية املعلومة ،ولذا ،ف�إن
واحلرب ال�رسِّي
عملها مبجمله يدور حول الكتمان والأمن وال�رسِّية ،وما ال ّت�شفري ِ
ُّ
والتنكر وال ّنقاط امليتة واملالجئ �إال �أدوات لتحقيق �أعلى قدر مويه
والتخفّي وال ّت ِ
من ال�رسِّية والأمن.
أمريكية)� ،أندروتويل.
ّ (اجلا�سو�سية ال
ّ ال عن كتاب �صور احلركي للعمل الإ�سالمي)� ،أ.فتحي َ
يكن ،نق ً � 1أبجد ّيات ال ّت ّ
َ
234
8ـ اال�ستعداد الدائم ،والبقاء على جاهزية ،واليقظة لكل جديد ،والتعامل
معه مبا يلزم ،يقول تعاىل } :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ { [الأنفال .]٦٠:فالإعداد � ٌ
أ�صل ال
ميكن التنازل عنه بحال.
واال�ستعداد يعني ا�ستقراء الواقع ،وتقدير ما ميكن �أن يقوم به العدو ،و�إعداد
اخلطة الكفيلة ب�إف�شاله ور ّد كيده �إىل نحره.
وتطمئن
َّ 9ـ على قيادة العمل الثّوري �أن تر ّكـ َز على احلالة النف�سيّة ملقاتليها،
ب�شكل �سليم يو�صلها �إىل
ٍ وتركز على بنائها ّ دائم ًا �إىل �سالمتها وجاهزيتها،
نف�سيتهم
ّ تغر�س فيهم جمل َة مفاهيم و�أفكار ،تزيد من قوة
َ هدفها ،و�إن عليها �أن
وا�ستعدادهم ،من ذلك:
235
يائ�س
مقاتل ٍ
ٍ � -إيجاد ال�شعور الدائم بالثقة بالن�رص لدى املقاتلني ،ف�ش ّتانَ بني
فاقد اجلاهز ّية،
الهمةُ ،
خائر ّ
ُ مقتنع بعدم قدرته على حت�صيل هدفه ،فهوٍ محُ َبط،
مطمئن �إىل
ٍّ جندي
ٍّ مهامه اجلهاد ّية ،وبني
ّ ٌ
فا�شل يف �أداء إمكانية،
ّ منخف�ض ال
ُ
قُدرته وقدرة ثورته على حتقيق االنت�صار والو�صول �إىل الهدف ،وا�سرتجاع
ُ
كامل اجلاهز ّية ،ملي ٌء باحليو ّية ،ناجح يف قد الهِ ّمة،
احلقوق امل�سلوبة ،فهو م َّت ُ
�أداء املهام املوكلة �إليه.
وااللتجاء �إليه،
َ والتوك َل عليه ،وال ِّثق َة به
ّ ومن بداهة القول� ،أنّ الإميانَ باهلل
ويقوي َ
ي�شحذ الهِ ممّ ، خري ما ميكن �أن
مبعيتهُ ،
عور ّ ودوا َم ال�صِّ َل ِة بهِ ،
وذكره وال�شّ َ
مييز جنود
النفو�س ،ويقاوم الي�أ�س والقنوط ،ويدفع �إىل االنطالق ،وهذا ما ّ
املقاومة الإ�سالمية يف ِّ
كل مكان.
املهم �أن ننت�رص� ،إمنا نريد �إحياء اجلهاد ،وتربية جيل يرى ال�شّ هادة يف �سبيل اهلل
الق�سام« :لي�س ّ
1يقول ال�شيخ عز الدين ّ
غاي َته!» .من كتاب( :عز الدين الق�سام)� ،أ.حممد ح�سن �رشاب.
236
10ـ االحتفاظ ب�سالح ا�سرتاتيجي �أو عمليات نوعيّة ال�ستخدامها وقت احلاجة،
بحيث ت�شكل ر ْدع ًا للعدو من الإقدام على �أعمال جنونية وقا�سية؛ كالإقدام على
إن�سانية
ال�سيا�سية �أو ا�ستخدام �أ�ساليب غري � ّ
ّ ارتكاب املجازر �أو اغتيال القيادات
�سالحها ،وتلقي بع�ض �أوراقها،
َ يف �رضب املقاومة ،عندئذٍ ت�ستخدم املقاومة
اال�سرتاتيجي يف الوقت املنا�سب،
َّ �سالحها
َ النوعية� ،أو ت�ستخدم
ّ العملية
ّ فتنفّذ
لهمة ال�شعب ،رادع ًا لالحتالل من تكرار فعلته،
مربراً �أمام العامل ،رافع ًا ّ
فيكون َّ
ُمظهراً جاهز ّي َة املقاومة وا�ستعدا َدها للتفاعل مع ِّ
كل جديد.
***
237
املعوقات
ِّ
238
239
املعوقات
ِّ
خارجياً:
وذلك ما يتم ّثل يف حرب االحتالل على املقاومة ،فالعالقة بني االحتالل
ٌ
أ�شكالوالرف�ض واملواجهة ،ولهذه املواجهة �
واملقاومة تقوم على ال ّتناق�ض ّ
متنوعة عديدة ،فاالحتالل ي�ستخدم َّ
كل ما ميلك من �أ�ساليب ق َِذر ٍة وو�سائل ّ
خروج
ٍ متردٍ �أو
ل�سلطته ،وتدجينه وقمع � ِّأي ّ
لإنهاء املقاومة ،و�إخ�ضاع ال�شعب ُ
عن �إرادته ،و�أ�ساليبه يف ذلك ال تنتهي ،ومنها :
1ـ ال�ضرّ بات اليومية ،من اغتياالت واعتقاالت ومالحقات و�إبعاد وت�رشيد،
وهي �سيا�س ٌة دائم ٌة اتّبعها االحتالل مع ِّ
كل من يقف يف وجهه ،حتى زاد عدد
240
�شهداء فل�سطني عن ع�رشات الألوف منذ بدء االحتالل ،وبلغ عدد الأ�رسى منذ
عام (1967م) ما يقارب (� )700ألف حالة اعتقال(� ،)1إ�ضاف ًة �إىل �أعدادٍ هائل ٍة
وامل�رشدين.
َّ من اجلرحى والإعاقات واملبعدين
وقدمت حركة اجلهاد الإ�سالمي امل� ّؤ�س�س فتحي ال�شقاقي ،وهاين عابد...
ّ
عظيم
ٍ وغريهم غُ ِّـيبوا بالقتل ،و�أ�ضعافُهم غُ ِّـي َب بالأَ�سرْ ،ناهيك عن ح�شدٍ
ه�ؤالء ُ
أرواحهم من اجلنود والفر�سان و�أبطال امليدان ،ا ّلذين خا�ضوا املواجهاتّ ،
وقدموا � َ
أعمارهم يف �سبيل ر ِّبهم ولتحقيق هد ِفهم وحترير �أوطا ِنهم.
ودماءهم و� َ
َ
واملتتبع للحرب ال�رش�سة التي ي�ش ّنها جي�ش االحتالل؛ يدرك حجم الإمكانات
ّ
الهائلة التي ير�صدها لهذا الهدف ،والأ�ساليب القذرة التي ي�ستخدمها لتحقيقه،
والهمجية التي ينتهجها �إىل درج ٍة ي�صعب و�صفُها عرب �سطور.
ّ والوح�شية
ّ
َتـل �أثناء املواجهات ،وق َ
َتل يف بكل ُ�ص َوره ،فق َ
لقد ا�ستخدم االحتالل القتل ِّ
بدم باردَ ،
وقتل وقتل اغتيا ًالَ ،
وقتل ٍ وقتل يف �أقبية التحقيقَ ،
العمليات الع�سكر ّيةَ ،
ّ
ب�سبب وبغري �سببَ ،
قتل ٍ وقتل ال ِّن�ساء والأطفالَ ،
قتل وقتل ال�شيوخَ ، املقاتلنيَ ،
ال للإجرام �إال �س َل َ
طرقَه ،وال �سبي ً
ـكه.. ب َِي ِـد عمالئه ،فلم يدع باب ًا للقتل � اّإل َ
حمالت َّ
منظم ًة ٍ العظام وال ّتنكيل باملقاومني ،و�أجرى
ا�ستخد َم �سيا�س َة تك�س ِري ِ
أبعد
وزج بع�رشات الآالف يف ال�سجون ،و� َ
ع�شوائيـ ًة من االعتقاالتَّ ،
ّ و�أخرى
عن الأر�ض بغري ح�ساب ...والزالت جتربة �إبعاد املجاهدين �إىل مرج الزهور
ماثل ًة يف الأذهان.
كل حني ،وهو ما ّ
�شك َل بحق ال�شعب ومقاومته يف ِّ
وهكذا كانت ممار�ساته ِّ
َ
واحلائل الأ�سا�س دون ا�ستقرارها العقبة الأوىل واملعوِّ َق الأبرز �أمام املقاومة،
تقدمها وحتقيق �أهدافها و�آمالها.
قوتها ودميومة ّ واحلفاظ على ّ
2ـ االخرتاق والإ�سقاط ،وحماولة تدمري ال�شعب واملقاومة بالإف�ساد ون�رش
ثم ربط �أكرب عدد من �أفراد املجتمع باالحتالل،
الرذيلة و�إ�شاعة االنحالل ،ومن َّ
ّ
متور ِطني ب�إراقة دماء
ِّ وجعلهم خائ ِنني لدينهم و�أمتهم ،متعاو ِنني مع عد ِّوهم،
َ
ني لرجالها.
كارهني للمقاومة وحمار ِب َ
�شعبهمِ ،
أر�ض دخ َلها ،ومع � ِّأي م�ستعمر ٍة أ�سلوب مار�سه اال�ستعمار يف ِّ
كل � ٍ ٌ وذلك �
حرب خا�ضها منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا ،وقد منت ٍ �أن�ش�أَها ،ويف ِّ
كل
242
وبرزت هذه الظاهرة يف ع�رصنا احلديث مع اندالع احلروب العاملية ،ثم احلرب
ال�سوفيتي.
الباردة بني �أمريكا واالحتاد ُّ
ولقد ّ
�شكلت ظاهرة اخليانة مر�ض ًا � ّأر َق الثورات يف ِّ
كل مكان ،ومنها ال َّثورة
الفل�سطينية ،ف�سعت �إىل مواجهتها ومقاومتها وزيادة ممانعة ال�شعب يف وجهها،
ّ
وبالقوة تار ًة �أخرى ،لكنها بقيت ظاهر ًة موجود ًة مل ّ بالفكر تارةً،
حارب ْتها ِ
ّ
تتمكن جترب ٌة من الق�ضاء عليها ،وقد �شكلت ال ّتجربة اجلزائر ّية مثا ًال قا�سي ًا على
الروايات التي ت�شري �إىل �أنّ ال ّثورة �أعدمت �أكرث
هذه احلرب ،حتى تواترت ِّ
اجلي�ش
ُ رقم لي�س ببعيدٍ عما قت َله
من (� )700ألف �شخ�ص بتهمة العمالة ،وهو ٌ
الفرن�سي من ال ّثوار.
ُّ
لقد �سعى االحتالل �إىل �إ�سقاط ال�شعب ك ِّله بكافة قطاعاته وفئاته َ
ل�سببنيِ
رئي�سني:
َ
الأول؛ هو االخرتاق وجمع املعلومات التي تخدمه يف حربه لل�شعب وقواه
للثورة عليه �أو مواجهته ،وتب�صرّ ه بواقع املجتمع
ِ املقاومة ،و�رضب � ِّأي حماول ٍة
الفل�سطيني ،وما ينا�سبه من �أ�ساليب تهدف �إىل تركيعه وجعله يتنازل عن
حقوقه.
خط من
وال�س ِ
ال�ض َج ِر ّ
املجتمع �إىل َّ
ِ ودفع
النا�س من حولهمِ ،
ني وتنف ِري ِ
املقاوم َ
عن ِ
�أعمال املقاومة ،ومن ثم رف�ضها والوقوف يف وجهها.
َ
ومعارك �ضاري ًة بني املقاومة لقد �شهدت و�سائل الإعالم حرب ًا �شرَ َِ�س ًة
إعالمي ًة ل�صاحله ،و�أن
ّ جوالت �
ٍ يك�سب فيها َ طرف �أن
ٍ وعد ِّوها ،حاول ُّ
كل
املنافذ يف وجه خ�صمه،َ ي�ستقطب العامل نحوه ،لينحا َز �إىل موقفه ،ويغلق
َ
إعالمي ًا ل�صالح االحتالل ،ب�سبب �سيطرته على
ّ تفوق ًا �
و�شهدت العقو ُد ال�سابق ُة َّ
ب�شكل مبا� ٍرش �أو غ ِري مبا�رش � ،اّإل �أنّ الإعالم �شهد
ٍ عاملي ًا
الرئي�سية ّ
ّ و�سائل الإعالم
إعالمية
ّ ودولي ًا� ،ساعده يف ذلك الثورة ال
ّ نه�ض ًة �إعالمي ًة وح�ضوراً حم ّلي ًا و� ّ
إقليمي ًا
حر ًة حاولت املقاوم ُة
إعالمي ًة ّ
ّ منابر �
َ كنولوجية التي وفّرت
ّ واملعلوماتية وال ّت
ّ
توظيفَها يف خدمة �أهدافها� ،إ�ضاف ًة �إىل امتالك هذه القوى منابر خا�صة بها،
تن�رش ِفكرها ،وحتمل ر�سال َتها �إىل النا�س ،كما فعلت منظمة التحرير ب�إذاعتها
ال�شعبية ـ القيادة العامة ب�إذاعتها (�إذاعة ال�شَّ عب) ،ثم
ّ (�صوت العا�صفة) ،واجلبهة
�أطلقت حركة حما�س (�شبكة الأق�صى الإعالمية) والتي مت ّثلت يف �إذاعة راديو،
ف�ضائية ،و�صفحة �إنرتنت.
ّ وحمطة حم ّليةّ ،
وحمطة ّ
�ضد املقاومة
ّ إعالمية
ّ ُ
االحتالل يف حربه ال ومبقابل ذلك ،ا�ستخدم
َ
و�سائل الإعالم املعروفة (راديو وتلفزيون و�صحف و�سائل عديدة ،فهو ميلك
و�إنرتنت) ،ولديه (لوبي) �صهيوين يف �ش ّتى �أ�صقاع الأر�ض ذو ت�أث ٍري ال يخفى
246
داخلياً:
وهو ما يتع ّلق باملقاومة و�أدائها ،وبع�ض الق�صور الذي اعرتاها يف بع�ض
مراحلها ،وهو ما يجب الرتكيز عليه لتج ّنبه ومعاجلته ،ثم االنطالق نحو الأمام.
ومن هذه العوائق:
1ـ قلة الإمكانات و�ضعف التّمويل :فكثرياً ما تبد�أ اخلاليا املجاهد ُة عم َلها
متويل ثابت ّ
يغطي احتياجاتها، ٍ م�صدر
َ �سالح واحدة� ،أو
ٍ دون �أن َ
متلك قطع َة
ممار�سات
ٍ بع�ضها نحو
ويتكفّل بتكاليف �أن�شط ِتها ،مما ي� ّؤخر عملها ،ويدفع َ
ع�شوائية غري
ّ خاطئ ٍة ت�ؤ ّدي �إىل نهايتها؛ ك�أن تبد�أ بالبحث عن م�صادر �سالح
ال�سالح الأبي�ض يف �سبيل احل�صول على ال�سالح ال ّناري،�آمنة� ،أو ت�ستخدم ِّ
اخللية �أو ا�ست�شهادهم� ،أو يبد�ؤون عم َلهم ب�إمكانات
في�ؤ ّدي �إىل اعتقال �أفراد ّ
املرجوة ،مع ما
َّ ب�سيطة متوا�ضعة ،ويبقون على ذلك مد ًة طويل ًة ال تُعطي النتائج
خطر كبري.
ٍ ي�صاحب ذلك من
وعاد ًة ما تكون هذه احلاالت يف مرحلة ما قبل االتّ�صال بال ّتنظيم ،ويكون
ين الأفا�ضل،
املجاهد َ
ِ جمموعات من
ٍ فيها االعتماد على ّ
الذات ،وقد َ�شهِ ْدنا
247
حلي زوجاتهم� ،أو عقارات لهم �أو لأهلهم� ،أو اقرتا�ض مبالغ
ببيع ِّ
بد�أت العمل ِ
ت�سد �شيئ ًا من حاجاتهم ،وتوفّر لهم ما يبد�ؤون به جهادهم( .)1ومن املعلوم
ُّ
ب�شكل كبري ،نظراً للتكلفة املرتفعة
ٍ الدعم املا ِّ
يل الع�سكري يحتاج �إىل ّ
َّ َ
العمل �أنّ
ملهامه ،والتي ال يقدر عليها الفرد العادي.
ّ
الكثري من املجموعات بد�أت عملها
َ 2ـ �ضعف اخلربة الأمنيّة :فكما �أنّ
ب�إمكانات ما ّدية ب�سيطة ،ف�إن هناك عدداً �أكرب من املجموعات بد�أت عملها
اجلهادي ،ولي�ست
ّ أمنية متوا�ضعة� ،إذ �أنّ �أفرا َدها حديثو عهدٍ بالعمل
بخربات � ّ
ٍ
اعتقالي ٌة �أو خرب ٌة باملطاردة واحتياجاتها� ،أو مل َّ
يطلعوا على جتارب ّ لديهم جترب ٌة
الدرا�سات �أو يتلقّوا ال ّتوجيهات التي تر�شدهم �سابقة ناجحة ،ومل ّ
يطلعوا على ّ
أمني ال�سليم الذي ي�ضمن لهم عم ً
ال جهادي ًا خالي ًا من الأخطاء كيفية العمل ال ِّ
�إىل ّ
وال ّثغرات ،وقدر ًة على ال ّتمويِه على العدو لال�ستمرار ملد ٍة �أطول.
ّ
والتنكر وال ّتمويه الع على و�سائل التخفّي أمني ُة ت�ضمن ّ
االط َ فاخلرب ُة ال ّ
وكل ما من �ش�أنه �أن يخد َم يف التم ّل�ص من حمالت االحتالل
ّ وال ّت�ضليل،
ومالحقاته.
م�صريه
ُ أمنية ت�ضمن للمجاهد �صموداً يف �أقبية التحقيق �إن كان
واخلربة ال ّ
ُـر �أم َك ُـب َـر ـ
فعدونا ال يرتك �أ�سلوب ًا ـ َ�صـغ َ
ّ الوقوع يف �أيدي قوات االحتالل،
َ
�إال ا�ستخدمه �سعي ًا النتزاع االعرتافات من �صدور الأحرار� ،سواء �أكان ج�سد ّيا
أداء عد ِّونا يف هذا نف�سيا ،ترغيب ًا �أو ترهيب ًا ،مبا�رشاً �أو غري مبا�رش ،ومل ْ
يقف � ُ ّ �أو
املجال عند حدود ،بل اجتهد دور ّي ًا يف تطويره تبع ًا للحاجةُّ .
كل ذلك يجعل من
االطالع على تلك الأ�ساليب ودرا�ستها والوقوف عندها ح�صان ًة حتفظ املجاهد
خلية �سلواد.
خلية القد�س ،وهو ما فعله جماهدو ّ 1هكذا بد�أَ جماهدو ّ
خلية �صوريف ،و�أبطال ّ
248
يتدرب كفاي َته من ال ميلك ّ 3ـ قلة التّدريب و�ضعف القدرات :فكيف
إبداع يف الأداء من ال ميلك املال
مي وال ِ
الر ِ
�سيتميز بقدرته على ّ
ّ ال�سالح؟ وكيف
الذي ي�شرتي به ّ
الذخرية؟
ال�سالم َة والأمانَ
�ضعف الإمكانات التي توف ُّـر ّ
ُ ويدخل يف ذات الباب
بع�ضهم ال ميلك الكمامات املتفجرة ،حتى �أنّ َ
ّ للمجاهد العامل يف ت�صنيع املواد
حد َثنا ال�شّ هيدان
ال�سامة التي تَنتج عن ال ّتفاعالت ،وقد َّ
ّ التي تقي من الأبخرة
الرو�س) و(جا�رس �سمارو) �أنهما كان يعمالن يف ت�صنيع مئات الكيلو
(ن�سيم �أبو ُّ
وجوههما � َّأي قناع� ،أو يلب�سا � َّأي ُقفّاز ،وذات
ِ ي�ضعا على
غرامات دون �أن َ
مغ�شي ًا عليهما يف
ّ ال�سامة؛ وقَعا
ّ كمي ٍة كبري ٍة من الأبخرة
يوم ونتيج ًة ال�ستن�شاق ّ
خمتربهما اخلايل من َف ْتحات ال ّتهوية ،وكادا �أن يفقدا حيات َْيهما لوال عناي ُة اهلل،
ح�رض من � َ
أنقذهما. َ وذلك ب�أن
م�ضطرونَ
ّ تخ�ص�ص يف العمل :فالإخوة العاملون يف اخلاليا 4ـ عدم وجود ُّ
جزئيات العمل من �أَ ِلفها �إىل يائها ،املبا�شرِ ة وغري املبا�شرِ ةّ ،
الداعمة ّ �إىل �إجناز ِّ
كل
للمهمة ،ثم
ّ وال ّتنفيذية ...فعليهم اختيار املوقع ،ثم ر�صده ،فالإعداد التا ّم
الدعم وال ّتمويل وما يلزم للتجهيز...
تنفيذها ،و�إيجاد ّ
6ـ �أخـطـاء :مع كل ما �سبق من عوامل �أعاقت العمل املقاوم ،ف�إنّ الأخطاء
ال �آخر �ساهم يف�شكلت عام ًاملقاومة؛ ّ
ِ للمقاومني وللحركات الثور ّية
ِ الذاتية
ّ
املقاومة ،و�سبب ًا يف ف�شل عدد ال ُيح�صى من
ِ البنى والهيئات
ت�صدع الكثري من ُ
ّ
املحاوالت اجلهادية ،بل هو ال�سبب الأ�سا�س يف وقوع اخلاليا املجاهدة وعدم
العمليات الناجحة � اّإل
ّ جناحها يف تنفيذ ما ُع ِق َد العزم على �إجنازه من مها ّم ،وما
مزيج من التوفيق الإلهي �أو ًال و�أخرياً ،ثم القدرة على جتاوز ّ
املعوقات وعالجها، ٌ
وعدم الوقوع يف الأخطاء.
-عدم االلتزام بالقواعد الأمنيّة التي ت�ضمن �سالمة العاملني :حيث تتهاون
أمنية الواجب اتّباعها لتحقيق �أعلى قدر
العديد من اخلاليا املجاهدة ب�إجراءاتها ال ّ
من ال�سالمة ،و�ضمان املحافظة على ّ
الذات ،وعدم الوقوع يف قب�ضة �أجهزة
أمنية التي ت�ضمن للمجاهد حال ًة
أمنية والع�سكر ّية .و�إنّ الإجراءات ال ّ
االحتالل ال ّ
متعددة ،تبد�أ من ت�شكيل اخللية ،ثم يف احل�صول
مر جهاده ِّ ُ
تطيل ُع َ من ال�رسِّية
على �أدواتها وم�ستلزماتها وم�صادر متويلها ،فالإعداد للمهمات اجلهادية ،ثم
�أثناء التنفيذ والعودة من املهمة ..و�إنّ � َّأي خط�أ قد يقع فيه املجاهد وجماعته يف
ّ
�سي�شكل ثغر ًة ي�ستغ ّلها االحتالل للإيقاع باخللية � ِّأي مرحلة من هذه املراحل،
ورجالها.
وحتى ال يقع القارئ يف �سوء فهم ،ف�إننا ال نعني �أن ال تكون هناك ر ّدات
بال�سلبية املط َلقة ،بل هي �أحيان ًا من ال�ضرّ ورات مبا ّ
ت�شكله من ّ فعل ،وال ن ّتهمها
فينتف�ض على جلاّ ده ،و ُم رِّ ٍ
عب ُ قلوب ال�شعب
َ رادع لالحتالل ،و�صاعقٍ ُيلهب
ٍ
و�رشعي مع الأحداث ...لكن ٍّ وطني
ٍّ جيا�ش ٍة وانفعالٍ
�صادق عن عاطف ٍة ّ
ٍ
�شكل فيه �أن يكون العمل املقاوم مقت�رصاً على ر ّدات الفعل ،فال يعمد �إىل
الـم ِ
ُ
والكيفي َة
ّ يحد ُد هو ال ّزمانَ واملكانَ
املبادرة ،وال ي�ضبط النف�س وقت احلاجة ،وال ِّ
املنا�سب َة ليختار فيها ر ّده و�رضبته.
الكيفية� ،أو
ّ ِّ
كل حلظ ٍة ت�سنح فيها الفر�صة ،دون النظر �إىل الزمان� ،أو املكان� ،أو
حتى النتائج املرتتّبة على ذلك.
جته َز
فكلما َّمت �إعداد عبوة؛ يبد أ� العمل على زراعتها وتفجريها ،وكلما ّ
هدفٍ ا�ست�شهادي؛ ُي�صار �إىل �إر�ساله �صوب هدفه الأقرب ،وك ّلما َّمت َر ُ
�صد
�صهيوين؛ ُيبا�شرَ �إىل �رضبه بدون ح�ساب.
قد يتنا�سب ذلك مع مرحل ٍة دون غريها ،لكنه قطع ًا ال يتنا�سب مع جميع
الر�سائل القو ّية والوا�ضحة وال�صرّ يحة ميكن �إر�سا ُلها �إىل
املراحل ،و�إن العديد من ّ
وكيفية التنفيذ،
ّ العدو والعامل �أجمع عرب اختيار الزمان واملكان وطبيعة الهدف
وغري ذلك من ال ّتف�صيالت ..وميكن مل ْث ِل هذه ال�ضرّ بات �أن حتق َّق �أهداف ًا تفوق ما
حتقّقه ال�رضبات الع�شوائية بكثري ،ف�إذا �أر ْدنا توجي َه ر�سال ٍة �إىل م�رشوع اال�ستيطان،
ف�إننا نحتاج �إىل توجيه عدد من ال�رضبات �إىل قُطعان امل�ستوطنني ،و�إذا �أر ْدنا
وال�سواحل هي املكان املنا�سب لتوجيه ال�رضبات،
فاملنتجعات ّ
ُ ال�سياحة،
�رضب ِّ
َ
نوعية
بعملية ّ
ّ بد من االحتفاظ
الرعب) ،فال َّ
و�إذا حر�صنا على تثبيت مبد أ� (توازن ُّ
جاهزة للتنفيذ عقب حادثة اغتيال لأحد القادة� ،أو �إقدام العدو على ارتكاب
وال�ضغط على
وق�ضيتهمّ ،
ّ �صوب الأ�رسى
َ نلفت الأنظار
َ جمزرة ،و�إذا �أر ْدنا �أن
فعمليات اخلطف هي الأمثل لتحقيق
ّ امل�ستوى ال�سيا�سي والعاملي للإفراج عنهم،
هذا الهدف ،وهكذا...
و�سيلة ات�صالٍ
ِ لأيام طويلة ،فكيف لو َّمت ت�سليط اخلاليا امل�س َّلحة عليهم وعلى ِّ
كل
بينهم وبني حميطهم؟ وهكذا ميكن ر�سم �أهداف مرحلية �آمنة ،وتوجيه العمل
لتحقيقها؛ عندها يكون الإجناز كبرياً ح ّق ًا.
هذا يف ميدان العمل� ،أما يف ميدان االعتقال ،فما الذي يجعل �أك َرث من
ن�صف الأ�رسى الذين يعرتفون ،يكون اعرتافُهم عند الع�صافري ،على الرغم من �أنه
�أ�صبح �أ�سلوب ًا مك�شوف ًا؟ �أال يوجد من ُي ِ
ح�س ُن درا�س َته ويتكفّل بن�رش ثقافته؟ �أال
يتعهد النا�س لفهمه وا�ستيعابه واالطمئنان �إىل عدم الوقوع به� ،أم �أن
يوجد من ّ
الإ�شكال ال يتع ّلق بالدرا�سة؟!!
أحد جماهدينا �أع�ضاء اخلاليا �أنّ �أحد حمقّقي ال�شّ اباك قال له:
وقد روى يل � ُ
أمنيـ ًا ،وهذا ما
الفل�سطينيون تتقنون العمل الع�سكري ،لكنكم فا�شلون � ّ
ّ «�أنتم
�صدقه هذا الكذوب! يوقعكم ب�أيدينا» .وفع ً
ال ،لقد َ
***
256
257
ـمـة
ـات َ َ
الـخ ِ
258
259
اخلامتة
أر�ض مغت�صب ٍة حرب دائم ٌة بني االحتالل وال�شعب املقهور ،مكانها ُّ
كل � ٍ ٌ هي
وحق م�سلوب ،تنتهي دائم ًا �إىل انت�صار احلق وعودة احلقوق �إىل �أ�صحابها،
ٍّ
م�رشوعية.
ّ �سلبها دون
أر�ض َ
وطرد املحتل عن � ٍ
يبحث عن جتارب غريه فيتّعظ بها، َ هي دعو ٌة لكلِّ جماهدٍ ومقاوِ م وثائر� ،أن
قي من اتّ َ
عظ بنف�سِ ه. وال�ش ُّ ال�سعي ُد من اتّ َ
عظ بغريهَّ ، وينتفع بنتاجها ...وقد قيلَّ :
و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني.
260
261
املراجع وامل�صادر
الفهر�س
�إهداء 5 .............................................................................................
من قب�س النبوة 7 .................................................................................
تقدمي د�.أحمد نوفل 9 ...........................................................................
مق ّدمة 15 ...........................................................................................
متهيد 19 ............................................................................................
ما هي حرب الع�صابات؟ 21 ...............................................................
ملحة تاريخية 24 .................................................................................
مدار�س حرب الع�صابات 27 ................................................................
�أو ًال :مدار�س الع�صابات يف ع�رص ال ّنبوة 29 ......................................
ثاني ًا :املدر�سة ّ
ال�صينية (املاويّة) 34...................................................
ثالث ًا :املدر�سة الكوبية 37 ...............................................................
الفيتنامية 39 ............................................................
ّ رابع ًا :املدر�سة
خام�س ًا :حرب التحرير اجلزائر ّية 41 ..............................................
الفل�سطينية 44.......................................................
ّ �ساد�س ًا :التجربة
مقارنة 48...........................................................................................
�أهداف حرب الع�صابات 55 .................................................................
من قواعد حرب الع�صابات 69 ..............................................................
العمل الفل�سطيني املقاوم 91 .................................................................
263