Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 263

‫‪1‬‬

‫الع�صابات‬
‫رب ِ‬‫َح ُ‬
‫بني ال ّنظرية العلم ّيـة‬
‫والتطبيق الفل�سطيني‬
‫‪2‬‬

‫حرب الع�صابات‬
‫العلميـة والتطبيق الفل�سطيني‬
‫ّ‬ ‫بني ال ّنظرية‬

‫�إعداد الأ�سري حممد ناجي �صبحة‬


‫____________‬
‫الطبعة الأوىل – ‪1432‬هـ ‪2011 /‬م‬

‫توزيع‪ :‬م�ؤ�س�سة فل�سطني للثقافة‬

‫________________________________________________________‬
‫�سورية – دم�شق – �ص‪.‬ب‪13029 :‬‬
‫هاتف‪00963116374802 :‬‬
‫فاك�س‪00963116374551 :‬‬
‫الربيد االلكرتوين‪thaqafa@thaqafa.org :‬‬
‫املوقع االلكرتوين‪www.thaqafa.org :‬‬
‫‪3‬‬

‫حرب الع�صابات‬
‫العلميـة والتطبيق الفل�سطيني‬
‫ّ‬ ‫بني ال ّنظرية‬

‫�إعداد الأ�سري حممد ناجي �صبحة‬


4
‫‪5‬‬

‫�إهـــــداء‬

‫�إىل �أ�سود كتائب ال�شهيد عز الدين الق�سام‪..‬‬


‫�إىل ال�شهداء العظام‪..‬‬

‫و�إىل املرابطني املجاهدين‪..‬‬


‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫و�إىل ال�صابرين الثابتني؛ جرحى و�أ�رسى‪..‬‬

‫�أُهدي كتابي هذا‪..‬‬


‫راجياً من اهلل القَبول‪..‬‬
6
‫‪7‬‬

‫مـن َق ِ‬
‫ـبـ�س ال ُّن ّ‬
‫ـبـوة‬

‫ي�رضهم من خذلهم من‬


‫توجهوا‪ ،‬ال ّ‬
‫تربح هذه الأم ُة من�صورين �أينما ّ‬
‫«لن َ‬
‫أمر اهلل وهم بال�شّ ام»‪.‬‬
‫أتي � ُ‬
‫النا�س‪ ،‬حتى ي� َ‬
‫خري فيكم‪ .‬ال ُ‬
‫تزال طائف ٌة من � ّأمتي من�صورين‪ ،‬ال‬ ‫َ�سد � ُ‬
‫أهل ال�شّ ِام فال َ‬ ‫«�إذا ف َ‬
‫ي�رضهم َمن خذ َلهم‪ ،‬حتى تقو َم ّ‬
‫ال�ساعة»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫«عقر دارِ امل�ؤمنني ال�شّ ام»‪.‬‬
‫ُ‬

‫فعمدوا به �إىل ال�شّ ام‪ ،‬ف�إذا‬


‫املنام � َأخذوا عمو َد الكتاب َ‬
‫أيت املالئك َة يف ِ‬
‫«�إنيّ ر� ُ‬
‫نت ف�إنّ الإميانَ بال�شّ ام»‪.‬‬
‫وقعت الف ُ‬
‫َ‬
‫ر�سول اهلل‪ ،‬اكتب يل بلداً �أكون فيه‪،‬‬ ‫«عن عبد اهلل بن حوالة �أ ّنه قال‪ :‬يا‬
‫فلو �أعلم �أ ّن َك تبقى مل �أخرت �إال قر َبك‪ .‬فقال عليه ال�سالم‪« :‬عليك بال�شّ ام‪،‬‬
‫ُ‬
‫ر�سول اهلل كراهي َته لل�شام‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عليك بال�شّ ام‪ ،‬عليك بال�شّ ام»‪ .‬فلما ر�أى‬
‫أنت َ�صف َْوتي من بالدي‪� ،‬أُ ِ‬
‫دخ ُل‬ ‫«هل تدرون ما يقول اهلل عز وجل؟ يقول‪ِ � :‬‬
‫فيك ِخريتي من عبادي»‬
‫ِ‬

‫أيت ليل َة �أُ�سرْ َِي بي عموداً �أبي�ض ًا ك�أنه ل�ؤل�ؤ‪ ،‬حتم ُله املالئكة‪ ،‬فقلت‪ :‬ما‬
‫«ور� ُ‬
‫إ�سالم �أُمرنا �أنْ ن�ض َعه بال�شّ ام»‬
‫حتملون؟ قالوا‪ :‬عمو َد ال ِ‬
‫‪8‬‬

‫َ‬
‫«عليك بال�شّ ِام ف�إ ّنها ِخري ُة اهلل من �أر�ضه‪ ،‬جتبي �إليها خريته من عباده»‬

‫«�ستجدون �أجناداً‪ :‬جنداً بال�شام‪ ،‬وجنداً بالعراق‪ ،‬وجنداً باليمن‪ .‬قال عبد‬
‫َ‬
‫ر�سول اهلل‪ .‬فقال‪ :‬عليكم بال�شّ ام‪ ،‬فمن �أبى‬ ‫فقلت‪ :‬اخرت يل يا‬
‫ُ‬ ‫فقمت‬
‫ُ‬ ‫اهلل‪:‬‬
‫وجل قد تكف َّل يل بال�شّ ام‬
‫َّ‬ ‫فليلحق مبنه‪ ،‬ولي�ستعذ من غدره‪ ،‬ف�إنّ َ‬
‫اهلل ع َّز‬
‫و�أه ِله»(‪.)1‬‬

‫***‬

‫‪1‬جميع ما تقدم م�أخوذ من كتاب (ف�ضائل ال�شام‪ /‬للربيعي)‪ ،‬حتقيق ال�شيخ الألباين‪ ،‬وجميع الأحاديث �إما �صحيحة‬
‫�أو ح�سنة‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫تقدمي‬
‫الدكتور �أحمد نوفل‬
‫�أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية يف اجلامعة الأردنية‬

‫كوني ٌة اجتماعية‪ ،‬و�ضعها اهلل‬


‫ّ‬ ‫ال�صاع هو قانون احلياة‪ ،‬و�س ّنة ال ّتدافع �سن ٌة‬
‫رِّ‬
‫وعدم‬
‫ِ‬ ‫�صمـا َم �أمان‪ ،‬و�ضمانَ �سالم ٍة‬
‫يف ُبنية الكون واملجتمعات‪ ،‬بل جعلها ّ‬
‫كررها القر�آن الكرمي يف مو�ض َعنيِ‬
‫أمن �أماكن العبادة‪ ،‬وقد ّ‬
‫ف�سادٍ للأر�ض‪ ،‬و� ِ‬
‫من �سورتَنيِ كرمي َتني‪ ،‬هما �سورة البقرة و�سورة احلج‪ ،‬فقال‪} :‬ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [البقرة‪ ،]٢٥١ :‬وقال‪:‬‬
‫}ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ{ [احلج‪.]٤٠ :‬‬

‫واخلالف بني بني الب�رش �س ّنـ ٌة �أخرى‪ ،‬و�سيالزمهم ذلك ما الزم ْتهم احلياة‪:‬‬
‫ِ‬
‫}ﭙ ﭚ ﭛ{ [هود‪ .]١١٨:‬وكثرياً ما يح�سم الب�رش خالفاتهم بالقوة‬
‫واحلروب‪.‬‬

‫نف�سها‬
‫ثمة ِخالفات‪ ،‬ف�إن نظرية (فائ�ض القوة) �ستجد َ‬
‫وحتى �إن مل يكن ّ‬
‫ومتدداً يف �أر�ضه‪ ،‬ومت ّتع ًا برثوته‪� .‬إن‬
‫متحقّق ًة يف الواقع؛ اعتدا ًء على ال�ضعيف‪ّ ،‬‬
‫ال�ض ْع ِف‬ ‫أقوياء �إال باالعتداء على ّ‬
‫الطرف ال�ضعيف‪ ،‬ورائحة َّ‬ ‫عف ال ُيغري ال َ‬
‫ال�ض َ‬
‫َّ‬
‫القر�ش يف البحار واملحيطات‬ ‫َ‬
‫أ�سماك ِ‬
‫الد ِم �‬
‫أقوياء كما جتذب رائح ُة ّ‬
‫جتذب ال َ‬
‫نحو الفرائ�س‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫عذاب‬
‫ٍ‬ ‫ال�سالم �إال �أماين‬
‫هذه هي طبيعة احلياة‪ ،‬وهذه طبيعة الأ�شياء‪ .‬وما ّ‬
‫الر�سمي‬
‫ّ‬ ‫ال�ضعفاء ويتع َّللونَ بها‪ ،‬كما هو حال العامل العربي‬
‫و�أحالم‪ ،‬يحلم بها ّ‬
‫اليوم‪.‬‬

‫أقوياء ال يرحمون ال�ضعفاء‪ ،‬بل �إن �ضعفهم‬


‫ما دام الأمر كذلك‪ ،‬و�أن ال َ‬
‫ال�ضعفاء بالإنهاء والإفناء‪� ،‬أفال ترى �إىل‬
‫ويهدد ُّ‬
‫ّ‬ ‫أقوياء باالعتداء‪،‬‬
‫ُيغري ال َ‬
‫م�صري الهنود ا ُ‬
‫حلمر؟ و�أال ترى �إىل م�صري �إفريقيا كيف تُف َتعل فيها احلروب‬
‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫حرب قذر ٍة ال م�صلح َة لهم فيها؟‬
‫ٍ‬ ‫وتُو َّزع الأ�سلحة «ليتفانى» النا�س يف‬
‫ال�ضعفاء‪ ،‬ففرن�سا و�أمريكا تتناطحان من خالل‬
‫أقوياء يت�صارعون من خالل ُّ‬
‫ال َ‬
‫الأفارقة‪ ...‬وهكذا‪..‬‬

‫لل�ضعفاء؟! �أم �أن النهاي َة‬


‫أمل ُّ‬
‫وداوي للواقع من � ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ال�س‬
‫فهل بعد هذا الت�صوير َّ‬
‫احلتمي َة با�ستئ�صالهم هي لهم باملر�صاد؟‬
‫ّ‬
‫اجلواب نعم! �إنّ لهم ف�سح ًة وفر�ص ًة للبقاء واالنت�صار‪َ ،‬‬
‫�رشط �أن يتغ ّلبوا على‬
‫والتفرق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫و�شعور الإحباط والي�أ�س والتم ّزق‬
‫َ‬ ‫�سلبي َتهم وخوفَهم‬
‫�ضعفهم‪ ،‬ويقهروا ّ‬
‫و�شن «حرب الع�صابات»‪.‬‬
‫ويجتمعوا على املقاومة ّ‬
‫حرب الع�صابات وج َه التاريخ! و�إن لنا فيها نحن امل�سلمني جترب ًة‬
‫ُ‬ ‫لقد غيرّ ت‬
‫عتيق ًة قدمي ًة منذ فجر الإ�سالم‪ ،‬حني اتّخذ �أبو جندل و�أبو ب�صري من مواقعهما‬
‫وانق�ضا�ض على م�صالح قري�ش‪ ،‬فقامت قري�ش‬
‫ٍ‬ ‫هجوم‬
‫ٍ‬ ‫على طريق القوافل َ‬
‫نقاط‬
‫االتفاقية املوقَّعة بني ال ّنبي [‬
‫ّ‬ ‫ترجو النبي [ �أن يقب َلهم يف املدينة‪ ،‬بعك�س‬
‫وقري�ش‪ ،‬وقد كان‪.‬‬

‫على �أنّ حرب الع�صابات‪� ،‬أو حرب ال�شعب‪� ،‬أو املقاومة‪� ،‬أو العمل الفدائي‪،‬‬
‫‪11‬‬

‫الـم�س َتعمرة منها‪� ،‬صار لها‬ ‫قد �أ�صبحت ِعلم ًا وممار�سةً‪ ،‬و�صار لل�شعوب‪ّ ،‬‬
‫خا�صة ُ‬
‫جتارب‪ ،‬تتبادلها الأمم والأقوام‪ ،‬وتتكامل اخلربات بني امل�ست�ضعفني‪.‬‬

‫ُّ‬
‫فكل عاملنا الإ�سالمي خا�ض حرب حترير �ضد امل�ستعمر‪ ،‬حتى حقّق لبالده‬
‫َّ‬
‫ولعل من �أجمل �صفحات ال ِّن�ضال واجلهاد‬ ‫اال�ستقالل‪ ،‬واحد ًة فواحدة‪..‬‬
‫قدمت فيها اجلزائر مليون ًا‬
‫اجلزائري يف مقاوم ٍة �شعبي ٍة ّ‬
‫ّ‬ ‫والقتال؛ ما َّ‬
‫�سطره ال�شعب‬
‫ون�صف ًا من ال�شهداء‪.‬‬

‫غنيـ ٌة ّقيمـ ٌة‬


‫العربي ّ‬
‫ّ‬ ‫الريف باملغرب‬
‫وجتربة عبد الكرمي اخلطابي يف حرب ِّ‬
‫ال�سوي�س‬
‫علم ُم�رشِّف‪ .‬واملقاومة امل�رص ّية يف قناة ُّ‬
‫كذلك‪ .‬وجتربة عمر املختار َم ٌ‬
‫متقدم‪ .‬على �أن من �أعظم جتارب حروب الع�صابات جتربة ال�شّ عب‬
‫�شجاع ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عمل‬
‫عات‬
‫أمريكي ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫ال�شعب ك ُّله يف مقاوم ٍة رائع ٍة ّ‬
‫�ضد طغيانٍ �‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫انخرط‬ ‫الفيتنامي؛ فقد‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫وحرق الغابات‬ ‫واملحرمة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫مدج ٍج ال يرحم‪ ،‬وا�ستخد َم َّ‬
‫كل الأ�سلحة املحظورة‬ ‫َّ‬
‫والب�رش‪ ،‬وارتكب من املجازر ما ت�شيب له الولدان‪ .‬ومن قبله فرن�سا �صنعت‬
‫الفيتنامي منت�رصاً‬
‫ُّ‬ ‫نف�سه يف ذات البلد‪ ،‬ومع ذات ال�شعب‪ ،‬وخرج ال�شعب‬
‫نيع َ‬
‫ال�ص َ‬
‫َّ‬
‫القوتَنيِ اال�ستعمار ّي َتنيِ امل�ستكربتَنيِ ّ‬
‫الط ِاغ َيتني‪ ،‬ول ّق َنهما در�س ًا تع ّلمت منه‬ ‫على ّ‬
‫كل �شعوب الأر�ض‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫وثورة غيفارا وحربه الفدائية مدر�س ٌة يف حرب الع�صابات‪ ،‬حتى غدا رمزاً‬
‫العرب‬ ‫ين مقاوم ًة عنيد ًة با�سلةً‪ّ ،‬‬
‫و�سطر مالحم من ِ‬ ‫للمقاومة‪ .‬وخا�ض ال�شّ عب اللبنا ّ‬
‫وري يف مقارعة اال�ستعمار الفرن�سي‪،‬‬
‫ال�س ُّ‬
‫عب ُّ‬
‫والبطولة والت�ضحية‪ .‬وكذا ال�شّ ُ‬
‫بطوالت وت�ضحيات‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫�سط َر‬

‫متميزا بني ِّ‬


‫كل‬ ‫ّ‬ ‫تظل َمع َلم ًا‬
‫على �أنّ ب�سال َة ونبال َة املقاومة يف فل�سطني‪ُّ ،‬‬
‫‪12‬‬

‫ال ّتجارب‪ ،‬وخا�صة جتربة (حما�س)‪ ..‬ومن قبلها جتربة املقاومة الفل�سطينية‬
‫ت�سويات غري �سو ّية‪� ،‬إمنا تنخرط يف‬
‫ٍ‬ ‫القيادات وتنجرف باجتاه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تنحرف‬ ‫قبل �أن‬
‫مقاومة املقاومة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫م�رشوع‬

‫الفل�سطينية من اال�ستعمار الربيطاين يف �أوا�سط العقد‬


‫ّ‬ ‫لقد ابتد�أت املقاومة‬
‫الثاين من القرن الع�رشين‪� ،‬أي منذ قرابة قرن من الآن‪� ..‬إال قلي ً‬
‫ال‪.‬‬

‫ّ‬
‫والتوطن‬ ‫تطورت مبقاومة م�رشوع اليهود ال�صهاينة‪ ،‬بالهجرة �إىل فل�سطني‬
‫ثم ّ‬
‫الق�سام‪،‬‬
‫الدين ّ‬
‫البطولية‪ ،‬من �أبرزها ع ّز ّ‬
‫ّ‬ ‫قيادات ّ‬
‫فذ ٌة لهذه الأعمال‬ ‫ٌ‬ ‫فيها‪ .‬وظهرت‬
‫وتقب َل‬
‫ّ‬ ‫ال�سعدي‪ ،‬وعبد القادر ا ُ‬
‫حل�سيني‪ ،‬وغريهم‪ ...‬رحمهم اهلل‬ ‫وفرحان َّ‬
‫جها َدهم‪.‬‬

‫بطوالت ال تُنكر‪� ،‬إنْ يف حرب الكرامة �أو بعدها‪..‬‬


‫ٍ‬ ‫ولقد ّ‬
‫�سطرت (فتح)‬
‫وال�سما�رسة ا ّلذين باعوا َ‬
‫دماء ال�شُّ هداء‪،‬‬ ‫قبل �أن يت�س ّل َط عليها جمموع ٌة من ّ‬
‫التجار ّ‬
‫ني عن الأعداء‪.‬‬
‫مقاول َ‬
‫دين ِ‬‫وا�شتغلوا متع ِّه َ‬
‫ثم منذ ّني ٍف وع�رشين �سنة‪ ،‬ظهرت حركة (حما�س)‪ ،‬مقاوم ٌة فل�سطيني ٌة‬
‫منطلق ٌة من الإ�سالم العظيم ومبادئه يف احل�ضِّ على اجلهاد واملقاومة ومقارعة‬
‫زمن‬
‫غدت يف ٍ‬
‫ْ‬ ‫املحتل‪} :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{[البقرة‪ ،]١٩١ :‬وقد‬
‫ي�س ٍري واحد ًة من رموز املقاومة على مدى العامل والتاريخ الإن�ساين‪ّ ،‬‬
‫وقدمت‬
‫العظام وامل� ِّؤ�س�سون‪ ،‬ومل تف ْرت عزميتها‬
‫مقدمتهم قادتُها ِ‬ ‫َ‬
‫قوافل من ال�شهداء‪ ،‬يف ّ‬
‫حروب مواجه ٍة مع �أعتى قو ٍة ع�سكري ٍة يف العامل‪ ،‬مع �أنه‬
‫َ‬ ‫وما النت‪ .‬ثم خا�ضت‬
‫نظامية‪ ،‬ومع هذا‬
‫ّ‬ ‫حروب‬
‫ٍ‬ ‫لي�س مطلوب ًا من حركات املقاومة �أن تواج َه جيو�ش ًا يف‬
‫علية‪.‬‬
‫وبهم ٍة ّ‬
‫ّ‬ ‫أثبتت موجود ّي ًة وخرجت منت�رص ًة مرفوع َة ّ‬
‫الر�أ�س‬ ‫� ْ‬
‫‪13‬‬

‫طرف واحدٍ �إطالق‬


‫ٍ‬ ‫العدو من‬
‫ُّ‬ ‫حرب غ ّز َة منعطف ًا تاريخي ًا � َ‬
‫أوقف فيه‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬
‫العدو خ�رس يف هذه احلرب‪ ،‬و�إن كان �آ َمل َ‬
‫بع�ض‬ ‫َّ‬ ‫النار‪ ،‬واعرتف العا ُمل ك ُّله �أنّ‬
‫أنف�سهم و�إ�رسائيل يف‬
‫�رص العتيد؛ فهم يعتربون � َ‬‫اجلديد وال ّن ُ‬
‫ُ‬ ‫الواقع‬
‫ُ‬ ‫العرب هذا‬
‫ِ‬
‫خندق واحد‪ ،‬ي�ؤذيهم ما ي�ؤذيها‪ ،‬ويقاتلون من تقات ُله‪.‬‬
‫ٍ‬

‫لعت‪� ،‬رسيع ًا‪ ،‬على كتاب «حرب الع�صابات‪ ،‬بني‬


‫اط ُ‬‫ال�سياق‪ّ ،‬‬
‫يف هذا ِّ‬
‫ولبث‬
‫َ‬ ‫وكاتبه ممن خا�ض الغ ََمرات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لمية وال ّتطبيق الفل�سطيني»‪.‬‬
‫الع ّ‬
‫ال ّنظر ّية ِ‬
‫و�سج َل من ال ّتجارب وامل�شاهدات واملعاي�شات هذه‬
‫َّ‬ ‫ال�سجن �سنوات‪،‬‬ ‫يف ّ‬
‫لين�ضم �إىل مئات الكتب عن حرب‬
‫َّ‬ ‫نرحب بالكتاب‬
‫ال�صفحات‪ .‬ونحن ّ‬
‫ّ‬
‫العربية الإ�سالمية يف حرب‬
‫ّ‬ ‫الع�صابات‪ ،‬و�إىل ع�رشات الكتب من ال ّتجربة‬
‫الع�صابات‪.‬‬

‫ت�ستفيد من ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫�أ�س�أل اهلل لهذا الكتاب وكاتبه القبول‪ ،‬و�أ�س�أل اهلل ل ّأمتنا �أن‬
‫وخياراً‪ ،‬فما َج َن ْـيـنا‬ ‫كلمة مقاومة‪ ،‬و�أن َ‬
‫جتعل املقاوم َة لها نهج ًا َ‬ ‫كل ِ‬ ‫جتربة‪ ،‬ومن ِّ‬
‫أربح اخليارات‬
‫وخيار املقاومة � ُ‬
‫ُ‬ ‫ال�سالم �إال العلقم واملوت ال ُّز�ؤام‪.‬‬
‫من خدعة ّ‬
‫العدو �أ�سو�أُ و�أرد�أُ اخليارات‪ ..‬والأحمق من ال تع ّلمه‬
‫ّ‬ ‫وخيار م�ساملة‬
‫ُ‬ ‫واحللول‪،‬‬
‫اخلربة والتجربة‪.‬‬

‫ال�ص ُرب على الن�ضال‬


‫عامة‪ ،‬و�أن يكونَ ّ‬
‫�شعبي ًة ّ‬
‫ت�صبح املقاوم ُة ثقاف ًة ّ‬
‫َ‬ ‫يجب �أن‬
‫فدائية‪ .‬هذا هو‬
‫ّ‬ ‫م�ضحي ٍة‬
‫ّ‬ ‫وروح‬
‫ٍ‬ ‫أريحية‬ ‫وتكاليفه ّ‬
‫بكل �شجاع ٍة و� ّ‬ ‫ِ‬ ‫وحتمل تبعا ِته‬
‫ّ‬
‫طريق ال�شرَّ َف وال ّن�رص والع ّزة والتحرير‪.‬‬

‫ال وح ّق ًا‪� ،‬أنّ ما �أُ ِخ َذ بالقوة؛ ال ميكن �أن ي�سرت َّد �إال بالقوة‪ ،‬وما جاء‬
‫وفع ً‬
‫‪14‬‬

‫يتحرر‬
‫َّ‬ ‫التحديات‪ .‬والأق�صى �أكر ُم على اهلل و�أع ّز من �أن‬
‫ّ‬ ‫تبدده � ُّ‬
‫أقل‬ ‫باملفاو�ضات ّ‬
‫قدم الأحياء؛‬
‫هره �أكرم ما ُي ِّ‬
‫�إال بالدماء وال�شهداء‪ ،‬فهذا م�رسى �أعظم الأنبياء‪ ،‬و َم ُ‬
‫الدماء‪ ..‬وال نامت �أعني اجلبناء‪..‬‬
‫ّ‬

‫د‪�.‬أحمد نوفل‬ ‫ ‬
‫ �أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية‬
‫يف اجلامعة الأردنية‬ ‫ ‬
‫عمان ـ الأردن‬ ‫ ‬
‫‪15‬‬

‫ِّ‬
‫مـقـدمــة‬

‫الناظر �إىل حال العمل الثوري واجلهادي يف فل�سطني على مدار العقود‬
‫َ‬ ‫�إنَّ‬
‫ال�سابقة‪ ،‬يجده قائم ًا على التطور الع�شوائي‪ ،‬معتمداً على الكثري من اجلهود‬
‫الفردية واملبادرات الذاتية‪ ،‬ما يجعله مفتقراً �إىل النظرات التحليلية والتقييمية‬
‫غالب ًا‪ ،‬فالتجارب الثورية ـ رغم غزارتها ـ متر مرور الكرام من غري توثيق �أو‬
‫حتليل‪ ،‬فرتى مئات بل �آالف العمليات الع�سكرية تُنفذ ومتر ب�إجنازاتها و�أخطائها‬
‫جتد من يتوقف عندها فيدر�سها وي�ستخل�ص النتائج منها‪ ،‬ثم ي�ضعها بني‬
‫دون �أن َ‬
‫�أيدي العاملني لال�ستفادة منها‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬ف�إن كثرياً من ال�سلبيات ا ّلتي واجهت العمل الوطني الفل�سطيني ال زالت‬
‫متكررة‪ ،‬وما زال ال�سقوط عند «الع�صافري» ي�شكل ن�سبة كبري ًة من االعرتافات‪،‬‬
‫ّ‬
‫وال زالت االغتياالت تُنفَّذ بحق املقاومني بنف�س الطريقة‪ ،‬ودومنا يقظة �أو‬
‫مراجعة حقيقية مت�أ ّنية‪.‬‬

‫كذلك ال زال اال�ستهتار الأمني‪ ،‬والف�شل املرتتّب على ا�ستخدام االت�صاالت‬


‫الإلكرتونية‪ ،‬والقافلة ت�سري‪ ،‬وال زال‪ ..‬وال زال‪ ..‬وال من معترب‪ .‬و�إن كنا قد‬
‫بد�أنا ن�شهد يف املدة الأخرية تطوراً ملحوظ ًا على العمل الع�سكري يف قطاع‬
‫غزة‪ ،‬وا�ستفادة طيبة من التجارب ال�سابقة‪ ،‬ونق ً‬
‫ال لتجارب وخربات ال�شعوب‬
‫الأخرى‪ ،‬التي عا�شت احلياة الثورية ومار�ست حرب الع�صابات �ضد عدوها‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫تعي�شه املقاومة الفل�سطينية هو خلل يف �إدارة العمل املقاوم‬ ‫َ‬


‫اخللل الذي ُ‬ ‫�إنَّ‬
‫وتوجيهه واال�ستفادة منه‪ ،‬وتوجيه العاملني �إىل الوجهة ال�صحيحة‪� .‬أما �إدارة‬
‫ال�سيا�سة‪ ،‬فهي خا�ضعة �إىل ِفكر احلركة التي تدير هذا العمل‪ ،‬فعندما �أدارت‬
‫حركة فتح واملنظمة العمل املقاوم كانت توجهه ليقطف حل ً‬
‫وال �سلمية تو�صلها‬
‫�إىل ثمار (واهية) حددتها هي لنف�سها‪ ،‬وعندما �أدارت حركة حما�س عملها‬
‫وجهته �إىل وجهة �أخرى ونح�سبها قد �أح�سنت يف �إدارته �إن �شاء‬
‫املقاوم ف�إنها َّ‬
‫اهلل‪.‬‬

‫�إنَّ الثورة الفل�سطينية حتتاج �إىل مفكرين ميتازون بعقول نرية‪ ،‬لهم جتارب‬
‫عملية ثرية يدعمونها بدرا�سات متعمقة لثورات العامل امل�شابهة‪ ،‬الأمر الذي‬
‫الكم الهائل من التجربة والتاريخ الثوري يف فل�سطني‪ ،‬و�إنني‬
‫ي� ّؤهلهم �إىل درا�سة ّ‬
‫�أ� ّؤكد �أنّ وجود مثل ه�ؤالء املفكرين‪ ،‬ي�ضمن جتاوزاً للكثري من ال�سلبيات التي‬
‫تكر َر الوقوع فيها‪ ،‬وي�سمح بالتخطيط امل�ستقبلي البديل عن االندفاع الع�شوائي‬
‫َّ‬
‫الذي ن�شهده كثرياً للأ�سف‪.‬‬

‫لن جنلد ذاتنا‪ ،‬فاملقاومة حقّقت من الإجنازات ما نفخر به‪� ،‬إال �أنّ الأمل‬
‫معقود عليها لتكون �أكرث قوة و�أبلغ �أثراً‪ ،‬و�أدق تخطيط ًا‪ ،‬و�أكرث ا�ستفادة‬
‫وا�ستثماراً للخربات‪.‬‬

‫هذه الدرا�سة جهد ّ‬


‫املقل‪� ،‬أ�سعى من خاللها �إىل ت�سليط ال�ضوء على �أبرز‬
‫جتارب (حرب الع�صابات) احلديثة‪ ،‬و�إجراء مقارنة �رسيعة بني النظرية العملية‬
‫�ص درا�ستي للتجربة‬
‫لهذه احلروب والتطبيق الفل�سطيني لقواعدها‪ ،‬و�أخ�صِّ ُ‬
‫الق�سامية التي ع�شناها و�سمعناها و�شاهدناها‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫فخبرِ ُت‬
‫لقد ا�ستمعت يف �سجني �إىل مئات التجارب اجلهادية الق�سامية‪َ ،‬‬
‫متكررة وم�ستمرة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫الكثري من الأخطاء التي تقع فيها‪ ،‬وللأ�سف ف�أغلبها‬
‫وا�ست�شهدت بها مبا يتوافق مع الأبواب‬
‫ُ‬ ‫ا�ستفدت من بع�ضها يف هذه الدرا�سة‪،‬‬
‫ُ‬
‫التي �سنطرقها‪.‬‬

‫�أ�س�أل اهلل العظيم �أن يكتب لهذا العمل القبول‪ ،‬ويجعل فيه اخلري والنفع‬
‫والفائدة‪ ،‬و�أن يكتبه يف ميزان ح�سناتنا يوم نلقاه‪� ،‬إنه �سميع جميب‪.‬‬
18
‫‪19‬‬

‫متهيد‬
20
‫‪21‬‬

‫متهيد‬

‫ما هي حرب الع�صابات؟‬


‫وغري نظامية‪ ،‬بني طرفني غري‬
‫ُ‬ ‫حرب � ُّ‬
‫أقل من حمدودة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرب الع�صابات هي‬
‫حرب‬
‫ٍ‬ ‫تكتيكات‬
‫ِ‬ ‫متكافئني‪ .‬وهي قد تكون حرب ًا وحدها‪� ،‬أو ِّ‬
‫ت�شك ُل جزءاً من‬
‫عرقية‪ ،‬وهي‬
‫انف�صامية ّ‬
‫ّ‬ ‫حتررية‪� ،‬أو للتخ ّل�ص من دكتاتورية‪� ،‬أو‬
‫تقليدية‪ ،‬دوافعها ّ‬
‫غالب ًا ما ت�ستند �إىل حرك ٍة �سيا�سي ٍة تتولىّ �إدارتَها‪.‬‬

‫أ�سلوب احلرب ال ّنظامية القائمة على‬


‫َ‬ ‫نظامية‪ ،‬لأنها ال تعتمد �‬
‫ّ‬ ‫حرب غري‬
‫ٌ‬ ‫�إذن فهي‬
‫املواجهة املبا�رشة‪ ،‬فحرب الع�صابات تقوم على العمل ال�رسِّي‪ ،‬وا�ستخدام �أ�سلوب‬
‫املجموعات ال�صغرية املنف�صلة‪ ،‬وانتهاج �أ�سلوب الكر والفر واخلديعة والكمائن‬
‫وعدم الظهور‪ ،‬واالكتفاء با�ستخدام ال�سالح اخلفيف لتحقيق هذا الغر�ض‪.‬‬

‫جي�شنيِ‬
‫َ‬ ‫بينما احلروب النظامية (الكال�سيكية)‪ ،‬ف�إنها تقوم على تقابل‬
‫نظامينيِ �أو �أكرث‪ ،‬تدور بينهم معارك ع�سكرية كبرية ذات طابع معلوم‪ ،‬وتعتمد‬
‫َّ‬
‫هذه احلرب على نظام اجليو�ش يف التعبئة والتنظيم والقتال‪ ،‬وا�ستخدام ال�سالح‬
‫خمتلف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫�شكل‬ ‫الثقيل من املدفعية والدبابات والطائرات وال�سفن احلربية‪ .‬فهي‬
‫من التكتيكات واخلطط والآليات‪ ،‬تختلف يف �أهدافها وو�سائلها و�أ�ساليبها‬
‫وميزاتها ومبادئها التي ت�ستند �إليها‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫وتوجهه‬
‫ّ‬ ‫وحرب الع�صابات ت�ستند �إىل حركة �سيا�سية تقود العمل املقاوم‬
‫تقيم �أداءه‪ ،‬وتقطف ثماره‪ .‬هذه احلركة تقوم‬
‫الوجهة التي ر�سمتها لنف�سها‪ّ ،‬‬
‫بوعي ال�شعب ليكون قادراً‬
‫ِ‬ ‫�سيا�سي يرقى‬
‫ٍّ‬ ‫وعي‬
‫ٍ‬ ‫بخلق‬
‫ِ‬ ‫مبوازاة العمل املقاوم‬
‫على حمل �أعباء وتبعات الثورة‪ .‬فحرب الع�صابات هي ذراع ع�سكري حلركة‬
‫ال�شيوعية هي‬
‫ّ‬ ‫�سيا�سية‪ ،‬وهذا ما �أثبته (ماو) يف مبادئ ثورته حني قال‪�« :‬إنّ‬
‫القائد ُة حلرب الع�صابات ّ‬
‫ال�صينية»(‪.)1‬‬

‫حترري ًا طارداً‬
‫فمتعددة‪ :‬منها ما كان دافعه ّ‬
‫ّ‬ ‫�أما دوافع حرب الع�صابات‬
‫لالحتالل؛ كما الثورة الفل�سطينية والثورة اجلزائرية‪ ،‬ومنها ما كان هدفه‬
‫التخل�ص من الدكتاتورية؛ كالثورة ال�صينية والكوبية‪ ،‬ومنها ما كان لدوافع‬
‫البا�سكية‬
‫ّ‬ ‫انف�صالية؛ كثورة الأكراد على احلدود الرتكية العراقية الإيرانية‪ ،‬والثورة‬
‫املم َّثلة بحركة (�إينا) االنف�صالية‪.‬‬

‫جي�ش‬
‫وحرب الع�صابات كما ذكرنا تكون بني طرفني غري متكافئني‪ ،‬الأول ٌ‬
‫ذات كيانٍ و�سيادة‪ ،‬ميلك عتاداً ثقي ً‬
‫ال و ِف َرق ًا وت�شكيالت‬ ‫نظامي يتبع لدول ٍة ِ‬
‫ٌّ‬
‫مكون ٌة من �أفراد ال ميلكون �إال‬
‫فمجموعات مقاتل ٌة َّ‬
‫ٌ‬ ‫مقاتلة‪� ،‬أما الطرف الآخر‬
‫�سالح ًا خفيف ًا مدعوم ًا بالإميان والإخال�ص يف االنتماء‪.‬‬

‫أ�سلوب ي�ستخدمه الطرف ال�ضعيف ع�سكري ًا‪ ،‬لي ّتقي‬


‫ٌ‬ ‫فحرب الع�صابات �‬
‫الفارق العددي والتكنولوجي‪،‬‬‫َ‬ ‫ويتجنب‬
‫َ‬ ‫التفو َق ا ّلذي يتمتع به خ�صمه‪،‬‬
‫ّ‬
‫في�ستخدم �أ�ساليب بدائية ن�سبي ًا‪ ،‬و�أ�شكا ًال يف املواجهة ال تنفع معها كرثة عدد‬
‫اخل�صم �إىل مالحقته ومواجهته بالطريقة‬
‫َ‬ ‫جيو�ش اخل�صم وثقل عدته‪ ،‬مما ي�ضطر‬

‫‪ 1‬احلرب واال�سرتاتيجية ‪/‬يهو�شيفت هركيف‪.‬‬


‫‪23‬‬

‫التي يفر�ضها الطرف ال�ضعيف‪ ،‬وبالتايل يتخ ّلى هذا اخل�صم عن تفوقه الهائل‪،‬‬
‫وال ي�ستطيع اال�ستفادة منه كثرياً‪.‬‬

‫ويالحظ �أنّ حرب الع�صابات قد تكون (ا�سرتاتيجية)‪ ،‬فتكون هي طريقة‬


‫َ‬
‫القتال الأ�سا�سية الوحيدة‪ ،‬كما هو احلال يف التجارب الفيتنامية وال�صينية‬
‫والكوبية والفل�سطينية‪ ،‬والتي هي مو�ضوع بحثنا هنا‪ ،‬وحينها تكون حرب ًا‬
‫مفتوحة زماني ًا‪� ،‬أهدافها �أكرث �شمولية وعمق ًا وحيوية‪.‬‬

‫وقد تكون حرب الع�صابات تكتيك ًا‪ ،‬فتكون �إحدى طرق القتال امل�ساندة‬
‫للقتال التقليدي الدائر بني جيو�ش نظامية‪ ،‬فت�ستخدم هذه اجليو�ش �أ�ساليب‬
‫قتالية حمددة تخو�ضها وحدات خا�صة مدربة على هذا اللون من القتال‪ ،‬تقوم‬
‫ب�أغرا�ض حمددة؛ كوحدات من الكوماندوز‪ .‬ويف ذات الإطار‪ ،‬قد تعمد بع�ض‬
‫الدول املتحاربة �إىل خلق ع�صابات غري نظامية كي تخد َم �أغرا�ضها‪.‬‬

‫لقد �أُطلق على حرب الع�صابات عاملي ًا ا�سم (جاريال)‪ ،‬وهي كلمة التينية‬
‫تعني (احلرب ال�صغرية)‪ ،‬ولأنه م�صطلح عاملي يعرب عن م�صطلحات اجلهاد‬
‫والثورة واملقاومة والن�ضال واالنتفا�ضة‪ ،‬ف�سن�ستخدمه نحن يف درا�ستنا‪.‬‬

‫ال�سلبية‬
‫ّ‬ ‫حمببة �إىل النف�س الرتباطها ببع�ض املعاين‬
‫وقد تكون الع�صابة كلمة غري َّ‬
‫ال�سلبية يف حقيق ِتها وجوهرها‪ ،‬فقد وردت‬
‫ّ‬ ‫يف الأذهان‪� ،‬إال �أنها لي�ست بالكلمة‬
‫«اللهم �إنْ تهلك هذه الع�صابة من‬
‫َّ‬ ‫حديث لر�سول اهلل [ يف �صحيح م�سلم‪:‬‬‫ٍ‬ ‫يف‬
‫�أهل الإ�سالم؛ ال تُعبد يف الأر�ض»‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ملحة تاريخية‪:‬‬
‫ُعد حرب الع�صابات �صورة قدمية من �صور ال�رصاع‪� ،‬سبقت احلرب النظامية‬
‫ت ُّ‬
‫يف وجودها‪ ،‬ذلك �أن النزاعات وال�رصاعات بد�أت بني قوات غري نظامية‪،‬‬
‫ثم �أخذت هذه القوات ت ُِـع ُّـد نف�سها‪ ،‬وتزيد من قدرتها وترفع من كفاءتها‪،‬‬
‫وت�ضاعف من قواتها ملواجهة الهجمات امل�ضادة والرد عليها ب�رسعة وقوة‪،‬‬
‫وت�شن هجمات ا�ستباقية خاطفة‪ ،‬فبد�أت ت�شكل القوات �شبه النظامية‪ ،‬ومن ثم‬
‫النظامية‪ ،‬لتتحول ال�رصاعات �إىل حرة نظامية ت�شبه واقع احلال هذه الأيام‪.‬‬

‫ولقد بد�أت حرب الع�صابات على �شكل غارات خاطفة ومتكررة بني مقاتلي‬
‫أرا�ض جديدة �إىل‬
‫ول�ضم � ٍ‬
‫ِّ‬ ‫القبائل املختلفة يف م�ساع لل�سيطرة على الكلأ واملاء‪،‬‬
‫ممتلكات القبيلة وزعيمها‪ ،‬وا�س َتخدمت هذه الغارات بع�ض الأ�ساليب البدائية‬
‫عنا�رصها بقيت‬
‫َ‬ ‫والفر‪ ،‬والتمويه واملباغتة‪ � ،‬اّإل �أن‬
‫ّ‬ ‫كالكر‬
‫ِّ‬ ‫حلرب الع�صابات؛‬
‫غري مكتملة‪ ،‬فال تنطبق عليها مبادئ حرب الع�صابات املعا�رصة ب�شكل فعلي‪.‬‬
‫ومن �أ�شهر حروب الع�صابات القدمية يف تاريخنا العربي‪( :‬حرب الب�سو�س)‪ ،‬و‬
‫(داح�س والغرباء)‪ .‬ثم جاءت جتارب حروب الع�صابات يف ع�رص النبوة‪ ،‬ومن‬
‫�أبرزها جتربة ال�صحابي اجلليل (�أبو ب�صري)‪.‬‬

‫وتطورت حرب الع�صابات الأخرية (احلديثة) �شيئ ًا ف�شيئ ًا مع التجارب‬


‫الثورية الناجحة التي خا�ضتها ال�شعوب �ضد امل�ستعمر وامل�ستبد‪ ،‬ومع كل جتربة‬
‫جديدة كانت (اجلاريال) ت�أخذ �شك ً‬
‫ال �أكرث و�ضوح ًا‪ّ ،‬‬
‫وتثبت لها قواعد ومبادئ‬
‫و�سمات جديدة‪ ،‬حتى ت�شكلت مدار�س ثورية متثل الأ�شكال املختلفة حلرب‬
‫الع�صابات املدنية والريفية‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫ولقد ا�ستطاعت حرب الع�صابات عرب تاريخها حتقيق جناحات وانت�صارات‬


‫و�إجنازات؛ زادت من �أهميتها‪ ،‬وقناعة املجتمع بها‪ ..‬فقد متكنت من طرد‬
‫امل�ستعمر مهما عظمت قوته‪ ،‬وحترير البالد املحتلة مهما طال احتاللها‪ ،‬وحتقيق‬
‫الأهداف املرجوة واملر�سومة‪ ،‬وحتقيق التقدم والتفوق‪ ،‬على الرغم من الفرق‬
‫ال�شا�سع يف ميزان القوى ل�صالح عدوها‪.‬‬

‫ومن الأمثلة املعا�رصة التي انت�رصت فيها حرب الع�صابات على عدوها‪:‬‬
‫الثورة ال�صينية يف مواجهة الدكتاتورية الداخلية واال�ستعمار الياباين‪ ،‬والثورة‬
‫الفيتنامية يف مواجهة الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬والثورة اجلزائرية يف وجه‬
‫الكوبية يف وجه الدكتاتور ّية املدعومة خارجي ًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اال�ستعمار الفرن�سي‪ ،‬والثورة‬
‫والثورة الأفغانية يف وجه ال�سوفييت‪.‬‬

‫***‬
26
‫‪27‬‬

‫مدار�س‬
‫ُ‬
‫الع�صابات‬
‫َحرب ِ‬
28
‫‪29‬‬

‫مدار�س حرب الع�صابات‬

‫و�سعي ًا لالنتفاع من جتارب الآخرين‪ ،‬ونق ً‬


‫ال خلرباتهم‪ ،‬ف�إننا �سنعر�ض‬
‫ب�إن�صاف مناذج من حروب الع�صابات احلديثة التي �شكلت مدار�س يحتذى‬
‫ُدر�س‪ ،‬و�أبرزها (ال�صينية‪ ،‬الكوبية‪ ،‬الفيتنامية)‪ ..‬ونعر�ض معها‬
‫بها وجتارب ت َّ‬
‫(التجربة اجلزائرية)‪ ،‬وقبلها جميع ًا نعر�ض خري جتربة عرفتها الإن�سانية‪� ،‬أال وهي‬
‫م�رشوعنا‪،‬‬
‫َ‬ ‫وم�ضات خاطف ًة تبارك لنا‬
‫ٍ‬ ‫املحمد ّية‪ ..‬نعر�ض منها‬
‫ّ‬ ‫التجربة النبويّة‬
‫ونغرتف من معانيها يف ا�ستنتاجاتنا �إن �شاء اهلل‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬حرب الع�صابات يف ع�رص النُّب ّوة‪:‬‬


‫مبادئ حرب الع�صابات ب�شكل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الر�سول [ و�صحاب ُته الأطهار‬ ‫ا�ستخدم‬
‫ّ‬
‫ولعل ممار�ساتهم � ّأ�صلت‬ ‫كبري‪ ،‬بل ويف مرحلة مبكرة من الدعوة واجلهاد‪..‬‬
‫وابتكرت بع�ض ًا من تلك املبادئ‪ ،‬حتى �أ�صبحت مدر�س ًة متكامل ًة اقتدى بها‬
‫قاد ُة الفتح الإ�سالمي وجند الإ�سالم على مر الع�صور‪.‬‬

‫و�سنتحدث هنا عن هذه املدر�سة باخت�صار‪ ،‬حيث �سنطرق بع�ض العناوين‬


‫ّ‬
‫واملواقف التي برزت فيها فنون حرب الع�صابات ومباد�ؤها‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫جمموعات �أبي ب�صري‪:‬‬


‫ُ‬
‫ر�سول اهلل [ مع م�رشكي مكة �صلح احلديبية‪ ،‬وقد‬ ‫عقد‬
‫كما نعلم‪ ،‬فقد َ‬
‫ت�ضمن هذا ال�صلح بنـداً اعتربه كبار ال�صحابة جمحف ًا بحق امل�سلمني‪ ،‬بل رف�ضوه؛‬
‫ّ‬
‫لوال طاعتهم لر�سول اهلل [‪.‬‬

‫وهذا الن�ص هو‪( :‬من جاء �إىل املدينة من �أهل مكة ُم�س ِلم ًا فعلى امل�سلمني‬
‫ر ّده �إىل �أهله‪� ،‬أما من جاء �إىل مكة من �أهل املدينة م�رشك ًا فلي�س على �أهل مكة‬
‫رده)‪..‬‬

‫يفر من قيده‬
‫ولقد ا�ستطاع ال�صحابي املجاهد عتبة بن �أ�سيد (�أبو ب�صري) �أن َّ‬
‫كبله به خا ُله‪ ،‬الأخن�س بن �رشيف‪َّ ،‬‬
‫وفر �إىل مدينة ر�سول اهلل [‪ ،‬و�أقام فيها‬ ‫الذي ّ‬
‫�أيام ًا بني �إخوانه م�رسوراً بدينه �سعيداً ب�إميانه‪ ،‬وملا علمت قري�ش بذلك �أر�سلت من‬
‫وحدثوا ر�سول اهلل بذلك‪ ،‬فما كان من ر�سول اهلل [‬
‫امل�رشكني من ير ّده �إليهم‪ّ ،‬‬
‫وفا ًء للعهد �إال �أنْ ر ّده �إليهم على َكر ٍه من ال�صحابة‪.‬‬

‫ويف طريق العودة‪ ،‬احتال �أبو ب�صري على ُح ّرا�سه‪ ،‬فقتل �أحدهما‪ ،‬بينما‬
‫ّ‬
‫متكن الثاين من الفرار �إىل املدينة‪ ،‬فتبعه �أبو ب�صري‪ ..‬وهناك مل يجر�ؤ امل�رشك‬
‫على ا�صطحاب �أبي ب�صري معه ثانيةً‪ ،‬بعد ما ر�أى ما ح�صل ب�صاحبه‪ ،‬وعندها‬
‫�أوم�أ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�إميائة خفية التقطها �أبو ب�صري و�سارع �إىل‬
‫تنفيذها‪ ،‬فقال عليه ال�سالم «ويح � َّأمه! ُي�سعر حرب ًا لو كان معه رجال»‪ ..‬فانطلق‬
‫فار بدينه من �أر�ض الكفر‪ ،‬حتى‬
‫وكل ٍّ‬ ‫َ‬
‫الرجال َّ‬ ‫�أبو ب�صري �إىل �أر�ض حمايدة يجمع‬
‫جتمع لديه جمموعات مقاتلة‪ ،‬واتخذت لنف�سها قاعدة ع�سكرية قريبة من �ساحل‬
‫ّ‬
‫البحر‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫ثم بد أ� بالإغارة على قوافل امل�رشكني و�سلبها‪ ،‬حتى ت�رضرت جميع قوافلهم‪،‬‬
‫وفقدوا الأمان حتى على �أنف�سهم‪ ،‬فما كان من م�رشكي مكة �إال �أن بعثوا بوفدٍ‬
‫�إىل ر�سول اهلل [ يف املدينة يطلبون منه �أن يتنازل عن ال�رشط الذي و�ضعوه هم‪،‬‬
‫وهو ال�رشط الذي ذكرناه �آنف ًا‪ .‬وبذاك حق َّق �أبو ب�صري هدفه‪ ،‬وعاد جند الإ�سالم‬
‫�إىل مع�سكرهم و�إىل مدينة ر�سول اهلل [ والن�رص ي�سري بركبهم(‪.)1‬‬

‫االغتياالت‪:‬‬

‫ولقد ا�ستخدم ر�سول اهلل [ مبد أ� االغتياالت يف العديد من املرات التي ر�أى‬
‫ويفت من ع�ضد امل�رشكني‬
‫ّ‬ ‫فيها �أنه احلل الأمثل‪ ،‬فيحقن بذلك دماء امل�سلمني‬
‫ويدب اله َل َع يف قلوبهم‪ ،‬وقد حققت عمليات االغتيال يف‬
‫ُّ‬ ‫ويفرق �شم َلهم‬
‫ّ‬
‫جمملها �أهدافَها بنجاح‪ ،‬ومن �أمثلة االغتياالت يف عهد النبوة؛ اغتيال (كعب‬
‫بن الأ�رشف)‪ ،‬و (�سالم بن �أبي حقيق)‪ ،‬و (�أبو عقل)‪ ،‬و (�أبو رافع)‪ ،‬و (ابن‬
‫�سنينة)‪ ..‬وجميعهم يهود‪ .‬و (�سفيان بن خالد الهنديل) و (ع�صماء بنت‬
‫مروان)‪ ..‬وغريهم‪.‬‬

‫ونقف مع �أحد هذه الأمثلة‪ ،‬وهي عملية اغتيال ر�أ�س الكفر اليهودي‪�( :‬سالم‬
‫جمع عدو اهلل (ابن �أبي حقيق) اليهو َد من حوله‪ ،‬و�أخذ‬
‫َ‬ ‫بن �أبي حقيق)‪ ..‬فقد‬
‫يحر�ض على امل�سلمني‪ ،‬ومتادى يف التعري�ض بهم وب�أعرا�ضهم‪ ،‬ويف �إيذائهم‬
‫ّ‬
‫بكل و�سيلة ممكنة‪ ..‬ولذا كان قرار قتله‪.‬‬

‫‪1‬الرحيق املختوم‪ ،‬املباركفوري‪.‬‬


‫‪32‬‬

‫اختار ر�سول اهلل [ �أمري املجموعة مبوا�صفات خا�صة جتعله قادراً على �إنفاذ‬
‫املهمة بنجاح‪ ،‬فهو (عبد اهلل بن عتيك)‪ ،‬جماهد �صادق خمل�ص يف دينه‪� ،‬شجاع‬
‫ومقدام‪ ،‬ال ي�ساوره الرتدد يف �أ�صعب املواقف‪ ،‬ويتقن اللغة العربية ـ لغة اليهود‪،‬‬
‫وبالتايل ميكنه التعامل معهم والفهم عليهم و�إفهامهم �إن لزم الأمر‪ .‬ثم �إن �أمه‬
‫بالر�ضاعة يهودية‪ ،‬مما يوفر له مربراً كافي ًا لدخول ح�صن اليهود‪ ،‬ويوفر له ملج�أ‬
‫يف حال اقت�ضت احلاجة‪ .‬وترك ر�سول اهلل [ لعبد اهلل �أن يختار جمموعته‪،‬‬
‫وذلك كي يختارهم �ضمن موا�صفاته‪ ،‬فيطمئن �إليهم و�إىل قدراتهم‪ ،‬ويكونوا‬
‫على توافق كامل ي�سهل عليهم �إجناح مهمتهم‪.‬‬

‫انطلق عبد اهلل و�إخوانه الثالثة �صوب ح�صن خيرب‪ ،‬حيث يقيم (�سالم)‪،‬‬
‫بعد �أن جمعوا ما توفر من معلومات عن عدوهم‪ .‬وكان همهم الأول دخول‬
‫احل�صن‪ ،‬و�إيجاد ملج�أ �آمن بداخله ي�سمح لهم بر�صد الهدف عن قرب والقيام‬
‫بعمليتهم على ب�صرية كاملة‪ ،‬فكان ات�صال عبد اهلل ب� ّأمه التي �سمحت لهم بالإقامة‬
‫يف بيتها‪ ،‬وبالتايل ا�ستطاعوا دخول احل�صن ب�صحبتها‪ ،‬ومن ثم �إيجاد ملج�أ ق�ضوا‬
‫فيه مد َة اال�ستعداد والر�صد ثم االنطالق‪ .‬وملا جتمعت لديهم املعلومات الالزمة‬
‫والكافية لتنفيذ املهمة‪ ،‬واملتوفرة عرب الر�صد واملراقبة‪ ،‬و�ضع املجاهدون خطتهم‪،‬‬
‫وانطلقوا للعمل متوكلني على اهلل‪ ،‬م�ستفيدين من قدرات �أمريهم‪ ،‬وحتديداً يف‬
‫احلديث باللغة العربية‪ ،‬حيث كانت مفتاحهم للو�صول �إىل داخل ق�رص عدو اهلل‬
‫�س‬
‫(�سالم بن �أبي حقيق)‪ ،‬وهناك ا�ستطاعوا قتله واالن�سحاب ب�أمان‪ ،‬دون �أن يمُ َّ‬
‫أحدهم ب�سوء(‪.)1‬‬
‫� ُ‬

‫‪ 1‬نور اليقني‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫ال�ســرايا والبعـــوث ‪:‬‬


‫ُ‬
‫ر�سول اهلل [ ع�رشات ال�رسايا والبعوث املجاهدة لتحقيق �أهداف‬ ‫بعث‬
‫َ‬
‫ع�سكرية مدرو�سة‪� ،‬سواء كانت دفاعية ل�صد خطر قادم‪� ،‬أو هجومية لتحقيق‬
‫�إجناز وتقدم‪.‬‬

‫هذه ال�رسايا عملت على طريقة حرب الع�صابات يف معظمها؛ فقد اعتمدت‬
‫وال�سية‪ .‬ولذا كان الأمر النبوي لقادتها ب�أن‬
‫ب�شكل �أ�سا�سي على مبد أ� املباغتة رِّ‬
‫ي�سريوا لي ً‬
‫ال ويكمنوا نهاراً‪ ،‬و�أن ال ّ‬
‫يحدثوا عن وجهتهم‪ .‬بل �إنه ا�ستخدم �أول‬
‫ر�سالة مغلقة ال يعلم بنو َدها وفحواها حام ُلها‪ ،‬فقد �أر�سل َ‬
‫(عبد اهلل بن جح�ش)‬
‫على ر�أ�س �رسية‪ ،‬ومل يخربه عن وجهته‪ ،‬بل �أعطاه ر�سالة مغلقة‪ ،‬وطلب منه �أن‬
‫ال يفتحها �إال بعد م�سري يومني‪ ،‬و�أن يقوم بقراءتها على جنده‪ ،‬ومن ثم يخيرّ ه‬
‫يف اال�ستمرار �أو االن�سحاب‪ ،‬وبذلك تكون وجهة ال�سرّ ِ ّية جمهولة حتى على‬
‫جندها‪.‬‬

‫ناهيك عن �أن عدداً من امل�سلمني مل يكونوا يعلمون بو�صول قوات امل�سلمني‬


‫�إال يف اللحظات الأخرية‪ ،‬فها هم ع�رشة �آالف مقاتل َي ِ�ص ُلون مكة لفتحها‪ ،‬وال‬
‫يعلم �أهلها بذلك �إال وامل�سلمون على �أبوابها‪ .‬ويكفي يف هذا املجال الإ�شارة �إىل‬
‫�أن ر�سول اهلل [ مل يعلن عن وجهة �رسي ٍة �أو غزو ٍة طوال حياته �إال غزوة تبوك‪،‬‬
‫وذلك ُلبعد املكان وق�سوة الطريق وحمنة القحط واجلوع التي كانت؛ في�ستعد‬
‫امل�سلمون لها‪.‬‬

‫***‬
‫‪34‬‬

‫ال�صينيّة (املاويّـة)‪:‬‬
‫ثانياً‪ :‬املدر�سة ِّ‬
‫خللق‬
‫متعددة الأ�شكال‪ ،‬موجهة ِ‬
‫ّ‬ ‫هي جاريال ريفية كبرية‪ ،‬رافقَها �أن�شط ٌة‬
‫�سيا�سي لدى �أفراد ال�شعب‪ ،‬قادها احلزب ال�شيوعي ال�صيني‪ ،‬وكان هدفها‬
‫ٍّ‬ ‫وعي‬
‫ٍ‬
‫ال�سيطرة على احلكم‪ ..‬فحاربت العدو اخلارجي‪ ،‬واال�ستبداد الداخلي‪.‬‬

‫ال�شعبية التي قادها احلزب ال�شيوعي‬


‫ّ‬ ‫بد�أت الثورة ال�صينية باالحتجاجات‬
‫ال�صيني يف العقد الثاين من القرن الع�رشين‪ ،‬ثم بد�أت هذه االحتجاجات ّ‬
‫تتنظم‬
‫�شيئ ًا ف�شيئ ًا‪� ،‬إذ �أن�ش�أ احلزب ‪ 20‬نقابة ّ‬
‫عمالية من عمال املناجم وعمال �سكك‬
‫احلديد‪ ،‬ثم دخلت هذه النقابات يف �إ�رضاب قوي عام ‪1922‬م‪ ،‬قاده الزعيم‬
‫ال�صيني (ماوت�سي تونغ)‪ ،‬الذي �أ�صبح الأب الروحي للثورة ال�صينية‪.‬‬

‫�أطلق (ماو) �رشارة الثورة يف الأرياف‪ ،‬بعك�س تعاليم املارك�سية‪ ،‬فقد حترك‬
‫وحر َك االحتادات الفلاّ حية‬
‫ّ‬ ‫من (هوتان) حني تر�أّ�س قاعدة �أول نواة ثورية‪،‬‬
‫لتحقيق هدفه‪ ،‬و�أطلق عليها ا�سم‪( :‬احلرب الأهلية الثورية الأوىل)‪.‬‬

‫بادر (ماو) يف �سنة (‪1927‬م) �إىل بناء جي�ش ثوري‪ ،‬بهدف حترير مناطق‬
‫ي�صعب مهاجمتها‪ ،‬وذلك لإقامة قاعدة انطالق على �أر�ضها‪ ،‬معتمداً يف ذلك‬
‫الفارين من قيادة‬
‫على عمال املناجم والفالحني‪� ،‬إ�ضافة �إىل بع�ض اجلنود الثائرين ّ‬
‫( الكومنتانغ)‪.‬‬

‫بد�أ (ماو) بتنظيم (انتفا�ضة ح�صاد اخلريف) من خالل فرقته الأوىل‪� ،‬إال �أنّ‬
‫لقي القب�ض‬ ‫ُ‬
‫وتكبدت قواته خ�سائر فادحة‪ ،‬و�أ َ‬
‫ّ‬ ‫حماولته تلك ُمـ ِن َـيـت بالف�شل‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬غري �أنه متكن من الفرار‪.‬‬

‫جل�أ (ماو) �إىل اجلبال‪ ،‬حيث �أن� أش� قواعد �سوثياتية‪ ،‬ومناطق حكم تدير كل‬
‫‪35‬‬

‫الأمور احلياتية والع�سكرية‪ ،‬ثم عمد �إىل �إن�شاء (قواعد حمراء) �أخرى‪ ،‬فات�سعت‬
‫فعل عنيفة لدى (ت�شيانغ كاي ت�سك) الذي حاولت‬
‫رقعة �سيطرته‪ ..‬مما �أثار ر ّدة ٍ‬
‫قواته تطويق قوات (ماو ) وجي�شه‪� ،‬إال �أن (ماو) بادر باالن�سحاب بقواته �إىل‬
‫ال�شمال الغربي‪ ،‬وذلك ما بات يعرف با�سم (امل�سرية الكربى) التي ا�ستغرقت‬
‫قواته قد بد�أت بـ (‪)100‬‬ ‫عام ًا كام ً‬
‫ال‪ ،‬عرب فيها ‪� 10‬آالف كيلو مرت‪ ،‬وكانت ّ‬
‫�ألف ثائر‪ ،‬وانتهت بـ (‪� )20‬ألف ثائر فقط‪ ،‬حتى و�صل �إقليم (�شان �سي )‪.‬‬

‫ويف العام (‪1937‬م) كانت اليابان قد �شنت هجوم ًا على ال�صني‪ ،‬فتحالف‬
‫�صد العدوان الياباين‪ ،‬وا�ستمر احلال على ذلك حتى‬
‫(ماو) مع (ت�شيانغ كاي) يف ِّ‬
‫جتد َد‬
‫العام ‪1945‬م‪ ،‬حتى و�ضعت احلرب �أوزارها با�ست�سالم اليابان‪ .‬وعندئذ ّ‬
‫القتال بني الطرفني؛ ال�شيوعي بقيادة (ماو)‪ ،‬واليميني بقيادة (ت�شيانغ )‪ ،‬وا�ستمر‬
‫القتال دائراً بني الطرفني حتى العام ‪1949‬م‪ ،‬حيث ا�ستطاع ال�شيوعيون‬
‫االنت�صار‪ ،‬والتج أ� (ت�شيانغ ) �إىل جزيرة تايوان و�أقام حكومة ال�صني الوطنية‪.‬‬

‫ووا�ضع �أُ ِ‬
‫�س�سها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مفكر الثورة ال�صينية‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِـر (ماوت�سي تونغ)‪،‬‬
‫هذا وقد اع ُتـب َ‬
‫حتى ُ�س ِّميت منظومة �أفكار الثورة ال�صينية بـ (املاوية) ن�سب ًة له‪ ،‬ومن الكتب التي‬
‫و�ضعها يف هذا املجال‪« :‬امل�شكالت اال�سرتاتيجية للحروب الثورية يف ال�صني»‬
‫و «يف احلرب طويلة الأمد»‪ ،‬و «امل�شكالت اال�سرتاتيجية حلرب الأن�صار �ضد‬
‫اليابان»‪� .‬إ�ضاف ًة �إىل عدد �آخر من امل�ؤ َّلفات التي �أ�صبحت مدر�س ًة �أ�سا�سي ًة من‬
‫مدار�س حرب الع�صابات احلديثة(‪.)1‬‬

‫‪ 1‬املو�سوعة ال�سيا�سية‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب الكيايل‪.‬‬


‫‪36‬‬

‫من ر�ؤى (ماو) يف حرب الع�صابات‪:‬‬

‫‪ -‬يرى ماو �أن حرب الع�صابات تت�ألف من ثالث مراحل‪:‬‬

‫‪ -1‬االن�سحاب اال�سرتاتيجي‪ :‬يكون العدو فيه هو الأقوى‪ ،‬والثورة ت�شاغله‬


‫وت�رضبه رغم �ضعفها‪.‬‬

‫‪ -2‬الت�ساوي اال�سرتاتيجي‪ :‬ي�ضعف العدو و ُي�ستنزف‪ ،‬وتقوى الثورة وتبد أ�‬


‫بالتحول �إىل قوات نظامية‪.‬‬

‫‪ -3‬ال�رضبة اال�سرتاجتية‪ :‬تتغري الثورة لت�صبح جي�ش ًا نظامي ًا وتُنزل بالعدو �رضبة‬
‫قوية لتحقِّق الن�رص‪.‬‬

‫ولهذه املراحل �أثران‪:‬‬

‫�أ‪ -‬ع�سكري ًا ومنهجي ًا‪ :‬العمليات التكتيكية ت�أخذ بعداً ا�سرتاتيجي ًا‪ ،‬واملراحل‬
‫تعطي اجلاريال القدرة على زيادة خلق املبادرة والزيادة التدريجية يف‬
‫حجم العمليات‪.‬‬

‫ب‪ -‬نف�سي ًا و�أيدولوجي ًا‪ :‬اجلاريال تبث روح الأمل يف نفو�س ال�شعب‬
‫واملقاتلني‪ ،‬فترُ ِيهم ال�ضوء يف نهاية النفق‪ ،‬فيفهمون �أن الأمل واملعاناة‬
‫والت�ضحية �سيكون لها ثمار ونتائج(‪.)1‬‬

‫ويرى (ماو) �أن حرب الع�صابات تتنا�سب مع الدول الوا�سعة كال�صني‪ ،‬التي‬
‫حررت مقاطعة (ينالدا) ف�أ�صبحت مركزاً لها‪.‬‬

‫‪1‬احلرب واال�سرتاتيجية‪ ،‬يهو�شيفت هركيف‪.‬‬


‫‪37‬‬

‫كما يرى �رضورة االعتماد على الذات من الناحية اللوج�ستية‪ ،‬بحيث يكون‬
‫�سالح الثورة غنيم ًة من عدوها‪ ،‬حيث يقول‪« :‬مع�سكر دعمنا يف وا�شنطن‪،‬‬
‫و�ضابط التوريد الذي ينقله لنا هو ت�شانغ كاي �شك»‪.‬‬

‫و�أخرياً‪ ،‬ف�إن من املبادئ التي �أكد عليها (ماو) كذلك‪ ،‬هو �أنه ال جناح للثورة‬
‫�إال باالعتماد على الفالحني‪.‬‬

‫***‬

‫ثالثاً‪ :‬املدر�سة الكوبيّـة‪:‬‬


‫ب�شخ�ص‬
‫ِ‬ ‫ريفية �صغرية‪ ،‬ارتبطت‬
‫ميكننا اعتبار الثورة الكوبية (جاريال) ّ‬
‫قائدها (فيدل كا�سرتو)‪ ،‬والذي ال زال على ر�أ�سها‪ .‬فقد قام هذا املحامي ال�شاب‬
‫ِ‬
‫بجمع (‪ )120‬ثائراً من ال ّناقمني على حكم (بات�ستا)‪ ،‬وهاجموا ثكنة (فونكادا)‬
‫الع�سكرية‪ ،‬يف (‪1953/7/26‬م)‪� ،‬إال �أن هذا الهجوم ُع َّد انتحاراً من ِق َبله‪..‬‬
‫حيث كان عدد جنود الثكنة �ضخم ًا‪ ،‬يزيد على (‪ )1000‬جندي‪ ،‬فباء الهجوم‬
‫بالف�شل الذريع‪ ،‬و ُق ِت َل معظم املنا�ضلني‪ ،‬و َّمت �أ�سرْ ُ جمموع ٍة منهم‪ ،‬على ر�أ�سهم‬
‫كا�سرتو نف�سه‪ ،‬وحكم عليه بال�سجن (‪ )15‬عام ًا‪� ،‬إال �أنه �أُفرج عنه بعد عامني‪.‬‬

‫وفور خروج كا�سرتو من ال�سجن‪ ،‬توجه �إىل املك�سيك‪ ،‬وهناك جمع بع�ض‬
‫ودرب �أتباعه‪ ،‬وعاد‬
‫عدته‪ّ ،‬‬
‫�س معهم حرك َة (‪ 26‬متوز)‪ ،‬ثم �أعد ّ‬
‫�أن�صاره‪ ،‬و� ّأ�س َ‬
‫بهم على ظهر �سفينة (غرانا)‪ ،‬ي�صحبه (‪ )81‬منا�ض ً‬
‫ال‪� ،‬أبر ُزهم املنا�ضل املعروف‬
‫(ت�شي جيفارا)‪.‬‬

‫وقد �أطلق ال ُّثوار ال�رشار َة الأوىل لثورتهم من جبال (�سريا ماي�سرتا)‪ ،‬حتت �شعار‬
‫‪38‬‬

‫(�سنعي�ش هذه ال�سنة �أحراراً �أو منوت �شهداء)‪ .‬ويف نهاية العام كان الفالحون قد‬
‫ا�ستجابوا للثورة‪ ،‬ثم ا�ستجابت جبهات �أخرى يف جبال (دوليكامرياي) ويف‬
‫وهبت الثور ُة يف كامل القطاعات‬
‫�شمال (�سانتياغو)‪ ...‬وهكذا ا�شتعلت البالد‪ّ ،‬‬
‫واملناطق‪.‬‬

‫بد�أت الثورة يف �أيامها القا�سية بالزحف �إىل اجلبال �صوب املدن‪ ،‬و�رشعت‬
‫يف دخول املدن وفتحها دومنا عناد كبري‪ ،‬بدءاً من مدينة (�سانتاكالرا) التي فتحها‬
‫(ت�شي جيفارا)‪ ،‬وانتها ًء بالعا�صمة (هافانا) التي فُتحت على يد( فيدل كا�سرتو)‬
‫يف مطلع عام (‪1959‬م)‪.‬‬

‫ُيذكر �أن ت�شي جيفارا حاول نقل التجربة �إىل (بوليفيا)‪ ،‬فانتقل �إليها ب�صحبة‬
‫جمموعة من الثوار‪� ،‬إال �أنه ف�شل يف ذلك لعدم قدرته على جمع ال�سكان حوله‪،‬‬
‫فانتهت ثورته بعد (‪� )11‬شهراً مبقتله يف �أكتوبر عام ‪.)1(1967‬‬

‫من �سمات الثورة الكوبية‪:‬‬


‫ال�شخ�صانية �أكرث من العقالنية‪ ،‬فقد طرح كا�سرتو ورفاقه الثورة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬اعتمدت على‬
‫والعمل امل�سلح دون �أن يطرحوا �أو يناق�شوا م�س�ألة طبيعة ال�سلطة القادمة‬
‫املارك�سية �إال بعد عامني من‬
‫ّ‬ ‫نب‬
‫والأيدولوجية التي تتب ّناها‪ ،‬بل �إنها مل تت َّ‬
‫انطالقها‪.‬‬
‫‪ -‬اعتمدت الثورة على اجلبال والأرياف مقراً لها‪ ،‬واعتربتها الرتبة اخل�صبة‬
‫واملكان الأمثل لها‪ ،‬ولي�س املدينة والتجمعات ال�سكنية ال�ضخمة‪ ،‬وهناك‬

‫‪ 1‬املو�سوعة ال�سيا�سية‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب الكيايل‪.‬‬


‫‪39‬‬

‫كونت القواعد املتحركة التي تعمل على ن�رش الأفكار وتوجيه املقاتلني الذين‬
‫ّ‬
‫ينت�رشون بني ال�سكان‪.‬‬
‫‪ -‬اعتمدت الثورة على تنفيذ عمليات ت�شكل الدعاية امل�سلحة التي تُعر�ض‬
‫ِي�س تخلق �أجوا ًء وظروف ًا �سيا�سي ًة و�إعالمية‪ ،‬وحت�شد‬
‫أداة تَ�سي ٍ‬
‫�أمام العامة ك� ِ‬
‫الب�سطاء �أكرث ت�أثراً بالبطوالت والأعمال‬
‫الأن�صار والثوار‪ ،‬فكان الفالحون ُ‬
‫من الأفكار والأقوال‪.‬‬
‫‪ -‬مل تعتمد على وجود مراحل حمددة ووا�ضحة النت�صارها‪.‬‬
‫�رضب من املغامرة‬
‫ٌ‬ ‫حقيقي ًا مل�شقّات الثورة‪ ،‬فهي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬يعترب البع�ض �أنها ال تقيم وزن ًا‬
‫غري املح�سوبة‪ ،‬والتي تقود �أ�صحابها �إىل النهاية امل�أ�ساوية‪ ،‬كما حدث مع‬
‫جتربة ‪ 26‬متوز‪.‬‬
‫‪ -‬نادى (كا�سرتو) ب�إمكانية بدء الثورة يف كل زمان ومكان مبجرد وجود ثور ّيني‬
‫�سماهم هو با�سم (ب�ؤرة الثورة)‪ ،‬ودون احلاجة النتظار‬
‫م�ستعدين للقتال‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ظروف ثور ّية مواتية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬الثورة الفيتنامية (املدر�سة الفيتنامية)‪:‬‬


‫بد�أت الثورة الفيتنامية كثورة �شعبية يف العام (‪1956‬م)‪ ،‬وبد�أت الثورة‬
‫تت�صاعد حتى بلغت ذروتها يف العام (‪1960‬م) بت�أ�سي�س (جبهة التحرير الوطنية‬
‫ـ فيت كنغ) وزعيمها (هو�شي من)‪.‬‬

‫يف العام (‪1963‬م) عملت �أمريكا على �إ�سقاط نظام (نغودين يام)‪،‬‬
‫وو�ضعت قوتها يف امليزان‪ ،‬ثم تبع ذلك �سل�سلة انقالبات ع�سكرية زعزعت‬
‫‪40‬‬

‫نف�سها م�ضطر ًة لدخول حرب حقيقية‪ ،‬تدفع فيها‬


‫كيان الدولة‪ ،‬فوجدت �أمريكا َ‬
‫قواتها وترمي بثقلها‪ ،‬نظراً للدعم الكبري الذي قدمته جمهورية فيتنام الدميقراطية‬
‫ال�شمالية لثوار (�ألفيت كنغ)‪.‬‬

‫وامتد م�رسح العمليات لي�شمل كامل (الهند ال�صينية)‪ ،‬وكانت الأ�سلحة‬


‫وامل�ؤن والعتاد واجلنود وخمتلف �أ�شكال الدعم اللوجي�ستي تدخل فيتنام عرب‬
‫طريق (الالوح�س)‪ .‬كما كانت تتواجد يف كمبوديا مبوافقة �أمريها يف خميمات‬
‫ومع�سكرات وم�ست�شفيات ومدار�س ثورية تابعة لـ (�ألفيت كنغ)‪ ،‬ويف العام‬
‫(‪1968‬م) قامت اجلبهة بهجمات �شاملة‪�ُ ،‬س ّميت (هجوم التيت)‪� ،‬أذهلت‬
‫وع َّـد هذا العام عا َم املنعطف التاريخي يف حرب فيتنام‪ ،‬حيث‬
‫العامل ب�أ�رسه‪ُ ..‬‬
‫وافقت �أمريكا التي متلك قو ًة ُ‬
‫ت�صل �إىل ن�صف مليون جندي بعدتهم وعتادهم‬
‫احلرب َب ِقيت م�شتعل ًة طوال مدة‬
‫َ‬ ‫على �إجراء مفاو�ضات �سالم يف باري�س‪� ،‬إال �أن‬
‫املفاو�ضات التي ا�ستمرت طوي ً‬
‫ال حتت وط�أة الهجمات التي مل تهد�أ‪.‬‬

‫ويف العام ‪1970‬م �أعلن الرئي�س الأمريكي (نك�سون) عن ان�سحاب �شكلي‬


‫من �إدارة احلرب يف فيتنام‪ ،‬مع �سحب جزء من القوات الع�سكرية املتواجدة‬
‫هناك‪� ،‬إال �أنّ ذلك مل ُيوقف اال�ستعمار‪ ،‬وبقيت احلرب يف ا�شتعالها‪ .‬حتى كان‬
‫العام ‪1972‬م‪ ،‬حيث حدث هجوم الربيع الكبري‪ ،‬والذي �ساهم يف ترجيح‬
‫الكفة ل�صالح (�ألفيت كنغ)‪ ..‬ويف مطلع عام ‪1973‬م‪ ،‬وبعد مفاو�ضات �شاقة‪،‬‬
‫ُوقِّعت معاهدة باري�س بني �أطرافها‪ :‬الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬وجمهورية‬
‫فيتنام الدميقراطية‪ ،‬وجمهورية فيتنام (�سايفون)‪ ،‬واحلكومة الثورية امل�ؤقتة‬
‫جلمهورية فيتنام اجلنوبية‪.‬‬

‫ولكن ب�سبب ال�صعوبات وتباط�ؤ �أمريكا يف �سحب م�ست�شاريها‪ ،‬قامت‬


‫‪41‬‬

‫احلكومة الثورية امل�ؤقتة بهجوم ع�سكري كبري ووا�سع النطاق على طول احلدود‬
‫الكمبودية الفيتنامية يف نهاية عام ‪1974‬م‪ ،‬ومل ي�أت �شهر ني�سان من العام‬
‫(‪1975‬م) حتى وقعت املدن الرئي�سية يف فيتنام بيد الثوار‪ ،‬وكان احلدث الأهم‬
‫�سقوط العا�صمة �سايغون بيد الثوار‪ ،‬فغيرّ وا ا�سمها �إىل (هو�شي من)(‪.)1‬‬

‫***‬

‫خام�ساً‪ :‬حرب التحرير اجلزائرية (ثورة املليون �شهيد)‪:‬‬


‫ال�شعب‬
‫ُ‬ ‫كانت ثور ًة عظيم ًة يف وجه اال�ستعمار الفرن�سي اال�ستيطاين‪ ،‬قام بها‬
‫اجلزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني‪ ،‬وا�ستطاعت انتزاع ا�ستقالل اجلزائر بعد‬
‫ُّ‬
‫ا�ستعمار دام (‪ )130‬عام ًا‪.‬‬

‫القوميني‬
‫ِّ‬ ‫انطلقت �رشارة الثورة يف ‪1954/11/30‬م‪ ،‬والذي ي�صادف عيد‬
‫القدي�سني عند الأوروبيني‪ ،‬حيث بد�أت مبجموعات م�سلحة �صغرية‪ ،‬متلك بع�ض‬
‫ِّ‬
‫الأ�سلحة البدائية‪ ،‬ثم �أعلنت عرب بيانٍ لل�شعب اجلزائري عن هدفها‪ ،‬ودعت �أبناء‬
‫ال�شعب لالن�ضمام �إليها‪.‬‬

‫وقد دخلت الثورة اجلزائرية �أربع مراحل حتى و�صلت �إىل التحرير‪:‬‬

‫قدمنا لها‪ ،‬تخ ّللها ُ‬


‫عقد امل�ؤمتر‬ ‫املرحلة الأوىل‪ :‬وكانت عرب البداية التي ّ‬
‫الأول جلبهة التحرير الوطني يف منت�صف عام ‪1956‬م‪ ،‬الذي ُع َ‬
‫رف با�سم‬
‫(م�ؤمتر ال�صومام)‪ ،‬والذي ُع ِق َد يف �إحدى وديان اجلزائر النائية‪ ،‬و�أ�سفر عن‬
‫�إقرار امليثاق التاريخي للجبهة‪ ،‬و�إن�شاء املجل�س الوطني للثورة اجلزائرية‪ ،‬وجلنة‬

‫‪ 1‬املو�سوعة ال�سيا�سية‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب الكيايل‪.‬‬


‫‪42‬‬

‫التن�سيق والتنفيذ املكونة من خم�سة �أع�ضاء ميار�سون ال�سلطة التنفيذية للثورة‪.‬‬


‫وفيه َّمت تق�سيم اجلزائر �إىل خم�س مناطق ع�سكرية‪ ،‬تولىّ كل منطقة منها عقيد‬
‫يف اجلبهة‪ ،‬وقرر امل�ؤمتر ت�صعيد الكفاح امل�سلح‪ .‬وقد �أ�صبح (‪� 20‬آب) بعد‬
‫الوطني للمجاهد)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اال�ستقالل‪( :‬اليو َم‬

‫املرحلة الثانية (‪ 1956‬ـ ‪1958‬م)‪� :‬شهدت هذه املرحلة ارتفاع ًا يف ِح ّدة‬


‫الهجوم الفرن�سي امل�ضاد للثورة يف حماولة للق�ضاء عليها‪� ،‬إال �أن الثورة ازدادت‬
‫ا�شتعا ًال خالل هذه املدة‪ ،‬وبد�أت معركة اجلزائر العا�صمة‪ ،‬وا�ستمرت قرابة عام‪،‬‬
‫إ�رضاب العام يف كافة �أنحاء اجلزائر ثماني َة �أيام‪ ،‬كما ح�صل‬
‫َ‬ ‫�أعلنت خاللها اجلبه ُة ال‬
‫خالل هذه الفرتة �أطول �إ�رضاب طالبي دعا �إليه االحتا ُد العام للطلبة امل�سلمني‬
‫اجلزائريِّني‪ ،‬وا�ستمر حتى اال�ستقالل‪ .‬كما بنت احلكومة الفرن�سية خاللها خط‬
‫(مور�س) املكهرب بني اجلزائر وتون�س‪ ،‬وخط (�شال) بني اجلزائر واملغرب‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة (‪ 1958‬ـ ‪1960‬م)‪ :‬وهي من �أ�صعب املراحل التي مرت‬


‫بها الثورة‪� ،‬إذ نف ََّذ اجلي�ش الفرن�سي عمليات ع�سكرية هجومية �رش�سة‪ ،‬مثل‬
‫(كودرن)‪�( ،‬إيتان�سيل)‪( ،‬الأحجار الكرمية)‪ ،‬كما �أُقيمت العديد من مع�سكرات‬
‫االعتقال يف اجلزائر‪.‬‬

‫فتح جبهات متعددة‪ ،‬وحاول قطع‬ ‫ويف املقابل‪ ،‬اعتمد جي�ش التحرير َ‬
‫خطوط �إمداد اجلي�ش الفرن�سي‪ ،‬وقد �أعلن الثوار يف هذه املرحلة عن حكومة‬
‫م�ؤقتة برئا�سة (فرحات عبا�س)‪.‬‬

‫كما �أعلن (ديغول) خالل ذلك عن اعرتاف فرن�سا بحق اجلزائر يف تقرير‬
‫يتم بني احلكومة الفرن�سية واحلكومة اجلزائرية‬
‫م�صريها‪ ،‬وكان التفاو�ض وقتها ُّ‬
‫امل�ؤقتة‪.‬‬
‫‪43‬‬

‫املرحلة الرابعة (‪ 1960‬ـ ‪1962‬م)‪ :‬وهي التي ّ‬


‫�شكلت املرحل َة احلا�سم َة‬
‫يف حرب التحرير وتقرير امل�صري‪ ،‬حيث حاولت فرن�سا خاللها ح�سم الأمور‬
‫باحلل الع�سكري‪� ،‬إال �أنها ف�شلت مر ًة َ‬
‫تلو مرة‪� ،‬إىل �أن و�صلت �إىل قناعة تامة‬
‫ب�أن التفاو�ض هو احلل الوحيد والكفيل ب�إنهاء ال�رصاع‪ ،‬ما �أجربها على الدخول‬
‫يف مرحلة تفاو�ضية �ساخنة مع احلكومة امل�ؤقتة‪ ،‬طرحت خاللها حل ً‬
‫وال م�ؤقتة‬
‫وجزئية؛ حاولت من خاللها اقتطاع �أجزاء من اجلزائر‪� ،‬أو �أن ت�أخذ حقوق ًا‬
‫وامتيازات ما‪� ،‬إال �أن اجلبهة رف�ضت ذلك ب�شكل قاطع‪.‬‬
‫ويف تلك الأثناء‪ّ ،‬‬
‫ت�شكلت �أول هيئة �أركان للجي�ش اجلزائري الذي بد�أ ي�أخذ‬
‫ال�شكل النظامي‪ ،‬و�أ�صبح العقيد (هواري بومدين) �أول رئي�س �أركان للجي�ش‪.‬‬

‫وفع ً‬
‫ال‪ ،‬توقّف القتال يف ‪1962/3/19‬م‪ .‬وكان الأول من متوز يو َم ا�ستفتاء‬
‫اجلزائري ل�صالح اال�ستقالل‪ ،‬وكان ان�سحاب اجلي�ش‬
‫ُّ‬ ‫ال�شعب‬
‫ُ‬ ‫ف�صو َت‬
‫ّ‬ ‫�شعبي‪،‬‬
‫الفرن�سي يف ‪1962/11/5‬م‪ ،‬وهو ذات التاريخ الذي دخلت فيه فرن�سا اجلزائر‬
‫قبل (‪ )130‬عام ًا‪.‬‬

‫قد َم ال�شعب اجلزائري قرابة ‪1.5‬‬


‫نعم! لقد خرج اجلي�ش الفرن�سي بعد �أنْ َّ‬
‫وتعر�ض‬
‫ّ‬ ‫نظ َم ثورات عديدة �سبقت ثورة اال�ستقالل‪،‬‬ ‫مليون �شهيد‪ ،‬وبعد �أن َّ‬
‫ملجازر ب�شعة دموية‪� ،‬أكرثها ب�شاع ًة وفظاع ًة كانت يف (‪1945/5/8‬م) �أثناء‬
‫م�سرية �شعبية راف�ضة لال�ستعمار‪ ،‬قُتل فيها على يد اجلي�ش الفرن�سي �أكرث من ‪45‬‬
‫�ألف �شهيد يف يوم واحد‪� ،‬إ�ضافة �إىل مئة جندي فرن�سي(‪.)1‬‬

‫***‬

‫‪ 1‬املو�سوعة ال�سيا�سية‪ ،‬د‪ .‬عبد الوهاب الكيايل‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫�ساد�ساً‪ :‬التجربة الفل�سطينية‪:‬‬


‫عقب انتهاء احلرب العاملية الأوىل وانت�صار احللفاء على دول املحور‪َّ ،‬مت‬
‫تق�سيم البالد العربية ح�سب اتفاق (�سايك�س بيكو)‪ ،‬فكانت فل�سطني من ن�صيب‬
‫بريطانيا‪ ،‬ودخلت حالة ا�ستعمار حتت م�سمى االنتداب‪.‬‬

‫أح�س ال�شعب الفل�سطيني �أن املهاجرين اليهود بد�ؤوا م�رشوع ا�ستيالء على‬
‫� َّ‬
‫الأر�ض‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد �صدور (وعد بلفور) امل�ش�ؤوم‪ ،‬الذي ّ‬
‫قدمت فيه بريطانيا‬
‫تعهداً ب�إقامة (وطن قومي) لليهود يف فل�سطني‪ ،‬فبد أ� ال�شعب عمليات احتجاج‬
‫ورف�ض للهجرة والوجود اليهودي يف فل�سطني‪ ،‬و َّمت تقدمي �شكوى للباب العايل‬
‫ثم �إىل املندوب ال�سامي‪� ،‬إال �أن ذلك مل ي�ضع حداً للهجرة اليهودية �أو املمار�سات‬
‫اال�ستعمارية املتمثلة باغت�صاب الأر�ض وبناء امل�ستوطنات والإف�ساد والتحر�ش‬
‫الهبات ال�شعبية العفوية‪ ،‬كثورة (النبي مو�سى)‪ ،‬و(ثورة‬
‫بال�سكان‪ ..‬لتبد�أ بعدها ّ‬
‫يافا) و(ثورة الرباق)‪ ،‬والتي جاءت بغالبها كر ّدات فعل غري من�سقة على‬
‫املمار�سات الربيطانية واليهودية‪.‬‬

‫وقد تخ ّلل ذلك ت�شكيل جمعيات �إ�سالمية وم�سيحية وطنية تهدف‬


‫�إىل اال�ستقالل‪ ،‬وطرد اال�ستعمار الربيطاين‪ ،‬ومواجهة الزحف اليهودي‬
‫وعقد خالل ذلك �سبعة م�ؤمترات وطنية و�إ�سالمية‪ ،‬دعت‬
‫(الكولونيايل)‪ُ ..‬‬
‫ال�شعب �إىل عدم بيع �أي قطعة �أر�ض لليهود‪ ،‬ورف�ض (وعد بلفور)‪ ،‬كما دعت‬
‫َ‬
‫ال�شعب �إىل مواجهة االحتالل بكل ال�سبل‪ ،‬وت�شكلت �أحزاب فل�سطينية كحزب‬
‫(اال�ستقالل)‪ ،‬و(الدفاع الوطني)‪ ،‬و(م�ؤمتر ال�شباب)‪ ،‬و(حزب الإ�صالح)‪،‬‬
‫و(احلزب ال�شيوعي الفل�سطيني)‪ ،‬و(الإخوان امل�سلمون)‪ ،‬وغريهم‪...‬‬
‫‪45‬‬

‫ويف العام (‪1936‬م) دخلت البالد حالة �إ�رضاب وع�صيان ا�ستمر �ستة �أ�شهر‪،‬‬
‫عيد انتهائه دخلت اجلماهري ثورة‬
‫كان له �أثر كبري يف حتريك ال�شارع وحت�شيده‪ ،‬و ُب َ‬
‫(‪ )1936‬ال�شهرية‪ ،‬والتي ا�ستمرت ثالث �سنوات‪ ،‬خا�ضت خاللها املقاومة‬
‫الفل�سطينية حرب ع�صابات �رش�سة‪ ،‬وقدمت الت�ضحيات واجلراحات‪ ،‬و�أثخنت‬
‫يف عدوها‪� ،‬إال �أن اخليانة العربية حالت دون جناحها(‪.)1‬‬

‫دخلت فل�سطني احلرب عام (‪1948‬م)‪ ،‬وتقدمت اجليو�ش العربية ـ �شكلي ًا‬
‫ـ نحو فل�سطني‪ ،‬وا�شتبكت مع القوات ال�صهيونية يف عدة مواقع‪ ،‬وتقدمت‬
‫كتائب املتطوعني من الإخوان امل�سلمني وغريهم‪ ،‬فقاتلوا بب�سالة و�رضاوة‪ ،‬و�أبلوا‬
‫بال ًء ح�سن ًا‪ ،‬وا�ستخدموا فنون حرب الع�صابات بنجاح‪� ،‬إال �أن اخليانة العربية‬
‫�أط ّلت من جديد؛ حيث ان�سحبت اجليو�ش العربية من �أر�ض املعركة‪ ،‬واعتقلت‬
‫وزجت بهم يف ال�سجون(‪ ،)2‬ف�سقط (‪ )%78‬من الأرا�ضي الفل�سطينية‬
‫املتطوعني‪ّ ،‬‬
‫بيد االحتالل الإ�رسائيلي‪ ،‬والذي �أعلن قيام دولته يف ‪1948/5/15‬م‪.‬‬

‫عا�ش ال�شعب الفل�سطيني بعدها حال ًة من ال�ضياع والت�رشيد‪ ،‬ومل يجد من‬
‫الدول العربية االهتمام الكايف بق�ضيته‪ّ ،‬‬
‫وفكر العرب بت�شكيل ج�سم ميثل ال�شعب‬
‫الفل�سطيني فيلقون على كاهله م�س�ؤولية الق�ضية‪ ،‬فكان ت�شكيل منظمة التحرير‬
‫الفل�سطينية عام (‪ )1964‬برئا�سة (�أحمد ال�شقريي)‪ ،‬وت�شكلت حركة فتح التي‬
‫قادت املقاومة يف ذلك احلني‪ ،‬تبعها ت�أ�سي�س اجلبهتني ال�شعبية والدميقراطية‪،‬‬
‫و�أحزاب �أخرى‪� ،‬شك ّلت مبجموعها منظومة املقاومة الفل�سطينية امل�سلحة يف‬
‫ذلك احلني‪ ،‬ونفذت مئات العمليات الع�سكرية من داخل الأرا�ضي املحتلة‪،‬‬

‫‪ 1‬تاريخ الق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬


‫‪ 2‬احلقيقة الغائبة‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫ومن الأردن ولبنان وم�رص‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد العام (‪1967‬م)‪ ،‬حيث �أ�صبحت‬
‫ني حمتل ًة ك ُّلها‪.‬‬
‫فل�سط ُ‬

‫وقد ا�ستمرت العمليات الع�سكرية منذ منت�صف ال�ستينات وطوال عقد‬


‫ال�سبعينات ومطلع الثمانينات من القرن املا�ضي‪ ،‬حيث بد�أ التيار الإ�سالمي‬
‫باالنخراط يف العمل الع�سكري واجلهادي‪ ،‬بدءاً من مع�سكرات ال�شيوخ يف‬
‫الأردن‪ ..‬وظهرت جمموعات نفذت العديد من العمليات‪ ،‬تخلل ذلك ثورات‬
‫�شعبية �صغرية‪ ،‬كثورة امل�ساجد‪ ،‬ثم تُـوِّ جت هذه احلركات ال�شعبية وحالة الغليان‬
‫العام باالنتفا�ضة الكربى يف (‪1987/12/8‬م)‪ ،‬والتي بد�أت بثورة �شعبية‬
‫جماهريية‪ ،‬وتطورت �إىل عدة مراحل‪ ،‬بدءاً بثورة ال�سكاكني‪ ،‬مروراً بالعمل‬
‫الع�سكري الناري‪ ،‬و� ً‬
‫صوال �إىل العمل التفجريي‪.‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬دخلت املنظمة مرحلة (�أو�سلو) التفاو�ضية‪ ،‬والتي خا�ضت حركة‬
‫فتح من خاللها عملية تفاو�ضية طويلة‪ ،‬متخ�ضت عن اتفاق هزيل‪ ،‬ا�سرتجعت‬
‫فيه جزئيات من الأر�ض‪ ،‬واعرتفت بحق (�إ�رسائيل) بباقي الأرا�ضي الفل�سطينية‪،‬‬
‫وبذلك تنازل من ال ميلك‪ ،‬ملن ال ي�ستحق‪.‬‬

‫لكن املقاومة بقيت م�ستمرة بوترية معتدلة‪ ،‬قادتْها حركة حما�س‪ ،‬التي‬
‫ّ‬
‫املقاومة‪� ،‬إىل �أن اندلعت انتفا�ضة الأق�صى يف‬
‫�أ�صبحت كربى احلركات الوطنية ِ‬
‫ُعد �أعنف الثورات الفل�سطينية‪ ،‬و�أكرثها ع�سكريةً‪،‬‬
‫العام (‪2000‬م)‪ ،‬والتي ت ُّ‬
‫قدم خاللها ال�شعب الفل�سطيني �آالف ال�شهداء‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬
‫ل�سنوات ّ‬
‫ٍ‬ ‫وا�ستمرت‬
‫املهدمة‪ ،‬و�أ�صابت من العدو‬
‫ع�رشات الآالف من اجلرحى والأ�رسى والبيوت َّ‬
‫تكبدها‬
‫�أكرث من �ألف قتيل‪ ،‬عدا عن عدد كبري من الإ�صابات والأ�رضار التي ّ‬
‫العدو‪ ،‬ما دفع االحتالل ال�صهيوين لالن�سحاب من قطاع غزة‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫ولقد ا�ستطاعت املقاومة تطوير �أدائها‪ ،‬ورفع كفاءة مقاوميها‪ ،‬فبالإ�ضافة �إىل‬
‫عمليات �إطالق النار وعمليات التفجري التقليدية التي متيزت بقوتها و�رشا�ستها؛‬
‫ا�ستطاعت املقاومة �إنتاج �سالح �صاروخي فل�سطيني‪ُ ،‬عرف با�سم (�صاروخ‬
‫دب الرعب يف قلب الكيان ال�صهيوين بكافة قطاعاته‪.‬‬
‫الق�سام)‪ ،‬والذي َّ‬
‫ّ‬
‫كذلك فقد ابتكرت املقاومة ما ُعرف با�سم (حرب الأنفاق)‪ ،‬التي امتاز بها‬
‫قطاع غزة‪ ،‬وغري ذلك من الأ�ساليب التي �أظهرتها بقوة غري معهودة �سابق ًا‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫�شكل (قطاع غزة) بعد االن�سحاب ال�صهيوين منه قاعد ًة ثوري ًة �أنتجت قو ًة ثوري ًة‬
‫َّ‬
‫منظمة‪ ،‬ا�ستطاعت ت�صنيع ال�سالح‪ ،‬و�إعداد الرجال‪ ،‬وتوجيه ال�رضبات امل�ؤملة �إىل‬
‫عدوها‪ ،‬فكانت قفز ًة نوعي ًة يف العمل الفل�سطيني املقاوم‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫مقارنة‪:‬‬
‫وال�ستفاد ٍة �أعمق من جتارب ومدار�س العامل يف حروب الع�صابات؛ جنري‬
‫هذه املقارن َة بينها وبني احلالة الفل�سطينية‪:‬‬

‫الثورة الفيتنامية‬ ‫الثورة الكوبية‬ ‫الثورة ال�صينية‬ ‫وجه املقارنة‬


‫ـ قاعدة االنطالق‬ ‫ـ امل�ساحة �صغرية‪،‬‬ ‫ـ امل�ساحة �شا�سعة‪،‬‬ ‫ـ م�ساحة الأر�ض‬
‫من دولة جماورة هي‬ ‫والعمل من الأرياف‬ ‫وقاعدة االنطالق من‬ ‫وقاعدة االنطالق‪:‬‬
‫فيتنام ال�شمالية‪.‬‬ ‫والأحرا�ش دون وجود‬ ‫مقاطعة داخل الأر�ض‪.‬‬
‫مكان حمدد‪.‬‬

‫ـ لي�س لها مراحل‪.‬‬ ‫ـ لي�ست لها مراحل‬ ‫ـ لها مراحل حمددة‪.‬‬ ‫تعدد املراحل‪:‬‬
‫ـ ّ‬
‫(ع�شوائية)‬

‫ـ (نظام خمتلط)‪:‬‬ ‫ـ اعتمدت على مقاتلي‬ ‫ـ اعتمدت على مقاتلي‬ ‫ـ رجالها‪:‬‬


‫تعتمد على املقاتلني‬ ‫ال�شعب‪.‬‬ ‫ال�شعب‪.‬‬
‫وجي�ش الدولة‪.‬‬

‫ـ االعتماد على‬ ‫ـ االعتماد على الذات‬ ‫ـ االعتماد على الذات‬ ‫ـ الت�سليح‪:‬‬


‫اخلارج يف الت�سليح‪.‬‬ ‫يف الت�سليح‪.‬‬ ‫يف الت�سليح‪.‬‬

‫ـ �صعبة وقا�سية‪.‬‬ ‫ـ خاطفة و�رسيعة‬ ‫ـ احتاجت �إىل نف�س‬ ‫ـ طبيعتها‪:‬‬


‫و�سهلة‪.‬‬ ‫طويل‪.‬‬

‫ـ احلزب هو املوجه‪.‬‬ ‫ـ الب�ؤرة الثورية هي‬ ‫املوجه‬


‫ـ احلزب هو ِّ‬ ‫موجه الثورة‪:‬‬
‫ـ ِّ‬
‫املوجه دون وجود‬ ‫«�صانع الثورة»‪.‬‬
‫حزب‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫وبالنظر �إىل ما �أ�سلفنا من جتارب حلروب الع�صابات العاملية‪ ،‬وحتديداً‬


‫املدار�س الثالثة الأبرز‪( :‬ال�صينية‪ ،‬والكوبية‪ ،‬والفيتنامية)‪ ،‬ميكننا القول ب�أن‬
‫النموذج الفل�سطيني حلرب الع�صابات يختلف ب�شكل كبري عنها‪ ،‬مع وجود‬
‫بع�ض �أوجه الت�شابه املحدودة‪ .‬فهو منوذج خليط بني هذه النماذج‪ ،‬كما �أنه‬
‫يتميز بوجود ظروف خا�صة غري موجودة وال متكررة يف �أي منوذج عاملي‬
‫�آخر‪:‬‬

‫‪ -‬فالتجربة ال�صينية اعتمدت ب�شكل �أ�سا�س على �سعة الرقعة اجلغرافية التي‬
‫متتاز بها ال�صني‪ ،‬مما ّ‬
‫مكن الثورة هناك من االبتعاد عن مركز قوة النظام‪ ،‬و�إقامة‬
‫مع�سكرات تدريب و�إعداد‪ ،‬وت�شكيل جبهة خلفية داعمة ل�صفوف املقاومة‬
‫املتقدمة‪ ،‬وكان ذلك يف مقاطعة (نيان)‪ ..‬بل �إن الثورة بقيادة (ماو) عندما‬
‫فر (ماو) ومعه جي�ش قوامه ع�رشات‬
‫تعر�ضت لهزمية نكراء يف بادئ الأمر؛ َّ‬
‫الألوف من املقاومني‪ ،‬وقاموا باالن�سحاب الذي ُعرف با�سم (الهروب‬
‫الكبري)‪ ،‬م�ساف ًة ت�صل �إىل ع�رشة �آالف كيلو مرت مبتعداً عن خ�صمه‪.‬‬

‫وهذا ال يطابق التجربة الفل�سطينية بحال‪ ،‬والتي ال ت�شكل الأر�ض فيها‬


‫م�ساحة جزئية من مقاطعة (نيان)‪ ،‬فنحن واالحتالل نعي�ش ب�أر�ض متال�صقة ال‬
‫يكاد يف�صل بينها فا�صل‪.‬‬

‫وبالتايل فالأر�ض كلها حتت عني االحتالل ويده‪ ،‬خ�صو�ص ًا مع التقدم‬


‫العلمي الذي مل يكن يف ذلك احلني‪ ،‬وحتى قطاع غزة الذي حترر من االحتالل‪،‬‬
‫غري �أنه بقي يف مرمى النريان الإ�رسائيلية‪ ،‬وحتت �سمع وب�رص �أجهزته الإلكرتونية‬
‫وطائراته اال�ستطالعية التي ال تفارق �سماءه‪.‬‬
‫‪50‬‬

‫‪ -‬والتجربة الكوبية واجهت عدواً �ضعيف ًا (بات�ستا) وحكومته اله�شة‪،‬‬


‫فانطلق (فيديل كا�سرتو) ومعه (‪ )81‬منا�ض ً‬
‫ال من رفاقه‪ ،‬بد�ؤوا الثورة و�أ�شعلوا‬
‫�أوارها‪ ،‬ثم قادوها وانت�رصوا بها يف مدة ال تتجاوز العا َمني‪ ،‬مل يحتاجوا خاللها‬
‫�إىل عمل الكثري من داخل املدن‪ ،‬بل اكتفوا بالتحرك يف اجلبال والعمل من‬
‫خاللها‪ ،‬وتوجيه بع�ض املقاومني هنا وهناك‪ ..‬ومل ي�شرتك يف كربى املعارك‬
‫احلا�سمة �إال (‪ )220‬مقات ً‬
‫ال‪ ،‬بل �إن احلكومة الأمريكية التي كانت مبثابة الداعم‬
‫وامل�ساند حلكومة (بات�ستا) مل تقدم املعونة الالزمة وتخ ّلت عنه مع �أول حمنة‬
‫تعر�ض لها‪.‬‬
‫ّ‬
‫عدونا بحال‪ ،‬فنحن نواجه �أعتى قوى ال�رش على وجه‬
‫وهذا ما ال ي�شبه َّ‬
‫م�صريها ووجو ُدها على نتيجة هذه احلرب‪ ،‬ولي�س‬
‫ُ‬ ‫الأر�ض‪ ،‬دول ٌة قائمة‪ ،‬يرتتّب‬
‫أر�ض بديلة تعود �إليها‪ ،‬وما من خيار �أمامها �إال القتال حتى �آخر رمق‪ ،‬هذه‬
‫لها � ٌ‬
‫القوة املتم ّثلة باالحتالل الإ�رسائيلي‪ ،‬واجهتها املقاومة الفل�سطينية منذ �س ّتني‬
‫عام ًا‪� ،‬إال �أنها مل تكل ومل متل‪ ،‬ومل تتورع خاللها عن ارتكاب املجازر بحق‬
‫ال�شعب الفل�سطيني ال�صابر‪ ،‬بل �إن مواجهة ال�شعب الفل�سطيني مل تقت�رص على‬
‫االحتالل الإ�رسائيلي وحده‪ ،‬بل �إن �شعبنا يواجه ـ و�إن ب�صورة غري مبا�رشة ـ‬
‫ر�أ�س الكفر والإف�ساد يف الأر�ض (�أمريكا)‪ ،‬التي تقف مع االحتالل قلب ًا وقالب ًا‪،‬‬
‫وتدعمه باملال وال�سالح‪ ،‬وتنا�رصه باملوقف ال�سيا�سي والإعالمي‪ ،‬وتغطي عليه‬
‫َّ‬
‫تتخل عنه يوم ًا‪ ،‬ومل تتوانَ عن �إخراجه من م�أزقه املر َة‬ ‫جرائمه وممار�ساته‪ ،‬فهي مل‬
‫تلو الأخرى‪.‬‬

‫‪ -‬وعملت الثورة الفيتنامية من خالل دولة جماورة‪ ،‬هي (فيتنام ال�شمالية)‪،‬‬


‫فانطلقت من �أر�ضها‪ ،‬بل �إن اجلي�ش الفيتنامي ال�شمايل نف�سه �شارك بقواته يف‬
‫‪51‬‬

‫احلرب �إىل جانب قوات الثورة (�ألفيت كونغ)‪ .‬فكانت احلرب يف الكثري‬
‫من الأحيان حرب ًا نظامية‪ ،‬تدعمها حرب ع�صابات من الداخل‪ ،‬ا�س ُتخدمت‬
‫فيها الأ�سلحة الثقيلة واملواجهات ال�رش�سة الوا�سعة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل (القر�صات)‬
‫ال�صغرية هنا وهناك‪ ..‬وقد ذكرنا �أن هجوم (تت) ال�شهري �سقط فيه من الثوار‬
‫واجلي�ش الفيتنامي ال�شمايل حوايل (‪�23‬ألف) مقاتل‪ ،‬ومن اجلي�ش الأمريكي‬
‫والفيتنامي اجلنوبي ثالثة �آالف جندي‪ ،‬فكم �سيكون حجم القوات امل�شاركة‬
‫يف ذلك الهجوم؟ وما هي الأ�سلحة امل�ستخدمة فيه من كال الطرفني؟!‬

‫ثم �أين �شعبنا الفل�سطيني من ذلك‪ ،‬ففي الوقت الذي حاول فيه ال�شعب‬
‫الفل�سطيني العمل من خارج �أر�ضه تعر�ض للم�ؤامرات‪ ،‬فقد �أنهى النظام الأردين‬
‫الوجود الفل�سطيني امل�سلح من الأر�ض الأردنية التي ت�شكل االمتداد الطبيعي‬
‫لفل�سطني و�صاحبة �أطول حدود معها‪ ،‬متذرع ًا بالأخطاء التي وقعت فيها ف�صائل‬
‫املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬ومت طردها بعد حرب دامية قُتل فيها الآالف من الطرفني‪،‬‬
‫هي حرب (�أيلول)‪.‬‬

‫ثم انتهى الوجود الفل�سطيني يف لبنان بعد ح�صار بريوت عام (‪1982‬م)‪،‬‬
‫ومل يقف �أي جي�ش عربي مع املقاومة الفل�سطينية ليقاتل معها �أو يحت�ضنها‬
‫تلق املقاوم ُة من هذه اجليو�ش �سوى‬
‫لت�شكل �أر�ضه نقطة انطالق لها‪ ،‬ومل َ‬
‫امل�ؤامرات واخلذالن‪.‬‬

‫�إ�ضافة �إىل ما �سبق ف�إن املقاومة الفل�سطينية اختلفت عن باقي الثورات‬


‫واملقاومات ب�ضعف الإمكانات الع�سكرية‪ ،‬وقلة ال�سالح امل�ستخدم‪ ،‬ففي الوقت‬
‫الذي مل تتمكن فيه املقاومة الفل�سطينية من توفري �أكرث من ال�سالح ال�شخ�صي‬
‫اخلفيف كامل�سد�س والعبوة والر�شا�ش‪ ،‬كانت الثورات الأخرى تتمتع برت�سانة‬
‫‪52‬‬

‫متطورة ن�سبي ًا؛ كالثورة‬


‫ّ‬ ‫�ضخمة من ال�سالح والعتاد والذخرية‪ ،‬وبنوعيات‬
‫ال�صينية والفيتنامية والأفغانية‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك �شكل التطور العلمي والتقني والتكنولوجي الذي تواجهه املقاومة‬


‫عد عقبة ك�أداء يف وجه جناح العمل املقاوم‪،‬‬
‫الفل�سطينية وتتمتع به الدولة العربية ُي ُّ‬
‫وخ�صو�ص ًا �أجهزة الر�صد واال�ستطالع واملراقبة التي جعلت املقاومة غري قادرة‬
‫على اتخاذ مواقع متركز خمفية عن عيون عدوها‪ ،‬وكذا تطور ال�سالح الهجومي‬
‫الذي ميتلكه االحتالل؛ حيث �أ�صبح �أكرث فتك ًا باملقاومة ومقاتليها‪ ،‬وقد عبرَّ‬
‫(�إجنلز)‪� ،‬أحد مفكري حرب الع�صابات‪ ،‬عن هذه الفكرة بقوله‪« :‬ب�سبب‬
‫ب�صورة فيالق»‪� ،‬أي‬
‫ِ‬ ‫التطور العلمي والتكنولوجي؛ ت�ضاءلت فر�ص جناح املقاومة‬
‫�أن ظهور قوات منظمة مقاتلة يعني الإجهاز عليها و�إبادتها‪.‬‬

‫عر�ض ًا بني ال�سطور‪ ،‬وهي الفرق يف (امليزان‬


‫‪ -‬مالحظة �أخرى ذكرناها َ‬
‫احليوي) بني التجربة الفل�سطينية والثورات الأخرى‪ ،‬والتي ترجح ل�صالح‬
‫تلك الثورات ب�شكل كبري‪ .‬وامليزان احليوي يعني الدافعية �إىل القتال وال�صمود‬
‫ومقارنته بني املقاومة وعدوها‪ ،‬فعلى الرغم من �أن امليزان احليوي مييل ل�صالح‬
‫املقاومة الفل�سطينية يف وجه االحتالل الإ�رسائيلي‪� ،‬إال �أن هذا االحتالل مبا ميثله‬
‫من كولونيالية �إحاللية ميلك الرغبة واحلر�ص واحلاجة لأن يحافظ على كيانه‪،‬‬
‫لأنه ال ميلك خطوط ًا خلفية ين�سحب �إليها كما ان�سحبت �أمريكا �إىل والياتها من‬
‫فيتنام‪ ،‬وكما تراجعت رو�سيا من �أفغان�ستان �إىل اتحّ ادها‪ ،‬وكذلك تركت فرن�سا‬
‫�أر�ض اجلزائر وعادت �إىل بلدها‪...‬‬

‫لقد ان�سحب اجلي�ش الإ�رسائيلي من �أر�ض �سيناء ومن جنوب لبنان �إىل الأر�ض‬
‫التي يدعي �أنها �أر�ضه‪ ،‬ثم ان�سحب جزئي ًا من ال�ضفة الغربية وقطاع غزة �إىل‬
‫‪53‬‬

‫مربعه الأخري‪ ،‬ومل يعد ميلك الكثري من اخليارات‪ ،‬ولذا ف�إن �رصاعه الآن �رصاع‬
‫وجود‪ ،‬ونحن على ثقة ب�أنه �سيزول ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫هذه الفروق وغريها ت�شكل االختالف بني التجربة الفل�سطينية وغريها‬


‫من التجارب والثورات‪ ،‬ولكن بال ّ‬
‫�شك ف�إن هناك �سمات وميزات كثرية متثل‬
‫قوا�سم م�شرتكة بني جميع الثورات وبني الثورة الفل�سطينية‪.‬‬

‫***‬
54
‫‪55‬‬

‫ُ‬
‫أهداف‬ ‫�‬
‫حرب الع�صابات‬
‫ِ‬
56
‫‪57‬‬

‫�أهداف حرب الع�صابات (اجلاريال)‬

‫تَ�رشع ال�شعوب يف حرب الع�صابات عندما تُ�سلب حقوقها‪ ،‬وتُنتهك‬


‫ال�سلمي‬
‫ال�سلمية يف ا�سرتجاعها‪ ،‬فتنتقل من العمل ِّ‬
‫ّ‬ ‫ال�سبل‬
‫ُ‬ ‫�أر�ضها‪ ،‬وتنعدم‬
‫وال�سيا�سي البحت‪� ،‬إىل ا�ستخدام القوة املتوفّرة(‪ .)1‬وتكون قوة ال�شعب غري‬
‫ّ‬
‫القوتني‪،‬‬
‫البون ال�شا�سع بني ّ‬
‫متكافئة مع عدوها؛ فتبحث عن و�سيلة تتجاوز فيها َ‬
‫تفوق تكتيكي يف وجه‬
‫فتلج�أ �إىل (اجلاريال)‪ ،‬التي تقود ال�شعوب املقهورة �إىل ّ‬
‫تفوق اخل�صم اال�سرتاتيجي‪.‬‬
‫ّ‬
‫واملتتبع للتاريخ يجد �أن ال�شعوب التي جل�أت �إىل هذا الأ�سلوب‪ ،‬عاد ًة ما‬
‫ّ‬
‫رقيات م�ضطهد ٌة مه�ضو ٌم حقُّها‪� ،‬أو �أقاليم‬
‫ٌ‬ ‫تكون �شعوب ًا حمتل ًة ُ�سلبت �أر�ضها‪� ،‬أو ِع‬
‫�صغرية تبحث عن اال�ستقالل �أو االنف�صال‪ ...‬و�إنّ هذه ال�شعوب مم َّثلة مبقاومتها‬
‫وقادتها ت�سعى �إىل �أهداف عامة حتققها عرب �أعمالها الع�سكرية التي تنفذها �ضد‬
‫عدوها‪ ،‬وجنمل هذه الأهداف بالآتي‪:‬‬

‫ا�ستنزاف العدو اقت�صادياً و�إرهاقه مادياً‪� ،‬سواء كان ذلك ب�رضب من�ش�آته‬
‫االقت�صادية‪� ،‬أو زعزعة موارده ال�سياحية‪� ،‬أو تكبيده اخل�سائر املادية‪� ،‬أو جعله‬
‫م�ضطراً لإنفاق مبالغ طائلة يف م�ساعيه حلفظ �أمنه والق�ضاء على املقاومة‪.‬‬

‫لقد كان االقت�صاد ال�صهيوين مرهون ًا بارتفاع وانخفا�ض وترية العمل املقاوم‪،‬‬

‫لل�سيا�سة بوا�سطة �رصاع م�س َّلح»‪ .‬من كتاب (حرب امل�ست�ضعفني)‪،‬‬


‫ا�ستمرار ّ‬
‫ٌ‬ ‫‪ 1‬يقول كالوفيرت‪�« :‬إن حرب الع�صابات‬
‫روبرت تابر‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫إ�رسائيلي ب�أن اقت�صاده و�صل �إىل �أدنى م�ستوى له منذ َعقدٍ ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫املحتل ال‬ ‫وقد اعرتف‬
‫وذلك يف العام(‪ 2002‬ـ ‪2003‬م)‪ ،‬وذلك عندما كانت املقاومة تنال منه ومن‬
‫مدنه ومغت�صباته ومن�ش�آته‪ ،‬فقد بلغت ن�سبة منو اقت�صاده يف العام (‪1999‬م)‪� ،‬أي‬
‫قبل انتفا�ضة الأق�صى بعام‪ ،‬ن�سبة (‪ ،)%8‬وهي من �أكرث الن�سب ارتفاع ًا يف العامل‪،‬‬
‫الت�ضخم (‪� ،)%7.5‬أي برتاجع مقداره‬
‫ّ‬ ‫�أما يف العام (‪2003‬م)‪ ،‬فقد بلغت ن�سبة‬
‫(‪ )%15.5‬عن �سنواته ال�سابقة(‪.)1‬‬

‫وقد ت�أثر االقت�صاد الإ�رسائيلي على حماور عدة‪:‬‬

‫‪ -‬فقد ك ّلفته الأن�شطة الع�سكرية جلي�شه موازنات �ضخمة‪ ،‬و�صلت �إىل ب�ضعة‬
‫االحتياطيني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ماليني من ال�شواكل يومي ًا‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بعد ا�ستدعاء �آالف اجلنود‬
‫�إ�ضافة �إىل ما يلزمه من �سالح وعتاد وم�صاريف‪.‬‬

‫‪ -‬الأ�رضار املادية ال�ضخمة التي تكبدها االحتالل جراء الهجمات الع�سكرية‬


‫اال�ست�شهادية والتفجريية والنارية وال�صاروخية التي نظمتها املقاومة �ضد ُم ُـدن‬
‫االحتالل وقطعان م�ستوطنيه‪� ،‬إ�ضافة �إىل عمليات اال�ستنزاف االقت�صادي‬
‫املختلفة‪.‬‬

‫فقد �أعلنت قناة �إ�رسائيل الثانية بتاريخ ‪2005/2/22‬م �أن �سيارة تُ�رسق‬
‫كل (‪ )17‬دقيقة‪� ،‬أي مبعدل (‪� )30‬ألف �سيارة �سنوي ًا(‪ ،)2‬وميكننا �أن نتخيل كم‬
‫�سيكون جمموع خ�سائره �إذا ما قي�س مبثل هذا البند‪.‬‬

‫‪�1‬صحيفة (يديعوت �أحرنوت)‪ ،‬العدد ال�صادر يف ‪2007/2/23‬م‪« :‬حت�صل �إ�رسائيل على م�ساعدات �سنوية من‬
‫�أمريكا بقيمة (‪ )2.4‬مليار دوالر‪ ،‬لكنها قبل �أربع �سنوات ب�سبب االنتفا�ضة وموجة الأعمال الإرهابية طلبت من‬
‫�أمريكا قر�ض ًا بقيمة (‪ )9‬مليار دوالر‪� ،‬إ�ضافة �إىل مليار واحد غري م�سرتد»‪.‬‬
‫‪ 2‬قناة �إ�رسائيل الثانية‪ ،‬يف ‪2005/2/22‬م‪.‬‬
‫‪59‬‬

‫‪ -‬اخل�سائر يف قطاع ال�سياحة‪ ،‬ويف هجرة اال�ستثمارات‪ ،‬ف�ض ً‬


‫ال عن �إحجام‬
‫العديد من رجال الأعمال الذين كانوا ي�ستثمرون �أموالهم يف الأرا�ضي‬
‫املحتلة يف م�شاريع اقت�صادية عن ذلك‪ ،‬وتلك الأموال كانت ت�صب يف النهاية‬
‫يف جيب االحتالل‪.‬‬

‫تدر على خزينة الدولة مبالغ طائلة‪،‬‬


‫لقد كانت وزارة ال�سياحة ال�صهيونية ّ‬
‫حدة االنتفا�ضة حتول الفائ�ض �إىل عجز حاد‪ ،‬حتى باتت تتلقّى‬
‫ومع ا�شتداد ّ‬
‫دعم ًا �سنوي ًا بلغ مئة مليون دوالر‪ .‬وقد �أخربين الإخوة منفّذو عملية «�سبارو»‬
‫يف القد�س؛ �أنهم زرعوا عبو ًة �صغري ًة على �شكل «علبة برية» يف �سوبر ماركت‬
‫العدو �أن‬
‫ّ‬ ‫يهودي يف القد�س‪ ،‬وبعد �أنفجارها الذي مل ي�صب �أحداً‪� ،‬أعلن تلفاز‬
‫الت�سوق يف القد�س انخف�ض يف الأيام الأوىل التي تلت العملية �إىل الن�صف‪ ،‬قبل‬
‫ّ‬
‫�أن يتعافى من جديد‪.‬‬

‫�إ�ضاف ًة �إىل ذلك‪ ،‬فهناك �أ�شكال عديدة �أخرى من اال�ستنزاف االقت�صادي‬


‫ت�سببت به املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬ويف التجربة العراقية مثال �آخر غاية يف‬
‫الذي ّ‬
‫الو�ضوح‪ ،‬فقد تك ّلف اجلي�ش الأمريكي يف مالحقته للمقاومة التي �أثخنت فيه‬
‫�أموا ًال طائل ًة جعلت ُكلفة االحتالل فوق الطاقة‪.‬‬

‫ا�ستنزاف العدو �سيا�سياً‪ ،‬وك�شف الوجه احلقيقي لال�ستعمار وتعريته �أمام العامل‪:‬‬
‫ففي الوقت الذي يقوم فيه الثوار ب�رضب العدو والإثخان به‪ ،‬ف�إنه �سري ّد على ذلك‬
‫بوح�شية وهمجية؛ فريتكب املجازر‪ ،‬وينتهك احلقوق‪ ،‬ويقرتف املحرمات‪،‬‬
‫وبهذا ي�ضع نف�سه يف املكان احلقيقي الذي يقفه‪ ،‬ويك�شف القناع املز ّيف الذي‬
‫يلب�سه مدعي ًا الدميقراطية والعدالة‪.‬‬
‫‪60‬‬

‫ولقد ا�ستطاعت املقاومة العراقية �أن متار�س مع اجلي�ش الأمريكي هذا الدور‪،‬‬
‫فكلما جنحت املقاومة يف �رضب خطوط اجلي�ش ووحداته‪ ،‬كانت طائراته‬
‫وقواته ترد بقوة �ضد املدنيني الآمنني‪ ،‬فتقتل الن�ساء والأطفال‪ ،‬وتفتح ال�سجون‬
‫لتزج بع�رشات الألوف من الأبرياء بها‪ ،‬ثم تبد أ� ف�ضائحها بالظهور على و�سائل‬
‫الإعالم‪ ،‬كف�ضيحة �سجن (�أبو غريب) و(غوانتانامو) وغريهما‪...‬‬

‫حدث ًا مثل بناء‬


‫وما �أحدثته الثورة الفل�سطينية ومقاومتها ال يقل عن ذلك‪ ،‬و�إن َ‬
‫جدار العزل ال�صهيوين‪ ،‬والذي جاء ر ّداً على عمليات املقاومة اجلريئة التي هزت‬
‫قلب االحتالل‪ ،‬جعلت العامل يتنادى يف حمكمة (الهاي) ليخرج بقرار تاريخي‬
‫املناه�ضة للدولة‬
‫يرف�ض هذا ال�سور‪ ،‬ويحرك ع�رشات املظاهرات يف العامل الغربي ِ‬
‫العربية‪ ،‬والداعية �إىل املقاطعة‪ ،‬رغم �أن هذا القرار بقي بعيداً عن التنفيذ‪� ،‬إال �أنه‬
‫ُيـ َع ّـد جولة �سيا�سية و�إعالمية رابحة للق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬

‫�سلب العدو �أمنه‪ ،‬وجعله يعي�ش حالة من التوتر والقلق واال�ضطراب‬


‫ويحد من تقدمه وازدهاره‪ ،‬ويجعله‬
‫ّ‬ ‫والّالا�ستقرار الدائم‪ ،‬وهذا ما يفقده �صوابه‪،‬‬
‫م�شغول التفكري بكيفية حماية نف�سه‪ ،‬واتقاء ال�رضبات املوجهة �إليه‪ .‬كما �أن ذلك‬
‫ومعر�ض للقتل‪ ،‬ومهدد باملالحقة‪،‬‬
‫ُي�شعر كل عن�رص يف كيان العدو ب�أنه م�ستهدف َّ‬
‫مما يجعله يفكر بالبحث عن �أمنه خارج الأر�ض املحتلة؛ وهذا ما خلق ظاهرة‬
‫الهجرة العك�سية من �أر�ض فل�سطني‪ ،‬وقد تنا�سب الر�سم البياين لهجرة اليهود‬
‫�إىل فل�سطني تنا�سب ًا عك�سي ًا مع ارتفاع وترية الأحداث واملواجهات‪ ،‬كما تنا�سب‬
‫الر�سم البياين لهجرتهم املعاك�سة (�إىل خارج �أر�ض فل�سطني) طردي ًا مع ِح ّدة‬
‫الأحداث(‪ .)1‬بل �إن الهجرة الداخلية ظهرت لأول مرة يف الكيان ال�صهيوين مع‬

‫‪� 20« 1‬ألف يهودي يرتكون البالد �سنوياً‪ ،‬وهو �أكرث من الهجرة �إىل البالد يف هذا العام بـ (‪� )5000‬شخ�ص»‪.‬‬
‫يديعوت �أحرنوت‪ ،‬العدد ال�صادر يف ‪2007/4/20‬م‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫تعر�ض اجلنوب‬
‫تعر�ض ال�شمال الفل�سطيني ل�صواريخ الكتيو�شا اللبنانية‪ ،‬ثم مع ّ‬
‫ل�صواريخ الق�سام الفل�سطينية‪.‬‬

‫وقد �أورد الرئي�س ال�سابق جلهاز ال�شاباك الإ�رسائيلي (يعقوب بريي) يف كتابه‬
‫(مهنتي كرجل خمابرات) ق�صة تاجر الذهب الإ�رسائيلي الذي مت خطفه من مدينة‬
‫(طولكرم) على يد مقاومني من حركة (فتح)‪ ،‬وكيف �أنه فور �إطالق �رساحه‬
‫ا�صطحب عائلته و�أقاربه وهاجر بهم �إىل م�سقط ر�أ�سه من حيث �أتى(‪.)1‬‬

‫جراء قنابل اال�ست�شهاديِّني‬


‫دب الرعب يف �أو�صال الكيان ال�صهيوين ّ‬
‫ولقد ّ‬
‫التي مل تفت�أ تنفجر بهم فتثخن فيهم‪ ،‬حتى مل يعودوا يجدون و�سيلة ملنعها‪ ،‬وقد‬
‫عب َـر عن حالة الي�أ�س هذه رئي�س وزرائهم الأ�سبق (�إ�سحاق رابني) بقوله‪« :‬ماذا‬
‫ّ‬
‫�أ�ستطيع �أن �أفعل لرجل يريد �أن ميوت؟!»‪.‬‬

‫وبهذا �أ�صبح ال�صهاينة ال ي�أمنون على �أنف�سهم ركوب احلافالت �أو ال�سري‬
‫دفع �رشكة احلافالت الرئي�سية (�إيغد)‬
‫يف ال�شوارع العامة والأ�سواق املكتظة‪ ،‬ما َ‬
‫�إىل تنظيم حفالت غنائية داخل احلافالت‪ ،‬لت�شجيع النا�س على ركوبها‪ ،‬وذلك‬
‫�إثر عمليات الث�أر التي قامت بها كتائب الق�سام رداً على اغتيال املهند�س القائد‬
‫�رصحت �أجهزة �إعالم االحتالل �أكرث من مر ّة بحقيقة ما‬
‫(يحيى عيا�ش)‪ .‬ولقد ّ‬
‫يعاين منه املجتمع ال�صهيوين نتيجة الفعل املقاوم‪ ،‬ومن ذلك �أن الإقبال على‬
‫العيادات النف�سية ت�ضاعف مع �أحداث التفجري‪ ،‬و�أنه كلما كان انفجار �صاروخ‬
‫�أو هجوم يقع م�صابون يف نفو�سهم �أكرث مما يقع م�صابون يف �أج�سادهم‪.‬‬

‫خلق ظرف مت�أزم ال خمرج منه‪ ،‬وتر�سيخ قناعة لدى قادة االحتالل و�سا�سته‬
‫�أن ح ً‬
‫ال ع�سكري ًا للق�ضية لن يكون‪ ،‬و�أن ال�شعب واملقاومة لن تنك�رس مهما‬
‫ال�سابق‪.‬‬
‫‪( 1‬مهنتي كرجل خمابرات)‪ ،‬يعقوب بري؛ رئي�س جهاز ال�شّ اباك الإ�رسائيلي ّ‬
‫‪62‬‬

‫ا�شتدت ال�رضبات‪ ،‬و�أنه على الرغم من �إمكانية �إ�ضعاف (اجلاريال) حين ًا‪� ،‬إال �أنها‬
‫لن تلبث �أن تنه�ض من جديد؛ لأنها مت ّثل ال�شعب ب�أ�رسه‪ ،‬وال ميكن الق�ضاء عليها‬
‫�إال بالق�ضاء على ال�شعب ب�أكمله‪ ،‬وبالتايل �إيجاد قناعة لدى العدو ب�أن خمرجه‬
‫الوحيد من �أزمته هو اللجوء �إىل التفاو�ض الذي يف�ضي �إىل االن�سحاب والرحيل‪.‬‬
‫وكذلك حتى يعلم العدو ب�أن تكلفة مت�سكه باالحتالل �أو بكر�سي احلكم باهظة‬
‫الثمن‪ ،‬تفوق ما ميكن �أن يحققه ا�ستمرار اال�ستعمار من مكا�سب‪.‬‬

‫هذا ما ا�ستطاعت الثورات التي انت�رصت �أن حتقّقه‪ ،‬وهذا ما �أقنعت به الثورة‬
‫اجلزائرية فرن�سا‪ ،‬وهو ما و�صل �إليه الأمريكيون يف فيتنام دون �أن تُهزم جيو�شهم‬
‫يف �أر�ض املعركة‪ ،‬وكذا احلال مع اجلي�ش ال�سوفييتي يف �أفغان�ستان‪.‬‬

‫�إن الهجوم ال�شهري (‪ )TET‬يف (فيتنام)‪ ،‬والذي قُتل فيه �أكرث من ‪� 32‬ألف‬
‫مقاتل فيتنامي �شمايل وثائر من قوات الثورة (فيتكونغ)‪ ،‬مقابل (�ألف) جندي‬
‫�أمريكي و(�ألفي) مقاتل فيتنامي جنوبي موايل‪ ،‬وعلى الرغم من خ�سارة الثورة‬
‫الكبرية للأرواح‪� ،‬إال �أنه ترك انطباع ًا كبرياً و�أثراً عميق ًا لدى ال�شارع الأمريكي‪،‬‬
‫وذلك لب�سالة ال�شعب الفيتنامي وا�ستعداد ثواره للت�ضحية مبثل هذا العدد الكبري‬
‫من الأرواح‪ ،‬فخرج ال�شعب الأمريكي يف مظاهرات كبرية تدعو حكومتها‬
‫�إىل االن�سحاب من فيتنام‪ ،‬بل �إن الرئي�س الأمريكي (ليندون جون�سن) �أعلن‬
‫عن قراره بعدم تر�شيح نف�سه‪ ،‬فكان هذا الهجوم نقطة انعطاف وحتول ل�صالح‬
‫ال�شعب الفيتنامي الثائر‪.‬‬

‫ويالحظ �أنه يف اللحظة التي ي�صل فيها االحتالل �إىل هذه القناعة‪ ،‬ف�إن املقاومة‬
‫تكون قد حقّقت هدف ًا �آخر‪ ،‬هو وقف ّ‬
‫تو�سع االحتالل على الأر�ض‪ ،‬و�إيقافه عند‬
‫احلدود التي و�صلها‪ ،‬ثم حماولة ا�ستخال�ص �أي �أر�ض �أو موقع من بني يديه‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫فها هو االحتالل الإ�رسائيلي‪ ،‬كان يحلم ب�أر�ض (�إ�رسائيل الكربى) من‬


‫املعدنية‪ ،‬و�رشع مبمار�سة‬
‫ّ‬ ‫النيل �إىل الفرات‪ ،‬وكان ينق�ش خارطتها على ُعملته‬
‫ّ‬
‫فاحتل �سيناء امل�رصية‪ ،‬وجنوب لبنان‪ ،‬واجلوالن ال�سوري‪ ،‬وبع�ض ًا‬ ‫ذلك عملي ًا‪،‬‬
‫من الأر�ض الأردنية‪� ،‬إال �أن املقاومة الع�سكرية ّ‬
‫حطمت حلمه‪ ،‬فر ّدته حرب‬
‫(رم�ضان) عن �أر�ض �سيناء‪ ،‬ودحرته املقاومة الإ�سالمية عن �أر�ض لبنان‪ ،‬ثم‬
‫جاءت املقاومة الفل�سطينية لرتغمه على التخلي عن قطاع غزة ال�صامد وبع�ض‬
‫من �أرا�ضي ال�ضفة الغربية‪ ،‬وال زلنا على ذات الطريق حتى الن�رص ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫�إبراز عدالة الق�ضية عاملياً‪� :‬إن التزام �أ�صحاب احلق باملطالبة بحقهم‪،‬‬
‫وا�ستماتتهم يف �سبيل حت�صيله‪ ،‬وت�ضحيتهم الّالحمدودة يف �سبيله؛ يجعل الأنظار‬
‫تتوجه �إليهم‪ ،‬والعقول ت�ؤمن بعدالة مطلبهم‪ .‬وكذا ف�إن وجود �رصاع يف �أي‬
‫ّ‬
‫بقعة يف العامل يلفت النظر �إليها‪ ،‬ويثري االهتمام بق�ضيتها‪ ،‬ويجرب الإعالم على‬
‫متابعتها‪ ،‬فتكون الفر�صة مهي�أة ل�رشح �أبعاد الق�ضية واملظلمة الواقعة عليها‪،‬‬
‫وعدالة مطلبها‪...‬‬

‫لقد عملت جميع حركات املقاومة وجتارب (اجلاريال) على ب�سط ق�ضيتها‬
‫عرب املقاومة‪ ،‬وكذا كانت الق�ضية الفل�سطينية عندما وقف الأخ (يا�رس عرفات)‬
‫لأول مرة يف العام (‪1994‬م) على منرب الأمم املتحدة عار�ض ًا ق�ضيته‪.‬‬

‫وقد قامت االنتفا�ضة الفل�سطينية بالدور خري قيام‪ ،‬ودخل الإعالم بقوة‬
‫يف دعم هذا الهدف وتعظيمه و�إجناحه‪ ،‬و�إنّ �صورة واحدة من �صور املقاومة‬
‫ال�شعبية لأطفال فل�سطني بحجارتهم �أغنت عن �ألف بيان و�إعالن‪ ،‬ومثلها‬
‫ال�شعب‬
‫َ‬ ‫من الكتب وامل�ؤلفات‪ ،‬ف�صورة الطفل ال�شهيد (فار�س عودة) م ّثلت‬
‫ال�شعب‬
‫َ‬ ‫الفل�سطيني ال�شجاع املقاوم‪ ،‬و�صورة الطفل ال�شهيد (حممد الدرة) م ّثلت‬
‫‪64‬‬

‫الفل�سطيني املقهور واملظلوم‪ ،‬و�أمثالها كثري من ال�صور التي عبرّ ت عن حال‬


‫وا�ستدرت عطفه من جهة �أخرى‪ ،‬وا�ستحوذت‬
‫ّ‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني للعامل كله‪،‬‬
‫على اهتمامه‪.‬‬

‫�إ�ضاف ًة ملا �سبق‪ ،‬ف�إن (اجلاريال) حتقّق جملة من الأهداف الآنية التي تخدم‬
‫الهدف الأ�سمى‪:‬‬

‫ِّـق نه�ض ًة عامة لدى ال�شعب و�صحوة يف نفو�س �أبنائه؛ فتوقظهم من‬
‫‪ -‬ك�أن حتق َ‬
‫ال�سبات‪ ،‬وت�رصفهم عن �سفا�سف الأمور‪ ،‬وت�ؤ ّدي بهم �إىل رف�ض اال�ستعمار‬
‫ني �أو‬
‫ومقاومته‪ ،‬وامل�سارعة �إىل االن�ضمام وااللتحاق ب�صفوف الثورة مقاتل َ‬
‫ني �أو م�ؤيّدين‪.‬‬
‫داعم َ‬

‫‪ -‬ولعل الثورة حتقق يقظة �أ�شمل يف �إطار قطرها‪ ،‬فت�ساهم يف �إحياء الأمة‬
‫وتوجيه طاقاتها و�شبابها نحو وجهة �أكرث جدية وعملية‪ ،‬وتب�صرّ ها بامل�صائب‬
‫الواقعة فيها‪ ،‬والأخطار املحدقة حولها‪ ،‬كما فعلت املقاومة الفل�سطينية يف‬
‫نفو�س ع�رشات �آالف ال�شباب العربي والإ�سالمي‪.‬‬

‫‪ -‬كما ت�سعى (اجلاريال) �إىل اال�ستيالء على ال�سالح من عدوها وا�ستخدامه‬


‫يف �رضبه وحماربته‪ ،‬فمن املعلوم �أن �سالح الثورة عادة ما يكون خفيف ًا‬
‫وقلي ً‬
‫ال وم�صادره �شحيحة‪ ،‬ولذا ف�إن غنيمة �أي �سالح من العدو هو انت�صار‬
‫مزدوج‪ ،‬فهو �إرهاق للعدو وا�ستنزاف له‪ ،‬وهو دعم للمقاومة ومتويل لها‪،‬‬
‫�رضب ملعنويات العدو‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ورفع ملعنويات املقاتلني يقابله‬
‫ٌ‬
‫ومن الثورات التي اعتمدت على �سالح عدوها‪ :‬الثورة ال�صينية‪ ،‬حيث‬
‫ي�صف زعيمها (ماو) اال�ستيالء على ال�سالح القادم من �أمريكا �إىل احلكومة‬
‫‪65‬‬

‫دعمنا موجو ٌد‬


‫«مع�سكر ِ‬
‫ُ‬ ‫املتعاونة عرب رئي�سها (ت�شانغ كاي ت�شك) فيقول‪:‬‬
‫يف وا�شنطن‪ ،‬و�ضابط التوريد الذي ينقله لنا هو ت�شانغ كاي ت�شك!»‪� .‬أما يف‬
‫املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬فهناك الع�رشات من العمليات الق�سامية التي نفّذها �أبطا ُلها‬
‫عدوهم الذي غنموه من �أر�ض املعركة‪ ،‬ومنها عمليات خلية القد�س‪،‬‬
‫ب�سالح ّ‬
‫وعمليات خاليا ال�شهيد (عماد عقل)(‪ ،)1‬وكذا فعلت ف�صائل املقاومة الأخرى‬
‫يف عدد من عملياتها‪.‬‬

‫ِّـق خ�سائر ب�رشية وقتلى يف �صفوف العدو(‪ ،)2‬الأمر‬


‫‪ -‬كذلك ف�إن املقاومة حتق ُ‬
‫ـ�ض ِده‪ ،‬على الرغم من �أن القتل لي�س هدف ًا بذاته‪،‬‬
‫ويفت من َع ُ‬
‫ّ‬ ‫الذي ي�ضعفه‬
‫�إال �أنه �أق�رص الطرق �إىل �إقناع العدو بالعدول عن مواقفه‪ ،‬واالن�سحاب من‬
‫الأرا�ضي التي يحت ّلها‪.‬‬

‫خلق حال ٍة من توازن الردع والرعب‪ ،‬الذي مينع‬


‫‪ -‬وحتقِّق (اجلاريال) مبقاومتها َ‬
‫املحتل من االجرتاء على ال�شعب‪ ،‬وتو�سيع قتله للنا�س‪ ،‬واال�ستهانة بقدراتهم‬
‫�ستعر�ضه ل�رضبة قوية‬
‫ّ‬ ‫وقدرات املقاومة‪ ،‬فهو يعلم �أن كل جمزرة يرتكبها‬
‫وجريئة وم�ؤملة‪ ،‬ومع كل �إقدام على اغتيال كادر من كوادر الثورة �سيدفع‬
‫ثمن ًا مماث ً‬
‫ال‪ ،‬وهكذا ف�إنه يعلم �أن كل جرمية ميار�سها قد تعود عليه بالوبال‪.‬‬

‫علمياتهم التالية‪ .‬وا�ستطاع القائد‬


‫‪ 1‬متكنت خلية القد�س من قتل اجلندي (ن�سيم طوليدانو) وا�ستخدام �سالحه يف ّ‬
‫(عماد عقل) و�إخوانه غنيمة �سالح اجلنود يف اجليب الع�سكري بعد قتلهم يف عملية (م�صعب بن عمري)‪ ،‬ثم‬
‫ا�ستخدموا ال�سالح يف جهادهم‪ .‬ونفّذ املجاهد (�إبراهيم �سالمة) عملية (غاين تال) يف هجوم (دير بلوط) بر�شّ ا�ش‬
‫غَ نمه املجاهدون من عملية (عمارة العنبتاوي)‪.‬‬
‫‪ 2‬لأول مرة يف تاريخ املقاومة الفل�سطيني ت�صل ن�سبة القتلى ثالثة �شهداء مقابل قتيل �صهيوين واحد‪ ،‬وذلك يف‬
‫انتفا�ضة الأق�صى‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫ويبقى الهدف الأ�سمى للجاريال الثائرة هو حترير الأر�ض املغت�صبة وا�ستعادة‬


‫احلقوق امل�سلوبة‪ .‬هذا الهدف الأ�سمى ميكن حتقيقه ب�إحدى الطرق التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ الو�صول �إىل املرحلة احلا�سمة بحيث ت�صبح (اجلاريال) مع الزمن جي�ش ًا قوي ًا‬
‫فينق�ض على عدوه ويجهز عليه بال�رضبة القا�ضية بعد �أن يكون قد �أنهكه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫منظم ًا‪،‬‬
‫وهذا عني ما ح�صل يف الثورة ال�صينية والثورة الكوبية‪ ،‬وهي املرحلة الثالثة التي‬
‫ا�سرتاتيجيته الثورية ذات املراحل الثالثة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حددها (ماوت�سي تونغ) يف‬

‫أ�سلوب‬
‫ٌ‬ ‫وميكن �أن ُي�ضاف �إىل هذه الطريقة طريق ٌة �أخرى‪ ،‬ي�صفُها البع�ض ب�أنها �‬
‫منف�صل‪ ،‬وهي طريقة (حرب ال�شعلة)‪ ،‬وذلك ب�أن تعمد (اجلاريال) �إىل �رضب‬
‫العدو ب�شكل متالحق‪ ،‬حتى ي�ضطر �إىل الرد ب�رضبات ع�شوائية انتقامية تطال‬
‫دو ًال �أخرى يتواجد فيها عنا�رص (اجلاريال)‪ ،‬فتدخل هذه الدول حلبة ال�رصاع‪،‬‬
‫فيتو�سع القتال‪ ،‬وتكون نهاية العدو على يد هذه الدول بالتعاون مع (اجلاريال)‪،‬‬
‫ّ‬
‫وهذا ما حاولته الثورة الفل�سطينية لكنها مل تنجح يف الو�صول �إليه‪.‬‬

‫واحل�سم بهذه الطريقة يكون ع�سكر ّي ًا‪ ،‬بجي�ش (اجلاريال) ودعم غريها‪،‬‬
‫فيكون الق�ضاء على قوة العدو و�إ�سقاط حكمه وطرده من الأر�ض‪.‬‬

‫‪2‬ـ فر�ض و�ضع ال خمرج منه‪ ،‬ي�صل �إليه االحتالل بعد �أن ميار�س مع رجال‬
‫(اجلاريال) وال�شعب كل ما ميلكه من �أ�ساليب وو�سائل م�رشوعة وغري م�رشوعة‪،‬‬
‫ال وت�رشيداً وتنكي ً‬
‫ال لكن دون جدوى‪.‬‬ ‫فيثخن بهم قت ً‬

‫يف املقابل‪ ،‬تُظهر (اجلاريال) ج َلداً و�صرباً و�إ�رصاراً‪ ،‬فتقاوم التنكيل‪ ،‬وتثبت‬
‫متفرقة‪،‬‬
‫قر�صات ّ‬
‫ٍ‬ ‫عدوها عرب‬
‫يف وجه العا�صفة‪ ،‬وحتاول �أن تر ّد ال�صاع �إىل ّ‬
‫و�رضبات هنا وهناك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪67‬‬

‫وت�ضحيات كبرية‪ ،‬لكنها احلل الأمثل يف‬


‫ٍ‬ ‫نف�س طويل‬
‫هذه املرحلة حتتاج �إىل ٍ‬
‫مواجهة قوى اال�ستكبار العظمى التي ال ميكن هزمها بال�رضبة القا�ضية احلا�سمة‪،‬‬
‫�أو ا�ستئ�صال جيو�شها و�إبادتها‪.‬‬

‫ولقد قدمت الثورة اجلزائرية يف م�سرية التحرير الطويلة مليون ون�صف‬


‫املليون �شهيد؛ �سعي ًا لإي�صال فرن�سا �إىل هذه القناعة‪ ،‬وكانت كلما قدمت مزيداً‬
‫من الت�ضحيات حاول االحتالل الفرن�سي �أن يتم�سك وي�ضغط حتى الرمق‬
‫الأخري‪ ،‬حتى �أن الأ�شهر الأخرية من الثورات كانت الأكرث �رضاوة وق�سوة بني‬
‫ال ُّثوار وجلاّ ديهم‪� ،‬إذ حاول اجلي�ش الغا�ضب �أن يلعب ب�أوراقه الأخرية‪ ،‬وي�رضب‬
‫ال�رضبات الأ�شد فتك ًا‪ ،‬ع ّلها تكون احلا�سمة‪ ،‬لكن دون جدوى‪ ،‬فكان ُّ‬
‫ع�ض‬
‫وا�ضطرت فرن�سا �إىل‬
‫ّ‬ ‫�صمد فيه ال�شعب‪ ،‬وانت�رص على املحتل‪،‬‬
‫َ‬ ‫الأ�صابع الذي‬
‫وقدم ال�شعب الفيتنامي مئات �آالف‬
‫االعرتاف والتفاو�ض‪ ،‬ومن ثم االن�سحاب‪ّ .‬‬
‫القتلى حتى ا�ستطاع �أن ي�صل بال�شعب واحلكومة الأمريكية �إىل ذات القناعة‪.‬‬

‫�إن العامل الأ�سا�سي الذي يفر�ض هذا احلل‪ ،‬هو معادلة (امليزان احليوي)‪،‬‬
‫التي متيل ل�صالح املقاومة‪ ،‬فرتجح على ميزان القُوى املختل‪ ،‬والراجح ل�صالح‬
‫وطرد امل�ستعمر يفوق حاجة‬
‫ِ‬ ‫�ص ال�شعب اجلزائري على نيل حريته‬
‫فح ْر ُ‬ ‫ّ‬
‫املحتل‪ِ ،‬‬
‫الفرن�سيني �إىل �إيجاد م�ستعمرات �إ�ضافية والبقاء يف اجلزائر كاحتالل‪ ،‬ورغب ُة‬
‫ّ‬
‫ال�شعب الفيتنامي بالتخل�ص من اال�ستبداد واالنعتاق من الدكتاتوريّة يفوق‬
‫يقدم لهم الكثري‪.‬‬
‫ا�ستبدادي ال ّ‬
‫ٍّ‬ ‫أمريكيني على دعم نظام‬
‫ّ‬ ‫حر�ص ال‬
‫َ‬

‫***‬
68
‫‪69‬‬

‫قواعد‬
‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫الع�صابات‬
‫حرب ِ‬‫ِ‬
70
‫‪71‬‬

‫من قواعد حرب الع�صابات‬

‫اجلماعات الثائر ُة ِ‬
‫والف َـر ُق املقاتل ُة‬ ‫ُ‬ ‫انتهجـ ْتها‬
‫َ‬ ‫هي مبادئ عامة‪ ،‬وقواعد ثابتة‪،‬‬
‫ميزت حرب‬ ‫وقوالب ّ‬
‫َ‬ ‫�سمات‬
‫ٍ‬ ‫ف�شكلت مبجموعها‬ ‫يف �ش ّتى الأ�صقاع والأزمان‪ّ ،‬‬
‫تخت�ص‬
‫ّ‬ ‫وبع�ضها‬
‫َ‬ ‫بع�ضها ت�شرتك به اجلاريال مع احلروب الكال�سيكية‪،‬‬
‫الع�صابات‪َ ،‬‬
‫به دون غريها‪.‬‬

‫َ‬
‫الـك ُّـر والـف َّـر‪:‬‬
‫وهي من �سيا�سات حرب الع�صابات على مدار تاريخها‪ ،‬فاحلركة الثورية‬
‫املقاتلة ال تتخذ �شك ً‬
‫ال واحداً من الهجوم والكر واالختفاء والفر‪� ،‬أي �أنها‬
‫ال متوا�ص ً‬
‫ال بحيث ت�ضع نف�سها �أمام مواقف حا�سمة‬ ‫ال تهجم هجوم ًا �شام ً‬
‫وم�صرييّة‪ ،‬وكذلك ال تختفي عن ال�ساحة ب�شكل كامل ال حمدود فتكون‬
‫بال ح�ضور وال ت�أثري‪ ،‬بل هي دائمة احلركة مبا تقت�ضيه احلاجة وال�رضورة‪،‬‬
‫تهاجم يف اللحظة املنا�سبة‪ ،‬وتن�سحب دون حرج عندما يكون االن�سحاب‬
‫�رضوري ًا‪.‬‬

‫وهي بذلك كله حتقِّق مبد�أ املباغتة واملفاج�أة‪ ،‬وبذلك حتقّق �أهداف ًا مرحلية‬
‫«دفاع من �أجل‬
‫ٌ‬ ‫�ضمن ما يعرف ب ِـ (القر�صات املو�ضوعية)‪ ،‬يقول (ماو)‪:‬‬
‫‪72‬‬

‫م�شي‬
‫التقدم‪ ،‬وانحنا ٌء من �أجل مواجه ٍة و�سيطرة‪ٌ ،‬‬
‫وان�سحاب من �أجل ّ‬
‫ٌ‬ ‫الهجوم‪،‬‬
‫متعر ٌج لأجل الذهاب امل�ستقيم»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫والفر وظيف ٌة لتح�صيل الهدف الأ�سا�سي وهو االنت�صار‪ ،‬وبالتايل‬
‫ُّ‬ ‫فالكر‬
‫ُّ‬ ‫�إذاً‬
‫اختيار للأ�سلوب الأمثل الذي يتنا�سب واحلالة الراهنة للجاريال‪ .‬يقول‬
‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫لوران�س‪« :‬على املقاتلني �أن يختفوا كالبخار»‪ ،‬ويقول كلوزي�ست‪« :‬على‬
‫إجماع لدى مدار�س حرب الع�صابات على‬
‫ٌ‬ ‫املقاتل �أن يختفي كالغيم»‪� .‬إذن هو �‬
‫تب ّني العمل بهذا املبد�أ‪.‬‬

‫وبالعودة �إىل عمليات املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬ف�إننا نالحظ �أنها بجملها تخ�ضع‬
‫لهذا املبد�أ‪ ،‬با�ستثناء العمليات اال�ست�شهاد ّية ب�أ�شكالها‪� ،‬أما الأ�ساليب الأخرى‬
‫حمددة‪ ،‬وال�رضب بقوة و�رسعة‪ ،‬ثم‬
‫الكر على �أهداف ّ‬
‫من املقاومة‪ ،‬فقد اعتمدت َّ‬
‫يجد العدو وقت ًا ال�ستدعاء فرق م�ساعدة‬
‫االن�سحاب ب�أقل وقت ممكن؛ قبل �أن َ‬
‫ودعم‪ .‬وحني مل ي�ستطع املقاومون االن�سحاب ب�رسعة من موقع الهجوم‪ ،‬كان‬
‫م�صريهم اال�ست�شهاد �أو االعتقال �أو الوقوع يف م�آزق �صعبة‪ ،‬كما ح�صل مع‬
‫جماهدي اخللية الأردنية على احلدود الفل�سطينية يف �إحدى عمليات الدوريات‪،‬‬
‫وقد �أوردناها يف هذا البحث‪.‬‬

‫اعتماد اخلديعة يف احلرب‪:‬‬


‫يقول عليه ال�صالة وال�سالم‪« :‬احلرب خدعة»(‪ ،)2‬و ُي�رشع للقوى املقاتلة‬
‫ا�ستخدام اخلديعة واملكر والدهاء يف �رضب العدو‪� ،‬أو يف �أثناء �رضباته‪ ،‬مما يج ّنب‬

‫‪ 1‬احلرب واال�سرتاتيجية)‪ ،‬يهو�شيفت هركيف‪.‬‬


‫‪ 2‬م َّتفق عليه‪.‬‬
‫‪73‬‬

‫التفوق يف القوة التي يتم ّتع بها عدوهم‪ ..‬وقد �أك َرث مقاتلو حرب‬
‫ال ُّثوار �شيئ ًا من ّ‬
‫الع�صابات من ا�ستخدام �أ�ساليب خداعية يف �رضب اخل�صوم‪ ،‬ومن �أ�شهر ما‬
‫كتب التاريخ يف هذا الباب؛ ق�صة (ح�صان طروادة) ال�شهرية‪ ،‬والذي‬
‫تناقل ْته ُ‬
‫ا�ستخدمه اجلي�ش الروماين يف احتالل مدينة طروادة‪ ،‬فقد ا�ستع�صت املدينة‬
‫عليهم �شهوراً طويلة‪ ،‬و�صمدت يف وجه ّ‬
‫قواتهم ملناعة �أ�سوارها و�صمود �أهلها‬
‫خ�شبي ًا حل�صانٍ‬
‫ّ‬ ‫جم�سم ًا‬
‫أعدوا ّ‬
‫الرومان �إىل اخلديعة‪� ،‬إذ � ّ‬
‫فعمد ّ‬
‫َ‬ ‫وا�ستب�سال مقاتليها‪،‬‬
‫أعدوا‬
‫كبري‪ ،‬وهم يعلمون �أن �أهل طروادة يع�شقون اخليل لدرجة التقدي�س‪ ،‬وقد � ّ‬
‫اجلي�ش‬
‫ُ‬ ‫تظاهر‬
‫َ‬ ‫بع�ض اجلنود‪ ،‬ثم‬
‫كمن بداخله ُ‬
‫املج�سم ب�شكل �أجوف‪ ،‬حيث َ‬
‫ّ‬ ‫هذا‬
‫طلع ال�صباح ولي�س �أمام �أ�سوار املدينة �إال‬ ‫باالن�سحاب لي ً‬
‫ال من حميط املدينة‪ ،‬حتى َ‬
‫املج�س َم داخل املدينة‪ ،‬واحتفلوا بالن�رص‪ ،‬وعند‬
‫ّ‬ ‫جم�سم احل�صان‪ ،‬ف� َ‬
‫أدخل ال�سكانُ‬ ‫َّ‬
‫احلرا�س فقتلوهم‪،‬‬
‫وتوجهوا �إىل ّ‬
‫ّ‬ ‫امل�ساء خرج اجلنود من مكمنهم داخل احل�صان‪،‬‬
‫أ�سوار قد‬
‫فوجد ال َ‬ ‫َ‬ ‫ويف ذات الوقت كان اجلي�ش الروماين قد عاد �أدراجه‪،‬‬
‫ُف ِتحت‪ ،‬و�سقطت املدينة يف �أيديهم باخلداع واحليلة‪ ،‬ال بالقوة و�شدة الب�أ�س!‬

‫والناظر يف �سرية (عمرو بن العا�ص) َر ِ�ض َي اهلل عنه‪ ،‬يجد ع�رشات الق�ص�ص‬
‫مكنته من اخلروج من امل�آزق واالنت�صار يف املعارك‪ ،‬وهذا حال‬ ‫اخلداعية التي ّ‬
‫ّ‬
‫عقلي ًة خلاّ ق ًة‬
‫املميزين‪ ،‬فكلما كانت القيادة للعمل املقاوم متتلك ّ‬
‫قادة احلروب ّ‬
‫مبتكر ًة ف َِطنة‪ ،‬وتبتدع الأ�ساليب تبع ًا للمواقف والأحداث ومقت�ضياتها‪ ،‬كان‬
‫العمل الثوري �أكرث جناح ًا وقدر ًة على اال�ستمرار والإجناز والإثخان بالعدو‪.‬‬

‫ب�ص َورٍ‬
‫�أما يف جتربتنا الفل�سطينية‪ ،‬فقد ا�ستخدم املقاتلون �أ�ساليب (املخادعة) ُ‬
‫متعددة‪ ،‬فتار ًة يظهر مقاتل الق�سام على طريق (رام اهلل) بلبا�س (قمباز) �أو لبا�س‬
‫ينق�ض عليهم‬
‫املارون يف املوقع به‪ ،‬ويف اللحظة املنا�سبة ُّ‬
‫امر�أة‪ ،‬فال َي�أبه امل�ستوطنون ّ‬
‫‪74‬‬

‫املخب�أ حتت ثيابه‪ .‬وتار ًة يزرع املقاومون عبوة �صغرية يف �أحد املواقع‬
‫ّ‬ ‫ب�سالحه‬
‫تهدف �إىل حمل ال�صهاينة على الفرار �إىل االجتاه املعاك�س‪ ،‬وهناك تكون العبوة‬
‫نف�سه داخل مقهى �صهيوين‪ ،‬بينما‬ ‫الكبرية بانتظارهم‪ .‬وتار ًة ّ‬
‫يفجر اال�ست�شهادي َ‬
‫ينتظر �صاحبه اال�ست�شهادي الآخر يف اخلارج‪ ،‬ومع تدافع النا�س يتظاهر ب�أنه‬
‫من رجال الأمن‪ ،‬فيبد�أ بجمع النا�س من حوله متظاهراً �أنه �سينقذهم‪ ،‬حتى �إذا‬
‫وحلبية)‪ .‬ورابع ًة‬
‫ّ‬ ‫فجر نف�سه بهم‪( ،‬كما فعل اال�ست�شهاد ّيان‪ :‬بحر‬
‫جتمعوا حوله ّ‬
‫ّ‬
‫وخام�س ًة و�ساد�سة‪ ،‬وكلما �أتقن املقاومون ِح َيلهم‪ ،‬كان النجاح حليفهم(‪.)1‬‬

‫املباغتة واملفاج�أة ‪:‬‬


‫وذاك خري �سالح ميلكه رجل الع�صابات‪ .‬واملباغتة تقت�ضي �أن ال يعرف العدو‬
‫�أو يتوقع مكان وزمان و�آلية تنفيذ املقاتلني لهجمتهم القادمة‪ ،‬مما يعني عدم قدرته‬
‫التهي�ؤ واال�ستعداد لها‪� ،‬أو �إحباطها �أو اتّقاء نتائجها‪.‬‬
‫على ّ‬
‫ال�سحيقة بني �إمكانات الثوار ال�ضعيفة‬
‫الهوة ّ‬ ‫ٌ‬
‫كفيل بردم ّ‬ ‫�إن عن�رص املباغتة‬
‫املهاجمة‪ ،‬وبني قوة العدو الكبرية املتمركزة‪ ،‬فتكون املباغتة مقابل الكرثة‪،‬‬
‫ِ‬
‫فتخلق بع�ض ًا من التوازن‪ .‬ولتحقيق هذا املبد�أ‪ ،‬فقد اعتمدت (اجلاريال) يف قتالها‬
‫على ال�رضب بطريقة (الكمائن)‪ ،‬وبطريقة (اال�ستدراج)‪ ،‬ملا حتقّقه من مفاج�أة‬
‫لقوات العدو‪ ،‬ولذات ال�سبب حفرت ال َ‬
‫أنفاق لكي تخرج �إليه من حيث ال‬ ‫ّ‬
‫يحت�سب‪.‬‬

‫‪ 1‬التفا�صيل يف كتاب (�صفحات من جهاد �أبناء الق�سام)‪ ،‬مل�ؤلِّفه‪� :‬أبو م�ؤمن‪.‬‬


‫‪75‬‬

‫لقد متكن ر�سول اهلل [ وقادة الفتح الإ�سالمي من بعده من ا�ستخدام عن�رص‬
‫املباغتة على �أكمل وجه‪ ،‬وتوظيفه بالقدر الذي ّ‬
‫مكنهم من ج ْن ِي االنت�صارات التي‬
‫تخطت احل�سابات املادية واملنطقية‪ ،‬فقد ّ‬
‫متكن عليه ال�سالم من مباغتة م�رشكي‬ ‫ّ‬
‫مكة بجي�ش قوامه ع�رشة �آالف مقاتل يقف على ر�ؤو�س اجلبال املحيطة بهم‪،‬‬
‫تكرر احلال ع�رشات املرات يف ال�سرَّ ايا والبعوث واملعارك والغزوات على‬
‫وكذا ّ‬
‫مدار تاريخنا‪ .‬وهو ما فعله ر�سول اهلل [ �أي�ض ًا مع يهود (خبري) عندما خرج‬
‫بجي�شه نحو (غطفان)‪ ،‬ف�أوهمهم �أنه يق�صدهم فا�ستعدوا له‪ ،‬بينما اطم�أ ّنت‬
‫خبري‪ ،‬ومل تقم ب� ِّأي ا�ستعداد‪ ،‬فانعطف عليه ال�صالة وال�سالم باجلي�ش عليهم‪،‬‬
‫ففاج�أهم وهو يقف على �أعتاب ح�صونهم‪.‬‬

‫ومن الق�ص�ص اجلميلة التي تُروى عن القائد اجلليل (خالد بن الوليد) َر ِ�ض َي‬
‫زعزع بها �صفوف جي�ش‬ ‫َ‬ ‫اهلل عنه‪ ،‬ما قام به من حرك ٍة �أُحاد ّي ٍة جريئ ٍة مفاجئة‪،‬‬
‫ا�صطف اجلي�شان للمواجهة؛ امل�سلمون‬
‫َّ‬ ‫عدوه الذي يفوقُه عدداً وعتاداً‪ ،‬فبعد �أن‬
‫ّ‬
‫بقيادة خالد‪ ،‬والفُر�س ومن واالهم من العرب بقيادة عقّة‪ ،‬ويف غفلة من‬
‫عدوه‪ ،‬واجلميع يف ذهول‪ ،‬ومل ي�صحوا‬
‫َر�سه �صوب ّ‬ ‫خالد على ف ِ‬
‫اجلي�شينْ ‪ ،‬انطلق ُ‬
‫َ‬
‫خالد �إىل قائد جي�شهم (عقّة)‪ ،‬وانتزعه وهو على‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫و�صل‬ ‫من ذهولهم �إال بعد �أن‬
‫فر�سه‪ ،‬وعاد به �أ�سرياً‪َّ ،‬‬
‫فدب اال�ضطراب يف �صفوف الكفَرة‪ ،‬وهجم اجلي�ش‬
‫الإ�سالمي يقتل منهم وي�أ�رس‪ ،‬فلم يجدوا �إال الفرار �سبي ً‬
‫ال‪ ،‬وحق َّق امل�سلمون ن�رصاً‬
‫م�ؤ ّزراً بغري خ�سائر(‪.)1‬‬
‫ومن مناذج املباغتة يف الع�رص احلديث‪ُّ ،‬‬
‫متك ُن اجلي�ش ال�صهيوين من مباغتة‬
‫فدم َـر �سالح الطريان‬
‫اجلي�ش امل�رصي الذي كان قادتُه يف غفلتهم ولهوهم‪َّ ،‬‬

‫�سيد ح�سني العفاين‪.‬‬


‫ال�صحابة الأخيار)‪ ،‬د‪ّ .‬‬
‫‪( 1‬فر�سان ال ّنهار من ّ‬
‫‪76‬‬

‫يحر َك �ساكن ًا‪ ،‬فانتهت احلرب يف �ست �ساعات‬


‫امل�رصي وهو على �أر�ضه دون �أن ِّ‬
‫فقط!‬

‫�أما يف جتربتنا الفل�سطينية‪ ،‬فقد حق َّق املجاهدون املباغتة يف مئات ال�رضبات‪،‬‬


‫ومنها عملية (احلرم الإبراهيمي)‪ ،‬عندما ّ‬
‫متك َن املجاهدان‪ :‬عماد عقل‪ ،‬وهارون‬
‫نا�رص الدين‪ ،‬من قتل حار�س املنطقة و�إ�صابة زميله رغم ح�صانة املوقع‪ .‬فقد‬
‫ف ال َأخوان ب�صور ٍة غري متوقّعة‪ ،‬وعلى الرغم من �أن امل�سافة املك�شوفة‬ ‫ت�رص َ‬
‫ّ‬
‫�أمامهم للو�صول �إىل النقطة طويلة‪� ،‬إال �أنهما ّ‬
‫متكنا من مفاج�أة اجلنود بال َع ْد ِو‬
‫نحوهم ب�رسع ٍة وقوة‪ ،‬بينما ُعقدت ال�صدمة على تفكري اجلنود‪ ،‬فلم ميلكوا �إال‬
‫املجاهد ِين الّ َ‬
‫لذ ِين �أفرغا �سالحيهما نحوهم‪ ،‬ثم ان�سحبا ب�سالم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫النظر �إىل‬

‫(ال�س ّـرية) يف الزمان‬


‫ولتحقيق املباغتة‪ ،‬البد من ا�ستخدام القدر الأكرب من ِّ‬
‫والكيفية) بغري ما يتوقع‬
‫ّ‬ ‫واملكان والكيفية‪ ،‬وكلما كانت عوامل (املكان والزمان‬
‫العدو؛ كان النجاح حليف املقاومة ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫تو�سيع دائرة ال�رضب‪:‬‬


‫ويكون ذلك بزيادة عدد املواقع امل�ستهدفة‪ ،‬وعدم الرتكيز على منطقة دون‬
‫يعر�ضها لل�ضغط والرتكيز‪� ،‬أو ُيـخ�ضعها للمراقبة واملتابعة‪ .‬وقد ذكرنا‬
‫غريها‪ ،‬مما ّ‬
‫�أن املباغتة حتتاج �إىل �رضب مواقع ال يتوقّعها العدو‪ ،‬وهذا ال يت�أتّى �إال بتو�سيع‬
‫كم ونوع �أهدافه‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف واقعنا الفل�سطيني‬
‫رقعة العمل املقاوم‪ ،‬وزيادة ّ‬
‫الذي يعاين �أ�ص ً‬
‫ال من �ضيق البقعة اجلغرافية التي نعي�ش فيها‪ ،‬والتي تُـ َع ّـد �ساحة‬
‫املواجهة‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫ويالحظ �أن حتييد � ّأي بقعة جغرافية‪ ،‬وا�ستثناءها من �ساحة املواجهة دون‬
‫مربر‪ ،‬يعطي العدو �أمان ًا فيها‪ ،‬ويجعله ّ‬
‫يركز اهتمامه باجتاه البقع ال�ساخنة‪ ،‬وينقل‬
‫قواته‪ ،‬وتزداد قوته يف‬
‫قواته وا�ستخباراته �إليها‪ ،‬فتقل حاجته ال�ستخدام كامل ّ‬
‫�رضب املقاومة‪.‬‬

‫وبنظرة �إىل واقع االحتالل‪ ،‬ف�إننا جند �أن املواقع امل�ستهدفة تنق�سم مكانياً �إىل‬
‫ق�سمني‪:‬‬

‫الأول‪ :‬يتم ّثل بال�ضفة الغربية وحميط قطاع غزة‪ ،‬وي�شمل كذلك امل�ستوطنات‬
‫واملع�سكرات واحلواجز والطرق االلتفافية والآليات الع�سكرية واال�ستيطانية‪،‬‬
‫كما ي�شمل الدفاع عن املدن �أثناء االجتياحات‪ .‬والثاين‪ :‬هو الأرا�ضي املحتلة‬
‫امل�سماة (مدنية‬
‫ّ‬ ‫عام (‪1948‬م)‪ ،‬وي�شمل جميع املواقع الع�سكرية‪ ،‬واملواقع‬
‫كدور العبادة‬‫واقت�صادية)‪ ،‬واملوا�صالت‪ ،‬مع جت ّنب املواقع ذات اخل�صو�صية‪ُ ،‬‬
‫ملربر‪،‬‬
‫واملراكز الطبية وحتى التعليمية‪ ،‬وما من مرة �ضرُ بت فيه هذه املواقع �إال ِّ‬
‫ك�إقدام االحتالل على ارتكاب جمازر كبرية‪� ،‬أو اغتيال قادة‪� ،‬أو �رضب مواقع‬
‫فل�سطينية م�شابهة‪ ،‬فكانت حماول ًة لتحقيق (توازن الردع)‪ ،‬كما ح�صل يف‬
‫عملية اجلامعة العربية يف القد�س‪ ،‬والتي نفّذها جماهدو خلية �سلوان؛ ر ّداً على‬
‫الد َرج) يف غزة‪ ،‬والتي ا�س ُت�شهد فيها القائد العام لكتائب الق�سام‬
‫جمزرة (حي ّ‬
‫ال�شيخ �صالح �شحادة‪ ،‬و�سبعة ع�رش فل�سطيني ًا �آخر‪ ،‬وذلك ب�إلقاء قنبلة عليهم‬
‫ت َِـزنُ (ط ّنـ ًا)‪.‬‬
‫‪78‬‬

‫جتنُّب املواجهات الوا�سعة‪:‬‬


‫حيث �أنه كلما كانت املواجهة �أقرب �إىل مبد أ� (الكر والفر) والهجمات‬
‫اخلاطفة التي ال ت�صل بحال �إىل املواجهة املبا�رشة‪ ،‬والتي ال يطول زمنها �أو يت�سع‬
‫مكانها‪ ،‬كان العمل �أكرث جناح ًا‪ ..‬وذلك من �أ�سا�سيات حرب الع�صابات‪.‬‬

‫يقول قائد الثورة ال�صينية (ماو)‪« :‬يجب االمتناع عن املعارك احلا�سمة‬


‫وب�شكل قاطع»‪ ،‬ويقول �أي�ض ًا‪« :‬قا ِت ْل فقط عندما تكون قادراً على الن�رص‪،‬‬
‫وان�رصف عندما ال تكون قادراً»‪ ،‬و�سبب ذلك �أن ميزان القوى ٌّ‬
‫خمتل لدرج ٍة ال‬
‫يجوز معها املقارنة‪ ،‬فالعدو ميتلك ال�سالح والعتاد والإمكانات باحلجم الذي‬
‫تواجهه جمموع ٌة �صغري ٌة متلك بع�ض الأ�سلحة اخلفيفة‪ .‬ف�إذا كانت‬
‫َ‬ ‫ال ميكن �أنْ‬
‫املواجهة طويلة ف�إن ذلك ُيفقد املقاومة �أهم امتيازاتها‪ ،‬وهو عن�رص املباغتة والكر‬
‫والفر واملناورة واالختفاء‪ ،‬وعندئذ ترجح كفة الأقوى‪� ،‬إذ �أن كل عنا�رص القوة‬
‫معه‪.‬‬

‫ون�شري �إىل �أن املجاهد قد ي�ضطر �إىل املواجهة وال�صمود حتى النهاية‪ ،‬لكن‬
‫ذلك يف حاالت خا�صة جداً‪ ،‬وحتديداً �إذا ّ‬
‫متك َن العدو من حما�رصة خلي ٍة �أو‬
‫مطاردٍ يف موقع ما‪ ،‬بحيث ال ميكن االن�سحاب منه‪ ،‬فاملواجهة هي الأ�صل هنا‪،‬‬
‫َ‬
‫مع الإدراك �شبه اليقيني �أن ال�شهادة هي نهاية هذه املواجهة‪.‬‬

‫�إن من عوامل جناح (اجلاريال) �أن تفر�ض هي �شكل املواجهة‪ ،‬وعندما ي�ستطيع‬
‫العدو فر�ض �شكل املواجهة ف�إنه يكون �أقرب لالنت�صار‪ ،‬وجت ُّنب املواجهات‬
‫الوا�سعة �شك ً‬
‫ال وزمان ًا يعطي املقاومة فر�ص ًة �أكرب للنجاح‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫البعد عن النمطية ‪:‬‬


‫الروتني والتكرار؛ مما يحقّق املفاج�أة‪ ،‬وجت ُّنب‬
‫اخلروج عن امل�ألوف‪ ،‬وجت ُّنب ّ‬
‫النمطية‪ ،‬يعني �أال تعتمد (اجلاريال) �شك ً‬
‫ال معين ًا يف الأداء واملقاومة واحلركة زمان ًا‬ ‫ّ‬
‫ومكان ًا و�أ�سلوب ًا‪ ،‬حتى ال ي�سهل على االحتالل درا�سة حركة املقاومة ّ‬
‫وتتبع‬
‫خطواتها‪ ،‬ومن ثم التنب�ؤ بحركتها القادمة‪ ،‬وما يمُ ِكن �أن تُقد َم عليه م�ستقب ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ثم ي�أخذ ِحذره‪ ،‬ويت�س ّلم زمام املبادرة‪ ،‬ويفاجئ املقاومة بد ًال من �أن‬
‫ومن ّ‬
‫تفاجئه‪ ،‬وقد قيل‪« :‬خري عادة‪� ،‬أن ال يكون لك عادة»‪.‬‬

‫نعم! �إن البعد عن الروتني يجعل الزمان مفتوح ًا للعمل بليله ونهاره‪� ،‬صيفه‬
‫و�شتائه‪ ،‬هدوئه وا�شتعاله‪ ،‬ويجعل املكان كله �ساحة مقاومة‪ ،‬ال ت�ستثنى منه‬
‫جوه وباطن‬
‫يحده ميدان؛ �سهله وجبله‪َ ،‬ب ُّـره و ما�ؤه‪ُ ،‬مدنه و�أريافه‪ّ ،‬‬
‫بقعة‪ ،‬وال ُّ‬
‫�أر�ضه‪ ...‬و�إن من �ش�أن ذلك �أي�ض ًا‪� ،‬أن يجعل من الو�سائل املتاحة م�ستخدم ًة على‬
‫الدوام بح�سب احلاجة والإمكان‪� ،‬إطالق نار �أو تفجري �أو �صواريخ �أو اغتيال‬
‫أر�ضي ًة جيد ًة للتطوير‪ ،‬فال يكون التوقف‬
‫وقن�ص‪ ،‬ويجعل من الو�سائل املتوفرة � ّ‬
‫ويطور احلايل‪ ،‬ويبتكر اجلديد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عند و�سيلة ا�س ُتخدمت‪ ،‬بل ي�ستخدم ال�سابق‪،‬‬
‫وي�ستجلب ما ا�ستخدمه الغري‪....‬‬

‫ّ‬
‫كل ذلك يجعل االحتالل يف حرية من �أمره‪ ،‬ويحجزه عن توقّع القادم‪،‬‬
‫و ُيف�شله يف مقاومته‪ ،‬و ُيعدم قدرته على مواكبة ما ت�ستحدثه املقاومة من �أ�ساليب‪،‬‬
‫بينما ذلك ي�ضع املقاومة يف موقع املبادرة و�صناعة احلدث‪.‬‬
‫‪80‬‬

‫التطوير الدائم لأ�ساليب العمل‪ ،‬وعدم االكتفاء مبا �سبق‪:‬‬


‫حرب طويل ٌة ال ينفع معها اال�ستمرار بروتني معني من املواجهة‪� ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫فهي‬
‫ا�ستخدام �سالح واحد فيها‪� ،‬أو العمل بو�سائل وطرق تقليدية حمددة‪ ،‬ذلك �أن العدو‬
‫يحد من‬
‫املقاومة يف عملها‪ ،‬و�سيجد العالج الناجع الذي ّ‬
‫�سيفهم �أ�سلوب القُوى ِ‬
‫فاعليتها‪ ،‬وتوقّي �رضباتها‪ ،‬بل من املحتوم �أنه �سيعمد �إىل االبتكار و�إبداع الو�سائل‬
‫ّ‬
‫والطرق والأدوات اجلديدة يف حربه و�رضبه للثورات‪ ،‬وعندئذ �ستجد (اجلاريال)‬
‫عدوها‪ .‬ففي الوقت الذي كان فيه مقاتلو (�ألفيت كونغ)‬ ‫نف�سها قد تخ ّلفت ّ‬
‫وتقد َم ُّ‬
‫يف (فيتنام) يحتمون بالغابات وخ�رضائها لالختفاء من الطريان الأمريكي‪ ،‬قامت‬
‫(‪)1‬‬
‫�أمريكا بتطوير �سالح جديد يتنا�سب وهذه املع�ضلة‪ ،‬فاخرتعوا (القنابل امل�سمارية)‬
‫التي حتوي �آالف امل�سامري القاتلة التي تنت�رش حال �إطالقها على م�ساحات �شا�سعة‪،‬‬
‫فت�ؤ ّدي �إىل قتل الثوار دون �أن يحتاجوا لر�ؤيتهم‪ ،‬فلم يكن �أمام املقاتلني �إال �إيجاد‬
‫احللول املنا�سبة التي ت�سمح لهم بالتمرت�س خلف حاجز يقيهم من امل�سامري‪ ،‬ومن ثم‬
‫كان حفر املزيد من اخلنادق والأنفاق التي ت�سمح لهم باالختفاء واالحتماء‪.‬‬

‫وقد كان النموذج الفل�سطيني متميزاً يف تطوره وتنوع �أ�ساليبه ودخوله يف‬
‫مراحل �إبداعية متعاقبة‪ ،‬خرجت به من دائرة العمل ال�شعبي الأعزل‪� ،‬إىل دائرة‬
‫عدوه‪ ،‬فبعد �أن‬
‫الإبداع واالبتكار يف �إيجاد الأ�سلحة املنا�سبة لطريقته يف مقاومة ّ‬
‫االحتجاجية واال�ستنكار ّية‪ ،‬ثم االنتفا�ضة‬
‫ّ‬ ‫ال�سلمية‬
‫ّ‬ ‫بد َ�أ العمل الفل�سطيني باملقاومة‬
‫ُ‬
‫العمل ليدخل مرحلة (ثورة‬ ‫ال�شعبية امل�س َّلحة باحلجر والزجاجة احلارقة؛ ّ‬
‫تطو َر‬ ‫ّ‬
‫ال�سكاكني) التي ا�س َتخدمت �أب�سط �أنواع ال�سالح الأبي�ض املتوفّر يف املنازل‪،‬‬

‫عدة قنابل‪ ،‬كل قنبلة حتوي �آالف امل�سامري الفوالذ ّية‬ ‫‪ 1‬القنابل امل�سماريّة تُطلق على �شكل دفعات‪ّ ،‬‬
‫كل دفعة حتوي ّ‬
‫كل قنبلة على م�ساحة طولها (‪ )300‬مرت‪ ،‬وعر�ضها (‪)90‬‬ ‫بطول (‪� )10‬سنتيمرتاً‪ ،‬تنطلق بقوة فتنت�رش م�سامري ّ‬
‫مرتاً تقريباً‪.‬‬
‫‪81‬‬

‫ثم كانت مرحلة العمل امل�س ّلح با�ستخدام ّ‬


‫الكم القليل من ال�سالح الناري الذي‬
‫يتوفر بيد املقاومني مما غنموه من �أيدي االحتالل الإ�رسائيلي‪� ،‬أو مما َّمت تهريبه من‬
‫اخلارج‪� ،‬أو مما ورثوه من الأجيال‪...‬‬

‫ثم كانت مرحلة التفجري التي ا�ستخدم فيها املجاهدون املوا َّد املتفجرة‬
‫املوجودة يف الألغام القدمية وكحل البارود وغريه‪ ،‬وعندما عجزوا عن توفري‬
‫املواد الكافية بد�ؤوا بالبحث عن مواد � ّأولية ُي�ص ِّنعون من خاللها متفجراتهم‪،‬‬
‫فا�ستخدموا الأ�سمدة النباتية‪ ،‬واملواد الطبية‪ ،‬ومواد التنظيف الكيماوية‪ ،‬فكانت‬
‫مادة (�أم العبد) املتفجرة التي �أثبتت جناع َتها يف عمليات التفجري‪ ،‬ثم تطور‬
‫هذا ال�سالح حتى دخلت فيه ق�ضية التكنولوجيا يف التوجيه‪ ،‬فكان التفجري‬
‫عن ُبعد وغريه من الو�سائل‪ ...‬ويف هذه املرحلة‪ ،‬دخلت املقاومة الفل�سطينية‬
‫حرب‬
‫ُ‬ ‫حرب اال�ست�شهاد ّيني‪ ،‬الذين �أ�صبحوا �سالح املقاومة الأقوى‪ .‬ثم كانت‬
‫املح�صنة بالألغام‬
‫َّ‬ ‫الـمـ�صطنعة‬
‫الأنفاق‪ ،‬التي ا�ستطاعت فيها املقاومة جتاوز احلدود ُ‬
‫والأ�سالك ال�شائكة والأبراج و�أجهزة الر�صد الإلكرتونية‪.‬‬

‫و�أخرياً‪ ،‬كانت القفزة االبتكارية‪ ،‬والتي مت ّثلت ب�إنتاج ال�صاروخ الفل�سطيني‬


‫تو�صل �إليه املقاتل‬
‫(ق�سام)‪ ،‬وما َتبِـ َعـه من �صواريخ م ّثلت مبجملها �أف�ضل ما ّ‬
‫ّ‬
‫الفل�سطيني من ابتكارات تزيد من كفاءة ال�سالح الذي متلكه املقاومة‪...‬‬

‫وهكذا‪ ،‬ف�إنه ال ا�ستمرار للمقاومة‪ ،‬وال بقاء ملقاتليها‪ ،‬وال �إجناز �أو حتقيق‬
‫لأهدافها دون �أن تتمكن من تطوير �أدائها‪ ،‬وم�ضاعفة دفاعاتها ومناعتها‪،‬‬
‫و�إيجاد احللول للمع�ضالت التي تعرت�ضها(‪.)1‬‬

‫كمي ًة من قذائف‬ ‫‪ 1‬يروي املجاهدون املتطوِّ عون من الإخوان امل�سلمني يف حرب عام (‪1948‬م) �أنهم غنموا ّ‬
‫املورتر‪ ،‬ومل يكونوا ميلكون قاذفات لها‪ ،‬فلم ي�ستطيعوا اال�ستفادة منها‪� ،‬إال �أنهم فوجئوا يف اليوم التايل باملجاهد‬
‫بدائيـ ًا يدويّـ ًا َ�سهِ َر على �إعداده طوال الليل‪ ،‬وهكذا ا�ستفادوا مما غنموه‪ .‬ومن‬
‫(يو�سف طلعت) قد ابتكر قاذف ًا ّ‬
‫التاريخـيـة على جتاوز العقبات؛ ما كان من (القعقاع بن عمرو) َر ِ�ض َي اهلل عنه يف معركة القاد�سية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الـقـ�ص�ص‬
‫فر�سه عليه حتى �أَ ِلفَه و� َ‬
‫أ�صبح ال يخ�شى الفِ َيلة‪،‬‬ ‫ال (متثا ًال) ّ‬
‫ودر َب َ‬ ‫ف�صنع في ً‬
‫َ‬ ‫اخليل تنفر من الفِ َيلة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عندما وجدَ‬
‫ثخن فيها‪.‬‬
‫احلقيقية يف اليوم التايل‪ ،‬و�أن ُي َ‬
‫ّ‬ ‫وا�ستطاع �أن يهاجم به الفِ َيل َة‬
‫‪82‬‬

‫املركزية والالمركزية‪:‬‬
‫حتتاج احلركات الثورية �إىل ا�ستخدام املركزية يف بع�ض جوانب العمل املقاوم‬
‫حفاظ ًا على امل�سار وجناح العمل‪ ،‬وحتديداً يف القرارات اال�سرتاتيجية وال�سيا�سية‪،‬‬
‫فلي�س من احلكمة ترك قرارات وقف �أو �إنهاء ال�رصاع‪� ،‬أو تغيري �أ�س�س ومبادئ‬
‫العمل‪� ،‬أو قطع �أو و�صل عالقات خارجية‪� ،‬أو دخول مواجهات داخلية �أهلية‪،‬‬
‫ّ‬
‫تتحكم بها اخلاليا العاملة هنا وهناك‪.‬‬ ‫بقرارات ال مركزية‪،‬‬

‫بينما من ال�صواب ترك حرية العمل واالجتهاد لهذه اخلاليا يف الق�ضايا امليدانية‬
‫واليومية والروتينية‪ ،‬والتي تقع �ضمن ال�سيا�سة العامة والإطار العري�ض الذي‬
‫حددته القيادة‪ ،‬ف�إنْ كان القرار ال�سيا�سي بدخول ثورة م�سلحة‪ُ ،‬يـرتك للخاليا‬
‫ّ‬
‫حتدد املكان والزمان والكيفية التي تنفذ من خاللها هجماتها‪.‬‬
‫العاملة �أنْ ّ‬

‫تنمي‬
‫ت�شجع املبادرات الذاتية والفردية امل�ضبوطة‪ ،‬والتي ّ‬
‫بل �إن على القيادة �أنْ ّ‬
‫فاعليته و�إجنازاته وجناحاته‪ ..‬ومن هنا‪ ،‬ف�إننا نالحظ‬
‫ّ‬ ‫العمل وترتقي به وتزيد من‬
‫كمـ ًا كبرياً من العمل الفل�سطيني املقاوم يقع �ضمن دائرة اجلهود الفردية التي‬
‫�أنّ ّ‬
‫نفّذها �أبطا ُلها مبفردهم‪� ،‬أو تلك التي نفّذها �أو ابتد�أها الأفراد‪ ،‬ثم كان االت�صال‬
‫وقدم‪ ،‬ومن ثم كان االنخراط الع�سكري يف الإطار‬
‫بالتنظيم الذي �ساعد ووف َّـر َّ‬
‫احلركي‪.‬‬

‫وحترراً من القيود‬
‫�إن الالمركزية يف الأعمال اليومية ُيعطي العمل حيو ّي ًة ُّ‬
‫التقدم والإجناز‪ .‬ويف ذات الوقت‪ ،‬ف�إن هذه‬
‫البريوقراطية املعقّدة التي تُعيقه عن ّ‬
‫ا ّلالمركزية ال تعني بحال �أن ُيرتك للأطراف واخلاليا املتناثرة واملنت�رشة �أنْ ّ‬
‫حتد َد‬
‫م�سار العمل الثوري و�آلية �إنفاذه‪ ..‬وكلما كانت تلك الالمركز ّية متوافق ًة مع‬
‫‪83‬‬

‫قياداتها‪ ،‬متناغم ًة مع ما ي�صدر عن القيادة من قرارات‪ ،‬ف�إن ذلك ي�ساهم قطع ًا‬
‫يف �رسعة الإجناز‪ ،‬وجت ّنب الوقوع يف الأخطاء والأخطار‪.‬‬

‫�إذاً‪ ،‬فاملقاومة حتتاج �إىل املركزية على امل�ستوى اال�سرتاتيجي ال�سيا�سي‪ ،‬و�إىل‬
‫الالمركزية على امل�ستوى التكتيكي والإجرائي‪ ،‬وهذا ما امتازت به (حركة‬
‫حما�س) وذراعها الع�سكري (كتائب الق�سام)‪ ،‬ففي الوقت الذي كانت تعلن‬
‫فيه احلركة عن قبول هدنة م�رشوطة مع العدو‪ ،‬كان عنا�رصها ومقاتلوها هم‬
‫الأكرث ان�ضباط ًا والتزام ًا‪ ،‬ف�إذا انتهت الهدنة انطلقوا �إىل ميادين البطولة‪ ،‬وقد‬
‫�شهد لهم االحتالل ذاته على ذلك‪.‬‬

‫�رضب العدو يف نقاط �ضعفه‪:‬‬


‫�رضب العد ِّو يف نقاط �ضعفه‪ ،‬والرتكيز على �أطرافه ووحداته‬
‫ِ‬ ‫بد من‬
‫فال ّ‬
‫جتمعاته‬
‫املنف�صلة‪ ،‬ومراكزه النائية‪ ،‬وخطوط �إمداده وات�صاله‪ ،‬واالبتعاد عن ّ‬
‫الكبرية‪ ،‬ومواقعه احل�صينة‪ ،‬ومراكزه التي ي�صعب الو�صول �إليه فيها‪� ،‬إال يف‬
‫عمليات تندرج حتت �إطار العمل اال�ست�شهادي‪� ،‬أو يف حالة امتالك �أدوات توف ُِّـر‬
‫ٍ‬
‫للمقاومة النجاح يف ذلك‪.‬‬

‫ويف التجارب املعا�رصة‪ ،‬كان الف�شل الأول للثورة الكوبية يف (‪ 26‬متوز)‪،‬‬


‫ملحاولتها �رضب مع�سكر �ضخم يحوي بداخله �أكرث من �ألف جندي بعتادهم‪،‬‬
‫�إ�ضافة �إىل ما ميتلكه املع�سكر من ُد َ�ش ٍم ومتاري�س و�سالح ثقيل‪ ،‬بينما ال متلك‬
‫املهاجمة) �سوى ع�رشات الرجال الذين ال ميلكون من‬
‫ِ‬ ‫الثورة (القوة الثائرة‬
‫ال�سالح �إال �أخفّه و�أ�ضعفه‪ ،‬فانتهت الثورة عند ذلك الهجوم‪ ،‬واع ُتقل قائدها‪،‬‬
‫‪84‬‬

‫و ُق ِت َ‬
‫ـل العديد من رجالها‪ .‬يقول (ماو)‪« :‬ا�رضب ال�ضعيف دون خجل‪ ،‬واهرب‬
‫من القوي دون خجل!»‪.‬‬

‫املتحركة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ويف ثورتنا الفل�سطينية‪ ،‬كانت هذه القاعدة دافع ًا الختيار الأهداف‬
‫بالدور ّيات وال ّآليات والراجلة‪ ،‬والأهداف الثابتة املتم ّثلة باحلواجز‬
‫واملتم ّثلة ّ‬
‫الع�سكرية النائية‪ ،‬وبقيت عمليات اقتحام املع�سكرات ال�ضخمة احل�صينة مقت�رص ًة‬
‫�ضيق‪ ،‬وحتديداً يف قطاع غزة‪ ،‬لندرة الأهداف الأخرى هناك‪� .‬أما‬
‫على نطاق ّ‬
‫ال�ضفة الغربية فهي حمكومة بظروف خا�صة‪ ،‬مع ال�سعي الدائم الختيار املوقع‬
‫الأقل حت�صين ًا والأ�ضعف �أمن ًا بال �شك‪.‬‬

‫تفوقه يف حرب الع�صابات‪ ،‬ما دام حمافظ ًا على‬


‫العدو يحافظ على ّ‬
‫ّ‬ ‫علم �أنّ‬
‫ولي َ‬
‫ُ‬
‫تفوقها‪ ،‬ولذا ف�إن‬
‫قواته بد�أت ت�ضعف وتفقد ّ‬‫مبد�أ (تركيز القُوى)‪ ،‬ف�إذا تو ّزعت ّ‬
‫�سه َل على رجال‬
‫قواته‪َ ،‬لي ُ‬
‫فتتفرق ّ‬
‫ّ‬ ‫من �أهداف (اجلاريال) �أن جتعل العدو ينت�رش‪،‬‬
‫الع�صابات ا�ستهداف تلك القوات وا�صطيادها دون �أن ّ‬
‫تتمكن من الدفاع عن‬
‫نف�سها‪.‬‬

‫ويف �أر�ضنا الفل�سطينية‪ ،‬ا�ضطر جي�ش االحتالل ورغم ِ�صغ َِر م�ساحة الأر�ض‬
‫�إىل االنت�شار على م�ساحات وا�سعة‪ ،‬يف حماولة منه حلماية م�ستوطنيه وطرقه‬
‫االلتفافية‪ ،‬وملالحقة مطاردي وجماهدي املقاومة‪ ،‬فبالعودة �إىل �إح�صائية يف‬
‫ّ‬
‫(حزيران ‪2007‬م)‪ ،‬ف�إن �أرا�ضي ال�ضفة الغربية وحدها حتوي‪ )217( :‬ب�ؤرة‬
‫ا�ستيطانية‪ ،‬و(‪ )210‬قاعدة ع�سكرية‪ ،‬و(‪ )576‬حاجزاً ع�سكري ًا‪ ،‬و(‪ )800‬كم‬
‫أمر الذي ي�شري �إىل توفر عدد كبري جداً من الأهداف‬
‫من الطرق االلتفافية ‪ .‬ال ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫التطبيقية ـ �أرع‪ ،‬العدد ال�صادر يف ‪2007/6/5‬م‪.‬‬


‫ّ‬ ‫إح�صائية معهد الأبحاث‬
‫ّ‬ ‫‪� 1‬صحيفة القد�س‪� ،‬‬
‫‪85‬‬

‫التي ميكن �رضبها‪ ،‬وخ�صو�ص ًا �أن الكثري من هذه الأهداف �ضعيف �أمني ًا وي�سهل‬
‫الو�صول �إليه‪ ،‬وهذا ما جعل عدداً من ال�ضباط الع�سكريِّني يف اجلي�ش ال�صهيوين‬
‫ن�رش اجلي�ش ع�رشات احلواجز يف‬
‫يقدم احتجاجاته على �سيا�سة احلواجز‪ ،‬فقد َ‬
‫ّ‬
‫أمني ًا)‪ ،‬ف�أ�صبحت �صيداً �سه ً‬
‫ال لرجال املقاومة الذين ا�ستهدفوها‬ ‫مواقع (�ساقطة � ّ‬
‫ع�رشات املرات‪.‬‬

‫االهتمام بالقاعدة ال�شعبية‪:‬‬


‫عد من �أبرز عوامل النجاح يف احلركات الثورية على اختالف منطلقاتها‬
‫حيث ُي ّ‬
‫�شعبية عري�ضة داعمة‪ ،‬تتب ّنى موقفها‪ ،‬وت�أمتر‬
‫وتوجهاتها‪ ،‬قدرتُها على تكوين قاعدة ّ‬
‫ّ‬
‫ب�أمرها‪ ،‬وت�ساند م�سريتَها‪ ،‬وتوفّر لها ما يلزمها من خدمات وم�ساهمات‪.‬‬

‫فالقاعدة ال�شعبية هي م�صدر الإمداد الب�رشي‪ ،‬وذلك �أكرث ما ُيهِ ّم الثورة‬


‫ومنهجيتها �أعر�ض و�أو�سع؛ زا َد‬
‫ّ‬ ‫ويلزمها‪ ،‬فكلما كانت القاعدة امل�ؤمنة بالثورة‬
‫واملن�ضوين حتت لوائه والعاملني يف �صفوفه‪.‬‬
‫َ‬ ‫املتطوعني يف العمل الثوري‬
‫ّ‬ ‫عدد‬

‫والقاعدة ال�شعبية هي ال�ستار الذي ت ّتقي به احلركات الثورية يف اللحظات‬


‫ا َ‬
‫حل ِرجة‪ ،‬وحتتمي به يف حاالت الرتاجع‪ ..‬ففي (اجلاريال)‪ ،‬كان رجال الثورة يف‬
‫النهار فلاّ حني‪ ،‬ويف الليل مقاتلني‪ ،‬ويف (اجلاريال املدنية) يختفون يف �صفوف‬
‫ال�شعب في�صعب �ضبطهم‪.‬‬

‫اللوج�ستي الذي حتتاجه جميع القوى‬


‫ِّ‬ ‫إمداد‬
‫والقاعدة ال�شعبية هي قاعدة ال ِ‬
‫ومتويل لهم بالطعام واالحتياجات‪ ،‬وتزويدهم‬
‫ٍ‬ ‫املقاتلة‪ ،‬من �إيوا ٍء للمطاردين‪،‬‬
‫باملعلومات والتقارير‪...‬‬
‫‪86‬‬

‫ولذا‪ ،‬ف�إن اعتماد اجلاريال على القاعدة ال�شعبية مينحها فر�ص ًة �أطول لل�صمود‬
‫يف وجه الت�ضييق والقمع والتنكيل‪ .‬ففي الوقت الذي يكون فيه ال�شعب على‬
‫قناعة بحركات املقاومة ودورها و�أدائها و�أ�شخا�صها‪ ،‬ف�إنه يحتمل يف �سبيلها‬
‫الكثري‪ ،‬وهذا ما جعل ال�شعب يف قطاع غزة ي�صرب مع حركة (حما�س)‪ ،‬رغم‬
‫احل�صار والتجويع وانقطاع الرواتب وقلة ذات اليد‪.‬‬

‫جترتئ عليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن واجب املقاومة جتاه ال�شعب �أنْ تحُ ِ�س َن �إليه ال �أن‬
‫عليها �أن ت�شعر ب�شعوره‪ ،‬و�أن ت�سعى ّ‬
‫حلل �إ�شكاالته‪ ،‬و�أن توفر له احتياجاته‪ ،‬و�أن‬
‫�ض له بالأذى والرتهيب والتنكيل والإ�ساءة‪ ،‬فينظر‬
‫تتعر َ‬
‫تنقذه من �أزماته‪ ،‬و�أن ال ّ‬
‫�إليها بكراهية ونفور‪.‬‬

‫اعم واملموِّ َل‬ ‫ِّ‬


‫ت�شك َل القُوى الثائر ُة ّ‬
‫الد َ‬ ‫�إن من قواعد العمل الثوري �أن‬
‫لل�شعب‪ ،‬ال �أن تعتمد عليه بالتمويل املادي‪ ،‬فاملطلوب منها �أن توف َّر له املال‬
‫وهدم‬
‫ٍ‬ ‫قتل‬
‫يتكبدها يف الدفاع عن املقاومة؛ ِمن ٍ‬
‫يعو�ضه عن اخل�سائر التي ّ‬
‫الذي ّ‬
‫للمنازل وال�سجن وم�صادرة الأرا�ضي والأموال والت�ضييق يف �أبواب الرزق‪،‬‬
‫و�إال ف�إن ال�شعب ال ميكنه ال�صمود‪..‬‬

‫ال�ست الأوىل من انتفا�ضة‬


‫ّ‬ ‫لقد �أقدم االحتالل الإ�رسائيلي يف ال�سنوات‬
‫وهدم (‪ )4600‬منزل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قتل �أكرث من خم�سة �آالف فل�سطيني‪،‬‬
‫الأق�صى على ِ‬
‫واقتالع (مليون ون�صف مليون) �شجرة‪ ،‬وم�صادرة (‪� )600‬ألف دومن‪� ،‬إ�ضافة‬
‫�إىل �صنوف �أخرى من االعتداءات‪ ...‬فكيف �سي�صمد �أمامها ال�شعب بدون‬
‫(‪)1‬‬
‫وجود داعم خلفه يعينه على ال�صمود؟‬

‫‪ 1‬نف�س امل�صدر ال�سابق‪.‬‬


‫‪87‬‬

‫�شعبي قد يعي�ش‬
‫ٍّ‬ ‫تنظيم‬
‫ٍ‬ ‫نعم‪� ،‬إن علينا �أن ندرك �أن هناك فرق ًا بني جماع ٍة �أو‬
‫م�رصوفات وله َتبِعات‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مقاو ٍم م�س َّل ٍح يحتاج �إىل‬
‫عمل ِ‬‫على اال�شرتاكات‪ ،‬وبني ٍ‬

‫كذلك‪ ،‬ف�إن من واجب اجلاريال جتاه ال�شعب �أن ت�سعى �إىل تثقيفه و�إعداده‬
‫وت�أهيله وتوريثه الفكرة ال ّثور ّية والقناعة بها‪ ،‬لكي يبدي اال�ستعداد للت�ضحية‬
‫َّ‬
‫ت�ضمحل وتتال�شى‪،‬‬ ‫بها‪ ،‬وبدون هذا التثقيف ف�إن اجلماعات املقاتلة ال تلبث �أنْ‬
‫املنابع الّتي ّ‬
‫تغذيها بالرجال الذين ي�ضمنون لها احلياة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فال جتد‬

‫تغر�سها يف نفو�س‬
‫َ‬ ‫�إن من �أهم الأمور التي يجب على قُوى املقاومة �أن‬
‫ال�شعب؛ هو كراهية االحتالل‪ ،‬والقناعة ب�رضورة �إزالته‪ ،‬فهي �أهم �أ�سباب‬
‫ات متالحق ٍة تبع ًا لهذه القناعة‪،‬‬
‫بهب ٍ‬
‫انتف�ض ال�شعب الفل�سطيني ّ‬
‫َ‬ ‫النجاح‪ ..‬ولقد‬
‫قر َر‬ ‫فلم تكن هذه القناعة �شديد َة ّ‬
‫الر�سوخ يف مطلع عقد الثمانينات‪ ،‬وعندما ّ‬
‫غر�سها يف نفو�س ال�شعب‪ ،‬بد�أت معاين اجلهاد والوطنية وحب‬ ‫املجاهدون َ‬
‫وتدعمت هذه املعاين بع�رشات املجازر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتجذر يف نفو�س املواطنني‪،‬‬ ‫الأوطان‬
‫قتل و�إبعادٍ واعتقالٍ وم�صا َدرة‪ ،‬فانتف�ض ال�شعب‬
‫ال�صهيونية واجلرائم املتنوعة من ٍ‬
‫العدو ال ّنج�س‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفل�سطيني الطاهر يف وجه خمرز‬
‫ُّ‬ ‫الكف‬
‫ُّ‬ ‫ووقف‬
‫َ‬ ‫على جلاّ ده‪،‬‬
‫ظروف غاية يف‬
‫ٍ‬ ‫مر به �شعبنا من‬
‫وا�ستمرت االنتفا�ضة �سنوات طويلة رغم ما ّ‬
‫ّ‬
‫الق�سوة وال�شدة والأمل‪.‬‬

‫ومن الأمثلة العاملية على جناح الثورات بف�ضل االلتفاف اجلماهريي حولها‪:‬‬
‫(الثورة الإ�سالمية يف �إيران)‪ ،‬فقد انتظم ال�شعب يف م�سريات ومظاهرات‬
‫بطلب من قائد الثورة (ا ُ‬
‫خلميني) من منفاه يف بريطانيا‪ ،‬عرب‬ ‫ٍ‬ ‫حا�شدة ومتوا�صلة‪،‬‬
‫�سجلة ب�صوته‪ ،‬حتى ُعرفت الثورة الإيرانية ب ِـ(ثورة الكا�سيت)‪..‬‬
‫كا�سيتات ُم َّ‬
‫حداً عجيب ًا‪ ،‬وكانت �سبب ًا رئي�س ًا يف الن�رص‪.‬‬
‫ولقد بلغت هذه الطاعة واالن�ضباط ّ‬
‫‪88‬‬

‫ويف املقابل‪ ،‬ف َِ�ش َل املنا�ضل البولويف (ت�شي جيفارا) يف نقل الثورة من (كوبا)‬
‫�إىل (بوليفيا)‪ ،‬فقد انتقل مع بع�ض رفاقه �إىل جبال (بوليفيا)‪ ،‬وبد َ�أ العمل الثوري‪،‬‬
‫�إال �أنه مل ي�ستطع ك�سب ثقة وت�أييد ال�شعب‪ ،‬فا�ستطاعت القوات احلكومية النيل‬
‫منه وقتله بعد �أقل من عام على �إعالن الثورة التي انتهت مبقتله‪.‬‬

‫الف�شل ال يعني الي�أ�س‪:‬‬


‫البد للثائر من الإميان املطلق ب�أن حرب الع�صابات هي حرب ال ّنـفَ�س الطويل‬
‫والع�ض على الأ�صابع‪ ،‬ينجح فيها الطرف الذي ُيبدي �صرباً و�صموداً وج َلداً‬
‫ّ‬
‫�أكرب‪ .‬وعلى الثائر �أن ي�ؤمن ب�أن هذا الهدف ال�سامي الذي يبغي بلوغَ ه ال ميكن‬
‫تراكمي ٍة حتق ُّق‬
‫ّ‬ ‫�أن يتحق َّق بلمح الب�رص‪� ،‬أو ب�رضب ٍة واحدة‪ ،‬بل هو نتاج �أعمالٍ‬
‫تعر�ضت القوى الثائرة لنك�س ٍة �أو �رضبة‪ ،‬ف�إن ذلك ال يعني‬
‫الهدف املن�شود‪ ،‬ف�إذا ّ‬
‫النهاية‪ ،‬وال يعني الي�أ�س والقنوط �أو ال�شعور بالعجز وعدم القدرة على الفعل‪،‬‬
‫بل يجب �أن تعني جتديد الهمة‪ ،‬واالنطالق بخربة جديدة م�ستقاة من ع�صارة‬
‫وعي �إ�ضايف‪ ،‬يهدف �إىل‬
‫ناجم عن ٍ‬
‫ٌ‬ ‫تلك التجربة‪ ،‬والعمل بحر�ص �شديد‪ ،‬وهذا‬
‫عدم ال�سقوط فيما �سبق‪.‬‬

‫إحباط �أو‬
‫و�إذا �سمحت القوى الثائرة لنف�سها �أو لعنا�رصها ب�أن تدخل مرحل َة � ٍ‬
‫تقد ٍم‬
‫تقهقر يف ميدانٍ �أو ُّ‬
‫ٍ‬ ‫جزئي �أو‬
‫ٍّ‬ ‫ف�شل‬
‫مو�ضعي ٍة �أو ٍ‬
‫ّ‬ ‫ناجت عن هزمي ٍة‬
‫�ضغط ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ي� ٍأ�س �أو‬
‫للعدو‪ ،‬فتلك �إذاً هي بداية النهاية‪� ..‬أما �إذا انطلقت الثورة بعزمي ٍة ّ‬
‫متقدم ٍة و�إ�رصارٍ‬
‫تثبت املبد�أ القائل‪« :‬ال�رضبة التي ال تمُ ي ُتنا ُ‬
‫تزيدنا قوة»‪.‬‬ ‫وت�صميم؛ ف�إنها ّ‬
‫هذا املبد أ� ينطبق على كل مهمة وعمل‪ ،‬حتى �إن العا ِلـم امل�شهور (توما�س‬
‫‪89‬‬

‫�أدي�سون) �أجرى �ألف جتربة لإنتاج م�صباحه الكهربائي‪ ،‬وكانت نتيجتها جميع ًا‬
‫الف�شل‪ ،‬حتى ا�ستطاع يف النهاية �إنتاج هذا االخرتاع الرائع الذي خ َّل َد ا�سمه يف‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫�أما يف الثورات العاملية؛ ففي املدر�سة الكوبية‪ ،‬ف َِ�ش َل القائد (فيدل كا�سرتو)‬
‫ح�صل‪ ،‬واع ُتقل هو وعدد من رفاقه‪ ،‬وقُتل‬
‫يف هجوم (‪22‬متوز)‪ ،‬ل�سوء تقدير َ‬
‫�آخرون‪ ،‬وانتهت الثورة‪� ..‬إال �أن القائد (كا�سرتو) مل يي�أ�س‪ ،‬بل �سارع فور‬
‫بلده‪ ،‬طارداً‬
‫خروجه من ال�سجن �إىل جمع فلوله وم�ؤ ّيدي ِفكره ليعو َد فاحت ًا َ‬
‫احلكومة العميلة من �أر�ضه‪.‬‬

‫هذه القاعدة مت ّثل �إجاب ًة وجت�سيداً ملبد أ� �أ�سا�سي تخ�ضع له جميع �أ�شكال حروب‬
‫الع�صابات‪ ،‬وهو مبد�أ (ا�سرتاتيجية اال�ستنزاف)‪ ،‬والت�أثري الرتاكمي للهجمات‬
‫عدوها ب�رضبة واحدة‪� ،‬أو حتى‬
‫الناجحة املحدودة‪ ،‬فال ميكن للجاريال �أن تهزم ّ‬
‫ب�سل�سلة �رضبات ومعارك حمدودة‪ ،‬بل �إنّ زمن ًا طوي ً‬
‫ال من العمل الد�ؤوب‪،‬‬
‫وال�رضبات املتوالية‪ ،‬واجلهود َّ‬
‫املركزة‪ ،‬وال�صرب دون ي�أ�س‪ ،‬وجتاوز العقبات‪ ،‬هذا‬
‫وح�سم احلرب ل�صالح املقاومة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هو الكفيل بالن�رص على االحتالل‪،‬‬

‫فخر َج � ُ‬
‫أبطال‬ ‫مار�س املجاهدون املثابرة وعدم الي�أ�س كثرياً‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ويف امليدان‪،‬‬
‫خلية (�صوريف) ع�رشات الطلعات اجلهادية بحث ًا‪ ،‬حتى ّ‬
‫متكنوا من خطف‬
‫اجلندي (�شارون �أدري)‪ ،‬و�ص ّن َع مهند�سو كتائب الق�سام ع�رشات النماذج من‬
‫ال�صواريخ‪ ،‬و�أجروا عليها ع�رشات التجارب‪ ،‬حتى خرج ال�صاروخ �إىل حيز‬
‫الوجود‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫التفريق بني اال�سرتاتيجية والتكتيك‪:‬‬


‫متيـ َز (اجلاريال) بني الأهداف اال�سرتاتيجية العامة‪ ،‬والتكتيكية‬
‫بد من �أن ّ‬
‫ال ّ‬
‫امل َّتبعة‪ ،‬هذا التفريق يتيح لها التم�سك بحقوقها واالرتباط بثوابتها‪ ،‬ويف ذات‬
‫الوقت‪ ،‬ف�إنه يعطيها القدرة على التفاعل مع الأحداث والتجارب‪ ،‬والت�أقلم‬
‫مع املتغريات‪ ،‬وال�سري يف حقل الأ�شواك الذي يعرت�ضها‪ ،‬ويج ّنبها الكثري من‬
‫الإ�شكاالت‪ ،‬ويجيب على الت�سا�ؤالت‪ ،‬وي�سمح لها با�ستخدام كل ما هو‬
‫ممكن‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية حترير‬
‫ّ‬ ‫متيـ ُز حركة (حما�س) بني‬
‫ففي مقاومتنا الفل�سطينية‪ِّ ،‬‬
‫مرحلية التحرير واجلاهز ّية لت�س ّلم‬
‫ّ‬ ‫فل�سطني كلها من بحرها �إىل نهرها‪ ،‬وبني‬
‫ا�سرتاتيجية‬
‫ّ‬ ‫وفرقت حما�س بني‬
‫�أي �شرب يخرج منه االحتالل‪ ،‬كما يف (غزة)‪ّ ..‬‬
‫وم�رشوعية العمل لطرد االحتالل‪ ،‬وبني تكتيك‬
‫ّ‬ ‫احلق يف املقاومة بكل �أ�شكالها‪،‬‬
‫اختيار الأ�سلوب الأمثل للمقاومة الذي تواجه به االحتالل‪ ،‬والذي يتنا�سب مع‬
‫املرحلة وظروفها‪.‬‬

‫وب�صيغ ٍة �أخرى‪ ،‬هو تفريق وتوفيق بني الثابت واملتغري؛ ثابت املقاومة ومتغري‬
‫الأ�سلوب‪ ،‬ثابت ال�سعي يف التحرير ومتغري القبول بالهدنة امل�ؤقّتة ذات الأهداف‬
‫املحددة‪.‬‬
‫َّ‬

‫***‬
‫‪91‬‬

‫العمل‬
‫الفل�سطيني‬
‫ّ‬
‫املقـاوم‬
92
‫‪93‬‬

‫العمل الفل�سطيني املقاوم‬

‫ـب مقاتليها املواجهة‬


‫تعتمد القوى الثائرة يف عملها على �أ�ساليب تُـج ِّن ُ‬
‫املبا�رشة والوا�سعة‪ ،‬مما يحقّق لها مبد أ� املباغتة الذي حتتاجه‪..‬‬

‫لتنق�ض من‬
‫َّ‬ ‫ال�رسية‪،‬‬
‫فهي تعتمد خيار الكمائن‪ ،‬والتي ت ُِع ُّدها حماط ًة بكل ّ‬
‫خاللها على عدوها ب�صورة تُفقده القدرة على رد الفعل‪ ،‬فتمتلك هي حينها‬
‫زمام املبادرة‪ ،‬وتُثخن فيه‪ ،‬ثم تن�سحب �إىل م�أمنها‪ .‬وال�شكل الذي يتنا�سب مع‬
‫الكمائن‪ ،‬هو ال�رضب من موقع ثابت نحو هدف متحرك‪.‬‬

‫وهي تعتمد الهجوم املباغت‪ ،‬ف ُت ِع ُّـد مقاتليها مبا يلزم‪ ،‬ومبا ينا�سب املهمة من‬
‫�سالح وعتاد‪ ،‬لينفّذوا هجوم ًا مباغت ًا على الهدف الذي �سبق �أن ّمت ر�صده؛ ثابت ًَا‬
‫كان �أم متحرك ًا‪ .‬و ُي�شرتط يف مثل هذا الهجوم ال�رسعة و ِق�صرَ ّ‬
‫مدة التنفيذ‪ ،‬و�أن‬
‫مهمتها‪ ،‬ثم تعود �أدراجها �إىل‬
‫تكون طريقة االن�سحاب مر�سومة‪ ،‬فتنجز اخللية ّ‬
‫مكمنها‪.‬‬

‫وهي تعتمد اال�ستدراج‪ ،‬والذي يخدم طريقة الكمائن‪� .‬سواء كان اال�ستدراج‬
‫يتحرك بناء عليها‬
‫ّ‬ ‫مبا�رشاً؛ عرب �إي�صال معلومات ا�ستخبار ّية مغلوطة �إىل العدو‬
‫حتددها املقاومة‪ ،‬فيكون الكمني جاهزاً لالنق�ضا�ض على الهدف‪� .‬أو‬
‫�إىل نقطة ّ‬
‫ا�ستدراج ًا غري مبا�رش‪ ،‬وذلك بتوجيه �رضبات تكتيكية تهدف �إىل �إغرائه ّ‬
‫بتتبع �أثر‬
‫‪94‬‬

‫املجاهدين‪ ،‬وحماولة الّلحاق بهم‪ ،‬وعندئذ يكون املقاتلون باملر�صاد‪.‬‬

‫وقد مار�س ال�شعب الفل�سطيني جميع �أ�شكال املقاومة التي َ‬


‫ملك �أدواتها‪،‬‬
‫ال�سلبية وتعري�ض �صدره العاري لنريان‬
‫ّ‬ ‫وتوفرت �إمكاناتها‪ ،‬بدءاً من املقاومة‬
‫عدوه‪ ،‬و� ً‬
‫صوال �إىل حتويل ج�سمه �إىل قنبلة ا�ست�شهادية‪ ،‬تنفجر بعدوها فتقتله‪.‬‬
‫�أما �سالح هذا ال�شعب‪ ،‬فهو كل ما وقعت عليه يده؛ من �سالح �أبي�ض �أو ناري‬
‫ـق عنه ذهن املقاومة من عمل ا�ستخباري �أو‬
‫متفجر‪ ،‬وكل ما تف ّت َ‬
‫�أو �صاروخي �أو ّ‬
‫ا�ست�شهادي‪ ،‬وكل جهد وجهاد؛ �سواء كان من حتت الأر�ض بالأنفاق‪� ،‬أو فوق‬
‫الأر�ض بالهجمات‪� ،‬أو يف اجلو باملقذوفات‪ ،‬حتى ّ‬
‫غطى العمل املقاوم م�ساح ًة‬
‫وا�سع ًة من �أ�ساليب حرب الع�صابات احلديثة‪.‬‬

‫***‬
‫‪95‬‬

‫�أ�شكال هجمات املقاومة‬

‫�أوالً‪ :‬املقاومة ال�شعبية‪:‬‬


‫فقد انطلقت اجلماهري الفل�سطينية وقواها املقاومة يف ثورة �شعبية عارمة‬
‫نهاية عام (‪1987‬م)‪ ،‬كان هذا االنفجار قوي ًا لدرجة �أن كافة قطاعات ال�شعب‬
‫�شاركت فيه‪ ،‬فلم ميلك االحتالل �أن ينهيه �أو يح�سمه على الرغم من اجلهود التي‬
‫بذلها جي�شه يف قمع ال�شعب واالنتفا�ضة‪.‬‬

‫لقد انطلق ال�شعب مبا ميلكه من �إمكانات بدائية ب�سيطة؛ بدءاً باحلجر الذي‬
‫واعت�صامات‬
‫ٍ‬ ‫ومظاهرات‬
‫ٍ‬ ‫م�سريات‬
‫ٍ‬ ‫م ّثل رمز ال�شعب واملرحلة‪ ،‬وما رافقه من‬
‫عدوه �إىل‬
‫ا�ضطرته احلاج ُة �إىل �إيالم ّ‬
‫ّ‬ ‫ؤمترات ومهرجانات‪ ...‬ثم‬
‫إ�رضابات وم� ٍ‬
‫ٍ‬ ‫و�‬
‫َ‬
‫فدخل مرحلة حرب ال�سكاكني التي �أعلنت‬ ‫�أن يبحث عن �أدوات �أكرب �أ َثراً‪،‬‬
‫عنها حركة حما�س يف (‪1995/10/15‬م)‪ ،‬وكان �أول املنت�سبني �إليها املجاهد‬
‫(عامر �أبو �رسحان)‪ ،‬وتبعته القافلة ترتى‪.‬‬

‫ثم وا�صل ال�شعب الفل�سطيني عطاءه وم�سريته؛ فا�ستخدم ال ّزجاجات‬


‫احلارقة‪ ،‬وا�ستخدم �أ�سلوب حوادث ال�سيارات‪ ،‬كما فعل املنا�ضل (عبد الهادي‬
‫غنيم)‪ ،‬واملجاهد (راتب زيدان)‪ ،‬واملجاهد (خليل �أبو علبة)‪ ،‬وغريهم(‪.)1‬‬

‫‪ 1‬املنا�ضل (عبد الهادي غنيم) من حركة فتح‪ ،‬قام بعمل حادث يف حافلة يقودها وي�ستق ّلها عد ٌد من اليهود‪َ ،‬‬
‫فقتل‬
‫�صهيونياً‪ .‬واملجاهد (راتب زيدان) من حركة حما�س قام بده�س عدد من ال�صهاينة املتوقّفني على‬
‫ّ‬ ‫منهم (‪)15‬‬
‫ب�سيارته َ‬
‫فقتل منهم ثالثة‪ .‬واملجاهد (خليل �أبو علبة) قام بده�س جنود �صهاينة على جانب الطريق‪،‬‬ ‫حافّة الطريق ّ‬
‫َ‬
‫فقتل منهم ثمانية‪ ،‬وهو من حركة اجلهاد الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪96‬‬

‫كذلك فقد ا�ستخدم ال�شعب الفل�سطيني �أ�سلوب (التخريب َّ‬


‫املنظم)‪ ،‬وذلك‬
‫ب�رسقة ال�سيارات‪ ،‬و�إحراق و�إتالف بع�ض املزروعات واملمتلكات‪ ،‬واملثل الذي‬
‫�سبق ذكره و�أ�شار �إىل اعرتاف االحتالل ب�أن ‪� 30‬ألف �سيارة �إ�رسائيلية تُ�رسق‬
‫َ‬
‫�سنوي ًا‪ ،‬ي� ّؤكد على انتهاج هذا الأ�سلوب على نطاق وا�سع(‪.)1‬‬

‫وغريها حال ًة من ُّ‬


‫الذعر واال�ضطراب‬ ‫ُ‬ ‫املقاوم ُة‬
‫ِ‬ ‫ولقد �أحدثت هذه الأ�شكال‬
‫أفقدتْه �أم َنه وقطعت خطوط‬
‫يف �صفوف االحتالل وقطعان م�ستوطنيه‪ ،‬فقد � َ‬
‫م�ستوطناته‪ ،‬و�أنزلت به خ�سائر ما ّدية كبرية‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل بع�ض اخل�سائر الب�رش ّية‬
‫املحدودة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬عمليات �إطالق النار‪:‬‬


‫وهي �أول �أ�شكال املقاومة امل�س ّلحة التي انتهجها جماهدو فل�سطني منذ انطلق‬
‫العمل الفل�سطيني املقاوم‪ ،‬مع دخول الأفواج الأوىل لال�ستعمار الإجنليزي مطلع‬
‫القرن الع�رشين‪ ،‬ثم مع ا�ستفحال ال�رسطان اال�ستيطاين اليهودي‪.‬‬

‫وتطور مع تطور ال�سالح وتوفره ب�أيدي املجاهدين‪،‬‬


‫َ‬ ‫توا�صل هذه النموذج‬
‫فكان النموذج الأكرث ا�ستخدام ًا و�شيوع ًا‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف املراحل التي َّ‬
‫�شح‬
‫فيها ال�سالح التفجريي نظراً لق ّلة الإمكانات املادية‪ ،‬وانعدام اخلربات الب�رشية‪،‬‬
‫و�ضعف التقنيات الإعدادية‪.‬‬

‫وبقيت عمليات �إطالق النار مرت ّبع ًة على َ�ص َدارة عمليات املقاومة من حيث‬
‫العدد حتى يومنا هذا‪ ،‬على الرغم من وجود كافة �أنواع و�أ�شكال العمليات‬

‫‪ 1‬قناة (�إ�رسائيل الثّانية)‪ ،‬يف بثّها يوم ‪2005/2/22‬م‪.‬‬


‫‪97‬‬

‫الأخرى‪ .‬وقد �أوردت قناة (�إ�رسائيل الأوىل) بتاريخ (‪2005/2/8‬م) تقريراً‬


‫�إح�صائي ًا لعدد عمليات املقاومة يف ال�سنوات الأوىل النتفا�ضة الأق�صى‪ ،‬فكان‬
‫عدد عمليات �إطالق النار (‪ )13730‬عملية‪ ،‬مقابل (‪ )138‬عملية ا�ست�شهادية‬
‫تفجريية‪� ،‬أي بن�سبة (‪� )1‬إىل (‪.)1()99‬‬

‫ومع �أحداث االنتفا�ضة الأوىل‪ ،‬برزت عمليات �إطالق النار بكثافة‪،‬‬


‫خ�صو�ص ًا مع انبثاق جنم حما�س‪ ،‬ثم بروز جناحها الع�سكري كتائب ال�شهيد‬
‫عز الدين الق�سام يف عام (‪1991‬م)‪ ،‬فكان �أ�سود املقاومة ال�شهداء (يا�رس‬
‫النمروطي‪ ،‬ويا�رس احل�سنات‪ ،‬وطارق دخان‪ ،‬و�إخوانهم‪ ،)...‬ثم ملع جنم ال�شهيد‬
‫القائد (عماد عقل) يف عام (‪1992‬ـ‪1993‬م) بعد �أن �أبدع وابتكر و�أجنز على‬
‫هذا ال�صعيد‪ ،‬لي�صبح �أحد �أعالم املرحلة وعناوينها البارزة‪ ،‬وا�ستحق لقب (�أ�سد‬
‫فل�سطني املل َّثم)‪.‬‬

‫ثم برز املجاهدون ال�شهداء؛ (حممد عزيز ر�شدي)‪ ،‬و(جميل وادي)‪،‬‬


‫عدوهم‬
‫�صوبوا بنادقهم �إىل �صدور ّ‬
‫الق�ساميني الذين ّ‬
‫و(عو�ض �سلمي)‪ ،‬وع�رشات ّ‬
‫قوم م�ؤمنني‪.‬‬
‫ف�أثخنوا فيه‪ ،‬و�شفوا �صدور ٍ‬
‫ولقد ا�ستطاعت عمليات �إطالق النار �أن توقع يف �صفوف االحتالل‬
‫�إ�صابات مبا�رشة وخ�سائر ب�رشية‪ ،‬بعد �أن كانت خ�سائره يف املقاومة ال�شعبية‬
‫ومع�سكرات‬
‫ٍ‬ ‫تتحدث عن جنودٍ تتهاوى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حمدود ًة جداً‪ ،‬وبد�أت و�سائل الإعالم‬
‫وهجمات تتواىل وتك ُرث بعددٍ � َّأر َق االحتالل َ‬
‫وتركه‬ ‫ٍ‬ ‫ومركبات تُ�رضب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تُهاجم‪،‬‬
‫يف حري ٍة من �أمره‪ ،‬فقُطعت الكثري من خطوط امل�ستوطنات والطرق االلتفافية‪،‬‬
‫ا�ضطر االحتالل �إىل ن�رش مئات احلواجز الع�سكرية ونقاط املراقبة‪ ،‬الأمر الذي‬
‫َّ‬ ‫مما‬

‫‪ 1‬قناة (�إ�رسائيل الأوىل)‪ ،‬يف بثّها يوم ‪2005/2/8‬م‪.‬‬


‫‪98‬‬

‫�أوجد �أهداف ًا جديد ًة �سهل َة اال�صطياد‪ّ ،‬‬


‫ومك َن املقاومة من ا�ستهدافها و�رضبها!‬

‫ومن االمتيازات التي يراها البع�ض لعمليات �إطالق النار‪� ،‬أنها تُخرج املقاومة‬
‫َت�سب ُب به العمليات اال�ست�شهادية‪ ،‬التي قد تَظهر بنظر العامل‬
‫احلرج الذي قد ت َّ‬
‫من َ‬
‫�أنها عمليات �إرهابية‪ ،‬وت�أخذ �صدى �إعالمي ًا وا�سع ًا‪.‬‬

‫كما �أن ر ّدة فعل االحتالل على العمليات اال�ست�شهادية عاد ًة ما تفوق مثيلتها‬
‫من عمليات �إطالق النار‪� ،‬إذ قد ي�صل الأمر �إىل �إ�صدار قرارات االغتيال بحق‬
‫ال�سيا�سيني كر ٍّد على العمليات اال�ست�شهادية يف العمق ال�صهيوين‪ ،‬كما‬
‫ّ‬ ‫القادة‬
‫حدث مع القادة ال�شهداء؛ ال�شيخ �أحمد يا�سني‪ ،‬والدكتور عبد العزيز الرنتي�سي‪،‬‬
‫واملهند�س �إ�سماعيل �أبو �شنب‪ ،‬والدكتور فتحي ال�شقاقي‪...‬‬

‫وتعددت تبع ًا لطبيعة‬


‫ّ‬ ‫تنوعت‬
‫�أما �صور و�أ�شكال عمليات �إطالق النار فقد ّ‬
‫الهدف‪ ،‬واملوقع‪ ،‬ونوعية ال�سالح‪ ،‬واملهمة املطلوبة‪ .‬وميكن �أن تتلخ�ص بالآتي‪:‬‬

‫متحرك‪:‬‬
‫�أ ـ ال�رضب من موقع ثابت نحو هدف ّ‬
‫وذلك ب�أنْ يتمركز املجاهدون ب�أ�سلحتهم النارية يف نقطة ثابتة؛ انتظاراً‬
‫ر�صده‪ ،‬ك�سيارة جيب ع�سكري‪� ،‬أو م�ستوطن �صهيوين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫�سبق‬
‫متحرك َ‬
‫ّ‬ ‫لهدف‬
‫�أو حافلة ّ‬
‫ركاب �إ�رسائيلية‪ ،‬ثم االنق�ضا�ض عليها بقوة و�رسعة‪ ،‬وال َّنيل منها‪ ،‬ثم‬
‫االن�سحاب من املكان قبل و�صول تعزيزات العدو‪ ،‬والعودة �إىل نقطة الأمان‪.‬‬

‫ب ـ ال�رضب من موقع ثابت نحو هدف ثابت‪:‬‬


‫حاجز ع�سكري‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مع�سكر �صهيوين‪� ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫ويقوم ذلك على االنق�ضا�ض على‬
‫جتم ٍع ا�ستيطاين‪� ،‬أو � ِّأي هدف ثابت‪ ،‬ومباغتته وهو يف غفلة من �أمره‪ ،‬فيكون‬
‫�أو ّ‬
‫‪99‬‬

‫االنق�ضا�ض من نقطة ارتكاز �آمنة توف ُِّـر للمجاهدين اال�ستتار الذي يحافظ على‬
‫عن�رص املباغتة واالحتماء من ر ّدة فعل العدو‪ ،‬ثم ي�سارع املجاهدون بعد تنفيذ‬
‫املهمة �إىل االن�سحاب‪.‬‬

‫متحرك‪:‬‬
‫متحرك نحو هدف ِّ‬
‫ج ـ ال�رضب من موقع ِّ‬
‫وهي العمليات التي تعارف عليها املجاهدون ا�صطالح ًا بـ (عمليات‬
‫التجاوز)‪ ،‬وخري من ا�ش ُتهر بها ال�شهيد (عماد عقل)‪ ،‬حيث كان � ّأو َل من‬
‫َّ‬
‫ت�ستقل اخللي ُة �سيار ًة مدنية‪ ،‬ثم تعمد �إىل‬ ‫بد�أَها‪ .‬وتقوم عمليات التجاوز على �أنْ‬
‫مالحقة �إحدى �سيارات االحتالل الع�سكرية �أو املدنية دون �أنْ ت�شعر‪ ،‬وعندما‬
‫�سائق �سيارة املجاهدين بال�رسعة الق�صوى ليتجاوز‬
‫حتني الفر�ص ُة املنا�سبة‪ ،‬ينطلق ُ‬
‫ال�سيارتان متوازي َتني؛ ُي ِط ُّل املجاهدون‬
‫الهدف‪ ،‬ويف اللحظة التي ت�صبح فيها ّ‬
‫�سيارتهم‪ُ ،‬فيفرغون ما معهم من ر�صا�ص يف ال�سيارة‬
‫ب�سالحهم من نوافذ ّ‬
‫�سريهم يف طريق االن�سحاب‪ .‬مع مالحظة‬ ‫امل�ستهدفة ّ‬
‫وركابها‪ ،‬ثم يوا�صلون َ‬ ‫َ‬
‫�إمكانية �أنْ يكون التنفيذ وجه ًا لوجه‪ ،‬ولي�س بالتجاوز‪.‬‬

‫متحرك نحو هدف ثابت‪:‬‬


‫د ـ ال�رضب من موقع ِّ‬
‫أقل �أ�شكال الهجمات امل�س َّلحة ا�ستخدام ًا و�شيوع ًا‪،‬‬
‫وقد يكون هذا ال�شكل � َّ‬
‫وعاد ًة ما يكون الهدف يف هذه احلالة حاجزاً ع�سكري ًا‪� ،‬أو دوري ًة راجلة‪� ،‬أو‬
‫�سياراتهم‬
‫�صهاينة يتواجدون على حمطة ركاب‪ ،‬فيهاجمهم املجاهدون من داخل ّ‬
‫ُفيجهزون عليهم‪ ،‬ثم ين�سحبون نحو نقطة الأمان‪.‬‬
‫‪100‬‬

‫هـ ـ القن�ص‪:‬‬
‫وهو من �أ�ساليب املقاومة قليلة اال�ستخدام‪ ،‬وذلك لأنه يحتاج �إىل مهارة‬
‫بالتدرب عليها‪ ،‬وقبل ذلك َ‬
‫ملك موهب ًة‬ ‫ّ‬ ‫خا�صة ال ميلكها �إال من اجتهد‬
‫ملمار�ستها‪ .‬وميتاز هذا الأ�سلوب ب�أنه ال يحتاج �إىل الكثري من الرجال وال�سالح‪،‬‬
‫كما �أنه ال يحوي ن�سبة خماطر ٍة عالية تُعيق الق ّنا�ص‪.‬‬

‫وقد ا�ستخدمته املقاومة العراقية ب�شكل وا�سع‪ ،‬فا�شتهر (ق ّنا�ص بغداد) الذي‬
‫عمليا ِته وب ّثها عرب‬
‫ّ‬ ‫وحلفاءهم‪ ،‬وقام بت�صوير‬
‫َ‬ ‫أمريكيني‬
‫ّ‬ ‫�أردى مئات اجلنود ال‬
‫الإعالم‪ّ ،‬‬
‫ف�شكلت �إهان ًة و�صفع ًة للجي�ش الأمريكي وجنوده‪ .‬بينما مل ت�ستخدمه‬
‫املقاومة الفل�سطينية على نطاق وا�سع‪ ،‬و�أبرز و�أجنح عمليات املقاومة الفل�سطينية‬
‫بهذا الأ�سلوب هي عملية (عيون احلرامية) البطولية‪ ،‬وكان بطلها وفار�سها (ثائر‬
‫حماد) من حركة فتح‪ ،‬وقد �أثمرت عمليته تلك عن �أحد ع�رش قتي ً‬
‫ال �صهيوني ًا‪،‬‬
‫دون خ�سائر يف املقابل‪ ،‬فكانت من �أكرث العمليات جر�أ ًة وقوة‪.‬‬

‫متفرق‪،‬‬
‫وقد جنحت كتائب الق�سام يف قن�ص عددٍ من جنود االحتالل ب�شكل ّ‬
‫خ�صو�ص ًا يف حميط قطاع غزة‪ ،‬ومنها ما ب ّثته عرب �رشيط تلفزيوين َّ‬
‫م�صور‪ ،‬يف �شهر‬
‫أ�يّار من العام ‪2007‬م‪ ،‬حيث ا�ستطاعت قتل �أحد جنود االحتالل املتمركزين‬
‫على ظهر د ّبابة �صهيونية تقف على حدود قطاع غزة‪.‬‬

‫ونلفت �إىل �أن ال�سالح الناري ا�ستخدم يف معظم �أ�شكال املقاومة الأخرى‪،‬‬
‫�سواء يف االغتياالت �أو عمليات اخلطف �أو يف حرب الأنفاق‪ ،‬بل �إنّ بع�ض‬
‫يتوجهون لتنفيذ عملية ا�ست�شهادية تفجريية‪ ،‬كانوا‬‫ّ‬ ‫املجاهدين الذين كانوا‬
‫ي�صطحبون معهم �سالح ًا نار ّي ًا �صغرياً ال�ستخدامه وقت احلاجة‪.‬‬
‫‪101‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عمليات التفجري‪:‬‬


‫التطور الأبرز‬
‫ّ‬ ‫�شكلت عمليات التفجري‪� ،‬سيما العمليات اال�ست�شهادية‪،‬‬‫ّ‬
‫والقفزة ال ّنوعية يف تاريخ العمل الفل�سطيني املقاوم‪ ،‬فقد �أ�صبحت عمليات‬
‫خم احلقيقي لها‪ ،‬و�صاحب َة احل�صيلة‬ ‫التفجري ب�أ�شكالها عنوانَ املقاومة‪ ،‬وال ّز َ‬
‫الكربى يف �إيقاع اخل�سائر والأ�رضار الب�رشية واملادية‪ ،‬والت�أثري الأكرب على العدو‬
‫جميع �أ�صناف الأهداف الإ�رسائيلية‪.‬‬
‫َ‬ ‫عمليات التفجري‬
‫ُ‬ ‫ال�صهيوين‪ ،‬فقد �رضبت‬

‫وقد دخلت عمليات التفجري مراحل عدة �صاحبت خمتلف مراحل املقاومة‬
‫امل�س ّلحة‪ ،‬ويف كل مرحلة كان يظهر على �ساحة املقاومة �أبطال ورموز �صبغوها‬
‫بطابع خا�ص ومميز‪ ،‬ومن �أبرز ه�ؤالء؛ ال�شهيد القائد واملهند�س الأول (يحيى‬
‫عيا�ش)‪ ،‬الذي �أ�صبح عنوان املرحلة ورمز عمليات التفجري‪.‬‬

‫ال�صعد‪ ،‬ف�ضاعفت‬ ‫وقد تطورت علميات التفجري ب�شكل َّ‬


‫مطرد على كافة ُّ‬
‫املقاومة �أحجام العبوات‪ ،‬وا�ستخدمت مواد �أكرث قوة وقدرة على التدمري‪،‬‬
‫وطورت �أ�شكال العبوات و�أ�ضافت �إليها الكثري من ال ّتح�سينات‪ ،‬وتقدمت‬
‫َّ‬
‫(ال�سلكي)‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التحكم بالتفجري‪ ،‬بدءاً بالتفجري البدائي ِّ‬ ‫ب�صورة كبرية يف كيفية‬
‫صوال �إىل التوقيت‪ ،‬وانتها ًء بالتفجري ا ّلال�سلكي عرب جهاز‬
‫مروراً بنظام الألغام‪ ،‬و� ً‬
‫(الرميوت) �أو اخللوي (البلفون)‪.‬‬

‫ولتو�ضيح ذلك‪ ،‬نعر�ض فيما يلي ل�شك َلني من �أ�شكال املقاومة امل�ستخدمة يف‬
‫هذا املجال‪ ،‬وهما‪ :‬العبوات‪ ،‬والعمليات اال�ست�شهادية‪:‬‬
‫‪102‬‬

‫‪ 1‬ـ العبوات‪:‬‬

‫وهو التفجري بدون وجود ا�ست�شهادي‪ ،‬ويكون بو�ضع عبوة نا�سفة يف طريق‬
‫املنا�سبة �إنْ كان التفجري‬
‫ِ‬ ‫اللحظة‬
‫ِ‬ ‫الهدف‪� ،‬أو يف موقع اكتظاظ‪ ،‬ثم القيام بتفجريها يف‬
‫موجه ًا‪� ،‬أو تركها تنفجر وحدها �إنْ كانت تعمل بالتوقيت �أو بنظام الألغام‪.‬‬
‫َّ‬
‫ميزات هذا الأ�سلوب‪ ،‬عد ُم احلاجة �إىل ا�ست�شهادي لت�شغيله‪،‬‬
‫وتُـ َع ُّـد من �أبرز ِّ‬
‫مبعنى عدم وجود خ�سائر ب�رشية يف �صفوف املقاومة‪ ،‬وبالتايل عدم ترك �آثار‬
‫ما ّدية ّ‬
‫ت�شكل بداية اخليط الذي قد ُير�شد �أجهزة الأمن ال�صهيونية �إىل ك�شف‬
‫اخللية التي تقف وراء العمل‪.‬‬

‫ومن و�سائل العبوات امل�ستخدمة‪:‬‬

‫�أ ـ الُّلغم‪ :‬وهو العبوة التي ال حتتاج �إىل من ّ‬


‫يفجرها‪ ،‬حيث ينفجر اللغم‬
‫تلقائيـ ًا حال مرور الهدف بقربه �أو مالم�سته له‪ .‬ومن الألغام ما حت�صل عليه‬
‫ّ‬
‫املقاومة جاهزاً؛ وهو اللغم الع�سكري من خملفات احلروب‪� ،‬أو من حقول‬
‫الألغام املنت�رشة يف الوطن‪ ،‬ومنه ما ُي ِع ُّده املجاهدون بطريقتهم البدائية اليدوية‪.‬‬
‫وقد ا�س ُتخدم بكرثة يف قطاع غزة‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬ف�إن اللغم ال ميكن ا�ستخدامه‬
‫ل�رضب �أهداف ثابتة‪.‬‬

‫ب ـ التّوقيت‪ :‬وهو نظام قدمي‪ ،‬تكون فيه العبوة مو�صول ًة ب�ساع ٍة ِّ‬
‫حتدد وقت‬
‫االنفجار ح�سبما ي�ضبطها املقاومون‪ ،‬فتنفجر وحدها يف ذلك الوقت‪ .‬وعاد ًة‬
‫ّ‬
‫املكتظة والأهداف الثابتة‪ ،‬بعك�س الألغام‪ ،‬وال ميكن‬ ‫ما تُ�ستخدم يف الأماكن‬
‫ا�ستخدامها لأهداف متحركة‪.‬‬
‫‪103‬‬

‫ُو�صل العبوة ب�سلك طويل‪ ،‬ينتهي �إىل ّ‬


‫بطارية‬ ‫ال�سلكي‪ :‬حيث ت َ‬ ‫ُّ‬
‫التحكم ِّ‬ ‫جـ‬
‫كهربائية يحملها املقاوم املك َّلف بت�شغيل العبوة‪ ،‬و ُي ِ‬
‫و�صل قطبيها بالأ�سالك‬
‫م�ضطر �إىل االقرتاب منها‬
‫ٌّ‬ ‫حلظة التفجري‪ .‬وامل�شكلة يف هذا ال�شكل‪� ،‬أن املجاهد‬
‫يعر�ضه للخطر عند االن�سحاب‪� ،‬إال �أنها ت�صلح للأهداف‬
‫لتفجريها ب�شكل قد ِّ‬
‫الثابتة واملتحركة‪ ،‬وهي دقيق ٌة يف وقت االنفجار‪ ،‬مما مينحها قدر ًة �أعلى على‬
‫ّ‬
‫التحكم‪ ،‬وال حتتاج �إىل خربة كبرية يف الإعداد‪.‬‬ ‫�إ�صابة الهدف‪ ،‬كما �أنها �سهلة‬
‫وقد ا�ستخدم املجاهدون هذا ال�شكل يف طرق امل�ستوطنات‪ ،‬وعلى ال�شّ وارع‬
‫�صد � ّآليات العدو‪.‬‬
‫االلتفافية‪ ،‬و�أثناء االجتياحات يف ِّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التحكم الّال�سلكي‪ :‬ويكون با�ستخدام (الرميوت)‪� ،‬أو (اخللوي)‪ ،‬وهو‬ ‫دـ‬
‫�آخر ما ا�ستخدمته املقاومة يف العبوات املتفجرة‪ .‬ومتتاز هذه الطريقة بدقّتها‬
‫يف الإ�صابة‪ ،‬والأهم من ذلك‪� ،‬أنها توفّر مل�ستخدمها قدراً عالي ًا من الأمن‪،‬‬
‫بحيث ميكن ت�شغيل العبوة يف �أي نقطة مهما بعدت عن موقع التفجري‪ .‬وميكن‬
‫حد �سواء‪� .‬إال �أن م�شكلتها الأبرز‬
‫ا�ستخدامها للأهداف الثابتة واملتحركة على ٍّ‬
‫املوجهة �إليها‪،‬‬
‫تكمن يف �إمكانية الت�شوي�ش عليها‪ ،‬بحيث ال ت�ستقبل املوجات َّ‬
‫مما يعني �إمكانية تعطيلها‪.‬‬

‫و�إ�ضافة �إىل ما �سبق‪ ،‬فقد ا�ستخدمت املقاومة بع�ض الطرق غري املنت�رشة؛‬
‫كالتفجري عرب الظل‪ ،‬وال�صوت‪ ،‬وغريه‪� ...‬إال �أنها بقيت يف نطاق �ضيق‪،‬‬
‫تتكرر‪.‬‬
‫وجتارب حمدودة مل ّ‬
‫وقد ا�ستخدمت املقاومة �أكرث من نظام ت�شغيل يف �آنٍ واحد‪ ،‬وذلك �إما بتزويد‬
‫العبوة ب�أكرث من �أداة ت�شغيل‪� ،‬أو باال�ستعانة ب�أ�سلو َبنيِ مع ًا لتجاوزِ �إِ�شكال معني‪.‬‬
‫أعده �أبطال خلية (�سلوان)‪ ،‬عندما �أرادوا و�ضع عبو ٍة يف موقع‬
‫ومثال ذلك؛ ما � َّ‬
‫‪104‬‬

‫ال ُ‬
‫ت�صل �إليه خدمة ا�ستقبال (الرميوت)‪ ،‬ويف ذات الوقت‪ ،‬يكون بعيداً عن نقطة‬
‫ب�سلك طوله مائتي مرت‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بو�صل العبوة‬
‫ِ‬ ‫الأمان م�سافة تزيد عن مائتي مرت‪ ،‬فقاموا‬
‫ثم �شبكوا يف نهايته جهاز ا�ستقبال‪ ،‬وابتعدوا عن املكان‪ ،‬ثم قاموا بت�شغيل العبوة‬
‫وتفجريها عرب (الرميوت)‪ ،‬وبهذا جتاوزوا م�شكلة الأمان وم�شكلة امل�سافة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ العمليات اال�ست�شهادية‪:‬‬

‫وهي �سيدة �أ�شكال املقاومة‪ ،‬و�صاحبة الباع الأطول يف �إيالم العدو و�رضبه‬
‫يف عقر داره‪ ،‬و�إيقاع القدر الأكرب من اخل�سائر املادية والب�رشية يف �صفوفه‪ ،‬وهي‬
‫متثل الت�ضحية والفداء واال�ستعداد الكامل وال�صادق لتقدمي الروح رخي�ص ًة يف‬
‫�سبيل اهلل‪ ،‬ون�رص ًة لهذا الوطن امل�سلوب‪.‬‬

‫ولقد انطلقت �رشارة العمليات اال�ست�شهادية التفجريية على يد املجاهد ال�شهيد‬


‫افتتح عهداً جديداً يف البطولة والت�ضحيات‪ ،‬ثم تبعه ال�شيخ‬
‫تـمام)‪ ،‬الذي َ‬
‫(�ساهر ّ‬
‫(�سليمان زيدان)‪ ،‬فاملجاهد (�سالمة الأحمد)‪ ...‬وتتابعت قافلة ال�شرَّ ف مو�صولة‪،‬‬
‫جنومها مقاتلو حما�س‪ ،‬ثم اجلهاد الإ�سالمي ِورداً من الزمان‪� ،‬إىل �أنْ دخلت احلركات‬
‫الفل�سطينية الأخرى نادي اال�ست�شهاديِّني‪ ،‬ف�أ�صبحت العمليات اال�ست�شهادية �ساح ًة‬
‫ُ�سجل‬
‫العظام ت َّ‬
‫ِ‬ ‫لل ّتناف�س وميدان ًا للبذل والعطاء‪ ،‬وال زالت �أ�شواق اال�ست�شهاديِّني‬
‫كية املنبعثة من �أج�سادهم و�أ�شالئهم الطاهرة‪.‬‬
‫الدماء ال ّز ّ‬
‫بنورِ ِّ‬

‫العمليات اال�ست�شهادي ُة احللق َة الأقوى يف فر�ض مبد�أ‬


‫ُ‬ ‫نعم! لقد ّ‬
‫�شكلت‬
‫(توازن الردع) الذي فر�ضته املقاومة على عد ِّوها ال�صهيوين‪ ،‬وك ّلما َ‬
‫زرع‬
‫َ‬
‫واخلوف يف �صفوف ال�شعب الفل�سطيني‬ ‫َ‬
‫والقتل‬ ‫مار‬
‫والد َ‬
‫اخلراب ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫االحتالل‬
‫‪105‬‬

‫وتكر�س حال َة اخلوف ُّ‬


‫والذعر يف‬ ‫ِّ‬ ‫الأعزل‪ ،‬كانت العمليات اال�ست�شهاد ّي ُة تزرع‬
‫خوف‬
‫ٍ‬ ‫ليل دام�س‪ ،‬و� ْأمـ َنهم �إىل‬
‫نهارهم �إىل ٍ‬
‫قلب الكيان ال�صهيوين‪ ،‬مما �أحال َ‬
‫جزع وا�ضطراب‪ .‬و� ّأو ُل ما حتققت تلك املعادلة يف‬
‫ٍ‬ ‫وا�ستقرارهم �إىل‬
‫َ‬ ‫قاتل‪،‬‬
‫عمليات ال ّث�أر ملجزرة احلرم الإبراهيمي‪ ،‬عام (‪1994‬م)‪ :‬عمليات (العفّولة)‬
‫ّ‬
‫و(اخل�ضرية) و(دزنغوف)‪.‬‬

‫وا�ستمرت العمليات اال�ست�شهادية حتى يومنا هذا وحقّقت جناح ًا ِت َ‬


‫لو جناح‪،‬‬
‫و�إجنازاً عقب �إجناز‪ ،‬تزرع ُّ‬
‫الذعر والقلق يف قلب املحتل‪ ،‬وال ترتك له مدين ًة �إال‬
‫جتمع ًا �إال �رضب ْته‪.‬‬
‫ه َّزتْها‪ ،‬وال ّ‬
‫وقبل �أن نختم احلديث عن �سالح التفجري‪ّ ،‬‬
‫نذكر �أنه ا�س ُتخدم بالت�شارك مع‬
‫الأ�سلحة الأخرى يف الكثري من العمليات اجلهاد ّية‪ ،‬كال�سالح الناري‪ ،‬وحرب‬
‫الأنفاق‪ ،‬والكمائن اجلهادية‪ ...‬ومن الأمثلة على ذلك‪ ،‬عملية (عمنوئيل) البطولية‪،‬‬
‫املتبدد)‪،‬‬
‫التي ا�س ُتخدم فيها �سالح التفجري و�سالح �إطالق النار‪ ،‬وعملية (الوهم ِّ‬
‫أدارها العن�رص‬
‫ال�سالح ال ّناري وال�صاروخي يف التفجري‪ ،‬و� َ‬
‫التي ا�س ُتخدم فيها ِّ‬
‫اال�ست�شهادي‪ ،‬وحقّقت اجلرح والقتل واخلطف‪ ،‬ثم كان االن�سحاب الآمن‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬عمليات االختطاف‪:‬‬


‫وتلك �أكرث �أ�ساليب املقاومة �إيالم ًا للعدو‪ ،‬و�أكرثها كلف ًة عليه‪ ،‬و� ّ‬
‫أ�شدها‬
‫�صدى �إعالمي ًا‪ ..‬ويلج أ� �إليها املقاومون عموم ًا يف حماول ٍة‬
‫ً‬ ‫جر�أة‪ ،‬و�أعالها‬
‫مل�ساومة االحتالل على �إطالق �رساح الأ�رسى الأبطال يف �سجون االحتالل‪،‬‬
‫عمليتها‪.‬‬
‫مقابل �إطالق �رساح الأ�سري ال�صهيوين الذي اختطفته املقاومة يف ّ‬
‫‪106‬‬

‫�إال �أنّ املقاوم َة حتقِّق من خالل عمليات اخلطف �أهداف ًا �أخرى‪ ،‬منها احل�صول‬
‫أمني ٍة من خالل التحقيق مع الأ�سري (الع�سكري خ�صو�ص ًا)‪ ،‬كما‬
‫معلومات � ّ‬
‫ٍ‬ ‫على‬
‫فة رجل املخابرات ال�صهيوين (�سا�سون)‪ ،‬ومنها �رضب معنو ّيات‬ ‫ح�صل مع َ‬
‫خط ِ‬
‫العدو وال ّت�أثري على جنوده‪ ،‬ورفع معنويات املقاتلني والأ�رسى وال�شعب‪.‬‬

‫ومن �أبرز عمليات تبادل الأ�رسى التي �شهدتها فل�سطني؛ �صفقة التبادل‬
‫التي نفّذتها (القيادة العامة)‪ ،‬املعروفة ب�صفقة (�أحمد جربيل)‪ ،‬والتي جرت‬
‫عام (‪1985‬م)‪ ،‬و ُ�أطلق مبوجبها �رساح (‪� )1150‬أ�سرياً فل�سطيني ًا من �سجون‬
‫االحتالل‪ ،‬ومنهم ال�شيخ (�أحمد يا�سني)‪ ،‬مقابل الإفراج عن ثالثة جنود �صهاينة‬
‫تكررت املحاوالت‬
‫كانوا قد وقعوا �أ�رسى يف يد اجلبهة �أثناء غزو لبنان‪ .‬ثم ّ‬
‫مراراً‪ ،‬منها ما جنح جناح ًا جمزوءاً‪ ،‬ومنها ما ف�شل ف�ش ً‬
‫ال ُمطلق ًا‪.‬‬

‫وقد عملت حركة حما�س طوال االنتفا�ضة الأوىل‪ ،‬ويف عهد �أو�سلو‪،‬‬
‫ويف انتفا�ضة الأق�صى‪ ،‬على اختطاف عدد من جنود االحتالل‪ ،‬فنجحت يف‬
‫�أ�رس ب�ضعة ع�رش جندي ًا‪ ،‬بدءاً من اجلندي ال�صهيوين (�آيف �سب�سورتا�س)‪ ،‬الذي‬
‫ّمت اختطافه يف العام (‪1989‬م)‪ ،‬و(�إيالن �سعدون)‪ ،‬و(ن�سيم طوليدانو)‪...‬‬
‫و� ً‬
‫صوال �إىل رجل املخابرات (�سا�سون)‪ ،‬الذي اخ ُتطف يف العام (‪2005‬م)‪..‬‬
‫�إال �أن �أي ًا من هذه العمليات مل ي�ؤ ِّد �إىل عقد �صفقة تبادل �أ�رسى مع االحتالل‪،‬‬
‫فكان م�صريهم القتل دون مقابل‪.‬‬

‫و�أخرياً كان �أ�رس اجلندي ال�صهيوين (جلعاد �شاليط)‪ ،‬يف عملي ٍة غاية يف‬
‫املتبدد)‪ ،‬وال زالت‬
‫الروعة والإتقان‪� ،‬أطلقت عليها الكتائب ا�سم (عملية الوهم ِّ‬
‫احلركة ترت ّبع على �صدارة هذا اللون من العمليات منذ االنتفا�ضة الأوىل ب�صورة‬
‫�شبه مطلقة ال يجاريها فيها �أحد‪.‬‬
‫‪107‬‬

‫خام�ساً‪ :‬االغتياالت‪:‬‬
‫وهو �أ�سلوب ناجح من �أ�ساليب حرب الع�صابات التي ا�ستخدمها املقاتلون‬
‫ّ‬
‫ومفكريه‪،‬‬ ‫اخل�صم ورموزِ ه‬
‫ِ‬ ‫عرب التاريخ‪ ،‬كان هدفه الأ�سا�س التخ ّل َ‬
‫�ص من قادة‬
‫و�إ�صابته ُّ‬
‫بالذعر و�رضب معنوياته‪ ،‬والظهور مبظهر القادر على �إجناز �أي مهمة‪،‬‬
‫والو�صول �إىل �أي هدف تختاره (اجلاريال)‪ ،‬وحتقيق انت�صار �إعالمي و�سيا�سي‪..‬‬
‫الردع‪ ،‬والر ّد على اعتداءات العدو واغتياالته لقادة‬
‫ثم تثبيت مبد أ� توازن َّ‬
‫(اجلاريال)‪.‬‬

‫مرات عديدة‪ ،‬كان �أكرثها يف‬


‫ٍ‬ ‫وقد ا�ستخدم ر�سول اهلل [ هذا الأ�سلوب‬
‫الدائم �إىل ح�شد‬
‫حق اليهود‪ ،‬وذلك ملكرهم وحقدهم على الإ�سالم‪ ،‬و�سعيهم ّ‬
‫ّ‬
‫�أعداء الإ�سالم يف مواجهته‪ ،‬حماولني ال َّن َ‬
‫يل من هذا الدين و�أبنائه‪ .‬ومن �أبرز تلك‬
‫بالعبرَ ؛ حادثتي اغتيال ر�أ�س الكفر اليهود َّيني‪( :‬كعب بن‬
‫تزخر ِ‬
‫ُ‬ ‫االغتياالت التي‬
‫الأ�رشف)‪ ،‬و(�سالم بن حقيق)‪.‬‬

‫وقد ا�ستطاع [ من خالل هذه االغتياالت �أن يحمي امل�سلمني من ِف َت ٍـن‬


‫يفرق جماعات كانت ّ‬
‫تخطط ل�رضب الإ�سالم يف‬ ‫عا�صفة ومعارك هوجاء‪ ،‬و�أن ِّ‬
‫عقر داره‪ ،‬ف�أراح اهلل امل�سلمني من �رشورهم‪ ،‬ومن الدخول يف حروب ال يعلم‬
‫ثمنها �إال اهلل‪.‬‬

‫وا�س َتخدمت الدول واجلماعات يف الع�رص احلديث �أ�سلوب عمليات االغتيال‬


‫بحق وبغري حق‪ ،‬ولعل �أكرث من ا�ستخدم هذا الأ�سلوب‪،‬‬
‫حاالت كثرية‪ٍّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫يف‬
‫وبحق ال�شعب الفل�سطيني املرابط حتديداً‪ ،‬هو االحتالل ال�صهيوين‪ ،‬فانتهجه‬ ‫ِّ‬
‫�أ�سلوب ًا يتخ ّل�ص من خالله من �أي جماهد �أو منا�ضل �أو ِّ‬
‫مفكر � َّأرقَه‪ .‬ومن �أبرز‬
‫‪108‬‬

‫�ضحايا االغتيال؛ ال�شهداء (�أحمد يا�سني‪ ،‬عبد العزيز الرنتي�سي‪ ،‬خليل الوزير‬
‫«�أبو جهاد»‪� ،‬صالح خلف «�أبو �إياد»‪ ،‬فتحي ال�شقاقي‪� ،‬أبو علي م�صطفى‪،‬‬
‫غ�سان كنفاين‪� ،‬إ�سماعيل �أبو �شنب‪� ،‬إبراهيم املقادمة‪ ،‬كمال عدوان‪ ،‬كمال‬
‫نا�رص‪� ،‬سعد �صايل‪� ،‬صالح �شحادة‪ ،‬يحيى عيا�ش‪ ،‬وغريهم الكثري الكثري‪.)...‬‬

‫كما حاول االحتالل اغتيال (خالد م�شعل)‪ ،‬رئي�س املكتب ال�سيا�سي حلركة‬
‫حما�س‪� ،‬إ ّال �أنّ حماولته باءت بالف�شل‪ ،‬ور َّد اهلل َ‬
‫كيدهم �إىل نحورِ هم‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬كان من املنا�سب �أن يكون الر ُّد على جرائم االحتالل باملثل‪ ،‬حتى نحق َّق‬
‫ولكن �إحقاق ًا للحق‪ ،‬ف�إن جتربتنا الفل�سطينية متوا�ضعة جداً يف‬
‫ْ‬ ‫ال ِّنكاي َة والردع‪،‬‬
‫هذا املجال‪� ،‬إذ مل تنجح يف �إحداث ثغرات بارزة يف هذا اجلدار (جدار �أمن‬
‫ال�شخ�صيات الإ�رسائيلية)‪ ،‬ومل ّ‬
‫تتمكن من الو�صول �إىل � ٍّأي من قادتهم ورموزهم‬ ‫ّ‬
‫البارزين‪ ،‬رغم تكرار املحاوالت‪.‬‬

‫وقد �أجاد رفاق (اجلبهة ال�شعبية) يف عملية اغتيال الوزير ال�صهيوين احلاقد‬
‫(رحبعام زئيفي)‪� ،‬صاحب فكرة (الرتان�سفري)‪ ،‬والذي ّ‬
‫متكن مقاتلو اجلبهة من‬
‫الو�صول �إليه يف الفندق الذي يقيم فيه‪ ،‬فقتلوه ر ّداً على اغتيال الأمني العام‬
‫للجبهة ال�شعبية (�أبو علي م�صطفى)‪.‬‬

‫لقد جرت حماوالت عديدة للو�صول �إىل ر�ؤو�س االحتالل‪� ،‬إال �أنها بقيت‬
‫حماوالت حمدود ًة مل يرافقها الكثري من الإعداد‪ ،‬ولذا مل يحالفها النجاح‪ ،‬ومنها‬
‫ٍ‬
‫حماولة جماهدي �إحدى خاليا (القد�س) اغتيال الإرهابي �أوملرت‪ ،‬وحماولة اغتيال‬
‫(�شارون)‪� ،‬إال �أنها مل تُوفَّق ومل يكتب لها النجاح‪ ،‬بل �إن �أكرثها مل يخرج عن‬
‫خطوات �أو�سع ملالحقة بع�ض الرموز‬
‫ٍ‬ ‫دائرة الر�سم والتخطيط‪ .‬بينما َخطا الإخو ُة‬
‫‪109‬‬

‫امليدانية للعدو و�رضبهم‪ ،‬فكثرياً ما ّ‬


‫حد َد املجاهدون هدفهم (زعيم م�ستوطنة)‪،‬‬
‫�أو (حاخام منطقة) �أو (خمتار بلدة)‪ ،‬فو�صلوا �إليه وقتلوه‪ ،‬ث�أراً لدماء �شعبهم‪ ،‬كما‬
‫فعل املجاهد (�أحمد الفليت)‪.‬‬

‫املتقدمة التي يجدر ذكرها‪ ،‬على الرغم من �أنها مل ُيكتب‬


‫ّ‬ ‫ومن املحاوالت‬
‫لها النجاح الكامل؛ عملية خلية (�سلوان)‪ ،‬والتي ّ‬
‫متك َن املجاهدون فيها من زرع‬
‫عبوة نا�سفة �أ�سفل �سيارة �ضابط �صهيوين كبري يف اجلي�ش االحتاليل كانوا قد‬
‫فتم اكت�شافُها‪ ،‬ومن ثم تفكيكها‪.‬‬
‫ر�صدوه‪� ،‬إال �أنَّ العبوة مل تنفجر‪َّ ،‬‬

‫�ساد�ساً‪ :‬حرب الأنفاق‪:‬‬


‫ب�سبب احل�صار اخلانق الذي فر�ضته قوات االحتالل يف قطاع غزة‪ ،‬وال ُعزلة‬
‫ال�سلكي الذي يحيط به من كل‬
‫التامة التي و�ضعوه فيها عرب اجلدار الإلكرتوين ِّ‬
‫َ‬
‫وم�سالك‬ ‫طرق جديد ٍة‬
‫�أطرافه‪ ،‬ا�ضطرت املقاومة الفل�سطينية �إىل البحث عن ٍ‬
‫فت�صيبه يف مقتل‪ ،‬فقامت مبحاوالت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت�صل عربها �إىل قلب عد ِّوها‬ ‫ملتوي ٍة‬
‫متنوعة مكان ًا وزمان ًا و�شك ً‬
‫ال الخرتاق الأ�سوار واقتحام امل�ستوطنات‬ ‫عديدة ّ‬
‫�ضاعف من احتياطاته‬
‫َ‬ ‫واملع�سكرات‪ ،‬فنجحت و�أخفقت‪ ،‬لكن االحتالل‬
‫جتمع ا�ستيطاين �أو‬
‫الأمنية والع�سكرية املحيطة به وبكل موقع‪ ،‬حتى �أ�صبح كل ّ‬
‫ع�سكري �أ�شبه ما يكون باحلزام الأمني‪.‬‬

‫فقدحت‬ ‫بحث املجاهدون عن �أ�سلوب يتجاوزون فيه َّ‬


‫كل هذه التح�صينات‪َ ،‬‬
‫جديد‬
‫ٌ‬ ‫يف �أذهانهم فكر ٌة �رسعان ما �أ�صبحت قراراً‪ ،‬ثم كان التنفيذ‪� :‬‬
‫أ�سلوب‬
‫ٌ‬
‫غاية يف الروعة قامت فكرته على جت ُّنب املرور عرب حزام الأمان الذي يحيط‬
‫‪110‬‬

‫باملع�سكرات‪ ،‬والو�صول �إىل الهدف دون ا�ستخدام �سطح الأر�ض املك�شوف‬


‫للرقابة‪ ،‬فكان الو�صول عرب باطن الأر�ض باحلفر على عمق ب�ضعة �أمتار عمود ّي ًا‪،‬‬
‫ثم احلفر الأفقي مل�سافة ت�صل �إىل مئات الأمتار‪ ،‬ومن ثم مفاج�أة العدو يف عقر‬
‫م�أمنه‪ ،‬واالنق�ضا�ض عليه من �أ�سفل بقوة التفجري‪ ،‬و�إطالق النار‪ ،‬مدعوم ًا‬
‫ب�سالح اال�ست�شهاديِّني الذين اختاروا لقاء ربهم عو�ض ًا عن العودة �إىل الأهل‬
‫والأحباب‪.‬‬

‫ديق و� َ‬
‫أذهل العدو‪،‬‬ ‫ال�ص َ‬ ‫وقد حقّقت عمليات الأنفاق جناح ًا رائع ًا فاج�أَ َّ‬
‫َّ‬
‫ف�شكلت له � َأرق ًا و ُذعراً جعله ُيعيد ح�ساباته‪ ،‬ويهرع �إىل حماولة �إيجاد احللول التي‬
‫ُغن عنه �شيئ ًا‪ ،‬ف� َ‬
‫أدخل ما ميلك من علم وتكنولوجيا وخربات‪ ،‬وا�ستعان ب�أذنابه‬ ‫مل ت ِ‬
‫يف‬ ‫الفل�سطينية و�أجهزتها الأمنية‪� ،‬إال �أنّ َّ‬
‫كل ذلك مل ِ‬ ‫ّ‬ ‫وعمالئه‪ ،‬ثم بال�سلطة‬
‫بالغر�ض‪ ،‬ومل مينع الأبطال من موا�صلة احلفر والو�صول �إىل �أهدافهم‪ ،‬وتكرار‬
‫حماوالتهم م�صحوب ًة بتطوير الأ�سلوب‪ ،‬حتى باتت (حرب الأنفاق) عام ً‬
‫ال مهم ًا‬
‫�رسعت يف قرار االحتالل باالن�سحاب من قطاع غزة‪.‬‬
‫من العوامل التي ّ‬
‫نوعي ًة يف العمل الفل�سطيني املقاوم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫�شكلت عمليات الأنفاق قفز ًة‬ ‫لقد ّ‬
‫وم ّثلت تطبيق ًا مثالي ًا للحكمة القائلة‪( :‬احلاجة �أم االخرتاع)‪ ،‬فكانت كتائب‬
‫التفوق الع�سكري وال ّتقني ال�صهيوين‬
‫ّ‬ ‫الق�سام َو ُلوداً لالخرتاعات التي جعلت‬
‫ال يقف حائ ً‬
‫ال دون ا�ستمرار املقاومة وتوا�صل جناحاتها يف �رضب عد ِّوها‪،‬‬
‫وال زالت عمليات الأنفاق منذ ذلك احلني ح�رصاً على �أبناء كتائب الق�سام‬
‫و�أبطالها‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫�سابعاً‪ :‬ال�صواريخ‪:‬‬
‫عقلية البحث والتطوير الفل�سطينية املح ّلية‪ .‬وكان‬
‫وهو �آخر ما تف ّتقت عنه ّ‬
‫�صاروخي فل�سطيني بتاريخ (‪2001/10/30‬م)‪� ،‬إذ �أعلنت‬
‫ٍّ‬ ‫�إنتاج �أول �سالح‬
‫كتائب ال�شهيد عز الدين الق�سام عن �إنتاج �صاروخ (ق�سام ‪ ،)1‬الذي �أ�صبح‬
‫م�سجلة ُي ِق ُّـر بها العدو وال�صديق‪ ،‬وتُطلق على ِّ‬
‫كل ال ّنماذج املماثلة‬ ‫َّ‬ ‫ا�سمه عالم ًة‬
‫لهذا ال�صاروخ‪.‬‬

‫و�أول ما ُ�صنع �صاروخ (ق�سام ‪ ،)1‬كان مبدى �إطالق ال يتجاوز (‪16‬كم)‪،‬‬


‫وطول (‪15‬مرتاً)‪ ،‬ووزن يقل عن (‪30‬كغم)‪ ،‬ليفتح باب ًا وا�سع ًا من الإنتاج‬
‫والتطوير ال�صاروخي بعده‪ ،‬فكان �صاروخ (ق�سام ‪ ،)2‬و �صاروخ (القد�س)‪،‬‬
‫و�صاروخ (الأق�صى)‪ ،‬و�صاروخ (نا�رص)‪ ،‬و�صاروخ (اليا�رس)‪ ،‬ك ُّلها على خطى‬
‫�صاروخ الق�سام الأول‪ ،‬وبذات �أ�سلوبه ومبدئه ال ّت�شغيلي‪ ،‬فقد نقلت كتائب الق�سام‬
‫املعلومات واخلربة والتجربة �إىل �سائر ف�صائل املقاومة الفل�سطينية‪� ،‬سعي ًا منها لتعميم‬
‫التجربة وتو�سيع العمل وتطوير القدرات يف �رضب العدو ال�صهيوين‪.‬‬

‫ثم قفز الإنتاج ال�صاروخي احلم�ساوي قفز ًة �أخرى بت�صنيع �صواريخ م�ضا ّد ٍة‬
‫م�سميات‪�( :‬صاروخ البنا‪� ،‬صاروخ اليا�سني‪� ،‬صاروخ الب ّتار)‪،‬‬
‫للدروع‪ ،‬حتت َّ‬
‫ُّ‬
‫املدرعة �أثناء حماوالتها اجتياح‬
‫الت�صدي ل ّآليات العدو َّ‬
‫ّ‬ ‫والذي �أثبت جناع ًة يف‬
‫مدن وخميمات قطاع غزة‪.‬‬

‫�رص َح �أحد مقاتلي كتائب الق�سام‪ ،‬وحدة �سالح ال ّت�صنيع‪ ،‬يف برنامج‬
‫وقد ّ‬
‫(يف �ضيافة البندقية)‪ ،‬الذي ب ّثته قناة اجلزيرة يف حزيران من العام (‪2006‬م)(‪،)1‬‬

‫البندقية) ـ قناة اجلزيرة الف�ضائية‪ ،‬حزيران‪2006/‬م‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ 1‬برنامج (يف �ضيافة‬
‫‪112‬‬

‫�أنّ قاذف (‪ )RBJ‬كان يك ّلف خزينة الكتائب �أكرث من �أحد ع�رش �ألف دوالر‬
‫يتم ت�صنيعه اليوم ب�أيدي �أبطال الكتائب حتت‬
‫�أمريكي لل�سالح الواحد‪ ،‬بينما ُّ‬
‫م�سمى (اليا�سني)‪ ،‬بتكلف ٍة ال تتجاوز مئتي دوالر �أمريكي‪.‬‬
‫َّ‬
‫ولقد ا�ستطاعت �صواريخ الق�سام �إيقاع خ�سائر ب�رشية وما ّدية يف �صفوف‬
‫ني‬
‫م�ستوط ْ‬
‫ِ‬ ‫االحتالل‪� ،‬إال �أنّ الأثر ال ّنف�سي واملعنوي ا ّلذي خ ّلفه ال�صاروخ يف‬
‫املغت�صبات املحيطة بقطاع غزة ومدن االحتالل القريبة‪ ،‬بل ويف قادة حكومة‬
‫االحتالل و�أركان جي�شه و�أجهزته الأمنية‪َ ،‬‬
‫فاق الأثر املادي والب�رشي‪ ،‬حتى‬
‫الداخلية‬
‫ّ‬ ‫�أ�صبح كابو�س ًا يزرع فيهم الرعب واال�ضطراب‪ ،‬بل و�أوجد (الهجرة‬
‫يفرون من ِحمم ال�صواريخ‬
‫ال�صهيونية) ؛ فكان م�ستوطنو املناطق امل�ستهدفة ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫نحو مناطق ومدن �أخرى توفّر لهم مزيداً من الأمن‪ ،‬كما ح�صل على �سبيل‬
‫املثال يف مدينة (ا�سديروت) يف �شهر �أيار من العام (‪2007‬م)‪ ،‬عندما �أخلى‬
‫�أكرث من ن�صف امل�ستوط ِنني بيوتَهم نحو ال�شمال‪ ،‬هرب ًا من كثافة ّ‬
‫ال�صواريخ‬
‫الق�سامية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد َّ‬
‫�شك َ‬
‫ـل �صاروخ الق�سام عام ً‬
‫ال �أ�سا�سي ًا يف تثبيت مبد�أ (توازن َّ‬
‫الردع)‬
‫الذي ابتد أ�تْه العمليات اال�ست�شهادية‪ ،‬وكثرياً ما �أبدى االحتالل ا�ستعدا َده لوقف‬
‫اعتداءاته �ضد ال�شعب الفل�سطيني والدخول معه يف هدنة‪ ،‬مقابل وقف �إطالق‬
‫جتمعاته‪.‬‬
‫ال�صواريخ على ّ‬
‫العدو �إىل ت�رسيع ان�سحابه من قطاع‬
‫َّ‬ ‫دفع‬ ‫وكان �صاروخ الق�سام عام ً‬
‫ال �إ�ضافي ًا َ‬
‫غزة‪ ،‬كما �أوجد و�سيل ًة �أخرى للو�صول �إىل العمق ال�صهيوين دون احلاجة �إىل‬
‫الدائم‬
‫تعر�ضها ّ‬ ‫ّ‬
‫جراء ّ‬
‫«ا�ضطرت �سلطة ال�ضرّ ائب �إىل التخفي�ض على ال�سكان يف مدينة ا�سديروت بـ (‪ّ ،)%13‬‬
‫ّ‬ ‫‪1‬‬
‫الق�سام‪ ،‬التي �أ ّدى �سقوطها �إىل هجرة ّ‬
‫ال�سكان منها»‪� .‬صحيفة (يديعوت �أحرنوت)‪ ،‬يف عددها ال�صادر‬ ‫ل�صواريخ ّ‬
‫يف ‪2006/11/24‬م‪.‬‬
‫‪113‬‬

‫امل�شددة وا ُ‬
‫جل ُـدر الإلكرتونية والإ�سمنتية التي كانت‬ ‫َّ‬ ‫أمنية‬
‫اخرتاق ال ّتح�صينات ال ّ‬
‫تف�صل املجاهدين عن هدفهم‪.‬‬

‫(ق�سام)‪ ،‬ال�شهيد البطل (ن�ضال‬


‫وكان �أول من حاز �رشف �إنتاج �أول �صاروخ ّ‬
‫فرحات)‪ ،‬بينما ُين�سب �إىل ال�شهيد (عدنان الغول) الف�ضل يف تطوير وت�صنيع‬
‫�صواريخ الق�سام وتقدمي امل�ساعدة املبا�رشة والعون ال ّنظري والعملي واملادي‬
‫للأجهزة الع�سكرية التابعة لف�صائل املقاومة على �ساحة (غزة) ل�صنع �صواريخ‬
‫مماثلة‪.‬‬

‫***‬
114
‫‪115‬‬

‫مناذجُ‬
‫ٌ‬
‫وتطبيقات‬
‫ق�سام ّيـة‬
‫ّ‬
116
‫‪117‬‬

‫ق�سامية‬
‫مناذج وتطبيقات ّ‬

‫يف ال�صفحات القادمة‪� ،‬سنعر�ض مناذج من عمليات املقاومة الفل�سطينية‬


‫تعر ْ�ضنا لها يف ال�صفحات‬
‫الق�سامية‪ ،‬ك�أمثل ٍة على الو�سائل والأ�ساليب التي ّ‬
‫ّ‬
‫ال�سابقة‪.‬‬

‫قتالية منفردة‪،‬‬
‫عملياتها �أ�ساليب ّ‬
‫ّ‬ ‫ا�ستخدمت يف‬
‫َ‬ ‫وقد ذكرنا �أنّ املقاوم َة‬
‫وا�ستخدمت يف عمليات �أخرى �أ�ساليب قتالية ُم�شترَ كة؛ فدجمت بني الإطالق‬
‫والتفجري‪ ،‬و�أ�رشكت العمل اال�ست�شهادي باجلهد اال�ستخباري‪ّ ،‬‬
‫ووظفت الأنفاق‬
‫يف خدمة الهجمات ال ّنارية وال ّتفجري ّية وعمليات اخلطف وهكذا‪...‬‬

‫(ال�سهم ال ّثاقب)‪،‬‬
‫ت�ستحق اال�ستدالل بها‪ ،‬عملية َّ‬
‫ّ‬ ‫ومن الأمثلة الكبرية التي‬
‫التي ا�ستخدم فيها املقاومون الأ�سلوب اال�ستخباري (العميل املزدوج)‪،‬‬
‫املتفجر‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �سالح‬
‫ِّ‬ ‫وحرب الأنفاق‪ ،‬وال�سالح ال ّناري مع ال�سالح‬
‫اال�ست�شهاديِّني‪.‬‬

‫ف�إىل هذه النماذج‪..‬‬


‫‪118‬‬

‫املقاومة ال�شعبية‪:‬‬
‫ال�سكاكني‪:‬‬
‫�أ ـ حرب ّ‬
‫عملية يافا‬
‫ال ّزمـان‪1995/2/14 :‬م‪.‬‬
‫املـكـان‪ :‬مدينة يافا‪.‬‬
‫املنفِّذون‪ :‬مروان الزايغ ـ غزة (�شهيد)‪ ،‬و�أ�رشف البعلوجي ـ غزة (م�ؤ َّبد)‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬ثالثة قتلى‪.‬‬

‫ح َّل ْت الذكرى الثالثة النطالقة حركة املقاومة الإ�سالمية حما�س‪َّ ،‬‬


‫فقر َر‬
‫َ‬
‫بطالنا‪ :‬مروان و�أ�رشف‪ ،‬االحتفال باملنا�سبة على طريق ِتهما اخلا�صة‪ ،‬وتقدمي‬
‫هدية االنطالقة �إىل ال�شعب و�شهدائه‪.‬‬

‫وعرفا تفا�صيلها‬
‫فخبرِ اها َ‬ ‫كان ال َأخوانِ يعمالن يف مدينة يافا املحت ّلة‪َ ،‬‬
‫قدم �إىل لقاء ر ِّبه‪ .‬ومع فجر‬
‫نف�سيهما �إعداد من َي ُ‬
‫ْ‬ ‫أعدا‬
‫ب�شوارعها وبناياتها‪ ،‬ف� ّ‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬ح َزما طعا َمهما‪ ،‬و� ْأخفَيا به ِ�س ّكي َننيِ لتنفيذ املهمة‪ ،‬وانطلقا �صوب‬
‫هدفَيهما ِّ‬
‫متوكلني على اهلل ع َّز وجل‪� ،‬سائلي َنه التوفيق والنجاح‪.‬‬

‫حق املعرفة‪ ،‬كان الوقت‬


‫و�صال امل�صنع الإ�رسائيلي الذي يعمالن فيه ويعرفانه َّ‬
‫َ‬
‫ح�رض العامل امل�س�ؤول عن فتح‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مبكراً‪ ،‬ومل يفتح امل�صنع �أبوا َبه بعد‪ ،‬فانتظرا حتى‬
‫ّ‬
‫بال�سكني طعن ًا‪ ،‬ف� ْأردياه‬ ‫مباغت انهاال عليه‬
‫ٍ‬ ‫وب�شكل‬
‫ٍ‬ ‫امل�صنع‪ ،‬فتبِعاه �إىل الداخل‪،‬‬
‫قتي ً‬
‫ال على الفور‪ ،‬ثم قاما ب�إخفاء اجلثة و�إزالة �آثار الدماء انتظاراً لقادم جديد‪ ،‬فلم‬
‫مهمـ ُتهما بعد‪.‬‬
‫تنته ّ‬
‫ِ‬

‫جاء العامل الثاين بعده بقليل‪ ،‬ففعال به ما فعاله مع زميله الأول‪ ،‬و�أحلقاه به‪،‬‬
‫‪119‬‬

‫فانق�ضا‬
‫ّ‬ ‫ثم جل�سا انتظاراً للتايل‪ ،‬وكانت جم ّند ًة �صهيوني ًة يف جي�ش االحتالل‪،‬‬
‫ملطخ ًة بدمائها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بال�سكني‪ ،‬حتى وقعت �رصيع ًة َّ‬ ‫عليها طعن ًا‬

‫جراء �رضب ٍة‬ ‫ُ‬


‫�أثناء ذلك‪� ،‬أ�صيب املجاهد (�أ�رشف) بجراح عميقة يف يده‪ّ ،‬‬
‫نزف على �إثرها دما ًء غزير ًة بد�أت تُفقده توازنَه وقدرته على‬ ‫ّ‬
‫بال�سكني‪َ ،‬‬ ‫خاطئ ٍة‬
‫واالكتفاء مبا‬
‫َ‬ ‫واالن�سحاب من املوقع‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تعديل اخلطة‪،‬‬ ‫قررا‬
‫اال�ستمرار‪ ،‬عندئذ ّ‬
‫ونيتهما كانت اال�ستمرار‪...‬‬
‫�أجنزاه‪ ،‬مع �أنّ عز َمهما ّ‬
‫�شعارات حم�ساو ّية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بالدهان على جدران امل�صنع‬
‫وقبل االن�سحاب‪ ،‬ك َتبا ِّ‬
‫ؤولية احلركة عن التنفيذ‪ ،‬و�أنهما جاءا احتفا ًال بذكرى االنطالقة‪،‬‬
‫تعلن م�س� ّ‬
‫توجه الأخ مروان �إىل قطاع غزة‪ ،‬بينما �آثر الأخ �أ�رشف‬
‫ثم بدءا باالن�سحاب‪َّ .‬‬
‫أمره على حاجز �إيرز‪ ،‬ب�سبب‬
‫انك�شاف � ِ‬
‫ِ‬ ‫االن�سحاب �إىل مدينة رام اهلل‪ ،‬خ�شي َة‬
‫الإ�صابة يف يده‪.‬‬

‫املجاهدين‪ ،‬وقام‬
‫َ‬ ‫ي�رضب مين ًة وي�رس ًة ع ًّله ي�صل �إىل‬
‫ُ‬ ‫ُج َّن جنون االحتالل‪ ،‬وبد�أ‬
‫بحق قيادات وعنا�رص و�أن�صار‬
‫بحملة اعتقاالت �رش�سة هي الأو�سع يف ذلك احلني ِّ‬
‫احلركة يف ال�ضفة الغربية وغزة‪ ،‬حتى زاد عدد املعتقلني فيها عن (‪)1400‬‬
‫جماهد‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫ب ـ ا�ستخدام ال�سيارات يف املقاومة ال�شعبية‪:‬‬


‫الزمان‪1995/10/11 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬تل الربيع (تل �أبيب)‪.‬‬
‫املنفِّذ‪ :‬راتب زيدان ـ ِقبية‪/‬رام اهلل‪( ،‬م�ؤ َّبد)‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل ثالثة جنود‪ ،‬وجرح �آخرين‪.‬‬
‫يف ذكرى جمزرة ( ِقبية)‪ ،‬كان (راتب) على موعد مع الث�أر‪ ،‬فقد انتظر حلول‬
‫الذكرى لينفّذ هجو َمه ُفيع ِّلم املحتل �أن جمزرته الب�شعة �ستبقى حمفور ًة يف ذاكرة‬
‫ّ‬
‫لت�شك َل ُملهِ م ًا ودافع ًا ملوا�صلة اجلهاد واملقاومة‪ ،‬و�أنه‬ ‫�أبناء القرية و�أبناء فل�سطني‪،‬‬
‫مرات ومرات‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫�سيدفع ثمن جرميته‬

‫وقب َ‬
‫ـل �أوالده‪،‬‬ ‫و�ضوءه لل�صالة‪ ،‬و ّدع زوجته ّ‬
‫َ‬ ‫جماهدنا فجراً‪َ ّ ،‬‬
‫تو�ض�أ‬ ‫ُ‬ ‫ا�ستيقظ‬
‫وم�ضى �إىل م�سجد القرية لأداء �صالة الفجر‪ .‬ثم انطلق ب�سيارته وعيونُه تنظر �إىل‬
‫وجهه �شطر (تل الربيع)‪،‬‬
‫َ‬ ‫حواري وبيوت و�أرا�ضي القرية نظر َة مو ِّدع‪ ،‬وولىّ‬
‫م�رسح بطول ِته‪.‬‬
‫َ‬ ‫لتكون‬

‫طاف (راتب) كالن�رس حم ِّلق ًا فوق �أر�ضه‪ ،‬عيناه ّ‬


‫حتدقان ذهاب ًا و�إياب ًا تبحثان‬
‫ينق�ض عليها‪ ،‬حتى وجد �ضا ّلته‪ ،‬حمطة انتظارٍ ُّ‬
‫تعج بجنود االحتالل‪،‬‬ ‫عن فري�سة ُّ‬
‫كع�صف م�أكول بني‬
‫ٍ‬ ‫ل�سيارته العنان لتدو�س ر�ؤو�س املحت ّلني‪ ،‬فتجعلهم‬
‫ف�أطلق ّ‬
‫قتيل وجريح‪.‬‬
‫ٍ‬

‫ال�سكاكني؛ ما‬
‫ومن الأمثلة الأخرى على عمليات املقاومة ال�شعبية وحرب ّ‬
‫املجاهدين‪ :‬عامر �أبو �رسحان‪ ،‬عماد زيدان‪� ،‬إياد ّ‬
‫البطاط‪ ،‬وهيب‬ ‫ِ‬ ‫نفّذه ٌّ‬
‫كل من‬
‫�أبو الرب‪ ،‬زيد الكيالين‪ ،‬ماهر �أبو �رسور‪� ،‬أحمد الفليت‪ ،‬من�صور ريان‪ ،‬هيثم‬
‫‪121‬‬

‫جملة‪ ،‬ف�ؤاد �أبو العمرين‪ ،‬هاين جابر‪ ،‬وجمموعة عملية م�صنع كارين‪ ،‬ووحدة‬
‫بدر‪ ،‬وخلية البلدة القدمية يف اخلليل‪ ،‬و�أمثلة كثرية �أخرى‪...‬‬

‫ومثلها �أمثل ٌة على عمليات املقاومة ال�شعبية الأخرى‪ :‬ال�سيارات‪ ،‬واحلجارة‪،‬‬


‫والزجاجات احلارقة‪ .‬ومنهم املجاهد ال�شخ�شري‪ ،‬و�ساهر التمام‪ ،‬وجمموعة‬
‫ال�شعبية ـ نابل�س‪...‬‬
‫ّ‬ ‫امل�ساكن‬

‫عمليات �إطالق النار‪:‬‬


‫متحرك‪:‬‬
‫متحرك نحو هدف ِّ‬
‫�أ ـ �إطالق النار من موقع ِّ‬
‫عملية ال�شجاعية‬
‫الزمان‪1992/12/7 :‬م‪.‬‬
‫املكان ‪ :‬حي ال�شجاعية ـ مدينة غزة‪.‬‬
‫املنفِّذون‪ :‬عماد عقل ـ غزة‪ ،‬وكان م�س�ؤول اخللية‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫جميل وادي ـ غزة‪ ،‬وهو �سائق املجموعة‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫حمدي ان�صيو ـ غزة‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل ثالث جنود‪.‬‬
‫وهي من �أوائل عمليات التجاوز التي �أبدع فيها القائد عماد‪ .‬حيث انطلق‬
‫حددوه‬
‫وتوجهوا �صوب ال�شارع الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ب�سيارتهم وقد اتّخذ ٌّ‬
‫كل موق َعه‪،‬‬ ‫الأبطال ّ‬
‫مهل انتظاراً ملرور الهدف‪ ،‬وبعد قليل َ‬
‫الح جيب‬ ‫م�سبق ًا‪ ،‬ثم �سارت ال�سيارة على ٍ‬
‫ال�سيارة‬
‫أوامره ب�أنْ تبقى ّ‬
‫ع�سكري من بعيد ي ّتجه �صوبهم‪ ،‬ف�أعطى القائد عماد � َ‬
‫على �سريها الطبيعي؛ لأنهم ال يريدون مهاجمة وجه لوجه‪ ،‬بل االنق�ضا�ض على‬
‫اجليب من نقطة �ضعفه من اخللف‪.‬‬
‫‪122‬‬

‫ّ‬
‫تخطاهم اجليب‪ ،‬بينما بقوا يف م�سارهم‪ ،‬وما �أن اختفى عن‬ ‫وهكذا‬
‫�أنظارهم حتى ا�ستدارت ال�سيارة ب�رسعة‪ ،‬وانطلقت تلحق بفري�س ِتها‪ ،‬وت� ّأه َب‬
‫البطالن للمهمة‪ :‬عماد يتكفّل باجلندي اجلال�س يف املقعد اخللفي‪ ،‬بينما يقوم‬
‫املقدمة‪.‬‬
‫اجلال�سنيِ يف ِّ‬
‫َ‬ ‫�أحمد مبهاجمة اجلند َّينيِ‬

‫تقدم جميل مبهار ٍة حتى �أ�صبحت ال�سيارة مبحاذاة اجليب‪ ،‬وتالقت املر�آتان‪،‬‬
‫َّ‬
‫ويف تلك اللحظة �ضغطت الأ�صابع على ال ِّزناد‪ ،‬وانطلقت احلناجر بال ّتكبري‪،‬‬
‫لت�ستقر يف �أج�ساد اجلنود الثالثة الذين مت َّلك ْتهم احلرية‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الر�صا�صات‬
‫واندفعت َّ‬
‫دوا�سة‬ ‫َ‬
‫�ضغط جميل على ّ‬ ‫فلم ي�ستيقظوا منها �إال وقد َّ‬
‫تخطفهم املوت‪ .‬وعندئذ‬
‫البنزين ليغادروا املوقع �آمنني‪.‬‬

‫ومثلها كانت جمموع ٌة من عمليات ال�شهيد عماد عقل و�إخوانه‪ :‬عملية‬


‫اخلليل يف ‪1992/10/22‬م‪ ،‬وعملية احلاووز يف ‪1992/12/12‬م‪ ،‬وعملية‬
‫تقّوع يف ‪1993/7/8‬م‪ ،‬وعملية (كريات �أربع) يف �آذار من العام ‪1993‬م‪،‬‬
‫وعملية (قرن ثور) يف ني�سان من العام ‪1993‬م‪ .‬وعمليات خلية �صوريف‪:‬‬
‫يف ‪1996/1/7‬م‪ ،‬ويف ‪1996/7/27‬م‪ ،‬وعملية مفرق بني نعيم يف‬
‫‪2000/12/8‬م‪ ،‬وعملية الفح�ص يف كانون الأول عام ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪123‬‬

‫متحرك نحو هدف ثابت‪:‬‬


‫ب ـ �إطالق النار من موقع ِّ‬
‫عملية ع�صيون‬
‫الزمان‪2005/10/17 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬موقف حافالت (ع�صيون) ـ اخلليل‪.‬‬
‫املنفِّذون‪ :‬حممد اجلوالين ـ اخلليل‪ ،‬وهو �سائق املجموعة‪.‬‬
‫�شكيب العويري ـ اخلليل‪.‬‬
‫مو�سى وزوز ـ اخلليل‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬ثالثة قتلى‪ ،‬و�أربعة جرحى‪.‬‬
‫�صهيوني ٌة قريب ٌة من مدينة اخلليل‪ ،‬ح�صين ٌة يف موقعها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م�ستوطن ٌة‬ ‫(ع�صيون)‪،‬‬
‫أبراج مراقبة‪ ،‬وكانت الطريق‬ ‫ومع�سكرات و� ُ‬
‫ٌ‬ ‫م�ستوطنات وحواج ُز‬
‫ٌ‬ ‫حتيطها‬
‫املارة فيها‪ ،‬ولكرثة احلواجز ال ّثابتة‬
‫إ�رسائيلية ّ‬
‫ّ‬ ‫امل�ؤ ِّدية �إليها َخ ِطر ًة لكرثة املركبات ال‬
‫والطيارة املوجودة ب�صورة �شبه دائمة عليها‪ ،‬مما جعلها ذات ح�صانة ومنعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫قرر املجاهدون اخرتاق ح�صانتها‪ ،‬و�رضب الغا�صبِني على �أبوابها‪ ،‬وتقدمي‬
‫ّ‬
‫�رضبتهم هديّ َة ث�أرٍ يف الذكرى الهجرية ملجزرة احلرم الإبراهيمي يف ‪15‬رم�ضان‪.‬‬
‫تلق بادئ الأمر قب ً‬
‫وال‪ ،‬وذلك خلطورتها‬ ‫عر�ض حممد الفكر َة على �إخوانه‪ ،‬فلم َ‬
‫َ‬
‫تدار�سها بعد �أن ق ُِّدمت‬
‫َ‬ ‫اجلميع‬
‫َ‬ ‫وارتفاع ن�سبة املراهنة واملجازفة فيها‪� ،‬إال �أنّ‬
‫ّ‬
‫للخطة املقرتحة‪ ،‬فاتّفقوا على ال�شرُّ وع يف الإعداد لها‪..‬‬ ‫التفا�صيل الكاملة‬

‫موقف للحافالت ال�صهيونية‪ ،‬يقف عليه‬


‫ٌ‬ ‫وعلى مدخل امل�ستوطنة‪ ،‬يوجد‬
‫َ‬
‫امل�ستوطنة انتظاراً حلافالت ومركبات تُق ّلهم يف طريقهم �إىل م�ستوطنة‬ ‫ّ‬
‫�سكان‬
‫ّفق‬
‫ال�صهيونية املحيطة‪ ،‬فات َ‬
‫ّ‬ ‫(كريات �أربع) وغريها من امل�ستوطنات واملع�سكرات‬
‫قرروا‬
‫الإخوة على �أن يكون هذا املوقف مق�صدهم‪ ،‬ولعلمهم بخطورة املوقع‪ّ ،‬‬
‫‪124‬‬

‫االعتماد على مبد�أ ال�سرّ عة واملباغتة؛ بحيث ال ي�ستغرق الهجوم واالن�سحاب‬


‫�أكرث من ب�ضع دقائق‪ ،‬ي�صلوا بعدها �إىل منطقة الأمان‪.‬‬

‫وف ََّـر الإخوة ر�شا�ش (كارلو غو�ستاف)‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ر�شا�ش املجموعة‬
‫قوتهم ال�ضاربة‪ ،‬مما يوفّر لهم نتائج �أف�ضل‪،‬‬
‫(الكال�شنكوف)‪ ،‬وذلك لزيادة ّ‬
‫و�رسع ًة يف الأداء‪ ،‬وقدر ًة على مواجهة �أي طارئ‪.‬‬

‫أنف�سهم كما اقت�ضت اخلطة‪ ،‬وانطلقوا للعمل‪ ..‬حتى‬ ‫عد املجاهدون � َ‬ ‫َ�أ َّ‬
‫و�صلوا املوقع قُبيل املغرب بقليل‪ ،‬فوجدوا فيه ما ال ُّ‬
‫يقل عن اثني ع�رش م�ستوطن ًا‬
‫يهودي ًا يقفون يف املحطة‪ ،‬وال تقف معهم � ُّأي حرا�سة‪ ،‬ففرحوا بذلك وا�ستب�رشوا‬
‫لتفح�صه‪ ،‬ففوجئوا بوجود حاجز‬
‫ال�س َري يف ال�شارع ّ‬
‫بنجاح املهمة‪ ،‬ثم وا�صلوا ّ‬
‫(العروب)‪ ،‬و�شعروا ب�أن هذا احلاجز‬
‫ّ‬ ‫ع�سكري يرب�ض قريب ًا من مدخل خميم‬
‫ّ‬
‫للخطة‪ ،‬وت�شاورٍ‬ ‫للمعطيات اجلديدة‪ ،‬ومراجع ٍة‬
‫ِ‬ ‫مهمتهم‪ .‬وبعد درا�س ٍة‬
‫�سيف�شل ّ‬
‫ُ‬
‫قدموا على تنفيذها‬
‫مهم ِتهم ا�ست�شهاديةً‪ ،‬و�أنْ ُي ِ‬
‫اعتبار ّ‬
‫َ‬ ‫قر َر الإخوة‬
‫فيما بينهم‪َّ ،‬‬
‫مهما ك ّل َ‬
‫ف الأمر‪ ،‬فوجود هذا العدد الكبري من امل�ستوطنني يغري بالتنفيذ‪،‬‬
‫وا�ستعداداتهم ال�سابقة والطويلة تعطي فر�ص ًة جيد ًة للنجاح‪.‬‬

‫عاد الإخو ُة �إىل موقع التنفيذ‪ ،‬وقبالة املحطة ومن فيها من امل�ستوط ِنني‪َّ � ،‬‬
‫أطل‬
‫املجاهدان �شكيب ومو�سى من النافذة ب�أ�سلح ِتهم‪ ،‬و�شرَ َعا ب�إطالق النار‪ ،‬حيث‬
‫�أطلق �شكيب كمي ًة كبري ًة من الر�صا�ص من �سالحه (الكال�شنكوف)‪ ،‬فيما ّ‬
‫تعط َ‬
‫ـل‬
‫�سالح مو�سى (الكارلو)‪ ،‬ومل ُيطلق �أي ر�صا�صة‪.‬‬

‫ثم �سارعوا باالن�سحاب‪ ،‬وقاد حممد ال�سيار َة بال�رسعة الق�صوى باجتاه‬


‫احلاجز‪ ،‬و� َ‬
‫أخذ �شكيب ومو�سى ُي ِع ّدان ال�سالح من جديد؛ ا�ستعداداً لال�شتباك‬
‫‪125‬‬

‫َ‬
‫و�صل الإخوة �إىل احلاجز‬ ‫مع اجلنود املتواجدين على احلاجز �إنْ َل ِز َم الأمر‪ .‬فع ً‬
‫ال‪،‬‬
‫الذي يبعد عن موقع التنفيذ �أقل من كيلو مرت واحد‪ ،‬وتوقّعوا �أنْ يكونَ اجلنود‬
‫أخبار مل ت�صل �إليهم بعد‪ ،‬و�أ�صوات الر�صا�ص مل تتنا َه‬
‫بانتظارهم‪ ،‬فوجدوا �أنّ ال َ‬
‫ني مبا وفّقهم‬
‫فمر جماهدونا ب�سالم‪ ،‬وانطلقوا يف طريق العودة ف َِرح َ‬
‫م�سامعهم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫�إىل‬
‫اهلل �إليه‪.‬‬

‫ومن العمليات التي نُـفِّذت بذات الأ�سلوب‪:‬‬

‫عملية حاجز (دورا القرع)‪ ،‬يف ‪2001/11/2‬م‪ ،‬وعملية (كريات �أربع)‪،‬‬


‫وعملية (حجاي) يف حزيران ‪2005‬م‪.‬‬

‫متحرك‪:‬‬
‫ج ـ �إطالق النار من موقع ثابت نحو هدف ِّ‬
‫عملية (غان تال)‬
‫املكان‪ :‬م�ستوطنة (غان تال) ـ غزة‪.‬‬
‫اخللية‪� :‬إبراهيم �سالمة ـ خانيون�س‪/‬غزة‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫براء الأغا ـ غزة‪.‬‬
‫جمال مو�سى ـ غزة‪ ،‬وهو �سائق املجموعة‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬قتل جند َّيني و�إ�صابة ثالث‪ ،‬وغنيمة �سالح ر�شا�ش‪.‬‬
‫يتجول منفرداً يف ال�شارع‬
‫الر�صد ب�صيدٍ ثمني؛ جيب ع�سكري ّ‬
‫جاءت �أعني َّ‬
‫الأمني مل�ستوطنة (غان تال)‪ ،‬فكان قرار الإخوة وعلى ر�أ�سهم جرنال الكتائب‬
‫واال�ستيالء على �سالح اجلنود فيه‪ ،‬فا�ستدعى املجموعة‪،‬‬
‫َ‬ ‫(جميل وادي) �رض َبه‬
‫أعدوا ّ‬
‫خطـ َة الهجوم‪.‬‬ ‫وو�ضعهم بال�صورة‪ ،‬وتدار�سوا التفا�صيل‪ ،‬و� ّ‬
‫‪126‬‬

‫انطلق الأبطال‪� :‬إبراهيم‪ ،‬وبراء‪ ،‬وجمال‪ ،‬مع �ساعات الفجر الأوىل �صوب‬
‫وتقدما من‬
‫َّ‬ ‫ترج َل املجاهدان؛ �إبراهيم وبراء‪،‬‬
‫حمددة‪َّ ،‬‬
‫امل�ستوطنة‪ ،‬وعند نقطة َّ‬
‫ال�سلك ال�شّ ائك املحيط بامل�ستوطنة‪ ،‬وبدءا باحلفر �أ�سف َله بهم ٍة و�رسعة‪ ،‬ذلك‬
‫�أنّ ّ‬
‫اخلطة التي ر�سموها تقت�ضي ب�أنْ يت�س َّلال من حتت ال�سلك‪ ،‬لكنهما ا�صطدما‬
‫التقدم‪..‬‬
‫أ�سمنتي مدفونٍ يف الرمال من َعهما من ّ‬
‫ٍّ‬ ‫ب�سورٍ �‬

‫موقع‬
‫ٍ‬ ‫أ�شار �إىل‬
‫ملعرفة براء باملنطقة‪َ � ،‬‬
‫ِ‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫�أُ�صيب ال َأخوان ب�صدمة وحرية‪،‬‬
‫ووجدا مدخ ً‬
‫ال منا�سب ًا نَـفذا‬ ‫ال بدي ً‬
‫ال‪ ،‬فانطلقا �إليه دون تر ُّدد‪َ ،‬‬ ‫قريب يحوي مدخ ً‬
‫منه �إىل الداخل‪.‬‬

‫مل يكن موقع التنفيذ مثالي ًا‪ ،‬فاالحتالل �أحكم حرا�سته للم�ستوطنة‪ ،‬ومل‬
‫يحتمي بها �أو‬
‫َ‬ ‫يرتك يف املحيط �أ�شجاراً �أو �سواتر طبيعية ت�سمح للمهاجم �أن‬
‫أمني ًا يحيط بامل�ستوطنة َ‬
‫ليزيدها‬ ‫ترابي ًا � ّ‬
‫وجد املجاهدان �شارع ًا ّ‬
‫ي�ست َرت خلفها‪ .‬كما َ‬
‫جريات �صغري ًة �أ�شبه باحل�شائ�ش املرتفعة‬
‫ٍ‬ ‫ح�صان ًة وم َنعة‪� ،‬إال �أن الأبطال تخيرَّ ا ُ�ش‬
‫تنمو على حافّة الطريق فاحتميا بها‪ ،‬وكادا �أن يدفنا نف�سيهما بالرمال حتى ال‬
‫يظهر منهما �شيء‪ .‬بل وزياد ًة على ذلك‪ ،‬و�إح�سان ًا لعن�رص املباغتة‪ ،‬ف�إنهما َ‬
‫كمنا‬
‫الداخلية لل�شارع الأمني‪� ،‬أي بعك�س ما يتوقّعه جنود الدورية‪ ،‬وبعك�س‬
‫يف اجلهة ّ‬
‫�ستتوجه �إليه �أنظارهم واهتمامهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ما‬

‫أل�سن‬
‫بقلوب كال�صخر‪ ،‬وعيونٍ كال�صقر‪ ،‬و� ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كمن الأبطال انتظاراً لهدفهم‬
‫تلهج بالدعاء ِّ‬
‫والذكر‪ ،‬و�أيدٍ تقب�ض على بندقية (كارلو غو�ستاف)‪ ،‬مكتوب على‬
‫حزامها (كتائب الق�سام ـ خانيون�س)‪ ،‬وبندقية (‪ )M16‬غَ ِن َمها املجاهدون من‬
‫اجلندي ال�صهيوين (�ألون كورثاين) بعد اختطافه‪.‬‬
‫‪127‬‬

‫�سالحه من ر�صا�ص‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فانق�ض عليها �إبراهيم ِّ‬
‫بكل ما حواه‬ ‫َّ‬ ‫مرت الدورية‬
‫َّ‬
‫ال‪ ،‬وال َأخوان ال يعلمان ما ح�صل مع ّ‬
‫ركاب اجليب‪.‬‬ ‫وبراء يحمل �سالح ًا َّ‬
‫معط ً‬
‫ظن �أنّ‬
‫خرج اجلندي الثالث اجلال�س يف املقعد اخللفي‪ ،‬وقد َّ‬ ‫َ‬ ‫وبعد حلظات‪،‬‬
‫وجدهم �رصعى بد أ� بال�رصاخ‪،‬‬
‫َ‬ ‫مبحاكاة زمالئه‪ ،‬وملا‬
‫ِ‬ ‫املجاهدين ان�سحبا‪ ،‬وبد َ�أ‬
‫َ‬
‫الر�صا�ص باجتاه اخلارج حتى �أفرغ‬ ‫وتوجه نحو ال�سلك ال�شائك‪ ،‬و� َ‬
‫أخذ ُيطلق َّ‬ ‫ّ‬
‫خمزن الر�صا�ص‪ ،‬ثم انطلق يعدو مبتعداً عن املكان‪ ،‬وعندئذ �سارع �إبراهيم �إىل‬
‫انطلق خلفه يطلق الر�صا�ص عليه حتى �أ�صابه‪.‬‬
‫َ‬ ‫تبديل خمزن الر�صا�ص‪ ،‬ثم‬

‫عاد ال َأخوان �إىل اجليب‪ ،‬و�أخرجا قطعة ال�سالح الأوىل‪ ،‬وحاوال �إخراج‬
‫الثانية‪ ،‬لكنها كانت عالق ًة حتت اجلندي القتيل‪ ،‬فرتكاها و�سارعا باالن�سحاب‬
‫بعيداً عن املكان‪.‬‬

‫عمليات �أخرى بذات الأ�سلوب‪:‬‬

‫عملية م�سجد م�صعب بن عمري ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬يف ‪1993/9/14‬م‪،‬‬


‫وعملية ليلة القدر يف ‪1993/3/20‬م‪ ،‬وعملية (عمنوئيل) الأوىل يف‬
‫‪2001/12/12‬م‪ ،‬و(عمنوئيل) الثانية يف ‪.2002/7/17‬‬
‫‪128‬‬

‫د ـ �إطالق النار من موقع ثابت نحو هدف ثابت‪:‬‬


‫عملية التلة الفرن�سية ـ القد�س‪.‬‬
‫الزمان‪1992/9 :‬م‪.‬‬
‫الفرن�سية ـ مدينة القد�س‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املكان‪ :‬الت ّلة‬
‫املنفِّذون‪ :‬حممد عارف ب�شارات ـ طمون‪/‬جنني‪( ،‬م�ؤ َّبد)‪.‬‬
‫طالل ن�صار ـ غزة‪.‬‬
‫ب�شري حماد ـ غزة‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل جندي �صهيوين‪.‬‬
‫التقى املجاهد (حممد) بال َأخوين‪ :‬ب�شري وطالل‪ ،‬القاد َمني من قطاع غزة‬
‫لإحياء العمل اجلهادي الع�سكري يف ال�ضفة‪ ،‬وتناق�شوا جميع ًا بتفا�صيل العملية‬
‫الـم َع ّدة‪ ،‬واتّفقوا على خطة التنفيذ‪ ،‬ووفّروا لوازمها‪ ،‬ثم انطلقوا للتنفيذ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ارتدى حممد بدل ًة ع�سكري ًة جلي�ش االحتالل‪ ،‬وحمل بندقيته (‪ )M16‬حتى‬
‫ب�سيارتهم نحو الهدف‪ ،‬حيث ّ‬
‫حمطة‬ ‫وتوج َه به الأبطال ّ‬
‫ّ‬ ‫ين‪،‬‬
‫كجندي �صهيو ّ‬
‫ٍّ‬ ‫بدا‬
‫ت�صافح الأبطال‪ ،‬وو ّدعوا �أخاهم‬
‫َ‬ ‫إ�رسائيليون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حافالت يتوقّف عندها جنو ٌد �‬
‫ٍ‬
‫وداع ُمفارق‪ ،‬وطلبوا منه ال�شفاعة يف اجلنة‪ ،‬ثم انطلقوا وقد تركوه يف �أر�ض‬
‫َ‬
‫املعركة‪.‬‬

‫املحطة‪ ،‬ولكنه تفاج�أَ �أنها تخلو من اجلنود �إال واحداً‪،‬‬


‫ّ‬ ‫توجه حممد �صوب‬
‫َّ‬
‫عل جنوداً �آخرين يح�رضون �إىل املوقع‪ ،‬فتزداد ح�صيلة‬ ‫ال َّ‬
‫فقر َر االنتظار قلي ً‬
‫ّ‬
‫تقدم منه اجلندي‪ ،‬وحاد َثه باللغة ِ‬
‫العربية التي‬ ‫الهجوم‪ ،‬وعلى غري ما توقَّع حممد‪َّ ،‬‬
‫جماهدنا من افت�ضاح �أمره‪ ،‬فقرر �أخذ زمام املبادرة‪ ،‬رفع‬
‫ُ‬ ‫ال يعرفها‪ ،‬وهنا‪َ ،‬خ ِ�ش َي‬
‫�سالحه �صوب اجلندي ال�صهيوين‪ ،‬و�أفرغ ر�صا�صه يف ج�سد اجلندي الذي وقع‬
‫‪129‬‬

‫�رصيع ًا على الفور‪.‬‬

‫�صهيونية مليئة باجلنود ت�صل �إىل‬


‫ّ‬ ‫ويف تلك اللحظة‪ ،‬كانت �سيارة (‪)GMC‬‬
‫املحطة‪ ،‬ف�شاهدوا احلادث‪ ،‬وظ ّنوا �أنّ �شجاراً دار بني جند َّيني‪ ،‬ف�سارعوا �إىل‬
‫جندي مث ُلهم‪ ،‬بينما مل ي�ستطع هو فعل �شيء لأنّ‬
‫ٌّ‬ ‫الإم�ساك مبحمد‪ ،‬ظا ّنني �أنه‬
‫�سالحه �أ�صبح خالي ًا من ّ‬
‫الر�صا�ص‪.‬‬

‫عمليات مثلها‪:‬‬

‫عملية احلرم الإبراهيمي يف ‪1992/10/25‬م‪ ،‬وعملية اخلار�سينة يف‬


‫‪1993/12/6‬م‪ ،‬وعملية ح�سبة اخل�ضار ـ غزة يف ‪1992/5/7‬م‪ ،‬وعملية‬
‫مع�سكر ال�شيخ ر�ضوان يف ت�رشين الثاين ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪130‬‬

‫عمليات االغتيال‪:‬‬
‫عملية اغتيال (�شمعون بريان)‪ ،‬خمتار م�ستوطنة (كفار داروم)‪.‬‬
‫الزمان ‪1992/5/27 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬م�ستوطنة (كفار داروم) ـ غزة‪.‬‬
‫املنفِّذ‪� :‬أحمد الفليت ـ دير البلح‪/‬غزة‪( ،‬م�ؤ َّبد)‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬قتل خمتار امل�ستوطنة (�شمعون بريان)‪.‬‬
‫خط َط و� َّ‬
‫أعد لها املجاهد‬ ‫فردي كامل‪ّ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫تلك عملي ٌة بطولي ٌة ناجحة‪ ،‬مبجهودٍ‬
‫�أحمد‪ ،‬ونفَّذها بكفاء ٍة واقتدار‪.‬‬

‫يتوق �إىل العمل اجلهادي‪ ،‬ويبحث عن ال�شهادة‪ ،‬بينما مل يكن‬ ‫كان �أحمد ُ‬
‫ّ‬
‫ميلك من �أدواتها املا ّدية �إال �سكين ًا يجت ُّز بها ِّ‬
‫الرقاب‪� ،‬أما الأدوات املعنويّة‬
‫فحدث وال َح َرج!‬ ‫وحية‪ِّ ،‬‬
‫والر ّ‬
‫ُّ‬
‫أر�ضه يف قطاع غزة‪،‬‬
‫ين يغت�صب � َ‬
‫ال�صهيو َّ‬ ‫َ‬
‫االحتالل ّ‬ ‫فوجد‬
‫َ‬ ‫نظر �أحمد حوله‪،‬‬
‫َ‬
‫ووجد م�ستوطنة (كفار داروم) جتثم وع�رشات امل�ستوطنات على �أر�ض فل�سطني‪،‬‬
‫َ‬
‫قر َر �أن تكون‬
‫وت�سلبها من �أ�صحابها‪ ..‬ولذا‪ ،‬فقد ّ‬
‫ُ‬ ‫وتنهب خريا ِتها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فتطر ُد �أه َلها‪،‬‬
‫ِوجهته نحو كبري هذه امل�ستوطنة وخمتارها‪ ،‬واملعروف بحقده وكراهيته ِّ‬
‫لكل‬
‫فل�سطيني وعربي وم�سلم‪ ،‬ملا مي ّثله قت ُله من �أ َث ٍر معنوي على ّ‬
‫�سكان امل�ستوطنة‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫معنوي م�ضا ّد‪ ،‬واملتم ّثل بالفرحة الكبرية ل�سكان قطاع غزة‬ ‫ٍّ‬ ‫ومغت�صبيها‪ ،‬و�أ َث ٍر‬
‫الذين ذاقوا الويالت على يد هذا احلاقد‪.‬‬

‫وا�ستمر‬
‫ّ‬ ‫للم�ستوطنة وخمتارِ ها (�شمعون بريان)‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بد�أ �أحمد مرحل َة ر�صدٍ طويلة‬
‫حد َد �أحمد خاللهما من �أين ُت� َؤكل الكتف‪.‬‬
‫ير�صد ويتابع طوال �شهرين‪ّ ،‬‬
‫‪131‬‬

‫وتوجه تلقاء املوقع‬


‫َّ‬ ‫ثم اندفع بط ُلنا �إىل مغت�صبة (كفار داروم) يحمل ّ‬
‫�سكينه‪،‬‬
‫الذي اعتاد �أنْ يرى فيه هدفه‪ ،‬ومل يح َت ْج �إىل وقت طويل من االنتظار‪ ،‬فقد كان‬
‫ال�صهيوين امل�ستهدف يف مكانه على عادته‪.‬‬
‫ال‪ ،‬و�أعمل ّ‬
‫�سكينه يف ج�سده ف�أرداه‬ ‫انق�ض �أحمد عليه انق�ضا�ض ًا عنيف ًا قات ً‬
‫َّ‬
‫ح�شد من‬
‫ٌ‬ ‫اندفع خلفه‬
‫َ‬ ‫�رصيع ًا على الفور‪ ،‬وانطلق حماو ًال االبتعاد عن املكان‪ ،‬بينما‬
‫جنود االحتالل وقطعان امل�ستوط ِنني يالحقونه و ُيطلقون عليه النار‪ ،‬حتى �أ�صاب ْته‬
‫ر�صا�ص ٌة يف كتفه طرح ْته �أر�ض ًا بجراح بالغة اخلطورة‪ ،‬و�شاءت �إرادة اهلل �أن‬
‫الرغم من �أنه مل يكن بينه وبني ال�شهادة التي مت ّناها �إال حلظات‪...‬‬
‫يعي�ش‪ ،‬على ّ‬

‫***‬
‫‪132‬‬

‫عمليات اخلطف‪:‬‬
‫�أ ـ اخلطف الفردي‪:‬‬
‫عملية خطف اجلندي (�شارون �إدري)‪.‬‬
‫الزمان‪1996/9/9 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪� :‬رصفند ـ تل الربيع (تل �أبيب)‪.‬‬
‫اخللية‪ :‬جمال الهور ـ �صوريف‪/‬اخلليل‪.‬‬
‫مو�سى غنيمات ـ �صوريف‪/‬اخلليل‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫رائد �أبو حمدية ـ �صوريف‪/‬اخلليل‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫عبد الرحمن غنيمات ـ �صوريف‪/‬اخلليل‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬خطف اجلندي وقتله‪.‬‬
‫مرتني‬ ‫ليلية مبعدل ّ‬
‫د� َأب جماهدو خلية �صوريف على اخلروج يف جولة ّ‬
‫إ�رسائيلي ي�أ�رسوه‪ ،‬وا�ستمروا على هذا احلال زمن ًا‬
‫ٍّ‬ ‫جندي �‬
‫ٍّ‬ ‫�أ�سبوعي ًا؛ بحث ًا عن‬
‫جتولوا خالله ب�سيارتهم يف طول البالد وعر�ضها‪ ،‬و�ساروا على �أقدامهم‬ ‫طوي ً‬
‫ال‪ّ ،‬‬
‫ال�رسية ال�صهيونية بحث ًا عن ُبغيتهم‪ ،‬حتى كان‬ ‫طوي ً‬
‫ال وهم يلب�سون زِ ّي ال�رشطة ّ‬
‫التا�سع من �أيلول من العام ‪1996‬م‪.‬‬

‫توجه املجاهدون (جمال) و(مو�سى) و(رائد) ب�سيارتهم بعد �أن �أح�سنوا‬


‫ّ‬
‫بال�سواد حتى ال يظهر ما بداخلها للخارج‪،‬‬ ‫اال�ستعداد‪ّ ،‬‬
‫فغطوا زجاج ال�سيارة ّ‬
‫وجهزوا �أبوابها بالأقفال حتى تُفتح من اخلارج وال تُفتح من الداخل‪ ،‬وذلك‬ ‫ّ‬
‫امل�سجل �رشيط ًا غنائي ًا باللغة العربية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حتى ال ّ‬
‫يتمكن الأ�سري من الفرار‪ ،‬وو�ضعوا يف‬
‫و�ألقوا بع�ض ال�صحف العربية يف ال�سيارة‪ ،‬ثم انطلقوا متوكلني على اهلل‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫كانت ِوجهتهم نحو م�ست�شفى (�رصفند)‪ ،‬ذلك �أنّ عز َمهم كان � اّأل ي�أ�رسوا‬
‫�إال جندي ًا‪ّ ،‬‬
‫وجتولوا ب�سيارتهم كاملعتاد‪� ،‬أ�شار اجلندي (�شارون �إدري) لل�سيارة‬
‫وحتدث معه (مو�سى) باللغة العربية بطالقة‪ ،‬فركب اجلندي يف املقعد‬
‫فتوقّفت‪ّ ،‬‬
‫اخللفي بجانب املجاهد (رائد)‪ ،‬وانطلقت به ال�سيارة تعرب به الطريق مبتعد ًة‬
‫نحو نهايته‪.‬‬

‫كانت اخلطة تق�ضي ب�أن يجل�س (جمال) يف الكر�سي الأمامي‪ ،‬وي�ضع‬


‫م�سد�سه حتت فخذه‪ ،‬وحزام الأمان على و�سطه‪ ،‬بينما يجل�س (رائد) بجانب‬
‫ّ‬
‫اجلندي يف الكر�سي اخللفي‪ ،‬وقد تظاهر ب�أنه نائم‪ ،‬بينما يداه تلتفّان �إىل �صدره‪،‬‬
‫وم�سد�سه يف يده خمبوء حتت �إبطه‪ ،‬والر�صا�صة يف بيت النار‪ ،‬حتى �إذا اقت�ضى‬
‫ّ‬
‫الأمر �رسعة اال�ستخدام‪ ،‬ويف اللحظة التي يبد�أ فيها (جمال) بنزع حزام الأمان‪،‬‬
‫يقوم (رائد) ب�رضب اجلندي على وجهه بكعب امل�سد�س بينما يلتفت (جمال)‬
‫وي�ضع م�سد�سه يف ر�أ�سه حتى ي�س ّلم باالختطاف‪.‬‬

‫�سارت اخلطة كما هو مر�سوم‪ ،‬ولكن بعد �أنْ �سارت ال�سيارة م�ساف ًة لي�ست‬
‫الريبة‪ ،‬و� َ‬
‫أخذ يلتفت مين ًة وي�رسة‪ ،‬عندئذ وبغري‬ ‫�شيئ من ّ‬
‫�ساور اجلندي ٌ‬
‫َ‬ ‫طويل ًة‬
‫م�سد�سه �إىل �صدر اجلندي‪ ،‬و�أطلق ثالث‬
‫ّ‬ ‫�صو َب (رائد)‬
‫ما اقت�ضت اخلطة ّ‬
‫ر�صا�صات‪ ،‬ف�أ�صاب اجلندي باثنتني‪ ،‬بينما انحرفت الر�صا�صة الثالثة لت�صيب‬
‫�سكت �إىل الأبد‪.‬‬
‫َ‬ ‫ج�سم ال�سيارة‪ ،‬ف�رصخ اجلندي‪�( :‬أمي‪� ..‬أمي)‪ ،‬ثم‬

‫بعد حلظات كان املجاهدون يقفون ا�ضطراراً �أمام �إ�شارة َ�ضوئية يتواجد‬
‫أر�ضيـة ال�سيارة وتغطيتها‬
‫املارة‪ ،‬ف�سارعوا �إىل و�ضع اجلثة يف � ّ‬
‫عندها بع�ض ّ‬
‫بقمي�ص �أحدهم‪.‬‬
‫‪134‬‬

‫غريب ومفاجئ‪ ،‬خرجت من اجلندي رائح ٌة‬


‫ٍ‬ ‫وب�شكل‬
‫ٍ‬ ‫ويف تلك اللحظة‬
‫مي�ض على موته �سوى ب�ضع دقائق‪ ،‬حتى كاد الإخوة يخرجون من‬
‫كريهة‪ ،‬ومل ِ‬
‫و� التي متر عليهم‬
‫ل�شدة الرائحة‪ ،‬بل و�صفوها لنا ب�أنها الرائحة الأ�س أ‬
‫ال�سيارة ّ‬
‫طوال حياتهم! وقد حاولوا فيما بعد �إزالة الرائحة من ال�سيارة بالغ�سل والتنظيف‬
‫ور�ش العطور‪ ،‬ولكن دون جدوى‪ ،‬فا�ضطروا �إىل ا�ستبدال فر�ش ال�سيارة ب�آخر‬
‫ّ‬
‫جديد‪..‬‬

‫أعد املجاهدون‬ ‫املعدة م�سبق ًا‪ ،‬فقد َ‬


‫�سبق �أنْ � َّ‬ ‫بد�أ العمل مبا�رشة وفق اخلطة ّ‬
‫مكان ًا �آمن ًا لإخفاء اجلندي وهو على قيد احلياة للمقاي�ضة عليه‪ ،‬لكنهم مل ّ‬
‫يعدوا‬
‫مكان ًا جل ّثة!‬

‫وفور و�صولهم حميط (�صوريف)‪ ،‬بد�ؤوا بحفر قرب للجندي امليت‪ ،‬وا�ستغرق‬
‫تعر�ضوا خاللها �إىل مواقف �صعبة‪ ،‬فقد‬
‫العمل طوال الليلة حتى ا�ستطاعوا �إجنازه‪ّ ،‬‬
‫كان الو�ضع الأمني َح ِرج ًا‪ ،‬وطائرات االحتالل جتوب ّ‬
‫اجلو وتر�صد املنطقة‪.‬‬

‫أعدوها على‬
‫�أخذ الإخوة �أوراق اجلندي ال ّثبوتية‪ ،‬ودفنوه يف احلفرة التي � ّ‬
‫َعجل‪ ،‬و�أبقوه فيها �شهرين‪ ،‬ثم قام ال َأخوان (عبد الرحمن) و (جمال) بعد ذلك‬
‫بتغيري موقع اجل ّثة احتياط ًا؛ حتى ال يكون باقي �أفراد اخللية على علم مبوقع اجل ّثة‪.‬‬

‫وبقيت اجلثة يف موقعها مدفون ًة ت�سع َة �أ�شهر‪ ،‬مل يكن خاللها لدى حكومة‬
‫ٌ‬
‫خمطوف لدى الفل�سطينيني‪� ،‬إىل �أن اع ُتقلت‬ ‫اجلندي‬
‫َّ‬ ‫علم ب�أن‬
‫االحتالل � ُّأي ٍ‬
‫وك�شف مكان اجلثة‪ ،‬وحينئذ خرج رئي�س وزراء العدو (بنيامني نتيياهو)‬ ‫اخللية‪ُ ،‬‬
‫ليعلن بنف�سه �أن (�شارون �إدري) كان خمطوف ًا‪ ،‬و�أنهم عرثوا �أخرياً‬
‫َ‬ ‫�إىل الإعالم‪،‬‬
‫على ج ّثته‪.‬‬
‫‪135‬‬

‫ويالحظ �أن جميع عمليات اخلطف التي قامت بها الكتائب كانت فرديةً‪� ،‬إال واحدة‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬

‫�آيف �س�سبورتا�س‪ ،‬يف ‪1989/2/26‬م‪ ،‬و�إيالن �سعدون‪ ،‬يف ‪1989/5/3‬م‪،‬‬


‫و�ألون كورثاين‪ ،‬يف ‪1992/8/11‬م‪ ،‬ون�سيم طوليدانو ‪1992/12/13‬م‪،‬‬
‫ويرون ‪1993/8/5‬م‪ ،‬ونح�شون فاك�سمان‪ ،‬و�سا�سون‪ ،‬وجلعاد �شاليط‪...‬‬

‫ب ـ اخلطف اجلماعي‪:‬‬
‫عملية خطف احلافلة ـ القد�س‪.‬‬
‫الزمان‪1993/7/1 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬التلة الفرن�سية‪/‬القد�س‪.‬‬
‫اخللية‪ :‬ماهر �أبو �رسور ـ خميم عايدة‪/‬بيت حلم‪ ،‬وهو م�س�ؤول اخللية‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫حممد عزيز ر�شدي ـ خميم العروب‪/‬اخلليل‪ ،‬وهو القائد العام‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫حممد الهندي ـ بيت حلم‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫�صالح عثمان ـ خميم جباليا‪/‬غزة‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل اثنني من ال�صهاينة وجرح �آخرين‪.‬‬
‫اجلماعية الوحيدة التي نفّذتها كتائب الق�سام منذ‬
‫ّ‬ ‫هي عملية االختطاف‬
‫انطالق حركة املقاومة الإ�سالمية (حما�س)‪ ،‬مبعنى �أنها العملية الوحيدة التي‬
‫ا�ستهدفت اختطاف عدد من اجلنود ولي�س جندي ًا واحداً‪ .‬حيث بد�أ القائد‬
‫ال�شهيد (حممد عزيز) و�إخوانه بالإعداد لعملي ٍة تهدف �إىل �أ�رس عدد كبري من‬
‫ال�صهاينة‪ ،‬وذلك ملقاي�ضتهم بجميع الأ�رسى يف �سجون االحتالل‪.‬‬
‫‪136‬‬

‫أعد املجاهدون اخلطة‪ ،‬وتدار�سوها مع ًا‪ ،‬وو�ضعوا جميع االحتماالت‬


‫� َّ‬
‫املمكنة‪ ،‬وا�شرتك يف ذلك املجاهدون الثالثة �أع�ضاء اخللية مع قيادتهم‪ ،‬ثم‬
‫وم�سد َ�سني‪ ،‬وحقيب َتنيِ نا�سف َتنيِ‬
‫َّ‬ ‫املكونَ من بندقية (‪،)M16‬‬
‫ّ‬ ‫ت�س ّلموا العتاد‬
‫لتنفيذ املهمة‪.‬‬

‫بهمة عالية يحملون عتادهم‪ ،‬ويحلمون بلقاء ربهم‪ ،‬و�صلوا‬


‫انطلق الأبطال ّ‬
‫�إىل مدينة القد�س‪ ،‬وهناك بحثوا عن حافل ٍة ي�ستهدفونها‪ ،‬فوقع اختيارهم على‬
‫حافلة مزدوجة (قاطرة ومقطورة)‪ ،‬العتقادهم �أنها حتمل عدداً كبرياً من‬
‫عدة وامل َّتفق‬
‫الـم َّ‬
‫الرهائن‪� .‬إال �أنّ ذلك �أوقعهم يف خط أ� قاتل‪ ،‬حيث خالفوا اخلطة ُ‬
‫ّ‬
‫عليها‪� ،‬إذ �أن ُع ّدتهم وعددهم مل تكن تكفي لل�سيطرة على حافلة مزدوجة مليئ ٍة‬
‫ّ‬
‫بالركاب‪.‬‬

‫متفجرة‪ ،‬وبندقية‬
‫ّ‬ ‫ركب (حممد) و (ماهر) يف القاطرة الأوىل معهما حقيبة‬
‫متفجرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ا�ستقل (حممد) القاطرة الثانية ومعه حقيبة‬ ‫(‪ )M16‬وم�سد�س‪ ،‬فيما‬
‫مقدمة احلافلة‪ ،‬و�أعلن ّ‬
‫للركاب �أنّ احلافلة مخُ تطفة‪،‬‬ ‫وقف (ماهر) يف ِّ‬
‫وم�سد�س‪ ،‬ثم َ‬
‫ّ‬
‫�سيفجرون احلافلة بهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫و�أن عليهم التزام الهدوء وال�صمت‪ ،‬و�إال ف�إن املجاهدين‬
‫�أما (�صالح) فقد تظاهر ب�أنه �أحد املخطوفني‪..‬‬

‫وبينما الأمر حتت ال�سيطرة‪ ،‬قامت امر�أ ٌة يهودية مبحاولة خطف �سالح‬
‫بجراح َخ ِطرة‪ ،‬فد ّبت الفو�ضى‬
‫ٍ‬ ‫(ماهر)‪ ،‬ف�أطلق عليها الر�صا�ص و�أ�صابها‬
‫والإرباك يف احلافلة‪ ،‬ثم انطلقت بع�ض الطلقات �أ�صابت �إحداها ر�أ�س (�صالح)‪،‬‬
‫ف�سقط على الأر�ض م�صاب ًا بجراح َخ ِطرة‪ ،‬وحاول ال�سائق ا�ستغالل الفو�ضى‬
‫وخطف ال�سالح من يد (ماهر)‪� ،‬إال �أنّ (ماهر) عاجله بر�صا�صة �أردتْه قتي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫‪137‬‬

‫�سارت احلافلة بدون �سائق م�ساف ًة ق�صرية‪ ،‬ثم ما لبثت �أن ا�صطدمت بعمود‬
‫كهرباء‪ ،‬فقف َز املجاهدان (ماهر) و (حممد) من احلافلة حماولني االن�سحاب من‬
‫املوقع‪ ،‬و�سارعا �إىل �إيقاف �سيارة �إ�رسائيلية تقودها �سيدة يهودية‪ ،‬وركبا معها‬
‫حتت تهديد ال�سالح‪ ،‬وانطلقا �صوب مدينة (بيت حلم)‪.‬‬

‫بد�أت عملية مطاردة �رش�سة‪ ،‬وانطلقت ع�رشات املركبات الع�سكرية‬


‫مروحية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتوجههم طائرة‬
‫ّ‬ ‫ال�صهيونية تالحق املجاهدين‪ ،‬تقودهم‬

‫ويف هذه الأثناء‪ ،‬حاولت اليهودية التي تقود ال�سيارة �أن تتباط�أ‪ ،‬ومل تتجاوب‬
‫ورميـها من ال�سيارة‪ ،‬ف�أ�صابوها �إ�صابة‬
‫َ‬ ‫فف�ضلوا ق ْتـ َلها‬
‫مع توجيهات املجاهدين‪ّ ،‬‬
‫لت�ستقر على حافة الطريق‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫غري مبا�رشة‪ ،‬فانحرفت ال�سيارة عن م�سارها‬
‫َ‬
‫وحرق جثامينهم‪.‬‬ ‫�أُ�صيب ّ‬
‫كل من فيها‪ ،‬فقام االحتالل باعتقالهم‪ ،‬ثم ق َتـ َلهم‬
‫‪138‬‬

‫عمليات التفجري‪:‬‬
‫�أ ـ العمليات اال�ست�شهادية‪:‬‬
‫‪1‬ـ با�ستخدام ال�سيارات املفخخة‪:‬‬
‫عملية (دير �رشف)‪.‬‬
‫الزمان‪2001/4/29 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬مدينة نابل�س‪.‬‬
‫املنفّذ‪ :‬اال�ست�شهادي جمال نا�رص ـ نابل�س‪.‬‬
‫كان (جمال) من ن�شطاء الكتلة الإ�سالمية يف جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬وكان‬
‫بحث بط ُلنا عن ال�شهادة طوي ً‬
‫ال‪ ،‬حتى‬ ‫َ‬ ‫�أحد م�س�ؤويل اللجنة الدعوية فيها‪.‬‬
‫وجدها قريب ًة منه‪ ،‬ووجد الأبواب تُفتح له م�رشعةً‪ ،‬فاندفع �إليها م�رسع ًا ال يهاب‬
‫املوت‪..‬‬

‫وتطيب‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫�أعد (�أبو خالد) نف�سه للقاء ربه‪ ،‬فاغت�سل ولب�س �أجمل الثياب‬
‫خرج مبت�سم ًا فرح ًا بقرب املوعد الذي مت ّناه‪.‬‬

‫واملح�شوة بع�رشات الكيلوغرامات من‬


‫ّ‬ ‫املفخخة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ركب (جمال) �سيارته‬
‫وتوجه‬
‫ّ‬ ‫املتفجرة وال�شّ ظايا‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ا�سطوانات الغاز وقذائف الهاون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املواد‬
‫�إىل الهدف املحدد‪ .‬وكان الهدف يومها حافل ًة �صهيوني ًة تخرج من م�ستوطنة‬
‫(�شايف �شمرون) يف بلدة (دير�رشف) املحاذية ملدينة نابل�س‪ ،‬ولقد كانت حافل ًة‬
‫مليئ ًة بالركاب‪ ،‬تخرج من امل�ستوطنة ب�شكل منتظم‪ ،‬فتوقّف (جمال) بال�سيارة‬
‫يف نقطة قريبة من مدخل امل�ستوطنة انتظاراً ملرور هدفه‪ ...‬ويف اللحظة التي‬
‫خرجت فيها احلافلة من امل�ستوطنة و�سارت على ال�شارع‪ ،‬اندفع (جمال)‬
‫‪139‬‬

‫ب�سيارته نحوها بال�رسعة الق�صوى‪ ،‬وعند نقطة ال�صفر �ضغط على مفتاح ال�شهادة‬
‫فانفجرت ال�سيارة باحلافلة وتطايرت النريان منها‪� ،‬إال �أنّ احلافلة كانت م�صفّحة‪،‬‬
‫الأمر الذي ق ّلل من خ�سائر االحتالل و�إ�صاباته‪.‬‬

‫م�صور مبت�سم ًا‬


‫َّ‬ ‫ويف امل�ساء‪ ،‬ظهر �شهيدنا على �شا�شات التلفاز يف �رشيط‬
‫متو�شح ًا بالأخ�رض ومتزين ًا بال َع�صبة‪ ،‬وخاطب العامل قائ ً‬
‫ال‪« :‬يا �أبناء فل�سطني‪ ،‬يا‬ ‫ّ‬
‫�أبناء جامعة النجاح احلبيبة‪ ،‬التفّوا حول خيار املقاومة‪ ،‬و�أع ِلنوا راية اجلهاد»‪.‬‬

‫املفخخة التي يقودها‬


‫ومن الأمثلة الأخرى على ا�ستخدام �أ�سلوب ال�سيارة ّ‬
‫ا�ست�شهادي‪:‬‬
‫‪ -‬عملية (ميحوال)‪ ،‬يف ‪1993/4/16‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�ساهر التمام)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (بيت �إيل)‪ ،‬يف ‪1993/10/3‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�سليمان زيدان)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (نتانيا)‪ ،‬يف ‪2001/1/1‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (حامد �أبو حجلة)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية غزة‪ ،‬يف ‪2001/6/22‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�إ�سماعيل املع�صوابي)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (�سنجل)‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�سالمة الأحمد)‪.‬‬
‫‪140‬‬

‫‪ 2‬ـ بوا�سطة عمليات التفجري‪:‬‬


‫عملية (البحر)‬
‫الزمان‪2000/12/7 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪� :‬شواطئ غزة‪.‬‬
‫املنفّذ‪ :‬اال�ست�شهادي حمدي ن�صيو ـ غزة‪.‬‬
‫وهي �أوىل العمليات اال�ست�شهادية البحر ّية يف تاريخ العمل الفل�سطيني‬
‫املقاوم‪ ،‬و�أوىل عمليات كتائب الق�سام اال�ست�شهادية يف انتفا�ضة الأق�صى‪،‬‬
‫ولقد كانت عملي ًة نوعي ًة جريئ ًة �أ ّدت �إىل تدمري زورق حربي �صهيوين من نوع‬
‫(د ّبور)‪� ،‬إال �أنها القت تعتيم ًا �إعالمي ًا كام ً‬
‫ال من ِقبل املحتل‪.‬‬

‫الب ّـر‪ ،‬ليكون‬


‫فقد قررت الكتائب �إ�شعال البحر حتت االحتالل كما �أ�شعلت َ‬
‫زورق �صيدٍ مثق ً‬
‫ال باملواد املتفجرة ليكون‬ ‫َ‬ ‫ما�ؤه قرباً لبني �صهيون‪ ،‬ف� ّ‬
‫أعدت‬
‫االنفجار �شديداً‪ ،‬و�أعدت للمهمة فار�س ًا مميزاً‪ ،‬اال�ست�شهادي البطل (حمدي)‪،‬‬
‫الذي كان على جاهزية دائمة للفداء‪.‬‬

‫انطلق حمدي بعبوته املتحركة (الزورق) يجوب بحر غزة ط ً‬


‫وال وعر�ض ًا‪،‬‬
‫وتوغّ ل يف عر�ض البحر‪ ،‬لي�صل �إىل الزوارق احلربية الإ�رسائيلية ال�رسيعة التي تقوم‬
‫بحرا�سة املياه منع ًا من تهريب ال�سالح والرجال‪.‬‬

‫العدو‬
‫ّ‬ ‫�صيده‪ ،‬فانطلق نحوه بخربة ال�صياد‪ ،‬ومل ي�ستطع زورق‬ ‫ُ‬ ‫والح له‬
‫يح�سوا به �إ ّال وقد انغر�س يف ج�سم زورقهم‪ ،‬ثم انفجر ّ‬
‫ب�شد ٍة‬ ‫�أن يوقفه‪ ،‬ومل ّ‬
‫حولت ال ّزورقَنيِ �إىل كتلة من الّلهب ُر ِئيت من �شواطئ البحر‪� ،‬إال �أن عدم وجود‬
‫ّ‬
‫ال�صحافة يف عر�ض البحر‪ ،‬حال دون الك�شف عن حقيقة خ�سائر االحتالل‬
‫الذي مل يعلن عن وقوع العملية‪.‬‬
‫‪141‬‬

‫‪ 3‬ـ احلزام النا�سف‪:‬‬


‫عملية (بارك)‪.‬‬
‫الزمان‪2002/3/27 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬فندق بارك ـ نتانيا (�أم خالد)‪.‬‬
‫املنفّذ‪ :‬اال�ست�شهادي عبد البا�سط عودة ـ طولكرم‪.‬‬
‫ال�سيد ـ طولكرم‪ ،‬وكان م�س�ؤول اخللية‪ 35( ،‬م�ؤ َّبداً)‪.‬‬
‫اخلليـة‪ :‬عبا�س ّ‬
‫ّ‬
‫فتحي اخل�صيب ـ ِقفّني‪/‬طولكرم‪ ،‬وهو �سائق العملية‪29( ،‬م�ؤبداً)‪.‬‬
‫�أحمد اجليو�سي ـ طولكرم‪ 29( ،‬م�ؤبداً)‪.‬‬
‫مهند �رشمي ـ طولكرم‪ 29( ،‬م�ؤبداً)‪.‬‬
‫معمر �شحرور ـ طولكرم‪ 29( ،‬م�ؤبداً)‪.‬‬
‫ن�رص يتامية ـ طولكرم‪ 29( ،‬م�ؤبداً)‪.‬‬
‫نتيجة العملية‪ 31 :‬قتي ً‬
‫ال و‪ 160‬جريح ًا‪.‬‬
‫امتازت عملية (بارك) البطولية ب�أنها الأكرب من حيث عدد القتلى ال�صهاينة‬
‫خالل العقود الثالثة الأخرية من العمل الفل�سطيني املقاوم‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أنّ حزامها‬
‫النا�سف كان من �أف�ضل ما �صنعه �أبطال الق�سام من حيث القوة‪ ،‬فلم يكن يحوي‬
‫�أكرث من (‪ )5-4‬كيلوغرام من املواد املتفجرة‪� ،‬إ�ضافة �إىل كمية من ال�شظايا‪� ،‬إال‬
‫�أنه �أثمر عن هذا الكم الهائل من الإ�صابات يف الأرواح والدمار يف املوقع‪..‬‬
‫وقد كان �صاحب الإبداع واالمتياز يف �إعداده ال�شهيد القائد (مهند الطاهر)‪،‬‬
‫ح�صيلة قتلى يف العمل الفل�سطيني املقاوم‪ ،‬ومعه ال�شهيد البطل‬
‫ِ‬ ‫�صاحب �أعلى‬
‫(�إياد حمادنة)‪ ،‬تلميذ ال�شهيد القائد حممود �أبو ه ّنود رحمه اهلل‪.‬‬

‫أعد جماهدو (نابل�س) بداي ًة حزام ًا عادي ًا لإخوانهم يف طولكرم‪ ،‬ثم‬


‫فقد � َّ‬
‫‪142‬‬

‫�أر�سلوا �إليهم �أن يرت ّيثوا قلي ً‬


‫ال لأنهم يعملون على �إعداد حزام جديد ب�أ�سلوب‬
‫أخف وزن ًا‪ ،‬ف� ّ‬
‫أعدوا لهم احلزام املذكور‪ ،‬بعد �أن و�ضعوا‬ ‫�أكرث فاعلية و�أو�سع �أثراً و� ّ‬
‫فيه خال�صة جهدهم وخربتهم ومهارتهم‪ ،‬مدعوم ًة ب�إخال�صهم ودعائهم‪.‬‬

‫كانت القمة العربية قد انعقدت يف (بريوت)‪ ،‬وتُـوِّ جت بتقدمي املبادرة ال�سعودية‬


‫ال�شهرية‪ ،‬التي �أ�صبحت تُعرف بعد ذلك با�سم (املبادرة العربية لل�سالم)‪ ،‬فكان قرار‬
‫توجه ر�سالة �شديدة اللهجة �إىل امل�ؤمترين‪ ،‬ر�سالة‬
‫قيادة اجلهاز الع�سكري للحركة �أن ّ‬
‫متفجرة يو�صلها ٌ‬
‫بطل ا�ست�شهادي‪� ،‬صيغتها‪« :‬ال تنازل عن احلقوق»‪ ،‬لتم ّثل رداً‬
‫بليغ ًا على ما حتويه املبادرة من تنازل‪ ،‬فكان الإعداد للعملية‪.‬‬
‫كان قرار الإخوة ب�أن تكون العملية مزدوجة‪َ ،‬‬
‫بطالها‪ :‬ال�شهيد (عبد البا�سط‬
‫ألـم ْت بالأخ (ن�ضال) حالت‬
‫عودة)‪ ،‬واملجاهد (ن�ضال تلق)‪� ،‬إال �أن وعك ًة �صحية � َّ‬
‫دون م�شاركته يف الهجوم‪ ،‬وبقي ال�شهيد (عبد البا�سط) وحده فار�س امليدان‪.‬‬

‫ت�س ّلم املجاهدون احلزام املتفجر‪ ،‬و� ّ‬


‫أعدوا ال�شهيد للمهمة‪ ،‬و�أول الإعداد‪:‬‬
‫الروحية‪ ،‬فكان �شهيدنا على �أ ّمت اجلهوزية‪.‬‬
‫التهيئة ُّ‬
‫ثم الت�صوير التلفزيوين؛ ليظهر �شهيدنا �أمام الإعالم ب َع�صبته و�سالحه‬
‫ورجولته‪ ،‬وليو�صل للعامل ر�سائل عدة‪ ،‬ف�أدى البطل دوره على �أكمل وجه‪ ،‬كما‬
‫ووجه ر�سائل عدة؛ � ّأولها كانت لل�صهيوين احلاقد (�شارون)‪،‬‬
‫أ� ّداه يف امليدان‪ّ ،‬‬
‫و�آخرها جلامعة الدول العربية وللم�ؤمترين يف بريوت‪.‬‬

‫ثم كان الإعداد النهائي‪ ،‬ليخرج (عبد البا�سط) بال�صورة التي �سينفذ بها‬
‫اخللقة‪ ،‬كان اخليار ب�أن ّ‬
‫يتنكر على‬ ‫ُ‬
‫جميل ِ‬ ‫و�سيم‬
‫ٌ‬ ‫�شاب‬
‫�شهيدنا ٌّ‬
‫َ‬ ‫هجومه‪ ،‬ولأن‬
‫هيئة فتاة �إ�رسائيلية ت�ستطيع الدخول حيث ت�شاء‪ ،‬ف�أح�سن الإخوة يف �إعداده‪،‬‬
‫ظهر على غري الهيئة التي عرفوه بها!‬
‫حتى َ‬
‫‪143‬‬

‫�شهيدنا برفقته يف ال�سيارة‪ ،‬ويروي فتحي‬


‫َ‬ ‫انطلق املجاهد (فتحي) يحمل‬
‫عن حال ال�شهيد �أثناء الطريق فيقول‪« :‬كان (عبد البا�سط) �صائم ًا‪ ،‬و�أثناء �سرينا‬
‫ألح يف القول‪« :‬اللهم ّ‬
‫مكـ ّني منهم‪ ،‬وال تر َّدين خائب ًا»‪ ،‬وكان‬ ‫�أكرث من الدعاء‪ ،‬و� َّ‬
‫مطمئن ًا فرح ًا‪ ،‬وك�أنه يف الطريق �إىل حفل زفافه!»‪.‬‬

‫َن�صب حاجزاً على ال�شارع الذي‬


‫ويف الطريق‪ ،‬واجه ْتهم د ّبابة احتاللية ت ُ‬
‫املارة وتُخ�ضعها للتفتي�ش‪ ،‬فتوقّف ال َأخوان على‬
‫ف ال�سيارات ّ‬
‫ي�سلكونه‪ ،‬وتُو ِق ُ‬
‫�سمع له جزءاً من �سورة‬
‫جانب الطريق‪ ،‬وطلب (عبدالبا�سط) من (فتحي) �أن ُي ِّ‬
‫البقرة غيب ًا‪ ،‬وبعد �أن انتهى من ال ّت�سميع ّ‬
‫توجه �إىل اهلل بالدعاء‪ ،‬ثم قال للمجاهد‬
‫«�س ْـر على بركة اهلل!»‪ ..‬فقال له (فتحي)‪« :‬ولكن �أخ�شى �أن يوقفونا»‪،‬‬ ‫(فتحي)‪ِ :‬‬
‫�سمعت حديث ًا معناه �أنّ من قر�أَ � ّأو َل مئ ٍة �آية من �سورة‬
‫ُ‬ ‫فقال عبد البا�سط‪« :‬لقد‬
‫البقرة ثم دعا اهلل؛ ا�س ُتجيب له»‪ .‬فانطلق (فتحي) مطمئ ّنـ ًا‪ ،‬و َم ّـرا على احلاجز‬
‫دون �أن ُيلتفت �إليهما بف�ضل اهلل‪.‬‬

‫ويف داخل الأر�ض املحتلة عام ‪1948‬م‪ ،‬جابت ال�سيارة طول البالد‬
‫وعر�ضها دون جدوى‪ ،‬فقد كان يوم عيد‪ ،‬واملحالت واملطاعم والنوادي وكل‬
‫ا�ستمرا بالبحث‪ ،‬حتى و�صال �إىل مدينة (نتانيا)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املرافق مغلقة الأبواب‪ ،‬لكنهما‬
‫يعج‬
‫وبعد طول عناء و�صال �إىل فندق (بارك)‪ ،‬وبتوفيقٍ من اهلل‪ ،‬وجداه دون غريه ّ‬
‫وترجل‬
‫ّ‬ ‫بال ّنزالء‪ ،‬وعلى بابه حار�س يف ّت�ش كل من ي�شتبه به‪ .‬فتوقّفت ال�سيارة‪،‬‬
‫(عبد البا�سط)‪ ،‬وطلب من (فتحي) املغادر َة بعد �أن َ‬
‫وعده بال�شفاعة‪.‬‬

‫عامر بالإميان!!‬
‫ٍ‬ ‫قلب �أ�سدٍ ه�صورٍ‬
‫كانت هيئ َة فتا ٍة جميلة‪ ،‬ويف �أثوابها ُ‬
‫بخطى ثابت ٍة نحو هدفه‪ ،‬ودخل الفندق دون �أن يعرت�ض احلار�س‬
‫ً‬ ‫انطلق‬
‫‪144‬‬

‫مت�ض �إال دقائق معدودة‪ ،‬حتى كان الفندق خراب ًا‪ ،‬و�إذا َمن بداخله‬
‫طريقه‪ ،‬ومل ِ‬
‫كع�صف م�أكول‪!..‬‬
‫ٍ‬

‫مدمراً ال ّ‬
‫ي�صدق العقل �أنّ عبو ًة‬ ‫ويف امل�ساء‪ ،‬كانت �صور الإعالم تُظهر مكان ًا َّ‬
‫املعدة بطريقة مثالية تفعل َّ‬
‫كل ذلك‪،‬‬ ‫ت َِزنُ ب�ضع َة كيلو غرامات من املواد املتفجرة ّ‬
‫ولكننا نقول كما قال تعاىل‪ } :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{‪.‬‬

‫�أُ�صيب االحتالل بذهول �شديد‪ ،‬فعبرّ عن ذلك بعملية اجتياح �رش�سة‪ ،‬كانت‬
‫جي�شه املدنَ منت�صف ال ّت�سعينات‪ ،‬ف�شملت معظم مدن‬
‫هي الأو�سع منذ ترك ُ‬
‫ال�ضفة الغربية‪ ،‬و�أحدثت جمازر ب�شعة يف خميم (جنني) ومدينة (نابل�س)‪ .‬ثم ظهر‬
‫ذات احلقد على املجاهدين �أبطال اخللية بعد اعتقالهم‪� ،‬سواء يف مدة التحقيق‬
‫ال�ص َورية‪ ،‬التي اقرتحت خاللها‬
‫امتدت قرابة �أربعة �أ�شهر‪� ،‬أو يف املحاكم ُّ‬
‫التي ّ‬
‫�إحدى القا�ضيات ال�صهيونيات �أن يمُ نع �أفراد اخللية من ر�ؤية ال�شم�س طوال‬
‫حياتهم‪ ،‬بينما طالب القا�ضي الثالث ب�إعدامهم‪.‬‬

‫ُعد باملئات‪ ،‬ومنها‪:‬‬


‫والعمليات اال�ست�شهادية بالأحزمة النا�سفة ت ّ‬
‫‪ -‬عملية (اللمبي)‪ ،‬يف ‪2002/9/19‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�إياد رداد)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (نتانيا)‪ ،‬يف ‪2001/5/18‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (حممود مرم�ش)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (حيفا)‪ ،‬يف ‪2001/12/11‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (ماهر حبي�شة)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (�سبارو)‪ ،‬يف ‪2001‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (عز الدين امل�رصي)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (مومنت)‪ ،‬يف ‪2002/3/9‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (ف�ؤاد حوراين)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (كفي هلل)‪ ،‬يف ‪2003/9/9‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (رامز �أبو �سليم)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (�رصفند)‪ ،‬يف ‪2003/9/9‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�إيهاب �أبو �سليم)‪.‬‬
‫‪145‬‬

‫ب ـ العبوات‪:‬‬
‫عملية اجلامعة العربية‬
‫الزمان‪2002/7/31 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬اجلامعة العربية ـ القد�س‪.‬‬
‫اخللية‪ :‬حممد عرمان ـ خربثا‪/‬رام اهلل‪ ،‬وهو م�س�ؤول اخللية‪ 35( ،‬م�ؤ َّبد)‪.‬‬
‫حممد عودة ـ �سلوان‪/‬القد�س‪.‬‬
‫وائل قا�سم ـ �سلوان‪/‬القد�س‪.‬‬
‫النتيجة‪� :‬سبعة قتلى‪ ،‬و ‪ 95‬جريح ًا منهم ‪ 11‬حالة َخ ِطرة‪.‬‬
‫بحق‬
‫�أقدم االحتالل الإ�رسائيلي بتاريخ ‪2002/7/23‬م على جرمية ب�شعة ّ‬
‫حربية ثقيلة‪،‬‬
‫الد َرج) ب�صواريخ ّ‬
‫�أهلنا يف مدينة غزة‪ ،‬حيث �أقدم على ق�صف (حي َّ‬
‫زِ نَتها (‪ )1‬طن؛ وذلك الغتيال القائد العام لكتائب الق�سام‪ ،‬ال�شيخ (�صالح‬
‫�شحادة)‪ ..‬مما �أ ّدى �إىل ا�ست�شهاده و�سبعة ع�رش مواطن ًا من الرجال والن�ساء‬
‫ّ‬
‫لت�شكل جمزر ًة ب�شع ًة ال �أخالقي ًة كباقي جمازره‪ ،‬فكان قرار‬ ‫والأطفال وال�شبان‪،‬‬
‫الإخوة ب�رضورة الإعداد ل�رضب ٍة ق�سامي ٍة نوعية‪ ،‬ت�أخذ بالث�أر‪ ،‬وال تراعي ُحرمة‬
‫يراع االحتالل ُحرمة املكان وحرمة البيوت الآمنة‪.‬‬
‫املكان‪ ،‬كما مل ِ‬
‫بد�أ الإعداد‪ ،‬ومل يكن لدى املجاهدين �أكرث من ب�ضعة كيلو غرامات من املواد‬
‫معدنية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫�شظية‬
‫درا�سية‪ُ ،‬مط َّعمة (ب�ألف) ّ‬
‫ّ‬ ‫أعدوها على �شكل حقيبة‬
‫املتفجرة‪ ،‬ف� ّ‬
‫والدور والوظيفة التي �ست�ؤديها‪،‬‬
‫تتنا�سب يف �شكلها واملكان الذي �س ُتزرع فيه ّ‬
‫يتم ت�شغيل العبوة عرب الهاتف النقّال (البلفون)‪..‬‬
‫بحيث ّ‬
‫واختار الإخوة لث�أرهم موقع ًا جديداً‪ ،‬مل ي�سبق �أن ا�س ُتهدف يف عملية من‬
‫قبل‪ ،‬وهو كفترييا اجلامعة العربية يف مدينة ( القد�س)‪ ،‬حيث يكرث الطلبة يف‬
‫‪146‬‬

‫وقت الت�سجيل‪ ،‬ومع اقرتاب موعد بدء العام الدرا�سي اجلديد‪.‬‬

‫وتوجه‬
‫ّ‬ ‫اجلميع ّ‬
‫اخلطـ َة وناق�شوها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وو�ضع‬
‫َ‬ ‫أعد الأخ (عرمان) العبوة النا�سفة‪،‬‬
‫� ّ‬
‫ال َأخوان‪( :‬عودة) و(وائل) بالعبوة نحو حرم اجلامعة‪ ،‬وبتاريخ ‪ 7/28‬ت�س ّلقا‬
‫�سورها �إىل الداخل‪ ،‬وو�ضعا احلقيبة يف �صالة الكفترييا‪ ،‬ثم ان�سحبا بهدوء فلم‬
‫َيرهما �أحد‪ .‬ومن خارج اجلامعة‪ ،‬قاما باالت�صال لتفجري العبوة‪� ،‬إال �أن املفاج�أة‬
‫كررا املحاولة لكن دون جدوى‪.‬‬
‫كانت �أنها مل تنفجر! ّ‬
‫وتوجها �إىل الأخ‬
‫ّ‬ ‫عاد الأخ (عودة) �أدراجه و�أخذ العبوة من مكانها‪،‬‬
‫ـن له �أنّ هناك خل ً‬
‫ال �أ�صابها يف تو�صيل‬ ‫فتبي َ‬
‫فح�صها ّ‬
‫َ‬ ‫(عرمان)‪ ،‬الذي �أعاد‬
‫الأ�سالك‪ ،‬وذلك حينما قام الإخوة ب�إلقائها من �سور اجلامعة لإدخالها �إليها‪،‬‬
‫بل �إن لطف اهلل ورحمته حالت دون تفجريها‪ ،‬ف�أعاد الأخ (عرمان) تو�صيل‬
‫الأ�سالك‪ ،‬و�أ�صبحت العبوة جاهز ًة للتفجري من جديد‪.‬‬

‫توجه الأخ (حممد عودة) �إىل اجلامعة لي ً‬


‫ال‪ ،‬و�أخفى العبوة يف‬ ‫وبعد ثالثة �أيام‪ّ ،‬‬
‫�أحد �أحوا�ض الورد‪ ،‬ثم عاد �إىل منزله‪ ،‬ويف �صبيحة اليوم التايل دخل اجلامعة من‬
‫املحدد‪ ،‬ثم ان�سحب خارج ًا‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬ ‫وزرعها يف املوقع‬
‫وتوجه �إىل العبوة‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫بابها‪،‬‬
‫فج َر العبوة‪.‬‬
‫مكان بعيد �أجرى ات�صاله الذي ّ‬
‫والرواد ُكـثرُ ‪ ،‬وكان االنفجار �شديداً ه َّز املكان‬
‫وقت الظهرية‪ُّ ،‬‬
‫كان ذلك َ‬
‫ألهب م�شاعر ال�شعب‬ ‫و�أحاله دماراً‪ ،‬وه َّز قلوب الأعداء ف�أ�سكنها رعب ًا‪ ،‬و� َ‬
‫غليل من كان ينتظر من كتائب الق�سام ر ّداً على‬‫الفل�سطيني ابتهاج ًا‪ ،‬و�شفى َ‬
‫الدرج)‪ ،‬و�أربك الأمن ال�صهيوين الذي �أثبت ه�شا�شته‪.‬‬
‫جمزرة (حي ّ‬
‫‪147‬‬

‫ومن عمليات العبوات املتفجرة الأخرى‪:‬‬

‫عملية ال�ساحل‪ ،‬يف ‪1990/6/23‬م‪ ،‬وعملية بئر ال�سبع‪ ،‬يف‬


‫‪2002/5/10‬م‪ ،‬وعملية املغري‪ ،‬يف ‪2003/10/6‬م‪ ،‬وعملية (تل �أبيب)‪ ،‬يف‬
‫‪1997/1/9‬م‪.‬‬

‫اقتحام املع�سكرات‪:‬‬
‫اقتحام م�ستوطنة �أدورة‪.‬‬
‫الزمان‪2002/4/27 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬م�ستوطنة �أدورة ـ اخلليل‪.‬‬
‫اخللية‪ :‬منري مرعي ـ بيتا‪/‬نابل�س‪ ،‬وهو م�س�ؤول اخللية‪ 5( ،‬م�ؤبدات)‪.‬‬
‫طارق دوف�ش ـ اخلليل‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫فادي دويك ـ اخلليل‪ 5( ،‬م�ؤبدات)‪.‬‬
‫النتيجة‪ 5 :‬قتلى‪ ،‬و ‪ 18‬جريح ًا‪.‬‬
‫وهي عملي ٌة بطولي ٌة من �أكرث عمليات اقتحام امل�ستوطنات جناح ًا‪ ،‬فقد جمعت‬
‫بني النتائج اجليدة يف عدد القتلى واجلرحى‪ ،‬وبني النجاح يف االن�سحاب‬
‫عمليات‬
‫ٍ‬ ‫ُعد‬
‫من موقع التنفيذ بعد �إجناز املهمة‪ ،‬رغم �أن مثل هذه العمليات ت ّ‬
‫ا�ست�شهادية‪.‬‬

‫مبدة طويلة‪ ،‬فقد قام ال�شهيد (�أحمد بدر)‬


‫بد�أ �إعداد اخللية قبل تنفيذ العملية ّ‬
‫بتنظيم ال�شهيد (طارق) يف �صفوف كتائب الق�سام‪ ،‬ثم قام (طارق) بتنظيم‬
‫املجاهد (فادي)‪ .‬وقام (�أحمد) بعد ذلك بتدريبهما للقيام بعملية جهادية‬
‫‪148‬‬

‫يف منطقة احلرم الإبراهيمي يف املدينة‪ ،‬ثم للقيام بعملية ا�ست�شهادية يف مدينة‬
‫(ال�سبع)‪� ..‬إال �أن عدداً من العوامل والظروف حالت دون �أي تنفيذ‪.‬‬

‫وبينما كان ال َأخوان (طارق) و(فادي) يف انتظار حتقّق �أُمنيتهما‪ ،‬جاءهما‬


‫الفرج من طرف جديد‪ ،‬وهو املجاهد (منري)‪ ،‬امل�س�ؤول عنهما يف جامعة‬
‫َ‬
‫عر�ض عليهما تنفيذ عملية جهادية يف �إحدى امل�ستوطنات‬
‫َ‬ ‫البولتكنك‪ ،‬حيث‬
‫و�رشعا بالتدريب واال�ستعداد‬
‫القريبة من مدينة اخلليل‪ ،‬فلم يرت ّددا يف القبول‪َ .‬‬
‫حتت �إ�رشاف (منري)‪ ،‬حتى �أ ّمت �إعدا َدهما يف مدة ال تتجاوز ثالثة �أيام‪.‬‬

‫وقبل العملية بيوم‪ ،‬ا�صطحبهما (منري) �إىل �سكنه‪ ،‬وهناك قام بت�صويرهما‬
‫فوتوغرافي ًا وعلى �رشيط فيديو‪ ،‬وك�شف لهما عن ا�سم امل�ستوطنة الهدف‪ ،‬وكان‬
‫ّ‬
‫توجهوا جميع ًا �إىل حميط امل�ستوطنة‪ ،‬ودر�سوا‬
‫ر�صده ب�شكل دقيق وطويل‪ ،‬ثم ّ‬
‫َ‬ ‫قد‬
‫املعدة للهجوم‪ ،‬واتفقوا على �آلية التنفيذ‬
‫املوقع عن كثب‪ ،‬وتدار�سوا اخلطة ّ‬
‫ووقته‪.‬‬

‫وت�رضعوا �إىل ربهم‪ ،‬طالبني التوفيق‬


‫ّ‬ ‫ا�ستيقظ املجاهدون قبيل الفجر‪� ،‬ص ّلوا‬
‫وال�شهادة‪ ،‬وتوجهوا �إىل موقع اللقاء‪ ،‬وهناك َلب َ‬
‫ِ�س ال َأخوان (طارق) و(فادي) زِ ّي ًا‬
‫ا�شني‪ ،‬مع‬
‫ر�ش َ‬
‫�سالحنيِ ّ‬
‫َ‬ ‫ع�سكري ًا �صهيوني ًا حتى يظهرا كجنود االحتالل‪ ،‬وامت�شقا‬
‫كمية كبرية من ّ‬
‫الذخرية‪ ،‬وو ّدعا (منري) الذي عاد �أدراجه كما اقت�ضت اخلطة‪.‬‬

‫ثم انطلقا �صوب امل�ستوطنة م�رسعني‪ ،‬ويف الطريق �ص ّليا الفجر‪ ،‬ووا�صال‬
‫و�صال قرب �سور امل�ستوطنة ال�شّ ائك‪ ،‬وهناك َكمنا قلي ً‬
‫ال‪ ،‬ثم تعانقا‬ ‫ال�سري حتى َ‬
‫عناق مو ّدع‪ ،‬و َبدءا مرحلة العبور‪ ،‬فتجاوزا ال�سلك ال�شائك الأول‪ ،‬ثم الثاين‬
‫ال�سكنية‪ ،‬وبعد‬ ‫مبق�ص كانا يحمالنه‪َ ،‬‬
‫وكمنا من جديد قرب البيوت ّ‬ ‫بعد ْ‬
‫قطعه ٍّ‬
‫‪149‬‬

‫قليل جاء �أحد اجلنود‪ ،‬ودخل البيت الذي كانا يختبئان عنده‪ ،‬فتبعه (فادي)‬
‫ٍ‬
‫�ش الطابق الأول فلم يجد فيه �إال ولداً نائم ًا‪ ،‬فرتكه و�صعد‬
‫ودخل البيت خلفه‪ ،‬ف ّت َ‬
‫�إىل الطابق الثاين‪ ،‬وانتظر عند باب غرفة النوم‪ ،‬حتى ي�سمع �صوت �إطالق النار‬
‫�سمع �صوت الر�صا�ص‪ ،‬حتى قام بك�سرْ‬‫من (طارق) ح�سب االتفاق‪ ،‬وما �إن َ‬
‫توجه م�رسع ًا‬
‫فوجد اجلندي مع زوجته‪ ،‬ف�أطلق عليهما النار وقتلهما‪ ،‬ثم ّ‬
‫َ‬ ‫الباب؛‬
‫�إىل الطابق الأول حيث ينام الولد‪ ،‬فقام بقتله‪ ،‬ثم خرج من البيت‪.‬‬

‫بيت قريب‪ ،‬وقرع اجلر�س‪،‬‬


‫توجه �إىل ٍ‬
‫يف تلك الأثناء كان ال�شهيد (طارق) قد َّ‬
‫أطلق عليه ٌ‬
‫رجل من الطابق العلوي النار‪ ،‬لك ّنه مل ي�صبه‪ ،‬ثم �أطلق (طارق) النار‬ ‫ف� َ‬
‫�صوب باب املنزل ليفتحه‪� ،‬إال �أنه كان م�صفَّح ًا فلم يت�أ ّثر بالر�صا�ص‪ ،‬والتقى‬
‫ملهمته‪( :‬طارق) يقتحم البيوت‪ ،‬و(فادي) ي�سري يف‬
‫كل ّ‬ ‫تفرقا ٌّ‬
‫جمدداً‪ ،‬ثم َّ‬
‫ال َأخوان َّ‬
‫ال�شارع الرئي�س‪ ،‬مي�شّ طان املنطقة و ُيطلقان النار على كل حي‪.‬‬

‫تقد َم ال َأخوان يف �سريهما حتى التقيا من جديد‪ ،‬وف َتحا ا�شتباك ًا مريراً مع‬
‫ّ‬
‫ح�شدٍ من امل�ستوطنني والع�سكريّني‪ ،‬و�أكثرَ ا من �إطالق الر�صا�ص حتى َ‬
‫فقد‬
‫ال�سمع ب�إحدى ُ�أذنيه‪ ،‬و�أثناء ذلك �أط ّلت عليه �إحدى الن�ساء اليهود ّيات‬
‫(طارق) ّ‬
‫جندي �صهيوين‪ ،‬ف�أطلق عليها النار و�أ�صابها‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫من نافذة املنزل ظا ّنـ ًة �أنه‬

‫فخرجا من‬
‫قررا االن�سحاب‪َ ،‬‬‫وبعد �أن �شارفت ذخري ُة ال َأخوين على النفاد‪ّ ،‬‬
‫دخال‪ ،‬بعد �أن َ‬
‫مكثا يف امل�ستوطنة قرابة ال�ساعة‪ ،‬وبد�أت رحلة العودة‪،‬‬ ‫حيث َ‬
‫لكن من طريق غري الذي �س َلـكاه �صباح ًا‪ ،‬ولأنهما ال يعرفان الطريق اجلديد‬
‫جيداً‪� ،‬ضلاّ الطريق‪ ،‬فطال وقت االن�سحاب حتى ح�رضت �أثناء ذلك �أربع‬ ‫ّ‬
‫مروحية �صهيونية‪ ،‬وبد�أت بتم�شيط املكان بحث ًا عنهما‪َ ،‬‬
‫فكمنا �أ�سفل‬ ‫ّ‬ ‫طائرات‬
‫�إحدى �أ�شجار الزيتون‪ ،‬وبعد �أربع �ساعات من االنتظار �شاهدا عمليات �إنزال‬
‫‪150‬‬

‫فهما باالن�سحاب من املوقع‪ ،‬وعندها‬


‫جلنود االحتالل‪ ،‬ف�أدركا �أنهما مك�شوفان‪َّ ،‬‬
‫الر�صا�صات تنطلق نحوهما‪.‬‬
‫بد�أت مئات ّ‬
‫وبعد كثري من امل�صاعب‪ّ ،‬‬
‫متك َن فادي من االن�سحاب والنجاة ب�أعجوبة‪ ،‬بينما‬
‫�أراد اهلل (طارق) �شهيداً بعد �أن �أ�صابته ّ‬
‫عدة ر�صا�صات من جنود االحتالل‪.‬‬

‫ومن عمليات اقتحام امل�ستوطنات واملع�سكرات الأخرى‪:‬‬


‫‪ -‬عملية (عت�صمونة)‪ ،‬يف ‪2002/3/7‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (حممد فرحات)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية (�ألون موريه)‪ ،‬يف ‪2002/3/28‬م‪ ،‬وبطلها اال�ست�شهادي (�أحمد عبد اجلواد)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية احلمرا‪ ،‬يف ‪2002/1/31‬م‪ ،‬وبطلها ال�شهيد (حممد اخلليلي)‪.‬‬
‫‪ -‬عملية بقعوت‪ ،‬يف ‪2002/5/13‬م‪ ،‬وبطلها ال�شهيد (�أجمد القطب)‪.‬‬
‫‪151‬‬

‫عمليات الدوريات‪:‬‬
‫عملية نهر الأردن‪.‬‬
‫الزمان‪1990/11 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬احلدود الأردنية الفل�سطينية‪.‬‬
‫اخللية‪ :‬خالد �أبو غليون ـ خميم حطني‪/‬الأردن‪( ،‬م�ؤبد)‪.‬‬
‫�سامل �أبو غليون ـ خميم حطني‪/‬الأردن‪( ،‬م�ؤبد)‪.‬‬
‫فايق كعابنة ـ خميم حطني‪/‬الأردن‪( ،‬م�ؤبد)‪.‬‬
‫�أمني ال�صانع ـ عمان‪/‬الأردن‪( ،‬م�ؤبد)‪.‬‬
‫�إبراهيم غامن ـ خميم البقعة‪/‬الأردن‪25( ،‬عام ًا)‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل �ضابط‪ ،‬وجرح �أربعة جنود‪.‬‬
‫وا�ستقرت يف نفو�سهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال�شهادة‪ ،‬فكر ٌة طاملا داعبت �أفكارهم ّ‬
‫وخميلتهم‬
‫ف�شغلتهم حتى بد�ؤوا بالبحث عنها لينالوها‪ ،‬فكان االنطالق �إىل فل�سطني‪..‬‬

‫مل ي�ستغرق االنطالق يف العملية البطولية نحو فل�سطني �أكرث من جل�سة‬


‫واحدة‪ ،‬تخ ّللها طرح فكرة‪� ،‬أعقبها �س�ؤال‪ :‬هل �أنتم على ا�ستعداد؟ فجاءت‬
‫الإجابة الواثقة من اجلميع‪« :‬نعم»‪ ..‬ثم انطلقوا على بركة اهلل الجتياز نهر‬
‫الأردن‪ ،‬هدفهم مع�سكر �صهيوين‪ ،‬وو�سيلتهم �أ�سلحة نارية خفيفة‪ ،‬و�أ�سلوبهم‬
‫عملية ا�ست�شهادية تهدف �إىل �إحراق املع�سكر وقتل �أكرب عدد ممكن من اجلنود‬
‫ال�صهاينة‪.‬‬

‫تكفّل (�إبراهيم) بتوفري ال�سالح‪ ،‬بينما انطلق باقي الإخوة نحو نقطة العبور‬
‫حددوها لأنف�سهم‪ ،‬واتّفقوا على اللقاء على احلافة ال�رشقية للنهر‪ .‬وهناك‬
‫التي ّ‬
‫‪152‬‬

‫تفاج�أ الإخوة �أن (�إبراهيم) ح�رض �إىل املوقع ولي�س معه � ّأي قطعة �سالح‪ ،‬ومل‬
‫ال�شخ�صية‪ ،‬فهل يعودون؟!‬
‫ّ‬ ‫امل�سد�سات‬
‫ّ‬ ‫يكونوا يحملون �إال‬

‫وهنا كان اجلواب منهم قاطع ًا‪� ،‬أن ال عودة وال ت�أجيل‪ ،‬فقد ح�سبوا �أنف�سهم‬
‫يف طريقهم �إىل لقاء اهلل‪ ،‬فكيف مبن ع�شق ال�شهادة وحان �أجلها ف�أ�صبحت‬
‫مب�سد�ساتهم و�إميانهم‪،‬‬
‫عدل عنها ويختار الرجوع؟! ثم انطلقوا ّ‬
‫�أمام ناظريه �أن َي ِ‬
‫واخرتقوا الأ�سالك ال�شائك َة و� ً‬
‫صوال �إىل هدفهم‪.‬‬

‫مب�سد�سات ال حتوي �إال القليل من‬


‫عدوهم جبه ًة �أداروها ّ‬
‫وهناك �أ�شعلوا مع ّ‬
‫الر�صا�ص‪ ،‬و�أدارها جنود االحتالل بكل ما ميلكون من �أ�سلحة خفيفة وثقيلة‪،‬‬
‫لكن املجاهدين ا�ستطاعوا �أن يقتلوا �ضابط ًا �صهيوني ًا‪ ،‬هو م�س�ؤول الوحدة‬
‫ال�صهيونية‪ ،‬وجرحوا غريه‪ ،‬وما لبثت �أن ح�رضت ال ّتعزيزات‪ ،‬فلم َي ُطل اال�شتباك‬
‫طوي ً‬
‫ال‪� ،‬إذ نفدت ذخرية املجاهدين‪ ،‬وا�ست�شهد نايف‪ ،‬ووقع باقي الإخوة يف‬
‫الأ�رس‪.‬‬

‫ومن عمليات (ال َّدوريّات) الأخرى‪:‬‬

‫املحرر �سلطان العجلوين ـ الأردن‪.‬‬


‫َّ‬ ‫‪ -‬العملية التي قام بها الأ�سري‬
‫‪153‬‬

‫حرب الأنفاق‪:‬‬
‫عملية ال�سهم الثاقب‬
‫الزمان‪2004/12/8 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬كارين ـ غزة‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل جندي‪ ،‬وجرح �أربعة �آخرين‪.‬‬
‫بطولي ٌة جريئ ٌة من عمليات (حرب الأنفاق)‪ ،‬تلك التي �ش ّنها �أبطال الع ّز‬
‫ّ‬ ‫عملي ٌة‬
‫عدوهم‪ ،‬ليحيلوا الأر�ض ناراً حتت �أقدامهم‪ .‬وهي من العمليات التي امتازت‬ ‫على ّ‬
‫عدة من ال�سالح املقاوم؛ فقد ا�ستخدم املجاهدون فيها ال�سالح‬
‫با�ستخدام �أنواع ّ‬
‫ال ّناري‪ ،‬و�سالح التفجري‪ ،‬كما ا�ستخدموا �أ�سلوب الهجوم واملباغتة‪ ،‬والعمل‬
‫اال�ستخباري‪ ،‬و�أ�سلوب الأنفاق‪ ،‬وفوق ذلك ك ّله �سالح اال�ست�شهاد ّيني‪.‬‬

‫حفر طويل ٍة ُم ْ�ضني ٍة يف باطن الأر�ض‪ ،‬بد�أت من‬


‫ٍ‬ ‫بد�أ املجاهدون عملي َة‬
‫ّ‬
‫الطرف الغ ّزي لل�شّ يك الفا�صل بني القطاع والأرا�ضي الفل�سطينية املحتلة عام‬
‫مع�سكر ح�صنيٍ للجي�ش ال�صهيوين يقع داخل اخلط‬
‫ٍ‬ ‫(‪ ،)1948‬وم ّتجه ًة نحو‬
‫الأخ�رض‪ ،‬وحتيط به جدران وموانع‪ ،‬جتعل من ال�صعوبة مبكان الو�صول �إليه‪.‬‬

‫من باطن الأر�ض‪ ،‬اجتاز املقاومون ال�شِّ يك الأول‪ ،‬ثم اجتازوا الطريق الأمني‬
‫الذي اتّخذه العدو حلماية حدوده امل�صطنعة‪ ،‬ثم اجتازوا ال�شِّ يك املحيط باملع�سكر‪،‬‬
‫حددوها م�سبق ًا‪ ،‬وعند هذه النقطة قاموا‬
‫وهكذا و�صل الأبطال نقط ًة داخل املوقع ّ‬
‫ّ‬
‫التحكم بها عن ُبعد‪.‬‬ ‫بزرع عبوة نا�سفة �ضخمة تزن مئات الكيلو غرامات يتم‬

‫ن�سقت‬
‫البعد اال�ستخباري‪ ،‬فقد ّ‬
‫�أما اجلزء الأروع يف العملية‪ ،‬فهو �إدخال ُ‬
‫الكتائب عملي ًة ا�ستخباري ًة معقّد ًة عرب عميل مزدوج‪َ ،‬‬
‫زرعه �أبطال الق�سام يف‬
‫‪154‬‬

‫�صفوف العدو‪ ،‬هذا اجلزء الها ّم من العملية �ساهم ب�صورة كبرية يف �إجناح املهمة‬
‫و�إرباك العدو وجع َله يفقد �صوابه‪.‬‬

‫كان دور العميل املزدوج هو �إي�صال املعلومة املغلوطة التي طلبت قيادة‬
‫الكتائب منه �إي�صالها �إىل �أجهزة الأمن ال�صهيونية‪ ،‬واملعلومة تُفيد ب�أن مطارداً‬
‫من قادة كتائب الق�سام �سيتواجد يف ذات النقطة التي ُزرعت فيها العبوة لتنفيذ‬
‫فتوجهت قوات االحتالل �إىل املوقع على �شكل جمموعات راجلة‬
‫مهمة جهادية‪ّ ،‬‬
‫�سعي ًا منهم ال�صطياد املجاهد‪.‬‬

‫و�صلت املجموعة الأوىل من جنود االحتالل على �شكل دور ّية راجلة‬
‫املحددة‬
‫َّ‬ ‫مدرب وما �إن و�صلت املجموعة �إىل النقطة‬‫بولي�سي َّ‬
‫ٌّ‬ ‫كلب‬
‫يتقدمها ٌ‬ ‫ّ‬
‫وكلبهم‬
‫َ‬ ‫حتى قام ُ�أ ْ�سد الق�سام بت�شغيل العبوة �أ�سفلهم‪ ،‬فقتلت َ‬
‫قائد املجموعة‬
‫البولي�سي‪ ،‬وجرحت �أربعة جنود �آخرين بجروح �صعبة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومل يكتف املجاهدون بذلك‪ ،‬بل خرج من النفق مقاتالن من الق�سام نحو‬
‫القوة ال�صهيونية التي تتابعت للم�ساندة‪ ،‬وا�شتبكا معها‪ ،‬وتبادلوا �إطالق ًا كثيف ًا‬
‫دوي‬‫وا�ستمر اال�شتباك مد ًة طويل ًة كان ُّ‬
‫ّ‬ ‫للر�صا�ص‪� ،‬أُ�صيب �أثناءه عدد من اجلنود‪،‬‬
‫وفرقعات قناب ِله تُ�سمع من بعيد‪ ،‬حتى حانت �ساعة ال�شهادة‪ ،‬واختار‬ ‫ُ‬ ‫ر�صا�صه‬
‫ِ‬
‫أ�سد ِين �إىل جواره‪.‬‬
‫اهلل ال َ‬

‫ومن عمليات حرب الأنفاق الأخرى‪:‬‬


‫‪ -‬عملية بوابة �صالح الدين‪ ،‬يف ‪2001/10‬م‪ ،‬وعملية (غو�ش قطيف)‪،‬‬
‫وعملية معرب رفح‪.‬‬
‫‪155‬‬

‫حرب ال�صواريخ‪:‬‬
‫�أ ـ ال�صواريخ امل�ضادة للدروع (البتّار)‪:‬‬
‫عملية حي الزيتون‪.‬‬
‫الزمان‪2004/5/11 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬حي الزيتون ـ مدينة غزة‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬مقتل �ستة جنود‪ ،‬بعد تدمري د ّبابتهم‪.‬‬
‫بعد �أن توغلت د ّبابات وناقالت جند �صهيونية يف قطاع غزة‪ ،‬وو�صلت‬
‫عد معق ً‬
‫ال من معاقل حركة حما�س يف القطاع‪ ،‬وذلك‬ ‫حي الزيتون الذي ُي ّ‬
‫بهدف تدمري م�ستودعات وم�شاغل وخمارط حديد حتت ذريعة �أنها ُور�ش ت�صنيع‬
‫ع�سكري لإنتاج �صواريخ الق�سام‪.‬‬

‫مهمتها‪ ،‬ثم عادت �أدراجها‪� ،‬إال �أن وحد ًة‬ ‫نفّذت تلك القوة ال�صهيونية ّ‬
‫أعدت لها كمين ًا �صاروخي ًا‬
‫مقاتل ًة من كتائب الق�سام كانت لها باملر�صاد‪� ،‬إذ � ّ‬
‫قُبيل الفجر‪ ،‬وا�ستهدفت هذه الوحدة الق�سامية �إحدى املدرعات ال�صهيونية‬
‫ب�صاروخ م�ضاد للدروع حم ّلي ال�صنع من نوع (ب ّتار)‪ ،‬و�شاءت �إرادة اهلل �أن حتوي‬
‫املركب ُة امل�ستهدف ُة بداخلها موا َّد �شديد َة االنفجار‪ ،‬ا�ستجلبتها القوة ال�صهيونية‬
‫معها لتدمري ُور�ش العمل‪ ،‬ف�أ ّدى انفجار ال�صاروخ الق�سامي �إىل تفجري هذه‬
‫املدرعة �إىل عبوة هائلة انفجرت ب�شدة وتبعرثت �إىل �أ�شال ٍء‬
‫املواد‪ ،‬فا�ستحالت َّ‬
‫مم َّزق ٍة تو ّزعت يف م�ساح ٍة تزيد عن ن�صف كيلو مرت مربع‪ ،‬وتناثرت معها �أ�شالء‬
‫اجلنود ال�س ّتة الذين كانوا بداخلها‪..‬‬

‫وقد و�صف �أحد اجلنود ال�صهاينة الذين كانوا ي�ستق ّلون مركب ًة �أخرى ت�سري‬
‫‪156‬‬

‫باملدرعة تختفي‬
‫ّ‬ ‫خلف الآلية امل�ستهدفة ذلك االنفجار فقال‪« :‬كنا ن�سري مع ًا‪ ،‬و�إذا‬
‫ف�صدمت ومل �أعلم ما الذي حدث!»‪.‬‬ ‫فج�أ ًة ومل َ‬
‫يبق منها �شيئ‪ُ ،‬‬
‫هذا وقد ّ‬
‫متكنت وحد ٌة من (�رسايا القد�س) التابعة حلركة اجلهاد الإ�سالمي‬
‫ا�ضطرت‬
‫ّ‬ ‫أحد اجلنود‪ ،‬وحاولت املقاي�ض َة عليها‪� ،‬إال �أنها‬
‫من احل�صول على �أ�شال ِء � ِ‬
‫�ضغوطات �شديد ٍة ُمور�ست عليها من جميع‬
‫ٍ‬ ‫أزمة‬
‫�إىل ت�سليمها �إىل االحتالل بعد � ِ‬
‫الأطراف‪ ،‬مبا فيها ال�سلطة الفل�سطينية واحلكومة امل�رصية‪.‬‬

‫ُج َّن جنون االحتالل �إثر العملية‪ ،‬و�أجرى العديد من ال ّتحليالت وال ّتقييمات‬
‫والدرا�سات‪ ،‬خل�ص منها �إىل �إ�صدار قرار مبنع �أ ّيـة مركبة ع�سكرية من حمل‬
‫ّ‬
‫كمية من املتفجرات �إال بقرار من القائد الأعلى للجي�ش‪.‬‬

‫ومن الأمثلة الأخرى ال�ستخدام ال�صواريخ امل�ضادة للدروع‪:‬‬

‫‪ -‬عملية رفح‪ ،‬يف ‪2004/10/3‬م‪ ،‬وعملية بيت حانون‪،‬‬


‫يف ‪2006/11/22‬م‪ ،‬وعملية بيت حانون‪ ،‬يف ‪2006/11/23‬م‪.‬‬
‫‪157‬‬

‫ب ـ �صواريخ الق�سام(‪:)1‬‬

‫هذه �إح�صائية نوردها لبع�ض تواريخ ونتائج �إطالق �صواريخ الق�سام من‬
‫التجمعات ال�صهيونية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫�أرا�ضي غزة نحو‬
‫النتائج‬ ‫املوقع امل�ستهدف‬ ‫التاريخ‬
‫اثنان جرحى‬ ‫ا�سديروت‬ ‫‪2002/3/5‬م‬
‫�إ�صابة خطرة‬ ‫ا�سديروت‬ ‫‪2003/3/19‬م‬
‫اثنان قتلى‬ ‫ا�سديروت‬ ‫‪2004/6/28‬م‬
‫ثالث �إ�صابات‬ ‫�شاعر هينجف‬ ‫‪2004/6/29‬م‬
‫قتيلة واحدة‬ ‫غو�ش قطيف‬ ‫‪2004/9/24‬م‬
‫قتيل واحد و ‪6‬جرحى‬ ‫موراغ‬ ‫‪2004/10/28‬م‬
‫�ست �إ�صابات‬ ‫نفي دجاليم‬ ‫‪2004/12/10‬م‬
‫جرح‪ 11‬جندي ًا‬ ‫عت�صمونة‬ ‫‪2004/12/16‬م‬
‫�إ�صابة ‪ 12‬جندي ًا‪ ،‬منهم اثنان‬
‫موقع ع�سكري‬ ‫‪2005/1/5‬م‬
‫خطرة‬
‫عدة �إ�صابات‪� ،‬إحداها برت يد‬ ‫نت�سارمي‬ ‫‪2005/1/15‬م‬
‫قتل جم ّندة‬ ‫ا�سديروت‬ ‫‪2005/7/14‬م‬
‫قتيل‪ ،‬و�إ�صابات خطرة‪ ،‬وحرق‬
‫ا�سديروت‬ ‫‪2006/11/21‬م‬
‫م�صنع‬
‫قتيلة‪ ،‬و�إ�صابات خطرة‪ ،‬وتفجري‬
‫ا�سديروت‬ ‫‪2007/5/21‬م‬
‫�سيارة‬

‫الق�سام الّذي اختفى �شيخ ًا عاد �صاروخاً؛ لي� ّؤكدَ �أن‬


‫ّ‬ ‫‪ 1‬يقول ّ‬
‫املفكر الإ�سالمي (عبد الوهاب امل�سريي)‪�« :‬إنّ‬
‫ني لق�ضاياهم ال ينتهون»‪.‬‬
‫املخل�ص َ‬
‫‪158‬‬

‫التجمعات‬
‫ّ‬ ‫وال زالت ال�صواريخ الق�سامية تنطلق من �أر�ض غزة نحو‬
‫ال�صهيونية �إىل اليوم‪ ،‬بينما مل ينتقل هذا الأ�سلوب �إىل ال�ضفة الغربية‪ ،‬مع وجود‬
‫العديد من املحاوالت يف هذا املجال‪� ،‬إال �أنها انتهت �إما بالف�شل‪� ،‬أو ا�ستطاع‬
‫االحتالل اعتقال العاملني عليها و�إيقاف تطويرها‪.‬‬
‫‪159‬‬

‫العمل اال�ستخباري‪:‬‬
‫عملية قتل ال�ضابط (نوعام كوهن)‪.‬‬
‫الزمان‪1994/4/13 :‬م‪.‬‬
‫املكان‪ :‬بيتونيا‪/‬رام اهلل‪.‬‬
‫اخللية‪ :‬عبد املنعم �أبو حميد ـ خميم الأمعري‪/‬رام اهلل‪�( ،‬شهيد)‪.‬‬
‫علي العامودي ـ غزة‪( ،‬م�ؤبد)‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬قتل �ضابط املخابرات و�إ�صابة حار�سيه‪.‬‬

‫كان �شهيدنا (عبد املنعم) من املجاهدين الذين ال تلني لهم قناة‪ ،‬وال تهد�أ‬
‫ألح عليه‬
‫وطنيته وانتمائه‪ ،‬و� َّ‬
‫مرة‪ ،‬و�ساومه على ّ‬
‫لهم حركة‪ ،‬فاعتقله االحتالل غري ّ‬
‫بالعمل معهم كعميل‪ ،‬مقابل الإفراج عنه‪ ،‬و�إعطائه امتيازات عديدة‪.‬‬

‫ذهن َبط ِلنا فكرة (العميل املزدوج)‪� ،‬أي �أن‬


‫ويف تلك الأثناء‪ ،‬قفزت �إىل ِ‬
‫يتظاهر بقبول العمل مع املخابرات ال�صهيونية‪ ،‬حتى �إذا �سنحت له الفر�صة‪،‬‬
‫�رض َبها من الداخل‪.‬‬

‫أ�سعد ذلك رجال املخابرات‪ ،‬حيث ظ ّنوا‬


‫ومن هنا‪ ،‬كان قراره القبول‪ ،‬ف� َ‬
‫�أنهم وجدوا عين ًا لهم على املقاومة من داخلها‪ ،‬وبذا �سيجدون و�سيل ًة ل�رضبها‪.‬‬

‫بد�أت املخابرات ب�إعداده مبا يلزمه للقيام باملهمة املوكلة �إليه‪ ،‬حتى �أ�صبح‬
‫بنظرهم جاهزاً الخرتاق �صفوف كتائب الق�سام‪ ،‬واتفقوا معه على � ّآليات‬
‫بحجة عدم اعرتافه بال ُّتهم املن�سوبة �إليه‪.‬‬
‫التوا�صل واللقاء‪ ..‬ثم �أطلقوا �رساحه ّ‬

‫توجه �إىل �إخوانه يف احلركة‪،‬‬


‫وكان � ّأول ما قام به جماهدنا بعد الإفراج عنه‪� ،‬أنه ّ‬
‫‪160‬‬

‫و�أطلعهم على ما ح�صل معه‪ ،‬وو�ضع نف�سه بني �أيديهم التخاذ القرار املنا�سب‪.‬‬
‫ومل يكن �إخوانه � ّ‬
‫أقل مبادرةً‪ ،‬فقد وجدوها فر�ص ًة �سانح ًة لالنتقام من االحتالل‪،‬‬
‫وهنا بد�أ التخطيط‪ ،‬ومن ثم الإعداد والتنفيذ‪.‬‬

‫لقد كانت فر�ص ًة �سنحت للمجاهدين لالنتقام من �ضابط املخابرات امل�س�ؤول‬


‫فو�ضعت خط ُة ت�صفي ِته زمان ًا‬
‫عن الإ�سقاط واالت�صال مع اخلونة يف تلك املنطقة‪ُ ،‬‬
‫وكيفيةً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومكان ًا‬

‫كانت اخلطة تقوم على �أن يتفق (عبد املنعم) مع ال�ضابط (كوهن) على لقاء‬
‫لتنق�ض عليه‬
‫َّ‬ ‫يف موعد حمدد‪ ،‬ويف ذات املوقع تكمن �أُ ْ�سد الكتائب باالنتظار؛‬
‫هو ومن معه‪.‬‬

‫والكيفية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أحد �شوارع (بيتونيا) يف رام اهلل‪،‬‬
‫كان املوعد يف ‪ ،4/13‬واملكان‪ُ � :‬‬
‫تقوم على �أ�سا�س �أنْ يح�رض ال�ضابط مع مرافقيه ب�سيارة مر�سيد�س عربية‪ ،‬ويجد‬
‫(عبد املنعم) يف املوقع امل َّتفق عليه‪ ،‬ويلب�س لبا�س ًا مميزاً حتى يعرفوه من خالله‪،‬‬
‫موقع جمهولٍ ل ّلقاء‪.‬‬
‫في�صعد معهم يف ال�سيارة؛ لي�أخذوه �إىل ٍ‬

‫توجهوا مبكراً �إىل املوقع‪،‬‬


‫و�ضع (عبد املنعم) التفا�صيل بني يدي �إخوانه الذين ّ‬
‫و�ضعية اال�ستعداد‪ ...‬ويف املوعد املحدد وفق اخلطة امل َّتفق عليها‪ ،‬جاء‬
‫ّ‬ ‫واتخذوا‬
‫�ضابط املخابرات ومعه اثنان من مرافقيه‪ ،‬ظا ّن ًا �أن رج ً‬
‫ال خائن ًا ل�شعبه يبحث عن‬
‫ج�سده‬
‫َ‬ ‫عدوه ينتظره‪ ،‬لكنه فوجئ بر�صا�ص الق�سام يرتقّبه فيخرتق‬
‫الفتات من ّ‬
‫ال‪ ،‬ويوقعهم جرحى‪ ،‬بينما ان�سحب املجاهدون ومعهم‬‫ومن معه‪ ،‬فيرُ ديه قتي ً‬
‫ني مه ّللني‪.‬‬
‫(عبد املنعم) فرح َ‬
‫‪161‬‬

‫ومن �أمثلة العمليات اال�ستخبارية الأخرى‪:‬‬

‫عملية قتل ال�ضابط (نحماين)‪ ،‬يف ‪1993/1/3‬م‪ ،‬وعملية (ثقب القلب)‪،‬‬


‫يف ‪2000/1/18‬م‪ ،‬وعملية (ال�سهم ال ّثاقب)‪ ،‬يف ‪2004/12/8‬م‪.‬‬

‫�صفحات م�ضيئة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫و�سطور من‬
‫ٌ‬ ‫ق�سامي ٍة كثرية‪،‬‬
‫بطوالت ّ‬
‫ٍ‬ ‫مناذج من‬
‫ُ‬ ‫تلك‬
‫حاو ْلنا جمعها يف كتابنا (�صفحات من جهاد �أبناء الق�سام)‪ ،‬فلمن �أراد اال�ستزادة‬
‫الرجوع �إليه؛ ففيه اخلري وال ّنفع �إن �شاء اهلل‪.‬‬

‫***‬
162
‫‪163‬‬

‫و�سائل حتقيق الأهداف‬


164
‫‪165‬‬

‫و�سائل حتقيق الأهداف‬

‫حتتاج الع�صابات يف م�سريتها نحو حتقيق �أهدافها �إىل و�سائل و�أدوات تُعينها‬
‫وتقويها يف مواجهة ال�صِّ عاب‪،‬‬
‫ومتكنها من بلوغ ُمرادها‪ّ ،‬‬‫مهمـ َتها ّ‬
‫وت�سهل عليها ّ‬
‫ّ‬
‫عدوها وو�سائ َله التي يعتمد عليها يف حربه‪.‬‬
‫وبها جتابه َّ‬
‫�إنّ هذه الأدوات ّ‬
‫ت�شكل حلق ًة يف �سل�سلة احللقات التي تعمل على ك�رس‬
‫ال�شعبية‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫الهوة ال�سحيقة بني قوة العدو املا ّدية‪ ،‬وقوة (اجلاريال) والثورات‬
‫ّ‬
‫وفاعليتها يف �رضب احلركات الثورية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تق ّلل من كفاءة قوة العدو‬

‫ويف هذا الف�صل‪ ،‬نناق�ش �أبرز هذه الو�سائل والأدوات‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫�أوالً‪ :‬التنظيم‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الت�سليح‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اال�ستخبارات‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الإعالم‪.‬‬
‫خام�ساً‪ :‬التخفّي والتّمويْـه‪.‬‬
‫ال�شيفرة‪ ،‬احلرب ال�رسّي‪ ،‬النّقاط امليتة‪.‬‬
‫�ساد�ساً‪ :‬و�سائل االت�صال الآمنة‪ِّ :‬‬
‫�سابعاً‪ :‬الإميان‪.‬‬
‫‪166‬‬

‫�إنّ هذه الو�سائل ّ‬


‫ت�شكل الأ�سلح َة احلقيقي َة واملتكاملة يف مواجهة العدو‪،‬‬
‫ي�شكل نقطة �ضعف‪ ،‬ومدخ ً‬
‫ال ميكن �أن ي�ؤدي �إىل �رضب‬ ‫و�إن فقدان � ٍّأي منها ّ‬
‫(اجلاريال)‪ ،‬وبالتايل �إف�شالها‪ ،‬وعدم بلوغها �أهدافها‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬التنظيم‬
‫ع�صابات �أن حتقّق �أهدافها �أو تنت�رص يف حربها؛ �إال �إذا‬
‫ٍ‬ ‫حلرب‬
‫ِ‬ ‫ال ميكن‬
‫وتقييم متوا�صل‪ ،‬وفوق ذلك كله قيادة‬
‫ٍ‬ ‫رتيب‬
‫وتنظيم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لتخطيط دقيقٍ‬
‫ٍ‬ ‫خ�ضعت‬
‫حكيمة قادرة على قراءة الواقع وتقدير و�إ�صدار القرار احلكيم الذي ينا�سبها‪.‬‬
‫الهبة ال�شعبية التي تنفجر‪ ،‬ثم �رسعان ما تخبو‬
‫وبغري ذلك ت�صبح الثورة �أقرب �إىل ّ‬
‫وينطفئ �أوارها دون �أن تحُ دث تغيرياً جوهري ًا على الأر�ض‪.‬‬

‫�رضب من الع�شوائية‬
‫ٌ‬ ‫فال يفهم ال�سامع �إذن �أن (حرب الع�صابات) هي‬
‫والّالتنظيم‪ ،‬بل �إن جوهرها هو التنظيم‪ ،‬و�أ�سا�سها االن�ضباط والتناغم يف الأداء‪.‬‬

‫نعم! �إنّ وجو َد تنظيمات عاملة على �ساحة املقاومة‪ ،‬تقوم بدورها يف �إدارة‬
‫دفّة القيادة وتوجيه مركب الثورة لري�سو على بر الأمان‪ ،‬هو �ضمانُ النجاح‪.‬‬
‫وما من ثور ٍة معا�رص ٍة من الثورات الناجحة التي �أ�سلفنا ذكرها‪� ،‬إال و�أدارتْها‬
‫ال�صفات‬‫ورجال جتديدٍ ميلكون من ّ‬‫ُ‬ ‫وثو ٌار‬ ‫وتنظيمات ير�أ�سها ّ‬
‫مفكرون ّ‬ ‫ٌ‬ ‫حركات‬
‫ٌ‬
‫القياد ّية ما ي� ّؤهلهم ليكونوا على ر�أ�س الهرم ويف موقع القيادة وال ّتوجيه‪ .‬ولقد‬
‫عدة مراحل‪ ،‬ال بد للثورة‬‫تت�ضمن ّ‬
‫ّ‬ ‫و�ضع ه�ؤالء ّ‬
‫املفكرون لثوراتهم ُخطط ًا �شامل ًة‬
‫وحددوا الأ�ساليب التي تتنا�سب ّ‬
‫وكل مرحلة‪ ،‬والو�سائل التي يلزم‬ ‫ّ‬ ‫متر بها‪،‬‬
‫�أن َّ‬
‫ا�ستخدامها يف كل دور‪.‬‬
‫‪167‬‬

‫تطور الثورة وحروبها‪ ،‬و�شاركوا يف �صناعتها‬ ‫كما واكب ه�ؤالء القادة ّ‬


‫�سيها و َي�سري بها‪.‬‬
‫الفكر الذي ُي رِّ‬
‫وطوروا ِفكرهم معها‪ ،‬وابتدعوا ِ‬
‫وتطويرها‪ّ ،‬‬

‫�أ�شكال التنظيم‪:‬‬

‫حتديد الأهداف‪ ،‬التكتيكية واال�سرتاتيجية‪ ،‬ومعرفة‬


‫َ‬ ‫�إذاً فقد ْ‬
‫علمنا �أنّ‬
‫الأ�ساليب التي حتقّقها‪ ،‬وو�ضع اخلطط ومتابعة تنفيذها؛ يحتاج �إىل تنظيم دقيق‪،‬‬
‫تقوده نخبة متميزة‪ ،‬ت�سري به �إىل النجاح‪..‬‬

‫هذا التنظيم الذي يحوي عدداً كبرياً من الأفراد املقاتلني‪ ،‬واملجموعات‬


‫الثائرة‪ ،‬والعنا�رص الداعمة‪ ،‬والت�شكيالت العامة‪ ،‬وقدراً كبرياً من ال ّتبعات‬
‫بد له من �أن يخ�ضع لأحد �أ�شكال التنظيم الرئي�سية‪ ،‬هذه‬
‫وامل�س�ؤوليات؛ ال ّ‬
‫الأ�شكال التي ي�صلح ٌّ‬
‫كل منها حلالة خا�صة من العمل دون غريها‪ ،‬فطبيعة‬
‫الأر�ض‪ ،‬والعمل املحيط‪ ،‬والعنا�رص‪ ،‬واملهمات‪ ،‬والعدو‪ ...‬كلها عوامل تفر�ض‬
‫ُرجح �أ�سلوب ًا وترف�ض �آخر‪.‬‬ ‫�شك ً‬
‫ال حمدداً ّ‬
‫وتقدمه على غريه‪ ،‬وت ّ‬
‫�أما هذه الأ�شكال التنظيمية فهي‪:‬‬

‫الهرمي‪:‬‬
‫�أوالً‪ :‬التنظيم َ‬
‫ن�سب ًة �إىل �شكل الهرم الذي مي ّثل ر� ُأ�سه املد َّب ُب ر� َأ�س التنظيم وقيادتَه‪ ،‬وقاعدتُه‬
‫العري�ضة هي قاعدة التنظيم وعنا�رصه‪ ،‬وتت�صل فيه القيادة بالقاعدة كما هو‬
‫الهرم‪ ،‬فالقيادة ت ّت�صل بامل�ستوى الذي دونها ب�صورة مبا�رشة‪ ،‬ويت�صل امل�ستوى‬
‫الثاين بقاعدة �أو�سع‪ ،‬والتي تت�صل بدورها بامل�ستوى الذي يليها‪ ،‬وهكذا يكون‬
‫‪168‬‬

‫االت�صال من ر�أ�س الهرم وحتى �أدنى القواعد‪( ..‬انظر الر�سم ‪.)1‬‬

‫ميتاز هذا الأ�سلوب من التنظيم ب�سهولة االت�صال و�رسعته بني حلقات التنظيم‪،‬‬
‫وعدم وجود (بريوقراطية) مم ّلة ب�سبب االنفتاح يف العالقة واالت�صال‪ ،‬وعدم‬
‫ال�سلبية الأبرز فيه‪ ،‬تكمن يف‬
‫ّ‬ ‫وجود خطوط مقطوعة �أو غري معلومة‪� .‬إال �أن‬
‫�سهولة اكت�شاف جميع حلقات التنظيم‪ ،‬و�إمكانية توجيه �رضبة قا�سية �إىل جميع‬
‫حلقاته من ر�أ�س الهرم �إىل قاعدته‪ ،‬فبحدوث خط�أ �أمني �أو اخرتاق داخلي‪� ،‬أو‬
‫عرب التحقيق االعتقايل؛ ف�إن االنهيار ال يتوقف �إال ب�صمود �أو ا�ست�شهاد م�ستوى‬
‫من حلقات الو�صل التي تقطع الطريق �أمام املخابرات املعادية‪ ،‬ومتنعها من‬
‫اال�ستمرار يف فرط عقد التنظيم وك�شف م�ؤ�س�ساته وعنا�رصه‪ ..‬وعليه‪ ،‬ف�إن هذا‬
‫املهنية‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية �أو‬
‫ّ‬ ‫ال�سيا�سية �أو ال ّنقابية �أو‬
‫الأ�سلوب ال ي�صلح �إال للأعمال ّ‬
‫املعر�ضة للمالحقة ال�شديدة‪ ..‬بينما ال ي�صلح للعمل الع�سكري‬
‫الهادئة‪ ،‬وغري ّ‬
‫والأمني واخلاليا الثائرة املنت�رشة يف ميدان املعركة‪.‬‬

‫ر�سم (‪)1‬‬

‫القيادة‬

‫امل�ستوى الثاين‬

‫امل�ستوى الثالث‬

‫امل�ستوى الرابع‬
‫‪169‬‬

‫ثانياً‪ :‬التنظيم الر�أ�سي‪:‬‬

‫الهرمي‪� ،‬إال �أنه ميتاز بعدم تو�سيع قاعدة االت�صال‪،‬‬


‫تنظيم �شبي ٌه بالتنظيم َ‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫فيكون التوا�صل على حلقاته عن طريق �شخ�ص واحد ّ‬
‫ي�شكل حلق َة الو�صل‬
‫بني م�ستوى و�آخر‪ ،‬في�ضمن عدم ّ‬
‫اطالع �أكرث من �شخ�ص على هذا امل�ستوى‪،‬‬
‫وي�ضمن عدم اطالع امل�ستوى �إال على �شخ�ص واحد‪ .‬و�إذا ّمت ا�ستخدام االت�صال‬
‫بني احللقات عرب و�سيلة �آمنة (غري مبا�رشة) كالنقاط امليتة �أو ن�صف امليتة؛ ف�إنه يزيد‬
‫من �أمنه و�سالمته‪( .‬انظر الر�سم ‪.)2‬‬

‫وميكن اعتماد هذا الأ�سلوب يف العمل الع�سكري والأمني عموم ًا‪ ،‬فهو �أكرث‬
‫�أمن ًا من �سابقه‪ ،‬لأن �صمود �شخ�ص واحد ميكن �أن يكون كفي ً‬
‫ال بوقف ال ّنزيف‬
‫و�إبطال م�سل�سل االنهيار وك�شف العاملني‪ ،‬كما �أن ا�ستخدام و�سائل االت�صال‬
‫الآمنة فيه ي�ضمن قطع اخلطوط‪� ،‬إال �أن ع َّلته الأبرز هي كونه �أكرث بطئ ًا وحاج ًة‬
‫للوقت واجلهد‪.‬‬

‫ر�سم (‪)2‬‬

‫القيادة‬ ‫ ‬

‫امل�ستوى الثاين‬

‫امل�ستوى الثالث‬
‫‪170‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التنظيم العنقودي‪:‬‬

‫�شبي ٌه بعنقود العنب يف �شكله‪ ،‬ولذا ُين�سب �إليه‪ ،‬فهو يتم ّثل يف قياد ٍة مركزية‪،‬‬
‫ت ّت�صل بها جمموع ٌة من القيادات الفرعية‪ٌّ ،‬‬
‫وكل منها تقود خاليا فرعية منفردة‪،‬‬
‫والعالقة بينها تكون مرتبطة بقيادة اخلاليا فقط‪ ،‬بحيث ّ‬
‫ت�شكل يف جمموعها‬
‫حبات عنقود العنب‪( ..‬انظر الر�سم‪.)3‬‬

‫حبـ ٍة مت ّثل خلي ًة منفردة‪ ،‬وهذه اخللية لي�س لها � ّأي ارتباط مع اخلاليا‬ ‫�إذن ُّ‬
‫فكل ّ‬
‫تف�صيلية عنها‪ ،‬وقائد ٍّ‬
‫كل منها ال يعرف‬ ‫ّ‬ ‫الأخرى العاملة‪ ،‬ولي�س لديها �أي معلومة‬
‫املجموعة الأخرى‪ ،‬ولي�س له ارتباط �إال مع قائده الأعلى‪ ،‬وكذلك القادة ال‬
‫يعرفون �إال مر�ؤو�سيهم (قادة اخلاليا)‪ ،‬دون �أن يعرفوا التفا�صيل الأخرى‪ ،‬فهي‬
‫�أكرث الأ�ساليب �أمن ًا‪ ،‬و�أف�ضلها �أدا ًء يف العمل الأمني والع�سكري‪.‬‬

‫ر�سم (‪)3‬‬
‫‪171‬‬

‫رابعاً‪ :‬التنظيم الع�شوائي‪:‬‬


‫ٌ‬
‫عمل قائم على املبادرات الفردية واجلهود الذاتية‬ ‫(العمل االرجتايل)؛ هو‬
‫يتوجب عليه القيام به‪ ،‬وانتمائه جتاه دينه‬
‫النابعة من قناعة الفرد بدوره الذي ّ‬
‫ووطنه و�أمته‪ ،‬فيبادر �إىل االت�صال بعدد من �أقرانه‪ ،‬و ُين�شئ معهم جمموعة مقاتلة‬
‫�أو �أكرث‪ ،‬ال يوجد بينها وبني غريها من اخلاليا �أو التنظيمات روابط ر�سمية �أو‬
‫تنظيمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خطوط ات�صال‬

‫عد هذا النوع من العمل معتمداً بكرثة يف جتربتنا الفل�سطينية‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬
‫و ُي ُّ‬
‫مع اخلاليا املجاهدة التي ال جتد لنف�سها خطوط ات�صال‪� ،‬أو التي متلك �أفراداً‬
‫تواقني للجهاد‪ ،‬وهم غري منت�سبِني �إىل جهاز ع�سكري‪ ،‬فيبادرون بجهودهم‬
‫ّ‬
‫الفردية لإن�شاء اخللية و�إعدادها وحت�صيل ال�سالح والعتاد‪ ،‬ف�إذا �سنحت الفر�صة‬
‫لهم لإيجاد روابط ب�إحدى الأجنحة الع�سكرية املقاتلة‪ ،‬ف�إنها تعقد هذا االت�صال‪،‬‬
‫فتدخل �ضمن هيكليته التنظيمية‪.‬‬

‫ولقد �أثمر هذا ال�شكل من العمل يف فل�سطني عن نتائج طيبة‪ ،‬فقد عملت‬
‫هذه اخلاليا مطمئن ًة ِلع ْلمها �أنها متلك مفاتيحها بيدها‪ ،‬وال ميكن جلهة �أن تكون‬
‫�سبب ًا ل ُت�ؤتى من خلفها‪ ،‬و�إن �أي اعتقاالت �أو حمالت قد تطال تنظيمات ثائرة‬
‫لن ت�صل يف النهاية �إىل ك�شف �أمر اخللية‪ ،‬فال ارتباط بينهما ي�ؤدي �إىل ك�شفها‪،‬‬
‫أحد علم ًا ب�أمر هذه اخللية وما ا�ستطاعت �إجنازه من مهمات‪.‬‬
‫وال ميلك � ٌ‬

‫�إال �أن هذا اللون من العمل ال ي�شكل تنظيم ًا متكام ً‬


‫ال‪ ،‬وال ي�صلح لإدارة‬
‫�ش�أن عام �أو حتريك ثورة مكتملة‪� ،‬أو �أن يوجه (جاريال) ثائرة وي�صل بها �إىل‬
‫ال�ضعف املادي‪� ،‬سواء بق ّلة ال�سالح‪� ،‬أو‬
‫الن�رص‪ ،‬كما �أن خالياه عاد ًة ما تعاين من ّ‬
‫‪172‬‬

‫مالي ًا‪ ،‬ملا للعمل الع�سكري من تكلفة‬


‫بعدم القدرة على تغطية احتياجات العمل ّ‬
‫وتبعات قد تثقل كاهل الأفراد بينما حتتمله التنظيمات‪.‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬التنظيم اخليطي ِّ‬


‫(ال�سل�سلة)‪:‬‬

‫يكون االت�صال فيه من القيادة للقاعدة وبالعك�س ويف جميع املراحل فردي ًا‪،‬‬
‫يتعرف العن�رص �إال على عن�رص �أعلى منه‪ ،‬و�آخر �أدنى منه‪ ،‬وفقط‪( .‬انظر‬
‫وبذا؛ ال ّ‬
‫الر�سم‪.)5‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫القيادة (‪)1‬‬

‫ٌ‬
‫ات�صال �إذن بني (‪ )2‬و(‪ ،)4‬وبني (‪ )1‬و(‪ ،)4‬وبني (‪)1‬‬ ‫فال يكون هناك‬
‫و(‪.)3‬‬

‫أمنيـ ًا (نقطة ميتة)‪ ،‬وبالتايل ال ّ‬


‫يتعرف‬ ‫وميكن �أن يكون ال ّتوا�صل بني احللقات � ّ‬
‫أحد على �أحدٍ بتات ًا‪ ،‬وال يكون معه ّ‬
‫خلية يعرفها‪ .‬ف�إذا كان اعتقال � ٍّأي من عنا�رص‬ ‫� ٌ‬
‫ال�سل�سلة ف�إنه يكون �أكرث �أمن ًا من � ِّأي �شكل من الأ�شكال ال�سابقة‪ ،‬و�أبعد من‬
‫ّ‬
‫االعرتاف‪ ،‬منه �أو عليه‪� .‬إال �أنه يبقى النموذج الأبط�أ‪ ،‬والأقل �رسع ًة يف الإجناز‪،‬‬
‫والأ�ضعف قدر ًة على تفعيل املجموعات‪ ،‬لأنه للأفراد‪.‬‬

‫أمنية‪� ،‬إال‬ ‫وي�صلح هذا ال�شكل لبع�ض املهمات الع�سكرية واجلهادية َ‬


‫جلودته ال ّ‬
‫�أنه ال ي�صلح بتات ًا للعمل اجلماهريي‪ ،‬لل�سبب الذي ذكرناه‪.‬‬

‫ويف جمموع �أ�ساليب العمل التّنظيمي‪ ،‬نلحظ �أن الأمن يتنا�سب عك�سي ًا مع‬
‫معرفة قادة و�أفراد اخلاليا بع�ضهم بع�ض ًا‪ ..‬فكلما ُك�شفت اخلاليا على بع�ضها‪،‬‬
‫‪173‬‬

‫تعرف العاملون على بع�ضهم‪ ،‬وكلما زاد عدد وحجم اخلطوط املو�صولة؛‬
‫وكلما ّ‬
‫ق ّل ْت ن�سبة الأمان‪ ،‬وزادت املخاطر و�إمكانية ال�سقوط واحتمالية ك�شف اخليوط‬
‫واخلطوط‪..‬‬

‫وكلما ا�س ُتخدم مبد أ� قطع اخليوط عرب النقاط امليتة‪ ،‬وقلة املتعارفني‪ ،‬وكلما‬
‫أقل ات�صا ًال واحتكاك ًا؛ زادت ن�سبة الأمان‪ ،‬وق ّلت‬
‫ا�س ُتخدمت الأ�ساليب ال ّ‬
‫احتمالية الوقوع واالنهيار‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬ف�إن الأ�سلوب العنقودي يف ت�شكيل ج�سم التنظيم الع�سكري‪ ،‬وقطع‬


‫خيوط التوا�صل وخطوط العمل عرب و�سائل الأمان‪ ،‬هو ال�ضمان الأف�ضل‬
‫�شهد‬
‫ع�صية على الك�شف وال�سقوط‪ .‬ولقد َ‬
‫ّ‬ ‫مهامها‬
‫ال�ستمرار اخلاليا العاملة يف ّ‬
‫العدو ال�صهيوين بنف�سه؛ �أنّ الطريقة التي عملت من خاللها اخلاليا الق�سامية‬
‫ّ‬
‫ال دون �سقوطها ال�رسيع‬ ‫املجاهدة املنت�رشة يف ال�ساحة الفل�سطينية ّ‬
‫�شكلت حائ ً‬
‫وانهيارها ال�سهل‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ف�إن ق�صوراً ال يزال يعرتي العمل الفل�سطيني املقاوم‬
‫تنظيمية �آمنة‪ ،‬و�إن ال�سقوط املتوا�صل وال�رسيع لعدد من‬
‫ّ‬ ‫يف ت�شكيل هياكل‬
‫خاليا املجاهدين دليل على ذلك‪ .‬فانعدام اخلربة‪ ،‬و�ضعف الكفاءة يف �إعداد‬
‫الت�شكيالت التنظيمية‪ ،‬واال�ستهتار الذي وقع به العديد من العاملني‪ ،‬وعدم‬
‫ثغرات كانت‬
‫ٍ‬ ‫كل ذلك ّ‬
‫�شك َل بجملته‬ ‫ا�ستخدام الأ�ساليب الآمنة يف التوا�صل‪ُّ ،‬‬
‫ت�صدع وانهيار �أركان العمل الع�سكري‪ ...‬ويف درا�ستنا (�أمن املطارد‪/‬‬
‫ت�سهم يف ّ‬
‫ٌ‬
‫تف�صيل مفيد‪ ،‬نن�صح بالرجوع �إليه‪.‬‬ ‫باب �أمن املجموعات)‬
‫‪174‬‬

‫ثانياً‪ :‬التّ�سليح‬
‫بد للمقاتل من �سالح ي�ستخدمه يف حربه �ضد عدوه‪ ،‬هذا ال�سالح يتنا�سب‬
‫ال ّ‬
‫وطبيعة احلرب التي يخو�ضها رجل الع�صابات‪ .‬ومن املعروف بداه ًة �أن هناك‬
‫فرق ًا كبرياً بني �سالح املقاتل الثائر‪ ،‬وبني �سالح الدولة املحت ّلة التي تقاتله؛ ففي‬
‫نظامي ًا و�أ�سلح ًة ثقيل ًة من ّ‬
‫الطريان وال ّآليات الثقيلة‬ ‫ّ‬ ‫حني ميتلك االحتالل جي�ش ًا‬
‫والقطع احلربية �أو البحرية والعتاد القتا ّ‬
‫يل الهائل‪ ،‬ف�إن الثائر ال ميلك �إال �سالح ًا‬
‫خفيف ًا ي�ستطيع القتال به منفرداً‪ ،‬هذا ال�سالح اخلفيف ي�ساعده يف اتّباع قواعد‬
‫ُ‬
‫رجل الع�صابات‬ ‫وفـر ومباغت ٍة وكمائن‪ ..‬ولو َ‬
‫ملك‬ ‫كـر ٍّ‬
‫حرب الع�صابات من ٍّ‬
‫�سيتعر�ض للتدمري‬
‫ّ‬ ‫�سالح ًا ثقي ً‬
‫ال ملا ا�ستطاع �إخفاءه �أو االن�سحاب به‪ ،‬وعندها‬
‫والفناء‪� ،‬إال �إن كانت (اجلاريال) يف دولة �صديقة‪.‬‬

‫كما �أن �إمكانات (اجلاريال) الب�سيطة‪ ،‬وال ّت�ضييق الذي يفر�ضه عليها املحتل‪،‬‬
‫وغريها من الأ�سباب؛ ال ت�ساعد يف امتالك ال�سالح الثقيل بكافّة �أ�شكاله‪ ،‬ولو‬
‫ا�ستطاعت توفريه �ستبقى النقطة الأوىل حائ ً‬
‫ال دون قدرة الثوار على ا�ستخدامه‪..‬‬
‫التقدم يف ت�صنيع ال�سالح‪� ،‬أ�صبح ب�إمكان الثائر �أن يح�صل على �سالح‬
‫ّ‬ ‫ومع‬
‫فردي لكنه ذو فاعلية وكفاءة‪ّ ،‬‬
‫وميكنه من مواجهة ال�سالح الثقيل‪ ،‬كما فعل‬
‫املجاهدون يف �أفغان�ستان بح�صولهم على �صواريخ (�ستبحح) الأمريكية‬
‫املحمولة على الكتف‪ ،‬والتي ت�ستطيع �إ�سقاط الطائرات‪ ،‬فكانت �سهم ًا �أ�صاب‬
‫املتفوق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرو�س يف مقتل‪ ،‬و�آمل طريانهم‬

‫ولقد ا�ستخدمت املقاومة الفل�سطينية عرب م�سريتها ما ا�ستطاعت توفريه من‬


‫�سالح‪ ،‬وهو �ضمن الأ�شكال التالية‪:‬‬
‫‪175‬‬

‫�أوالً‪ :‬ال�سالح الأبي�ض‪:‬‬


‫ال�س ّ‬
‫ـكني‪،‬‬ ‫هو �أب�سط �أنواع ال�سالح املادي الذي ميكن ملقاوم ٍة �أن تت�س ّلح به‪ِّ :‬‬
‫تعر�ض للقهر واال�ضطهاد‪،‬‬
‫ذلك ال�سالح الذي ي�ستخدمه من ال ميلك غريه‪ ،‬ف�إذا ّ‬
‫عدوه يعيث يف الأر�ض ف�ساداً وال يجد‬
‫�رشد‪ ،‬ور�أى َّ‬
‫�أو ر�أى �شعبه ُيقتل و ُيذبح و ُي َّ‬
‫تتحرك يف املجاهد نوازع الوطنية واحلمية والث�أر ورف�ض الظلم‪ ،‬ثم‬‫ّ‬ ‫من ير ّده‪،‬‬
‫ّ‬
‫ال�سكني‪ ،‬ل�سهولة احل�صول‬ ‫ال يجد �أمامه �سالح ًا يحقق ث�أره‪ ،‬فيعمد �إىل �سالح‬
‫طـرم يف �صدره‪.‬‬
‫ي�ض ّ‬
‫عليه‪ ،‬فيجعل منها �أداة ث�أره‪ ،‬وو�سيلته التي يعبرّ بها عما ْ‬

‫ولقد ا�س ُتخدم ال�سالح الأبي�ض يف بع�ض �أ�شكال املقاومة اخلا�صة التي ال‬
‫ي�صلح لها �إال ال�سالح الأبي�ض‪ ،‬وال ي�صلح غريه‪ ،‬مثل بع�ض عمليات االغتيال؛‬
‫كقتل �ضابط املخابرات (نحماين)‪ ،‬وكقتل بع�ض اجلنود املختطفني‪ ،‬كرجل‬
‫املخابرات (�سا�سون)‪ ...‬و�سبب ا�ستخدامه هو عدم �إ�صدار �صوت كما يفعل‬
‫ال�سالح الناري‪ ،‬وبالتايل ال ُيلفت النظر‪ ،‬وال يك�شف املنفّذين‪.‬‬
‫ويقع �ضمن �إطار ال�سالح الأبي�ض‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ّ‬
‫ال�سكني‪ ،‬ما ي�شابه عمله‪ :‬كالف� ِأ�س‬
‫الفارغة وكل ما هو دون ال�سالح الناري‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جاجات‬
‫ِ‬ ‫واحلجارة وال ّز‬
‫ِ‬ ‫يف‬
‫وال�س ِ‬
‫ّ‬

‫ثانياً‪ :‬ال�سالح النّاري‪:‬‬

‫بامل�سد�سات‪ ،‬مروراً بالبنادق‬


‫ّ‬ ‫�شخ�صي غالب ًا‪ ،‬بدءاً‬
‫ٌّ‬ ‫خفيف عموم ًا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫�سالح‬
‫ٌ‬
‫الر�شا�شة‪.‬‬ ‫البدائية والأوتوماتيكية‪ ،‬و� ً‬
‫صوال �إىل املدافع ّ‬ ‫ّ‬
‫وال�سالح الناري هو �أكرث الأ�سلحة ا�ستخدام ًا يف حروب الع�صابات على‬
‫‪176‬‬

‫اختالف مدار�سها‪ ،‬وقد كان ا�ستخدامه يف فل�سطني يف �أول �أ�شكال املقاومة‬


‫امل�سلحة‪ ،‬فقد ا�ستخدمه ال ّثوار يف �أ�سلوب الكمائن املفاجئة التي كانوا ي�رضبون بها‬
‫مركبات العدو و�آلياته وقوافل �إمداده وخطوط متوينه وات�صاله‪ ،‬كما ا�ستخدموه‬
‫يف اال�شتباكات املبا�رشة وغري املبا�رشة‪ ،‬ف�أثبت يف ذلك جناعة وجناح ًا‪.‬‬

‫احلرا�سات ال�شخ�صية وحماية ّ‬


‫الذات والقيادات‪،‬‬ ‫كما ا�ستخدمه املقاومون يف ِ‬
‫لعدوه‪ ،‬ودفع ًا‬
‫ناري يحمله دفاع ًا عن نف�سه‪ ،‬ور ّداً ّ‬
‫�سالح ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فما من مطاردٍ �إال ويلزمه‬
‫للمخاطر عنه‪ ،‬فبدونه يكون عاجزاً ال ميلك ر ّد فعل‪ ،‬وال يجد �إال الت�سليم‪.‬‬

‫ولقد بد�أ املجاهدون يف فل�سطني مقاومتهم ب�أعداد حمدودة جداً من ال�سالح‬


‫عر�ضه‬
‫َ‬ ‫ال ّناري‪ ،‬وبفقدانٍ �شبه كامل لأنواع ال�سالح الأخرى‪ ،‬وقد ذكرنا ما‬
‫ال�شيخ ال�شهيد (�أحمد يا�سني) يف هذا الباب‪ ،‬حني قال �أنّ قطعة ال�سالح الواحدة‬
‫كانت تعمل بها جمموعات الق�سام يف غزة‪ ،‬ثم تنتقل �إىل جمموعات ال�ضفة‪...‬‬
‫وهكذا!‬

‫عائد �إىل احل�صار ال�شديد الذي فر�ضه االحتالل‬


‫ال�شح يف ال�سالح؛ فهو ٌ‬
‫�أما هذا ّ‬
‫على احلدود الفل�سطينية من جهاتها الأربع‪ ،‬بحيث ي�صعب تهريب �أي قطعة من‬
‫ال�سالح والذخرية‪ ،‬والت�ضييق ال�شديد داخل فل�سطني باملالحقة واملتابعة بق�سوة‬
‫لكل من ّ‬
‫يفكر باقتناء ال�سالح �أو املتاجرة به‪ ،‬ولذا ف�إنه يف اللحظة التي ا�ستطاعت‬
‫�رسية بني قطاع غزة والأرا�ضي امل�رصية‪� ،‬أ�صبح ال�سالح‬
‫املقاومة فيها حفر �أنفاق ّ‬
‫يتدفّق بكرثة‪ ،‬حتى �أ�صبح ّ‬
‫لكل جماهد قطعة �سالح‪ ،‬بل �أ�صبح احلديث دائراً‬
‫حول مفهوم (فو�ضى ال�سالح) لكرثته و�سعة انت�شاره دون �ضوابط‪.‬‬

‫كذلك ف�إن من الأ�سباب التي زادت من توفّر ال�سالح وانت�شاره؛ دخول‬


‫‪177‬‬

‫ال�سلطة الفل�سطينية ب�أجهزتها الأمنية و�أ�سلحتها النارية �إىل عدد املناطق‬


‫الفل�سطينية‪.‬‬

‫�أما عن كيفية احل�صول على ال�سالح وا�ستخدامه واحلفاظ عليه‪ ،‬ففي باب‬
‫ٌ‬
‫وب�سط ميكن الرجوع �إليه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫تف�صيل‬ ‫(�أمن ال�سالح) من درا�ستنا (�أمن املطارد)‬

‫املتفجر‪:‬‬
‫ال�سالح ّ‬
‫ثالثاً‪ّ :‬‬
‫وهو �أحد �أ�سلحة اجلاريال الأ�شد فتك ًا‪ ..‬ا�ستخدم ْته الثور ُة الفل�سطيني ُة قدمي ًا‪،‬‬
‫جنمه زمن ًا‪ ،‬ليعود من جديد مع مطلع ال ّت�سعينات وبقوة مت�صاعدة و�أ�شكال‬
‫ثم َخبا ُ‬
‫متنوعة‪ ،‬خ�صو�ص ًا مع انطالق العمليات ال ّتفجري ّية اال�ست�شهاد ّية التي ُ�صبغت بها‬
‫املقاومة الفل�سطينية‪.‬‬

‫و ُيالحظ �أنّ ل�سالح التفجري �صوراً عديد ًة ا�ستخدمتها املقاومة ب�شكل‬


‫مت�صاعد �أحيان ًا‪ ،‬ومتزامن �أحيان ًا �أخرى‪ّ � ،‬أولها العبوات التي تُزرع يف طريق‬
‫التجمعات‬
‫ّ‬ ‫املتحركة‪ ،‬وثانيها القنابل اليدو ّية التي تُرمى على‬
‫ّ‬ ‫�أهداف العدو‬
‫املتحركة‪ ،‬وثالثها و�أرقاها و�أبلغها‪ :‬العمليات‬
‫ّ‬ ‫وال ّنقاط الثابتة والأهداف‬
‫املفخخة‪...‬‬
‫اال�ست�شهادية ب�أ�شكالها؛ �سواء بالأحزمة �أو احلقائب �أو ال�سيارات ّ‬

‫مييز هذا ال�سالح‪� ،‬أنه ذو ت�أثري كبري يفوق مثيله من الأ�سلحة ال ّنارية �أو‬
‫وما ّ‬
‫البدائية‪ ،‬حيث �أنّ �أذاه �أكرب‪ ،‬وال�رضر املرتتّب عليه �أبلغ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل التدمري‬
‫الذي ي�صاحبه‪ ،‬واخل�سائر املا ّدية اجل�سيمة التي ُيحدثها‪ ،‬والإ�صابات الأكرب‪،‬‬
‫والأكرث عدداً يف الأرواح‪ ،‬كما �أنه يرتك �أثراً نف�سي ًا بالغ ًا يف املحيط‪ ،‬قد يفوق‬
‫إعالمي ًا �صارخ ًا يف املجتمع‪..‬‬
‫ّ‬ ‫يف عمقه الإ�صابات املبا�رشة‪ ،‬كما يحدث َدو ّي ًا �‬
‫‪178‬‬

‫و�أكرثها �أثراً هي العمليات التي حيرّ ت العدو ال�صهيوين‪ ،‬فوقف �أمامها �صامت ًا‪،‬‬
‫ومل يجد عليها �إجابة‪.‬‬

‫لقد اعتمدت املقاومة الفل�سطينية يف عمليات التفجري على مبد�أ ال ّت�صنيع‬


‫أولية للو�صول �إىل املركبات‬ ‫ّ‬
‫الذاتي والتطوير الدائم‪ ،‬وا�ستخدام �أب�سط املواد ال ّ‬
‫املتفجرة‪ ،‬فبعد �أن ا�س َتخدمت مادة (‪ )TNT‬اجلاهزة التي ا�ستخرجتها من‬
‫ّ‬
‫الألغام الأر�ضية وقذائف الهاون‪ ،‬ومادة كحل البارود امل�ستخرجة من الر�صا�ص‪،‬‬
‫ومادة الكربيت امل�أخوذة من كربيت البيوت‪ ،‬انطلقت لت�صنيع املواد املتفجرة من‬
‫متفجرة‬
‫ّ‬ ‫عدة مواد‬
‫الأ�سمدة وموا ّد التنظيف واملواد الأولية‪ ،‬حتى و�صلت �إىل ّ‬
‫وفر�ض‬
‫َ‬ ‫عدوها‪ ،‬مما دفع االحتالل �إىل منع هذه املواد‪،‬‬
‫كانت �أداتها يف �رضب ّ‬
‫ح�صاراً عليها وطلب متابعة م�شرتيها‪ ،‬الأمر الذي دفع املقاومة �إىل �إدامة البحث‬
‫عن مواد جديدة �أكرث �شيوع ًا ُينتجون منها ّ‬
‫متفجراتهم‪.‬‬

‫التطو َر التكنولوجي يف خدمة �سالح التفجري‪ ،‬يف حماول ٍة‬


‫ّ‬ ‫وقد �أدخلت املقاومة‬
‫أقل تكلف ًة ب�رشيةً‪ ،‬و� ّ‬
‫أقل خطراً على املنفّذ‪ ،‬فانتقل التفجري‬ ‫جلعله �أعمق �أثراً‪ ،‬و� ّ‬
‫من ا�ستخدام ال�سلك املو�صول بالعبوة‪ ،‬واملنتهي �إىل بطارية مي�سكها املجاهد‬
‫لت�شغيلها‪ ،‬م�ضطراً �إىل البقاء قريب ًا منها‪ ،‬انتقل �إىل ا�ستخدام �أجهزة التحكم عن‬
‫ُبعد‪ ،‬والرميوت الذي ال يحتاج �إىل �سلك �أو بطارية‪ ،‬والهاتف النقّال الذي ّ‬
‫ميكن‬
‫موقع كان‪.‬‬
‫املجاهد من تفجري العبوة من � ِّأي ٍ‬
‫وهكذا �أ�صبح �سالح التفجري يف مقدمة الأ�سلحة امل�ستخدمة يف املقاومة‬
‫عدوها‪� ،‬سواء يف الدفاع عن املدن يف عمليات االجتياح‬ ‫ّ‬ ‫الفل�سطينية �ضد‬
‫ن�صب الكمائن لقواته و�آلياته‪� ،‬أو‬
‫املتكررة التي ميار�سها اجلي�ش ال�صهيوين‪� ،‬أو ْ‬
‫ّ‬
‫وجتمعاته التي كان يح�سبها �آمنة‪.‬‬
‫ملهاجمته يف عقر داره ّ‬
‫‪179‬‬

‫ال�صاروخي‪:‬‬
‫ال�سالح ّ‬
‫رابعاً‪ّ :‬‬
‫كال�صواريخ املحمولة على الكتف؛‬
‫ونق�صد به ال�سالح ال�صاروخي اخلفيف‪ّ ،‬‬
‫مثل �صاروخ (‪ )RBJ‬امل�ضاد للدروع‪ ،‬وهو �أول �سالح �صاروخي ا�ستخدم ْته‬
‫الفل�سطينية خارج فل�سطني‪ ،‬ثم �أ�صبح يف نهاية ال ّت�سعينات بيد املقاومة‬
‫ّ‬ ‫املقاومة‬
‫يف (غزة)‪� ،‬إىل �أن ّ‬
‫متكنت كتائب الق�سام من �إنتاجه حم ّلي ًا حتت َّ‬
‫م�سمى (اليا�سني)‪.‬‬
‫ومثله �صاروخ (الو)‪ ،‬وهو ٌ‬
‫قليل يف فل�سطني‪.‬‬

‫وي�سمى‬
‫َّ‬ ‫ومنها �صواريخ ذات قاعدة �أر�ضية؛ بدءاً باملقذوفات (الهاون)‪،‬‬
‫(املورتر)‪ ،‬والتي كانت ت�أتي جاهزة‪ ،‬ثم امل�ص َّنعة حم ّلي ًا‪ ،‬و� ً‬
‫صوال �إىل ال�صواريخ‬
‫ال�سالح املح ّلية‪،‬‬
‫�صناعة ّ‬
‫ِ‬ ‫(الق�سام)‪ ،‬والتي �أ�صبحت مفخر َة‬
‫ّ‬ ‫أر�ضية حم ّلية ُّ‬
‫ال�صنع‬ ‫ال ّ‬
‫وقد تطور هذا ال�صاروخ �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬ليزداد وزنه وحجمه و َمداه ّ‬
‫وقوة تفجريه‪،‬‬
‫برعب كبري‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وال يزال العمل على تطويره جاري ًا‪ ،‬الأمر الذي ُي�شعر االحتالل‬

‫أنواع‬
‫ت�صنيع � َ‬
‫َ‬ ‫ولقد ا�ستطاعت املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬وحتديداً كتائب الق�سام‪،‬‬
‫للدروع‪ ،‬و�صواريخ (�أر�ض ـ �أر�ض)‪ ،‬واملقذوفات‪،‬‬
‫عديد ٍة من ال�صواريخ امل�ضا ّدة ّ‬
‫ال�سبق من‬
‫املقاومة تت�سابق يف هذا امليدان‪ ،‬وال زال َّ‬
‫ِ‬ ‫و�أ�صبحت جميع القوى‬
‫ن�صيب الق�سام‪.‬‬

‫لقد �أثبتت هذه ال�صواريخ جناع َتها وقدرتَها على �رضب �أهدافها والإثخان‬
‫العدو على �إيجاد‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ف�ضل يف عدم قدرة‬ ‫وع�شوائيتها)‬
‫ّ‬ ‫بعد ِّوها‪ ،‬وقد كان (لغباءها‬
‫م�ضا ّد لها‪ ،‬على الرغم من تقدمه العلمي‪ ،‬وا�ستعانته بخرباء اجلي�ش الأمريكي‬
‫عدة �أنواع من‬
‫واجلي�ش الربيطاين وغريها من اخلربات‪ ،‬وعلى الرغم من �إنتاجه ّ‬
‫ال�سالح امل�ضاد‪ ،‬وتطويره �أ�سلحة �أخرى‪ ،‬وا�ستعانته ب�أ�سلحة جاهزة‪� ...‬إال �أنها‬
‫الت�صدي له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ف�شلت ك ُّلها يف �إ�سقاط �صاروخ الق�سام �أو‬
‫‪180‬‬

‫الرعب‪،‬‬
‫الردع)‪ ،‬و�أثارت ُّ‬
‫لذا‪ ،‬فقد خلقت هذه ال�صواريخ حال ًة من (توازن ّ‬
‫ـج ِـد معه‬
‫و�أذهلت العدو و�أجهزته الأمنية والع�سكرية وعموم جمتمعه‪ ،‬فلم ُي ْ‬
‫م�شددة‪� ،‬أو رقابة‬
‫واق‪� ،‬أو حزام �أمني‪� ،‬أو ح�صار ع�سكري‪� ،‬أو �إجراءات ّ‬
‫�سور ٍ‬
‫ٌ‬
‫ومبتفجراته �إىل هدفه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املقاو ُم بحاجة �إىل االنطالق بنف�سه‬
‫ِ‬ ‫دائمة‪ ...‬كما مل يعد‬
‫فال�صاروخ يقوم باملهمة عنه‪.‬‬

‫ومن �أ�شكال الرعب التي ظهرت على الكيان ال�صهيوين م� َّؤخراً؛ حماول ُته‬
‫�إيجاد دروع معنو ّية ثقيلة على جميع املباين يف مدينة (ا�سديروت)‪ ،‬باعتبارها‬
‫وت�رضراً منها‪� ،‬إال �أنهم َع َدلوا عن الفكرة لعدم‬
‫ّ‬ ‫تعر�ض ًا ل�صواريخ الق�سام‬
‫الأكرث ّ‬
‫جدواها‪ ،‬والرتفاع ُكلفتها‪ ،‬ولأن الكتائب ّ‬
‫و�سعت نطاق ال�صواريخ و�أ�صبحت‬
‫قادر ًة على �رضب مراكز �أخرى‪.‬‬

‫�إ�ضاف ًة �إىل ما �سبق‪ ،‬ف�إن بع�ض املجموعات املجاهدة حاولت ا�ستخدام‬


‫�سامة وقاتلة �إىل‬
‫مرة‪ ،‬وذلك ب�إ�ضافة موا ّد كيماوية ّ‬
‫غري ّ‬
‫ال�سالح (الكيماوي) َ‬
‫بع�ض �أ�سلحة التفجري‪ ،‬وقد ك�شفت ال ّتحقيقات هذه املحاوالت‪� ،‬إال �أنّ الأمر ال‬
‫حيز التنفيذ احلقيقي‪ ،‬وذلك‬
‫يزال قيد ال ّتجربة واملحاولة والتفكري‪ ،‬ومل يدخل ّ‬
‫لأ�سباب عديدة‪ ،‬وقد يكون ال�سبب عدم رغبة املقاومة ب�إدخال ال�صرّ اع يف‬
‫مرحلة جديدة قد تكون �آثارها وخيمة‪ ،‬وقد ت�ؤ ّدي �إىل ر ّدة فعل قا�سية وفوق‬
‫الطاقة‪.‬‬

‫هذه هي الأ�سلحة اخلفيفة التي ت�س ّلحت بها املقاومة الفل�سطينية داخل الوطن‪،‬‬
‫�أما خارجه؛ فقد ا�ستطاعت املقاومة �أثناء تواجدها يف لبنان احل�صول على بع�ض‬
‫�أنواع الأ�سلحة الثقيلة‪ ،‬كالد ّبابات الرو�سية (‪ ،)T55‬وبع�ض ال�صواريخ امل�ضا ّدة‬
‫ّ‬
‫للطريان‪ ،‬واملدافع الثقيلة‪ ،‬وراجمات ال�صواريخ‪ ،‬و�أنواع �أخرى من ال�سالح‪� ،‬إال‬
‫‪181‬‬

‫�أنها ا�س ُتخدمت بغالبها يف ال�رصاع الداخلي واحلرب الأهلية‪ ،‬وانتهى مع خروج‬
‫قوات الثورة نحو اجلزائر‪.‬‬

‫التنوع يف �سالح املقاومة الذي متلكه‪ ،‬يعطيها قو ًة ومرون ًة وقدر ًة على‬


‫�إن ّ‬
‫ا�ستخدام ال�سالح الأن�سب يف الوقت الأن�سب‪ ،‬وي�ساعد يف توجيه �رضبات �أكرث‬
‫�إيالم ًا لالحتالل‪ ،‬ويجعله � َّ‬
‫أ�شد حري ًة و�أبعد قدر ًة على توقّع القادم‪ ،‬فيزيد من‬
‫متعددة‪ّ ،‬‬
‫وميكنها من‬ ‫حجم املفاج�أة و�أثرها فيه‪ .‬كما �أنه يجعل بدائل املقاومة ّ‬
‫املناورة‪ ،‬فتتخيرّ ال�سالح الأن�سب من بينها‪ ،‬وتلوح ب�أ�شكالها املختلفة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬اال�ستخبارات‬
‫لكل ثور ٍة م�س َّلح ٍة وجماع ٍة منا�ضل ٍة من الت�س ّلح بال�سالح اال�ستخباري‬
‫بد ِّ‬
‫ال ّ‬
‫عدوها‪ ،‬و ُيعينها على‬
‫الأمني؛ فهو ي�ضمن لها ا�ستقراريّتها‪ ،‬و َيقيها من مكائد ّ‬
‫ـخل منوذج من مناذج حرب الع�صابات احلديثة من‬ ‫مهامها‪ ...‬ومل َي ُ‬
‫ّ‬ ‫تنفيذ‬
‫ا�ستخباري ي�ؤ ّدي هذا الغر�ض‪ ،‬بل �إنّ مع ّل َمنا ر�سول اهلل [ اعتمد مبد�أ‬
‫ٍّ‬ ‫جهازٍ‬
‫اال�ستطالعية التي تعمل على ك�شف‬
‫ّ‬ ‫الف َرق‬
‫اال�ستطالع واال�ستخبار باعتماد ِ‬
‫حتركاتهم‪ ،‬وتعمل على‬
‫وتتح�س�س �أخبارهم‪ ،‬وت�ستطلع ّ‬
‫َّ‬ ‫نوايا �أعداء امل�سلمني‪،‬‬
‫يقتدي‬
‫َ‬ ‫حر�ص [ يف ذات الوقت على �أن‬
‫َ‬ ‫معلومات مغلوط ٍة �إليهم‪ .‬كما‬
‫ٍ‬ ‫�إي�صال‬
‫�أ�صحابه به ويحذوا ْ‬
‫حذوه‪ ،‬يقول عنه الكاتب (منري الغ�ضبان) حتت عنوان؛ (قوة‬
‫املخابرات ال ّنبو ّية)‪« :‬لو وقفنا على ال�سرّ ايا والبعوث والغزوات يف هذه املرحلة‪،‬‬
‫ال»(‪.)1‬‬ ‫لأذه َلنا ّ‬
‫قوة املخابرات النبو ّية ب�صور ٍة يكاد ال ي�شهد لها التاريخ مثي ً‬

‫لل�سرية النبويّة)‪� ،‬أ‪ .‬منري الغ�ضبان‪.‬‬


‫احلركي ِّ‬
‫‪( 1‬املنهج َ‬
‫‪182‬‬

‫ثم تبعه �صحابته الأخيار من بعده(‪ ،)1‬فاقتفوا �أ َثره‪ ،‬فهذا عمر بن اخلطاب‬
‫و�صيته ل�سعد بن‬
‫ّ‬ ‫َر ِ�ض َي اهلل عنه‪ ،‬ي�ضع بع�ض ًا من قواعد ّ‬
‫الر�صد واال�ستطالع يف‬
‫�أبي وقّا�ص َر ِ�ض َي اهلل عنه‪ ،‬قائد جي�ش امل�سلمني يف معركة القاد�سية‪ ،‬فيقول له‪:‬‬
‫«�إذا وط ْئ َت الأر�ض ف�أر�سل العيون‪ ،‬وال تخف عليك �أمرهم‪ ،‬وليكن عندك من‬
‫تطمئن من ن�صحه و�صدقه‪ ،‬ف�إن الكذوب ال ينفعك‬
‫ّ‬ ‫العرب �أو �أهل الأر�ض من‬
‫ني عليك ولي�س عين ًا لك»‪.‬‬
‫والغا�ش ع ٌ‬
‫ّ‬ ‫بع�ضه‪،‬‬ ‫خربه و�إن َ�ص َ‬
‫دقك ُ‬

‫فروع‬
‫أمر ِين اثنَني‪ ،‬ينبثق عنهما ٌ‬
‫�إن �أهمية العمل اال�ستخباري تكمن �أ�سا�ساً يف � َ‬
‫عديدة‪:‬‬

‫واال�ستقرار‬
‫َ‬ ‫�أ ّولهما‪� :‬إعطاء رجل الع�صابات واملجموعات املقاتلة الطم�أنين َة‬
‫التفرغ الكامل للعمل والإعداد والتخطيط‬ ‫ّ‬ ‫عور بالأمان‪ ،‬مما يدفعه �إىل‬
‫وال�شّ َ‬
‫عدوه وال َّنيل منه‪ ،‬فهو يثق بوجود عيون �ساهرة وجنود جمهولني يقومون‬
‫ل�رضب ّ‬
‫على حمايته واحلفاظ عليه من �أن ُي�ؤتى من م�أْ َمـ ِنه‪� ،‬أو �أن ُيطعن على حني ّ‬
‫غرة‪.‬‬

‫ف�صيلية عن العدو‪ ،‬و�أماكن متركزه‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬توفري املعلومات ا ّلالزمة وال ّت‬
‫وقوته‪ ،‬وغريها من املعلومات‬
‫حتركه‪ ،‬ونقاط �ضعفه ّ‬ ‫وكيفية ّ‬
‫ّ‬ ‫وخطوط �إمداده‪،‬‬
‫التي حتتاجها اخلاليا يف عملية �رضب العدو والإثخان فيه‪ ،‬و�إن هذه املعلومات‬
‫جليـ ًة عن هدفه‪ ،‬وجتعله �صيداً �سه ً‬
‫ال له‪ ،‬في�ضع اخلطة التي‬ ‫توفّر للمقاتل �صور ًة ّ‬
‫تتنا�سب وطبيعة الهدف زمان ًا ومكان ًا وهيئةً‪.‬‬

‫�إن العمل اال�ستخباري ُي ِعـينْ (اجلاريال) على معرفة الواقع من حولها‪،‬‬


‫فت�ستعد لذلك‪ ،‬وال تكون‬
‫ّ‬ ‫واالطالع على ما يدور يف حميطها والتخطيط له‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪1‬الرحيق املختوم)‪ ،‬املباركفوري‪.‬‬


‫َّ‬
‫‪183‬‬

‫�سبات عميق‪ ،‬وبالتايل ي�ساعدها يف اتّخاذ‬


‫ٍ‬ ‫يف غفلة‪ ،‬وال تُفاج أ� بال ّنازلة وهي يف‬
‫كل َخ ْطب‪.‬‬
‫االحتياطات الالزمة ملواجهة ِّ‬

‫واملتابع للعمل اال�ستخباري‪ ،‬يالحظ �أنه ينق�سم من حيث مها ِّمـه �إىل ق�سمني‪:‬‬

‫�أوالً‪ :‬الأمن الداخلي‪:‬‬

‫ويقوم على متابعة الأو�ضاع الداخلية للتنظيم وخالياه العاملة‪ ،‬حفظ ًا وترتيب ًا‬
‫و�إعداداً‪ ،‬فهو ي�شمل‪:‬‬

‫�أ ـ �أمن الأفراد‪ :‬ويعني احلفاظ على �سالمتهم وحمايتهم مما ّ‬


‫يتهددهم‪ ،‬و�صون‬
‫دمائهم و�أرواحهم‪ ،‬وعدم تعري�ضهم ملا فيه هالكهم �أو �أذيتهم‪ ،‬ففي الوقت الذي‬
‫حية و�ساخنة تبينّ حرك َة العدو‬
‫يتح�صل فيه التنظيم على معلومات ا�ستخباريّة ّ‬
‫ّ‬
‫وقواته‪ ،‬فتك�شف �شيئ ًا من نواياه‪ ،‬ف�إنها ت�ضع املعلومات بني يدي القيادة التي‬
‫ّ‬
‫توجه الأفراد ملا فيه �سالمتهم‪ ،‬فتحفظهم من الوقوع يف قب�ضة عد ِّوهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫يح�صن جنو َد املقاومة من الوقوع يف‬
‫ّ‬ ‫ومن باب �آخر‪ ،‬ف�إن (�أمن الأفراد)‬
‫العدو عرب �إعالمه امل�ض ِّلل‪ ،‬حيث ين�رش‬
‫ّ‬ ‫�شرِ ك احلرب ال ّنف�سية التي عاد ًة ما ي�ش ّنها‬
‫معلومات كاذب ًة تثري ُّ‬
‫الذعر يف �أو�ساط رجال املقاومة‪ ،‬وت�ضعهم يف �صور ٍة مغلوط ٍة‬ ‫ٍ‬
‫ت�شككهم يف قيادتهم وقدراتها‪ ،‬ويف �إمكانية ا�ستمرارهم وانت�صارهم‪ ،‬ف�إذا ما‬ ‫ّ‬
‫وفّرت �أجهزة اال�ستخبارات يف قوى املقاومة املعلومات ال�صحيحة عن واقع‬
‫االحتالل وحاله‪ ،‬وعن جمريات الأمور‪ ،‬وو�ضعتها �أمام املقاتلني‪ ،‬ف�إنها فتكفل‬
‫يتكبده االحتالل من معاناة وخ�سائر‪ ،‬وما‬
‫لهم االطالع على حقيقة احلال‪ ،‬وما ّ‬
‫جراء املقاومة‪ ،‬وما تتم ّتع به املقاومة من‬
‫يتعر�ض له من �أ�رضار ما ّدية ونف�سية ّ‬
‫ّ‬
‫وتقد ٍم يف الأداء‪ ،‬و�إجنازٍ على الأر�ض‪ ،‬وحتقيقٍ‬
‫رباطة ج� ٍأ�ش‪ ،‬وقدر ٍة على العمل‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫‪184‬‬

‫والتفاف جماهريي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تعاطف �أُممي‪ ،‬وت�أييدٍ عاملي‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫للأهداف‪ ...‬وما يحيطها من‬
‫�سقف‬
‫َ‬ ‫حما�سهم واندفاعهم‪ ،‬ويرفع‬
‫ِ‬ ‫ف�إن ذلك ك َّله يرفع ِه َ‬
‫مم املقاتلني‪ ،‬ويزيد من‬
‫بعدالة ق�ضيتهم‪ ،‬ويحفظهم من اال�ضطراب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ا�ستعدادهم وقناع َتهم‬
‫ِ‬

‫أ�رسارها ومعلوماتُها‬ ‫ّ‬


‫فلكل ثور ٍة �أو جماع ٍة � ُ‬ ‫ب ـ �أمن املعلومات والأ�رسار‪:‬‬
‫التي ت�سعى �إىل حفظها‪ ،‬وتعمل على َ�ص ْونها من الوقوع يف �أيدي عد ِّوها‪ ،‬ولها‬
‫�أر�شيفها الذي جتتهد يف االحتفاظ به بعيداً عن الأعني �إىل حني حاجة‪ ،‬مبا يحويه‬
‫هذا الأر�شيف من �أوراق ووثائق وم�ستندات وخمطوطات‪ ،‬وهي تعلم �أنّ وقوع‬
‫عد �رضب ًة قا�سي ًة قد تُ�صيبها يف مقتل‪ ،‬وحتديداً‬
‫هذه املعلومات يف �أيدي عد ِّوها ُي َّ‬
‫حتد ْثنا عن جماع ٍة ع�سكري ٍة جماهدة‪ ،‬فهي � ُّ‬
‫أ�شد حر�ص ًا على �صونها وحفظها‬ ‫�إن ّ‬
‫ب�أ�سلم الطرق‪.‬‬

‫هذه الأ�رسار على اختالف م�سمياتها و�أ�شكالها حتتاج �إىل من يقوم بحفظها‪،‬‬
‫وهـمـه الذي ميلأ ر�أ�سه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يخت�ص بهذه املهمة‪ ،‬وتكون ُ�شغ َله ال�شاغل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بحيث‬
‫ومهن َته التي ُيبدع فيها‪ ،‬فيبحث عن �أجنع الطرق والو�سائل التي حتقق له الهدف‪،‬‬
‫وي�ضع �أعتى العراقيل التي حتول دون ت�رسيبها �أو الو�صول �إليها‪ ،‬وي�رشف ب�شكل‬
‫كل جديد �إليها‪ ،‬ويقوم على ا�سرتجاع ا ّلالزم‬
‫دائم على �سالمتها‪ ،‬و ُيعنى ب�إ�ضافة ِّ‬
‫منها‪.‬‬

‫التقدم العلمي‪ ،‬ووجود الكمبيوتر والإنرتنت‪� ،‬أ�صبح من الواجب على‬


‫ومع ّ‬
‫التبحر يف فنون هذا الباب‪،‬‬
‫�أهل اال�ستخبارات والأمن يف املقاومة �أن َيعمدوا �إىل ّ‬
‫قدر من الأمان لأ�رسار ومعلومات‬
‫وا�ستخدام ما ميكن منه يف �سبيل حتقيق �أعلى ْ‬
‫املقاومة‪.‬‬
‫‪185‬‬

‫ومن العلوم التي وجب على �أهل االخت�صا�ص االهتمام بها؛ ملا لها من دورٍ‬
‫ال�س ّـرية)‪ ،‬ولنا معها‬
‫يف �أر�شفة وحفظ املعلومات‪( ،‬علم ال ّت�شفري) و(علم الكتابة ِّ‬
‫وقفة فيما هو �آت‪.‬‬

‫ج ـ �أمن احلفظ من االخرتاق‪َّ :‬‬


‫لعل من �أبرز ما يقوم به جهاز الأمن‪ ،‬هو حفظ‬
‫تنظيمه وثورته �سليم ًة من االخرتاق الذي ي�سعى العد ِّو �إىل �إحداثه يف ج�سم‬
‫الثورة وقواها املنا�ضلة والعاملني فيها‪.‬‬

‫فالعدو يفهم يقين ًا‪ ،‬كما نفهمه نحن‪� ،‬أنّ َ‬


‫خري و�سيل ٍة ل�رضب املقاومة والإجهاز‬
‫ند�سيه يف �صفوف الثورة‪،‬‬
‫الداخل عرب زرع عمالئه و ُم ّ‬
‫عليها؛ هي �رض ُبها من ّ‬
‫متقدمة‪ ،‬ليكونوا قادرين على ت�رسيب املعلومات‬
‫وال�سعي �إىل البلوغ بهم �إىل مراكز ِّ‬
‫ُعريه بو�ضوح‪ ،‬في�سهل‬
‫هيكلية التنظيم وت ّ‬
‫ّ‬ ‫ا ّلالزمة �إىل العدو‪ ،‬والتي تك�شف‬
‫تخ�ص العمليات‬
‫ّ‬ ‫�رضبه وا�ستئ�صال العاملني فيه‪ ،‬والإبالغ عن املعلومات التي‬
‫في�ستعد العدو لها ويحبطها‪ ،‬كما يقومون بت�شويه �صورة‬
‫ّ‬ ‫اجلهادية قبل حدوثها‪،‬‬
‫الثورة واملقاومة من خالل ف�ضح بع�ض العمالء العاملني يف �صفوفها‪ ،‬و�إظهارها‬
‫الـخونة والعمالء‪ ،‬وبالتايل تنتزع الثقة منها‪.‬‬
‫كمجموعة من َ‬

‫كما يهدف العدو من خالل ه�ؤالء العمالء �إىل حرف الثورة عن م�سارها‪،‬‬
‫تبو�أَ منا�صب قياد ّية ومواقع‬
‫و�إخراجها من م�سلكها‪ ،‬وخ�صو�ص ًا �إن كانوا ممن ّ‬
‫العدو من خالل عمالئه َ‬
‫تثبيط ِهمم �أبناء املقاومة وال�شعب‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫متقدمة‪ .‬ويحقّق‬
‫و�إحباط جهودهم‪ ،‬وال ّتخذيل عنهم ومن حولهم‪ ،‬وبذا ف�إن َ‬
‫مثل ه�ؤالء العمالء‬
‫يتعر�ض له مقاتلو الع�صابات وجماهدو‬
‫متعددي الأغرا�ض؛ هم من �أخطر ما ّ‬
‫ّ‬
‫املقاومة‪.‬‬
‫‪186‬‬

‫عدو الثورة يف جميع التجارب املعا�رصة يف زرع بع�ض عمالئه يف‬


‫جنح ّ‬
‫ولقد َ‬
‫�صفوف الثوار‪ ،‬فحق َّق جزءاً من �أهدافه‪ ،‬لكنه �أخفق يف حماوالت �أخرى‪ ،‬وف�شل‬
‫يف حت�صيله �أهداف ًا �أخرى‪.‬‬

‫جنح ال ّثوار مراراً يف ك�شف العمالء واخلونة‪ ،‬و�إنزال العقاب‬


‫كذلك فقد َ‬
‫العادل بحقّهم‪ ،‬ومنع �آخرين من بلوغ هدفهم‪ ،‬وبذا ّ‬
‫متكنوا من َد ْر ِء �أخطار‪،‬‬
‫إجناح عمل‪.‬‬
‫وتقليل خ�سائر‪ ،‬و� ِ‬
‫ِ‬

‫املخت�صة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املقاومة �أجهزتها الأمنية‬
‫ِ‬ ‫حلركات‬
‫ِ‬ ‫د ـ �أمن التّعبئة والتوجيه‪ :‬فكما �أنّ‬
‫وتخ�ص�ص ًا‪ ،‬وهي ت�صل الليل بالنهار‬
‫ّ‬ ‫وعدة وتنظيم ًا‬
‫ف�إن لعد ِّوها �أجهزة تفوقها عدداً ّ‬
‫بحث ًا وتخطيط ًا وعم ً‬
‫ال وتنفيذاً ل�رضب املقاومة و�أذرعتها‪ ،‬وهي بعملها حتاول‬
‫بد للمقاومة‬ ‫التطوير واالبتكار‪ ،‬ف�ض ً‬
‫ال عن ا�ستخدام الأ�ساليب التقليد ّية امل َّتبعة‪ ،‬فال َّ‬
‫وحماولة‬
‫ِ‬ ‫ور ْ�ص ِدها‬
‫متابعة �أ�ساليب هذه الأجهزة وو�سائ ِلها يف �رضب املقاومة َ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫َـحد من خطرها‪.‬‬
‫إيجاد العالجات واحللول الأمثل التي ت ُّ‬
‫الوقوف عليها‪ ،‬و� ِ‬

‫ُف�صل �صور َة‬


‫أمنية ت ّ‬
‫وكذا ف�إن من �أ�سا�سيات حماية املقاومة؛ �إيجاد ثقافة � ّ‬
‫َ‬
‫و�سائل هذا العدو اخلبيثة �أمام املجتمع‪،‬‬ ‫ُعري‬
‫عد ِّوها‪ ،‬فتك�شف ال ّثغرات‪ ،‬وت ّ‬
‫وتع ّلمهم ّ‬
‫كيفية النجاة منها واتقاء �آثارها‪ ،‬كدرا�سة ظاهرة (الع�صافري)‪ ،‬و�رشح‬
‫وكيفية ال�صمود‪ ،‬وبيان و�سائل الإ�سقاط والإيقاع يف وحل‬
‫ّ‬ ‫�أ�ساليب التحقيق‬
‫اخليانة‪ ،‬والإر�شاد �إىل طرق الوقاية من ذلك كله‪.‬‬

‫عد من العناوين الهامة التي حتتاج �إىل اال�ستفا�ضة يف البحث‪،‬‬


‫هذا وغريه ُي ّ‬
‫وتوعية املجتمع عموم ًا‪ ،‬والقوى املقاومة واجلنود املجاهدة خ�صو�ص ًا باملعلومات‬
‫التي توفّر لهم احلماية والأمان‪.‬‬
‫‪187‬‬

‫ثانياً‪ :‬الأمن اخلارجي‪:‬‬

‫جتمعه‪،‬‬
‫كم من املعلومات عن مراكز ّ‬
‫ويهتم بالعد ِّو اخلارجي‪ ،‬ومعرفة �أكرب ٍّ‬
‫وماهية نظامه الأمني الذي يحمي‬
‫ّ‬ ‫حتركه‪ ،‬و�آلية عمله‪،‬‬
‫وخطوط �إمداده‪ ،‬وكيفية ّ‬
‫به نف�سه‪ ،‬وطرق ات�صاله‪ ،‬ومكامن قوته‪ ،‬ونقاط �ضعفه‪ ،‬وهو مق�سو ٌم �إىل‪:‬‬

‫الر ْ�صد واال�ستطالع‪ :‬ويقوم على معرفة املعلومات ّ‬


‫الدقيقة عن العدو‪،‬‬ ‫�أ ـ َّ‬
‫وحتديد الطرق الأمثل ل�رضبه والإيقاع به والتعامل معه‪ ،‬كما يحاول ّ‬
‫االطالع‬
‫املبيتة‪ ،‬ومن ثم التعامل مع هذه املعلومات‬ ‫والتعرف على ّ‬
‫خمططات العدو ونواياه َّ‬ ‫ّ‬
‫واملخططات‪ ،‬وال�سعي �إىل �إبطالها‪ ،‬واتخاذ التدابري الأمنية ا ّلالزمة التي حتبطها‬
‫َّ‬
‫وت ّتقي �رشورها‪.‬‬

‫�إنّ من قواعد العمل الع�سكري‪� ،‬أنَّ (الر�صد ن�صف العمل الع�سكري)‪ ،‬وقد‬
‫عرفت نف�سك‪،‬‬
‫َ‬ ‫قيل‪« :‬با�ستطاعتك �أن تخو�ض � َّأي معرك ٍة دون خ�سارة؛ �إذا‬
‫ُعرف‬
‫بد من جمع املعلومات الدقيقة‪ ،‬والتي ت ِّ‬ ‫عدوك»‪ ،‬وبالتايل ال َّ‬
‫وعرفت َّ‬
‫َ‬
‫مقاتلي الثورة بحقيقة عد ِّوهم‪ ،‬وثغراته التي ميكن �أن ي�أتوه من ِق َبلها‪ ...‬فال ميكن‬
‫قتالي ٍة غري حم�سوبة بدقّة‪� ،‬أو بدون �أن‬
‫مهم ٍة ّ‬
‫للمجموعات املقاتلة �أنْ تقو َم على ّ‬
‫كيفية الو�صول �إليه و�آلية �رضبه‪ ،‬وطريقة العودة‬
‫تخرب هدفها بو�ضوح‪ ،‬وتعرف ّ‬
‫املهمة من رجالٍ وعتادٍ و�إمكانات؟ وكم يلزمها‬
‫�إىل امل�أمن‪ ،‬وما الذي حتتاجه ّ‬
‫من الوقت حتى تنجز؟ وما هي املخاطر التي حتفّها؟ ّ‬
‫والطوارئ التي ميكن �أن‬
‫وحماور كثري ٌة‬
‫ُ‬ ‫امل�ستجدات؟‬
‫ّ‬ ‫وكيفية التعامل ال�سليم مع هذه‬‫ّ‬ ‫ت�ستجد خاللها؟‬
‫َّ‬
‫بحالة العدو‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و�أ�سئل ٌة عديد ٌة ال ت�أتي الإجابة عليها �إال عرب معرف ٍة دقيق ٍة و�شامل ٍة‬

‫لقد �أوجدت كتائب الق�سام ِف َرق ًا متخ�صِّ �ص ًة لغر�ض الر�صد واال�ستطالع‪،‬‬


‫‪188‬‬

‫�أطلقت عليها (كتائب املرابطني)‪ ،‬وهي ِف َـرقٌ كثري ُة العدد من املجاهدين‪ ،‬مو ّزع ٌة‬
‫وجتمعاته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التعرف على حركة اجلي�ش‬ ‫ّ‬ ‫على طول حدود قطاع غزة‪ ،‬هدفها‬
‫ور�صد ن�شاطاته‪ ،‬وو�ضع ذلك ك ِّله بيد القيادة‪ ،‬وقد قامت هذه ِ‬
‫الف َر ُق ب�أدوارٍ‬
‫املتكررة‪ ،‬وذلك بر�صد حركة الطائرات‬
‫ّ‬ ‫طيب ٍة يف مواجهة حماوالت االغتيال‬
‫ّ‬
‫احليطة واحلذر‪.‬‬
‫امل ّتجهة �إىل القطاع‪ ،‬والإبالغ عنها قبل و�صولها لأخذ ِ‬

‫الر�صد واال�ستطالع �أن‬‫التقدم العلمي وال ّتقني‪ ،‬ف�إنه ميكن ِلف َر ِق َّ‬
‫ّ‬ ‫ومع‬
‫الر�صد الّليلي‪ ،‬مروراً ب�أدوات‬‫تقنية متطوِّ رة‪ ،‬بدءاً ب�أجهزة ّ‬
‫ت�ستخدم و�سائل ّ‬
‫املتقدمة‪ ،‬و� ً‬
‫صوال �إىل الإنرتنت وما يحويه من خرائط ميكن توفريها‬ ‫ِّ‬ ‫ال ّت�صوير‬
‫على خدمة (‪ ،)Google earth‬وكل ما من �ش�أنه خدمة هذا الهدف‪.‬‬

‫الغالبية العظمى من عمليات املقاومة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫والناظر �إىل جتربتنا الفل�سطينية‪ ،‬يجد �أنّ‬
‫ر�صدي‪ ،‬يهدف �إىل معرفة �أكرب قدر من املعلومات عن‬ ‫ٌ‬
‫ن�شاط ا�ستطالعي ْ‬ ‫�سبقَها‬
‫املهمة‪.‬‬
‫املقاومون حتديد تفا�صيل ّ‬
‫الهدف‪ ،‬حتى ي�ستطيع ِ‬

‫ب ـ االخرتاق امل�ضا ّد (اجلا�سو�سيّة)‪� :‬إنّ قمة ال ّنجاح اال�ستخباري يف احلرب‬


‫ت�ستطيع اخرتاقه بزرع‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫املحتل؛ هو �أنْ‬ ‫الدائرة بني (اجلاريال) ال ّثائرة وعد ِّوها‬
‫عيون لها (جوا�سي�س) يف ج�سمه‪ ،‬ليقوموا ب�أدوار عديدة تخدم املقاومة وت�رضب‬
‫إدخال عن� ٍرص لها يف ج�سم العدو عرب ما ي�سمى‬
‫املحتل‪ ،‬و�إن جناح املقاومة يف � ِ‬
‫وتقدمها يف �أدائها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بالعميل املزدوج‪ُ ،‬يعطي مدل ً‬
‫وال رائع ًا لقدرة املقاومة‬
‫كما ي�شري �إىل ه�شا�شة العدو و�ضعف دفاعاته‪ ،‬على الرغم مما يبذله من جهود‬
‫و�إمكانات لتقويتها‪.‬‬
‫‪189‬‬

‫يتم ك�شفه يف �أجهزة العدو‪ ،‬ف�إنه ي�ستوقف اجلميع‪،‬‬


‫ولذا‪ ،‬ف�إن �أي (عميل) ّ‬
‫�ضج ٌة كبرية‪ ،‬و ُيعطى اهتمام ًا َّ‬
‫مركزاً‪.‬‬ ‫وتُثار عليه ّ‬
‫الدول العظمى �أ�سلوب االخرتاق يف حروبها؛ كما فعلت‬
‫لقد اعتمدت ُّ‬
‫ال�سوفيتي يف (احلرب الباردة) التي دارت‬
‫الواليات امل ّتحدة الأمريكية واالحتاد ّ‬
‫وخ�ص�صت يف ذلك جهوداً و�إمكانات و ُم ّ‬
‫قدرات وموازنات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بينهما لعقود‪،‬‬
‫اخرتاق يف‬
‫ٍ‬ ‫القوة اال�ستخبار ّية لأي طرف تُقا�س مبقدار ما يحقّقه من‬
‫وقد كانت ّ‬
‫�صفوف خ�صمه‪.‬‬

‫املفتوحة مع عد ِّوها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وكذا اعتمدت الثورات هذا الأ�سلوب يف مواجها ِتها‬
‫اخرتاقات �أحدث ْتها‬
‫ٍ‬ ‫الفل�سطينية من ر ِّد اعتبارها مراراً عرب ّ‬
‫عدة‬ ‫ّ‬ ‫فقد ّ‬
‫متكنت املقاومة‬
‫ال�صهيوين‪.‬‬
‫يف جدار الأمن ُّ‬
‫حتقيق ع ّدة �أغرا�ض‪:‬‬
‫وقد ا�ستطاعت املقاوم ُة من خالل اخرتاقاتِها َ‬
‫عمالء‬
‫َ‬ ‫عرب‬
‫معلومات خاطئ ٍة َ‬
‫ٍ‬ ‫إي�صال‬
‫متكنت من ت�ضليل العدو‪ ،‬وذلك ب� ِ‬ ‫‪ -‬فقد ّ‬
‫معلومات جتعل‬
‫ٍ‬ ‫مزدوجني �رصفوا النظر حين ًا عن بع�ض املجاهدين‪ ،‬و�س ّلموا‬
‫بحث �أجهزة الأمن ال�صهيونية ي�سري يف االجتاه اخلاطئ‪.‬‬
‫ّ‬
‫باالطالع‬ ‫معلومات ا�ستخباري ٍة عن االحتالل و�أذنابه‪� ،‬سواء‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬احل�صول على‬
‫حتركات جي�شه‪،‬‬
‫معلومات عن ّ‬
‫ٍ‬ ‫على �أ�سماء عمالئه وك�شفهم‪� ،‬أو مبعرفة‬
‫�أو بالطريقة التي ا�ستطاع فيها ال�شهيد (ماهر �أبو �رسور) احل�صول على‬
‫ال�صهيوين امل�س�ؤول عن‬ ‫َ‬
‫�ضابط املخابرات ّ‬ ‫املعلومات‪ ،‬وذلك عندما َ‬
‫قتل‬
‫جتنيد العمالء بعد �أن كان على اتفاق معه للقائه يف �ش ّق ٍة � ّ‬
‫أعدها االحتالل‬
‫حقيبة �أوراقه وما حتويه‬
‫ِ‬ ‫�شهيدنا على‬
‫ُ‬ ‫لغر�ض االت�صال بالعمالء‪ ،‬ثم ا�ستوىل‬
‫من وثائق ومعلومات‪.‬‬
‫‪190‬‬

‫‪ -‬توجيه �رضبات قا�سية لالحتالل و�أجهزته الأمنية‪ ،‬وقتل �ضباط ورجال‬


‫خمابراته‪ ،‬و�أمثلة ذلك كثرية‪ ،‬من �أبرزها عملية ال�شهيد (عبد املنعم �أبو‬
‫حميد)‪ ،‬الذي تواعد مع م�س�ؤولٍ كب ٍري يف املخابرات على اللقاء يف مكانٍ‬
‫ّ‬
‫فتمكنوا من قت ِله هو ومرافقه‪،‬‬ ‫أعدوا فيه كمين ًا‪،‬‬ ‫كان � ُ‬
‫أبطال الكتائب قد � ّ‬
‫وعمليتا (ثقب القلب ) و(ال�سهم‬
‫ّ‬ ‫وكذلك عملية ال�شهيد (ماهر �أبو �رسور)‪،‬‬
‫ال ّثاقب) يف قطاع غزة‪ ،‬وغريها‪...‬‬

‫بالدرجة الأوىل وال‬ ‫‪ -‬لقد كانت َحر ُبنا مع االحتالل حرب ًا � ّ‬


‫أمني ًة ا�ستخباري ًة ّ‬
‫عب َـر عنه قادة الأجهزة الأمنية ال�صهيونية‪ ،‬عندما قالوا‬
‫زالت‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫لرئي�س وزراء العدو (�إ�سحاق رابني)‪�« :‬إنّ معرك َت َك مع (حما�س) معرك ٌة‬
‫بد‬
‫كيدهم �إىل نحورهم‪ .‬ولذا ال َّ‬ ‫َ‬
‫نكفيك �إ ّياها»‪ ،‬وقد ر َّد اهلل َ‬ ‫أمنية‪ ،‬ونحن‬
‫� ّ‬
‫أمر يف ِن�صابه من حيث االهتمام والأولو ّية‪.‬‬
‫ن�ضع ال َ‬
‫َ‬ ‫لنا من �أنْ‬

‫رابعاً‪ :‬الإعــالم‬
‫لمية التي متلك ت�أثرياً كبرياً على النا�س يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ال�س ّ‬
‫عـد الإعالم من الأ�سلحة ِّ‬
‫ُي ُّ‬
‫الظروف ِ�سلم ًا �أو حرب ًا‪ ،‬وقد ُ‬
‫ا�صطلح على ت�سمية الإعالم ب ِـ (ال�سلطة الرابعة)؛‬
‫والق�ضائيـة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫�رشيعيـة‬
‫ّ‬ ‫ال�سلطات الثالث‪ :‬ال ّتنفيذ ّيـة وال ّت‬
‫ملا ميلكه من ت�أثري كبري يوازي ُّ‬
‫�صاحب ت�أثري على اجلمهور حيثما كان‪� ،‬إىل‬
‫َ‬ ‫و�سلط ُة الإعالم نابع ٌة من كونه‬
‫توجها ِتهم‪ ،‬ويح�سم قرارا ِتهم‪ ،‬حتى بدا وك�أنه‬
‫ويحدد ّ‬
‫ّ‬ ‫كرهم‪،‬‬
‫حد �أنه يبني ِف َ‬
‫ِّ‬
‫ميلك عليهم �سلط ًة لكنها بالإقناع‪ ،‬و�إن كان الإعالم قدمي ًا ميلك هذه ال�سلطة‪،‬‬
‫ف�إنه ميلك اليوم �أ�ضعافها‪.‬‬
‫‪191‬‬

‫أ�سلوب‬
‫ٍ‬ ‫قتالية‪ ،‬و�‬
‫مقاو ٍم و�أدا ٍة ّ‬
‫ك�سالح ِ‬
‫ٍ‬ ‫ويف حرب الع�صابات‪ ،‬يربز الإعالم‬
‫ا�سرتاتيجي ال متلك ثور ٌة‬
‫ٌّ‬ ‫�سالح‬
‫ٌ‬ ‫ن�ضا ٍّ‬
‫يل موازٍ حلمل ال�سالح و�رضب العدو‪ ،‬فهو‬
‫ت�ستغني عنه‪� ،‬أو �أن تق�صِّ َـر فيه‪ ،‬ف�إنْ علمنا دوره؛ عرفْنا ال�سبب‬
‫َ‬ ‫�أو مقاوم ٌة �أن‬
‫قتالي ًا‪.‬‬
‫ا�سرتاتيجي ًا ولي�س تكتيك ًا ّ‬
‫ّ‬ ‫الذي جعله �سالح ًا‬

‫دور الإعالم املقاوم‪:‬‬

‫إيقاع‬
‫و�صوبه �إىل �صدر عد ِّوه؛ ف�إنه يهدف �إىل � ِ‬
‫ّ‬ ‫�إذا امت�شق املقاوم �سالحه‬
‫وحـمـ ِله على االن�سحاب من �أر�ضه‪ ،‬ف�إن كان العمل املقاوم مقت�رصاً‬
‫ْ‬ ‫الأذى به‬
‫على هذا الأ�سلوب‪ ،‬ف�إن ت�أثريه يبقى حمدوداً مقت�رصاً على من تلقّى ال�رضبة املبا�رشة‪،‬‬
‫ويعمم �أ َثره‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املقاو َم �إعال ٌم موازٍ له؛ ف�إنه ي�ضاعف مفعوله‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫العمل‬ ‫�أما �إذا رافق‬
‫ويقطف ثماره‪ ،‬وهذا ما عبرّ عنه العقيد الإ�رسائيلي (�شموئيل نري) بعد احلرب‬
‫حزب اهلل بطائراتِنا‬
‫مع (حزب اهلل) يف جنوب لبنان‪ ،‬فقال‪« :‬لقد كنّا نحارب َ‬
‫ودبّاباتِنا يف لبنان‪ ،‬بينما كان يهز ُمنا يف بيوتِنا من خالل التلفزيون»‪ .‬فقد كان ت�أثري‬
‫يتحرك لتنفيذ عملية؛‬
‫مقاتل ّ‬
‫ٍ‬ ‫الإعالم اللبناين �أقوى من ت�أثري ال�صواريخ‪ ،‬وكان ُّ‬
‫كل‬
‫يتحرك خلفه م�صوِّ ٌر لتوثيق ما يقوم به‪ُّ ،‬‬
‫وكل �أ ٍّم يهود ّي ٍة كانت ترى االنفجار على‬ ‫ّ‬
‫ال�ضحية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تت�صو َر �أنّ اب َنها هو‬
‫ّ‬ ‫التلفاز؛‬

‫يتعداه يف‬ ‫ولذا‪ ،‬ف�إن �أ َثر الإعالم ّ‬


‫يتعدى �أثر ال�سالح يف م�ساحته‪ ،‬كما ّ‬
‫داخلي ًا يف نفو�س �أبناء ال�شعب‬
‫ّ‬ ‫اجتاهاته‪ ،‬وكما �أن له �أثراً يف عد ِّوه‪ ،‬ف�إن له �أ َثراً‬
‫املجاهد‪ .‬و�إ ّن من �أدوار الإعالم يف حرب الع�صابات ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬رفع معنويات ال�شعب و�شحذ همته‪ ،‬وتنمية �صموده‪ ،‬وزيادة �إ�رصاره على‬
‫‪192‬‬

‫جمالدة عد ِّوه وحت�صيل حقوقه‪ ،‬و�إقناع هذا ال�شعب بقدرته على دحر عدوه‬
‫حتى لو ظهر ميزان القوى راجح ًا لكفّة االحتالل‪ .‬فهو يربز مواطن ّ‬
‫القوة‬
‫العاملية على جناح �أ�صحاب‬
‫ّ‬ ‫لدى املقاومة‪ ،‬ويعر�ض �إجنازاتها‪ ،‬وي�رضب الأمثلة‬
‫احلق يف انتزاع حقوقهم من ُمغت�صبيها‪ ،‬وهو ُيربز َ�ضعف االحتالل وه�شا�شة‬
‫جر َاء‬
‫ال�ضعف التي بدت عليه ّ‬
‫قوته‪ ،‬و ُيظهر بع�ض مناحي ّ‬
‫كيانه‪ ،‬وزيف ّ‬
‫�رضبات املقاومة‪.‬‬
‫ِ‬

‫أخالقية التي يجب �أن يتح ّلى‬


‫ِ‬ ‫الثقافة ال َّثور ّي ِة وال‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬تثقيف ال�شعب ب�ش ّتى �ألوانِ‬
‫بها‪ ،‬وتعليمه كيف تكون املقاومة وال�صمود‪ ،‬والآليات املثلى يف املواجهة‪.‬‬
‫وكيفية الوقاية منها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فهو يب�صرّ ه بد�سائ�س االحتالل ومكائده وم�صائده‪،‬‬
‫والعالج من �آثارها‪ ،‬وجت ّنب الوقوع فيها‪ ،‬بل ويع ّلمه كيف ير ّد َ‬
‫كيد‬
‫فريتد على �أعقابه دون �أن ينال ُبـغي َته‪.‬‬
‫االحتالل �إىل نحره‪ّ ،‬‬

‫‪ -‬وهو كذلك ين�رش ثقاف ًة م�ضا ّد ًة للثقافة اال�ستعمارية التي يحاول االحتالل‬
‫قو ِة احتاللٍ ع�سكري ٍة �إال‬
‫يغر�سها يف �أذهان ال�شعب املقهور‪ .‬فما من ّ‬
‫َ‬ ‫�أن‬
‫ت�ضليلي ًة تهدف �إىل �رصف �أنظار ال�شعب‬
‫ّ‬ ‫قو ُة � ٍ‬
‫إعالم ين�رش ثقاف ًة‬ ‫�صاحبها ّ‬
‫َ‬
‫الرذيلة والف�ساد‬
‫بتوافه الأمور عن عظائمها‪ ،‬ون�رش ّ‬
‫ِ‬ ‫ق�ضيته‪ ،‬و�إ�شغالهم‬
‫عن ّ‬
‫إعالم‬
‫بد لهذا الإعالم من � ٍ‬
‫الذي ُي�شغلهم عن املقاومة واجلهاد‪ ،‬وال ّ‬
‫م�ضا ّد‪.‬‬

‫ق�ضيتها عاملي ًا‪ ،‬والدفاع َّ‬


‫والذود عن املقاومة‪،‬‬ ‫‪ -‬ن�رش �أفكار (اجلاريال) وعدالة ّ‬
‫ومب�صداقيتها‪ ،‬والر ّد على ِّ‬
‫كل ما يدور‬ ‫ّ‬ ‫ورف�ض االحتالل‪ ،‬وتعريف الأمم بها‬
‫حولها من �شبهات واتّهامات وت�ضليل‪ ،‬وخماطبة العامل و�شعوبه من من ٍرب‬
‫الق�ضيـ َة وينت�رص لها‪ ،‬وي�ضعها يف ِن�صابها ال�صحيح‪ ،‬و�إال ف�إنّ العامل‬
‫ّ‬ ‫ُين�صف‬
‫‪193‬‬

‫إعالم م�ض ّلل‪،‬‬


‫م�شوه‪ ،‬و� ٍ‬ ‫ب�أُممه و�شعوبِه ال ي�سمع عنها �إال من ٍ‬
‫فم ُمغر�ض‪ ،‬ومن ٍرب َّ‬
‫وتفقد الق�ضية ت�أييداً ودعم ًا هي بحاجة �إليه‪.‬‬

‫‪ -‬والإعالم ذو ت�أثري كبري على العدو كما �أ�سلفنا‪ ،‬فالعمل املقاوم من غري‬
‫�إعالم �سيفقد كثرياً من �أ َثره‪ ،‬وهذا ما يدفع االحتالل �إىل عدم االعرتاف‬
‫املقاو ُم قو ّي ًا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يتزعزع ا�ستقرار جمتمعه‪ .‬ف�إذا كان الإعال ُم‬
‫َ‬ ‫بخ�سائره خماف َة �أن‬
‫بيت من‬
‫كل ٍ‬‫بحيث ي�ستطيع �أن يك�شف احلقائق ويو ّثقها وي�صل بها �إىل ِّ‬
‫عمل �صغري‪ ،‬ويحقّق‬ ‫بيوت عد ِّوه‪ ،‬ف�إنه ينجح يف �إنتاج �أ�صداء كبرية ِّ‬
‫لكل ٍ‬
‫ويفت من َع ُ�ض ِده‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫�أثراً معنو ّي ًا يفوق الأثر املا ّدي‪ّ ،‬‬
‫فيثبط معنو ّيات عد ِّوه‪،‬‬
‫و ُيو�صله �إىل القناعة ب�أنه �ضعيف �أمام املجاهدين‪ ،‬و�أنّ املقاومة تقوى يوم ًا‬
‫بعد يوم‪ ،‬و�أنه �سيدفع ال ّثمن يومي ًا من نف�سه و�أوالده واقت�صاده و�أمنه‪ ،‬و� اّأل‬
‫مفر من االن�سحاب‪.‬‬
‫َّ‬
‫جنح به ُث ّوار فيتنام (الفيت كونغ)‪ ،‬ف�أو�صلوه �إىل ال�شعب الأمريكي‬
‫وهذا ما َ‬
‫مبظاهرات �شعبي ٍة �أرغمت احلكوم َة الأمريكي َة على �سحب‬
‫ٍ‬ ‫الذي خرج‬
‫جي�شها من �أر�ض فيتنام‪ .‬وهذا ما حتقّقه املقاومة العراقية يوم ًا بعد يوم مع‬
‫نع�ش‬
‫جندي يتهاوى‪� ،‬أو ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫تتحطم‪� ،‬أو‬ ‫ت�صوير تب ُّثه لعبو ٍة تنفجر‪� ،‬أو مركب ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫ُيحمل‪� ،‬أو مقاوم ٍة تنت�رص‪.‬‬

‫يبث ق�ص�ص الأبطال‪ ،‬ويجعلها ثقاف َة ال�شعب و�أغني َة‬


‫‪ -‬والإعالم املقاوم ُّ‬
‫وعملياتها وبطوالتها‪ ،‬فيفتح الباب‬
‫ّ‬ ‫ِ�صغاره‪ ،‬و َيعر�ض �إجنازات املقاومة‬
‫الذعر يف �صفوف جنوده و�شعبه‬ ‫ويدب ُّ‬
‫ُّ‬ ‫رعبه‬
‫عدوه و ُي ُ‬
‫رهب َّ‬ ‫لالقتداء‪ ،‬و ُي ِ‬
‫فيعريه‬
‫جرائمه وجمازره واعتداءاته‪ِّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُفيفقده الأمان‪ ،‬ويف�ضح �أمام العامل‬
‫الدعم والت�أثري‪.‬‬
‫وي�سلبه َّ‬
‫ُ‬ ‫ويك�شف َزيفه‬
‫ُ‬
‫‪194‬‬

‫‪ -‬والإعالم املقاوم يقوم بدور ال ّتحري�ض الذي ال ت�ستمر (اجلاريال) �إال به؛‬
‫رب الع ّزة بقوله‪}:‬ﭿ ﮀ‬
‫أمر به ُّ‬
‫ال�صادق الذي � َ‬
‫التحري�ض مبفهومه ّ‬
‫نبي اهلل [‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ{ [�سورة الأنفال‪ ،]65:‬فتلق َ‬
‫َّف ُّ‬
‫مات على‬
‫نف�سه بالغ ْزو‪َ ،‬‬
‫يحد ْث َ‬
‫مات ومل َي ْغـ ُز‪ ،‬ومل ِّ‬
‫أمر ر ِّبه فقال‪« :‬من َ‬
‫� َ‬
‫ُ�شعب ٍة من ال ِّنفاق»(‪.)1‬‬

‫‪ -‬كما �أن الإعالم املقاوم �إنْ كان �صادق ًا ومو ِّثق ًا يف عر�ضه لإجنازات وعمليات‬
‫املقاومة‪ ،‬ف�إنه يدفع املحتل �إىل االعرتاف بخ�سائره‪ ،‬فيزيد من انهيار جمتمعه‪،‬‬
‫حما�س مقاتلي املقاومة‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ويحطم معنو ّيات جنده‪ ،‬و ُيلهِ ُب يف الوقت ذاته‬
‫وال�شعب‪ .‬كما �أنه بذلك يو ِّث ُ‬
‫ـق ملقاومته‪ ،‬ويثبت بطوالته‪ ،‬في�ضعها بني يدي‬
‫امل�شاهد يتع ّلم منها در�س ًا فيقتدي‪� ،‬أو يهتدي بال ّتكرارِ تارةً‪ ،‬وباالعتبارِ تار ًة‬
‫ِ‬
‫�أخرى‪.‬‬

‫إعالمية خا�صة بها‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬وهو كذلك ير ِّو ُج للف�صيل �أو اجلماعة ب�إيجاد منابر �‬
‫والعاملية‪ .‬فقد َع ِم َد ْت‬
‫ّ‬ ‫�أو باال�ستفادة من املنابر الإعالمية الأخرى املح ّلية‬
‫خا�ص ٍة بها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إعالمي ٍة‬
‫ّ‬ ‫منابر �‬
‫َ‬ ‫إيجاد‬
‫كل قُطر عملت فيه �إىل � ِ‬ ‫قوى ال ّثورة يف ِّ‬
‫ال�صحف‬‫ن�رش ِفكرها وتو�ضيح �صورتها‪ ،‬من خالل ّ‬ ‫حتاول من خاللها َ‬
‫لفزيونية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملحطات ال ّت‬ ‫واملن�شورات والإ�صدارات واملطبوعات وامل�ؤ َّلفات‬
‫الراديو‪.‬‬
‫�أو �إذاعة ّ‬
‫إعالمي على ر�أ�سه �إذاعة‪ ،‬لأنها كانت‬
‫ٌّ‬ ‫ودع َمها جها ٌز �‬
‫فما من (جاريال) �إال َ‬
‫والفل�سطينية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والفيتنامية والكرد ّية‬
‫ّ‬ ‫ينية‬
‫ال�ص ّ‬
‫�أقوى و�سائل الإعالم‪ ،‬ومنها ال ّتجربة ّ‬
‫كل مقاوم ٍة �أو حرك ٍة �أو جماع ٍة م�س َّلح ٍة متلك منرباً جديداً هو‬
‫واليوم �أ�صبحت ُّ‬

‫‪ 1‬رواه م�سلم و�أبو داوود‪.‬‬


‫‪195‬‬

‫ومتيزه‬
‫الدور‪ ،‬وذلك ل�سعة انت�شاره و�سهولته ّ‬
‫(الإنرتنت)‪ ،‬ت�ؤ ّدي عربه ذات َّ‬
‫قنوات تلفزيونية‪ ،‬كما هو احلال مع حركة‬
‫ٍ‬ ‫بالأمان‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل امتالك بع�ضها‬
‫وف�ضائيتها (تلفزيون الأق�صى)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حما�س‬

‫العاملي �أكرث انت�شاراً وحريةً‪ ،‬و�أ�صبحت‬


‫ّ‬ ‫ومن ناحية �أخرى‪ ،‬فقد �أ�صبح الإعالم‬
‫ق�ضيتها‪ ،‬فقناة‬‫قوى املقاومة �أكرث قدرة على الو�صول �إىل هذه املنابر لب�سط ّ‬
‫ف�صيل‬
‫ٍ‬ ‫(اجلزيرة) مث ً‬
‫ال‪ ،‬وهي القناة الأكرث انت�شاراً يف عاملنا العربي‪ ،‬ي�ستطيع � ُّأي‬
‫جري معه مقابل ًة �أو حواراً‪ ،‬فيعر�ض فكرته ويب�سط ّ‬
‫ق�ضيته‪،‬‬ ‫�أنْ َيظهر عليها ِل ُت َ‬
‫نوعي ٌة ا�ستفادت منها‬ ‫ويو�ضح حقيقته‪ ..‬وتلك ال َّ‬
‫�شك نقل ٌة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويدافع عن مواقفه‬
‫املقاومة‪.‬‬

‫خام�ساً‪ :‬الـتّـخــفّـي‬
‫العمليات‬
‫ّ‬ ‫التخفّي لغ ًة هو الكتمان والتورية‪ ،‬وا�صطالح ًا‪ :‬هو جمموع ُة‬
‫واملمار�سات التي ي ّتبعها املجاهد ال ّثائر لإخفاء حقيقته عن عد ِّوه‪ ،‬واحلفاظ على‬
‫مهمته من الف�شل‪ ،‬في�ستخدم يف �سبيل ذلك �أ�ساليب‬
‫نف�سه من االنك�شاف‪ ،‬وعلى ّ‬
‫احليلة واخلداع الّلفظي وال�شّ كلي والعملي‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتنكر الناجحة التي‬ ‫وقد امتلأت كتب التاريخ بق�ص�ص و�أحداث التخفّي‬
‫ا�ستخدمها املقاتلون بهدف ِخداع عد ِّوهم للهروب منه‪� ،‬أو لت�سهيل �رضبه يف‬
‫عمقه‪.‬‬
‫‪196‬‬

‫�أهداف التخفّي‪:‬‬

‫ا�س ُتخدم التخفّي لل ّت�س ّلل يف ّ‬


‫ق�صة (ح�صان طروادة) ال�شهرية‪ ،‬فا�ستطاع‬
‫�صمد‬
‫َ‬ ‫اخل�شبي) بعد �أن‬
‫املقاتلون من خالله فتح ح�صن املدينة عرب حيلة (احل�صان َ‬
‫اليمان‪ ،‬كا ُمت‬
‫بن َ‬‫وجه اجلي�ش الغازي ل�شهورٍ طويلة‪ .‬وا�ستطاع حذيف ُة ُ‬
‫احل�صن يف ِ‬
‫ِ‬
‫ر�سول اهلل [‪� ،‬أنْ يت�س َّل َ‬
‫ـل �إىل مع�سكر امل�رشكني يف غزوة الأحزاب‪ ،‬ويعو َد‬ ‫ِ‬ ‫�رسِّ‬
‫حمم ً‬
‫ال بالأخبار‪.‬‬ ‫�إىل ر�سول اهلل [ َّ‬
‫ح�رص لها‪ ،‬ومن‬
‫َ‬ ‫وا�س ُتخدم التخفّي لالخرتاق يف ق�ص�ص وحوادث ال‬
‫الهجان)‪ ،‬الّذي زرع ْته‬
‫امل�رصي (ر�أفت ّ‬
‫ّ‬ ‫ق�ص ُة العميل‬
‫أ�شهرها يف الع�رص احلديث؛ ّ‬
‫� ِ‬
‫مهم ٍة‬
‫معلومات ّ‬
‫ٍ‬ ‫نقل‬
‫بنجاح على ِ‬
‫ٍ‬ ‫املخابرات امل�رص ّية يف الكيان ال�صهيوين‪ ،‬فعمل‬
‫ُ‬
‫ِّـي يف فل�سطني‬
‫وخطرية‪ ،‬واخرتاق العديد من امل�ؤ�س�سات ال�صهيونية‪� ،‬إىل �أن توف َ‬
‫ال�صهيوين‬ ‫انك�شاف �أمره‪ .‬ومث ُله العميل امل�رصي (جمعة ّ‬
‫ال�شوال)‪ ،‬والعميل ّ‬ ‫ِ‬ ‫دون‬
‫وري‪ ،‬فارتقى يف‬
‫ال�س ّ‬
‫إ�رسائيلي يف ال ّنظام ُّ‬
‫ّ‬ ‫غر�سه االحتالل ال‬
‫(�إيلي كوهن)‪ ،‬الذي َ‬
‫�س ّلم امل�س�ؤولية بحزب البعث احلاكم‪� ،‬إىل �أن �أ�صبح يف ّ‬
‫مقدمة ال�صفوف‪ ،‬ثم َّمت‬
‫أمره‪ ،‬فقامت �سورية ب�إعدامه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اكت�شاف � ِ‬

‫وا�س ُتخدم التخفّي يف �أعمال املطاردة‪ ،‬كما فعلت املقاومة ومقاتلوها يف‬
‫عيا�ش)‪ ،‬والقادة (عماد عقل) و(عادل عو�ض‬
‫فل�سطني‪ ،‬ومنهم املهند�س (يحيى ّ‬
‫اهلل) و(حممود �أبو ه ّنود)‪ ،‬ونف َ‬
‫َّـذ املجاهد اال�ست�شهادي (عبد البا�سط عودة)‬
‫بزي فتاة‪ ،‬وكذا َ‬
‫فعل (معاوية جرارعة) يف عملية (حمنى يهودا)‪.‬‬ ‫عمليـ َته ّ‬
‫متنكراً ِّ‬ ‫ّ‬
‫وهو �أي�ض ًا ما فع َله قائد ع�صابات (الأرجون) ال�صهيونية؛ (مناحم بيغن)‪،‬‬
‫�شخ�صية طبيب‪ ،‬ورجل دين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال�شخ�صيات‪ ،‬ومنها‬
‫ّ‬ ‫�ص العديد من‬
‫تقم َ‬
‫الذي ّ‬
‫‪197‬‬

‫و�شاب بريطاين‪ ..‬وا�ستطاع الإفالت من قب�ضة ورقابة اجلي�ش الربيطاين مراراً‪،‬‬


‫ّ‬
‫و�ضد‬
‫ّ‬ ‫بحق ال�شّ عب الفل�سطيني الأعزل‪،‬‬
‫إرهابية ِّ‬
‫وتنفيذ العديد من العمليات ال ّ‬
‫اجلي�ش الربيطاين‪.‬‬

‫أ�سلوب ا�ستخدمه �أبرز قادة العمل الن�ضايل بل والإرهابي على م�ستوى‬


‫ٌ‬ ‫وهو �‬
‫العامل ليختفوا عن الأنظار‪ ،‬ومنهم (كارلو�س)‪ ،‬و(�أبو ن�ضال)‪ ،‬و(�أوجالن)‪.‬‬

‫عمليات‬‫ّ‬ ‫الق�سام يف‬


‫فعل جماهدو ّ‬ ‫وا�س ُتخدم التخفّي ل�رضب العدو كما َ‬
‫االختطاف املتكررة التي ّ‬
‫متكنوا عربها من �أ�سرْ ِ �أك َرث من ع�رشة جنود‪ ،‬يف حماول ٍة‬ ‫ِّ‬
‫�رساح الأ�رسى‪ ،‬ومنهم (�آيل �سبورتا�س) و(�إيالن �سعدون)‬
‫إطالق ِ‬
‫للمقاي�ضة عليهم ل ِ‬
‫ِ‬
‫هجمات‬
‫ٍ‬ ‫خلية (�سلواد) مراراً لتنفيذ‬
‫و(نح�شون فاك�سمان)‪ ،‬وا�ستخدمه مقاتلوا ّ‬
‫نار ّي ٍة ناجحة نحو املركبات ال�صهيونية‪ ،‬فكانوا يلب�سون (القمباز) والثوب ال ّن�شاطي‬
‫باغت ًا وعنيف ًا‪.‬‬
‫الق ََروي‪ ،‬بينما ُيخفونَ ال�سالح حتته‪ ،‬فيكون هجو ُمهم ُم ِ‬

‫العدو‬
‫ّ‬ ‫�إذاً فالتخفِّي ا�س ُتخدم يف و�سائل ّ‬
‫قتالية حتقِّق هدفَني‪ّ � :‬أولهما؛ اخرتاق‬
‫�ضده‪،‬‬
‫الدقيقة عنه‪ ،‬ل�رضبه يف ُعقْر داره‪ ،‬وتنفيذ العلميات ّ‬‫وجلب املعلومات ّ‬
‫وثانيهما؛ االختفاء عن �أعني العدو‪ ،‬واحلفاظ على ّ‬
‫الذات‪ ،‬والتنقّل ب�أمانٍ �أكرب‪.‬‬

‫�أ�ساليب التَّخفِّي‪:‬‬

‫درا�سات و�أبحاث‪ ،‬وله متخ�صِّ �صون وخرباء‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫وا�سع فيه‬
‫ٌ‬ ‫علم‬ ‫ال ّتخفِّي وال ّت ّ‬
‫نكر ٌ‬
‫ال�سينما على‬
‫التقدم العلمي‪ ،‬وانت�شار �صناعة ِّ‬
‫ازدادت �إمكاناته ب�شكل كبري مع ّ‬
‫وجه اخل�صو�ص‪.‬‬
‫‪198‬‬

‫وال يخرج ال ّتخفّي الفردي يف �إطاره العام عن �أحد �أ�سلو َبني؛ ف�إما �أن يكون‬
‫التغيري يف ال�شكل واملظهر اخلارجي‪� ،‬أو �أن يكون يف اال�سم مع �إخفاء حقيقة‬
‫املق�صد‪ ،‬وميكن اجلمع بني الأ�سلو َبني زياد ًة يف االختفاء‪.‬‬

‫�أ ـ انتحال ا�سم جديد بد ًال عن اال�سم الأ�صلي‪ ،‬وتزوير �أوراق ثبوتية‪،‬‬
‫ال�سفَر‪ ،‬ورخ�صة‬
‫أ�صلية؛ كالهو ّية‪ ،‬وجواز ّ‬
‫كبديل عن الأوراق ال ّ‬
‫ٍ‬ ‫وا�ستخدامها‬
‫ال�سياقة‪ ،‬و�شهادة امليالد‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ميتني‪� ،‬أو �أ�صحاب هو ّيات‬
‫أ�سماء �أ�شخا�ص ِّ‬
‫وقد اعتاد املتخفّون �أن ينتحلوا � َ‬
‫وهمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫انتحال �أ�سمائهم‪� ،‬أو ح ّتى �أ�سماء‬
‫ِ‬ ‫مفقودة‪� ،‬أو باالتفاق مع �أ�شخا�ص على‬
‫أ�سماء املن َت َحل ُة‬
‫االنتباه �إىل �أنْ ال تكونَ ال ُ‬
‫ِ‬ ‫جميع هذه احلاالت حتتاج �إىل‬
‫َ‬ ‫على �أنّ‬
‫املالحقة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫لل�شك �أو‬ ‫ني‬ ‫�سوابق جتع ُلهم َّ‬
‫معر�ض َ‬ ‫َ‬ ‫تعود لأ�شخا�ص ميلكون‬

‫وري بهذا الأ�سلوب‪ ،‬حتت‬


‫ال�س ِّ‬
‫ولقد ا�ستطاع (�إيلي كوهن) اخرتاق ال ّنظام ُّ‬
‫م�سمى‬
‫الهجان) حتت َّ‬
‫ا�سم (كمال �أمني)‪ ،‬وهو الأ�سلوب الذي ا�ستخدمه (ر�أفت ّ‬
‫(ديفد �شارى �سمحون)‪ ،‬وهو الأ�سلوب الذي ا�ستخدمه املطارد يف فل�سطني‬
‫مراراً‪.‬‬

‫ب ـ تغيري املظهر‪ ،‬وهو الأ�سلوب الأكرث ا�ستخداماً‪ ،‬و ُي�ستخدم معه الأ�سلوب‬
‫بوتية‬ ‫ال ّأول دائم ًا‪� ،‬إذ ال ُيعقل ُ‬
‫تغيري املظهر اخلارجي دون تغي ِري اال�سم والأوراق ال ُّث ّ‬
‫املحمولة‪.‬‬

‫العامة‬
‫ّ‬ ‫مبحاولة تغي ٍري للمعامل‬
‫ِ‬ ‫تطو َر ب�شكل م�ضطرد‪ ،‬بدءاً‬ ‫أ�سلوب َّ‬
‫ُ‬ ‫هذا ال‬
‫عر ُم�ستعار‪ ،‬مروراً‬ ‫تركيب َ�ش ٍ‬
‫ِ‬ ‫كحلق الّ ِ‬
‫لحية وال�شّ وارب وال�شّ عر‪� ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫للوجه‪،‬‬
‫زي عجوز �أو امر�أة‪،‬‬ ‫طبيعة الِّ ِ‬
‫لبا�س ا ّلذي اعتا َد �أن يرتديه املطارد‪ ،‬كارتداء ّ‬ ‫ِ‬ ‫بتغي ِري‬
‫‪199‬‬

‫الب�رشة‬
‫ِ‬ ‫غي ُـر لونَ‬ ‫زي العدو‪ ،‬و� ً‬
‫صوال �إىل ا�ستخدام علم ال ّتجميل الذي ُي ِّ‬ ‫�أو ارتداء ِّ‬
‫وال�شعر‪ .‬بل وجتاوز الأمر �إىل ا�ستخدام هذا العلم‬ ‫َّ‬ ‫ومعا َمل الوجه ولونَ العي َننيِ‬
‫ك�شكل‬
‫ِ‬ ‫غريها‪،‬‬
‫عالمات فارقة‪ ،‬وي�ضع َ‬
‫ٍ‬ ‫جذري يف املظهر يزيل‬
‫ٍّ‬ ‫يف �إحداث تغي ٍري‬
‫أنف وال�شِّ فاه �أو ال�شّ امة‪.‬‬
‫ال ِ‬

‫كل مكان‪ ،‬وبوا�سطته ا�ستطاع‬ ‫ُ‬


‫رجال املقاومة هذا الأ�سلوب يف ِّ‬ ‫ولقد ا�ستخدم‬
‫احل َ‬
‫فاظ على �أنف�سهم‪ ،‬وتوجيه ال�ضرّ بات لعد ِّوهم‪ .‬وقد‬ ‫املطاردون يف فل�سطني ِ‬
‫ق�ص َة املجاهد (حممد ب�شارات) تف�صي ً‬
‫ال يف هذا الكتاب‪.‬‬ ‫ذكرت ّ‬
‫ُ‬

‫إ�رسائيلي هذا الأ�سلوب يف‬


‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫االحتالل ال‬ ‫ويف ذات الوقت‪ ،‬فقد ا�ستخدم‬
‫�سمى (الدفدوفان‬
‫وحدات مقاتل ًة حتت ُم َّ‬
‫ٍ‬ ‫مواجهة املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬ف�أن�ش�أَ‬
‫العربي‪ ،‬ويتواجدون يف‬ ‫ّ‬ ‫الزي‬
‫َّ‬ ‫الـمـ�ستعربِني)‪ ،‬فكانوا يرتدون‬ ‫ـ وحدات ُ‬
‫ت�شهد �أحداث ًا‬
‫َ‬ ‫عبية‪ ،‬واملواقع التي يتوقّعون لها �أن‬
‫ال�ش ّ‬
‫الفل�سطينية َّ‬
‫ّ‬ ‫التجمعات‬
‫ّ‬
‫مقاوم‪.‬‬
‫كل من يحاول تنظيم عمل ِ‬ ‫القب�ض على ِّ‬
‫ِ‬ ‫ثور ّية‪ ،‬ثم يبادرون �إىل‬

‫الـمـتخفِّني‪:‬‬
‫ك�ش ِف ُ‬
‫�آليّات العد ّو يف ْ‬
‫ل�رضب رجل الع�صابات املتخفّي‪ ،‬لعلمهم بخطورته‬
‫ِ‬ ‫يبذل العدو جهوداً كبري ًة‬
‫ُّ‬
‫املحتل يف ذلك ما ميلكه من‬ ‫وقدرته على حتقيق ما يعجز عنه غريه‪ ،‬وي�ستخدم‬
‫وعقلية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وعملية‬
‫ّ‬ ‫علمية‬
‫و�سائل ّ‬
‫الر�صد‪ ،‬وذلك بتجنيد العمالء واخلونة يف �صفوف ال�شعب لهذه املهمة‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫وجماهديه‬
‫ِ‬ ‫العدو جهوداً ُم�ضني ًة يف �سبيل �إ�سقاط �أبناء هذا ال�شعب‬
‫ُّ‬ ‫فلقد َ‬
‫بذل‬
‫وجتنيدهم يف �صفوف (ال�شِّ ني بيت) ال�صهيوين‪ ،‬وت�سخريهم يف �رضب املقاومة‬‫ِ‬
‫‪200‬‬

‫هة �إىل �صدور هذا ال�شعب ال‬


‫املوج ِ‬
‫ور العمالء يف احلرب َّ‬
‫الفل�سطينية‪ .‬بل �إنّ َد َ‬
‫أجهزة الأمن ال�صهيونية؛‬
‫ِ‬ ‫قادة �‬
‫أحد ِ‬‫�رص َح � ُ‬
‫نف�سه‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ُّ‬
‫يقل عن َدورِ االحتالل ِ‬
‫كنولوجي لهذه الأجهزة‪ ،‬ف�إنها لن تتجاوز (‪ )%20‬من‬
‫ُّ‬ ‫قد ُم ال ّت‬
‫�أنه مهما بلغَ ال ّت ّ‬
‫الدور الأكرب للعمالء‪.‬‬
‫عملها‪ ،‬ويبقى َّ‬

‫حركات ن�شطا ِء املقاومة ورف ِْعها �إىل‬


‫ِ‬ ‫ر�ص ِد‬
‫اخلام�س على ْ‬
‫ُ‬ ‫ابور‬
‫الط ُ‬‫عمل ّ‬
‫لقد َ‬
‫ك�ش ِف �أماكنهم‬
‫وحماولة ْ‬
‫ِ‬ ‫ني واملطاردين‪،‬‬
‫الدائم عن املتخ ّف َ‬
‫والبحث ّ‬
‫ِ‬ ‫�أ�سيادهم‪،‬‬
‫وفعاليا ِتهم‪ ،‬وتوجيه اجلي�ش ال�صهيوين ل�رضبهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومعرفة �أن�شط ِتهم‬
‫ِ‬ ‫ومواقعهم‪،‬‬
‫بحق‬
‫أمني ٍة نفّذها جي�ش االحتالل ِّ‬
‫عملي ٍة ا�ستخبار ّي ٍة � ّ‬
‫ّ‬ ‫ون�ستطيع اجل ْز َم �أنه ما من‬
‫يد وم�ساهمة‪.‬‬
‫الفل�سطينيني‪� ،‬إال وللعمالء فيها ٌ‬
‫ّ‬ ‫املطلوبني املتخفّني‬

‫ٌ‬
‫ا�ستكمال للبند‬ ‫‪ -‬اخرتاق املتخفّني‪ ،‬وزرع املت�ساقطني يف �صفوفهم‪ :‬وهي‬
‫تنظيمي‬
‫ٍّ‬ ‫إيجاد ٍّ‬
‫خط‬ ‫عمالءه هنا وهناك يف حماول ٍة ل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫االحتالل‬ ‫ال�سابق‪ ،‬فكثرياً ما َ‬
‫ن�رش‬ ‫ّ‬
‫ني �أو‬
‫املقاوم َ‬
‫ِ‬ ‫مربر‪ ،‬ومن ثم ال ّتظاهر ب�أنهم من‬
‫يو�صلهم �إىل املطاردين حتت � ِّأي ِّ‬
‫املطلوبِني‪ ،‬واالنخراط يف �صفوف املقاومة‪ ،‬وك�شف الهياكل العامة‪ ،‬و�أماكن‬
‫تواجدها و�آليات عملها‪ ،‬ورفعها �إىل �أجهزة الأمن االحتاللية لتوجيه ال�رضبة يف‬
‫الوقت املنا�سب‪ ،‬وقد ك�شفت ال ّتحقيقات ا�ستخدام ًا وا�سع ًا لهذا الأ�سلوب‪.‬‬

‫‪ -‬اال�ستفادة من اعرتافات املعتقلني‪ :‬فاالعرتافات تك�شف �أ�ساليب تخفِّي‬


‫املطاردين والعاملني‪ ،‬واملخابئ التي ي�ستخدمونها‪ ،‬و�آليات التخفّي التي يتعاملون‬
‫بها‪.‬‬

‫و�إنّ ا�ستخدام االحتالل لهذه االعرتافات يف الو�صول �إىل املطاردين‬


‫خربات‬
‫ِ‬ ‫الدرا�سات والبحوث‪ ،‬كان له الأ َثر الكبري يف تراكم‬
‫مل ّ‬‫واملتخفِّني‪ ،‬ثم َع ُ‬
‫‪201‬‬

‫العد ِّو ومعرفته ل�سلوك املطارد‪ ،‬وحتديد �أ�ساليب التخفّي التي يعتمدها‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬
‫متكررة وي�ستخدمها ُج ُّ‬
‫ـل املطاردين‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الغالبية ال ُعظمى من هذه الأ�ساليب‬
‫ّ‬ ‫�أن‬

‫‪ -‬التَّ ُّ‬
‫ـنكر ب�أزياء املطاردين وعلى هيئتهم‪ :‬وقد َ‬
‫�سبق احلديث عن وحدات‬
‫�رض َب‬
‫(امل�ستعربني) ال�صهيونية التي ن�شطت يف االنتفا�ضة الأوىل‪ ،‬وا�ستطاعت ْ‬
‫َّ‬
‫ولعل القارئ يف كتاب (مهنتي كرجل خمابرات) لكاتبه رئي�س‬ ‫املقاومة مراراً‪،‬‬
‫ُ‬
‫االحتالل‬ ‫ال�سابق (يعقوب بري)‪ ،‬يدرك كم كان‬ ‫جهاز ال�شّ اباك الإ�رسائيلي ّ‬
‫يطلق ِف َرق ًا من جنوده يف اجلبال واملناطق التي يتوقّع �أن يكون فيها مقاومون‬
‫مطاردون‪ ،‬بحيث تنت�رش هذه الفرق بلبا�س رجال ّ‬
‫املنظمات‪ ،‬وحتمل �أ�سلح ًة‬
‫لقاء واالت َ‬
‫ّ�صال باخلاليا ال ّنا�شطة‬ ‫�شبيه ًة ب�أ�سلحتهم (كال�شنكوف)‪ ،‬ويحاولون ا ّل َ‬
‫والعاملة بتلك املنطقة‪ ،‬ومن ثم اعتقالها �أو اغتيالها �أو و�ضعها حتت عد�سات‬
‫أهداف �أخرى‪ ،‬وقد جنحوا يف حماوالت عديدة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لتحقيق �‬
‫ِ‬ ‫الرقابة‬
‫ّ‬
‫إخراجهم من‬‫ني و� ِ‬ ‫جللب املتخ ِّف َ‬
‫ِ‬ ‫أحداث‬
‫ٍ‬ ‫بافتعال �‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬اال�ستدراج‪ :‬ويكون‬
‫مكانهم وظهورهم على حقيق ِتهم‪ ،‬فقد اعتمدت �أجهزة الأمن ال�صهيونية مبد�أَ‬
‫�سالح يف �أحد املواقع ومراقب ِته بعد‬
‫ٍ‬ ‫كرم ِي‬ ‫ُّ‬
‫(الط ْعم) يف العديد من احلاالت‪ْ ،‬‬
‫افتعال م�شكل ٍة‬
‫ِ‬ ‫إي�صال معلوم ٍة ملن ُيعتقد �أنّ له عالق ًة باملطارد كي ُيو�ص َلها �إليه‪� ،‬أو‬
‫� ِ‬
‫�صاحب ال�شّ �أنِ �إىل ُّ‬
‫الظهور‪ ،‬ومن ثم االنق�ضا�ض عليه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حد ٍث يدعو‬
‫معين ٍة �أو َ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬ا�ستخدام التّكنولوجيا وا�ستثمار التق ّدم العلمي والتّقني امل�ضطرد‪ :‬كالت�ص ّنت‬
‫والتعرف من خاللها على ب�صمة‬
‫ّ‬ ‫والال�سلكية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال�سلكية‬
‫ّ‬ ‫على �أجهزة االتّ�صال‬
‫والتعرف‬
‫ّ‬ ‫ال�صوت وموقع �صاحبه‪ ،‬ومعرفة �شبكة العالقات املحيطة باملطارد‪،‬‬
‫وجت�س ٍ�س يف بع�ض املواقع‬
‫ُّ‬ ‫بزرع �أجهزة ت�ص ّن ٍت‬
‫ِ‬ ‫وحتركاته ونواياه‪� ،‬أو‬
‫على خمبئه ّ‬
‫طائرات‬
‫ِ‬ ‫والبيوت و ِق َط ِع ّ‬
‫ال�سالح التي تعود للمطارد‪� .‬إ�ضاف ًة �إىل ا�ستخدام‬
‫‪202‬‬

‫ناعية وغريها من الأجهزة املتطوِّ رة التي تك�شف خفايا‬


‫ج�س ِ�س والأقمار ال�صِّ ّ‬
‫ال ّت ُّ‬
‫العدو �إىل هدفه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الأمور‪ ،‬وتو�صل‬

‫ت�صل �أجهزة الأمن ال�صهيونية �إىل املطارد عن طريق‬‫الـمـ�صا َدفـة‪ :‬فكثرياً ما ُ‬


‫‪ُ -‬‬
‫بوقوعه بيدهم خط�أً‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ع�شوائية‪� ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫اقتحام‬
‫ٍ‬ ‫بعملي ِة‬
‫ّ‬ ‫امل�صادفة وبدون �سابق تخطيط؛‬
‫ع�سكري‬
‫ٍّ‬ ‫حاجز‬
‫ٍ‬ ‫مير عن‬
‫نف�سه لرهانٍ غ ِري حم�سوب‪ ،‬ك�أن َّ‬
‫�ض املتخفِّي َ‬ ‫عر َ‬
‫�أو �أنْ ُي ِّ‬
‫أمل �أنْ ال ُيف ّت�شوه �أو ي�س�ألوه عن هو ّيته‪ ،‬فيدخل يف االحتماالت التي تقبل‬
‫على � ِ‬
‫اخلط�أ‪.‬‬

‫***‬

‫�ساد�ساً‪ :‬و�سائل االتّ�صال الآ ِمنة‬


‫يف حرب الع�صابات‪ ،‬يبحث العدو عن ال ّثغرات التي تحَ دث مع الثائر �أثناء‬
‫اقتنا�صها و�رضب املقاومة عربها‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬يبحث‬
‫َ‬ ‫عمله ومقاومته‪ ،‬حماو ًال‬
‫لي�سدها ويتج ّنب الوقوع فيها واالنزالق يف خماطرها‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الثائر عن هذه ال ّثغرات‬
‫ويبحث عن العالج الأن�سب‪ ،‬وطرق الوقاية الأف�ضل‪ ،‬حتى ت�صبح مقاومته �أكرث‬
‫�أمن ًا‪.‬‬

‫ومن �أبرز ال ّزوايا التي تزخر بال ّثغرات‪( :‬و�سائل االت�صال)‪� ،‬سوا ًء بني‬
‫املجاهدين �أنف�سهم‪� ،‬أو مع الآخر؛ يف خطوط التوا�صل بني القائد واجلندي‪،‬‬
‫و بني املجموعة والأخرى‪ ،‬وبني �أفراد املجموعة ذا ِتها‪ ،‬وبني قطاعات املقاومة‬
‫‪203‬‬

‫وب�شكل عام‪ ،‬بني املقاومة والآخر �أيّـ ًا كان‪...‬‬


‫ٍ‬ ‫املختلفة‪ ،‬وبني املقاومة والإعالم‪،‬‬
‫�إذ ي�ضطر الثائر دوم ًا �إىل التوا�صل مع غريه �سعي ًا �إىل تن�سيق املوقف‪ ،‬واحل�صول‬
‫على ال�سالح والعتاد‪ ،‬وتبادل املعلومات الالزمة‪ ،‬وتنفيذ الهجمات اجلهاد ّية‪..‬‬
‫ِّ‬
‫ومفكرو حرب الع�صابات والعاملون يف هذا املجال‬ ‫ولذا‪ ،‬فقد حاول خرباء‬
‫ابتكار الو�سائل التي تق ِّلل خماطر االت�صال‪ ،‬وتعالج ثغراته‪ ،‬فكان اخرتاع ِ‬
‫احلرب‬ ‫َ‬
‫ال�سرِّّي وتطويره‪ ،‬وكان العمل بال�شِّ يفرة والترّ ميز وال ّنقاط امليتة‪ ،‬واالجتهاد يف‬
‫ابتكار الأ�ساليب الفاعلة يف قطع اخليوط وحمو الآثار‪ ،‬وعدم ترك �أو �إحداث ما‬
‫يقود �إىل الوقوع‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬التَّ�شفري‪:‬‬

‫هو �أ�سلوب وعلم ال ّتخاطب بني طرفَني �أو �أكرث بطريقة يفهمونها‪ ،‬بحيث‬
‫خمتلف‬
‫ٍ‬ ‫معنى‬
‫ً‬ ‫الرموز؛ ت�شري يف معناها احلقيقي �إىل‬
‫حتمل الر�سالة جمموع ًة من ّ‬
‫عن معناها ّ‬
‫الظاهري‪ ،‬وهي تلك ا ّللغة اخلا�صة البديلة امل�ستخدمة بال ّتوافق بني‬
‫َ‬
‫الوقوف على معانيها‪.‬‬ ‫فهمها �أو‬
‫غريهم َ‬
‫أحد ُ‬
‫الأطراف‪ ،‬بحيث ال ي�ستطيع � ٌ‬

‫ال�سنني‪� ،‬أي مع بدء الأعمال‬


‫آالف من ِّ‬
‫عدة � ٍ‬
‫يرجع العمل ب�أنظمة ال ّت�شفري �إىل ّ‬
‫والقوميات‪ ،‬فقد َّمت اكت�شاف خمطوطات‬
‫ّ‬ ‫والتجمعات‬
‫ّ‬ ‫احلربية بني القبائل‬
‫ّ‬
‫وتقدموا به‪ ،‬و�أ�صبحوا‬
‫ّ‬ ‫ينيون هذا العلم‬
‫مار�س ال�صِّ ّ‬
‫َ‬ ‫فرعونية ت�شري �إىل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬
‫بالبلع‪� ،‬أو ب�إدخالها‬
‫يتم �إخفا�ؤها؛ � ّإما َ‬
‫معية التي ُّ‬
‫ي�ستخدمون (الكب�سوالت) ال�شّ ّ‬
‫الدبر)‪.‬‬
‫يف الأح�شاء (من ُّ‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬كان ا�ستخدام �أ�سلوب احلفر على اخل�شب‪ ،‬ثم �سكب ال�شّ مع‬
‫‪204‬‬

‫مع وقر�أ‬
‫أذاب ال�شَّ َ‬
‫الطرف الآخر‪َ � ،‬‬ ‫الـمذاب فيه وطالئه لل ّتمويِه‪ ،‬ف�إذا جاء ّ‬
‫ُ‬
‫�رسية‪ ،‬و�أجادت‬‫املكتوب‪ ،‬ثم كانت الهند التي �ألزمت �سفراءها بتع ّلم الكتابة بلغ ٍة ّ‬
‫يف ذلك حتى و�ضعت � ّأو َل كتاب يف هذا العلم‪...‬‬

‫َ‬
‫لي�صل �إىل اليونان التي �أ�ضافت �إليه �إ�ضافات‬ ‫تو�سعت رقعة ا�ستخدامه‪،‬‬
‫ثم ّ‬
‫ني ثم ف ُْـر�س ورومان‪� ،‬إىل‬
‫ني و�آ�شوريِّ َ‬
‫بابلي َ‬
‫هرين‪ ،‬من ِّ‬
‫هامة‪ ،‬ثم ح�ضارة ما بني ال َّن َ‬
‫�أن جاء امل�سلمون الذين جعلوه علم ًا م�ستق ً‬
‫ال قائم ًا بذاته كباقي العلوم‪ّ .‬‬
‫فدونوه‬
‫خطي ًا يف العام ‪241‬هـ‪ ،‬حني َ‬
‫كتب العامل اجلليل (�أبو بكر وح�شية) كتابه‪:‬‬ ‫ّ‬
‫(�شوق امل�ستهام يف معرفة رموز الأقالم)‪ ،‬ثم كانت مو�سوعة (�صبح الأع�شى)‬
‫للقلق�شندي‪ ،‬الذي �أفر َد جم َّلداً بعنوان (�إخفاء املعلومات ال�رسِّية يف ّ‬
‫الر�سائل)‪،‬‬
‫الرموز واال�صطالحات‪ ،‬والثاين يف ِّ‬
‫فك‬ ‫ق�سمني؛ الأول يبحث يف ّ‬
‫وق�سمه �إىل َ‬
‫ّ‬
‫واحلرب ال�رسِّي‪.‬‬
‫الرموز ِ‬
‫ّ‬

‫لكية وا ّلال�سلكية العابرة ّ‬


‫للقارات‪� ،‬أخذ‬ ‫ال�س ّ‬
‫وبعد اخرتاع االتّ�صاالت احلديثة ِّ‬
‫و�شكل فيها �أحد �أعمدة احلروب‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ودخل مرحل ًة جديدة‪،‬‬ ‫منحى �آخر‪،‬‬ ‫ال ّت�شفري‬
‫ً‬
‫العاملية الثانية‬
‫ّ‬ ‫ال من عوامل الن�رص‪ ،‬وقد �شهدت احلرب‬ ‫الع�رص ّية احلديثة‪ ،‬وعام ً‬
‫�أبرز تلك احلروب اال�ستخباريّة التي كان ِعمادها ِع ْلم ال ّت�شفري‪.‬‬

‫يت�صوره عقل‪ ،‬ف�أ�صبح‬


‫ّ‬ ‫ال مل يكن‬ ‫َ‬
‫و�صل ال ّت�شفري مو�ص ً‬ ‫ومع انت�شار الإنرتنت‪،‬‬
‫املقاومة‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬ ‫والتحرر ّية‬
‫ُّ‬ ‫غاي ًة يف ال ّتعقيد‪ ،‬وا�ستخدم ْته جميع القوى الثور ّية‬
‫وتبادل‬
‫ِ‬ ‫�شبكة عالقا ِته‬
‫ِ‬ ‫ربط‬
‫�أبرزها تنظيم القاعدة‪ ،‬الذي اعتمد على الإنرتنت يف ِ‬
‫عمليا ِته‪.‬‬
‫إعداد ّ‬ ‫�ض �أهدا ِفه ّ‬
‫وخمططا ِته و� ِ‬ ‫وع ْـر ِ‬
‫�أفكارِ ه ومعلوما ِته‪َ ،‬‬

‫البدائي‬
‫َّ‬ ‫ومل تكن املقاومة الفل�سطينية بِدع ًا وال ن�شازاً‪ ،‬بل ا�ستخدمت ال ّت َ‬
‫�شفري‬
‫‪205‬‬

‫تطورت عرب ا�ستخدام الإذاعات (الراديو)‬ ‫الفدائية‪ ،‬ثم ّ‬


‫ّ‬ ‫مع انطالق �أعمالها‬
‫اخلا�صة بال ّثوار‪� ،‬إىل �أن دخلت عامل الإنرتنت وا�ستخدم ْته يف �أعمالها‪ ..‬وقد‬
‫ّ‬
‫املقاومني عن كثري من ذلك‪� ،‬إال �أنّ ال ّتجربة‬
‫ِ‬ ‫ك�شفت ال ّتحقيقات ال�صهيونية مع‬
‫ُعط هذا العلم اهتمام ًا م�ستق ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫الفل�سطينية ال زالت خجول ًة ن�سب ًة �إىل غريها‪ ،‬فلم ت ِ‬
‫اجلغرافية كان �أحد الأ�سباب التي‬
‫ّ‬ ‫البقعة‬ ‫تقدم ًا ملحوظ ًا‪َّ .‬‬
‫ولعل ِ�ضيق ُ‬ ‫ومل تنجز فيه ّ‬
‫ال�سم َة الأبرز‪،‬‬
‫�ساهمت يف ذلك‪� ،‬إذ �أنّ االت�صال املبا�رش بني �أطراف العمل كان ِّ‬
‫البدائية كان ذا جدوى و�أمان �أكرث من غريه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وا�ستخدام الأ�ساليب‬

‫قدرٍ �أعلى من الأمن يف ا�ستخدام ال�شِّ يفرة؛ نرى �رضورة الوقوف‬


‫ولتحقيق ْ‬
‫ِ‬
‫أهمي ًة عن ال�شِّ يفرة ذاتها‪ ،‬وتعطيها مزيداً من‬ ‫مالحظات ال ُّ‬
‫تقل � ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جمموعة‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫القوة والأمان‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫عدم ا�ستخدام �شيفرة جاهزة‪ ،‬كال�شِّ يفرات امل�ستخدمة يف �أجهزة الكمبيوتر‪،‬‬


‫�إذ �أنّ االحتالل �إذا ّ‬
‫متك َن من احل�صول على ر�سال ٍة م�شفّرة‪ ،‬ف�إنه يبد�أ بعر�ضها على‬
‫انطلق يف‬
‫َ‬ ‫يجد �ضالّته‬
‫املعدة ُم�سبق ًا‪ ،‬ف�إن مل ْ‬
‫الربامج اجلاهزة‪ ،‬وعلى ال�شِّ يفرات َّ‬
‫البحث باالتجّ اهات الأخرى‪.‬‬

‫عدم ا�ستخدام م�صطلحات معروفة وعبارات وا�ضحة وكلمات متوقَّعة‬


‫الداللة‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ال�شيفرة بالكلمات‪ ،‬ك�أن ت�ستخدم ّ‬
‫(رمانة) مبعنى قنبلة‬ ‫ّ‬
‫يدو ّية‪� ،‬أو ّ‬
‫(بطيخة) مبعنى (عبوة)‪� ،‬أو (عرو�س) مبعنى ا�ست�شهادي‪ ،‬فقد َكـ ُث َـر‬
‫ال�سهولة الو�صول �إليها‪.‬‬
‫أ�صبح من ُّ‬
‫ا�ستخدام مثل هذه امل�صطلحات‪ ،‬حتى � َ‬
‫الدالالت‪،‬‬
‫وا�ضح ّ‬
‫ِ‬ ‫طبيعي‬
‫ٍّ‬ ‫كن�ص‬
‫‪� -‬أن تظهر الر�سالة (امل�شفَّرة بالكلمات) ٍّ‬
‫أحدهم �إذا قر أ� الر�سالة‪ ،‬يجب � اّأل يدرك �أنها ر�سال ٌة‬
‫ولي�س جتميع ًا‪ ،‬مبعنى‪� :‬أنّ � َ‬
‫‪206‬‬

‫اجتماعية‪ ،‬و�أن‬
‫ّ‬ ‫م�شفَّرة‪ ،‬بل يجدها ر�سال ًة عاطفية مث ً‬
‫ال‪� ،‬أو ر�سال َة عمل‪� ،‬أو ر�سال ًة‬
‫وال‪ ،‬لأنه عندئذٍ �سيعلم‬‫مفكك ًة �أو ال تُعطي مدل ً‬ ‫يجدها مرتابط ًة متنا�سقة‪ ،‬لي�ست َّ‬
‫َ‬
‫رواءها‪ ،‬ويبد�أ بالبحث عن مفتاحها‪ ،‬فت�سهل عليه ك�شف‬
‫�أنّ وراء الر�سالة ما َ‬
‫الر�سالة‪ ،‬فالواجب �أن يكون الت�شفري بطريق ٍة ال تثري ارتياب �أحد‪.‬‬

‫موجه ًة‬
‫ـر�سلـة �إليه‪ ،‬ف�إذا كانت ّ‬
‫الـم َ‬
‫منا�سب ًة لل�شخ�ص ُ‬
‫‪� -‬أن تكون الر�سالة ِ‬
‫الدرا�سة وال ّتعليم وال ّت�سجيل‬
‫ظاهرها عن ّ‬
‫ُ‬ ‫يتحد َث‬
‫ّ‬ ‫طالب مث ً‬
‫ال‪ ،‬فالأ�صل �أن‬ ‫ٍ‬ ‫�إىل‬
‫واالمتحانات‪ ،‬و�إذا كانت ُمر�س َلـ ًة �إىل مهند�س‪ ،‬فاحلديث عن امل�شاريع‬
‫الريبة‪.‬‬
‫الهند�سية واخلرائط‪ ،‬وهكذا‪ ...‬حتى ال تثري ّ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫واملخططات‬

‫الر�سالة امل�شفَّرة‪،‬‬
‫ال�سعي �إىل البحث وال ّتطوير واالبتكار يف �أ�ساليب �إر�سال ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫�سبق من و�سائل وما َّمت اكت�شافه من �أ�ساليب‪ ،‬وكلما ا�ستطاع‬
‫وعدم االكتفاء مبا َ‬
‫املقاو ُم �إيجا َد و�سائل غري م�سبوقة‪ ،‬يكون قد و�ضع عراقيل جديدة يف طريق من‬
‫ِ‬
‫يحاول ك�شف ال�شِّ يفرة‪.‬‬

‫ب�شكل دائم‪ ،‬بحيث ال يبقى اال�ستخدام‬


‫ٍ‬ ‫‪ -‬عدم ا�ستخدام لغة ال ّت�شفري ذاتها‬
‫ملدة طويلة‪ ،‬ف�إذا ا�ستطاع االحتالل ّ‬
‫فك رموز ال�شِّ يفرة‪ ،‬ف�إنه ال يهن أ� بذلك‪ ،‬لأنها‬
‫عدوهم ك�شفَها‪.‬‬
‫ال تلبث �أن تتغيرّ ‪ ،‬حتى لو مل يعلم املجاهدون �أن َّ‬
‫ثم �إن وقوع �أكرث من ر�سالة م�شفَّرة بني يدي العدو حتمل ال�شِّ يفرة ذاتها‪،‬‬
‫يق�ص امل�ساف َة عليه يف ح ِّلها ِّ‬
‫وفك رموزِ ها‪ ،‬بينما �إذا وقعت هذه الر�سائل بني يديه‬ ‫رِّ‬
‫وهي مكتوبة ب�أكرث من �شيفرة‪ ،‬ف�إن ذلك ي�ضعه يف متاهة‪ ،‬وي�ض ّلله يف م�ساره‪،‬‬
‫احتمالية وقوع املجاهدين يف‬
‫ّ‬ ‫الزمني َة ك ّلما طالت؛ زادت من‬
‫ّ‬ ‫املد َة‬
‫ناهيك عن �أنّ ّ‬
‫خط�أ ي�ؤ ّدي �إىل ك�شف �شيفرتهم‪.‬‬
‫‪207‬‬

‫‪ -‬عدم و�ضع املعلومات يف �س ّلة واحدة‪َ ،‬‬


‫حذراً من وقوعها بيد االحتالل‪،‬‬
‫ف�ضل جتزئتها �إىل �أجزاء‪ ،‬بحيث ال ي�ؤ ّدي وقوع �أحد‬
‫فتكون الكارثة‪ .‬بل ُي َّ‬
‫العدو مغزى الر�سالة وال‬
‫ّ‬ ‫هذه الأجزاء بيد العدو �إىل خ�سارة‪ ،‬وبالتايل ال يفهم‬
‫معناها‪.‬‬

‫تق�سم‬
‫ال �أن َّ‬ ‫ٌ‬
‫وتف�صيل كثري‪ ،‬ومنه مث ً‬ ‫حديث طويل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وحتت هذا املو�ضوع‬
‫ن�ص الر�سالة دفع ًة واحد ًة خالي ًة من‬
‫ر�سل ُّ‬ ‫الر�سالة بك ِّل ّـيـ ِتها �إىل ّ‬
‫عدة �أق�سام‪� ،‬أو �أن ُي َ‬
‫� ِّأي رقم �أو ا�سم‪ ،‬وتُر�سل الأرقام والأ�سماء وال ّتواريخ م�شفَّر ًة يف ر�سال ٍة �أخرى‪.‬‬
‫وكذا �أن ُير�سل مفتاح ال�شِّ يفرة جم ّزءاً‪ ،‬فالأحرف والكلمات يف ر�سالة‪ ،‬ورموزها‬
‫ومعانيها يف ر�سالة �أخرى‪ .‬وميكن �أن يكون التق�سيم �أكرث من ذلك و�أعقد‪،‬‬
‫وكلما ازداد تعقيده ازداد �أمانه‪.‬‬

‫‪ -‬عدم � ْإطالع جميع العاملني على ّ‬


‫الرموز وال ّتفا�صيل و� ّآليات التوا�صل‪،‬‬
‫وت�ضييق دائرة العارفني بها �إىل �أ�ضيق نطاق‪ ،‬والإبقاء على �أعلى درجات ال�رسِّية‬
‫يف التعامل بها‪ ،‬فال يعلم بها �إال �صاحب احلاجة املبا�رشة؛ كم�س�ؤويل اخلاليا‬
‫جمة‪ ،‬منها جت ُّن ُب‬
‫�ضباط االت�صال‪ ...‬ويف ذلك فوائد ّ‬ ‫امل ّت�صلة ولي�س �أفرادها‪� ،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫ال�شك‬ ‫اخلط�أ‪� ،‬أو االعرتاف يف ال ّتحقيق‪� ،‬أو الثرَّ ثرة‪� ،‬أو حتى االخرتاق‪ ،‬ويف حالة‬
‫اجلد يف امل�سارعة �إىل ا�ستبدا ِلها ب�شيفر ٍة جديدة‪.‬‬
‫بد من ِّ‬
‫أمرها‪ ،‬ال َّ‬
‫يف انك�شاف � ِ‬

‫‪ -‬عدم ك�شف ال�شِّ يفرة ومفاتيحها بعد االنتهاء منها‪ ،‬والإبقاء عليها �ضمن‬
‫ك�شف العدو �أ�سلوب ًا جديداً يف ال ّت�شفري‪ ،‬ف�إنه يحاول‬
‫َ‬ ‫املعلومات ال�رسِّية‪ ،‬فك ّلما‬
‫املقاومني وطرق تفكريهم‪ ،‬وي�سعى �إىل تقدير ال ّآلية التي‬
‫ِ‬ ‫ذهنية‬
‫من خالله فهم ّ‬
‫يعملون بها �أو �سيعملون‪.‬‬
‫‪208‬‬

‫خلية يف ذات ال�شِّ يفرة‪ ،‬مما يعني �أنه �إذا انك�شفت‬


‫‪ -‬عدم �إ�رشاك �أكرث من ّ‬
‫كم �أكرب من‬
‫خط ات�صال‪ ،‬وك�شف ّ‬ ‫ال�شيفرة ف�إنها ت�ؤ ّدي �إىل �رضب �أكرث من ِّ‬
‫خلي ٍة �شيفرتها اخلا�صة‪ ،‬و�إن كانت بطريقة‬ ‫املعلومات‪ .‬فيجب �أن يكون ِّ‬
‫لكل ّ‬
‫خا�صة فهو �أف�ضل‪.‬‬

‫ثانياً؛ احلِرب ال�سرِّ ّي‪:‬‬

‫�رسية االت�صال وحفظ‬


‫نظيمية من ّ‬
‫ّ‬ ‫احلرب ال�رسِّي يف املرا�سالت ال ّت‬
‫يزيد ِ‬
‫املعلومات‪ ،‬فيجعل اخلطوط �أكرث �أمن ًا‪ .‬وعلى الرغم من املخاطر التي ت�صاحبه‪،‬‬
‫وت�ضليلية تزيد من‬
‫ّ‬ ‫متويهية‬
‫ّ‬ ‫املجاهد ا�ستخدامه م�صحوب ًا بعوامل‬
‫ُ‬ ‫أح�سن‬
‫ف�إنه �إذا � َ‬
‫�رسِّ ّيته‪ ،‬ف�إنه �سيح�صل على خطوط اتّ�صال � ِآمن ٍة ي�صعب ك�شفُها واخرتاقُها‪.‬‬

‫كيميائية يف كتابة ن�صو�ص‬


‫ّ‬ ‫باحلرب ال�رسِّي‪ ،‬تعني ا�ستخدام حماليل‬
‫والكتاب ُة ِ‬
‫كيمائية �أخرى كا�شفة‪ ،‬كبخار اليود مث ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فية‪ ،‬فال تظهر �إال با�ستخدام حماليل‬
‫مخَ ّ‬
‫للرقعة التي ُكتبت عليها ّ‬
‫الر�سالة‪.‬‬ ‫بعملية ت�سخني ّ‬
‫ّ‬ ‫�أو‬

‫ومن هذه املحاليل �أو الأحبار ال�رسية ا ّلتي ا�س ُتخدمت يف كتابة ّ‬
‫الر�سائل؛‬
‫ّ‬
‫كاخلل‬ ‫ال�سوائل الع�ضو ّية‪،‬‬
‫كربيتات ال ّنحا�س‪ ،‬وحملول البرياميدون‪ ،‬وبع�ض ّ‬
‫ال�سوائل التي تختفي فور كتابتها‪.‬‬
‫والليمون واحلليب‪ ،‬وغريها من ّ‬
‫مدعم ًا ب�أ�سلوب (ال ّت�شفري)‬
‫كذلك مما يزيد من قوة هذا الأ�سلوب؛ ا�ستخدامه َّ‬
‫ومبوقع‬
‫ٍ‬ ‫ال�رسي‪،‬‬
‫وباحلرب ّ‬ ‫ِ‬ ‫الر�سالة بالرموز امل�شفَّرة‪،‬‬
‫�سبق ِذكره‪ ،‬ك�أن تُكتب ّ‬
‫الذي َ‬
‫غ ِري متوقَّع (بني �سطور ر�سالة عادية �أو على ظهر رقعة غري متوقَّعة �أو يف مكان‬
‫�آمن)‪ ،‬وبهذا ف�إنه �إذا �سقط احلاجز الأول ُ‬
‫وك�شفت الرقعة‪ ،‬و�سقط احلاجز الثاين‬
‫‪209‬‬

‫الر�سالة‪ ،‬كانت الرموز ال�رسِّية (ال�شيفرة)‬


‫احلرب ال�رسِّي امل�ستخدم فظهرت ّ‬ ‫ُ‬
‫وك�شف ِ‬
‫ُ‬
‫يحول دون الو�صول �إىل حقيقة الر�سالة‪،‬‬ ‫لت حاجزاً ثالث ًا‬
‫املعقَّدة باملر�صاد‪ ،‬وم َّث ْ‬
‫وكذلك ميكن �أن يكونَ تق�سيم الر�سالة �إىل �أجزاء عديدة حاجزاً رابع ًا‪.‬‬
‫و(احلرب ال�رسِّي)‪ّ ،‬‬
‫ي�شكالن جمتم َعنيِ �ضمان ًا‬ ‫ِ‬ ‫هذان الأ�سلوبان؛ (ال�شِّ يفرة)‬
‫لرفع درجة الأمان يف االتّ�صال‪� ،‬إال �أنهما يب َقيانِ قاب َلنيِ للوقوع يف �أيدي �أجهزة‬
‫الأمن املعادية‪ ،‬ومن ثم ك�شف الر�سالة‪ ،‬وتبقى نقطة احل�سم التي جتعل منهما‬
‫أ�ساليب ناجح ًة و�آمنةً‪ ،‬هو مقدار ال ّتعقيد والغمو�ض الذي ي�صاحب لغ َة ال ّتوا�صل‬
‫َ‬ ‫�‬
‫وما ت ّت�سم به من ِحنكة وتدبري‪.‬‬

‫ال�صوتي َة‬
‫املوجات ّ‬
‫ِ‬ ‫عرب الأثري‪ ،‬فيجب �أال نن�سى �أنّ‬
‫�شفري َ‬
‫ا�ستخدمنا ال ّت َ‬
‫ْ‬ ‫و�إنِ‬
‫ا�ستخدمنا‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الو�صول �إليها‪ ،‬و�إذا‬ ‫ُّ‬
‫والكل ي�ستطيع‬ ‫ال�سابحة يف اجلو ٌ‬
‫ملك للجميع‪،‬‬
‫الدول ا�ستخدم ْته منذ‬
‫خمابرات ُّ‬
‫ِ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ندرك �أن‬ ‫احل َرب ال�رسِّ َّي ب�أنواعه‪ ،‬فعلينا �أن‬
‫ِ‬
‫تابية‪ ،‬ف ْل ّ‬
‫نتذكر �أنّ لدى عد ِّونا و�أجهزته‬ ‫الك ّ‬‫الرمو َز ِ‬
‫ا�ستخدمنا ّ‬
‫ْ‬ ‫زمن بعيد‪ ،‬و�إذا‬
‫ٍ‬
‫ومتفرغ ٌة لدرا�سة وحتليل ِّ‬
‫كل �أنواع الكالم‬ ‫ِّ‬ ‫خا�ص ٌة متخ�صِّ �ص ٌة‬
‫�سات ّ‬
‫أمنية م� ّؤ�س ٌ‬
‫ال ّ‬
‫الذي ي�صلها �سعي ًا �إىل تفكيكه والو�صول �إىل فحواه‪ ..‬ف ْلنحذر!‬

‫ثالثاً؛ النّقاط امليتة‪:‬‬

‫يهدف ا�ستخدام ال ّنقاط امليتة يف االت�صال �إىل قطع اخليوط الوا�صلة بني‬
‫تتبع‬
‫مهمة االحتالل يف ّ‬
‫معلوماتية جتعل ّ‬
‫ّ‬ ‫الأطراف‪ ،‬و�إيجاد فراغات وتقطيعات‬
‫املعلومة والو�صول �إليها ثم الو�صول من خاللها �إىل �أطراف العمل �أمراً يف غاية‬
‫ال�صعوبة وال ّتعقيد‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪210‬‬

‫يحد من حجم املعلومات املك�شوفة واملتداولة داخلي ًا‪ ،‬بحيث ال‬


‫أ�سلوب ُّ‬
‫ٌ‬ ‫فهو �‬
‫ب�شكل‬
‫ٍ‬ ‫يطلع العاملون على بع�ضهم البع�ض ب�صور ٍة مك�شوفة‪ ،‬وال يتعاملون مع ًا‬‫ّ‬
‫العدو عرب‬
‫ّ‬ ‫قادرين على تقدمي هذه املعلومات �إىل‬
‫َ‬ ‫مبا�رش‪ ،‬الأمر ا ّلذي يجعلهم َ‬
‫غري‬
‫ال ّتحقيق �أو بطريقة اخلط�أ �أو امل�صادفة‪.‬‬

‫و�سواء �أكانت ال ّنقاط (ميتةً) عرب نقطة لقاء جامدة‪� ،‬أو (ن�صف ميتة) عرب‬
‫�شخ�ص مل ّثم �أو غري معروف‪ ..‬و�سواء �أكانت (طبيعيةً) ال حتتاج �إىل �إعداد‪� ،‬أو‬
‫الغر�ض‬
‫َ‬ ‫وا�ستخدامات خا�صة‪ ،‬ف�إنها ت�ؤ ّدي‬
‫ٍ‬ ‫أغرا�ض‬
‫ٍ‬ ‫( ُم َ‬
‫�صطنعةً) تُـ َع ُّـد من ال ّثوار ل‬
‫الذي �أ�سلفناه ذاتَه‪.‬‬

‫قدرٍ �أعلى من الهدف ا ّلذي ا�س ُتخدمت لأجله ال ّنقاط امليتة‪ ،‬ف�إنه ال‬
‫ولتحقيق ْ‬
‫جمموعة مالحظات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بد من اتّباع‬
‫َّ‬

‫بد من اتّباع قدرٍ كب ٍري من ال�رسِّية والك ْتمان يف ال ّتعامل مع ال ّنقاط امليتة؛‬
‫‪ -‬ال َّ‬
‫يك�شف‬
‫َ‬ ‫�سواء مبكانها‪� ،‬أو �شكلها‪� ،‬أو توقيت العمل بها‪ّ ،‬‬
‫وكل ما من �ش�أنه �أن‬
‫أمرها‪.‬‬
‫� َ‬
‫‪ -‬االلتزام مبواعيد العمل يف ال ّنقاط امليتة (ال�شّ حن وال ّتفريغ واللقاء)‪ ،‬لأن‬
‫رف الآخر يف العمل‪ ،‬وبالتايل ال حتقّق‬ ‫الط َ‬ ‫احل�ضور ّ‬
‫املبكر �أو املت�أخر قد يك�شف ّ‬ ‫َ‬
‫ال ّنقطة امليت ُة عم َلها وغاي ّتها‪ ،‬وعدم الرت ّدد على املوقع بغري حاجة‪ ،‬فكرثة الرت ّدد‬
‫عليها ُي�رسِّ ُع يف ك�شفها‪.‬‬

‫معد ًة للعمل بها يف حال‬ ‫‪ -‬االتفاق مع ّ‬


‫الطرف الآخر على نقط ٍة بديل ٍة تكون َّ‬
‫أمر ال ّنقطة العاملة‪ ،‬لأن عدم االتفاق على نقط ٍة بديل ٍة قد ي�ؤ ّدي �إىل‬
‫انك�شاف � ِ‬
‫ِ‬
‫االت�صال �إذا ما انك�شفت ال ّنقط ُة الأوىل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قطع‬
‫ِ‬
‫‪211‬‬

‫بد من مراعاة كون ال�شّ خ�ص املل َّثم ال‬


‫‪� -‬إذا كانت النقطة (ن�صف ميتة)‪ ،‬فال َّ‬
‫ال�صوت‬ ‫كالعرج �أو ُّ‬
‫الطول ال�شّ ديد‪� ،‬أو ّ‬ ‫َ‬ ‫مميزة؛‬
‫يحمل عالمات فارقة �أو �سمات ّ‬
‫املميز‪ ،‬و� اّأل يكون من نف�س منطقة ّ‬
‫الطرف الآخر �أو يعرفه بحكم العمل �أو‬ ‫َّ‬
‫العالقة‪.‬‬

‫‪ -‬االهتمام ب�ضمان �سالمة حميط النقطة امليتة‪ ،‬بحيث تكون �آمن ًة بعيد ًة عن‬
‫�أعني العدو وعمالئه‪.‬‬

‫ومموه ًة و�صعبة االنك�شاف وميكن لها �أن حتمي ما‬


‫كلما كانت النقطة �آمن ًة َّ‬
‫مثالي ًة وناجحة‪.‬‬
‫زمني ٍة �أطول‪ ،‬ف�إنها تكون ّ‬
‫بداخلها من ر�سائل �أو مواد ملد ٍة ّ‬

‫�أخرياً‪ ،‬ميكنني �أن �أقول‪� :‬إن �أ�سلوب (ال ّنقاط امليتة)‪� ،‬إذا �أ�ضفْناه �إىل الأ�سلو َبنيِ‬
‫م�ضاعف من الأمن‬
‫ٍ‬ ‫قدرٍ‬
‫و(احلرب ال�رسِّي)‪ ،‬ف�إننا ن�صل �إىل ْ‬
‫ِ‬ ‫ال�سابقَني؛ (ال ّت�شفري)‬
‫ّ‬
‫واملحافظة على املعلومة بعيد ًة عن �آذان و�أعني العدو‪.‬‬

‫بالرجوع �إىل درا�سا ِتنا (�أمن‬


‫ا�ستخدام �أ�سلم لل ّنقاط امليتة‪ ،‬نن�صح ّ‬
‫ٍ‬ ‫ولتحقيق‬
‫ِ‬
‫�شاف �إن �شاء اهلل‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫تف�صيل ٍ‬ ‫املطارد)‪ ،‬ففيه‬
‫َ‬

‫***‬
‫‪212‬‬

‫�سابعاً‪ :‬ا ِلإيـْـمـان‬


‫اال�سرتاتيجية التي ال ميكن للمقاتل ال ّثائر �أن يتخ ّلى‬
‫ّ‬ ‫الإميان‪ ،‬من الأ�سلحة‬
‫الق�ضية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ب�صدقية وعدالة‬
‫ّ‬ ‫الرا�سخة واليقني املطلق‬
‫عنها‪ ،‬ونق�صد بالإميان؛ القناعة ّ‬
‫اندفاع‬
‫ٍ‬ ‫وما يرتتّب على ذلك من بذلٍ وت�ضحي ٍة وعطاء‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من‬
‫وجهوز ّي ٍة دائمة‪.‬‬
‫وا�ستعدادٍ ُ‬
‫قومي ًة �أو غري ذلك‪ ،‬ف�إنّ‬
‫إ�سالمي ًة �أو ي�سار ّي ًة �أو ّ‬
‫ّ‬ ‫خلفية ال ّثائر �‬
‫ّ‬ ‫و�سواء كانت‬
‫َّ‬
‫وجل ميتاز عن‬ ‫َ‬
‫املرتبط باهلل ع َّز‬ ‫كر‬ ‫والتميز‪ � ،‬اّإل �أنّ ِ‬
‫الف َ‬ ‫ّ‬ ‫الإميانَ بفكرته يولد القو َة‬
‫دافعية‪ ،‬وال ِّنتاج ا ّلذي ُيثمره يختلف‬
‫ّ‬ ‫افعية ا ّلتي يولدها تفوق � َّأي‬
‫والد ّ‬
‫� ِّأي ِفكر‪ّ ،‬‬
‫عن � ِّأي ِنتاج‪.‬‬

‫ـهبها اهلل لعباده املخل�صني �إنْ دخلوا‬


‫إلهية التي َي ُ‬ ‫وهنا �س ُنبحر قلي ً‬
‫ال مع املنحة ال ّ‬
‫وق�ضيتهم‪� ،‬إنها منح ُة �إلغا ِء‬
‫ّ‬ ‫ميادين اجلهاد وال ّت�ضحية يف �سبيل ر ِّبهم ون�رص ًة لدينهم‬
‫واحل�سابات املا ّدي ِة يف املواجه ِة بني �أهل الإ�سالم وعد ِّوهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يا�ضي‬
‫الر ِّ‬‫املنطق ِّ‬
‫ِ‬
‫ففي اللحظة التي ي�ضع فيها امل�سلم قد َمه يف �أر�ض املعركة م�ستعين ًا باهلل ع َّز‬
‫ّ‬
‫وجل‪ ،‬ف�إن جميع احل�سابات املا ّدية تُلغى‪ ،‬وت�صبح القو ُة ال تعني الكرثة‪ ،‬والغلبة‬
‫لي�ست بال�رضورة ملن ميلك ال ُع ّدة وال َعتاد‪ ،‬ويف التاريخ �شواهد و�أدلّة‪ ...‬فال يوجد‬
‫تف�سري انت�صار امل�سلمني الأوائل يف حروبهم‬
‫َ‬ ‫ريا�ضي يقبل‬
‫ٌّ‬ ‫ع�سكري �أو‬
‫ٌّ‬ ‫منطق‬
‫ٌ‬
‫وتفوق عد ِّوهم الهائل‬
‫ّ‬ ‫الدائم‪،‬‬
‫الع�سكري ّ‬
‫ّ‬ ‫عفهم‬
‫املتوا�صلة‪ ،‬على الرغم من َ�ض ِ‬
‫عدداً ّ‬
‫وعدة‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫مناذج خالدة‪:‬‬

‫التوكل‬ ‫َّ‬
‫يتخل امل�سلمون يوم ًا عن بذل اجلهد والأخذ بالأ�سباب املا ّدية‪ ،‬ثم ّ‬ ‫مل‬
‫على اهلل بفهمه احلقيقي‪� :‬إِميانٌ و�إِعداد‪ .‬ويف جميع املواجهات واملعارك التي‬
‫حليف الإ�سالم و�أهله‪ ،‬دون ال ّنظر �إىل ما‬
‫َ‬ ‫توف َّـر فيها هذان العن�رصان‪ ،‬كان ال ّن�رص‬
‫ميلكون من ال َعتاد وال ّتعداد‪.‬‬

‫ني‬ ‫ففي معركة الريموك‪ ،‬كان عدد جند الروم ‪� 240‬ألف جندي َّ‬
‫مدجج َ‬
‫الروم (هرقل)‪ ،‬وعدد جند‬
‫�سالح يف ذاك الع�رص‪ ،‬قائدهم �إمرباطور ُّ‬
‫ٍ‬ ‫أحدث‬
‫ب� ِ‬
‫الإ�سالم ‪� 40‬ألف جماهد‪ ،‬قائدهم �سيف اهلل (خالد بن الوليد) َر ِ�ض َي اهلل عنه‪،‬‬
‫بن‬
‫(خالد ُ‬
‫ُ‬ ‫الروم و� َّ‬
‫أقل امل�سلمني!»‪ ،‬ف�أجابه‬ ‫أحد امل�سلمني‪« :‬ما �أك َرث ُّ‬ ‫حتى قال � ُ‬
‫الواثق بن�رصه‪ ،‬العارف باملعنى احلقيقي‬
‫ِ‬ ‫ؤمن باهلل‪،‬‬
‫الوليد) َر ِ�ض َي اهلل عنه �إجاب َة امل� ِ‬
‫الروم و�أكرث امل�سلمني! �إمنا تَك ُرث اجلنو ُد بال ّن�رص‪ ،‬وت َِق ُّل‬ ‫للقوة‪ ،‬فقال‪« :‬بل ما � َّ‬
‫أقل ُّ‬
‫الرجال»‪ ،‬ودارت معرك ٌة طاحن ٌة انتهت �إىل هزمي ٍة منكر ٍة‬
‫دد ّ‬‫باخلذالن‪ ،‬ال ب َع ِ‬
‫ُتل من امل�سلمني‬‫جلي�ش الكرثة‪ ،‬ف ُق ِت َل منهم �أكرث من ‪� 120‬ألف جندي‪ ،‬بينما ق َ‬
‫بِ�ضع ُة �آالف(‪.)1‬‬

‫حرب طاحن ٌة بني جي�ش الف ُْر�س وحلفائهم من‬


‫ٌ‬ ‫ويف معركة (�ألي�س)‪ ،‬دارت‬
‫ن�صارى العرب‪ ،‬فكان قوامهم �أكرث من ‪� 150‬ألف مقاتل‪ ،‬وبني جي�ش امل�سلمني‬
‫وقوامه ثمانية ع�رش �ألف جماهد‪ ،‬وكان مقاتلو الف ُْر�س �شديدي الب�أ�س‪ ،‬حتى قال‬
‫أهل‬
‫لقيت من � ِ‬
‫كقوم لقي ُتهم من �أهل الف ُْر�س‪ ،‬وما ُ‬
‫ٍ‬ ‫لقيت قوم ًا‬
‫(خالد) فيهم‪« :‬ما ُ‬
‫نكراء لأعداء اهلل‪،‬‬
‫َ‬ ‫فار�س قوم ًا ك�أهل (�ألي�س)»‪ّ .‬‬
‫لكن املعرك َة انك�شفت عن هزمي ٍة‬
‫حتى قُتل منهم فيها �سبعون �ألف كافر(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ابن الأثري ّ‬
‫والطربي‪.‬‬
‫د‪�.‬سيد ح�سني العفاين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال�صحابة الأخيار)‪،‬‬
‫‪( 2‬فر�سان ال ّنهار من ّ‬
‫‪214‬‬

‫�سيلمة ّ‬
‫الكذاب) ومعه �أربعون‬ ‫َ‬
‫تقابل ( ُم ْ‬ ‫الر ّدة‪،‬‬
‫ويف معركة اليمامة من حروب ِّ‬
‫�ألف مقاتل‪ ،‬وخالد َر ِ�ض َي اهلل عنه بجي�ش فيه ثالثة ع�رش �ألف م�ؤمن‪ ،‬وانك�شفت‬
‫قتيل ُمرت َّد‪ ،‬و�ألف ومائتي �شهيدٍ م�ؤمن‪.‬‬
‫املعركة عن �أربعة ع�رش �ألف ٍ‬

‫حليف امل�سلمني مادام‬


‫َ‬ ‫وهكذا توالت املواجهات واملعارك‪ ،‬وكان ال ّن�رص‬
‫الإميان �سائراً يف َركبهم‪ ،‬ويف اللحظة التي َ�ض ُع َ‬
‫ف فيها �إميانُهم‪ ،‬وعاد اتّكالهم على‬
‫العدة والعدد‪ ،‬ففي ُح َنني‪ ،‬ر�أى امل�سلمون‬ ‫عاقبهم اهلل َ‬
‫فوكلهم �إىل معيار ّ‬ ‫قوتهم‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫بقوتهم‪ ،‬فابتالهم‬
‫لهزمية � ِّأي عدو‪ ،‬واغرتّوا ّ‬
‫ِ‬ ‫جي�شهم ميلك من العدد ما يكفي‬
‫�أنّ َ‬
‫ُ‬
‫ر�سول اهلل [ يف موقعه‪ ،‬فعاد امل�سلمون حوله‬ ‫اهلل بالهزمية � ّأو َل الأمر‪ ،‬حتى َث َ‬
‫بت‬
‫وحتو َل َ�س ُري املعركة‪ ،‬قال تعاىل‪}:‬ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ّ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ{ [التوبة‪.]٢٥:‬‬

‫يا�ضيات‬
‫الر ّ‬ ‫نعم! لقد تكف َّل اهلل ب�أمر الكرثة‪ ،‬ب�رشط حت ِّل ْينا بالإميان وال�صرب‪ ،‬ومنطق ِّ‬
‫رب الع ّزة يف كتابه العزيز فقال‪ }:‬ﮆ ﮇﮈ‬
‫و�ضحه لنا ُّ‬
‫الـر ّبـانية ّ‬
‫واحل�سابات ّ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖﯗﯘﯙ{ [الأنفال‪٦٥:‬ـ‪.]٦٦‬‬

‫جلي ًا‪ ،‬فجعلوا من الإميان ّ‬


‫عد ًة دائم ًة مل�سري ِتهم‪،‬‬ ‫ولقد فهم امل�سلمون ذلك ّ‬
‫ولقد طلب (�أبو بكر) َر ِ�ض َي اهلل عنه من قائد جيو�شه (خالد بن الوليد) �أن‬
‫املرتدين �إىل العراق‪ ،‬وا�شرتط عليه � اّأل‬
‫ّ‬ ‫يتوجه بجي�شه بعد االنتهاء من قتال‬
‫ّ‬
‫املرتدين ا ّلذين تابوا‪� ،‬أو ممّن �ساعدهم ونا�رصهم‪ ،‬على‬
‫ّ‬ ‫ي�أخذ معه � َّأي �أحدٍ من‬
‫نقاء‬ ‫لكل جندي‪ ،‬لأنه � َ‬
‫أدرك �أنّ َ‬ ‫الرغم من حاجة امل�سلمني يف ذلك الوقت ِّ‬
‫ّ‬
‫‪215‬‬

‫خري لهم من كرثة العدد املليء‬


‫اجلي�ش و�سالم َة �صفّه وامتيازه ب�صدق الإميان؛ ٌ‬
‫بال�شّ وائب‪.‬‬

‫�سبب ال ّن�رص‪ ،‬فكان يقوم‬


‫الدين الأ ّيوبي) َر ِ�ض َي اهلل عنه َ‬
‫وهكذا فهم (�صالح ِّ‬
‫جند يقومون الليل‬
‫مر بخيم ٍة فيها ٌ‬
‫جنده‪ ،‬ف�إذا َّ‬
‫ليلي ٍة يف مع�سكره يتفقّد َ‬
‫بجول ٍة ّ‬
‫ويتلون القر�آن ويلهجون بالدعاء‪�َ ،‬س ِع َد بهم وقال‪« :‬من هنا ي�أتي ال ّن�رص!»‪ ،‬و�إذا‬
‫نـد نيام‪ ،‬ت أ� ّل َـم حلالهم وقال‪« :‬من هنا ت�أتي الهزمية!»‪ .‬وقبل‬
‫ر�أى خيم ًة فيها ُج ٌ‬
‫وجهه بالترّ اب داعي ًا ر َّبه باكي ًا‬ ‫تندلع معركة ِح ّطني ب�ساعات‪ ،‬قام لي َله ّ‬
‫ومر َغ َ‬ ‫َ‬ ‫�أن‬
‫يبق �إال الإِخال ُد‬
‫ُ�رصة دينك‪ ،‬ومل َ‬
‫أر�ضية من ن ِ‬
‫«اللهم انقطعت �أ�سبابي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫بحبلك»‪.‬‬
‫�إليك‪ ،‬واالعت�صام َ‬
‫بالعدة‪ ،‬بل بالإميان ال�صادق‪ ،‬يقول [‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فالعربة �إذن لي�ست بالكرثة وال‬
‫« ُيو�شك الأُمم �أنْ تداعى عليكم كما تداعى ال َأكل ُة �إىل ق َْ�صع ِتها»‪ .‬فقال قائل‪ِ :‬‬
‫ومن‬
‫ينزعن‬
‫َّ‬ ‫ال�سيل‪ ،‬و َل‬
‫ِق ّل ٍة نحن يومئذٍ ؟ قال‪« :‬بل �أنتم يومئذٍ كثري‪ ،‬ولك ّنكم غُ ثاء كغُثا ِء َّ‬
‫الوهن»‪ ،‬فقال قائل‪:‬‬ ‫وليقذفن يف قلوبكم َ‬
‫َّ‬ ‫اهلل من �صدور عد ِّوكم املهاب َة منكم‪،‬‬
‫«حب الدنيا‪ ،‬وكراهي ُة املوت»(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ر�سول اهلل؟ قال‪:‬‬ ‫وما الوهن يا‬

‫الهزائم تتواىل‬
‫ُ‬ ‫ففي الوقت الذي بد�أ فيه الوهن ميلأ قلوب امل�سلمني‪ ،‬بد�أت‬
‫ين ا ّلذي يج�رس ّ‬
‫هو َة احل�سابات‬ ‫عم الر ّبا َّ‬
‫الد َ‬
‫وت�صبح من ن�صيبهم‪ ،‬وبد�ؤوا يفقدون ّ‬
‫خلي‬
‫خر ِل ُت َ‬ ‫َراجعات ِّ‬
‫كل ح�ضار ٍة بال َّن ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرا�شد‪« :‬وكما تبد�أ ت‬ ‫املا ّدية‪ ،‬يقول الأ�ستاذ ّ‬
‫كل دعو ٍة تُغزى‬ ‫جتعل َّ‬‫املقدم ُة ا ّلتي ُ‬
‫الفتنَ َ هي ّ‬ ‫مكانَها �إىل ح�ضار ٍة مناف�سة‪ ،‬ف�إنّ ِ‬
‫الريا�ضيات انتها ًء؛‬ ‫الدعا َة �إىل � ِ‬ ‫قر دارِ ها‪ ،‬في ِك ُل ُ‬
‫أنف�سهم‪ ،‬فيعود منطق ّ‬ ‫اهلل ّ‬ ‫َ‬ ‫يف ُع ِ‬
‫القليل على الكثري‪ ،‬بل الواحد ال ي�ساوي � اّإل الواحد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ين ين�رص‬
‫ثم َة َعونٌ ر ّبا ٌّ‬
‫لي�س ّ‬

‫‪ 1‬رواه �أحمد و�أبو داوود‪�( ،‬صحيح اجلامع ال�صغري)‪.‬‬


‫‪216‬‬

‫ثم َة ُجهد ت�ضاعفه‬


‫ومعادالت احل�ساب؛ لي�س ّ‬
‫ُ‬ ‫إح�صاءات‬
‫ُ‬ ‫اع ال‬‫وت�ضبط ال�صرّ َ‬
‫الربكة‪ ،‬وال خطوة ُيطوى لها ال ّزمن»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫وندرك كيف جرت معارك الإ�سالم‪ ،‬وما‬‫َ‬ ‫نفهم‬
‫َ‬ ‫بهذه املعادلة ميكننا �أن‬
‫�أثمرت عنه من انت�صارات‪ ،‬كما يقول الأ�ستاذ (ناجي �صبحة)‪« :‬هذا املنطق‬
‫ذكره القر�آنُ الكرمي»(‪.)2‬‬
‫إ�سالمي كما َ‬
‫ِّ‬ ‫ركن ها ٌّم من �أركان ال ّتف�سري ال‬
‫نعلم �أنه ٌ‬
‫أرواحهم‬
‫وقدموا � َ‬
‫املكا�سب املا ّدية‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫�إذاً؛ عندما � َ‬
‫أ�سقط امل�سلمون يف جهادهم‬
‫و�ضحوا ب�أموالهم وممتلكاتهم دون �أن ينتظروا املقابل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫رخي�ص ًة يف �سبيل ر ِّبهم‪،‬‬
‫ال�صعوبات‪ ،‬و� َ‬
‫أزال‬ ‫� َ‬
‫أ�سقط اهلل احل�سابات املا ّدية من �أر�ض املعركة‪ ،‬فذ َّل َ‬
‫ـل لهم ُّ‬
‫و�ضعف‬
‫ِ‬ ‫�رص حليفَهم‪ ،‬على الرغم من ق ّل ِة عددهم‬
‫من �أمامهم العقَبات‪ ،‬فكان ال ّن ُ‬
‫�إمكاناتهم‪.‬‬

‫***‬

‫الرا�شد‪.‬‬
‫‪�( 1‬صناعة احلياة)‪� ،‬أ‪.‬حممد �أحمد ّ‬
‫‪�( 2‬صفحات من ال ّتاريخ الإ�سالمي)‪� ،‬أ‪.‬ناجي �صبحة‪.‬‬
‫‪217‬‬

‫ُ‬
‫�صفات‬
‫الع�صابات الناجح‬
‫رجل ِ‬
218
‫‪219‬‬

‫�صفات رجل الع�صابات الناجح‬

‫املرهقة للج�سد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وري من الأعمال ال�شاق ِّة على ال ّنف�س‪،‬‬
‫اجلهادي وال ّث ُّ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫العمل‬ ‫ُيـ َع ُّـد‬
‫رب الع ّزة يف كتابه الكرمي‪} :‬ﭑﭒ‬ ‫ا َ‬
‫خل ِط َرة على كل �صعيد‪ ،‬ولذا قال عنه ُّ‬
‫ﭓﭔ ﭕ ﭖ{ [البقرة‪.]٢١٦:‬‬

‫م�ضحيةً‪ ،‬وقلب ًا حديد ّي ًا‪ ،‬و�إن�سان ًا‬


‫ِّ‬ ‫وهذه اخلطورة وامل�شقّة ت�ستدعي نف�س ًا‬
‫ال�صفات ما يجعله م� َّؤه ً‬
‫ال للقيام بهذا العمل‪ ،‬قادراً على النجاح‬ ‫يحمل من ّ‬
‫تقاع�س �أو َخور‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫و�إجناز مها ِّمه دون َك ٍ‬
‫لل �أو‬

‫نف�سه‪:‬‬
‫ويف هذا الباب‪ ،‬ن�ستعر�ض بع�ضاً من تلك ال�صفات التي يحتاجها املجاهد ُ‬
‫‪ -‬م�ؤمن بربِّه‪ ،‬خمل�ص يف عمله‪ ،‬يحمل بني جوانحه �إميان ًا عميق ًا‪ ،‬وروحانية‬
‫رهفة‪ ،‬والتزام ًا ب�رشع اهلل‪ ،‬وبعداً عن املعا�صي‪ .‬لأنه �إنِ التز َم كان بعيداً عن‬
‫ُم َ‬
‫ال�سلبية يف املمار�سات‪ ،‬متج ِّنب ًا للتباهي والتفاخر الذي ي�صيب ال ّثائر يف مقتل‪،‬‬
‫ّ‬
‫متفاني ًا يف �إجناز عمله‪ ،‬باذ ًال اجلهد يف �إتقانه‪.‬‬

‫وعر�ضه وم�سلوباته‪ ،‬يبذل‬ ‫‪ -‬م�ؤمن بعدالة ق�ضيّته‪ ،‬و�رضورة ِّ‬


‫الدفاع عن �أر�ضه ِ‬

‫ك َّل ّيته يف �سبيل ر ِّبه ودفاع ًا عن ّ‬


‫ق�ضيته‪ ،‬فيعطي وق َته لها‪ .‬وهذا الإميان يجعل‬
‫وي�ضحي دون انتظارٍ للنتائج والأرباح‪ ،‬يعطي دون‬
‫ِّ‬ ‫املجاهد يقاوم بغري ح�ساب‪،‬‬
‫َ‬
‫‪220‬‬

‫ني‬
‫جراء عمله هذا(‪ ،)1‬كما �أنّ هذا اليق َ‬
‫طلب‪ ،‬وال يبايل بفداحة ال َّثمن الذي يدفعه ّ‬
‫مهمته؛ فال يقبل‬
‫و�سمو وكرامة ّ‬
‫ّ‬ ‫أخالقية هدفه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ب�صدقية و�‬
‫ّ‬ ‫يوفّر له القناع َة املطلقة‬
‫ال ّت�شكيك‪ ،‬وال يت�أ ّثر مبحاوالت ال ّت�أثري امل�ضا ّد‪� ،‬أو الإ�سقاط يف �رشك اخليانة‪.‬‬

‫‪ -‬يتح ّلى بالأخالق الكرمية الفا�ضلة‪ ،‬ويعامل النا�س باحرتام‪ ،‬ويرتك يف‬
‫التم�سك بفكرته‪ ،‬والدفاع عنه‪ ،‬والوقوف معه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نفو�سهم �أ َثراً ّ‬
‫طيب ًا يدفعهم �إىل‬
‫التذمر من تبعات ذلك‪ .‬فالأخالق الفا�ضلة هي مفتاح‬
‫ّ‬ ‫والت�سابق خلدمته دون‬
‫النجاح مع النا�س‪ ،‬و(اجلاريال) كما �أ�سلفْنا تعتمد على ال�شعب يف وجودها‪،‬‬
‫ن�صريها واحلامي لها‪.‬‬
‫َ‬ ‫تك�سبه ل�صفِّها ليكونَ‬
‫َ‬ ‫وعليها �أن‬

‫‪ -‬ال�رسِّية والكِ تمان‪ ،‬فذلك ما يحفظ احلرك َة من االنهيار‪ ،‬والثور َة من‬


‫االنك�سار‪ ،‬واملعلوم َة من االنت�شار والوقوع بيد العدو‪ .‬وقد ُر ِو َي عنه [ �أنه‬
‫أ�سا�سيات العمل‬
‫بالكتمان» ‪ .‬ف�إن من � ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حوائجكم ِ‬
‫ِ‬ ‫قال‪« :‬ا�ستعينوا على ق�ضاء‬
‫أمني والع�سكري عموم ًا؛ �ضمان �أعلى قدر من ال�رسِّية‪ ،‬وال نعتقد �أنّ ِ�سم ًة‬
‫ال ّ‬
‫والتوكل عليه �أكرث من هذه‪ ،‬وال نن�سى �أن ال ّت َ‬
‫فريط‬ ‫ّ‬ ‫يحتاجها املجاهد بعد تقوى اهلل‬
‫ني ثمن ًا باهظ ًا قد يكون � َ‬
‫أرواحهم‪،‬‬ ‫املخفي منها‪ ،‬يك ِّلف العام ِل َ‬
‫ِّ‬ ‫إف�شاء‬
‫باملعلومة و� َ‬
‫ف�شل‬ ‫�أو على الأقل �سنوات طويلة من الأَ�سرْ ‪ ،‬فما من ّ‬
‫عملي ِة اغتيالٍ �أو اعتقالٍ �أو ِ‬
‫فرطت املقاوم ُة بها‪.‬‬
‫مهم ٍة جهاد ّي ٍة �إال و�سبقَتها معلوم ٌة ّ‬
‫ّ‬
‫والتعرف على �أ�ساليب العدو يف‬
‫ّ‬ ‫ال�صعيد الأمني‪،‬‬
‫‪ -‬متابعة ما ي�ستج ّد على ّ‬
‫ّ‬
‫واالطالع على درا�سات‬ ‫املتابعة واالعتقال واالغتيال والإ�سقاط وال ّتحقيق‪،‬‬

‫تنجح الفكر ُة �إذا ق َِو َي الإميانُ بها‪ ،‬وتوفّر الإخال�ص يف �سبيلها‪،‬‬


‫ُ‬ ‫‪ 1‬يقول الإمام الب ّنا يف جمموعة ر�سائله‪�« :‬إمنا‬
‫ووجد اال�ستعداد الّذي يحمل على الت�ضحية والعمل لتحقيقها»‪.‬‬ ‫وازدادت احلما�سة لها‪ُ ،‬‬
‫غري �أنه �صحيح من حيث التجربة‪ .‬و ُي َ‬
‫نظر يف تخريجه‪( :‬املقا�صد احل�سنة)‬ ‫‪ُ 2‬روي من عدة طرق �أكرثها �ضعيف‪َ ،‬‬
‫لل�سخاوي‪.‬‬
‫‪221‬‬

‫الع على �أ�ساليب العدو يف االغتيال واالعتقال؛‬ ‫ّ‬


‫فاالط ُ‬ ‫متخ�صِّ �صة يف ِّ‬
‫كل عنوان‪.‬‬
‫وكيفية انتزاع‬
‫ّ‬ ‫ال�سقوط فيها‪ ،‬واملعرف ُة ب�أ�ساليب ال ّتحقيق‬
‫يقي املطارد من ّ‬
‫املعلومات من �صدور الرجال؛ ي�ساعد الأ�سري على االحتفاظ مبعلومته التي‬
‫جمرد ّ‬
‫االطالع على مثل هذه‬ ‫وت�رض حرك َته و�إخوانَه‪ .‬ونقول‪� :‬إنه ال يكفي ّ‬
‫ُّ‬ ‫ت�رضه‬
‫ّ‬
‫ي�ستجد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واالطالع على ما‬ ‫الدرا�سات‪ ،‬بل اال�ستفا�ضة يف درا�ستها والبحث فيها‬
‫حولها با�ستمرار‪.‬‬

‫مهتم ب�إعداد ج�سمه‪ ،‬وبنائه البناء‬


‫ٌّ‬ ‫فرج ُل الع�صابات‬
‫ين‪َ ،‬‬ ‫‪ -‬الإعداد البَـ َد ّ‬
‫ال‪ ،‬ويعمل‬ ‫ال‪ ،‬كالتدخني مث ً‬
‫ال�سليم‪ ،‬فيتج ّنب ما ي�ؤذيه �أو يجعله �ضعيف ًا خام ً‬
‫بتوا�صل على تقوية ج�سمه ومترينه ليكون َم ِرنَ احلركة‪ ،‬قادراً على ّ‬
‫حتمل الأعباء‬ ‫ٍ‬
‫ؤمن‬
‫هلل من امل� ِ‬
‫أحب �إىل ا ِ‬
‫خري و� ُّ‬
‫القوي ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ؤمن‬ ‫ّ‬
‫وامل�شاق‪ ،‬ويف ذلك يقول [‪« :‬امل� ُ‬
‫اجل�سد قو ّي ًا‪ ،‬كان قادراً على �إجناز ّ‬
‫مهامه‬ ‫ُ‬ ‫كل خري»(‪ .)1‬فك ّلما كان‬
‫ال�ضعيف‪ ،‬ويف ٍّ‬
‫ّ‬
‫وحتمل �أعباء املقاومة‪ ،‬وكلما كانت ُبنيته خالي ًة من الإعاقات والأمرا�ض‪ ،‬ف�إنه‬
‫ّ‬
‫يتعر�ض له �أثناء �أ�رسه‪ ،‬وبالتايل يحفظ‬ ‫يكون قادراً على ّ‬
‫حتمل �أمل التحقيق الذي قد ّ‬
‫و�رس حركته‪.‬‬
‫�رسه َّ‬
‫َّ‬
‫وهمـ ًة َع َّليـة‪ ،‬ف�إنه يكون قادراً على‬
‫املجاهد ُبني ًة قويّ ًة ّ‬
‫ُ‬ ‫وكذلك ف�إنه ك ّلما مت ّل َك‬
‫حد ٍث كان املجاهد‬
‫يتعر�ض لها‪ ،‬فكم من َ‬
‫اخلروج من م�آزق يقع فيها‪ ،‬وخماطر ّ‬
‫وقوة ُبني ِته بعد‬
‫وهمته ّ‬
‫فيه على �شفا ال�شّ هادة �أو االعتقال‪� ،‬أخرج ْته منه خ�شون ُته ّ‬
‫ُلطف اهلل‪ ،‬فكم مر ًة كان اجلنود على ُبعد �أمتار من القائد (ن�رص الدين ع�صيدة)‬
‫وتكرر‬ ‫حتمله ّ‬
‫مكن ْته من اخلروج �سامل ًا(‪،)2‬‬ ‫وقو َة ّ‬ ‫َ‬
‫طول نف َِ�سه ّ‬ ‫يحا�رصونه‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬
‫‪ 1‬رواه م�سلم‪.‬‬
‫ات كبرية‪ ،‬فاختب أ� �أ�سفل‬
‫قو ٌ‬
‫طوقته ّ‬
‫متك َن املجاهد (ن�رص الدين) من الإفالت من بني يدي جي�ش االحتالل بعد �أن َّ‬ ‫‪ّ 2‬‬
‫ال حتى ابتعد اجلي�ش عن املنطقة‪ ،‬فا�ستطاع االن�سحاب بف�ضل اهلل‪.‬‬‫و�ضعيته يوم ًا كام ً‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫وا�ستمر‬
‫ّ‬ ‫ب‪،‬‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫حزمة‬
‫وجنا ثاني ًة باختفائه داخل برميل �صغري‪ ،‬وثالث ًة باختبائه يف حاووز ماء‪.‬‬
‫‪222‬‬

‫ذلك مع املجاهد ال�شهيد (�إبراهيم �سالمة) و(علي عا�صي)‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ع�رشات‬
‫الق�ص�ص مع جماهدين �آخرين‪.‬‬

‫ال�سوي‬
‫ِّ‬ ‫قو َة اجل�سم و�سالم َة ُ‬
‫البنية تكون �أكمل باختيار الأخ‬ ‫ويالحظ �أنّ ّ‬
‫�أو ًال‪ ،‬ثم العمل على �إعداد هذا اجل�سم وتدريبه مبا يلزم من دورات و�ألعاب‬
‫ّ‬
‫املحك احلقيقي‪،‬‬ ‫عملية ت�ضعه على‬
‫ّ‬ ‫قوى‪ ،‬ثم �إخ�ضاعه �إىل امتحانات وجتارب‬
‫وت�سرب غَ وره وقدراته وجاهز ّيته ملا َّ‬
‫تدر َب عليه‪.‬‬

‫‪ -‬يتقن ا�ستخدام �أنواع عديدة من ال�سالح‪ ،‬ب�إتقان ّ‬


‫الرمي بها وتفكيكها‬
‫بد‬
‫العامة‪ ،‬ال َّ‬
‫وتنظيفها‪ ،‬والطريقة الأمثل يف ا�ستخدامها وتخزينها‪ ،‬ومع معرفته ّ‬
‫اخلربة‬
‫التدر َب عليه حتى يبلغَ مرحل َة ِ‬
‫بنوع من ال�سالح‪ ،‬يواظب ّ‬
‫�ص ٍ‬ ‫تخ�ص ٍ‬
‫له من ُّ‬
‫التي ال يكاد يخالطها خط�أ‪.‬‬

‫�إنّ �إتقان التعامل مع ال�سالح؛ يجعل املقاوم ي�شعر بدرج ٍة �أعلى من االطمئنان‪،‬‬
‫طارئ جديد‪ ،‬واخلروج من � ِّأي م�أزق قد‬
‫ٍ‬ ‫مهيئ ًا ل�رسعة اال�ستجابة ل ِّأي‬
‫ويجعله َّ‬
‫يقع فيه(‪.)1‬‬

‫ُ‬
‫املقاتل‬ ‫خا�صة‪ ،‬فك ّلما � َ‬
‫أتقن‬ ‫أهمي ٍة ّ‬
‫أمر ذو � ّ‬
‫‪ -‬يتقن العديد من املهارات‪ ،‬وهو � ٌ‬
‫أقرب �إىل حتقيق درجة املقاتل املثا ّ‬
‫يل‪ ،‬وبالإ�ضافة �إىل مهارة‬ ‫مهارات �إ�ضافيةً؛ كان � َ‬
‫ٍ‬
‫�إتقان التعامل مع ال�سالح‪ ،‬هناك مهارات �أخرى يحتاجها املجاهد‪ ،‬منها‪:‬‬

‫عدة �أنواع من املركبات‪.‬‬


‫ال�سياقة مبهار ٍة و�سرُ عة‪ ،‬وعلى ّ‬
‫ِّ‬
‫وكيفية �إخالئهم من �أر�ض املعركة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الإ�سعاف الأو ّ‬
‫يل‪ ،‬ومعاجلة اجلرحى‪،‬‬

‫ال�سالح الر�شّ ا�ش‪ ،‬فبعد �أن �أطلق ال ّن َار من‬


‫كيفية ا�ستخدام ّ‬
‫وقع املجاهد (�سلطان العجلوين) يف الأ�سرْ لعدم معرفته ّ‬ ‫‪َ 1‬‬
‫يتمكن من ذلك‪،‬‬ ‫بندقية (‪ )M16‬وحاول ا�ستخدامها‪ ،‬لكنه مل ّ‬ ‫ال‪َ � ،‬‬
‫أخذ ّ‬ ‫ال�صهيوين و�أرداه قتي ً‬
‫م�سد�سه نحو اجلندي ّ‬
‫ّ‬
‫فهجم عليه اجلنود واعتقلوه دون �أن ّ‬
‫يتمك َن من �إحداث ر ّدة فعل‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪223‬‬

‫الذات �إنْ َل ِز َم الأمر‪ ،‬فقد‬


‫اال�صطناعي‪ ،‬ومعاجلة ّ‬
‫ّ‬ ‫وا�ستخدام ا ُ‬
‫حلـقَن والتنفّ�س‬
‫املعركة ملعرف ِتهم بهذا‬
‫ِ‬ ‫أر�ض‬
‫واالن�سحاب من � ِ‬
‫َ‬ ‫ا�ستطاع املجاهدون ِمراراً ال ّنجا َة‬
‫العلم‪ ،‬ومن ذلك ما كان يف عملية اختطاف اجلندي (يورن)(‪.)1‬‬

‫‪ -‬بع�ض املهارات البَـ َدنيّـة؛ مثل اقتحام املواقع‪ ،‬واخرتاق احلدود‪ ،‬وت�س ّلق‬
‫وال�س َهر املتوا�صل‪،‬‬
‫وق�ص الأ�سالك ال�شّ ائكة‪ ،‬وجتاوز حقول الألغام‪ّ ،‬‬
‫اجلدران‪ّ ،‬‬
‫ملدة طويلة‪.‬‬
‫الر�صد والترّ كيز ّ‬
‫والليلية‪ ،‬والقدرة على ّ‬
‫ّ‬ ‫والدقّة يف املراقبة النهار ّية‬

‫‪ -‬القدرة على ا�ستخدام بع�ض امل�ساعدات؛ كالبو�صلة‪ ،‬ومهارات ا�ستخدام‬


‫الدقيقة‪ ،‬والكمبيوتر‬ ‫(احلبل)‪ ،‬واملناظري الّ ّ‬
‫ليلية وال ّنهار ّية‪ ،‬و�أجهزة االت�صال ّ‬
‫مهامه والقيام بواجباته‪.‬‬ ‫والإنرتنت‪ّ ،‬‬
‫وكل ما من �ش�أنه م�ساعدة املقاتل يف �إنفاذ ّ‬
‫اخلا�صة بالعمل ال�رسِّي وحرب الع�صابات‪ ،‬مثل و�سائل‬
‫‪ -‬املعرفة ببع�ض املهارات ّ‬
‫اخلفية)‪ .‬ويالحظ �أن هذه‬ ‫ّ‬ ‫واحلرب ال�رسِّي‪ ،‬واملرا�سالت‬
‫االت�صاالت (ال ّت�شفري ِ‬
‫ميداني ًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عملي ًا‬
‫ّ‬ ‫املهارات وغريها حتتاج بالإ�ضافة �إىل التدريب ال ّن َظري‪ ،‬تدريب ًا‬
‫حقيقية‪ ،‬ت�صل باملجاهد �إىل درج ٍة عالي ٍة من الإتقان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و�إجراء مترينات ِ�شبه‬

‫يا�سي ما يجعله قادراً على اختيار املكان والزمان والآلـيّـة‬


‫ال�س ِّ‬ ‫الوعي ّ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬لديه من‬
‫ائر بغري ح�ساب‪،‬‬ ‫َ‬
‫يعمل ال ّث ُ‬ ‫مهم ٍة قتاليّة‪ ،‬فمن غري الّالئق �أن‬
‫املنا�سبة عند �إنفاذ � ِّأي ّ‬
‫فيتعار�ض عمله مع امل�صلحة العامة‪� ،‬أو يتناق�ض مع ما تطرحه حركته‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬
‫خ�ضم العمل الع�سكري‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫�أن التوا�صل بني �أطراف العمل الثوري يكون �صعب ًا يف‬
‫ّ‬
‫متقطعة‪ ،‬فالعاملون كثرياً ما يكونون‬ ‫وخطوط االرتباط بالقيادة قد تكون‬
‫َ‬
‫�ضابط‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬فال جتد‬
‫ّ‬ ‫مطاردين‪ ،‬وبالتايل فاملجموعات قد تُعزل عن قيادتها‬

‫‪� 1‬أُ�صيب املجاهد (تي�سري �سليمان) �أثناء عملية خطف اجلندي (يرون) بر�صا�ص ٍة يف فَخذه‪ ،‬فا�ستخدم ما تع ّلمه من‬
‫عملية اخلطف بنجاح‪.‬‬
‫نف�سه‪ ،‬ثم تابع مع �إخوانه ّ‬
‫يل يف عالج ِ‬‫إ�سعاف �أو ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫�‬
‫‪224‬‬

‫اتّ�صال‪ ،‬عندئذٍ نحتاج �إىل االجتهاد‪ ،‬ومن ميلك وعي ًا �سيا�سي ًا ي�ستطيع تقدير‬
‫�صوابية العمل �أو خطئه‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬احلالة النف�سيّة العالية‪ ،‬والتي يجب على املقاتل �أن يتح ّلى بها كلَّ حني‪ ،‬فالعامل‬
‫أهم و�سائل احل�سم يف (اجلاريال)‪ ،‬وكلما ارتفعت معنويات‬
‫ف�سي هو �أحد � ّ‬
‫ال ّن ُّ‬
‫املقاتل؛ ازدا َد اندفاع ًا وعطا ًء و�إ�رصاراً على موا�صلة الطريق مهما ارتفع الثمن‪.‬‬

‫بال�صدمات‪ ،‬وال جتنب‬


‫بنف�سي ٍة قو ّي ٍة ال تهت ّز ّ‬
‫ّ‬ ‫نعم! �إنّ على املقاتل �أن يتح ّلى‬
‫نف�س مليئ ٌة بالإميان واليقني‬
‫ال�صعوبات‪ ،‬فهي ٌ‬ ‫مع املخاطر‪ ،‬وال ي�صيبها ا َ‬
‫خلور مع ّ‬
‫نف�سي ٌة ثائر ٌة مقاتل ٌة �شرَ َِ�س ٌة على عد ِّوها‪ ،‬جريئ ٌة‬
‫ّ‬ ‫الذي يحميها من ِّ‬
‫كل ذلك‪ ،‬وهي‬
‫م�ستعد ٌة لل�صمود حتى القطرة الأخرية من َد ِمها‪ ،‬وهي متلك من‬
‫ّ‬ ‫جهادها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يف‬
‫الرحمة جتاه �أبناء �شعبها ما يجعلها حتنو عليهم‪ ،‬ومتتنع عن �إيذائهم‪ ،‬تتم ّتع برباطة‬
‫ّ‬
‫الت�رصف بحكم ٍة يف �أحلك الظروف‪ ،‬فال ت�ضطرب �أو‬ ‫ّ‬ ‫اجل�أ�ش التي ّ‬
‫متكنها من‬
‫فتتقدم �إىل حيث يوجد هدفها الذي ميكن �رضبه‪،‬‬ ‫حتب املغامر َة دون ّ‬
‫تهور‪ّ ،‬‬ ‫تهلع‪ُّ ،‬‬
‫�رضب من االنتحار‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وتحُ جم حني ترى �أن ّ‬
‫التقد َم‬

‫�ضدها‪ ،‬وال تبايل مبا‬


‫العدو َّ‬
‫ُّ‬ ‫نف�س ال تت أ� ّثر باحلرب النف�سية التي ي�ش ّنها‬
‫وهي ٌ‬
‫قة بر ِّبها‪ ،‬واالطمئنانِ لقادتها‬
‫يب ّثه �إِعالمه امل�سموم و�أل�سنته الكاذبة‪ ،‬فهي دائم ُة ال ِّث ِ‬
‫جندي بغري طاعة؟!‬
‫ٍّ‬ ‫الـمب صرِ� ة‪ ،‬وهل من‬
‫أمورها‪ ،‬فتلتزم الطاع َة ُ‬
‫ت�سي � َ‬
‫التي رِّ‬
‫‪ -‬ميتلك عقليّ ًة خلاّ ق ًة ُمبتكرة‪ ،‬وذهنيّ ًة متيقّظ ًة متَّقدة‪ ،‬في�ضع احللول‬
‫التبعية وال ّتقليد‪ ،‬يح�سب خطواته جيداً‪ ،‬ويدر�س ِّ‬
‫ويقيم‬ ‫للمع�ضالت‪ ،‬ويبتعد عن ّ‬
‫نتائجها فيما هو �آت‪.‬‬
‫ف َ‬ ‫ما �سبق من �أحداث ِّ‬
‫ليوظ َ‬

‫بعقلية‬ ‫لديه قدرة على ا�ستيعاب اجلديد‪ ،‬وتطوير ما ميلك من �أ�ساليب‪ّ ،‬‬
‫فيفكر ّ‬
‫‪225‬‬

‫اخل�صم‪ ،‬وي�ضع نف�سه مكان عد ِّوه‪ ،‬ويح�سب ما ميكن �أن يفع َله‪ ،‬وهذا يحتاج �إىل‬
‫الع على ثقافة اخل�صم‪ .‬هذا الأ�سلوب‬ ‫ِ�س َع ِة ُ�أفق و�إبحار يف اخليال‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ّ‬
‫اط ٍ‬
‫عدوه‪ ،‬وما هي‬
‫قدم عليه ُّ‬
‫�سي ِ‬ ‫هو الذي يجعل رجل الع�صابات قادراً على ُّ‬
‫التنب�ؤِ مبا ُ‬
‫ال ّثغرات التي يحاول ال َّنفا َذ عربها؟ وبالتايل َي ُ�س ّد هذه الثغرات‪ ،‬ويغلق �أبواب‬
‫اخلط أ� املحتمل الذي تُبنى عليه �أ�سو�أ االحتماالت(‪.)1‬‬

‫‪ -‬املعرفة الكاملة بت�ضاري�س املنطقة التي ت�شمل حدو َد عمله‪ ،‬و� َ‬


‫أماكن اختفائه‬
‫وفره‪ ،‬ومعرفة طبيعة �أر�ض املعركة التي يخو�ضها‪ ،‬وك ّلما كانت معرفته‬
‫وكره ِّ‬
‫ِّ‬
‫�أكمل‪ ،‬كانت نتيجتها �أف�ضل‪ ،‬و�إن هذه املعرفة حتميه من الوقوع بيد عد ِّوه‪،‬‬
‫الت�رصف ب�شكل �سليم حال‬
‫ّ‬ ‫ومهامه بنجاح‪ ،‬وتتيح له‬
‫ّ‬ ‫عملياته‬
‫ّ‬ ‫وتُعينه يف �إنفاذ‬
‫حدوث � ِّأي طارئ‪.‬‬

‫�إ�ضاف ًة �إىل ذلك‪ ،‬فهو مطا َل ٌ‬


‫ب مبعرف ٍة ن�سبي ٍة بعموم بالده ومناطقها‪ ،‬وما حتويه‬
‫ومع�سكرات العد ِّو وم�ستوطنا ِته‪،‬‬
‫ِ‬ ‫من �سهولٍ وجبالٍ ووديانٍ ومدنٍ وقُرى‪،‬‬
‫ومناطق َ‬
‫اخلطر التي يتواجد فيها‪ ،‬و�أماكن وفرة املياه �أو انعدامها‪ ،‬وكل ما‬
‫من �ش�أنه �إر�شاده �إىل اختيار املوقع الأمثل لإقامته‪ ،‬والهدف الأمثل ملهاجمته‪،‬‬
‫والطريق الأمثل ل�سلوكه‪ ،‬وامللج�أ الأح�صن لاللتجاء �إليه‪.‬‬

‫كرهم»(‪،)2‬‬ ‫‪� -‬إتقان لغة العدو‪ ،‬حيث ُر ِو َي‪َ « :‬من تع َّل َم لغ َة ٍ َ‬


‫قوم �أ ِم َن َم َ‬
‫عدة جماالت‪ ،‬فهو يفتح عليه باب ًا وا�سع ًا‬ ‫العربية يخدمه يف ّ‬ ‫فمعرف ُة املجاهد ل ّل ِ‬
‫غة ِ‬
‫حتركا ِته واملعلومات‬
‫لفهم طبيعة عد ِّوه وعاداته وممار�ساته‪ ،‬ويك�شف له الكثري من ّ‬

‫رين وجمازِ فني؛ فاملد ِّبرونَ يتولّون ال ّتحليل املايل و�ش�ؤون العاملني التي‬
‫املفكر (بيرت دركر)‪« :‬نحن بحاجة �إىل مد ِّب َ‬ ‫‪ 1‬يقول ِّ‬
‫تقيدهم احلقائق‪ ،‬وينظرون �إىل امل�ستقبل‬ ‫ني فهم �أ�صحاب اخليال اجلامح ا ّلذين ال ّ‬ ‫حتتاج �إىل درا�سة وحتليل‪� ،‬أما املجازِ ف َ‬
‫نظر ًة � ّ‬
‫إبداعية»‪.‬‬
‫قول �صحيح و�إن مل يثبت حديث ًا نبوياً‪.‬‬ ‫‪ٌ 2‬‬
‫‪226‬‬

‫املفيدة عنه عرب �إعالمه‪ ،‬ويعينه يف التخفّي �إن كان مطارداً‪ ،‬وال ّتمويه على نف�سه‬
‫عمليات‬
‫ّ‬ ‫واخلروج من امل�آزق‪ ،‬وي�ساعده يف تنفيذ بع�ض �أعماله‪ ،‬وعلى ر�أ�سها‬
‫العمليات اال�ست�شهاد ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اخلطف وبع�ض‬

‫فكم من عملي ٍة جهادي ٍة ُك ِت َب لها النجاح بف�ضل هذه ال�سمة‪ ،‬وكم من ّ‬


‫عملي ٍة‬
‫ف�شلت ومل حتق ِّْق �أهدافَها املر�سوم َة �أو جزءاً منها لعدم توفّرها‪ ،‬فقد كان املجاهد‬
‫العربية �أوق َعه‬
‫لعملي ٍة كبرية‪� ،‬إال �أنّ عد َم معرف ِته باللغة ِ‬
‫ّ‬ ‫نف�سه‬
‫(حممد ب�شارات) ُي ِع ُّد َ‬
‫اجلندي الذي‬
‫ِّ‬ ‫الك�شف عن حقيقة نف�سه‪ ،‬وق ْت ِل‬
‫ِ‬ ‫ا�ضطره �إىل‬
‫ّ‬ ‫أزق خطري‪،‬‬
‫يف م� ٍ‬
‫حاول حمادث َته‪ ،‬فلم يحق ّْق كامل هدفه‪ .‬وكذا ال�شهيد البطل (ف�ؤاد القوا�سمة)‪،‬‬
‫بزي متديِّ ٍن‬ ‫�صهيونية وهو ِّ‬
‫متنك ٌر ِّ‬ ‫ّ‬ ‫متوجه ًا لتفجري نف�سه داخل مغت�صبة‬
‫ِّ‬ ‫كان‬
‫حاجز ع�سكري‪ ،‬لأنه مل ّ‬
‫يتمكن من الإجابة‬ ‫ٍ‬ ‫فا�ضطر لتفجري نف�سه على‬ ‫يهودي‪،‬‬
‫َّ‬
‫بالعربية‪.‬‬
‫حتدثوا معه ِ‬
‫على اجلنود الذين ّ‬

‫جندي يف جي�ش الإ�سالم‪ ،‬وك ّلما‬


‫ٌّ‬ ‫�أخـــرياً‪ ،‬ف�إنّ رجل الع�صابات املجاهد‬
‫مهمته‪ ،‬وال ّتنكيل بعد ِّوه‪.‬‬
‫�صفات �أكمل‪ ،‬كان �أقرب �إىل النجاح يف ّ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ملك‬

‫لكل ناظر؛ �أن املقاتل الفل�سطيني ال ي�أخذ ّ‬


‫حظ ًا وافراً من‬ ‫و�إنّ من الوا�ضح ِّ‬
‫هني قبل انخراطه يف العمل ال ِّن�ضايل‪ ،‬الأمر الذي يق ّلل من‬ ‫ين ِّ‬
‫والذ ِّ‬ ‫البد ِّ‬
‫الإعداد َ‬
‫خارج عن‬
‫ٌ‬ ‫أ�سباب عديدة‪ ،‬منها ما هو‬
‫ويحد من جناحاته‪ ،‬ولهذا اخللل � ٌ‬
‫ُّ‬ ‫كفاءته‪،‬‬
‫�إرادة املقاومة‪ ،‬ومنها ما ميكن �أن ن�ص ّنفه يف دائرة الق�صور‪ ،‬وجتربة قطاع غزة‬
‫لقدمت الكثري‪.‬‬
‫ت�شري �إىل �أن املقاومة لو ملكت الفر�صة والإمكانات ّ‬
‫‪227‬‬

‫ِمن عوامل النجاح‬


228
‫‪229‬‬

‫من عوامل النجاح‬

‫اخللية املجاهدة واملجموعة املقاومة قدراً �أكرب من النجاح‪،‬‬


‫ّ‬ ‫لكي حتق َِّق‬
‫اعتبارات ومالحظات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بجملة‬
‫ِ‬ ‫أخذ‬
‫إجراءات وال ِ‬
‫ٍ‬ ‫�سل�سلة �‬
‫ِ‬ ‫بد لها من اتّباع‬ ‫ال َّ‬
‫�سبق احلديث عنه من معوِّ قات‪ ،‬وتُعني على جت ُّن ِب ما ذكرناه من �أخطاء‬
‫تعالج ما َ‬
‫ّ‬
‫فتوظفها توظيف ًا �سليم ًا‪،‬‬ ‫و�سقطات‪ ،‬وت�ستثمر ما فات من جتارب وخربات‪،‬‬
‫وجتني �أطيب ال ّثمار‪.‬‬

‫و�إنّ الأخذ بهذه املالحظات‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل القواعد العامة حلرب الع�صابات‪،‬‬
‫هو ما ي�ؤ ّدي �إىل حتقيق قدر �أعلى من الإجناز والنجاح ب�إذن اهلل‪ ،‬ومن هذه‬
‫املالحظات‪:‬‬

‫والت�رضع �إليه‪ ،‬واالبتهال‬


‫ّ‬ ‫‪1‬ـ التو ّكل على اهلل قبل الإعداد و�أثناءه وبعده‪:‬‬
‫املي�س وامل�س ِّهل‪ ،‬وهو‬
‫وال�سداد والن�رص‪ ،‬فهو رِّ‬
‫وااللتجاء بالدعاء‪ ،‬و�س�ؤاله التوفيق َّ‬
‫املقدر للأمور ك ِّلها‪ ،‬خريِها و�رشِّها‪ ،‬فمن كان مع اهلل كان اهلل معه‪َ } ،‬و َم ْن َي َت َو َّك ْل‬‫ِّ‬
‫َع َلى َهّ ِ‬
‫الل ف َُه َو َح ْ�س ُب ُه{ [الطالق‪.]٣:‬‬

‫بد من الف�صل وال ّتمييز بني ّ‬


‫التوكل على اهلل‪ ،‬وبني ال ّتواكل املذموم‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬ال َّ‬
‫فالتوكل �شعور القلب واطمئنان النف�س‪ ،‬وا�ستقرار العقل‪ ،‬ي�صاحبه � ٌ‬
‫أخذ‬
‫و�سعي‬
‫ٌ‬ ‫لكل االحتماالت‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وبذل للجهد‪ ،‬وا�ستعدا ٌد ِّ‬ ‫ٌ‬
‫وعمل باجلوارح‬ ‫بالأ�سباب‬
‫‪230‬‬

‫أمر به‬
‫ؤوب يف �سبيل توفري �أ�سباب النجاح وجت ُّن ِب عوامل الف�شل‪ ،‬وهو عني ما � َ‬
‫د� ٌ‬
‫دي ُننا احلنيف‪ ،‬و�سار عليه ر�سولنا الكرمي [‪.‬‬

‫لقد �أخذ ر�سول اهلل [ بتجميع �أ�سباب الن�رص‪ ،‬ومار�س مبادئ احلرب‪،‬‬
‫نبي ُم ٌ‬
‫ر�سل يتن ّزل عليه الوحي‬ ‫واجتهد يف احليطة واحلذر واال�ستعداد‪ ،‬رغم �أنه ٌّ‬
‫حفظ ًا وتوجيه ًا وب�شارة‪ ،‬وهذا البذل كان �سبب ًا يف ن�رصه على �أعدائه‪ ،‬ودر�س ًا‬
‫للعاملني من بعده‪ .‬هكذا كان حاله [ يف هجرته‪ ،‬وهو د�أبه يف جميع غزواته‬
‫وو�صيته لقادة جنده وجماهدي كتائبه و�رساياه التي جابت اجلزيرة‬
‫ّ‬ ‫وحروبه‪،‬‬
‫العربية ط ً‬
‫وال وعر�ض ًا‪.‬‬

‫‪2‬ـ التخطيط املتوا�صل‪ ،‬واالهتمام بال ّتحديد اال�سرتاتيجي وال ّتكتيكي‪،‬‬


‫بع�شوائي ٍة تقود �إىل املجهول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و�أدوات ٍّ‬
‫كل منها‪ ،‬وعدم ترك العمل ي�سري‬

‫اجلزئيات واملهمات ال ّآنية‪ ،‬كما‬


‫ّ‬ ‫والتخطيط ي�شمل املدى الق�صري؛ بر�سم‬
‫ي�شمل املدى البعيد‪ ،‬وما يجب �أن يكون عليه احلال‪ ،‬فهو نظر ٌة �إىل امل�ستقبل‪،‬‬
‫مبا�رشة العمل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بلحظة‬
‫ِ‬ ‫واهتما ٌم‬

‫�إن االطمئنان �إىل دقّة التخطيط مدعا ٌة �إىل اال�ستقرار الذي يبعث على‬
‫احتمالية النجاح واال�ستمرار‪ ،‬ف�إذا‬
‫ّ‬ ‫الإبداع‪ ،‬كما �أن العمل على ب�صري ٍة يزيد من‬
‫كان التخطيط غري مكتمل؛ فالأَوىل ت�أجيل العمل حتى يكون املوقف كامل‬
‫الو�ضوح‪ ،‬واخلطط مكتملة الإعداد‪.‬‬

‫‪3‬ـ التّقييم الدائم لكلِّ مراحل العمل‪ ،‬الأمر الذي ي�ضمن اال�ستفادة مما �سبق‪،‬‬
‫والتعرف على مكامن القوة للأخذ بها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والوقوف عند مواطن اخللل لتج ّنبها‪،‬‬
‫اخللية وحتفظها‪ ،‬واكت�ساب خربات‬
‫ّ‬ ‫والو�صول �إىل نتائج وخال�صات حتمي‬
‫ومهارات تزيد من جناحها‪.‬‬
‫‪231‬‬

‫عامل يف موقعه‪ ،‬ف�إن كان الأخ م�س�ؤو ًال �أمام غريه‪،‬‬


‫كل ٍ‬‫وهذا التقييم ي�شمل َّ‬
‫مك َّلف ًا ب�إدارة خاليا وجمموعات؛ فهو َ�أ ْوىل النا�س بانتهاج ال ّتقييم والتزامه‪،‬‬
‫لأن تقييمه ذو نتائج و�آثار ت ُ‬
‫َفوق الفرد العادي‪ .‬و�إن كان الأخ ع�ضو خلية �أو‬
‫التنب�ؤ مبا �سيكون عليه‬
‫خليته‪ ،‬وحماولة ُّ‬ ‫م�س�ؤولها‪ ،‬ف�إنه مك َّل ٌ‬
‫ف بدرا�سة وتقييم حال ّ‬
‫م�ستقبلية �إىل‬
‫ّ‬ ‫احلال‪ ،‬وما ي�ستوجب فعله‪ ،‬و�أن يرفع ما ي�ستخل�صه من نتائج وقراءة‬
‫امل�ستويات ال ُعليا‪ ،‬ع َّلهم ّ‬
‫يوظفونها يف خدمة املجموع‪.‬‬

‫جلي ًا يف املقاومة الفل�سطينية عموم ًا بف�صائلها وقواها يف‬


‫لقد برز الق�صور ّ‬
‫للم�ستجدات والأحداث من‬
‫ّ‬ ‫دائم‬
‫بتحليل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫دوري لواقعها‪ ،‬والقيام‬
‫ٍّ‬ ‫تقييم‬
‫�إجراء ٍ‬
‫حولها‪ ،‬وربطها بالتاريخ‪ ،‬متوازي ًا مع فهم احلال ومعرفة الطرف الآخر‪ ،‬حتى‬
‫يكون حتلي ً‬
‫ال واقعي ًا يبعد عن اخليال‪ ،‬و�إن هذه اجلهود تقت�ضي �إنتاج درا�سات‬
‫و�إ�صدارات ّ‬
‫ت�شكل �أ�سا�س ًا لنهو�ض العمل املقاوم من كبوته‪ّ ،‬‬
‫وتقدمه يف عمله‪،‬‬
‫مهامه و�إجنازها‪.‬‬
‫و�أداء ّ‬
‫ٌ‬
‫ا�ستكمال للبند ال�سابق‪ ،‬فاالبتعاد عن‬ ‫‪4‬ـ التوا�صل الدائم مع املحيط‪ ،‬وهو‬
‫عاج؛ ي�ؤ ّدي �إىل اتّخاذ‬
‫رج ٍ‬‫الو�سط الذي حتياه املقاومة‪ ،‬واتّخاذ القرارات من ُب ٍ‬
‫ومواقف خاطئة‪ ،‬و ُي�ضعف العالقة بني املقاومة وحميطها‪.‬‬
‫َ‬ ‫قرارات‬
‫ٍ‬

‫جنودها‪ ،‬ت�سمع‬
‫ِ‬ ‫توا�صل مع كافّة‬
‫ٍ‬ ‫بد لقيادة العمل املقاوم من �أن تكون على‬
‫ال َّ‬
‫وتلبي رغباتهم‪ ،‬وجتيب على ت�سا�ؤالتهم‪،‬‬
‫منهم وحتاورهم‪ ،‬توفُّر احتياجاتهم ّ‬
‫نب�ضه‪ ،‬وت�سمع �صوتَه‪،‬‬
‫جت�س َ‬
‫متا�س مع ال�شارع ُّ‬
‫ثم على املقاومة �أن تكون على ٍّ‬
‫وتدعم �صمو َده‪ ،‬وتعي�ش معه‪ ،‬في�شعر �أنه جز ٌء منها و�أنها جز ٌء منه‪ ،‬فيحميها‬
‫وين�رصها‪.‬‬
‫‪232‬‬

‫‪5‬ـ ا�ستخدام مهارات وعلوم ت�ساهم يف جناح العمل‪ ،‬كا ّلتي ا�ستخدم ْتها‬
‫حروب الع�صابات ال�سابقة‪ ،‬كعلم ال ّت�شفري الذي ي�ضمن توا�ص ً‬
‫ال �آمن ًا بني �أطراف‬
‫التنكر والتخفّي الذي يوفّر للمجاهد قدر ًة على االختفاء بعيداً عن‬ ‫وفن ّ‬‫العمل‪ّ ،‬‬
‫�أعني العدو ملدة �أطول‪ ،‬وفنون االت�صال واملرا�سالت‪ ،‬وا�ستخدام احلرب ال�رسي‬
‫والنقاط امليتة‪.‬‬

‫وكلما مت ّتع �أع�ضاء اخللية مبهارات �إ�ضافية تخدم هدفهم؛ ازدادت كفاءتُهم‬
‫مهامهم‪ ،‬وقدرتُهم على جتاوز العقبات التي تعرت�ضهم‪ ،‬ومعاجلة الأزمات‬
‫يف �أداء ّ‬
‫التي يقعون فيها‪.‬‬

‫«الر ْ�صد نِ�صف العمل الع�سكري»‪ :‬قاعد ٌة ع�سكر ّي ٌة �شهرية‪ ،‬وهي � ٌ‬


‫أ�سا�س يف‬ ‫‪6‬ـ َّ‬
‫جناح العمل اجلهادي املقاوم‪ّ � ،‬أك َـد على ّ‬
‫�صحتها �أبطالنا وجماهدونا بتجاربهم‪،‬‬
‫فك ّلما كان الر�صد �أكرث دقّـةً‪ ،‬وتفا�صيل الهدف امل ْنوي �رضبه معلومةً؛ زادت‬
‫إمكانية وقوع املفاج�آت‪ .‬فاملطلوب من املجاهدين‬
‫ّ‬ ‫احتمالية النجاح‪ ،‬وق ّلت �‬
‫ّ‬
‫كم من املعلومات املوثوقة عن الهدف‪� ،‬شك ً‬
‫ال وكيف ًا وحرك ًة وتوقيت ًا‪،‬‬ ‫حت�صيل �أكرب ّ‬
‫القوة لديه‪،‬‬
‫وحجم القوة التي ميتلكها‪ ،‬ومواطن ال�ضعف التي تتوافر فيه‪ ،‬ومكامن ّ‬
‫والأ�سلوب الأمثل لل ّتعامل معه‪ ،‬وال�سالح الأف�ضل ملواجهته والإجهاز عليه‪ ،‬وعدد‬
‫املقاومني القادرين على �أداء املهمة دون زياد ٍة ُمفرط ٍة �أو نق�صانٍ ّ‬
‫خمل‪...‬‬

‫اخللي َة من خطر الوقوع‬ ‫ُّ‬


‫كل ذلك ي�ضع العمل يف ن�صابه ال�صحيح‪ ،‬و ُيريح ّ‬
‫فيما ال تحُ مد عقباه(‪� ،)1‬أو الدخول يف مغامرة غري حم�سوبة الأبعاد والنتائج‪،‬‬
‫ويجعل املهمة �أقرب للنجاح وحت�صيل النتائج املرجوة‪.‬‬

‫الرا�صد‪ ،‬ت�شري �إىل وجود‬


‫‪ 1‬يف عملية (غاين تال)‪ ،‬كاد املجاهدون �أن يقعوا يف مقتل؛ ب�سبب معلومات ناق�صة جاء بها ّ‬
‫اجليب امل�ستهدف‪ ،‬بينما كان يحوي ثالثة جنود!‬
‫ّ‬ ‫جند َّينيِ يف‬
‫‪233‬‬

‫وي�سخر‬
‫ّ‬ ‫‪7‬ـ �رسِّيّـة العمل‪ :‬فحرب الع�صابات تواجه ّ‬
‫عدواً �شرَ ِ�س ًا يبذل جهده‬
‫وهمه الأول‬
‫�إمكاناته وخرباته يف �سبيل �رضبها والإجهاز عليها‪� ،‬سعيه الأكرب ّ‬
‫هو جمع املعلومات عن املقاومة وقادتها وجنودها‪ ،‬وقواعد انطالقها و�أماكن‬
‫ّ‬
‫وخمططاتها‪،‬‬ ‫قوتها و�ضعفها‪ ،‬و�أ�سلوب تفكريها‬
‫تواجدها وت�سليحها‪ ،‬ونقاط ّ‬
‫أكرب من املعلومات؛‬ ‫وكل كبرية و�صغرية متع ّلقة بها‪ ..‬وكلما ا�ستطاع حت�صيل ٍّ‬
‫كم � َ‬
‫كانت قدرته على �رضب املقاومة �أعلى‪ ،‬و�سهامه نحوها �أكرث �إيالم ًا و�إثخان ًا‪.‬‬

‫يقابل ذلك كله‪ ،‬حر�ص (اجلاريال) على �إخفاء معلوماتها‪ ،‬وجعل العدو‬
‫املوجهة‬ ‫جاه ً‬
‫ال بحقيقتها وباملعلومات التي يبحث عنها‪ ،‬فت�صبح حربه و�رضباته َّ‬
‫أذى كبرياً‬
‫والتخبط على غري هدى‪ ،‬فال تثمر � ً‬
‫ّ‬ ‫الع�شوائية‬
‫ّ‬ ‫�إىل املقاومة �رضب ًا من‬
‫ُ‬
‫االحتالل على تقوية �أجهزة ا�ستخباراته‪ ،‬و�إمدادها‬ ‫للمقاومني‪ .‬ومن هنا‪ ،‬د�أَ َب‬
‫التطور العلمي والتقني؛ حتى‬
‫ّ‬ ‫بالكادر الب�رشي‪ ،‬والإمكانات املادية‪ ،‬وو�سائل‬
‫ت�ؤ ّدي دورها على �أكمل وجه‪.‬‬

‫�إن من �أوىل �أولويات العمل املقاوم‪ :‬احلفاظ على �رسِّية املعلومة‪ ،‬ولذا‪ ،‬ف�إن‬
‫واحلرب ال�رسِّي‬
‫عملها مبجمله يدور حول الكتمان والأمن وال�رسِّية‪ ،‬وما ال ّت�شفري ِ‬
‫ُّ‬
‫والتنكر وال ّنقاط امليتة واملالجئ �إال �أدوات لتحقيق �أعلى قدر‬ ‫مويه‬
‫والتخفّي وال ّت ِ‬
‫من ال�رسِّية والأمن‪.‬‬

‫لقد �أن�ش�أت الواليات امل ّتحدة الأمريكية وكال َة ا�ستخبارات (‪ )CIA‬يف‬


‫وجهتها اليابان للأ�سطول الأمريكي يف‬
‫�أعقاب ال�رضبة الع�سكرية املفاجئة التي ّ‬
‫البا�سفيك‪ ،‬مطلع الأربعينات‪ ،‬ف أ� ّدت �إىل تدمريه بالكامل‪ ،‬فكان قرار �إن�شاء جهاز‬
‫يحارب العدو باملعلومات‪ ،‬ويحفظ دولته و�شعبه بحفظ املعلومات(‪.)1‬‬

‫أمريكية)‪� ،‬أندروتويل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(اجلا�سو�سية ال‬
‫ّ‬ ‫ال عن كتاب‬ ‫�صور احلركي للعمل الإ�سالمي)‪� ،‬أ‪.‬فتحي َ‬
‫يكن‪ ،‬نق ً‬ ‫‪� 1‬أبجد ّيات ال ّت ّ‬
‫َ‬
‫‪234‬‬

‫‪8‬ـ اال�ستعداد الدائم‪ ،‬والبقاء على جاهزية‪ ،‬واليقظة لكل جديد‪ ،‬والتعامل‬
‫معه مبا يلزم‪ ،‬يقول تعاىل‪ } :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ { [الأنفال‪ .]٦٠:‬فالإعداد � ٌ‬
‫أ�صل ال‬
‫ميكن التنازل عنه بحال‪.‬‬

‫واال�ستعداد يعني �أن تبقى املقاومة متيقّظ ًة ِّ‬


‫لكل ما يدور حولها من م�ؤامرات‬
‫قوات االحتالل‪ ،‬وتهدف من خاللها �إىل �رضب‬
‫وهجمات وممار�سات تنفّذها ّ‬
‫املقاومة‪ ،‬وال َّنيل من وجودها‪.‬‬

‫�سالحه‪ ،‬و�أال يتخلى عن حر�صه‬


‫َ‬ ‫واال�ستعداد يعني �أال يرتك رجل الع�صابات‬
‫الت�رصف دون �أخذ املخاطر التي حتيط به من كل جانب‬
‫ّ‬ ‫ويقظته وحذره‪ ،‬وعدم‬
‫بعني االعتبار‪.‬‬

‫واال�ستعداد يعني ا�ستقراء الواقع‪ ،‬وتقدير ما ميكن �أن يقوم به العدو‪ ،‬و�إعداد‬
‫اخلطة الكفيلة ب�إف�شاله ور ّد كيده �إىل نحره‪.‬‬

‫فلي�ست الع�صابات جي�ش ًا نظامي ًا يخو�ض معارك حمدودة‪َّ ،‬‬


‫حمد ٌد زمانُها‬
‫في�ستعد لها يف حينه‪ ،‬بل هي جبه ٌة مفتوح ٌة للقتال‪ ،‬وميدانٌ يحتمل‬
‫ُّ‬ ‫ومكانُها‪،‬‬
‫العمل يف ِّ‬
‫كل حني‪ ،‬ميكن �أن تُفر�ض فيه املعركة واملواجهة على ال ّثائر دون �أن‬
‫يخط َط لها‪ ،‬فماذا �ستكون ر ّدة فعله �إن كان م�سرتخي ًا؟‬
‫ّ‬

‫وتطمئن‬
‫َّ‬ ‫‪9‬ـ على قيادة العمل الثّوري �أن تر ّكـ َز على احلالة النف�سيّة ملقاتليها‪،‬‬
‫ب�شكل �سليم يو�صلها �إىل‬
‫ٍ‬ ‫وتركز على بنائها‬ ‫ّ‬ ‫دائم ًا �إىل �سالمتها وجاهزيتها‪،‬‬
‫نف�سيتهم‬
‫ّ‬ ‫تغر�س فيهم جمل َة مفاهيم و�أفكار‪ ،‬تزيد من قوة‬
‫َ‬ ‫هدفها‪ ،‬و�إن عليها �أن‬
‫وا�ستعدادهم‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪235‬‬

‫وم�رشوعيته‪ ،‬وهو حترير الإن�سان‬


‫ّ‬ ‫قد�سية الهدف ونقائه‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الرتكيز على‬
‫و�صون احلقوق واملمتلكات‪ ،‬وال ّت�أكيد‬
‫والعر�ض‪َ ،‬‬ ‫والأر�ض‪َّ ،‬‬
‫والذود عن الكرامة ِ‬
‫والتاريخية لهذا العمل‪ ،‬و�أننا �إمنا نثور‬
‫ّ‬ ‫إن�سانية‬
‫والقانونية وال ّ‬
‫ّ‬ ‫ينية‬
‫الد ّ‬
‫على الأحقّية ّ‬
‫احلق‪.‬‬
‫لتح�صيل ّ‬
‫ٌ‬
‫حا�صل للبند ال�سابق‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫ٌ‬
‫حت�صيل‬ ‫‪ -‬اال�ستعداد الدائم للت�ضحية‪ ،‬وهو‬
‫وبقد�سية‬
‫ّ‬ ‫الذي ي�صل فيه املقاتل �إىل القناعة املطلقة ب�أحقّيته ملا ينا�ضل من �أجله‪،‬‬
‫هدفه‪ ،‬ف�إنه يندفع بدون تر ّدد‪ ،‬وي�صبح على ا�ستعداد لتقدمي �أغلى ما ميلك يف‬
‫�سبيل الو�صول �إىل هدفه‪ .‬ففي حرب الع�صابات ّ‬
‫ت�شك ُل ال ّت�ضحي ُة ر� َأ�س ٍ‬
‫هرم يف‬
‫ثقافة املنا�ضل‪ ،‬فال ِغنى له عنها‪ ،‬وال انت�صار له بدونها(‪.)1‬‬

‫يائ�س‬
‫مقاتل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪� -‬إيجاد ال�شعور الدائم بالثقة بالن�رص لدى املقاتلني‪ ،‬ف�ش ّتانَ بني‬
‫فاقد اجلاهز ّية‪،‬‬
‫الهمة‪ُ ،‬‬
‫خائر ّ‬
‫ُ‬ ‫مقتنع بعدم قدرته على حت�صيل هدفه‪ ،‬فهو‬‫ٍ‬ ‫محُ َبط‪،‬‬
‫مطمئن �إىل‬
‫ٍّ‬ ‫جندي‬
‫ٍّ‬ ‫مهامه اجلهاد ّية‪ ،‬وبني‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫فا�شل يف �أداء‬ ‫إمكانية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫منخف�ض ال‬
‫ُ‬
‫قُدرته وقدرة ثورته على حتقيق االنت�صار والو�صول �إىل الهدف‪ ،‬وا�سرتجاع‬
‫ُ‬
‫كامل اجلاهز ّية‪ ،‬ملي ٌء باحليو ّية‪ ،‬ناجح يف‬ ‫قد الهِ ّمة‪،‬‬
‫احلقوق امل�سلوبة‪ ،‬فهو م َّت ُ‬
‫�أداء املهام املوكلة �إليه‪.‬‬

‫وااللتجاء �إليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫والتوك َل عليه‪ ،‬وال ِّثق َة به‬
‫ّ‬ ‫ومن بداهة القول‪� ،‬أنّ الإميانَ باهلل‬
‫ويقوي‬ ‫َ‬
‫ي�شحذ الهِ مم‪ّ ،‬‬ ‫خري ما ميكن �أن‬
‫مبعيته‪ُ ،‬‬
‫عور ّ‬ ‫ودوا َم ال�صِّ َل ِة به‪ِ ،‬‬
‫وذكره وال�شّ َ‬
‫مييز جنود‬
‫النفو�س‪ ،‬ويقاوم الي�أ�س والقنوط‪ ،‬ويدفع �إىل االنطالق‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫املقاومة الإ�سالمية يف ِّ‬
‫كل مكان‪.‬‬

‫املهم �أن ننت�رص‪� ،‬إمنا نريد �إحياء اجلهاد‪ ،‬وتربية جيل يرى ال�شّ هادة يف �سبيل اهلل‬
‫الق�سام‪« :‬لي�س ّ‬
‫‪ 1‬يقول ال�شيخ عز الدين ّ‬
‫غاي َته!»‪ .‬من كتاب‪( :‬عز الدين الق�سام)‪� ،‬أ‪.‬حممد ح�سن �رشاب‪.‬‬
‫‪236‬‬

‫‪10‬ـ االحتفاظ ب�سالح ا�سرتاتيجي �أو عمليات نوعيّة ال�ستخدامها وقت احلاجة‪،‬‬
‫بحيث ت�شكل ر ْدع ًا للعدو من الإقدام على �أعمال جنونية وقا�سية؛ كالإقدام على‬
‫إن�سانية‬
‫ال�سيا�سية �أو ا�ستخدام �أ�ساليب غري � ّ‬
‫ّ‬ ‫ارتكاب املجازر �أو اغتيال القيادات‬
‫�سالحها‪ ،‬وتلقي بع�ض �أوراقها‪،‬‬
‫َ‬ ‫يف �رضب املقاومة‪ ،‬عندئذٍ ت�ستخدم املقاومة‬
‫اال�سرتاتيجي يف الوقت املنا�سب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫�سالحها‬
‫َ‬ ‫النوعية‪� ،‬أو ت�ستخدم‬
‫ّ‬ ‫العملية‬
‫ّ‬ ‫فتنفّذ‬
‫لهمة ال�شعب‪ ،‬رادع ًا لالحتالل من تكرار فعلته‪،‬‬
‫مربراً �أمام العامل‪ ،‬رافع ًا ّ‬
‫فيكون َّ‬
‫ُمظهراً جاهز ّي َة املقاومة وا�ستعدا َدها للتفاعل مع ِّ‬
‫كل جديد‪.‬‬

‫جلي ًا بعدم وجود هذا ال�سالح لدى حركة املقاومة الإ�سالمية‬


‫وقد ظهر اخللل ّ‬
‫حني �أقدم االحتالل على جرمي َتي اغتيال ال�شيخ امل� ِّؤ�س�س (�أحمد يا�سني)‪،‬‬
‫تقد َم ر ّداً‬
‫والدكتور القائد (عبد العزيز الرنتي�سي)‪ ،‬بينما مل ت�ستطع احلركة �أن ّ‬
‫منا�سب ًا حلجم احلدث‪ ،‬يف حني كان االحتالل يتوقّع ر ّدة ٍ‬
‫فعل �أكرب من تلك التي‬
‫قدمتها احلركة‪.‬‬
‫ّ‬

‫***‬
‫‪237‬‬

‫املعوقات‬
‫ِّ‬
238
‫‪239‬‬

‫املعوقات‬
‫ِّ‬

‫قات داخلي ًة وخارجي ًة �أعاقت‬


‫واجهت املقاومة الفل�سطينية �سل�سل َة معوِّ ٍ‬
‫تقدمها‪ ،‬وق ّللت من جناحاتها‪ ،‬و�أ�ضعفت �إجنازاتها‪ ،‬وزادت من خ�سائرها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫و�أبط�أت �أداءها‪ ،‬وق�صرّ ت ُعمر خالياها والعاملني يف �صفوفها‪ .‬وهذه املعوقات‬
‫داخلية وعوامل متع ّلقة باملقاومة ذاتها و�أدائها وتنظيمها‬
‫ّ‬ ‫منها ما يقع �ضمن �أخطاء‬
‫وكفاءة �أفرادها‪ ،‬ومنها ما هو خارجي مرتبط باالحتالل وما ميار�سه من حرب‬
‫ومقدراته‪..‬‬
‫ّ‬ ‫موجهة �إىل ال�شعب ومقاومته‬
‫و�ضغوطات َّ‬

‫خارجياً‪:‬‬
‫وذلك ما يتم ّثل يف حرب االحتالل على املقاومة‪ ،‬فالعالقة بني االحتالل‬
‫ٌ‬
‫أ�شكال‬‫والرف�ض واملواجهة‪ ،‬ولهذه املواجهة �‬
‫واملقاومة تقوم على ال ّتناق�ض ّ‬
‫متنوعة‬ ‫عديدة‪ ،‬فاالحتالل ي�ستخدم َّ‬
‫كل ما ميلك من �أ�ساليب ق َِذر ٍة وو�سائل ّ‬
‫خروج‬
‫ٍ‬ ‫متردٍ �أو‬
‫ل�سلطته‪ ،‬وتدجينه وقمع � ِّأي ّ‬
‫لإنهاء املقاومة‪ ،‬و�إخ�ضاع ال�شعب ُ‬
‫عن �إرادته‪ ،‬و�أ�ساليبه يف ذلك ال تنتهي‪ ،‬ومنها ‪:‬‬

‫‪1‬ـ ال�ضرّ بات اليومية‪ ،‬من اغتياالت واعتقاالت ومالحقات و�إبعاد وت�رشيد‪،‬‬
‫وهي �سيا�س ٌة دائم ٌة اتّبعها االحتالل مع ِّ‬
‫كل من يقف يف وجهه‪ ،‬حتى زاد عدد‬
‫‪240‬‬

‫�شهداء فل�سطني عن ع�رشات الألوف منذ بدء االحتالل‪ ،‬وبلغ عدد الأ�رسى منذ‬
‫عام (‪1967‬م) ما يقارب (‪� )700‬ألف حالة اعتقال(‪� ،)1‬إ�ضاف ًة �إىل �أعدادٍ هائل ٍة‬
‫وامل�رشدين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫من اجلرحى والإعاقات واملبعدين‬

‫أخل�ص �أبنا ِئها‬


‫جنومها‪ ،‬و� َ‬
‫أملع ِ‬
‫هذه احلمالت �أفقدت املقاوم َة �أبر َز قاد ِتها‪ ،‬و� َ‬
‫وجريح وطريد‪ ،‬وبنظر ٍة نُلقيها على ف�صائل املقاومة و�أجنحتها‬
‫ٍ‬ ‫بني �شهيدٍ و�أ�س ٍري‬
‫تعر�ضوا بال ا�ستثناء لهذه الأ�شكال من ال�ضرّ بات‪...‬‬
‫الع�سكرية‪ ،‬جند �أنهم ّ‬
‫والدكتور‬
‫قدمت ال�شهداء ال�شيخ امل� ِّؤ�س�س �أحمد يا�سني‪ّ ،‬‬
‫فحركة حما�س ّ‬
‫الرنتي�سي‪ ،‬و�إبراهيم املقادمة‪ ،‬و�إ�سماعيل �أبو �شنب‪ ،‬وجمال من�صور‪،‬‬
‫عبد العزيز ّ‬
‫وجمال �سليم‪ ،‬ويو�سف ال�رسكجي‪ ،‬و�صالح دروزة‪ ،‬و�صالح �شحادة‪ ،‬ويحيى‬
‫عيا�ش‪ ،‬وحميي الدين ال�رشيف‪ ،‬وعادل عو�ض اهلل‪ ،‬و حممود �أبو هنود‪...‬‬

‫قدمت ال�شهداء يا�رس عرفات‪ ،‬وخليل الوزير‪ ،‬و�صالح خلف‪،‬‬


‫وحركة فتح ّ‬
‫و�سعد �صايل‪ ،‬و�أبو الهول‪ ،‬وكمال عدوان‪ ،‬و�أبو يو�سف النجار‪...‬‬

‫وقدمت حركة اجلهاد الإ�سالمي امل� ّؤ�س�س فتحي ال�شقاقي‪ ،‬وهاين عابد‪...‬‬
‫ّ‬

‫وقدمت اجلبهتان ال�شعبية والدميقراطية �أبو علي م�صطفى‪ ،‬وعمر قا�سم‪،‬‬


‫ّ‬
‫وغ�سان كنفاين‪...‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫أ�ضعاف ه�ؤالء‪...‬‬
‫الفل�سطيني �‬
‫ُّ‬ ‫عب‬
‫وقد َم ال�شّ ُ‬
‫ّ‬

‫عظيم‬
‫ٍ‬ ‫وغريهم غُ ِّـيبوا بالقتل‪ ،‬و�أ�ضعافُهم غُ ِّـي َب بالأَ�سرْ ‪ ،‬ناهيك عن ح�شدٍ‬
‫ه�ؤالء ُ‬
‫أرواحهم‬ ‫من اجلنود والفر�سان و�أبطال امليدان‪ ،‬ا ّلذين خا�ضوا املواجهات‪ّ ،‬‬
‫وقدموا � َ‬
‫أعمارهم يف �سبيل ر ِّبهم ولتحقيق هد ِفهم وحترير �أوطا ِنهم‪.‬‬
‫ودماءهم و� َ‬
‫َ‬

‫‪ 1‬ن�رشة احل�صاد ـ قناة اجلزيرة‪ ،‬يوم ‪2007/6/25‬م‪.‬‬


‫‪241‬‬

‫واملتتبع للحرب ال�رش�سة التي ي�ش ّنها جي�ش االحتالل؛ يدرك حجم الإمكانات‬
‫ّ‬
‫الهائلة التي ير�صدها لهذا الهدف‪ ،‬والأ�ساليب القذرة التي ي�ستخدمها لتحقيقه‪،‬‬
‫والهمجية التي ينتهجها �إىل درج ٍة ي�صعب و�صفُها عرب �سطور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والوح�شية‬
‫ّ‬
‫َتـل �أثناء املواجهات‪ ،‬وق َ‬
‫َتل يف‬ ‫بكل ُ�ص َوره‪ ،‬فق َ‬
‫لقد ا�ستخدم االحتالل القتل ِّ‬
‫بدم بارد‪َ ،‬‬
‫وقتل‬ ‫وقتل اغتيا ًال‪َ ،‬‬
‫وقتل ٍ‬ ‫وقتل يف �أقبية التحقيق‪َ ،‬‬
‫العمليات الع�سكر ّية‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫ب�سبب وبغري �سبب‪َ ،‬‬
‫قتل‬ ‫ٍ‬ ‫وقتل ال ِّن�ساء والأطفال‪َ ،‬‬
‫قتل‬ ‫وقتل ال�شيوخ‪َ ،‬‬ ‫املقاتلني‪َ ،‬‬
‫ال للإجرام �إال �س َل َ‬
‫طرقَه‪ ،‬وال �سبي ً‬
‫ـكه‪..‬‬ ‫ب َِي ِـد عمالئه‪ ،‬فلم يدع باب ًا للقتل � اّإل َ‬
‫حمالت َّ‬
‫منظم ًة‬ ‫ٍ‬ ‫العظام وال ّتنكيل باملقاومني‪ ،‬و�أجرى‬
‫ا�ستخد َم �سيا�س َة تك�س ِري ِ‬
‫أبعد‬
‫وزج بع�رشات الآالف يف ال�سجون‪ ،‬و� َ‬
‫ع�شوائيـ ًة من االعتقاالت‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫و�أخرى‬
‫عن الأر�ض بغري ح�ساب‪ ...‬والزالت جتربة �إبعاد املجاهدين �إىل مرج الزهور‬
‫ماثل ًة يف الأذهان‪.‬‬
‫كل حني‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫�شك َل‬ ‫بحق ال�شعب ومقاومته يف ِّ‬
‫وهكذا كانت ممار�ساته ِّ‬
‫َ‬
‫واحلائل الأ�سا�س دون ا�ستقرارها‬ ‫العقبة الأوىل واملعوِّ َق الأبرز �أمام املقاومة‪،‬‬
‫تقدمها وحتقيق �أهدافها و�آمالها‪.‬‬
‫قوتها ودميومة ّ‬ ‫واحلفاظ على ّ‬
‫‪2‬ـ االخرتاق والإ�سقاط‪ ،‬وحماولة تدمري ال�شعب واملقاومة بالإف�ساد ون�رش‬
‫ثم ربط �أكرب عدد من �أفراد املجتمع باالحتالل‪،‬‬
‫الرذيلة و�إ�شاعة االنحالل‪ ،‬ومن َّ‬
‫ّ‬
‫متور ِطني ب�إراقة دماء‬
‫ِّ‬ ‫وجعلهم خائ ِنني لدينهم و�أمتهم‪ ،‬متعاو ِنني مع عد ِّوهم‪،‬‬
‫َ‬
‫ني لرجالها‪.‬‬
‫كارهني للمقاومة وحمار ِب َ‬
‫�شعبهم‪ِ ،‬‬

‫أر�ض دخ َلها‪ ،‬ومع � ِّأي م�ستعمر ٍة‬ ‫أ�سلوب مار�سه اال�ستعمار يف ِّ‬
‫كل � ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وذلك �‬
‫حرب خا�ضها منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا‪ ،‬وقد منت‬ ‫ٍ‬ ‫�أن�ش�أَها‪ ،‬ويف ِّ‬
‫كل‬
‫‪242‬‬

‫وبرزت هذه الظاهرة يف ع�رصنا احلديث مع اندالع احلروب العاملية‪ ،‬ثم احلرب‬
‫ال�سوفيتي‪.‬‬
‫الباردة بني �أمريكا واالحتاد ُّ‬
‫ولقد ّ‬
‫�شكلت ظاهرة اخليانة مر�ض ًا � ّأر َق الثورات يف ِّ‬
‫كل مكان‪ ،‬ومنها ال َّثورة‬
‫الفل�سطينية‪ ،‬ف�سعت �إىل مواجهتها ومقاومتها وزيادة ممانعة ال�شعب يف وجهها‪،‬‬
‫ّ‬
‫وبالقوة تار ًة �أخرى‪ ،‬لكنها بقيت ظاهر ًة موجود ًة مل‬ ‫ّ‬ ‫بالفكر تارةً‪،‬‬
‫حارب ْتها ِ‬
‫ّ‬
‫تتمكن جترب ٌة من الق�ضاء عليها‪ ،‬وقد �شكلت ال ّتجربة اجلزائر ّية مثا ًال قا�سي ًا على‬
‫الروايات التي ت�شري �إىل �أنّ ال ّثورة �أعدمت �أكرث‬
‫هذه احلرب‪ ،‬حتى تواترت ِّ‬
‫اجلي�ش‬
‫ُ‬ ‫رقم لي�س ببعيدٍ عما قت َله‬
‫من (‪� )700‬ألف �شخ�ص بتهمة العمالة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫الفرن�سي من ال ّثوار‪.‬‬
‫ُّ‬

‫لقد �سعى االحتالل �إىل �إ�سقاط ال�شعب ك ِّله بكافة قطاعاته وفئاته َ‬
‫ل�سببنيِ‬
‫رئي�سني‪:‬‬
‫َ‬
‫الأول؛ هو االخرتاق وجمع املعلومات التي تخدمه يف حربه لل�شعب وقواه‬
‫للثورة عليه �أو مواجهته‪ ،‬وتب�صرّ ه بواقع املجتمع‬
‫ِ‬ ‫املقاومة‪ ،‬و�رضب � ِّأي حماول ٍة‬
‫الفل�سطيني‪ ،‬وما ينا�سبه من �أ�ساليب تهدف �إىل تركيعه وجعله يتنازل عن‬
‫حقوقه‪.‬‬

‫والثاين؛ هو جتنيد �أكرب قدر من �أبناء ال�شعب وجعله يف ِّ‬


‫�صف االحتالل‪ ،‬حتى‬
‫�إذا ما دخل ال�شعب يف انتفا�ضة �أو �رشع يف مقاومة‪ ،‬وجد الكثريون �أنف�سهم غري‬
‫نف�سه‬
‫بع�ضهم َ‬
‫وح�س َم ُ‬
‫َ‬ ‫ين للم�شاركة فيها‪ ،‬بل‬
‫م�ستعد َ‬
‫ِّ‬ ‫ني بهذه املقاومة‪ ،‬وغري‬
‫معني َ‬
‫ِّ‬
‫ال�صف الآخر منحازاً �إليه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يف‬

‫وا�ستخدم االحتالل يف �سبيل هذين الهدفَنيِ ما ميلك من و�سائل‪ ،‬كالرتغيب‬


‫‪243‬‬

‫والرتهيب‪ ،‬واجلن�س واملال‪ ،‬وا�ستغالل احلاجات‪ ،‬حتى ّ‬


‫�شك َل جي�ش ًا من اخلونة‬
‫قواته يف قمع املقاومة و�رضب رجالها‪.‬‬
‫يخدمونه‪ ،‬وي�ساهمون مع ّ‬
‫واحلد من جناحاتها‪ ،‬و�إف�شال‬
‫ِّ‬ ‫لقد ّ‬
‫�شك َل العمالء �أدا ًة خطري ًة يف �رضب املقاومة‪،‬‬
‫العدو يف توظيف هذه الث ّلة القذرة لتحقيق هذا الغر�ض‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫خمططاتها‪ ،‬وقد �أبدع‬

‫ي�سمى بالتنظيم‬ ‫ُ‬


‫االحتالل �أذنا َبه لها؛ ما َّ‬ ‫�سخ َر‬
‫الوظيفية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن الأ�شكال‬
‫الوهمي‪ ،‬فبعد �أن قام العمالء بدورِ هم يف جمع املعلومات عن املجاهدين‪ ،‬ور�صد‬
‫�أعمال املقاومة‪ ،‬ومعرفة امل�س�ؤولني عنها‪ ،‬وتقدمي ذلك ك ِّله هدي ًة لأ�سيادهم‪،‬‬
‫م�رشوع مقاوم ٍة �أو �شهاد ٍة يف‬
‫َ‬ ‫�شخ�ص قد ّ‬
‫ي�شكل‬ ‫ٍ‬ ‫بد أ� االحتالل يبحث عن � ِّأي‬
‫امل�ستقبل‪ ،‬و�سعى للو�صول �إىل ِّ‬
‫كل من ميلك اجلاهزيّ َة واال�ستعدا َد لالنخراط يف‬
‫اجلهادي ولو بعد حني‪ ،‬ف�أدخل �أ�سلوب (ال ّتنظيم الوهمي)‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫العمل‬

‫بث العمالء هنا وهناك‪ ،‬ويقوم ه�ؤالء العمالء بعر�ض‬


‫ويقوم هذا التنظيم على ِّ‬
‫هيوني ُة ب�أنهم‬
‫ال�ص ّ‬‫املخابرات ّ‬
‫ُ‬ ‫الع�سكري على عددٍ من ال�شباب الذين ُّ‬
‫ت�شك‬ ‫ّ‬ ‫العمل‬
‫َ‬
‫العميل الذي يعر�ض‬ ‫ال�شاب على العمل ظا ّنـ ًا �أنّ‬
‫ّ‬ ‫على ا�ستعدادٍ للعمل‪ ،‬ف�إذا وافق‬
‫ُ‬
‫العميل با�ستدراجه وتوريطه‪� ،‬إىل‬ ‫عليه اال�شرتاك يف املقاومة من املجاهدين؛ بد�أ‬
‫لـم َددٍ طويل ٍة‬
‫�أن يكون قرار املخابرات باغتياله �أو اعتقاله وتغييبه يف ال�سجون ُ‬
‫تُبعده عن ميدان العمل خماف َة االنخراط فيه‪ ،‬وهذا ما عبرّ َ عنه �أحد قادة �أجهزة‬
‫ال�صهيونية حني قال‪�« :‬إننا نحاول اعتقال (االنتحاري) من �رسيره قبل �أن‬
‫الأمن ّ‬
‫إرهابية»‪.‬‬
‫ننجح يف منعه من اال�شرتاك يف الأعمال ال ّ‬
‫َ‬ ‫مهمته‪ ،‬حتى‬ ‫ّ‬
‫يفك َر يف ّ‬
‫‪3‬ـ احلرب االقت�صادية‪ ،‬وال ّت�ضييق على النا�س يف �أرزاقهم‪ ،‬وجتويع ال�شعب‬
‫وفر�ض‬
‫ُ‬ ‫ومنع العمل‬
‫�ضييق ُ‬
‫احل�صار وال ّت ُ‬
‫ُ‬ ‫لي�شعر بتكلفة املقاومة فيتخ ّلى عنها‪ ،‬فكان‬
‫‪244‬‬

‫التجول‪ ،‬وكان التخريب والتدمري والإف�ساد‪ ،‬وكانت امل�صادرات للأرا�ضي‬


‫ّ‬ ‫منع‬
‫واملمتلكات و�رسقة احلقوق ونهب اخلريات‪ ،‬وكانت ال�ضرّ ائب والغرامات‪،‬‬
‫خ�سائر ال�شعب الفل�سطيني يف انتفا�ضة الأق�صى وحدها‬
‫َ‬ ‫و ِب ُلـغ َِـة الأرقام‪ ،‬ف�إن‬
‫فاقت املليارات‪ ،‬منها؛ َه ْـد ُم (‪ )4500‬منزل‪ ،‬واقتالع (مليون ون�صف) �شجرة‬
‫مثمرة‪ ،‬وم�صادرة (‪� )600‬ألف دومن زراعي(‪ ،)1‬فما بالك بع�رشات ال�سنني التي‬
‫اح ُت ّلت فيها الأر�ض واغ ُت�صبت احلقوق و�سرُ قت املمتلكات؟!‬

‫املفرو�ض على ال�شعب الفل�سطيني‬


‫ُ‬ ‫اخلانق‬
‫ُ‬ ‫االقت�صادي‬
‫ُّ‬ ‫احل�صار‬
‫ُ‬ ‫لقد ّ‬
‫�شك َل‬
‫عقب فوزِ حما�س يف االنتخابات الت�رشيعية عام (‪2006‬م) وت�س ُّل ِمها قيادة‬
‫بحق ال�شعب‬
‫وراءه ِّ‬ ‫أحد ُ�ص َورِ هذه احلرب الّتي َ‬
‫مار�سها االحتالل و َمن َ‬ ‫احلكومة � َ‬
‫ومقاومته‪ ،‬ثم كان احل�صار على قطاع غزة دون ال�ضفة عقب �أحداث تطهري‬
‫ني من‬
‫احلكومي َ‬
‫ِّ‬ ‫ني‬ ‫رواتب ّ‬
‫املوظف َ‬ ‫ِ‬ ‫أمنية يف (حزيران‪2007/‬م)‪ ،‬ثم َدف ُْع‬
‫املقرات ال ّ‬
‫ّ‬
‫آخر لالبتزاز وامل�ساومة على الرزق‬ ‫ين حلركة حما�س �شك ً‬
‫ال � َ‬ ‫ني �أو امل�ؤيِّ ِد َ‬
‫املنت�سب َ‬
‫غري ِ‬
‫وتخريب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وحرق‬ ‫تدمري‬
‫ُ‬ ‫مقابل التخ ّلي عن املقاومة و�أن�صارها‪ ،‬و�أثناء ذلك كان‬
‫امل� ّؤ�س�سات واملمتلكات التابعة للحركة و�أبنائها كامتدادٍ لذات احلرب‪.‬‬

‫لقد ا�ستخدم االحتالل احلرب االقت�صادية حلرمان املقاومة من �سالح املال‪،‬‬


‫كما ا�ستخدمها حلمل النا�س على االنف�ضا�ض من حول القوى املقاومة على‬
‫اختالفها‪ ،‬فعلى �سبيل املثال‪ّ ،‬‬
‫�شك َل َه ْد ُم املنازل ملن ي�شارك يف �أعمال املقاومة‬
‫املقاو ِم وذويه ومعا ِقب ًا لهم‪ ،‬ورادع ًا لغريه �أن ّ‬
‫يفك َر بال�سري على‬ ‫ِ‬ ‫�ضاغط ًا على‬
‫عملي ٍة جهاد ّي ٍة بحظر‬
‫كل ّ‬ ‫ّ‬
‫وال�سكان عقب ِّ‬ ‫اجلماعي للأهايل‬ ‫العقاب‬
‫ُ‬ ‫نهجه‪ ،‬وكان‬
‫ُّ‬
‫لك�شف الغطا ِء‬
‫ِ‬ ‫التجول والهجوم على املنازل واملمتلكات وتخريبها‪ ،‬يف حماول ٍة‬
‫ّ‬
‫‪� )( 1‬صحيفة القد�س‪ ،‬العدد ال�صادر يف ‪2007/6/5‬م‪.‬‬
‫‪245‬‬

‫خط من‬
‫وال�س ِ‬
‫ال�ض َج ِر ّ‬
‫املجتمع �إىل َّ‬
‫ِ‬ ‫ودفع‬
‫النا�س من حولهم‪ِ ،‬‬
‫ني وتنف ِري ِ‬
‫املقاوم َ‬
‫عن ِ‬
‫�أعمال املقاومة‪ ،‬ومن ثم رف�ضها والوقوف يف وجهها‪.‬‬

‫‪4‬ـ احلرب الإعالمية‪ :‬فقد �أبدى االحتالل �أينما َّ‬


‫حل اهتمام ًا خا�ص ًا بالإعالم‪،‬‬
‫وحاول ا�ستخدام هذا ال�سالح ـ الذي ميلك منه �أ�ضعاف ما متلكه املقاومة ـ‬
‫بحق ال�شعب‪ ،‬ويف‬
‫إجرامية ِّ‬
‫ّ‬ ‫وترب ُر �أفعا َله ال‬
‫بطريق ٍة تخدم �أهدافَه وت ُّبي�ض �صورتَه‪ِّ ،‬‬
‫ذات الوقت‪ ،‬ت�ش ِّه ُر باملقاومة وت�شوِّ ه �صورتَها وتثري حولها ال�شكوك‪.‬‬

‫َ‬
‫ومعارك �ضاري ًة بني املقاومة‬ ‫لقد �شهدت و�سائل الإعالم حرب ًا �شرَ َِ�س ًة‬
‫إعالمي ًة ل�صاحله‪ ،‬و�أن‬
‫ّ‬ ‫جوالت �‬
‫ٍ‬ ‫يك�سب فيها‬ ‫َ‬ ‫طرف �أن‬
‫ٍ‬ ‫وعد ِّوها‪ ،‬حاول ُّ‬
‫كل‬
‫املنافذ يف وجه خ�صمه‪،‬‬‫َ‬ ‫ي�ستقطب العامل نحوه‪ ،‬لينحا َز �إىل موقفه‪ ،‬ويغلق‬
‫َ‬
‫إعالمي ًا ل�صالح االحتالل‪ ،‬ب�سبب �سيطرته على‬
‫ّ‬ ‫تفوق ًا �‬
‫و�شهدت العقو ُد ال�سابق ُة َّ‬
‫ب�شكل مبا� ٍرش �أو غ ِري مبا�رش‪ � ،‬اّإل �أنّ الإعالم �شهد‬
‫ٍ‬ ‫عاملي ًا‬
‫الرئي�سية ّ‬
‫ّ‬ ‫و�سائل الإعالم‬
‫إعالمية‬
‫ّ‬ ‫ودولي ًا‪� ،‬ساعده يف ذلك الثورة ال‬
‫ّ‬ ‫نه�ض ًة �إعالمي ًة وح�ضوراً حم ّلي ًا و� ّ‬
‫إقليمي ًا‬
‫حر ًة حاولت املقاوم ُة‬
‫إعالمي ًة ّ‬
‫ّ‬ ‫منابر �‬
‫َ‬ ‫كنولوجية التي وفّرت‬
‫ّ‬ ‫واملعلوماتية وال ّت‬
‫ّ‬
‫توظيفَها يف خدمة �أهدافها‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل امتالك هذه القوى منابر خا�صة بها‪،‬‬
‫تن�رش ِفكرها‪ ،‬وحتمل ر�سال َتها �إىل النا�س‪ ،‬كما فعلت منظمة التحرير ب�إذاعتها‬
‫ال�شعبية ـ القيادة العامة ب�إذاعتها (�إذاعة ال�شَّ عب)‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫(�صوت العا�صفة)‪ ،‬واجلبهة‬
‫�أطلقت حركة حما�س (�شبكة الأق�صى الإعالمية) والتي مت ّثلت يف �إذاعة راديو‪،‬‬
‫ف�ضائية‪ ،‬و�صفحة �إنرتنت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وحمطة حم ّلية‪ّ ،‬‬
‫وحمطة‬ ‫ّ‬

‫�ضد املقاومة‬
‫ّ‬ ‫إعالمية‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫االحتالل يف حربه ال‬ ‫ومبقابل ذلك‪ ،‬ا�ستخدم‬
‫َ‬
‫و�سائل الإعالم املعروفة (راديو وتلفزيون و�صحف‬ ‫و�سائل عديدة‪ ،‬فهو ميلك‬
‫و�إنرتنت)‪ ،‬ولديه (لوبي) �صهيوين يف �ش ّتى �أ�صقاع الأر�ض ذو ت�أث ٍري ال يخفى‬
‫‪246‬‬

‫العاملية الأبرز‪ .‬و�إ�ضاف ًة �إىل ذلك‪ ،‬ا�ستخدم‬


‫ّ‬ ‫على �أحد‪ ،‬وبيده الكثري من املنابر‬
‫عمليا ِته وتوغّ ال ِته وحرو َبه‬
‫االحتالل الو�سائل التقليد ّية املعروفة‪ ،‬فكان ي�صحب ّ‬
‫بدعاي ٍة �إعالمي ٍة عرب مئات �ألوف املنا�شري التي يمُ طر بها النا�س‪ ،‬يحاول ت�ضلي َلهم‬
‫من خاللها‪ ،‬كما فعل يف جنوب لبنان‪ ،‬ويف غزة‪ ،‬ومل ي� ُأل جهداً يف توظيف ما‬
‫ميلك من طاقات و�إمكانات وعقول يف هذا املجال‪.‬‬

‫داخلياً‪:‬‬
‫وهو ما يتع ّلق باملقاومة و�أدائها‪ ،‬وبع�ض الق�صور الذي اعرتاها يف بع�ض‬
‫مراحلها‪ ،‬وهو ما يجب الرتكيز عليه لتج ّنبه ومعاجلته‪ ،‬ثم االنطالق نحو الأمام‪.‬‬
‫ومن هذه العوائق‪:‬‬

‫‪1‬ـ قلة الإمكانات و�ضعف التّمويل‪ :‬فكثرياً ما تبد�أ اخلاليا املجاهد ُة عم َلها‬
‫متويل ثابت ّ‬
‫يغطي احتياجاتها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫م�صدر‬
‫َ‬ ‫�سالح واحدة‪� ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫دون �أن َ‬
‫متلك قطع َة‬
‫ممار�سات‬
‫ٍ‬ ‫بع�ضها نحو‬
‫ويتكفّل بتكاليف �أن�شط ِتها‪ ،‬مما ي� ّؤخر عملها‪ ،‬ويدفع َ‬
‫ع�شوائية غري‬
‫ّ‬ ‫خاطئ ٍة ت�ؤ ّدي �إىل نهايتها؛ ك�أن تبد�أ بالبحث عن م�صادر �سالح‬
‫ال�سالح الأبي�ض يف �سبيل احل�صول على ال�سالح ال ّناري‪،‬‬‫�آمنة‪� ،‬أو ت�ستخدم ِّ‬
‫اخللية �أو ا�ست�شهادهم‪� ،‬أو يبد�ؤون عم َلهم ب�إمكانات‬
‫في�ؤ ّدي �إىل اعتقال �أفراد ّ‬
‫املرجوة‪ ،‬مع ما‬
‫َّ‬ ‫ب�سيطة متوا�ضعة‪ ،‬ويبقون على ذلك مد ًة طويل ًة ال تُعطي النتائج‬
‫خطر كبري‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ي�صاحب ذلك من‬

‫وعاد ًة ما تكون هذه احلاالت يف مرحلة ما قبل االتّ�صال بال ّتنظيم‪ ،‬ويكون‬
‫ين الأفا�ضل‪،‬‬
‫املجاهد َ‬
‫ِ‬ ‫جمموعات من‬
‫ٍ‬ ‫فيها االعتماد على ّ‬
‫الذات‪ ،‬وقد َ�شهِ ْدنا‬
‫‪247‬‬

‫حلي زوجاتهم‪� ،‬أو عقارات لهم �أو لأهلهم‪� ،‬أو اقرتا�ض مبالغ‬
‫ببيع ِّ‬
‫بد�أت العمل ِ‬
‫ت�سد �شيئ ًا من حاجاتهم‪ ،‬وتوفّر لهم ما يبد�ؤون به جهادهم(‪ .)1‬ومن املعلوم‬
‫ُّ‬
‫ب�شكل كبري‪ ،‬نظراً للتكلفة املرتفعة‬
‫ٍ‬ ‫الدعم املا ِّ‬
‫يل‬ ‫الع�سكري يحتاج �إىل ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫العمل‬ ‫�أنّ‬
‫ملهامه‪ ،‬والتي ال يقدر عليها الفرد العادي‪.‬‬
‫ّ‬
‫الكثري من املجموعات بد�أت عملها‬
‫َ‬ ‫‪2‬ـ �ضعف اخلربة الأمنيّة‪ :‬فكما �أنّ‬
‫ب�إمكانات ما ّدية ب�سيطة‪ ،‬ف�إن هناك عدداً �أكرب من املجموعات بد�أت عملها‬
‫اجلهادي‪ ،‬ولي�ست‬
‫ّ‬ ‫أمنية متوا�ضعة‪� ،‬إذ �أنّ �أفرا َدها حديثو عهدٍ بالعمل‬
‫بخربات � ّ‬
‫ٍ‬
‫اعتقالي ٌة �أو خرب ٌة باملطاردة واحتياجاتها‪� ،‬أو مل َّ‬
‫يطلعوا على جتارب‬ ‫ّ‬ ‫لديهم جترب ٌة‬
‫الدرا�سات �أو يتلقّوا ال ّتوجيهات التي تر�شدهم‬ ‫�سابقة ناجحة‪ ،‬ومل ّ‬
‫يطلعوا على ّ‬
‫أمني ال�سليم الذي ي�ضمن لهم عم ً‬
‫ال جهادي ًا خالي ًا من الأخطاء‬ ‫كيفية العمل ال ِّ‬
‫�إىل ّ‬
‫وال ّثغرات‪ ،‬وقدر ًة على ال ّتمويِه على العدو لال�ستمرار ملد ٍة �أطول‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتنكر وال ّتمويه‬ ‫الع على و�سائل التخفّي‬ ‫أمني ُة ت�ضمن ّ‬
‫االط َ‬ ‫فاخلرب ُة ال ّ‬
‫وكل ما من �ش�أنه �أن يخد َم يف التم ّل�ص من حمالت االحتالل‬
‫ّ‬ ‫وال ّت�ضليل‪،‬‬
‫ومالحقاته‪.‬‬

‫م�صريه‬
‫ُ‬ ‫أمنية ت�ضمن للمجاهد �صموداً يف �أقبية التحقيق �إن كان‬
‫واخلربة ال ّ‬
‫ُـر �أم َك ُـب َـر ـ‬
‫فعدونا ال يرتك �أ�سلوب ًا ـ َ�صـغ َ‬
‫ّ‬ ‫الوقوع يف �أيدي قوات االحتالل‪،‬‬
‫َ‬
‫�إال ا�ستخدمه �سعي ًا النتزاع االعرتافات من �صدور الأحرار‪� ،‬سواء �أكان ج�سد ّيا‬
‫أداء عد ِّونا يف هذا‬ ‫نف�سيا‪ ،‬ترغيب ًا �أو ترهيب ًا‪ ،‬مبا�رشاً �أو غري مبا�رش‪ ،‬ومل ْ‬
‫يقف � ُ‬ ‫ّ‬ ‫�أو‬
‫املجال عند حدود‪ ،‬بل اجتهد دور ّي ًا يف تطويره تبع ًا للحاجة‪ُّ .‬‬
‫كل ذلك يجعل من‬
‫االطالع على تلك الأ�ساليب ودرا�ستها والوقوف عندها ح�صان ًة حتفظ املجاهد‬
‫خلية �سلواد‪.‬‬
‫خلية القد�س‪ ،‬وهو ما فعله جماهدو ّ‬ ‫‪ 1‬هكذا بد�أَ جماهدو ّ‬
‫خلية �صوريف‪ ،‬و�أبطال ّ‬
‫‪248‬‬

‫ك�شفها الذي ي�ؤ ّدي �إىل‬


‫ِ‬ ‫َ‬
‫م�سل�سل‬ ‫و�إخوانه‪ ،‬وما ميلكون من معلومات‪ ،‬ومتنع‬
‫�رضب كافّة �صفوف العاملني‪ ،‬وك�شف �أطراف العمل‪.‬‬

‫يتدرب كفاي َته من ال ميلك‬ ‫ّ‬ ‫‪3‬ـ قلة التّدريب و�ضعف القدرات‪ :‬فكيف‬
‫إبداع يف الأداء من ال ميلك املال‬
‫مي وال ِ‬
‫الر ِ‬
‫�سيتميز بقدرته على ّ‬
‫ّ‬ ‫ال�سالح؟ وكيف‬
‫الذي ي�شرتي به ّ‬
‫الذخرية؟‬

‫تدريب لعنا�رصها يف �أر�ض املعركة‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫جمموعات عديد ًة كان � ّأو ُل‬
‫ٍ‬ ‫لقد َ�شهِ ْدنا‬
‫حتى �أنهم مل يطلقوا قبل ذلك طلق ًة واحدة! كما ح�صل مع املجاهد (حممد‬
‫عمليتهما‪.‬‬
‫دخان)‪ ،‬واملجاهد (�أ�رشف الوادي) يف ّ‬
‫بكيفية ا�ستخدام ال�سالح واالحتفاظ به‬
‫ّ‬ ‫�سببه اجلهل‬
‫وال نن�سى كذلك ما ّ‬
‫والرجال‪،‬‬
‫املطبات‪ ،‬وفقدانٍ للأرواح ّ‬
‫ووقوع يف ّ‬
‫ٍ‬ ‫ف�شل يف املهمات‪،‬‬
‫وتنظيفه من ٍ‬
‫و�ضياع للف َُر�ص‪ ،‬ولك �أن ت�س� َأل � َّأي جمموع ٍة عامل ٍة جماهدة؛ كم مر ًة � َ‬
‫أف�شل فيها‬ ‫ٍ‬
‫أزمات كادت تودي بهم؟!‬
‫عملي َتهم؟ �أو �أوقعهم يف � ٍ‬
‫الح ّ‬‫ال�س ُ‬
‫ّ‬
‫املتفجرات‪ ،‬فالأمر �أكرث‬
‫ّ‬ ‫هذا يف ال�سالح ال ّناري‪� ،‬أما بخ�صو�ص �صناعة‬
‫روحه �أو �أطرافَه �أو جزءاً من ج�سده لعدم �إح�سا ِنه‬ ‫تعقيداً‪ ،‬فكم من جماهدٍ َ‬
‫فقد َ‬
‫ال ّتعامل مع هذه املواد‪ ،‬و�ضعف معرف ِته ب�أُ ُ�س ِ�س ال ّت�صنيع‪ ،‬و�صفات املادة التي‬
‫ال�سليمة لل ّتعامل معها‪ ...‬والأمثلة على ذلك كثرية‪ ،‬نذكر‬
‫ي�ستخدمها‪ ،‬والآلية ّ‬
‫و(جهاد دوف�ش)‪ ،‬ا ّل َ‬
‫لذ ِين‬ ‫منها حادث ا�ست�شهاد الأخوين (حامت القوا�سمة)‬
‫عدة لل ّت�صنيع‪ ،‬يفوق ثم ُنها ع�رشات‬
‫متفجرات يحوي موا ّد ُم َّ‬
‫تفجر بهما م�ستودع ّ‬
‫ّ‬
‫فدمرت املكان‪ ،‬وارتقيا‬
‫الدوالرات‪ ،‬ناهيك عن نُدر ِتها‪ ،‬انفجرت بهما ّ‬
‫�آالف ّ‬
‫�إىل اهلل �شهداء‪.‬‬
‫‪249‬‬

‫ال�سالم َة والأمانَ‬
‫�ضعف الإمكانات التي توف ُّـر ّ‬
‫ُ‬ ‫ويدخل يف ذات الباب‬
‫بع�ضهم ال ميلك الكمامات‬ ‫املتفجرة‪ ،‬حتى �أنّ َ‬
‫ّ‬ ‫للمجاهد العامل يف ت�صنيع املواد‬
‫حد َثنا ال�شّ هيدان‬
‫ال�سامة التي تَنتج عن ال ّتفاعالت‪ ،‬وقد َّ‬
‫ّ‬ ‫التي تقي من الأبخرة‬
‫الرو�س) و(جا�رس �سمارو) �أنهما كان يعمالن يف ت�صنيع مئات الكيلو‬
‫(ن�سيم �أبو ُّ‬
‫وجوههما � َّأي قناع‪� ،‬أو يلب�سا � َّأي ُقفّاز‪ ،‬وذات‬
‫ِ‬ ‫ي�ضعا على‬
‫غرامات دون �أن َ‬
‫مغ�شي ًا عليهما يف‬
‫ّ‬ ‫ال�سامة؛ وقَعا‬
‫ّ‬ ‫كمي ٍة كبري ٍة من الأبخرة‬
‫يوم ونتيج ًة ال�ستن�شاق ّ‬
‫خمتربهما اخلايل من َف ْتحات ال ّتهوية‪ ،‬وكادا �أن يفقدا حيات َْيهما لوال عناي ُة اهلل‪،‬‬
‫ح�رض من � َ‬
‫أنقذهما‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وذلك ب�أن‬

‫م�ضطرونَ‬
‫ّ‬ ‫تخ�ص�ص يف العمل‪ :‬فالإخوة العاملون يف اخلاليا‬ ‫‪4‬ـ عدم وجود ُّ‬
‫جزئيات العمل من �أَ ِلفها �إىل يائها‪ ،‬املبا�شرِ ة وغري املبا�شرِ ة‪ّ ،‬‬
‫الداعمة‬ ‫ّ‬ ‫�إىل �إجناز ِّ‬
‫كل‬
‫للمهمة‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬ ‫وال ّتنفيذية‪ ...‬فعليهم اختيار املوقع‪ ،‬ثم ر�صده‪ ،‬فالإعداد التا ّم‬
‫الدعم وال ّتمويل وما يلزم للتجهيز‪...‬‬
‫تنفيذها‪ ،‬و�إيجاد ّ‬

‫إطالق وتفج ٍري‬ ‫ويف التنفيذ هم مطالبون ب�إتقان ِّ‬


‫كل �أ�شكال الهجمات‪ ،‬من � ٍ‬
‫املتفجرات‪ ،‬وال ّتعامل مع �ش ّتى �أنواع‬
‫ّ‬ ‫واختطاف‪ ،‬ومطالبون ب�إتقان �إعداد‬
‫ال�سالح‪...‬‬

‫التخ�ص�ص يف الأداء؛ ي�ؤ ّثران �سلب ًا على‬


‫ُّ‬ ‫�شتيت يف اجلهد‪ ،‬وعدم‬
‫�إن هذا ال ّت َ‬
‫َجودة و�إتقان �أداء �أفراد اخللية‪ ،‬ويبعرثان جهو َدهم يف التدريب على جميع �أنواع‬
‫ال�سالح‪ ،‬مما يعني توزيع اجلهود دون الترّ كيز على � ِّأي نوع‪ ،‬في�ضيع الإبداع‪.‬‬
‫التخ�ص ِ�ص ّية‪ ،‬التي جتعل من‬
‫ُّ‬ ‫إداري الناجح؛‬ ‫وك ُّلنا يعلم �أن من � ّ‬
‫أ�سا�سيات العمل ال ِّ‬
‫ملمـ ًا يف تف�صيالته‪.‬‬
‫تخ�ص�صه‪ ،‬متقن ًا له‪ ،‬حمرتف ًا يف �أدائه‪ّ ،‬‬
‫�صاحبها مبدع ًا يف ّ‬
‫‪250‬‬

‫تفرغ يف العمل‪ :‬يعاين �شعبنا الفل�سطيني �أو�ضاع ًا اقت�صاد ّي ًة‬


‫‪5‬ـ عدم وجود ُّ‬
‫جراء املقاومة التي تع�صف به‪ ،‬واملجاهدون‬ ‫�صعب ًة فر�ضها االحتالل الإ�رسائيلي ّ‬
‫واملقاومون جز ٌء من هذا ال�شعب‪ ،‬بل هم قطاع ال�شباب الذي �أُ ِلق َي على كاهله‬
‫وامتهن ِح َرف ًا و�أ�شغا ًال ملكت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فانخرط يف ميدان العمل‪،‬‬ ‫�إعال ُة �أه ِله وذويه‪،‬‬
‫جزئي ًا‪ ،‬فق ّلت جاهز ّيته‬
‫ّ‬ ‫ُج َّل وقته واهتمامه وتفكريه‪ ،‬وجعل ْته �أ�سرياً لها ك ّلي ًا �أو‬
‫ميكنه‬‫والقتالية‪ ،‬وجعلته ال ميلك من وقته ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫وا�ستعداده يف �أدائه للمها ِّم اجلهاديّة‬
‫مهامه ويف وقتها ال�سليم‪.‬‬
‫من �أداء ّ‬
‫ٌ‬
‫م�شغول ب�أهله‪ ،‬فمتى يكون‬ ‫ره ٌق يف ليله‬
‫فهو ملتز ٌم مبهنته طوال نهاره‪ُ ،‬م َ‬
‫ا�ضطر �إىل تعطيل عمله‬
‫َّ‬ ‫مهمته تقت�ضي ال ّت َ‬
‫نفيذ يف النهار‪،‬‬ ‫العمل؟ ف�إن كانت ّ‬
‫الرزق و ُي ِلف ُت ال ّنظر‪ ،‬وقد وجدنا خاليا عديدة ّ‬
‫تعطلت‬ ‫َ‬ ‫يف ذلك اليوم‪ ،‬فيفقد‬
‫ب�شكل متوا�صل‪ ،‬لعدم قدرتهم على �إيجاد الوقت‬
‫ٍ‬ ‫عملياتها مراراً‪ ،‬وت� ّأجلت‬
‫ّ‬
‫خلية‬
‫بع�ضهم �إىل تعطيل عمله‪ ،‬وقد اختارت ّ‬
‫وا�ضطر ُ‬
‫َّ‬ ‫املنا�سب لعملهم‪ ،‬بل‬
‫ات عديدة‪ ،‬لأنه اليوم الذي ّ‬
‫يعطلون‬ ‫مر ٍ‬
‫اجلهادي يو َم اجلمعة ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫العمل‬ ‫(�سلواد)‬
‫فيه ِم َه َنهم‪.‬‬

‫ب�شكل دائم‪ ،‬فالعمل �إ�ضاف ًة‬


‫ٍ‬ ‫يقعد املجاهد عن عمله‬
‫وال نعني بكالمنا هذا �أن َ‬
‫لكن املطلوب �أن‬
‫أمني للمجاهد‪ّ ،‬‬
‫الغطاء ال َّ‬
‫َ‬ ‫م�صدر رزق‪ ،‬فهو يوفّر‬
‫َ‬ ‫�إىل كونه‬
‫ال يكون العمل ُمعيق ًا للعمل اجلهادي‪ ،‬و�أن توف َِّـر احلرك ُة للمجاهد املبلغَ املا َّ‬
‫يل‬
‫يتفر َغ عد ٌد َّ‬
‫حمد ٌد‬ ‫�رضورة �أن ّ‬
‫ِ‬ ‫ا�ضطر �إىل تعطيل عمله‪� .‬إ�ضاف ًة �إىل‬
‫ُّ‬ ‫البديل يف حال‬
‫مبعا�ش‬
‫ٍ‬ ‫من الإخوة للعمل اجلهادي‪ ،‬ويكون م�صدر رزقهم من خالل احلركة‬
‫والتفر ُغ واملثابر ُة ليكونوا دعامة‬
‫ّ‬ ‫إبداع‬
‫مطلوب منهم ال ُ‬
‫ٌ‬ ‫�شهري منتظم‪ ،‬ه�ؤالء‬
‫ٍّ‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪251‬‬

‫‪6‬ـ �أخـطـاء‪ :‬مع كل ما �سبق من عوامل �أعاقت العمل املقاوم‪ ،‬ف�إنّ الأخطاء‬
‫ال �آخر �ساهم يف‬‫�شكلت عام ً‬‫املقاومة؛ ّ‬
‫ِ‬ ‫للمقاومني وللحركات الثور ّية‬
‫ِ‬ ‫الذاتية‬
‫ّ‬
‫املقاومة‪ ،‬و�سبب ًا يف ف�شل عدد ال ُيح�صى من‬
‫ِ‬ ‫البنى والهيئات‬
‫ت�صدع الكثري من ُ‬
‫ّ‬
‫املحاوالت اجلهادية‪ ،‬بل هو ال�سبب الأ�سا�س يف وقوع اخلاليا املجاهدة وعدم‬
‫العمليات الناجحة � اّإل‬
‫ّ‬ ‫جناحها يف تنفيذ ما ُع ِق َد العزم على �إجنازه من مها ّم‪ ،‬وما‬
‫مزيج من التوفيق الإلهي �أو ًال و�أخرياً‪ ،‬ثم القدرة على جتاوز ّ‬
‫املعوقات وعالجها‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وعدم الوقوع يف الأخطاء‪.‬‬

‫ومن الأخطاء التي نريد �أن ن�س ّل َط ال�ضوء عليها‪:‬‬

‫‪ -‬عدم االلتزام بالقواعد الأمنيّة التي ت�ضمن �سالمة العاملني‪ :‬حيث تتهاون‬
‫أمنية الواجب اتّباعها لتحقيق �أعلى قدر‬
‫العديد من اخلاليا املجاهدة ب�إجراءاتها ال ّ‬
‫من ال�سالمة‪ ،‬و�ضمان املحافظة على ّ‬
‫الذات‪ ،‬وعدم الوقوع يف قب�ضة �أجهزة‬
‫أمنية التي ت�ضمن للمجاهد حال ًة‬
‫أمنية والع�سكر ّية‪ .‬و�إنّ الإجراءات ال ّ‬
‫االحتالل ال ّ‬
‫متعددة‪ ،‬تبد�أ من ت�شكيل اخللية‪ ،‬ثم يف احل�صول‬
‫مر جهاده ِّ‬ ‫ُ‬
‫تطيل ُع َ‬ ‫من ال�رسِّية‬
‫على �أدواتها وم�ستلزماتها وم�صادر متويلها‪ ،‬فالإعداد للمهمات اجلهادية‪ ،‬ثم‬
‫�أثناء التنفيذ والعودة من املهمة‪ ..‬و�إنّ � َّأي خط�أ قد يقع فيه املجاهد وجماعته يف‬
‫ّ‬
‫�سي�شكل ثغر ًة ي�ستغ ّلها االحتالل للإيقاع باخللية‬ ‫� ِّأي مرحلة من هذه املراحل‪،‬‬
‫ورجالها‪.‬‬

‫ال�سمات الأبرز التي الزمت املقاومة الفل�سطينية‬


‫‪ -‬العمل بر ّدات الفعل‪ :‬من ِّ‬
‫االنفعالية‪ ،‬والعمل بر ّدات الفعل غري املح�سوبة‪ ،‬واملتولِّدة‬
‫ّ‬ ‫على مدار تاريخها‪:‬‬
‫�شعبي ٌة ما تلبث �أن تف َرت‬
‫ّ‬ ‫هب ٌة �أو ثور ٌة‬
‫م�شاعر املجتمع‪ ،‬فتعقبه ّ‬
‫َ‬ ‫حد ٍث يه ُّز‬‫جر َاء َ‬
‫ّ‬
‫وراها‪ ،‬كثورة ال ّنبي مو�سى وثورة الرباق قدمي ًا‪ ،‬وثورة �أحداث النفق عام‬ ‫ويخبو ُ�أ ُ‬
‫َ‬
‫‪252‬‬

‫ا�ستمرت حين ًا‬


‫ّ‬ ‫العمليات اجلهاديّة التي‬
‫ّ‬ ‫ني ما يح�صل يف‬
‫‪1997‬م‪ ،‬وهو ذاتُه ع ُ‬
‫من الدهر مقت�رص ًة على حماولة الر ِّد على ّ‬
‫عمليات االغتيال‪� ،‬أو الأحداث الكبرية‬
‫واملجازر الب�شعة التي يرتكبها االحتالل‪.‬‬

‫وحتى ال يقع القارئ يف �سوء فهم‪ ،‬ف�إننا ال نعني �أن ال تكون هناك ر ّدات‬
‫بال�سلبية املط َلقة‪ ،‬بل هي �أحيان ًا من ال�ضرّ ورات مبا ّ‬
‫ت�شكله من‬ ‫ّ‬ ‫فعل‪ ،‬وال ن ّتهمها‬
‫فينتف�ض على جلاّ ده‪ ،‬و ُم رِّ ٍ‬
‫عب‬ ‫ُ‬ ‫قلوب ال�شعب‬
‫َ‬ ‫رادع لالحتالل‪ ،‬و�صاعقٍ ُيلهب‬
‫ٍ‬
‫و�رشعي مع الأحداث‪ ...‬لكن‬ ‫ٍّ‬ ‫وطني‬
‫ٍّ‬ ‫جيا�ش ٍة وانفعالٍ‬
‫�صادق عن عاطف ٍة ّ‬
‫ٍ‬
‫�شكل فيه �أن يكون العمل املقاوم مقت�رصاً على ر ّدات الفعل‪ ،‬فال يعمد �إىل‬
‫الـم ِ‬
‫ُ‬
‫والكيفي َة‬
‫ّ‬ ‫يحد ُد هو ال ّزمانَ واملكانَ‬
‫املبادرة‪ ،‬وال ي�ضبط النف�س وقت احلاجة‪ ،‬وال ِّ‬
‫املنا�سب َة ليختار فيها ر ّده و�رضبته‪.‬‬

‫ب�رضبات جهاديّ ٍة مل تكن يف متام اجلاهزيّة‬


‫ٍ‬ ‫ا�ضطرت املقاومة �إىل الر ّد‬
‫ّ‬ ‫لقد‬
‫لها‪ ،‬فجاءت ر ّدات �ضعيفة قا�رصة‪ ،‬فا�ستنزفت طاق َتها ب�إرادتها‪ ،‬وهي كذلك‬
‫فكثري من اخلاليا التي �أُ ِ‬
‫ن�شئت بهدف‬ ‫ٌ‬ ‫انحرفت عن �أهدافها التي ر�سم ْتها لنف�سها‪،‬‬
‫مهم ِتها التي‬
‫ترك ّ‬
‫فا�ضطرت مع ر� ِؤية جمزر ٍة �إىل ِ‬
‫ّ‬ ‫تنفيذ عمليات اخلطف مث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫عملية �إطالق نار �سقطت‬
‫وتدربت على �أ�سلوبها‪ ،‬ثم انطلقت لتنفيذ ّ‬
‫ّ‬ ‫�سعت �إليها‬
‫فيها ب�شرِ ٍك �أو خط�أ كان فيه نهاي ُتها‪.‬‬

‫تخ�ص�صت بلونٍ من العمل‪،‬‬


‫خلية (�صوريف)‪ ،‬التي َّ‬
‫ومن الأمثلة على ذلك ّ‬
‫فعل على ممار�سات‬
‫حتى جاءت الأوامر ب�رضورة الدخول يف �سلك ال ّتفجري كر ّدة ٍ‬
‫الطويلة امل�رشقة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عمليـ ُتها ال ّتفجري ّي ُة الأوىل نهاي َة �صفحا ِتها‬
‫االحتالل‪ ،‬فكانت ّ‬
‫‪ -‬الع�شوائية‪ ،‬و�ضعف التخطيط التّكتيكي‪ :‬فالقاعدة التي عملت بها املقاومة‬
‫الفل�سطينية عموم ًا ويف غالب مراحلها‪ ،‬هي (ا�رضب متى كان ذلك ممكن ًا)‪ ،‬ويف‬
‫‪253‬‬

‫الكيفية‪� ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫كل حلظ ٍة ت�سنح فيها الفر�صة‪ ،‬دون النظر �إىل الزمان‪� ،‬أو املكان‪� ،‬أو‬
‫حتى النتائج املرتتّبة على ذلك‪.‬‬

‫جته َز‬
‫فكلما َّمت �إعداد عبوة؛ يبد أ� العمل على زراعتها وتفجريها‪ ،‬وكلما ّ‬
‫هدف‬‫ٍ‬ ‫ا�ست�شهادي؛ ُي�صار �إىل �إر�ساله �صوب هدفه الأقرب‪ ،‬وك ّلما َّمت َر ُ‬
‫�صد‬
‫�صهيوين؛ ُيبا�شرَ �إىل �رضبه بدون ح�ساب‪.‬‬

‫قد يتنا�سب ذلك مع مرحل ٍة دون غريها‪ ،‬لكنه قطع ًا ال يتنا�سب مع جميع‬
‫الر�سائل القو ّية والوا�ضحة وال�صرّ يحة ميكن �إر�سا ُلها �إىل‬
‫املراحل‪ ،‬و�إن العديد من ّ‬
‫وكيفية التنفيذ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العدو والعامل �أجمع عرب اختيار الزمان واملكان وطبيعة الهدف‬
‫وغري ذلك من ال ّتف�صيالت‪ ..‬وميكن مل ْث ِل هذه ال�ضرّ بات �أن حتق َّق �أهداف ًا تفوق ما‬
‫حتقّقه ال�رضبات الع�شوائية بكثري‪ ،‬ف�إذا �أر ْدنا توجي َه ر�سال ٍة �إىل م�رشوع اال�ستيطان‪،‬‬
‫ف�إننا نحتاج �إىل توجيه عدد من ال�رضبات �إىل قُطعان امل�ستوطنني‪ ،‬و�إذا �أر ْدنا‬
‫وال�سواحل هي املكان املنا�سب لتوجيه ال�رضبات‪،‬‬
‫فاملنتجعات ّ‬
‫ُ‬ ‫ال�سياحة‪،‬‬
‫�رضب ِّ‬
‫َ‬
‫نوعية‬
‫بعملية ّ‬
‫ّ‬ ‫بد من االحتفاظ‬
‫الرعب)‪ ،‬فال َّ‬
‫و�إذا حر�صنا على تثبيت مبد أ� (توازن ُّ‬
‫جاهزة للتنفيذ عقب حادثة اغتيال لأحد القادة‪� ،‬أو �إقدام العدو على ارتكاب‬
‫وال�ضغط على‬
‫وق�ضيتهم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫�صوب الأ�رسى‬
‫َ‬ ‫نلفت الأنظار‬
‫َ‬ ‫جمزرة‪ ،‬و�إذا �أر ْدنا �أن‬
‫فعمليات اخلطف هي الأمثل لتحقيق‬
‫ّ‬ ‫امل�ستوى ال�سيا�سي والعاملي للإفراج عنهم‪،‬‬
‫هذا الهدف‪ ،‬وهكذا‪...‬‬

‫ركزت يف عملها على‬‫الكثري من العارفني؛ �أنّ انتفا�ض َة الأق�صى لو ّ‬


‫ُ‬ ‫قد َر‬
‫لقد َّ‬
‫وحرا�ساتها‬ ‫ّ‬
‫و�سكانها ِ‬ ‫اال�ستيطان وامل�ستوطنات‪ ،‬و ضرَ� ِب خطوط موا�صالتها‬
‫ومركبا ِتها‪ ،‬ال�ستطاعت �أن تحُ َ‬
‫دث تغيرياً جذري ًا يف و�ضعها ووجودها‪ ،‬فقد‬
‫�شق باحلجارة‬
‫للر ِ‬
‫تعر�ضوا َّ‬ ‫هجرها �أه ُلها ّ‬
‫مبجر ِد �أن ّ‬ ‫َ‬ ‫ر�أينا الكثري من امل�ستوطنات‬
‫‪254‬‬

‫و�سيلة ات�صالٍ‬
‫ِ‬ ‫لأيام طويلة‪ ،‬فكيف لو َّمت ت�سليط اخلاليا امل�س َّلحة عليهم وعلى ِّ‬
‫كل‬
‫بينهم وبني حميطهم؟ وهكذا ميكن ر�سم �أهداف مرحلية �آمنة‪ ،‬وتوجيه العمل‬
‫لتحقيقها؛ عندها يكون الإجناز كبرياً ح ّق ًا‪.‬‬

‫تكر َر الوقوع بها‪ :‬فالناظر �إىل املجموعات‬


‫‪ -‬الوقوع يف ذات الأخطاء التي َّ‬
‫الع�سكرية واجلهادية العاملة على ال�ساحة‪ ،‬والباحث عن �أ�سباب �سقوطها بيد‬
‫عد ِّوها وف�ش ِلها يف �إجناز الكثري من �أهدا ِفها‪� ،‬سيجد جتارب عديدة مت�شابهة‬
‫يتجدد الوقوع بها تكون �سبب ًا النتهاء عمر املجموعات‪ ،‬فكم‬
‫ّ‬ ‫متكررة‪ ،‬و�أخطاء‬
‫ِّ‬
‫من املجموعات كان �سبب �سقوطها هو ا�ستخدام الهاتف املحمول‪ ،‬وكم من‬
‫وعدم‬
‫ِ‬ ‫املجاهدين قت َلهم ل�سانُهم‪ ،‬وكم من املطاردين ا�ست�شهدوا ب�سبب عاطف ِتهم‬
‫قدر ِتهم على �ضبطها‪...‬‬

‫هذا يف ميدان العمل‪� ،‬أما يف ميدان االعتقال‪ ،‬فما الذي يجعل �أك َرث من‬
‫ن�صف الأ�رسى الذين يعرتفون‪ ،‬يكون اعرتافُهم عند الع�صافري‪ ،‬على الرغم من �أنه‬
‫�أ�صبح �أ�سلوب ًا مك�شوف ًا؟ �أال يوجد من ُي ِ‬
‫ح�س ُن درا�س َته ويتكفّل بن�رش ثقافته؟ �أال‬
‫يتعهد النا�س لفهمه وا�ستيعابه واالطمئنان �إىل عدم الوقوع به‪� ،‬أم �أن‬
‫يوجد من ّ‬
‫الإ�شكال ال يتع ّلق بالدرا�سة؟!!‬

‫ال�سلبية للثورة الفل�سطينية تفتقر‬


‫ّ‬ ‫ال�سمات‬
‫هذه النقطة تقودنا �إىل القول ب�أن ِّ‬
‫هدهم ووق َتهم لدرا�سة ظواهر املقاومة‪،‬‬ ‫رين املبدعني ا ّلذين َّ‬
‫خ�ص�صوا ُج َ‬ ‫�إىل ِّ‬
‫املفك َ‬
‫َ‬
‫احللول لها‪..‬‬ ‫وواكبوا �أحدا َثها‪ ،‬و�ص ّنفوا مراح َلها‪ ،‬ودر�سوا ّ‬
‫�سلبيا ِتها‪ ،‬وو�صفوا‬
‫بحيث ي�ستفيدون من جتارب �أبنائها‪ ،‬وي�ضعون الأفكار واملبادئ واملناهج التي‬
‫تنا�سبها‪...‬‬
‫‪255‬‬

‫هكذا كانت الثورات العاملية؛ هكذا كان (ماوت�س تونغ) يف ال�صني‪،‬‬


‫و(كا�سرتو) و(ت�شي جيفارا) يف كوبا‪ ،‬و(هو�شي من) يف فيتنام‪ ...‬نعم‪ ،‬لدينا‬
‫ونف�سه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وولده‬
‫َ‬ ‫قد َم ما َله‬
‫من هو �أعظم منهم ت�ضحي ًة وتفاني ًا وجهاداً‪ ،‬لدينا من ّ‬
‫لق�ضيته‪ ،‬ولكن ذلك ال ينفي حاجتنا �إىل �أمثال �أولئك املفكرين‬
‫ّ‬ ‫ومن �أعطى عمره‬
‫�أبداً‪.‬‬

‫أحد جماهدينا �أع�ضاء اخلاليا �أنّ �أحد حمقّقي ال�شّ اباك قال له‪:‬‬
‫وقد روى يل � ُ‬
‫أمنيـ ًا‪ ،‬وهذا ما‬
‫الفل�سطينيون تتقنون العمل الع�سكري‪ ،‬لكنكم فا�شلون � ّ‬
‫ّ‬ ‫«�أنتم‬
‫�صدقه هذا الكذوب!‬ ‫يوقعكم ب�أيدينا»‪ .‬وفع ً‬
‫ال‪ ،‬لقد َ‬

‫***‬
256
‫‪257‬‬

‫ـمـة‬
‫ـات َ‬ ‫َ‬
‫الـخ ِ‬
258
‫‪259‬‬

‫اخلامتة‬

‫أر�ض مغت�صب ٍة‬ ‫حرب دائم ٌة بني االحتالل وال�شعب املقهور‪ ،‬مكانها ُّ‬
‫كل � ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫هي‬
‫وحق م�سلوب‪ ،‬تنتهي دائم ًا �إىل انت�صار احلق وعودة احلقوق �إىل �أ�صحابها‪،‬‬
‫ٍّ‬
‫م�رشوعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫�سلبها دون‬
‫أر�ض َ‬
‫وطرد املحتل عن � ٍ‬

‫بعدة �سنوات‪ ،‬وهذا‬


‫حرب قد تطول ع�رشات ال�سنوات‪ ،‬لكنها قد تنتهي ّ‬
‫ٌ‬
‫أهمها قدرة ال�شعب وقواه‬ ‫مو�ضوعي ٍة وعوامل و�أ�سباب‪ّ � ،‬‬
‫ّ‬ ‫ظروف‬
‫ٍ‬ ‫عائد �إىل‬
‫ٌ‬
‫املقاومة على �إدارة مقاومته وتنظيم �صفوفه‪ ،‬وتقومي �أدائه‪ ،‬ومعاجلة �أخطائه‪،‬‬
‫ِ‬
‫ومداومة االرتقاء وال�سري نحو النجاح‪.‬‬

‫ال‪ ،‬و�إنّ مقاوم ًة ال تو ِّث ُ‬


‫ـق‬ ‫ُقيم جتار َبها ال ميكنها �أن تعي�ش طوي ً‬ ‫�إن ثور ًة ال ت ِّ‬
‫ت�ستفيد من‬
‫َ‬ ‫وبطوالت �أبنا ِئها بانت�صارا ِتها و�إخفاقا ِتها ال ميكن �أن‬
‫ِ‬ ‫�أعما َلها‬
‫تاريخها‪.‬‬

‫يبحث عن جتارب غريه فيتّعظ بها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫هي دعو ٌة لكلِّ جماهدٍ ومقاوِ م وثائر‪� ،‬أن‬
‫قي من اتّ َ‬
‫عظ بنف�سِ ه‪.‬‬ ‫وال�ش ُّ‬ ‫ال�سعي ُد من اتّ َ‬
‫عظ بغريه‪َّ ،‬‬ ‫وينتفع بنتاجها‪ ...‬وقد قيل‪َّ :‬‬
‫و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
260
‫‪261‬‬

‫املراجع وامل�صادر‬

‫‪1‬ـ خمت�رص �صحيح م�سلم‪.‬‬


‫‪2‬ـ الرحيق املختوم‪ /‬املباركفوري‪.‬‬
‫‪3‬ـ املنهج احلركي لل�سرية النبوية‪� /‬أ‪ .‬منري الغ�ضبان‪.‬‬
‫الربعي‪.‬‬
‫‪4‬ـ ف�ضائل ال�شّ ام‪ّ /‬‬
‫‪5‬ـ نور اليقني‪ /‬اخل�رضي‪.‬‬
‫‪6‬ـ ر�سائل الإمام ال�شهيد ح�سن الب ّنا‪.‬‬
‫‪7‬ـ �صفحات من التاريخ الإ�سالمي‪ /‬ناجي �صبحة‪.‬‬
‫‪8‬ـ �صحيح اجلامع ال�صغري‪ /‬الألباين‪.‬‬
‫‪262‬‬

‫الفهر�س‬

‫�إهداء ‪5 .............................................................................................‬‬
‫من قب�س النبوة ‪7 .................................................................................‬‬
‫تقدمي د‪�.‬أحمد نوفل ‪9 ...........................................................................‬‬
‫مق ّدمة ‪15 ...........................................................................................‬‬
‫متهيد ‪19 ............................................................................................‬‬
‫ما هي حرب الع�صابات؟ ‪21 ...............................................................‬‬
‫ملحة تاريخية ‪24 .................................................................................‬‬
‫مدار�س حرب الع�صابات ‪27 ................................................................‬‬
‫�أو ًال‪ :‬مدار�س الع�صابات يف ع�رص ال ّنبوة ‪29 ......................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املدر�سة ّ‬
‫ال�صينية (املاويّة) ‪34...................................................‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املدر�سة الكوبية ‪37 ...............................................................‬‬
‫الفيتنامية ‪39 ............................................................‬‬
‫ّ‬ ‫رابع ًا‪ :‬املدر�سة‬
‫خام�س ًا‪ :‬حرب التحرير اجلزائر ّية ‪41 ..............................................‬‬
‫الفل�سطينية ‪44.......................................................‬‬
‫ّ‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬التجربة‬
‫مقارنة ‪48...........................................................................................‬‬
‫�أهداف حرب الع�صابات ‪55 .................................................................‬‬
‫من قواعد حرب الع�صابات ‪69 ..............................................................‬‬
‫العمل الفل�سطيني املقاوم ‪91 .................................................................‬‬
‫‪263‬‬

‫�أ�شكال هجمات املقاومة ‪95 .................................................................‬‬


‫�أو ًال‪ :‬املقاومة َ‬
‫ال�شعبية ‪95 ..............................................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عمليات �إطالق النار ‪96 ........................................................‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬عمليات التفجري ‪101 ...........................................................‬‬
‫رابع ًا‪ :‬عمليات االختطاف ‪105 .....................................................‬‬
‫خام�س ًا‪:‬االغتياالت ‪107 ...............................................................‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬حرب االنفاق ‪109 ...........................................................‬‬
‫�سابع ًا‪َ :‬‬
‫ال�صواريخ ‪111 ..................................................................‬‬
‫ق�سامية ‪115 ...............................................................‬‬
‫مناذج وتطبيقات َ‬
‫و�سائل حتقيق الأهداف ‪163 .................................................................‬‬
‫�أو ًال‪ :‬التنظيم ‪166 .........................................................................‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الت�سليح ‪174 ........................................................................‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬اال�ستخبارات ‪181 ...............................................................‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الإعالم ‪190 .......................................................................‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬التخفَي وال َتمويه ‪195 .......................................................‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬و�سائل االت�صال الآمنة ‪202 ................................................‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الإميان ‪212 .......................................................................‬‬
‫�صفات رجل الع�صابات الناجح ‪217 ......................................................‬‬
‫من عوامل النجاح ‪227 ........................................................................‬‬
‫املع َوقات ‪237 .....................................................................................‬‬
‫اخلامتة ‪257 ........................................................................................‬‬
‫املراجع ‪261 ......................................................................................‬‬

You might also like