Professional Documents
Culture Documents
011 اعتراضات ابن هشامت761هـ في كتابه
011 اعتراضات ابن هشامت761هـ في كتابه
167
358
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بلسان عربي مبين ،على أفصح العرب وخير
الخلق أجمعين ،سيدنا -محمد صلى الله عليه وسلم -وعلى آله الطيبين،
وأصحابه الغر الميامين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
فإن االعتراض النحوي ُي َعُّد عمال علميا رصينا ،يقوم على مقابلة األدلة
والحجج ،وال يهدف إلى التتبع المقصود لألخطاء والهنات ،بل يهدف إلى بيان
المعنى والحقيقة على وجه الصواب.
- عضو هيئة تدريس -كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية -الجامعة األسمرية
للعلوم اإلسالمية
583
167
وأخي ار :فإن هذه الدراسة تعد لونا من المناقشة العلمية من الحق لسابق ،آلرائهما
قيمتُها العلمية ،ودراسة هذه اآلراء فيها إثراء للدرس النحوي ،وبناء للناحية
العلمية عند الباحث ،حيث إن البحث في مثل هذا الموضوع يتيح للباحث
أكبر ْقدر من التعمق في المسائل ،ويعين على الغوص في دقائقها
وخفاياها ،ويلزم بالنظر في أدلتها وحججها ومراجعة مصادرها.
وقد قسمت البحث بعد هذه المقدمة إلى تمهيد وثالثة مباحث ،وفي كل مبحث
مجموعة من المطالب ،وخاتمة ،ثم قائمة بالمصادر والمراجع ،وذلك وفق اآلتي:
ثانيا :الجانب التطبيقي :مسائل اعترض فيها ابن هشام على الزمخشري،
ويشتمل على ثالثة مباحث:
تمهيد:
ِ
المعترضين عليه: أ -ترجمة موجزة للزمخشري وذكر أشهر
الزمخشري( :)1هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد ،أبو القاسم ،جار الله
الزمخشري ،ولد سنة 767هـ ،في قرية تدعى (زمخشر) ،وأتته المنية-رحمه الله-
ليلة عرفة سنة838هـ بجرجانية.
ب -ترجمة موجزة البن هشام وذكر أشهر من اعترض عليهم :ابن
هشام( :)3هو أبو محمد جمال الدين عبدالله بن يوسف بن أحمد بن
عبدالله المعروف بابن هشام األنصاري النحوي المصري ،ولد بالقاهرة
سنة 718هـ ،وتوفي سنة 760هـ ،ودفن بعد صالة الجمعة بمقابر
الصوفية خارج باب النصر بالقاهرة.
وقد تجاوز عدد من اعترض عليهم ابن هشام مائة علم منهم المازني(ت271هـ)،
والسهيلي(ت883هـ) وابن خروف(ت611هـ) ،وأبو البقاء(ت606هـ) ،وابن
( )1ينظر ترجمته في :معجم األدباء921/91؛ إنباه الرواة 251/3؛ وفيات األعيان911/5؛ سير أعالم
النبالء959/22؛ بغية الوعاة271/2؛ شذرات الذهب991/4؛ تاريخ األدب العربي.295/5
( )2ينظر :اعتراضات ابن مالك على الزمخشري:عادل فتحي رياض.99
( )3تنظر ترجمته في :الدرر الكامنة321/2؛ النجوم الزاهرة331/92؛ بغية الوعاة11/2؛ كشف الظنون924/9؛
شذرات الذهب919/1؛ البدر الطالع.422/9
مجلة الجامعة الأسمرية
588
مالك(ت670هـ) ،كما أن اعتراضاته قد طالت الجماعات والطوائف والمذاهب
ِ
المفسرين النحوية كالبصريين والكوفيين والفقهاء والبيانيين والعامة ،وخاصة
والم ِ
عربين(.)1 ُ
ج -االعتراض(مفهومه -أركانه -أسبابه -ألفاظه):
االعتراض اصطالحا :أن يذهب عالِم في مسألة ما مذهبا قد اختاره وأيده ،وتناول
عالِم آخر هذه المسألة ،واختار فيها غير ما اختار ذاك العالم ،وقد خصه بالذكر،
ورماه بالوهم والخطأ أو االضطراب ،مفندا أقاويله وحججه(.)4
والمراد به هنا :هو رفض ابن هشام وإنكاره لبعض إعرابات النحاة والمفسرين
كلمات وردت في آيات الذكر الحكيم ،ومخالفتها بألفاظ تدل على االعتراض،
ألسباب معينة(.)5
( )1ينظر :المؤاخذة النحوية عند ابن هشام :عبدالحكيم محمد بادي .225، 224
( )2ينظر :تهذيب اللغة.945 ،942/9
( )3المعجم الوسيط .195/2
( )4ينظر :اعتراضات ابن مالك على الزمخشري.99 :
( )5ينظر :اعتراضات ابن هشام على معربي القرآن :إيمان حسين السيد .92
العدد 82السنة 41
583
167
ويرتبط المعنيان في معنى المنع والرفض وعدم االستقامة واإلنكار ،أي :رد الحكم
النحوي أو وصفه بعدم االستقامة لحجة نحوية.
أسبابه :وال تختلف أسباب نشأة االعتراض عن أسباب نشأة الخالف ،ومن أهم
أسباب االعتراض:
ألفاظه :ومن ألفاظ االعتراض عند ابن هشام( :وخالف الزمخشري)( -وِهم)-
(وال تُ ْع َرف هذه المقالة لنحوي)( -تعسف ظاهر)(-وال نعلم بذلك قائال)-
(غريب)( -فاسد)( -ولم يتنبه لها الزمخشري)( -ليست كما زعم)( -ويحتاج إلى
تأمل)( -واأل َْوَلى)( -مرفوض)( -والصواب أنها)( -سهو منه)( -غير متجه)-
(زعم)( -ضعيف)(-ممنوع)( -تناقض)( -مردود)( -ال يجوز)( -بطالن)-
(ويرده)( -كأنه نسي).
الجانب التطبيقي :مسائل اعترض فيها ابن هشام على الزمخشري ،ويشتمل على
ثالثة مباحث:
( )1ينظر :الخالف النحوي في ضوء محاوالت التيسير الحديثة :حسن منديل العكيلي .91 – 91
العدد 82السنة 41
537
167
"يرى ابن هشام أن الهمزة أصل أدوات االستفهام بدليل تمام التصدير؛ حيث إنها
إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بـ(ثم) ُقِد َمت على العاطف،
وأخواتها تتأخر عن حروف العطف ،قال تعالى{ :أََفَلم َي ِس ُيروا ِفي ْاأل َْر ِ
ض} ْ
[يوسف ]011 :هذا مذهب سيبويه والجمهور ،ووصف ابن هشام رأي الزمخشري
في أن الهمزة في موضعها األصلي ،وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين
َم َكثُوا َفَل ْم َي ِس ُيروا" ،بالضعف للتكلف وعدم االطراد ،ووصف
العاطف ،والتقدير" :أ َ
رأي الجمهور أيضا بالتكلف ،إال أنه أسهل من تقديم بعض المعطوف" (.)1
المناقشة والترجيح :اتفق أكثر العلماء على وجوب تقديم الهمزة على حروف
العطف ،وهذه الهمزة االستفهامية وحدها تتقدم على حروف العطف لتقدمها(،)2
وهو رأي الدماميني(ت828هـ) ،والجملة معطوفة على ما قبلها من الجمل (،)3
ووافقه مصطفى األنطاكي(ت0011هـ)( ،)4والدسوقي(ت0231هـ)(.)5
وخالف الزمخشري ،وقد وافقه السمين الحلبي (ت786هـ) حيث جعل تقديم الهمزة
()6
وتأخير العاطف ادعاء.
وذكر ابن عاشور (ت0313هـ) :أن الحق جواز الوجهين في جميع مواقع
االستفهام مع حروف العطف؛ ألنه ال أثر لهذا إال في اختالف االعتبار والتقدير،
ومعنى الكالم ال يتغير على كال االعتبارين؛ ألن العطف واالستفهام كليهما
()2
متوجهان إلى الجملة الواقعة بعدهما.
وقد حاول الفوزان االبتعاد عن القول بالتقدير ،أو التقديم ،أو التأخير ،فرأى:
األحسن أن تكون هذه الحروف بعد الهمزة ،وما بعدها جملة مستأنفة ،وهذا أبعد
من التكلف ،والقول بالتقدير ،أو التقديم والتأخير(.)3
وذكر الشيخ محمد األمير(ت0087هـ) :أن "العطف على جملة مقدرة ضعفه
بعض المحققين بأنه لم ُي ْس َمع هذا التركيب إال بعد سبق شيء ،فدل على أن
العطف على السابق ،ولو كان العطف على مقدر لصح اإلتيان به ابتداء
فتدبر"(.)1
قال ابن عثيمين (ت0720هـ)" :فالقول األول-أي القول بتقدير جملة بين
عناء وتكلفاً فيما تقدره بين
الحرفين -أدق؛ والثاني أسهل؛ ألن الثاني ال يحتاج ً
الهمزة والعاطف"(.)2
ورأى أن الجملة استفهامية معطوفة على ما سبق ،وأن أصل {أ ََوَل ْم َي ِس ُيروا }:
(وألم يسيروا) فال يكون هناك شيء محذوف.
ورجح هذا الرأي؛ لسالمته من التقدير؛ وألنه في بعض اآليات ال تستطيع أن
تقدر شيئاً ،وهذا الشيء المقدر إنما يقدر مما يفهم من السياق ،وإذا كان السياق
سيفهمنا إياه فال حاجه إلى تقديره.
ض} [يوسف ]011 :االستفهام للتوبيخ ،وال فقوله تعالى{ :أََفَلم َي ِس ُيروا ِفي ْاأل َْر ِ
ْ
توبيخ إال على غفلة ،فتكون الغفلة مستفادة من مجرد االستفهام ،وحينئذ ال نحتاج
إلى تقدير ،وبهذا يرجح أن تكون الهمزة من بعد الواو ،لكنها ُقِد َم ْت عليها؛ ألن
همزة االستفهام لها الصدارة(.)3
"تدخل الم االبتداء باتفاق في موضعين :المبتدأ ،وبعد (ِإ َّن) ،لتوكيد مضمون
الجملة ،وتخليص المضارع للحال ،ويمتنع دخولها على الجملة الفعلية إال في
المناقشة والترجيح :ال يؤكد المضارع الدال على الحال بالنون؛ القتضائها
االستقبال فيتنافيان( ،)2ويجب توكيد المضارع المثبت المستقبل غير المفصول
للفرق بين الم القسم والم االبتداء ،وال بد من توكيده بالالم والنون عند البصريين،
فقد رأى سيبويه أن الفعل الذي دخلته الم القسم ال تفارقه الخفيفة أو الثقيلة ،لزمه
ذلك كما لزمته الالم في القسم )3(،وهو رأي الزجاجي (ت337ه) في الالمات(.)4
وذكر ابن يعيش( ت673هـ) :أنه قد ذهب أبو علي (ت 377هـ) إلى أن النون
هنا غير الزمة ،وحكاه عن سيبويه ،حيث إنه قد جوز كون سوف نائبا عن
إحدى نوني التوكيد(.)7
ولم يفرق المالقي (ت712هـ) بين الالمين فقال :وإذا تأملت هذه الالم فهي الم
()2
االبتداء والم التوطئة( .)1وخطأه المرادي (ت )771في الجنى.
صحُّ؛ الزم ْخ َش ِر ُّي وج َّوَزه َغيره من َكو ِن أَن مَف ِسرة َال ي ِ
َّ
ْ ْ ُ ًَ َ َ َ ُ ُُْ اختَ َارهُ َ
قال أبو حيان"َ :و َما ْ
ض ٌعِألََّنها جاءت بعد ِإ َّال ،وُك ُّل ما َكان بعد ِإ َّال اْلمستَ ْثنى ِبها فال بد أَن ي ُكون َله مو ِ
ْ َ َ ُ َْ ُْ َ َ َ َ َ ََْ َ َ َ ْ ََْ
ِ ِ
اإل ْعر ِ
اب"(.)6 ِ َن التَّْف ِس ِ ِ ِ
اإل ْعر ِ
يرَّي ُة َال َم ْوض َع َل َها م َن ْ َ ابَ ،وأ ْ م َن ْ َ
َن}سبع َة ٍّ
أوجه ( .)1وأنكر الكوفيون أن التفسيرية ألبت ـ ـ ـ ــة، ونقل السمين الحلبي :لـ{أ ِ
()3
والشمني ووافقهم ابن هشام ،فقال" :وهو متجه"( ،)2واعترضه الدماميني
(ت872هـ)(.)4
(جالِ ِ
س اْل َح َس َن و ْاب َن ذكر ابن هشام "أن الزمخشري قد زعم أن الواو في نحو َ
أحدهما( .)7ووافقه ابن الحاجب(ت676ه) وابن مالك ين) لإلباحة ،أيَ : ِس ِ
ير َ
ِ
تلزمه ،ولم يمتنع عليه
يح ْت له المجالسة لم ْورأى أن الصواب أن ال فرق ،فمن أُب َ
إفراد أحدهما ،وال الجمع بينهما( ،)4ووافقه األنطاكي ( ،)5والدسوقي (.)6
ِ
السابقين. يظهر مما سبق أن الراجح هو رأي الزمخشري ،استنادا إلى آراء العلماء
ورد ابن هشام قول هؤالء بأنه قد جاء اسما مشتقا ،وقد وجدت آية في التنزيل
وقع فيها الخبر اسما مشتقا ،ولم يتنبه لها الزمخشري ،كما لم يتنبه آلية لقمان،
وال ابن الحاجب وإال لما منع من ذلك ،وال ابن مالك ،وإال لما استدل بالشعر،
َعر ِ ِ
اب} [األحزاب.)1("]21 : {ي َوُّدوا َل ْو أََّن ُه ْم َب ُادو َن في ْاأل ْ َ
وهي قوله تعالىَ :
المناقشة والترجيح :اتفق العلماء على جواز وقوع خبر (أن) اسما مشتقا أو جامدا
بعد (لو) المصدرية ،وقد َّ
علق ابن مالك في شرح الكافية الشافية على قول
الزمخشري -بوجوب وقوعه فعال -أنه :مردود فقال" :وقد حمل الزمخشري ادعاؤه
وم َن َع ُه أن يكون اسما،
(أن) على التزام كون الخبر فعالَ ،
إضمار ثبت بين (لو) َو َّ
َن َزيدا ح ِ
اضٌر) .وما منعه شائع ذائع في كالم ولو كان بمعنى فعل نحوَ( :ل ْو أ َّ ْ ً َ
()2
أقالم}[.لقمان."]27: ٍّ ِ ِ العرب ،كقوله تعالى{ :وَلو َّ ِ
األرض م ْن َش َج َرة ٌ
أن ما في ْ َْ
وذكر الرضي :أن استعمال الفعل في حيز خبر (أ َّ
َن) الواقعة بعد (لو) أكثر وإن
لم يكن الزما(.)3
وقال الدماميني -ردا على ابن هشام في سياق حديثه عن (لو) المصدرية" :-وال
َعر ِ ِ
اب} {ي َوُّدوا َل ْو أََّن ُه ْم َب ُادو َن في ْاأل ْ َ
يحفظ وصلها بجملة اسمية"" :قد جاء في قوله َ
َن وصلتها ،كما وقع ذلك بعد[األحزاب ]21 :فـ{َل ْو}هنا مصدرية وقعت بعدها أ َّ
(لو) الشرطية ،وقد ذهب كثير إلى أن ما بعدها رفع باالبتداء ،والخبر محذوف
ٍّ
حينئذ وذكر الخضري(ت0287هـ) أن الزمخشري إنما أوجب كون خبر (أ َّ
َن)
أن ما ِفي فعالً ليكون عوضاً عن المحذوف ،مع أن وقوعه اسماً شائع كآية َ
{وَل ْو َّ
أقالم} [لقمان.)5(]27: ٍّ ِ ِ
األرض م ْن َش َج َرة ٌ
ْ
وبهذا يرجح رأي الزمخشري؛ ألن ل(لو) للتمني في هذه اآلية.
المسألة السادسة :نوع {ما} المجرورة بحرف جر في قوله تعالىِ{ :ب َما َغَف َر لِي
َربِي} [يس.]27 :
"أوجب ابن هشام حذف ألف (ما) االستفهامية المجرورة بحرف جر ،وتعجب
من الزمخشري إذ جوز كونها استفهامية في اآلية السابقة ،مع رده على َم ْن
جعلها استفهامية في موضع آخر بأن إثبات األلف قليل شاذ"(.)1
المناقشة والترجيح :اتفق أكثر العلماء على وجوب حذف ألف (ما) االستفهامية
المجرورة المحل سواء أكان الجار حرفا أم اسما ،منهم ابن األنباري (ت 877
هـ) ( ،)2وابن مالك( ،)3والمرادي في توضيح المقاصد حيث قال" :وسبب حذف
األلف إرادة التفرقة بينها وبين الموصولة والشرطية ،وكانت أولى بالحذف
الستقاللها ،بخالف الشرطية فإنها متعلقة بما بعدها ،وبخالف الموصولة فإنها
مع الصلة اسم واحد"(.)4
والشيخ خالد األزهري الذي قال" :ما االستفهامية إذا دخل عليها جار ُحِذَف ْت ألفها
صت االستفهامية بحذف
وخ َّ
لتطرفها ...فرقا بين ما االستفهامية والموصولةُ ...
وص َينت الموصولة عن الحذف لتوسط األلف؛ ألن الصلة األلف للتطرفِ ،
والموصول بمنزلة االسم الواحد"(.)5
قال الرضي في شرح الشافية " :ولم يقل أحد إن ما االستفهامية تحذف ألفها بال
()2
جار ،نعم قالوا :إن ألفها تثبت مع الجار وخرجوا على هذا آيات"
المسألة السابعة :عطف جملة الصلة على الجملة الفعلية بـ{ ُث َّم} في قوله تعالى:
ين َكَف ُروا َّ ِ
ور ثُ َّم الذ َ
الظُلم ِ
ات َو ُّ
الن َ َ
ِ
ات و ْاألَرض وجعل ُّ {اْل َح ْمُد لَِّل ِه َّالِذي َخَل َق َّ
الس َم َاو َ ْ َ َ َ َ َ
ِب َربِ ِه ْم َي ْعِدُلو َن}[األنعام]0:
"ضعف ابن هشام عطف جملة الصلة على الجملة الفعلية بـ{ثُ َّم} في اآلية
َّ
السابقة-كما هو رأي الزمخشري-؛ ألن المعطوف على الصلة صلة فالبد من
()4
رابط".
المناقشة والترجيح :ال يجوز عطف جملة الصلة على الجملة الفعلية بال رابط
خالفا للزمخشري ،قال الرضي" :فاإلشراك بخالق السموات واألرض مستبعد غير
مناسب ،وهذا المعنى فرع التراخي ومجازه"(.)1
وذكر أبوحيان ردا على الزمخشري :أن هذا الوجه الذي جوزه ال يجوز؛ ألنه ليس
ين َكَف ُروا ِب ِه َي ْعِدُلو َن) ،وهذا َّ ِ
فيها رابط يربط الصلة بالموصول إال أن يقدر (ثُ َّم الذ َ
من الندور بحيث ال يقاس عليه ،وال ُي ْح َمل عليه كتاب الله مع ترجيح حمله على
التركيب الصحيح( ،)2ووافقه الدسوقي( ،)3ويرى األلوسي (ت 0271هـ) أنها إما
معطوفة على جملة {اْلحمدلَِّل ِه}إنشاء أو إخبارا ،أو على {خَلق} صلة َّ
{الِذي} ،أو َ َ َ ُْ
{ج َع َل} واختار المحققون األول( .)4وجوز البيضاوى ُّ ِ
على {الظُل َمات} مفعول َ
()5
الوجهين األولين.
المناقشة والترجيح :عامة القراء من الحجاز والكوفة وبعض أهل البصرة بالنصب
بتأويل :فأسر بأهلك إال امرأتَك ،وعلى أن لوطا أ ِ
ُم َر أن يسري بأهله سوى زوجته،
فإنه ُن ِهي أن يسري بها ،وأمر بتخليفها مع قومها ،وق أر بعض البصريين { ِإ َّال
َ
ام َأرَتُ َك } [هود ،]80 :بمعنى وال يلتفت منكم أحد إال امرأتُك ،فإن لوطا قد أخرجها
ْ
معه ،وإنه ُن ِهي لوط ومن معه ممن أسري معه أن يلتفت سوى زوجته ،وأنها
َ
()2
التفتت فهلكت لذلك .
وقد أنكر أبو عبيد القاسم بن سالم (ت227ه) الرفع على البدل ،وقال يجب
{ال} للنفي؛ ألن اإلبدال مع الجزم يقتضي على هذا أن يرفع { َيْلتَِف ْت} ويجعل َ
أن المرأة أباح لها االلتفات ،وذلك ال يجوز وال يصح فيه البدل إال برفع َ{يْلتَِف ْت}،
ولم يق أر به أحد( ،)1وقد ضعف ابن يعيش قراءة الرفع( .)2وجوز المبرد(ت288هـ)
الوجهين ،ورأى أن مجاز القراءة أن المراد بالنهي المخاطب ولفظه لغيره ،أي أن
النهي للوط ،أي ال تدعهم يلتفتون إال امرأتُك ،وأما النصب فعلى االستثناء(.)3
وقد اعترض ابن الحاجب في شرحه للمفصل على الزمخشري بلزوم تناقض
َس ِر }يقتضي كونها غير مسرى بها ،واالستثناء من
القراءتين؛ فاالستثناء من {أ ْ
{ال َيْلتَِف ْت} يقتضي كونها مسرى بها(.)4
َ
ورد عليه الرضي بقوله" :وال يجوز تناقض القراءتين؛ ألنها كلها قرآن ،وال تناقض
في القرآن ،والجواب أن اإلسراء وإن كان مطلقا في الظاهر ،إال أنه مقيد في
المعنى بعدم االلتفات ،إذ المراد أ ِ
َسر بأهلك إسراء ال التفات فيه ،إال امرأتك فإنك
َس ِر } ،أو من َ
{ال تسري بها إسراء مع االلتفات ،فاستثن على هذا إن شئت من {أ ْ
َيْلتَِف ْت}وال تناقض"(.)5
ووافق السمين الحلبي ابن هشام فرجح أن االستثناء منقطع على كلتا القراءتين،
لم يقصد به إخراجها من المأمور باإلسراء منهم ،وال من المنهيين عن االلتفات،
ولكن استؤنف اإلخبار عنها ،لكن امرأتُك يجري لها كذا وكذا( ،)6ووافقه ابن
كثير(ت777هـ)(.)7
ورأى محيي الدين الدرويش أن النصب خالف المنتخب الراجح ،ورجح رأي ابن
هشام فقال " :واألظهر من هذا كله أن االستثناء من جملة األمر ،أي فأَسر
بأهلك ،واالستثناء منقطع على القراءتين ،ووجه الرفع أنه على االبتداء ،وخبره
الجملة بعده ،وعندئذ تكون قراءة النصب جيدة غير مرجوحة ،وتتفادى بذلك وقوع
َهلِ َك} [هود]76 :؛ ِ
غير المرجوح في القرآن ،وقد تقدم في ابن نوح {ِإنَّ ُه َل ْي َس م ْن أ ْ
ألن المراد باألهل المؤمنون ،وعلى هذا تكون امرأته من غير أهله"(.)2
ُّه ْم المسألة األولى :إعراب (أي) في قوله تعالى{ :ثُ َّم َلنن ِزع َّن ِمن ك ِل ِش ٍّ
يعة أَي ُ
َ ْ ُ َْ َ
الر ْح َم ِن ِعِتيًّا} [مريم]61 :
َشُّد َعَلى َّ
أَ
َي}الموصولة مبتدأ خالفا للزمخشري وجماعة ،فقد "رفض ابن هشام إعراب {أ ُّ
يع ٍّة ،ثم قدر أنه ِ ِ
ض ُكل ش َ قدروا متعلق النزع من كل شيعة ،وكأنه قيل َل َن ْن ِزَع َّن َب ْع َ
ف المبتدآن المكتنفان ِ سئل من هذا البعض؟ فقيل :هو الذي ُّ
أشد ،ثم ُحذ َ
للموصول ،وفيه تعسف ظاهر ،وال أعلمهم استعملوا أيا الموصولة مبتدأ ،وهو رأي
ثعلب(ت210هـ)"(.)1
المناقشة والترجيح :اتفق أكثر العلماء على أن (أي) تُبنى على الضم إذا أ ِ
ُض َيف ْت َْ
ف صدر صلتها ،وإنما حذف المبتدأ من صلة (أي) مضافة لكثرة استعمالهم ِ
وحذ َ
ُ
إياها( ،)2وإنما ُبِن َي ْت تشبيها بالغايات؛ إذ كان بناؤها بسبب حذف شيء( ،)3ومن
ف ُض َيفت ِ
هؤالء العلماء ابن مالك(،)4ولكن بعض النحاة أعربها مطلقا وإن أ ِ
وحذ َ
ْ ُ
()5
واألخفش(ت208هـ) ،والمبرد، صدر صلتها ،منهم الخليل ويونس(ت082هـ)
والزجاج والكوفيون( ،)6أما الخليل فجعلها استفهامية محكية بقول مقدر ،والتقدير
ِ ُّ ثُم َلنن ِزع َّن ِمن ك ِل ِشيع ٍّة َّالِذي يَق ِ ِ
اء َشُّد .ورده سيبوي بأنه تَ َكل ٌ
ف َواد َع ُ ُّه ْم أ َ
ال فيه أَي ُ
ُ ُ َ َْ َ ْ ُ
وذكر الدماميني :أنه ال يعرف المحل الذي وقف فيه ابن هشام على أن الزمخشري
جعل ضمة (أي) في هذه اآلية إعرابية( ،)6وجعله الشمني من كالم الجماعة ،أو
أن ابن هشام قد اطلع عليه في غير الكشاف( ،)7ووافقهما الدسوقي (.)8
ويرجح رأي سيبويه وابن هشام ،قال ابن الطراوة(ت828هـ)" :غلطوا ،ولم تبن
إال لقطعها عن اإلضافة ،وهم مبتدأ ،وأشد خبره ،وليس بشيء؛ ألنها ال تبنى إال
إذا أضيفت ،وألن (أي) أتت في رسم المصحف موصولة بالضمير ،ولو كان
مبتدأ لفصل"(.)9
الل ِه
"وصف ابن هشام إعراب الزمخشري لـ(إذ) مبتدأ في قراءة بعضهم {َل ِمن م ِن َّ
ْ َ
يه ْم َرُسوًال ِم ْن أ َْنُف ِس ِه ْم} [آل عمران ]067 :قياسا على
ين ِإ ْذ َبع َث ِف ِ ِ
َ َعَلى اْل ُم ْؤ ِمن َ
(إذا) بالغرابة ،وقال :ال نعلم بذلك قائال"(.)5
المناقشة والترجيح(" :إذ) الظرفية الماضوية الزمة للظرفية ،إال أن يضاف إليها
زمان ،نحو :يومئذ ،وحينئذ ،وال تتصرف بغير ذلك ،فال تكون فاعلة ،وال مبتدأ.
الم ْع ِرِبين(،أن تقع مفعوالً به).
وأجاز األخفش والزجاج ،وتبعهما كثير من ُ
وذهب أكثر المحققين إلى أن (إذ) ال تقع موقع (إذا) ،وال (إذا) موقع (إذ) .وهو
الذي صححه المغاربة"(.)6
وعارض الدماميني ابن هشام بأنه :إذا كان الجمهور يجوزون خروجها عن
الظرفية عند إضافتها وغيرهم عند اإلتيان بها مفعوال به أو بدال منه ،صدق حينئذ
أنها ظرف متصرف ،فال يمتنع جعلها مبتدأ ،وال يحتاج إلى سماع خاص من
العرب(.)4
وقال الشمني" :ال يلزم من عدم العلم بقائل ،قول عدم قائله ،وال من عدم قائله
فيما مضى عدم صحته"(.)5
ويبدو أن رأي الزمخشري هو الراجح في هذه المسألة استنادا على رأي الدماميني
والشمني.
ذكر ابن هشام "أن سؤال الزمخشري عن صرف (الرحمن) خارج عن كالم العرب،
وسؤاله عن علة تقديمه في البسملة مع أنهم يقدمون غير األبلغ غير متجه؛ وذلك
ـ(الرِحيمِ) في البسملة،
ألنه يرى أنه علم ال صفة ،بدليل إعرابه بدال ال نعتا ،ونعته ب َّ
()1
آن } [الرحمن."]2 ،0 :
اْلُق ْر َ {الر ْح َم ُن َعَّل َم
وبدليل مجيئه كثي ار غير تابع نحوَّ :
المناقشة والترجيح:
التي جاءت بني إسرائيل ،وهو ال يريد منهم أن يجيبوه ،بل يريد أن يقررهم على
ما وقعوا فيه( .)1ويرى الرضي أن مجيئها لالستفهام غير مقطوع به(.)2
وذكر الشمني ومحمد األمير اعتراضا على قول ابن هشام :-بأن النحويين لم
يذكروا تعليق كم الخبرية عن العامل :-ذكر بعضهم ذلك كما يأتي له في الباب
{س ْل} محذوف أي سلهم عما آتيناهم من
الخامس ،على أنه يمكن أن معمول َ
اه ْم} استئناف(.)3
{ك ْم آتَ ْي َن ُ
اآليات ،وجملة َ
ومن ثَ َّم فإن الشمني جعلها من المعلِقات فقال" :إنما لم يذكر النحويون أن كم
الخبرية تعلق عن العمل استغناء بتصريحهم بأن لها صدر الكالم كاالستفهامية،
وذلك مقتض لتعليقها العامل عن العمل ،إذ كل ما له الصدر ُيعلِق"(.)4
ويرجح رأي الزمخشري استنادا على رأي الشمني ومحمد األمير؛ وألن ابن هشام
ذكر بعض من أجازوا تعليق (كم) الخبرية في الباب الخامس(.)6
"يرى ابن هشام أَن اْل َب َيان َال ُي َخالف متبوعه ِفي تَ ْع ِريفه وتنكيرهَ ،وَال ُي ْخَتلف ِفي
اط الَّل ِه}
صر ِاط مستَِق ٍّ ِ
يم َ
ِ ٍّ ِ
َج َواز َذلك في اْل َب َدل َن ْحو قوله تعالى{ :إَلى ص َر ُ ْ
ِ ِ
ات}بيانا ،موافقا بذلك البصريين؛ ألنه [الشورى ،]83 ،82:ولم يرتض إعراب {جَّن ِ
َ
ال يجوز عندهم أن يقع عطف البيان في النكرات ،وقول الزمخشري إنه معرفة
الر ْح َم ُن ِع َب َادهُ ِباْل َغ ْي ِب
ات َع ْد ٍّن الَِّتي َو َع َد َّ
ألن (عدنا) علم على اإلقامة ،بدليل {جَّن ِ
َ
} [مريم ]60 :لو صح تعينت البدلية باالتفاق ،إذ ال تبين المعرفة النكرة ،ولكن
()1
{ع ْد ٍّن} مصدر عدن ،فهو نكرة ،والتي في اآلية بدل ال نعت".
قوله ممنوع ،وإنما َ
ذكر ابن هشام "أن الزمخشري قد وِهم حين جوز إعراب {كاف ًة} حاال من ِ
{السْلمِ}
في قوله تعالى{ :ادخُلوا ِفي ِ
السْل ِم َك َّاف ًة} [البقرة]218 :؛ وعلل ذلك بقوله" :ألن ُْ
اك ِإ َّال َك َّاف ًة لِلنَّا ِ
س} {و َما أ َْرَسْل َن َ
{كاف ًة}مختص بمن يعقل ،ووهمه في قوله تعالىَ :
[سبأ]28 :إذ قدر {كاف ًة} نعتا لمصدر محذوف ،أي إرساله كافة أشد؛ ألنه أضاف
إلى استعماله فيما ال يعقل إخراجه عما التزم فيه من الحالية ،ووهمه في خطبة
ِ
بكافة األبواب أشد وأشد؛ إلخراجه إياه عن النصب ألبتة". المفصل إذ قال :محيط
()1
وكان الزمخشري يذهب إلى جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور ،مستدال
اك ِإ َّال َك َّاف ًة لِ َّلن ِ
اس} بينما كان سيبويه وكثير من البصريين {و َما أ َْرَسْل َن َ
بقوله تعالىَ :
يمنعون ذلك(.)3
وذكر مصطفى األنطاكي :أن الزمخشري إنما قدره كذلك ف ار ار عن تقديم الحال
على صاحبها المجرور بالحرف فإن سيبويه وأكثر البصريين يمنعونه( ،)8ونقل
عن ابن كيسان(ت211هـ) وأبي علي وابن برهان(ت786هـ) الجواز استدالال
بهذه اآلية(.)9
عثيمين (.)4
وقال الشهاب(ت0161هـ) ردا على ابن هشام" :رد شارح اللباب بأنه ُس ِم َع في
قول عمر رضي الله عنه في كتاب له محفوظ مضبوط :جعْلت ِِآلل بِني َك ِ
اكَل َة َ ََ ُ
ام ِم َائتَي ِم ْثَق ٍّ
ال َذ َهًبا ،على أنه لو ُسلِ َم فال ين لِ ُك ِل َع ٍّ ِِ عَلى َك َّاف ِة بي ِت م ِ
ال اْل ُم ْسلم َ
ْ َْ َ َ
يعد مثله خطأ؛ ألنه ال يلزم استعمال المفردات فيما استعملته العرب بعينه ،ولو
التزم هذا ألخطأ الناس في أكثر كالمهم"(.)5
وبهذا يرجح رأي الزمخشري استنادا على قول الدماميني معلقا على قول عمر:
"إن صح هذا سقطت األوجه الثالثة بأسرها ،إذ فيه استعمال كافة لغير العاقل،
وعدم نصبه على الحال ،وإخراجه عن النصب ألبتة"(.)6
ُّك ْم} المسألة السابعة :نعت اإلشارة باالسم العلم في قوله تعالىَ { :ذلِ ُكم َّ
الل ُه َرب ُ ُ
[األنعام]012:
"أبطل ابن هشام بإجماع العلماء رأي الزمخشري في تجويز كون اسم { َّ
الل ُه }
ُّك ْم} الخبر ،حيث إنه قد "جوز في الشيء
تعالى صفة لإلشارة أو بيانا ،و{ َرب ُ
الواحد البيان والصفة ،وجوز كون العلم نعتا ،وإنما العلم ُي ْن َع ُت وال ُي ْن َع ُت به،
المناقشة والترجيح :اتفق العلماء على أنه مما اختص به نعت اسم اإلشارة كونه
ًّ
محلى بأل ،فال ينعت بغيره(.)2
وببدو أن رأي ابن هشام هو األرجح؛ ألن أسماء األعالم ال يوصف بها؛ ألنها
ليست بمشتقة وال واقعة موقع المشتق(.)7
"وصف ابن هشام قول الزمخشري :-إن انتصاب {أ َُو ِار َي} في جواب
َع َج ْز ُت} -بالفساد؛ "ألن جواب الشيء مسبب عنه ،والمواراة ال تتسبب
االستفهام{أ َ
َكو َن}" (.)1
عن العجز ،وإنما انتصابه بالعطف على {أ ُ
المناقشة والترجيح :اتفق أكثر العلماء على أن انتصاب {أ َُو ِار َي} بالعطف على
َكو َن} ،منهم البيضاوي ( ،)2وأبو حيان الذي وصف رأي الزمخشري بأنه خطأ {أ ُ
فاحش ،ورأى أن العطف أولى من السببية؛ ألن الفاء الواقعة جوابا لالستفهام
تنعقد من الجملة االستفهامية والجواب شرط وجزاء ،وهنا ال تنعقد ،ولو قلت هنا:
اب أُو ِار سوءة أ ِ ِإن أَعج ْز عن أَن أ ُ ِ
َخي ،لم يصح؛ ألن المواراة َكو َن م ْث َل َه َذا اْل ُغ َر ِ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ َْ ْ
()3
ال تترتب على عجزه عن كونه مثل الغراب ،ولهذا اعتبرنا العطف أولى ،ورجح
()5
َكو َن} ( ،)4ووافقه محيي الدين الدرويش.
األنطاكي انتصابه بالعطف على {أ ُ
والذي يظهر هو رجحان رأي ابن هشام؛ حيث إن المواراة ال تترتب عن العجز.
ونوا ُي ْد ِر ُّ
كك ُم اْل َم ْو ُت َوَل ْو "رد ابن هشام رأي الزمخشري في قوله تعالى{ :أ َْي َن َما تَ ُك ُ
ٍّ ِ
ك} ،بـ"أنه يجوز كون الشرط {ي ْد ِر ُ ُك ْنتُ ْم في ُب ُرو ٍّج ُم َشي ََّدة } [النساء ]78 :فيمن رفع ُ
ونوا ،يعني فيكون الجواب محذوفا ظَل ُمو َن َفِت ً
يال أ َْي َن َما تَ ُك ُ متصال بما قبله ،أيَ :وَال تُ ْ
{ي ْد ِرُك ُك ُم اْل َم ْو ُت َوَل ْو ُك ْنتُ ْم ِفي ُب ُرو ٍّج ُم َشَّي َد ٍّة }؛ ألن
مدلوال عليه بما قبله ،ثم يبتدىء ُ
سيبويه وغيره من األئمة نصوا على أنه ال يحذف الجواب إال وفعل الشرط ماض،
ظالِ ٌم ِإ ْن تَْف َع ْل إال في الشعر"(.)3
ظالِ ٌم ِإ ْن َف َعْل َت ،وال تقول :أ َْن َت َ
تقول :أ َْن َت َ
المناقشة والترجيح :يرى جمهور العلماء أنه ال يحذف جواب الشرط إال إذا كان
ضعيف(.)5
ٌ الشرط ماضيا ،أو مضارعا مقرونا بلم( ،)4وحذفه في غير ذلك
{ي ْد ِرُك ُك ْم} ،ورأى أَن رأي الزمخشري في جعل ضعف أبو حيان قراءة رفع ُ وقد َّ
ونوا} ِفي َم ْع َنى أ َْي َن َما كنتم ،قول نحوي سيبويهي،
{ي ْد ِرُك ُكم} إنما ْارتََف َع لِ َك ْو ِن {أ َْي َن َما تَ ُك ُ
ُ
وضعف العطف على التوهم ،ورأى أن األصح أنه ليس بجواب ألن فعل الشرط
()1
مضارع.
ظَل ُمو َن َفِتيالً} َل ْي َس ِب ُم ْستَِقيمٍَّ ،ال ِم ْن َح ْي ُث {ال تُ ْ ورأى أن ارتباط الشرط بقولهَ :
ِ النح ِوَّي ُة .أ َّ ِ ِ ِ
َما م ْن َح ْي ُث اْل َم ْع َنى َفِإَّن ُه َال ُي َناس ُب أ ْ
َن اع ُة َّ ْاْل َم ْع َنىَ ،وَال م ْن َح ْي ُث الص َن َ
ظْل ِم ِإَّن َما ُه َو ِفي اء ال ُّ َن َ ِ
اهر ْانِتَف ِ يال}ِ ،أل َّ
ظَل ُمو َن َفِت ً َّ ِ ِ ِ ِ
ظ َ َي ُكو َن ُمتص ًال بَق ْولهَ :
{وَال تُ ْ
اه ِر َك َال ِم ِه َيُد ُّل َعَلى أَ َّن ظ ِ الن ْح ِوَّي ُة َفِإَّن ُه َعَلى َ
اع ُة َّ ِ
َما م ْن َح ْي ُث الص َن َ
ْاآل ِخ ِرة ،وأ َّ ِ
َ َ
امل ِف ِ
يه ِإَّن َما ِ ٍّ ِ {أَينما تكونو ِ ِ ِ ِ
اس ُم َش ْرطَ ،فاْل َع ُ ظَل ُمو َن} ،ألَ َّن {أ َْي َن َما} ْ {وَال تُ ْ
ا}متَ َعل ٌق بَق ْولهَ :
َْ َ َ ُ ُ ُ
ِ ِ ِ َن اسم َّ ِ ِ َّ ِ ِ
َن َي ْع َم َلالش ْرط َال َيتََقَّد ُم َعَل ْيه َعامُل ُهَ ،ف َال ُي ْمك ُن أ ْ ُه َو ف ْع ُل الش ْرط َب ْع َدهُ؛ َوأل َّ ْ َ
اضي، يغ ِة اْلم ِ َّ ِ ِ ِ ظَلمو َن} .وَال يح َذف اْلجواب ِإ َّال ِإ َذا َك ِ ِِ
ان ف ْع ُل الش ْرط بص َ َ َ ُ ْ ُ ََ ُ {وَال تُ ْ ُ
فيه َ
ض ِارعٌ(.)2 وِفعل َّ ِ
الش ْرط ُه َنا ُم َ َ ُْ
وذكر الشيخ خالد األزهري :ووجه ضعفه أن األداة قد عملت في فعل الشرط،
فكان القياس عملها في الجواب(.)3
وخرجه الدسوقي على إضمار الفاء ،أيَ :فُي ْد ِرُك ُك ْم ،أي َف ْه َو ُي ْد ِرُك ُك ُم اْل َم ْو ُت"(.)4
يظهر مما سبق أرجحية رأي ابن هشام؛ لموافقته بهذا رأي الجمهور ،وهروبا من
اإلضمار.
ذكر ابن هشام "أن البصريين ال يجيزون انتصاب {تَ ْج َعُلوا} في جواب
الترجي{َل َعَّل ُك ْم تَتَُّقو َن} كما هو رأي الزمخشري ،على حد النصب في قراءة حفص
{َفأ َّ
َطلِ َع} [غافر ،]37 :ثم إن ثبت قول الفراء إن جواب الترجى منصوب كجواب
()1
التمني فهو قليل ،فكيف تخرج عليه القراءة المجمع عليها؟"
المناقشة والترجيح :وصف الرضي رأي الزمخشري بأنه قول كوفي مدفوع(،)2
وذكر أبو حيان ( )3أن {تَ ْج َعُلوا} مجزوم بال الناهية ،ووافقه السمين الحلبي (،)4
وقال الدسوقي" :وهذا اإلعراب هو الوجيه"( .)5ووافقه ابن عاشور ( ،)6ومحيي
الدين الدرويش ( ،)7وجوز الرازي والبيضاوي أن يكون {َفال تَ ْج َعُلوا لَِّل ِه أ َْنداداً}
َن)
ـ{اعُبُدوا}على أنه نهي معطوف عليه ،أو نفي منصوب بإضمار (أ ْ متعلقا ب ْ
جواب له .أو بلعل على أن نصب {تَجعُلوا} نصب {َفأ َّ
َطلِ َع} (.)8 َْ
والذي يبدو لي هو رجحان رأي ابن هشام ،التفاق أكثر العلماء على أن النصب
في جواب الترجي رأي مدفوع.
ظنُّو َن
َه َّم ْت ُه ْم أ َْنُف ُس ُه ْم َي ُ ط ِائ َفة} في قوله تعالى{ :و َ ِ
طائَف ٌة َق ْد أ َ َ المسألة الرابعة :خبر { َ
َّة َيُقوُلو َن َه ْل َل َنا ِم َن ْاأل َْم ِر ِم ْن َشي ٍّء}[آل عمران: اهلِي ِ الل ِه َغ ْي َر اْل َح ِق َ
ظ َّن اْلج ِ ِب َّ
ْ َ
]087
المسألة الخامسة :دخول الفاء على الجواب المنفي بـ(لم) في قوله تعالىَ{:فَل ْم
تَْقُتلُوهم وَل ِك َّن َّ
الل َه َقَتَل ُه ْم} [األنفال]07 : ُْ َ
وه ْم} جوابا ،وتبعه ابن مالك بدر الدين(ت686هـ) أي: "جعل الزمخشري {َفَل ْم تَْقُتُل ُ
ِ
ِإ ِن ا ْفتَ َخ ْرتُ ْم ِبَق ْتل ِه ْم َفَل ْم تَْقُتُل ُ
وه ْم ،ويرده أن الجواب المنفي بلم ال تدخل عليه الفاء"(.)4
طا،
المناقشة والترجيح :إن الفاء تدخل على الجواب المتناع الجملة من أن تقع شر ً
وهي الجملة االسمية ،والجملة الطلبية ،والجملة التي فعلها جامد .والفعل المسبوق
()5
بـ(ما) ،و(لن) ،و(إن) النافيات ،و(قد) ،و(السين) ،و(سوف).
وقد اعترض الدسوقي على ابن هشام بقوله" :ال نسلم أن الجواب هنا جملة فعلية
وه ْم ،فاالسم الداخلة
فعلها منفي بلم ،بل هو جملة اسمية ،والتقدير َفأ َْنتُ ْم َل ْم تَْقُتُل ُ
عليه الفاء ،وقد صرح بهذا الزمخشري حيث قال :والفاء جواب شرط محذوف
تقديره ِإ ِن ا ْفتَخرتُم ِبَق ْتلِ ِهم َفأ َْنتُم َلم تَْقُتُلوهم وَل ِك َّن َّ
الل َه َقَتَل ُه ْم .فال معنى لالعتراض ُْ َ ْ ْ ْ َْ ْ
عليه تأمل"(.)1
ويرى أبو حيان أن هذه الفاء ليست جواب شرط محذوف كما زعموا ،وإنما هي
للربط بين الجمل( ،)2ووافقه السفاقسي(ت772هـ ) -الذي قال :وهذا أولى من
دعوى الحذف ،-واأللوسي ،ويرى محيي الدين الدرويش أن جملة {َفَل ْم تَْقُتُل ُ
()3
وه ْم}
وقعت جوابا لشرط مقدر(.)4
يبدو مما سبق أن رأي ابن هشام هو الراجح؛ ألن الفاء ال تدخل على المضارع
المنفي بلم؛ وألنه إذا استوى التقدير وعدم التقدير فعدم التقدير أولى.
وجعله ابن جني(ت312هـ) صفة لـ{فتنة} ،ووافقه ابن مالك ،وقد جو از توكيد
صيب ٍّة َّ
الظالِ َم َخ َّ
اص ًة. ِ ()3
الفعل بعد ال النافية ،وأبو حيان الذي قال :أيَ :غ ْي َر ُم َ
وجوز دخول نون التوكيد على المنفي بـ(ال) في غير القسم؛ ألنها لحقت الفعل
المنفي مع الفصل ،فلحاقها مع عدم الفصل أولى .و الجمهور ال يجيزونه،
ويحملون ما جاء منه على الضرورة أو الندور( .)4وتأول المانعون اآلية فقالوا:
()5 {ال} ناهية ،والجملة محكية بقول محذوف هو صفة ل ِ
ـ{ف ْت َن ًة}.
ووافقه الشيخ محمد األمير فوصف تقدير الزمخشري بالفساد( .)6ورأى الصبان أن
تشبيها بالنهي جائز ،وقد زعم قوم أن هذا نهي ،وليس
ً توكيد المضارع المنفي بال
بصحيح(.)7
{ال تُ ِ
ص َيب َّن} جوابا لألمر ،أو نهيا وجوز محيي الدين الدرويش أن تكون جملة َ
بعد أمر ،أو صفة ل ِ
ـ{ف ْت َن ًة} (.)8
...الباحثة.
.27حاشية يس :حاشية قطر الندى وبل الصدى البن هشام :يس بن زين الدين ،دون
تحديد طبعة ،دون تاريخ.
.28الخالف النحوي في ضوء محاوالت التيسير الحديثة :حسن ،منديل ،العكيلي ،دار
الضياء للنشر والتوزيع ،ط 0728 ،0هـ2118 -م.
.21الدر المصون في علوم الكتاب المكنون :شهاب الدين ،أبو العباس ،بن يوسف،
بن محمد ،بن إبراهيم( ،السمين ،الحلبي) ،تحقيق وتعليق :علي ،محمد ،معوض،
وعادل ،أحمد ،عبد الموجود ،وجاد ،مخلوف ،جاد ،وزكريا ،عبد المجيد ،النوتيَ ،قَّد َم
ظ ُه :أحمد ،محمد ،صيرة ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان ،الطبعة األولى، له وَقَّر َ
0707هـ0117 -م.
.31الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة :أحمد ،بن علي ،بن حجر ،العسقالني،
دار الجيل ،بيروت -لبنان ،دون تحديد طبعة ،دون تاريخ.
.30دليل السالك إلى ألفية ابن مالك :عبد الله بن صالح الفوزان ،دون تحديد طبعة ،
دون تاريخ.
.32رصف المباني في َش ْرح حروف المعاني :أحمد ،بن عبد النور ،المالقي ،تحقيق:
أحمد ،محمد ،الخراط ،مطبوعات مجمع اللغة العربية ،دمشق ،ط0178 ،0م.
.33روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني :شهاب الدين محمود بن
عبد الله الحسيني ،تحقيق :علي عبد الباري عطية ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة
األولى0708 ،هـ.
.37سير أعالم النبالء :محمد بن أحمد الذهبي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط وغيره،
مؤسسة الرسالة ،بيروت0188 ،م.
.38شذرات الذهب في أخبار من ذهب :عبد الحي بن العماد الحنبلي ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،دون تحديد طبعة ،دون تاريخ.
شرح ْاأل ُْش ُموِني على ألفية ابن مالك ،اْل ُم َس َّمى منهج السالك على ألفية بن مالك:
ْ .36
علي ،بن محمد ،األشموني ،تحقيق :محمد ،محيي الدين ،عبد الحميد ،مكتبة النهضة
المصرية ،القاهرة ،الطبعة األولى0188 ،م.
.66النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :ابن تغري بردي ،طبعة مصورة عن طبعة
دار الكتب ،دون تحديد طبعة ،دون تاريخ.
.67النحو الوافي :عباس حسن ،دار المعارف ،الطبعة الخامسة عشرة ،دون تاريخ.
جمع الجوامع في علم العربية :جالل الدين ،عبد الرحمن ،بن
.68همع الهوامع َش ْرح ْ
أبي بكر ،السيوطي ،تحقيق :عبد الحميد ،هنداوي ،المكتبة التوفيقية ،القاهرة-مصر،
دون تحديدطبعة ،دون تاريخ.
.61وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان :أحمد ،بن محمد ،بن خلكان ،تحقيق :إحسان،
عباس ،دار صادر ،بيروت -لبنان ،دون تحديد طبعة ،دون تاريخ.
ثانيا :البحوث العلمية:
.71االعتراض النحوي عند ابن مالك واجتهاداته :د.ناصر محمد عبدالله آل قميشان،
دون تحديد طبعة ،دون تاريخ.
.70اعتراضات ابن مالك على الزمخشري( دراسة نحوية) :د.عادل فتحي رياض ،دار
البصائر ،القاهرة ،مدينة نصر2116 ،م.
.72اعتراضات ابن هشام على معربي القرآن :دراسة ونقد :د.إيمان حسين السيد،
حكومة دبي ،دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإحياء التراث ،الطبعة األولى،
0728هـ2117 -م.
.73المؤاخذة النحوية عند ابن هشام في المغني (دراسة إحصائية وصفية تحليلية)
إعداد :عبد الحكيم محمد بادي ،إشراف :مصطفى الصادق العربي2113 ،م.