Professional Documents
Culture Documents
الأدب المقارن
الأدب المقارن
تعددت وكثرت مدلوالت األدب المقارن ،وتنوعت من باحث آلخر فاألدب المقارن هو
1
وأول من أطلق عليه هذه التسمية
من العلوم األدبية الحديثة المبتكرة في العصر الحديث ّ
فان تيجم 2ففي المعنى المعجمي "هو المقارنة بين آداب أو أدباء مجموعة لغوية واحدة أو
مجموعات لغوية مختلفة من خالل دراسة التأثيرات األدبية التي تتعدى الحدود اللّغوية
والجنسية والسياسية كالمدرسة الرومانتيكية في آداب مختلفة"3.
وقد أوضح كمال أبو ديب أن األدب المقارن هو "دراسة األدب خارج حدود بلد معين
واحد ،ودراسة العالقات بين األدب من جهة ومجاالت المعرفة والمعتقدات األخرى مثل
الفنون والفلسفة ...من جهة أخرى ،وباختصار األدب المقارن هو مقارنة أدب بأدب آخر
وبآداب أخرى ومقارنة األدب مع مجاالت أخرى من التعبير اإلنساني.
وهناك من يفضل تسميته األدب المقارن التاريخي ،باعتبار أن هذا األدب يدرس مواطن
التالقي بين اآلداب في لغاتها المختلفة ،وصالتها الكثيرة المعقدة في حاضرها أو ماضيها،
وما لهذه الصالت التاريخية من تأثير وتأثر ،ومنهم محمد غنيمي هالل في مؤلفه األدب
المقارن ،الذي يفضل تسمية التاريخ المقارن لآلداب وتاريخ األدب المقارن ،إذ يرى أن
1محمد رمضان الجربي ،األدب المقارن ،منشورات ،Elgceدط .دس .ص .63
فإن تبجم عالم فرنسي هو أول من قدم تعريفا لألدب المقارنة في كتابة الموجز عنه ،صدرت طبعته األولى في باريس سنة .1931 2
أحمد زلط ،األدب المقارن نشأته وقضاياه واتجاهاته ،الحكاية الخرافية أنموذجا ،هبة النيل العربية– الجيزة ،د ط ،2005ص .48 3
1
هذا األدب جوهر لتاريخ اآلداب ،فهو منهج تاريخي يوثق الصالت بين اآلداب القومية
والعالمية ،وعالقتها ببعضها البعض واتفاقها ،وتأثرها أو تأثيرها في بعضها البعض قديما
وحديثا ،ومن هنا تتحدد بأن مهمة ،األدب المقارن تاريخية علمية ،ويقول محمد غنيمي
أيضا أن األدب المقارن هو دراسة األدب القومي في عالقاته التاريخية بغيره من اآلداب
الخارجة عن نطاق اللّغة القومية التي كتب بها .4ونجد كما ذكرنا سابقا أن فان تيجم هو
أول من تناول هذا العلم تسمية وتعريفا فقال:
"إنّه العلم يدرس على نحو خاص آثار اآلداب المختلفة في عالقاتها المتبادلة" ،ويرى
أيضا أن المقارنة تعني التقريب بين وقائع مختلفة ومتباعدة في مختلف اآلداب ،كما نجده
يعبر عنه بإيجار فيقول ":إنه تاريخ العالقات األدبية الدولية " ونجد من خالل ذلك أن فان
تيجم جعل لهذا األدب صفة التاريخية.
كما أوضحت أنا سييتا ريفنياس وجهة نظرها في هذا العلم فقالت "هو علم حديث يهتم
بالبحث في المشكالت المتعلقة بالتأثيرات المتبادلة بين اآلداب المختلفة" ،5وإذا ما أردنا
أن نخرج بتعريف بسيط لهذا العلم نجد أن األدب المقارن هو دراسة نصين أو أدبيين ،أو
عنصرين لمعرفة أوجه االتفاق أو االختالف ،لبيان األصيل منهما والفاضل من المفضول
سواء كانت هذه الدّراسة في األدب القومي الواحد واللّغة الواحدة أو كانت في لغتين
مختلفتين.
2
فاألدب المقارن دراسته تاريخية بحتة ،تتناول دراسة النصوص األدبية عن طريق صالتها
التاريخية ،من حيث تأثرها وتأثيرها بين اآلداب القومية والعالمية واستيعاب المؤثرات في
كل ظاهرة أدبية وبيان تطور األدب وتحديد فعاليته في التقريب بين الشعوب وتحقيق
التفاهم بينهما.
على سبيل المثال 6المقارنة بين شوقي وشكسبير في العمل األدبي المسرحي (كليوباترا)
هو من قبيل األدب المقارن .لكن الموازنة بين شوقي وإسكندر فرح في (كليوباترا أيضا)
هو من الموازنات األدبية ،فالمنهجان األدب المقارن والموازنة األدبية وإن اتفقا في الصفة
الخارجية وهي الموازنة والمقارنة ،إال أنّهما يختلفان في الوجوه.7
==1فالموازنة األدبية تكون في حدود اللغة الواحدة واألدب القومي الواحد ،في حين أن
األدب المقارن يكون بالمقارنة بين أدبين أو لغتين مختلفتين.
==2الموازنة األدبية تقوم على دراسة جوهر األدب وعناصره وأسرار الجمال فيه ،بينما
الدراسة المقارنة تدرس وتتبع تاريخ اآلداب وعالقتها ببعضها.
==3وأخيرا الموازنة األدبية تستهدف البحث عن أسباب الجمال وعناصر القوة والضعف
في العمل األدبي.
أما المقارنة األدبية تهدف إلى البحث في الجذور التاريخية لآلداب ،ومدى التأثر أو التأثير
بين أدبين مختلفين في اللّغة.
3
وهذا يعني أن الموازنة بين أبي تمام والبحتري في األدب العربي أو بين راسين وكورني
في األدب الفرنسي ،هو من قبيل الموازنة األدبية ال غير.
إن تأثر اآلداب فيما بينها ظاهرة تستوي فيها تلك اآلداب القديمة والحديثة الشرقية
والغربية ،األجنبية والعربية ،المحلية والخارجية.
ومن هذا نجد أقدم تأثر ،وهو ما أثر به األدب اليوناني في األدب الروماني سنة 146
ق.م[ .]14فإذا كانت أثينا اليونان هزمت من روما عسكريا ،فإن هذه األخيرة هزمت من
اليونان ثقافيا وأدبيا ،بحيث حاكا الرومانيين أدباء اليونان وكتابهم وفالسفتهم .8وأصبحت
المحاكاة الرومانية لإلغريق طابعا مميزا ،وانتقلت هذه المحاكاة إلى اآلداب األوروبية
الكالسيكية التي حرصت أن تبدأ أعصر اإلحياء لمحاكاة النّماذج القديمة لالتينيين
واإلغريق ،عندما اعتبروا أن الجمال المطلق يوجد عند القدماء ال غير[16].
لقد عرف األدب العربي أيضا مثل هذا التأثر والتأثير بعد انتشار موجة الفتوحات
اإلسالمية ،في األماكن التي كان يتواجد بها األدب الفارسي .وبعدها انتشار موجة الترجمة
في نهاية العصر األموي ،وبداية العصر العباسي من تلك اآلداب اليونانية والهندية
وغيرها.9
4
نشأة األدب المقارن عند الغرب
وأمام هذين االتجاهين عرف األدب األوربي طابع العالمية ،مما أمكن ظهور تلك
الدّراسات المقارنة التي تبحث عن المؤثرات العامة التي تمكن من توحيد اتجاهاته .وكان
القرن الثامن عشر حافال بالتغيرات واألحداث التي مهدت الطريق للدّراسة المقارنة لألدب
وقعدت لظهور علم له كيانه واستقالليته عن العلوم األخرى ،فشهد مجهودات العالم
الفرنسي فولتير ( ،)1778حيث أن معرفته العميقة باإلنجليزية ،مكنته من اكتشاف عبقرية
الكتاب اإلنجليزي شكسبير وتقديمه إلى القارئ الفرنسي واألوربي والعالمي بعد ذلك.
فكان اكتشاف الفرنسيين لإلنجليزي شكسبير ،وبعده معرفتهم بمذهب جوته األلماني
( )1832الذي دافع عن فكرة القائلة أن أدب الشمال األوربي خالي من األصالة التي يتمتع
بها أدب الجنوب.10
ثم جاء الفيلسوف بوس في نصف القرن الثامن عشر عندما قدم نظرية نسبية 11الجمال في
األدب التي تقوم أنه ال يوجد نموذج موحد للجمال ،وإنّما توجد أشكال متعددة ،ترتبط
بمناخات وشعوب وأزمنة متعددة .وإذا كان القرن الثامن عشر مهد الطريق فلسفيا وأدبيا
10أحمد درويش ،نظرية األدب المقارن وتجلياتها في األدب العربي ،ص .20
11محمد زكي العشماوي ،دراسات في النّقد المسرحي واألدب المقارن ،ص .28
5
للدّراسات المقارنة فإن القرن التاسع عشر ،هو القرن الذي ولدت فيه فكرة األدب المقارن
وكان العامل األساسي وراء ذلك الـثورة الفرنسية 1789ضد لويس 16التي كان فيها
انقالب سياسي واجتماعي وعقائدي على حكمه مما أدى إلى تغيير في مفهوم األدب إنتاجا
ودراسة ،حيث كثرت األسفار ،وتعددت التراجم لألثر األدبي الواحد بمختلف اللّغات،
وعكف العلماء والكتاب على دراسة مختلف الظواهر االجتماعية واألدبية مما أدى إلى
بروز اتجاهين.
االتجاه األول "الحركة الرومانتيكية" :12فقد يسرت لإلنسان الحصول على حقوقه،
ومهدت للثورات وعاصرتها .كما أنّها مهدت لجميع المذاهب األدبية الحديثة وساعدت
اآلداب على االتصال فيما بينها ،فمهدت لظهور الدّراسات المقارنة.
وقد وجدت ظاهرة علمية أخرى في القرن التاسع كان لها تأثير مباشر في االهتمام
بالدّراسة المقارنة لألدب فنشأ عنها علم الحياة المقارن وعلم اللغة المقارن .ونذكر أيضا
المدام دي ستايل التي أسهمت هي األخرى في اتصال األدب .وكان كتابها "ألمانيا"
الصادر بالفرنسية حملة في تواصل األمم واآلداب ،ونادت بأهمية التبادل الثقافي بين
الشعوب فقالت" :إن األمم ينبغي أن تستهدي كل واحد منها باألخرى ،ومن الخطأ الفاحش
12الرومانتيكية :هي حركة أدبية حديثة ،قعدت للدراسة المقارنة ،أول ما ظهر في إنجلترا ثم ألمانيا ثم فرنسا ثم إسبانيا فإيطاليا اهتمت بالعاطفة
واألحاسيس على حساب العقل كانت مناهضة للكالسيكية.
6
أن تبتعد أمة عن مصدر ضوء يمكن أن تستعيره" ،13إضافة إلى ذلك أشارت إلى النّقاد
الفرنسيين الثالث الذين هم أيضا مهدوا إلى خلق األدب المقارن وهم:
األول هيولين تين ( )1893الذي ربط دراسة األدب بالعودة إلى ثالث عناصر هي( :أ)
البيئة :الخصائص المتباينة التي تعيش فيها الشعوب( .ب) الجنس :المكونات والمقومات
التي يرثها الفرد من بيئته( .ج) الزمن أو العصر :اإلطار الزماني الذي يتم فيه إنتاج النص
األدبي.
والثاني سانت بيف :الذي اشترط أن يربط األثر األدبي بصاحبه .والثالث بروتير ،الذي
دعا إلى تتبع المراحل واألسس التي من خاللها يكتمل النّص األدبي إلى الشكل النهائي
بحيث طبق في ذلك نظرية داروين.
إذا ما أردنا تتبع موضوع األدب المقارن ،نجده بصفة عامة يظهر من خالل تبادل التأثر
والتأثير بين آداب اللّغات المختلفة وهذا التبادل ليس مقصورا على ناحية واحدة أو مجال
واحد ،و إنما تتسع دائرته فتشمل األجناس األدبية 14والصور الفنية والموضوعات األدبية
والمذاهب الفكرية واألساطير والنماذج البشرية.
نعني بها فنون األدب المختلفة من قصة رواية ،ملحمة ،مسرحية قصيدة ،مقالة .واألدب المقارن يدرس هذه الفنون بتتبع نشأتها ،تطورها 14
7
ومن الوظائف األساسية التي جاء بها األدب المقارن هو اكتشاف المؤثرات الخارجية في
النّص الواحد والبحث وراء مكوناته للوصول إلى نقطة إلقاء بينه وبين نظيره في اآلداب
األخرى .كما أنّه يعترف بعالمية األدب ،أي بوجود تفاعالت من نوع ما بين اآلداب مباشرة
أو غير مباشرة ،ترتبط بفترة زمنية ما أو بفترات ما بين اآلداب.
ونقصد بعالمية األدب هي خروجه من نطاق اللّغة التي كتب بها إلى أدب أو لغة أو آداب
لغات أخرى ،أي خروج اآلداب من قوميتها ،وكان األلماني جوته ومدام دي ستايل ممن
نادوا بعالمية األدب ،عندما نادوا بمجاوزة اآلداب القومية والوطنية إلى آداب خارجية.
يعد األدب المقارن ذلك العلم الذي يميز الشخصية القومية لألمة ،ويوضح مالمحها
توضيحا كامال ،وذلك بالتمييز بين نتاجها وتراثها األصيل ،وبين ما استعارته من التيارات
األدبية ،واألجناس والمذاهب المختلفة .ونستطيع هنا أن نقف على جملة من األهداف
والغايات التي يحددها األدب المقارن .أولها :أنه هو العلم الذي يرسم اآلداب في عالقاتها
مع بعضها البعض ،كما أنه يعتبر عامال هاما في دراسة المجتمعات وتفهمها ،ودفعها إلى
التعاون .15وثانيها أنه يعين األمة على تحديد تاريخها األدبي معرفة قاطعة ،ويوضح مدى
صفاء أو اختالط اآلداب بغيرها أي يقف على التاريخ العام والخاص للمجتمع ،من خالل
تتبع المسار التاريخي للنّصوص األدبية.
أما ثالث األهداف والغايات فهو أنه يقوم على دراسات التيارات الفكرية واألدبية ،ومذاهب
الكتاب والمفكرين ...كما أنّه يدرس األجناس األدبية من مسرح وشعر وقصص ...
15محمد زكي العشماوي ،دراسات في النّقد المسرحي واألدب المقارن ،ص .27
8
ويكشف الروابط 16والصالة المتواجدة بين اآلداب أي يتتبع تأثر وتأثير اآلداب في بعضها.
ورابعا وأخيرا أنه يبين أثر البيئات واألمكنة في اختالف وتباين اآلداب واألجناس األدبية
17لجميع األمم.
9
قائمة المراجع
= =1أحمد درويش ،نظرية األدب المقارن وتجلياتها في األدب العربي ،دار غريب
القاهرة ،د ط.2002 ،
= =2أحمد زلط ،األدب المقارن نشأته وقضاياه واتجاهاته ،الحكاية الخرافية أنموذجا،
هبة النيل العربية للنشر والتوزيع ،الجيزة ،د ط.2005 ،
= =3حلمي بدير ،األدب المقارن بـحوث ودراسات ،دار الوفاء لدنيا الطباعة،
اإلسكندرية ،د ط.2001 ،
= =4رامي فواز أحمد المحمودي ،النّقد الحديث واألدب المقارن ،دار الحامد األردن،
دط.2007،
= =6محمد غنيمي هالل ،األدب المقارن ،نهضة مصر للطباعة القاهرة ،دط.2003 ،
= =7محمد زكي العشماوي ،دراسات في النّقد المسرحي واألدب المقارن ،دار المعرفة
الجامعية األزاريطية ،دط.2005 ،
10