Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 2

‫وائح المسك من نخل الحسا نبعت ** في زهوة التمر ‪ ،‬والريحان مطلعها‬

‫سل النسيم إذا ما هب يخطبها ** يغازل النخل سباقا لمحورها‬

‫ينبئك عن سير للعشق فاز بها ** وسل فؤادي إن القلب يعشقها‬

‫لو أبدلوني عن حب الحسا ذهبا ** وبالماليين الخترت الحسا نبها‬

‫محمد بن عبدهللا الحدب‬

‫قبل سنوات‪ ،‬كتب الشاعر السعودي الراحل‪ ،‬الدكتور غازي القصيبي قصيدته «أ ّم النخيل»‪ ،‬وعنى بها األحساء‪،‬‬
‫لكنه عبّر عن عاطفة جياشة تربطه بهذه الواحة الضاربة جذورها في التاريخ‪ ،‬فالقصيبي الذي عاش من دون‬
‫‪:‬أ ّم‪ ،‬وجد في األحساء «أ ًّما» يهديها أعذب قوافيه‪ ،‬فقال‬
‫أ َّم النخيل!… هبيني نخلة ذَبُلت‬
‫هل ينبتُ النخ ُل غضًّا بعد أن ذَبـُال؟‬
‫يا أ ُّم‪ُ ..‬ردّي على قلبي طفولَته‬
‫وأرجعي لي شبابًا ناع ًما أفِال‬
‫العين‪ ..‬أوردتي‬‫ِ‬ ‫وط ّهري بميا ِه‬
‫غسـِال‬‫قد ينجلي اله ُّم عن صدري إذا ُ‬
‫لكل مدينة سحرها‪ ،‬لكن لألحساء سحر األساطير‪ .‬فهي عاصمة النخيل التي تأسر قلوب زوارها كما تلف بالشوق‬
‫أفئدة أبنائها‪ .‬تفاجئ القادمين إليها بسحر البسمة‪ ،‬وعذوبة الكلمة‪ ،‬وكرم الضيافة‪ ،‬حتى لترخي النخيل أعنتها أمام‬
‫‪.‬القادمين‬
‫األحساء التي يصفها شاعرها جاسم الصحيّح بأنها «تتجاوز خارطتها الجغرافية الضيقة إلى خارطتها األوسع في‬
‫ت في الحياة هو موت الذاكرة‬‫قلب إنسانها المرابط على ثغور الذاكرة لتبقى طرية طازجة وقويّة‪ ،‬فأخطر مو ٍ‬
‫‪».‬الوطنيّة عند الشعوب‬
‫هي واحة النخيل التي يتحد فيها هوى الشعراء مع قامات النخيل الباسقات‪ ،‬التي تنبت األرض فيها شعرا َء‪ ،‬مثلما‬
‫تنبت النخيل‪ ،‬وحيث تجري فيها بحور القصيد‪ ،‬كما تجري مياه الساقية‪ ،‬وحيث يرتشف األطفال في المهد حبّ‬
‫‪.‬األبجدية‪ ،‬وموسيقى بحور الشعر‪ ،‬ووزن القافيات‪ ،‬كما يرضعون حبّ األرض‬
‫مروا بها هاموا بها عشقًا‪ ،‬ولم يكن القصيبي وحده الذي‬
‫فكل الشعراء الذين أنجبتهم األحساء أو الشعراء الذين ّ‬
‫‪:‬ارتمى في حضن األرض‪ ،‬واعتبرها أمه‪ ،‬جاسم الصحيح‪ ،‬هو الشاعر الذي قال عن األحساء‬

‫يك أ ُ ِمي كي أوفِـي لَ ِك األسما‬ ‫س ِم ِ‬ ‫أُ َ‬


‫!فبين ُكما في نطفتي وحدة عُظ َمى‬
‫يك أ ُ ِمي‪ ..‬واألمومة موطن‬ ‫س ِم ِ‬ ‫‪..‬أ ُ َ‬
‫!)بمقدار ما (ننمو) علي ِه لهُ (نُن َمى‬
‫ِ‬
‫أ ُ ِحب ُِك يا (أحساء) في ك ِل ِكسـَرة‬
‫ش َعت في يدي قَ َم ًرا تَـما‬
‫الطين َ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫َ‬
‫أنا ابنُ ِك فَال ُح القوافـي‪ ،‬فطالما‬
‫طبَعتُ بمحراثي على قا ِعها خَتما َ‬ ‫َ‬
‫أ ِحب ُِك يا (أحساء) في ك ِل نظرة‬ ‫ُ‬
‫صلَت بـي إما ًما و ُمؤتَـما‬‫إلى الحق ِل َ‬
‫ألف جميلة‬ ‫ض َم َ‬ ‫وصدري الذي لو َ‬
‫ضما‬
‫ع النخ ِل أجم َل ما َ‬ ‫تَ َ‬
‫ظ ُل جذو ُ‬
‫وحين نسأل الشاعر الصحيّح عن األحساء‪ ،‬يجيب‪« :‬دائ ًما ما تبدو لي األحساء في حالة من الخشوع واقفة في‬
‫طقوس ال ُح ْل ِم بالعودة إلى الحقل‪ ،‬وتنتظر عودة الفالَّحين الذين ترتفع قاماتُهم بطول‬
‫َ‬ ‫تمارس‬
‫ُ‬ ‫َح َر ِم الجذور‬
‫األشجار‪ ..‬وتمتدُّ أذرعتهم بطول أذرعة الينابيع‪ ..‬وتعبق أنفاسهم برائحة العشب والندى والمطر‪ .‬أ َّما أنا فال بدُّ أن‬
‫أعترف أنَّني حينما أكتب عن األحساء‪ ،‬ال أستطيع االنفالت من أحاسيسي القرويَّة‪ ،‬فاألحساء بالنسبة لي ليست‬
‫ص َل أبدا‬‫مسافر باتجاه المدنيَّة وآ َم ُل له أالَّ يَ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ب من القُرى‬
‫‪».‬سوى سر ٍ‬
‫تمتد األحساء بين قوافي الشعراء ومهجهم‪ ،‬وتتبادل معهم العاطفة‪ ،‬تلهمهم تارة وتستوفي منهم القوافي تارة‬
‫أخرى‪ ،‬لذلك فالباحث عن األحساء يجدها أول ما يجدها في بحور الشعر‪ ،‬وقصائد الشعراء كتعبير عن عالقة‬
‫‪.‬اإلنسان باألرض التي يحبها ويعشقها‬
‫‪:‬نقرأ ما يقوله الشاعر جاسم عساكر‪ ،‬مخاطبا األحساء‬

‫ق‬ ‫ت ساهرة على الميثا ِ‬ ‫مازل ِ‬


‫ق‬ ‫َّ‬
‫خواطر العُشا ِ‬ ‫َ‬ ‫تتصيّدينَ‬
‫وتُحلِّقينَ على ارتفاعِ كرامة‬
‫ق‬
‫من روحهم‪ ،‬عُلوية اآلفا ِ‬
‫ب التي‬ ‫وتهربينَ رسائ َل العش ِ‬ ‫ّ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫الرقرا‬ ‫الفضة‬ ‫بماء‬
‫ِ‬ ‫تبت‬ ‫ُك‬
‫ب ووزنُها‬ ‫التمر قافية القلو ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ِ‬ ‫األعذا‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫مواه‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫والشعر‬
‫ُ‬
‫‪:‬أما الشاعر الشاب حيدر العبد هللا الذي حاز لقب «أمير الشعراء»‪ ،‬فيقول‬

‫عيناك‬
‫ِ‬ ‫والتمر يا أحساء‬
‫ُ‬ ‫الشعر‬
‫ُ‬
‫حكاياك‬
‫ِ‬ ‫وثغر ِك الما ُء والدنيا‬
‫ُ‬
‫ت جرى‬ ‫ت إلينا وابتسم ِ‬ ‫ل ّما نظر ِ‬
‫نهرا قصي ٍد ونخ ٍل من ُمحي ِ‬
‫ّاك‬
‫ٌ‬
‫تراث‬ ‫عراقة األحساء ال حدّ لها‪ ،‬حيث تبدو كقطعة نفيسة من تراث‪ .‬ففي كل زاوية تاري ٌخ ينبض‪ ،‬وعند كل مفرق‬
‫ُ‬
‫تكتنز الحكايات‪ .‬زائر األحساء ال يم ّل وال يسأم‪ ،‬فحيثما توجه ثمة تاريخ وتراث‪ ،‬وأينما جلس‬ ‫يتكلم‪ .‬وبين بساتينها‬
‫ثمة شعر وأدب‪ .‬وكلما شعر اإلنسان بالحنين للعودة لحضن الماضي الجميل‪ ،‬وكلما ّ‬
‫حن للسفر إلى حيث األصالة‬
‫‪.‬والجزالة والتراث العريق‪ ،‬كانت األحساء تفتح ذراعيها لتروي غليل المحبين‬
‫زائر األحساء الذي يقصد الطريق الزراعي المسمى طريق القرى يدخل وسط واحة زراعية متناهية الجمال‪،‬‬
‫ويمر عبر قنوات المياه التي تشق طريقها‪ ،‬وفي كل زاوية يقف شباب محليون يسوقون منتجات البساتين من‬
‫‪.‬الرطب والتين والرمان والليمون‪ ،‬وكانت األحساء تزخر بالعيون الطبيعية التي تجاوزت ستة آالف عين‬

‫وعبر األفق ينتصب جبل القارة أبرز المعالم السياحية الطبيعية في األحساء‪ ،‬وأكثر المواقع التاريخية شهرة‪،‬‬
‫باإلضافة لوادي صبصب األخضر‪ ،‬وبحيرة األصفر‪ ،‬وجبل األربع‪ ،‬وجبل الملح الكبير‪ ،‬ومسجد جواثا التاريخي‪،‬‬
‫وسجن البارون العثماني‪ ،‬وقصر إبراهيم الشهير‪ ،‬ومسجد القبة الذي يقع في الركن الجنوبي الغربي للقصر‪،‬‬
‫وقصر المجصة جنوب بلدة الطرف‪ ،‬وقصر «صاهود» في مدينة المبرز‪ ،‬وقصر «خزام» الذي كان أول‬
‫الحصون التي سقطت في يد الملك عبد العزيز ليلة الخامس من جمادى األولى سنة ‪1331‬هـ (‪ .)1910‬باإلضافة‬
‫‪.‬لسوق القيصرية التراثي التاريخي الشهير‬

You might also like