Professional Documents
Culture Documents
أسـبـاب طــول الـعـمر
أسـبـاب طــول الـعـمر
أسـبـاب طــول الـعـمر
إعداد
جنات عبد العزيز دنيا
طول العمر أمنية كثير من الناس.وهو أمنية الكافر والعاصي { يود
أحدهم لو يعمر ألف سنة } ،ولكنها لن تنفعه { قل إن الموت الذي
تفرون منه فإنه مالقيكم }.ومع ذلك فطول العمر نعمة للمؤمن .
((خيركم من طال عمره وحسن عمله )).
إن العمر له أسبابه المادية التي تؤخره وتؤجله ،وأيضا أسباب معنوية
أخبرنا النبي صلى هللا عليه وسلم أنها تزيد في العمر .
أوال أسبابه المادية التي تؤخره وتؤجله :كحفظ الصحة ،والبعد عن
أماكن الخطر ،والتداوي من األسباب المادية المحسوسة التي تحفظ
لإلنسان عمره وصحته بإذن هللا ،وإذا أهمل قد يؤدي إلى الضرر
أو الوفاة ،وذلك ال يتعارض بأي وجه مع ما تقرره اآليات واألحاديث
أن األجل والعمر محدود ،فهو محدود بأسبابه ،وكل شيء عنده
سبحانه وتعالى بمقدار ،فإن تداوى المرء وتعافى فطالت أيامه في هذه
الدنيا فذلك بقدر هللا ،وإن قصر أو ترك التداوي حتى قضى أجله فهو
ص َّلىسول َ هَّللا ِ َ
ت َر ُ سأ َ ْل ُ
بقدر هللا كذلك َ .عنْ أَ ِبي ُخ َزا َم َة َعنْ أَ ِبي ِه َقال َ َ :
اء
دَو ً سول َ هَّللا ِ ؛ أَ َرأَ ْي َت ُر ًقى َن ْس َت ْرقِي َها َ ،و َ
ت َ :يا َر ُ هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ
س َّل َم َ ،فقُ ْل ُ
َن َتدَ َاوى ِب ِه َ ،و ُت َقا ًة َن َّتقِي َها ؛ َهلْ َت ُر ُّد مِنْ َقد َِر هَّللا ِ َ
ش ْي ًئا ؟ َقال َ ( :ه َِي مِنْ
َقدَ ِر هَّللا ِ ) رواه الترمذي وابن ماجة ،وروي موقوفا .قال الترمذي :
هذا أصح .
ثانيا :األسباب المعنوية التي أخبرنا النبي صلى هللا عليه وسلم أنها
تزيد في العمر وتمد األجل :الدعاء ،وصلة الرحم ،وبر الوالدين ،
وأعمال البر كلها .
سول َ هَّللا ِ صلى هللا عليه ت َر ُ سم ِْع ُ س ْب ِن َمالِكٍ رضى هللا عنه َقال َ َ َعنْ أَ َن ِ
سأ َ َل ُه فِى أَ َث ِر ِه َف ْل َيصِ لْ
س َط َل ُه ِر ْزقُ ُه أَ ْو ُي ْن َ
س َّرهُ أَنْ ُي ْب َ وسلم َيقُول ُ َ ”:منْ َ
س ْل َمانَ رضي هللا عنه َقال َ َ :قال َ َر ِح َم ُه “ .رواه البخاري ومسلم .و َعنْ َ
،والَ َي ِزي ُد ُّعا ُء َ اء إِالَّ الد َ
ض َ ص َّلى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ
س َّل َم ”:الَ َي ُر ُّد ال َق َ هللا َ
سول ُ ِ رَ ُ
الب ُّر “ رواه الترمذي وقال :حسن غريب .وحسنه فِي ال ُع ْم ِر إِالَّ ِ
األلباني في "السلسلة الصحيحة" .فمن أتى بهذه األسباب استحق
عرض نفسه للموت ، زيادة العمر ،ومن نقص أسباب الحياة فقد َّ
وكل ذلك – سواء األسباب أو المسببات – معلومة مكتوبة عند هللا
تعالى في ابتدائها وانتهائها ،ال تتغير ألنها معلومة هلل على ما ستكون
،مهما غير العبد من أسبابه ،رفعت عنها األقالم ،وجفت بها الصحف
وهذا معنى قوله سبحانه َ ”:و َما ُي َع َّم ُر مِنْ ُم َع َّم ٍر َواَل ُي ْن َق ُ
ص مِنْ ُع ُم ِر ِه
ب إِنَّ َذلِ َك َع َلى هَّللا ِ َيسِ ي ٌر “ فاطر.11/
إِاَّل فِي ِك َتا ٍ
يقول ابن عباس في تفسير هذه اآلية " :ليس أحد قضيت له طول
الحياة والعمر إال هو بالغ ما قدرت له من العمر ،قد قضيت ذلك ،فإنما
ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له ،ال يزاد عليه ،ليس أحد قضيت له
أنه قصير العمر ببالغ العمر ،ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له ،
فذلك قوله ” :وال ينقص من عمره إال في كتاب “ ،يقول :كل ذلك في
كتاب عنده " انتهى .رواه البيهقي في "القضاء والقدر” .يقول البيهقي
رحمه هللا ":والمعنى في هذا أن هللا جل ثناؤه قد كتب ما يصيب عبدا
من عباده من البالء والحرمان والموت وغير ذلك ،وأنه إن دعا هللا
تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها ،لم يصبه ذلك البالء ،ورزقه
كثيرا ،وع ّمره طويال ،وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من األمرين "
انتهى .ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا :
" إن هللا أمر الملك أن يكتب أجالً ،وقال :إن وصل رحمه زدته كذا
وكذا ،والملك ال يعلم أيزداد أم ال ،
لكن هللا يعلم ما يستقر عليه األمر ،فإذا جاء األجل ال يتقدم وال يتأخر.
" انتهى".مجموع الفتاوى”.
ويقول الشيخ ابن جبرين :
" اعلم :أن اآلجال واألرزاق -كسائر األشياء -مربوطة بقضاء هللا
وقدره ،فاهلل تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ”:ولكل أمة أجل
فإذا جاء أجلهم ال يستأخرون ساعة وال يستقدمون “ األعراف.34/
فهذا أمر ال ريب فيه وال شك ،ومع ذلك ،فهي أيضا ً كغيرها :لها
أسباب دينية ،وأسباب طبيعية مادية ،واألسباب تتبع قضاء هللا وقدره
ومن األسباب الدينية لطول العمر ،وسعة الرزق :لزوم التقوى
واإلحسان إلى الخلق ،السيما األقارب .
كما ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى هللا عليه وسلم :أنه قال :
” من أحب أن يبسط له في رزقه ،وينسأ له في أثره -أي يطيل عمره
فليصل رحمه “ .وذلك أن هللا يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن
وصل رحمه :وصل هللا أجله ورزقه ،وصالً حقيقيا ً .وضده :من
قطع رحمه ،قطعه هللا :في أجله وفي رزقه .قال تعالى ” :ومن يتق
هللا يجعل له مخرجا ً ،ويرزقه من حيث ال يحتسب “ الطالق.2/
ومن األسباب الدينية لقطع طول العمر :البغي والظلم للعباد .فالباغي
سريع المصرع ،والظالم ال يغفل هللا عن عقوبته ،وقد يعاقبه عاجالً
بقصم العمر " انتهى.
قال النووي عن الزيادة فى العمر(:وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح
منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة
أوقاته بما ينفعه في اآلخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك) ،
ويفهم من كالم النووي أن الزيادة ليست على حقيقتها ،بل هي مؤولة
فرقا بل لو
إلى البركة .غير أن ابن تيمية -رحمه هللا -لم ير في ذلك ً
حملت الزيادة على حقيقتها بالكم وعدد السنين لكان القول بذلك أحظ
وأسعد بالدليل الشرعي .والجواب المحقق أن هللا يكتب للعبد أجال في
صحف المالئكة ،فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب ،وإن عمل ما
يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب.
الدعاء بطول العمر:
أجازالنبي صلى هللا عليه وسلم الدعاء بطول العمر إذا تضمن عمال
صالحا .وقد ثبت أن النبي صلى هللا عليه وسلم دعا ألنس بن مالك
رضي هللا عنه بطول العمر .فروى البخاري في "األدب المفرد" باب
من دعا بطول العمر ،عن أنس رضي هللا عنه قال ( :كان النبي صلى
هللا عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت ،فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم
سليم :خويدمك أال تدعو له ؟ قال ( :اللهم أكثر ماله وولده وأطل
حياته واغفر له) .فدعا لي بثالث ،فدفنت مائة وثالثة [يعني :من
أوالده وأحفاده] ،وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين ،وطالت حياتي
حتى استحييت من الناس ،وأرجو المغفرة) صححه األلباني في
"صحيح األدب المفرد" وأصله في الصحيحين .
وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" قول عمر لعلي رضي هللا عنهما :
احتج من احتج على
َّ َ
"صدقت ،أطال هللا بقاءك" ،وقال " :وبهذا
جواز الدعاء للرجل بطول البقاء" انتهى .
وروى البخاري في "األدب المفرد" عن عقبة بن عامر الجهني رضي
هللا عنه :أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم ،فسلم فرد عليه :وعليك
ورحمة هللا وبركاته .فقال له الغالم :إنه نصراني ! فقام عقبة فتبعه
حتى أدركه فقال " :إن رحمة هللا وبركاته على المؤمنين ،لكن أطال
هللا حياتك ،وأكثر مالك ،وولدك" حسنه الشيخ األلباني في "صحيح
األدب" ،وقال " :في هذا األثر إشارة من هذا الصحابي الجليل إلى
جواز الدعاء بطول العمر ،ولو للكافر ،فللمسلم أولى" انتهى .
gannatdonya@gmail.com