Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في القانون الإداري
محاضرات في القانون الإداري
محاضرات في القانون الإداري
كليّةّالحقوقّوالعلومّالسّياسيّةّ
بتونس ّ
محاضرات في القانون اإلداري
الخاص
ّ سنة الثّانية من اإلجازة األساسيّة في القانون
لطلبة ال ّ
األستاذ مصطفى بن لطيّف
الطالبّسيفّالدينّالذكوري ّ
Dhkourisaifeddine@gmail.com
مقدمة عامة
يمس حياة األفراد بشكل
ّ يعتبر القانون اإلداري أحد أهم فروع العلوم القانونيّة باعتباره
مدعو بشكل يومي تقريبا وبصورة أو بأخرى للتعامل مع
ّ مباشر ويومي .فك ّل منّا
مصالح اإلدارة العموميّة وهياكلها ونشاطاتها باعتبار هذه اإلدارة تجسيدا هيكليّا وعمليّا
للدولة .وبذلك يكون الفرد أو المواطن خاضعا ،بشكل أو بآخر ،للقانون اإلداري.
فالمشاركة في مناظرة انتداب أو استخراج مضمون والدة من دفاتر الحالة المدنية أو
تسجيل الطالب بأحد مؤسسات التعليم العالي أو التق ّدم بطلب رخصة بناء أو رخصة
تقسيم عقار أو رخصة سيّارة أجرى أو مطالبة اإلدارة بالت ّعويض عن ضرر ألحقته
بفرد في شخصه أو في أمالكه ...كل هاته الحاالت تضعنا في إطار عالقات ونشاطات
ّ
وينظمها القانون اإلداري. ّ
يؤطرها
عالقاتنا باإلدارة إذا تخضع إلى ضوابط أو قواعد قانونيّة تنتمي للقانون اإلداري ولكن
ينبغي أن نكون واعين أن األمر لم يكن كذلك دائما في تاريخ اإلنسانية ،أي أن عالقات
المواطن باإلدارة لم تكن دائما محكومة في تاريخ البشرية بالقانون بل في بعض األحيان
كانت تحكمها االعتباطية والتعسف.
ولذلك اعتبر عديد الفقهاء أن وجود القانون اإلداري في حد ذاته معجزة ألن إخضاع
اإلدارة ،ومن خاللها إخضاع السلطات العمومية للقانون وللمسائلة وللمحاسبة القانونية،
لم يكن من األمور السهلة أو البديهية في تاريخ البشرية .ومازال أجدادنا لديهم مقولة
شعبية شهيرة "إذا تخاصم الحاكم شكون خصيمك".
2
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
إذا األمر لم يكن بديهيا وال سهال ،ولذلك يعتبر القانون اإلداري إنجازا تقدميا
وديمقراطيا مهما يجسد المرور من دولة البوليس (أي دولة الحكم االعتباطي والحكم
ّ
الحق أو دولة الشرعيّة ،دولة يسود فيها احترام الشرعية الغير ّ
منظم بقواعد) الى دولة
القانونية أو دولة القانون
ففي الدول الحديثة أصبح تنظيم اإلدارة ونشاطها يخضع للقانون ولرقابة القضاء،
فاإلدارة لم تعد تتمتع بسلطة مطلقة أو بسلطة اعتباطية وإنّما عليها ،كالخواص ،أن
تحترم القواعد القانونيّة ،فإذا لم تحترمها أمكن لألفراد التوجه للمحاكم لوضع حد
للتجاوزات وللتعسف ،ولخرق القانون .وهذا ما يسمى بمنظومة دولة الشرعيّة أو دولة
القانون ،التي يكون فيها الجميع ،حكاما ومحكومين ،وجميع السلط القائمة في الدولة،
ومن ضمنها اإلدارة ،خاضعة لسلطان القانون ،بشكل يضمن حقوق األفراد وحرياتهم.
وتبرز دراسة القانون اإلداري كامتداد لدراسة القانون الدستوري ،ذلك أن القانون
الدستوري يتعلق بدولة القانون باعتباره يخضع السلط السياسية في الدولة وعالقاتها
ببعضها ،وكذلك عالقتها بالمحكومين (أي المواطنين) ،للقانون .أما القانون اإلداري
فيتعلق بإخضاع السلط اإلداريّة التي تمثل امتدادا وتجسيدا للسلطة التنفيذية.
فكالهما (القانون الدستوري والقانون اإلداري) ينتميان لجمع واحد هو القانون العام
الدّاخلي.
غير أن هاذين الفرعين يصعب كثيرا الفصل بينهما ،فكالهما يتعلق بالدولة وأجهزتها،
ويكمن هذا االختالف بينهما في أنه :في حين يعنى القانون الدستوري بدراسة الدستور
والنشاط السياسي للدولة من خالل مؤسسات الحكم فيها والعالقات بينها وبين
سياسيّة للقانون ،يهتم القانون اإلداري كذلك بالدولة،
المواطنين ،أي إخضاع السلطة ال ّ
3
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ولكن من خالل أجهزتها ومؤسساتها اإلداريّة وآليات نشاط هذه األجهزة والمؤسسات
سلطة السياسية وتحديدا للسلطة الترتيبيّة.
باعتبارها امتدادا لل ّ
وهكذا يمكننا القول بأن القانون الدستوري والقانون اإلداري مترابطين ومتكاملين إلى
حد يمكن القول أنّهما وجهان لعملة واحدة .بل إن جانبا من الفقه ،في بدايات القرن
الماضي بالخصوص ،انتقد الفصل بين هذين المادتين معتبرا أن نقاط االلتقاء واالهتمام
المشتركة عديدة ،فالسلطات السياسية والدستورية هي في نفس الوقت سلطات إدارية
عليا (كالوزارة) كما أن الدستور يتضمن كثيرا من القواعد ذات الصبغة اإلدارية ،مثال
التعيينات في الوظائف العليا الديبلوماسية والعسكرية من اختصاص رئيس الجمهورية،
كذلك تعيين محافظ البنك المركزي وهو موظف سام ،كذلك رئيس الحكومة هو من
يعين الوالة والمعتمدين وهم مسؤولون اداريون محليون ،ورئيس الحكومة هو من يمكنه
إحداث مؤسسات حكومية .وهو ما ينص عليه دستور 2014في فصوله 77و78
بالنسبة لرئيس الجمهورية و 92و 94بالنسبة لرئيس الحكومة .فضال عن ان الفصل
15يتحدث عن ان "اإلدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام ،تنظم وتعمل
وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمراريّة المرفق العام ،ووفق قواعد الشفافية والنزاهة
والنجاعة والمسائلة" فهو إذا فصل يحدد المبادئ التي تحكم اإلدارة وهو فصل وارد
بالدستور .وفي الباب السابع يتحدث الدستور عن السلطة المحلية وتحديدا يتعلق
بالالمركزية اإلدارية.
هذه المعطيات (نقاط االلتقاء واالهتمام المشتركة بين القانون الدستوري والقانون
اإلداري) دفعت العميد جورج فيديل G.Vedelالى إرساء نظرية األسس الدستوريّة
للقانون اإلداري.
4
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كذلك توجد مناطق اهتمام مشترك عديدة أخرى مثل كل ما يتعلق بالحريات العامة،
وهي جوهر وظيفة الضبط اإلداري ويوجد باب في الدستور تحت عنوان الحقوق
والحريات.
كذلك يحدد الدستور مجاالت القانون والتراتيب والمراسيم واألوامر (الفصل .)65
إذا نالحظ أن نقاط التداخل وااللتقاء قوية بين الطرفين ،وهكذا إذا فاإلثنين يتناوالن
تقريبا نفس المواضيع ولكن من زوايا أو بطرق مختلفة .فالقانون الدستوري يعنى أساسا
بالمسائل الكبرى ويعنى برؤوس األقالم بينما يعنى القانون اإلداري بالتفاصيل .القانون
الدستوري يهتم بالدولة في المناسبات الكبرى أما القانون اإلداري فيهتم بالدّولة في
عملها اليومي المتواصل.
5
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
يمكن تعريف القانون اإلداري بصورة أوليّة بأنه مجموعة القواعد التي تحكم وتأطر
تنظيم اإلدارة العمومية ونشاطها .أي تأطير اإلدارة العموميّة بمعنييها العضوي
والمادّي :العضوي (اإلدارة كهياكل ومؤسسات) والمادي (اإلدارة كنشاط).
غير أن هذا التعريف يحتاج إلى مزيد التدقيق ويتضح ذلك بتعريف اإلدارة العمومية
أوال ثم بتناول المفهومين السائدين المتداولين للقانون اإلداري (المفهوم الواسع والمفهوم
الضيّق).
ومن خالل هذا التعريف يتضح أن لإلدارة العموميّة مفهومين :مفهوم عضوي يعنى
بالهياكل ومفهوم مادي يعنى بالوظائف.
6
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
مثال :الكليّة هي هيكل تتضمن بدورها هياكل (كتابة عامة ،مديري أقسام ،مجلس
علمي ،العميد ،أساتذة ،أعوان الحراسة).
وإلى جانب الدولة نجد ذوات إدارية متفرعة عنها أيضا ولكن متمتّعة بالشخصيّة
القانونية وهي الجماعات العمومية (المحلية والجهوية إلخ )..التي تعتبر ذوات محليّة
عمومية ذات صبغة ترابيّة .وتتمثّل في القانون التّونسي إلى ح ّد اليوم في البلديات
والواليات ووفقا للدستور الجديد في البلديّات والجهات واألقاليم .ونجد كذلك هياكل
إداريّة أخرى مش ّخصة (أي متمتعة بالشخصية القانونيّة ونوع من االستقاللية كالكليات
والمستشفيات وغيرها.)...
7
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ولذلك فلئن كانت العالقات بين األطراف في القانون الخاص محكومة مبدئيا بمبدئي
المساواة والرضائية فإن اإلدارة باعتبارها حامية المصلحة العا ّمة التي تعلو على
صة لألفراد توجد في وضعيّة تتميّز بعدم المساواة وبعلويّة اإلدارة على
المصالح الخا ّ
األفراد أو الخواص المتعاملين معها بحيث تتمتع باعتبارها سلطة عامة بجملة من
االمتيازات ومنها امتياز اتخاذ القرارات االنفرادية.
كما تختلف اإلدارة بالمعنى الوظيفي والمادّي عن بقيّة النشاطات والوظائف العموميّة
صة وظائف التشريع والقضاء.
وخا ّ
ويشمل القانون اإلداري اإلدارة العموميّة بمعنييها العضوي (الذي سنراه في جزء أول
من الدّرس) والمادّي (الذي سنراه في جزء ثان من الدرس).
تختلف اإلدارة من حيث نشاطها إذا عن التشريع الذي هو وظيفة يتوالها البرلمان تتمثل
في ّ
سن القوانين في حين تتولى اإلدارة وظيفة تنفيذ تلك القوانين ،ولكن ذلك ال يمنع أن
يتدخل البرلمان في الميدان اإلداري من حيث أنه يحدد هيكلة اإلدارة وتنظيمها ويتولى
مراقبتها ثم إن البرلمان بسنّه للقوانين يضع قواعد عامة مجردة وملزمة في حين يتمثل
النشاط اإلداري في التسيير اليومي ولكن البرلمان أيضا قد يمارس نشاطات تصرف
إداري يومي ،إذ يظم البرلمان مجموعة من المصالح اإلدارية يشرف عليها رئيس
المجلس النيابي وينسق بينها الكاتب العام للمجلس هذا من جهة ،بالمقابل تتخذ اإلدارة
القرارات وتصدر نصوصا تتسم بالصبغة العامة والمجردة تسمى التراتيب.
كذلك تختلف وظيفة اإلدارة عن وظيفة القضاء .فمن الناحية العضوية ،تتولى السلطة
القضائية ممارسة القضاء من خالل تطبيق القواعد القانونية لفصل النزاعات ،في حين
تعتبر اإلدارة امتدادا للسلطة التنفيذية.
8
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اما من الناحية المادية ،فتتمثل وظيفة القضاء في تطبيق القواعد القانونية لفض
النزاعات في حين يتمثل النشاط اإلداري في تلبية الحاجيات الجماعية عبر عدد من
المرافق العمومية.
وهكذا تبرز اإلدارة مرتبطة شديد االرتباط بوظائف السلطة التنفيذية ،وهو ما يحيلنا
اآلن على عالقة هذه اإلدارة بالقانون أي مفهوم القانون اإلداري.
9
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
إنما هو قانون اإلدارة وال يتميّز ال بمصادر خاصة وال بمنهجية خصوصيّة .بل ّ
إن
الدول األنجلوـسكسونيّة ترفض أصال وجود قانون إداري متميّز معتبرة ذلك مظهرا من
مظاهر التسلّط والخطر على الحريّات يناقض فصل السلط والمساواة أمام القانون.
ويرتبط هذا المفهوم بالمنظومات القانونيّة التي تأخذ بازدواجية النظم القانونيّة وهي
أساسا النظام القانوني الفرنسي الذي يفرق بين المجالين العام والخاص ويعتبر ّ
أن لك ّل
منهما نظامه/منظومته القانونيّة ،وبالتالي يفرد اإلدارة العموميّة بقانون متميّز وخاص
بها ،هو القانون اإلداري ،باعتبار أن اإلدارة العموميّة تهدف إلى تحقيق المصلحة
خص بقواعد وامتيازات ال يحظى بها الخواص.
العا ّمة وهذا يفترض أن ت ّ
وهذا المفهوم الضيّق للقانون اإلداري الفرنسي هو الذي يأخذ به النظام القانوني
التّونسي.
ولكن تجدر اإلشارة أن القانون اإلداري بمعناه الضّيق ليس هو القانون الوحيد المنطبق
على اإلدارة العموميّة .فاإلدارة تخضع اليوم إلى القانون اإلداري وكذلك في عدد من
الخاص .إذ أنّها إلى جانب ات ّخاذها للقرارات االنفراديّة وإبرامها لعقود
ّ نشاطاتها للقانون
إداريّة وتسييرها لملك عام حيث تخضع للقانون اإلداري بمعناه الدقيق ،أيضا تنشط في
وتتصرف كالخواص حيث أنها تبرم عقودا تجاريّة أو مدنيّة عاديّة
ّ عديد الحاالت
خاص لإلدارة وتخضع
ّ صا يس ّمى الملك ال
تخضع للقانون الخاص وتسيّر كذلك ملكا خا ّ
الخاص.
ّ في ذلك للقانون
10
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
القانون اإلداري هو قانون اإلدارة العموميّة لكنه ليس القانون الوحيد الذي يحكم اإلدارة
الخاص.
ّ التصرف يخضع للقانون
ّ تتصرف كالخواص وهذا
ّ ذلك أن اإلدارة يمكن أن
اإلدارة لها قانون خاص بها ولها امتيازات تس ّمى امتيازات السلطة العا ّمة ألنها في
خدمة الصالح العا ّم ،ولكن القانون اإلداري ليس قانون اإلدارة وحدها ألنّه يطبّق على
الخواص الذين يتعاملون مع اإلدارة والخواص الذين يساهمون في القيام بالمرفق العام
أو إنجاز أشغال عموميّة .ويثير هذا التعريف الضيّق للقانون اإلداري مسألة استقالليّة
هذا القانون أو ذاتيّته.
ّ
بالبت في نزاع هل هو القضاء (طرح هذا النزاع إشكاال يتمثل في القاضي المختص
اإلداري أم القضاء العدلي .ودانييس بالنكو هي فتاة مراهقة عمرها 14سنة وقع لها
حادث ،أصابتها سيارة إدارية على ملك وكالة التبغ والوقيد الفرنسية وتسبب لها الحادث
بعدة أضرار بدنية .رفعت الدعوى أمام محكمة ابتدائيّة غير أن اإلدارة رفضت
اختصاص القاضي العدلي ألن السيارة كانت أثناء أداء نشاط إداري والنشاط اإلداري
ليس من اختصاص القاضي العدلي بل من اختصاص القاضي اإلداري .واعتبرت
محكمة النزاعات أن هذه الحادثة جاءت أثناء قيام اإلدارة بنشاط يتعلق بمرفق عام
يهدف إلى خدمة المصلحة العامة ولذلك ال يمكن إخضاعها للمجلة المدنيّة وإنما لنظام
11
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
خاص بها .وعلى هذا األساس يكون النزاع من اختصاص القاضي اإلداري وليس
ّ
العدلي).
على أن الفقه السائد اليوم ال ينظر للقانون اإلداري كقانون استثنائي أو مجرد استثناء
للقانون الخاص وإنّما يؤكد على أنه قانون مستقل بذاته فإن كان القاضي اإلداري يطبق
في أغلب األحيان قواعده فإن القاضي العدلي كذلك يتولى تطبيقها أحيانا.
على أن هذه الذاتيّة أو الخصوصيّة ،التي كثيرا ما ينتقدها البعض على أساس أنها
امتيازات لإلدارة ،ال تعني دائما امتيازات لإلدارة وإنما أيضا قيود على أعمالها تضعها
حرية من الخواص من ذلك مثال نظريّة المسؤوليّة اإلداريّة بدون خطأ
في وضعية أقل ّ
على أساس المخاطر أو المساواة أمام األعباء العموميّة ،ونظريّة الظروف الطارئة في
مجال العقود ،أو كذلك القيود المفروضة على اإلدارة في مجال إبرام العقود اإلداريّة.
على أن خصوصيّة القانون اإلداري تكمن في جملة االمتيازات التي تمنحها لإلدارة
والمعروفة بامتيازات السلطة العامة والتي ال مثيل لها في القانون الخاص وهي
امتيازات تعتمد اإلكراه وتتجلى من خالل اتخاذ القرارات اإلدارية االنفراديّة التي
تفرض من خاللها على األفراد جملة من االلتزامات أو القيود وتختلف بذلك عن قواعد
12
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
القانون الخاص القائمة مبدئيّا على المساواة والرضائيّة .ومنها سلطات إجبار األفراد
على تقديم خدمات أو أموال ،كسلطة فرض الضرائب واالنتزاع والتسخير.
على أنه يجب التأكيد على أن ذاتيّة القانون اإلداري ليست مطلقة .فقواعد القانون
اإلداري ليست دائما مختلفة عن قواعد القانون الخاص بل إننا نشهد منذ ثمانينات القرن
الماضي تقاربا متزايدا وحتى تداخال بين القانون اإلداري والقانون الخاص.
ولئن كان الموقف السائد اليوم في الفقه يأ ّكد على استقاللية القانون اإلداري ،فإن ذلك
يطرح بالخصوص مسألة األسس أو المرتكزات التي يمكن أن يمثل حجر الزاوية أو
العمود الفقري الذي يبنى حوله صرح القانون اإلداري وتأسس عليه ذاتيّته وحدودها.
فاعتبار القانون اإلداري منظومة قانونية مستقلة بذاتها موازية لمنظومة القانون الخاص
يطرح مسألة المعيار العام لهذه الذاتية .وهو ما يحيلنا الى معايير القانون اإلداري .وقد
طرح هذا اإلشكال على القاضي اإلداري لتحديد مجال اختصاصه وحدود هذا المجال
وأسس هذا االختصاص كما شغلت مسألة البحث عن معيار للقانون اإلداري الفقه
بصورة متواصلة ،وقد وقع تاريخيا وعلى التوالي وتباعا اعتماد عدّة معايير دون
سابق
االتفاق عليها .وبرزت منذ أواخر القرن التاسع عشر أي منذ قرار "بالنكو" ال ّ
الذّكر مدارس فقهيّة سعت الى وضع نظريات أهمها مدرسة المرفق العام التي كان
رائدها ليون دوجي Léon Duguitعميد كلية الحقوق ببوردو والذي عاش بين
1859و 1928ومدرسة السلطة العامة بزعامة موريس هوريو عميد كلية الحقوق
بتولوز وتتعارض المدرستان كما تتعارض نظرية الغاية ونظرية الوسيلة.
فمدرسة المرفق العام تعتمد معيار الغاية وغاية القانون اإلداري هو تحقيق المرفق
العام والمرفق العام هو النشاط الذي يهدف الى تحقيق المصلحة العامة وبالنسبة لفقهاء
هذه المدرسة فإنه كلما وجد مرفق عام أدى ذلك الى تطبيق قواعد القانون اإلداري
واختصاص القاضي اإلداري .وكل محاور القانون اإلداري حسب هذه المدرسة ترتكز
13
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
على مفهوم المرفق العام فاإلدارة هي مجموعة من الهياكل تهدف الى تحقيق المرفق
العام والموظفون العموميون هم أعوان المرفق العام والملك العمومي هو األموال
المخصصة للمرفق العام والعقد اإلداري هو العقد المبرم من أجل مرفق عام والقرار
اإلداري هو قرار يتخذ لتنظيم أو تسيير المرفق العام...
غير أن هذا المفهوم عرف أزمة منذ عشرينيات القرن الماضي من خالل بروز مرافق
عمومية خاضعة للقانون الخاص تسمى المرافق العمومية ذات الصبغة الصناعية
والتجارية أدى الى بروز محاوالت إليجاد معايير أخرى منها معيار المصلحة العامة.
أما المدرسة الثانية فهي مدرسة السلطة العامة وتتصل بالوسائل أي أنها تأخذ بعين
االعتبار اآلليات والوسائل القانونية التي تعتمدها اإلدارة لتحقيق مهامها كمعيار
للقانون اإلداري .فالمهم بالنسبة الى هؤالء ليس الغاية وإنما األساليب والوسائل المعتمدة
لتحقيقها .المهم ليس المرفق العام كغاية وإنما وسائل السلطة العامة المعتمدة أي وسائل
التصرف العمومي فهذه الوسائل هي التي تجعله خاضعا للقانون اإلداري والختصاص
القاضي اإلداري في حالة النزاع .إلى جانب هذين المدرستين التقليديتين يجب اإلشارة
إلى نظرية ثالثة وهي نظرية األسس الدستورية للقانون اإلداري التي وضعها الفقيه
"جورج فيدايل" في النصف الثاني من القرن العشرين وأساسها أنه ال يمكن تعريف
القانون اإلداري دون أخذ الدستور بعين االعتبار الذي هو أساس ومرجع كل
المنظومات القانونية في بلد ما.
14
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
سيقع في هذا اإلطار على التوالي تحليل نشأة القانون اإلداري ومصادره (باب أول) ثم
بلورة المقومات والمفاهيم األساسية للتنظيم اإلداري (الباب الثاني):
15
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
16
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
"الوظائف القضائية تبقى دائما مستقلة عن الوظائف اإلدارية والقضاة ال يمكنهم تعطيل
أعمال اإلدارة بأية طريقة كانت أو مقاضاة أعوانها من أجل أعمال تتصل بوظائفهم وإن
كل مخالفة لهذا المنع تعتبر خرقا فادحا للقانون".
بمقتضى هذا الفصل منعت السلطة القضائية من التدخل في شؤون اإلدارة أو النظر في
النزاعات التي تكون فيها طرفا .هذا القانون الذي وقع تأكيده بقانون آخر صدر سنة
1795كرس مبدأ اختالف الوظائف اإلدارية عن الوظائف القضائية .هذا النص اعتبره
الفقه آنذاك تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلط أدى بتأويل مصطنع الى حرمان السلطة
القضائية من جزء من وظيفتها الدستورية وهي تطبيق القانون وفصل النزاعات مهما
كان القانون المعني ومهما كانت أطراف النزاع.
وانجر عن هذا المنع وضع اإلدارة خارج كل رقابة باستثناء الرقابة الذاتيّة وهو ما
عرف بنظام اإلدارة القاضية حيث تكون اإلدارة الخصم والحكم في نفس الوقت في
النزاعات التي تتعلق بها وذلك باسم الفصل بين السلط .هذا الوضع تواصل لمدة عشر
سنوات 1790الى 1800غير أن هذا الوضع الغير مقبول أدى إلى إرساء مبدأ
تكميلي لمبدأ الفصل بين الهيئات القضائية واإلداريّة هو مبدأ الفصل بين اإلدارة
النشيطة/العاملة واإلدارة التنازعيّة.
أدى هذا الفصل على أساس التخصص الى بروز هياكل (نوع من المحاكم) داخل
تفض النزاعات ،لكنها هياكل منفصلة عن السلطة القضائية.
ّ اإلدارة
وقد عرفت هذه الفترة التي تواصلت بين 1800الى 1872بنظام القضاء المحجوز
يتولى فيها رئيس الدولة النظر في الدعاوى وفصل النزاعات التي تكون اإلدارة فيها
17
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
طرفا بمساعدة هيكل استشاري هو مجلس الدولة الذي أحدث بمقتضى دستور 1800
والذي يقترح على رئيس الدولة نص الحكم .ثم أحدثت مجالس األقاليم في نفس السنة
على مستوى المحافظات.
وهكذا أصبح النظام القضائي الفرنسي منذ 1872خاصة يتميز بوجود ازدواجية
قضائية تتجسد في هرمين قضائيين:
المحاكم العدلية وعلى رأسها محكمة التعقيب مختصة في تطبيق القانون الخاص
وفصل النزاعات التي تنشأ بين الخواص.
محاكم إدارية على رأسها مجلس الدولة تختص بتطبيق القانون العام وفصل النزاعات
التي تكون اإلدارة فيها طرفا.
ولفض نزاعات االختصاص بين النظامين القضائيين وقع إحداث بمقتضى قانون
1872إحداث محكمة النزاعات.
وهكذا كان القضاء اإلداري هو الذي قام بالدور األساسي في نشأة القانون اإلداري
الفرنسي ودعم استقالليته من خالل ابتكار عديد القواعد والنظريات والمبادئ والحلول
بحثا عن إرساء توازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة ،وقد برز االرساء
التدريجي الستقاللية القانون اإلداري انطالقا من قرار محكمة النزاعات المؤرخ في 8
18
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
فيفري ( 1873بالنكو) الذي أقر وجود قواعد خاصة ومميزة تحكم اإلدارة على أساس
معيار المرفق العام مزيحا بذلك تطبيق قواعد المجلة المدنية أي القانون الخاص.
وقد عرف النموذج الفرنسي بعد ذلك انتشارا واسعا في عديد الدول من بينها تونس.
19
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
فعلى مستوى تنظيم اإلدارة أحدثت سلطات الحماية عدد من الهياكل منها إحداث:
خطة كاتب عام للحكومة 1883
أما على الصعيد المحلي فقد تم توسيع النظام البلدي بإحداث 6بلديات إضافة الى بلدية
تونس ،وهي صفاقس ،سوسة ،بنزرت ،حلق الواد ،الكاف ،الزهراء (كان اسمها سان
جرمان).
اما فيما يتعلق بالنزاع اإلداري فقد تم منذ السنوات األولى للحماية سنة 1883اصدار
ي ادخل ازدواجية على مستوى قضاء اإلدارة حيث اصبح هناك:
امر عل ّ
-قضاء تونسي يعود بالنظر للوزارة الكبرى
-قضاء فرنسي عوض المحاكم القنصلية التي كانت تختص في النظر في قضايا الرعايا
األوروبيين المقيمين باإليالة والتي أحدثت على أساس معاهدة االستسالم المبرمة بين
الباب العالي والدول العظمى.
20
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
فهو اذن امر ال يأخذ بنظام االزدواجية القضائية وانّما بنظام وحدة المحاكم وهي
المحاكم العدلية ولكن مع اإلقرار بالفصل بين المنازعات بمعنى جعل المحاكم العدلية
تطبق قانونا خصوصيا وإجراءات مختلفة عند نظرها في النزاعات االداريّة وهو ما
نص عليه الفصل األول من االمر العلي السابق الذكر.
وهكذا أرسى هذا االمر رقابة قضائية متجاوزا بذلك مرحلة القضاء المحجوز على ان
الرقابة القضائية على اإلدارة واختصاص القضاء العدلي ّ
ضال محدودا المجال ،ذلك ان
االمر العلي اقصى كل إمكانية رقابة الغاء على اعمال اإلدارة في فصله الرابع.
وهكذا ظلت اإلدارة محصنة من كل رقابة الغاء عن طريق الدعوى واكتفت المحاكم
برقابة استثنائية عن طريق الدفع.
كما نص نفس االمر في فصله الثالث على مبدأ الفصل بين الوظائف اإلدارية والوظائف
القضائية ومنع المحاكم المدنية من تعطيل عمل اإلدارة أو توجيه األوامر إليها مكرسا
هكذا بوضوح مبدأ الفصل بين الهيئات اإلدارية والقضائية العدلية الذي كان أساس
بروز قانون إداري مستقل عن القانون الخاص في فرنسا كما رأينا سابقا.
21
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اقراره بوجود مجلس دولة مستقل عن القضاء العدلي ويتركب من هيئة قضائية إدارية
ودائرة محاسبات.
كما تمت مراجعة وتحديث عدد من التشريعات الموروثة من فترة الحماية نذكر منها
امر 21جوان 1956الذي حول مؤسسة القيادة المحدثة باألمر العلي المؤرخ في 13
جويلية 1922الى مؤسسة الوالية.
لكن يجب بالخصوص اإلشارة الى القانون عدد 40لسنة 1972المؤرخ في غرة
جوان 1972والمتعلق بالمحكمة اإلدارية.
أرسى هذا القانون المحكمة اإلدارية واقر بإمكانية الطعن في القرارات اإلدارية عن
طريق دعوى اإللغاء كما اقر وظيفة استشارية غير أن القضاء العدلي حافظ على
اختصاص هام في عديد المجاالت وكذلك على اختصاص المحاكم العدلية ابتدائيا في
قضاء التعويض في حين أسند االستئناف والتعقيب في هذا المجال للمحكمة اإلدارية.
وهو ما يجعل تكريس نظام ازدواجية القضاء غير كامل ما دفع المشرع للتدخل من
جديد خاصة بمقتضى القانونين األساسيين عدد 38و 39لسنة 1996المؤرخين في
3جوان 1996ليدخل مراجعة شاملة على نظام القضاء اإلداري حيث أحدث القانون
األول مجلسا لتنازع االختصاص بين القضاء العدلي والقضاء اإلداري في حين أدخل
الثاني تحويرات جوهرية هامة جدا على قانون 1972أهمها:
اسناد اختصاص مبدئي عام للمحكمة اإلدارية في ميدان النزاع اإلداري وأعاد تنظيم
محوال إياها الى هرم قضائي يتكون من دوائر ابتدائية ودوائر
المحكمة اإلدارية ّ
22
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
استئنافية وجلسة عامة مختصة تعقيبيّا .ومن جهة أخرى أدخل تبسيطا على اإلجراءات
بأن حذف إجبارية المطلب المسبق وأقر مبدأ علنية جلسات المحكمة.
كما ألغى أمر 1888المتعلق بالخصام اإلداري ولكنه حافظ على الفصل بين الهيئات
الذي أقره الفصل الثالث من القانون عدد 38لسنة 1996المتعلق بتوزيع االختصاص
بين المحاكم العدلية والمحكمة اإلدارية.
كما وقع إرساء اليات الرقابة المالية على اإلدارة من خالل احداث دائرة المحاسبات سنة
1968ثم دائرة الزجر في ميدان الميزانية سنة .1970
وبصورة عامة يمكن القول ان تطور القانون اإلداري التونسي منذ أواخر الخمسينات
تميز بنزعة االستلهام من النموذج الفرنسي األصلي بالمحافظة على نموذج التنظيم
والمفاهيم األساسية المعروضة في النظام اإلداري الفرنسي كالمركزيّة والالمركزيّة
والالمحوريّة وكذلك التفويض ورقابة االشراف والسلطة الرئاسيّة .كذلك احداث هياكل
شبيهة بالهياكل الفرنسية كمجلس تنازع االختصاص ودائرة المحاسبات والمحكمة
اإلدارية .كذلك التمييز بين القوانين األساسية والعادية والتراتيب .ومبدأ الفصل بين
الهيئات وكذلك دعاوى تجاوز السلطة والقضاء الكامل...
لقد تدعم نظام االزدواجية القضائية بمقتضى دستور 2014الذي كرس في الباب
المخصص للسلطة القضائية هرما قضائيا إداريا يتكون من محكمة إدارية عليا ومحاكم
إدارية ابتدائية وأخرى استئنافية وضمن المجلس األعلى للقضاء نص على المجلس
األعلى للقضاء اإلداري.
23
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
غير ان الدستور يمثل أساسا للقانون اإلداري فكما بين العميد "جورج فيديل" في
نظريته حول األسس الدستورية للقانون اإلداري ان الدستور يتضمن احكاما عديدة ذات
عالقة اكيدة بالهياكل اإلدارية وبمبادئ القانون اإلداري األساسية ونذكر منها
بالخصوص:
24
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وكذلك في الدستور الجديد فصول تتعلق بمبادئ سير اإلدارة وبالخصوص الفصل 15
"اإلدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام ،تنظم وتعمل وفق مبادئ الحياد
والمساواة واستمرارية المرفق العام ،ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة
والمساءلة".
والى جانب هذه االحكام هناك جملة من القواعد التي تتمتع بقيمة دستورية نجدها خاصة
في توطئة الدستور والتي تعتبر ذات تأثير مهم مباشر او غير مباشر على القانون
اإلداري .على انه يجب اإلشارة الى ان الدستور ال يعتبر مصدرا مباشرا للقانون
اإلداري في صورة وجود نص تشريعي يعتبر بمثابة الحاجز بينه وبين العمل القانوني
لإلدارة.
وقد كرست المحكمة اإلدارية مبدأ اعتبار المعاهدات مصدرا قانونيا مباشرا يعلو
القوانين الداخلية في قرارها المؤرخ في 21ماي ( ،1996الرابطة التونسية لحقوق
25
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
االنسان) حيث أكدت ان هذا المبدأ يخول للقاضي الموكول له وظيفة تطبيق القانون
السهر على احترام تلك األفضلية.
وتنقسم القوانين الى صنفين :القوانين األساسية والقوانين العادية يضاف اليها القوانين
المصادق عليها باستفتاء.
تتعلق هذه القوانين بالميادين الحساسة وتفترض التخاذها إجراءات خاصة أكثر تعقيدا
من حيث اآلجال ومن حيث األغلبية المستوجبة .وقد حدد مجال كل منها دستور 2014
في فصله 65كالنصوص المتعلقة بالموافقة على المعاهدات وتنظيم العدالة والقضاء
والقانون االنتخابي والحريات وحقوق االنسان واالحوال الشخصية والسلطة المحلية
وتنظيم الهيئات الدستورية والقانون األساسي للميزانية...
أما القوانين المصادق عليها باستفتاء فهي قوانين تفترض تشريك الشعب مباشرة
باعتبارها قوانين ذات أهمية خاصة.
تمثل هذه النصوص النصيب االوفر من القوانين ،وتعتبر وثيقة االرتباط بالقانون
اإلداري باعتبار ان مهمة اإلدارة انما هي السهر على تنفيذ القوانين ،ولكن تجدر
26
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اإلشارة الى ان مجال القانون قد عرف تراجعا وأصبح محددا على سبيل الحصر منذ
تعديل الدستور السابق في .1997وقد اجمع الفقه (في )1997تقريبا على اعتبار ذلك
تضييقا لمجال القانون وتراجعا لمبدأ علويته لصالح سلطة ترتيبية غير محددة المجال.
وتواصل هذا التحديد في الدستور الحالي حيث حدد الفصل 65من الدستور الحالي
مجاالت تدخل القانون (األساسي والعادي) بقائمة على سبيل الحصر وفي اخر ّ
مطة من
الفصل نص على انه "يدخل في مجال السلطة الترتيبية العامة" أي من اختصاص
السلطة اإلدارية" ،المواد التي ال تدخل في مجال القانون".
تتضمن هذه النصوص (الترتيبية) قواعد عامة مجردة وملزمة صادرة عن اإلدارة ويقع
عادة تصنيفها حسب ترتيب تفاضلي في هرم القواعد القانونية يعتمد معيار السلطة التي
اتخذت القرار الترتيبي واإلجراءات التي اتبعت إلصداره.
وعلى هذا األساس نجد في المرتبة األعلى في سلم القواعد الترتيبية األوامر ذات
الصبغة الترتيبية ثم القرارات الترتيبية الصادرة عن الوزراء ثم القرارات الترتيبية
الصادرة عن الوالة ثم القرارات الترتيبية الصادرة عن رؤساء البلديات وبقية السلط
اإلدارية.
27
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وتجدر اإلشارة الى ان السلطة الترتيبية تنقسم الى سلطة ترتيبية عامة وسلطة ترتيبية
خاصة .ويحتكر السلطة الترتيبية العامة رئيس الحكومة وفق مقتضيات الفصل 92من
الدستور الحالي بعدما كان حكرا على رئيس الدولة في الدستور السابق .بينما أسندت
السلطة الترتيبية الخاصة للوزراء ،كل في ميدانه.
اما في تونس فقد حسم المشرع هذا الجدل في الفصل الخامس من القانون عدد 40لسنة
1972المتعلق بالمحكمة اإلدارية فقد جاء فيه أن دعوى تجاوز السلطة تهدف الى
ضمان احترام المشروعية القانونية من طرف السلطة التنفيذية وذلك طبقا للقوانين
والتراتيب الجاري بها العمل والمبادئ العامة للقانون .ويمكن تعريف المبادئ العامة
للقانون بأنها مجموعة من القواعد ال تكرسها النصوص القانونية المكتوبة صراحة
(مثال :مبدأ استمرارية المرفق العام ،المساواة امام المرفق العام ،مبدأ حق الدفاع ،مبدأ
28
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
عدم رجعية المقررات اإلدارية) فهي قواعد غير مكتوبة يفرض القاضي احترامها على
السلط اإلدارية.
ومن ناحية قيمتها القانونية تعتبر هذه المبادئ اعلى قيمة من كل القرارات اإلدارية
وبعضها له قيمة تشريعية وأخرى تصل الى مستوى المبادئ ذات القيمة الدستورية مثال
مبدأ استمرارية المرفق العام.
اكتست دراسة الشخصية المعنوية أهمية خاصة في القانون اإلداري باعتبارها المدخل
الضروري لدراسة تنظيم اإلدارة ،وهذا التنظيم قائم على عدد من األشخاص المعنوية
العمومية من جهة ،وكذلك مدخل ضروري وأساسي لدراسة النشاط اإلداري ،ذلك ان
29
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كل عالقات التنظيم اإلداري تفترض بالضرورة ان يكون أحد أطرافها على األقل
شخصا معنويا عموميا .كالقرار اإلداري وهو قرار صادر عن شخص معنوي عمومي
بالضرورة ،والعقد الذي تبرمه اإلدارة في إطار نشاطها يفترض بالضرورة ان يكون
أحد اطرافه على األقل شخصا معنويا عموميا .كذلك الملك العمومي لكي يكون كذلك
يجب ان يكون مالكه شخصا عموميا ،والعون العمومي هو عون يتصرف باسم شخص
معنوي عمومي .ولذلك سندرس مفهوم الشخصية المعنوية العمومية واصنافها ثم نمر
الى عناصر التمييز بين الذوات المعنوية العمومية والذوات المعنوية الخاصة.
وقد اثار مفهوم الشخصية المعنوية جدال فقهيا أدى الى بروز عدد من النظريات.
30
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
بلور هذه النظرية عدد من فقهاء مدرسة المرفق العام نذكر منهم "دوجي" Duguitو
"جيز" Jèzeواعتبر هؤالء ان الشخصية المعنوية بصورة عامة هي مجرد افتراض
قانوني وا ّن االنسان هو الشخصية القانونية الحقيقية الوحيدة التي يمكن االعتراف بها
فهو وحده يتمتع بحقوق ذلك ان الحق قدرة ارادية ولذلك فان االنسان هو الوحيد الذي
تتوفر فيه اإلرادة واالدراك الذين يؤهالنه الكتساب الحقوق وااللتزام بالواجبات وبالتالي
فان المشرع عندما يعترف بمجموعات من األشخاص او األموال يعترف لهؤالء بصفة
األشخاص المعنوية فإنما يفعل ذلك على سبيل االفتراض وتشبيها باألشخاص الطبيعيين
حتى يم ّكن هاته الكائنات االفتراضية من أهلية اكتساب الحقوق وااللزام وااللتزام تحقيقا
لمصالح مجموعة من االفراد.
31
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
دافع عن هذه النظرية عدد من الفقهاء ومنهم "ليون ميشو" L.Michoudو "هوريو".
ويؤكد هؤالء ان الشخصية المعنوية هي حقيقة واقعية تنشأ بمجرد توفر األركان
المكونة لها وهي وجود مجموعة من االفراد لديهم او تتكون لديهم إرادة مشتركة تعبر
عن وجودهم وعن مصالحهم وهكذا تنشأ الشخصية المعنوية بشكل مستقل عن القانون
ويكتفي المشرع باالعتراف بها .وحسب أنصار هذه النظرية ،الشخصية المعنوية لها
مدلول قانوني ال يرتبط بالشخصية الطبيعية وانما بالصالحية الكتساب الحقوق وتحمل
االلتزامات ،فالشخص القانوني إذا هو الكيان القادر على االلزام وااللتزام سواء ان كان
شخصا طبيعيا او شخصا معنويا.
دافع عن هذه النظرية بعض الفقهاء مثل "بالنيول" Planiolوانصاره الذين يرون ان
ال ضرورة أصال للشخصية المعنوية ،واعتبروا انه يكفي اعتماد فكرة ذمة التخصيص
او مفهوم الملكية المشتركة .ويعني هذا المفهوم ان تنسب الحقوق وااللتزامات ليس الى
كائن مصطنع (الشخصية المعنوية) وانما لغرض معين .وبذلك يتحقق الهدف من تجمع
مجموعة من االفراد او رصد مجموعة من األموال .وقد عيب على هذه النظرية انها ال
يمكن ان تنطبق اال على الشركات الخاصة وال يمكن ان تتماشى مع الكيانات العمومية
كالدولة.
ويجمع الفقه اليوم تقريبا على اإلقرار بوجود الشخصية المعنوية التي يعتبرها حسب
تعريف "مارسيل والين" مركزا للمصالح يحظى بالحماية القانونية .فالشخصية المعنوية
32
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
تنشأ بوجود جماعات بشرية تربطها مصالح مشتركة تؤدي الى بروز إرادة جماعية
تتطلب تجسيدا قانونيا للتمكن من التعبير عنها فتبرز بذلك الشخصية المعنوية.
-الشخصية المدنية
-الذمة المالية
يؤدي االعتراف بالشخصية المدنية الى اكتساب القدرة على التمتع بالحقوق وعلى تحمل
االلتزامات ،فإكساب الشخصية المدنية يعني التمكين من اهلية الوجوب اي تمكين الذات
المعنوية من التصرف في شؤونها بشكل مستقل ،على ان هذه االهلية تكون عادة اقل
شمولية بالنسبة للذوات العمومية من تلك التي يتمتع بها االشخاص الطبيعيون.
فالذوات المعنوية ال يمكن التصرف في شؤونها وبالتالي ال يمكنها االلزام او االلتزام اال
بواسطة شخص طبيعي له الحق في تمثيلها قانونا ذلك ان الشخص المجسد ال يمكنه
االمضاء والقبض واالبراء بنفسه.
33
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ففيما يتعلق بأهلية التقاضي فالبلديات مثال يمثلها رئيس البلدية والشركات رئيس هيئتها
الجماعية أو رئيسها المدير العام .ومن جهة اخرى فان اهلية الشخص المعنوي
العمومي محددة دائما بأغراضه االجتماعية .فلئن كانت اهلية الدولة واسعة فإنها في كل
االحوال ،مبدئيا ،مقيدة بأحكام الدستور اما مجال اهلية بقية الذوات المعنوية كالشركات
او المؤسسات العمومية فهو محدد بشكل ضيق في إطار غرضها االجتماعي حيث
تخضع لمبدأ التخصص.
تعتبر الذمة المالية المستقلة من اهم المبادئ التي تترتب على االعتراف بالشخصية
القانونية .لكن ما المقصود بها؟
تعني الذمة المالية المستقلة تمتع الذوات المعنوية بأموال خاصة بها منفصلة عن أموال
أعضائها أو االفراد المكونين لها.
وتتمثل هذه االموال في عقارات ومنقوالت تتصرف فيها الذات المعنوية بحرية ولكن
دون الخروج عن غرضها االجتماعي وفي حدود ما يجيزه القانون ،من ذلك مثال أن
اقتناء هذه االموال يفترض الخضوع لقواعد واجراءات النصوص المنظمة للصفقات
العمومية ،كما ان التفويت يخضع إلجراءات وقواعد خاصة كالمزاد العلني.
وبالتالي البد من التمييز بين الذوات المعنوية في القانون العام والذوات المعنوية في
القانون الخاص.
34
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وتتمثل هذه االشخاص في الدولة والجماعات الترابية المحلية وهي الى حد اليوم
البلديات والواليات ،وهي حسب الدستور الجديد البلديات والجهات واألقاليم.
إذا ثالثة اصناف الى جانب الدولة هي اشخاص معنوية ترابية وهي اشخاص معنوية
تتحدد اختصاصها على اساس ترابي او اقليمي بحيث تمارس هذه الذوات اختصاصها
في نطاق جغرافي محدد سواء كان شامل لكامل التراب الوطني كما هو الحال بالنسبة
للدولة او بجزء من هذا التراب كما هو الحال بالنسبة للجماعات المحلية.
35
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وهي الذوات المعنوية العمومية التي يتحدد اختصاصها ليس على اساس ترابي وانما
على اساس وظيفي أو مرفقي .وتتمثل هذه الذوات في المؤسسات العمومية التي تعتبر
أحد اساليب تسيير المرافق (الكليات والمؤسسات العمومية) .وتنقسم هذه المؤسسات
بدورها الى مؤسسات عمومية ذات الصبغة االدارية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة
الصناعية والتجارية .وتجدر االشارة الى وجود اشخاص عموميين غير مصنفة او
اشخاص عمومية مهنية نذكر منها عمادة االطباء عمادة المحامين عمادة المهندسين...
أضيف اليها في السنوات االخيرة هياكل اخرى واهمها الهيئات االدارية المستقلة كالهيئة
الوطنية لالتصاالت او هيئة السوق المالية واضيف اليها الهيئات الدستورية كالهيئة
العليا المستقلة لالنتخابات والهيئة العليا المستقلة لالتصال السمعي البصري والهيئة
الوطنية لمكافحة الفساد...
وتبرز عناصر التمييز بين االشخاص المعنوية في القانون الخاص وفي القانون العام
على عدة مستويات اهمها:
-النشأة :يقع احداث الذوات المعنوية الخاصة بمبادرة حرة بحيث يمكن لألفراد بإرادتهم
الحرة تكوين االحزاب او تأسيس شركات او جمعيات .اما الذوات العمومية فال يمكن
احداثها اال بتدخل من السلطات العمومية.
36
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-الغرض :حيث يقع احداث الذوات العمومية من اجل تحقيق المصلحة العامة التي تمثل
مبرر احداثها وحدود مجاالت نشاطها ويعني ذلك ان الربح ال يمكن ان يمثل الغاية
االساسية لشخص عمومي بينما يتمثل غرض الذوات الخاصة عادة في المصلحة
الخاصة .والن اهدافها مختلفة فان ذلك ينعكس على االهلية.
-االهلية :االشخاص العمومية مكلفة بتحقيق المصلحة العامة وهو ما يكسبها حقوقا
اوسع مجاال من حقوق الذوات المعنوية الخاصة ،لكنه ايضا يخضعها لقيود أكثر من
الذوات المعنوية الخاصة ويضع على كاهلها واجبات اكثر ثقال من واجبات الذوات
المعنوية الخاصة.
الذوات العمومية تتمتع بوسائل قانونية ال تتمتع بها الذوات الخاصة .وتتمثل هذه
الوسائل في امتيازات السلطة العامة .مثال :سلطة االنتزاع ،سلطة اتخاذ القرارات بشكل
انفرادي ،اهلية فرض الضريبة...
ولكن تحقيق المصلحة العامة تفرض على الذوات العمومية قيودا في اعمالها
وتصرفاتها من ذلك القيود المفروضة في مجال اجراءات التعاقد حيث ال تتمتع االدارة
بحرية التعاقد وانما عليها احترام اجراءات وشروط .كذلك التصرف في الملك العمومي
يخضع لمبدأ عدم التفويت وعدم قابليته للحوز.
37
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
أ -الموانع:
-1عدم الخضوع لطرق التنفيذ:
ان اضفاء صبغة الشخص المعنوي العمومي تؤدي الى منع اخضاع هذا الشخص الى
طرق التنفيذ ،وبالتالي منع عقلة امواله ومكاسبه اي اقصاء كل انواع العقل المنصوص
عليها في مجلة المرافعات المدنية ،كالعقل التحفظية والتنفيذية وعقلة المنقوالت
والعقارات والعقل التوقيفية.
وقد اكد الفصل 37من مجلة المحاسبة العمومية هذا المبدأ حيث جاء فيه انه "ال يجوز
اجراء اية عقلة ولو كانت بمقتضى احكام او بطاقات تنفيذية على االموال وال على
الديون الناتجة عن الضرائب او غيرها وال على السندات والقيم والمكاسب المنقولة
وغير المنقولة بدون اي استثناء التي تملكها الدولة او المؤسسات العمومية او الجماعات
العمومية المحلية" واضاف الفصل 38من نفس المجلة انه يبقى ألصحاب الديون
المذكورة "المطالبة بها لدى الدائرة المختصة".
وقد جاءت صيغة هذا المنع عامة لم تحدد صنفا معينا من المؤسسات العمومية وهو ما
طرح التساؤل حول ما إذا كان المنع يهم المؤسسات العمومية ذات الصبغة االدارية فقط
38
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ام يشمل المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية وهي ذوات عمومية
لكن لها صفة التاجر وتخضع بشكل واسع للقانون الخاص.
وقد ابدى فقه القضاء ترددا وعدم استقرار في الموقف من هذه المسألة قبل ان يتدخل
المشرع من خالل احدى قوانين المالية ليبيّن ان المنع ال يشمل اال المؤسسات ذات
الصبغة االدارية دون المؤسسات غير االدارية ذات الصبغة الصناعية والتجارية.
كذلك تؤدي صفة الشخصية المعنوية العمومية الى حضر اللجوء الى اجراءات التفليس
والتصفية والتسوية القضائية ضد الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات
الصبغة االدارية .ذلك ان هذه الذوات ليس لها صفة التاجر على معنى الفصل االول من
المجلة التجارية.
-3اقصاء المقاصة:
المقاصة هي طريقة النقضاء الدين عندما يصبح المدين دائنا لدائنه اي انها وسيلة
ممكنة لسداد الديون المتقابلة وتبرئة الذمة.
غير ان اكتساب الشخصية المعنوية العمومية يجعل هذه الطريقة ممنوعة وهو ما
يكرسه بوضوح الفصل 39من مجلة المحاسبة العمومية الذي جاء فيه انه "ال يجوز
اجراء اية مقاصة بين الديون الراجعة للدولة او لهيئة عمومية وبين الديون المتخلّدة
39
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
بذمتها (وكل استثناء لهذه القاعدة يقع اقراره بأمر) .ويجبر بجميع الطرق القانونية على
تسديد ما بذمته كل من كان مدينا بضرائب او غيرها راجعة للدولة او لمؤسسة عامة
ادارية ،او لمجموعة عمومية محلية بدون ان يكون له الحق في طلب المقاصة بما قد
يكون له من ديون في ذمة تلك الهيئات حتى لو كانت ديونه هذه معززة بأحكام أو وثائق
تنفيذية.
لكن تجدر االشارة الى ان هذا المنع ال يهم المؤسسات العمومية غير االدارية
وبالخصوص المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية التي بإمكانها
اللجوء للمقاصة.
وهو منع كرسه الفصل 7من مجلة التحكيم الصادرة بمقتضى القانون عدد 42لسنة
1993المؤرخ في 26أفريل ،1993غير ان هذا المنع ال يشمل اال الدولة
والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة االدارية .اما المؤسسات
العمومية غير االدارية فيمكنها اللجوء الى التحكيم وهي بالتالي ليست معنية بهذا المنع.
ب -االمتيازات:
تؤدي صفة الشخص المعنوي العمومي الى تمكين الذوات المعنية من عدد من
االمتيازات اهمها:
أن اموال الشخص العمومي يمكن ان تكتسب صبغة الملك العمومي مما يعني حمايتها
اي عدم القابلية للتفويت فيها وعدم قابلية امتالكها من الخواص بالحوز.
كما ان االشغال العقارية التي تنجز لفائدة الشخص المعنوي العمومي تكتسب صبغة
االشغال العمومية وهو ما يعطيها نظاما حمائيا متميزا ،كما ان المنشآت العمومية التي
40
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
تنتج عن االشغال العمومية ال يمكن المساس بها اي انه ال يمكن للقضاء االذن بهدمها
او ازالتها حتى لو كان تشييدها على ارض الغير.
كما ان اعوان االشخاص المعنوية العمومية بإمكانهم اكتساب صفة االعوان العموميين
مما يعطيهم ضمانات مهنية اكبر.
كما ان العقود التي تبرمها الذوات المعنوية العمومية يمكن ان تكتسي صفة العقود
االدارية مع ما تعطيه من امتيازات في المراقبة والتسيير في تنفيذ العقد.
غير انه يجب التنبيه الى ان صفة الشخص المعنوي العمومي غير كافية لوحدها لجعل
االموال واالعوان واالشغال والعقود ،عمومية وانما يجب توفر شروط إضافية ،لكن
صفة الشخص المعنوي العمومي تظل الشرط االول والضروري إلكساب هذه االموال
واالشغال والعقود واالعوان الصبغة العمومية.
اخيرا يجب التنبيه الى ان صفة الشخص العمومي تعطي الذات المعنية امتياز اعتماد
وسائل االستخالص الجبري وهو ما يمكنها من جبر المطلوبين على تسديد الديون
المتخلدة بذمتهم لصالح الشخص العمومي بواسطة بطاقات تنفيذية دون ضرورة اللجوء
الى القضاء الستصدار سند تنفيذي كما ينص على ذلك الفصل 26من مجلة المحاسبة
العمومية.
يضاف الى ذلك تمتع الذوات المعنوية العمومية الستخالص ديونها من الغير بامتياز
عام على جميع مكاسب مدينها.
وختاما تجدر االشارة الى ان التمييز بين االشخاص المعنوية في القانون العام
واالشخاص المعنوية في القانون الخاص ال ينفي وجود تداخل في االنظمة القانونية التي
يخضعون لها بحيث نالحظ في كثير من االحيان تمازجا بين نسبة من قواعد القانون
العام ونسبة اخرى من قواعد القانون الخاص في النظام القانوني المنطبق على نفس
41
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وبالمقابل نالحظ خضوع االشخاص المعنوية الخاصة للقانون العام منذ امد طويل من
ذلك مثال عندما تكلف هذه الذوات الخاصة بتنفيذ مهام مرفق عام بمقتضى عقد يسمى
عقد اللزمة او كذلك عقد تفويض.
هذا التداخل في االنظمة القانونية لألشخاص العمومية والخاصة تزايد وتعمق خالل
العشريات الثالث االخيرة اي تقريبا منذ الثمانينات تحت تأثير النزعة الملحوظة لدى
االدارة العمومية إليماء طرق التصرف المعتمدة في القطاع الخاص من جهة وكذلك
نزعة التخلي عن التسيير المباشر لعديد االنشطة العمومية لفائدة الخواص بمقتضى
عقود لزمة متنوعة او حتى من خالل تكليفها بصورة انفرادية بتسيير مثل هذه
النشاطات (جمعيات مائية وغابية مثال).
هذه الذوات العمومية تعمل كلها وتتكامل وتنظم عالقاتها ببعضها البعض في إطار
اساليب متنوعة للتنظيم االداري.
42
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وتهتم المركزية االدارية اساسا بالشخصية المعنوية العمومية االصلية التي هي الدولة
مجسدة في السلطة المركزية في حين تعنى الالمركزية االدارية باألشخاص المعنوية
الفردية اي المتفرعة عن الدولة والتي تتمثل في هياكل ذات تخصص محلي او مرفقي.
لكن هذه المركزية ال تعني بالضرورة احتكار الوزراء لكل جوانب الوظيفة االدارية
وقيامهم بأنفسهم باتخاذ جميع القرارات بما فيها ما يهم بعض التفاصيل .فالنظام
المركزي يتضمن وجود اعوان وهيئات تساعد الوزراء في العاصمة وداخل البالد،
وهؤالء االعوان والهيئات يكونون في حالة تبعية للرئيس االداري على اساس هرم
43
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
متدرج بحيث يكونون مجرد اعوان تنفيذ وقنوات اتصال واعالم بما يقع تحديده واتخاذه
من قرارات من قبل السلطة المركزية.
وتكون التقسيمات الترابية للبالد في إطار النظام المركزي مجرد دوائر ترابية ال تتمتع
بالشخصية القانونية وانما هي مجرد إطار إلرساء المصالح االدارية للدولة بشكل يساعد
على التوغل الترابي للسلطة المركزية وبالتالي تأطير كامل تراب البالد اداريا .وهذه
المصالح االدارية المتفرعة عن االدارة المركزية تكون مجرد هياكل تنفيذ لقرارات
السلطة المركزية التي تكون مصدر جميع القرارات سواء كانت هذه القرارات تتعلق
بشؤون ذات صبغة وطنية او شؤون ذات صبغة محلية.
هذه المصالح المتفرعة عن االدارة المركزية والتي يقع ارساؤها محليا ال تتمتع بأية
سلطة للبت حتى في المسائل والشؤون التي تكتسي صبغة محلية بل ان عليها ان ترفع
هذه المسائل الى االدارة المركزية وهي عادة الوزارات المختصة التي تحتكر بمفردها
سلطات البت واتخاذ القرار.
ويفترض نظام المركزية االدارية توفر جملة من االركان (فقرة اولى) كما يتخذ عادة
اشكاال متنوعة اهمها اثنان رئيسيان (فقرة ثانية).
44
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويعني ذلك احتكار سلطة اتخاذ القرار من قبل االجهزة االدارية القائمة عادة بالعاصمة
والمتمثلة اساسا في مؤسسات رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة والوزارات .فهذه السلطات
المركزية تمسك بجميع سلطات القرار في مختلف جوانب الوظيفة االدارية سواء كانت
ذات صبغة وطنية عامة او المتعلقة بالشؤون المحلية فكل هذه الجوانب تعود للسلط
المركزية كل في مجال اختصاصه.
فالقرارات االدارية تتخذ في العاصمة ثم تمتد الحقا الى كامل انحاء البالد حيث ان
اعوان االدارة المعنيين باألجهزة االدارية المحلية يتولون ابالغ وتنفيذ قرارات السلطة
المركزية وتنفيذها باسم الدولة .فالمركزية االدارية ال تمنع وجود اجهزة تساعد
الوزراء ،فكل وزارة تضم عدد من االدارات التابعة لها المتواجدة بعاصمة البالد وكذلك
خارج العاصمة ،وقد يفوض اليها الوزير المختص احيانا بعض اختصاصاته ولكن تلك
االختصاصات المفوضة (او االمضاءات) تصدر باسم الوزير الذي يتصرف هو نفسه
وينطق باسم الدولة.
فالسلط واالجهزة الجهوية تنشط تحت رئاسة الوزير وفي ظل تبعية له.
يقوم نظام المركزية االدارية على وجود هرم او سلم اداري متدرج يضم اعوان كل
سلطة من السلطات المركزية كالوزارات.
فجميع الهياكل االدارية تكون في هذا اإلطار متدرجة من اسفل الهرم االداري الى قمته،
وكذلك االعوان العاملون بكل من هذه الهياكل حيث نجد في قاعدة الهرم االداري صغار
45
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الموظفين والعملة ثم يتدرج الهرم الى اعلى حيث يوجد الموظفون االعلى درجة حتى
نصل الى القمة .ونجد في قمة الهرم االداري رئيس الدولة ثم الوزير االول او رئيس
الحكومة ثم الوزراء ثم االعوان الذين يمثلون السلطة المركزية على مستوى جهوي
كالوالة ثم االعوان الممثلون على الصعيد المحلي كالمعتمدين والعمد .كما ان كل وزارة
تمثل هرما بذاتها تضم عددا كبيرا من االعوان العاملين بأجهزتها المركزية كديوان
الوزير والكتابة العامة والمديريات العامة الى اخره ...وكذلك عدد من االعوان معينين
بفروعها المنتشرة بالدوائر االدارية المختلفة لتراب البالد ،ويتبع كل عون العون الذي
هو اعلى منه درجة في الهرم االداري حتى نصل الى قمة الهرم حيث يوجد الوزير
الذي يخضع بدوره الى سلطة رئيس الدولة او رئيس الحكومة حسب خصوصية النظام
الدستوري المعتمد.
وهكذا فانه في إطار هذا التنظيم الهرمي او السلم االداري المتدرج يسود مبدأ اساسي
هو مبدأ السلطة الرئاسية وهو مبدأ يعتبر احدى الخاصيات الجوهرية لنظام المركزية
االدارية.
وتعني السلطة الرئاسية في هذا اإلطار السلطة التي يمارسها رئيس الجهاز االداري
على مرؤوسيه مع اتباع قاعدة التدرج والتسلسل االداري التي توجب على كل عون
الخضوع الى رئيسه المباشر .وتتميز هاته السلطة الرئاسية بعدد من الخصائص
وتمارس على شخص المرؤوس وعلى اعماله .وتتميز بصبغتها التلقائية من جهة
وبشموليتها من جهة اخرى.
46
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-1الصبغة التلقائية:
الصبغة التلقائية للسلطة االدارية تعني انها ال تحتاج الى نص لممارستها فالسلطة
الرئاسية تعتبر ركنا طبيعيا ومكونا اساسيا في إطار الجهاز االداري بحيث ان من
طبيعة النظام الهرمي لإلدارة ان يكون هنالك لكل جهاز اداري رئيس يمارس سلطة
على مرؤوسيه فهي إذا سلطة مرتبطة بطبيعة وظيفة الرئيس االداري وتبعا لذلك
فالسلطة الرئاسية تمارس حتى في غياب نص قانوني يكرسها ذلك انه من المهام
الطبيعية لكل رئيس اداري ان يمارس سلطة رئاسية على مرؤوسيه دون ان يحتاج الى
نص قانوني في ذلك .ويعتبر الفقه وفقه القضاء ان السلطة الرئاسية لإلدارة تمثل مبدأ
من المبادئ العامة للقانون فالصبغة التلقائية لهذه السلطة تتجلى في ان ممارساتها ال
تحتاج لسبب معين وال تستوجب بالضرورة تظلما رئاسيا.
وتبرز شمولية هذه السلطة على عدة مستويات منها انها تمارس على المرؤوسين
االداريين في اشخاصهم وفي اعمالهم.
تتضمن هذه السلطة صالحية تعيين المرؤوسين وتوزيعيهم على مختلف المصالح
االدارية وكذلك سلطات نقلهم من ادارة الى اخرى او من مصلحة الى اخرى او من
مركز عمل الى اخر داخل نفس االدارة حسب ما يقتضيه حسن سير المرافق العامة او
حسب ضرورات العمل االداري.
47
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كما تشمل السلطة الرئاسية ترقية المرؤوسين وتقييم اعمالهم واسناد االعداد المهنية
اليهم لغرض المنح والمكافآت.
كما يتمتع الرئيس االداري بسلطة التأديب ولكنها سلطة مقيدة باإلجراءات والصيغ التي
ينص عليها قانون الوظيفة العمومية وخاصة مراعات الضمانات الجوهرية لألعوان
المحالين على التأديب.
تتضمن هذه السلطة صالحيات واسعة وتعتمد تقنيات قانونية متنوعة اهمها:
ويمكن ان تصدر هذه التعليمات والتوجيهات كتابة عبر مناشير ومذكرات لبيان كيفية
تنفيذ القوانين والتراتيب كما يمكن ان تكون شفوية .وعلى المرؤوس احترام التعليمات
واالوامر وتنفيذها واال عرض نفسه للتتبعات التأديبية.
وفي هذا المجال اتفق الفقه على ان االوامر والتعليمات الرئاسية المشروعة واجبة
الطاعة من المرؤوسين ألنها ال تخالف القوانين والتراتيب السارية.
ويمكن ان تمارس هذه السلطة تلقائيا او بناء على شكوى ادارية تسمى تظلما رئاسيا
يرفعها أحد منظوري االدارة .وينتج عن ممارسة هذه السلطة اما اقرار اعمال
48
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
3-2-2سلطة الحلول:
وهي سلطة تجيز للرئيس االداري ،في حالة تقاعس المرؤوس عن ممارسة
اختصاصات اسندها له القانون او التراتيب ،ان يحل محله التخاذ القرار المناسب مكانه
شريطة تنبيهه المسبق بضرورة القيام بذلك .ونظرا لخطورة هذه السلطة فإنها ال يمكن
ممارستها اال في صورة وجود تقاعس واضح وفي حالة وجود نص يجيز ممارستها
وهو ما يمثل استثناء لقاعدة الصبغة التلقائية للسلطة الرئاسية (التلقائية اي التي ال
تفترض نصا).
كما تتجلى شمولية السلطة الرئاسية كذلك في انها تتدخل في كل وقت بصورة مسبقة
وموازية والحقة ألعمال المرؤوسين .كما انها تشمل رقابة على شرعية االعمال
وجدواها بحيث ان الرئيس بإمكانه تعديل او الغاء او سحب قرار لمرؤوسيه رغم
مشروعيته او رغم عدم مخالفته للقانون وذلك العتبارات جدوى القرار وتالؤمه مع
مقتضيات المصلحة العامة.
وتتخذ المركزية االدارية كأسلوب تنظيم اداري بأركانها هذه عادة من شكلين رئيسيين
هما المركزية المطلقة من جهة والمركزية النسبية او المعدلة والتي يطلق عليها في
القانون االداري التونسي "الالمحورية" من جهة اخرى.
49
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
تعني المركزية المطلقة تركيز سلطة اتخاذ القرار االداري بيد السلط االدارية المركزية
وحدها بحيث ال يتمتع ممثلو هذه السلطة على المستويات المحلية والجهوية بأية سلطة
في اتخاذ اي قرار حتى لو كان يهم شأنا محليّا بل عليهم ان يعودوا الى رؤسائهم
االداريين بالعاصمة التخاذ القرارات واعطائهم التعليمات.
وهذا الوجه المطلق والمفرط للمركزية االدارية ارتبط تقليديا بالدويالت الصغيرة
وباألنظمة االستبدادية المطلقة .ولكن بصورة عامة اصبحت المركزية المطلقة نادرة
الوجود في الدول الحديثة ذلك انه اصبح من غير الممكن تركيز جميع الخدمات
اإلدارية ،اذ ان ذلك مصدر للبطء االداري ومثقل لكاهل االدارة في عصر يتميز بتنوع
الخدمات اإلدارية وسرعتها.
يس ّميها البعض ايضا نظام عدم التركيز االداري او المركزية المعدلة او النسبية.
ويقوم هذا الوجه من اوجه التنظيم المركزي على تمكين ممثلي السلطة المركزية على
مستوى الجهات والمناطق المحلية من اتخاذ القرار في بعض الشؤون والمسائل المحلية
عن طريق التفويض وأحيانا بإسناد مباشر من القانون ،ولكن هؤالء الممثلين للمركز
50
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
داخل تراب البالد ليس لهم صفة الشخص العمومي المنفصل عن الدولة وانما يظل
يتصرف باسم الدولة العتبار ان الالمحورية ليست ّاال مركزية معدلة او مخفّفة.
ويكون اسناد هذه الصالحيات للهياكل الالمحورية (صالحيات البت) إ ّما الى االعوان
القائمين على المصالح الخارجية للوزارات وهم عادة المديرين الجهويين او لألعوان
المعيّنين على راس الدوائر الترابية االدارية للدولة وهي اليوم الوالية والمعتمدية
والعمادة في التنظيم االداري التونسي.
وتتحقق الالمحورية اما عن طريق تفويض جزء من اختصاصات السلطة المركزية او
عن طريق اسناد بعض االختصاصات بصورة مباشرة بمقتضى نصوص تشريعية او
ترتيبية .ويعتبر التفويض الوسيلة التقليدية إلرساء الالمحورية .ويقع عادة التمييز بين
صنفين من التفويض ،تفويض االختصاص وتفويض االمضاء.
-1تفويض االمضاء:
وتفويض االمضاء يكون بصفة وقتية وجزئيا وعلى اساس الشخص ،اي هو تفويض
شخصي .شخصي بمعنى انه تفويض من فالن لفالن ،بتغير أحدهما ينتهي التفويض.
51
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-2تفويض االختصاص:
تفويض االختصاص يعني نقل جانب من اختصاصات السلط االدارية المركزية الى
اعوانها وممثليها بالجهات والدوائر الترابية االخرى دون ان يعني ذلك استقاللية
المفوض ويمثل التفويض استثناء للقواعد العادية لالختصاص ،وهو
ّ المفوض له عن
تبعا لذلك يخضع لشروط مش ّددة ،ويؤول تأويال ضيّقا .فاألصل ّ
ان الرئيس االداري
صاحب االختصاص االصلي ملزم بأن يمارس اختصاصه بنفسه وال يجوز له ان
يفوض فيه اال إذا سمح المشرع بذلك بصورة صريحة ،فالمبدأ هو ان ال تفويض اال
بنص وان يكون تفويضا جزئيا اي ان يشمل جزء من االختصاصات واال اعتبر تخليا
عن المسؤولية .ويتعلق تفويض االختصاص بالسلطة دون المسؤولية فالرئيس االداري
سلطة الرئاسية التي
المفوض يبقى مسؤوال عن االعمال التي فوضها ألنه صاحب ال ّ
ّ
تجيز له تعديل او الغاء او سحب قرارات المفوض له ويكون التفويض بالضرورة مؤقتا
ويمكن للرئيس االداري تعديل الصالحيات المفوضة واستبدالها ولكن ال يمكنه اتخاذ
قرارات في المجاالت المفوضة اثناء سريان التفويض تجنبا للتعارض والتضارب في
القرارات وحماية لالنسجام في العمل االداري .ويكون التفويض بالضرورة من االعلى
الى اسفل الهرم االداري اي من الرئيس الى المرؤوس ذلك ان الغاية هي التخفيف من
المركزة في قمة الهرم االداري.
وال يمثل التفويض الوسيلة الوحيدة إلرساء الالمحورية بل ان الهياكل الالمحورية يمكن
ان تتمتع بعدد من االختصاصات الذاتية اي االختصاصات التي اسندها لها مباشرة
القانون .من ذلك مثال القانون عدد 52لسنة 1975والمؤرخ في 13جوان 1975
المتعلق باإلطارات العليا لإلدارة الجهوية ،هذا القانون اسند في فصليه 12و 21
مباشرة الى الوالي عدد من الصالحيات خاصة في مجال الضبط االداري.
52
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
واخيرا يجب التأكيد انه أيّا كانت وسيلة ارساء الالمحورية سواء تفويض االمضاء او
االسناد المباشر من القانون فان الالمحورية تبقى صيغة من صيغ المركزية االدارية
تقوم على التبعية االدارية وتتميز بممارسة الهياكل المركزية للسلطة الرئاسية على
الهياكل الغير مركزية ذات الصبغة الالمحورية .وتظل الهياكل الالمحورية غير متمتعة
بالشخصية القانونية وذلك على خالف الالمركزية االدارية .والالمركزية االدارية هي
االسلوب الثاني في التنظيم االداري والذي سنراه في الفرع الموالي.
غير أن االفراط في التركيز أدى الى ردود فعل مضادة حفاظا على التنوع
والخصوصيات الجهوية والمحلية من جهة ،كما أدى تدريجيا الى اإلحساس ببطئ العمل
اإلداري وثقله من جهة أخرى .أدى كذلك الى بروز حركات انفصالية .ولتجنب االفراط
في التركيز ومخاطر تفكك الدولة والمجتمع ظهرت الالمركزية كأسلوب للتنظيم
اإلداري يرسي توازنا وتعايشا بين الوحدة والتنوع أي بين مقتضيات وحدة الدولة من
جهة وضرورة احترام الخصوصيات والتنوع المحلي والجهوي .وتجدر اإلشارة الى ان
الدعوات للالمركزية كانت متأتية من القوى المحافظة والقوى اليمينية السياسية.
53
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
فكيف يمكن تحديد مفهوم الالمركزية وتمييزها عن المركزية وماهي مقومات وأركان
الالمركزية؟
54
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
باسم الجماعات المحلية وليس باسم الدولة فالمبدأ الجوهري في الالمركزية هو مبدأ
التدبير الحر.
وقد جاء في الفصل 132من دستور 2014ان الجماعات المحلية تتمتع "بالشخصية
القانونية وباالستقاللية اإلدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفقا لمبدأ التدبير الحر".
غير ان جانبا من الفقه أضاف الى المفهوم األصلي للالمركزية صيغة أخرى مما
اعتبره المركزية وهي الالمركزية الوظيفية او المرفقية .وقد برز هذا الموقف
بالخصوص إثر بروز المؤسسات العمومية وانتشارها كصنف جديد من الذوات
العمومية خاصة خالل فترة ما بين الحربين ،فقد اعتبر عدد من الفقهاء ان هذه
المؤسسات العمومية بما هي هياكل متمتعة بالشخصية المعنوية وبميزانية خاصة بها
وبشيء من االستقاللية في اخذ القرار انما تجسد نوعا من الالمركزية قائمة على أساس
تخصص فني ووظيفي.
-تمتع الهياكل الساهرة على تلك المصالح المتميزة بالشخصية المعنوية وما يترتب عن
ذلك من أهلية اخذ القرار وااللزام وااللتزام وبالتالي أهلية التصرف المستقلة.
-مبدأ التدبير الحر ويعني ذلك قيام العالقة بين الجماعات المحلية والسلطة المركزية
على أساس مجرد رقابة الحقة على الشرعية.
55
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-وأخيرا قيام الهيئات المسيرة للهياكل الالمركزية على أساس المشروعية االنتخابية.
تفترض الالمركزية الترابية وجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية وجديرة
باألخذ بعين االعتبار وبالحماية القانونية من خالل انشاء هياكل إدارية محلية تتمتع
بذاتية وتتولى تسيير الشؤون المحلية ،فالالمركزية في معناها األصيل هي تكريس لواقع
اجتماعي سابق على احداث اإلدارة الالمركزية المعنية واعترافا مؤسساتيا بذلك الواقع
السابق الوضع من خالل احداث بلدية او جهة .وهذا التكريس هو اخراج لهذه الشؤون
المحلية من نطاق مشموالت الدولة كسلطة مركزية واسنا ٌد لها بمقتضى القانون أي
اإلرادة الجماعية لهياكل إدارية محلية.
غير ان مفهوم المصالح المحلية او الشؤون المحلية مفهوم يقيم عددا من الصعوبات في
تمييزه عن المصلحة العمومية.
يؤدي االعتراف بوجود مصالح محلية جديرة بالحماية الى إضفاء الشخصية القانونية
على الهيئات المكلفة بهذه المصالح باعتبار الشخصية المعنوية تعبيرا قانونيا عن
مصالح شرعية تستحق الحماية القانونية ،وهكذا تصبح اإلدارات المحلية المكلفة بهذه
وينجر عن التمتع
ّ المصالح جماعات محلية متمتعة بالشخصية القانونية وقائمة بذاتها،
بالشخصية القانونية مجموعة من النتائج أهمها أهلية اإلدارات المحلية المعنية التخاذ
القرار في المجاالت المتعلقة بالشؤون المحلية باسم الجماعة المحلية تكريسا لمبدأ
56
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
يعتبر االنتخاب مقوما أساسيا من مقومات الالمركزية ذلك ان االنتخاب يجعل الهياكل
تستمد مشروعيتها من المواطن وليس من السلطة المركزية وهو ما يم ّكنها من استقاللية
أكبر تجاه السلطات المركزية وصبغة ديمقراطية مبدئية أعمق ،شريطة ان تكون
االنتخابات تعددية وشفافة ونزيهة .وتكون الهيئات الالمركزية منتخبة من المواطنين
القاطنين في المجال الترابي للجماعة المحلية المعنية ،فأعضاء المجالس البلدية ينتخبهم
المواطنون المقيمون بالمنطقة البلدية والهيئات الجهوية ينتخبها المواطنون المتساكنون
بالجهة المعنية .فاالنتخابات اذا هي ركن أساسي في الالمركزية اإلدارية يعطيها
صبغتها الديمقراطية ويدعم استقالليتها مبدئيا وان كان االنتخاب ركنا غير كاف بمفرده
فاالنتخاب ال معنى له اال في نظام تعددي مفتوح.
57
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اما الرقابة تقليديا هي رقابة على االعمال ورقابة على الهياكل .وتشمل فقط الشرعية
دون الجدوى وتعني رقابة الشرعية ،النظر في مدى احترام اعمال السلط الالمركزية
لقواعد قانونية سابقة الوضع مما يعني ان رقابة الشرعية الالحقة ،مقيدة ،بحيث اذا كان
القرار او عون السلطة الالمركزية مخالف للشرعية وجب الغاؤه ،اما اذا كان محترما
للشرعية فال يمكن للجهة التي تمارس الرقابة اال اقراره والمصادقة عليه ،في حين ان
58
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الرقابة الرئاسية اشمل حيث يمكن ان تؤدي الى الغاء او سحب او تعديل قرار حتى لو
لم يخالف الشرعية وذلك ألسباب أخرى كأن تتعلق بجدوى القرار الن السلطة الرئاسية
تشمل الشرعية والجدوى .ويعني ذلك اعتبار مقتضيات أخرى غير الشرعية قد تكون
سياسية او اقتصادية او اجتماعية.
ومن حيث ادواتها تتضمن الرقابة الالحقة فقط سلطتي المصادقة وااللغاء دون إمكانية
اصدار التعليمات والتوجيهات او تعديل قرارات السلط الخاضعة للرقابة الالحقة على
خالف الرقابة الرئاسية.
وأخيرا وفي الحاالت القصوى قد تشمل الرقابة الالحقة على اعمال الهياكل الالمركزية،
سلطة اإليقاف Suspensionوسلطة الحلول .substitution
وتعني سلطة الحلول انه في صورة تقاعس سلطة الالمركزية عن اتخاذ قرار تستوجبه
مقتضيات المصلحة العامة والقانون ويكون من مشموالتها فإن سلطة االشراف
المركزية يمكنها بعد التنبيه المسبق ان تمارس االختصاص وتقوم بالعمل المستوجب
عوضا عن السلطة الالمركزية المتقاعسة صاحبة االختصاص األصلي.
وينص الفصل 247من مشروع مجلة الجماعات المحلية في صيغة غير نهائية "يمكن
إيقاف الرئيس (رئيس المجلس البلدي) ومساعديه عن مباشرة وظائفهم بقرار معلل من
الوزير المكلف بالجماعات المحلية لمدة أقصاها 3أشهر وذلك بعد سماعهم او مطالبتهم
باإلدالء ببيانات كتابية عما قد ينسب اليهم من تصرفات" كما ان نفس الفصل أضاف
"يمكن اعفاء الرؤساء او مساعديهم بأمر حكومي معلل بعد االستماع اليهم وتمكينهم من
حقوق الدفاع وذلك لو ثبتت مسؤوليتهم في ارتكاب أخطاء جسيمة تنطوي على مخالفة
للقانون واحدثت ضررا هاما لمصلحة عامة".
59
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
60
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اما األسلوب المركزي الذي تعرضنا الى اركانه وخصائصه فيتجسد في التنظيم
تكون اإلدارة المركزية وتتمثل هذه
اإلداري التونسي في مجموعة من الهياكل التي ّ
الهياكل أساسا في رئاسة الحكومة (التي هي اهم بكثير من رئاسة الجمهورية) ورئاسة
الجمهورية وطبعا مختلف الوزارات والهياكل اإلدارية.
والى جانب اإلدارة المركزية ،نجد الهياكل الالمحورية او ما يسمى كما سبق ان رأينا
المركزية المخففة او المعدلة او النسبية ،هذه الهياكل الالمحورية تنقسم الى صنفين:
هياكل تجسد الالمحورية الترابية ،وتتمثل هذه الهياكل في المعتمدية والعمادة الوالية
(وهنا االشكال (الوالية) .فهي في نفس الوقت تمثل الالمحورية والالمركزية) .وتتجسد
هذه الهياكل الالمحورية الوظيفية فيما يسمى المصالح الخارجية للوزارات ،أي الهياكل
التي تمثل امتدادا للوزارات داخل تراب البالد وخارج المركز ،وهي عادة اإلدارات
الجهوية (للصحة ،للتعليم.)...
اما األسلوب الالمركزي فيتجسد في التنظيم اإلداري التونسي الى حد اليوم أي الى حد
تاريخ المصادقة على الدستور الجديد ،في المركزية ترابية تتجسد في الجماعات
المحلية وهي في القانون التونسي تتمثل في الوالية والبلدية كما ينص على ذلك الفصل
71من دستور غرة جوان 1959الملغى .لكن اجماال يتميز التنظيم اإلداري التونسي
بغلبة المركزية ومحاولة إعطاء األولوية للالمحورية اإلدارية على الالمركزية.
61
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الالمركزية في بالدنا بالمعنى الحديث كانت غائبة تقريبا في فترة ما قبل الحماية.
فالعثمانيون مثال كانوا يستمدون شرعيتهم من الباب العالي .لكن كان هناك نوع من
الالمحورية.
اول بلدية بالشكل الحديث هي بلدية "تونس العاصمة" والتي أحدثت بأمر علي مؤرخ
في 30أوت .1858
منذ 1885وقع احداث 6بلديات جديدة وهي بنزرت ،الكاف ،صفاقس ،سوسة ،حلق
الواد ،وقابس.
في وقت الحق تم احداث بلديات أخرى بعضها كان حكرا على الفرنسيين كبلدية سان
جرمان (الزهراء).
بعد االستقالل رأى بورقيبة انه ال بد من سلطة مركزية قوية من اجل النهوض بالبالد
وخشية النعرات الجهوية التي قد تتحول الى حركات انفصالية فأدى ذلك الى تركيز
وهيمنة المركز وبالتالي اضعاف الالمركزية.
السياق يتميز منذ 1956بتغليب المركزة ثم محاولة ادخال نسبة من الالمحورية من
خالل تجارب بعض الوزارات كالتنمية والمالية والفالحة.
ثم وقع تدعيم الالمحورية بالخصوص منذ أواسط السبعينات حيث صدر قانون 13
جوان 1975المتعلق باإلطارات العليا لإلدارة الجهوية الذي دعم الالمحورية التي كان
ركيزتها الوالي .بالتوازي أحدثت اللجنة الوطنية لالمحورية والالمركزية .كما صدر
62
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
قانون أساسي جديد للبلديات الصادر بمقتضى القانون عدد 33لسنة 1975المؤرخ في
14ماي 1975والمتعلق بالقانون األساسي للبلديات.
عند تولي زين العابدين بن علي السلطة حاول دفع الالمحورية بأمر 24مارس 1989
المتعلق بفرض تفويض صالحيات بعض الوزراء الى الوالي.
كما ظهر السعي لتدعيم مكانة الوالية كإدارة المحورية وكجماعة محلية المركزية
بمقتضى القانون األساسي عدد 11لسنة 1989المؤرخ في 4فيفري 1989والمتعلق
بالمجالس الجهوية.
وتظم مصالح الوالية أساسا الوالي يساعده جهاز اداري يضم الكتابة العامة للوالية
وعدد من المعتمدين ،فماهي صالحيات الوالي اليوم في التنظيم اإلداري الحالي؟
63
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
يعتبر الوالي اهم سلطة في التنظيم الالمحوري إلدارة الدولة ،وقد وقع احداث هذه
المؤسسة (مؤسسة الوالي) باألمر المؤرخ في 21جوان 1956حيث جاءت لتعوض
مؤسسة "القيادة" والتي يكون على رأسها "القايد" وقد كانت موجودة الى حد ذلك
التاريخ ( .)1956ويقع تعيين الوالي من قبل رئيس الحكومة منذ 2011ـ وقبل ذلك
كان يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية ـ بأمر سواء من بين موظفيه او من خارجهم،
ويمارس الوالي في آن ،وظيفة سياسية ووظيفة إدارية ،فهو يمثل الحكومة ـ قبل 2011
يمثل رئيس الجمهوريةـ بدائرة الوالية وهو بالتالي مكلف بتنفيذ سياسة الدولة على
مستوى الوالية ولذلك فمهام الوالي سياسية بالدرجة األولى ،وقد كان الوالي لفترة طويلة
شديد االرتباط بالحزب الحاكم الوحيد والمهيمن ،حيث يتولى توجيه وتأطير نشاط
الحزب .كما يمثل همزة الوصل بين الهياكل الحزبية المركزية والمحلية .ولكن ما يهمنا
هو الوظيفة اإلدارية للوالي ،وتشمل ثالثة أصناف من الصالحيات:
64
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الفصل 8منه ان "الوالي هو المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة واليته
وهو إداريا تحت سلطة وزير الداخلية" ،وبصفته تلك (ممثال للدولة) يتولى الوالي
بالخصوص ابرام العقود باسم الدولة وتسيير امالكها وممارسة سلطة االشراف على
الجماعات المحلية.
بصفته ممثل للحكومة يتولى الوالي خاصة تنسيق اعمال المصالح الخارجية للوزارات
أي تنسيق اعمال اإلدارات الجهوية .وله كذلك في هذا اإلطار سلطة على موظفي
وأعوان هذه المصالح المباشرين بدائرة الوالية ،وكل ذلك تحت سلطة الوزراء الذين
يهمهم االمر ،كل في ميدانه.
وقد القت هذه السلطة معارضة من الوزراء لفترة طويلة ،ولكنها في نهاية االمر
تركزت بحيث أصبح للوالي حق االطالع على المسائل الراجعة بالنظر للمصالح
الخارجية للوزارات والتي يمكن ان تكتسي أهمية خاصة بالجهة .وكذلك للوالي ان يطلع
على المراسالت الهامة الصادرة عن هذه المصالح والموجهة لإلدارة المركزية
وحركات النقل التي تجري في صفوف رؤساء هذه المصالح.
كما أصبح الوالي مسؤوال على تنفيذ السياسة الوطنية للتنمية على الصعيد الجهوي وله
تقديم االقتراحات المتعلقة بوسائل تحقيق النهضة االقتصادية واالجتماعية لدائرة واليته
الى الحكومة.
وقد تدعمت هذه الصالحيات بصفة ملحوظة بمقتضى االمر عدد 457لسنة 1989
المؤرخ في 24مارس 1989المتعلق بتفويض بعض سلطات الحكومة الى الوالة
65
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
حيث نص هذا األمر على تحويل عديد االختصاصات الوزارية الى الوالة باستثناء عدد
من االختصاصات التي يصعب فيها التفويض عمليا او فنيا.
بهذه الصفة يمارس الوالي جملة من الصالحيات الذاتية (غير المفوضة) والمسندة
مباشرة من المشرع بمقتضى قانون 1975بالخصوص ،ومن اهم هذه الصالحيات
الذاتية:
اتخاذ القرارات اإلدارية فيما يتعلق بالضبط اإلداري (المتعلقة بالنظام العام كالصحة،
االمن )...والتي يمكن ان تبلغ حد اللجوء الى القوة المسلحة للمحافظة على االمن العام.
الى جانب ذلك يمارس جملة من االختصاصات تتعلق بإدارة الشؤون العامة للوالية
وهو يمارس بذلك سلطات الرقيب اإلداري لكافة الهياكل اإلدارية التابعة لدائرة الوالية.
ويعتبر المعتمد األول المساعد األول للوالي وينوبه في غيابه ويتولى التنسيق مع
المعتمدين وهو مكلف أيضا بالعالقات مع المنظمات الوطنية ومصالح االمن .وتعود له
بالنظر عديد المصالح :دائرة الشؤون السياسية (أحزاب وتراخيص )...دائرة االعالم
والندوات ،دائرة الشؤون االجتماعية وكذلك لجان االحياء.
66
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
أما الكاتب العام فيسهر تحت سلطة الوالي على حسن سير الوالية وينسق عمل موظفيها
في الميادين اإلدارية والمالية واالقتصادية .فهو مكلف بالعالقات مع رؤساء المصالح
الجهوية التابعة لإلدارات المدنية للدولة بدائرة الوالية .ويعود له بالنظر مجموعة من
األجهزة :دائرة الشؤون اإلدارية العامة ،دائرة الشؤون البلدية ،دائرة المجلس الجهوي.
على ان الصبغة الالمركزية للوالية تظل شكليّة فهياكل الوالية غير منتخبة وصالحيات
المجلس الجهوي محدودة نسبيا تغلب عليها الصبغة االستشارية ال التقريرية بحيث
تطغو الصبغة الالمحورية على الصبغة الالمركزية للوالية ،فالمجلس الجهوي الذي
يعتبر الهيكل األساسي للوالية بصفتها جماعة محلية يظل هيكال محدود االستقاللية
سواء على مستوى تركيبته او مشموالته او سير اعماله.
فمن حيث التركيبة اغلب أعضاء المجلس غير منتخبين مباشرة من المواطنين ،ورئيس
المجلس يعين من المركز ،اذ جاء بالفصل 6من القانون األساسي المتعلق بالمجالس
67
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الجهوية (قانون )1989ان المجلس الجهوي يتركب من الوالي رئيسا .ولكن هذا
االخير ممثل السلطة المركزية وهو بمقتضى هذا النص يلعب دورين متناقضين هما
تمثيل السلطة ومدافعا عن سياساتها وخياراتها ،ودور ممثل المحكومين وما يقتضيه ذلك
من الدفاع عن مصالحهم.
أعضاء مجلس النواب الذين يتم انتخابهم لمدة نيابية هم أيضا بمقتضى القانون سابق
الذكر عضو بالمجلس الجهوي وهو في نفس الوقت ممثل االمة جمعاء ويشكل هذا
تناقضا بين ما هو محلي وما هو وطني.
إذا ليس من بين األعضاء من ينتخب انتخابا فعليا مباشرا لتمثيل مصالح المواطنين
القاطنين بالدائرة .إذا هي المركزية شكلية وليست فعلية.
وباإلضافة الى هؤالء األعضاء يضم المجلس رؤساء المصالح الجهوية وهم أيضا
معينون من قبل السلطة المركزية.
اما مشموالت المجلس الجهوي فقد نظمها الفصل 2من القانون األساسي المتعلق
بالمجالس الجهوية والذي جاء فيه ان المجلس الجهوي ينظر في كل المسائل التي تتعلق
بالوالية في الميادين االقتصادية واالجتماعية والتربوية ...ويتولى خاصة اعداد المخطط
الجهوي للتنمية وامثلة التهيئة العمرانية بالمناطق الغير بلدية .وبقراءة سطحية نقول ان
المجلس له اختصاصات واسعة ولكن المشرع يقول "ينظر" و"يعد" و"يسهر" ليس ّ
يبت
يقرر ،فنستنتج ان دوره استشاري.
او ّ
هذا إذا فيما يتعلق بالوالية كما هي منظمة بالقوانين الحالية وهي في انتظار التغيير
قريبا.
68
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كما وقع التمييز بين البلديات الحضرية والبلديات الريفية انطالقا من سنة 1934ولكن
مبدأ انتخاب المجالس البلدية لم يقع اقراره اال بمقتضى االمر المؤرخ في 20ديسمبر
.1952اال انه كان موجها أساسا للفرنسيين مما جعل التونسيين يقاطعون االنتخابات
البلدية لسنة .1953
وبعد انتهاء الحماية كان هاجس بناء دولة صلبة قائمة على سلطة مركزية قوية والبحث
عن بناء الوحدة القومية الصماء من العوامل التي أدت الى اضعاف الالمركزية المحلية
واضعاف المؤسسة البلدية حيث سادت هيمنة السلطة المركزية والحزب الحاكم وهو ما
أرسى ثقافة تسيير اداري غير مالئمة لتطور الالمركزية المحلية ضلت سائدة طيلة
العشريات السبعة التي جاءت بعد .1956
ثقافة وأسلوب وعقلية تصرف سلطوية ضلت سائدة رغم التوسع العمراني الكبير الذي
عرفته البالد حيث يعيش اليوم حوالي %70من السكان في المناطق البلدية ورغم عديد
التحويرات القانونية التي أدخلت على التنظيم البلدي خاصة منذ صدور القانون األساسي
69
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وبالتوازي وقع السعي الى دعم الموارد المالية للبلديات بمقتضى قانون 1975وخاصة
الموارد الذاتية بإصدار مجلة الجباية المحلية بمقتضى القانون عدد 11لسنة 1997
المؤرخ في 3فيفري .1997
ضلت البلديات في تونس تعاني من ضعف حقيقي وهيمنة السلطة السياسية واإلدارية
المركزية عليها عضويا ووظيفيا وثقل الرقابة المسلطة عليها ونقص فادح في الموارد
المالية الذاتية .كل هذه المعطيات جعلتها عاجزة عن االستجابة لحاجيات المواطن وهو
ما دفع الى حل المجالس البلدية مباشرة بعد الثورة واحداث نيابات خصوصية وفتح
ملف الالمركزية في اجندة االنتقال الديمقراطي وبناء الدستور الجديد.
يعتمد التنظيم البلدي على التمييز بين سلطة تفاوضية أو متداولة تتجسد في المجلس
البلدي (فقرة أولى) وسلطة تنفيذية تتجسم بالخصوص في رئيس المجلس البلدي (فقرة
ثانية).
-1تركيبة المجلس:
هو مجلس ينتخب أعضاؤه وفق شروط وإجراءات يلقبها القانون باالنتخاب .ويكون
عدد المستشارين في المجلس البلدي بين 10و 60و 70بالنسبة للبلديات الكبرى،
ووفق القانون االنتخابي الجديد فإن الترشح مفتوح لكل ناخب بالدائرة البلدية عمره 18
70
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
سنة فما فوق يوم تقديم ترشحه ويمنع القانون االنتخابي الترشح على الوالة والقضاة
والمعتمدين األول والكتاب العامين للواليات والمعتمدين والعمد ورؤساء البعثات
والمراكز الدبلوماسية ،كما يمنع على أعوان البلديات الترشح بالدوائر التي يباشرون بها
وظائفهم.
اما عن طريقة االقتراع فيتم االنتخاب في دورة واحدة باالقتراع على القائمات وفقا
لنظام التمثيلية النسبية مع اعتماد أكبر البقايا.
-2تسيير المجلس:
يكون وفق قانون 14ماي 1975الذي يقضي بان المجلس البلدي يجتمع وجوبا في 4
دورات بالسنة (اما في مشروع قانون الجماعات المحلية الجديد فيجتمع مرة كل شهرين
وجوبا).
ويمكن لرئيس المجلس دعوة المجلس لالنعقاد كلما اقتضت الحاجة .ويتركب المجلس
خاصة من عدد من اللجان القارة ال يقل عن 8لجان لدرس المسائل المعروضة على
المجلس البلدي وتشمل وجوبا المجاالت التالية:
71
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كما يمكن للمجلس تشكيل لجان غير قارة يعهد اليها بدراسة مواضيع معينة.
ويراعى في تركيبة اللجان ورئاستها تمثيل المرأة والشباب والتمثيل النسبي لمختلف
القائمات الفائزة في مقاعد المجلس البلدي وتسند رئاسة اللجنة المالية واالقتصادية
ومتابعة التصرف وجوبا لعضو من المعارضة.
وال يمكن للمجلس اتخاذ قراراته اال بحضور اغلبية أعضائه المباشرين وفي صورة
عدم اكتمال النصاب تعاد الدعوى النعقاد المجلس البلدي بعد 3أيام على األقل ويعتبر
قانونيا اجتماع المجلس مهما كان عدد الحضور وتتخذ المقررات باألغلبية المطلقة
لألعضاء الحاضرين على ان ال تقل هذه األغلبية عن ثلث أعضاء المجلس البلدي.
من حيث االختصاصات والصالحيات التي يتمتع بها المجلس البلدي فقد نص عليها
دستور 2014وتتمثل في 3أصناف من الصالحيات:
-صالحيات ذاتية.
72
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويخضع المجلس البلدي في قانون 1975الى رقابة اشراف مشددة تمارس على
أعضاء المجلس واعماله .ثم جاء دستور 2014ليقطع مع هذه الرقابة حيث كرس
بوضوح مبدأ "التدبير الحر" في الفصل 132منه .وجعل الفصل 138الجماعات
المحلية ال تخضع اال لرقابة الحقة تتعلق بشرعية اعمالها .وهو ما يحيلنا الى مسألة
التعديالت الجديدة منذ .2011
على انه يجب اإلشارة الى ان التنظيم البلدي يتضمن الى جانب المجلس البلدي جهازا
تنفيذيا يتمثل في رئيس البلدية ،حيث ينص قانون 1975على ان لكل بلدية رئيس
ومساعدون منتخبون من بين أعضاء المجلس باألغلبية المطلقة وباالقتراع السري
ليكون بذلك رئيس البلدية رئيس اغلبية المجلس البلدي أي رئيس القائمة او التحالف
الفائز باألغلبية في االنتخابات البلدية.
ويساعد رئيس البلدية للقيام بوظائفه عدد من المساعدين يختلف عددهم بحسب عدد
سكان البلدية المعنية ويقع انتخاب المساعدين من قبل المجلس البلدي في نفس الجلسة
وبنفس الطريقة والمدة التي ينتخب بها رئيس البلدية.
كما يساعده مكتب بلدي يتركب من المساعدين وكواهي الرئيس ورؤساء اللجان
ورؤساء الدوائر البلدية عند االقتضاء ويقوم رؤساء البلديات بمهامهم كامل الوقت في
احدى الحاالت التالية:
73
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-عندما تساوي المقابيض االعتيادية المنجزة في البلدية في السنة السابقة او تفوق مبلغا
محددا بأمر.
ويمكن اإلشارة كذلك في إطار التعرض للجهاز التنفيذي للبلدية الى الكاتب العام للبلدية
المكلف تحت سلطة رئيس البلدية بالسهر على حسن سير البلدية في الميدان اإلداري
والمالي.
اما من حيث صالحيات رئيس البلدية فهو يمثل السلطة التنفيذية للبلدية ولكن دوره من
الناحية العملية ال يقتصر على تنفيذ قرارات المجلس البلدي بل يتعدى ذلك ،فرئيس
البلدية هو الممثل والرئيس للبلدية كجماعة محلية أي كهيكل اداري المركزي وهو من
جهة أخرى عون غير مركزي من أعوان الدولة.
االمن العام
الصحة العامة
74
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ووفق قانون 1975يهدف الضبط المحلي الذي يمارسه رئيس البلدية الى كل ما يهم
امن العموم وتسهيل المرور بالشوارع والطرقات العمومية وتنظيفها وتنويرها ،ورفع
الحواجز ،وهدم او اصالح البنايات المتداعية للسقوط على نفقة مالكيها...
وقد وقع ادماج البعد البيئي في صالحيات الضبط منذ ،1995والى جانب صالحيات
الضبط يتمتع رئيس البلدية بمجموعة من الصالحيات الذاتية األخرى ،نذكر منها
مجاالت المحافظة على الملك العمومي البلدي واسناد الرخص في التصفيف حذوه
ورخص استغالله...
اما بخصوص الصالحيات التنفيذية لرئيس المجلس فتتمثل أساسا في تمثيل المجلس
البلدي في جميع االعمال المدنية واإلدارية وكذلك تمثيل البلدية امام القضاء كما انه يعد
مداوالت المجلس ويترأس جلساته ويدعوه لالنعقاد ويضبط جدول اعماله .كما يتولى
تنفيذ مداوالت المجلس في مختلف المجاالت المحلية باتخاذ التدابير الالزمة إلدارة
الممتلكات البلدية ورعاية الحقوق والتصرف في المداخيل وابرام العقود بأنواعها.
اما بالنسبة لصالحياته بصفته عون من أعوان الدولة ،فيتولى رئيس البلدية بصفته عونا
المحوريا أي عندما يتصرف كممثل للسلطة اإلدارية الالمركزية مجموعة من المهام
تنقسم الى:
-صالحيات إدارية:
75
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
من الصالحيات الخاصة التي اسندتها له القوانين كتلك التي نصت عليها مجلة التهيئة
الترابية والتعمير المتمثلة في اسناد رخص التقسيم والبناء والهدم.
تتمثل في إضفاء صفة ضابط الحالة المدنية على رئيس البلدية (ابرام عقود الزواج،
التعريف باإلمضاء ،استخراج النسخ المطابقة لألصل...
76
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
يقر وان لم يذكر ذلك صراحة بوجود جماعات ترابية ويح ّدد لها مستويين
هذا الفصل ّ
اثنين رئيسيّين يتمث ّالن في البلديات والواليات ،وترك الباب مفتوحا إلحداث مستويات
ينص عليها
ّ اخرى من الالمركزية ولكنه لم يستعمل مصطلح الالمركزية وبالتالي لم
صراحة ولم يرسي "مبدأ حرية تسييرها" Le principe de libre
administrationبل انّه فتح الباب لتقييدها والح ّد من مجاالت تد ّخلها بمقتضى
القانون بقوله" :حسب ما يضبطه القانون".
77
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
هذا الفصل إذا كان نتيجة لرؤية غير متح ّمسة لالمركزيّة ولذلك افرغها من بعدها
سياسي وال ّديمقراطي وجعله شكال مفرغا من المحتوى .وقد تظافرت عوامل عدة
ال ّ
لتؤدي الى اضعاف مكانة الالمركزية في الدستور وكذلك في التشريع وفي الممارسة،
فقد وجدت النخبة الحاكمة الجديدة منذ اواسط الخمسينات وذات السلطة الناشئة والهشة،
بلدا يتميز بضعف االدارة وضعف االقتصاد تشقه نعرات قبلية وصراعات جهوية
ومحليّة .ولذلك سرعان ما ساد اليها نوع من عدم الث ّقة في الالمركزيّة ،وخشية من ان
تساهم في بقاء ظواهر الت ّفرقة والتفت ّت على اسس "العروشيّة" والروابط التقليديّة،
وبالت ّالي عرقلة ال ّ
سلطات الجديدة ومشروعها في بناء دولة تهدف الى بناء "الوحدة
القومية الصماء" وتصليب عود السلطة الحاكمة الجديدة ،ورفع تح ّديات اللحاق بركب
ال ّدول المتق ّدمة والحضارة.
ولذلك رأت هذه النخبة الحاكمة ان ترك الالمركزية جانبا وارساء حكم مركزي قوي
هو السبيل األنجع لتحقيق اهدافها في بناء ا ّمة مو ّحدة ودولة قويّة.
مختلف هذه المعطيات ا ّدت الى تهميش الالمركزيّة ببعديها الجهوي والمحلي وتعويضها
بالالمحورية باعتبارها تساعد على تدعيم حكم السلطة المركزيّة في مختلف انحاء تراب
البالد.
سياسي بمنع
المبررات نحو االنغالق ال ّ
ّ وقد تزامن هذا الوضع مع التو ّجه تحت نفس
بعض القوى السياسيّة منذ مطلع الست ّينات من النشاط كالحزب الشيوعي وتطويع اهم
المنظمات االجتماعية كاالتحاد العام الت ّونسي للشغل وات ّحاد ّ
الفالحين وات ّحاد المرأة
وات ّحاد االعراف واالت ّحاد العام لطلبة تونس ليسود تدريجيّا نظام الحزب الواحد وهذا
المناخ طبعا ال يتالءم مع الالمركزيّة ألنها تفترض نوعا من التع ّدد واحترام
والتنوع وتقتضي االستقالليّة.
ّ الخصوصيّات الجهويّة والّتي تفترض توازنا بين الوحدة
78
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
غير ان سلبيّات التركيز المفرط دفعت السلطات العموميّة الى فتح ملف التنظيم الترابي
سبعينات وهو من خالل ثنائيّة الالمحوريّة والالمركزيّة انطالقا من النّصف ّ
االول من ال ّ
ما ادى الى ادخال عدد من التحويرات من خالل اصدار عدد من التشريعات الجديدة،
اساسا سنة ،1975والمتمث ّلة فيما يتعلق بالالمحورية في اصدار القانون االساسي عدد
53لسنة 1975المتعلق باإلطارات العليا لإلدارة الجهوية ،وبالنسبة لالمركزية القانون
االساسي للبلديات بمقتضى القانون عدد 33المؤرخ في 14ماي 1975وفي نفس
السياق ونفس السنة تقريبا القانون المتعلق بالجماعات المحلية وهو القانون عدد 35
لسنة 1975المتعلق بالقانون االساسي لميزانية الجماعات المحلية والقانون عدد 36
لسنة 1975المتعلق بضبط المال المشترك للجماعات المحلية.
ثم اضيفت في فترة الحقة تحويرات اخرى بعد التغيير في اعلى هرم السلطة السياسية
ووصول الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
هذا الوضع تطلّب ويتطلّب مراجعة جذريّة في سياق عمليّة االنتقال لل ّديمقراطيّة بغية
صبغة ال ّديمقراطيّة في تنظيمها وفي ارساء ّ
الالمركزيّة صلبة األسس ،عميقة ال ّ
ممارستها .فال ننسى ان "الث ّورة" واحداثها انطلقت اساسا على المستوى المحلّي
والجهوي قبل ان تصل الى المركز فيما بعد .واحداث الحوض المنجمي من قبلها كذلك.
79
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وقد سعى الدستور الجديد ،الذي تم ّخض عن اعالنه المجلس والذي صدر في 27
صص باب كامال يتض ّمن 12فصال
جانفي ،2014الى القطع مع نقائص الموروث وخ ّ
سابع منه .اضافة الى فصول اخرى ته ّم ّ
الالمركزيّة ومنها بالخصوص هو الباب ال ّ
الرابع عشر من باب المبادئ العا ّمة الّذي جاء فيه "تلتزم ال ّدولة بدعم
الفصل ّ
ّ
الالمركزيّة واعتمادها بكامل الت ّراب الوطني في إطار وحدة الدولة".
الالمركزيّة االداريّة على انّها تنظيم اداري ترابي من شأنه إيجاد توفيق
وتعرف ّ
ّ
للتنوع والخصوصيّات في إطار ال ّدولة.
ّ وتوازن بين وحدة البالد كك ّل واحترام
سس هذا ال ّدستور الجديد ّلالمركزيّة ترابيّة فعليّة قائمة على الت ّوفيق بين مقتضيات
ويؤ ّ
الديمقراطيّة المحليّة واحترام الخصوصيّات المحليّة والجهويّة وما تقتضيه هذه
ال ّديمقراطيّة المحليّة من مشروعيّة انتخابيّة وسياسيّة ومن استقالليّة الت ّسيير والقرار
وضرورة الحفاظ على وحدة ال ّدولة وما تقتضيه من ضمان انسجام ال ّ
سياسات العموميّة
وتكاملها ونجاعتها وعدالتها.
ي يرتقي
ي المركزي قو ّ ويتض ّمن هذا ال ّدستور رؤية تؤ ّ
سس لجماعات محليّة ولحكم محل ّ
ان الباب المتعلّق بالجماعات المحليّة بالدّستور وهو
سلطة المحليّة ،بما ّ
الى مستوى ال ّ
سلطة المحليّة
سابع ،جاء تحت عنوان ال ّ
الباب ال ّ
80
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويتض ّمن هذا ال ّدستور مجموعة من المبادئ كالحريّة وال ّديمقراطيّة والعدالة والت ّضامن
صريح بدعم ّ
الالمركزيّة كأساس للت ّنظيم الت ّرابي ومن اه ّم هذه المبادئ إلتزام ال ّدولة ال ّ
شأن العا ّم ،مع الحرص على الت ّوازن بينها وبين المحافظة على وحدة ال ّدولة
ولتسيير ال ّ
سابع الّذي جاء فيه "تقوم
كما جاء في الفصل 14وكذلك الفصل 131من الباب ال ّ
سلطة المحليّة على اساس ّ
الالمركزيّة". ال ّ
كذلك الت ّأكيد على المشروعية الديمقراطية لسلطات هياكل الجماعات الترابية حيث جاء
مجالس منتخبة".
ٌ في الفصل 133ما يلي تدير "الجماعات المحلية
حرا ،مباشرا،
وأضاف نفس الفصل "تنتخب المجالس البلديّة والجهويّة إنتخابا عا ّماّ ،
سريّا ،نزيها ،شفّافا".
اما مجالس االقاليم فتنتخب انتخابا غير مباشر من قبل اعضاء المجالس البلديّة
والجهويّة.
كذلك نجد في ال ّدستور الجديد تكريسا واضحا لمبدئ ال ّديمقراطيّة التشاركيّة م ّما يعني
سعيا لتجاوز نقائص وحدود ال ّديمقراطيّة الت ّمثيليّة واثرائها بالبعد الت ّشاركي.
81
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
جاء في الدستور كذلك التأكيد على الربط بين االختصاصات والموارد الكافية
لممارستها بنجاعة (الفصل .)135
أخيرا الت ّأكيد على مبادئ الت ّنمية العا ّمة والمتضامنة (الفصل .)136
وتجدر االشارة كذلك انّه الى جانب ارساء هذه المبادئ الجديدة ،قام ال ّدستور بإعادة بناء
التنظيم الهيكلي للت ّنظيم االداري والذي أصبح من ثالثة أصناف ،اي ثالث مستويات من
الالمركزية ،اذ جاء بالفصل 131من الدستور ان الالمركزية "تتجسد في جماعات
محلية تتكون من بلديات وجهات واقاليم ،يغطي كل صنف منها كامل تراب
الجمهورية".
إذا أصبح بمقتضى هذا الدستور هنالك ثالث اصناف من الجماعات المحلية ،على عكس
الوضع الحالي الذي يتكون من صنفين هما الواليات والبلديات.
وعلى ضوء اعادة التنظيم الهيكلي والوظيفي للجماعات الترابيّة ،اي اعادة التنظيم
الهيكلي والوظيفي ّلالمركزيّة تطرح بحدة مسألة صياغة إطار تشريعي جديد يف ّ
صل
مختلف الجوانب والمبادئ التنظيميّة والوظيفيّة والماليّة ،بحيث تطرح مسألة القطع مع
82
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الموروث االستبدادي على المستوى الترابي وذلك بإضفاء الصبغة الديمقراطيّة على
تنظيم وسير الجماعات المحليّة واعادة النّظر في التقسيم الت ّرابي واعادة توزيع
الصالحيات في ات ّجاه تدعيم اختصاصات الجماعات المحلية مع توفير الموارد المالية
الكافية لممارسة هذه االختصاصات .كذلك تكريس البعد الديمقراطي ألساليب الحكم
المحلي في اتجاه ارساء حوكمة ديمقراطيّة تشاركيّة .اذ جاء في الفصل 139من
الدستور "تعتمد الجماعات المحلية آليات الديمقراطية التشاركية ،ومبادئ الحوكمة
المفتوحة ،لضمان اسهام اوسع للمواطنين والمجتمع المدني في اعداد برامج التنمية
والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها".
تفترض هذه الرؤية الدستورية الجديدة اعادة البناء التنظيمي على المستوى الجهوي
والتمييز الواضح بين الالمركزية والالمحورية.
فقد تميّز الوضع بالخلط بينهما وهو خلط يجد تجسيده على المستوى القانوني
والمؤسساتي في الوالية التي تكتسي في نفس الوقت صبغة الجهاز الالمحوري (او
الدائرة الالمحورية للدولة) والجماعة العمومية اي السلطة الالمركزية .كما يبرز ذلك
من خالل 1من القانون االساسي عدد 11لسنة 1989المؤرخ في 4فيفري 1989
والمتعلق بالمجالس الجهوية.
وتبدو الرؤية الجديدة في الدستور وفي مشروع مجلة الجماعات ،في حاجة الى مزيد
التوضيح ،فالدستور ومشروع المجلة يتحدثان عن ثالثة اصناف من الجماعات هي
البلدية والجهة واالقليم .ولكن التقسيم الجهات والدائرة الترابية للجهات هي نفسها في
24والية ستبقى نفس التنظيم تقريبا ،لكن تحت اسم الجهة.
83
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويتضمن مشروع القانون مختلف الجوانب التنظيميّة والعمليّة للجماعات المحليّة يشتمل
على 363فصال في صيغته الحالية الموقّع عليها مجلس النواب .وكرس المبادئ
المنصوص عليها بالدستور ،وتتمثل هذه المبادئ بالخصوص في مبدأ انفراد القانون
ببعث الجماعات المحلية ،باعتبار ان تقسيم التراب الوطني الى جماعات محلية يختص
به دستوريا القانون حيث جاء في الفصل 65من هذا االخير انه تتخذ شكل قوانين
اساسية النصوص المتعلقة بالسلطة المحلية.
كما أقر مشروع المجلة االعتراف للجماعات المحلية بسلطة ترتيبية اي سلطة اصدار
التراتيب ،وتمكينها من وسائل التصرف الحر.
مبدأ التضامن.
84
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
مبدأ توزيع االختصاصات بين الجماعات المحلية على اساس مبدأ التفريع.
مبدأ االحتكام الى القضاء فيما يتعلق باألنشطة والقرارات الصادرة عن الجماعات
المحلية او القرارات المتعلقة بها.
وفضال عن هذا الت ّعميم فإن المبادئ الدستوريّة الجديدة تستوجب القطع مع التقاليد
سابقة واإلنخراط في منظومة جديدة تقوم على اعتبار الجماعات المحلية
االداريّة ال ّ
"سلطة" تسيّر شؤونها بإستقاللية وعلى اساس تشريك المواطنين في اتخاذ القرارات
ومتابعة تنفيذها.
وعلى هذا االساس سيتم توزيع االختصاصات بين السلطة المركزية والجماعات المحلية
مع مراعات وحدة الدولة.
صص الكتاب
سمت الى كتابين ،خ ّ
هذه المسائل سينظمها المشرع في مجلة واحدة ق ّ
ّ
المؤطرة للجماعات المحلية بما في ذلك المبادئ العا ّمة االول لألحكام العا ّمة والمشتركة
والتصرف في االمالك والمرافق العامة والنظام المالي .أما الكتاب الثاني
ّ والهيئات
صص لألحكام خصوصيّة لكل صنف من الجماعات المحليّة.
فخ ّ
85
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ونص المشروع باإلضافة الى ذلك على مجموعة من االحكام االنتقالية تغطي الفترة
التي ّ
ينظمها التنظيم الحالي وتطبيق المبادئ الدستورية الجديدة خاصة ان أصحاب
مشروع المجلة يتبنّون مبدأ التدرج في ارساء الالمركزية لفترة تتراوح بين 10الى
15سنة.
مشروع مجلة الجماعات المحلية تضمن في الكتاب األول 4أبواب ونص الباب األول
منها على المبادئ العامة ومبرزا خاصة مبدأ التدبير الحر .كذلك يبيّن صالحيات
الجماعات المحلية بأصنافها الثالث؛ أي الصالحيات الذاتية ،الصالحيات المنقولة من
السلطة المركزية الى الجماعات المحلية والصالحيات المشتركة بين الجماعات المحلية
والسلطة المركزية.
ويبلور هذا الباب (األول) في القسم الثالث منه هذه الصالحيات ويعرف كل منها.
86
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وقد جاء في الفصل 12من المشروع األساسي المتعلق بإصدار مجلة الجماعات
المحلية ان الجماعة المحلية تتمتع بصالحيات ذاتية تنفرد بمباشرتها وبصالحيات منقولة
من السلطة المركزية وصالحيات مشتركة بينها وبين السلطة المركزية ،ووضع الفصل
14كيفية توزيع هذه الصالحيات المشتركة والمنقولة ،وجاء فيه ان توزيع هذه
الصالحيات يتم بين مختلف أصناف الجماعات المحلية على أساس مبدأ التفريع ،ويعني
ان الصالحيات تعود لكل صنف من الجماعات المحلية التي تكون هي االجدر
لممارستها بحكم قربها من المتساكنين وقدرتها على األداء األفضل للمصالح المحلية
(مثال صالحيات التنوير والتطهير)...
كما مكن نص المشروع أيضا من تمتيع الجماعات المحلية بسلطة ترتيبية خاصة بها في
مجال اختصاصها تمارسها في حدود مجالها الترابي وتس ّمى قرارات بلدية او قرارات
جهوية او قرارات إقليمية حسب الجماعة المحلية الصادر عنها .ويمارس هذا
االختصاص مجلس الجماعة المحلية.
كما تض ّمن هذا الباب األول قسما خاصا بالديمقراطيّة التشاركيّة والحوكمة المفتوحة
حيث جاء فيه ان اعتماد البرامج التنموية للجماعات يخضع وجوبا آلليات ديمقراطية
تشاركية وان مجلس الجماعات المحلية يضمن للمتساكنين مشاركة فعلية شاملة لكافة
الفئات االجتماعية والمناطق المكونة للجماعات المحلية ويمكن ان تشمل هاته
الديمقراطية التشاركية اجراء استفتاء للمتساكنين حول اعداد برامج وإنجاز مشاريع
تتعلق باختصاصاتها بموافقة اغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
87
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وتعرض القسم السادس الى مسائل التضامن والتعديل والتمييز اإليجابي بين الجماعات.
ّ
كما تعرض هذا الباب الى المجلس األعلى للجماعات المحلية المنصوص عليه
بالدستور .ونص الفصل 43من مشروع المجلة على ان المجلس األعلى للجماعات
المحلية يتركب كما يلي:
-رؤساء الجهات.
-رؤساء األقاليم.
والمجلس األعلى للجماعات المحلية هو هيكل استشاري باألساس يستشار حول مشاريع
القوانين التي تهم الجماعات المحلية ويع ّد تقرير سنوي يحال لرئيس مجلس النواب
ولرئيس الحكومة ولرئيس الجمهورية حول سير الجماعات المحلية.
نص القسم العاشر من هذا الباب األول عن احداث هيئة عليا للمالية المحلية تنظر
كما ّ
في كل المسائل المتعلقة بالمالية المحلية ودعمها وتعصيرها وحسن التصرف فيها وفقا
لقواعد الحوكمة الرشيدة وتتولى خاصة:
-اقتراح تقديرات الموارد المالية الممكن إحالتها للجماعات المحلية ضمن مشروع
ميزانية الدولة.
88
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-اجراء التحاليل المالية لمختلف الجماعات المحلية بناءا على حساباتها المالية والتي
تحال عليها وجوبا من قبل هذه الجماعات.
-النظر في حجم التأجير العمومي للبلديات وفقا أحكام الفصل 9من هذه
-ستة ممثلين عن المجلس االعلى للجماعات المحلية يراعى فيها تمثيل أصناف
الجماعات المحلية.
89
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
-خبير محاسب يقترحه مجلس هيئة الخبراء المحاسبين بالبالد التونسية لمدة أربع
سنوات غير قابلة للتجديد.
ويتولى أعضاء الهيئة في جلستها األولى انتخاب رئيس لها من بين ممثلي المجلس
األعلى للجماعات المحلية.
هذا إذا كان اهم ما جاء في الباب األول من الكتاب األول من مشروع المجلة ،اما الباب
الثاني "في أمالك الجماعات المحلية ومرافقها" فيتعرض في قسم اول الى أمالك
الجماعات المحلية ونجد في هذا القسم (من 60الى الفصل )65تعريفا للملك العمومي
والملك الخاص للجماعات العمومية والمبادئ الكبرى لنظام تلك األمالك واصنافها
وكيفية التصرف فيها .ونجد فيها التعريف التقليدي للملك العمومي الذي يعتمد معيارين؛
ان يكون مالكه ذات معنوية عمومية والمعيار الثاني ما يعرف بمعيار ثالثية التخصيص
أي ان يكون الملك مخصصا اما لالستعمال المباشر من قبل العموم (الطرقات )...او ان
يكون مخصصا لمرفق عام (مثال الملك العمومي للسكك الحديدية )...او ان يكون ملكا
للجماعة .اما الملك الخاص للجماعات فيشمل بقية األمالك أي العقارات والمنقوالت
غير المصنفة ضمن األمالك العمومية .وتعتبر أمالك محلية خاصة العقارات والمحالت
ذات االستعمال المهني او التجاري او الحرفي وكذلك العقارات ذات االستعمال السكني
وكذلك حصص مساهمة الجماعات في المنشآت العمومية وكذلك األسواق ومستودعات
الحجز والمقابر (محل نقاش).
ويكرس القسم األول من الباب الثاني كذلك المبادئ الحمائية للنظام القانوني لألمالك
العمومية للجماعات المحلية وتتمثل هذه المبادئ في عدم القابلية للتفويت وعدم القابلية
لالكتساب بالحوز المتقادم وكذلك عدم خضوع الملك العمومي لطرق التنفيذ.
90
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اما طرق التصرف في الملك العمومي فيمكن ان تكون من خالل الترخيص او التفويت
(بالنسبة للملك الخاص) ويمكن ان يكون تسيير الملك مباشرا او غير مباشر.
وخصص القسم الثاني من هذا الباب الثاني لتسيير المرافق العامة المحلية ،وحدد
القواعد والمبادئ في ذلك وهي المساواة بين مستعملي المرفق العام المحلي .كذلك
االستمرارية والتأقلم مع المتغيرات .وهذه كانت المبادئ الكبرى التقليدية (المساواة
االستمرارية التأقلم) .ويضيف أيضا مشروع المجلة مبادئ الشفافية والمساءلة والحياد
والنزاهة والنجاعة والحوكمة المفتوحة .ويبين طرق التصرف في المرفق العام في قسم
ثالث ،حيث نص في الفصل 72على التسيير المباشر؛ "يمكن للجماعة المحلية تسيير
مرافقها بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
وتبرم الجماعات المحلية عقودا تكلّف بمقتضاها ذوات عمومية أو خاصة بتسيير مرافق
عامة أو لتحقيق طلب عمومي".
والتسيير الغير مباشر هو تكليف طرف اخر بتسيير المرفق بمقتضى عقد وهي ثالثة
أصناف كبرى من العقود؛ عقود اللزمة وعقود تفويض المرفق العام وكذلك عقود
الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
هذه اهم مالمح هذا الباب الثاني اما الباب الثالث "في التهيئة الترابية والتعمير والتنمية
المستدامة" فقد جاء هذا الباب مقتضبا (حوالي 13فصل) باعتباره يحيل أساسا الى
مجلة التهيئة الترابية والتعمير الصادرة بمقتضى القانون المؤرخ في 28نوفمبر
( 1994وهي بصدد المراجعة االن).
91
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
اما الباب الرابع فخصص للنظام المالي للجماعات المحلية ويتعرض بالخصوص
للقواعد العامة للميزانية المحلية ومواردها وكذلك االعتمادات المحالة من الدولة
وإجراءات استخالص موارد الجماعات المحلية وخصص القسم الرابع من هذا الباب
في تبويب الموارد وكذلك في القسم الخامس االعتمادات وفي القسم السادس والسابع
تباعا للنظام القانوني إلعداد ميزانية الجماعات المحلية والمصادقة عليها ،وتنفيذ
الميزانية وختمها.
اما الكتاب الثاني فقد خصص لألحكام الخصوصية لكل صنف من أصناف الجماعات؛
فخصص الباب األول للبلدية فتعرض الى تنظيمها وصالحياتها وتعرض الى النظام
القانوني للقرارات المتخذة من السلط البلدية ومراقبتها وخصص القسم التاسع واألخير
من هذا الباب للتعاون بين البلديات.
اما الباب الثاني من هذا الكتاب الثاني فخصص للجهة حيث تعرض الى صالحيات
وتنظيم الجهة ورئيسها ومساعديه ومجلسها ونظامها القانوني والقرارات الصادرة عنها.
وأخيرا باب اإلقليم وهو الباب األكثر اكتضاضا؛ اذ تعرض للتعريف والتنظيم
والصالحيات الخاصة باإلقليم وقد جاء به تعريفه على انه جماعة ترابية تشمل عددا من
الجهات تعمل على تحقيق االندماج والتكامل التنموي واالقتصادي المتوازن بين مختلف
المناطق لإلقليم ويسيره حسب الفصل " 345مجلس اإلقليم" ينتخب من قبل المستشارين
البلديين والجهويين.
92
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
هذا اذن اهم ما جاء بمشروع مجلة الجماعات المحلية والتي هي االن بصدد المناقشة
امام لجنة اإلدارة والقوات الحاملة للسالح بمجلس نواب الشعب.
93
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وفي الحقيقة ان هذين الوظيفتين شديدتين االرتباط ،حيث يمكن اعتبار الضبط اإلداري
نفسه مرفقا عاما يتمثل في توفير االمن والصحة والراحة والخدمات عموما .ولتحقيق
هذين الوظيفتين تتمتع اإلدارة بجملة من الوسائل تتمثل بالخصوص فيما يعرف بأساليب
او وسائل السلطة العامة ،وتتمثل الوسائل القانونية لممارسة اإلدارة وظيفتها بالقرار
اإلداري االنفرادي وكذلك بالعقد .رغم ان ذلك ال يمنع اإلدارة العمومية من إمكانية
اعتماد الوسائل القانونية التي يعتمدها الخواص في تصرفاتهم كإبرام عقود مماثلة لتلك
التي يبرمها الخواص فيما بينهم .ويجدر التنبيه الى ان اإلدارة العمومية تعتمد الى جانب
تدرس في إطار
هذه الوسائل القانونية عددا من الوسائل البشرية والمادية والمالية ّ
القانون اإلداري الخصوصي ،كقانون الوظيفة العمومية والقانون اإلداري لألموال
والقانون الجبائي وهي مواضيع دروس أخرى تنتمي للقانون اإلداري الخصوصي وال
تنتمي للقانون اإلداري العام الذي هو موضوع هذا الدرس.
سنكتفي إذا بدراسة الوسائل القانونية والمتمثلة في المقرر اإلداري االنفرادي وفي العقد
وسندرس تباعا القرار اإلداري المنفرد في فصل اول والعقد في فصل ثاني.
94
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويعتبر القرار اإلداري االنفرادي ،أي القرار المنبثق عن جهة بمفردها ،أحد اهم هذه
االمتيازات اذ يمكن تعريفه بانه عمل قانوني صادر عن السلطة اإلدارية بإرادتها
المنفردة يم ّكنها من تغيير المراكز القانونية للمعنيّين به دون حاجة للحصول على
موافقتهم وذلك بفرض التزامات او منح حقوق وذلك في إطار ما لها من سلطة عامة
بمقتضى القوانين.
هذا التعريف تنتج عنه مجموعة من االثار او النتائج ويم ّكن هذا التعريف من تحديد
سلط
خصائص القرار اإلداري االنفرادي وتمييزه عن االعمال القانونيّة الصادرة عن ال ّ
العموميّة األخرى وكذلك عن بقيّة القرارات اإلدارية األخرى التي ال تحدث اثرا قانونيا.
95
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كما يمكن هذا التعريف من تحديد النظام القانوني لهذه المؤسسة القانونية المتمثلة في
القرار االنفرادي.
يمكن العنصر العضوي من التمييز بين القرار اإلداري والقرارات الصادرة عن ذوات
او هياكل خاصة.
ب -التمييز بين القرار اإلداري والقرارات الصادرة عن السلط العمومية األخرى:
ويعني ذلك بالخصوص التمييز بين القرار اإلداري والقرارات الصادرة عن السلط
القضائية والتشريعية.
من الزاوية العضوية يقوم التمييز على طبيعة السلطة العمومية التي صدر عنها القرار،
فالقرار اإلداري هو القرار الصادر عن السلطة التنفيذيّة بإرادتها المنفردة ،بينما يتّخذ
96
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
القضاء اإلداري بإمكانه الغاء القرارات اإلدارية او قبول الدفع بعدم شرعيتها.
من جهة أخرى يمكن ان يؤدي القرار اإلداري الى قيام مسؤولية اإلدارة اما القانون فال
يمكن ان تنجر عنه اية مسؤولية فهو تعبير عن اإلرادة العامة.
والنص التشريعي.
ّ هذا إذا ما يتعلق بالقرار اإلداري
97
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
غير ان هذا التمييز الذي يبدو بسيطا وواضحا قد يصبح على غاية من الصعوبة في
عدد من الحاالت؛
الحالة االولى هي تلك التي تتولى فيها هيئة قضائية من حيث تركيبتها او حتى من حيث
وظائفها مهمة إدارية ،من ذلك مثال القرارات التي يتخذها رئيس المحكمة اإلدارية
بخصوص وقف التنفيذ في القضايا االستعجالية وكذلك المتعلقة بعون من أعوان
المحكمة.
كذلك قرارات المجلس األعلى للقضاء المتعلقة بترقية القضاة او تأديبهم .كلها قرارات
إدارية بحتة.
وفي هذا االطار للتمييز بين القرار القضائي رغم صدوره في شكل مماثل للقرار
اإلداري ،والقرار اإلداري رغم تعلقه بشؤون القضاء ،يميّز فقه القضاء بين القرارات
التي تتعلق بسير المرفق العام القضائي ،كقرار تعيين تاريخ جلسة ،او قرار حاكم
التحقيق بحفظ القضية ،ويعتبرها قرارات قضائية ،والقرارات التي تتعلق بتنظيم المرفق
العام القضائي كقرار انتداب قضاة او تعيينهم او ترقيتهم ،تعتبر هذه القرارات قرارات
إدارية رغم ان موضوعها يهم المرفق العام العدلي كما اكدت ذلك المحكمة اإلدارية في
عدد من قراراتها ومنها قرار صدر في 26افريل ،1982محمد بالّلونة والحبيب
عاشور ومن معه ضد الوزير األول ،الوارد بالمجموعة للمحكمة اإلدارية لسنة 1982
بالصفحة .62
98
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الحالة الثانية هي عندما ال يوجد نص صريح يحدد طبيعة الهيئة التي اتخذت القرار
وكذلك طبيعة القرار المتخذ كما هو الحال بالنسبة للجان االنزال واللجان الجهوية
لتصفية االحباس.
واالنزال وهو عقد يحيل به المالك او ناظر الوقف حوز العقار والتصرف فيه الى االبد
على ان يلتزم له المستلزم بأداء مبلغ معين سنوي او شهري ال يتغير.
وللحسم في هذا الموضوع يعتمد فقه القضاء مجموعة من المؤشرات المتكاملة ،منها ما
سلطة التي صدر عنها القرار واإلجراءات المتبعة
هو شكلي يتعلق بطريقة تنظيم ال ّ
امامها ،ومنها ما هو مادي يتعلق بطبيعة المسألة المطروحة ،وعلى هذا األساس نفت
المحكمة اإلدارية الصبغة القضائية عن لجان االنزال وذلك منذ قرارها المؤرخ في 9
فيفري ،1978قرار ورد بالمجموعة 1978صفحة .26حيث اعتبرت المحكمة ان
النصوص المحدثة لهذه اللجان تبرز انها "تشكل تشكيال إداريا محضا وليس لها طابع
قضائي بالمرة وال تتبع اإلجراءات القضائية عند البت في إقرار حقوق االنزال التي
تعرض عليها" .اما فيما يتعلق بقرارات لجان تصفية االحباس فقد اعتبرتها المحكمة
االدارية قرارات قضائية ذلك انه "بالرجوع الى احكام االمر المؤرخ في 18جويلية
1957يتبين ان اللجنة الجهوية لتصفية االحباس استنادا لما تتسم به تركيبتها
وصالحياتها ،هيئة قضائية مختصة".
ويطرح نفس االشكال فيما يتعلق بعدد من الهيئات المهنية التي تكتسي صبغة مزدوجة،
فهي من جهة سلطة إدارية تتخذ قرارات إدارية (مثال عمادة المحامين ،عمادة
المهندسين ،عمادة األطباء )...كقرارات الترسيم او رفض الترسيم بالجدول وهو قرار
اداري ،وهي من جهة أخرى هيئات قضائية تتخذ قرارات قضائية قابلة للطعن
باالستئناف والتعقيب ،كالقرارات التأديبية التي تتخذها في حق أعضائها.
99
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وكذلك يطرح نفس االشكال عندما يتعلق االمر مثال بهيئة االنتخابات او مجلس المنافسة
او هيئة االتصال السمعي البصري...
ويؤدي هذا التمييز بين القرارات االدارية والقضائية الى جملة من النتائج منها ما يلي:
-تتمتع القرارات القضائية منذ صدورها بحجية الشيء المقضي به بينما ال تتمتع
القرارات اإلدارية اال بقرينة الشرعية او المطابقة للشرعية.
-تخضع القرارات القضائية الى طرق الطعن االستدراكيّة وهي االستئناف والتعقيب او
طرق الطعن التراجعيّة كاإلعتراض وإعادة النظر وإصالح األخطاء المادية ،في حين
تخضع القرارات اإلدارية الى امكانيّات أخرى كنسخ القرار أي ابطاله ،وكذلك السحب
من قبل السلط االدارية ،او كذلك إمكانية اإللغاء من طرف القاضي االداري.
وبهذا ننتهي من العنصر المميز األول لتعريف القرار اإلداري االنفرادي وهو العنصر
العضوي.
100
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
واالستشارة االختيارية هي التي ال تكون السلطة اإلدارية فيها ملزمة بطلب االستشارة
وال باتباع الراي االستشاري الذي ترتب عن تلك االستشارة.
اما االستشارة الوجوبية فهي اجراء يفرضه نص القانون ،أي ان اإلدارة يجب عليها
القيام باالستشارة وعدم القيام بها قد يكون عيبا من العيوب الشكلية للقرار اإلداري ما قد
يؤدي الى الغاءه في بعض الحاالت ،إذ هو اجراء يفرضه نص قانوني واالستشارة هنا
واجبة.
ان يفرض النص وجوبية القيام باالستشارة ويترك الحرية للسلطة اإلدارية المستشيرة
في اتباع الرأي االستشاري من عدمه ،وبالتالي يكون الرأي االستشاري هنا غير ملزم.
اما الحالة الثانية هي االستشارة الوجوبية التي ينتج عنها رأي ملزم ،فالسلطة اإلدارية
ليست فقط ملزمة بالقيام باالستشارة بل كذلك ملزمة بإتباع الرأي المستشير في هذه
الحالة.
101
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
كذلك الشأن بالنسبة لالقتراحات التي تعتبر مجرد اعمال تحضيرية وليست قرارات
إدارية تنفيذية ومنها اقتراحات اللجان اإلدارية المتناصفة (التي تقترح الترقيات والمنح)
102
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وفي هذا اإلطار رفضت المحكمة اإلدارية في قرار متعلق بتجاوز السلطة ،محمد
منصف الجربي ضد وزير النقل والمواصالت ،قرار مؤرخ في 30مارس ،1982
الطعن في مقترحات اللجنة المتناصفة بوزارة النقل.
ال تعتبر اإلجراءات التي ينحصر دورها في تنظيم حسن السير الداخلي لإلدارة قرارات
إدارية تنفيذية وقابلة للطعن فيها سواء كانت هذه اإلجراءات والقرارات فردية او عامة
وسواء تعلقت هذه اإلجراءات بتنظيم المصالح اإلدارية او طرق عملها او مشموالت
االعوان وتعيينهم ،غير انه عندما تتجاوز هذه القرارات واإلجراءات الحدود الداخلية
لإلدارة كي تمس بحقوق األعوان المنصوص عليها بنظامهم األساسي فإنها تصبح قابلة
للطعن في شرعيتها ،ويطرح االشكال بالخصوص بالنسبة لإلجراءات لفرض االنضباط
في المؤسسات العسكرية والتربوية والتي يمكن ان تتعدى مقتضيات التنظيم الداخلي
ويالحظ في هذا االطار ان القضاء اإلداري اصبح يقبل مراقبة شرعية النظام الداخلي
للمؤسسات التربوية كما اصبح ينظر في شرعية العقوبات التي تسلط على التالميذ او
الطلبة او المساجين او الجنود لفرض االنضباط داخل المؤسسات التربوية والعسكرية
والسجنيّة.
المنشور هو أداة اعالم وتفسير وتأويل بين المصالح المركزية العليا للوزارات ورئاسة
الحكومة وبقية المصالح األخرى ،غايته تفسير وتأويل القوانين والمواقف لمختلف
المصالح اإلدارية بغية توجيهها وضمان حسن تطبيقها للنصوص القانونية سواء
103
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
فالمنشور يمكن ان يستعمل أحيانا كتعلة لتمرير قواعد او فرض شروط جديدة ،وعندما
يتم الطعن في شرعية المنشور امام القضاء ،يجد القاضي نفسه امام حالتين؛
الحالة األولى تتعلق بإن كان المنشور صدر عن سلطة مختصة؟ فالوزراء ليس لهم
مبدئيا مثل هذا االختصاص الترتيبي ،فإذا ثبت ان المنشور صدر عن سلطة غير
مختصة فإن القاضي سيلغي المنشور على أساس عيب االختصاص وانحراف
اإلجراءات وخرق الصيغ الشكلية الجوهرية.
في الحالة الثانية إذا تبين ان السلطة التي أصدرت المنشور مختصة ،فاذا كانت السلطة
التي أصدرت المنشور الترتيبي تتمتع بالسلطة الترتيبية فاإلشكال هنا لم يعد يتعلق
باالختصاص بل بالقواعد المضمنة بالمنشور شرعية ام ال .ويكون آنذاك موقف القضاء
اما اإللغاء الكلي او الجزئي للمنشور.
104
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
والقرار الهام في هذا المجال هو قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 29جانفي
،1954نوتردام د كريسكار ، Notredame de kreiskerتعلق بتمرير شروط
جديدة بمنشور جعلت الحصول على احد الحقوق صعبا.
نفس الشيء في القرار الشهير حول ترسيم الطلبة األجانب ،قرار مؤرخ في 14جانفي
Mrap "1981الحركة المناهضة للعنصرية للسالم بين الشعوب".
في تونس صدر قرار في نفس االتجاه وهو القرار المؤرخ في 3مارس ،1972
المنصف برقوشة ضد الوزير األول ،اذا تضمن المنشور قواعد جديدة فهي غير
شرعية.
كذلك قرار المحكمة اإلدارية المؤرخ في 29ديسمبر ،1981عبد الرزاق بوليل ضد
وزير النقل والمواصالت .وكذلك قرار المحكمة اإلدارية المؤرخ في ،1988أسماء
محجوب ضد وزير الصحة العمومية وهو طعن في قرار اداري اتخذ على أساس
منشور وزاري منح عطلة استثنائية ألعوان مصالح االشعة ،وطعنت السيدة أسماء
باعتبار ان ضبط العطل من اختصاص المشرع.
المناشير التفسيرية
المناشير الترتيبية
المناشير المختلطة
ولهذا التمييز تأثيرات عملية ملموسة فالمنشور التفسيري هو عمل داخلي صرف يوجه
فقط ألعوان اإلدارة أي انه موجه من الرؤساء الى المرؤوسين داخل الجهاز اإلداري
105
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
قصد انارتهم وتوجيه أعمالهم ،فهو اذا ال يتوجه الى منظوري اإلدارة الخارجيين وال
يلزمهم وال يمكن لهؤالء االحتجاج به في مواجهة اإلدارة وال الطعن فيه باإللغاء.
اما المنشور الترتيبي فبحكم تضمنه لقواعد جديدة إضافية للنصوص التي جاء لتفسيرها،
يكسب/يسحب حقوقا او يفرض التزامات ولذلك فهو يصبح مغيرا من األوضاع القانونية
القائمة وقابال للطعن فيه باإللغاء.
اما الصنف الثالث ،أي المناشير المختلطة ،فهي تلك المناشير التي تتضمن جانبا
تفسيريا وكذلك قواعد جديدة ذات صبغة ترتيبية مؤثرة في األوضاع القانونية القائمة،
وهذا الصنف من المناشير يقبل القضاء الطعن فقط في البنود الترتيبية المضمنة به وهو
ما يمكن ان يؤدي الى الغاء جزئي للمنشور كما وقع في قرار نوتردام د تروسكار سابق
الذكر.
ويضيف فقه القضاء الفرنسي منذ 1992صنفا جديدا من المناشير اطلق عليه تسمية
المناشير اآلمرة وهي مناشير ال تتضمن إجراءات داخلية وال مناشير ترتيبية وال
مختلطة وانما يبرز في عدد من اعمال الحكومة أي انه منشور يتصل بالسيادة او
بالعالقات الخارجية ،وقد وقع تكريس هذا الصنف في قرار مجلس الدولة المؤرخ في
23سبتمبر ،1992جيستي ، Gistiوالمنشور المتعلق به القرار يطلب بصفة آمرة من
الجامعات عدم ترسيم الطلبة القادمين من العراق (امر جاء في سياق حرب الخليج)
وهي مناشير ال يقبل الطعن فيها حيث ينظر القاضي فيها باعتبارها عمال من اعمال
الحكومة تقتضيه السيادة ،لكن هناك تراجع ،فانطالقا من 2002اعتبر فقه القضاء
وتحديدا مجلس الدولة الفرنسي ،ان المناشير التي تتضمن تأويال ملزما تقبل الطعن فيها.
106
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
أ -المراسيم:
هي مقررات إدارية يصدرها رئيس الجمهورية بالتوافق مع رئيس الحكومة في حالتين
حددهما الفصل 70من دستور 2014وتتدخل هذه المراسيم في حالة حل مجلس
الشعب كما يمكن ان تصدر المراسيم عن رئيس الحكومة في حالة التفويض من مجلس
نواب الشعب بثالثة اخماس أعضائه ويكون هذا التفويض من قبل رئيس الحكومة لمدة
محددة ال تتجاوز الشهرين ولغرض معين ،وتعرض المراسيم سواء الصادرة عن رئيس
107
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ب -األوامر:
كانت األوامر قبل 2011من اختصاص رئيس الجمهورية وحده ،وبمقتضى دستور
2014أصبحت األوامر تنقسم الى صنفين؛ أوامر رئاسية نظمها الفصل 78من
الدستور واوامر حكومية نظمها الفصل 94من الدستور.
اما األوامر الرئاسية المنصوص عليها بالفصل 78من الدستور فهي أوامر فردية
وليست ترتيبية (عامة وملزمة) تتعلق بعدد من التعيينات واالعفاءات لبعض الوظائف
العليا ومنها تعيين مفتي الجمهورية واعفاءه وكذلك التعيينات واالعفاءات في الوظائف
العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها ،وكذلك التعيينات واالعفاءات في
108
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة باالمن القومي بعد استشارة رئيس
الحكومة .وهي وظائف ضبطها القانون عدد 32لسنة .2015
كذلك تعيين محافظ البنك المركزي بإقتراح من رئيس الحكومة ،وبعد مصادقة األغلبية
المطلقة ألعضاء مجلس نواب الشعب .كما يمكن ان يتم اعفاؤه بنفس الطريقة.
اما الصنف الثاني من األوامر الحكومية فقد نظمها الفصل 92و 94من الدستور
وتنقسم هذه األوامر التي تصدر عن رئيس الحكومة الى صنفين؛ أوامر فردية وأوامر
ترتيبية (أوامر غير ترتيبية واوامر ترتيبية) ،فقد جاء بالفصل 94أن رئيس الحكومة
يمارس السلطة الترتيبية العامة ويصدر األوامر الفردية التي يمضيها بعد مداولة مجلس
الوزراء ،وتسمى األوامر الصادرة عن رئيس الحكومة أوامر حكومية.
وفي اطار ممارسة سلطته في اصدار األوامر الحكومية الفردية نجد في الفصل 92ان
رئيس الحكومة يختص في اجراء التعيينات واالعفاءات في الوظائف المدنية العليا ،وقد
ضبطت هذه الوظائف بالقانون عدد 33لسنة 2015المؤرخ في 15اوت ،2015
كما جاء في الفصل 92ان رئيس الحكومة يتصرف في اإلدارة ويمارس في هذا
االطار كذلك سلطة اتخاذ األوامر الترتيبية كتكريس للسلطة الترتيبية العامة ،وفي هذا
االطار يختص رئيس الحكومة بإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة
وضبط اختصاصاتها وصالحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء ،كذلك احداث او تعديل
او حذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح اإلدارية وضبط اختصاصاتها
وصالحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء باستثناء الراجعة لرئاسة الجمهورية (مثل
المعهد التونسي للدراسات االستراتيجية والهيئة العليا للرقابة المالية )...حيث يكون
احداثها او حذفها او تعديلها من قبل رئيس الحكومة لكن باقتراح من رئيس الجمهورية.
109
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ج -القرارات:
وتكون سلطة اتخاذ القرارات هذه عادة قائمة على أساس نص تشريعي او ترتيبي سابق
الوضع وتكون القرارات تنفيذا للنصوص.
كما كرس الدستور منح السلطة الترتيبية ،فضال عن الهيئات المستقلة ،للسلطة المحلية
في الفصل 134من الدستور ،حيث جاء به ان الجماعات المحلية تتمتع بسلطة ترتيبية
في مجال ممارستها لصالحياتها وتنشر قراراتها في الجريدة الرسمية للجماعات
المحلية.
د -المناشير:
المناشير مبدئيا دورها تفسيري تتدخل لتفسير نص قانوني او ترتيبي (مثال المناشير
التفسيرية المتعلقة بالصفقات العمومية )...سابق الوضع وتوضيح كيفية تطبيق
مقتضياته ،وتصدر المناشير عن السلط اإلدارية ويالحظ ان هذه السلط قد تدرج عمدا
او عن غير قصد قواعد جديدة بالمناشير تمنح حقوقا او تفرض شروطا او تضع
التزامات إضافية لم ينص عليها النص التشريعي او الترتيبي الذي جاءت لتوضيحه تلك
المناشير ،وبذلك تفقد المناشير صبغتها التفسيرية وتتحول الى قرارات تنفيذية مؤثرة في
110
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
األوضاع القانونية القائمة وبالتالي قابلة للطعن فيها لتجاوز السلطة امام القضاء
اإلداري.
ويجب في هذا الصدد التنبيه الى ان القرارات الصادرة عن السلط اإلدارية ال تكتسي
كلها صبغة القرار اإلداري ومثال ذلك القرارات المتعلقة بالتصرف الخاص بالملك
الخاص لإلدارة ،وهذه القرارات ال تتسم بصبغة السلطة العامة وال تعتبر قرارات
إدارية ،بالمقابل يجب التنبيه الى ان القرارات اإلدارية ليست حكرا على السلط اإلدارية
بل يمكن ان تصدر كذلك عن هياكل ال تكتسي عضويا صبغة السلطة اإلدارية من ذلك
مثال القرارات الصادرة عن السلط الدستورية ،كالسلطة التشريعية والسلطة القضائية،
فقرارات رئيس البرلمان المتعلقة بحسن سير مصالح المجلس وكذلك قرارات انتداب
وترقية وتأديب أعوان المجلس ال تدخل في اطار الوظيفية التشريعية للمجلس وانما في
اطار الوظيفة اإلدارية ،وينطبق االمر نفسه على القرارات الصادرة عن السلطة
القضائية والمتعلقة بتنظيم المرفق العام القضائي ،والتي ال تعتبر قرارات تدخل في
نطاق الوظيفية القضائية وانما تدخل في اطار الوظيفة اإلدارية لهذه السلطة .كما يمكن
ان تصدر القرارات اإلدارية عن الهيئات المهنية التي اعتبرتها المحكمة اإلدارية
التونسية ذوات قانون عام ،يمكن ان تتخذ قرارات إدارية تنفيذية .هذا الموقف عبرت
عنه المحكمة اإلدارية في قرارها المتعلق بتجاوز السلطة المؤرخ في 14جويلية
،1983أنور بشة ضد الهيئة الوطنية للمحامين.
في هذا القرار اعتبرت الهيئة الوطنية للمحامين ذات قانون عام غير مسمات والقرارات
التي تصدر عنها قرارات إدارية تنفيذية تخضع للطعن امام المحكمة اإلدارية .قرار
منشور بالمجلة القانونية التونسية 1984القسم العربي الصفحة 115وما بعدها مع
تعليق لألستاذ عياض بن عاشور.
111
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
نفس االمر بالنسبة للهيئات الدستورية ،اذ تصدر قرارات إدارية تنفيذية يمكن الطعن
فيها امام المحكمة اإلدارية ،كذلك يمكن ان تصدر القرارات اإلدارية حتى عن بعض
الذوات المعنوية الخاصة ،التي تكلف بتحقيق المصلحة العامة ،او بتسيير مرفق عام،
وتمنح في إطار ذلك امتيازات السلطة العامة ،وتتخذ بالتالي القرارات اإلدارية.
مثال :الجامعات الرياضية ،فهي التي تتخذ قرارات تتعلق بتنظيم الرياضة كتنظيم
البطوالت وتسلط عقوبات على الالعبين اعتبرتها المحكمة اإلدارية قرارات إدارية.
اذا القرار الفردي هو الذي يطبق القاعدة العامة والمجردة على حالة معينة ويتجه الى
اشخاص محددين بذواتهم وليس بصفاتهم.
قرار لوزير النقل يحدد شروط الحصول على رخص سيارات األجرى ،هو قرار
ترتيبي اما قرار الوالي باسناد رخصة استغالل سيارة أجرى الى احد االفراد فهو قرار
112
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
فردي ،لكن جاء تطبيقا لقاعدة عامة جاءت في نص ترتيبي يحدد شروط وقواعد اسناد
مثل هذه الرخص.
وتجدر اإلشارة في هذا المجال الى ان هذا التمييز ليس قائما على معيار كمي او عددي،
فمن الخطأ االعتقاد بأن القرار الذي يهم الكافة هو بالضرورة قرار ترتيبي وان القرار
الذي يتوجه الى شخص معين او مجموعة من األشخاص هو قرار فردي .فهذا التمييز
ليس قائما على عدد او دائرة من يشملهم القرار أي انه ليس قائما على معيار كمي او
عددي فمن الخطأ االعتقاد ان القرار الذي يهم الكافة هو قرار ترتيبي بالضرورة وان
القرار الذي يهم شخص معين او مجموعة معينة من األشخاص هو قرار فردي ،فهناك
في الحقيقة قرارات إدارية تتجه الى شخص واحد ولكنها تعتبر رغم ذلك قرارات
ترتيبية ذلك انها تتجه الى الشخص بصفته وليس بذاته .ومثال ذلك القرار المتعلق
بجراية الرئيس األول لمحكمة التعقيب هو قرار يهم شخصا واحد خالل مدة زمنية
معينة ولكنه يتجه له في صفته وليس في ذاته .هنالك بالمقابل قرارات تتجه نظريا الى
الكافة اال انها في الحقيقة تهم شخصا واحدا ،فالمعيار في التمييز بين القرار الترتيبي
والقرار الفردي هو محتوى القرار أي تضمنه لقواعد عامة ومجردة ام ال ،مما يجعل
القرار الترتيبي يشترك مع القانون في هذه الخصائص وليس الكم ،أي عدد األشخاص
الذي يتجه نحوهم.
وقد اكدت المحكمة اإلدارية على اعتمادها المعيار المادي القائم على محتوى القرار
ورفضها للمعيار الكمي منذ قرارها المؤرخ في 26مارس ،1980موح الدين مبروك
ضد الوزير األول .وأكدت هذا الموقف من جديد في قرارها المؤرخ في 26افريل
،1982قرار محمد بالللونة والحبيب عاشور ومن معهما ضد الوزير األول ،في هذه
القضية تم الطعن في شرعية امر مؤرخ في 17اوت 1978المتعلق بتسمية أعضاء
113
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
محكمة امن الدولة التي قامت بمحاكمة النقابيين اثر احداث 26جانفي ،1978على
أساس ان هذا االمر مخالف لقانون 2جويلية 1962المحدث لمحكمة امن الدولة،
ودفعت اإلدارة بالصبغة الترتيبية للقرار( ،آنذاك األوامر الترتيبية كانت ال تخضع
للرقابة القضائية ،اما االن فقد أصبحت خاضعة) ووجدت المحكمة اإلدارية نفسها
مدعوة لتوضيح معايير القرارات الترتيبية ،وهو ما يهمنا هنا ،حيث جاء في احدى
الحيثيات ما يلي :حيث انه من المسلم به فقها وقضاء ان الفارق بين القرارات الترتيبية
والقرارات الغير الترتيبية يكمن في ناحيتها الموضوعية أساسا ،فالقرارات الترتيبية هي
من حيث محتواها بمثابة التشريع ،يصدر عن السلطة اإلدارية بغاية وضع احكام عامة
تجريدية (أي مجردة) مستمرة تكون عادة مصدرا التخاذ القرارات الفردية او الجماعية
التي تتميز بالطابع الشخصي وتنقضي بتنفيذها.
اال انه رغم هذه المعايير التي وضعت للتمييز بين الصنفين من القرارات اإلدارية فانه
قد يوجد أحيانا تداخل بين القرار الترتيبي والقرار الفردي بحيث نجد بعض القرارات
المختلطة او التي توجد في منزلة بين المنزلتين حيث يكون لها مفعول القرار الترتيبي
بالنسبة للبعض ومفعول القرار الفردي بالنسبة للبعض االخر .ومثال ذلك قرار صادر
عن رئيس بلدية يمنع عرض شريط سينمائي بمنطقة بلديته ،مثل هذا القرار يعتبر فرديا
بالنسبة لمنتج الشريط وكذلك بالنسبة لصاحب قاعة السينما ،ولكنه يعتبر ترتيبيا بالنسبة
للمشاهدين ،وقد طرح هذا االشكال منذ فترة طويلة وخاصة في فقه القضاء تعرض له
مجلس الدولة في قراره المؤرخ في 18ديسمبر .1959هذا القرار يتعلق بعرض
شريط سينمائي اباحي قرر رئيس البلدية منع عرضه .واعتبر مجلس الدولة الفرنسي ان
قرار المنع قرار فردي وليس ترتيبي.
114
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
القرارات الترتيبية:
تتضمن هذه القرارات قواعد عامة ومجردة مما يجعلها بمثابة القوانين (التشريع)
الصادرة عن اإلدارة لتضمنها خصائص التشريع فهي مجردة وملزمة اال انها مختلفة
عن القانون من حيث صدورها عن سلطة إدارية من الناحية العضوية (تصدر عن
المشرع) ومن الناحية الشكلية باعتبار اختالف إجراءات اتخاذها ونظامها القانوني.
وتثير القرارات الترتيبية تقليديا مسألة السلطة الترتيبية بإعتبار القرارات الترتيبية
تكريسا لهذه السلطة.
ويمكن تعريف السلطة الترتيبية بانها السلطة والصالحية المعترف بها بصورة إدارية
محددة في اتخاذ قرارات ذات طابع عام ومجرد مما يعني أهلية اتخاذ قرارات عامة
ومجردة تمارسها سلطات عمومية غير المشرع.
وتنقسم السلطة الترتيبية الى صنفين؛ سلطة ترتيبية عامة وسلطة ترتيبية خاصة او
محددة.
اما السلطة الترتيبية العامة فتعني صالحية اصدار نصوص ذات صبغة ترتيبية في كل
الميادين ما عدى تلك المخصصة للقانون ،وتشمل السلطة الترتيبية العامة كامل تراب
البالد وتمارس عادة عبر اصدار األوامر او القرارات وكذلك بمقتضى تفويض تشريعي
خاص عبر المراسيم.
ويقصد بالسلطة الترتيبية العامة قانونا سلطة الرئيس اإلداري في اتخاذ قرارات ذات
صبغة عامة ومجردة لغاية تطبيق القوانين (لذلك تسمى سلطة ترتيبية تطبيقية او
تنفيذية) ،او لغاية سن قواعد اصلية دون اسناد من المشرع.
115
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وتكمن عمومية هذه السلطة الترتيبية على مستويين؛ فهي عامة من حيث ميدانها وال
تنحصر السلطة الترتيبية في مجال معين على عكس السلطة الترتيبية الخاصة ،وهي
كذلك عامة من حيث األشخاص الذين تنطبق عليهم .ويحتكر السلطة الترتيبية اليوم
رئيس الحكومة وفق مقتضيات الفصل 92وخاصة الفصل 94من الدستور بعد ان
كانت في الدستور السابق حكرا على رئيس الجمهورية بمقتضى الفصل ،53وكذلك
من القوانين التي تحيل عادة على السلطة الترتيبية مهمة اصدار أوامر تطبيقية.
وهي سلطة يمارسها الوزراء ورؤساء الجماعات الترابية وكذلك بعض الهيئات
الدستورية ومنها بالخصوص الهيئة العليا المستقلة لالنتخابات وهيئة االتصال السمعي
البصري .وبصفة عامة جميع رؤساء المرافق اإلدارية ،حيث مكن فقه القضاء رؤساء
المرافق والمصالح اإلدارية من حق اتخاذ التدابير الالزمة لحسن سير اإلدارة الخاضعة
لسلطتهم وذلك حتى في غياب نص يسمح لهم بذلك على ان ال يتجاوز هذا االختصاص
ما هو ضروري لتنظيم المرفق وهو ما أقره مجلس الدولة الفرنسي في القرار المؤرخ
في 7فيفري ،JMALT ،1936وقد اتخذت المحكمة اإلدارية نفس الموقف من ذلك
مثال قرارها في تجاوز السلطة المؤرخ في 3جوان ،1998احمد شيخ روحو ضد
وزير التربية ،حيث صرحت المحكمة ان "الوزراء ال يمتلكون سلطة ترتيبية عامة وال
يمكنهم اصدار تراتيب اال متى كانوا مؤهلين لذلك بمقتضى نص تشريعي او ترتيبي
عام او في غياب ذلك متى اقتضت الضرورة اتخاذ اإلجراءات الالزمة لحسن سير
المرفق العمومي الراجع لهم بالنظر بصفتهم رؤساء مصالح إدارية".
اجماال إذا ،تنقسم القرارات الترتيبية الى قرارات ترتيبية عامة مستقلة وقرارات ترتيبية
تطبيقية تتخذ لتنفيذ القوانين.
116
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
التراتيب التطبيقية تأتي تطبيقا للتشريع والتراتيب المستقلة وهي التراتيب التي ال تتدخل
في مجال القانون والتي تصدر بصفة مبدئية واصلية دون ايّة عالقة بالقانون مما يجعلها
مستقلة عن القانون ومكرسة لسلطة ترتيبية عامة مستقلة ومحمية من تدخل القانون في
مجالها ،وهو ما يعني ان مجال القانون محدد على سبيل الحصر .كان محدد على سبيل
الحصر في الفصلين 34و 35من دستور 1959وهو محدد على سبيل الحصر في
الفصل 65من دستور ،2014بينما مجال اختصاص السلطة الترتيبية مجال مبدئي
وعام وغير محدد.
وتتمثل هذه القرارات الغير ترتيبية في القرارات الفردية أي القرارات المتعلقة بشخص
او بأشخاص محددين كقرارات التعيين والتسمية والعزل ومنها كذلك القرارات
الجماعية المتعلقة بأشخاص معينين بذواتهم كالتصريح بقائمة الناجين في مناظرة والذي
يعتبر قرارا غير ترتيبي يتضمن عدة قرارات فردية جمعتها صيغة موحدة ،ذلك انها ال
تحتوي أي قاعدة عامة ومجردة بل تتجه الى مجموعة من االفراد المحددين بذواتهم.
ويتقاسم اختصاص اصدار القرارات الغير ترتيبية كل من رئيس الجمهورية (الفصل
)78وكذلك رئيس الحكومة واعضائها (الفصل )92وكذلك رؤساء الجماعات المحلية.
117
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ينشأ القرار اإلداري مهما كان صنفه بإعالن اإلدارة عن ارادتها االنفرادية في ادخال
تغيير على المراكز القانونية القائمة للمعنيين به ،وكنا قد رأينا انه من الناحية الشكلية
يمكن ان يكون القرار اإلداري االنفرادي كتابيا او شفويا ،صريحا او ضمنيا .ويفترض
اتخاذ هذا القرار وخاصة القرار الصريح احترام جملة من اإلجراءات السابقة لصدوره
وكذلك مراعات قواعد تتعلق باختصاص السلطة التي يصدر عنها القرار.
تمر نشأة القرار بسلسلة من اإلجراءات الشكلية تختلف حسب طبيعة القرار وتنقسم الى
إجراءات جوهرية وأخرى غير جوهرية ،وهذا التقسيم بين اإلجراءات الجوهرية
واإلجراءات الغير جوهرية ارساه المشرع التونسي بمقتضى الفصل السابع من القانون
األساسي المتعلق بالمحكمة اإلدارية (القانون عدد 40لسنة 1972المؤرخ في غرة
جوان .)1972
ولكن دون ان يحدد اإلجراءات الجوهرية واإلجراءات الغير جوهرية ،وينجر عن هذا
التصنيف اثار قانونية هامة ،ذلك ان خرق اجراء جوهري يؤدي مبدئيا الى بطالن او
118
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الغاء القرار اإلداري الذي شابته عيوب إجرائية جوهرية ،ولذلك اعتبرت المحكمة
اإلدارية ان االجراء الجوهري هو االجراء الذي له تأثير مباشر على محتوى القرار
وعلى الضمانات األساسية على منظوري اإلدارة.
في هذا االتجاه قرار المحكمة اإلدارية في تجاوز السلطة المؤرخ في 23جويلية
،1976قرار الحبيب العيادي ضد وزير التربية ،المجموعة ص .83
ومن بين االجراءات الجوهرية يمكن ان نذكر االستشارات التي يفرض القانون
وجوبيتها او صبغتها المطابقة كما هو الحال بالنسبة لقرارات نقلة الموظفين العموميين
مع تغيير محل اإلقامة التي يلزم القانون األساسي للوظيفة العمومية في شأنها ان تقع
استشارة اللجنة االدارية المتناصفة ،وعدم احترام هذا االجراء يؤدي الى بطالنها .
كما ان مبدأ المواجهة في المجال التأديبي يعتبر اجراء جوهريا ويهدف الى تمكين كل
شخص يكون محل تتبعات تأديبية من االطالع على ملفه ومن الدفاع عن نفسه والرد
على التهم الموجهة اليه.
وقد اعتبر فقه القضاء اإلداري منذ النصف األول من القرن الماضي ان مبدأ المواجهة
يمثل مبدأ عاما للقانون يكون واجب االحترام حتى بدون نص وامتدادا لهذا المبدأ يمكن
ان نشير الى اإلنذار المسبق الذي يفرض على السلطة المختصة في بعض القرارات
قبل اتخاذ قراراها ،ومن ذلك مثال قرارات الهدم في حاالت البناء بدون رخصة وكذلك
قرارات اسقاط الحق في المادة العقارية .وأخيرا تجدر اإلشارة الى مسألة تعليل
القرارات اإلدارية وهو اجراء يعرف تدعيما متواصال خاصة بتونس بمقتضى المرسوم
عدد 41لسنة 2011ومن ثم القانون الذي عوضه قانون 26مارس 2016والمتعلق
بالنفاذ للمعلومة.
119
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويعني التعليل اعالم السلطة المتخذة للقرار اإلداري عن األسباب القانونية والواقعية
التي كانت وراء اتخاذ قرارها.
وقد اعتبر فقه القضاء التونسي ان تعليل القرارات اإلدارية وجوبي بالنسبة لكل
القرارات السلبية (سلبية بالنسبة للمستهدفين بها) واال أصبح عيبا فادحا.
الوضع الطبيعي هو ان يصدر القرار اإلداري عن سلطة إدارية مختصة قانونا التخاذه
واال أصبح يشوبه عيب االختصاص ،وقد نزل المشرع مسألة االختصاص منزلة
متميزة حيث اعتبر ان خرق قواعد االختصاص حالة من حاالت تجاوز السلطة المؤدية
الى الغاء القرار اإلداري (أوجه الطعن امام المحكمة اإلدارية 4خرق قواعد
االختصاص ،خرق الصيغ الشكلية الجوهرية ،خرق القانون ،االنحراف بالسلطة
واإلجراءات) وينقسم االختصاص الى صنفين رئيسيين؛ االختصاص الترابي
واالختصاص المادي.
فاالختصاص المادي يعني تحديد الميدان الذي يمكن للسلطة اإلدارية ان تدخل فيه ،فكل
سلطة من السلط اإلدارية لها مجال مخصص لها يمكنها اتخاذ قرارات في نطاقه وال
يجوز لها تجاوز هذا المجال.
اما االختصاص الترابي فيعني ان لكل سلطة إدارية مجال ترابي تمارس فيها
اختصاصها وال يمكنها بالتالي اال ان تمارس اختصاصها في حدوده ،غير ان مسألة
االختصاص تثير مسألة تفويض االختصاص ،فالتفويض هو استثناء للقواعد العادية
لتوزيع االختصاص وينقسم الى نوعين؛ تفويض االمضاء وهو تفويض شخصي وال
120
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
يحدث تغييرا جوهريا في االختصاص الن صاحب االختصاص األصلي يحافظ على
اختصاصه .اما تفويض السلطة فيعني نقل اختصاص اتخاذ القرارات اإلدارية من
السلطة المفوضة الى السلطة المفوض لها وهو تفويض موضوعي على أساس الصفة،
وتبعا لذلك فان كل قرار صادر عن سلطة غير مختصة وبدون تفويض صريح يمثل
خرقا لقواعد االختصاص ،وبالتالي يؤدي الى بطالن القرار المتخذ .يمكن ان يتخذ
خرق االختصاص اشكاال متعددة أخطرها اغتصاب السلطة اي عندما يقوم شخص
باتخاذ قرار اداري رغم انه فاقد ألي صفة تسمح له التخاذه وتؤدي هذه الحالة الى
اعتبار القرار اإلداري منعدم أي غير موجود ،واالنعدام اقوى درجة من مجرد
البطالن.
ترتبط نشأة القرار اإلداري مبدئيا بتاريخ صدوره وامضائه من طرف السلطة المختصة
بحيث يصبح القرار ساريا في اإلدارة ذاتها بمجرد صدوره وحتى قبل اعالم المخاطبين
به وبالمقابل فان القرار اإلداري ال يصبح نافذا وال ينتج آثاره في مواجهة االفراد
المعنيين به اال من تاريخ اعالمهم به بإحدى الوسائل المنصوص عليها قانونا .وتختلف
طرق االعالم بالقرار اإلداري وبالتالي نفاذه حسب ما إذا كان القرار ترتيبيا او فرديا.
121
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
القرارات االدارية الفردية تدخل حيز التنفيذ بنشرها ويعني ذلك ان النصوص الترتيبية
ال تصبح نافذة وال تعارض بها السلط العمومية وال منظوري اإلدارة اال من تاريخ
نشرها ،ويبين القانون عادة وسيلة او وسائل نشر القرار والمستقر عليه هو ان النشر
يكون بالرائد الرسمي ،ولكن اليوم تنوعت الوسائل؛ كالنشر بالموقع االلكتروني للرائد
الرسمي او للوزارة او للبلدية او للمؤسسة العمومية او للجهة التي اصدرت القرار،
وكذلك التعليق بمقر السلطة التي اتخذت القرار ،وقد ينص القانون على ان يكون النشر
بعدة وسائل ،ويجب ان يكون نشر القرار واالعالم به كامال بشكل يكشف عن فحوى
القرار حتى يكون في وسع المعني به ان يعلم به تماما وهو ما أكدته المحكمة اإلدارية
منذ قرارها المؤرخ في 24نوفمبر 1987وكذلك أكده القانون األساسي عدد 22لسنة
2016المؤرخ في 24مارس 2016وقد فرض الفصل األول من القانون عدد 64
لسنة 1993المؤرخ في 5جويلية 1993النشر بالرائد الرسمي بالنسبة للمراسيم
واالوامر والقرارات ،ووضّح ان هذه النصوص ال تكون نافذة اال بعد 5أيام من تاريخ
إيداع الرائد الرسمي بمقر والية تونس.
والى جانب الرائد الرسمي يمكن اعتماد وسائل أخرى كالنشريات الرسمية الخاصة
ببعض الوزارات؛ كالنشرية الرسمية للجمارك والنشرية الرسمية لالداءات التي تصدر
عن وزارة المالية.
اما القرارات الترتيبية الصادرة عن السلطة المحلية فتعلق بمقر الواليات والبلديات
والجهات وتنشر كذلك عن طريق بالغات رسمية في الصحف او عبر المواقع
122
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وتجدر اإلشارة الى انه في بعض الحاالت يمكن ان يكون النفاذ مؤجال وذلك عندما
ينص القرار نفسه الى ان دخوله حيز التنفيذ يكون بفترة الحقة يحددها .ولئن كان يمكن
تأجيل نفاذ القرارات اإلدارية الى المستقبل فانه ال يمكن سحب مفعول القرارات
اإلدارية على الماضي تطبيقا لمبدأ عدم رجعية القرارات اإلدارية الذي يعتبره فقه
القضاء اإلداري أحد المبادئ العامة للقانون.
يرتبط دخول القرارات الغير ترتيبية حيز النفاذ ،والتي تتولد عنها حقوق والتزامات،
بإعالم المخاطبين بها ،بحيث ال تكون هذه القرارات نافذة وال تنتج اثارها القانونية اال
من تاريخ االعالم بها بصورة كافية وبأية وسيلة من الوسائل المتاحة وليس هناك قواعد
شكلية او إجراءات محددة لإلعالم غير انه عادة ما يكون تبليغ القرار الفردي (اسناد
رخصة ،سحب رخصة ،عقوبات تأديبية )...عن طريق رسالة مضمونة الوصول مع
االعالم بالبلوغ وبالنسبة للقرارات الجماعية كالمناظرات واوامر االنتزاع عن طريق
التعليق او حتى أوامر االنتزاع عن طريق الرائد الرسمي او عن طريق االدراج
بالموقع االلكتروني لإلدارة المعنية.
وتخضع القرارات غير الترتيبية كذلك لمبدأ عدم الرجعية بحيث ال يمكن ان يكون لها
أثر رجعي وهي قاعدة مطلقة تهدف الى حماية استقرار األوضاع القانونية والحقوق
المكتسبة.
123
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
يبرز تنفيذ القرارات االدارية تجسيدها للسلطة العامة من خالل مجموعة من االلتزامات
أهمها القوة التنفيذية والتنفيذ الجبري او القهري.
ويعني ذلك ان القرار اإلداري يكون قابال للتنفيذ بصورة فورية مباشرة بعد صدوره
وهو ما يعبر عنه بالقوة التنفيذية (مباشرة قابل للتنفيذ) وتعني هذه القوة التنفيذية ان
األشخاص المعنيين بالقرار اإلداري يكونون ملزمين باالمتثال له على أساس امتياز
اسبقية التنفيذ ويعني ذلك انه حتى وان كان المعنيون بالقرار معترضين عليه فالمطلوب
منهم هو الخضوع له ثم القيام بتظلم وطعن في شرعيته .فالقرار اإلداري يتمتع بامتياز
قرينة مطابقته للقانون او الشرعية ،بحيث انه حتى الطعن بشرعيته ال يمكن تنفيذه
بصورة الية وهو ما أكده الفصل 39من القانون األساسي المتعلق بالمحكمة اإلدارية.
وال يعرف هذا المبدأ استثناءا اال في إمكانية طلب توقيف تنفيذ القرار المطعون فيه من
قبل القاضي اإلداري .وهي إمكانية كرستها المحكمة اإلدارية وقيدتها بشرطين؛
-ان يثبت الطاعن أن تنفيذ القرار من شأنه أن يتسبب له في نتائج يصعد تداركها.
-ان يستند مطلب توقيف التنفيذ الى أسباب جدية في ظاهرها (ليست مجرد تعطيل
للقرارات) فالقرار اإلداري يتمتع بقوة الزامية تنفيذية بحيث يمكن اعتباره يتمتع
قرر.
بحجية الشيء الم ّ
124
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
تتمثل هذه الوسائل أساسا في امتياز التنفيذ الجبري (القصري) الى جانب عدد من
الوسائل الردعية الجزائية واإلدارية التي كثيرا ما تسبق اعتماده وسائل التنفيذ الجبري.
وتتمثل هذه الوسائل الردعية في وجود عقوبات جزائية يمكن ان تتسلط على الذين
يرفضون االنصياع للقرار اإلداري وتنفيذ االلتزامات الموضوعة على كاهلهم بمقتضاه،
فقد نص الفصل 315فقرة أولى من المجلة الجزائية "يعاقب بالسجن مدة 15يوما
وبخطية األشخاص الذين ال يمتثلون لما امرت به القوانين والقرارات الصادرة ممن له
النظر".
الى جانب هذه العقوبات الجزائية يوجد عدد من العقوبات اإلدارية التي تقررها اإلدارة
وتفرضها على الذين يرفضون تنفيذ بعض القرارات اإلدارية دون اللجوء الى القضاء
(اإلدارة تطبق العقوبات مباشرة دون اللجوء الى القضاء) ونجد هذا الصنف من
العقوبات اإلدارية الردعية في عدد من الميادين الجديدة كالبيئة والتعليم والمنافسة
واالسعار.
ومن بين هذه العقوبات اإلدارية نجد إجراءات الغلق المؤقت للمحالت التجارية او
سحب رخصة ممارسة تجارة او نشاط ما ونظرا لخطورتها على الحقوق والحريات
الفردية فان هذه العقوبات يجب ان تكون منصوصا عليها في قوانين سابقة الوضع ،كما
يجب ان يراعى في تنفيذها عدد من المبادئ العامة للقانون كمبدأ المواجهة ومبدأ احترام
حقوق الدفاع .وفي حالة عدم كفاية هذه العقوبات لحمل األشخاص على تنفيذ القرارات
اإلدارية وكذلك في الحاالت االستعجالية التي ال تسمح بانتظار صدور عقوبة جزائية
قضائية او ردعية يمكن لإلدارة اعتماد التنفيذ المباشر وكذلك التنفيذ الجبري الذي يعني
125
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
استخدام القوة المادية عن طريق قوات االمن مثال الجبار شخص على الخروج من
عقار او انتزاع وفق القانون وعلى أساس قرار.
ونظرا لخطورة هذا االمتياز فان التنفيذ المباشر وكذلك التنفيذ الجبري يخضعان لشروط
صارمة ونظام قانوني متشدد بحيث ال يمكن لإلدارة اللجوء الى هذا األسلوب اال في
الحاالت التالية:
-في حالة وجود نص تشريعي سابق الوضع يخول لها ممارسة التنفيذ المباشر
صراحة.
-في صورة وجود مقاومة او تعنت من المعنيين بالقرار الذين امتنعوا عن تنفيذ
القرار اختياريا.
-في حالة التأكد او الضرورة القصوى.
-في حالة افتقار اإلدارة الى نص يمكنها من استعمال العقوبات األخرى الجزائية
او اإلدارية او في حالة عدم كفاية مثل تلك الجزاءات.
وال يمكن استعمال القوة العامة في هذه الحاالت األربعة اال اذا توفرت الشروط التالية:
وفي حالة عدم احترام هذه الشروط واعتماد اإلدارة للتنفيذ الجبري بصورة غير شرعية
فيمكن اثارة مسؤوليتها امام القضاء وبالتالي الزامها بالتعويض عن االضرار التي
الحقتها بالغير جراء تنفيذها الجبري غير الشرعي.
126
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ينقضي القرار اإلداري ويصبح فاقدا ألي أثر قانوني في عدد من الحاالت وبعدد من
الطرق ،ففي بعض الحاالت ينقضي القرار اإلداري ألنه يحمل في ذاته مدة سريانه او
تاريخ نهاية مفعوله من ذلك مثال؛ رخصة البناء التي حدد المشرع مدة سريانها بثالث
سنوات ،كذلك رخص اإلقامة لألجانب التي تكون مدتها محددة ،كما يمكن ان ينقضي
القرار اإلداري بمقتضى قرار او حكم قضائي باإللغاء وهذه هي الطريقة القضائية
إلنهاء القرار اإلداري.
وفيما عدى ذلك تنقضي القرارات اإلدارية بطريقتين اداريتين هما؛ ا ّما النسخ او
السحب ،ويؤدي الحرص على استقرار األوضاع القانونية الى جعل السحب الذي يلغي
مفعول القرار بصفة رجعية أي كأنه لم يوجد ،ولذلك يخضع لشروط اكثر صرامة من
النسخ.
ويعني النسخ العملية التي يتم بمقتضاها إزالة اثار القرار اإلداري في المستقبل دون
المساس باآلثار التي أحدثها في الماضي ،ويقع النسخ من قبل السلط اإلدارية التي
اتخذت القرار ويمكن ان يكون صريحا او ضمنيا ،كليا او جزئيا.
النسخ الصريح يكرسه نص بوضوح ويحدد فيه االحكام المنسوخة بدقة ،اما النسخ
الضمني فينتج عن تناقض احكام جديدة مع احكام قديمة وهو نسخ يصعب تحديده نظرا
لتشتت النصوص وتشعبها ويختلف نظام النسخ حسب طبيعة القرار أي حسب ان كان
القرار ترتيبي او غير ترتيبي.
127
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
المبدأ في هذا المجال هو ان ال وجود لحق مكتسب في اإلبقاء على التراتيب ،وبالتالي ال
يمكن االعتراض على تغير القواعد العامة (والتراتيب هي قواعد عامة) بحيث يمكن
للسلط اإلدارية نسخ قراراتها الترتيبية في كل وقت طالما تصرفت في اطار
صالحياتها.
المبدأ فيما يتعلق بهذه القرارات هو عدم قابليتها للنسخ حفاضا على استقرار األوضاع
القانونية ،غير ان هذا المبدأ يعرف عددا من االستثناءات؛ أوال بالنسبة للقرارات الغير
ترتيبية التي ال تكسب حقوقا نهائية ،كالرخص الوقتية إلشغال الملك العمومي والقابلة
للرجوع فيها في كل وقت لكن بشرط احترام مبدأ توازي الصيغ واألشكال ،بحيث ال
يمكن النسخ ّإال من قبل السلطة التي أصدرت القرار وبمقتضى قرار مماثل ،فاألمر
ينسخ بأمر والقرار بقرار والقرار الذي اتخذ بعد استشارة وجوبية مطابقة ال ينسخ اال
بنفس الطريقة.
القرارات الفردية المكسبة للحقوق يمكن نسخها وفقا للشروط المنصوص عليها بالقانون
والتراتيب ،مثال الحقوق التي يكتسبها موظف بمقتضى قرار انتدابه او اثر تسميته يمكن
نسخها بقرار عزل.
128
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
السحب هو ابطال القرار اإلداري بمفعول رجعي بحيث يقع القضاء على اثار القرار
اإلداري بالنسبة للماضي كما بالنسبة للمستقبل في آن واحد ،فالسحب ينهي القرار
اإلداري منذ نشأته ،ويمثل السحب الى حد ما استثناء لمبدأ عدم رجعية القرارات
اإلدارية باعتباره قرارا يسري على الماضي ،ويخضع النظام القانوني للسحب الى
التمييز بين القرارات الشرعية والقرارات المخالفة للشرعية ،وبين القرارات المكسبة
للحقوق والقرارات الغير مكسبة للحقوق من جهة أخرى.
بالنسبة للقرارات الشرعية ال يمكن سحبها اال في حاالت نادرة نسبيا ومن هذه الحاالت
ان يتم سحب قرار اداري شرعي بطلب من المستفيد من ذلك القرار نفسه لتعويضه
بقرار اكثر فائدة للمستفيد من القرار ،في هذه الحالة عندما ال يؤدي سحب القرار الى
أي مساس بمصالح الغير يمكن للسلطة اإلدارية االستجابة والسحب ،يمكن كذلك سحب
القرارات اإلدارية التي لم تكسب حقوقا ألي شخص.
سحب القرارات المخالفة للشرعية تختلف شروطه حسب ما إذا كان القرار مكسبا او
غير مكسب لحقوق ،فالقرارات الغير شرعية والتي باإلضافة الى ذلك لم تكسب حقوقا
يمكن طبيعيا سحبها في كل وقت ،ومهما كان السبب ،اما بالنسبة للقرارات المكسبة
129
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
للحقوق فان سحبها ال يجوز اال طبقا لشروط مشددة اقرها فقه القضاء سعيا منه للتوفيق
بين حق السلطة اإلدارية في تدارك اخطائها من جهة وحق االفراد في استقرار
أوضاعهم القانونية من جهة أخرى ،وهذه الشروط اقرها فقه القضاء الفرنسي منذ قرار
لمجلس الدولة مؤرخ في 3نوفمبر 1922وهو قرار Dame Cachetوكذلك
المحكمة اإلدارية التونسية منذ قرارها المؤرخ 14ماي ،1980المنصف الشريف
ضد وزير التربية القومية.
وينتج عن فقه القضاء هذا ان سحب القرارات المكسبة بحقوق مقيد بشرطين :
ان يقع السحب في اجال الطعن القضائي وهي شهران من تاريخ اعالم المعنيين -
به.
والمالحظ ان هذه القواعد تنطبق كذلك على سحب القرارات الترتيبية التي أدى تطبيقها
الى نشأة حقوق ،وتنطلق اجال سحب القرار المكسب للحقوق من تاريخ دخوله حيز
التنفيذ أي من تاريخ اشهاره او االعالم به ،وهي شهرين ،وبانقضاء ذلك االجل ال يمكن
سحب القرار المكسب للحقوق ولو كان منذ صدوره معيبا.
تجدر اإلشارة الى ان فقه القضاء الفرنسي تراجع عن ربط اجال سحب القرار بآجال
الطعن القضائي التي تبقى مفتوحة.
تجدر اإلشارة كذلك الى انه بإمكان السلطة اإلدارية سحب القرارات الصادرة بناء على
مغالطة او غش في كل وقت وهو ما أكدته المحكمة اإلدارية في قرارها المؤرخ 23
ديسمبر " 1987وحيث انه من المتعارف فقها وقضاء ان الحقوق الناتجة القرارات
اإلدارية المستصدرة بناء على مغالطة او تحيل المستفيد منها ال تصير نهائية بمرور
130
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
الزمن وان لإلدارة الحق في سحبها وقت ما شاءت دون االخالل بمبدأ وجوب احترام
الحقوق المكتسبة".
131
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
ويمكن تعريف العقد بصورة عامة بانه اتفاق بين ارادتين او أكثر إلنشاء رابطة قانونية
مع تحديد شروطها واثارها ويجب التنبيه الى ان القانون التونسي ال يتضمن تعريفا
تشريعيا دقيقا وواضحا للعقد .فمجلة االلتزامات والعقود اكتفت ببيان شروط انعقاد العقد
في الفصلين 23و 24والعيوب الممكنة للرضا في الفصول من 43الى ،61
وتعرضت لموضوع العقد في الفصل 62وما بعده ولكنها لم تعطي تحديدا للعقد نفسه.
كما تجدر اإلشارة الى ان العقود التي تبرمها اإلدارة تنقسم الى صنفين ال يخضعان الى
نفس النظام القانوني.
عقود قانون عام تسمى عقود إدارية وعقود قانون خاص تسمى تقليديا عقود إدارة
وهكذا فان دراسة العقود التي تبرمها اإلدارة تطرح من جهة مسألة تمييزها عن
القرارات اإلدارية االنفرادية ومن جهة أخرى مسألة التمييز بين العقود اإلدارية وعقود
القانون الخاص ،وأخيرا مختلف أصناف العقود اإلدارية وهي مسائل تؤدي دراستها في
132
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
مرحلة أولى الى النظر في النظام القانوني إلبرامها ثم الى النظام القانوني لتنفيذها
وأخيرا الى النظام القانوني المتعلق بنهايتها.
كما تختلف العقود اإلدارية عن القرارات االنفرادية من حيث النظام القائم ويطرح هذا
التمييز بين القرار االنفرادي والعقد عدة صعوبات في عدد من الحاالت من حيث
معياره و من حيث ارتباطه بالعقد ،فمبدئيا يبدو التمييز بسيطا بين القرار االنفرادي
والعقد وقد يبدو بسيطا وقائما على معيار كمي يتعلق بعدد األطراف المتدخلة في اصدار
كل من القرار والعقد ،لكن سرعان ما يتضح ان المعيار الكمي غير كاف فهناك عدد
من القرارات االنفرادية التي تصدر معبرة عن إرادة مشتركة لعدة اطراف ومثال ذلك
133
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
القرارات الوزارية المشتركة ،ولكن رغم كل ذلك فان القرارات الوزارية المشتركة هي
قرارات إدارية انفرادية ،كما يطرح االشكال فيما يتعلق بعقود اإلذعان وهي عقود تنفرد
جهة بصياغتها وبوضع شروطها مسبقا .كما تجدر اإلشارة الى االعمال القانونية
المختلطة وهي االعمال القانونية التي يكون جزء منها قرار انفرادي وجزء اخر
تعاقدي ،واهمها عقود اللزمة ،كعقود لزمة تسيير المرفق العام.
كثيرا ما يكون ابرام عقد اداري مسبوق بعدد من اإلجراءات ،كما ان تنفيذه قد يؤدي
الى اتخاذ إجراءات وقرارات متنوعة تطرح اشكال مدى عالقتها بالعقد ومدى اتصالها
به وانفصالها عنه كمداوالت مجلس بلدي او جهوي تتعلق بإبرام عقد صفقة عمومية او
لزمة تسيير مرفق عام ...كما يمكن ان تصدر قرارات إدارية خالل تنفيذ العقد تؤدي
الى تغيير بعض بنوده بصفة منفردة بل قد تتدخل خالل تنفيذ العقد او بعده وهو ما
يطرح مدى اتصالها او انفصالها عن العقد.
فقه القضاء في هذا المجال درج لفترة طويلة على استبعاد كل إمكانية طعن في العقد
ذاته بتجاوز السلطة وهذا االستبعاد يشمل كل جوانب العقد على أساس ان العقد كل ال
يتجزأ ولكن هذا الموقف أدى الى حرمان الغير من كل إمكانية لدفع االضرار التي
يمكن ان يلحقها به العقد بحيث يجد نفسه في وضعية انكار للعدالة.
امام هذه الوضعية ابتدع القضاء الفرنسي نظرية القرارات المنفصلة عن العقد والتي
تعتبر قرارات إدارية انفرادية قابلة للطعن فيها عن طريق دعوى تجاوز السلطة وذلك
منذ ما يزيد عن قرن ،وأول قرار كرس هذه النظرية هو قرار لمجلس الدولة الفرنسي،
مؤرخ في 11ديسمبر .1903وخاصة القرار المرجعي وهو القرار المؤرخ في 4
اوت " ،1905مارتا".
134
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
في تونس ترددت مواقف المحكمة اإلدارية وتميز فقه قضائها لفترة طويلة بالتذبذب في
هذا المجال ،ففي مرحلة أولى دأبت على قبول الطعن في القرارات اإلدارية المنفصلة
عن طريق تجاوز السلطة ،ثم سجلت المحكمة اإلدارية تراجعا صريحا عن هذا الموقف
انطالقا من قرارها المؤرخ في 29ديسمبر ،1989المكلف العام لنزاعات الدولة ضد
الشركة التعاضدية ،حيث اكدت في هذا القرار انه في مجال العقود االدارية فان
اختصاص قضاء التعويض يمتد الى مجمل عملية التعاقد المركبة ابتداء من اول اجراء
الى اخر نتيجة في تصفية كامل العالقات والحقوق وااللتزامات التي نشأة عنه ،وهكذا
تبنت المحكمة موقفا مفاده ان كل االعمال التي لها عالقة بالعقد متصلة به وبالتالي
قرارات غير منفصلة وال يمكن بالتالي الطعن فيها باإللغاء .غير انها تراجعت عن هذا
الموقف وعادة الى فقه قضاءها األصلي ولم تستمع الى الطعن باإللغاء في القرارات
التي اعتبرتها منفصلة انطالقا من أواسط التسعينات.
واجماال يمكن حوصلة فقه القضاء اإلداري التونسي اليوم في مسألة التمييز بين العقد
والقرار اإلداري االنفرادي ،بانه يعتبر القرارات السابقة لتكون العقد ،كقرارات الموافقة
والترخيص والقرارات المتعلقة بإمضاء العقد او رفض امضائه قرارات منفصلة تعتبر
قرارات إدارية انفرادية وهو نفس الموقف المتعلق بالقرارات الالحقة ،كالقرارات
المتعلقة بتنفيذ العقد او بتعديله او بنسخه والتي ال تستند الى بنود العقد.
يمكن لإلدارة عند ابرامها للعقود ان تتصرف تماما كالخواص فتكون عقودها آنذاك
عقودا غير إدارية خاضعة للقانون الخاص كعقود البيع واإليجار وعقود تأمين العربات
اإلدارية وكذلك عقود التصرف في الملك الخاص ،كما يمكن لإلدارة وهو حالها في
135
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
غالب األحيان ،ان تتصرف باعتبارها سلطة عامة متمتعة بجملة من االمتيازات مما
يجعل عقودها آنذاك عقودا إدارية تخضع لقواعد خاصة متميزة وبالتالي لنظام القانون
العام.
وتكمن اذا أهمية التمييز بين العقد اإلداري والعقود الغير إدارية في انعكاساته على
نوعية القواعد القانونية المنطبقة ،فالعقد اإلداري يخضع لقواعد متميزة تنتمي للقانون
اإلداري بينما العقود الخاصة هي عقود تخضع لقواعد القانون الخاص وبالخصوص
القواعد الواردة بمجلة االلتزامات والعقود ،كما تكمن األهمية من جهة أخرى في تحديد
الجهة القضائية المختصة للنظر في النزاعات التي يمكن ان تتعلق بإبرام وتنفيذ العقود
حيث انه في أنظمة االزدواجية القضائية تكون منازعات العقود اإلدارية من اختصاص
القضاء اإلداري في حين تكون المنازعات المنجرة عن عقود القانون الخاص من
اختصاص القضاء العدلي وهناك عديد القرارات في هذا االتجاه.
وتجدر اإلشارة انه ال توجد نصوص تحدد بوضوح طبيعة العقود ،وانما يعتمد القانون
التونسي معايير قضائية متأثرا في ذلك بالمعايير التي وضعها فقه القضاء الفرنسي،
وهذه المعايير هي معياران؛ معيار عضوي ومعيار مادي.
ويعني هذا المعيار ان يكون احد اطراف العقد على األقل شخصا عموميا ،ويعتبر هذا
المعيار شرطا ضروريا ال محيد عنه في القانون التونسي وفي غيابه تنتفي الصبغة
اإلدارية للعقد فالعقد المبرم بين الذوات الخاصة في القانون التونسي ال يمكن ان يكون
إداريا ،وال يعتبر عقدا إداريا كذلك العقد المبرم بين ذاتين من القانون الخاص حتى ان
136
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
صرحت احداهما انها ممثال لذات عمومية او وكيال لها ،ويختلف موقف فقه القضاء
التونسي في هذا المجال عن فقه القضاء الفرنسي الذي ادخل مرونة على هذا المعيار
العضوي ،اما العقود بين اشخاص عمومية ولئن لم يتعرض لها فقه القضاء التونسي
فإنه يمكن استئناسا بفقه القضاء الفرنسي عقودا إدارية ،على أساس قرينة انها اعمال
قانونية توجد في مناخ قانون عام وتمثل نقطة التقاء تصرفين عمومين ،لكن هذه القرينة
تظل نسبية وقابلة للدحض.
ويتضمن المعيار المادي عنصرين تناوبيين ،يتعلق األول بمحتوى العقد ،أي تضمنه
لشروط غير مألوفة في العقود بين الخواص ،والثاني يتعلق بموضوع العقد أي اتصاله
بتنفيذ نشاط مرفق عام .وهكذا يتبين انه لئن يشترط في العقد اإلداري توفر المعيار
العضوي أي ان يكون أحد اطرافه على األقل شخصا عموميا فإن هذا الشرط
الضروري غير كاف لوحده إلضفاء الصبغة اإلدارية على العقد بل البد ان يتوفر الى
جانبه احد العنصرين من المعيار المادي أي اما ان يتصل موضوع العقد بتنفيذ مرفق
عام او ان يتضمن ضمن بنوده شرطا استثنائيا غير مألوف في العقود بين الخواص.
أ -تضمن العقد الحد الشروط الغير مألوفة في عقود القانون الخاص:
يتعلق هذا العنصر بمحتوى العقد وقد برز في فقه القضاء الفرنسي ،وكرسته المحكمة
اإلدارية التونسية في عديد قراراتها منذ السنوات األولى لنشاطها ( )1974واعتبرت
ان الشروط غير المألوفة هي تلك التي تدل على تلبس اإلدارة على امتيازات السلطة
137
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
العامة ،وهكذا تعتبر شروط غير مألوفة تلك الشروط التي تبرز الصبغة السلطوية
لإلدارة بان تفرض على معاقدها شروطا ليس بإمكان المتعاقد الخاص ان يفرضها على
معاقده وال يمكن ان يقبلها هذا األخير ،فهي اذا شروط تبرز الوضع غير المتكافئ
للطرفين كالبند الذي ينص على تمتع اإلدارة على الفسخ من جانب واحد دون خطأ من
الجانب االخر ،والتعاقد على أساس مقتضيات المصلحة العامة ،او سلطة الرقابة
والتوجيه والتعديل االنفرادي للعقد التي تتمتع بها اإلدارة المتعاقدة.
يتعلق هذا العنصر بموضوع العقد بحيث انه لكي يكون العقد إداريا فيجب الى جانب
توفر العنصر العضوي ان يكون موضوعه تنفيذ مرفق عام وقد وقع إقرار هذا المعيار
منذ مطلع القرن الماضي خالل ما عرف بالعشرية الذهبية للمرفق العام ،في ثالثة
قرارات شهيرة منها القرار الذي أصدره مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 6فيفري
،TERRIER ،1903وخاصة القرار المؤرخ في 4مارس ،1910
.THERONT
وقد اخذ فقه القضاء اإلداري التونسي بهذا المعيار في عديد قراراته أهمها قرار مؤرخ
في 30جانفي ،1989المكلف العام بنزاعات الدولة في حق وزارة التجهيز ضد
العربي الولهازي.
138
األستاذ مصطفى بن لطيّف محاضرات في القانون اإلداري
وصنف حديث نسبيا وهي عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،ونجده اكثر في
البلدان االنجلو-سكسونية ،وينظمها قانون 27نوفمبر .2015
يمكن تعريف الصفقة العمومية ،وهو عقد بمقابل ،تبرمه اإلدارة مع الغير ،قد يكون
خاص او عمومي ،بهدف التزود بمواد او خدمات او انجاز اشغال او انجاز دراسات.
عقود اللزمة وهي عقود تكلف بمقتضاها اإلدارة اما بتسيير مرفق عام او استغالل ملك
عمومي.
اما عقد الشراكة فموضوعه عادة بناء او توفير تجهيزات البناء واستغالل وتصور
وإنجاز .ويقوم على تقاسم المخاطر.
عملية ابرام العقود بأصنافها الثالثة تخضع لمبادئ عامة كبرى هي:
139