Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 66

‫جامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية‬

‫كلية أصول الدين والشريعة والحضارة اإلسالمية‬

‫المدخل إلى أصول الفقه اإلسالمي‬


‫إعداد الدكتور‬
‫مصطفى باجو‬

‫مقرر السنة األولى ل‪.‬م‪.‬د‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬‬
2
-
‫المحتويات‬
‫الموضوع‬
‫المقدمة‬
‫موضوع أصول الفقه‬
‫روافد علم األصول‬
‫فائدة علم األصول وحكمه‬
‫نشأة علم األصول‬
‫التدوين األصولي ومدارسه‬
‫مباحث الحكم الشرعي‬
‫تعريف الحكم الشرعي وأقسامه‬
‫أقسام الحكم الشرعي‬
‫أقسام الحكم التكليفي‬
‫الواجب وأقسامه‬
‫أقسام الواجب‬
‫تقسيم الواجب باعتبار وقت أدائه‬
‫أنواع الواجب المقيد‬
‫تقسيم الواجب باعتبار تقديره وعدم تقديره‬
‫تقسيم الواجب باعتبار تعيّن المطلوب وعدم تعيّنه‬
‫تقسيم الواجب باعتبار المكلف ال ُمطالب به‬
‫مقدمة الواجب‬
‫المندوب‬
‫الحرام‬
‫المكروه‬
‫المباح‬
‫الرخصة والعزيمة‬
‫الحكم الوضعي‬
‫السبب‬
‫الشرط‬
‫المانع‬
‫الصحة والبطالن‬
‫الحاكم‬
‫المحكوم فيه‬
‫أنواع المحكوم فيه‬
‫المحكوم عليه‬
‫األهلية وأنواعها‬
‫عوارض األهلية‬
‫عوارض األهلية السماوية‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬‬
‫عوارض األهلية المكتسبة‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫شريعة اإلسالم نظام شامل لكل مناحي الحياة‪ ،‬وقدد أرادهدا د دسدتورا يضدبا حيداة المسدلم الااصدة والعامدة‪ ،‬فدي‬
‫عالقته باالقه وبنفسه وبالناس جميعا‪.‬‬
‫وقد تضافرت جهود علماء اإلسالم في بيان خصائص هذا التشريع اإللهي الحكيم‪ ،‬فكان من نتاج تلك الجهود‬
‫فيض غزير من المؤلفات في علوم التفسير والحديث والفقه واألصول وغيرها من العلوم‪.‬‬
‫ومن أهم العلوم التي نالت عناية متميزة من قبل علماء اإلسالم علم الفقه‪ ،‬باعتباره قانون حياة المسدلم فدي كدل‬
‫مناحيها العامة والااصة‪ .‬فد ّون فيه العلماء آالف المصنفات موجزة ومفصلة‪ ،‬وليس عجيبا أن تُع ّرف بده حضدارة‬
‫المسلمين‪ ،‬فيقال عنها إنها "حضارة فقه"‪ ،‬ألنه احتل الصدارة بين منتجاتها الفكرية بدون منازع‪.‬‬
‫وهذا النتاج يقوم على علم يضبا حدوده‪ ،‬ويوجه مساره‪ ،‬ويرسم معالمه وغاياته‪ .‬ذلكم هو علم أصدول الفقده‪ .‬فهدو‬
‫دستور الفقه الذي قامت عليه أركانه‪ ،‬واتضحت مسالكه‪ ،‬وتحددت مجاالته‪.‬‬
‫فما هو علم أصول الفقه؟‬
‫ّ‬
‫يقول ابن خلدون‪« :‬اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية‪ ،‬وأجلهدا قددرا‪ ،‬وأكثرهدا فائددة‪ ،‬وهدو النظدر فدي‬
‫األدلة الشرعية من حيث تؤخذ األحكام والتكاليف»(‪.)1‬‬
‫وحتى نتبين كالم ابن خلدون على حقيقته سنتناول التعريف بهذا العلم‪ ،‬وتحديد مضمونه‪ ،‬ونشأته‪ ،‬ومدارسده وأهدم‬
‫مؤلفاته‪.‬‬
‫ويتناول مقررنا الدراسي‪ ،‬محورين أساسين‪ ،‬مقدمات في علم األصول‪ ،‬ومباحث الحكم الشرعي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مقدمات أساسية‪ ،‬وتتضمن العناصر اآلتية‪:‬‬
‫تعريف علم أصول الفقه‪.‬‬
‫موضوعه وفائدته‪.‬‬
‫تارياه‪ ،‬ومدارسه‪ ،‬وأهم مؤلفاته‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مباحث الحكم الشرعي‪ .‬وتشملها المحاور اآلتية‪:‬‬
‫تعريف الحكم الشرعي وأقسامه‪.‬‬
‫الحكم التكليفي والحكم الوضعي وأقسامهما‪.‬‬
‫الحاكم‬
‫المحكوم فيه‬
‫المحكوم عليه‬
‫األهلية وعوارضها‪ ،‬السماوية والمكتسبة‪.‬‬
‫تعريف علم أصول الفقه‬
‫عرّف هذا العلم باعتبارين اثنين‪ ،‬باعتبار اإلضافة والتركيب‪ ،‬وباعتبار العلمية‪.‬‬
‫فمصطلح أصول الفقه مركب إضافي‪ ،‬أضيف فيه لفظ "األصول" إلى لفظ "الفقه"‪ ،‬وال يستقيم فهم المعنى المركب‬
‫إال بفهم أجزائه‪ .‬ومن جهة أخرى فقد أصبح هذا اللفظ علما على علم خاص من علوم اإلسالم‪.‬‬
‫فالتعريف األول ينظر إلى مفرداته منفصلة ثم مركبة‪ ،‬أما التعريف الثاني فينظر إلى االسم على أنه علم قائم بذاته‪.‬‬
‫وسنتناوله من الوجهين معا‪.‬‬
‫تعريف أصول الفقه بالمعنى اإلضافي‪:‬‬
‫أوال تعريف األصول‪،‬‬

‫(‪ - )1‬عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص ‪.032‬‬


‫‪5‬‬
‫‪-‬‬
‫األصول جمع أصل‪ ،‬جاء في لسان العرب‪ :‬األصلُ‪ :‬أسف ُل كل شيء وجم ُعه أُصول"(‪.)1‬‬
‫فمعنى األصل في اللغة‪ :‬ما يُبنى عليه غي ُره(‪ ،)2‬ومن ذلك أص ُل الجدار وهو أسا ُسه‪ ،‬وما يتفرع عنه غيره‪،‬‬
‫ومنه أص ُل الشجرة وهو الجذ ُع الذي يتفرع منه أغصانُها‪ ،‬وأبو اإلنسان وجده يُسمى أصال؛ ألنه يتفرع منه أوالدُه‪ ،‬قال‬
‫دُ مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلُها ثابت وفرعُها في السَّماء " إبراهيم‪.٤٢ :‬‬ ‫تعالى " ألم تر كيف ضرب ّ‬
‫وقد حقق تقي الدين السبكي معاني األصل فاختار منها أنه ما يتفرع عنه غيره‪ ،‬دون ما سواه من المعاني (‪ .)3‬وإن كان‬
‫(‪)4‬‬
‫المشهور عند أهل اللغة أن األصل كل ما يستند إليه وجود شيء ما‪ ،‬وما يبنى عليه غيره‪ ،‬حسيا كان أم معنويا‬
‫وأما في االصطالح فيطلق األصل على عدة معان‪:‬‬
‫أ ّوال‪ :‬الدليل؛ كقولهم‪ :‬أص ُل هذه المسألة الكتابُ والسدنّةُ‪ ،‬أي‪ :‬دليد ُل المسدألة الكتداب و السدنّة‪ ،‬ومدن هدذا االصدطالح‬
‫سُمي هذا العل ُم "أصول الفقه"‪ ،‬أي‪ :‬أدلته ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الراجح؛ كقولهم‪ :‬األص ُل في الكالم الحقيقةُ‪ ،‬أي الراج ُح عند السامع هو الحقيقة ال المجاز‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القاعدة المستمرة؛ كقولهم‪:‬إباحدة الميتدة للمضدطر علدى خدالف األصدل‪ ،‬أي علدى خدالف القاعددة المسدتمرة‪.‬‬
‫وقولهم‪ :‬األصل أن المبتدأ مرفوع‪ ،‬واسم إن منصوب‪ ،‬وهكذا في سائر قواعد العلوم الثابتة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ما يقابل الفرع في باب القياس‪ ،‬أي الصورة المقيس عليها‪ ،‬فدذذا قلندا نقديس النبيدذ علدى الامدر فدي اإلسدكار‬
‫فنحكم بحرمة النبيذ قياسا على الامر‪ ،‬كانت الامر أصال مقيسا عليه‪ ،‬والنبيذ فرعا مقيسا(‪.)5‬‬
‫خامسا‪ :‬المستصحب‪ :‬فيقال‪ :‬األصل براءة الذمة‪ ،‬أي خلو الذمة من االنشغال بحق للغير حتدى يثبدت خالفده بددليل‪،‬‬
‫فذذا شغلت الذمة استصحب حال شغلها حتى تثبت براءتها بدليل‪ ،‬وهكذا دواليك(‪.)6‬‬
‫سادسا‪ :‬ال َمخ َرج‪ :‬وهو ما يعرف عند علمداء الميدراب بدص"أصل المسدألة"‪ ،‬وهدو مدا تصدح منده مسدائل الميدراب‪ ،‬أو‬
‫األصل الذي يؤخذ منه السهم‪ ،‬كالربُع من أربعة‪ ،‬والثلُث من ثالثة‪.‬‬
‫ثانيا تعريف الفقه‬
‫الفقه في اللغة‪ :‬العلم بالشيء وفهمه فهما دقيقا‪،‬‬
‫جاء في لسان العرب "الفقه العلم بالشيء والفهم له‪ ،‬والفقه الفطنة"(‪.)7‬‬
‫فالفقده الفهدم الدددقيق الدذي يقتضددي جهددا عقليددا‪ ،‬وال يقدف عنددد حدد ردواهر األلفددار‪ ،‬بدل يتجاوزهددا إلدى مددا فيهدا مددن‬
‫إشارات ودالالت‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول ابن القيم‪« :‬والفقه أخص من الفهم‪ ،‬وهو فهم مراد المدتكلم مدن كالمده‪ ،‬وهدذا قددر زائدد علدى‬
‫مجرّد وضع اللفظ في اللغة‪ ،‬وبحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تتفاوت مراتبهم في الفقه والعلم»(‪.)8‬‬
‫د‬‫ت ولو ُكنتُم فدي بُدرُوج مشديَّدة وإن تُصدبهُم حسدنة يقُولُدوا هدذه مدن عندد ّ‬ ‫قال تعالى‪ " :‬ينما ت ُكونُوا يُدركك ُم المو ُ‬
‫د فما لهؤُالء القوم ال يكادُون يفقهُون حدديثا "النسداء‪،٨٧ :‬‬ ‫وإن تُصبهُم سيئة يقُولُوا هذه من عندك قُل ُك ّل من عند ّ‬
‫إشارة إلى إعراضهم عدن فهدم الحدق الدذي جداء بده رسدول د صدلى د عليده وسدلم‪ .‬وهدذا ذم لهدم علدى اسدتنكافهم‬

‫‪ - )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬فقه ج‪/11‬ص‪ ،11‬الفيروز أبادي‪ ،‬القاموس المحيا‪ ،‬ص ‪.1020‬‬
‫(‪ - ) 2‬أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص‪ ،5‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ - ) 3‬ابن السبكي‪ ،‬اإلبهاج في شرح المنهاج ج‪ ،1‬ص‪. 01-02‬‬
‫(‪ - ) 4‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الحديث‪ ،0223 ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ - ) 5‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ - ) 6‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪02 /02‬؛ عبد الكريم زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫(‪ - ) 7‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬فقه‪ .‬ج‪ ،5‬ص‪.3252‬‬
‫‪ - )8‬ابن القيم‪ :‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.012‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬‬
‫وصدهم عن هداية د‪.‬‬
‫ات ال َّسددب ُع واألرضُ ومددن فدديه َّن وإن مددن شدديء إالَّ يُسددب ُح بحمددده ولكددن الَّ تفقهُددون‬
‫وقددال تعددالى" تُسددب ُح ل دهُ ال َّسددماو ُ‬
‫تسبيحهُم إنَّهُ كان حليما غفُورا " اإلسراء‪ .٢٢ :‬إشارة إلى لطف تسبيح ما في الكدون بمدا يعجدز البشدر عدن إدراكده‬
‫وفهمه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال تعالى على لسان أهل مدين " قالوا يا شعيبُ مدا نفقدهُ كثيدرا م َّمدا تقدو ُل وإندا لندراك فيندا ضدعيفا ولدوال رهطدك‬
‫لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" هود‪ ١٩ :‬وهذا تهكم منهم وإرهار للعجز عن فهم دعوة شعيب لهم إلى توحيدد د‬
‫وعبادة الواحد الديان‪ ،‬وعدم تطفيف الكيل والميزان‪.‬‬
‫الفقه في االصطالح‪:‬‬
‫للعلماء في تعريفهم للفقه عبارات متقاربةُ المعاني‪.‬‬
‫وقبل التعرض لهذه التعاريف يحسن بندا أن نشدير إلدى أن مصدطلح الفقده تطدورت داللتده مندذ صددر اإلسدالم حتدى‬
‫استقر على المعنى المتعارف عليه اليوم‪.‬‬
‫تطور مصطلح الفقه‪:‬‬
‫لم تكن كلمة الفقه في الصدر األول إال عنوانا على فهم الدين جملة‪ ،‬بكدل مدا يتضدمنه مدن اعتقداد وأفعدال وأخدال ‪،‬‬
‫وهو الذي تفيده اآلية الكريمة‪ ،‬في قوله تعالى‪ " :‬وال يُنفقُون نفقة صغيرة وال كبيرة وال يقطعُون واديا إالَّ ُكتب لهُم‬
‫دُ أحسن ما كانُوا يعملُون" التوبة‪.٩٤٤ :‬‬ ‫ليجزيهُ ُم ّ‬
‫فكلمة الفقه هنا يراد بها العلم بأحكام الدين كلها‪ ،‬ولكن أبا حنيفة خصص مجال العقيدة باسدم "الفقده األكبدر"‪ ،‬بينمدا‬
‫جعل الغزالي الفقه مقصودا به العلم بطريق اآلخرة‪ ،‬أو علم السلوك والتزكية‪ ،‬ألنه المقصود األول من الدين‪.‬‬
‫ثم استقر الفقه عند جمهور فقهاء األمة بأنه "العلم باألحكام العملية من أدلتها التفصيلية"‪ ،‬وذلك حين استقلت علدوم‬
‫الشريعة‪ ،‬واستقامت فروعا قائمة بذاتها‪.‬‬
‫ويذكر الدكتور الدريني أن الفقه بهذا المعنى هو االجتهاد‪ ،‬ألنه استنباط األحكام الشرعية مدن دالئلهدا التفصديلية الااصدة‬
‫صا أو داللة‪ .‬وال يتمكن من ذلك إال المجتهد‪ ،‬أما المقلد أو حافظ الفروع فال يعتبر فقيها على هذا المعنى‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬ن ّ‬
‫لكننا نجدد الفقهداء يطلقدون مصدطلح الفقده علدى معنيدين‪ :‬حفدظ الفدروع كلهدا‪ ،‬أو حفدظ طائفدة منهدا‪ ،‬وعلدى األحكدام‬
‫الشرعية نفسها‪.‬‬
‫والتحقيق أن هذه األحكام ال يمكن تصورها دون وجود عقل يستوعبها ويحفظها‪ ،‬وال تعتبر أحكاما بذاتها قبل العلم‬
‫بها‪ .‬ألنه ال يوجد في الواقع علم خارج ذات عالمة به‪.‬‬
‫وأيّا ما كان فذن موضوع الفقه هو أفعال اإلنسان وتصدرفاته‪ ،‬مدن حيدث وصدفها باألحكدام الشدرعية‪ ،‬مدن الوجدوب‬
‫والندب واإلباحة والكراهة والحرمة‪ ،‬والصحة والفساد والبطالن‪.‬‬
‫ومن هنا جاءت تعاريفه تحوم حول هذا المعنى على اإلجمال‪ ،‬وإن اختلفت العبارات في التفصيل‪.‬‬
‫تعاريف الفقه‪:‬‬
‫قال اإلمام الجويني‪ ":‬الفقه في اصطالح علماء الشريعة هو العلم بأحكام التكليف"(‪.)1‬‬
‫وقال الشوكاني "وفي االصطالح العل ُم باألحكام الشرعية عن أدلته التفصيلية باالستدالل‬
‫وقيل معرفة النفس مالها وما عليها عمال‪.‬‬
‫وقيل اعتقاد األحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية (‪. )2‬‬
‫ولكن أشهر التعاريف أنه‪ ":‬العل ُم باألحكام ال َّشرعيَّة العمليَّة‪ ،‬ال ُمكتسبُ من أدلَّتها التَّفصيليَّة(‪»)3‬‬

‫(‪ - )1‬الجويني‪ ،‬البرهان في أصول الفقه‪ ،‬ج‪/1‬ص ‪.2‬‬


‫‪ - )2‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫(‪ - )3‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص‪2‬؛ محمد مصطفى شلبي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪02‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول‬
‫‪7‬‬
‫‪-‬‬
‫ويمكن توضيح التعريف بذيجاز في اآلتي‪:‬‬
‫العلم‪ :‬يتناول اإلدراك الجازم على سبيل اليقين‪ ،‬كما يشمل أيضدا الظدن‪ ،‬وهدو اإلدراك الدراجح دون درجدة اليقدين‪،‬‬
‫ولذلك اختار بعض العلماء عبارة "معرفة األحكام الشرعية" بدل "العلم باألحكام الشرعية" (‪ .)1‬والمعرفة تشمل‬
‫والظن معا‪ ،‬وهو ما نجده في مسائل الفقه‪ ،‬كما هو مبسوط في كتب الفقه الماتلفة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫العلم‬
‫األحكام‪ :‬جمع حكم‪ ،‬وهو إثبات أمر آلخر‪ ،‬إيجابا أو سلبا‪ ،‬كقولنا‪ :‬النهار طالع‪ ،‬والجو بارد‪ ،‬والليل مظلم‪.‬‬
‫ويقصد باألحكام في هذا المجال ما يثبدت مدن صدفات ألفعدال المكلفدين وردت فدي نصدوص الشدرع أو دلدت عليهدا‬
‫قواعدها واستنبطت منها‪.‬‬
‫الشرعية‪ :‬وتشمل هذه األحكام التي جاء بها الشرع الحنيف‪ ،‬مدن وجدوب وتحدريم‪ ،‬وصدحة وبطدالن‪ ،‬فادرج بهدذا‬
‫وأن الواحد نصفُ االثنين‪ ،‬وشبهُ ذلك من األحكام الماتلفدة‬ ‫أن ال ُك َّل أكب ُر من الجزء‪َّ ،‬‬‫القيد األحكام العقلية‪ ،‬كمعرفة َّ‬
‫في الرياضيات والكيمياء والطب‪.‬‬
‫ُ‬
‫كما خرج به أيضا األحكا ُم اللغوية كمعرفة أن المبتدأ مرفوع والمفعول به منصوب‪.‬‬
‫وخرجت األحكام الح ّسيّة‪ ،‬مثل كون النار محرقة‪ ،‬والثلج باردا‪ ،‬وعن األحكدام العاديدة‪ ،‬كندزول المطدر بعدد الرعدد‬
‫والبر ‪ ،‬واحترا الاشب بالنار‪ ،‬وحصول االرتواء بعد شرب الماء(‪.)2‬‬
‫العملية‪ :‬كأحكام الصالة والزكاة والصيام وأحكام البيوع مثال‪ .‬وتشمل عبادات الناس ومعامالتهم‪.‬‬
‫وبهذا القيد احترز به عن العلم باألحكام االعتقادية‪ ،‬كالعلم بوحدانيدة د وأسدمائه وصدفاته‪ ،‬واإليمدان بداليوم اآلخدر‬
‫والجزاء والجنة والنار‪ .‬فال يُس َّمى ذلك فقها في االصطالح‪.‬‬
‫كما احترز به عن جانب األخال كوجوب الصد والصبر‪ ،‬وحرمة الكذب والكبر‪.‬‬
‫المكتسب‪ :‬علم الفقه علم يكتسب بالتعلم والنظر واالجتهاد‪ ،‬وبهذا ياتلف عن علم د تعالى وعلم مالئكته باألحكدام‬
‫الشرعية العملية‪ ،‬وعلم رسول د صلى د عليه وسلم الحاصل بالوجي ال باالجتهاد(‪.)3‬‬
‫أدلتها التفصيلية‪ :‬المراد بها أدلة الفقه المقروندة بمسدائل الفقده التفصديلية‪ .‬أو األدلدة التفصديلية المتعلقدة بكدل مسدألة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومثال ذلك‪ :‬اشتراط الوضوء للصالة‪ ،‬ثابت بدليل خاص هو قوله تعالى‪ ":‬يا أيها الذين آمنُدوا إذا قُمدتُم إلدى الصَّدالة‬
‫فاغسلُوا ُوجُوه ُكم وأيدي ُكم إلى المرافق وامسحُوا ب ُرؤُوس ُكم وأرجُل ُكم إلى الكعبين وإن ُكنتُم ُجنُبا فاطَّهَّرُوا وإن ُكندتُم‬
‫َّمرضى أو على سفر أو جاء أحد َّمن ُكم من الغائا أو المستُ ُم النساء فلدم تجددُوا مداء فتي َّم ُمدوا صدعيدا طيبدا فامسدحُوا‬
‫دُ ليجعل علي ُكم من حرج ولكن يُري ُد ليُطهَّر ُكم وليُت َّم نعمتهُ علي ُكم لعلَّ ُكم تشد ُكرُون "‬ ‫ب ُوجُوه ُكم وأيدي ُكم منهُ ما يُري ُد ّ‬
‫المائدة‪ ،٦ :‬كما تشترط النية للوضوء بقوله صلى د عليه وسلم‪" :‬إنما األعمال بالنيات"(‪.)4‬‬
‫ويارج بهذا القيد عل ُم أصول الفقه ألنه علم يبحث في أدلة الفقه إجماال ال تفصيال‪ ،‬فهو يثبدت حجيدة األدلدة‪ ،‬ككدون‬
‫اإلجماع وخبر الواحد والقياس ح ّجة‪ ،‬وإن كانت تلك أحكاما شرعية‪ ،‬فذ ّن العلم بها ليس من الفقده‪ّ ،‬‬
‫ألن العلدم بهدا ال‬
‫يتعلق به كيفية عمل‪ ،‬بل تقوم به حجة الدليل إجماال‪.‬‬
‫كما يارج بهذا القيد أيضا العل ُم الحاص ُل للمقلدين في المسائل الفقهيدة‪ ،‬فذنهدا علدم بأحكدام شدرعية عمليدة‪ ،‬لكنهدا لدم‬
‫ألن المقلد ال يستطيع أن يستد َّل على كل مسألة بدليل تفصديلي(‪ .)5‬فدذن علمده وإن كدان‬ ‫تكتسب من أدلة تفصيلية؛ َّ‬

‫الفقه‪،‬ص ‪.2‬‬
‫(‪ - )1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.02‬‬
‫(‪ - )2‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.01‬‬
‫(‪ -)3‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.00‬‬
‫(‪ - )4‬صحيح البااري‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬حديث ‪ ،1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬حديث ‪.2222‬‬
‫(‪ – )5‬انظر‪ :‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬أصول الفقه‪ :‬تارياه ورجاله‪ ،‬ص‪. ،11‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-‬‬
‫مكتسبا فقد اكتسبه من قول إمامه ال من الدليل الشرعي‪ .‬وقول إمامه في حقه بمرتبة الدليل (‪.)1‬‬
‫تعريف أصول الفقه بالمعنى اللقبي‪:‬‬
‫عرف العلماء أصول الفقه تعاريف عديدة‪ ،‬نختار منها اثنين‪.‬‬
‫أوال‪ :‬هو «العلم بالقواعد التي يتوصّل بها إلى استنباط األحكام الشرعية العملية من أدلّتها التفصيلية» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫شرح التعريف‪:‬‬
‫فالقواعددد‪ :‬جمددع قاعدددة‪ ،‬وهددي هنددا عبددارة عددن قضددية كلّيّدة‪ ،‬تندددرج تحتهددا أحكددام جزئيّددات كثيددرة‪ ،‬كدداألمر يفيددد‬
‫الوجوب‪ ،‬والنهي يفيد التحريم‪.‬‬
‫وقيددد "اسددتنباط األحكددام"‪ ،‬ياددرج القواعددد التددي يتوصددل بهددا إلددى اسددتنباط غيددر األحكددام‪ ،‬مثددل قواعددد الهندسددة‬
‫والجبر؛ وقواعد النحو واإلعراب‪.‬‬
‫و"الشرعية"‪ ،‬تارج االصطالحية والعقلية ‪.‬كقواعد علم الحساب والهندسة‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن الفقيه الذي ينظر في األدلة التفصيلية ال يسدتطيع أن يأخدذ الحكدم مدن الددليل الجزئدي قبدل أن يعدرف‬
‫حكم الكلي الذي يندرج تحته هذا الجزئي‪ ،‬ودراسة األدلة اإلجمالية التي هي مصادر األحكام الشرعية(‪.)3‬‬
‫وعمل األصولي وضع القواعد الكلية العامة‪ ،‬ثم يأخذها الفقيه ويطبقها على أفراد المسائل‪ ،‬ليتوصل إلى الحكم‬
‫الشرعي المناسب لكل مسألة جزئية‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬قاعدة‪ :‬األمدر يفيدد الوجدوب‪ ،‬يأخدذها الفقيده مدن األصدولي‪ ،‬ليطبقهدا علدى قولده تعدالى‪ ":‬وإذ قلندا للمالئكدة‬
‫اس ُجدُوا آلدم فسجدُوا إالَّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكدافرين" البقدرة‪ .٢٤ :‬فديحكم بوجدوب إقامدة الصدالة وإخدراج‬
‫الزكاة؛ ويأخذ قاعدة‪ :‬النهي يفيد التحريم‪ ،‬ويطبّقها على قولده تعدالى‪ " :‬وكدذلك نُصدرفُ اآليدات وليقُولُدوا درسدت ولنُبيندهُ‬
‫لقوم يعل ُمون "األنعام‪ ،٩٥٩ :‬فيحكم بحرمة قتل النفس المعصومة‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف اإلمام البيضاوي‪ ،‬أنه‪":‬معرفة دالئل الفقه‪ ،‬إجماال‪ ،‬وكيفية االستفادة منها‪ ،‬وحال المستفيد" ‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫دالئل الفقه‪ :‬جمع داللة‪ ،‬والداللة بمعنى الدليل‪ ،‬والدليل في اللغة المرشد للشيء‪.‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬ما يتوصل بالنظر الصحيح فيه إلى حكم شرعي على سدبيل القطدع واليقدين‪ ،‬أو علدى سدبيل غلبدة‬
‫الظن والرجحان‪.‬‬
‫ويراد بمعرفة دالئل الفقه العلم بها ثبوتا وداللة‪ ،‬ويشمل ذلك ماتلف األدلدة األصدلية والتبعيدة‪ ،‬ومدا يتعلدق بهدا مدن‬
‫مسائل ومباحث ماتلفة مبسوطة في علم األصول‪ .‬ككون اإلجماع حجة‪ ،‬وأن األمر للوجوب‪ ،‬ونحو ذلك (‪. )5‬‬
‫وسميت أدلة أجمالية ألنها تعرف على سبيل اإلجمال دون التفصيل‪ ،‬أو ألن مدلولها غير معيّن‪ .‬وهي كليدة تتعلدق‬
‫بكددل األحكددام ال بمسددألة خاصددة بددذاتها‪ .‬وهددي قيددد لتمييددز علددم األصددول عددن علددم الفقدده‪ ،‬ألن الفقيدده يتندداول األدلددة‬
‫التفصيلية‪ ،‬بينما يتناول األصولي األدلة الكلية‪.‬‬
‫وأما كيفية االستفادة منها فيتناول معرفة كيفية استفادة الفقه من تلك الدالئل اإلجمالية‪ ،‬وهو ما يرجع إلى مباحدث‬
‫دالالت األدلدة‪ ،‬ومعداني األلفدار‪ ،‬وقواعدد الترتيدب بينهدا‪ ،‬وإنمددا يكدون ذلدك بمعرفدة شدرائا االسدتدالل‪ ،‬مثدل تقددديم‬
‫النص على الظاهر والمتواتر على اآلحاد‪ ،‬وتمييز الدليل القوي من الدليل الضعيف‪ ،‬ومعرفة أسباب ترجيح بعض‬
‫األدلة على بعض‪ ،‬وهو ما تتناوله مباحث التعارض والترجيح‪.‬‬

‫(‪ – )1‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.31 ،32‬‬
‫‪ - )2‬انظر ابن السبكي‪ ،‬اإلبهاج‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪01‬؛ الزركشي‪ ،‬البحر المحيا‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.15‬‬
‫(‪ - )3‬شلبي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪32 ،33‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.10 ،11‬‬
‫(‪ - )4‬البيضاوي‪ ،‬منهاج الوصول إلى علم األصول‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ - )5‬جمال الدين األسنوي‪ ،‬نهاية السول شرح منهاج الوصول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.12‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-‬‬
‫وأمدا حددال المسددتفيد‪ ،‬فيعنددي معرفدة حددال المسددتفيد‪ ،‬وهددو الباحدث فددي هددذه األدلددة‪ ،‬الدذي يريددد الوصددول إلددى الحكددم‬
‫الشرعي من خاللها‪.‬‬
‫وهذا المستفيد قد يكون مجتهدا وقد يكون مقلدا‪ .‬والمجتهد يستفيد األحكام من األدلة‪ ،‬والمقلد يستفيدها من المجتهدد‪.‬‬
‫ولكل صنف شروط ومباحث مبسوطة في علم األصول‪.‬‬
‫ويتلاص لنا من تعريف البيضاوي‪ ،‬مضمون علم األصول‪ ،‬ويشمل محاور كبرى ثالثة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬معرفة أدلة الفقه إجماال‪ ،‬بما فيه األدلة األصلية واألدلة التبعية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معرفة كيفية داللة هذه األدلة‪ ،‬وكيفية استفادة األحكام منها‪ ،‬والترتيب بينها عند التعارض‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬معرفة من يستفيد من هذه األدلة مجتهدا كان أم مقلدا‪ ،‬وهو ما تضمنته مباحث االجتهاد والتقليد‪.‬‬
‫وعقب اإلسنوي على تعريف البيضاوي ‪":‬وإنما قال أصول الفقه بالجمع ولم يقدل أصدل الفقده بداإلفراد‪ ،‬ليناسدب‬
‫حقيقة المركب‪ ،‬إذ أن أصول الفقه عبارة عن‪ :‬األدلة والتعارض والترجيح واالجتهاد"(‪.)1‬‬
‫ويتجلى لنا من هذا التعريف أن علم أصول الفقه هو العلم الذي يمنحندا معرفدة مصدادر التشدريع اإلسدالمي‪ ،‬ويبدين‬
‫لنا الدليل الصحيح المرشد إلى حكم د تعالى‪ ،‬وسبب ترجيح حكم علدى آخدر‪ ،‬وكيفيدة اسدتاراج األحكدام الشدرعية‬
‫من المصادر‪ ،‬كما يبين لنا شروط االجتهاد‪ ،‬وحكم من لم يبلغ درجة االجتهاد‪.‬‬
‫موضوع أصول الفقه‬
‫موضوع علم األصول‪ :‬هو مجموع المسائل الكلية التي يتناولها هذا العلدم‪ .‬وواضدح مدن تعريدف علدم األصدول أنده‬
‫يتناول أصول األحكام‪ ،‬أو األدلة اإلجمالية‪ .‬أو األدلة الشرعية الكلية من حيث ما يثبت بها من األحكام الكلية‪.‬‬
‫فعلم األصول هو الذي يبيّن حجية القرآن‪ ،‬وأنه أصل الدين ومنبع األدلة كلهدا‪ ،‬وتقدمده علدى السدنّة النبويدة‪ ،‬وكدون‬
‫السنّة شارحة له ومبينة لمجمله‪ .‬وأن الكتاب و السنّة مسدتند سدائر األدلدة مدن القيداس واإلجمداع والمصدادر التبعيدة‬
‫األخرى‪.‬‬
‫كما يبين هذا العلم قواعد تفسير النصوص‪ ،‬بتمييز القطعي من الظني منها‪ ،‬ويرتب بينها بحسدب قوتهدا مدن حيدث‬
‫الثبددوت والداللددة‪ .‬ويضددع قواعددد التددرجيح بددين األدلددة‪ ،‬ويحدددد مقاصددد الشددرع‪ ،‬ويضددبا مصددالح المكلفددين‪ ،‬وكيفيددة‬
‫إعمالها في مجال االجتهاد‪ ،‬ويحدد من يؤهل لالجتهاد ومن يلزمه اتباع المجتهد‪ .‬ممن ليس أهال لالستنباط(‪.)1‬‬
‫ويصور لنا اإلمام أبو حامد الغزالدي موضدوعات علدم األصدول تصدويرا تمثيليدا ُمشدبها هدذا العلدم بشدجرة مثمدرة‪،‬‬
‫فيقول‪« :‬إن األحكام ثمرات‪ ،‬وكل ثمرة لها صفة وحقيقة في نفسها‪ ،‬ولها مثمر ومستثمر وطريق في االستثمار‪.‬‬
‫والثمرة هي األحكام‪ ،‬أعني الوجوب والحظر‪ ،‬والندب‪ ،‬والكراهة‪ ،‬واإلباحة‪ ،‬والحسن والقبح‪ ،‬والقضاء واألداء‪،‬‬
‫والصحة والفساد‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫والمثمر هي األدلة‪ ،‬وهي ثالثة‪ :‬الكتاب والسنّة واإلجماع فقا‪.‬‬
‫وطر االستثمار هي وجوه داللة األدلة‪ ،‬وهي أربعة‪ ،‬إذ األقوال إما أن تدل على الشيء بصيغتها ومنظومها‪ ،‬أو‬
‫بفحواها ومفهومها‪ ،‬أو باقتضائها وضرورتها‪ ،‬أو بمعقولها ومعناها المستنبا منه‪.‬‬
‫والمستثمر هو المجتهد‪ ،‬والبد من معرفة صفاته‪ ،‬وشروطه‪ ،‬وأحكامه»(‪.)2‬‬
‫ويتجلى من خالل تعريف األصول أيضا أنه يتناول محاور كبرى خمسة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬األدلة التي توصل إلى األحكام الشرعية‪ ،‬وفيها نوعان‪ ،‬نوع متفق عليه‪ ،‬ونوع فيه اختالف بين العلماء‪.‬‬
‫يعرف بالمصادر التبعية أو المصادر االجتهادية‪ .‬أو المصادر غير المتفق عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬مباحث الدالالت‪ ،‬أو تفسير النصوص‪ ،‬وهذه تاص دليلي الكتاب والسنّة‪ .‬وتشمل مباحث األمر والنهي‬
‫والعموم والاصوص والمنطو والمفهوم‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫(‪ - )1‬أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪2 ،2‬؛ عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه ص ‪.13 ،10‬‬
‫(‪ - )2‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراب العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ /1‬ص ‪.12‬‬
‫‪10‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -3‬مباحث التعارض والترجيح‪.‬‬
‫‪ -4‬مباحث االجتهاد‪ ،‬وشروطه‪ ،‬والتقليد وأحكامه‪.‬‬
‫‪ -5‬مباحث الحكم الشرعي‪ .‬باعتباره الثمرة العملية لعلم األصول‪.‬‬
‫ويلتقي األصولي مع الفقيه في الحكم الشرعي‪ ،‬حيث يؤسسه األصولي عاما‪ ،‬ويفصله الفقيه خاصا على مسألة‬
‫بذاتها‪.‬‬
‫ومن هنا يتميز علم األصول عن علم الفقه‪ ،‬من حيث الموضوع‪ ،‬إذ يتعلق موضوع الفقه بفعل المكلف من حيث‬
‫ما يثبت له من أحكام شرعية في عباداته ومعامالته‪ ،‬بينما يدرس األصولي األدلة الكلية لتلك األحكام‪.‬‬

‫ونشير إلى أن آراء األصوليين قد تعددت حول تحديد المسائل األصلية لعلم األصول‪ ،‬فرأى بعضهم أن موضوع‬
‫علم األصول هو األدلة التي تثبت بها األحكام‪ ،‬فاألساس هو األدلة والثمرة هي األحكام‪ ،‬وهذا رأي الجمهور‪.‬‬
‫بينما يرى آخرون عكس هذا وهو أن موضوعه األحكام التي تثبت باألدلة‪ ،‬فتكون دراسة األدلة مقدمة ووسيلة‬
‫لدراسة األحكام‪ ،‬وهو رأي بعض الحنفية‪.‬‬
‫وذهب فريق ثالث إلى أن موضوعه هو األدلة واألحكام معا‪ ،‬وهو رأي صدر الشريعة وغيره من الحنفية‪ .‬وتوسع‬
‫فريق رابع فجعل موضوعه األدلة والمرجحات وصفات المجتهد‪ ،‬وهو رأي بعض الشافعية‪.‬‬
‫وكان لهذا االختالف أثره في ترتيب موضوعات هذا العلم‪ .‬فبعضهم قدم الحكم الشرعي على سائر المباحث‪،‬‬
‫وبعضهم جعله آخرا باعتباره ثمرة لهذا العلم‪.‬‬
‫ولكنهم متفقون على مضمون تلك المباحث إجماال‪ .‬وبااصة عندما نضج علم األصول واستقرت الكتابة فيه بعد‬
‫القرون الثالثة األولى‪.‬‬
‫ولئن كانت مباحث الحكم الشرعي ثمرة فعلية لعلم األصول‪ ،‬والثمرة آخر ما يارج من الشجرة‪ ،‬فذننا آثرندا البددء‬
‫بها في الدراسة حتى يتذو الدارس حالوتها فينشا للتعرف على هذه الشجرة التي آتت أكلها‪ ،‬ويصبر على مشا‬
‫التعلم‪ ،‬لدراسة أجل علم من علوم اإلسالم‪ .‬أال وهو علم "أصول الفقه"‪.‬‬
‫ونتساءل اآلن‪ :‬ما فائدة علم األصول وأهميته؟ وما حكمه؟ ومن أين يستمد هذا العلم مباحثه؟‬
‫فائدة علم األصول وحكمه‬
‫فائدة علم أصول الفقه‪:‬‬
‫تتفاضل العلوم أهمية وشرفا بحسب موضوعها‪ ،‬وعلم أصول الفقه من أشرف العلوم وأعظمها قدرا‪ ،‬وأكثرها‬
‫نفعا‪.‬‬
‫وتتجلى هذه الميزة من غاية هذا العلم‪ ،‬فغايته معرفة أحكام الشرع الحنيف‪ ،‬سواء في مجال العبادات أم‬
‫المعامالت‪ ،‬و في سائر مجاالت الحياة‪ .‬والغرض من تلك المعرفة االلتزام بها‪ ،‬والسير وفق هدي د في كل‬
‫شؤون اإلنسان الااصة والعامة‪.‬‬
‫ي بكل طالب لهذا العلم أن ال يغيب عن باله هذا الهدف‪ ،‬حتى ولو استغرقته تفاصيل المسائل وشعابها‪ ،‬حتى‬ ‫فحر ٌّ‬
‫يكون تعلمه نافعا‪ ،‬ووسيلة لنيل مرضاة د‪.‬‬
‫ويمكن أن نوجز فوائد علم أصول الفقه في نقاط محددة‪:‬‬
‫‪ -1‬علم األصول يرسم للمجتهد طريق االجتهاد القويم‪ ،‬بما يحقق سالمة االستنباط‪ ،‬ووضوح السبيل إليه‪ ،‬مهما‬
‫تبدلت البيئات وتطورت المجتمعات وازدهرت وتعقدت أساليب الحياة‪ .‬فال ينحرف عنه وال يكبو في مسيره‪،‬‬
‫وال يز ّل به الهوى أو النظر الضيق‪ ،‬ويظل موصوال بحبل االجتهاد السديد الذي يقيمه علم األصول‪.‬‬
‫‪ -2‬يبين علم األصول لألمة بعامة‪ ،‬وألتباع المجتهدين ودارسي الفقه خاصة المنهج الذي سلكه األئمة المجتهدون‪،‬‬
‫ويرسم أمامهم معالم الطريق الذي سارت عليه عملية االستنباط واالجتهاد‪ ،‬حتى تطمئن قلوبهم إلى سالمة‬
‫المسلك الذي سلكه أئمتهم‪ ،‬ويبين لهم سبب االختالف وأساسه‪ ،‬وأن غاية كل مجتهد تحري الحق ابتغاء وجه‬

‫‪11‬‬
‫‪-‬‬
‫د‪ ،‬ال ابتغاء محمدة أو مغنم دنيوي زائل‪.‬‬
‫‪ -3‬يك ّون لدى طالب العلم ملكة النظر والتمييز بين األقوال‪ ،‬وفقه مستند اآلراء الفقهية‪ ،‬ويمهد له طريق االستدالل‬
‫وإدراك مناط األحكام‪ ،‬حتى يغدو في المستقبل من أهل االجتهاد‪.‬‬
‫‪ -4‬يثري منظومة التشريع استعدادا للنوازل الحادثة‪ ،‬وقد كان الفقه االفتراضي قديما مصدرا نافعا لكثير من‬
‫قضايا العصر ومسائله‪ .‬علما بأن لكل حادثة حكما هلل عز وجل‪ ،‬وما على المجتهدين إال الكشف عن حكم د‪.‬‬
‫‪ -5‬يصون معالم الدين من التحريف والتضليل‪ ،‬ويعرّف الناس بمصادر التشريع األصلية التي يجب االلتزام بها‬
‫والرجوع إليها‪ ،‬كما يبين المصادر الفرعية والتبعية‪ ،‬ويضع ضوابا وشروط االجتهاد للتص ّدي لحمالت‬
‫التشويه والتحريف التي تتعرض لها الشريعة من قبل المتأولين والمضلّلين‪ ،‬ويقطع الطريق أمام القاصرين‬
‫الذين يحرفون الكلم عن مواضعه‪ ،‬تحت دعاوى التطوير وتجديد االجتهاد‪.‬‬
‫‪ -6‬يمنح الدارس قدرة على استيعاب علوم اإلسالم األخرى‪ ،‬من تفسير وحديث وفقه‪ ،‬بما يؤهله إلدراك الحقائق‬
‫والكشف عن دقائق تلك العلوم‪ ،‬واإلفادة منها على أكمل الوجوه‪.‬‬
‫‪ -7‬يكشف علم األصول عن عظمة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وصالحيتها لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫وعلى اإلجمال فذن فائدة علم األصول كونه معتمدد األحكدام الشدرعية‪ ،‬وأسداس االجتهداد‪ ،‬لضدمان شدمول الشدريعة‬
‫الغراء‪ ،‬واستيعابها لكل جوانب الحياة‪ ،‬وبها تتحقق مصالح المكلفين في العاجل واآلجدل‪ .‬وبده تصدان الشدريعة مدن‬
‫التبديل والتحريف‪ ،‬فال يستغني عنه عالم مجتهد‪ ،‬وال متعلم مبتدئ‪)1(.‬‬
‫حكم تعلم أصول الفقه‪:‬‬
‫تعلّم أصول الفقه فرض كفاية على اإلجمال‪ ،‬قال في "شرح الكوكب المنير"‪ :‬ومعرفة أصول الفقه فرض كفاية‬
‫كالفقه(‪.)2‬‬
‫وأما في حق من أراد االجتهاد واإلفتاء فذنه يصبح فرض عين‪ ،‬ألنه الوسيلة لمعرفة حكم د في الحوادب النازلة‪،‬‬
‫وما ال يت ّم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أنه ليست كل مسائل هذا العلم واجبة‪ ،‬وإنما يجب القدر الكافي منها لفهم نصوص الشارع والقددرة‬
‫على االستدالل بها‪ ،‬واستنباط الحكم منها‪ ،‬والوقوف على مدارك األدلة والجمع بينهدا عندد التعددد‪ ،‬والتدرجيح بينهدا‬
‫عند التعارض‪.‬‬

‫(‪ – )1‬انظر‪ :‬محمد الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص‪12‬؛ عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ - )2‬ابن النجار‪ :‬شرح الكوكب المنير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.22‬‬
‫‪12‬‬
‫‪-‬‬
‫روافد علم األصول‬
‫علم األصول علم أصيل مستقل بذاته‪ ،‬نشأ في بيئة إسالمية صرف‪ ،‬لم يتأثر في مجمله بدخيل من علوم اليونان أو‬
‫الفرس‪ ،‬ورل معينه األكبر كتاب د وسنة رسوله‪ ،‬ولغة العرب األصيلة‪ .‬واجتهادات الصحابة وأئمة اإلسالم‪.‬‬
‫وقد مازجت بعض مباحثه روافد من علوم أخرى‪ ،‬ولكنها لم تؤثر في جوهره ومضمونه‪ ،‬وإن رهدر بعدض أثرهدا‬
‫على منهجية الكتابة والتدوين فدي مدوناتده المتدأخرة‪ ،‬كداإلغرا فدي الصدنعة المنطقيدة الصدورية‪ ،‬وإغفدال النظدرة‬
‫المقاصدية القرآنية‪.‬‬
‫وقد استقر لدى العلماء أن علم األصول يستمد من علوم ثالثة‪:‬‬
‫علم الكالم‪ ،‬أو التوحيد‪ ،‬وعلم اللغة‪ ،‬وعلم الفقه‪.‬‬
‫أما علم الكالم فدوره إثبات أصول الشرائع من التوحيد وصدد الرسدول صدلى د عليده وسدلم المبلدغ عدن د عدز‬
‫وجل‪ ،‬وأما اللغة فلبيان دالالت األلفار وتحديد القواعد اللغويدة الضدرورية السدتنباط األحكدام‪ ،‬ألن الكتداب والسدنّة‬
‫جدداءا بلسددان عربددي مبددين‪ ،‬فكددان لزامددا معرفددة قواعدددها مددن حقيقددة ومجدداز وعمددوم وخصددوص وإطددال وتقييددد‪،‬‬
‫ومنطو ومفهوم‪.‬‬
‫وأمددا اسددتمداده مددن الفقدده فألندده ميدددان عمددل األصددولي وتطبيددق قواعددده‪ ،‬إثباتددا ونفيددا‪ ،‬ومندده اسددتمداد األمثلددة الحيددة‬
‫إليضاح تلك القواعد(‪.)1‬‬
‫يقول اإلمام الشوكاني‪« :‬وأما استمداده فمن ثالثة أشياء؛ األول ‪ :‬علدم الكدالم‪ ،‬لتوقدف األدلدة الشدرعية علدى معرفدة‬
‫الباري سبحانه‪ ،‬وصد المبلغ‪ .‬وهما مبينان فيه مقررة أدلتهما من مباحثه‪ ،‬الثاني ‪ :‬اللغة العربية؛ ألن فهم الكتداب‬
‫والسددنة واالسددتدالل بهمددا متوقفددان عليهددا إذ همددا عربيددان‪ ،‬والثالددث‪ :‬األحكددام الشددرعية مددن حيددث تصددورها‪ ،‬ألن‬
‫المقصود إثباتها أو نفيها‪ ،‬كقولنا ‪ :‬األمر للوجوب والنهي للتحريم والصالة واجبة والربا حرام»(‪.)2‬‬
‫وثمة روافد ثانوية تمثلت في علم المنطق الذي دخل التراب اإلسالمي في فتدرة الحقدة‪ ،‬وأصدبحت مقدماتده مددخال‬
‫لكثير من العلوم‪ ،‬ومنها علم األصول‪ .‬حتى عده الغزالي ضروريا لكل العلوم‪ ،‬ومن ال علم له به فال ثقة بعلمه‪.‬‬
‫فمن علم المنطق استفاد األصوليون مقدمات كتبهم فيما يتعلق بمباحدث الددالالت اللفظيدة وأقسدامها‪ ،‬وانقسدام اللفدظ‬
‫إلى تصور وتصديق‪ ،‬ومباحدث التعريفدات والبدراهين‪ ،‬وشدروطها‪ ،‬واالعتراضدات عليهدا‪ ،‬وكيفيدة اسدتادامها فدي‬
‫االحتجاج واالعتراض ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن علم الكالم عرّجوا إلى الحديث عن الحاكم وتحديده‪ ،‬أهو الشرع أم العقل؟ ونتج عن ذلدك فديض مدن المباحدث‬
‫في التحسين والتقبيح‪ ،‬وحكم شكر المنعم؟ وحكم األشياء قبل ورود الشدرع؟ وهدل النبدي متعبدد بشدرع قبدل البعثدة؟‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫أمددا المباحددث المسددتمدة مددن اللغددة فكانددت أصدديلة ألنهددا تناولددت وعدداء الكتدداب والسددنة وهددو اللغددة العربيددة‪ ،‬وأثددرى‬
‫األصدوليون علددم اللغدة بمبدداحثهم حدول الحقيقددة والمجداز واالشددتراك واالشدتقا والتددرادف‪ ،‬والعمدوم والاصددوص‬
‫ومعاني الحروف‪ .‬وغيرها‪.‬‬
‫كما أفادوا من نصدوص الكتداب والسدنة قواعدد أصدولية هامدة‪ ،‬وأمثلدة فقهيدة غزيدرة أثدروا بهدا الكتدب األصدولية‪،‬‬
‫تنظيرا وتطبيقا‪.‬‬
‫نشأة علم األصول‬
‫كيف نشأ هذا العلم؟ ومن هدو واضدعه؟ ومدا هدي أهدم مدارسده‪ ،‬وأشدهر مؤلفاتده؟ وكيدف تطدورت الكتابدة فيده عبدر‬
‫القرون؟‬
‫نشأة علم األصول‪:‬‬

‫(‪ - )1‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.1_5‬‬


‫(‪ - )2‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول ص ‪.2‬‬
‫‪13‬‬
‫‪-‬‬
‫ذكرنا أن أصول الفقه علم إسالمي أصيل النشأة‪ ،‬ولد وترعرع واكتمل في تربة إسالمية خالصة‪ ،‬وهو من أشدرف‬
‫علوم اإلسدالم وأنفسدها‪ ،‬وهدو علدم معيداري يوجده مسدار المجتهدد ويضدبا عمليدة االجتهداد‪ ،‬ولدذلك عد ّده كثيدر مدن‬
‫الدارسين فلسفة التشريع في اإلسالم‪.‬‬
‫وقد نشأ الفقه في فترة مبكرة منذ عصر النبي صلى د عليه وسلم‪ ،‬ولكن علم األصول بدأ متأخرا حسب الظاهر‪.‬‬
‫وعند التحقيق يتجلّى لنا أن أصول الفقه لم يكن متأخرا عن الفقده بدل كدان مصداحبا لده‪ ،‬وهاديدا لده‪ ،‬إذ ال يوجدد فقده‬
‫دون أصول‪ ،‬وإن لم يعرف الناس اسمه وال اصطلحوا على تسمية قواعده وأصوله‪.‬‬
‫ومعلوم أن الناس كانوا يسألون رسول د صلى د عليه وسلم فيجيبهم بمدا يندزل بده القدرآن‪ ،‬أو بمدا يُلهمده د فدي‬
‫السنة‪ .‬وإذا اجتهد ولم ينزل قرآن يص ّوبه كان اجتهاده حقّا وشرعا متبعا‪.‬‬
‫وقد تقرر أنه لم يكن ثمة مصدر للتشريع في عهد النبي صلى د عليه وسلم إال الوحي‪ .‬لقوله تعدالى‪ " :‬ومدا ينطد ُ‬
‫ق‬
‫عن الهوى‪ ،‬إن هُو إ َّال وحي يُوحى "نجم‪.٢ - ٤ :‬‬
‫ثم كان عصر الصحابة فكان منهم مجتهدون راساون اسدتوعبوا حقدائق الددين‪ ،‬وأدركدوا علدل األحكدام‪ ،‬وبصُد ُروا‬
‫بمقاصددد التشددريع‪ ،‬فكددانوا يفتددون للندداس بمددا عندددهم مددن علددم بكتدداب د وسددنة رسددوله‪ ،‬وإذا لددم يجدددوا فيهمددا حكمددا‬
‫اجتهددوا وفددق مددا عندددهم مددن بصدديرة اجتهاديددة اسددتقوها مددن معاصددرتهم لرسددول د‪ ،‬وفقههددم فددي الدددين وسددليقتهم‬
‫العربية األصيلة‪.‬‬
‫وقد عرفوا القياس وسد الذرائع والنسخ والتاصيص‪ ،‬وورفوا قواعدها في اجتهاداتهم الكثيرة‪.‬‬
‫ثم جاء التابعون فواصلوا مسيرة شيوخهم من الصحابة في االجتهاد واستنباط األحكام‪.‬‬
‫وانقضى عهد التابعين واتسعت رقعة اإلسالم‪ ،‬واختلا العدرب بدالعجم‪ ،‬ورهدر اللَّحدن فدي األلسدن‪ ،‬فاشدي العلمداء‬
‫على لسان القرآن من الدخيل‪ ،‬وأسدرعوا إلدى وضدع قواعدد تضدبا فهدم القدرآن والسدنة‪ ،‬حتدى ال ياطدا النداس فدي‬
‫تأويلها‪ .‬ولم يحسم وضع النحو وضبا اللغة اختالف الناس‪ ،‬بل قامت مشاكل واحتدد الجددل والادالف بدين النداس‪،‬‬
‫وتعددت مسالك الفهم واالستنباط‪ .‬فدعت الضرورة إلى وضع قواعدد تضدبا عمليدة االجتهداد‪ ،‬يرجدع إليهدا الفقهداء‬
‫عند االختالف‪.‬‬
‫وبعد عصر التابعين توافر للناس عددد غيدر يسدير مدن سدنة رسدول د المحفوردة‪ ،‬ومدن فتداوى وأقدوال الصدحابة‬
‫ومجتهدي التابعين‪ ،‬وتواصدلت جهدود الفتدوى فدي الندوازل الحادثدة‪ .‬وكدان األخدذ بمدا اتفقدت عليده أقدوال السدابقين‪،‬‬
‫وعند اختالفهم ياتار كل فقيه أقوال أهل بلده وشيوخه‪.‬‬
‫فاشتهر مذهب عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس بالمدينة‪ ،‬وعنها نشأت مدرسة الحدديث‪ ،‬واشدتهر مدذهب علدي‬
‫وابن مسعود بالكوفة‪ ،‬وعنها نشأت مدرسة الرأي بالعرا ‪ .‬وبكل مدرسة أخذ أئمدة المدذاهب‪ ،‬فعمدل اإلمدام مالدك‬
‫بفقه أهل المدينة‪ ،‬وعمل أبو حنيفة بفقه أهل الكوفة‪.‬‬
‫وحصل جدل حاد بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي‪ .‬وك ٌّل يرمدي اآلخدر بالتقصدير‪ ،‬فأهدل الحدديث وصدموا أهدل‬
‫الرأي بالتفريا في الرواية وإهمدال السدنة المرويدة‪ ،‬وأهدل الدرأي نسدبوا أهدل الحدديث بالقصدور فدي فهدم نصدوص‬
‫الشرع‪ ،‬والوقوف عند رواهر النصوص‪.‬‬
‫والواقع أن أهل الحجاز كان الحديث عندهم موفورا‪ ،‬بينما افتقر إليه أهل العرا ‪ ،‬أو لم يثقوا في رواتده‪ ،‬وبااصدة‬
‫عندما فشا الوضع‪ ،‬وتجرأ الناس على الكذب على رسول د‪ ،‬فكان مالذهدم إلدى الدرأي لسدد الفدراش التشدريعي فدي‬
‫رل وفرة الحوادب النازلة عندهم بما لم يكن له نظير في بيئة الحجاز‪.‬‬
‫فأهل العرا ال ير ّدون الحديث الصحيح‪ ،‬كمدا ال يدرد أهدل الحجداز الدرأي السدديد حدين ال يكدون فدي المسدألة ندص‬
‫ثابت‪ .‬ولكن رغم هذا فقد احتد النقاش بين الفريقين وكان التنابز بينهم شديدا(‪.)1‬‬
‫وفي رل هذا الاالف الحاد سطع نجم اإلمام الشافعي فوضع للناس قانونا عصمهم من التنازع فدي الددين‪ ،‬وميزاندا‬

‫(‪ - )1‬انظر‪ :‬محمد الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص‪ ،121‬محمد أبو زهرة‪ ،‬تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.12‬‬
‫‪14‬‬
‫‪-‬‬
‫احتكموا إليه فزال ما بينهم من خصام دام عدد سنين‪.‬‬
‫واإلمام محمد بن إدريس الشافعي (ولد ‪151‬هص وتوفي ‪215‬هص)‬
‫وضع القواعد األساسية لتفسير النصوص‪ ،‬وإثبات حجية األخبار‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬في كتابه الرسالة‪.‬‬
‫والرسالة أنشأها الشافعي وهو بمكة‪ ،‬وبعث بهدا إلدى عبدد الدرحمن بدن مهددي المحددب المشدهور ت ‪191‬هدص إجابدة‬
‫لطلبه أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ‪ ،‬ويجمع قبول األخبار فيه‪ ،‬وحجية اإلجماع‪ ،‬وبيان الناسخ والمنسوخ من‬
‫القرآن والسنة‪ .‬كتبها في شكل رسالة منه إلى عبد الرحمن بن مهدي لذا سميت " الرسالة"(‪.)1‬‬
‫وال يعني هذا أن قواعد األصول أنشأها بنفسه‪ ،‬بل استفادها من فهمه لنصوص الوحي ومبندى اجتهدادات الصدحابة‬
‫والتابعين‪ ،‬وفقهه باللغة العربية وقد كان فيها حجة وإماما‪.‬‬
‫فبعلم اللسان استطاع أن يستنبا القواعد الستاراج األحكام الفقهية من نصوص القرآن والسنة‪ ،‬وبدراسته في مكدة‬
‫_التي كان يتوارب فيها علم عبد د بن عباس الذي سُمي ترجمدان القدرآن_ عدرف الناسدخ والمنسدوخ‪ ،‬وباطالعده‬
‫الواسع على السنة وتلقيه لها عن علمائها وموازنتها بالقرآن استطاع أن يعرف مقام السنة من القرآن‪ ،‬وحالها عندد‬
‫معارضة بعض رواهرها لظواهر القرآن الكريم‪ .‬وقد كانت دراسته لفقه الرأي وللمأثور من آراء الصحابة أساسدا‬
‫لما وضعه من ضوابا للقياس(‪.)2‬‬
‫ورغم وضوح دور الشافعي في تأسيس التددوين األصدولي المسدتقل‪ ،‬فقدد ادعدى أوليدة التددوين األصدولي عددد مدن‬
‫المذاهب‪.‬‬
‫فذهب الحنفية إلى أن أبا حنيفة‪ ،‬وأبا يوسف‪ ،‬ومحمد بن الحسدن هدم السدابقون إلدى وضدع علدم األصدول‪ ،‬كمدا ذكدر‬
‫ذلك اإلمام السرخسي(‪.)3‬‬
‫وذهب المالكية إلى نسبة ذلك لإلمام مالك أيضا‪ ،‬فقد تكلم في أصول الفقه في رسالته لليث بن سدعد‪ ،‬وفسّدر غريدب‬
‫الحديث في الموطذ‪ ،‬ولكن لم ينشا فيه كتابا مستقال(‪.)4‬‬
‫ونسب الشيعة اإلمامية إلى إمامهم محمد الباقر أولية التدوين األصولي‪ ،‬ثم إلى ابنه جعفر الصاد ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وإن شكك الباحثون في صحة نسبة عدد من الكتب إلى اإلمام محمد الباقر‬
‫والواقع أن أول كتاب مستقل في أصول الفقه هو كتاب "الرسالة" لإلمام الشافعي‪ ،‬وهذا محل إجماع من المحققدين‬
‫من العلماء‪ ،‬أما الحديث عن القواعد األصولية‪ ،‬فنجدها مبثوثة في ما كتب قبل الشافعي في كتب الحنفية وغيرهم‪.‬‬
‫يقول الدكتور نذير حمادو‪:‬‬
‫"لدديس موضدددع الادددالف فدددي أول مدددن تكلدددم فدددي أصددول الفقددده‪ ،‬فدددالمتكلمون فدددي األصدددول قبدددل التددددوين كثيدددرون‬
‫‪-‬كما هو مقرر‪ -‬فدي عهدد الصدحابة والتدابعين ومدن بعددهم‪ ،‬رهدرت فدي نمداذج تطبيقيدة عمليدة فدي أحكدام الالفداء‬
‫الراشدين‪ ،‬وغيرهم مدن القضداة وال ُح َّكدام‪ ،‬ونمداذج نظريدة مدن أبرزهدا خطداب عمدر بدن الاطداب إلدى أبدي موسدى‬
‫األشعري‪ ،‬والمكاتبة بين اإلمام مالك وفقيه مصر الليث بن سعد‪ ،‬وغير هذا كثير‪.‬‬
‫كما أن الاالف ليس في رهور كتابة حول موضوع أصولي مستقل‪ ،‬كداللة األلفار‪ ،‬أو الرأي‪ ،‬أو االستحسدان‪ ،‬أو‬
‫الكتابة في األصول ضمن كتاب فقهي‪.‬‬
‫الاالف ينحصر في أولية التأليف في علم أصول الفقده بصدورة عامدة شداملة مسدتقلة‪ ،‬وهدذا مدا اتصدفت بده رسدالة‬

‫(‪ - )1‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫(‪ – )2‬محمد أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص‪.11 ،12‬‬
‫‪ - )3‬أبو بكر السرخس‪ ،‬أصول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪..3‬‬
‫‪ - )4‬الحجوي الثعالبي‪ ،‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي ج‪ ،1‬ص ‪..335‬‬
‫(‪ - )5‬لقد أفدت في هذا الباب من بحث مستفيض ألخينا الدكتور نذير حمادو في مذكرة أصول الفقه مصورة بحوزتي‪ .‬فله‬
‫جزيل الشكر‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪-‬‬
‫اإلمام الشافعي؛ بحيث كانت بحق مد َّونة كاملة في أصول الفقه على سبيل االستقالل‪ ،‬لم يسبقها بهذا المعندى كتداب‬
‫في موضوعها‪ ،‬وهذا هو الذي استقر عليه األمر عند المحققين‪ ،‬وأثبته التاريخ‪ ،‬يقول الجالل السيوطي ‪ ":‬اإلجماع‬
‫على أنه ( الشافعي ) أول واضع لعلم األصول؛ إذ هو أول من تكلم فيه‪ ،‬وأفرده بالتدأليف‪ ،‬وكدان مالدك فدي الموطدأ‬
‫أشار إلى بعض قواعده‪ ،‬وكذلك غيره من أهل عصره كأبي يوسف ومحمد بن الحسن(‪.")1‬‬
‫وعلى ضوء هذا العرض يتبين أن كتداب " الرسدالة " لإلمدام الشدافعي رضدي د عنده أول مؤلدف أصدولي كامدل‪،‬‬
‫مستقل بمنهجه‪ ،‬و موضوعاته ومسائله‪ ،‬و هذا ما قرره‪ ،‬وجزم به من غيدر تدردد‪ ،‬و بكدل موضدوعية‪ ،‬و اعتدراف‬
‫بالحق – مع أنه مالكي المذهب‪ -‬مؤرخ العلوم العالمة ابن خلدون في مقدمته حيث قال‪ ":‬وكدان أ َّول مدن كتدب فيده‬
‫ال َّشافعي‪ ،‬أملى فيه رسالتهُ المشهورة‪ ،‬تكلَّم فيها في‪ :‬األوامر‬
‫و النواهي‪ ،‬والبيان والابر‪ ،‬والنسخ‪ ،‬وحكم العلة المنصوصة من القياس(‪.")2‬‬
‫التدوين األصولي ومدارسه‬
‫تنوعت طر الكتابة األصولية بعد اإلمام الشافعي‪ ،‬واشتهر منها مدرستان‪ ،‬هما مدرسة المتكلمين ومدرسة‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫مدرسة المتكلمين انتظم فيها فقهاء الشافعية وسائر المذاهب اإلسالمية األخرى‪ .‬ومدرسة الفقهاء اختص بها فقهاء‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫ثم رهرت بعد ذلك مدرسة المتأخرين التي سعت للجمع بين الطريقتين‪ ،‬فضال عن مدرسة الشاطبي‪.‬‬
‫ولكل مدرسة خصائص عرفت بها‪ ،‬ورهرت في مؤلفاتها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مدرسة المتكلمين‪:‬‬
‫تقوم هذه المدرسة على طريقة علماء الكالم في تقرير األصول ووضع القواعد العامة‪ ،‬بصورة نظرية دون‬
‫اعتبار لفروع مسائل المذهب‪ ،‬ألن اهتمامهم كان مركزا على الوصول إلى القاعدة األصولية‪.‬‬
‫كما برز اهتمامهم بالمسائل الكالمية في علم األصول‪ ،‬كقضية التحسين والتقبيح العقليين‪ ،‬وعصمة األنبياء قبل‬
‫الرسالة‪ ،‬وشكر المنعم هل يجب بالعقل أم بالشرع؟ وهذه مباحث ال أثر لها في الواقع‪ ،‬إنما هي قضايا نظرية‬
‫بحتة‪.‬‬
‫وتتميز هذه الطريقة بتحقيق المسائل وتمحيص الاالفات‪ .‬والتركيز على االستدالل العقلي‪ ،‬واالسترسال في الجدل‬
‫والمناررة‪ ،‬وعدم أخذ الضوابا األصولية من الفروع الفقهية‪ ،‬وجعل المسائل الفقهية الاارجة عن القواعد‬
‫األصولية اسثناء ال يؤثر في القاعدة األصولية المقررة(‪.)3‬‬
‫أهم الكتب التي ألّفت على طريقة المتكلمين‪:‬‬
‫قال ابن خلدون‪" :‬وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون‪ ،‬كتداب البُرهاا إلمدام الحدرمين‪ ،‬والمستَصافى للغزالدي‪،‬‬
‫وهمددا مددن األشددعرية‪ ،‬وكتدداب العهااد لعبددد الجبددار‪ ،‬وشددر ُحهُ المعت َما ُد ألبددي الحسددين البصددري‪ ،‬وهمددا مددن المعتزلددة‪،‬‬
‫وكانت األربعةُ قواعد هذا الفن و أركانهُ "(‪.)4‬‬
‫وأهم كتب األصول على مدرسة المتكلمين‪:‬‬
‫‪ – 1‬البرهان ألبي المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد د بن يوسف الجويني ‪471‬هص‪.‬‬
‫‪ –2‬المعتمد ألبي الحسين محمد بن الطيب البصري ‪436‬هص‬

‫‪ - )1‬انظر‪ :‬الحجوي‪ ،‬الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص‪.222‬‬


‫‪ - )2‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.211‬‬
‫(‪ - )3‬زكريا البرديسي ‪ :‬أصول الفقه ص ‪.10‬‬
‫(‪ - )4‬ابن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ج ‪ ، 0‬ص ‪.212-211‬‬
‫‪16‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ –3‬المستصفى لإلمام أبي حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي ‪515‬هص(‪)1‬‬
‫وتعتبر كتب هؤالء الثالثة‪ ،‬المعتمد ألبي الحسين البصري‪ ،‬والبرهان للجويني‪ ،‬والمستصفى للغزالي‪ ،‬عمدة‬
‫المؤلفات الالحقة‪ ،‬بل صارت عمدة التأليف األصولي على مدرسة المتكلمين‪ .‬وعليها قام عدد وفير من المؤلفات‬
‫األصولية على مدرسة المتكلمين‪ .‬جمعا بينها أو اختصارا لها‪.‬‬
‫ومن أشهر ماتصراتها كتاب "المحصول" لفار الدين محمد بن عمر الرازي ت‪611‬هص‪.‬‬
‫وكتاب "اإلحكام في أصول األحكام" لسيف الدين اآلمدي‪ ،‬ت‪631‬هص‪.‬‬
‫ثم توالت االختصارات على هذين الكتابين المه ّمين‪ .‬ونذكر من ماتصرات المحصول‪:‬‬
‫‪ – 4‬كتاب "التحصيل" لإلمام سراج الدين األرموي ت ‪672‬هص‪.‬‬
‫‪ – 5‬كتاب "الحاصل" لإلمام تقي الدين األرموي ت ‪652‬هص ‪.‬‬
‫‪ – 6‬كتاب " منهاج الوصول إلى علم األصول" للقاضي البيضاوي ناصر الدين أبي الاير عبد د بن عمر‬
‫الشافعي ت ‪615‬هص‪.‬‬
‫‪ -7‬كتاب " نهاية السول في شرح منهاج األصول" لإلمام جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي‬
‫األسنوي‪ ،‬الشافعي المتوفى ‪772‬هص‪.‬‬
‫‪ - 1‬كتاب " منهاج العقول في شرح منهاج األصول" لإلمام محمد بن الحسن البدخشي‪.‬‬
‫‪ -9‬كتاب " منتهى السول واألمل في علمي األصول والجدل" ألبي عمرو عثمان بن عمرو الشهير بابن‬
‫الحاجب‪ ،‬المتوفى عام ‪646‬هص‬
‫‪ -11‬كتاب "ماتصر المنتهى" البن الحاجب نفسه‪ .‬واهتم به طلبة العلم دراسة وحفظا‪ ،‬وعني به العلماء شرحا‬
‫وتعليقا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مدرسة الفقهاء‪:‬‬
‫تقوم هذه المدرسة على العناية بالفروع الفقهية‪ ،‬واستقرائها الستاالص القواعد األصولية‪ ،‬حيث كان األصوليون‬
‫يقررون القواعد بناء على فهمهم لمبنى اجتهادات أئمتهم‪ ،‬وما نقل عنهم من الفروع‪.‬‬
‫وهذه طريقة الحنفية في مؤلفاتهم األصولية‪ .‬وإذا وجدوا ماالفة للقاعدة مع فرع فقهي ع ّدلوها بما يتفق وذلك‬
‫الفرع‪ .‬لذلك كانت أصول الحنفية مرتبطة بالفروع‪ ،‬كثيرة التفريع‪ ،‬بما ينأى بها أحيانا عن مفهوم األصل والقاعدة‪.‬‬
‫فأصول الحنفية في الواقع دراسة فقهية ضابطة لجزئيات المذهب‪ ،‬ووضع طر التاريج وتفريع الفروع على‬
‫أصول المذهب‪ .‬وفي هذا ميزة تمنح فقهاءهم مجاال الستنباط األحكام فيما يج ّد من حوادب ونوازل(‪. )2‬‬
‫وهذا المنهج قد ال يتضح إال بمثال محسوس‪ ،‬ومن ذلك قولهم بأن اللفظ ال يستعمل في الحقيقة والمجاز معا‪،‬‬
‫والمشترك ال يستعمل في معانيه معا‪ .‬كالعين للباصرة والذهب ونبع الماء والجاسوس‪ .‬فال تستعمل إال في معنى‬
‫واحد‪.‬‬
‫وقد استفادوا هذه القاعدة من فروع أئمتهم أنه إن أوصى رجال لمواليه بطلت وصيته‪ ،‬ألن المولى يطلق على‬
‫السيد والعبد معا‪.‬‬
‫ثم وجدوا فروعا تاالف هذه القاعدة فحاولوا ضبطها وقيدوها بأن المشترك ال يع ّم إال إذا كان بعد النفي أو النهي‪.‬‬
‫فلو قال شاص‪ :‬ود ال أتصد على مواليك‪ .‬ص ّح الكالم‪ ،‬وحنث إن تصد على أحدهم سواء أكان عبدا أم سيدا‬
‫للمااطب‪ .‬ألن المولى مشترك جاء في سيا النفي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ومن فروع الحنفية أن االبن يحرم عليه نكاح مزنية أبيه لقوله تعالى‪ ":‬وال تنكحُوا ما نكح آبا ُؤكم من النساء إال ما‬
‫قد سلف إنَّهُ كان فاحشة ومقتا وساء سبيال "النساء‪ .٤٤ :‬والنكاح في اآلية للعقد‪ ،‬ولكنهم جعلوه هنا مشتركا للعقد‬

‫(‪ - )1‬مصطفى سعيد الان ‪ :‬دراسة تارياية للفقه وأصوله ص ‪122‬وما بعدها‬
‫(‪ - )2‬محمد أبو زهرة ‪ :‬أصول الفقه ص ‪11‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪-‬‬
‫والوطء معا‪ ،‬ألنه جاء في سيا النهي(‪. )1‬‬
‫أشهر كتب األصول على مدرسة الفقهاء‪)2( :‬‬
‫‪ -1‬رسالة الكرخي في األصول ألبي الحسن عبيد د بن الحسن الكرخي ت ‪341‬هص ‪.‬‬
‫‪ -3‬أصول الجصاص لإلمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي ت ‪371‬هص ‪.‬‬
‫‪ – 4‬تقويم األدلة ألبي زيد عبد د بن عمر بن عيسى القاضي الدبوسي ت ‪431‬هص‪.‬‬
‫‪" – 5‬أصول البزدوي" أو "كنز الوصول إلى معرفة األصول" لإلمام فار اإلسالم أبي الحسن علي بن محمد‬
‫البزدوي ت ‪412‬هص‬
‫‪ – 6‬كشف األسرار لإلمام عالء الدين عبد العزيز البااري ت ‪731‬هص‪.‬وهو شرح على أصول البزدوي‬
‫‪ – 7‬أصول السرخسي لإلمام شمس األئمة أبي بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي ت ‪413‬هص‬
‫‪ -1‬منار األنوار لإلمام أبي البركات عبد د بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفي ت ‪711‬هص ‪.‬‬
‫‪ – 9‬كشف األسرار شرح المصنف على المنار للمؤلف نفسه ‪.‬‬
‫‪ -11‬شرح منار األنوار لإلمام عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز بن ملك ت ‪115‬هص‪ .‬وعليه شروح عديدة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مدرسة المتأخرين‪:‬‬
‫وسلكت هذه الطريقة الجمع بين المدرستين السابقيتن‪ ،‬سعيا الستيعاب محاسنهما معا‪ ،‬وتفادي نقائصهما‪ ،‬وذلك‬
‫بترسيخ مبدإ التقعيد الذي عرفت به مدرسة المتكلمين‪ ،‬وتوطيد مبدإ التمثيل والتفريع الفقهي الذي اشتهرت به‬
‫مدرسة الفقهاء‪.‬‬
‫فهذه الطريقة تعنى بالفروع الفقهية بقدر ما تعني بذثبات األصول والقواعد الكلية‪ ،‬فهي تنشا القواعد الكلية وتقيم‬
‫عليها األدلة والبراهين‪ ،‬مع مالحظة ما ينضبا تحت هذه القاعدة من الفروع‪ ،‬وبذلك يستغنون عن اللجوء إلى‬
‫كثير مما يضطر إليه غيرهم من االستثناءات من القواعد التي قعدوها عند التفريع‪.‬‬
‫ومن أشهر المؤلفات التي رهرت على هذه الطريقة‪:‬‬
‫‪ – 1‬بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي واإلحكام لإلمام مظفر الدين أحمد بن علي البعلبكي الحنفي المعروف‬
‫بابن الساعاتي المتوفى عام ‪694‬هص ‪ .‬وقد جمع فيه صاحبه بين طريقتي اآلمدي في كتابه اإلحكام الذي عني فيه‬
‫بالقواعد الكلية‪ ،‬وطريقة فار اإلسالم البزدوي في كتابه الذي عني فيه بالشواهد الجزئية الفرعية‪.‬‬
‫‪ – 2‬التنقيح ‪:‬للقاضي صدر الشريعة عبيد د بن مسعود المحبوبي البااري الحنفي المتوفى عام ‪747‬هص وقد‬
‫لاص كتابه هذا من عدة كتب منها ما هو على طريقة الفقهاء‪ ،‬ومنها ما هو على طريقة المتكلمين‬
‫‪ -3‬التوضيح شرح التنقيح للمؤلف نفسه ‪.‬‬
‫‪ – 4‬حاشية على التوضيح شرح التنقيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ت ‪797‬هص وقد أسماه التلويح‪.‬‬
‫‪ – 5‬جمع الجوامع لإلمام تاج الدين السبكي ت ‪771‬هص‬
‫‪ – 6‬التحرير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المشهور بابن الهمام الحنفي ت ‪161‬هص ‪.‬‬
‫‪ – 7‬مسلم الثبوت لإلمام محب الدين بن عبد الشكور الحنفي‪ .‬ت ‪1119‬هص ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مدرسة الشاطبي‪:‬‬
‫جاء اإلمدام أبدو إسدحا إبدراهيم بدن موسدى اللامدي الغرنداطي المدالكي‪( ،‬ت ‪791‬هدص) فدي القدرن الثدامن الهجدري‪،‬‬
‫وسلك مسلكا جديدا في التأليف األصولي في كتابه الشهير "الموافقات"‪ ،‬لم يسبق إليده‪ ،‬وتددارك الدنقص الدذي كدان‬
‫في المؤلفات األصولية السابقة‪.‬‬
‫إذ عرض مباحث علم األصول من خالل مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وجعل أسس هدذا العلدم محصدورة فدي اللغدة‬

‫(‪ - )1‬انظر‪ :‬السرخسي‪ ،‬أصول السرخسي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪102 ،101‬؛ علي حسب د ‪ :‬أصول التشريع اإلسالمي ص ‪2‬؛ محمد‬
‫مصطفى شلبي ‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي ص ‪.53‬‬
‫(‪ - )2‬مصطفى سعيد الان ‪ :‬دراسة تارياية للفقه وأصوله ص ‪ 025‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪-‬‬
‫العربية‪ ،‬وفهم مقاصد الشارع‪.‬‬
‫وأفاض في إقامة علم المقاصد‪ ،‬بصورة فريدة‪ ،‬مبينا مقاصد الشارع ومقاصد المكلف‪ ،‬مثبتا باالستقراء كيفية‬
‫انبناء الشريعة على مراعاة المصالح‪ ،‬وأنها نظام عام لجميع البشر‪ ،‬وبسا ذلك في جزء خاص من كتابه‪ ،‬بما فتح‬
‫الطريق أمام العلماء ليواصل بناء هذا العلم‪ ،‬ويضبطوا به مسار االجتهاد في األعصر الالحقة‪ .‬حتى غدا الحديث‬
‫عن المقاصد اليوم‪ ،‬أهم ما يميز الدراسات األصولية الحديثة(‪.)1‬‬
‫خامسا‪ :‬المؤلفات األصولية الحديثة‪:‬‬
‫من الالفت لالنتبداه أن معظدم كتدب أصدول الفقده التدي كتبهدا المتدأخرون‪ ،‬عددا كتدب الشداطبي‪ ،‬كاندت كتبدا‬
‫مضغوطة العبارة في جملتها‪ ،‬كثرت فيها االختصارات والشروح والحواشي حتى غددا بعدض ألفارهدا علدى شدكل‬
‫ألغاز وأحاجي‪.‬‬
‫وأسباب هذا االختصدار واالعتصدار عديددة‪ ،‬منهدا صدعوبة هدذا العلدم واعتمداده علدى علدم المنطدق كثيدرا‪،‬‬
‫ومنها انعدام الطباعة مما كان يضطر المؤلفين إلى اختصدار كتدبهم لكدي يتسدنى لهدا أن تتدداول بدين أيددي الطدالب‬
‫والمتفددرغين لهددذا العلددم‪ ،‬ولكنهددا انقلبددت إلددى رمددوز وألغدداز ممددا اض دطر مؤلفيهددا أنفسددهم للعددودة عليهددا بالشددرح‬
‫والتفصيل‪ ،‬إلزالدة غموضدها‪ ،‬وتوضديح معانيهدا للطدالب مدن جديدد‪ ،‬بعدد أن اسدتغلقت علديهم معانيهدا بسدبب ذلدك‬
‫االختصار الشديد‪.‬‬
‫نظرا لهذه المشكلة فقد اتجهت رغبة العلماء المحددثين إلدى إعدادة التدأليف فدي أصدول الفقده بلغدة العصدر‪،‬‬
‫تبسيطا للعبارة وتنظيما للمادة‪ ،‬وتبويبا لهدا فدي كتدب ميسدورة التنداول واضدحة المدنهج‪ ،‬وفّدرت عنداء بالغدا وجهددا‬
‫كبيرا على طلبة العلم‪ .‬وأقبل عليها الناس باهتمام‪ ،‬فأعادت لعلم األصول حياتده وحيويتده‪ ،‬وحضدوره فدي المجدامع‬
‫والجامعات‪.‬‬
‫وكددان ذلددك تددأثرا بددالمنهج السددائد فددي التددأليف الحددديث‪ ،‬الس داعي لتبليددغ الفكددرة واضددحة بأيسددر األسدداليب‬
‫وأوضح العبارات‪.‬‬
‫وإن كان هذا التيسير ال يغني عن العودة إلى المصادر األولى لمدا فيهدا مدن دقدة العبدارة وغزيدر المعداني‪،‬‬
‫وقوة اللغة وبالغتها بما تقصر عنه كثير من الكتابات المعاصرة‪.‬‬

‫(‪ – )1‬الشاطبي‪ ،‬الموافقات‪ ،‬مقدمة عبد د دراز‪ ،‬ج‪ ،1‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.1-5‬‬
‫‪19‬‬
‫‪-‬‬
‫أهم كتب األصول الحديثة‪:‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول‪ ،‬للشوكاني‪ ،‬المتوفى سنة‪1255‬هص‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه للشيخ محمد الاضري‪ ،‬المتوفىسنة‪1927‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ ،‬لألستاذ الشيخ عبد الوهاب خالف‪ ،‬المتوفى سنة‪1955‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ ،‬لألستاذ الشيخ محمد أبو زهرة المتوفى سنة‪1974‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه لألستاذ الشيخ محمد زهير أبو النور‪ ،‬والكتاب أربعة أجزاء‪ ،‬وهو عبارة عن تلايص وتوضيح‬
‫لكتاب نهاية السُول في شرح منهاج الوصول لإلسنوي‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬للشيخ شاكر الحنبلي طبع سنة ‪1941‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ،‬لألستاذ الشيخ زكي شعبان وقد طبع سنة ‪1967‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أصول التشريع اإلسالمي‪ ،‬لألستاذ علي حسب د ‪ ،‬طبع سنة‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ ،‬لألستاذ الشيخ محمد زكريا البرديسي‪.‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه اإلسالمي لألستاذ محمد مصطفى شلبي‪.‬‬
‫‪ -‬مباحث الحكم ‪ ،‬لألستاذ محمد سالم مدكور‪.‬‬
‫‪ -‬المدخل إلى علم أصول الفقه‪ ،‬للدكتور معروف الدواليبي‪.‬‬
‫‪ -‬نظرية الحكم ومصادر التشريع في أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬لألستاذ الدكتور أحمد الحصري‪.‬‬
‫‪ -‬مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬للدكتور محمد أديب صالح‪.‬‬
‫‪ -‬الوسيا في أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪.‬‬
‫‪ -‬مباحث الكتاب والسنة ‪ ،‬للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪-‬‬
‫مباحث الحكم الشرعي‬
‫تمهيــــد‪:‬‬
‫تتركز موضوعات علم أصول الفقه في أربعة أبدواب أساسدية‪ ،‬ويعتبدر مدا عدداها تابعدا لهدا أو ملحقدا بهدا‪،‬‬
‫وهذه األبواب األربعة هي‪ :‬الحكم‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والمحكوم فيه‪ ،‬والمحكوم عليه(‪.)1‬‬
‫فالحكم الشرعي‪ :‬هو ما نحن بصدده في هذا المبحث‪ ،‬وهو الثمرة التي نجنيها من دراستنا لهذا العلم‪ ،‬وتعريفه كما‬
‫سوف يأتي معنا هو‪( :‬خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أوتاييرا أو وضعا)‪.‬‬
‫والحااكم‪ :‬هدو د سددبحانه وتعدالى وحدده‪ ،‬ويدددخل فدي هدذا المبحددث كدل مصدادر التشددريع اإلسدالمي األصدلية منهددا‬
‫والتبعية ومباحثها‪ ،‬ألنهدا دالدة علدى حكدم د سدبحانه وتعدالى بطريدق القطدع أو الظدن‪ .‬فمبحدث االجتهداد مدثال تدابع‬
‫لمبحث الحاكم وجزء منه‪ ،‬وإن كان كثير من األصوليين يضعه في آخر مباحث هذا العلم‪.‬‬
‫والمحكااوم فيااه‪ :‬هددو أفعددال العبدداد أو أفعددال المكلفددين التددي يتعلددق الحكددم بهددا‪ ،‬مددن حيددث إنهددا مقدددورة لهددم أو غيددر‬
‫مقدورة‪ ،‬ومن حيث إنها حق د تعالى أو حق العباد‪.‬‬
‫والمحكوم عليه‪ :‬هو المكلدف بدالحكم الشدرعي‪ ،‬ويبحدث فيده عدن معندى التكليدف وشدروطه‪ ،‬مدن األهليدة وأنواعهدا‬
‫وعوارضها‪.‬‬
‫تعريف الحكم الشرعي وأقسامه‬
‫تعريف الحكم الشرعي‪:‬‬
‫تبيّن لنا مما سبق أن الهدف من دراسة علم األصول التعرف على حكم د في أفعال المكلفين‪.‬‬
‫فالحكم الشرعي هو الثمرة والغاية من علم األصول ابتداء وانتهاء‪.‬‬
‫الحكم لغة‪:‬‬
‫أما تعريف الحكم لغة‪ ،‬فيطلق على عدة معان‪ ،‬منها‪ :‬القضاء‪ ،‬والمنع‪ ،‬والعلم‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬حكم القاضي إذا قضى بين اثنين في خصومة‪ .‬والحاكم بمعنى القاضي‪.‬‬
‫وحكمت الرجل بمعنى منعته عن قصده‪ ،‬ومنه حكمة اللجام‪ ،‬حديدته التي تمنع الدابة عن السقوط‪.‬‬
‫والحكم بمعنى العلم والفقه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ ":‬يا يحيى ُخذ الكتاب بقُ َّوة وآتيناهُ الحُكم صبيّا" مريم‪.)2(٩٤ :‬‬
‫تعريف الحكم الشرعي لدى األصوليين‪:‬‬
‫يعرّف علماء األصول الحكم الشرعي بأنه‪« :‬خطاب د المتعلق بأفعال المكلفين باالقتضاء‪ ،‬أو التايير‪ ،‬أو‬
‫الوضع»(‪.)3‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫خطاب هللا‪ :‬ويراد به كالم د مباشرة وهو القرآن الكريم‪ .‬وقد يكون بواسطة‪ :‬وهو ما جاءت به سنة رسوله صلى‬
‫د عليه وسلم‪ ،‬وما استفيد من القرآن والسنة من أدلة األحكام‪ ،‬كاإلجماع والقياس‪ ،‬وسائر األدلة الشرعية التي‬
‫نصبها الشارع لمعرفة حكمه‪ ،‬ومعلوم أن أدلة الشرع معرّفة لحكم الشارع ال مثبتة له‪ ،‬ألن المثبت هو د وحده‪" .‬‬
‫د ويب ُغونها عوجا وهُم باآلخرة كافرُون "األعراف‪ ,٥٢ :‬واألمر بمعنى الحكم‬ ‫الَّذين يصُدون عن سبيل ّ‬
‫والتشريع(‪.)4‬‬
‫فالسنّة وإن كانت من الرسول صلى د عليه وسلم فهي ثابتة بطريق الوحي‪ ،‬واإلجماع ال يصح إال باستناده إلى‬
‫الكتاب أو السنّة أو غيرهما من األدلة الشرعية‪ ،‬والقياس ليس مثبتا للحكم‪ ،‬وإنما هو كاشف أو ُمظهر له‪ ،‬وكذلك‬

‫‪ - )1‬شرح العضد على ماتصر ابن الحاجب ‪.122/1‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة "حكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫(‪ )4‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪121‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪21‬‬
‫‪-‬‬
‫الحال مع سائر األدلة األخرى(‪.)1‬‬
‫المتعلق بأفعال‪ :‬وهو المرتبا بتلك األفعال على وجه خاص‪ ،‬لبيان صفتها‪ ،‬وهل هي مطلوبة من قبل الشارع‪،‬‬
‫فعال أو تركا أو إباحة‪.‬‬
‫األفعال‪ :‬جمع فعل‪ ،‬وهو ما يدخل تحت قدرة المكلف‪ ،‬ويتمكن من تحصيله‪ ،‬سواء أ كان من أفعال الجوارح‬
‫واللسان‪ ،‬كأداء الصالة وقول الحق‪ ،‬أم من أفعال القلوب كاالعتقادات والنوايا‪ .‬وسواء كان الفعل إيجابا أو تركا‪،‬‬
‫والترك الكف‪ ،‬كاالمتناع عن الزنى والسرقة(‪.)2‬‬
‫المكلفين‪ :‬وهم المااطبون بالتكليف‪ .‬والمكلف‪ :‬هو البالغ العاقل الذي ال مانع معه من فهم الاطاب وامتثاله‪ .‬أما‬
‫الصبي والمجنون فال يكلفان شرعا إال ما تعلق بضمان إتالفهما وجنايتهما‪ ،‬ويكون في مالهما فقا(‪ .)3‬ويااطب‬
‫بذلك وليّهما‪.‬‬
‫وخطاب المكلفين يارج به الاطاب ال ُمتعلق بذات د تعالى وصفاته؛ فال يُسمى حُكما عند األصوليين‪ ،‬كقوله‬
‫دُ أنَّهُ ال إله إالَّ هُو والمالئكةُ وأُولُوا العلم قآئما بالقسا ال إله إالَّ هُو العزي ُز الحكي ُم" آل عمران‪:‬‬ ‫تعالى‪ ":‬شهد ّ‬
‫‪ .٩٧‬و عن الاطاب ال ُمتعلق بغير العقالء‪ ،‬من حيوان وجماد‪ ،‬كقوله تعالى‪ ":‬ولقد آتينا دا ُوود منَّا فضال يا جبا ُل‬
‫أوبي معهُ والطَّير وألنَّا لهُ الحديد" سبأ‪ .٩١ :‬وقوله تعالى‪ ":‬وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض‬
‫الماء وقُضي األم ُر واستوت على الجُودي وقيل بُعدا للقوم الظَّالمين" هود‪ .٢٢ :‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫االقتضاء‪ :‬هو الطلب‪ ،‬سواء أكان الطلبُ طلب فعل أم طلب منع‪ ،‬وسواء كان ذلك الطلب على سبيل اإللزام أو‬
‫األفضلية والترجيح‪ .‬فذذا كان الطلبُ طلب فعل على سبيل اإللزام فهو الواجب‪ ،‬وإن كان على سبيل الترجيح فهو‬
‫المندوب‪ .‬وإذا كان الطلبُ طلب منع على سبيل اإللزام فهو الحرام‪ ،‬وإن كان على سبيل الترجيح فهو‬
‫المكروه(‪.)4‬‬
‫ومثال الواجب قوله تعالى‪ " :‬وأقي ُموا الصَّالة وآتُوا ال َّزكاة واركعُوا مع الدرَّاكعين "البقدرة‪ ،٢٤ :‬فهدذا الاطداب أفداد‬
‫إيجاب الصالة و إيجاب الزكاة على سبيل الحتم واإللزام‪.‬‬
‫ومثال الندب قوله تعالى‪ ":‬يا أيها الَّذين آمنُوا إذا تداينتُم بدين إلى أجدل مسد ّمى فداكتُبُوهُ وليكتُدب بَّيدن ُكم كاتدب بالعددل‬
‫د ربَّهُ وال يدباس مندهُ شديئا فدذن كدان‬ ‫دُ فليكتُب وليُملل الَّذي عليه الحق وليتَّق ّ‬ ‫وال يأب كاتب أن يكتُب كما علَّمهُ ّ‬
‫الَّذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ال يستطي ُع أن يُم َّل هُو فليُملل وليهُ بالعدل واستشهدُوا شهيدين من رجدال ُكم فدذن‬
‫لَّم ي ُكونا رجُلين فرجُدل وامرأتدان م َّمدن ترضدون مدن الشدهداء أن تضد َّل إحدداهُما فتُدذكر إحدداهُما األُخدرى وال يدأب‬
‫د وأقدو ُم لل َّشدهادة وأدندى أالَّ‬‫الشهداء إذا ما ُدعُوا وال تسأ ُموا أن تكتُبُوهُ صغيرا أو كبيرا إلى أجلده ذل ُكدم أقسداُ عندد ّ‬
‫ترتابُوا إالَّ أن ت ُكون تجارة حاضرة تُديرُونها بين ُكم فلديس علدي ُكم جُنداح أالَّ تكتُبُوهدا وأشدهدُوا إذا تبدايعتُم وال يُضدآ َّر‬
‫دُ ب ُكددل شدديء علدديم " البقددرة‪ ،٤٧٤ :‬فهددذا‬ ‫دُ و ّ‬
‫د ويُعل ُم ُك د ُم ّ‬‫كاتددب وال شددهيد وإن تفعلُددوا فذنَّ دهُ فُ ُسددو ب ُكددم واتَّقُددوا ّ‬
‫الاطاب أفاد طلب كتابة ال َّدين على سبيل النَّدب‪.‬‬
‫ومثال التحريم قوله تعالى‪ :‬وال تقربُوا الزنى إنَّهُ كان فاحشة وساء سبيال" اإلسدراء‪ ،٤٤ :‬فهدذا الاطداب أفداد طلدب‬
‫ترك فاحشة الزنى على سبيل الحتم واإللزام‪.‬‬
‫ومثال الكراهة قوله تعالى‪ ":‬يا أيها الَّذين آمنُوا ال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسُؤكم وإن تسدألوا عنهدا حدين يُندز ُل‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دُ غفُور حليم" المائدة‪ ،٩١٩ :‬فهذا الاطاب أفاد كراهة السؤال عن أشياء قد ال يسدر‬ ‫د ُ ع ن ها و ّ‬‫القُرآنُ تُبد ل ُكم عفا ّ‬

‫(‪ )1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪ 32‬و‪.32‬‬


‫(‪ )2‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.32‬‬
‫(‪ - )3‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.32‬‬
‫(‪ - )4‬أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص‪.03‬‬
‫‪22‬‬
‫‪-‬‬
‫المكلفين نتائجها وعواقبها(‪.)1‬‬
‫التخيير‪ :‬ويراد به التسوية بين فعل الشيء وتركه‪ ،‬وتايير المكلف في ذلك دون ترجيح أحدهما على اآلخر‪ .‬وهو‬
‫المباح‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ومثال اإلباحة قولده تعدالى‪ ":‬يدا أيهدا الدذين آمندوا ال تحلدوا شدعآئر د وال الشدهر الحدرام وال الهددي وال الق ئدد وال‬
‫آمين البيت الحرام يبت ُغون فضال من رَّبهم ورضوانا وإذا حللتُم فاصطادُوا وال يجرمنَّ ُكم شنآنُ قوم أن صدو ُكم عن‬
‫د شدددي ُد‬‫د إ َّن ّ‬
‫المسددجد الحددرام أن تعتددُوا وتعدداونُوا علددى البددر والتَّقددوى وال تعدداونُوا علددى اإلثددم وال ُعدددوان واتَّقُددوا ّ‬
‫العقاب" المائدة‪ ،٤ :‬فهو خطاب يفيد إباحة االصطياد للمحرم بعد التحلل من اإلحرام‪ ،‬وقد كان محظورا عليه حالة‬
‫اإلحرام‪.‬‬
‫ومجمل هذه األنواع الامسة تسمى باألحكام التكليفية‪.‬‬
‫قال اإلمام الغزالي‪ « :‬فذن أقسام األحكام الثابتة ألفعال المكلفين خمسة‪ :‬الواجب‪ ،‬والمحظور‪ ،‬والمباح‪ ،‬والمندوب‪،‬‬
‫والمكروه‪ ،‬ووجه هذه القسمة أن خطاب الشرع إ ّما أن يرد باقتضاء الفعل أو اقتضاء الترك‪ ،‬أو التايير بين الفعل‬
‫والترك‪ .‬فذن ورد باقتضاء الفعل فهو أمر‪ ،‬فذما أن يقترن به اإلشعار بعقاب على الترك فيكون واجبا‪ ،‬أو ال يقترن‬
‫فيكون ندبا‪ ،‬والذي ورد باقتضاء الترك‪ ،‬فذن أشعر بالعقاب على الفعل فحظر وإال فكراهية‪ ،‬وإن ورد بالتايير‬
‫فهو مباح»(‪.)2‬‬
‫الوضع‪ :‬جعل شيء سببا آلخر‪ ،‬أو شرطا له‪ ،‬أو مانعا منه(‪ .)3‬وهو أن يربا الشرع بين شيء وسبب‪ ،‬أو شرط‬
‫أو مانع‪ ،‬فكأن هذه الروابا من وضع الشارع‪ ،‬فسميت حكما وضعيّا‪.‬‬
‫وتوسع الزحيلي في مدلول الحكم الوضعي‪ ،‬فقال‪« :‬هو خطاب د تعالى المتعلق بجعل الشيء سببا أو شرطا أو‬
‫مانعا أو صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة»(‪.)4‬‬
‫وعليه؛ فالشروط واألسباب والموانع‪ ،‬والصحة والفساد‪ ،‬والعزيمة والرخصة‪ ،‬تعتبر أحكاما وضعية غير تكليفية‪.‬‬
‫= مثال السبب قوله تعالى" يا أيها الَّذين آمنُوا إذا قُمتُم إلى الصَّالة فاغسلُوا ُوجُوه ُكم وأيدي ُكم إلى المرافق‬
‫وامسحُوا ب ُرؤُوس ُكم وأرجُل ُكم إلى الكعبين وإن ُكنتُم ُجنُبا فاطَّهَّرُوا وإن ُكنتُم َّمرضى أو على سفر أو جاء أحد َّمن ُكم‬
‫دُ ليجعل‬ ‫من الغائا أو المستُ ُم النساء فلم تجدُوا ماء فتي َّم ُموا صعيدا طيبا فامسحُوا ب ُوجُوه ُكم وأيدي ُكم منهُ ما يُري ُد ّ‬
‫علي ُكم من حرج ولكن يُري ُد ليُطهَّر ُكم وليُت َّم نعمتهُ علي ُكم لعلَّ ُكم تش ُكرُون " المائدة‪ ،٦ :‬اقتضى وضع إرادة إقامة‬
‫الصالة سببا في إيجاب الوضوء‪.‬‬
‫= مثال الشرط قوله تعالى‪ " :‬فيه آيات بينات َّمقا ُم إبراهيم ومن دخلهُ كان آمنا و ّهلل على النَّاس حج البيت من‬
‫استطاع إليه سبيال ومن كفر فذ َّن د غن ٌّي عن العالمين " آل عمران‪ .١٨ :‬فقد جعل االستطاعة شرطا لوجوب‬
‫التكليف بالحج‪.‬‬
‫= مثال المانع‪ ،‬قوله صلى د عليه وسلم { ليس لقاتل شيء}(‪ ،)5‬فقد جعل النبي صلى د عليه وسلم قتل الوارب‬
‫مورثه مانعا له من الميراب‪.‬‬

‫‪ - )1‬راجع تفسير اآلية في مصادر التفسير الشهيرة‪.‬‬


‫(‪ - )2‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ - )3‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪1‬؛ مصطفى شلبي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ - )4‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.22‬‬
‫(‪ - )5‬رواه مالك في موطئه‪ :‬انظر‪ :‬شرح الزرقاني على موطأ اإلمام مالك‪ ،‬كتاب العقول‪ ،‬باب ما جاء في ميراب العقل‬
‫والتغليظ فيه‪ ،‬رقم‪.1122 :‬‬
‫‪23‬‬
‫‪-‬‬
‫تعريف الحكم الشرعي عند الفقهاء‪:‬‬
‫ياتلف موقف الفقهاء عن األصوليين في تعريف الحكدم الشدرعي‪ ،‬إذ جعلده األصدوليون خطداب الشدارع‪،‬‬
‫بينما رآه الفقهاء أثرا لهذا الاطاب‪ ،‬فقالوا‪« :‬هو األثر الذي يقتضيه خطاب الشارع في الفعل‪ ،‬كالوجوب والحرمدة‬
‫واإلباحة»(‪.)1‬‬
‫فاألصوليون نظروا إلى منشذ الحكم ومصدره‪ ،‬وهو الاطاب‪ ،‬بينما نظر الفقهاء إلى متعلقه‪ ،‬وهو فعل المكلف‪،‬‬
‫والنتيجة العملية في النهاية واحدة‪.‬‬
‫أقسام الحكم الشرعي‬
‫مما أخذناه في تعريف الحكم الشرعي في اصطالح األصوليين يتبين لنا أنه يتضمن قسمين أساسيين‪ ،‬فذما أن‬
‫يتعلق بفعل المكلف على جهة الطلب‪ ،‬أو على جهة التايير‪ ،‬أو على جهة الوضع‪ .‬فهو إما حكم تكليفي‪ ،‬وإما حكم‬
‫وضعي‪.‬‬
‫وقد اصطلح علماء األصول على تسمية الحكم المتعلق بفعل المكلف على جهة الطلب أو التايير بالحكم التكليفي‪،‬‬
‫وعلى تسمية الحكم المتعلق بفعل المكلف على جهة الوضع بالحكم الوضعي‪.‬‬
‫سبب تسمية الحكم التكليفي‪:‬‬
‫سمي هذا النوع بالحكم التكليفي؛ ألن فيه كلفدة ومشدقة علدى اإلنسدان‪ ،‬وهدذا واضدح فدي األحكدام األربعدة‪ :‬الواجدب‬
‫والمندوب والحرام والمكروه‪ ،‬ألن فيها طلب فعل أو ترك‪ ،‬أما المباح الذي هو محض تايير فقد اعتبر من الحكدم‬
‫التكليفي على سبيل التغليب‪ ،‬وال مشاحة في االصطالح‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويمكن أن يقال إن اعتبار المباح من أقسام الحكم التكليفي‪ ،‬بمعندى أنده مادتص بدالمكلف‪ ،‬فدذن اإلباحدة‪ ،‬أو التاييدر‬
‫بين الفعل والترك ال يكون إال لمن يصح إلزامه بالفعل والتدرك؛ فهدذا وجده اعتبدار اإلباحدة مدن أحكدام التكليدف‪ ،‬ال‬
‫بمعنى أن المباح مكلَّف به(‪.)2‬‬
‫سبب تسمية الحكم الوضعي‪:‬‬
‫سمي هذا النوع بالحكم الوضعي ألن ربا السبب بالحكم‪ ،‬أو الشرط بالحكم‪ ،‬أو المانع بالحكم‪ ،‬أو جعل العمل‬
‫صحيحا‪ ،‬أو اعتباره فاسدا أو باطال‪ ،‬أو تشريع الرخص والعزائم‪ ،‬كل ذلك مرده إلى د المشرع‪ ،‬فهو الذي جعلها‬
‫كذلك‪ ،‬د ون أن يكون للمكلف اختيار في إيجاد تلك العالقات‪ .‬ولذلك سميت أحكاما وضعية‪ .‬فهي من وضع د ال‬
‫من وضع البشر‪.‬‬
‫الفروق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي‪:‬‬
‫ويمكن التمييز بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي بعدة فوار ‪ ،‬ذكرها األصوليون(‪:)3‬‬
‫أوال‪ :‬إن الحكم التكليفي مقصود به طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل‪ ،‬أو تاييره بين فعل شيء والكف عنه؛‬
‫" فالحكم التكليفي متعلقه فعل المكلف من حيث طلبه واإلذن فيه"(‪ .)4‬أما الحكم الوضعي فال يقصد به تكليف وال‬
‫تايير‪ ،‬بل يقصد به بيان أن هذا الشيء سبب لهذا المسبب‪ ،‬أو أن هذا شرط لهذا الحكم‪ ،‬أو أن هذا مانع من هذا‬
‫الحكم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحكم التكليفي يكون في مقدور المكلف‪ ،‬وفي حدود استطاعته‪ ،‬ألنه تقرر أنه ال تكليف إال في حدود‬
‫المقدور‪ ،‬رحمة من د بالمكلفين‪ ،‬وما كان خارج االستطاعة فالتكليف به عبث يتنصزه عنه المشرع الحكيم‪.‬‬
‫بينما ياتلف األمر في الحكم الوضعي‪ ،‬فما وضع سببا أو شرطا أو مانعا‪ ،‬قد تكون في مقدور المكلف وقد تارج‬

‫(‪ - )1‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪ - )2‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫(‪ - )3‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫(‪ )4‬الشيخ عبد الحميد بن باديس‪ ،‬مبادئ األصول‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪24‬‬
‫‪-‬‬
‫عن دائرة قدرته واستطاعته‪ .‬فالسرقة سبب لقطع يد السار ‪ ،‬والنكاح سبب إلباحة الوطء‪ ،‬وهي في مقدور‬
‫المكلف‪ ،‬بينما حلول رمضان سبب لوجوب الصوم‪ ،‬وبلوش الحلم سبب لوجوب التكليف‪ ،‬وهي ليست في مقدور‬
‫المكلف(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬الحكم التكليفي ال يتعلق إال بالمكلف‪ ،‬وهو البالغ العاقل‪ ،‬بينما يتعلق الحكم الوضعي باإلنسان عموما‪ ،‬مكلفا‬
‫كان أم غير مكلف كالصبي والمجنون‪ ،‬فتثبت الديون في ذمتهما‪ ،‬ويضمنان جنايتهما على النفس والمال‪ ،‬ويقع‬
‫الضمان على أموالهما‪.)2(.‬‬
‫أقسام الحكم التكليفي‬
‫يقسم معظم األصوليين الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام (‪: )3‬‬
‫أوال‪ :‬اإليجاب‪ ،‬وهو طلب الشارع من المكلف الفعل على سبيل الحتم واإللزام‪ ،‬وونتيجته في فعل المكلف‪:‬‬
‫د لعلَّ ُكم تُفلحُون " آل عمران‪:‬‬ ‫الوجوب‪ .‬نحو قوله تعالى‪ ":‬يا أيها الَّذين آمنُوا اصبرُوا وصابرُوا ورابطُوا واتَّقُوا ّ‬
‫‪.٤١١‬‬
‫ثانيا‪ :‬الندب‪ :‬وهو طلب الشارع من المكلف الفعل ال على سبيل الحتم واإللزام‪ ،‬ونتيجته في فعل المكلف‪:‬‬
‫المندوب‪.‬‬
‫{ إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} البقرة‪ ،،212 :‬ألنه قد وردت قرينة صرفته عن اإليجاب‪ ،‬وهي قوله‬
‫ض ُكم بعضا فليُؤد الَّذي‬ ‫تعالى في آخر اآلية " وإن ُكنتُم على سفر ولم تجدُوا كاتبا فرهان َّمقبُوضة فذن أمن بع ُ‬
‫دُ بما تعملُون عليم " البقرة‪.٤٧٤ :‬‬ ‫د ربَّهُ وال تكتُ ُموا ال َّشهادة ومن يكتُمها فذنَّهُ آثم قلبُهُ و ّ‬
‫اؤتُمن أمانتهُ وليتَّق ّ‬
‫ثالثا‪ :‬التحريم‪ :‬وهو طلب الشارع من المكلف الكف عن الفعل على سبيل الحتم واإللزام‪ .‬ونتيجته في فعل المكلف‬
‫الحرام‪ .‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬وقضى ربك أالَّ تعبُدُوا إالَّ إيَّاهُ وبالوالدين إحسانا إ َّما يبلُغ َّن عندك الكبر أح ُدهُما أو‬
‫كالهُما فال تقُل لَّهُمآ أُفٍّ وال تنهرهُما وقُل لَّهُما قوال كريما " اإلسراء‪.)4(٤٤ :‬‬
‫رابعا‪ :‬الكراهة‪ :‬وهو طلب الشارع من المكلف الكف عن الفعل ال على سبيل الحتم واإللزام‪ .‬ونتيجته في فعل‬
‫المكلف‪ :‬المكروه‪ .‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬قاال ربَّنا رلمنا أنفُسنا وإن لَّم تغفر لنا وترحمنا لن ُكون َّن من الااسرين "‬
‫األعراف‪٤٩ :‬‬
‫خامسا‪ :‬اإلباحة‪ :‬وهو تايير الشارع المكلف في فعل شيء أو تركه‪ ،‬دون ترجيح‪ ،‬ونتيجته في فعل المكلف‪:‬‬
‫د كثيرا‬ ‫د واذ ُكرُوا َّ‬ ‫المباح‪ .‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬فذذا قُضيت الصَّالةُ فانتشرُوا في األرض وابت ُغوا من فضل َّ‬
‫لَّعلَّ ُكم تُفلحُون "الجمعة‪.٩١ :‬‬
‫فاألحكام التكليفية عند الجمهور خمسة ‪ :‬الواجب ‪ ،‬والمندوب ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬والمكروه ‪ ،‬والمباح‪ .‬أما الحنفية‬
‫فيقسمون الحكم التكليفي إلى سبعة أقسام‪ :‬الفرض‪ ،‬والواجب‪ ،‬والمندوب‪ ،‬والمحرم‪ ،‬والمكروه كراهة تحريم‪،‬‬
‫والمكروه كراهة تنزيه‪ ،‬والمباح(‪.)5‬‬
‫الواجب وأقسامه‬
‫تعريف الواجب‪:‬‬
‫َّ‬
‫الواجب لغة‪ :‬الساقا‪ ،‬والثابت والمستقر‪ ،‬ومن قوله تعالى‪ ":‬والبُدن جعلناها ل ُكم من شعائر د ل ُكم فيها خير‬
‫اف فذذا وجبت ُجنُوبُها ف ُكلُوا منها وأطع ُموا القانع وال ُمعت َّر كذلك س َّارناها ل ُكم لعلَّ ُكم‬ ‫د عليها صو َّ‬ ‫فاذ ُكرُوا اسم َّ‬

‫(‪ - )1‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪123‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪ - )2‬وهبة الزحيلي‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.103‬‬
‫(‪ - )3‬للحنفية تقسيم خاص للحكم التكليفي‪ ،‬سنورده في محله بذذن د‪.‬‬
‫(‪ - )4‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪33‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪125‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪ - )5‬انظر‪:‬أبو زهرة‪ ،‬المصدر نفسه‪ .‬ص‪.05‬‬
‫‪25‬‬
‫‪-‬‬
‫تش ُكرُون " الحج‪ ٤٦ :‬أي سقطت‪ ،‬ووجبت الشمس إذا غربت‪ .‬وجاء في القاموس‪ :‬وجب يجب وجوبا ووجبا‪:‬‬
‫لزم‪ ،‬ووجب يجب وجبة‪ :‬سقا‪ ،‬والشمس وجبت وجبا و وجوبا‪ :‬غابت"(‪.)1‬‬
‫الواجب شرعا‪ :‬هو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم‪ ،‬بحيث يُذم تاركه‪ ،‬ومع الذم العقاب‪ ،‬ويُمد ُح فاعله‪،‬‬
‫ومع المدح الثواب(‪.)2‬‬
‫صيغ الواجب‪:‬‬
‫يستفاد تحتّم األمر ولزومه من صيغة الطلب‪:‬‬
‫‪ -‬صيغة األمر المجردة‪" .‬افعل"‪ ،‬كقوله تعالى‪ ":‬فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك وال تطغوا إنَّهُ بما‬
‫تعملُون بصير " هود‪.٩٩٤ :‬‬
‫‪ -‬الفعل المضارع المقترن بالالم‪" .‬لتفعل" أو "ليفعل" قال تعالى‪ " :‬ليُنفق ُذو سعة من سعته ومن قُدر عليه‬
‫دُ بعد عُسر يُسرا الطال ‪.٨ :‬‬‫دُ نفسا إ َّال ما آتاها سيجع ُل َّ‬
‫دُ ال يُكلفُ َّ‬
‫رزقُهُ فليُنفق م َّما آتاهُ َّ‬
‫الواجب والفرض‪:‬‬
‫الواجب والفرض بمعنى واحد عند الجمهور‪ ،‬فهما اسمان لمس ّمى واحد‪ .‬بينما فر بينهما الحنفية‪ ،‬فجعلوا الفرض‬
‫أشد توكيدا‪ ،‬فما ثبت لزومه بالدليل القطعي سموه فرضا‪ ،‬وما ثبت لزومه بالدليل الظني سموه واجبا‪.‬‬
‫فنصوص القرآن في لزوم الصالة قطعية‪ ،‬فهي فرض‪ .‬وخبر اآلحاد في ثبوت األضحية رنية فهو واجب‪.‬‬
‫والفر يظهر في لزوم العقاب على ترك أحدهما‪ ،‬فعقاب تارك الفرض أشد من عقاب تارك الواجب عندهم‪.‬‬
‫بينما يرى الجمهور أن الجميع تكاليف الزمة ال يجوز التفريا فيها‪ ،‬خوف الذم‪ ،‬واتقاء عقاب د‪ ،‬وعقابه أليم‬
‫شديد‪.‬‬
‫وربما يظهر أثر التفريق بينهما في منكر دليل الفرض ودليل الواجب‪ ،‬فمنكر الدليل القطي يكفر‪ ،‬باالف منكر‬
‫الدليل الظني‪ .‬وهذه مسائل اعتقادية ال تؤثر في لزوم الفعل ووجوب االمتثال‪ ،‬فالواجب والفرض كالهما يلزم‬
‫امتثالهما على حد سواء(‪.)3‬‬
‫أقسام الواجب‬
‫ينقسم الواجب إلى أقسام متعددة‪ ،‬باعتبارات ماتلفة‪:‬‬
‫باعتبار وقت أدائه‪ ،‬وباعتبار تقديره وعدم تقديره‪ ،‬وباعتبار تعيينه وعدم تعيينه‪ ،‬وباعتبار المطالب بأدائه‪.‬‬
‫تقسيم الواجب باعتبار وقت أدائه‬
‫وهو بهذا االعتبار ينقسم إلى ‪ :‬واجب مطلق‪ ،‬وواجب مقيد‪ ،‬والواجب المقيد ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬الواجب‬
‫الموسع‪ ،‬والواجب المضيق‪ ،‬والواجب ذو الشبهين‪.‬‬
‫‪ -‬الواجب المطلق‪ :‬هو ما طلب الشارع فعله‪ ،‬دون أن يقيد أداءه بوقت معين‪ ،‬فللمكلف أن يفعله في أي وقت‬
‫شاء‪ ،‬وتبرأ ذمته بهذا األداء‪ ،‬وال إثم عليه في التأخير‪.‬‬
‫ومن هذا النوع قضاء رمضان لمن أفطر فيه بعذر مشروع‪ ،‬فله أن يقضيه متى شاء‪( .‬والمسألة خالفية بين‬
‫الفقهاء)‬
‫والكفارة الواجبة على من حنث في يمينه‪ ،‬فله أن يكفر بعد الحنث مباشرة‪ ،‬أو بعد ذلك بحين‪.‬‬
‫وكالحج فهو واجب على المستطيع على التراخي‪ ،‬ال على الفور‪ ،‬فله أداؤه في أي عام شاء من سنين‬
‫عمره(‪.)4‬‬

‫‪ - )1‬انظر‪ :‬الفيروزأبادي‪ ،‬القاموس المحيا‪ ،‬ج ‪1‬؛ ص‪.121‬‬


‫(‪ - )2‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص‪ ،31‬خالّف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ ،112‬أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫(‪ -)3‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪31‬؛ الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪ ،31‬و‪12‬؛ الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫(‪ - )4‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪33‬؛ ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪-‬‬
‫واإللزام في هذا الواجب منصب على الفعل ذاته‪.‬‬
‫ومن باب النصح ال اإللزام قالوا‪ :‬ينبغي للمكلف المبادرة إلى األداء‪ ،‬ألن اآلجال مجهولة وال يعلم اإلنسان‬
‫متى تحل به مصيبة الموت‪.‬‬
‫‪ -‬الواجب المقيد‪ :‬هو ما طلب الشارع فعله‪ ،‬وعيّن ألدائه وقتا محددا؛ كالصلوات الامس‪ ،‬وصوم رمضان‪.‬‬
‫فال يجوز له أداؤه قبل وقته المحدد‪ ،‬وإذا فعله كان الغيا‪ ،‬وال تبرأ ذمته بذلك‪ .‬كما ال يجوز له تأخيره عن‬
‫وقته المحدد‪ ،‬وإن أخره كان آثما‪.‬‬
‫الفرق بين الواجب المطلق والواجب المقيد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإللددزام فددي الواجددب المطلددق‪ :‬منصددب علددى الفعددل فقددا‪ ،‬دون وقددت ُمعديَّن‪ ،‬بينمددا اإللددزام فددي الواجددب ال ُمقيَّددد‬
‫منصب على الفعل و على الوقت ال ُمعيَّن‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا أدى المكلف الواجدب فدي وقتده بصدورة صدحيحة وكاملدة‪ ،‬سدمي فعلده أَدَاء‪ ،‬وإذا فعلده فدي الوقدت ال ُمعديَّن‬
‫ضاء‪.‬‬‫ناقصا‪ ،‬ثم أعاده كامال في هذا الوقت‪ ،‬سمي فعله الثاني إِعَادَة‪ ،‬وإذا أ َّداهُ بعد الوقت سمي فعله قَ َ‬
‫فمن صلَّى الظهر في وقته كامال كانت صالته أَدَاء للواجب‪ ،‬ومدن صدالَّهُ فدي وقتده بدالتيمم؛ لعددم وجدود المداء‪ ،‬ثدم‬
‫ضددأ وصددلى الظهددر ثانيددا‪ ،‬كانددت صددالته إِ َعااادَة‪ ،‬ومددن صدالَّهُ بعددد وقتدده كانددت صددالته‬ ‫وجددد المدداء فددي الوقددت‪ ،‬فتو َّ‬
‫ضاء(‪.)1‬‬ ‫قَ َ‬
‫ويمكن تعريف هذه المصطلحات كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬األداء‪ :‬عرف "ابن الحاجب األداء بأنه فعل الواجب في وقته المقدر له شرعا أوال(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬اإلعادة‪ :‬وهو فعل الواجب في وقته المحدد له شرعا ثانيا‪ ،‬بعد سبق األداء‪ ،‬وعرفه "ابن حاجب" بأنه ما فعل‬
‫في الوقت األداء ثانيا لالل‪ ،‬وقيل لعذر(‪.)3‬‬
‫وفائدة اإلعادة أن المكلف أدى الواجب ناقصا عن الوجه المطلوب شرعا‪ ،‬فذذا أراد جبر هذا النقص فيؤدي‬
‫الواجب مرة ثانية مستكمال نقصه‪ ،‬ومستفيدا من األجر والثواب في الزيادة‪.‬‬
‫‪ -3‬القضاء‪ :‬عرفه "ابن الحاجب" بقوله‪ :‬هو فعل الواجب بعد وقت األداء استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا(‪.)4‬‬
‫فمتى مضى الوقت المحدد للواجب فقد ثبت في الذمة‪ ،‬ويجب على المكلف قضاؤه‪ ،‬سواء أخره عمدا أم سهوا‪،‬‬
‫وسواء أكان متمكنا من فعله كالمسافر والمريض اللذين يفطران في رمضان‪ ،‬أم غير متمكن شرعا كالحائض في‬
‫رمضان‪ ،‬أم غير متمكن عقال كالنائم عن الصالة‪ ،‬ويدخل في القضاء من مات فحج عنه وليه‪ ،‬فذنه يكون قضاء‪،‬‬
‫ألن الحج واجب في العمر‪ ،‬وقد فات العمر‪.‬‬
‫بم يثبت وجوب القضاء؟‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على وجوب قضاء الواجبات التي لم يؤدها المكلف في وقتها المحدد لها شرعا‪ ،‬كالصالة و‬
‫الصيام‪ ،‬سواء أكان عدم األداء لعذر أم لغير عذر‪ ،‬ثم اختلفوا في دليل قضاء الواجب‪ ،‬فذهب جمهور األصوليين‬
‫إلى أن القضاء يثبت بدليل جديد غير دليل الواجب ألن الواجب المؤقت –كما سبق‪ -‬واجبان‪ ،‬واجب الفعل وواجب‬
‫الوقت‪ ،‬وطلب فعله يشمل األمرين أي أداء الواجب في الوقت المحدد فذذا فات الوقت فالبد من دليل جديد‬
‫لإليجاب‪ ،‬ألن الدليل األول ال يتضمن القضاء بينما ذهب الحنفية والحنابلة إلى وجوب القضاء بالدليل الذي أوجب‬
‫األداء لشغل الذمة به‪ ،‬وأنه ال تبرأ الذمة إال باألداء أو القضاء‪ ،‬فشملهما الدليل‪ ،‬وتقييده بالوقت للمصلحة في‬
‫الثواب واألجر في شرف الوقت‪.‬‬

‫(‪ - )1‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪122‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫(‪ - )2‬ابن الحاجب‪ ،‬ماتصر ابن الحاجب‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫(‪ - )3‬ابن الحاجب‪ ،‬ماتصر ابن الحاجب‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫(‪ -)4‬ابن الحاجب‪ ،‬ماتصر ابن الحاجب‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪27‬‬
‫‪-‬‬
‫أنواع الواجب المقيد‪:‬‬
‫ينقسم الواجب المقيد إلى ثالثة أنواع‪ :‬الواجب الموسع‪ ،‬الواجب المضيّق‪ ،‬والواجب ذو الشبهين‪:‬‬
‫ضيَّق‪:‬‬ ‫النوع األول‪ :‬الواجب ال ُم َ‬
‫ويقال له " ال ُمساوي "‪ :‬وهو الذي ال يس ُع زمنه غيره من جنسه‪ ،‬كشهر رمضان؛ فذنه ال يسع غير صوم رمضدان‬
‫المفروض بقوله تعالى‪ ":‬أُولئك الَّذين اشتر ُوا الضَّاللة بالهُدى والعذاب بالمغفرة فمدآ أصدبرهُم علدى النَّدار" البقدرة‪:‬‬
‫‪٩٧٥‬؛ إذ ال يُتص َّور أن وقوع صوم آخر يستوعبه شهر رمضان إال هذا الفرض‪ .‬ولذلك سدم ّي مضديقا لضديقه عدن‬
‫فعل مثله يؤدى فيه‪ ،‬ويسميه الحنفية " ِم ْعيَارا(‪.)1‬‬
‫ساع‪ :‬وهدو مدا يتسدع وقتده ألدائده‪ ،‬وأداء غيدره مدن جنسده المحددد لده‪ ،‬مثدل وقدت صدالة‬ ‫النوع الثاني‪ :‬الواجب ال ُم َو َّ‬
‫الظهر؛ فذنه يتسع ألداء صالة الظهر‪ ،‬وأداء غيرها من نافلة أو قضاء؛ ويسمي الحنفية هذا الوقت ال ُموسَّع " ررفا‬
‫"(‪.)2‬‬
‫فدخول الوقت سبب لوجوب الصالة وشرط لصحتها‪ ،‬فال تصح قبله‪ ،‬كما ال تصح بعده إال قضاء‪.‬‬
‫واتفق الفقهاء على جواز فعل الواجب الموسع فدي أي جدزء مدن الوقدت شداء المكلدف‪ .‬مدع وجدوب تعيدين الواجدب‬
‫بالنية حين أدائه‪ .‬وإال لم يُجزه ذلك‪ ،‬ألن الوقت يسع هذا الواجب وغيره من سنن ونوافدل‪ .‬فدذن ندوى صدالة الظهدر‬
‫مثال كان ذلك أداء لها‪ ،‬وإن لم ينوها وقعت نفال‪ ،‬ولم يسقا عنه وجوب الظهر(‪.)3‬‬
‫والاالف حاصل بين العلماء في الجزء الذي يكون سببا لوجوب الظهر‪ ،‬فالجمهور قالوا‪ :‬الوقت كله بأجزائه سبب‬
‫للوجوب‪ .‬والمكلف ماير بتحديد أي جزء من الوقت شاء‪ .‬وهدو مدا تفيدده نصدوص القدرآن الواضدحة "أقدم الصدالة‬
‫لدددلوك الشددمس"‪ ،‬ثددم بيّنددت السددنة أوائددل أوقددات الصددلوات وأواخرهددا‪ ،‬وقددال صددلى د عليدده وسددلم "مددا بددين هدداتين‬
‫الصالتين وقت"‪.‬‬
‫فذذا حصل للمكلف مانع بعد ما مضى من الوقت ما يكفي ألداء الواجب بقيت ذمته مشغولة به‪ ،‬كامرأة حاضدت أو‬
‫نفست‪ ،‬أو شاص نام بعد زوال الشمس بما يكفي ألداء الظهر‪ .‬ولم يستفق حتدى غربدت الشدمس‪ .‬فاطداب الشدارع‬
‫توجه إليه ولزمه أداء الواجب‪.‬‬
‫بينما ذهب الحنفية إلى أن وقت الوجوب هو آخر جزء من الوقت بما يسع أداء الصالة قبل انقضاء وقتها‪ .‬وما قبل‬
‫ذلك فهو وقت نفل‪ ،‬لكن إذا أداها فيه أجزأته‪.‬‬
‫ودليلهم أنه لو تعين األداء في أول الوقت لما جاز تركه‪ ،‬وهذا يعارضه اإلجماع على جواز الترك‪.‬‬
‫وقااد ذهددب الكمددال بددن الهمددام إلددى تأييددد رأي الجمهددور فددي سددبب اإليجدداب‪ ،‬فالصددالة تجددب بدددخول أول الوقددت‪،‬‬
‫والمكلف في سعة من أدائها في كامل الوقت‪ ،‬كما بينته السنة النبوية‪ .‬وال داعي لتضييق ما وسعه الشارع‪ .‬وقد قال‬
‫تعالى‪ " :‬أقم الصَّالة ل ُدلُوك ال َّشدمس إلدى غسدق اللَّيدل وقُدرآن الفجدر إ َّن قُدرآن الفجدر كدان مشدهُودا "اإلسدراء‪، ٨٧ :‬‬
‫فالدلوك عالمة وجوب األداء‪ ،‬وقد بيَّنت السنَّةُ أن األداء على التوسع ال على الفور‪.‬‬
‫شبَ َه ْي ِن‪ :‬هو ما كان وقته موسَّعا بحيث يسعه ويسع غيره‪ ،‬ولكنه عند التحقيق ال يتم فيه‬ ‫النوع الثالث‪ :‬الواجب ذو ال َّ‬
‫إال فعل واحد‪ .‬وذلك مثل الحدج فدذن وقتده يمتدد شدهرين وبعدض الشدهر‪ ،‬أو ثالثدة أشدهر‪ ،‬هدي‪ :‬شدوال‪ ،‬وذو القعددة‪،‬‬
‫وعشددر مددن ذي الحجددة‪ ،‬أو كامددل ذي الحجددة‪ ،‬علددى خددالف بددين العلمدداء‪ .‬وقددد قددال د فددي وقتدده‪ ﴿:‬ال َح ا أَشْااهُر‬
‫َم ْعلُو َمات‪[ ﴾‬البقرة ‪ ،]196‬ولكنه في الواقع ال يسع غيره؛ باعتبار أن المكلف ال يؤدي في العدام إال حجدا واحددا‪،‬‬
‫فهو موسع من حهة‪ ،‬إذ إن مناسدك الحدج وأعمالده ال تسدتغر إال أيامدا معددودة‪ ،‬ولكنهدا مقيددة بأيدام محدددة ووقدت‬
‫محدد من أشهر الحج‪ ،‬مثل الوقوف بعرفة يوم التاسع من شهر ذي الحجة‪ ،‬وغيرها من مناسك الحج؛ فأشبه بدذلك‬

‫‪ - )1‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ ،112‬أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - )2‬األسنوي‪ ،‬نهاية السول‪ ،‬ج‪1‬؛ ص‪ ،22‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫(‪ - )3‬انظر في تفاصيل المسألة‪ :‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪ 21‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪-‬‬
‫الواجب المضيق‪.‬‬
‫ويتفرع على التقسيم األخير‪ :‬أن الحج إن نواه المكلف مطلقا غير معيَّن انصرف إلى الحج المفروض عليه؛ لشبهه‬
‫بالواجددب المضدديق‪ ،‬وإن نددواه نفددال‪ ،‬أو نددذرا انصددرف إلددى مددا نددواه؛ لشددبهه بالواجددب الموسددع‪ .‬فس د ّمي لددذلك بددذي‬
‫الشبهين‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪-‬‬
‫تقسيم الواجب باعتبار تقديره وعدم تقديره‬
‫ينقسم الواجب باعتبار المقدار المطلوب منه إلى‪ :‬واجب محدد‪ ،‬وواجب غير محدد‪.‬‬
‫‪ -‬الواجب المحدد‪ :‬هو ما عين الشارع منه مقدارا محددا‪ :‬كالزكاة‪ ،‬والديات‪ ،‬والصلوات الامس‪ ،‬والديون‬
‫المالية‪ ،‬وأثمان المشتريات والمبيعات‪ ،‬والنذور‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذا النوع يتعلق بالذمة‪ ،‬وتصح المطالبة به من غير توقف على قضاء أو تراض‪ ،‬ألنه محدد بنفسه‪ ،‬وال‬
‫تبرأ ذمة المكلف منه إال بأدائه على الوجه الذي حدده الشارع‪ ،‬وثبت في ذمته‪.‬‬
‫‪ -‬الواجب غير المحدد‪ :‬هو الذي لم يحدد الشارع مقداره‪ ،‬بل طلبه الشارع من المكلف بغير تحديد‪ :‬كاإلنفا‬
‫في سبيل د غير الزكاة‪ ،‬فهذا ليس له ح ّد محدود‪ ،‬وإنما يتحدد بمقدار حاجة المحتاج وقدرة المنفق‪ ،‬فمن‬
‫تعيّن عليه س ّد حاجة فقير‪ ،‬لزمه واجب غير محدد‪ ،‬وعليه أن ينفق على هذا الفقير بما يدفع به حاجته‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫وهذا النوع من الواجب ال يثبت دينا في الذمة ألن الشأن فيما يثبت في الذمة أن يكون محددا‪،‬‬
‫وعلى هذا ال تثبت النفقة للزوجة في ذمة الزوج قبل الحكم بها قضاء‪ ،‬أو التراضي بها عند بعض الفقهاء‪،‬‬
‫ألنها حينئذ تكون محددة‪ ،‬وأما قبل ذلك فتظل غير محددة‪ ،‬بينما يرى الشافعية ثبوتها من حين امتناع الزوج‬
‫عنها‪ ،‬وهي محددة بحال الزوج‪ ،‬وال تحتاج إلى تحديد بواسطة قضاء أو تراض‪ ،‬وللزوجة المطالبة بها مدة‬
‫امتناع الزوج عنها(‪.)1‬‬
‫تقسيم الواجب باعتبار تعين المطلوب وعدم تعينه‬
‫ينقسم الواجب باعتبار تعيّنه إلى واجب معيّن‪ ،‬وواجب غير معيّن أو مايّر(‪:)2‬‬
‫‪ -‬الواجب المعين‪ :‬ما طلبه الشارع بعينه من غير تايير للمكلف بين أمور ماتلفة‪ :‬كالصالة والصيام ور ّد‬
‫المغصوب‪ ،‬وأجر المستأجر‪ ،‬وال تبرأ ذمة المكلف إال بأدائه بعينه‪.‬‬
‫‪ -‬الواجب غير المعين‪( :‬الواجب المايَّصر) ما طلب الشارع فعل واحد من أمور معينة‪ ،‬فللمكلف أن ياتار‬
‫واحدا منها ألداء هذا الواجب‪.‬‬
‫‪ -‬ومثال ذلك واجب الكفارة‪ ،‬فقد ورد فيها خصال ثالثة على من حنث في يمينه‪ ،‬إما إطعام عشرة مساكين‬
‫دُ باللَّغو في أيمان ُكم ولكن‬ ‫أو كسوتهم أو عتق رقبة‪ .‬وهو ما نصت عليه اآلية الكريمة‪ " :‬ال يُؤاخ ُذ ُك ُم ّ‬
‫يُؤاخ ُذ ُكم بما عقَّدت ُم األيمان فكفَّارتُهُ إطعا ُم عشرة مساكين من أوسا ما تُطع ُمون أهلي ُكم أو كسوتُهُم أو‬
‫دُ ل ُكم‬‫تحري ُر رقبة فمن لَّم يجد فصيا ُم ثالثة أيَّام ذلك كفَّارةُ أيمان ُكم إذا حلفتُم واحفظُوا أيمان ُكم كذلك يُبينُ ّ‬
‫آياته لعلَّ ُكم تش ُكرُون "المائدة‪.٧١ :‬‬
‫‪ -‬وللمكلف الايار في تاصيص واحد بالفعل‪ ،‬وتبرأ ذمته من الواجب بأداء أي واحد منها يشاء (‪. )3‬‬
‫تقسيم الواجب باعتبار المكلف ال ُمطالب به‬
‫إذا نظرنا إلى من توجه إليه الاطاب بأداء الواجب‪ ،‬وهو المكلف وجدناه ينقسم إلى نوعين‪ :‬واجب عين ّي‪ ،‬وواجب‬
‫كفائي‪:‬‬
‫‪ -‬الواجب العيني‪ :‬هو ما توجه فيه الطلب الجازم إلى كل فرد من أفراد المكلفين‪ ،‬وال يكفي فيه قيام البعض‬
‫مكان البعض اآلخر‪ ،‬وال تبرأ ذمة المكلف إال بقيامه به بنفسه‪ .‬وذلك وارد في معظم التكاليف‪ ،‬فذنها عينية‬
‫على المكلفين‪ .‬كأداء الواجبات المفروضة من الصالة والزكاة والحج والوفاء بالعقود‪ ،‬واجتناب الامر‬

‫(‪- )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪32‬؛ الشاطبي‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعة‪ ،‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬ج‪ /1‬ص‬
‫‪152-151‬؛ الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪22‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫(‪ - )2‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ - )3‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪30‬‬
‫‪-‬‬
‫والميسر والزنا‪ .‬وسائر الكبائر‪ ،‬باعتبار اجتنابها واجبا‪ ،‬وإتيانها محرما‪.‬‬
‫‪ -‬واالعتبار هنا متجه إلى الفعل والفاعل معا‪ .‬فيجب إتيان ذات الفعل من كل مكلف بعينه‪.‬‬
‫هل تجوز النيابة في الواجب العيني؟‬
‫إذا كان الواجب العيني متعلقا بالمكلف نفسه‪ ،‬فهل تجوز النيابه فيه‪ ،‬أم ال؟ وبااصة في حال العجز أو المرض أو‬
‫الموت؟‬
‫لإلجابة عن هذا اإلشكال نجد أن التكاليف الشرعية تنقسم بالنظر إلى النيابة فيها إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬قسم يقبل النيابة‪ ،‬وهو كل التكليفات المالية‪ :‬كرد الودائع‪ ،‬وقضاء الديون‪ ،‬ورد الغصوبات‪ ،‬وتفريق الزكوات‬
‫والكفارات‪ ،‬ولحوم الهدايا واألضاحي ونحوها؛ ألنها تشتمل في ذاتها على مصلحة بقطع النظر عن فاعلها‪.‬‬
‫‪ -2‬قسم ال يقبل النيابة‪ ،‬وهو العبادات البدنية المحضة‪ :‬كالصالة والصوم؛ ألن المقصود من الصالة _مثال_ هو‬
‫الاشوع والاضوع وإجالل الرب سبحانه وتعالى وتعظيمه‪ ،‬ويحصل لفاعلها بنفسه‪ ،‬فذذا فعلها غيره بدال منه لم‬
‫تتحقق المصلحة التي طلبها المشرع‪ .‬والصيام كذلك لما فيه من تربية للنفس وحبسها عن الشهوات وإحساس‬
‫مراقبة د إياها‪ ،‬وهذا ال يحصل إال لفاعله‪.‬‬
‫‪ -3‬وقسم يقبل النيابة عند قيام العذر‪ ،‬وهو ما له جانبان‪ :‬أحدهما بدني‪ ،‬واآلخر مالي كالحج؛ فتصح النيابة فيه عند‬
‫العجز البدني عن أدائه‪ ،‬وهذا رأي الجمهور؛ ألنه ياتلف عن الصالة الشتماله على القربة المالية غالبا في اإلنفا‬
‫لكن مالكا ومحمد بن الحسن وجماعة من المتأخرين لم يجيزوا النيابة في الحج؛ ألن القصد منه‬ ‫في األسفار‪َّ .‬‬
‫_عندهم_ هو تأديب النفس بمفارقة األوطان وتهذيبها بالاروج عن المعتاد من لبس المايا وغيره لتذكر المعاد‬
‫واآلخرة والقبر‪ ،‬وتعظيم شعائر د في تلك البقاع‪ ،‬وإرهار االنقياد من اإلنسان لما لم يعلم حقيقته كرمي الجمار‬
‫والسعي بين الصفا والمروة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وهذه مصالح ومقاصد ال تتحقق إال لمن باشرها بنفسه(‪.)1‬‬
‫‪ -‬الواجب الكفائي‪ :‬هو ما طلب الشارع حصوله من مجموع المكلفين‪ ،‬ال من كل فرد منهم؛ ألن مقصود‬
‫الشارع حصوله في الجماعة‪ ،‬فالمصلحة تتحقق بوجودها من بعض المكلفين‪ ،‬وال تتوقف على قيام كل‬
‫مكلف بها‪.‬‬
‫كاألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والصالة على الموتى‪ ،‬وبناء معاهد العلم ومراكز االستشفاء‪ ،‬وإقامة‬
‫القضاء واإلفتاء‪ ،‬وتعليم الصناعات وتوفيرها‪ ،‬وما تحتاج إليه األمة من العلوم النافعة التي تقيم حياتها‪،‬‬
‫وتحفظ كيانها‪.‬‬
‫وإذا حصل تضييع تلك الفروض من مجموع المكلفين أثموا جميعا‪ .‬لتفويتهم فرضا شرعيا‪ ،‬وتضييعهم‬
‫مصلحة ضرورية قصدها الشارع من هذه التكاليف‪)2( .‬‬
‫وقد يصير الواجب الكفائي عينيا إذا تعيّن على شاص ولم يوجد من يتأهل له غيره‪ .‬أو اقتضى الحال تجنيد‬
‫كل المكلفين للقيام به‪ ،‬كحال الجهاد إذا داهم أرض اإلسالم عد ٌّو يريد أن يجتاحهم‪ .‬وإذا رأى أحد منكرا بعينه‬
‫لزمه إنكاره قدر استطاعته‪ ،‬وال يجوز أن يعرض عنه بحجة أن ذلك فرض كفائي‪ .‬وإذا لم يوجد في بلدة إال‬
‫طبيب واحد لزمه مداواة أهلها‪ ،‬إذ تعين عليه هذا الواجب الذي كان في أصله كفائيا‪.‬‬
‫مقدمة الواجب‬
‫يقصد بمقدمة الواجب ما يتوقف عليه الواجب‪ ،‬وهي ما يعبر عنها بص‪" :‬ما ال يتم الواجب إال به"‪ .‬وهي قسمان‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما ال يتم الواجب إال به فليس بواجب‪ :‬وهو ما ليس مقدورا للمكلف؛ أي ليس بقدرة المكلف وال في‬
‫وسعه وال طاقته تحصيله وال يقع تحت اختياره‪ .‬فمثال‪ :‬حضور اإلمام في الجمعة‪ ،‬وحضور تمام العدد فيها‬

‫(‪ - )1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪1‬ص‪ 12‬إلى ‪.10‬‬


‫(‪ - )2‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪31-35‬؛ الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 21‬وما بعدها؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪،‬‬
‫ص‪.111 -122‬‬
‫‪31‬‬
‫‪-‬‬
‫شرطان شرعيان لصحة صالة الجمعة‪ ،‬فهما ليسا واجبين باإلجماع‪ ،‬بل عدمهما يمنع وجوب الجمعة‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ :‬وهو ما كان مقدورا للمكلف؛ أي أن مقدمة الواجب تقع تحت‬
‫اختيار المكلف‪ ،‬ويستطيع أن يفعله‪ .‬مثال ذلك‪ :‬الطهارة للصالة؛ فالصالة واجبة‪ ،‬وهي ال تتم إال بالطهارة‪ .‬إذا‬
‫فالطهارة أيضا تصبح واجبة‪ .‬ومثال ذلك أيضا‪ :‬السعي إلى الجمعة‪ ،‬وغسل جزء من الرأس مع الوجه‪ ،‬وإمساك‬
‫جزء من الليل مع النهار في الصوم(‪.)1‬‬
‫وفي كال القسمين يقول الغزالي‪ " :‬اختلفُوا في أ َّن ما ال يتم الواجبُ إال به هل يُوصف بال ُوجُوب ؟‬
‫ق في هذا أ َّن هذا ينقس ُم إلى ما ليس إلى ال ُمكلَّف كالقُدرة على الفعل وكاليد في الكتابة وكالرجل في المشي ‪،‬‬ ‫والتَّحقي ُ‬
‫فهذا ال يُوصفُ بال ُوجُوب بل عد ُمهُ يمن ُع اإليجاب ‪ ، ...‬وكذلك تكليفُ ُحضُور اإلمام ال ُج ُمعة و ُحضُور تمام العدد‬
‫فذنَّهُ ليس إليه فال يُوصفُ بال ُوجُوب بل يسقُاُ بتعذره الواجبُ ‪.‬‬
‫ق باختيار العبد فينقس ُم إلى ال َّشرط ال َّشرعي وإلى الحسي ‪ ،‬فال َّشرعي كالطَّهارة في الصَّالة يجبُ‬ ‫وأ َّما ما يتعلَّ ُ‬
‫وصفُها بال ُوجُوب عند ُوجُوب الصَّالة ‪ ،‬فذ َّن إيجاب الصَّالة إيجاب لما يصي ُر به الفع ُل صالة ‪.‬‬
‫وأ َّما الحسي فكالسَّعي إلى ال ُج ُمعة وكالمشي إلى الحج وإلى مواضع المناسك ‪ ،‬فينبغي أن يُوصف أيضا بال ُوجُوب‬
‫إذ أم ُر البعيد عن البيت بالحج أمر بالمشي إليه ال محالة ‪ ،‬وكذلك إذا وجب غس ُل الوجه ولم يُمكن إال بغسل جُزء‬
‫من الرَّأس ‪ ،‬وإذا وجب الصَّو ُم ولم يُمكن إال باإلمساك جُزءا من اللَّيل قبل الصبح فيُوصفُ ذلك بال ُوجُوب ‪.‬‬
‫ص ُل إلى الواجب إال به وهُو فع ُل ال ُمكلَّف فهُو واجب"(‪.)2‬‬
‫ونقُول ‪ :‬ما ال يُتو َّ‬

‫المندوب‬
‫تعريف المندوب‬
‫الندب في اللغة‪ :‬الدعاء إلى أمر مه ّم‪ ،‬والمندوب المدع ّو إلى ذلك األمر‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫في النائبات على ما قال برهانا‬ ‫ال يسألون أخاهم حين يندبهم‬
‫المندوب اصطالحا‪:‬‬
‫ورد في تعريفه صيغ متعددة‪ ،‬ليس بين معانيها كبير اختالف‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬هو الذي فعله خير من تركه‪ ،‬من غير ذم يلحق بتركه‪.‬‬
‫وقيل هو‪ :‬المأمور به الذي ال يلحق الذم بتركه(‪.)4‬‬
‫وقيل هو‪ :‬ما طلب الشارع فعله من غير إلزام‪ ،‬بحيث يمدح فاعله ويثاب‪ ،‬وال يذم تاركه وال يعاقب(‪.)5‬‬

‫صيغ الندب‪:‬‬
‫ويدل على كون الفعل مندوبا صيغة الطلب‪ ،‬إذا اقترن بها ما يدل على إرادة الندب ال اإللزام‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫القرينة ن ّ‬
‫صا‪ ،‬أو غيره‪ ،‬كقرينة الحال أو الفعل‪.‬‬

‫(‪ - )1‬اآلمدي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬مج‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪ 152‬إلى ‪.150‬‬
‫(‪ - )2‬الغزالي‪ ،‬المستصفى من علم األصول‪.‬ج‪ ،1‬ص‬
‫(‪ - )3‬البيت في ديوان الحماسة ألبي تمام‪ .‬من مقطوعة فيها‪:‬‬
‫بنو اللقيطة من ُذهل ابن شيبانا‬ ‫لو كنت من مازن لم تستبح إبلي‬
‫عند الحفيظة إن ذو لوثة النصا‬ ‫إذن لقام بنصري معشر خ ُشصن‬
‫في النائبات على ما قال برهانا‪.‬‬ ‫ال يسألون أخاهم حين يندبهم‬
‫(‪ - )4‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ج‪/1‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ - )5‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 32‬نقال عن المسودة البن تيمية‪ ،‬ص ‪.521‬‬
‫‪32‬‬
‫‪-‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫قال تعالى " يا أيها الَّذين آمنُوا إذا تداينتُم بدين إلى أجل مس ّمى فاكتُبُوهُ وليكتُب بَّين ُكم كاتب بالعدل وال يأب‬
‫د ربَّهُ وال يباس منهُ شيئا فذن كان الَّذي‬ ‫دُ فليكتُب وليُملل الَّذي عليه الحق وليتَّق ّ‬ ‫كاتب أن يكتُب كما علَّمهُ ّ‬
‫عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ال يستطي ُع أن يُم َّل هُو فليُملل وليهُ بالعدل واستشهدُوا شهيدين من رجال ُكم فذن‬
‫لَّم ي ُكونا رجُلين فرجُل وامرأتان م َّمن ترضون من الشهداء أن تض َّل إحداهُما فتُذكر إحداهُما األُخرى وال يأب‬
‫د وأقو ُم لل َّشهادة وأدنى‬ ‫الشهداء إذا ما ُدعُوا وال تسأ ُموا أن تكتُبُوهُ صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذل ُكم أقساُ عند ّ‬
‫أالَّ ترتابُوا إالَّ أن ت ُكون تجارة حاضرة تُديرُونها بين ُكم فليس علي ُكم جُناح أالَّ تكتُبُوها وأشهدُوا إذا تبايعتُم وال‬
‫دُ ب ُكل شيء عليم "البقرة‪٤٧٤ :‬‬ ‫دُ و ّ‬‫د ويُعل ُم ُك ُم ّ‬‫يُضآ َّر كاتب وال شهيد وإن تفعلُوا فذنَّهُ فُسُو ب ُكم واتَّقُوا ّ‬
‫واألمر بالكتابة هنا ال يحمل على الوجوب‪ ،‬وال يدل على الطلب الجازم‪ ،‬بقرينة ما جاء في سيا اآلية الحقا‪،‬‬
‫ض ُكم بعضا فليُؤد الَّذي‬‫وهو قوله تعالى ‪ ":‬وإن ُكنتُم على سفر ولم تجدُوا كاتبا فرهان َّمقبُوضة فذن أمن بع ُ‬
‫دُ بما تعملُون عليم" البقرة‪.٤٧٤ :‬‬ ‫د ربَّهُ وال تكتُ ُموا ال َّشهادة ومن يكتُمها فذنَّهُ آثم قلبُهُ و ّ‬ ‫اؤتُمن أمانتهُ وليتَّق ّ‬
‫فدل على أنه أمر إرشاد لتوثيق الناس معامالتهم‪ ،‬حفظا ألموالهم وحقوقهم من الضياع واإلنكار‪ ،‬فذذا توافر‬
‫عنصر الثقة واألمان كانت أدعى لحفظ الحقو ‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ ":‬وليستعفف الَّذين ال يجدُون نكاحا حتى يُغنيهُم دُ من فضله والذين يبتغون الكتاب م َّما ملكت‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫د الَّذي آتا ُكم وال تُكرهُوا فتيات ُكم على البغاء إن أردن‬ ‫أيمانُ ُكم فكاتبُوهُم إن علمتُم فيهم خيرا وآتُوهُم من َّمال َّ‬
‫د من بعد إكراهه َّن غفُور َّرحيم النور‪ .٤٤ :‬واآلية تفيد‬ ‫تحصنا لتبت ُغوا عرض الحياة الدنيا ومن يُكرهه َّن فذ َّن َّ‬
‫اإلرشاد إلى مكاتبة العبيد‪ ،‬ومساعدتهم على تحرير أنفسهم‪ ،‬ال على سبيل اإللزام‪ ،‬ألنه استقر في اإلسالم أن‬
‫اإلنسان ح ّر في ما يملك‪ ،‬والعبد ملك لسيده‪.‬‬
‫وقال رسول د صلى د عليه وسلم‪{ :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج}(‪ ،)1‬فأمره هنا ال‬
‫يحمل على وجوب الزواج رغم ورود صيغة المضارع المقرون بالم األمر‪" ،‬؛ لما تواتر أنه صلى د عليه‬
‫وسلم لم يلزم أحدا بالزواج مع قدرته عليه‪.‬‬
‫أسماء المندوب‪:‬‬
‫يقال للمندوب‪ :‬مرغوب فيه‪ ،‬ومستحب‪ ،‬ونفل‪ ،‬وتطوع وإحسان‪ ،‬وسنة‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه ال يقال له سنة إال إذا داوم عليه الشارع كالوتر ورواتب الفرائض(‪.)2‬‬
‫أقسام المندوب‪:‬‬
‫المندوب على مراتب متفاوتة من حيث تأكيد الطلب‪ .‬وقد صنفه العلماء كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬السنة المؤكدة‪ :‬وهي ما وارب عليها النبي صلى د عليه وسلم‪ ،‬ولم يتركه إال نادرا‪ ،‬ومنه‪ :‬صالة‬
‫ركعتين قبل فريضة الصبح‪ ،‬والمضمضة في الوضوء‪ ،‬وقراءة سورة أو آية بعد الفاتحة في الصالة‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه سنة مؤكدة يالم تاركها وال يعاقب‪ ،‬وال يجوز التهاون بها‪ ،‬وربما أصبحت في مرتبة الواجب إذا‬
‫تواطأ الناس على تركها أثموا‪ ،‬وذلك كشعائر اإلسالم التي تتعلق بها مصالح األمة‪.‬‬
‫‪ -‬السنة غير المؤكدة‪ :‬وهي دون سابقتها‪ ،‬وهي التي لم يداوم عليها النبي صلى د عليه وسلم‪ ،‬كصالة‬
‫أربع ركعات قبل الظهر‪ ،‬وصدقة التطوع للقادر عليها‪ ،‬إذا لم يكن من يتصد عليه في مامصة جوع‬
‫شديدة‪.‬‬
‫وهذه السنة يثاب فاعلها وال يستحق تاركها عقابا وال لوما‪.‬‬
‫‪ -‬سنة األدب والفضيلة‪ :‬وتتمثل في التأسي واالقتداء بالنبي صلى د عليه وسلم في شؤونه االعتيادية التي‬
‫(‪ - )1‬رواه مسلم‪ ،‬في كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة واشتغال من عجز عن المؤن‬
‫بالصوم‪ ،‬رقم‪ .1222 :‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬ج‪ /5‬ص ‪.115‬‬
‫(‪ - ) 2‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪33‬‬
‫‪-‬‬
‫صدرت منه باعتباره بشرا‪ ،‬ولكن متابعته في كيفيتها يعتبر مستحبا يؤجر عليه المكلف‪ ،‬وذلك كآداب‬
‫األكل والشرب والنوم‪.‬‬
‫فمن فعل هذه السنة كان مأجورا‪ ،‬ومن تركها لم يستحق لوما وال عتابا‪ .‬ألنها تجري مجرى العادات ال مجرى‬
‫العبادات(‪.)1‬‬
‫مراتب العبادات بين الوجوب والندب‪:‬‬
‫ثمة أمور مهمة تذكر في ختام أحكام الندب‪ .‬هي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المندوب مقدمة للواجب‪ ،‬وتمهيد له‪ ،‬ويجب الحرص عليه توطئة للنفس لتح ّمل عبء الواجدب‪ ،‬كمدا نبّده إلدى‬
‫ذلك اإلمام الشاطبي بقوله‪ ":‬المندوب إذا اعتبرتهُ اعتبارا أع ّم من االعتبار المتق ّدم وجدتهُ خادما للواجدب؛ ألنده إ ّمدا‬
‫مق ّدمة له أو تذكار له‪ ،‬كان من جنسه الواجب أو ال (‪ ،")2‬يعني أن المندوب بجملته يعتبر مقدمدة للواجدب‪ ،‬ويُدذك ُر‬
‫به‪ ،‬و يسهل على المكلف أداءه؛ ألن المكلف بأدائه المندوبات ودوامه عليها‪ ،‬يسهل عليه أداء الواجبات و يعتادها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا كا الفعل مندوبا بالجزء كا واجبا بالكل؛ كاآلذان فدي المسداجد الجوامدع أو غيرهدا‪ ،‬وصدالة الجماعدة‪،‬‬
‫وصالة العيدين‪ ،‬وصدقة التطوع‪ ،‬والنكاح‪ ،‬والوتر‪ ،‬والفجر‪ ،‬والعمرة‪ ،‬فلدو تركهدا النداس جميعدا هلكدوا‪ ،‬ألنهدا مدن‬
‫شعائر اإلسالم‪ .‬قدال الشداطبي‪ ":‬فدالترك لهدا جملدة ُمدؤثر فدي أوضداع الددين إذا كدان دائمدا‪ ،‬أمدا إذا كدان فدي بعدض‬
‫األوقات فال تأثير له‪ ،‬فال محظور في الترك "(‪.)3‬‬
‫وعليه فذنه ال يجوز االستهانة بالمندوبات‪ ،‬أو إهمالها على الجملة‪ ،‬فالمندوب وإن كان غير الزم باعتبار جزئه إال‬
‫أنه الزم باعتبار الكل‪ ،‬فمن ترك المندوبات جملة واحدة؛ كان ذلك قادحدا فدي عدالتده‪ ،‬واسدتحق التأديدب و الزجدر‪.‬‬
‫وقد تو ّعد الرسول صلى د عليه وسلم من داوم على ترك الجماعة فه َّم أن يحر عليهم بيوتهم(‪.)4‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة لما تعلقت به مصلحة األمة الدنيوية‪ ،‬كالنكاح والبيوع والصنائع فتركها هالك لألمة كلها‪ .‬فال‬
‫يصح تركها من قبل األُ َّمةكلها؛ فهي مندوبة بالنسبة ألفراد الناس‪ ،‬وواجبة وجوبا كفائيّا بالنسبة للجماعة‪ ،‬ألن فيهدا‬
‫(‪)5‬‬
‫مصلحة ضرورية لأل ّمة‬

‫الحرام‬
‫تعريف الحرام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الح َرا ُم ض ّد الحالل؛ إذ يقال‪ :‬هذا حالل وهذا حرام‪ ،‬مدن قولده تعدالى‪ " :‬وال تقولدوا لمدا تصدفُ ألسدنتك ُم الكدذب هدذا‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫حالل وهذا حرام لتفترُوا على د الكذب إن الذين يفترُون على د الكذب ال يُفل ُحون "النحل‪.٩٩٦ :‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬له عدة تعاريف‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما يذم فاعله ويمدح تاركه(‪.)6‬‬
‫وقيل‪ :‬هو ما طلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم واإللزام(‪.)7‬‬
‫وذهب الحنفية إلى التفريق بين ما حرّم بدليل قطعي فس ّموه حراما‪ ،‬وما ثبتت حرمته بدليل رن ّي فسدموه "مكروهدا‬

‫(‪ - ) 1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪32‬؛ الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪22‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ - )2‬الموافقات لإلمام الشاطبي ‪.151/1‬‬
‫‪ - )3‬الموافقات لإلمام الشاطبي ‪.133/1‬‬
‫(‪ - )4‬الشاطبي‪ ،‬الموافقات‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.133 -130‬‬
‫(‪ - )5‬الشاطبي؛ الموافقات؛ ج‪ ،1‬ص‪151‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪110‬؛ محمد أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه؛ ص ‪،21‬‬
‫زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪..22‬‬
‫(‪ - )6‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫(‪ - )7‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 21‬نقال عن‪ :‬ابن حزم الظاهري‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ج‪ /3‬ص ‪.301‬‬
‫‪34‬‬
‫‪-‬‬
‫تحريما" أو مكروها كراهة تحريمية"‪ .‬وهو مقابل تقسيمهم الواجب إلى فرض وواجب‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫أَ ْ‬
‫س َما ُء ال َح َر ِام‪:‬‬
‫يقال للحرام‪ :‬المحظور‪ ،‬الممنوع‪ ،‬المعصدية‪ ،‬الدذنب‪ ،‬المزجدور عنده‪ ،‬السدئية‪ ،‬اإلثدم‪ ،‬الفاحشدة‪ ،‬القبديح‪ .‬وهدي ألفدار‬
‫متقاربة المعنى‪ ،‬والقدر المشترك بينها‪ :‬أن الفعل مطلوب الترك على سبيل الحتم واإللزام‪.‬‬
‫صيغة التحريم‪:‬‬
‫يستفاد التحريم من استعمال األساليب اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -1‬مادة التحريم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ " :‬حُرمت عليكم أ َّمهداتكم وبنداتكم وأخدواتكم وع َّمداتكم وخداالتكم وبندات األخ‬
‫ات نسآئ ُكم وربائبُ ُك ُم الالَّتي في ُحجُور ُكم من‬ ‫ات األُخت وأُ َّمهاتُ ُك ُم الالَّتي أرضعن ُكم وأخواتُ ُكم من الرَّضاعة وأُ َّمه ُ‬ ‫وبن ُ‬
‫نسآئ ُك ُم الالَّتي دخلتُم به َّن فذن لَّم ت ُكونُوا دخلتُم به َّن فال جُناح علي ُكم وحالئ ُل أبنائ ُك ُم الَّذين من أصالب ُكم وأن تجمعُدوا‬
‫د كان غفُورا رَّحيما "النساء‪.٤٤ :‬‬ ‫بين األُختين إالَّ ما قد سلف إ َّن ّ‬
‫د يأ ُم ُر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القُربى وينهى عن الفحشاء وال ُمنكدر والبغدي‬ ‫‪ -2‬مادة النهي‪ ،‬قال تعالى‪ ":‬إ َّن ّ‬
‫يعظُ ُكم لعلَّ ُكم تذ َّكرُون " النحل‪١١. :‬‬
‫‪ -3‬نفي ال ِحل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬يا أيها الَّذين آمنُوا ال يحل ل ُكم أن ترثُدوا النسداء كرهدا وال تعضُدلُوه َُّن لتدذهبُوا بدبعض مدا‬
‫دُ فيده‬‫آتيتُ ُموه َُّن إالَّ أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشرُوه َُّن بالمعرُوف فذن كرهتُ ُموه َُّن فعسى أن تكرهُوا شيئا ويجعل ّ‬
‫خيرا كثيرا" النساء‪٩١. :‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫شر‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬وال يحسبن الذين يبالون بما آتاه ُم دُ من فضله هُو خيرا لهُم بل هُو ش ٌّر‬ ‫‪ -4‬وصف الشيء بأنه َ‬
‫دُ بما تعملُون خبير " آل عمران‪٩٧١. :‬‬ ‫اب السَّماوات واألرض و ّ‬ ‫لَّهُم سيُط َّوقُون ما بالُوا به يوم القيامة و ّهلل مير ُ‬
‫دُ عليه‬ ‫‪ -5‬اقترانُ الفعل بالوعيد والعقوبة‪ ،‬قال تعالى‪ ":‬ومن يقتُل ُمؤمنا متعمدا فجزآ ُؤهُ جهنَّ ُم خالدا فيها وغضب ّ‬
‫ولعنهُ وأع َّد لهُ عذابا عظيما" النساء‪.١٤ :‬‬
‫ُ‬
‫‪ -6‬صيغة النهي أو األمر بالتَّرك‪ ،‬قال تعدالى‪ "" :‬وال تقربُدوا الزندى إنَّدهُ كدان فاحشدة وسداء سدبيال ‪ ،‬وال تقتُلدوا الدنَّفس‬
‫دُ إالَّ بالحق ومن قُتل مظلُوما فقد جعلنا لوليه سُلطانا فال يُسرف فدي القتدل إنَّدهُ كدان منصُدورا اإلسدراء‪:‬‬ ‫الَّتي حرَّم ّ‬
‫‪ ،٤٤ - ٤٤‬وقال أيضا‪ " :‬وذرُوا راهر اإلثم وباطنهُ إ َّن الَّدذين يكسدبُون اإلثدم سديُجزون بمدا كدانُوا يقترفُدون األنعدام‪:‬‬
‫‪.٩٤١‬‬

‫أقسام الحرام‪:‬‬
‫ثبت من استقراء الشريعة أن الشارع الحكيم لم يحرم أمرا إال لمفسدته الاالصة أو الغالبة‪ ،‬وهذه المفسدة إما أن‬
‫ترجع إلى ذات الفعل المحرم‪ ،‬وهذا هو المحرم لذاته‪ ،‬وإما أن ترجع إلى أمر اتصل به‪ ،‬وهذا هو المحرم لغيره‪.‬‬
‫‪ -‬المحرم لذاته‪ :‬هو ما حرمه الشارع ابتداء لما فيه من األضرار والمفاسد الذاتية‪ ،‬مثل‪ :‬الامر‪ ،‬والزنا‪،‬‬
‫وأكل الميتة‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬ال يحل للمكلف فعله‪ ،‬فهو غير مشروع أصالة‪ ،‬وإذا فعله لحقه الذم والعقاب‪ ،‬وال يصلح أن يكون سببا‬
‫شرعيا تترتب عليه أحكامه؛ فالميتة محظورة على المكلف ال يحل له أكلها؛ والزنا ال يصح أن يكون سببا‬
‫شرعيا لثبوت النسب والتوارب وسائر الحقو التي تثبت في النكاح الصحيح‪.‬‬
‫وقد يباح بعض المحرم لذاته عند الضرورة حفارا على الضروريات الامس‪ ،‬كأكل الميتة وشرب الامر‬
‫لدفع خطر هالك النفس‪ ،‬وهذا ما يعرف بالرخص الشرعية‪ .‬فذن الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫‪ -‬المحرم لغيره‪:‬‬
‫هو ما يكون مشروعا في األصل‪ ،‬إذ ال ضرر فيه أو مفسدة غالبة‪ ،‬ولكن اقترن به عارض اقتضى تحريمه‪،‬‬
‫كالصالة في الثوب المسرو أو الدار المسروقة‪ ،‬والبيع الذي فيه غش‪ ،‬والبيع وقت النداء لصالة الجمعة‪،‬‬
‫وبيوع العينة للتحايل على الربا المحرم‪ ،‬وزواج المحلل المقصود به مجرد تحليل الزوجة لمطلقها ثالثا‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫‪-‬‬
‫والطال البدعي‪ ،‬ونحو ذلك مما ُحرّم لعارض‪.‬‬
‫فالصالة بذاتها مشروعة‪ ،‬بل واجبة والنكاح بأركانه وشروطه مباح‪ ،‬والبيع أيضا إذا استوفى شروطه جائز‪،‬‬
‫ولكن حين اقترنت به تلك الصفات العارضة جعلتها محرمة‪ .‬وهي أمر خارجي ال من ذات الفعل‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬أنه مشروع بأصله وذاته وغير مشروع بوصفه‪.‬‬
‫وهنا اختلف الفقهاء في آثار تلك األفعال والتصرفات‪.‬‬
‫فالحنفية يرونها صالحة إلنتاج ثمراتها وتترتب عنها آثارها‪ ،‬فالصالة في الثوب المغصوب صحيحة ومسقطة‬
‫للفرض‪ ،‬ولكن المصلي آثم ألنه ارتكب السرقة(‪)1‬؛ فهم غلّبوا جهة مشروعية األصل على حرمة الوصف‬
‫العارض‪ ،‬فأثبتوا النتيجة رغم لحو اإلثم للفاعل‪.‬‬
‫أما جمهور األصوليين فقد غلبوا جهة الوصف المحظور‪ ،‬فأبطلوا آثار ونتائج تلك األفعال‪ ،‬مع لحو اإلثم‬
‫بفاعله‪ ،‬ألن جهة الفساد في نظرهم ال تبقي أثرا لمشروعية أصله(‪.)2‬‬
‫ومن هنا قالوا ببطالن الصالة في األرض المغصوبة‪ ،‬ونكاح التحليل‪ ،‬والطال البدعي‪ .‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫(‪ - )1‬الزحيلي‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪130‬؛ عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫(‪ - )2‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه ‪ ،‬ص ‪.22 -23‬‬
‫‪36‬‬
‫‪-‬‬
‫المكروه‬
‫تعريف المكروه‪:‬‬
‫وهو ما كان تركه أولى من فعله‪.‬‬
‫أو هو ما طلب الشارع تركه‪ ،‬ال على وجه اإللزام‪.‬‬
‫صيغ الكراهة‪:‬‬
‫‪ -‬لفظ كره‪ :‬كما في قوله صلى د عليه وسلم‪ {:‬إن د كرّه لكم ثالثا‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وإضاعة المال‪ ،‬وكثرة‬
‫السؤال}(‪.)1‬‬
‫‪ -‬صيغة النهي المقترنة بقرينة صارفة من التحريم‪ :‬كما في قوله تعالى‪ :‬يا أيها الَّذين آمنُوا ال تسألُوا عن‬
‫دُ غفُور حليم "المائدة‪:‬‬ ‫دُ عنها و ّ‬ ‫أشياء إن تُبد ل ُكم تسُؤ ُكم وإن تسألُوا عنها حين يُن َّز ُل القُرآنُ تُبد ل ُكم عفا ّ‬
‫‪ ،٩١٩‬فالقرينة الصارفة هي تتمة اآلية في قوله تعالى‪ :‬يا أيها الَّذين آمنُوا ال تسألُوا عن أشياء إن تُبد ل ُكم‬
‫دُ غفُور حليم" المائدة‪.٩١٩ :‬‬ ‫د ُ ع ن ها و ّ‬‫تسُؤ ُكم وإن تسألُوا عنها حين يُن َّز ُل القُرآنُ تُبد ل ُكم عفا ّ‬
‫حكم المكروه‪:‬‬
‫أن فاعله ال يأثم‪ ،‬وإن كان ملوما‪ ،‬وتركه يمدح ويثاب‪ ،‬إذا كان تركه هلل‪.‬‬
‫أقسام المكروه عند األحناف‪:‬‬
‫‪ -‬المكروه تحريما‪ ،‬أو كراهة تحريمية‪:‬‬
‫قطعي‪ ،‬كاطبة المسلم على خطبة أخيه‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وهو ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم واإللزام بدليل رني ال‬
‫وبيعه على بيع أخيه‪ ،‬الذي جاء النهي عنه في السنة النبوية في أخبار آحاد‪.‬‬
‫وياتلف عن الحرام الذي ثبت بدليل قطعي‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أن فاعل المكروه كراهة تحريم يستحق العقاب‪ ،‬وإن كان ال يكفر منكره ألن دليله رني‪.‬‬
‫‪ -‬المكروه تنزيها‪ ،‬أو كراهة تنزيهية‪:‬‬
‫فهو ما طلب الشارع تركه‪ ،‬ال على وجه اإللزام والحتم؛ مثل أكل لحوم الايل للحاجة إليها في الحروب‪،‬‬
‫والوضوء من سؤر الهرة‪ ،‬وسؤر سباع الطير‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أن من أتى المكروه تنزيها لم يستحق عقابا وال ذ َّمًا‪ ،‬ولكن فعله يكون على خالف األولى‬
‫واألفضل(‪.)2‬‬
‫المباح‬
‫تعريف المباح‪:‬‬
‫المباح ما خيّر المكلف بين فعله وتركه‪،‬‬
‫أو هو ما ورد اإلذن من د تعالى بفعله وتركه غير مقرون بذم فاعله ومدحه‪ ،‬وال بذم تاركه ومدحه(‪.)3‬‬
‫كما قال الجويني‪ "ّ:‬هو ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك من غير اقتضاء وال زجر"(‪.)4‬‬
‫بم تعرف اإلباحة‪:‬‬
‫تثبت إباحة األمر بعدة أمور‪ .‬منها‪:‬‬

‫(‪ - )1‬رواه مسلم في كتاب األقضية‪ ،‬باب‪ :‬النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة‪ ،‬رقم‪ .1215 :‬انظر‪ :‬صحيح مسلم بشرح‬
‫النووي‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.032‬‬
‫(‪ - )2‬الزحيلي‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪132-133‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪21-25‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول‬
‫الفقه‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫(‪ - )3‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪ ،‬ج‪/1‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ - )4‬الجويني‪ ،‬البرهان‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.122‬‬
‫‪37‬‬
‫‪-‬‬
‫د علي ُكم وأُح َّل‬ ‫ات من النساء إالَّ ما ملكت أيمانُ ُكم كتاب ّ‬ ‫‪ -‬النص على الحليّة‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ " :‬وال ُمحصن ُ‬
‫ُ‬
‫ل ُكم َّما وراء ذل ُكم أن تبت ُغوا بأموال ُكم محصنين غير ُمسافحين فما استمتعتُم به منه َُّن فآتُوه َُّن أجُوره َُّن‬
‫د كان عليما حكيما النساء‪.٤٢ :‬‬ ‫فريضة وال جُناح علي ُكم فيما تراضيتُم به من بعد الفريضة إ َّن ّ‬
‫‪ -‬نفي اإلثم والجناح أو الحرج‪ :‬قال تعالى‪ " :‬الطَّال ُ مرَّتان فذمساك بمعرُوف أو تسريح بذحسان وال يحل‬
‫د فال جُناح‬ ‫د فذن خفتُم أالَّ يُقيما ُحدُود ّ‬‫ل ُكم أن تأ ُخ ُذوا م َّما آتيتُ ُموه َُّن شيئا إالَّ أن ياافا أالَّ يُقيما ُحدُود ّ‬
‫د فأُولئك هُ ُم الظَّال ُمون "البقرة‪،٤٤١ :‬‬ ‫د فال تعتدُوها ومن يتع َّد ُحدُود ّ‬ ‫عليهما فيما افتدت به تلك ُحدُو ُد ّ‬
‫وقوله تعالى‪ " :‬ليس على األعمى حرج وال على األعرج حرج وال على المريض حرج وال على أنفُس ُكم‬
‫أن تأ ُكلُوا من بُيُوت ُكم أو بُيُوت آبائ ُكم أو بُيُوت أُ َّمهات ُكم أو بُيُوت إخوان ُكم أو بُيُوت أخوات ُكم أو بُيُوت‬
‫أعمام ُكم أو بُيُوت ع َّمات ُكم أو بُيُوت أخوال ُكم أو بُيُوت خاالت ُكم أو ما ملكتُم َّمفاتحهُ أو صديق ُكم ليس علي ُكم‬
‫د ُمباركة طيبة كذلك‬ ‫جُناح أن تأ ُكلُوا جميعا أو أشتاتا فذذا دخلتُم بُيُوتا فسل ُموا على أنفُس ُكم تحيَّة من عند َّ‬
‫دُ ل ُك ُم اآليات لعلَّ ُكم تعقلُون"النور‪.٦٩ :‬‬ ‫يُبينُ َّ‬
‫‪ -‬التعبير بصيغة األمر مع وجود القرينة الصارفة إلى اإلباحة‪ ،‬مثل قوله تعال " فذذا قُضيت الصَّالةُ‬
‫د كثيرا لَّعلَّ ُكم تُفلحُون "الجمعة‪.٩١ :‬‬ ‫د واذ ُكرُوا َّ‬
‫فانتشرُوا في األرض وابت ُغوا من فضل َّ‬
‫‪ -‬استصحاب البراءة األصلية‪ ،‬إذ األصل في األشياء النافعة اإلباحة لقوله تعالى‪ ":‬هُو الَّذي خلق ل ُكم َّما في‬
‫األرض جميعا ثُ َّم استوى إلى السَّماء فس َّواه َُّن سبع سماوات وهُو ب ُكل شيء عليم" البقرة‪.٤١ :‬‬
‫حكم المباح‪:‬‬
‫المباح ال ثواب فيه وال عقاب‪ ،‬وإنما ينال صاحبه الثواب بالنية والقصد‪ ،‬فمن أكل طعاما دون نية‪ ،‬لم يؤجر على‬
‫ذلك‪ ،‬وإن نوى التقوي على العبادة أُجر على نيته‪ .‬ومن يمارس الرياضة البدنية لمجرد الحفار على لياقته‬
‫ورشاقته لم يؤجر‪ ،‬وإن مارسها بنية التقوي لمحاربة األعداء والدفاع عن الحرمات أو المظلومين كان‬
‫مأجورا(‪.)1‬‬
‫هل المباح حكم تكليفي؟‬
‫فعل المباح من حيث أفراده ليس مطلوب الفعل وال مطلوب الكف‪ ،‬ولذلك لم يعتبره بعض الدارسين من الحكم‬
‫التكليفي‪ ،‬الستواء الفعل والترك فيه‪ .‬فالمكلف مايّر بين الفعل والترك على حد سواء‪.‬‬
‫وقد نظر الشاطبي إليه نظرة مقاصدية‪ ،‬واعتبره بالنسبة لغيره من األقسام‪ ،‬إذ نجده دائما خادما ألصل ضروري‬
‫أو حاجي أو تكميلي‪ .‬ولذلك كان مطلوبا ومحبوبا فعله‪ ،‬وذلك أن التمتع بما أحل د من المأكل والمشرب‪ ،‬ونحوها‬
‫مباح في نفسه‪ ،‬وإباحته بالجزء‪ .‬وهو خادم ألصل ضروري وهو إقامة الحياة‪ .‬فهو مأمور به من هذه الجهة‪...‬‬
‫فالمباح يكون مباحا بالجزء‪ ،‬مطلوبا بالكل على جهة الندب‪ ،‬أو الوجوب؛ ومباحا بالجزء منهيا عنه بالكل على‬
‫جهة الكراهة‪ ،‬أو المنع(‪.)2‬‬
‫وأفاض الشاطبي في التمثيل لذلك بعدة أنواع‪:‬‬
‫‪ -‬فالتمتع بالطيبات من المأكل والمشرب والملبس مما سوى الواجب‪ .‬كاإلسراف فهو مباح بالجزء‪ ...‬فلو‬
‫ترك جملة لكان على خالف ما ندب الشرع إليه‪ ،‬ففي الحديث‪ {:‬إذا أوسع د عليكم فأوسعوا على‬
‫أنفسكم}(‪ ،)3‬وقوله صلى د عليه وسلم ‪{:‬إن د يحب أن يرى أثر نعمته على عبده}(‪.)4‬‬
‫(‪ - )1‬الزحيلي‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪132‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪22-22‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪،‬‬
‫ص‪.115‬‬
‫(‪ - )2‬الشاطبي‪ ،‬الموافقات‪ ،‬ج‪/1‬ص ‪.130 -102‬‬
‫(‪ - )3‬رواه مالك في الموطأ‪ ،‬كتاب الجامع‪ ،‬باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها‪ ،‬رقم‪ ،1255 :‬شرح الزرقاني على موطأ‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬ج‪ /2‬ص ‪.012‬‬
‫(‪ - )4‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬رقم‪.0202 :‬‬
‫‪38‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -‬واألكل والشرب‪ ،‬ووطء الزوجات‪ ،‬والبيع والشراء‪ ،‬فكل هذه األشياء مباحة بالجزء؛ أي إذا اختار أحد‬
‫هذه األشياء على ما سواها فذلك جائز‪ ،‬أو تركها الناس في بعض األحوال أو األزمان لم يقدح في ذلك‪،‬‬
‫فلو فرضنا ترك الناس كلهم ذلك لكان تركا لما هو من الضروريات المأمور بها‪ ،‬فكان الدخول فيها واجبا‬
‫بالكل‪.‬‬
‫‪ -‬والتنزه في البساتين وسماع تغريد الحمام‪ ،‬والغناء المباح أو غيرها‪ ،‬فمثل هذا مباح بالجزء‪ ،‬فلو فعل يوما‬
‫ما‪ ،‬أو في حالة ما‪ ،‬فال حرج فيه‪ ،‬فذن فعل دائما كان مكروها‪ ،‬فالكراهة هنا منصبّة على الدوام‬
‫واالستمرار باللهو‪ ،‬وقضاء الوقت عليه‪ ،‬ال باعتبار الجزء ومباشرته في بعض األوقات‪.‬‬
‫‪ -‬ووطء الزوجات مباح‪ ،‬ولكن تركه بالكلية على الدوام حرام‪ ،‬لما فيه من إضرار بالزوجة‪ ،‬وتفويت‬
‫لمقاصد النكاح‪ ،‬فالمباح منصب على الجزء‪ ،‬والحرمة متجهة إلى ترك المباح جملة(‪.)1‬‬
‫الرخصة والعزيمة‬
‫اختلف في تصنيف الرخصة والعزيمة‪ ،‬هل هما من الحكم التكليفي أم من الحكم الوضعي‪.‬‬
‫فبعض جعلهما ضمن الحكم التكليفي‪ ،‬ألن العزيمة اسم لما طلبه الشارع أو أباحه على وجه العموم‪ ،‬والرخصة‬
‫اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تافيفا عن المكلفين‪ ،‬ودفعا للحرج عنهم‪ .‬والطلب واإلباحة من أقسام الحكم‬
‫التكليفي‪.‬‬
‫بينما ذهب آخرون على أن العزيمة والرخصة من أقسام الحكم الوضعي‪ ،‬باعتبار أن العزيمة ترجع إلى جعل د‬
‫األحوال العادية للمكلفين سببا لبقاء األحكام األصلية واستمرارهان وأن الرخصة ترجع إلى جعل الشارع األحوال‬
‫الطارئة غير االعتيادية سببا للتافيف عن المكلفين‪ ،‬والسبب من أقسام الحكم الوضعي‪.‬‬
‫وأيّا ما كان فسنتناولهما بالشرح والبيان‪ ،‬مع االختصار قدر اإلمكان‪.‬‬
‫أوال‪ :‬العزيمة‬
‫العزيمة لغة‪ :‬من العزم‪ ،‬وهو القصد على وجه التأكيد(‪ ،)2‬ومنه قوله تعالى‪ :‬ولقد عهدنا إلى آدم من قب ُل فنسي‬
‫ولم نجد لهُ عزما" طه‪ .٩٩٥ :‬فلم يكن من آدم قصد مؤكد على عصيان أمر ربه‪ ،‬وإنما أغواه إبليس فأكل من‬
‫الشجرة‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬اسم لما طلبه الشارع أو أباحه على وجه العموم‪.‬‬
‫وقد عرفها البعض‪ :‬بأنها اسم لما هو أصل من األحكام غير متعلق بالعوارض‪.‬‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أن العزيمة تطلق على األحكام الشرعية التي شرعت لعموم المكلفين‪ ،‬دون نظر إلى ما قد يطرأ‬
‫عليهم من أعذار‪ ،‬فهي أحكام أصلية‪ ،‬شرعت ابتداء لتكون قانونا عاما لجميع المكلفين في أحوالهم العادية‪ ،‬ولم‬
‫ينظر في تشريعها إلى ضرورة أو عذر كالصالة وسائر العبادات‪.‬‬
‫وهي تتنوع إلى أنواع الحكم التكليفي‪ :‬من وجوب وندب وكراهة وإباحة‪ ،‬وال تطلق عند المحققين إال إذا قابلتها‬
‫رخصة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرخصة‬
‫الرخصة لغة‪ :‬السهولة واليسر واللين‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬ما وسع للمكلف في فعله لعذر وعجز عنه‪ ،‬مع قيام السبب المحرم‪.‬‬
‫أو هي‪ :‬ما شرع من األحكام لعذر مع قيام المحرم‪ ،‬لوال العذر لثبتت الحرمة‪.‬‬
‫كما عرفها بعضهم بأنها‪ :‬اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تافيفا عن المكلفين‪ ،‬ودفعا للحرج عنهم‪.‬‬
‫ويفيد هذا أن الرخصة هي األحكام التي شرعها الشارع‪ ،‬بناء على أعذار المكلفين‪ ،‬ولوالها لبقي الحكم األصلي‪،‬‬

‫(‪ - )1‬انظر‪ :‬الشاطبي‪ ،‬الموافقات‪ ،‬ج‪/1‬ص ‪ 130-132‬بتصرف؛ أنظر أيضا‪ :‬ص ‪.122 -122‬‬
‫(‪ - )2‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬ص ‪.023‬‬
‫‪39‬‬
‫‪-‬‬
‫فهي حكم استثنائي من أصل كلّي‪ .‬وسبب االستثناء مالحظة الضرورات واألعذار دفعا للحرج عن المكلف‪.‬‬
‫والرخصة في أكثر األحوال تنقل الحكم األصلي من مرتبة اللزوم إلى مرتبة اإلباحة‪ ،‬وقد تنقله إلى مرتبة الندب‬
‫أو الوجوب‪.‬‬
‫أنواع الرخص‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إباحة المحرم عند الضرورة‪:‬‬
‫وفي هذه الحال تكون الرخصة كاملة بذباحة المحرم‪ ،‬مع قيام سبب الحرمة وحكمها‪ ،‬وذلك كالتلفظ بكلمة الكفر مع‬
‫اهلل من بعد إيمانه إالَّ‬ ‫اطمئنان القلب إذا أكره أحد على ذلك بالقتل‪ ،‬وهذه الرخصة ثابتة بقوله تعالى‪ " :‬من كفر ب ّ‬
‫د ولهُم عذاب عظيم "النحل‪:‬‬ ‫من أُكره وقلبُهُ ُمطمئ ٌّن باإليمان ولكن َّمن شرح بال ُكفر صدرا فعليهم غضب من ّ‬
‫‪.٩١٦‬‬
‫ومثله‪ :‬أكل الميتة وشرب الامر‪ ،‬للمضطر إلنقاذ نفسه من خطر الموت‪ ،‬كما في قوله تعالى" حُرمت علي ُك ُم‬
‫الميتةُ وال َّد ُم ولح ُم الانزير وما أُه َّل لغير ّ‬
‫د به وال ُمنانقةُ والموقُوذةُ وال ُمترديةُ والنَّطيحةُ وما أكل ال َّسبُ ُع إالَّ ما‬
‫ذ َّكيتُم وما ُذبح على النصُب وأن تستقس ُموا باألزالم ذل ُكم فسق اليوم يئس الَّذين كفرُوا من دين ُكم فال تاشوهُم‬
‫يت ل ُك ُم اإلسالم دينا فمن اضطُ َّر في مامصة غير‬ ‫ت علي ُكم نعمتي ورض ُ‬ ‫ت ل ُكم دين ُكم وأتمم ُ‬
‫واخشون اليوم أكمل ُ‬
‫د غفور رَّحيم المائدة‪ .٤ :‬ألن حفظ الحياة ضروري‪ ،‬فأباح الشارع الحكيم أكل الميتة عند‬ ‫ُ‬ ‫ُمتجانف إلثم فذ َّن ّ‬
‫الجوع الشديد الذي يااف فيه تلف النفس‪ ،‬ومثلها شرب الامر‪ ،‬وإتالف مال الغير عند اإلكراه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إباحة ترك الواجب‪:‬‬
‫يباح ترك الواجب إذا كان في فعله مشقة تلحق المكلف‪ ،‬مثل الفطر في رمضان للمسافر والمريض دفعا للمشقة‪،‬‬
‫وثبتت هذه الرخصة بقوله تعالى‪"" :‬لبقرة‪.٩٧٢ :‬‬
‫صرُوا من الصَّالة إن‬ ‫واستباحة قصر الصالة من قوله تعالى‪ ":‬وإذا ضربتُم في األرض فليس علي ُكم جُناح أن تق ُ‬
‫خفتُم أن يفتن ُك ُم الَّذين كفرُوا إ َّن الكافرين كانُوا ل ُكم ع ُد ّوا مبينا"النساء‪ ، ٩١٩ :‬فالجمهور يرون أن قصر الصالة‬
‫في السفر رخصة‪ ،‬بينما يراه الحنفية واإلباضية عزيمة ال رخصة أخذا من حديث عائشة رضي د عنها (فرضت‬
‫الصالة ركعتين ركعتين فزيدت صالة الحضر‪ ،‬وأقرت صالة السفر)(‪.)1‬‬
‫واعتبروا من هذا الصنف أيضا ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان المرء بحضرة طاغية يوقن أنه‬
‫سيقتله إن قام بواجب األمر والنهي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تصحيح بعض العقود التي يحتاجها الناس‪ ،‬وإن لم تجر على القواعد العامة‪ ،‬مثل بيع السلم‪ ،‬فقد أباحه‬
‫الشارع الحكيم مع أنه بيع معدوم‪ ،‬وبيع المعدوم باطل على قول الجمهور خالفا البن تيمية وتلميذه ابن قيم‬
‫الجوزية‪ ،‬ولكن أجازه الشارع استثناء من القواعد العامة في البيوع‪ ،‬تافيفا وتيسيرا على المكلفين ‪ .‬ومنها أيضا ‪:‬‬
‫عقد االستصناع‪ ،‬أباحه الشارع مع أنه بيع معدوم لحاجة الناس إليه‪ ،‬وفي منعهم منه حرج وضيق(‪.)2‬‬
‫ومثله عقد االستصناع‪ .‬ورجوع األب في هبته لولده‪ ،‬خالفا لقاعدة عدم جواز الرجوع في الهبة‪.‬‬
‫حكم الرخصة‪:‬‬
‫‪ -‬األصل في الرخصة اإلباحة‪ ،‬فهي تنقل الحكم األصلي من اللزوم إلى التايير بين الفعل والترك‪ ،‬ألن مبنى‬
‫الرخصة مالحظة عذر المكلف‪ ،‬ورفع المشقة عنه‪ ،‬وال يتأتى تحصيل هذا المقصود إال بذباحة فعل المحظور‬
‫وترك المأمور به‪.‬‬
‫ومثل هذا‪ :‬الفطر في رمضان للمسافر والمريض‪ ،‬فلكل منهما اإلفطار عمال بالرخصة‪ ،‬والصيام عمال بالعزيمة‬
‫إذا لم يضرهما الصوم‪.‬‬
‫(‪ -)1‬الحديث متفق عليه ‪.‬‬
‫(‪ -)2‬علي حسب د ‪ :‬أصول التشريع اإلسالمي ص ‪ ،321 ،325‬والوجيز لزيدان ص ‪.50 ،51‬‬
‫‪40‬‬
‫‪-‬‬
‫ويس ّمي الحنفية هذه رخصة الترفيه‪ ،‬إذ لم ينعدم الحكم األصلي معها‪ ،‬ولكن رخص للمكلف تركه ترفيها وتافيفا‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن األخذ بالعزيمة أولى مع إباحة األخذ بالرخصة‪ ،‬في بعض األحيان‪ .‬وهذا مثل إباحة إجراء لفظ الكفر على‬
‫اللسان‪ ،‬مع اطمئنان القلب‪ ،‬عند اإلكراه عليه بالقتل أو تلف العضو‪ ،‬ولكن األولى‪ :‬األخذ بالعزيمة لما في ذلك من‬
‫إرهار االعتزاز بالدين والصالبة بالحق‪ ،‬وإغارة الكافرين وإضعاف نفوسهم‪ ،‬وتقوية معنويات المؤمنين‪ ،‬كما‬
‫حدب ألسيرين أخذهما أعوان مسليمة وسألوأ أحدهما أن يقول إن مسليمة رسول‪ ،‬فقالها وأطلقوا سراحه‪ ،‬ثم‬
‫سألوا اآلخر مثل ذلك‪ ،‬فقال إني أصم‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬فبلغ خبرهما النبي صلى د عليه وسلم فقال‪" :‬أما األول فأخذ‬
‫برخصة د‪ ،‬وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له الشهادة"‪.‬‬
‫‪ -‬كما قد يكون األخذ بالرخصة أحيانا واجبا‪ ،‬مثل تناول الميتة عند الضرورة‪ ،‬بحيث إذا لم يأكلها المضطر مات‬
‫جوعا‪ ،‬فذذا لم يفعل كان آثما لتسببه في قتل نفسه‪ ،‬لقوله تعالى‪ " :‬يا أيها الَّذين آمنُوا ال تأ ُكلُوا أموال ُكم بين ُكم بالباطل‬
‫د كان ب ُكم رحيما لنساء‪ .٤١ :‬وقوله‪ " :‬وأنفقُوا في‬ ‫إالَّ أن ت ُكون تجارة عن تراض من ُكم وال تقتُلُوا أنفُس ُكم إ َّن ّ‬
‫د يُحب ال ُمحسنين "البقرة‪ .٩١٥ :‬فاإلنسان ال يملك نفسه‪ ،‬وال‬ ‫د وال تُلقُوا بأيدي ُكم إلى التَّهلُكة وأحسنُوا إ َّن ّ‬‫سبيل ّ‬
‫يجوز له أن يهلكها‪ ،‬وهي وديعة مسؤول عن الحفار عليها‪ .‬وال يتصرف فيها إال وفق ما شرعه د خالقها‬
‫ومالكها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-‬‬
‫الحكم الوضعي‬
‫مضى بنا في تعريف الحكم الوضعي أنه «هو خطاب د تعالى المتعلق بجعل الشيء سببا أو شرطا أو مانعا أو‬
‫صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة»(‪.)1‬‬
‫وسنتاول بالبيان كل قسم من هذه األقسام بذيجاز غير ما ّل بذذن د‪.‬‬
‫السبب‬
‫دُ في الدنيا‬ ‫السبب في اللغة‪ :‬ما يتوصل به إلى مقصود ما‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬من كان يظُن أن لَّن ينصُرهُ َّ‬
‫واآلخرة فليمدُد بسبب إلى السَّماء ثُ َّم ليقطع فلينظُر هل يُذهب َّن كي ُدهُ ما يغيظُ "الحج‪.٩٥ :‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬ما جعله الشرع معرّفا لحكم شرعي‪ ،‬بحيث يوجد هذا الحكم عند وجوده‪ ،‬وينعدم عند عدمه‪.‬‬
‫وعلى هذا يمكن تعريف السبب في االصطالح‪ :‬بأنه كل أمر جعل الشارع وجوده عالمة على وجود الحكم‪،‬‬
‫وعدمه عالمة على عدمه‪ :‬كالزنا لوجوب الحد‪ ،‬والجنون لوجوب الحجر‪ ،‬والغصب لوجوب رد المغصوب إن‬
‫كان قائما ومثله‪ ،‬أو قيمته إن كان هالكا‪ .‬فذذا انتفى الزنا والجنون والغصب‪ :‬انتفى وجوب الحد (العقوبة) والحجر‬
‫والرد أو الضمان‪.‬‬
‫أقسام السبب‪:‬‬
‫ينقسم السبب باعتبارات كثيرة‪ ،‬نذكر فيما يلي أهمها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬السبب باعتباره فعال للمكلف‪ ،‬أو ليس فعال له‪ :‬ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬سبب ليس فعال للمكلف وال مقدورا له‬
‫فذذا وجد السبب وجد الحكم‪ ،‬ألن الشارع ربا الحكم به وجودا وعدما‪ ،‬فهو إمارة لوجود الحكم وعالمة لظهوره‪.‬‬
‫كدلوك الشمس لوجوب الصالة‪ ،‬وشهر رمضان لوجوب الصيام‪ ،‬واالضطرار إلباحة الميتة‪ ،‬والجنون والصغر‬
‫لوجوب الحجر‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬سبب هو فعل للمكلف وفي قدرته‬
‫كالسفر إلباحة الفطر‪ ،‬والقتل العمد العدوان لوجوب القصاص‪ ،‬والعقود والتصرفات الماتلفة لترتب آثارها‪:‬‬
‫كالبيع لملك المبيع من قبل المشتري‪ ،‬وإباحة االنتفاع له به‪.‬‬
‫وهذا القسم من السبب‪ ،‬أي ما كان فعال للمكلف‪ ،‬ننظر إليه نظرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬باعتباره فعال للمكلف‪ ،‬فيكون داخال في خطاب التكليف‪ ،‬وتجري عليه أحكامه‪ ،‬فيكون مطلوبا فعله‪ ،‬أو‬
‫مطلوبا تركه‪ ،‬أو مايرا فيه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬باعتبار ما رتب عليه الشارع من أحكام أخرى‪ ،‬فيعد من أقسام الحكم الوضعي‪.‬‬
‫‪ -‬مثل النكاح‪ ،‬يكون واجبا عند خوف الوقوع في الزنا‪ ،‬والوجوب حكم تكليفي‪ ،‬ويكون سببا تترتب عليه‬
‫جميع اآلثار الشرعية‪ ،‬من وجوب المهر والنفقة وغيرها‪ ،‬والسبب حكم وضعي‪.‬‬
‫‪ -‬ومثل القتل العمد العدوان واجب الترك جزما‪ ،‬وهذا حكم تكليفي‪ ،‬وهو سبب لوجوب القصاص‪ ،‬وهذا‬
‫حكم وضعي‪.‬‬
‫‪ -‬البيع مباح‪ ،‬وهذا حكم تكليفي‪ ،‬وهو سبب لثبوت ملك البائع للثمن‪ ،‬والثبوت المبيع للمشتري‪ ،‬وهذا حكم‬
‫وضعي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬باعتبار ما يترتب عليه‪ ،‬ينقسم السبب إلى‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬سبب للحكم التكليفي‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كالوقت جعله الشارع سببا إليجاب إقامة الصالة لقوله تعالى‪ " :‬أقم الصَّالة ل ُدلوك ال َّشمس إلى غسق الليل وقُرآن‬
‫الفجر إ َّن قُرآن الفجر كان مشهُودا "اإلسراء‪ ،٨٧ :‬وكالسفر إلباحة الفطر‪ ،‬وملك النصاب لوجوب الزكاة‪،‬‬
‫والسرقة جعلت سببا إليجاب قطع يد السار ‪ ،‬وشرك المشركة جعل سببا لتحريم زواج المسلم بها‪.‬‬
‫(‪ - )1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪.22‬‬
‫‪42‬‬
‫‪-‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬سبب لحكم هو أثر لفعل المكلف‬
‫أي يكون السبب سببا إلثبات ملك أو ح ّل أو إزالتهما؛ كالبيع لملك المبيع من قبل المشتري‪ ،‬والوقف إلزالة الملك‬
‫من الواقف‪ ،‬والنكاح سبب للحل بين الزوجين‪ ،‬والقرابة الستحقا اإلرب‪ ،‬والشركة أو الملك الستحقا الشفعة‪.‬‬

‫ربط األسباب بالمسببات‪:‬‬


‫المسببات تترتب على أسبابها إذا وجدت هذه األسباب‪ ،‬وتحققت شرعا لترتب األحكام عليها‪.‬‬
‫مثال‪ :‬القرابة سبب لإلرب‪ ،‬وشرطه‪ :‬موت المورّب‪ ،‬وتحقق حياة الوارب حقيقة أو حكما‪ ،‬والمانع‪ :‬هو القتل العمد‬
‫العدوان‪ ،‬أو اختالف الدين‪.‬‬
‫فذذا وجد السبب‪ ،‬وتحققت الشروط‪ ،‬وانتفت الموانع‪ ،‬ترتب عليه أثره الشرعي وهو الميراب‪.‬‬
‫وإذا انتفى الشرط‪ ،‬أو وجد المانع فذن السبب ال يكون سببا منتجا أثره‪.‬‬
‫وترتب المسببات على أسبابها الشرعية يكون بحكم الشارع‪ ،‬وال دخل لرضا المكلف أو عدم رضاه‪ .‬فالشارع هو‬
‫الذي جعل األسباب مفضية إلى مسبباتها‪.‬‬
‫السبب والعلة‪:‬‬
‫ما جعله الشارع عالمة على الحكم وجودا وعدما‪:‬‬
‫‪ -‬إما أن يكون مؤثرا في الحكم‪ ،‬أي أن العقل يدرك وجه المناسبة بينه وبين الحكم‪ ،‬وهذا هو السبب والعلة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬السفر إلباحة الفطر‪ ،‬واإلسكار لتحريم الامر‪ ،‬فهذه المسائل يدرك العقل وجه المناسبة بين السبب‬
‫والحكم‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن تكون مناسبته للحكم خفية ال يدركها العقل‪ ،‬وهذا هو السبب فقا‪.‬‬
‫مثال‪ :‬شهود رمضان لوجوب الصوم‪ ،‬وغروب الشمس سبب لوجوب صالة المغرب‪ ،‬فالعقل ال يدرك وجه‬
‫المناسبة مع السبب‪.‬‬
‫والخالصة أن كل علة سبب‪ ،‬وليس كل سبب علة‪ .‬فالسبب عام‪ ،‬والعلة خاصة‪ ،‬والسبب قد يدرك العقل معناه‪،‬‬
‫وقد ال يدرك‪ ،‬أما العلة فمعقولة يدرك العقل فيها وجه االرتباط بينها وبين المعلول‪.‬‬

‫الشرط‬
‫الشرط لغة‪ :‬الشرط بفتح الراء العالمة‪ ،‬جمعه أشراط‪ ،‬ومنه أشراط الساعة التي وردت في القرآن‪ ،‬قال تعالى‪" :‬‬
‫فهل ينظُرُون إ َّال السَّاعة أن تأتيهُم بغتة فقد جاء أشراطُها فأنَّى لهُم إذا جاءتهُم ذكراهُم "محمد‪.٩٧ :‬‬
‫والشرط بسكون الراء جمعه شروط‪ ،‬وهو بمعنى إلزام الشيء والتزامه‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬ما يتوقف عليه وجود الحكم‪ ،‬وكان خارجا عن حقيقته‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود األمر‪ ،‬ولكن يلزم‬
‫من عدمه عدم األمر‪.‬‬
‫المراد بوجود األمر وجوده الشرعي الذي تترتب عليه آثاره الشرعية‪ ،‬كالوضوء للصالة‪ ،‬وحضور الشاهدين لعقد‬
‫النكاح؛ ولكن ليس بالضرورة أن أداء الوضوء يترتب عنه الصالة‪ ،‬فقد نتوضأ لقراءة القرآن أو للاروج من‬
‫البيت‪ ،‬أو عند النوم‪ ،‬كما أن الشاهدين قد يحضرا وال ينعقد النكاح‪.‬‬
‫والزوجية شرط إليقاع الطال ‪ ،‬فذذا لم توجد زوجية لم يوجد طال ‪ ،‬وال يلزم من وجود الزوجية الطال ‪.‬‬
‫والشروط الشرعية هي التي تكمل السبب وتجعل أثره يترتب عليه؛ فالقتل سبب إليجاب القصاص ولكن بشرط أن‬
‫يكون قتال عمدا وعدوانا‪.‬‬
‫الشرط والركن‪:‬‬
‫يتفق الشرط والركن في أن كال منهما‪ :‬يتوقف عليه وجود الشيء وجودا شرعيا‪.‬‬
‫وياتلفان في أن‪ :‬الشرط أمر خارج عن حقيقته وماهيته‪.‬أما الركن فهو جزء من حقيقة الشيء وماهيته‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪-‬‬
‫مثال‪ :‬الركوع في الصالة‪ ،‬فهو ركن فيها إذ هو جزء من حقيقتها‪ ،‬وال يتحقق وجودها الشرعي بدونه‪ ،‬والوضوء‬
‫شرط لصحة الصالة إذ ال وجود لها بدونه‪ ،‬ولكنه أمر خارج عن حقيقتها‪.‬‬
‫ومثل اإليجاب والقبول في عقد النكاح‪ ،‬فكل منهما ركن فيه‪ ،‬إذ هو جزء من حقيقته‪ ،‬وحضور الشاهدين شرط‬
‫لصحته‪ ،‬ولكنه خارج عن حقيقته‪.‬‬
‫الشرط والسبب‪:‬‬
‫يتفق الشرط والسبب من جهة ّأن كال منهما مرتبا بشيء آخر بحيث ال يوجد هذا الشيء بدونه‪ ،‬وليس احدهما‬
‫بجزء من حقيقته‪.‬‬
‫وياتلفان في أن وجود السبب يستلزم وجود المسبب إال لمانع‪ ،‬فالسبب يفضي إلى مسببه بجعل من الشارع‪ ،‬أما‬
‫الشرط فال يلزم من وجوده وجود المشروط فيه‪.‬‬

‫أقسام الشرط‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من حيث تعلقه بالسبب أو المسبب‪:‬‬
‫ينقسم الشرط‪ ،‬من حيث تعلقه بالسبب أو المسبب‪ ،‬إلى شرط للسبب وشرط للمسبب‪.‬‬
‫‪ -1‬شرط مكمل للسبب‪ :‬هو الذي يكمل السبب ويقوي معنى السببية فيه‪ ،‬ويجعل أثره مترتبا عليه‪ ،‬كالعمد العدوان‬
‫شرط للقتل الذي هو سبب إيجاب القصاص من القاتل‪ ،‬والحرز للمال المسرو شرط للسرقة التي هي سبب‬
‫لوجوب الحد على السار ‪ ،‬ومرور الحول على نصاب المال شرط للنصاب الذي هو سبب للزكاة‪ ،‬والشهادة في‬
‫عقد النكاح شرط لجعل هذا العقد سببا لترتب اآلثار الشرعية عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬شرط للمسبب‪ :‬مثل موت المورب حقيقة أو حكما‪ ،‬وحياة الوارب وقت وفاة الموروب‪ ،‬فهما شرطان لإلرب‬
‫الذي سببه القرابة أو الزوجية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث اعتبار مصدر اشتراطه‪:‬‬
‫ينقسم الشرط باعتبار مصدر اشتراطه إلى‪ :‬شرط شرعي وشرط جعلي‪.‬‬
‫‪ -1‬الشرط الشرعي‪ :‬وهو ما كان مصدر اشتراطه الشارع‪ ،‬أي أن الشارع هو الذي اشترطه لتحقيق الشيء‪،‬‬
‫ومثاله‪ :‬بلوش الصغير سن الرشد لتسليم المال له‪ ،‬ومثله سائر الشروط التي اشترطها الشارع الحكيم في العقود‬
‫والتصرفات والعبادات والجنايات‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرط الجعلي‪ :‬وهو ما كان مصدر اشتراطه إرادة المكلف‪ ،‬كالشروط التي يشترطها الناس بعضهم على‬
‫بعض في عقودهم وتصرفاتهم‪ ،‬أو التي يشترطها المكلف في تصرفه الذي يتم بذرادته المنفردة كالوقف‪ .‬وهذا‬
‫الشرط على نوعين؛‬
‫النوع األول‪ :‬ما يتوقف عليه وجود العقد‪ ،‬بمعنى أن المكلف يجعل تحقق العقد معلقا على تحقق الشرط الذي‬
‫اشترطه‪ ،‬ولهذا فهو من شروط السبب‪ ،‬مثل‪ :‬تعليق الكفالة على عجز المدين عن الوفاء‪ ،‬أو تعليق الطال على‬
‫أمر‪ ،‬كأن يقول الزوج لزوجته‪ :‬إن سرقت فأنت طالق‪.‬‬
‫ويسمى هذا النوع من الشروط‪ :‬بالشرط المعلق‪ ،‬والعقد المشتمل عليه‪ :‬بالعقد المعلق‪.‬‬
‫وليس كل العقود والتصرفات تقبل التعليق‪ ،‬فمنها ما يقبله ومنها ما ال يقبله كعقود التمليكات ويلحق بها عقد النكاح‬
‫والالع‪ .‬ومنها ما يقبل التعليق كعقد الهبة والوصية‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الشرط المقترن بالعقد‪ ،‬مثل‪ :‬النكاح بشرط أن ال يارج الزوج زوجته من بلدتها‪ ،‬أو بشرط أن يكون‬
‫لها حق الطال ‪ ،‬وكالبيع بشرط أن يقدم المشتري كفيال بالثمن‪ ،‬أو بشرط أن يسكن البائع في الدار المبيعة لمدة‬
‫سنة(‪ .)1‬فهذه شروط ال يقتضيها العقد وال تنافيه فهي لذلك تعد صحيحة عند الحنابلة واإلباضية‪ ،‬بينما ذهب‬
‫(‪ - )1‬الشاطبي‪ ،‬الموافقات‪ ،‬ج‪025 -010 /1‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪102 -112‬؛ إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪2‬؛ الزحيلي‪،‬‬
‫الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪132‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪44‬‬
‫‪-‬‬
‫جمهور الفقهاء إلى ردها باعتبارها تقييدا إضافيا على أحد الطرفين‪ ،‬وإلزام له بما لم يرد به نص في الشرع‪.‬‬
‫المانع‬
‫تعريف المانع‪:‬‬
‫هو ما رتب الشارع على وجوده عدم وجود الحكم‪ ،‬أو عدم السبب أي بطالنه‪ ،‬فقد يتحقق السبب الشرعي وتتوافر‬
‫جميع شروطه ولكن يوجد مانع يمنع ترتب الحكم عليه‪.‬‬
‫وهو نوعا ‪ :‬مانع للحكم‪ ،‬ومانع للسبب‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مانع الحكم‪ :‬وهو ما يترتب على وجوده عدم وجود الحكم‪ ،‬بالرغم من وجود سببه المستوفي لشروطه‪.‬‬
‫وإنما كان المانع حائال دون وجود الحكم‪ :‬ألن فيه معنى ال يتفق وحكمة الحكم‪ ،‬أي ال يحقق الغرض المقصود من‬
‫الحكم‪ :‬كاألبوة المانعة من القصاص‪ ،‬فذذا قتل األب ابنه عمدا‪ ،‬لم يقتص منه‪ ،‬ألن األبوة مانعة من القصاص‪،‬‬
‫وإنما تلزمه الدية فقا‪ .‬لما في األبوة من معاني الشفقة والرحمة التي يضفيها على ولده‪ ،‬فال يجوز أن يعامل‬
‫بنقيضها فيقتل به‪ .‬وألن األب سبب لحياة االبن فال يكون االبن سببا لموت األب وإعدامه‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مانع السبب‪ :‬وهو الذي يؤثر في السبب بحيث يبطل عمله‪ ،‬ويحول دون اقتضائه لمسبب‪ ،‬ألن في المانع‬
‫معنى يعارض حكمة السبب‪ .‬ومثاله‪ :‬الدين المنقص للنصاب في باب الزكاة‪ ،‬فالنصاب سبب لوجوب الزكاة‪ ،‬ألن‬
‫ملكية النصاب مظنة الغنى‪ ،‬والغني قادر على عون المحتاجين‪ ،‬ولكن الدين يعارض هذا المعنى الملحور في‬
‫سبب الزكاة – وهو الغنى‪ -‬ويهدمه‪.‬‬
‫ومثاله أيضا قتل الوارب مورثه‪ ،‬فهو مانع للسبب أن يأخذ مجراه‪ ،‬ليصل إلى مسببه وهو استحقا اإلرب‪ ،‬فهذا‬
‫المانع معنى يهدم أساس اإلرب‪ ،‬وهو اعتبار الوارب خليفة للمورب‪ ،‬لما كان بينهما من لحمة الدم والنصرة‬
‫والمواالة‪ ،‬فهذه المعاني كلها تنهدم بجناية القتل‪.‬‬
‫أخيرا‪:‬‬
‫فذن المانع من حيث هو مانع‪ :‬ال يدخل في خطاب التكليف‪ ،‬فليس للشارع قصد في تحصيله وال في عدم تحصيله‪،‬‬
‫وإنما مقصود الشارع‪ :‬بيان ارتفاع حكم السبب‪ ،‬أو بطالن المسبب إذا وجد المانع‪.‬‬
‫ولكن ال يجوز للمكلف أن يقصد إيجاد المانع للتهرب من األحكام الشرعية‪ ،‬وهذا من باب الحيل‪ ،‬والحيل ال تحل‬
‫في شرع د‪ ،‬ويأثم صاحبها‪ ،‬كالذي يهب زوجته ماله في تمام الحول فرارا من الزكاة‪ ،‬ثم يسترده بعد الحول‪.‬‬
‫ونظائر هذا في فقه الحيل كثير‪ ،‬لعدم بصر الناس بمقاصد األحكام‪ .‬وغايات التشريع(‪.)1‬‬
‫الصحة والبطال‬
‫أفعال المكلفين إذا وقعت مستوفية أركانها وشروطها‪ ،‬حكم الشارع بصحتها‪ .‬وإذا لم تقع على هذا الوجه‪ ،‬حكم‬
‫الشارع بعدم صحتها‪ ،‬أي ببطالنها‪.‬‬
‫الصحة اصطالحا‪:‬‬
‫معنى صحة األحكام هي أنها تترتب عليها آثارها الشرعية‪ ،‬فذذا كانت العبادات برئت ذمة المكلف منها‪ :‬كالصالة‬
‫المستوفية ألركانها وشروطها‪.‬‬
‫وإذا كانت من العادات‪ ،‬أي المعامالت‪ :‬كعقود النكاح والبيع والهبة‪ ،‬ترتب على كل عقد اآلثار المقررة له شرعا‪،‬‬
‫من إثبات الح ّل‪ ،‬تبادل ملك البدلين‪ ،‬أو الملك بغير عوض‪.‬‬

‫(‪ - )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.12 ،13‬‬


‫‪45‬‬
‫‪-‬‬
‫البطال اصطالحا‪:‬‬
‫ومعنى بطالن األحكام هو عدم ترتب آثارها الشرعية عليها‪ ،‬ألن اآلثار الشرعية تترتب على ما استوفى األركان‬
‫التي طلبها الشارع‪ ،‬فذذا كانت هذه األفعال من العبادات لم تبرأ ذمة المكلف منها‪ ،‬وإن كانت من العقود‬
‫والتصرفات‪ ،‬لم يترتب عليها ما يترتب على الصحيحة من آثار شرعية(‪.)1‬‬
‫البطال عند الجمهور‪:‬‬
‫يرى جمهور األصوليين أن ما صدر عن المكلف من أفعال أو أسباب أو شروط‪ ،‬ولم يتفق وما طلبه الشارع‪ ،‬أو‬
‫ما شرعه‪ ،‬يكون غير صحيح شرعا‪ ،‬وال يترتب عليه أثره‪ ،‬سواء أكان عدم صحته الختالل ركن من أركانه أو‬
‫لفقد شرط من شروطه‪ ،‬وسواء أكان عبادة أو عقدا أم تصرفا‪ ،‬وعلى هذا ال فر بين باطل وفاسد ‪ ،‬ال في‬
‫العبادات وال في المعامالت‪.‬‬
‫فالصالة الباطلة كالصالة الفاسدة‪ ،‬والزواج الفاسد كالزواج الباطل‪.‬‬
‫فالتصرف إما صحيح تترتب عليه آثاره‪ ،‬وإما غير صحيح ال يترتب عليه أثر شرعي‪ ،‬وهذا هو رأي‬
‫الجمهور(‪.)2‬‬
‫البطال والفساد عند األحناف‪:‬‬
‫ذهب األحناف إلى التفريق بين الباطل والفاسد‪ ،‬وبيان أثر ذلك في العبادات والمعامالت‪ ،‬كل على حدة‪.‬‬
‫‪ -‬العبادات‪ :‬إذا فقدت ركنا من أركانها؛ كالصالة بال ركوع‪ ،‬أو فقدت بعض شروطها كالصالة بال وضوء‪،‬‬
‫فهي في الحالتين تسمى‪ :‬باطلة أو فاسدة‪ ،‬وال يترتب عليها أثرها الشرعي‪ ،‬فالباطل والفاسد عندهم بمعنى‬
‫واحد في العبادات‪.‬‬
‫‪ -‬المعامالت‪:‬إذا فقدت ركنا من أركانها سُميت باطلة‪ ،‬ولم يترتب عليها أي أثر شرعي‪ ،‬كبيع المجنون أو‬
‫بيع المجنون أو بيع الميتة‪ ،‬أو نكاح المحارم مع العلم بالحرمة‪.‬‬
‫وإذا استوفت أركانها‪ ،‬ولكن فقدت بعض شروطها أي بعض أوصافها الاارجية‪ ،‬سُميت فاسدة‪ ،‬وترتب عليها‬
‫بعض اآلثار إذا قام العاقد بتنفيذ العقد‪ ،‬كما في البيع بثمن غير معلوم‪ ،‬أو بثمن مؤجل إلى أجل مجهول‪ ،‬ففي‬
‫البيع يثبت الملك للمشتري في المبيع إذا قبضه بذذن البائع‪.‬‬
‫فالفاسد ما كان مشروعا بأصله ال بوصفه‪ ،‬والباطل ما كان غير مشروع ال بأصله وال بوصفه(‪.)3‬‬

‫(‪ - )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪11 -15 ،‬؛ الزحيلي‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.121-122‬‬
‫(‪ - )2‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ - )3‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪12‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪46‬‬
‫‪-‬‬
‫الحاكم‬
‫انطلقنا في البداية من تعريف الحكم الشرعي‪ ،‬بأنه " خطاب د المتعلق بأفعال المكلفين"‪.‬‬
‫وفي هذا التعريف إشارة إلى ان مصدر األحكام هو د وحده‪ .‬فالحاكم في الشريعة‪ :‬هو د تعالى باتفا العلماء‪،‬‬
‫سواء عُرف حكمه عن طريق الوحي‪ ،‬أو باالجتهاد‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ " :‬قُل إني على بينة من رَّبي وك َّذبتُم به‬
‫ق وهُو خي ُر الفاصلين "األنعام‪.٥٨ :‬‬ ‫ما عندي ما تستعجلُون به إن الحُك ُم إالَّ ّهلل يقُص الح َّ‬
‫قال اآلمدي‪" :‬اعلم أنه ال حاكم سوى د تعالى‪ ،‬وال حُكم إال ما حكم به"(‪.)1‬‬
‫إذن‪ ،‬ال خالف أن الحكم هلل وحده‪ ،‬والمشرع على الحقيقة هو د وحده‪ ،‬وأن ما سواه منفذ ومتبع لما حكم به في‬
‫وحيه وشرعه‪ .‬فالرسول صلى د عليه وسلم مبلغ عن د‪ ،‬ومتبع وحيه‪ ،‬والعلماء في اإلسالم ال يشرعون من عند‬
‫أنفسهم‪ ،‬بل ال يعدو اجتهادهم أن يكون كشفا لحكم د في المسائل الحادثة‪ .‬يتوصلون إليها بواسطة مناهج‬
‫االستنباط وضوابا االجتهاد التي تقررت في علم أصول الفقه(‪.)2‬‬
‫د تعالى‪ ،‬إذ قو ُل‬ ‫يقول اإلمام الغزالي‪" :‬واعلم أنَّا إذا حقَّقنا النَّظر بان أ َّن أصل األحكام واحد‪ ،‬وهُو قو ُل َّ‬
‫د تعالى أنَّهُ حكم بكذا وكذا فَا ْل ُح ْك ُم ِ َّ ِ‬
‫لِل تَ َعالَى‬ ‫دُ عليه وسلَّم ليس بحُكم ‪ ، ...‬بل هُو ُمابر عن َّ‬ ‫ال َّرسُول صلَّى َّ‬
‫د تعالى"(‪.)3‬‬‫ع يدُل على السنَّة‪ ،‬والسنَّةُ على حُكم َّ‬ ‫َو ْح َدهُ‪ .‬واإلجما ُ‬
‫وإنما الاالف بين العلماء فيما يعرف به حكم د‪:‬‬
‫‪ ‬هل ال بد لذلك من الشرع‪ ،‬أم إن العقل بذمكانه إدراك األحكام قبل بعثة النب ّي؟‬
‫‪ ‬هذا اإلشكال عرف لدى العلماء بموضوع التحسين والتقبيح؟ هل هو شرعي أم عقلي؟‬
‫‪ ‬وإذا أمكن للعقل أن يدرك حكم د دون وساطة الرسل‪ ،‬فهل يكون هذا اإلدراك مناط التكليف‪ ،‬وما يتبعه‬
‫من ثواب وعقاب؟ أم يظل العقل معزوال عن نتائج ما يتوصل إليه من تحسين وتقبيح؟‬
‫هل يستقل العقل بإدراك األحكام؟‬
‫تحدب علما ُء األصول في هذا المبحث عن مسألة العقل‪ ،‬وهل له دخل في األحكام وموضع منها؟ وتحدثوا عن‬
‫مسألة التَّحسين والتقبيح العقليين‪ ،‬وهل المكلفُ مؤاخذ بما يتوصل إليه العق ُل قبل ورود الشرع‪ ،‬أوقبل بلوش الدعوة‬
‫إليه؟‬
‫واختلفوا في هذه القضايا على ثالثة مذاهب‪ ،‬نشير إليها باختصار‪ ،‬إذ ال كبير جدوى من وراء اإلسهاب‬
‫فيها‪ ،‬ألننا على يقين أن الحكم هلل‪ ،‬وأن العقل متبع ال مشرع وال متبوع‪ .‬وأنه مقيد بمصدر الوحي في الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬ألنهما حق ال مرية فيه‪ ،‬وعلم ال شبهة فيه‬
‫مذهب األشاعرة‪:‬‬
‫ذهب األشاعرة وجمهور األصوليين‪ ،‬إلى أن الحُسن والقبح شرعيان‪ ،‬فما أمر به الشارع كاإليمان والصالة والحج‬
‫فهو حسن‪ ،‬وما نهى عنه كالكفر وغيره من المحرمات فهو قبيح‪ .‬ولو فرضنا أنه أمر بالمحرمات ونهى عن‬
‫الطاعات المعروفة‪ ،‬لكان ما أمر به حسنا وما نهى عنه قبيحا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومن هذا المنطلق فاإلنسان ال يطالب بفعل شيء أو تركه إذا أدرك بعقله حُسنه أو قبحه إال بعد بلوش الدعوة‪ ،‬فال‬
‫حكم لألشياء قبل بعثة الرسل‪ ،‬وما لم يأت رسول يبلغ للناس أحكام ربهم‪ ،‬ال يثبت ألفعالهم شيء‪ ،‬وال يحرم عليهم‬
‫فعل شيء‪ ،‬وحيث ال حكم فال تكليف‪ ،‬وال حساب وال عقاب‪.‬‬
‫ويترتب عليه أنه ال عقاب من د تعالى على ترك الشاص ما رآه حسنا أو فعل ما رآه قبيحا إال إذا بعث د‬

‫(‪ - )1‬اآلمدي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬مج‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬


‫(‪ -)2‬د‪ .‬الصاد عبد الرحمن الغرياني ‪ :‬الحكم الشرعي بين النقل والعقل ص ‪ -122‬دار الغرب اإلسالمي بيروت ‪،1222/‬‬
‫والوجيز ص ‪.12‬‬
‫(‪ - )3‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المستصفى من علم األصول‪ .‬المكتبة الشاملة‪ .‬اإلصدار الثاني‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪-‬‬
‫رسوال‪ .‬فالعقل ال يصلح طريقا إلدراك حُكم د في أفعال المكلفين(‪.)1‬‬
‫مذهب المعتزلة‪.‬‬
‫ُ‬
‫يذهب المعتزلة إلى أن الحُسن والقبح عقليان‪ ،‬ال يتوقف إدراكهما على الشرع‪ ،‬والشرع فقا مؤكد لحكم العقل فيما‬
‫يعل ُمه من حكم د تعالى‪.‬‬
‫ُ‬
‫وإدراك العقل للحُسن والقبح قد إ ّما أن يكون ضروريا نظريّا‪ ،‬فالضروري كحُسن الصد النافع وقبح الكذب‬
‫الضار‪ ،‬أو يكون بالنظر والتفكير كحُسن الصد الضار‪ ،‬وقبح الكذب النافع؛ فذن التفكير يهدي المرء في هذه‬
‫أن الضرر في الصد ‪ ،‬والنفع في الكذب ال يتعدى أن يكون ضررا لبعض األفراد‪ ،‬أو نفعا لهم على‬ ‫الحال إلى ّ‬
‫حساب مصلحة المجتمع‪.‬‬
‫أو يكون إدراك العقل متوقفا على ورود الشرع كحُسن صوم اليوم األخير من رمضان‪ ،‬وقُبح صوم أ ّول يوم من‬
‫شوال‪ ،‬وكأعداد الصلوات والركعات‪ ،‬فذن العقل قاصر في هذا المجال‪ ،‬والشرائع هي الماتصة بذرهار الحكم‬
‫لمعان خفيت على العقل‪.‬‬
‫وبناء على هذا الرأي فذن العبد مطالب قبل ورود الشرائع بعمل ما رآه حسنا‪ ،‬وترك ما رآه قبيحا‪ ،‬ود يحاسبه إذا‬
‫فذن من لم تبلغهم دعوةُ الرسل وال شرائعُهم مطالبون بفعل ما تُحسّنه عقولُهم‪،‬‬
‫عمل باالف ما رأى‪ .‬وعلى هذا‪َّ ،‬‬
‫و ُمثابون من د على ذلك‪ ،‬ومطالبون بترك ما تقبّحه عقولُهم‪ ،‬و ُمعاقبون من د على ذلك‪.‬‬

‫مذهب الماتريدية‪.‬‬
‫يرى أبو منصور الماتريدي‪ ،‬ومحققو الحنفية واإلباضية وبعض اإلمامية‪ ،‬أن الحُسن والقبح عقليان‪ ،‬ال يتوقفان‬
‫على الشرع‪ ،‬بل يُدركهما العقل‪ .‬ومتقدمو الماتريدية ياالفون متأخريهم‪ ،‬فيقول متقدموهم‪ :‬إن العقل قد يستقل في‬
‫إدراك بعض أحكام د تعالى‪ ،‬وذلك كاإليمان وحرمة الكفر وكل ما ال يليق باهلل تعالى‪ ،‬وتعتبر ذ َّمةُ العبد مشغولة‬
‫بما يُدركه العق ُل‪ ،‬فمن لم يؤمن مثال عاقبه د تعالى‪ ،‬ما لم يعفُ عنه‪ ،‬سواء بلغتهُ الدعوةُ أم ال‪ .‬وهؤالء يوافقون‬
‫المعتزلة في األشياء الظاهر حسنُها وقبحُها‪ ،‬ولكن ال يقولون بتحتيم العقاب كما يقول المعتزلة؛ لجواز العفو من‬
‫د تعالى‪.‬‬
‫ومتأخرو الماتريدية يقولون‪ :‬إن الحُسن والقبح عقليان كما يقول المعتزلة‪ ،‬لكنهم ياالفون المعتزلة في أن الحُسن‬
‫والقبح ال يستلزمان حكما في العبد‪ ،‬بل يصير موجبا الستحقا الحكم من الحكيم الذي ال يُرجج المرجوح‪ ،‬فما لم‬
‫يحكم ليس هناك حكم‪ .‬ولهذا‪ ،‬فذنهم اشترطوا بلوش الدعوة في التكليف باالف المعتزلة‪ .‬وهذا رأي اإلباضية أيضا‪.‬‬
‫فالفر ُ بين هؤالء المتأخرين وبين المعتزلة هو في وقوع التكليف‪ ،‬فعند متأخري الماتريدية‪ :‬ال تُعتبر ذ ّمةُ العبد‬
‫مشغولة بطلب الشيء فعال أو تركا‪ ،‬وال جزاء من د مطلقا قبل ورود الشرائع‪ ،‬ويتفقون مع المعتزلة في أن‬
‫العقول صالحة إلدراك مناط الثواب أو العقاب في بعض األفعال(‪.)2‬‬
‫يقول اإلمام الشوكاني‪" :‬وبالجملة فالكالم في هذا البحث يطول‪ ،‬وإنكا ُر مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسنا أو‬
‫قبيحا مكابرة ومباهتة‪ ،‬وأ َّما إدراكه لكون ذلك الفعل الحسن متعلقا للثواب وكون ذلك الفعل القبيح متعلقا للعقاب‬
‫فغير ُمسلَّم‪ ،‬وغايةُ ما تُدركه العقو ُل أن هذا الفعل الحسن يمدح فاعله وهذا الفعل القبيح يذم فاعله‪ ،‬وال تالزم بين‬
‫هذا وبين كونه متعلقا للثواب والعقاب ‪ .‬ومما يُستدل به على هذه المسألة في الجملة قوله سبحانه‪َّ " :‬من اهتدى‬
‫فذنَّما يهتدي لنفسه ومن ض َّل فذنَّما يضل عليها وال تز ُر وازرة وزر أُخرى وما ُكنَّا ُمعذبين حتَّى نبعث رسُوال‬
‫"اإلسراء‪ ، ٩٥ :‬وقوله تعالى أيضا‪ " :‬ولو أنَّا أهلكناهُم بعذاب من قبله لقالُوا ربَّنا لوال أرسلت إلينا رسُوال فنتَّبع‬
‫(‪ - )1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬ج‪1‬ص‪ .112‬وانظر‪ :‬أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ .‬ص‪ ،12‬واآلمدي‪ ،‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫مج‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬
‫(‪ - )2‬انظر‪ :‬وهبة الزحيلي‪ ،‬المصدر السابق‪ .‬ج‪1‬ص‪112‬إلى ‪ ،102‬وأبو زهرة‪ ،‬المصدر السابق‪ .‬ص‪12‬إلى ‪ ،11‬واآلمدي‪،‬‬
‫المصدر السابق‪ .‬مج‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.113‬‬
‫‪48‬‬
‫‪-‬‬
‫د‬‫آياتك من قبل أن نَّذ َّل ونازى "طه‪ ، ٩٤٢ :‬وقوله سبحانه‪ " :‬رسُال مبشرين و ُمنذرين لئالَّ ي ُكون للنَّاس على ّ‬
‫دُ عزيزا حكيما "النساء‪ ٩٦٥ :‬ونحو هذا"(‪.)1‬‬ ‫ُحجَّة بعد الرسُل وكان ّ‬
‫الرأي الراجح‪:‬‬
‫إن المذهب الثالث هو المذهب الوسا والمعقول‪ ،‬فأصول األخال والفضائل يدرك العقل حسنها لما فيها من نفع‪،‬‬
‫وأصول الرذائل يدرك العقل قبحها لما فيها من ضرر‪.‬‬
‫ولكن اإلنسان ال يكلف ديانة بالتعبد بشيء حتى يقوم عليه دليل من المشرع‪ ،‬فال تعد ذمة العبد قبل ورود الشريعة‬
‫مشغولة بطلب شيء فعال أو تركا‪ ،‬وال جزاء من د تعالى مطلقا قبل ورود الشرائع‪ ،‬وما أدرك العقل حسنه‬
‫وقبحه من األفعال واألشياء‪ ،‬يظل مستندا لقضاء مصالح اإلنسان الدنيوية دون تعلق لذلك بالجزاء األخروي(‪.)2‬‬
‫المحكوم فيه‬
‫تعريف المحكوم فيه‪:‬‬
‫هو ما تعلق به خطاب الشارع‪.‬‬
‫أي هو‪ :‬فعل المكلف الذي تعلق به حكم الشارع‪.‬‬
‫والمحكوم فيه قد يكون فعال‪ ،‬أو غيره‪ .‬فذذا كان خطاب الشارع حكما تكليفيا كان المحكوم فيه فعال‪ ،‬وإن كان حكما‬
‫وضعيا فقد نجده فعال كما في العقود والجنايات‪ ،‬إذ جعل د العقود سببا لنشأة الحقو ‪ ،‬والجنايات سببا للزوم‬
‫الحدود والعقوبات‪ .‬وقد ال يعود إلى فعل المكلف أصال‪ ،‬كاألوقات التي جعلها د رروفا وأسبابا لكثير من‬
‫العبادات‪ ،‬مثل دخول شهر رمضان لوجوب الصوم‪ ،‬وحوالن الحول لوجوب الزكاة‪ ،‬وبلوش الصبي لوجوب‬
‫التكاليف ونحو ذلك‪.‬‬
‫توضيح‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وقد نجد المحكوم فيه متعددا في مثال واحد‪ ،‬فقوله تعالى‪ 141 ":‬وهُو الذي أنشأ جنات َّمعرُوشات وغير‬
‫معرُوشات والنَّال وال َّزرع ُماتلفا أُ ُكلُهُ وال َّزيتُون والر َّمان ُمتشابها وغير ُمتشابه ُكلُوا من ثمره إذا أثمر وآتُوا حقَّهُ‬
‫يوم حصاده وال تُسرفُوا إنَّهُ ال يُحب ال ُمسرفين" األنعام‪ .٩٢٩ :‬تعلق الاطاب بفعل المكلف وهو إخراج الزكاة‪،‬‬
‫فذخراجها واجب‪ ،‬وهو حكم تكليفي‪ ،‬وتعلق بموعد الحصاد‪ ،‬وهو سبب لوجوبها‪ ،‬وهو حكم وضعي‪.‬‬
‫وفي قوله عز وجل ‪ ":‬يا أيها الَّذين آمنُوا أوفُوا بال ُعقُود أُحلَّت ل ُكم بهيمةُ األنعام إالَّ ما يُتلى علي ُكم غير ُمحلي الصَّيد‬
‫د يح ُك ُم ما يُري ُد " المائدة‪ ،٩ :‬تعلق الاطاب بالوفاء بالعقود‪ ،‬فالوفاء بها واجب‪ ،‬وهو حكم تكليفي‪،‬‬ ‫وأنتُم ُحرُم إ َّن ّ‬
‫وتعلق بسبب الوفاء وهو العقد‪ ،‬والسبب حكم وضعي‪ ،‬وهو فعل من المكلف أيضا‪ ،‬ألنه ينشا العقود بمحض‬
‫إرادته واختياره‪.‬‬

‫(‪ - )1‬الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول‪( .‬قرص‪ :‬كتب إسالمية)‪.‬‬
‫(‪ - )2‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪23 -12‬؛ الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪2-2‬؛ الزحيلي‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪،‬‬
‫ص ‪121-122‬؛ خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.22-21‬‬
‫‪49‬‬
‫‪-‬‬
‫شروط المحكوم فيه‪:‬‬
‫‪ .1‬أ يكو معلوما للمكلف علما تاما‪:‬‬
‫فال يصح التكليف بالمجهول‪ ،‬ولهذا فذن التكليفات التي جاءت في القرآن مجملة بيّنها الرسول صلى‬
‫د عليه وسلم على وجه ينفي إجمالها؛ كالصالة والصوم والحج وغيرها من أحكام الدين اإلسالمي‪،‬‬
‫وقد أوكل د إلى رسوله مهمة بيان الذكر‪ ،‬فقال بالبينات والزبُر وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للنَّاس ما‬
‫نُزل إليهم ولعلَّهُم يتف َّكرُون "[سورة النحل‪.]44 :‬‬
‫والمراد بالعلم‪ :‬علم المكلف فعال‪ ،‬أو إمكان العلم؛ بأن يكون قادرا بنفسه‪ ،‬فمتى بلغ اإلنسان عاقال‬
‫قادرا على أن يعرف األحكام الشرعية بنفسه‪ ،‬أو بالواسطة‪ ،‬بأن يسأل أهل العلم بما ُكلف به‪.‬‬
‫واألصل في اإلنسان الذي نشأ في بيئة إسالمية أن يعلم أحكام دينه‪ ،‬إما ألنها معلومة للناس‪ ،‬أو يسأل‬
‫عنها أهل العلم‪ ،‬فال عذر في الجهل باألحكام في دار اإلسالم‪.‬‬
‫وأما من كان في غير دار اإلسالم فيعذر بحسب حاله ورروفه‪.‬‬
‫أ يكو الفعل المكلف به مقدورا‪:‬‬
‫أي أن يكون من األفعال التي يمكن للمكلف فعلها أو تركها؛ ألن المقصود من التكليف االمتثال‪ ،‬فذذا‬
‫خرج الفعل عن قدرة المكلف وطاقته‪ ،‬لم يتصور االمتثال‪ ،‬فيكون التكليف به عبثا‪ .‬وتنزه د الحكيم‬
‫عن العبث‪.‬‬
‫ويترتب على شرط القدرة عدة أمور‪:‬‬
‫= ال تكليف بالمستحيل‪ :‬سواء أكان المستحيل لذاته‪ ،‬كالجمع بين النقيضين‪ ،‬بأن يكون الفعل واجبا‬
‫ومحرما في الوقت نفسه‪ ،‬أم كان المستحيل لغيره‪ ،‬وهو ما لم تجر العادة بوقوعه‪ .‬كتكليف شاص‬
‫بنقل الجبال‪ ،‬أو عد حصى الرمال‪ .‬فالتكليف بالمستحيل تكليف بما ال يطا ‪ ،‬ولهذا لم يأت به الشرع‪.‬‬
‫= ال تكليف بما ال يدخل تحت إرادة المكلف‪ :‬كتكليف المكلف أن يفعل غي ُره فعال معينا‪ ،‬ألن هذا‬
‫الغير ال يدخل تحت إرادة المكلف وقدرته‪ ،‬فكل ما يستطيعه هو أن يأمره بالفعل‪ ،‬فقد يستجيب وقد‬
‫يرفض‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل أيضا التكليف باألمور الوجدانية والقلبية التي تستولي على النفس‪ ،‬وال يملك اإلنسان‬
‫دفعها؛ كما قوله صلى د عليه وسلم‪ {:‬اللهم هذا قسمي فيما أملك‪ ،‬فال تلمني فيما تملك وال‬
‫أملك}(‪ ،)1‬يعني في الميل القلبي لبعض أزواجه أكثر من البعض اآلخر‪.‬‬
‫وقول النبي صلى د عليه وسلم للصحابي "ال تغضب"‪ ،‬ليس معناه االمتناع عن الشعور بالغضب‪،‬‬
‫ولكن المراد عدم االسترسال فيه‪ .‬لما يعقبه من نتائج وخيمة‪.‬‬
‫الشاق في األعمال‪:‬‬
‫تبيّن لنا أن من شروط الفعل المحكوم فيه أن يكون مقدورا عليه‪ ،‬ولكن هل يشترط فيه أن ال يكون شاقا؟‬
‫الواقع أن أي فعل ال يالو من مشقة‪ ،‬فالمشقة من لوازم التكليف؛ ولكن إذا كانت المشقة معتادة تطيقها النفس‬
‫البشرية‪ ،‬فال يلتفت إليها وال تكون حائال دون التكليف‪ .‬أما المشقة غير معتادة التي ال تطيقها النفس إال بعد‬
‫ضيق وعنت شديد‪ ،‬ففي حكمها تفصيل‪:‬‬
‫‪ .1‬مشقة غير معتادة تطرأ على الفعل بسبب ظرف خاص بالمكلف‪:‬‬
‫وذلك مثل الصيام في السفر والمرض‪ ،‬واإلكراه على كلمة الكفر‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫إذا ترتب عليه هالك محقق للقائم بهما‪ .‬ففي هذه األحوال دفع الشارع الحكيم هذه المشقات بالرخص‪،‬‬
‫فأباح للمكلف ترك األفعال الواجبة‪ ،‬وارتكاب األفعال المحظورة‪ ،‬دفعا للمشا ‪ ،‬ورفعا للحرج‪.‬‬
‫ولكن الشارع جعل تحمل بعض المشا غير المعتادة من قبيل المندوب أحيانا‪ ،‬كما في المكره على كلم‬
‫(‪ - )1‬رواه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬النكاح‪ ،‬باب‪ :‬القسم بين النساء‪ ،‬رقم ‪.0132‬‬
‫‪50‬‬
‫‪-‬‬
‫الكفر‪ ،‬والمهدد بالقتل عند قوله كلمة الحق‪ ،‬فمن صبر ولم يلفظ بالكفر‪ ،‬وصبر ونطق بالحق‪ ،‬ثم هلك كان‬
‫أفضل له‪ ،‬لما في ذلك من عزة للدين‪ ،‬وإذالل للكفر والظلم‪.‬‬
‫‪ .2‬مشقة غير عادية ولكن البد من تحملها لضرورة القيام بالفرض الكفائي‪:‬‬
‫وذلك مثل الجهاد؛ فهو فرض كفاية‪ ،‬وإن كان فيه قتل النفس وإزها الروح وإتعاب الجسد‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫من المشا غير االعتيادية‪ ،‬ولكنه مطلوب ألنه البد منه لحماية البالد من األعداء وحفظ الدين‪ ،‬فهو‬
‫مندوب إليه بالمندوب للجزء‪ ،‬أي للفرد الواحد‪ ،‬وواجبا للكل‪ ،‬أي بالنسبة إلى مجموع األمة وإن ترتب‬
‫عليه أذى بالغ‪ ،‬وألنه فرض كفائي يجب أن يوجد في األمة؛ رغم ما فيه من مشقات عظيمة غير معتادة‪.‬‬
‫وكذلك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فهو ضرب من ضروب الجهاد‪ ،‬وفرض كفائي‪ ،‬واجب على‬
‫المجموع لحماية حدود الدين وحرمات المسلمين‪.‬‬
‫‪ .3‬مشقة غير عادية ال تتأتى من ذات الفعل وإنما بسبب ما ألزم المكلف به نفسه‪:‬‬
‫وهذا النوع من األفعال ال يجوز‪ ،‬فقد روي أن الرسول صلى د عليه وسلم رأى رجال قائما في الشمس‪،‬‬
‫فسأل عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول د إنه نذر أن يقوم في الشمس وال يقعد وال يستظل‪ ،‬وال يتكلم ويصوم‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى د عليه وسلم ‪{:‬مروه فليتكلم وليقعد وليتم صومه}‪ .‬والسبب واضح‪ ،‬فذن تعذيب الجسد‬
‫وتحميله المشا بال غرض مشروع وال مصلحة يعد عبثا‪ ،‬فليس للشارع مصلحة في إيذاء الجسد‪ ،‬بل‬
‫دُ شاكرا‬‫دُ بعذاب ُكم إن شكرتُم وآمنتُم وكان ّ‬
‫المصلحة في حفظه والعناية به‪ ،‬وقد قال د تعالى‪َّ :‬ما يفع ُل ّ‬
‫عليما النساء‪.٩٢٨ :‬‬
‫ومثله أيضا خير الثالثة الذين أعرضوا عن ملذات الحياة المباحة‪ ،‬فأخذ بعضهم نفسه بقيام الليل‪،‬‬
‫وبعضهم بصيام الدهر وعدم الفطر‪ ،‬وبعضهم باعتزال النساء وعدم الزواج‪ ،‬فقال لهم صلى د عليه‬
‫وسلم‪" :‬أما ود إني ألخشاكم هلل وأتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأنام‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني"(‪.)1‬‬
‫فما يأخذ به بعض الصالحين أنفسهم من المشا الشديدة سلوك خاص بهم‪ ،‬ال يكون عاما للناس‪ ،‬وال‬
‫يجوز أن يلزم به غيرهم‪ ،‬وربما كان بعضهم في مقام القدوة فاشي أن يتبعه العامة في االسترسال في‬
‫ملذات الحياة‪ ،‬فتورع بسبب ذلك‪ .‬أو آثر بعضهم المحتاجين وفضلوهم على أنفسهم بما آتاهم د من نعم‬
‫ومال‪ .‬وإنما لكل امرئ ما نوى‪ .‬أما تعذيب النفس دون غرض إلى العنت فهذا مرفوض في شريعة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫أنواع المحكوم فيه‬

‫قسم الحنفية فعل المكلف الذي تعلق به حكم د تعالى إلى أربعة أقسام؛ ألن أفعال المكلفين إما أن يكون المقصود‬
‫بها مصلحة عامة أو خاصة‪ ،‬فذذا كان المقصود بها مصلحة المجتمع عامة فالفعل هو حق د تعالى‪ ،‬وإن كان‬
‫المقصود بها مصلحة خاصة فالفعل هو حق العبد‪ ،‬وقد يجتمع الحقان ويتغلب أحدهما على اآلخر‪ ،‬فهذه أربعة‬
‫أقسام‪:‬‬
‫‪ ‬حق هللا‬
‫وهو ما تعلق به النفع العام للعالم من غير اختصاص بأحد‪ ،‬فينسب إلى د تعالى لعظم خطره وشمول نفعه‪.‬‬
‫وهذا الحق ال يجوز إسقاطه وال يحق ألحد التنازل عنه أو الاروج عليه‪.‬‬
‫وقد استقرأ الباحثون أنواعه فوجدوها ال تارج عن ثمانية أنواع هي‪:‬‬
‫‪ .1‬عبادات محضة‪ :‬وذلك كاإليمان والصالة والزكاة والصيام والحج‪ ،‬ونحوها مما يحصل به ضروري الدين‪،‬‬

‫(‪ - )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.21 -22‬‬


‫‪51‬‬
‫‪-‬‬
‫والدين ضروري لقيام المجتمع ونظامه‪ ،‬والعبادات كلها شرعت لمصالح تعود بالنفع على المجتمع‪.‬‬
‫‪ .2‬عبادات فيها معنى المؤونة‪ :‬ومثلها صدقة الفطر‪ ،‬فهي عبادة ألنها تقرب إلى د بالتصد على الفقير‪ ،‬وأما‬
‫كونها فيها معنى المؤونة فألنها وجبت على المكلف بسبب غيره‪ ،‬فكأنها بمنزلة النفقة‪.‬‬
‫‪ .3‬مؤونة فيها معنى العبادة‪ :‬ومثلها وجوب العشر على األراضي النامية‪ ،‬والمؤونة فيها على أصل األرض‬
‫باعتبار حقيقة النماء فيها‪ ،‬وأما العبادة فهي زكاة الزرع الاارج من األرض وهو العشر‪ ،‬والذي يصرف في‬
‫مصارف الزكاة‪.‬‬
‫‪ .4‬مؤونة فيها معنى العقوبة‪ :‬في وجوب الجزية‪ ،‬وهو الاراج على أراضي غير المسلمين من أهل الذمة‪،‬‬
‫والتي استولى عليها المسلمون‪ ،‬ومكمن العقوبة هو عدم إسالم أصحابها وبقائهم على دينهم‪ ،‬وعدم نصرتهم لنا في‬
‫القتال ألنه واجب على أهل الدار كلهم‪.‬‬
‫‪ .5‬عقوبات كاملة‪ :‬ليس فيها معنى آخر غير العقوبة‪ ،‬وهي الحدود؛ أي العقوبات المقدرة التي شرعت‬
‫للمصلحة العامة‪ ،‬ولذلك اعتبرت حقا هلل‪ ،‬فال يمكنها ألحد إسقاطها‪.‬‬
‫‪ .6‬عقوبات قاصرة‪ :‬ومثلها حرمان القاتل من الميراب‪ ،‬وإنما هي قاصرة ألنه ليس فيها إيذاء بدني‪ ،‬أو تقييد‬
‫لحرية الجاني‪ ،‬وإنما هي عدم ثبوت ملك جديد له‪.‬‬
‫‪ .7‬عقوبات فيها معنى العبادة‪ :‬وهي الكفارات‪ ،‬مثل كفارة حنث اليمين‪ ،‬وكفارة القتل الاطأ‪ ،‬وكفارة اإلفطار‬
‫والجماع في شهر رمضان عمدا‪ ،‬وفي الظهار‪.‬‬
‫‪ .1‬فهي عقوبات ألنها جزاء عل معصية‪ ،‬وفيها معنى العبادة ألنها تؤدي بما هو عبادة من صوم أو صدقة أو‬
‫تحرير رقبة‪.‬‬
‫‪ ‬حق قائم بنفسه‪:‬‬
‫وهو حق وجب بذاته هلل تعالى‪ ،‬ولم يتعلق بذمة أي مكلف‪ ،‬وهو خمس الغنائم‪ ،‬وما يستارج من معادن‬
‫وكنوز األرض‪ ،‬قال تعالى‪ ":‬واعل ُموا أنَّما غنمتُم من شيء فأ َّن ّهلل ُخ ُمسهُ ولل َّرسُول ولذي القُربى واليتامى‬
‫دُ على ُكل‬‫اهلل وما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقان يوم التقى الجمعان و ّ‬ ‫والمساكين وابن السَّبيل إن ُكنتُم آمنتُم ب ّ‬
‫شيء قدير" األنفال‪.٢٩ :‬‬

‫‪ ‬حق العبد‬
‫ما يتعلق به مصلحة خاصة‪ ،‬ومثاله سائر الحقو المالية لألفراد؛ كضمان المتلفات‪ ،‬واستيفاء الديون والدية‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه يجوز لصاحبه التنازل عنه أو استيفاؤه‪.‬‬

‫‪ ‬ما اجتمع فيه الحقا ‪ ،‬وحق هللا غالب‬


‫ومثاله ح ّد القذف‪ ،‬فالقذف جريمة تمس األعراض‪ ،‬وتشيع الفاحشة في المجتمع‪ ،‬وفي ترتيب العقوبة على‬
‫هذه الجريمة مصلحة عامة لما فيها من ردع المجرمين‪ ،‬وصيانة األعراض‪ ،‬فكانت هذه العقوبة من حق د‬
‫بهذا المعنى‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فذن في هذه العقوبة مصلحة خاصة للمقذوف‪ ،‬إذ فيها إرهار لشرفه وعفته ودفع العار عنه‪،‬‬
‫فهنا يكمن حق العبد‪.‬‬
‫وألنه ال يجوز للمقذوف إسقاط هذا الحد عن القاذف‪ ،‬فاعتبر حقا هلل‪.‬‬

‫ما اجتمع فيه الحقا ‪ ،‬وحق العبد غالب‬ ‫‪‬‬


‫ومثاله القصاص من القاتل عمدا عدوانا‪ ،‬فذنه حق هلل تعالى لصيانة الدماء وحفظ األمن‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪-‬‬
‫وهو أيضا حق للعبد؛ ألنه يحقق مصلحة أولياء الدم‪ ،‬فيطفا نار الحقد والغيظ عندهم‪.‬‬
‫ولكن تغلب الجهة الثانية ألنه يمس المجني عليه أكثر مما يمس المجتمع ونظامه‪ ،‬فحق العبد هو الغالب‪،‬‬
‫ولهذا فلولي المقتول حق العفو(‪.)1‬‬
‫المحكوم عليه‬
‫تعريف المحكوم عليه‪ :‬هو الشاص الذي تعلق خطاب الشارع بفعله‪ ،‬ويسميه علماء األصول المكلف‪.‬‬
‫شروط صحة التكليف‪:‬‬
‫يشترط في اإلنسان حتى يصح تكليفه أ يكو قادرا بنفسه‪ ،‬أو بالواسطة‪ ،‬على فهم خطاب التكليف الموجه إليه‪،‬‬
‫ويتصور معناه بالقدر الذي يتوقف عليه باالمتثال‪ ،‬ألن الغرض من التكليف الطاعة واالمتثال‪ ،‬ومن ال قدرة له‬
‫على الفهم ال يمكنه االمتثال"‪.‬‬
‫وقد أقام الشارع العقل آلة لفهم خطابه‪ ،‬وجعل البلوش أمارة على قدرة العقل على الفهم‪ ،‬فقال صلى د عليه وسلم‬
‫(‪)2‬‬
‫"رفع القلم عن ثالب‪ ،‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى يفيق"‬

‫اعتراضات وجوابها‪:‬‬
‫‪ ‬االعتراض األول‪ :‬إن تكليف من ال يفهم الاطاب قد ورد في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فقد قال د تعالى‪ :‬يا أيها‬
‫الَّذين آمنُوا ال تقربُوا الصَّالة وأنتُم سُكارى حتَّى تعل ُموا ما تقُولُون وال ُجنُبا إالَّ عابري سبيل حتَّى تغتسلُوا‬
‫وإن ُكنتُم َّمرضى أو على سفر أو جاء أحد من ُكم من الغآئا أو المستُ ُم النساء فلم تجدُوا ماء فتي َّم ُموا‬
‫د كان عفُ ّوا غفُورا النساء‪ .٢٤ :‬فالسكارى حال سكرهم‬ ‫صعيدا طيبا فامسحُوا ب ُوجُوه ُكم وأيدي ُكم إ َّن ّ‬
‫مكلفون بالكف عن الصالة‪ ،‬وهم ال يفهمون الاطاب إذ ذاك‪ ،‬فكيف يقال‪ :‬إن شرط التكليف القدرة على‬
‫الفهم؟‬
‫الجواب‪ :‬إن الاطاب في هذه اآلية ليس موجها إلى السكارى حال سكرهم‪ ،‬وإنما هو موجه إلى المسلمين‬
‫حال صحوهم بأن ال يشربوا الامر إذا قرب وقت الصالة‪ .‬كما أنه من الجدير بالذكر أن هذه اآلية نزلت‬
‫قبل تحريم الامر بقوله تعالى‪ " :‬يا أيها الَّذين آمنُوا إنَّما الام ُر والميس ُر واألنصابُ واألزال ُم رجس من‬
‫عمل ال َّشيطان فاجتنبُوهُ لعلَّ ُكم تُفلحُون ‪ 91‬إنَّما يُري ُد ال َّشيطانُ أن يُوقع بين ُك ُم العداوة والبغضاء في الامر‬
‫د وعن الصَّالة فهل أنتُم منتهُون "المائدة‪.١١ :‬‬ ‫ص َّد ُكم عن ذكر ّ‬ ‫والميسر وي ُ‬

‫‪ ‬االعتراض الثاني‪ :‬أن الشريعة اإلسالمية عامة لجميع البشر‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪ :‬قُل أرُوني الَّذين ألحقتُم به‬
‫دُ العزي ُز الحكي ُم سبأ‪ ،٤٧ :‬وفي الناس غير العربي الذي ال يفهم اللغة العربية‪ ،‬لغة‬ ‫ُشركاء ك َّال بل هُو َّ‬
‫القرآن‪ ،‬وبالتالي ال يفهم خطاب الشارع‪ ،‬فكيف يوجه الاطاب باللسان العربي إلى من ال يفهمه ويكون‬
‫مكلفا؟ وهل هذا إال مصادمة لشرط التكليف وهو القدرة على فهم الاطاب؟‬
‫الجواب‪ :‬إن القدرة على فهم الاطاب شرط لصحة التكليف‪ ،‬فالذين ال يفهمون اللسان العربي ال يمكن‬
‫تكليفهم شرعا‪ ،‬إال إذا كانوا قادرين على فهم خطاب الشارع‪ ،‬وذلك إما بتعلمهم لغة القرآن‪ ،‬أو بترجمة‬
‫النصوص الشرعية أو معناها إلى لغتهم‪ ،‬أو بتعلم أقوام من المسلمين لغات األمم غير العربية‪ ،‬وقيامهم‬
‫بنشر تعاليم اإلسالم وأحكامه بلغتهم‪.‬‬
‫والطريق األخير هو الطريق األمثل‪ ،‬فمن الواجب الكفائي على المسلمين أن يتعلم فريق منهم لغات األمم‬
‫غير العربية‪ ،‬ونشر الدعوة اإلسالمية بينهم‪ ،‬وتبليغهم أحكام اإلسالم بلغتهم التي يتكلمون بها‪.‬‬

‫(‪ - )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫(‪ – ) 2‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪.22 ،‬‬
‫‪53‬‬
‫‪-‬‬
‫وقد أمر د أن يتفرش فئة من الناس للتفقه في الدين وإنذار قومهم" وما كان ال ُمؤمنُون لينفرُوا كآفَّة فلوال‬
‫نفر من ُكل فرقة منهُم طآئفة ليتفقَّهُوا في الدين وليُنذرُوا قومهُم إذا رجعُوا إليهم لعلَّهُم يحذرُون" التوبة‪:‬‬
‫د هُو التَّ َّوابُ الرَّحي ُم‬ ‫د هُو يقب ُل التَّوبة عن عباده ويأ ُخ ُذ الصَّدقات وأ َّن ّ‬‫‪ ، ٩٤٤‬وقال‪ " :‬ألم يعل ُموا أ َّن ّ‬
‫"آل عمران‪ .٩١٢ :‬ومن وجوه التبليغ واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعلم لغات المااطبين لتبليغ‬
‫الدين لهم‪ .‬وقد أرسل النبي صلى د عليه وسلم رسائل إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس يقيم‬
‫عليهم الحجة ويدعوهم إلى اإلسالم‪.‬‬
‫وأما من لم يتعلم العربية ولم تبلغه أحكام اإلسالم‪ ،‬بأي لغة كانت‪ ،‬فال يكلف شرعا‪ ،‬بناء على نصوص‬
‫القرآن يا أيها الَّذين آمنُوا إذا تداينتُم بدين إلى أجل مس ّمى فاكتُبُوهُ وليكتُب بَّين ُكم كاتب بالعدل وال يأب‬
‫د ربَّهُ وال يباس منهُ شيئا فذن كان‬ ‫دُ فليكتُب وليُملل الَّذي عليه الحق وليتَّق ّ‬ ‫كاتب أن يكتُب كما علَّمهُ ّ‬
‫الَّذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ال يستطي ُع أن يُم َّل هُو فليُملل وليهُ بالعدل واستشهدُوا شهيدين من‬
‫رجال ُكم فذن لَّم ي ُكونا رجُلين فرجُل وامرأتان م َّمن ترضون من الشهداء أن تض َّل إحداهُما فتُذكر إحداهُما‬
‫د‬ ‫األُخرى وال يأب الشهداء إذا ما ُدعُوا وال تسأ ُموا أن تكتُبُوهُ صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذل ُكم أقساُ عند ّ‬
‫وأقو ُم لل َّشهادة وأدنى أالَّ ترتابُوا إالَّ أن ت ُكون تجارة حاضرة تُديرُونها بين ُكم فليس علي ُكم جُناح أالَّ تكتُبُوها‬
‫دُ ب ُكل‬‫دُ و ّ‬ ‫د ويُعل ُم ُك ُم ّ‬
‫وأشهدُوا إذا تبايعتُم وال يُضآ َّر كاتب وال شهيد وإن تفعلُوا فذنَّهُ فُسُو ب ُكم واتَّقُوا ّ‬
‫شيء عليم البقرة‪ ، ٤٧٦ :‬وقال‪َّ :‬من اهتدى فذنَّما يهتدي لنفسه ومن ض َّل فذنَّما يضل عليها وال تز ُر وازرة‬
‫وزر أُخرى وما ُكنَّا ُمعذبين حتَّى نبعث رسُوال اإلسراء‪.٩٥ :‬‬
‫‪ ‬االعتراض الثالث‪ :‬أن في القرآن الكريم ما ال يمكن فهمه‪ ،‬وهو حروف أوائل بعض السور‪ ،‬فكيف يقال ‪:‬‬
‫ليس في القرآن ما ال يمكن فهمه؟‬
‫الجواب‪ :‬إن هذه الحروف ليست من خطابات التكليف‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ :‬فذنها جعلت‬
‫إلقامة الحجة على الماالفين‪ ،‬فقد أعجزهم بهذا التحدي مبينا أن هذا القرآن متكون من هذه الحروف التي‬
‫تعرفونها‪ ،‬ولكنكم عجزتم عن اإلتيان بكتاب مثله‪ ،‬أو بأقصر سورة منها‪ ،‬فثبت أنه كتاب حق من عند د‪،‬‬
‫فهل أنتم مسلمون(‪.)1‬‬
‫األهلية وأنواعها‬

‫تعريف األهلية‪:‬‬
‫لغة‪ :‬الصالحية‪ ،‬يقال‪ :‬فالن أهل لعمل كذا‪ ،‬إذا كان صالحا للقيام به‪ ،‬وفالن أهل للرئاسة‪ :‬أي جدير بها‪.‬‬
‫في اصطالح األصوليين والفقهاء‪:‬‬
‫هي‪ :‬صفة يقدرها الشارع في الشاص‪ ،‬تجعله محال صالحا لاطاب تشريعي(‪.)2‬‬
‫أنواع األهلية‪:‬‬
‫تنقسم األهلية إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .2‬أهلية وجوب‪.‬‬
‫‪ .3‬أهلية أداء‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أهلية الوجوب‪:‬‬
‫هي صالحية اإلنسان لوجوب الحقو المشروعة له وعليه‪ .‬أي صالحيته ألن تثبت له الحقو إلزاما وتجب عليه‬
‫الواجبات التزاما‪.‬‬

‫(‪ - )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪22 -22‬؛ الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ - )2‬الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬ج‪.232 /0‬‬
‫‪54‬‬
‫‪-‬‬
‫مناط أهلية الوجوب ‪ :‬مناط هذه األهلية هي الصفة اإلنسانية‪ ،‬فال عالقة لها بالسن أو العقل أو الرشد‪ ،‬بالذمة‪ ،‬أي‬
‫تثبت هذه األهلية لإلنسان بناء على ثبوت الذمة له‪.‬‬
‫والذمة في اللغة‪ :‬العهد‪ ،‬قال تعالى‪" :‬التوبة‪.٩١ :‬‬
‫وهي في االصطالح‪ :‬وصف شرعي يصير اإلنسان أهال لما له وعليه‪.‬‬
‫وهي بهذا المعنى االصطالحي تثبت لكل إنسان‪ ،‬إذ ما من مولود يولد إال وله ذمة‪ ،‬وعليه يكون أهال للوجوب له‬
‫وعليه‪ .‬وعلى هذا يمكن القول‪ :‬إن أساس ثبوت أهلية الوجوب لإلنسان هو الحياة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهلية األداء‪:‬‬
‫ومعناها‪ :‬صالحية الشاص لممارسة األعمال التي يتوقف اعتبارها الشرعي على العقل‪.‬‬
‫فهي صالحية اإلنسان ألن يُطالب باألداء‪ ،‬وألن تعتبر أقواله وأفعاله وتترتب عليها آثارها الشرعية‪.‬‬
‫ويتضح من ذلك أن أهلية األداء هذه ال وجود لها في الطفل قبل أن يصير مميزا قادرا على فهم خطاب التكليف‪،‬‬
‫بحيث إذا صدر من المكلف تصرف كان معتدا به شرعا‪ ،‬وإذا أدى عبادة كان أداؤه معتبرا ومسقطا للواجب‪ ،‬وإذا‬
‫جنا على غيره أُخذ بجنايته مؤاخذة كاملة‪ ،‬وعوقب عليها بدنيا وماليا‪ ،‬وأساس هذه األهلية هو التمييز ال الحياة‪.‬‬
‫مراحل أهلية اإلنسا بحسب أطوار حياته‪:‬‬
‫تم ّر أهلية اإلنسان بمراحل في طريقها إلى التكامل بحسب أطوار حياته‪ ،‬منذ أن يكون جنينا حتى بلوغه سن‬
‫الرشد‪ .‬فاألهلية ترافق حياته كلها‪ ،‬فتبدأ أهلية وجوب ناقصة‪ ،‬ثم تنتهي إلى أهلية أداء كاملة‪.‬‬
‫ومراحل التكامل في أهلية اإلنسان توزع على هذه األدوار‪:‬‬
‫‪ .1‬دور الجنين‪.‬‬
‫‪ .2‬دور االنفصال إلى التمييز‪.‬‬
‫‪ .3‬دور التمييز إلى البلوش‪.‬‬
‫‪ .4‬دور ما بعد البلوش‪ .‬ويعرف بعالماته المشهورة‪ ،‬اإلنبات أو االحتالم‪ ،‬أو اإلنزال أو الحيض والنفاس‪ ،‬أو‬
‫السن المعتادة‪.‬‬
‫الدور األول‪ :‬دور الجنين‪.‬‬
‫الجنين في بطن أمه – من العلو إلى الوالدة‪ -‬قد ينظر إليه على أنه جزء منها‪ ،‬فنحكم بعدم ثبوت الذمة له‪،‬‬
‫وعليه تنتفي عنه أهلية الوجوب‪.‬‬
‫وقد ننظر إلى الجنين من جهة كونه نفسا مستقلة‪ ،‬ومنفردا عن أمه بالحياة‪ ،‬ومتهيئا لالنفصال عنها وصيرورته‬
‫إنسانا قائما بذاته‪ ،‬فنحكم بوجود الذمة له‪ ،‬فتثبت له أهلية الوجوب‪.‬‬
‫وبمالحظة الجهتين فذنه لم تثبت له ذمة كاملة‪ ،‬كما لم تنف عنه الذمة مطلقا‪ ،‬وإنما أثبتت له ذمة ناقصة صالحة‬
‫الكتساب بعض الحقو فقا‪ ،‬وهي أربعة باستقراء الفقهاء‪ :‬النسب‪ ،‬واإلرب‪ ،‬والوصية‪ ،‬والوقف‪ ،‬وال يثبت شيء‬
‫عليه‪ ،‬وبذلك كانت للجنين أهلية وجوب ناقصة‪.‬‬
‫الدور الثاني‪ :‬دور االنفصال إلى التمييز‬
‫متى انفصل الجنين عن أمه حيا تثبتت له ذمة كاملة‪ ،‬فتثبت له أهلية وجوب كاملة‪ ،‬فتجب الحقو له وعليه‪ .‬غير‬
‫أن الحقو التي تجب عليه ال تؤدى مثلما يؤديها البالغ‪ ،‬ولذا فذن كل حق يمكن أداؤه عن الصبي يجب عليه‪ ،‬وما‬
‫ال يمكن أداؤه عنه ال يجب عليه‪ ،‬فالطفل يبقى فاقدا ألهلية األداء‪ ،‬على التفصيل التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬حقوق العباد‪:‬‬
‫ما كان منها حقوقا مالية كضمان المتلفات‪ ،‬أو نفقة األقارب‪ ،‬أو دفع ثمن ما اشتراه أو استأجره‪ ،‬ونحو ذلك؛‬
‫فذن هذه الحقو تجب على الصبي‪ ،‬ألن المقصود منها هو المال‪ ،‬وأداؤه يحتمل النيابة‪ ،‬فيؤديه الولي نيابة عن‬
‫الصبي‪.‬‬
‫وما كان من حقو العباد عقوبة كالقصاص‪ ،‬ال يجب على الصبي ألنه ال يصلح لحكمه‪ ،‬وال تجوز النيابة فيه‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫‪-‬‬
‫فلو جنا الصبي جناية ولو قتال لم يعتبر فعله ذلك إجراما؛ فال يستحق العقوبة‪ ،‬بل لو أنه قتل مورثه لم يحرم‬
‫الطفل القاتل من ميراثه لسقوط المؤاخذة عنه‪.‬‬
‫فوجب التفريق بين األفعال المدنية والجنائية‪.‬‬
‫‪ .2‬حقوق هللا تعالى‪:‬‬
‫منها ما كان أصال للعبادات أو عبادات خالصة‪ ،‬فال يجب على الصبي من ذلك شيء‪ ،‬على اختالف‬
‫الفقهاء في زكاة مال الصبي؛ ألنها تجب في المال والمال موجود‪.‬‬
‫ومثلها العقوبات‪ ،‬كما ال يترتب على أي من أقواله أو أفعاله أثر شرعي فهي باطلة‪.‬‬
‫الدور الثالث‪ :‬دور التمييز إلى البلوغ‪.‬‬
‫ويبدأ هذا الدور ببلوش الصغير السنة السابعة وينتهي بالبلوش‪ ،‬فهو يمتد من سن تمييزه حتى يبلغ جسما وعقال‪.‬‬
‫وفي هذا الدور تثبت لإلنسان أهلية وجوب كاملة‪ ،‬ألنها تثبت للصغير غير المميز فثبوتها للصغير – وهو أحسن‬
‫حاال منه‪ -‬أولى‪ ،‬فتثبت الحقو له وعليه‪.‬‬
‫أما أهلية األداء‪ ،‬فتثبت للصغير في هذا الدور‪ ،‬ناقصة لنقصان عقله‪ ،‬ويترتب على هذه األهلية الناقصة صحة‬
‫األداء منه ال الوجوب بالنسبة لإليمان وسائر العبادات البدنية‪ ،‬ألن فيها نفعا محضا للصغير‪.‬‬
‫أما تصرفات الصبي المالية‪ ،‬ففيها تفصيل كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬تصرفات نافعة نفعا محضا للصغير‪ :‬كقبول الهبة والصدقة والوصية‪ ،‬وهذه التصرفات تصح من الصغير‬
‫ممارستها‪ ،‬وتكون نافذة منه دون توقف على إجازة الولي أو الوصي؛ ألن تصحيح مثل هذه التصرفات‬
‫إذا باشرها الصغير‪ ،‬ممكن‪ ،‬بناء على وجود األهلية القاصرة‪ ،‬وفي تصحيحها مصلحة راهرة له‪.‬‬
‫‪ .2‬التصرفات الضارة بالصغير ضررا محضا‪ :‬وهي تلك التي يترتب عليها خروج شيء من ملكه دون‬
‫مقابل‪ :‬كالهبة والوقف والصدقة واإلعارة ونحوها‪ ،‬وهذه التصرفات ال تصح من الصغير‪ ،‬وال يملك‬
‫فعلها‪ ،‬بل ال تنعقد أصال‪ ،‬وال يملك الولي أو الوصي تصحيحها باإلجازة‪ ،‬ألن مبنى الوالية‪ :‬النظر‬
‫للصغير ورعاية مصلحته‪ ،‬وليس من النظر في شيء مباشرة التصرفات الضارة به‪ ،‬أو إجازتها إذا‬
‫باشرها الصغير‪.‬‬
‫‪ .3‬التصرفات المترددة بين النفع والضرر‪ :‬كالبيع واإلجارة والرهن‪ ،‬وسائر المعاوضات المالية التي تحتمل‬
‫الربح والاسارة‪ ،‬فذذا باشرها الصغير المميز وقعت صحيحة باعتبار تمتعه بأصل أهلية األداء‪ ،‬إال أنها‬
‫تكون موقوفة على إجازة الولي لنقص أهليته‪ ،‬فال يستقل فيها برأيه‪ ،‬بل البد من لنفاذها من موافقة وليه‬
‫عليها‪ ،‬فذذا أجازها الولي انجبر هذا النقص‪ ،‬واعتبر التصرف كأنه صادر من ذي أهلية كاملة‪.‬‬
‫الدور الرابع‪ :‬دور ما بعد البلوغ‪:‬‬
‫البلوش أهم المراحل الطبيعية التي تمر بها حياة اإلنسان‪ ،‬ألنه ينتقل من طور الصغر إلى طور الكبر‪.‬‬
‫فذذا بلغ اإلنسان عاقال ثبتت له أهلية أداء كاملة‪ ،‬وصار أهال لتوجيه الاطاب إليه‪ ،‬وتكليفه بجميع التكليفات‬
‫الشرعية‪ ،‬وصحّت منه جميع العقود والتصرفات دون توقف على إجازة أحد(‪.)1‬‬
‫عوارض األهلية‬
‫معنى عوارض األهلية‪:‬‬
‫قد يعرض ويطرأ على اإلنسان بعد إكمال أهليته من األمور الجسمية أو العقلية‪ ،‬ما يزيل أهلية األداء أو ينقصها‪،‬‬
‫أو ال يؤثر فيها باإلزالة والنقصان‪ ،‬ولكن يغيّر بعض األحكام بالنسبة لمن عرضت له‪ ،‬وهذه تسمى بعوارض‬
‫األهلية‪.‬‬

‫(‪ - )1‬خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ص ‪132 -132‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.22 -20‬‬
‫‪56‬‬
‫‪-‬‬
‫أنواع العوارض‪:‬‬
‫‪ .1‬عوارض سماوية‬
‫‪ .2‬عوارض مكتسبة‬
‫العوارض السماوية‪:‬‬
‫هي التي تثبت من قبل صاحب الشرع بدون اختيار اإلنسان‪ ،‬ولهذا نسبت إلى السماء‪ ،‬ألنها أمر خارج عن قدرته‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الجنون‪ ،‬والعته‪ ،‬والنسيان‪ ،‬والنوم واإلغماء‪ ،‬الحيض والنفاس‪ ،‬والمرض‪ ،‬والموت‪.‬‬
‫العوارض المكتسبة‪:‬‬
‫وهي التي تكون بسبب كسب اإلنسان لها إما باختياره‪ ،‬أو بذرادة خارجة عنه‪.‬‬
‫فهي نوعان‪ :‬ما كان من نفس اإلنسان كالجهل والسكر والهزل‪ ،‬وما كان من غيره وهو اإلكراه‪.‬‬
‫وسنتاول هذين القسمين بشيء من التفصيل مع التمثيل واالختصار‪.‬‬
‫عوارض األهلية السماوية‬
‫أوال‪ :‬الجنو‬
‫عرّف بعض األصوليين الجنون بأنه‪ :‬اختالل العقل‪ ،‬ينشأ عنه اضطراب أو هيجان‪ ،‬بحيث يمنع جريان األفعال‬
‫واألقوال على نهج العقل إال نادرا‪ ،‬وينافي شرط العبادات وهو النية فال تصح منه وال تجب عليه‪.‬‬
‫وهو نوعان‪ :‬أصلي وطارئ‪.‬‬
‫فالجنو األصلي‪ :‬أن يبلغ اإلنسان مجنونا‪.‬‬
‫والجنو الطارئ‪ :‬أن يبلغ عاقال‪ ،‬ثم يطرأ عليه الجنون‪.‬‬
‫وكل منهما إما ممتد‪ ،‬أو غير ممتد‪.‬‬
‫والجنون بنوعيه ال يؤثر في أهلية الوجوب ألنها تثبت بالذمة‪ ،‬والجنون ال ينافيها‪ ،‬ألنها ثابتة على أساس الحياة في‬
‫اإلنسان ‪ .‬إال أنه يؤثر في أهلية األداء فيعدمها‪ ،‬ألنها تثبت بالعقل والتمييز‪ ،‬والمجنون فاسد العقل عديم التمييز‪،‬‬
‫ولهذا كان حكمه حكم الصغير غير المميز في جميع أحكامه الفعلية والقولية التي سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬
‫أما في العبادات‪ :‬فذن كان الجنون ممتدا‪ ،‬فذنه يسقا العبادات‪.‬‬
‫أما إذا كان الجنون غير ممتد فذن األداء وإن كان غير ممكن في حال الجنون إال أنه ممكن بعد اإلفاقة‬
‫على سبيل القضاء بدون حرج‪ ،‬فكان األداء ثابتا تقديرا فيبقى الوجوب(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬العته‬
‫العته‪ :‬اختالل في العقل‪ ،‬يجعل صاحبه قليل الفهم‪ ،‬ماتلا الكالم‪ ،‬فاسد التدبير‪ .‬وقد يترتب عليه فق ُد اإلدراك‬
‫والتمييز‪.‬‬
‫والفر بينه وبين الجنون‪ ،‬أن الجنون اختالل في العقل أما العته فهو ضعف في العقل‪ ،‬ينشأ عنه ضعف في‬
‫الوعي واإلدراك(‪.)2‬‬
‫وهو نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬عته ال يبقى معه إدراك وال تمييز‪ ،‬وصاحبه يكون كالمجنون‪ ،‬فتنعدم فيه أهلية األداء دون أهلية‬
‫الوجوب‪ ،‬ويكون في األحكام كالمجنون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عته يبقى معه إدراك وتمييز‪ ،‬ولكن ليس كذدراك العقالء‪ ،‬وبهذا النوع من العته يكون اإلنسان البالغ‬
‫كالصبي المميز في األحكام‪ ،‬فتثبت له أهلية أداء ناقصة‪ .‬أما أهلية الوجوب فتبقى له كاملة‪.‬‬
‫وعلى هذا ال تجب عليه العبادات ولكن يصح منه أداؤها‪ ،‬وال تثبت في حقه العقوبات‪ ،‬وتجب عليه حقو العباد‬

‫(‪ - )1‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪22‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫(‪ - )2‬الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬ج‪.222 /0‬‬
‫‪57‬‬
‫‪-‬‬
‫التي يكون المقصود منها المال‪ ،‬ويصح أداؤها من قبل الولي كضمان المتلفات‪ ،‬وتكون تصرفاته صحيحة ناقصة‬
‫إذا كانت نافعة له نفعا محضا‪ ،‬وباطلة إذا كانت مضرة له ضررا محضا‪ ،‬وموقوفة على إجازة الولي إذا كانت‬
‫دائرة بين النفع والضرر(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬النسيا‬
‫وهو عدم استحضار الشيء في وقت الحاجة إليه‪.‬‬
‫فهو عارض يعرض لإلنسان فال يجعله يتذكر ما كلف به‪ ،‬وهو ال ينافي أهلية الوجوب وال أهلية األداء‪ ،‬لبقاء‬
‫القدرة بكمال العقل‪ ،‬وهو ال يكون عذرا في حقو العباد‪.‬‬
‫أما في حقو د تعالى‪ ،‬فالنسيان يعد عذرا بالنسبة الستحقا اإلثم‪ ،‬فالناسي ال إثم عليه‪ ،‬قال عليه الصالة‬
‫والسالم‪{ :‬إن د وضع عن أمتي الاطأ والنسيان وما استكرهوا عليه}(‪ ،)2‬أما أحكام الدنيا فقد يكون النسيان‬
‫عذرا مقبوال فال تفسد عبادته‪ :‬كما في أكل الصائم ناسيا(‪.)3‬‬
‫رابعا‪ :‬النوم واإلغماء‬
‫النوم‪ :‬عارض يمنع فهم الاطاب‪.‬‬
‫واإلغماء‪ :‬كذلك عارض يمنع فهم الاطاب فو منع النوم له‪.‬‬
‫فهما ينافيان أهلية األداء ال الوجوب‪ .‬وما دام اإلنسان نائما أو مغمى عليه فليست له أهلية أداء‪ ،‬ألنها تقوم على‬
‫التمييز بالعقل‪ ،‬وال تمييز لإلنسان في حال نومه أو إغمائه‪.‬‬
‫وعلى هذا ال يعتد بشيء من أقواله مطلقا‪ ،‬وال يؤاخذ بأفعاله مؤاخذة بدنية‪ ،‬حتى لو انقلب على إنسان فقتله لم‬
‫يعاقب بدنيا النتفاء القصد منه لعدم تمييزه واختياره‪ ،‬ولكن يؤاخذ مؤاخذة مالية‪ ،‬فتجب عليه الدية‪ ،‬كما يجب عليه‬
‫ضمان ما يتلفه من مال بفعله‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعبادات‪ :‬فذن األداء في الحال مرفوع عن النائم والمغمى عليه‪ ،‬ألن كال من النوم واإلغماء يوجب‬
‫تأخير الاطاب باألداء إلى وقت االنتباه واإلفاقة‪ ،‬المتناع الفهم واستحالة األداء في هاتين الحالتين‪.‬‬
‫إال أن وجوب العبادة ال يسقا‪ .‬ألن العجز عن األداء في الحال ال يسقا أصل الوجوب ما دام القضاء ممكنا بال‬
‫حرج‪.‬‬
‫ومثله اإلغماء إذا لم يكن ممتدا‪ ،‬أما إذا امتد فذن الوجوب يسقا‪ .‬النعدام األداء حقيقة باإلغماء‪ ،‬وتقديرا للحرج‬
‫بالقضاء بعد اإلغماء‪ ،‬وإذا انعدم األداء سقا الوجوب‪ ،‬إذ ال فائدة من بقائه(‪.)4‬‬
‫خامسا‪ :‬المرض‬
‫المراد بالمرض هنا غير الجنون واإلغماء‪ ،‬وهو ال ينافي األهليتين‪ :‬أهلية الوجوب وأهلية األداء؛ ألنه ال خلل‬
‫في الذمة والعقل والنطق‪.‬‬
‫فللمريض أهلية كاملة بنوعيها‪ ،‬ولهذا تثبت الحقو له وعليه‪ ،‬إال أن المرض يؤثر في بعض األحكام بالنسبة‬
‫للمريض مع ثبوت األهلية الكاملة له‪.‬‬
‫من ذلك‪ :‬عدم نفاذ بعض تصرفاته‪ ،‬مثل النكاح والطال إذا وقعا في مرض الموت‪.‬‬
‫ولصيانة حق الوارب والدائن يثبت الحجر على المريض بالقدر الذي يتحقق به صيانة هذا الحق‪ ،‬وهو مقدار‬
‫الثلثين بالنسبة للوارب‪ ،‬وجميع المال في حق الدائن إن كان الدين مستغرقا للتركة‪ ،‬أو بمقدار الدين إن لم يكن‬
‫مستغرقا‪.‬‬

‫(‪ - )1‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫(‪ - )2‬أخرجه ابن ماجه في أبواب الطال ‪ ،‬باب‪ :‬طال المكره والناسي‪ ،‬رقم ‪..0253‬‬
‫(‪ - )3‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪25‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫(‪ - )4‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪21‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪58‬‬
‫‪-‬‬
‫ويثبت هذا الحجر منذ حدوب هذا المرض إلى وفاة صاحبه(‪.)1‬‬
‫سادسا‪ :‬الحيض والنفاس‬
‫هذان العارضان ال يسقطان أهلية الوجوب وال األداء‪ ،‬ألن أهلية األداء مناطها العقل‪ ،‬وأهلية الوجوب مناطها‬
‫الصفة اإلنسانية؛ إال أنه ثبت أن الطهارة منهما شرط لصحة الصالة والصوم‪ ،‬فال يمكن أداؤهما بوجودهما‪.‬‬
‫وانتفى قضاء الصالة للحرج دون الصوم‪ ،‬وللنهي عن أداء الصوم حالة الحيض والنفاس انتفى وجوب األداء‬
‫عليهما‪ .‬والقضاء إنما وجب لتحقق السبب وهو شهود الشهر‪.‬‬
‫وأما عدم إيجاب الصالة على الحائض والنفساء‪ ،‬وتأخير الصيام عنها‪ ،‬فال يدل على معنى نقص األهلية‪ ،‬بل‬
‫معناه عدم توافر الشروط الشرعية للتكليف(‪.)2‬‬
‫سابعا‪ :‬الموت‬
‫الموت آخر العوارض السماوية‪ ،‬وبه يكون اإلنسان عاجزا عجزا تاما يترتب عليه انعدام أهلية األداء‪ ،‬فتسقا‬
‫عنه جميع التكليفات الشرعية‪ ،‬ألن الغرض منها األداء عن اختيار‪ ،‬واألداء بالقدرة‪ ،‬وال قدرة مع الموت ألنه‬
‫عجز خالص‪.‬‬
‫ولهذا قال البعض كالحنفية‪ :‬بسقوط الزكاة عن الميت في حكم الدنيا‪ ،‬فال يجب أداؤها من التركة إذا كان الميت‬
‫لم يؤدها في حياته‪ ،‬ألن فعل المكلف هو المقصود في حقو د تعالى وقد فات بالموت‪.‬‬
‫وعند البعض اآلخر كالشافعي‪ :‬ال تسقا الزكاة بالموت‪ ،‬ألن المال هو المقصود من الزكاة ال فعل المكلف‪.‬‬
‫عوارض األهلية المكتسبة‬
‫تعريف عوارض األهلية المكتسبة‪:‬‬
‫هي ما يكون للشاص في تحصيلها اختيار‪ ،‬سواء أكانت ناتجة من قبل نفسه‪ ،‬أم من قبل غيره‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الجهل‪:‬‬
‫الجهل ال ينافي األهلية‪ ،‬وإنما قد يكون عذرا في بعض األحوال‪ ،‬وهو إما أن يكون في دار اإلسالم أو في غير دار‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .1‬الجهل في دار اإلسالم‪:‬‬
‫القاعدة‪ :‬إن الجهل ال يعد عذرا في دار اإلسالم‪ ،‬ألن العلم مفروض على من فيها‪ ،‬فال يعذر المسلم بجهله‬
‫األحكام العامة الواضحة التي ال رخصة ألحد في جهلها‪.‬‬
‫إال أن الجهل يكون عذرا في موضع االجتهاد الصحيح الذي ال ياالف الكتاب أو السنة المشهورة أو اإلجماع‪،‬‬
‫كما في عفو أحد وليي القتيل عن القصاص‪ ،‬وكالنكاح بال شهود اكتفاء باإلعالن‪.‬‬
‫وكذلك يعتبر الجهل بالوقائع عذرا مقبوال‪ ،‬كمن نكح امرأة جاهال أنها محرمة عليه بسبب الرضاعة‪ ،‬أو كمن‬
‫شرب عصير العنب جاهال تامره‪ ،‬فذن الجريمة تنتفي في الحالتين وال عقاب على الفاعل‪.‬‬
‫‪ .2‬الجهل في غير دار اإلسالم‪:‬‬
‫القاعدة‪ :‬أن العلم فيها ال يفترض‪ ،‬إذ هي ليست دار علم باألحكام الشرعية‪ ،‬بل دار جهل بها‪.‬‬
‫وعلى هذا لو أسلم شاص هناك ولم يعلم حقيقة وجوب العبادات عليه‪ ،‬كالصالة والصوم فلم يؤدها‪ ،‬فذنها ال تلزمه‬
‫قضاء إذا علمها‪ ،‬وكذلك إذا شرب الامر دون علم بحرمتها لم تلزمه عقوبتها‪ ،‬حتى يعلمها(‪.)3‬‬
‫هذا وإن افتراض الجهل بأحكام اإلسالم أصبح ضيقا جدا في زمن العولمة وانتشار الثقافات ووسائل االتصال‪ ،‬بما‬
‫لم يترك مجاال لهذه األحكام إال في أضيق الحدود وأندر الحاالت‪ ،‬ومع ذلك فذن نظام اإلسالم يستجيب لكل‬

‫(‪ - )1‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪21‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪122‬؛ الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬ج‪.223 /0‬‬
‫(‪ - )2‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪21‬؛ الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬ج‪.213/0‬‬
‫(‪ - )3‬زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 110‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪-‬‬
‫االحتماالت‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخطأ‪:‬‬
‫الاطأ يطلق ويراد به ما قابل الصواب‪ ،‬ويطلق ويراد به ما قابل العمد‪ ،‬ومنه قوله عليه الصالة والسالم‪{ :‬إن د‬
‫وضع عن أمتي الاطأ والنسيان وما استكرهوا عليه}‪ ،‬وهذا المعنى هو المراد في بحوب عوارض األهلية‪.‬‬
‫ويمكن تعريفه بأنه وقوع القول أو الفعل من اإلنسان على خالف ما يريده‪ ،‬وهو ال ينافي األهلية بنوعيها‪ ،‬ألن‬
‫العقل قائم مع الاطأ‪ ،‬ولكنه يصلح أن يكون عذرا في سقوط حقو د تعالى‪ :‬كاطأ المفتي‪ ،‬أو خطأ الذي جهل‬
‫القبلة وصلّى باجتهاده‪ .‬وكذلك يصلح شبهة تدرأ العقوبات المقررة حقا هلل تعالى‪ :‬كالحدود‪ ،‬مثل حد الزنا‪.‬‬
‫وفي حقو العباد‪ ،‬إن كان الحق عقوبة‪ :‬كالقصاص‪ ،‬لم يجب بالاطأ‪ ،‬وإنما تجب الدية ألنه بدل المحل المتلف‪.‬‬
‫أما في حقو العباد المالية‪ :‬كذتالف مال الغير خطأ‪ ،‬فذن الضمان يجب وال ينهض الاطأ عذرا لدفع الضمان‪.‬‬
‫وفي المعامالت ال يعتبر الاطأ عذرا لمنع انعقاد التصرف‪ ،‬وهذا عند البعض كالحنفية‪ ،‬ولو طلّق الرجل خطأ وقع‬
‫الطال عندهم‪ .‬وكذا ينعقد بيع الماطا لوجود أصل االختيار‪ ،‬ويكون فاسدا لفوات الرضا‪.‬‬
‫وعند الجمهور‪ ،‬كالشافعية وغيرهم‪ :‬ال يقع طال الماطا‪ ،‬وال يعتد بسائر تصرفاته القولية(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬الهزل‪:‬‬
‫الهزل أن يراد بالشيء ما لم يوضع له‪.‬‬
‫فالكالم وضع عقال إلفادة معناه الحقيقي أو المجازي‪ .‬والتصرف القولي الشرعي موضوع إلفادة حكمه‪ ،‬وإذا أريد‬
‫بالكالم غير موضوعه العقلي‪ ،‬وأريد بالتصرف القولي غير موضوعه الشرعي وهو إفادته الحكم أصال‪ ،‬فهو‬
‫الهزل‪.‬‬
‫فالهازل يتكلم باختياره‪ ،‬وهو عالم بمعناه من غير قصد لموجبه‪ ،‬فهو يباشر العقود والتصرفات عن رضا‬
‫واختيار‪ ،‬ولكن ال يريد الحكم المترتب عليها وال ياتاره وال يرضى بوقوعه‪.‬‬
‫وهو ال ينافي أهلية الوجوب وال أهلية األداء‪ ،‬ولكنه يؤثر في بعض األحكام بالنسبة للهازل‪.‬‬
‫ويمكن القول أن التصرفات القولية التي تقترن بالهزل ثالثة أقسام‪ :‬هي اإلخبارات‪ ،‬واالعتقادات‪ ،‬واإلنشاءات‪،‬‬
‫ولكل قسم منها حكم ياصه‪.‬‬
‫‪ .1‬اإلخبارات‪ :‬وهي اإلقرارات‪ ،‬والهزل يبطلها مهما كان موضوع اإلخبار‪.‬‬
‫‪ .2‬االعتقادات‪ :‬وهي األقوال الدالة على عقيدة اإلنسان‪ ،‬والهزل ال يمنع أثرها‪.‬‬
‫ولهذا لو تكلم بكلمة الكفر هازال‪ ،‬صار مرتدا عن اإلسالم‪ ،‬ألن التكلم بكلمة الكفر هزال استافاف باإلسالم‪،‬‬
‫واالستافاف به كفر‪ ،‬فصار الناطق بكلمة الكفر مرتدا بنفس الهزل وإن لم يقصد حكمه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ولئن‬
‫اهلل وآياته ورسُوله ُكنتُم تستهزؤُون ‪ ،‬ال تعتذرُوا قد كفرتُم بعد‬‫سألتهُم ليقُولُ َّن إنَّما ُكنَّا ن ُاوضُ ونلعبُ قُل أب ّ‬
‫إيمان ُكم إن نَّعفُ عن طآئفة من ُكم نُعذب طآئفة بأنَّهُم كانُوا ُمجرمين التوبة‪.٦٦ - ٦٥ :‬‬
‫‪ .3‬اإلنشاءات‪ :‬ومعناها إيقاع األسباب التي تترتب عليها األحكام الشرعية المقررة لها‪ :‬كالبيع وإجارة وسائر‬
‫العقود والتصرفات‪ ،‬وهي نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬ال يبطله الهزل‪ :‬كالنكاح والطال والرجعة‪ .‬لقوله عليه الصالة والسالم‪{ :‬ثالب ليس فيهن لعب‪:‬‬
‫النكاح والطال والرجعة}(‪ .)2‬فهي تصرفات ال تحتمل الفسخ‪.‬‬

‫(‪ - )1‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 125‬وما بعدها؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 115‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ - )2‬رواه مالك في الموطأ‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬جامع النكاح‪ ،‬رقم ‪ .22‬أنظر‪ :‬اإلمام مالك‪ ،‬الموطأ‪ ،‬مراجعة‪ :‬فارو سعد‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫دار اآلفا الجديدة‪ /‬الدار البيضاء‪ :‬دار الرشاد الحديثة‪ ،‬ط‪1225/3‬م‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪-‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬ما يؤثر فيه الهزل باإلبطال أو الفساد‪ :‬كالبيع واإلجارة وسائر التصرفات التي تحتمل الفسخ(‪.)1‬‬
‫رابعا‪ :‬السفه‬
‫السفه هو الافة في اإلنسان تبعثه على التصرف في ماله على خالف مقتضى الشرع والعقل‪ ،‬مع قيام العقل‪.‬‬
‫و ُع َّد السفه من العوارض المكتسبة ألن السفيه يعمل باختياره ورضاه على خالف مقتضى العقل‪.‬‬
‫وهو ال ينافي األهلية‪ ،‬فالسفيه كامل األهلية‪ ،‬مااطب بجميع التكاليف‪ ،‬إال أن السفه يؤثر في بعض األحكام‪.‬‬
‫ويظهر هذا األثر في منع المال عن الصبي إذا بلغ سفيها‪ ،‬وفي الحجر على البالغ العاقل بسبب السفه(‪.)2‬‬
‫خامسا‪:‬السكر‬
‫السكر‪ :‬زوال العقل بتناول الامر‪ ،‬وما يلحق بها بحيث ياتلا الكالم ويحصل الهذيان‪.‬‬
‫فالسكر يعطل العقل ويمنعه من التمييز‪ ،‬وكان ينبغي لذلك أن تنعدم به أهلية األداء ويسقا عن السكران‬
‫التكليف‪ ،‬وال يكون مااطبا بشيء حال سكره‪.‬‬
‫ولكن الفقهاء لم يقولوا بهذا في جميع حاالت السكر‪ ،‬وإنما قصروه على حالة سكره إذا كان بطريق مباح‪ ،‬أما‬
‫إذا كان سكره بطريق محظور فقد جعلوه مكلفا ومؤاخذا بما يصدر عنه على تفصيل واختالف فيما بينهم‪.‬‬
‫‪ .1‬السكر بطريق مباح‪ :‬وذلك إذا شرب المسكر اضطرارا‪ ،‬أو إكراها‪ ،‬أو عن غير علم بكونه مسكرا‪ ،‬أو‬
‫شرب دواء فأسكره‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وحكم السكران بهذا الطريق حكم المغمى عليه‪ ،‬فال يكون مكلفا بأداء شيء من حقو د تعالى حال‬
‫سكره‪ ،‬وإنما عليه القضاء بعد إفاقته إن لم يكن في القضاء حرج عليه‪.‬‬
‫أما تصرفاته الفعلية فيترتب عليها آثارها بالنسبة لحقو العباد المالية‪ ،‬فيؤاخذ بضمان المتلفات نفوسا‬
‫كانت أو أمواال‪ ،‬وال يؤاخذ بأفعاله وجرائمه مؤاخذة بدنية‪ ،‬ألن العقاب البدني مبناه العقل والتمييز‪،‬‬
‫والسكران فاقد العقل معدوم التمييز‪.‬‬
‫‪ .2‬السكر بطريق محظور‪ :‬اختلف الفقهاء في حكم السكران ومدى االعتداد بتصرفاته‪ .‬وسبب اختالفهم‪ :‬هو‬
‫أن زوال العقل جاء بطريق محرّم‪ ،‬وعلى هذا األساس اختلفت أقوالهم في حكم تصرفاته‪.‬‬
‫أ‪ .‬فيما يخص تصرفاته القولية‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب بعض الفقهاء إلى أن عبارة السكران ساقطة‪ ،‬فال يعتد بشيء من أقواله‪.‬‬
‫‪ -‬تعتبر أقواله ويعتد بها وتترتب عليها آثارها الشرعية‪ ،‬فيقع طالقه وسائر تصرفاته القولية‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫الحنفية والشافعية والمالكية‪ ،‬على التفصيل في بعض التصرفات‪.‬‬
‫ب‪ .‬فيما يخص أفعاله‪:‬‬
‫ال اختالف في أن أفعاله المتعلقة بحقو العباد يؤاخذ عليها مؤاخذة مالية‪ .‬أما المؤاخذة البدنية فالجمهور على‬
‫أنه يؤاخذ بها مؤاخذة بدنية‪ ،‬فيقتل إذا قتل‪ ،‬ويقام عليه الحد إذا زنى‪ ،‬وغيرها من األحكام(‪.)3‬‬
‫سادسا‪ :‬اإلكراه‪:‬‬
‫اإلكراه من العوارض المكتسبة‪ ،‬ألنه من فعل الغير به‪ .‬وعرف األصوليون اإلكراه بتعاريف كثيرة‪ ،‬منها أن‬
‫اإلكراه‪ :‬حمل اإلنسان غيره على ما ال يرضاه قوال أو فعال‪ ،‬بحيث لو خلى ونفسه لما باشره‪.‬‬
‫وعرّفوه بأنه‪ :‬حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتاويف يقدر الحامل على إيقاعه‪ ،‬ويصير الغير خائفا به‪.‬‬
‫األلفاظ ذات الصلة‪:‬‬
‫‪ -‬االختيار‪ :‬معناه ترجيح فعل الشيء على تركه‪.‬‬

‫(‪ - )1‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 111‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ - )2‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪120‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 112‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ - )3‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪22‬؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 102‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -‬الرضا‪ :‬االرتياح إلى فعل الشيء‪.‬‬
‫أقسام اإلكراه‪:‬‬
‫‪ -‬إكراه ملجئ‪ :‬وهو أن يكون السبب الذي به االضطرار إلى الفعل يفوت نفسا أو عضوا‪ ،‬وغلب على‬
‫الفاعل حصوله‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أن يفسد االختيار ويعدم الرضا‪.‬‬
‫‪ -‬إكراه غير ملجئ‪ :‬وهو أن يكون السبب الذي به التهديد ضربا ال يفضي إلى تلف عضو أو حبسا‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه يعدم الرضا وال يفسد االختيار‪.‬‬
‫شروط تحقق اإلكراه‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون "ال ُمكرهُ" متمكنا من إيقاع ما هدد به‪ ،‬فذن لم يكن متمكنا من إيقاع ما هدد به‪ ،‬وكان ال ُمكر ُه‬
‫عالما بعدم مقدرته كان تهديده لغوا ال عبرة به‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون "المكره" خائفا من التهديد‪ ،‬بأن يقع في نفسه‪ :‬أن المكره سيوقع ما هدد به عاجال يقينا أو على‬
‫غلبة الظن‪ ،‬وأن يفعل ما أُكره عليه تحت تأثير هذا الاوف‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون "المكره به"‪ ،‬أي ما هدد به ضررا يلحق النفس بذتالفها‪ ،‬أو بذتالف عضو منها‪ ،‬أو بما دون‬
‫ذلك‪ :‬كالحبس والقيد والضرب‪.‬‬
‫أما التهديد بذتالف المال إذا لم يكن يسيرا‪ ،‬فهو تهديد معتبر‪ ،‬يتحقق به اإلكراه عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫هل ينافي اإلكراه األهلية‪:‬‬
‫اإلكراه سواء أكان ملجئا أو غير ملجا ال ينافي األهلية بنوعيها‪ ،‬وال يوجب سقوط الاطاب عن ال ُمكره؛ ألن‬
‫األهلية ثابتة بالذمة والعقل والبلوش‪ ،‬واإلكراه ال يال بشيء منها‪.‬‬
‫أثر اإلكراه على التصرفات ‪:‬‬
‫تنقسم التصرفات من حيث تأثرها باإلكراه إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ -‬التصرفات القولية ‪ :‬ال يترتب على قول المكره حكم وال أثر‪ ،‬بل تهدر أقواله ‪ ،‬فال يقع طالقه وال بيعه وال‬
‫أي تصرف قولي سواء كان من التصرفات القولية التي تحتمل الفسخ وال تبطل بالهزل‪ ،‬كالنكاح والطال ‪ ،‬أو‬
‫من التصرفات القولية التي هي إنشاءات تحتمل الفسخ وال تصح مع الهزل كالبيع‪.‬‬
‫بينما ذهب الحنفية إلى القول بصحة نكاح المكره وطالقه‪ ،‬ونفاذها‪ ،‬أما التصرفات التي تقبل الفسخ كالبيع‬
‫فجعلوها فاسدة مع اإلكراه‪ .‬ال باطلة‪.‬‬
‫‪ -‬التصرفات الفعلية ‪ :‬أما التصرفات الفعلية إذا وقعت بناء على إكراه غير ملجيء وأتى المكره بالفعل‬
‫تحمل هو وحده مسؤولية فعله كاملة‪ ،‬وترتب عليه أثره كامال‪.‬‬
‫‪ -‬وأما إذا كان اإلكراه ملجئا‪ ،‬فاألفعال بالنسبة إليه ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫األول‪ :‬األفعال التي أباح الشارع إتيانها عند الضرورة‪ ،‬كشرب الامر‪ ،‬واكل الميتة‪ ،‬فهذه يباح‬
‫للمكره(الفاعل) مباشرتها‪ ،‬وقد يصل حكم اإلتيان للوجوب‪ ،‬فذذا امتنع أثم‪ .‬وهو ما ذكرناه في مبحث الرخصة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو الذي يرخص في فعله عند الضرورة‪ ،‬فمنه ما يكون األخذ فيه بالعزيمة أفضل‪ ،‬فذذا فعله فال إثم‬
‫عليه‪ ،‬وإن امتنع حتى لحقه األذى كان مأجورا‪ ،‬كذتيان أفعال الكفر وقلبه مطمئن باإليمان ‪ .‬وقد ألحقوا بهذا‬
‫النوع اإلكراه على إفساد صوم رمضان للمقيم‪.‬‬
‫ومنه أيضا ‪ :‬إتالف مال الغير إال أن الضمان يكون على الحامل ال على الفاعل‪ ،‬ألن فعل اإلتالف يمكن أن‬
‫ينسب إلى الحامل‪ ،‬بجعل الفاعل آلة له فيثبت الحكم في حقه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬األفعال التي ال يحل فعلها ‪ :‬كقتل النفس‪ ،‬فذن الفاعل يأثم بالفعل‪ ،‬ويعتبر الحامل هو القاتل‪ ،‬فهو الذي‬
‫يقتص منه إذا كان القتل عمدا وعدوانا‪ ،‬ألن القتل يمكن أن ينسب إلى الحامل بجعل الفاعل آلة له‪ ،‬والقصاص‬
‫إنما يكون على القاتل ال على آلة القتل وهذا عند الحنفية‪ .‬أما عند الجمهور‪ :‬القصاص يكون على الفاعل؛ ألنه‬

‫‪62‬‬
‫‪-‬‬
‫فعل ما ال يحل له باإلكراه‪ ،‬وعلى الحامل أيضا لكونه قاتال بالتسبب‪ .‬ومثل القتل الزنا‪ ،‬إال أن أهل العلم اتفقوا‬
‫على أن الحكم يثبت في حق الفاعل‪ ،‬ألن فعل الزنا ال يمكن أن ينسب إلى الحامل‪ .‬واختلفوا في سقوط‬
‫العقوبة‪ ،‬فقال الحنفية بسقوط العقوبة على الزاني للشبهة خالفا لغيرهم‪ ،‬فقد قالوا بذقامة الحد عليه(‪.)1‬‬

‫) ‪ - (1‬الاضري‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ص ‪ 122‬وما بعدها؛ زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪ ،‬ص‪132‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫‪-‬‬
‫خاتمة‬
‫بهذا العرض الوجيز تعريفا بعلم األصول وأهميته ونشأته ومدارسه‪ ،‬وبيانا ألهم مباحث الحكم الشرعي‬
‫وأقسامه‪ ،‬وما تضمنت من مسائل وقضايا‪ ،‬نحسب أننا أوفينا هذا الجانب المهم من علم األصول بعض حقه‪،‬‬
‫راجين من الطالب الجاد‪ ،‬والباحث الطموح أن يستوعب المادة بالتمكن منها فهما دقيقا‪ ،‬والتوسع فيها بحثا في‬
‫مصادرها الوفيرة‪ ،‬لتحقيق مقاصد دراسة هذا العلم األصيل‪ ،‬فيدرك األساس الذي قام عليه علم الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وإن سمت همته سعى ليتمكن من ناصية االجتهاد‪ ،‬ويسهم في تجديد هذا العلم وإحياء معالمه في‬
‫العصر الحاضر‪ ،‬وما ذلك على أولي العزم ببعيد‪ .‬ود من وراء القصد وهو يهدي إلى النهج السديد‪.‬‬
‫د‪ .‬مصطفى باجو‬
‫قسنطينة الجمعة ‪ 17‬شوال ‪1429‬هص ‪ 17‬أكتوبر ‪2111‬‬

‫‪64‬‬
‫‪-‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‬

‫ابن القيم‪ ،‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪1222 ،‬هص‪1222 /‬م‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ابن قدامة المقدسي‪ ،‬روضة الناظر وجنة المناظر‪ .‬تحقيق‪ ،‬عبد الكريم النملة‪ .‬ط‪1425 ،7‬هص ‪2114 -‬م‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مكتبة الرشد ناشرون‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسا العرب المحيط‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أبو حامد الغزالي‪ ،‬المستصفى من علم األصول‪ .‬دار إحياء التراب العربي‪ ،‬طبعة مصورة عن طبعة‬ ‫‪‬‬
‫بوال ‪1332 ،‬هص‪ ،.‬بيروت‪.‬‬
‫أبو زهرة‪ ،‬أصول الفقه‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ .‬د‪.‬ط‪ .‬و د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اآلمدي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ .‬تعليق‪ ،‬عبد الرزا عفيفي‪ .‬الرياض‪ ،‬دار الصميعي ‪ .‬وبيروت‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬
‫ابن حزم‪ .‬الطبعة األولى‪1424 ،‬هص ‪2113 -‬م‪.‬‬
‫جالل الدين المحلي‪ ،‬الشرح على" الورقات في األصول" للجويني‪ ،‬مطبوع مع إرشاد الفحول‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬
‫الفكر‪.‬‬
‫الجويني‪ ،‬البرها في أصول الفقه‪ ،‬تعليق‪ ،‬صالح بن محمد بن عويضة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ط‪.1997/1‬‬
‫السرخسي‪ ،‬أصول السرخسي‪ ،‬تحقيق‪ ،‬أبو الوفا األفغاني‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1993 /1‬‬ ‫‪‬‬
‫الشاطبي‪ ،‬الموافقات في أصول الشريعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشافعي‪ ،‬الرسالة‪ .‬شرح وتعليق‪ ،‬عبد الفتاح كبارة‪ .‬بيروت‪ ،‬دار النفائس‪ .‬الطبعة األولى‪1419 ،‬هص ‪-‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬تاريخه ورجاله‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬المدخل لدراسة القرآ والسنة والعلوم اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار األنصار‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشنقيطي‪ ،‬نشر البنود على مراقي السعود‪ .‬الطبعة الثانية‪2115 ،‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشوكاني‪ ،‬إرشاد الفحول‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الحميد بن باديس‪ ،‬مبادئ األصول‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عمار طالبي‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪1911 ،‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫عبد الرحمن بن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدو ‪ ،‬اعتنى به‪ ،‬أبو صهيب الكرمي‪ ،‬الرياض‪ ،‬بيت األفكار‬ ‫‪‬‬
‫الدولية‪.‬‬
‫عبد الكريم زيدان‪ ،‬الوجيز في أصول الفقه‪1991 ،‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م‪ ،‬الزهراء للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬ط ‪ ،2113‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مالك بن أنس‪ ،‬الموطأ‪ ،‬مراجعة‪ ،‬فارو سعد‪ ،‬ط‪1915 ،3‬م‪ ،‬دار اآلفا الجديدة‪ ،‬بيروت؛ دار الرشاد‬ ‫‪‬‬
‫الحديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫محمد الاضري بك‪ ،‬أصول الفقه‪ ،‬ط‪1917 ،1‬م‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد محدة‪ ،‬مختصر علم أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الشهاب‪ ،‬باتنة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد مصطفى شلبي‪ ،‬أحكام المواريث بين الفقه والقانو ‪ ،‬ط‪1915‬م‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مصطفى أحمد الزرقا‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬ط‪1961 ،11‬م‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬الطبعة األولى‪1416 ،‬هص ‪1916 -‬م دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪65‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ ‬وهبة الزحيلي‪ ،‬نظرية الضرورة الشرعية‪ ،‬ط‪1915 ،4‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪-‬‬

You might also like