Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 32

‫محاضرات مقياس اقتصاد سياسي السنة أولى حقوق‬

‫المحاضرة األولى‬

‫بعض المفاهيم االقتصادية‬

‫هناك تفرقة جرى عليها الكتاب منذ القرن الثامن عشر بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية أو االجتماعية‪ .‬فالعلوم الطبيعية (مثل‬
‫الجيولوجيا والفيزياء والكيمياء) تهتم بالبحث في العالقات بين األشياء والظواهر الطبيعية‪ ،‬بينما تهتم العلوم اإلنسانية (مثل االجتماع‬
‫والتاريخ والقانون واالقتصاد) بدراسة أفعال اإلنسان وعالقاته مع غيره من بنى جنسه ومع األشياء التي تحيط به‪ .‬وقد عرفت كل‬
‫العلوم اإلنسانية في القرن العشرين تطورا سريعا وهائال‪ .‬ويبحث االقتصاديون في توجيه النشاط الفردي والجماعي بقصد استخدام‬
‫الظروف المادية لتحقيق احتياجات وحاجات األشخاص‪.‬‬

‫وتحتل المشكالت االقتصادية في الوقت الحاضر أهمية كبيرة على المستويين القومي والدولي‪ .‬ومن الثابت أن لهذه المشكالت‬
‫انعكاسات سياسية واجتماعية ال يمكن إنكارها‪ ،‬حيث يصعب إهمال دور التطورات االقتصادية في فهم الجوانب السياسية واالجتماعية‬
‫ألي جماعة من الجماعات‪ .‬فالواقع االجتماعي حقيقة معقدة‪ ،‬وكل علم من العلوم اإلنسانية ال يعبر إال عن وجه واحد من وجوه هذا‬
‫الواقع وال يتعلق إال بزاوية من زوايا النظر إلى النشاط اإلنساني‪.‬‬

‫وتتمركز المشكلة االقتصادية حول فهم العناصر التالية‪-:‬‬

‫أوال ‪ :‬الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬القوانين االقتصادية‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬اإلنتاج‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬النقود‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬االستهالك‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى ‪:‬‬

‫ويكون النشاط اإلنساني نشاطا اقتصاديا عندما يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية للموارد‪ .‬فكل إنسان له حاجات أو رغبات تتمثل في‬
‫إحساس باألم يريد إزالته أو إحساس بالراحة يريد زيادته‪.‬‬

‫وهناك وسائل قادرة على إشباع هذه الحاجات بإيقاف اإلحساس باأللم أو عدم الرضا أو جلب اإلحساس باالرتياح أو زيادته‪.‬‬

‫وهذه الحاجات اإلنسانية حاجات شخصية‪ ،‬فكل فرد هو الذي يقرر دون تدخل من جانب غيره ما إذا كان لديه حاجة يريد إشباعها‬
‫ومدى هذه الحاجة‪ .‬فالحاجة االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية وعن الحاجة االجتماعية وعن الحاجة األخالقية‪.‬‬

‫‪ -‬فالحاجة االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية التي تعبر عن عدد السعرات الحرارية الالزمة للفرد‪.‬‬

‫‪ -‬وتختلف أيضا عن الحاجة االجتماعية التي تأخذ في الحسبان المستوى الحضاري واألوساط التي ينتمي إليها الفرد‪.‬‬
‫‪ -‬كما تختلف عن الحاجة بمعناها األخالقي والتي تعتمد على معيار النافع والضار والى بعض القيم الخلقية أو الدينية‪.‬‬

‫‪ -‬حقيقة أن الحاجات التي يشعر بها اإلنسان تحكمها عوامل طبيعية ونفسية وأخالقية‪ ،‬ولكنها تعتمد قبل كل شيء على المتطلبات‬
‫الخاصة لصاحب الحاجة‪ ،‬فال يوجد كما زعم بعض الكتاب حاجات حقيقية وحاجات خيالية‪.‬‬

‫تنوع الحاجات االقتصادية ‪:‬‬

‫وتقسم الحاجات إلى الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية‪ ،‬والحاجات الفردية والحاجات الجماعية‪ ،‬والحاجات الحاضرة والحاجات‬
‫المستقبلية‪.‬‬

‫‪ -‬فالحاجة الضرورية‪ ،‬هي الحاجة التي تتوقف حياة الفرد على إشباعها كالحاجة إلى الشراب والعالج والطعام‪ .‬أما الحاجة الكمالية‪،‬‬
‫فهي تلك التي تزيد من متعه الحياة ولذتها كاالستماع إلى الموسيقى والتنويع في المالبس والمعرفة‪.‬‬

‫‪ -‬أما الحاجة الفردية‪ ،‬فهي تلك التي تتصل مباشرة بشخصية اإلنسان وحياته الخاصة كالحاجة إلى المأوى وتأسيس المسكن والعالج‪.‬‬
‫أما الحاجة الجماعية‪ ،‬فهي التي تولد وتظهر بوجود الجماعة وحياة الفرد وسط هذه الجماعة‪ ،‬مثل الحاجة إلى األمن والدفاع عن‬
‫الجماعة وممتلكاتها ومكافحة األمراض وغيرها من الحاجات التي تباشرها الدولة عادة بواسطة أجهزة تمثل الصالح العام‪.‬‬

‫‪ -‬وأخيرا‪ ،‬فالحاجة المستقبلية هي تلك المتوقع ظهورها مستقبال كما لو قامت الدولة باستصالح األراضي وإقامة السدود وذلك بغية‬
‫إشباع حاجة مستقبلية وهى خلق أو زيادة الرقعة الزراعية الالزمة إلشباع الحاجة إلى الطعام أو إقامة المساكن وغيرها من‬
‫استخدامات األرض العديدة‪ .‬أما الحاجة الحالة أو الحاضرة فهي تلك اإلحساس أو الشعور الحال باأللم مثال ذلك استهالك المزارع ما‬
‫ينتجه من غلة‪ .‬علما بأن التقسيمات المختلفة السابقة للحاجات والفروق بينها جميعا نسبية إلى حد بعيد بل ولفظية إلى حد ما‪.‬‬

‫خصائص الحاجات االقتصادية ‪:‬‬

‫وتتسم الحاجات اإلنسانية االقتصادية بتقسيماتها المتعددة السابق ذكرها‪ ،‬بمجموعة من الخصائص‪ ،‬والتي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬قابلية الحاجة لإلشباع ‪:‬‬

‫إذا كانت الحاجة هي الشعور بالضيق أو األلم فهذا اإلحساس تتراوح حدته ونوعه وفقا لظروف الحال‪ ،‬وتقل حدة هذا الشعور إذا‬
‫أشبع اإلنسان حاجاته‪ ،‬فكلما استرسل في اإلشباع تناقصت حدة األلم حتى يتالشى أو يزول كل ضيق أو ألم‪ ،‬على األقل في حدود‬
‫الفترة الواحدة‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه علم االقتصاد بظاهرة تناقص المنفعة الحدية‪.‬‬

‫‪ )2‬ال نهائية الحاجات ‪:‬‬

‫إن حاجات اإلنسان ال تنتهي‪ ،‬فإذا ما أشبع حاجة‪ ،‬سرعان ما تظهر له حاجة أخرى‪ ،‬وإذا ما أشبع األخيرة سرعان ما تجد له ثالثة‬
‫وهكذا‪ ،‬في سلسلة ال تنتهي‪ .‬وهذه الخصيصة للحاجات اإلنسانية إذ لم يرضى عنها أهل الزهد والقناعة لكنها الشك من أهم دوافع‬
‫الرقى والتقدم االجتماعي‪ ،‬فلوالها لبقى اإلنسان في مستويات غير مقبولة من المعيشة‪ ،‬قنوعا بما لديه مادام قادرا على إشباع حاجاته‬
‫البسيطة‪.‬‬

‫‪ )3‬نسبية الحاجات ‪:‬‬

‫إن الحاجات التي يسعى اإلنسان إلى إشباعها اليوم ليست هي التي كانت باألمس وهذه الخاصية انعكاسا لضرورات حيوية أو نفسية‬
‫بقدر ما هي تعبير عن أوضاع اجتماعية تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها باإلنسان في مجتمع متمدين‪ ،‬أو في تعبير‬
‫آخر ليست حاجات األجداد مثل حاجاتنا والتي سوف تختلف بالطبع عنها حاجات األحفاد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة ‪:‬‬


‫لذلك كانت الوسائل التي يملكها اإلنسان إلشباع حاجاته محدودة دائما‪ ،‬بمعني أن اإلنسان يعيش في عالم ندرة‪ .‬فالموارد التي يتصرف‬
‫فيها إما أن تكون غير كافية إلشباع كل حاجاته في وقت معين‪ ،‬وإما أن تكون موزعة توزيعا مكانيا سيئا حيث تتوافر في أماكن معينة‬
‫وتشح في أماكن أخرى‪ .‬وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع بها اإلنسان وفيرة للغاية فإن اإلنسان يظل محصورا بعامل الوقت‪ ،‬وهو‬
‫أكثر نعم هللا على اإلنسان ندرة‪.‬‬

‫والمال االقتصادي هو عبارة عن كل شيئ نافع متاح لالستعمال‪ ،‬والمنفعة هي القدرة على إشباع حاجة من الحاجات أو رغبة من‬
‫الرغبات اإلنسانية‪ .‬فلكي يعتبر الشيء أو المال اقتصادي ‪ ،‬يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية ‪-:‬‬

‫‪ -1‬وجود حاجة محسوسة لدى الفرد ووجود عالقة بين الحاجة والشيء يعتبره الفرد قادرا على إشباع الحاجة‪.‬‬

‫‪ -2‬يجب أن تتوافر في الشيئ النفعية أي قابليته إلشباع حاجة أو رغبة بطريق مباشر أو غير مباشر ‪ .‬والمنفعة ليست صفة مطلقة بل‬
‫هي صفة نسبية تتوقف على ظروف الحال‪.‬‬

‫‪ -3‬الندرة وهى الخصيصة التي تميز بين األموال الحرة والمتوافرة بكميات غير محدودة بالنسبة إلشباع الحاجات اإلنسانية‪ ،‬واألموال‬
‫االقتصادية المتاحة لدى الجماعة بكميات محدودة‪ .‬واألموال االقتصادية‪ ،‬وليست األموال الحرة‪ ،‬هي التي تكون محال الهتمامات‬
‫الفكر االقتصادي وعلم االقتصاد‪ .‬فال معني لعمليات اإلنتاج والمبادلة إال بالنسبة للسلع والوسائل الندرة‪ .‬فالمحيط الخارجي حين يمد‬
‫اإلنسان بأشياء وفيرة تشبع كل حاجة إليها فإن هذه األشياء تعتبر أشياء حرة ال تدخل في نطاق المبادالت حتى ال يتحمل من‬
‫يستخدمها أي تضحية إلشباع آخر‪ .‬فالهواء سلعة حرة وليس سلعة اقتصادية‪ ،‬له قيمة استعمالية ولكنه ال يدخل في نطاق التبادل‪،‬‬
‫بمعني أنه ال يتمتع بقيمة تبادلية‪ .‬وترجع ندرة األشياء إلى أسباب طبيعية كندرة المعادن النفيسة‪ ،‬أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود‬
‫على صيد الحيوانات أو صيد األسماك‪ ،‬أو إلى عوامل دينية كقدسية األبقار في الهند‪.‬‬

‫ولما كان من الصعب على اإلنسان أن يحصل على كل شيئ يحتاجه مرة واحدة‪ ،‬وعمل كل شيئ نافع له في وقت واحد كان عليه أن‬
‫يختار‪ .‬فللوصول إلى هدف معين فإن عليه أن يضحي بغاية أخرى حيث ال تكفي الوسائل المتاحة له لتحقيق كل أهدافه‪ .‬وكل اختيار‬
‫يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة‪ .‬فعندما تشترى قميصا فإنك تتنازل عن اإلشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك‬
‫شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به القميص‪ .‬وتكلفة الفرصة بتعبير مادي هي التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار‬
‫بين عدد من األفعال الممكنة‪ .‬فعندما يقوم الشخص بنشاط معين‪( .‬إنتاج سلعة معينة مثال) فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل في الفرص‬
‫التي لم يحصلها (قيمة السلعة والخدمات التي لم يتمكن من إنتاجها) ألن الموارد المستخدمة لم تعد متاحة الستخدام آخر‪.‬‬

‫فندرة الوسائل‪ ،‬واالختيار بين الغايات‪ ،‬والتكلفة هي األفكار الرئيسية التي تسمح بفهم جوهر النشاط االقتصادي‪ ،‬حيث أن حياتنا‬
‫االقتصادية تتكون من مجموعة من القرارات المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات‪ .‬وانطالقا من هذه‬
‫الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا‪ ،‬وندير صفقاتنا‪ ،‬وننظم إنتاجا‪ ،‬وتوزيع وقتنا بين العمل والفراغ بين اليقظة والنوم‪.‬‬

‫فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط االقتصادي سواء تعلق األمر بشخص معين يعيش منعزال في الصحراء أو كان يتعلق بشخص‬
‫يعيش في جماعة يتخصص كل عضو من أعضائها في عمل معين ويركز جهوده في نشاط واحد لمصلحة اآلخرين بحيث توزع‬
‫الموارد اإلجمالية على الجميع عن طريق التبادل‪.‬‬

‫وتتم مقاومة الندرة بالعمليات اإلنتاجية‪ .‬فاألفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون عن تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات‬
‫إنتاجية ومبادالت موضوعها سلع وخدمات تخصص في النهاية لالستهالك‪.‬‬

‫ثا لثا ‪ :‬القوانين االقتصادية ‪:‬‬

‫تُعبر القوانين االقتصادية عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية الجارية‪ ،‬وهى عمليات تجري في دائرة عالقات اإلنتاج‪ .‬ولكن‬
‫الجوهر والظاهرة ليس متطابقين‪ ،‬ولو كان متطابقين‪ ،‬لما كانت هناك حاجة لعلم االقتصاد‪ ،‬ولكانت تكفي قوة المالحظة والتجربة‬
‫والرصد في الحياة للكشف عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية‪ .‬واكتشاف القوانين‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬ال يتطلب الموهبة والمقدرة‬
‫العملية فحسب‪ ،‬وإنما يتطلب في كثير من األحيان قدرا كبيرا من الشجاعة الشخصية‪ ،‬ويصدق هذا القول في حالة قوانين الحياة‬
‫االقتصادية‪ .‬فالقوانين التي يدرسها علم االقتصاد غالبا ما تمتد بآثارها إلى مختلف الطبقات والفئات االجتماعية‪ ،‬فالقوانين االقتصادية‬
‫التي يكشف عنها علم االقتصاد ال تعتبر ذات قيمة نظرية محضة بل لها آثارها العملية‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تتفاوت القوانين االقتصادية من حيث األهمية داخل النظام االقتصادي الواحد‪ ،‬كما قد يكون لقانون اقتصادي أهمية‬
‫كبرى في ظل نظام اقتصادي معين‪ ،‬كالنظام الرأسمالي ‪ ،‬ويفتقد جزءا كبيرا من أهميته في ظل نظام اقتصادي أخر ‪ .‬كما أنه في‬
‫حدود النظام االقتصادي الواحد تتفاوت القوانين االقتصادية في أهميتها‪ .‬فهناك منها الرئيسي الذي يفسر الظواهر والعالقات الرئيسية‬
‫أو األساسية التي تبرز جوهر النظام‪ ،‬وهناك القانون االقتصادي الثانوي الذي يفسر جانبا محدودا أو جزءا من جوانب العالقات‬
‫والظواهر االقتصادية التي يتكون منها النظام‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬يمكن إجمال السمات الرئيسية للقوانين االقتصادية فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬نسبية التطبيق‪ ،‬أي تغيرها بتغيير الزمان والمكان‪ .‬فالقوانين االقتصادية التي تنطبق في بلد متقدم قد ال تنطبق في بلد متخلف‪،‬‬
‫وتلك التي تنطبق في بلد رأسمالي قد ال تنطبق في بلد ذات نظام اقتصادي اشتراكي‪ .‬فالثبات واالستقرار الذي يتصف بهما القانون‬
‫الطبيعي‪ ،‬نجدهما نسبيان للقانون االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -2‬كما تتسم القوانين االقتصادية بأنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث‪.‬‬

‫‪ -3‬كما تتميز القوانين بعدم دقتها الحسابية ‪ ،‬فهي ال يمكن االعتماد عليها للوصول إلى نتائج دقيقة محددة ‪ ،‬وإنما هي تعبر عن مجرد‬
‫ميل أو اتجاه معين‪ .‬وتمدنا النظرية االقتصادية بنماذج لهذه القوانين االقتصادية‪.‬‬

‫فقد استطاع جوسن قى سنة ‪ 1854‬أن يعلن قانونين للحاجات‪ ،‬األول ‪ :‬قانون االستمرار‪ ،‬والثاني ‪ :‬قانون التكرار‪.‬‬

‫* ومضمون قانون االستمرار هو أن أي رغبة يوالي إشباعها دون توقف تتناقص حدتها حتى تنتهي باالنعدام بعد أن كانت مرتفعة في‬
‫بدايتها‪ .‬وهذا هو قانون تناقص حدة الحاجات أو قابلية الحاجات لإلشباع‪ .‬وتختلف قابلية الحاجة لإلشباع من فرد إلى فرد آخر‪،‬‬
‫وبالنسبة للفرد الواحد من حاجة إلى حاجة أخرى‪.‬‬

‫* ومضمون قانون التكرار هو أن اإلحساس المريح عندما يتكرر تتناقص درجة حدة الرغبة ومدتها‪ .‬وتتناقص حدة الرغبة ومدتها‬
‫بسرعة كلما كان التكرار متعاقبا على فترات قصيرة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬اإلنتاج ‪:‬‬

‫تقوم عمليات اإلنتاج على تجميع العوامل الطبيعية أو األدوات الفنية مع العمل من أجل الحصول على سلع وخدمات تخصص‬
‫لالستهالك‪ .‬فاإلنتاج يتضمن عمليات تحويل وعمليات نقل الموارد االقتصادية‪.‬‬

‫واإلنتاج إما أن يكون إنتاج سلع مادية أو خدمات غير مادية (خدمات)‪ .‬وقد استبعد الفكر االقتصادي في وقت من األوقات الحصول‬
‫على خدمات من نطاق اإلنتاج‪ .‬ففي كتاب ثروة األمم وضع أدم سميث بين المهن غير المنتجة الجيش والحكومة وبعض المهن‬
‫األخرى مثل رجال الدين ورجال القانون واألطباء والممثلون والموسيقيون والمطربون والراقصون‪ .‬فقد قدر آدم سميث أن عمل‬
‫هؤالء يهلك وقت إنتاجه متأثرا بأن وقتا معينا يمر بين الحصول على الشيئ المادي واستهالكه‪ ،‬بينما يتم إنتاج واستهالك الخدمات في‬
‫وقت واحد دون أي فاصل زمني‪ .‬ولكن هذه الخدمات تشبع حاجات إنسانية وهى خدمات مرغوبة والذين يمارسونها يمدون المجتمع‬
‫بنشاط منتج‪ .‬ونتيجة لذلك يمكن القول أن كل تصرف يوجد منفعة يعتبر تصرفا منتجا‪ .‬والعمل المنتج قوامه الحصول على تيار من‬
‫المنافع من عوامل اإلنتاج‪.‬‬

‫وفكرة المنفعة فكرة محايدة في عالقاتها باألخالق أو بالصحة‪ .‬فأي سلعة أو خدمة تعد نافعة طالما أن هناك مستهلكا يرغبها إلشباع‬
‫حاجة له ولو كان هذا اإلشباع متعارضا مع االعتبارات الصحيحة أو األخالقية‪ .‬فالخمور والسجائر تعتبر سلعا نافعة من وجهة نظر‬
‫مستهلكيها يضحون في سبيل الحصول عليها بجزء من مواردهم‪ ،‬رغم أنها سلع ضارة من الناحية الصحية‪.‬‬

‫ويمكن التمييز بين طائفتين كبيرتين من السلع والخدمات‪:‬‬


‫· السلع االستهالكية أو النهائية وهى التي تستخدم في اإلشباع المباشر لحاجات المستهلكين دون أن تمر بأي مرحلة أخرى من مراحل‬
‫اإلنتاج مثل الخبز‪.‬‬

‫· السلع اإلنتاجية أو غير المباشرة‪ ،‬وهى تستخدم في اإلمداد بسلع االستهالك كاألدوات واآلالت‪.‬‬

‫· ويمكن تصنيف السلع االستهالكية والسلع اإلنتاجية إلى ‪:‬‬

‫· سلع ذات استهالك فوري يتم استهالكها باالستخدام لمرة واحدة مثل الخبز والكهرباء‪.‬‬

‫· سلع ذات استخدام متكرر حيث تستخدم عدة مرات وتوزع منفعتها خالل الزمان مثل المنازل والمالبس واآلالت‪.‬‬

‫· والطلب على السلع التي يتم استهالكها باستخدامها مرة واحدة طلب منتظم‪ ،‬بينما يتغير الطلب على السلع ذات االستخدام المتكرر‬
‫تغيرا كبيرا بحسب الحاجة إلى شرائها التي غالبا ما تكون محال لتغيرات كبيرة‪.‬‬

‫ويمد األفراد بعضهم بعضا بالسلع والخدمات الالزمة إلشباع حاجاتهم عن طريق عمليات المبادلة‪ .‬فكل فرد يعتبر في وقت واحد‬
‫منتجا لسلع وخدمات ومستهلكا لسلع وخدمات أخرى‪ .‬فصانع األثاث يشترى اللحم ويستهلك خدمات الطبيب‪.‬‬

‫وتتوقف درجة تشابك عمليات المبادلة على درجة التخصص وتقسيم العمل وقد شهد العالم الحديث تطورا كبيرا في تقسيم العمل األمر‬
‫الذي أدى إلى نمو المبادالت‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬النقود ‪:‬‬

‫تعتبر النقود من المسائل الهامة ذات الصلة بالمشكلة االقتصادية وقد أدى استخدام النقود إلى تسهيل المبادالت بإحالل التبادل غير‬
‫المباشر محل التبادل المباشر أو المقايضة‪ .‬فالنقود أدت إلى زيادة مرونة الصفقات االقتصادية ولكن النقود ليست سلعة تبادل فقط‪،‬‬
‫وذلك لما لها من منفعة خاصة تتمثل في كونها هي السيولة في ذاتها‪ .‬فكل فرد تتكون ثروته من سلع حقيقية عقارية (كاألرض‬
‫والعمارات) أو من صكوك (مثل أسهم الشركات وسنداتها وصكوك الدولة) عليه أن يحولها إلى مال سائل (نقود) إذا أراد سلعة دون‬
‫حاجة إلى سلعة أخرى‪.‬‬

‫أما النقود فيمكن استخدامها لشراء أي سلعة دون حاجة إلى أي عملية تحويل‪ .‬فالنقود تعطى إذن لصاحبها خدمات خاصة أهمها‬
‫االحتياط للمخاطر غير المتوقعة‪ ،‬وشراء السلع والصكوك التي يفضلها في ضوء التغيرات التي تطرأ على األسعار ‪.‬والنقود إما أن‬
‫تكون نقودا معدنية أو أوراق بنكنوت‪ ،‬وإما أن تكون شيكات أو تحويالت بين الحسابات في البنوك أو صناديق التوفير‪ .‬فالنقود تشمل‬
‫مجموعة وسائل الدفع المستخدمة سواء عن طريق النقل المادي من يد إلى يد أو عن طريق التحويل الحسابي‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬االستهالك‪:‬‬

‫االستهالك هو العملية التي بها تشبع الحاجات االقتصادية والذي يأخذ صورة إنهاء السلعة أو الخدمة واستنفاذ ما فيها من منفعة‪.‬‬
‫فالخبز يستهلك بأكله ليخفف إحساسنا بالجوع‪ .‬والمشهد المسرحي يستهلك عندما ينتهي بإشباع الرغبة في التسلية‪ ،‬والسيارة‪ ،‬وهى‬
‫سلعة استهالكية معمرة‪ ،‬يجب أن تستبدل بها سيارة أخرى عندما تقطع عددا معينا من آالف الكيلومترات‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى سلع االستهالك المعمرة أو غير المعمرة المخصصة لإلشباع عن طريق استنفاذ ما فيها من منفعة‪ ،‬توجد سلع المتعة‬
‫كاللوحات والتحف‪ ،‬وهى بطبيعتها سلع دائمة تساهم في إشباع جانب من حاجات اإلنسان‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية‬
‫تعريف علم االقتصاد ومحتواه‬

‫بمراعاة كل األفكار التي اعتمدنا عليها في المحاضرة السابقة يمكن تعريف علم االقتصاد بأنه يمكن تعريف علم االقتصاد بأنه علم‬
‫إدارة الموارد النادرة حث يدرس الصور التي يتخذها التصرف اإلنساني في تدبير هذه الموارد‪ .‬فهو يحلل ويشرع الصيغة التي يقوم‬
‫الفرد أو الجماعة طبقا لها بتخصيص الموارد المحدودة إلشباع الحاجات المتعددة غير المحددة‪.‬‬

‫وهذا التعريف يثير المالحظات اآلتية ‪-:‬‬

‫‪ -1‬يدرس علم االقتصاد كل أشكال التصرف اإلنساني في مقاومته للندرة‪ .‬وإدارة الموارد النادرة ال ترتد إلى مجرد المبادلة الحرة‬
‫بمقابل‪ ،‬وإنما تشمل أيضا استخدام الجبر أو اإلكراه العام والخاص الذي تمارسه الدولة أو بعض األفراد أو الجماعات ذات السلطة أو‬
‫السطوة‪ ،‬كما تتضمن االلتجاء إلى المنح أو التحويالت دون مقابل للمنتجات أو النقود مثل اإلعانات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -2‬يدرس علم االقتصاد العالقات بين غايات النشاط اإلنساني والوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الغايات‪ ،‬ولكنه علم محايد بالنسبة‬
‫للغايات‪ .‬فهذه األخيرة متعددة ومتباينة‪ ،‬وال يدخل في مهمة علم االقتصاد شرحها أو تقويمها‪ .‬ومع ذلك فإن من مهام علم االقتصاد أن‬
‫يبين كيفية حكم الغايات للنشاط االقتصادي لإلنسان وكيف أن تحولها وتغيرها يؤثر على صيغ هذا النشاط‪ .‬وينتمي إلى علم االقتصاد‬
‫البحث عن الغايات المتعددة للفعل لتحديد المالئم والقابل للتحقيق من بينها‪ ،‬والطرق االقتصادية األنسب لتحقيقها‪.‬‬

‫ومن هذا التعريف يمكن أن يحدد محتوي علم االقتصاد ‪:‬‬

‫‪ -1‬يهتم علم االقتصاد في المقام األول بوصف طرق إدارة الموارد النادرة التي تظهر في الزمان والمكان‪ .‬فهو يالحظ ويصنف‬
‫المعلومات الناتجة عن التجارب اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -2‬يهتم علم االقتصاد في المقام الثاني بتنظيم الوقائع على نحو يظهر الوحدة والدورية التي تطبع التصرفات اإلنسانية‪ .‬فمن مهام‬
‫النظرية االقتصادية أو التحليل االقتصادي تأسيس األفكار‪ ،‬والبحث عن محددات الظواهر وآثارها‪ ،‬وإيضاح العالقات العامة الثابتة‬
‫التي تقوم بينها‪ .‬فالنظرية االقتصادية تستنبط من الواقع شرحا مبسطا لتشغيل اقتصاد معين‪ ،‬وتقيم نظما منطقية تشكل نماذج شارحة‬
‫للحقيقة االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -3‬يساهم علم االقتصاد في توجيه السياسة االقتصادية‪ .‬فهو ال يقترح أهدافا سياسية أو اجتماعية‪ ،‬ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة‬
‫االقتصادية المتكاملة التي تالئم تحقيق أهداف سياسية واجتماعية معينة‪ .‬ويبين مدى التناسق بين األهداف وإمكانية تحقيقها من الناحية‬
‫االقتصادية والوسائل التي تستجيب لتحقيق هذه األهداف وأفضل هذه الطرق‪.‬‬

‫‪ -4‬في مواجهة أهداف معينة وفي إطار ظروف عملية محددة‪ ،‬يقدم علم االقتصاد قواعد االستخدام األمثل للموارد االقتصادية وصيغ‬
‫تحقيق الرفاهية المادية‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬وامتدادا لبيان محتوى علم االقتصاد‪ ،‬يعرف الفريد مارشال (‪ )1924 -1842‬علم االقتصاد أو علم االقتصاد‬
‫السياسي بالقول" إن االقتصاد السياسي‪ ،‬أو علم االقتصاد هو دراسة للبشرية في ممارسة شئون حياتها العادية"‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫شمول التعريف لمسائل غير اقتصادية‪ ،‬أو تخرج عن نطاق علم االقتصاد‪ ،‬إال أنه يرد على ذلك بأنه ال يوجد في السلوك البشرى أو‬
‫اإلنساني الكثير الذي يمكن استبعاده من نطاق علم االقتصاد‪ ،‬وباعتباره منبت الصلة بالموضوع‪ .‬غير أنه ألغراض عملية‪ ،‬تدور‬
‫اهتمامات علم االقتصاد السياسي حول اإلجابة على األمور واألسئلة المحورية التالية‪ ،‬مع األخذ في االعتبار أن هذه األسئلة تتغير‬
‫بدرجة كبيرة من حيث إلحاحها مع تغير البيئة المحيطة التي تحدد اإلجابة عليها محتوى علم االقتصاد‪ ،‬وتتمثل هذه االهتمامات في ‪:‬‬

‫&‪ ;219#‬السؤال المحوري األول هو ‪ :‬التساؤل عما يحدد أسعار السلع والخدمات‪ ،‬وكيفية توزيع حصيلة هذا النشاط االقتصادي‪،‬‬
‫والعوامل واالعتبارات التي تحدد حصة كل عامل من عوامل اإلنتاج‪ ،‬أو بتعبير آخر الحصة التي تذهب إلى األجور والفائدة واألرباح‬
‫وريع األرض واألشياء الثابتة وغير القابلة للتغيير المستخدمة في اإلنتاج‪.‬‬

‫وطوال فترة زمنية طويلة من تاريخ الفكر االقتصادي كان موضوع نظرية القيمة وموضوع نظرية التوزيع هما الشاغل األساسي‬
‫والمحوري لعلماء االقتصاد‪ .‬ومازال االعتقاد السائد بأن علم االقتصاد السياسي قد بلغ سن الرشد عندما أحاط بهذين الموضوعين‬
‫بطريقة منهجية في الجزء األخير من القرن الثامن عشر‪.‬‬
‫وابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وعلى الرغم من عدم تسليم االقتصاديين التقليديين بالتغير‪ ،‬فإن أهمية تحيد األسعار أو‬
‫نظرية القيمة والعوامل التي تحدد حصص التوزيع أخذتا في التراجع‪ .‬حيث برز على السطح اهتمامات اقتصادية أخرى‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬وإلى جانب نظريتي القيمة والتوزيع‪ ،‬تبقي األسئلة واألمور المحورية األخرى‪ ،‬وفي مقدمتها كيف يجرى نشر أو تركيز‬
‫الدخل الموزع مثل األجور والفائدة واألرباح والريع؟ وما ينتج عن ذلك من تباينات اجتماعية على امتداد السنون‪ .‬فطوال التاريخ‬
‫االقتصادي وجد األغنياء وهم قليلون والفقراء وهم كثيرون‪ .‬ومن ثم طرح السؤال التالي ‪ :‬ما السبب في أن تكون الحال كذلك؟‬

‫&‪ ;219#‬كذلك بدأ اهتمام علم االقتصاد‪ ،‬في العقود األخيرة‪ ،‬بمحاولة اإلجابة على التساؤل التالي ‪ :‬ما الذي يؤدى إلى التحسن أو‬
‫النمو االقتصادي أو تنشيطه‪ ،‬وعلى ما يسبب التقلبات – الدورية أو غير الدورية– في إنتاج السلع والخدمات؟‬

‫فقد بدأ االهتمام بمسائل التنمية منذ الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ بدأ يظهر محور جديد من محاور النظرية االقتصادية أو‬
‫التحليل االقتصادي‪ .‬ولقد عرف االقتصاديون األوائل من أمثال آدم سميث ومن تبعه ثم كارل ماركس وأنصاره اهتماما عاما بقضايا‬
‫النمو بصفة عامة‪ .‬غير أن الفارق األساسي بين األوائل والمحدثين هو أن هؤالء اآلخرين لم يهتموا بمشكلة تطور المجتمعات ونموها‬
‫االقتصادي بصفة عامة وإنما بأحوال التطور االقتصادي لدول لم تستطع أن تشارك بشكل ملحوظ وفعال في التقدم االقتصادي‬
‫والتكنولوجي العالمي‪.‬‬

‫ولعل من المالحظ أن الفكر االقتصادي التنموي قد ولد في العالم االقتصادي المتقدم‪ ،‬ومن أهم األسماء في هذا الصدد " نركسو وأرثر‬
‫لويس وهرشمان وموريس دوب وميردال " ولم تظهر مساهمات أصلية من مفكري دول العالم الثالث في مسائل التنمية إال في فترة‬
‫متأخرة نسبيا‪ ،‬واقتصرت بشكل عام على مساهمات أبناء من الهند وأمريكا الالتينية‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬وتمضي األسئلة المحورية ومنها ‪ :‬لماذا يكون من المتعذر في االقتصاد إيجاد فرص عمل لألعداد الغفيرة من الراغبين في‬
‫العمل؟ فالحديث عن البطالة في سنوات القرن التاسع عشر كان أمرا نادرا‪ ،‬أما في سنوات القرن الماضي (العشرين) فتوفر فرص‬
‫عمل كافية‪ ،‬كانت من المسائل المحورية في اقتصاديات هذا القرن ‪.‬والتي سوف تبقى من المسائل المحورية في اقتصاديات القرن‬
‫الحادي والعشرين‪ ،‬الذي نحن في عقده األول‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬وأخيرا‪ ،‬وبشكل أقل أهمية‪ ،‬هناك الظروف السياسية واالجتماعية التي تمضي فيها الحياة االقتصادية‪ .‬فماذا عن الرأسمالية‬
‫وفعاليتها‪ ،‬والمشروع الحر‪ ،‬ودولة الرفاهية‪ ،‬واالشتراكية والشيوعية‪ .‬فعلم االقتصاد يصير مسرحا لقوة التعبير عن الحجج‪ .‬كل هذه‬
‫األسئلة وغيرها‪ ،‬والحلول التي تقترح لها هي موضوع علم االقتصاد السياسي التقليدي والحديث‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة‬

‫نشأة النظام الرأسمالي وخصائصه‬

‫أوال ‪ :‬نشأة النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق ‪:‬‬

‫إن معرفة الظروف التي وجد من خاللها النظام الرأسمالي‪ ،‬تمثل في نفس الوقت معرفة بتاريخ الفكر االقتصادي إزاء المشكلة‬
‫االقتصادية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يذهب بعض مؤرخي الفكر االقتصادي إلى القول بأن الفترة التي سبقت منتصف القرن الثامن عشر‬
‫(تاريخ اكتمال أركان النظام الرأسمالي وظهوره على السطح)‪ ،‬وباستثناء النظام البدائي‪ ،‬قد سادها نظام اقتصادي واحد‪ ،‬وهو النظام‬
‫اإلقطاعي‪ .‬في حين يذهب البعض اآلخر إلى القول بأن هذه الفترة شهدت نظامين اقتصاديين متميزين ومتعاقبين‪ ،‬وهما – على‬
‫التوالي – النظام اإلقطاعي والنظام الحرفي‪ ،‬ويقولون بأن النظام األول ساد الفترة من القرن الخامس وحتى القرن الثالث عشر‪ ،‬وساد‬
‫النظام الثاني الفترة من القرن الثالث عشر حتى منتصف القرن الخامس عشر أو بداية القرن السادس عشر‪.‬‬

‫ويتفق الرأيان في أمرين‪ ،‬أولهما ‪ :‬أن الفترة الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬هي الفترة‬
‫التي شهدت مقدمات ميالد النظام الرأسمالي‪ ،‬أو هي الفترة االنتقالية لبروز هذا األخير‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬أن النظام اإلقطاعي (والنظام‬
‫الحرفي) قد ساد الفترة الزمنية التي تسمي بالعصور الوسطي‪ ،‬والتي يشير إليها الرأي األول بالفترة البينية المستمرة‪.‬‬
‫وسوف نستعرض أوال سمات النظام االقتصادي السابق على ظهور النظام الرأسمالي‪ ،‬ثم نتلو ذلك ببيان المقدمات لميالد الرأسمالية‪.‬‬

‫‪ )1‬سمات النظام االقتصادي السابق على الرأسمالية‪:‬‬

‫ثبت أن األفكار االقتصادية إلى حد كبير نتاج لزمانها ومكانها‪ ،‬ولذلك إذا ما أردنا أن نتفهم النظام الرأسمالي‪ ،‬فليس بوسعنا أن نحقق‬
‫ذلك إال من خالل إطاللة على الماضي‪ ،‬وضرورة معرفة الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية والفكر االقتصادي للنظم أو‬
‫النظام السابق على الرأسمالية‪.‬‬

‫ويمكن القول أن الحياة االقتصادية في العصور الوسطي ال يجمعها شبه كبير بالمجتمع االقتصادي الحديث‪ ،‬أو على األقل بالفترة‬
‫االنتقالية لميالد النظام الرأسمالي‪ ،‬وتبعا لذلك لم يكن هناك الكثير الذي يحتاج إلى بيان حسبما يرى علم االقتصاد اآلن‪.‬‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬وصف هذا النظام بالنظام اإلقطاعي‪ ،‬نظرا القتطاع األسياد أجزاء من أراضيهم الزراعية للرقيق في مقابل التزامات‬
‫نقدية وعينية متعددة‪ .‬فقد حدث‪ ،‬وبعد انهيار اإلمبراطورية الرومانية والحروب األهلية والخارجية وتفتت السلطة المركزية العامة‪ ،‬أن‬
‫قوى االتجاه نحو النظام الالمركزي‪ ،‬فنشأت‪ ،‬على أنقاض اإلمبراطورية الرومانية دول صغيرة‪ ،‬يرأس كل منها ملك‪ ،‬ويحكم أهلها‬
‫وينظم اقتصادها على أساس هرمي‪ ،‬وبمقتضاه يقتطع الملك أجزاء من أراضى الدولة لتابعيه من األمراء في مقابل التزامات مادية‬
‫وحربية‪ ،‬ثم يقتطع األمراء بدورهم مساحات من أراضيهم إلى تابعيهم من النبالء‪ ،‬ثم يقتطع النبالء أو السادة أجزاء للرقيق – بعد‬
‫تحريرهم – في مقابل التزامات عينية ونقدية متعددة‪ ،‬وهكذا يكون الملك‪ ،‬من الناحية النظرية هو سيد األسياد‪.‬‬

‫ويمكن إبراز السمات األساسية للنظام االقتصادي اإلقطاعي فيما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬أنه نظام اقتصادي مغلق‪ ،‬استمر لفترة يقوم على االكتفاء الذاتي أو اإلنتاج بغرض االستهالك‪.‬‬

‫‪ -2‬يمثل النشاط الزراعي النشاط االقتصادي الهام‪ ،‬والذي ينظم وفقا للعالقات القائمة بين طبقتين وهما‪ :‬واألشراف أو األسياد أو‬
‫أصحاب األراضي‪ ،‬ورقيق األرض‪.‬‬

‫‪ -3‬كذلك كانت طوائف الحرفيين أو النشاط الحرفي‪ ،‬والذي ظهر بعد فترة من بداية النظام‪ ،‬بجانب النشاط الزراعي‪ ،‬من السمات‬
‫المميزة للحياة االقتصادية في العصور الوسطي‪ ،‬ومع هذا النشاط أصبح اإلنتاج يتم بغرض التبادل‪ ،‬وإن كان على نطاق محدود‪.‬‬

‫‪ -4‬تمثلت القوى اإلنتاجية أو أدوات اإلنتاج األساسية‪ ،‬والتي تشمل أساسا األرض والعمل ورأس المال والمهارات التنظيمية‪ ،‬القوى‬
‫في عامال األرض والعمل‪.‬‬

‫‪ -5‬إن السوق‪ ،‬بالرغم من تزايد أهميتها بمرور السنين‪ ،‬كانت على وجه التحديد جانبا ثانويا من جوانب الحياة االقتصادية في‬
‫العصور الوسطي‪ ,‬فالجماهير الريفية كانت تزرع وتصنع ما تأكله أو تلبسه‪ ،‬وتسلم جزءا منه إلى طبقة من األمراء والسادة أحرارا‬
‫أو مزارعين يقتسمون المحصول مع المالك أو األسياد أو مستأجرين‪ ،‬ويمكن أن يكون على رأسهم كأسياد الكنسية‪ ،‬والملك وكبار‬
‫النبالء‪ ،‬وطبقة عليا من المستأجرين‪ ،‬ولكن مهما تكن العالقة بين السيد والعامل سواء كان األمر التزاما أو إكراها‪ ،‬فإن المنتجات‬
‫والخدمات كانت تسلم وال تباع‪ ،‬أو بعبارة أخرى لم تكن هناك السوق أو التجارة‪.‬‬

‫‪ -6‬على أنه ال ينبغي بوجه عام تحميل عدم وجود تجارة أو سوق في العصور الوسطي أكثر مما يحتمل – فقد كانت هناك المدن‪،‬‬
‫وإن كانت شديدة الصغر بالمقاييس الالحقة ‪ ،‬وكانت هناك حاجات أو رغبات متنوعة لإلقطاعيين األعلى مرتبة يقوم على تحقيقها‬
‫تجار من هنا وهناك أو يجرى إشباعها بالشراء من الحرفيين – ومن ثم فقد كانت هناك السوق‪ ،‬ولكنها ليست سوقا من نمط العالقات‬
‫اليومية‪ ،‬ولم تكن تجتذب اهتماما أو فكرا رئيسيا‪ .‬وعلم االقتصاد في جانب من جوانبه‪ ،‬يركز على السوق‪ ،‬ولكن في عالم كان السوق‬
‫فيه نتاجا ثانويا من جوانب الحياة االقتصادية في العصور الوسطي بل جانبا ال يهم إال الخاصة‪ ،‬وبالنظر إلى أن علم االقتصاد كما‬
‫يعرف اآلن لم يكن قد وجد بعد‪.‬‬

‫‪ -7‬وعلى الرغم من األهمية المحدودة للسوق وللتبادل‪ ،‬وعلى الرغم من أن علم االقتصاد لم يكن قد عرف بعد في العصور الوسطي‪،‬‬
‫إال أن العمليات المحدودة للبيع والشراء‪ ،‬وعلى النحو الذي كانت تتم به‪ ،‬كانت قد اجتذبت فكر بعض الفالسفة‪ ،‬والذين كان لهم فكر‬
‫معين في بعض المسائل االقتصادية كمسألة مشروعية السعر أو عدالته أو ما يسمي بمفهوم السعر العادل‪ ،‬والفائدة‪ ،‬والتجارة‪.‬‬

‫فإذا كنا قد ذكرنا أن األسواق في العصور الوسطي لم تكن إال جزءا صغيرا من الحياة االقتصادية اليومية‪ ،‬إال أنها رغم ذلك كانت لها‬
‫سماتها الخاصة‪ ،‬منها أن مبيعات كثيرة من الخيول أو الماشية مثال‪ ،‬كانت تتم من شخص آلخر أو من تاجر أو من حفنة من التجار‬
‫إلى اآلخرين‪ ،‬أو كانت تخضع العملية للضوابط التي تقررها طوائف الحرفيين‪ ،‬والتي وجدت ألغراض كثيرة منها ضبط األسعار‬
‫وأجور العمال‪ .‬وكان سعر السوق الذي يتحدد بطريقة تنافسية أو غير شخصية أمرا استثنائيا وليس هو المعتاد طوال العصور‬
‫الوسطي‪ .‬وفي كل الحاالت‪ ،‬عدا أندرها‪ ،‬كانت هناك شواهد على قدر متفاوت من القوة االحتكارية التي تزيد أو تنقص حسب‬
‫األحوال‪ .‬في هذا الصدد يقول القديس الفرنسي توما االكوينى (‪ )1274 – 1225‬عن مشروعية السعر أو عدالته (أنه ألثم عظيم أن‬
‫يمارس االحتيال من أجل بيع شيئ ألكثر من سعره العادل … " فبيع شيئ بسعر أعلي مما يستحق‪ ،‬أو شراؤه بسعر أرخص مما‬
‫يستحق يعد في حد ذاته سلوكا غير عادل وغير قانوني"‪ .‬ومفهوم السعر العادل مازال على قيد الحياة‪.‬‬

‫كذلك وافق القديس توما االكويني‪ ،‬بل أكد بقوة‪ ،‬الحظر على أخذ الفائدة‪ ،‬وربط ذلك بمراعاة صواب التجارة بوجه عام‪ .‬ولم تكن‬
‫إدانته للتجارة شاملة‪ ،‬حيث فرق بين نوعين من التبادل ‪ :‬األول ‪ :‬يسمي التبادل الطبيعي والضروري‪ ،‬وعن طريقه تتم مبادلة شيئ‬
‫بآخر أو مبادلة شيئ مقابل نقود بغرض تلبيه احتياجات الحياة‪ ،‬وهذا النوع من التبادل أو التجارة جدير بالثناء‪ .‬أما النوع الثاني من‬
‫التبادل أو التجارة ‪ :‬هو مبادلة نقود مقابل نقود أو أشياء مقابل نقود‪ ،‬ال لتلبية احتياجات الحياة‪ ،‬ولكن لتحقيق كسب‪ ،‬هذا النوع الثاني‬
‫من التجارة مدان ومرفوض‪ .‬وهكذا انضم التجار المحترفون – السماسرة والمضاربون والوسطاء – إلى مقرضي النقود في اإلدانة‬
‫األخالقية‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬وبعد مرور أعوام طويلة على رأى وفكر القديس توما االكويني‪ ،‬حدث تغير هائل في المواقف على يد الفرنسي نيكول أوريسم‬
‫(‪ .)1382 -1320‬فالتجارة التي كانت هامشية وموضوع ريبة في فكر القديس توما االكوينى‪ ،‬صارت محورية في فكر نيكول‬
‫أوريسم‪ .‬وبات ينبغي أن تقوم السياسة التي يتبعها األمير أو الدولة أو المجتمع على تشجيع التجارة وتهيئة الظروف التي يتطلبها هذا‬
‫التشيجع‪ .‬كما تتبع أوريسم تاريخ النقود و إليه تعود نظرية المذهب النقدى ‪ ، Monetarism‬أو نظرية كمية النقود‪ ،‬ومفادها أن مقدار‬
‫النقود المتداولة في االقتصاد يؤثر في مستوى األسعار‪ ،‬ومن ثم يمكن التحكم في التضخم عن طريق ضبط عرض النقود‪.‬‬

‫خالصة األمر‪ ،‬أنه وجد في هذه الفترة الطويلة ما هو أكثر من كلمات القديس توما االكوينى ونيكول أوريسم‪ ،‬ولكن ليس أكثر كثيرا‪.‬‬
‫ويرجع ذلك إلى أن علم االقتصاد أو الفكر االقتصادي ال يوجد بمعزل عن الحياة االقتصادية ذات الصلة‪ .‬فثبات وركود المجتمع‬
‫اإلقطاعي كان يهيمن على توزيع البضائع والخدمات‪ ،‬ال استجابة لسعر وإنما للقانون والعرف والخوف من العقوبات البالغة القسوة‪،‬‬
‫كما كانت السوق استثناءا عل فئة قليلة‪ ،‬ومن أجل ذلك لم تولي اهتماما كبير‪ .‬أما أوريسم فكان يستجيب أو يتنبأ بعالم جديد آخذ في‬
‫االتساع تواصل فيه األسواق وكذلك النقود الظهور بقوة‪.‬‬

‫‪ )2‬مقدمات ميالد الرأسمالية ‪:‬‬

‫تجمعت عوامل كثيرة‪ ،‬خالل فترة زمنية‪ ،‬أدت بدورها إلى تداعى وانهيار النظام اإلقطاعي‪ ،‬وفي نفس الوقت مهدت لظهور نظام‬
‫جديد‪ .‬ويحدد مؤرخو تاريخ الفكر االقتصادي هذه الفترة‪ ،‬بتلك الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬تلك الفترة التي شهدت بوضوح ببداية الثورة الصناعية ووقوع الثورة األمريكية وصدور المؤلف العظيم " ثروة األمم‬
‫‪ " Wealth of Nations‬آلدم سميث‪ .‬ويشار إلى هذه المرحلة‪ ،‬أحيانا‪ ،‬والتي امتدت نحو ثالثون قرون‪ ،‬الرأسمالية التجارية‪ ،‬وأحيانا‬
‫لمذهب التجاريين أو المركنتيلية ‪ . Mercantilism‬وعموما فهذه الفترة تقدم لنظام جديد قادم‪ .‬فهما هي إذن هذه العوامل؟ وما هي‬
‫أهم األفكار االقتصادية التي سادت خالل هذه الحقبة؟ وأهم من قام بتحديد معالم هذه الحقبة؟‬

‫*أ) أما عن إجابة التساؤل األول‪ ،‬فيمكن إبراز أهم العوامل فيم ا يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬انتشار األسواق والصعود االجتماعي لطبقة التجار‪.‬‬

‫تزايدت‪ ،‬وبمعدالت كبيرة‪ ،‬حركة التجارة محليا ودوليا‪ ،‬وأصبحت تشمل األراضي األوروبية فيما بينها وكذلك بين األخيرة وبلدان‬
‫شرقي البحر المتوسط‪ .‬كذلك ظهرت البنوك‪ ،‬أوال في إيطاليا ثم تبع ذلك انتشارها في أوروبا الشمالية‪ .‬كما أن بورصات النقود‪ ،‬حيث‬
‫مكان وزن عمالت البلدان المختلفة ومبادلتها‪ ،‬أصبحت من سمات هذه الفترة الزمنية‪.‬‬

‫وإذا كان التاجر متواريا في الفترة السابقة‪ ،‬وعمله منبوذا‪ ،‬صار شخصية مقبولة وذات مكانة اجتماعية‪ .‬وفي نفس الوقت بدأ يتوارى‪،‬‬
‫اجتماعيا‪ ،‬أصحاب األراضي أو ورثة البارونات اإلقطاعيين‪ .‬ولم يكن كبار التجار مجرد ذوى نفوذ في الحكومة وإنما كانوا هم‬
‫الحكومة‪ ،‬وكان نفوذهم يتزايد في الدولة القومية الجديدة‪ ،‬والتي يملون عليها ما يحقق أهدافهم من السياسات العامة والعمل العام‬
‫بدوره‪ ،‬انعكاسا آلرائهم‪.‬‬

‫‪ -2‬ظهور وتدعيم سلطة الدولة الحديثة‪:‬‬


‫فمع صعود القومية جاءت المصالح المتبادلة والعالقة الحميمة بين سلطة الدولة ومصلحة التجار‪ .‬وقد طرح البعض التساؤل التالي‬
‫وهو ‪ :‬هل كانت الدولة القومية هي األداة الضرورية لسلطة التجار؟ أم سعت الدولة نحو التجار في خدمة سلطاتها األعلى؟‬

‫‪ -3‬االكتشافات الجغرافية الجديدة ‪:‬‬

‫مثل رحالت كشف أمريكا والشرق األقصى للمالحيين كولومبس وفاسكو دى جاما‪ ،‬ورحالت أخرى قامت بها دول البرتغال وأسبانيا‬
‫وإنجلترا وفرنسا وهولندا‪ .‬وكان من نتيجة هذه الرحالت اتساع األسواق‪ ،‬وتدافع منتجات جديدة وغير مألوفة إلى أوروبا من الشرق‪،‬‬
‫واألكثر أهمية كان سيل الفضة والذهب من مناجم العالم الجديد‪.‬‬

‫‪ -4‬الحركة الصعودية الكبيرة في األسعار ‪:‬‬

‫كان من أثر تدفق المعادن الثمينة إلى أوروبا من األراضي الجديدة حدوث ارتفاع عام في األسعار وظهور مبكر لنظرية كمية النقود‬
‫" ‪ ،" Quantity Theory of Money‬مؤداها أنه إذا كان حجم التجارة ثابتا ‪ ،‬تتغير األسعار في تناسب مباشر مع عرض النقود‪.‬‬
‫وقد تبين في ذلك الوقت أن وجود عملة معدنية مستقرة – قاعدة الذهب والفضة – يتفق مع تضخم األسعار‪ .‬وقد دخلت العالقة بين‬
‫عرض النقود واألسعار مجال التعليق االقتصادي في تلك األيام‪ .‬من هؤالء االقتصادي الفرنسي جان بودان (‪ )1596 -1530‬الذي‬
‫هذب إلى القول بأن األسعار المرتفعة يقف وراءها أسباب كثرة منها وفرة الذهب والفضة‪ ،‬وكذلك االحتكار‪.‬‬

‫‪ -5‬تطور التنظيم الصناعي ‪:‬‬

‫فمن التنظيم الطائفي إلى الصناعات المنزلية‪ ،‬ثم الصناعة اليدوية‪ ،‬أو بتغيير آخر تطورت العملية اإلنتاجية أو الفن اإلنتاجي‪.‬‬

‫*ب) أما عن أهم األفكار االقتصادية التي سادت خالل هذه الحقبة الزمنية‪ ،‬فقد كانت السياسة العامة والعمل العام انعكاسا آلراء وما‬
‫يحقق مصالح كبار التجار‪ .‬فقد تصور التجاريون أن المعادن النفسية من ذهب وفضة مصدر الثروة وأهم أشكالها‪ ،‬وأن قوة الدولة‬
‫ومعيار ثرائها هو ما لديها من ذهب وفضة‪ .‬لذلك يرون أن على الدولة أن تعمل على الحصول على أكبر كمية من المعادن النفسية‪،‬‬
‫وذلك عن طريق الصادرات وفرض الضرائب على الواردات‪ .‬وعادة ما كان يقول التجار " إن بيع البضائع لآلخرين يكون دائما‬
‫أفضل من شراء البضائع من اآلخرين "‪ ،‬ألن البيع يحقق مزية مؤكدة والشراء يجلب ضررا ال يمكن اجتنابه‪ .‬وهنا يعتقدون ويؤمنون‬
‫بالدور القوى للدولة وبتدخلها في االقتصاد‪ .‬وقد ترتب على ذلك أن كانت المراسيم والتشريعات المركنتيلية‪ ،‬وفي واقعها العملي‪،‬‬
‫تتضمن فرض الرسوم الجمركية والقيود األخرى المختلفة على الواردات‪.‬‬

‫كما أن من ضمن الفكر المركنتيلي الموقف السلبي تجاه المنافسة‪ ،‬وعدم الترحيب بها والموافقة والتشجيع على االحتكار أو على‬
‫التحكم االحتكاري في األسعار والمنتجات‪ ،‬وبذلك تراجع مفهوم السعر العادل أمام المركنتيلية‪ ،‬ومن هنا كانت منح وبراءات االحتكار‬
‫تعطى بحرية كبيرة في إنجلترا في عصر الملكة اليزابيث‪ .‬وكانت هذه المنح هبة سخية إلى أن قيدها البرلمان اإلنجليزي خالل حكم‬
‫جيمس األول بموجب قانون االحتكارات في العامين (‪ 1623‬و ‪.)1624‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬ولما كان الثراء والسعي إليه قد أصبح موضع احترام صار أخذ الفائدة على رأس المال إذا لم يتجاوز حد االعتدال‪،‬‬
‫أمرا مقبوال‪ ،‬وأصبح تمويل العمليات التجارية بأموال مقترضة عمال مشروعا‪ ،‬ولم يعد في ذلك ما يحرم التجار من دخول الجنة‪ ,‬وقد‬
‫كان ذلك تغيرا في المواقف وفي الفكر عما كان يجرى في الفترة السابقة‪ ،‬فقد كان هناك التمييز‪ ،‬كما سبق وأن بينا‪ ،‬بين نوعى الفائدة‪،‬‬
‫فالفائدة تدان بشدة إذا كانت ابتزازا من جانب المحظوظين للمعوزين‪.‬‬

‫ولكن األمر يختلف عندما يحقق المقترض ماال من القرض الذي يحصل عليه‪ ،‬فعند ذلك يكون من قبيل العدالة المجردة أن يقتسم ما‬
‫يكسبه من المقرض الذي جعل القرض ممكنا‪ ،‬و أن يعوضه أيضا عن خطر فقدان هذا القرض‪.‬‬

‫*ج) وأخيرا‪ ،‬نصل إلى اإلشارة إلى أهم الكتاب الذين قاموا بتحديد معالم الفترة االنتقالية السباقة على ظهور الرأسمالية ‪ :‬فنذكر بأن‬
‫المرحلة االنتقالية التي نحن بصددها لم يظهر فيها نظاما فكريا محددا من قبل علماء اقتصاد أو فالسفة‪ ،‬وإنما كانت في المقام األول‬
‫نتاج عقوق رجال الدولة وكبار الموظفين ورجال المال واألعمال‪ .‬لكن ظهر في هذه الفترة بعض من الرجال الذي أوضحوا المبادئ‬
‫العامة‪ ،‬والسابق عرضها‪ ،‬من أبرزهم أنطوان دي مونكريتيان (‪ )1621 – 1576‬في فرنسا‪ ،‬وانطونيو سيرا‪ ،‬وفيليب وفون هورنيك‬
‫(‪ )1712 – 1638‬في النمسا‪ ،‬وجوهان يواقيم بيشر (‪ )1682 – 1635‬في ألمانيا ‪ ،‬وتوماس من (‪ )1641 – 1517‬في إنجلترا‪.‬‬

‫‪ )3‬خصائص النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق‬


‫يعتبر الفرد غاية هذا النظام وأداته في تحقيق أهدافه‪ .‬فالفرد هو الوحدة األساسية التي يقوم عليها تنظيم الحياة‪ ،‬وتتركز حولها كل‬
‫أنواع النشاط اإلنساني في النواحي السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫لذلك كان اإلطار العام للنظام الرأسمالي ترجمة لمكانة الفرد في هذا النظام‪.‬‬

‫وترتكز خصائص وسمات اقتصاد السوق حول نوعين من الجوانب فهناك الجوانب التنظيمية واالجتماعية (أوال) وهناك الجوانب‬
‫الفنية واالقتصادية ( ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الجوانب التنظيمية واالجتماعية القتصاد السوق‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الجوانب الفنية واالقتصادية القتصاد السوق‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الجوانب التنظيمية واالجتماعية القتصاد السوق‪:‬‬

‫يقوم النظام الرأسمالي على الحرية في كافة المجاالت السياسية واالجتماعية واالقتصادية على النحو الذي ينص عليه القانون‪ .‬ويركز‬
‫هذا النظام على مبدأي الملكية الخاصة وحرية التعاقد‪ ،‬ويقتصر دور الدولة على حماية حقوق األفراد وحراسة مكاسبهم بالتأكيد على‬
‫احترام حق الملكية وحرية التعاقد‪.‬‬

‫‪ )1‬مبدأ الملكية الخاصة ‪:‬‬

‫يعترف القانون في الدول الرأسمالية بحق الفرد في تملك األموال ملكية خاصة‪ ،‬سواء كانت هذه األموال سلعا استهالكية أو سلعا‬
‫إنتاجية‪ .‬وحق الملكية على مال من األموال يشمل مجموعة من الحقوق الفرعية تتمثل في حق االستعمال وحق االستغالل وحق‬
‫التصرف‪ ،‬كما أنه يتضمن االعتراف بحق اإلرث كسبب من أسباب كسب الملكية‪.‬‬

‫وال يعني االعتراف لألفراد بحق الملكية أن تصبح كل األموال الموجودة في المجتمع مملوكة لألفراد ملكية خاصة‪ .‬فالدولة الرأسمالية‬
‫تتملك جزءا من الثروة القومية تتمثل في المباني الحكومية‪ ،‬وأراضي الدولة‪ ،‬والمناجم ‪ ،‬والغابات‪ ،‬والهياكل األساسية للنشاط‬
‫االقتصادي كالطرق والمصارف والجسور‪.‬‬

‫ويمكن للملكية الخاص في البالد الرأسمالية أن تحاط ببعض القيود القانونية مراعاة العتبارات الصالح العام‪ ،‬كالقيود التي تمنع المالك‬
‫من استخدام ماله على نحو يضر بمصلحة جيرانه أو رفاهية مجتمعه‪ .‬ففي بعض البالد تمنع القوانين االرتفاع بالمباني فوق حد معين‪،‬‬
‫كما تحرم إنشاء المصانع الضارة بالصحة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية‪.‬‬

‫االعتراف بالملكية الخاصة ألموال اإلنتاج جعل الرأسماليين في القرن التاسع عشر ينكبون على تكديس رؤوس األموال في حوزتهم‬
‫لالستفادة من مزايا اإلنتاج الكبير‪ ،‬وأفقد العامل الحرفي وضعه الذي كان يتمتع به قبل ازدهار الرأسمالية‪ ،‬وفصل بشكل مطلق بين‬
‫طبقة الرأسماليين المالكين ألدوات اإلنتاج وبين طبقة العمـال التي تؤجر مجهودها الستغالل أموال اإلنتاج لصالح مالكها‪ ،‬وأظهر‬
‫التمايز الطبقي القائم على االنفصال الفني واالجتماعي بين العمل ورأس المال‪ .‬لذلك تفرض بعض القوانين على مالك المصانع‬
‫المحافظة على بيئة العمل في حالة صحيحة‪ ،‬وتدبير الوسائل الالزمة لتأمين العمال من الحوادث‪ .‬ثم توالت الحلول التي تضمن تحقيق‬
‫التوازن االقتصادي واالجتماعي بين أصحاب األعمال والعمل في إطار النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫‪ )2‬مبدأ حرية التعاقد ‪:‬‬

‫إن االقتصاد الرأسمالي اقتصادا تبادليا يقوم أساسا على وجود السوق التي تتم فيها مبادلة السلع والخدمات بين البائعين والمشترين‬
‫دون تدخل من جانب الدولة بقصد الحد من قوى العرض والطلب أو توجيهها‪ .‬فالقانون يكفل حرية التبادل وحرية التعاقد بالنسبة لكل‬
‫األموال االقتصادية‪ ،‬بما فيها عوامل اإلنتاج ومن بينها العمل‪.‬‬

‫ويعتبر العقد – وهو عمل قانوني يقوم على أرادتين أو أكثر – هو أسلوب األفراد في تصريف شئونهم االقتصادية‪ .‬ويمكن بالعقد أن‬
‫تقوم إلى جانب الملكية الفردية نوع آخر من الملكية يعرف بالملكية المشتركة وذلك بتأسيس الشركات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجوانب الفنية واالقتصادية القتصاد السوق‪:‬‬

‫يقوم النظام الرأسمالي على فن إنتاجي يرتكز على االختراع وعلى بنيان اقتصادي يستند إلى حرية القرار‪.‬‬

‫‪ )1‬الفن اإلنتاجي ‪:‬‬

‫قام النظام الرأسمالي في ظل الثورة الصناعية‪ ،‬فارتكز على التقدم التكنولوجي الذي أدت إليه هذه الثورة‪ ،‬وطبقت الفنون اإلنتاجية‬
‫المتقدمة نتيجة لمبدأ المنافسة‪ .‬ففي ظل المنافسة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم حتى يتمكنوا من تخفيض نفقات اإلنتاج‪،‬‬
‫وتحقيق أكبر قدر من األرباح‪ .‬فنجاح أي منتج في استخدام وسائل جديدة من شأنها تخفيض التكاليف‪ ،‬يدفع المنتجين اآلخرين إلى‬
‫تطبيق مثل هذه الوسائل الحديثة حتى يتمكنوا من البقاء في مجال اإلنتاج‪.‬‬

‫ويجد تقدم الفن اإلنتاجي أساسه في االختراع الذي يعبر عن حركة التطور الصناعي‪ .‬وقد يأخذ االختراع شكل االختراعات‬
‫الميكانيكية أو شكل تغيير نسب التأليف بين عوامل اإلنتاج‪ .‬فالنظام الرأسمالي اعتمد في البداية على أسلوب اإلنتاج الذي يستخدم‬
‫العمل بنسبة أكبر من استخدام رأس المال‪ ،‬ثم أصبح يعتمد على طرق إنتاجية تعتمد على رأس المال أكثر من اعتمادها على العمل‪.‬‬

‫فالنظام الرأسمالي يضع تقدم فنون اإلنتاج في مكانه الصحيح بعكس النظام الحرفي الذي كان يقوم على العمل اليدوي وال يعمل إلى‬
‫التجديد‪ .‬وأدى استخدام الفن اإلنتاجي المتقدم إلى سرعة زيادة معدالت النمو االقتصادي‪ .‬وسيطرت على فنون اإلنتاج اآللية‬
‫والصناعات الكبيرة‪ ،‬وتطورت هذه الفنون دون توقف لتواجه تكاثر الحاجات‪ ،‬وذلك ألن المنظم هو الذي يوجه وينشئ هذه الحاجات‪.‬‬
‫فزيادة اإلنتاج خالل فترات قصيرة دعمت النظام الرأسمالي وجعلته قادرا على تحقيق االزدهار‪.‬‬

‫‪ )2‬حرية القرار االقتصادي ‪:‬‬

‫يتم استغالل عوامل اإلنتاج نتيجة لتفاعل القرارات التي يتخذها األفراد دون إشراف من جانب الدولة‪ .‬فالجماعة تستمد احتياجاتها من‬
‫المجهودات التي يبذلها المنتجون دون أن ترسم لهم أي سياسة مشتركة‪ .‬وذلك يعنى أن الحياة االقتصادية في ظل النظام الرأسمالي ال‬
‫تقوم على برنامج تضعه الدولة‪ .‬وإنما تتم المبادالت طبقا إلرادة األفراد‪ .‬فاألفراد في سعيهم لتحقيق مصالحهم الخاصة يسعون في‬
‫نفس الوقت إلى تحقيق مصلحة الجماعة‪.‬‬

‫وتعترف الرأسمالية لألفراد بحرية االستهالك‪ .‬فهم أحرار في توزيع دخولهم بين االستهالك واالدخار‪ ،‬كما أنهم أحرار في تحديد‬
‫هيكل استهالكهم‪ ،‬وفي استثمار ما ادخروه من أموال في المجال الذي يرونه مناسبا لهم‪ .‬لذلك قيل أن المستهلكين هم الذين يوجهون‬
‫اإلنتاج في النظام الرأسمالي ويحددون هيكله حسب رغباتهم التي تظهر من كيفية إنفاقهم ألموالهم‪ .‬فتهافتهم على سلعة من السلع يدل‬
‫على زيادة تفضيلهم لتلك السلعة فيرتفع ثمنها وتزداد الكميات المنتجة منها على حساب الكميات المنتجة من غيرها من السلع التي‬
‫ينقص الطلب عليها وينخفض ثمنها‪.‬‬

‫وتعترف الرأسمالية لألفراد والمشروعات بحرية العمل واإلنتاج‪ .‬فلكل فرد في ظل الرأسمالية أن يتصرف في قوة عمله وفي‬
‫ممتلكاته بإرادة حرة ال تخضع لقيد‪ .‬فهو حر في اختيار نوع العمل أو المهنة‪ ،‬وفي اختيار المجال االقتصادي الذي يساهم فيه بنشاطه‬
‫حسب مؤهالته وظروفه والفرص المتاحة له‪ .‬فقد يختار أن يكون زارعا أو صانعا أو تاجرا أو طبيبا تابعا أم مستقال‪ .‬وهو نظام‬
‫يشجع على المخاطرة‪ .‬وقد تؤدى مخاطرة المنتج إلى إنتاج سلعة جديدة تحقق له ربحا وفيرا وتحقق للمجتمع إشباعا إضافيا‪ ،‬فإذا فشل‬
‫في ذلك فإنه يتحمل عاقبة سوء تدبيره بخسارة بعض أمواله‪ .‬وقد تأخذ المخاطرة شكل التغيير في طرق اإلنتاج بقصد تخفيض‬
‫التكاليف وزيادة األرباح التي تنتج عن زيادة الكميات التي يصرفها المنتجون من السلعة‪ .‬ويستفيد المستهلك من انخفاض تكاليف‬
‫اإلنتاج‪.‬‬

‫ويكمل حرية اإلنتاج‪ ،‬وحرية االستهالك‪ ،‬حرية انتقال السلع ورؤوس األموال بين الدول‪ ،‬واتساع حجم المبادالت الدولية‪ ،‬وسيادة مبدأ‬
‫حرية التجارة‪ ،‬نتيجة ازدهار النظام الرأسمالي‪ ،‬وتطور فنون اإلنتاج‪ ،‬واالستفادة من مزايا اإلنتاج الكبير‪ .‬فحتى تتمكن الوحدات‬
‫اإلنتاجية الكبيرة من االستمرار في زيادة اإلنتاج كان من الالزم لها أن تضمن أسواقا متسعة ومصادر وفيرة للمواد الخام‪.‬‬

‫المحاضرة الرابعة‬

‫ظهور النظام االشتراكي وخصائصه‬


‫أوال ‪ :‬ظهور النظام االشتراكي‪:‬‬

‫إذا كان يؤرخ للنظام الرأسمالي بقيام الثورة الصناعية‪ ،‬والتي تغطى الفترة (‪ ،)1820 – 1780‬فقد سبق النظام الرأسمالي في الظهور‬
‫أحد أهم عناصر النظام االقتصادي ‪ ،‬ونعني به المذهب الفكري وذلك من خالل أفكار وتنبؤات بعض رجال الفكر‪ ،‬والذي كان من‬
‫أهمهم العالم االقتصادي اإلنجليزي آدم سميث‪ ،‬والذي ظهر في كتابة الشهير " ثروة األمم " والصادر عام ‪ .1776‬وبعد سنوات من‬
‫تطبيق النظام الرأسمالي في بلدان أوروبا الغربية والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬تعرض اإلطار اإلنتاجي الجديد لهجوم شديد‪،‬‬
‫وانتقادات الذعة من جانب اقتصاديين ألمان وفرنسيين وأمريكيين‪ ،‬ففي بلدانهم كانت األحوال االقتصادية‪ ،‬أو الطروح الفلسفية‪ ،‬أو‬
‫التعليقات الشخصية‪ ،‬تذكر الحقائق العظيمة النابعة من المسرح االقتصادي البريطاني‪ ،‬واعتقادهم أن النظام الرأسمالي أو النظام‬
‫الكالسيكي أو نظام اقتصاد السوق كان بريطانيا أكثر مما ينبغي‪ ،‬وذلك بالنظر إلى أن بريطانيا كانت هي القوى االقتصادية السائدة‬
‫في العالم طوال القرن التاسع عشر‪ ،‬ومن ثم كان علم االقتصاد في أغلبه ذا هوية بريطانية‪ .‬ولكن كان الهجوم الكبير من جانب‬
‫اقتصاديين أصبح يطلق عليهم اسم االشتراكيين‪ ،‬وهم الذين تشككوا في سالمة القوة والدوافع والسلوك التي ارتبطت بالحيازة الخاصة‬
‫للممتلكات‪ ،‬والسعي إلى إحراز الثروة‪ .‬وقد وجد هؤالء االقتصاديون‪ ،‬وفي السنوات الوسطي من القرن التاسع عشر النتقاداتهم‬
‫وهجومهم‪ ،‬الجذور في التراث الكالسيكي نفسه‪ ،‬وذلك انطالقا من فكرة أن القيمة تجد أساسها في العمل والتي نادى بها ريكاردو‪،‬‬
‫وفكرة فائض القيمة الذي يستولي عليه الرأسمالي بطريقة خادعة‪ ،‬والرأي القائل بأن كل الحصيلة من البضائع إنما تخص األيدي‬
‫العاملة التي تنتجها‪.‬‬

‫وعلى الرغم من كثرة الكتاب الذي انتقدوا وهاجموا النظام الرأسمالي‪ ،‬إال أن هناك شخصية قد دفعتهم إلى الظل‪ ،‬وهى شخصية‬
‫األلماني كارل ماركس (‪ .)1883 -1818‬وقد وصلت شهرته على المسرح االقتصادي والتاريخي إلى درجة أن نعت المرء بأنه‬
‫ماركسيا في الدول الصناعية الغربية‪ ،‬وخصوصا الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فذلك يفيد استبعاده من الخطاب الراقي المحترم‪ ،‬ودمغه‬
‫بعار شديد‪ .‬وقد تأثر كارل ماركس فكريا بالفيلسوف األلماني هيجل‪ ،‬ومن ثم كان مهيئا لرفض التراث الكالسيكي أو مفترضات‬
‫النظام الرأسمالي التقليدي والحديث‪ .‬فاالقتصاديون الرأسماليون يفترضون وجود توازن بين القوى المختلفة‪ ،‬لدرجة أن أصبح يسمي‬
‫باقتصاد التوازن‪ ،‬والذي يقوم على أساس أن العالقة األساسية بين صاحب العمل والعامل‪ ،‬وبين األرض ورأس المال والعمل‪ ،‬وهي‬
‫العالقة التي ال يمكن أن تتغير أبدا‪ ،‬وإن حدث تغيير في المعروض من األيدي العاملة أو من رأس المال‪ ،‬وهذا التغيير ال يؤدى إال‬
‫إلى توازن جديد ومماثل ‪ .‬وبحث وتحديد هذا التوازن النهائي هو جوهر علم االقتصاد السياسي‪ .‬كما أن من أساسيات النظام‬
‫االقتصادي التقليدي والحديث هو وجود قاعدة ثابتة ال تتغير‪ ،‬أيا كانت االضطرابات أو األزمات التي يتعرض لها النظام‪ ،‬وأن علم‬
‫االقتصاد يبحث ويثقل المعرفة بالمؤسسات الرئيسية والعالقات الجوهرية الدائمة والباقية‪.‬‬

‫وكان والد كارل ماركس من أكبر المحامين في ترييه بألمانيا‪ ،‬والذي كان مرتبطا بالمحكمة العليا‪ .‬كما أن أسرة كارل ماركس من‬
‫أصول أسرة يهودية عريقة‪ ،‬إال أن والده‪ ،‬ومنذ مولد كارل ماركس‪ ،‬قد تحول إلى المذهب البروتستانتي‪ .‬ويقال أن هذا التحول لم يكن‬
‫راجعا إلى عقيدة روحية‪ ،‬بل كان ألغراض سياسية‪ ،‬حيث لم يكن من السهل على والد كارل ماركس وهو في منصبه الرسمي في‬
‫بروسيا أن يكون يهوديا‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬تزوج كارل ماركس من جيني فون فشتفالن ابنه البارون لودفيج فون فشتفالن‪ ،‬المواطن‬
‫األول في المدينة‪ ،‬وكان ذلك تمشيا مع المكانة االجتماعية المرموقة لكارل ماركس‪ .‬وهكذا لم تكن نشأة كارل ماركس‪ ،‬مؤسس الفكر‬
‫الشيوعي‪ ،‬توحي بانشقاقه الثوري العنيد‪.‬‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬وقع كارل ماركس تحت تأثير جورج فلهلم فريدريك هيجل (‪ ،)1831 -1770‬ومن الفكر اليهجلي جاءت فكرة على‬
‫أكبر قدر من األهمية‪ ،‬وهى أن الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية تكون دائما في حال تحول مستمر‪ .‬وعندما يبرز كيان‬
‫اجتماعي أو طبقة اجتماعية وتحتل الموقع األول اجتماعيا‪ ،‬ال تلبث أن يظهر كيان أو طبقة اجتماعية وقوة جديدة تنافسها وتتحداها‪.‬‬
‫والمثال البارز لهذه الفكرة‪ ،‬هو بروز طبقة الرأسماليون أو الصناعيون الجديد مكان الطبقة الحاكمة القديمة‪ ،‬وهى مالكو األرض‪ .‬ولم‬
‫يكن األمر يحتاج إلى جهود لرؤية أن الصناعيين الجدد أو البرجوازية الجديدة‪ ،‬بعد أن تحدت الطبقة االجتماعية السابقة عليها وهى‬
‫األرستقراطيين أو مالك األراضي بالقدر الكافي وأنشأت تركيبا جديدا‪ ،‬سوف تتعرض بدورها لتحد كيان اجتماعي جديد وهو طبقة‬
‫العمال‪.‬‬

‫من جهة ثالثة‪ ،‬إذا كانت فلسفة المذهب الفردي أو فلسفة النظام الرأسمالي تطلق‪ ،‬في أحد جوانبها‪ ،‬من أن الدولة إنما توجد من أجل‬
‫الفرد‪ ،‬نجد لكارل ماركس فلسفة أو فكر جديد مخالف‪ ،‬وهو نفس فكر األلماني جورج فريدريك ليست (‪ ،)1846 – 1789‬وهى أن‬
‫الفرد يوجد من أجل الدولة‪ .‬فالدولة هي التي تمنحه الحماية و إمكانية الوجود بشكل متحضر ومستمر‪ ،‬ومن هنا فالدولة يجب أن تتقدم‬
‫وأن يكون لها الدور األسمى‪.‬‬
‫وقد رفض ماركس مهتديا بهيجل‪ ،‬االفتراضات األساسية لالقتصاد الرأسمالي التقليدي والحديث‪ ،‬فالتوازن ليس هو النهاية‪ ،‬وإنما هو‬
‫مجرد حدث في تغير أكبر كثيرا‪ ،‬يؤدى إلى تغيير كامل العالقة بين رأس المال والعمل‪ .‬كما أن المؤسسات االقتصادية‪ ،‬ونقابات‬
‫العمال‪ ،‬والشركات‪ ،‬والمظاهر االقتصادية للدولة وسياستها‪ .‬كل ذلك في تغيير مستمر وفي حالة حركة‪ ،‬وأن صراع الطبقات هو‬
‫مصدر هذه الحركة‪.‬‬

‫وقد أصدر كارل ماركس‪ ،‬بالتعاون مع صديقة األلماني أيضا فريدريك انجلز (‪ )1895 – 1820‬أشهر منشور سياسي‪ ،‬والذي قوبل‬
‫بأكبر قدر من االعتراض والتنديد وهو البيان الشيوعي الذي خاطب السخط الواسع النطاق الذي عبرت عنه الحركات الثورية للعام‬
‫‪ .1848‬وقد تبع ذلك إصدار المجلد األول من كتابه " رأس المال " الذي راجعه وأعده للطبع صديقه انجلز‪ ،‬وصدر في حياة كارل‬
‫ماركس‪ ،‬ثم اعتمد انجلز بعد ذلك على المذكرات وأجزاء من المخطوطة الستكمال ونشر الجزأين األخيرين من " رأس المال" بعد‬
‫وفاة كارل ماركس‪.‬‬

‫وفي كتابة " رأس المال "‪ ،‬أشار ماركس إلى إنجازات النظام الرأسمالي في مجال اإلنتاج‪ ،‬وأشاد بها‪ ،‬وذكر أن النظام الرأسمالي‪،‬‬
‫وفي فترة لم تتجاوز المائة عام حقق قدرا أكبر وأضخم من كل األجيال السابقة مجتمعة‪ .‬كما أشار إلى إنجازات أخرى للرأسمالية‪،‬‬
‫وإن كانت فرعية كخلق المدن الجديدة وزيادة سكان الحضر زيادة كبيرة بالقياس لسكان الريف عالوة على األسعار الرخيصة للسلع‬
‫والمنتجات‪ .‬ولكن بعد هذه اإلشارة المقتضبة لمنجزات اإلطار اإلنتاجي الجديد أو الرأسمالية‪ ،‬وجه ماركس سهامه نحو جوانب‬
‫الضعف في الرأسمالية والتي أجملها في أربعة عيوب أو مشكالت رئيسية‪ ،‬وهى‪:‬‬

‫‪ )1‬التوزيع غير المتكافئ في السلطة ‪:‬‬

‫ذهب ماركس إلى أن السلطة ال مهرب منها في الحياة االقتصادية‪ ،‬ومصدر هذه السلطة هي الملكية الخاصة‪ ،‬وبالتالي فالسلطة هي‬
‫ملكية طبيعية وحتمية للرأسمالي‪ .‬وأن سلطة الرأسمالي ال تقتصر على مشروعه‪ ،‬بل تمتد إلى المجتمع والدولة‪ .‬فالجهاز اإلداري في‬
‫الدولة ما هو إال لجنة إلدارة الشئون المشتركة للبرجوازية الحاكمة‪ ،‬ويضيف ماركس بأن هذه السلطة الرأسمالية تمتد لتشمل‬
‫االقتصاديين‪ ،‬ومن ثم يخضع علم االقتصاد واالقتصاديون لنفوذ سلطة الرأسمالي‪.‬‬

‫‪ )2‬التوزيع غير المتكافئ في الدخل ‪:‬‬

‫إن الفروق الهائلة في توزيع الدخل‪ ،‬كانت محل مالحظات االقتصاديين التقليديين أنفسهم‪ .‬وقد قالوا بمبررات لم تكن كافية وقوية لهذا‬
‫التفاوت‪ .‬وقد وجد ماركس تبريرا‪ ،‬من جهة نظره ونظر أنصاره والتي وجد مصدرها في نظرية ريكاردو " العمل في القيمة "‪ .‬فقد‬
‫رأى ماركس أن العامل الحدي يحصل على مقابل أو على أجر يعكس إسهامه المضاف في مجموع إيرادات المشروع‪ .‬ويتناقص هذا‬
‫اإلسهام‪ ،‬وفقا لقانون الغلة المتناقصة مع إضافة عمال جدد‪ .‬واألجر الحدي يقرر األجر للجميع ‪ .‬ولكن من هم بعيدون عن الحد‬
‫يحصلون على األجر الحدي على الرغم من أنهم يساهمون في المكاسب بأكثر مما يحصلون عليه من أجر‪ ،‬وربما بأكثر منه كثيرا‪.‬‬
‫وإنهم في المراحل قبل الحدية من العائدات المتناقصة يحققون فائدة أكبر وهذه هي القيمة المضافة أو فائض القيمة‪ ،‬والتي ال يحصل‬
‫عليها من يحققها أو يحققونها‪ ،‬بل يستولي عليها وبطريقة خادعة الرأسمالي‪.‬‬

‫فإذا كانت هناك قوانين إلنتاج تفرضها الطبيعة مثل قانون الغلة المتناقصة‪ ،‬فإن قوانين التوزيع قد فرضها اإلنسان‪ ،‬وليس هناك ما‬
‫يجبر العمال على الخضوع لمثل هذا الترتيب اإلنساني‪.‬‬

‫‪ )3‬األزمات المتالحقة للنظام الرأسمالي ‪:‬‬

‫ال يمثل فقط التوزيع غير المتكافئ في السلطة‪ ،‬وال التوزيع غير المتكافئ في الدخل‪ ،‬عيوب الرأسمالية‪ ،‬بل يهدد بقاء النظام‬
‫الرأسمالي كذلك االتجاه إلى الكساد والبطالة‪ .‬فقد شهد ويشهد النظام الرأسمالي وجود دورة اقتصادية أشبه بالموجة تسبب اختالال‪ .‬وقد‬
‫نظر االقتصاديون الرأسماليون األوائل‪ ،‬من أمثال جانب باتسيت ساى‪ ،‬دافيد ريكاردو إلى هذه الموجات بأنها أمر مؤقت ال تغير‬
‫األوضاع األساسية‪ ،‬كما حلل جون مانيارد كينز هذه الدورات أو األزمات بفكر جديد يخالف قانون ساى‪ ،‬وهو وجوب تدخل الدول‬
‫لخلق أو تنشيط الطلب الكلي أو الطلب الفعال‪.‬‬

‫ومع الكساد الكبير وما سببه من تعاسة وشقاء‪ ،‬أي اإلخفاق الذريع للنظام الرأسمالي‪ ،‬كان النموذج السوفيتي أو االشتراكية أو‬
‫الشيوعية هو البديل الواضح والمتاح والممكن‪ .‬إال أن ممارسات النظام الحاكم في االتحاد السوفيتي للسلطة‪ ،‬السيما في عهد جوزيف‬
‫فيساريو نوفيتش ستالين‪ ،‬كانت بمنزلة آفة في كل أرجاء العالم على كلمة الشيوعية أو االشتراكية نفسها‪ .‬كما كانت مصدر متاعب‬
‫جسيمة في سنوات الخمسينات‪ ،‬والتي شهدت المالحقة الشرسة للمواليين للشيوعيين‪ ،‬ولمن سموا بـ " الحمر " والتي دعا إليها‬
‫جوزيف ريموند مكارثى‪ ،‬ولهذا عرفت هذه الحملة أو المالحقة للمواليين للشيوعية "بالمكارثية" والتي تميزت بأخذ الناس بالشبهة‬
‫والشائعة‪.‬‬
‫‪ )4‬االحتكار‪:‬‬

‫لم يقتصر األمر على نقاط الضعف السابقة‪ ،‬التي ألمت وتلم بالنظام الرأسمالي‪ ،‬بل يوجد نقطة ضعف أخرى أشار إليها كارل‬
‫ماركس‪ ،‬وهى االحتكار‪ .‬وعلى الرغم من أن أنصار النظام الرأسمالي يعترفون بها‪ ،‬إال أنهم يرونها استثناء من القاعدة الحاكمة‬
‫للسوق‪ ،‬وهى التنافس‪ ،‬ومن ثم فاالحتكار ال يمثل خطرا على النظام في جملته‪ .‬غيران ماركس يرى المسألة من وجهة نظر أخرى‪،‬‬
‫فازدياد النشاط االقتصادي في أيدي فئة قليلة من الرأسماليين‪ ،‬هو اتجاه قوى ومستمر‪ .‬وهكذا يرى كارل ماركس أن النظام‬
‫االقتصادي الرأسمالي الذي أشاد به االقتصاديين الكالسيك‪ ،‬وبسبب نقاط الضعف المذكورة آنفا‪ ،‬سيصل إلى نهايته‪ ،‬كما كان يعتقد‬
‫ماركس في مجال آخر‪ ،‬أن الدولة بعد استيالء الطبقة العاملة أو البروليتاريا عليها‪ ،‬سوف تختفي في نهاية األمر‪ .‬وهو قول لم يصدق‪،‬‬
‫بل احتفظت الدولة الحديثة بقوتها في ظل تطبيقها للنظام االشتراكي‪ ،‬كما حدث في االتحاد السوفيتي (الذي شهد أول تطبيق للفكر‬
‫االشتراكي عام ‪ )1917‬والصين وبلدان وسط شرق أوروبا ودول أخرى‪ .‬بل قد فشل النظام االشتراكي وتفكك االتحاد السوفيتي‬
‫سياسيا وتحوله إلى جمهوريات مستقلة‪ ،‬تسعى‪ ،‬وبخطي حثيثة‪ ،‬ومعها دول شرق أوروبا وبقية بلدان العالم تقريبا نحو العودة إلى‬
‫النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الخصائص العامة للنظام االشتراكي ‪:‬‬

‫كانت روح النظام االشتراكي تتمثل في التخلص من سوء التوزيع االقتصادي واالجتماعي للرأسمالية وتحقيق عدالة تتطلب إحالل‬
‫الملكية العامة محل الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪.‬‬

‫فالنظام االشتراكي يقوم على مبدأ عام هو إلغاء الملكية الفردية للموارد االقتصادية وأدوات اإلنتاج‪ ،‬حيث يجب أن تتملك الدولة هذه‬
‫الموارد واألدوات‪ .‬فالملكية العامة تشمل ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية وللمشروعات الصناعية والتجارية ولمشروعات النقل‬
‫والمصارف وللمشروعات الزراعية‪ .‬وال يخل بمبدأ الملكية العامة إنابة السلطة المركزية لبعض الهيئات العامة إلدارة بعض‬
‫المشروعات أو تملك بعض أدوات اإلنتاج وفقا للخطة االقتصادية العامة‪.‬‬

‫وال يعني ذلك أن الملكية الخاصة محرمة تحريما مطلقا في النظام االشتراكي‪ ،‬فالملكية الخاصة نظام طبيعي بالنسبة ألموال‬
‫االستهالك حيث ال يستطيع الفرد أن يستهلك شيئا قبل أن يتملكه ويكون له حرية التصرف فيه‪ ،‬لذلك يسلم النظام االشتراكي بالملكية‬
‫الخاصة لسلع االستهالك‪ .‬فاألفراد يملكون ما يحصلون عليه من دخول كما يملكون ما يكونونه من مدخرات بشرط أال تتحول هذه‬
‫المدخرات إلى رؤوس أموال عينية‪ .‬ويسمح بالملكية الخاصة للمساكن والحدائق المحيطة بها واألموال التي تخصص الستعمال‬
‫أصحابها وتنتقل هذه األشياء إلى الورثة‪ .‬وال يعتبر تملك مل هذه األموال ملكية خاصة استثناء من مبدأ الملكية العامة لوسائل اإلنتاج‬
‫ألنها أموال مخصصة إلشباع الحاجات الذاتية ألصحابها وليست مخصصة لإلنتاج‪ ،‬ومع ذلك كان من الممكن تملك بعض‬
‫المشروعات الزراعية ملكية خاصة دون استغالل للغير‪.‬‬

‫ويؤدى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج إلى تقريب الفوارق بين الطبقات واختفاء طبقة الرأسماليين والمالك الزراعيين‪ .‬ففي‬
‫المجتمع االشتراكي يتقاضى األفراد أجورا نظير خدماتهم وجهودهم‪ ،‬ويصبح الجهد المبذول في اإلنتاج هو أساس التفرقة في مستوى‬
‫المعيشة بين األفراد‪ ،‬وتختفي بذلك الطبقة التي تحصل على دخل دون أن تساهم في اإلنتاج بالعمل‪.‬‬

‫المحاضرة الخامسة‬

‫دوافع النشاط االقتصادي في كل من النظام الرأسمالي والنظام االشتراكي‬

‫أوال ‪ :‬دوافع النشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي ‪:‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬نبين (أ) عوامل توجيه النشاط االقتصادي‪ ،‬ثم نبين (ب) كيفية توزيع الدخل في ظل اقتصاد السوق‪.‬‬
‫*أ) عوامل توجيه النشاط االقتصادي ‪:‬‬

‫يدفع األفراد إلى اختيار نوع النشاط االقتصادي الذي يساهمون به في عمليات اإلنتاج فرص الربح المهيأة أمامهم‪ .‬فدافع الربح هو‬
‫الموجه لحركة النشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي‪ .‬فكل فرد يسعى إلى تحقيق أكبر ربح ممكن بأقل تضحية ممكنة‪.‬‬

‫وجهاز األثمان في النظام الرأسمالي هو الذي ينظم النشاط االقتصادي حيث يرشد األفراد إلى فرص الربح الموجودة في المجاالت‬
‫المختلفة‪ .‬فالنشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي يخضع أساسا لقوى السوق (العرض والطلب) وجهاز األثمان هو الذي يربط بين‬
‫العرض والطلب‪ ،‬فهو األداة الفعالة في إيجاد التوازن بين اإلنتاج واالستهالك‪.‬‬

‫فارتفاع األثمان يؤدى إلى زيادة أرباح المنتجين األمر الذي يدفعهم إلى التوسع في اإلنتاج فتزداد الكمية المعروضة على نحو قد‬
‫يؤدى إلى وقف ارتفاع األثمان وربما إلى انخفاضها‪ .‬ويستفيد من ذلك المستهلك بحصولهم على السلع التي تناسب تفضيالتهم‪.‬‬

‫واألثمان هي التي تحدد كيفية توزيع عوامل اإلنتاج على القطاعات اإلنتاجية المختلفة حسب رغبات المستهلكين‪ .‬فازدياد طلب‬
‫المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى ارتفاع ثمنها وزيادة أرباح منتجيها والتوسع في إنتاجها‪ .‬ونقص طلب المستهلكين على‬
‫سلعة من السلع يؤدى إلى انخفاض ثمنها ونقص أرباح منتجيها وانكماش إنتاجها أو توقفه‪.‬‬

‫وقد ينذر ارتفاع األثمان بزيادة الندرة النسبية للسلعة ويدفع بالتالي إلى تخفيض الكميات المستهلكة منها‪ .‬فدور األثمان في تحديد‬
‫االستهالك ال يقل عن دورها في تنظيم اإلنتاج حيث يحدد المستهلكون نوع السلع التي يطلبونها والكميات المطلوبة من كل منها في‬
‫ضوء أثمانها‪ .‬فالطلب الكلي ينخفض بارتفاع األثمان ويرتفع بانخفاضها‪.‬‬

‫وارتفاع أثمان بعض السلع وانخفاض بعضها اآلخر يؤدى إلى تحويل عوامل اإلنتاج من الصناعات التي انخفضت أثمان منتجاتها إلى‬
‫الصناعات التي ارتفعت أثمان منتجاتها‪ ،‬وعلى هذا النحو يتم توجيه الموارد االقتصادية حسب تفضيالت األفراد تطبيقا لمبدأ سيادة‬
‫المستهلك‪.‬‬

‫ويشترط لقيام جهاز األثمان بدوره في توجيه النشاط االقتصادي طبقا لرغبات المستهلكين أن تتمتع عوامل اإلنتاج بحرية االنتقال بين‬
‫فروع اإلنتاج المختلفة‪.‬‬

‫*ب) كيفية توزيع الدخول في ظل اقتصاد السوق‪:‬‬

‫تلعب األثمان أيضا دورا رئيسيا في التوزيع األولى للدخل القومي بين عوامل اإلنتاج التي ساهمت في العمليات اإلنتاجية في صورة‬
‫فوائد ألصحاب رأس المال وأجور للعمال وأرباح للمنظمين وريع لمالك األراضي‪ .‬فتوزيع الدخل القومي في صورة مكافآت لعوامل‬
‫اإلنتاج يتم على أساس حركات أثمان عوامل اإلنتاج وهى تتأثر بعرض وطلب كل عامل منها‪.‬‬

‫والربح هو الفرق بين ثمن المنتجات النهائية وثمن عناصر اإلنتاج‪ ،‬واألجر هو ثمن قوة العمل التي يبذلها العامل في اإلنتاج ويتوقف‬
‫على عرض العمل من جانب العمال والطلب عليه من جانب أصحاب األعمال‪ ،‬والفائدة هي الثمن الذي يدفع لممول رأس المال‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دوافع النشاط االقتصادي في ظل النظام االقتصادي االشتراكي أو الموجه ‪:‬‬

‫يتم تنظيم الحياة االقتصادية وتوزيع موارد اإلنتاج على القطاعات المختلفة طبقا لخطة عامة تضعها السلطة المركزية وتلتزم بتنفيذها‬
‫كافة الوحدات اإلنتاجية‪ .‬ويساعد السلطة المركزية في وضع الخطة العامة عدد من اإلدارات تختص كل إدارة منها بدراسة مشكلة‬
‫معينة واقتراح ما تراه في شأنها من قرارات‪ .‬وتتولي السلطة المركزية دراسة مقترحات اإلدارات المختلفة والتوفيق بينها بالتضحية‬
‫ببعض الحاجات إلشباع اآلخر حسب اإلمكانيات القومية‪.‬‬

‫فجهاز التخطيط يأخذ شكال هرميا تمثل قمته هيئة التخطيط العليا التي تضع الخطة االقتصادية واالجتماعية وتقوم بالتنسيق بين هيئات‬
‫التخطيط‪ .‬وتشمل الخطة العامة جانبي اإلنتاج واالستهالك‪.‬‬
‫فالخطة تحدد معدالت اإلنتاج وكميته ونوعه على نحو تفصيلي يبين لكل وحدة من الواحدات اإلنتاجية نصيبها من اإلنتاج الكلي وما‬
‫يلزم لتحقيق هذا اإلنتاج من عناصر اإلنتاج‪ .‬وليس ألي وحدة أن تقوم بإنتاج سلعة جديدة دون أن تتلقى بذلك أوامر من سلطة‬
‫التخطيط العليا‪.‬‬

‫وال تستهدف خطة اإلنتاج تحقيق الربح وإنما تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة‪ .‬وبذلك تكون اإلنتاجية عبارة عن العائد االجتماعي‪،‬‬
‫وال تنحصر في مجرد األرباح النقدية‪ .‬فقد تضحي السلطة العامة ببعض متطلبات الجيل الحاضر بقصد بناء قاعدة صناعية قوية‬
‫وجهاز إنتاجي متين عند توزيع االستثمارات بين اإلنتاج االستهالكي إلشباع الحاجات الحالة وبين إنتاج أدوات اإلنتاج لزيادة إشباع‬
‫الحاجات في المستقبل‪ .‬ومعني ذلك أن توزيع موارد اإلنتاج على الصناعات المختلفة ال يتم عن طريق جهاز األثمان الذي يتكفل بأداء‬
‫هذه المهمة في النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫وتقيد حرية األفراد في العمل ببعض القيود التي تضعها الدولة لتحقيق المصلحة العامة‪ .‬فالدولة تستطيع توجيه األفراد في اختيار‬
‫المهن واختيار المجال االقتصادي الذي يساهمون فيه بمجهودهم طبقا لحاجات المجتمع لكي تضمن توافق التخصصات مع احتياجات‬
‫المشروعات المدرجة في الخطة العامة‪.‬‬

‫وتحدد الخطة معدالت االستهالك وهيكله‪ .‬فاإلنتاج ال يتم طبقا للطلب المتوقع على السلع المختلفة كما أنه ال يتم بناء على اختيارات أو‬
‫تفضيالت المستهلكين وإنما يتحدد بناء على ما ترسمه الخطة العامة‪ .‬وقد يتم توزيع بعض السلع المنتجة على المستهلكين ببطاقات‬
‫يحدد فيها لكل فرد حصة ال يجوز له أن يتعداها أما السلع التي ال توزع بالبطاقات فيترك تنظيم توزيعها للثمن الذي تحدده الدولة‪.‬‬

‫وجهاز الثمن في النظام االشتراكي موجود ولكن لمهمة أخرى تختلف عن مهمته في النظام الرأسمالي‪ .‬فالثمن في النظام االشتراكي‬
‫جزء من الخطة العامة‪ ،‬في حين أنه في النظام الرأسمالي المنظم الذي يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب‪ ،‬فالثمن في النظام‬
‫االشتراكي مخطط ‪ ،‬ويتم التوازن بين العرض والطلب عن طريق الخطة العامة وتوزيع قدر من القوة الشرائية على العمال بقدر‬
‫يتناسب مع مقدار اإلنتاج‪.‬‬

‫المحاضرة السادسة‬

‫تطور دور الدولة في االقتصاد‬

‫لم يكن دور الدولة ثابتا في االقتصاد‪ ،‬بل تطور وتبدل عبر العصور حسب الظروف السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية‪ .‬وتبلور‬
‫هذا الدور بين سياسة الحرية االقتصادية وابتعاد الدولة عن االقتصاد‪ ،‬وسياسة التدخل الحكومي المساند للرأسمالية‪ ،‬والتدخل الحكومي‬
‫المناهض للرأسمالية والمؤيد لالشتراكية‪ .‬وذلك على التفصيل التالي ‪-:‬‬

‫أوال ‪ :‬سياسة التجاريين‪:‬‬

‫ظهر فكر التجاريين منذ بداية القرن الخامس عشر واستمر حتى منتصف القرن الثامن عشر‪ .‬وقد قام هذا التيار الفكري بعد انهيار‬
‫اإلقطاع وما تاله من حركات الهجرة التي سارع إليها رقيق األرض من المناطق الزراعية إلى المدن وأصبحت المدن مركزا للتجارة‬
‫والتداول‪ .‬وخرج المجتمع األوروبي من نظام االقتصاد اإلقطاعي المغلق الذي يقوم على اإلنتاج لالستهالك الذاتي إلى نظام اقتصاد‬
‫السوق‪ ،‬حيث انفصل المنتج عن المستهلك‪ ،‬وظهر التاجر باعتباره وسيطا بين اإلنتاج والتوزيع‪.‬‬

‫ومن هنا تجلت أهمية رأ*س المال كصورة جديدة لتراكم الثروة القومية بعد أن كانت متمثلة أساسا في األراضي الزراعية‪ .‬وقد ساعد‬
‫على التراكم الرأسمالي اختراع النقود كوحدة قياس لمختلف القيم االقتصادية‪ .‬فالنقود التي أضفت مرونة كبيرة على المعامالت‪،‬‬
‫وسهلت انتقال األموال‪ ،‬وساهمت في ازدهار التجارة وفي تعميق تقسيم العمل والتخصص‪.‬‬

‫وقويت طبقة التجار بتجميعهم لكميات كبيرة من النقود‪ ،‬وبتحالف الملوك معهم للقضاء على ما تبقى من شوكة لإلقطاعيين‪ ،‬واسترداد‬
‫كيان السلطة المركزية للدولة‪ .‬وشجع التجار الصناعة ولكن لخدمتهم‪ ،‬وظلت التجارة هي النشاط الرئيسي حتى القرن الثامن عشر‪.‬‬
‫وكان األساس الذي تستند إليه سياسة التجاريين هو أن يكون رصيد الميزان التجاري للدولة دائنا‪ .‬وال يتأتى ذلك إال إذا باعت للدول‬
‫األجنبية سلعا وخدمات أكثر من السلع والخدمات التي تشتريها الدولة منها‪ .‬فالرصيد إذ يكون في هذه الحالة دائنا يمكن للدولة الدائنة‬
‫أن تطلب سداده بالذهب والفضة‪ ،‬وهي المعادن النفسية التي تؤدى زيادتها إلى زيادة قوة الدولة‪.‬‬

‫فزيادة رصيد الدولة من الذهب والفضة يزيد المقدرة المالية للدولة ويزيد قوتها الحربية‪ ،‬حيث تستطيع الدولة عند نشوب الحروب أن‬
‫تلجأ إلى هذا الرصيد لتجهيز الجيوش واإلنفاق عليها في الخارج‪ .‬فرصيد الدولة من الذهب والفضة وإن كان يدخل خزائن التجار إال‬
‫أنه يشكل إمكانيات قومية يمكن للحكومة أن تحصل على جزء منه عن طريق الضرائب أو القروض اإلجبارية‪ ،‬فقوة الدولة من قوة‬
‫مواطنيها‪ .‬فالذهب والفضة في نظر التجاريين هي أفضل أنواع الثروات‪ ،‬ويمكن زيادة رصيد الدولة منها عن طريق زيادة الصادرات‬
‫عن الواردات لكي يسدد الفرق بالذهب‪ .‬ولذلك حذر التجاريون من زيادة الواردات عن الصادرات حتى ال تضطر الدولة إلى سداد‬
‫الفرق للدول األجنبية بالذهب فينقص رصيد الدولة منه‪ ،‬ويحل الكساد والبطالة محل الرواج والتوظف‪.‬‬

‫وتحقيقا لسياسة التجاريين نادوا بضرورة تدخل الدولة لإلشراف المستمر على النشاط االقتصادي‪ ،‬فنادوا بفرض الضرائب على‬
‫الواردات‪ ،‬وتشجيع الصادرات بمنح إعانات للمنتجين الذين ينتجون ألغراض التصدير‪ ،‬وطالبوا بوضع قوانين تحض على الجهد‬
‫والعمل والتقشف والحد من استهالك السلع الكمالية التي تستنفذ بعض األموال‪.‬‬

‫ويرى التجاريون ضرورة المحافظة على مستويات أجور العمال عند مستويات منخفضة والمحافظة على تكاليف اإلنتاج عند أدني‬
‫مستوى ممكن‪ ،‬واستخدام كافة الموارد االقتصادية بأقصى كفاءة ممكنة‪ ،‬حتى تتمكن من أن تغزو الدولة بمنتجاتها األسواق األجنبية‬
‫بأسعار تنافسية‪ .‬وعموما تسعي سياسة التجاريين إلى الوصول باإلنتاج إلى أقصى قدر ممكن والوصول باالستهالك إلى أقل حد ممكن‬
‫لتحصل بذلك على رصيد إضافي من الذهب والفضة‪.‬‬

‫وإذا كان لدى الدولة مناجم للذهب والفضة فإن على الدولة أن تقوم باستغاللها إلى أقصى درجة ممكنة‪ .‬وعلى الدولة من ناحية أخرى‬
‫أن تسعى إلى ضم المستعمرات التي تحتوى أقاليمها على مناجم للذهب والفضة بقصد استغالل هذه المناجم واستنفاذ ما فيها من هذين‬
‫المعدنين النفسين‪.‬‬

‫ولكن الدعوة إلى االستعمار لم تقتصر على استعمار البالد التي تضم مناجم للذهب والفضة‪ ،‬وإنما امتدت إلى كل البالد التي بها‬
‫ثروات طبيعية يمكن استغاللها في اإلنتاج الصناعي أو في التجارة فقد كان االستعمار وسيلة ثراء للدولة تمكنها من الحصول على‬
‫المواد الخام وتضمن لها سوقا لبيع منتجاتها‪.‬‬

‫وكانت الدول الكبرى تطبق الميثاق االستعماري الذي تعترف فيه بأن المستعمرات ليست سوى مناطق مخصصة لخدمة اإلمكانيات‬
‫االقتصادية للدول االستعمارية‪ .‬فكل تبادل تجارى للمستعمرات يجب أن يكون مع الدول االستعمارية تصديرا واستيرادا‪ .‬وليس‬
‫للمستعمرات إقامة صناعات فيها‪ .‬وهكذا بقيت المستعمرات مناطق تحصل منها الدول االستعمارية على أكبر قدر ممكن من الثروة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬سياسة حرية النشاط االقتصادي والطبيعيين و الرأسمالية التقليدية‬

‫انهارت السياسة التي اتبعتها الحكومات في القرنين السادس عشر والسابع عشر تحت تأثير أفكار التجاريين‪ .‬فقد وجه االقتصاديون‬
‫في القرن الثامن عشر عديدا من االنتقادات‪ ،‬إلى سياسة التجاريين وبينوا أن تدخل الحكومة في النشاط االقتصادي يخل بالحركة‬
‫الطبيعية لهذا النشاط والتي من شأنها تحقيق المصلحة العامة للمجتمع‪.‬‬

‫فالمنافسة الحرة بين البائعين والمشترين في السوق تكفل تحديد الثمن الذي يحقق التوازن بين العرض والطلب دون أن يكون ألي فرد‬
‫بائعا كان أو مشتريا أي أثر في تحديده‪ .‬وال يوجد بالتالي أي داع لتدخل الحكومة من أجل تحديد ثمن عادل ألي سلعة أو أجر عادل‬
‫ألي نوع من أنواع العمل‪.‬‬

‫وفي ظروف المنافسة الحرة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم بقصد تخفيض التكاليف حتى يحققوا أكبر قدر من األرباح‪.‬‬
‫ويضطر كل منتج إلى متابعة غيرة في استخدام الوسائل الحديثة في اإلنتاج حتى يحافظ على تكاليف إنتاجه عند مستويات تنافسية‪.‬‬

‫وتؤدى المنافسة إلى انخفاض تكاليف المعيشة بقضائها على المنتجين غير األكفاء في أي مجال من مجاالت اإلنتاج‪.‬‬

‫وجهاز األثمان كفيل بتنظيم النشاط االقتصادي دون أي داع لتدخل الحكومة فتدخل الحكومة يؤدى إلى تعطيل جهاز السوق‪ ،‬والى‬
‫التحيز لفريق من المتعاملين على حساب فريق آخر دون سند من الكفاءة االقتصادية‪ ،‬وإلى التعثر في اتخاذ القرارات االقتصادية‬
‫نتيجة للروتين والتهرب من المسئولية‪.‬‬
‫وكان الفالسفة يدعون أيضا إلى الحرية االقتصادية لما لمسوه في التدخل الحكومي من هضم للحقوق الطبيعية لألفراد‪ .‬فالفزيوقراط‬
‫في فرنسا كانوا يمجدون القوانين الطبيعية على القوانين الوضعية‪.‬‬

‫وسر حملتهم على القوانين الوضعية ترجع إلى أن الحرية السياسية كانت منعدمة في فرنسا في القرن الثامن عشر‪ ،‬والتجارة الداخلية‬
‫مكبله بقيود تحد من انتقال السلع مع إقليم إلى آخر‪ .‬وكانت األراضي الزراعية غير مستغلة استغالال كامال بسبب النظام اإلقطاعي‬
‫ونظام الضرائب‪ ،‬لذلك أكد الطبيعيون على ضرورة إزالة كل تدخالت الحكومة وإتباع سياسة الحرية‪.‬‬

‫واستند الفالسفة اإلنجليز في دفاعهم عن نظام الحرية إلى الحقوق الطبيعية للفرد‪ .‬فإذا كانت الحياة الجماعية تستدعي تنازل الفرد عن‬
‫بعض حقوقه أو عن جزء من حريته الشخصية‪ ،‬إال أن هذا التنازل يجب أال يتعدى ما هو ضروري لتحقيق تمتع الفرد بباقي حقوقه‬
‫الطبيعية في أمان وذلك باحترام القانون الذي يحافظ على الحقوق الفردية الطبيعية‪ .‬فالدولة عليها أن تحافظ على الحقوق الطبيعية‬
‫لمواطنيها وليس لها أن تستغل هذه الحقوق‪ .‬وقامت فلسفة هؤالء في المجال االقتصادي على تمتع كل فرد بالعائد الكامل لعمله‪ ،‬والحد‬
‫من تدخل الدولة في الشئون االقتصادية للمجتمع وخاصة شئون الملكية‪ .‬فليس للدولة أن تفرض ضرائب عالية أو تضع قيودا تعوق‬
‫الحركة الطبيعية للنشاط االقتصادي وليس لها أن تحدد األجور أو األسعار أو معدالت الفائدة أو الربح أو أن تمنح التزاما أو احتكارا‬
‫لبعض رجل األعمال لما في ذلك من جور على الحقوق الطبيعية للفرد‪.‬‬

‫أما رجال األعمال فلم يناهضوا تدخل الحكومة في الشئون االقتصادية قبل الثورة الصناعية لضيق السوق الداخلية وقيام نظام‬
‫الطوائف ‪ .‬فقد كان السوق الداخلية تتمثل في سوق المدينة‪ ،‬وكانت كل طائفة تتولي تنظيم شئون حرفتها على نحو ملزم ألعضائها‪.‬‬

‫وفي مجال التجارة الخارجية كان تدخل الدولة أمرا أساسيا نتيجة لضيق السوق ‪ ،‬وضآلة حجم األرباح‪ ،‬والمخاطر التي تتعرض لها‬
‫األرواح والممتلكات‪.‬‬

‫وفي مجال اإلنتاج الصناعي كان تدخل الدولة أمرا معترفا به لما يحتاجه االستغالل الصناعي من رؤوس أموال كبيرة غير مضمونة‬
‫العائد في وقت لم يبلغ فيه التراكم الرأسمالي لدى األفراد حدا يمكنهم من تأسيس المشروعات الصناعية دون تدخل من الحكومة‪.‬‬

‫وقد تغيرت كل هذه الظروف باتساع األسواق وزيادة رؤوس األموال لدى التجار والصناع فاتساع األسواق وفر للتجار والصناع‬
‫عامل األمان فتخلصوا من نظام الطوائف كما أدى إلى زيادة رؤوس األموال المتراكمة لديهم‪ .‬ومن هنا زادت طموحات التجار‬
‫والصناع‪ ،‬وتجلت رغبتهم في تحمل المخاطر‪ ،‬وأصبحوا يشعرون بالكيان الفردي لكل منهم‪ ،‬وسرى تيار الفردية بينهم وبدأت‬
‫المنافسة تأخذ وضعها في األسواق ولم يكن لدى الحكومة اإلدارة الالزمة لتحقيق اإلشراف والتدخل في هذه الظروف المتطورة فوقع‬
‫على عاتق األفراد تنظيم شئونهم االقتصادية في كافة المجاالت‪.‬‬

‫لذلك كل االتجاه السائد في القرن التاسع عشر هو مناهضة تدخل الدولة في النشاط االقتصادي للتفرغ لمراعاة احترام القانون‪ ،‬وحفظ‬
‫األمن‪ ،‬والدفاع عن حدود الدولة ضد اعتداء الجماعات األخرى‪ .‬أما إنتاج السلع والخدمات بأقل التكاليف فهي وظيفة رجال األعمال‬
‫على أساس الحرية ‪.‬فال تدخل من جانب الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬وال تدخل من رجال األعمال في شئون الحكم‪ .‬فالتدخل في‬
‫النشاط االقتصادي من جانب الحكومة يؤدى إلى البطء في اتخاذ القرارات السليمة بسبب جهل األداة الحكومية بأصول االقتصاد‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬وجدت الحرية االقتصادية بدايتها عند الطبيعيين كرد فعل في اتجاه مضاد‪ ،‬للتدخل الحكومي الذي نادى به التجاريون‪ .‬فنظر‬
‫الطبيعيون إلى الفرد على أنه اللبنة األولى للنشاط االقتصادي وإلى المصلحة على أنها حافز هذا النشاط‪ .‬ومن هنا كان االعتراف‬
‫للفرد بحق تملك أدوات اإلنتاج وتنظيم العمليات اإلنتاجية على أساس المنافسة بين المنتجين‪ .‬والفرد عندما يسعى إلى تحقيق منفعته‬
‫الشخصية بمنافسة اآلخرين يسعى في نفس الوقت إلى تحقيق المصلحة العامة‪ .‬وأسس الطبيعيون مذهبهم في الحرية االقتصادية على‬
‫فكرة القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية إلى يجب أن تحكم كافة مظاهر الحياة االقتصادية‪ ،‬لما لهذه الحقوق من صفات األبدية‬
‫واإلطالق‪.‬‬

‫وتعتبر أفكار المدرسة الكالسيكية امتدادا ألفكار مدرسة الطبيعيين‪ .‬وارتبط ظهور المدرسة الكالسيكية بالتطور العام ألوروبا في كافة‬
‫نواحي الحياة نتيجة للثورة الصناعية وما صاحبها من تغيير جوهري في فنون اإلنتاج‪ ،‬وزيادة عمليات التراكم الرأسمالي لدى‬
‫أصحاب األعمال‪ ،‬فانفصال طبقة العمال عن طبقة الرأسماليين أظهر مصلحة الطبقة األخيرة في ترك األمور االقتصادية تسير في‬
‫حركة طبيعية تلقائية دون تدخل حكومي يحد من حريتهم في عالقتهم بالعمال أو يقيدهم في الحصول على مستلزمات اإلنتاج‪ .‬وقد‬
‫صاحب نشأة المدرسة الكالسيكية ازدهار النظام الرأسمالي واعتبرت أساسا فكريا له‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬سياسة التدخل الحكومي ما بين التأييد للرأسمالية أو االشتراكية ‪:‬‬


‫لم يسلم فكر مدرسة الطبيعيين من النقد‪ ،‬فال توجد قوانين طبيعية تحكم مسار النشاط االقتصادي خاصة إذا علمنا أن الظواهر‬
‫االقتصادية تتميز بالتطور المستمر‪ .‬وتغير الظواهر يقتضي تغيير القوانين التي تحكمها‪ .‬ولم يسلم فكر المدرسة الكالسيكية أو‬
‫الرأسمالية التقليدية من النقد‪ ،‬حيث عجزت النظرية الكالسيكية عن تقديم الحلول للمشاكل واألزمات التي واجهت النظام الرأسمالي مع‬
‫بداية القرن العشرين نتيجة تحطيم الحرب العالمية األولى للجهاز اإلنتاجي في الغرب‪ ،‬وقد تحقق نفس األمر مع الحرب العالمية‬
‫الثانية‪.‬‬

‫فاالعتبارات الجارية في الكيان االقتصادي أملت على الحكومة ضرورة التدخل‪ ،‬وجعلت النظام الرأسمالي في حاجة إلى حلول جديدة‬
‫لحل بعض مشكالته‪ .‬ولعل أهم هذه االعتبارات تتمثل في الحروب‪ ،‬وإعادة توزيع الدخل القومي‪ ،‬والقضاء على البطالة ‪ ،‬والتنمية‬
‫االقتصادية للبالد المتخلفة‪.‬‬

‫ففي أوقات الحروب ال يمكن االعتماد على جهاز األسعار لتوجيه الموارد االقتصادية التوجيه األمثل لكسب الحرب‪ .‬لذلك كان‬
‫ضروريا في هذه األوقات أن تتولى الحكومة أمر توجيه الموارد باعتبارها مسئولة عن نجاح عملياتها الحربية‪ .‬وتستمر دواعي‬
‫التدخل الحكومي إلى ما بعد انتهاء الحرب حيت تعانى البالد من ندرة كثير من أنواع اإلنتاج المدني‪ .‬فترك السوق حرة في أعقاب‬
‫الحرب يعطى بعض األفراد فرصة للحصول على أرباح استثنائية كبيرة‪.‬‬

‫وبعد انتهاء الحرب يجب استمرار تدخل الدولة إلعادة توزيع لدخل القومي لصالح الفقراء بفرض الضرائب العالية واستخدام‬
‫حصيلتها لتحسين حالة الفقراء وقت السلم‪ .‬خاصة وان الدولة قد نجحت في تمويل الحرب عن طريق هذه الضرائب‪.‬‬

‫ومما دعا إلى التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي الرغبة في القضاء على البطالة وتحقيق التشغيل الكامل بتنظيم اإلنتاج‬
‫واالستهالك‪.‬‬

‫وعلى حكومات الدول المتخلفة أن تعمل على تحقق التنمية االقتصادية واالجتماعية وذلك بتوجيه جانب من مواردها لالستثمار في‬
‫المجاالت التي ال يتمكن النشاط الفردي من االستثمار فيها لنقص في الخبرة أو في رؤوس األموال‪ ،‬وبتوجيه تجارتها الخارجية وفقا‬
‫الحتياجات البالد‪.‬‬

‫ويتم التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي بواحدة من اثنتين ‪:‬‬

‫األولي ‪ :‬وضع خطة إنتاجية عامة تساهم المشروعات الخاصة والمشروعات العامة في تنفيذها‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬وضع خطة مركزية كاملة الستخدام الموارد في كافة القطاعات‪.‬‬

‫· وقد برزت الطريقة األولي‬

‫· كوسيلة من وسائل اإلبقاء على النظام الرأسمالي في إطار جديد بعد أن ثبت أن أزمات هذا النظام وما يصاحبها من كساد وبطالة‬
‫ليست عارضة كما أشار الكالسيك‪ ،‬فنواة هذا االتجاه موجودة في أفكار كينز حيت أراد تقديم عالج لمشكلة الركود التي هيمنت على‬
‫االقتصاد اإلنجليزي‪ ،‬وما صاحبها من بطالة واسعة النطاق‪.‬‬

‫فقد بدأ كينز بانتقاد التحليل التقليدي القائم على قانون األسواق‪ ،‬ومضمونه أن العرض يخلق الطلب المساوي له‪ ،‬وان التشغيل الكامل‬
‫يتم بتفاعل القوى التلقائية للنشاط االقتصادي‪ .‬ذهب كينز إلى عكس ما تقدم مبينا أن الطلب الفعلي هو الذي يحدد مستوى التشغيل‬
‫ومستوى اإلنتاج والدخل‪ .‬فليس من مصلحة المنتجين عرض كمية من اإلنتاج تزيد على ما يتوقعونه من طلب على منتجاتهم بما‬
‫يحقق لهم أكبر األرباح الممكنة‪ .‬ويتكون الطلب الفعلي من الطلب على سلع االستهالك والطلب على سلع اإلنتاج‪.‬‬

‫وتبين نظرية كينز أن مستوى الدخل القومي يتوقف في النهاية على مقدار الطلب الفعلي‪ ،‬وينصح كينز الحكومة بالتدخل لتنشيط‬
‫الطلب الفعلي والتخلي عن سياسة الحرية عالجا لمشكلة البطالة‪.‬‬

‫ويمكن تنشيط الطلب الفعلي على سلع االستهالك بتدخل الدولة إلعادة توزيع الدخل القومي لصالح الطبقات الفقيرة‪ ،‬ألن ميل هذه‬
‫الطبقات لالستهالك أكبر من ميل الطبقات الغنية‪ .‬ويمكن للدولة إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفقراء بفرض الضرائب‬
‫التصاعدية ومنح اإلعانات النقدية وأداء الخدمات المجانية‪.‬‬
‫ويمكن تنشيط الطلب الفعلي على سلع اإلنتاج بتدخل الدولة للقيام ببعض المشروعات أو بخفض سعر الفائدة تشجيعا للمنظمين على‬
‫القيام باستثمارات جديدة‪ ،‬أو القضاء على االحتكارات حتى ال تستمر أسعار المنتجات مرتفعة‪.‬‬

‫وقد توالت الحلول التي تقدم لإلبقاء على النظام الرأسمالي حتى أصبحت بعض الدول الرأسمالية تتدخل في النشاط االقتصادي بهدف‬
‫التأثير على البنيان االقتصادي في األجل الطويل وذلك عن طريق خطة عامة‪ .‬فقد وجد أن وضع مثل هذه الخطة أفضل من ترك‬
‫النشاط االقتصادي يسعى عشوائيا إلى تحقيق األهداف المادية للمجتمع‪ ،‬فالمجتمعات الحرة تعانى في غيبة التدخل من ثالث مساوئ‬
‫أساسية ‪:‬‬

‫‪ -1‬وجود تفاوت كبير في الدخل وفي الفرص بين األفراد‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم استغالل كل مواردها استغالل كامال بتأثير االحتكارات‪.‬‬

‫‪ -3‬القلق السياسي واالجتماعي بسبب البطالة والتضخم‪.‬‬

‫وتدخل الدولة بوضع خطة عامة لالقتصاد القومي لتفادى هذه المساوئ أفضل من الحرية االقتصادية التي تصاحبها مثل هذه‬
‫المساوئ‪.‬‬

‫· وبالنسبة للطريقة الثانية‬

‫· من طرق تدخل الدولة في االقتصاد فيتمثل في وضع خطة مركزية كاملة الستخدام الموارد في كافة القطاعات فهو اتجاه التخطيط‬
‫المركزي الذي يقوم عليه النظام االشتراكي باعتباره نظاما منافسا للنظام الرأسمالي‪ ،‬عرفه العالم بظهور التجربة االشتراكية في‬
‫االتحاد السوفيتي سنة ‪ ،1917‬وقد سبق وأن بينا في المحاضرات السابقة أن النظام االشتراكي يرتكز على مبادئ وأسس تختلف تماما‬
‫عن تلك التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي‪ .‬ويالحظ أن التخطيط االقتصادي أصبح من أسس النظام االشتراكي ابتداء من سنة‬
‫‪ .1917‬وال يعتبر فن التخطيط تطبيقا لفكر ماركس‪ ،‬حيث لم ترد كلمة تخطيط في كتاباته نهائيا ومع ذلك يبقى النظام االشتراكي‬
‫مستندا في منابعه الفكرية إلى قيمة العمل وفائض القيمة و إلى تراكم رؤوس األموال وتركزها كما أشار كارل ماركس‪ .‬وكان قد لقي‬
‫فكر ماركس تطبيقا في دولتين كبيرتين هما االتحاد السوفيتي سابقا والصين الشعبية وعدد آخر من الدول‪ .‬إلى أن التطبيق العملي‬
‫اثبت فشل النظام االشتراكي أو اقتصاد السوق‪ ،‬فقد تفكك االتحاد السوفيتي منبع الفكر االشتراكي في بداية ‪ 1992‬وتحويله إلى‬
‫جمهوريات مستقلة تسعى للعودة إلى نظام السوق‪ ،‬بل أنضم بعضها إلى االتحاد األوروبي وهو مركز تجمع الدول ذات النظام‬
‫االقتصادي الرأسمالي أو هي منبع نظام اقتصاد السوق‪.‬‬

‫وهكذا عاد نظام اقتصاد السوق من جديد كمحرك للنشاط االقتصادي من الغالبية العظمي من اقتصاديات العالم‪ .‬وما ترتب على ذلك‬
‫في انحسار وتراجع دور الدولة في االقتصاد وإطالق العنان وإفساح الطريق للمبادرات الفردية أو للقطاع الخاص‪ ،‬كما عاد دور‬
‫الدولة في االقتصاد إلى االنحسار‪.‬‬

‫المحاضرة السابعة‬

‫بعض نماذج االقتصاد الكلي‬

‫يمكن أن نستعرض بعض نماذج االقتصاد الكلي من خالل الدخل القومي (أوال) واالستهالك القومي (ثانيا) واالستثمار القومي (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الدخل القومي ‪:‬‬

‫والدخل القومي هو المصدر الذي تشتق منه جميع الكميات االقتصادية من استهالك وادخار واستثمار حتى قيل أن المشاكل‬
‫االقتصادية الرئيسية في أي بلد من البالد هي المشاكل المتعلقة بدراسة العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي واستقراره وعدالة‬
‫توزيعه‪.‬‬
‫‪ )1‬المقصود بالدخل القومي ‪:‬‬

‫الدخل القومي ألي دولة من الدول هو عبارة عن قيمة إنتاج هذه الدولة من السلع والخدمات خالل فترة معينة تتخذ أساس لقياس هذا‬
‫الدخل‪ .‬وقد جرى العرف االقتصادي على تقدير الدخل القومي لفترة زمنية طولها سنة‪.‬‬

‫ويدخل في هذا اإلنتاج كل ما أنتجه المجتمع من سلع مادية وغير مادية‪ ،‬والسلع المادية قد تكون سلعا استهالكية تستخدم مباشرة في‬
‫إشباع حاجات األفراد‪ ،‬وقد تكون سلعا رأسمالية تستخدم في إنتاج غيرها من السلع االستهالكية أو الرأسمالية‪.‬‬

‫وزيادة الدخل القومي في سنة ما عنه في السنوات السابقة تدل على رخاء الدولة في هذه السنة‪ ،‬ونمو نشاطها االجتماعي‪ ،‬وارتفاع‬
‫الدخول التي حصل عليها المواطنون وارتفاع مستوى معيشتهم بزيادة قدرتهم على شراء السلع والخدمات‪.‬‬

‫‪ )2‬العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي ‪:‬‬

‫وإذا كان الدخل القومي هو عبارة عن قيمة مجموع الناتج القومي فإن مستوى هذا الدخل يتوقف على العوامل التي تؤثر في حجم‬
‫اإلنتاج القومي‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬ويتوقف حجم اإلنتاج القومي بالدرجة األولى على ما لدى الدولة من عوامل اإلنتاج ودرجة تشغيل هذه العوامل‪ .‬فاإلنتاج‬
‫هو الحصيلة النهائية لتعاون العمل مع رأس المال ومع األرض بمواردها الطبيعية‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬فبالنسبة للموارد الطبيعية نجد أن اإلنتاج يزداد كلما كانت الدولة غنية بثروتها الطبيعية‪ ،‬وينقص كلما كانت الدولة فقيرة في‬
‫هذه الثروة‪ ،‬علي فرض وجود العدد المالئم من العمال الستغاللها‪ .‬ويتوقف اإلنتاج في القطاع الزراعي على مساحة األرض‬
‫الصالحة للزراعة ودرجة خصوبتها‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬ويتوقف اإلنتاج القومي أيضا على كفاءة العمال‪ ،‬وأثر العمال على اإلنتاج أثر واضح‪ ،‬فكلما كان سكان الدولة أصحاء‬
‫ومتعلمون ومهرة في أداء أعمالهم كلما زاد حجم اإلنتاج القومي‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬ومن العوامل ذات األثر المباشر علي حجم الناتج القومي‪ ،‬رأس المال الموجود في الدولة‪ .‬فوفرة األصول ذات الكفاءة‬
‫اإلنتاجية العالية تؤدى إلى زيادة حجم اإلنتاج‪ ،‬بينما تؤدي قلة األصول الرأسمالية إلى ضآلة اإلنتاج‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬وباإلضافة إلى كمية عوامل اإلنتاج الموجودة في المجتمع‪ ،‬يتوقف اإلنتاج القومي على مدى الكفاءة التي تعمل بها هذه‬
‫العوامل‪ ،‬وبالتالي فإن هذا اإلنتاج يتأثر بدرجة التخصص القائمة في المجتمع‪ ،‬ودرجة التقدم الفني‪ ،‬ومدى االقتراب من النسب المثلي‬
‫للتأليف بين عوامل اإلنتاج‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬ويجب أن ننبه أن ثمة عوامل ليس لإلنسان قدرة على التحكم فيها‪ ،‬قد تؤثر على حجم اإلنتاج‪ ،‬كالظروف الجوية والكوارث‬
‫الطبيعية والحروب‪.‬‬

‫‪ )3‬طرق قياس الدخل القومي ‪:‬‬

‫تهتم كافة الدول بقياس الدخل القومي قياسا فعليا بالنسبة للفترات الجارية‪ ،‬كما تهتم بقياس هذا الدخل قياسا تقديريا بالنسبة للقنوات‬
‫المقبلة ‪ .‬فالدولة تسترشد بهذا القياس عند وضع وتنفيذ سياستها االقتصادية والمالية وتعتبر مشكلة توزيع الدخل القومي بين من‬
‫ساهموا في العملية اإلنتاجية‪ ،‬ومدى عدالة هذا التوزيع‪ ،‬واآلثار االقتصادية المترتبة عليه‪ ،‬ووسائل إعادة توزيع الدخل القومي على‬
‫نحو يحد من التفاوت بين الطبقات‪ ،‬من المشكالت التي حازت انتباه الحكومات في العصر الحديث‪.‬‬

‫وقد جرت عادة الدول على قياس الدخل القومي خالل فترة زمنية طولها سنة طبقا لطريقة من ثالث طرق هي (أ) طريقة الناتج الكلي‬
‫(ب) وطريقة الدخول الموزعة (ج) وطريقة اإلنفاق الكلي‪.‬‬

‫‪ )1‬طريقة الناتج الكلي ‪:‬‬

‫تعتمد هذه الطريقة على إحصاء قيمة كل السلع والخدمات التي تنتجها الدولة خالل السنة‪ ،‬مع تجنب تكرار حساب السلع الوسيطة‪،‬‬
‫حيث يجب أال تحتسب قيمة أي سلعة أو خدمة أكثر من مرة واحدة‪ .‬ومن هنا كان من الضروري استبعاد قيمة المنتجات التي تستخدم‬
‫خالل السنة كمادة أولية لمنتجات أخرى‪ .‬فكل السلع التي ال تستهلك مباشرة وتدخل في تكوين سلع جديدة يجب احتساب قيمتها مرة‬
‫واحدة لتجنب المبالغة في قيمة الدخل القومي‪ .‬مثال ذلك اللبن الذي يدخل في إنتاج الشيكوالته‪ ،‬والدقيق الذي يدخل في إنتاج الخبر‪،‬‬
‫والقوى المحركة التي تستخدمها المنشآت في إدارة آالتها وتحتسب ضمن تكاليف اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ )2‬طريقة الدخول الموزعة ‪:‬‬

‫وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على حساب جميع اإليرادات التي حصل عليها كل من ساهموا بنشاطهم‬
‫االقتصادي في العملية اإلنتاجية‪ .‬ففي سبيل تحقق الناتج الكلى في أي دولة‪ ،‬يبذل العمال مجهودهم مقابل الحصول على أجورهم‪،‬‬
‫ويقدم أصحاب رؤوس األموال أموالهم مقابل الحصول على فائدة عنها ‪ ،‬ويقوم المنظمون بالتأليف بين عوامل اإلنتاج السابقة مقابل‬
‫الحصول على ربح مناسب للمخاطرة التي يقدمون عليها‪ .‬وبهذا يكون الناتج الكلي الذي ينتج أثناء السنة في جميع القطاعات الزراعية‬
‫والصناعية والتجارية حصيلة اشتراك جهودهم وممتلكاتهم وإمكانياتهم في العملية اإلنتاجية‪ ،‬ويوزع هذا الناتج عليهم في صورة‬
‫عوائد لعوامل اإلنتاج المملوكة لهم‪.‬‬

‫‪ )3‬طريقة اإلنفاق الكلي ‪:‬‬

‫وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على إحصاء قيمة السلع التي حصل عليها األفراد أثناء العام إلشباع حاجاتهم‬
‫الشخصية "االستهالك"‪ ،‬وقيمة الزيادة التي تحققت أثناء العام في السلع الرأسمالية (االستثمار)‪ .‬فاالستهالك واالستثمار اللذان تما أثناء‬
‫العام يشكالن استخدامات الناتج القومي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االستهالك القومي ‪:‬‬

‫*أ) تعريف االستهالك ‪:‬‬

‫يوزع الدخل عادة بين نوعين من اإلنفاق ‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلنفاق على السلع والخدمات التي تستهلك في الفترة الجارية‪ ،‬وهو اإلنفاق الذي تشترى به الضروريات والكماليات الالزمة للناس‬
‫في حياتهم اليومية‪ ،‬وهذا النوع من اإلنفاق يطلق عليه(االستهالك)‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلنفاق على السلع التي ال يتم استهالكها في الفترة الجارية‪ ،‬وهو اإلنفاق الذي يؤدى إلى زيادة رأس المال الحقيقي للمجتمع عن‬
‫طريق شراء السلع التي تضم إلى ثروة المجتمع الحقيقية‪ ،‬وهذا النوع من اإلنفاق يطلق عليه لفظ (االستثمار)‪.‬‬

‫فما هي العوامل التي تحد مقدار االستهالك؟‬

‫*ب) العوامل التي تحدد مقدار ما ينفق من الدخل على االستهالك ‪:‬‬

‫يمثل االستهالك الذي يقوم به األفراد أكبر العناصر المكونة لإلنفاق الكلي ويتوقف حجم االستهالك على عوامل كثيرة‪:‬‬

‫فاألفراد يزيدون من استهالكهم إذا ما توقعوا ارتفاعا في األسعار‪ ،‬أو اعتقدوا أن السلع سوف تشح في المستقبل‪ ،‬أو شاعت بينهم عادة‬
‫التفاخر بما يستهلكون‪ ،‬أو خطر لهم أن األموال التي ال ينفقونها في االستهالك سوف تتلف عليهم‪.‬‬

‫ومع ذلك يبقى مقدار الدخل أهم اعتبار يعتمد عليه األفراد في تحديد نطاق استهالكهم‪ ،‬فكلما ازداد دخل الفرد‪ ،‬ازداد ما يستهلكه‪ ،‬وإذا‬
‫كان هناك بعض األغنياء الذين ينفقون قدرا ضئيال من دخولهم على االستهالك‪ ،‬وبعض الفقراء ينفق على االستهالك كمية أكبر مما‬
‫يستهلكه األغنياء‪ ،‬إال أن ذلك ال يسقط قاعدة زيادة االستهالك بزيادة الدخل بالنسبة للطبقتين‪ .‬فمستوى استهالك الغني يزيد بزيادة‬
‫دخله‪ ،‬ومستوى استهالك الفقير يزيد بزيادة دخله‪ ،‬بمعنى أن الفقراء واألغنياء يستهلكون في حالة زيادة الدخل كمية أكبر مما كانوا‬
‫يستهلكون أو بقيت دخلوهم على ما كانت عليه‪.‬‬

‫وإذا كان سلوك األفراد تجاه التغيير في دخولهم يختلف باختالف ميولهم‪ ،‬إال أنه من األوضاع غير المألوفة أن نجد أفرادا يقل‬
‫استهالكهم كلما زاد دخلهم الحقيقي‪ ،‬أو أفرادا يزيد استهالكهم نتيجة النخفاض دخلهم‪.‬‬

‫وتعرف العالقة بين دخل الفرد ومقدار ما ينفقه هذا الفرد على شراء سلع االستهالك بالميل "لالستهالك"‪ .‬والميل لالستهالك هو الذي‬
‫يمكننا من حساب القدر الذي يستهلكه الفرد من دخله عند كل مستوى من مستويات هذا الدخل‪ .‬فبمعرفة دخل الفرد‪ ،‬وميله لالستهالك‬
‫يمكن الوصول إلى معرفة مقدار ما ينفقه على االستهالك من هذا الدخل‪.‬‬
‫ويمكن حساب الميل لالستهالك بالنسبة للفرد الواحد‪ ،‬وبالنسبة لمجموعة من الناس‪ ،‬وبالنسبة لمجموع السكان في الدولة‪ .‬والميل‬
‫لالستهالك في الدولة هو عبارة عن الميول المختلفة لسكانها باإلضافة إلى ما تستهلكه الحكومة‪.‬‬

‫وبمعرفة الميل لالستهالك في الدولة يمكننا معرفة مقدار ما ينفق من دخلها القومي على االستهالك ‪.‬‬

‫فإذا كان الميل لالستهالك‬

‫‪5‬‬

‫ــ‬

‫‪6‬‬

‫كان معنى ذلك أن كل دخل تحصل عليه الدولة في مجموعها ينفق منه خمسة أسداس على االستهالك‪ .‬فعندما يكون الدخل ‪ 30‬مليارا‬
‫من الجنيهات‪ ،‬يكون مقدار ما ينفق على السلع االستهالكية والخدمات من هذا الدخل مبلغا قدرة ‪ 25‬مليارا من الجنيهات‪ .‬وعندما‬
‫يصل هذا الدخل إلى ‪ 36‬مليارا من الجنيهات‪ ،‬يكون مقدار االستهالك ‪ 30‬مليارا من الجنيهات‪.‬‬

‫وإذا كان الميل لالستهالك على هذا القدر من األهمية فما هي العوامل التي يتأثر بها هذا الميل؟‬

‫‪ 9‬العوامل التي تسيطر على الميل لالستهالك ‪:‬‬

‫تسطير على الميل لالستهالك عوامل موضوعية وعوامل ذاتية‪.‬‬

‫&‪ ;197#‬تتمثل العوامل الموضوعية التي تؤثر على الميل لالستهالك‪.‬‬

‫‪ -1‬توزيع الدخل القومي‪.‬‬

‫‪ -2‬التغيير في سعر الفائدة‪.‬‬

‫‪ -3‬التغيير في السياسة المالية للدولة‪.‬‬

‫‪ -4‬التغيرات المفاجئة في دخول األفراد‪.‬‬

‫‪ 9‬أما العوامل الذاتية فيمكن لكل دارس أن يحددها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االستثمار القومي ‪:‬‬

‫*أ) تعريف االستثمار‪:‬‬

‫يوزع اإلنفاق الكلي بين االستهالك واالستثمار‪ .‬واالستهالك هو الجزء من الدخل الذي يخصص لإلنفاق على سلع االستهالك‪ .‬أما‬
‫االستثمار فهو ذلك الجزء من الدخل الذي يخصص لإلنفاق على سلع اإلنتاج‪ .‬ويمول االستثمار عن طريق االدخار وهو الجزء الذي‬
‫لم يستهلك من الدخل‪ .‬ولكن ما هو السبب في بقاء لفظي االدخار واالستثمار‪ ،‬ولماذا ال يستغنى عن أحدهما واإلبقاء على اآلخر‪.‬‬

‫*ب) االدخار واالستثمار ‪:‬‬


‫يتم التوافق بين االدخار واالستثمار بالنسبة للمجتمع بأسره‪ ،‬وليس بالنسبة لفرد أو مجموعة من األفراد‪ ،‬كما هو الحال تماما فيما‬
‫يتعلق بالتوافق بين الدخل واإلنفاق‪ .‬فالفرد حر في أن يدخر جزءا أكبر مما يستثمر أو أن يستثمر جزاء أكبر مما يدخر‪ ،‬ولكن مجموع‬
‫المدخرات يساوى مجموعة االستثمارات على مستوى المجتمع بأسره‪.‬‬

‫ومن الحقيقة السابقة يمكن تبرير اإلبقاء على لفظي االدخار واالستثمار معا‪ .‬فقرارات االدخار واالستثمار ال تتخذها طائفة واحدة من‬
‫األفراد لنفس الدوافع‪ .‬فكل نوع من هذه القرارات يصدر من طائفة مستقلة في دوافعها عن الطائفة األخرى‪ .‬فاألفراد هم الذين يقومون‬
‫باالدخار بناء على عاداتهم وميولهم حسب ظروفهم المختلفة‪ ،‬بينما يقوم باالستثمار المنظمون بناء على تقديراتهم وتوقعاتهم عن‬
‫عوائد االستثمار في المجاالت المختلفة‪ .‬ومن هنا كانت ضرورة التفرقة بين الدور الذي يقوم به كل فريق فما يقوم به المدخرون‬
‫يسمي ادخارا‪ ،‬وما يقوم به المستثمرون يسمى استثمارا‪.‬‬

‫ودوافع االدخار عند المدخرين ليست لها إال عالقة ضعيفة بفرص االستثمار الموجودة في المجتمع ‪ .‬فاألفراد يدخرون حتى ولو لم‬
‫تكن هناك فرص استثمار مربحة‪ ،‬وهم يحتفظون بمدخراتهم في هذه الحالة في صورة رصيد من العملة السائلة‪.‬‬

‫أما دوافع االستثمار فتتمثل في توافر فرص االستثمار المربح‪ ،‬وهى فرص تتوقف على الفنون اإلنتاجية الجديدة‪ ،‬وظهور موارد‬
‫جديدة‪ ،‬وعلى التغيير في المستوى الفكري والثقافي للسكان‪ ،‬كما تتوقف على توقعات أرباب األعمال وعلى السياسة المالية‬
‫والتشريعية للدولة‪.‬‬

‫فالقوى المحددة لالدخار مستقلة تماما عن القوى المحددة لالستثمار‪ .‬ومع ذلك يجب أن يبقى واضحا أن اغتنام فرص االستثمار‬
‫يتطلب قدرا من المدخرات لتمويل المشروعات‪ .‬فاالدخار هو مصدر تمويل االستثمار‪ ،‬ومن ثم يجب أن تكون السياسة االدخارية‬
‫والسياسة االستثمارية في اتجاه واحد‪.‬‬

‫*ج) العوامل التي يتوقف عليها حجم االستثمار ‪:‬‬

‫االستثمار هو اإلنفاق على السلع التي ال تستهلك في الفترة الجارية‪ ،‬كاإلنفاق لزيادة المخزون أو لبناء المساكن أو إلقامة المصانع‬
‫وإنتاج اآلالت‪ ،‬فاإلنفاق االستثماري هو اإلنفاق الذي يتم إليجاد أصول جديدة‪ ،‬وكل ما يدفع األفراد أو الشركات أو الحكومة إلنفاق‬
‫جزء من الدخل إليجاد هذه األصول يعتبر دافعا من دوافع االستثمار‪.‬‬

‫ويتم االستثمار في أي أصل من األصول الرأسمالية إذا كانت المنافع المنتظرة من هذا األصل أكبر من المنافع المنتظرة من أي أصل‬
‫آخر يتساوى معه في التكاليف‪ ،‬فالمستثمر يوازن بين استثمار نقوده في األصول المختلفة ليختار من هذه األصول ما يعطيه أكبر‬
‫المنافع‪.‬‬

‫والمستثمر ال يقوم بأي عملية من عمليات االستثمار إال إذا كان العائد الصافي لهذه العملية أكبر من سعر الفائدة‪ ،‬سواء كان المستثمر‬
‫مقترضا للمال أو مالكا له‪ .‬فالمستثمر المقترض عليه أن يسدد الفائدة المستحقة عليه من عائد استثماره‪ .‬والمستثمر المالك عليه أن‬
‫يعوض الفرصة التي تنازل عليها وهى إقراض أمواله للغير بفائدة‪ .‬فالمستثمر يتوقف عن االستثمار عند تساوى الكفاية الحدية لألصل‬
‫مع سعر الفائدة‪ ،‬والكفاية الحدية لألصل هي العائد السنوي المتوقع الحصول عليه من استغالل األصل‪.‬‬

‫فمستوى االستثمار يتحدد عند النقطة التي تساوى فيها الكفاية الحدية لالستثمار مع سعر الفائدة‪ .‬ومعنى ذلك أنه إذا حدث تغير في‬
‫الكفاية الحدية لالستثمار أو في سعر الفائدة حدث تغيير في مستوى االستثمار‪.‬‬

‫فزيادة الكفاية الحدية لالستثمار مع ثبات سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة مستوى االستثمار‪ ،‬ألن كثيرا من االستثمارات التي لم تكن‬
‫مربحة عند أسعار الفائدة الجارية تستطيع أن تدخل مجال االستثمار وتحصل على معدل كاف من العائد يغطي فوائد األموال‬
‫المستثمرة‪.‬‬

‫وارتفاع سعر الفائدة مع ثبوت الكفاية الحدية لالستثمار يؤدى إلى انخفاض مستوى االستثمار‪ ،‬ألن بعض فرص االستثمار التي كانت‬
‫تعطي عائدا كافيا لتغطية الفوائد أصبحت غير مربحة‪.‬‬

‫ويزداد مستوى االستثمار إذا انخفض سعر الفائدة مع بقاء الكفاية الحدية لالستثمار على حالها‪ ،‬أو إذا زادت الكفاية الحدية لالستثمار‬
‫زيادة أكبر من الزيادة في سعر الفائدة‪.‬‬

‫وينخفض مستوى االستثمار إذا انخفضت الكفاية الحدية لالستثمار مع بقاء سعر الفائدة على حاله‪ ،‬أو إذا انخفضت الكفاية الحدية‬
‫لالستثمار بدرجة أكبر من انخفاض سعر الفائدة‪.‬‬
‫والكفاية الحدية لرأس المال‪ ،‬وهى العالقة بين الغالت المستقبلة المنتظر الحصول عليها من األصل الرأسمالي وتكاليف الحصول‬
‫على األصل‪ ،‬تتوقف بالدرجة األولى على توقعات المنتجين ومدى ثقتهم في المستقبل من ناحية إمكانية حدوث ما يتوقعونه‪.‬‬

‫فالراغبون في االستثمار يقومون بتقدير مقدار الطلب المستقبل على السلع التي سيستخدمون األصول في إنتاجها‪ ،‬ويأخذون في‬
‫حسبانهم عند إجراء هذا التقدير فرصة السلع األخرى في أن تحل محل السلع التي سوف يقومون بإنتاجها‪ ،‬وفرصة المنتجين اآلخرين‬
‫الذين ينتجون نفس السلعة في أن يكونوا أكثر منهم كفاءة‪.‬‬

‫ويحاول المستثمرون عند اتخاذ قرار االستثمار أن يتوقعوا الظروف االقتصادية العامة التي سوف تحيط بمشروعهم‪ ،‬وما إذا كان‬
‫االقتصاد القومي مقبل على فترة طويلة من الرخاء تحقق أملهم في الربح‪ ،‬أم أنه مقبل على حالة كساد ال يدركون فيها إال الخسارة‪.‬‬

‫ولما كانت اإلحصاءات والبيانات ال توصل إلى تنبؤ دقيق بالمستقبل‪ ،‬فإن اتخاذ قرار االستثمار يتوقف في النهاية على الشعور النفسي‬
‫للمنتجين‪ ،‬ومدى تفاؤلهم أو تشاؤمهم‪ .‬فتفاؤل المستثمرين يعطى صورة زاهية للمستقبل تدفعهم إلى اإلقبال على االستثمار الجديد‪،‬‬
‫وتشاؤمهم يعطي صورة قاتمة عن المستقبل تردهم عن االستثمار الجديد‪.‬‬

‫وليس لنا أن نبحث عن العوامل النفسية التي تؤثر على المستثمرين فتجعلهم متفائلين أو متشائمين‪ .‬وإنما علينا أن نعرف أن الوسائل‬
‫الدقيقة التي تمكن من حساب الغالت المنتظرة غالبا ما ال تتوافر أمام المنظمين الذين يتأثرون في تقديرهم لتلك الغالت بعوامل مختلفة‬
‫أهمها العوامل النفسية‪.‬‬

‫ويمكن للدولة أن تتدخل بالمشروعات العامة لتعويض النقص في حجم االستثمارات الخاصة في أوقات الكساد‪ ،‬حتى يمكن المحافظة‬
‫على الحجم الكلي لالستثمارات‪ .‬وتستطيع الدولة أن تقلل من استثماراتها في أوقات الرخاء‪ ،‬تفاديا لحدوث االرتفاع في األسعار‪ .‬وكلما‬
‫كان القطاع العام في الدولة كبيرا كلما أمكنها التدخل للمحافظة على ثبات مستوى االستثمار القومي‪.‬‬

‫ويدخل في حساب الحكومة عند قيامها باالستثمار العائد المادي والعائد غير المادي من المنافع المستقبلة‪ .‬فالمنافع غير المباشرة التي‬
‫يحققها المشروع قد تجعله مشروعا ناجحا من الناحية االجتماعية ولو كان العائد االقتصادي محدودا أو معدوما‪ .‬ومن أمثلة المنافع‬
‫غير المباشرة التي تحققها الحكومة من القيام بالمشروعات العامة‪ ،‬زيادة التوظف‪ ،‬وزيادة إنتاج السلع والخدمات الضرورية لزيادة‬
‫الطلب على السلع االستهالكية‪ ،‬وهى زيادة تحدث نتيجة لزيادة دخول العمال باستخدام عدد منهم في المشروع االستثماري‪.‬‬

‫ويمكن للدولة أن تتدخل للتأثير على حجم االستثمار الخاص عن طريق تخفيض سعر الفائدة‪ ،‬فانخفاض سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة‬
‫الطلب على أوجه االستثمار في األصول المختلفة‪ .‬ويمكن التأثير على االستثمار الخاص عن طريق نشر التوقعات التفاؤلية بين‬
‫المنتجين عن الظروف االقتصادية العامة في المستقبل‪.‬‬

‫والشك أن للحوافز المالية التي تقررها الدولة لالستثمار الجديدة آثارا إيجابية في مجال زيادة القاعدة االستثمارية‪ .‬فإعانات التجهيز‬
‫واإلعفاءات الضريبية تدفع أصحاب رؤوس األموال إلى استثمارها في المشروعات المعانة أو المعفاة لتوقع زيادة األرباح الصافية‬
‫لهذا المشروعات‪.‬‬

‫*د) أثر زيادة االستثمار على الدخل القومي ‪:‬‬

‫تؤدى زيادة االستثمار بمقدار معين إلى زيادة في الدخل القومي بمقدار أكبر من مقدار الزيادة في االستثمارات‪.‬‬

‫ويزداد الدخل القومي بدرجة أكبر من الزيادة األصلية في االستثمار ألن االستثمار اإلضافي يؤدى إلى توزيع دخول جديدة على‬
‫المشتركين فيه من عمال‪ ،‬وأصحاب أموال ومنظمين‪ .‬وهذه الدخول الجديدة يخصص جزء منها لإلنفاق على السلع االستهالكية‪.‬‬
‫ويتوقف مقدار هذا الجزء على درجة الميل الحدى لالستهالك‪ ،‬وزيادة الطلب على السلع االستهالكية‪ ،‬يؤدى إلى التوسع في إنتاج هذه‬
‫السلع‪ ،‬والتوسع في اإلنتاج يؤدى إلى توزيع دخول جديدة يخصص جزء منها لإلنفاق على السلع االستهالكية حسب درجة الميل‬
‫الحدي لالستهالك‪ ،‬فيزداد الطلب على السلع االستهالكية من جديد … وهكذا‪ ،‬إلى أن تصل إلى المرحلة التي يتالشى فيها المبلغ‬
‫المخصص لالستهالك نتيجة لتناقصه في كل مرة عن المرة السابقة‪ ،‬فاإلنفاق االستثماري األول ال يقتصر أثره على قيمته وإنما‬
‫يتعداها إلى سلسلة من الزيادة في الدخل واإلنفاق‪.‬‬

‫ويعبر عن المعامل العددي الذي يوضح مقدار الزيادة في الدخل نتيجة الزيادة في االستثمار بمضاعف االستثمار‪ ،‬فإذا زاد االستثمار‬
‫بمقدار (‪ )10‬ماليين جنيه‪ ،‬وزاد الدخل القومي نتيجة لذلك بمقدار (‪ )30‬مليون جنيه فإن مضاعف االستثمار في هذه الحالة يساوى‬
‫(‪.)3‬‬
‫المحاضرة الثامنة‬

‫أوال ‪ :‬العوامل اإلنتاجية‬

‫تتنوع عوامل اإلنتاج فهناك عامل األرض‪ ،‬والعمل ورأس المال والتنظيم‪ .‬وأن كان البعض ينتقد هذا التقسيم الرباعي لعوامل اإلنتاج‪.‬‬
‫وذلك لألسباب التالية ‪:‬‬

‫&‪ ;219#‬عدم التجانس في كل عامل من عوامل اإلنتاج‪ ،‬فالعمل ليس نوعا واحدا‪ ،‬واألرض ليست على درجة واحدة من الخصوبة‪،‬‬
‫ورأس المال ال يتضمن نوعا واحدا من اآلالت واألدوات‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬صعوبة التفرقة بين األرض ورأس المال‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬عدم وجود فارق جوهرى بين العمل والتنظيم‪.‬‬

‫ويضم الفقه الحديث األرض إلى رأس المال‪ .‬وهكذا يكون تقسيم عوامل اإلنتاج ثالثيا (العمل – رأس المال – التنظيم) وقد أضيف‬
‫العامل األخير إلبراز أهمية دور المنظم في العملية اإلنتاجية‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬العمل ‪:‬‬

‫*أ) المقصود بالعمل كعامل إنتاجي ‪:‬‬

‫يقصد بالعمل في هذا المقام العمل اإلنساني الذي يمثل جهدا بشريا عضليا أو ذهنيا فال يدخل فيه عمل اآلالت‪ .‬ويتوقف دور العمل في‬
‫اإلنتاج على حجم األيدى العاملة وعلى كفاية العمال في اإلنتاج‪.‬‬

‫*ب) عالقة العمل بالسكان ‪:‬‬

‫يشهد العالم زيادة مضطردة في عدد السكان‪ ،‬وتدل إحصاءات السكان على زيادة عددهم في مختلف أرجاء العالم مع تفاوت في‬
‫معدالت الزيادة من دولة إلى أخرى وفي الدولة الواحدة من وقت إلى وقت آخر حسب معدالت الزيادة الطبيعية وحركات الهجرة‪.‬‬

‫وترجع الزيادة في عدد السكان إلى زيادة معدل المواليد من ناحية ونقص معدل الوفيات من ناحية أخرى‪ .‬فالفرق بين معدل المواليد‬
‫ومعدل الوفيات يمثل معدل الزيادة الطبيعية في السكان‪.‬‬

‫ومعدل المواليد هو عدد المواليد بالنسبة لكل ألف من السكان في العام الواحد‪ .‬ويختلف هذا المعدل في البالد الزراعية عنه في البالد‬
‫الصناعية‪ ،‬فهو مرتفع في األولى ومنخفض في الثانية الختالف بينهما في الظروف االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فأدني معدل للمواليد‬
‫يوجد في أوروبا الغربية‪ ،‬فقد أخذ هذا المعدل ينخفض انخفاضا سريعا في القرن الماضي (العشرين) ألسباب أهمها‪ :‬الرغبة في تحديد‬
‫النسل للتمكن من تربية األبناء تربية ممتازة تمكنهم من الحصول على مراكز عالية مع االحتفاظ بثروة كبيرة‪ .‬كما أن زيادة فترة‬
‫التعليم اإلجباري‪ ،‬ووضع قيود قانونية على تشغيل األحداث نمى لدى بعض األوروبيين فكرة تحديد النسل خاصة بعد التوصل إلى‬
‫أساليب طبية تمكن من ذلك‪.‬‬

‫أما معدل الوفيات فهو عبارة عن عدد الوفيات لكل ألف من السكان في العام الواحد‪ .‬ويختلف هذا المعدل في البالد النامية عنه في‬
‫البالد المتقدمة خصوصا بالنسبة لألطفال فهو مرتفع في األولى عنه في الثانية‪.‬‬

‫ومازالت مشكلة السكان من المشكالت التي يهتم بها الكتاب في الشرق والغرب على حد سواء‪.‬‬

‫وإذا كان حجم القوة العاملة يتوقف بصفة أساسية على عدد السكان‪ ،‬إال أن بنيان السكان له أهمية ال تنكر في هذا المجال‪.‬‬

‫فبنيان السكان من حيث السن له أثر واضح في تحديد حجم القوة العاملة إذا علمنا أن األطفال والشيوخ ال يساهمون بنصيب يذكر في‬
‫عمليات اإلنتاج‪.‬‬
‫وبنيان السكان من حيث الجنس له أيضا أثره في تحديد القوة العاملة خاصة في البالد التي تقيد قوانينها أو عاداتها االجتماعية مساهمة‬
‫المرآة في النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫*ج) النظريات السكانية بشأن الزيادة السكانية‪:‬‬

‫ينظر بعض الكتاب إلى مسألة زيادة السكان نظرة تشاؤمية‪ ،‬بينما ينظر بعضهم اآلخر إلى هذه الزيادة نظرة تفاؤلية‪ .‬فمن يعتبر من‬
‫الكتاب أن السكان نتيجة للظواهر االقتصادية ينظر إلى المسألة نظرة تشاؤمية‪ ،‬ومن يعتبر منهم أن السكان هم سبب الظاهرة‬
‫االقتصادية فينظر إلى المسألة نظرة تفاؤلية‪.‬‬

‫‪ )1‬النظريات التشاؤمية ‪:‬‬

‫يعد مالتس أهم من نظر للزيادة السكانية نظرة تشاؤمية‪.‬‬

‫وتقوم نظرية مالتس التشاؤمية على الفروض اآلتية ‪:‬‬

‫&‪ ;219#‬أن عدد السكان محدود بما يمكن إنتاجه من مواد غذائية الزمة للحياة‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬أن العوامل التي تضمن التوازن بين عدد السكان والمواد الغذائية قد تكون عوامل ايجابية كاألوبئة والمجاعات والحروب ‪،‬‬
‫كما قد تكون عوامل وقائية تتمثل في التعفف وضبط النفس والزواج المتأخر‪ .‬ويرفض مالتس استخدام الموانع الصناعية التي تحول‬
‫دون النسل بعد الزواج باعتبارها موانع تحط من قيمة البشرية‪.‬‬

‫ويرى مالتس أن نسبة تزايد السكان أكبر من نسبة تزايد المواد الغذائية‪ .‬فالسكان يتزايدون بمتوالية هندسية‪ ،‬بينما تتزايد المواد‬
‫الغذائية بمتوالية عددية أو حسابية‪ ،‬وهذا من شأنه إظهار وجه الخطورة في مشكلة السكان التخاذ اإلجراءات التي تحد من زيادة عدد‬
‫السكان ليبقى عند حد التوازن مع المواد الغذائية تجنبا لعوامل الفتك التي تسلطها الطبيعة على البشر للمحافظة على هذا التوازن‪.‬‬

‫وتشمل الموانع الوقائية لتعدى حجم السكان للحدود الغذائية كل ما من شأنه أن يؤدى إلى انخفاض معدل المواليد‪ ،‬وهى تنطوي على‬
‫وسائل مشروعة كتأجيل الزواج مع المحافظة على العفة‪ ،‬وعلى وسائل غير مشروعة كالتخلص من قابلية إنجاب األطفال أو‬
‫اإلجهاض أو منع الحمل‪.‬‬

‫وتشمل الموانع اإليجابية كل ما من شأنه أن يؤدى إلى زيادة الوفيات كالحروب واألوبئة والمجاعات‪.‬‬

‫وإذا كانت الزيادة في الجنس البشرى تسير وفقا لقانون طبيعي يتمثل في القدر المتوافر من المواد الغذائية فعلي الحكومات أن تمتنع‬
‫عن تشجيع النسل حتى ال تتسلط علينا عوامل التوازن الطبيعي الجبري‪ .‬والوسيلة في نظر مالتس لزيادة عدد السكان هي زيادة مواد‬
‫الطعام‪.‬‬

‫ويرد مالتس قصور المواد الغذائية عن مالحقة الزيادة السكانية إلى خضوع الزراعة لقانون الغلة المتناقصة‪ .‬فزيادة عدد العمال الذي‬
‫يعملون على نفس المساحة من األرض يؤدى إلى نقص إنتاجية العمال الذين يزيدون على العدد األمثل الستغالل هذه المساحة‪.‬‬
‫وزراعة األرض األقل خصوبة تحت تأثير الطلب المتزايد على مواد الغذاء بسبب زيادة السكان يؤدى أيضا على نقص اإلنتاجية‪.‬‬

‫وتعرضت نظرية مالتس النتقادات أهمها ‪:‬‬

‫&‪ ;219#‬أراد مالتس أن يرجع بؤس الطبقات العمالية في بداية القرن التاسع عشر إلى سوء تصرف الطبقة العاملة‪ ،‬وليس إلى النظام‬
‫الرأسمالي الحر واستغالل الرأسماليين للعمال لذلك وجدت النظرية التقليدية بغيتها في فكر مالتس‪ .‬فقد نصح أنصار هذه النظرية‬
‫بالتزام العائق األدبي الذي نادي به مالتس إلنقاذ التقدم االقتصادي من خطر الزيادة في عدد السكان وقد ذهبوا إلى حد القول بأن زيادة‬
‫األجور ال تؤدى إلى زيادة السكان وزيادة عرض العمل‪ ،‬وعودة األجور إلى مستواها المنخفض‪.‬‬

‫&‪ ;219#‬كذب واقع التطور االقتصادي تنبؤات مالتس‪ .‬فتطور فنون اإلنتاج أدى إلى الحد من انخفاض اإلنتاج الزراعي بحيث ظل‬
‫كافيا لالحتفاظ بمستوى المعيشة عند مستوى مرتفع‪ ،‬كما أن التقدم الصناعي ساعد على ارتفاع مستوى المعيشة‪ .‬والعالقة بين المواد‬
‫الغذائية وبين عدد األوالد اتجه إلى عكس ما فترضه مالتس‪ ،‬فالعائالت الكبيرة أكثر شيوعا في األوساط الفقيرة عنها في األوساط‬
‫الغنية‪.‬‬

‫‪ )2‬النظرية التفاؤلية في السكان ‪:‬‬


‫أما النظرية التفاؤلية في السكان فتذهب إلى أن السكان هم سبب الظواهر االقتصادية وقوة الملوك واألمراء تتوقف على زيادة عدد‬
‫السكان ودرجة رخائهم‪ .‬فبعد أن اختفت هذه النظرية التفاؤلية في السكان فترة من الزمان عادة مرة أخرى للظهور في نهاية القرن‬
‫التاسع عشر نظرا لما صاحب زيادة عدد السكان في أوروبا من ارتفاع في مستوى المعيشة بالتقدم في الزراعة وازدهار الصناعة‬
‫وتطور وسائل المواصالت‪ .‬فالتقدم في الزراعة أدى إلى إمكان الحصول على كميات أكبر من المحصول بنفس الكمية المستخدمة من‬
‫العمل ن وازدهار الصناعة أدى إلى استخدام عدد كبير من العمل في هذا لفرع من فروع النشاط االقتصادي‪ ،‬وتطور وسائل‬
‫المواصالت أدى إلى إمكان زراعة األراضي البعيدة‪.‬‬

‫يرى أنصار هذه النظرية (من أهم هؤالء دوركايم – دبريل) أن زيادة عدد السكان تعد أحد العوامل التي تساعد على التخصص‬
‫وتقسيم العمل ‪ ،‬كما يرون أن الزيادة في السكان تؤدى إلى نشوء حاجات جديدة ‪ ،‬وعجز الفنون اإلنتاجية القائمة عن الوفاء بهذه‬
‫الحاجات الجديدة يؤدى إلى التجديد واالبتكار واندفاع التقدم الصناعى واالجتماعى إلى األمام‪ ،‬واالبتكار والتجديد هما مهمة الشباب‪.‬‬

‫ويرى بعض أنصار النظرية التفاؤلية أن نقص السكان سبب من أسباب التدهور العام وتخلف الفن اإلنتاجي ‪ ،‬حيث يلجأ األفراد إلى‬
‫االنطواء وعدم التجديد لكفاية الطرق القديمة للوفاء باحتياجاتهم ‪ .‬وقد ال تكون المشكلة في زيادة السكان بقدر ما هي في سوء‬
‫توزيعهم على مستوى العالم ‪ ،‬والتقدم العلمي والفني يمكن أن يجعل من الزيادة السكانية عنصرا فاعال في ازدهار النشاط االقتصادي‬
‫وتعميم الرخاء المادى‪.‬‬

‫*د) كفاءة العمل في اإلنتاج ‪:‬‬

‫تعتبر الكفاءة اإلنتاجية للعمل مؤشرا هاما يستند إليه واضعو السياسة االقتصادية عند بحث قوة العمل في الدولة ‪ .‬وتعتمد هذه الكفاءة‬
‫على عدة عوامل أهمها (‪ )1‬مقدار الجهد المبذول (‪ )2‬وتوجيه العمال في إختيار أعمالهم (‪ )3‬وتعليم العمال وتدريبهم (‪ )4‬والتنظيم‬
‫الفني للعمل (‪ )5‬ودرجة تقسيم العمل (‪ )6‬والفن اإلنتاجي المستخدم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬رأس المال ‪:‬‬

‫*أ) مفهوم رأس المال ‪:‬‬

‫‪ -1‬المفهوم القانوني ‪:‬‬

‫رأس المال في العرف القانوني هو مجموعة الحقوق التي تكون لشخص على مجموعة من األموال كحق الدائنية أو حق الملكية أو‬
‫حق المساهم في شركة المساهمة فكل مساهم يملك جزءا من رأس المال وجزءا من األرباح ‪ .‬ويتضح من ذلك أن رأس المال‬
‫القانوني يستمد وجوده من تنظيم قانوني يسمح بقيام الحقوق على األموال بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر‪ .‬ويسمح رأس المال‬
‫القانوني لصاحبه الحصول على دخل بدول عمل‪.‬‬

‫‪ -2‬المفهوم المحاسبي ‪:‬‬

‫ورأس المال في العرف المحاسبى هو مجموع القيم النقدية ألصول المشروع مطروحا منها حقوق الغير على هذه األصول ‪.‬‬

‫‪ -3‬المفهوم الفني أو االقتصادي ‪:‬‬

‫أما رأس المال في العرف االقتصادي فهو عبارة عن مجموعة األموال المادية التي تستخدم في اإلنتاج لزيادة إنتاجية العمل اإلنساني‬
‫‪ ،‬أو هي الثروة التي تستخدم في إنتاج سلع أخرى‪ .‬ويعبر عن هذه الثروة بمجموع السلع الموجودة في المجتمع في لحظة معينة‪.‬‬

‫ويعبر عادة عن رأس المال االقتصادي برأس المال العينى أو الفنى‪ .‬وفكرة رأس المال الفنى فكرة عامة تعرفها جميع النظم‬
‫االقتصادية‪ .‬أما رأس المال القانوني فيعترف به لألفراد في النظم التي تقر حق الملكية الفردية للموارد اإلنتاجية ‪ ،‬بينما يعترف به‬
‫للجماعة في النظام االشتراكى‪.‬‬

‫*ب) التفرقة بين رأس المال واألرض ‪:‬‬


‫والرأي الراجح في الفكر االقتصادي الحديث يضم األرض إلى رأس المال باعتبار أن األرض سلعة رأسمالية تعطى منافع على‬
‫فترات متعددة فمن الصعب في نظرهم التفرقة بين األرض ورأس المال وهو ما يتحقق كذلك في رأس المال‪.‬‬

‫وذلك على خالف الرأي األخر الذي يفرق بينهما ‪ ،‬وهى فروق يمكن إبرازها والرد عليها على النحو التالي ‪-:‬‬

‫‪ -1‬فالقول بأن األرض هبة من هبات الطبيعة ورأس المال من صنع اإلنسان قول مردود بأن هذا الفارق بين األرض ورأس المال‬
‫ليس فارقا خاصة وأن الكثير من األراضي أعدها اإلنسان لإلنتاج بما أدخله عليها من تحسينات وإصالحات‪ ،‬كما أن اإلنسان يحتفظ‬
‫بخصوبة األراضي التي لم يستصلحها بمخصبات ساهم في إنتاجها‪.‬‬

‫‪ -2‬والقول بأن األراضي محدودة ورأس المال يمكن زيادته قول مردود بأن جميع الموارد االقتصادية محدودة في عالقتها بحاجات‬
‫اإلنسان المتعددة‪.‬‬

‫‪ -3‬وقانون تناقص الغلة يسرى في مجال الصناعة كما يسرى في مجال الزراعة إذا تحققت شروط انطباقه‪.‬‬

‫‪ -4‬من جهة أخرى‪ ،‬يفرق بعض الكتاب بين األرض ورأس المال على أساس أن األرض ال تبلي باالستعمال بينما تبلى السلع‬
‫الرأسمالية باالستعمال‪ .‬وهذا القول صحيح إلى حد ما‪ .‬فقوة األرض تتجدد باستمرار بتنظيم استغاللها‪ ،‬بينما تبلى السلع الرأسمالية‬
‫الثابتة مهما نظمت طريقة استعمالها ومهما أجرى عليها من عمليات صيانة وترميم‪ .‬ومع ذلك يمكن القول بأن هناك المناجم‪ ،‬وهى‬
‫تعد أرضا في الفكر االقتصادي ‪ ،‬تبلى باالستعمال حيث تنفذ محتويات المنجم في وقت من األوقات‪.‬‬

‫*ج) أنواع رأس المال‬

‫ينقسم رأس المال إلى رأس مال ثابت ورأس مال متداول‪ .‬ورأس المال الثابت هو أموال اإلنتاج التي ال تفني باستخدامها مرة واحدة‬
‫في العملية اإلنتاجية كالمناجم واآلالت واألدوات ‪.‬‬

‫أما رأس المال المتداول فهو أموال اإلنتاج التي تفنى باستخدامها مرة واحدة في اإلنتاج كالمواد الخام والسلع نصف المصنوعة والسلع‬
‫الوسيطة‪.‬‬

‫وترجع التفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول إلى آدم سميث حيث عرف رأس المال الثابت بأنه رأس المال الذي‬
‫يعطى دخال بخروجه من الذمة المالية لصاحبه‪ .‬فالماشية التي تخصص الستغالل األرض الزراعية تعتبر من عناصر رأس المال‬
‫الثابت ‪ ،‬بينما تعتبر الماشية التي تباع في األسواق من رأس المال المتداول‪ .‬وهذا المعيار وإن صلح أساسا إلجراء تفرقه قانونية بين‬
‫العقار بالتخصص وبين المنقول فإنه ال يصلح إلجراء تفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول‪.‬‬

‫لذلك يعتمد التحليل االقتصادي الحديث على معايير فنية ذات طابع اقتصادي للتفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول‪.‬‬
‫فرأس المال الثابت يستخدم في اإلنتاج عدة مرات لفترة طويلة من الزمن كاآلالت والمبانى‪ .‬أما رأس المال المتداول فيفنى باستخدامه‬
‫في اإلنتاج مرة واحدة كالخدمات والوقود‪.‬‬

‫وتظهر أهمية التفرقة بين رأس المال الثابت وراس المال المتداول عند حساب نفقة اإلنتاج‪ .‬فالقيمة اإلجمالية لرأس المال المتداول‬
‫تدخل بكاملها عند حساب هذه النفقة‪ ،‬بينما ال يدخل فيها إال جزء من قيمة رأس المال الثابت يقدر على أساس المدة التي يتوقع بقاء‬
‫األصل خاللها في اإلنتاج‪ .‬وهذا الجزء يعرف بقسط استهالك رأس المال الثابت‪.‬‬

‫ويفرق ماركس بين رأس المال الثابت و رأس المال المتغير‪ .‬فهو يرى أن رأس المال الثابت يمثل المبالغ التي تنفق لشراء األرض‬
‫والمباني واآلالت والمواد األولية وينقسم إلى رأس مال ثابت مستمر مثل اآلالت والسلع نصف المصنوعة‪ .‬أما رأس المال المتغير‬
‫فهو القيمة النقدية لقوى العمل التي يستخدمها الرأسمالي في اإلنتاج أي األجور ‪.‬‬

‫*د) تكوين رأس المال‪:‬‬

‫يعد رأس المال ركيزة أساسية لزيادة اإلنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التقدم االقتصادي ‪ .‬فقوة األمم في العصر الحديث تقاس‬
‫بما لديها من إمكانيات إنتاجية وقد أدت االختراعات التي تعقد طرق اإلنتاج واالستغناء عن الطرق البدائية ‪ .‬فالصناعة في الدول‬
‫المتقدمة تقوم على جهاز إنتاجي متطور يعتمد بصفة أساسية على اآلالت الكبيرة‪.‬‬

‫و رأس المال عبارة عن سلع ينتجها األفراد وال يقومون باستهالكها مباشرة ‪ ،‬بل يحتفظون بها الستخدامها في إنتاج مزيد من السلع‪.‬‬
‫ولو أن األفراد الذين يقومون بإنتاج السلع االستهالكية يستهلكون كل ما ينتجون لما أمكن ألفراد آخرين أن يتخصصوا في إنتاج السلع‬
‫اإلنتاجية حيث ال يتبقى لهم من سلع االستهالك ما يشبع حاجاتهم المباشرة‪.‬‬

‫ومن ذلك يتضح أن تكوين رأس المال يتطلب اإلمتناع عن استهالك جزء من اإلنتاج وتحويله إلى أصول رأسمالية ‪ ،‬فالدخل القومي‬
‫ينقسم إلى قسمين ‪ :‬قسم يوجه إلى االستهالك وقسم يضاف إلى رأس المال الثابت والمتداول واالدخار هو مصدر رأس المال‪.‬‬

‫فاالدخار القومي هو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل القومي‪ ،‬واالدخار الفردى هو الجزء الذي لم يستهلك من دخل الفرد‪.‬‬

‫واالدخار القومي يتكون من ‪ :‬ادخار القطاع العائلي ‪ +‬ادخار القطاع الحكومى ‪ +‬ادخار قطاع األعمال ‪.‬‬

‫وهو يساوى الدخل القومي – االستهالك القومي ‪.‬‬

‫*ه) دور الدولة في تكوين االدخار ‪:‬‬

‫قد يكون االدخار اختياريا يقوم به األفراد من تلقاء أنفسهم‪ ،‬وقد يكون إجباريا تقوم به الدولة ومؤسساتها العامة ‪ .‬وقد زادت أهمية‬
‫االدخار اإلجباري في الوقت الحاضر بعد تعدد وظائف الدولة واتساع نشاطها في الحياة االستهالكية واالجتماعية‪ .‬ويمكن للدولة‬
‫باعتبارها السلطة العامة أن تحقق ادخارا إجباريا بعدة طرق منها‪:‬‬

‫‪ -1‬فائض الميزانية واألرباح المحجوزة ‪:‬‬

‫ويمثل فائض الميزانية العامة الفرق بين اإليرادات العامة والنفقات العامة ‪ .‬فزيادة حصيلة اإليرادات العامة عما يلزم لتغطية النفقات‬
‫العامة الجارية يؤدى إلى وجود فائض ‪ .‬وهذا الفائض يعد ادخارا إجباريا‪ .‬أما األرباح المحجوزة فهى األرباح التي تقرر المشروعات‬
‫العامة عدم توزيعها في صورة دخول لألفراد‪ .‬وهذا البند من أهم مصادر تمويل االستثمارات في الدول التي يحتل فيها القطاع العام‬
‫أهمية متزايدة‪.‬‬

‫‪ -2‬إعادة توزيع الدخل ‪:‬‬

‫تمثل الطبقة الغنية أهم مصدر لالدخار النخفاض ميلها لالستهالك ولذلك تزداد المدخرات في حالة وجود طبقة غنية تتحكم في جزء‬
‫كبير من الدخل القومي ‪ ،‬وتعمل الدولة في العصر الحديث على إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة عن طريق الضرائب‬
‫التصاعدية ‪ .‬وتعتبر الضرائب التصاعدية صورة من صور االدخار اإلجبارى‪.‬‬

‫‪ -3‬االقتطاع من دخول األفراد ‪:‬‬

‫يمكن للدولة أن تجبر األفراد على ادخار جزء من دخولهم بحملهم على تقليل االستهالك وتلجأ الدولة في ذلك إلى عدة طريق منها‪:‬‬
‫اقتطاع جزء من الدخول الدورية للعاملين في صورة أقساط تأمين أو لدفع معاشات لهم في المستقبل وإصدار قروض عامة تحيطها‬
‫الدولة بإجراءات تجبر المواطنين على االكتتاب فيها ‪ ،‬وفرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة واإلصدار النقدى الجديد الذي‬
‫يؤدى إلى رفع األسعار فتنخفض القوة الشرائية للنقود وينخفض الدخل الحقيقى لألفراد بمقدار الزيادة في األسعار‪.‬‬

‫‪ -4‬تشجيع االدخار االختياري ‪:‬‬

‫وتتدخل الدولة في تكوين االدخار بتشجيع المواطنين عليه وذلك بتطوير األوعية االدخارية واألجهزة المصرفية ‪ ،‬ورفع سعر الفائدة‪.‬‬

‫ويختلف تكوين رأس المال في الدول االشتراكية عنه في الدول الرأسمالية ‪ .‬ففي الدول االشتراكية يخضع حجم التكوين الرأسمالي ‪،‬‬
‫كما يخضع توزيعه بين الفروع المختلفة للنشاط االقتصادي ‪ ،‬لقرارات السلطة المركزية للتخطيط‪ .‬ويعتبر االدخار العام هو المصدر‬
‫الرئيسي لتمويل االستثمارات ‪ .‬وتتمثل أهم مصادر التمويل في الدول االشتراكية في ادخار الميزانية ‪ ،‬وادخار المؤسسات العامة‬
‫والمزارع الجماعية‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المنظم ‪:‬‬


‫أضاف مارشال إلى عوامل اإلنتاج التقليدية عامال رابعا هو التنظيم ‪ .‬ويتولي مسئولية تنظيم اإلنتاج شخص طبيعى أو معنوى يعرف‬
‫بالمنظم ‪ .‬وتتمثل جوهر وظيفة المنظم في التوفيق بين عناصر اإلنتاج في ضوء التنبؤات التي يجريها عن اتجاهات الطلب على‬
‫منتجاته متحمال كل المخاطر التي ترتب على هذه التنبؤات ‪.‬‬

‫فالمنظم ‪ Entrepreneur‬إذن هو الشخص الذي يقوم بتنظيم عوامل اإلنتاج ( األرض – األيدى العاملة – رأس المال ) وذلك إلنتاج‬
‫السلع والخدمات ‪ .‬وهو يقوم بهذا العمل عادة توقعا لحجم الطلب وقدرا من الربح ‪ .‬فالمنظم مفهوم اساسى في علم االقتصاد السياسى‬
‫لكونه الشخص الذي يخطط ويتحمل المخاطر ‪ .‬ويعتقد كثيرون من علماء االقتصاد السياسي أنه يشكل عامال رابعا في اإلنتاج يسمى‬
‫المؤسسة أو المشروع‪ Enterprise‬وهو عامل ال تقوم أي فاعليه للعوامل الثالثة األخرى (األرض – األيدي العاملة – رأس المال)‬
‫من غير وجوده ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬ويثير المنظم كعامل من عوامل اإلنتاج مشكالت عديدة نذكر منها‬

‫‪ )1‬كيفية التأليف بين عوامل اإلنتاج المختلفة‪ ،‬وما يرتبط بها من مسألة قوانين الغلة (الناتج الكلي – الناتج الحدي – الناتج المتوسط)‪.‬‬

‫‪ )2‬ما يحققه اإلنتاج من وفورات سواء كانت وفورات خارجية أو وفورات داخلية ‪.‬‬

‫‪ )3‬الشكل القانوني المختار للمشروع أو للمنشأة ‪ .‬ومشكلة االختيار بين المنشأة الفردية وأشكال شركات األشخاص (شركات التضامن‬
‫– شركات التوصية البسيطة) وأشكال شركات األموال (شركات المساهمة – شركات التوصية باألسهم – الشركات ذات المسئولية‬
‫المحدودة) ‪.‬‬

‫‪ )4‬كما تثير المشروعات مشكلة االختيار بين المشروع العام والمشروع الخاص ‪ .‬أو بعبارة أخرى االختيار بين النظام الرأسمالي‬
‫وسيادة القطاع الخاص ‪ ،‬والنظام االشتراكي وسيادة القطاع العام‪ .‬مع األخذ في اإلعتبار ما يسمي بالمشروعات التعاونية سواء في‬
‫المجال الزراعي أو اإلنتاجي أو االستهالكي وأشكال أخرى من التعاونيات‪.‬‬

‫‪ )5‬وأخيرا ‪ ،‬يظهر شكل آخر من األشكال القانونية للمشروع أو للمنظم وهو شكل التعاونيات سواء كانت زراعية أو إنتاجية أو‬
‫استهالكية أو تعمل في أي قطاع آخر ‪.‬‬

You might also like