Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫معركة الزيتية ؛ احدى الصفحات المجهولة في حرب أكتوبر ‪ ....

‬الدور الجزائري‬
‫باألمس ليال كنت أتناقش على المقهى مع صديق جزائري وفوجئت به يقول لي‪..‬إن دمائنا قد إختلطت بدماءكم في حرب‬
‫أكتوبر ‪ ،‬ولما وجدني قد فوجئت بكالمه هذا‪ ..‬حكى لي‬
‫كيف أن القوات البرية الجزائرية ‪-‬وقوامها كتيبة‬
‫صاعقة ‪-‬قد شاركت في الحرب معنا وكان تمركزها‬
‫بالسويس ‪ ،‬فقد وضعتها القيادة العامة للقوات المسلحة‬
‫المصرية في تلك البقعة على إعتبار أن هذه هي منطقة‬
‫الخطوط الخلفية للجيش المصري حتى يكون دورها‬
‫دفاعيا في المقام األول ‪ ،‬فال تتعرض تلك القوات‬
‫لمواجهة مباشرة مع قوات الكيان الصهيوني ‪،‬وهو‬
‫عرف متبع في مثل تلك الحاالت‪...‬‬

‫ولكن شاءت األقدار وكنتيجة لتخبط اإلدارة السياسية‬


‫في إدارتها للمعركة العسكرية أن تحدث الثغرة وأن‬
‫تصبح تلك القوات في مواجهة فعلية مع قوات العدو‬
‫الغاصب ‪ ،‬فحدثت بينهما مواجهات ساخنة إستطاعت‬
‫خاللها تلك القوات صد هجوم قوات العدو بقيادة‬
‫الجنرال آريل شارون مرتين متتاليتن في معارك‬
‫طاحنة أبلى فيها األشقاء الجزائريون بالءا حسنا ‪،‬‬
‫وخاضوا تلك المعارك بكل بسالة ‪ ،‬حتى أن القيادة‬
‫المصرية كرمت العديد من قادتهم ‪ ،‬بل وقد حصل‬
‫بعضهم على وسام نجمة سيناء والذي هو أعلى وسام عسكري مصري واليمنح إال لكبار القادة ممن كان لهم دورا بطوليا‬
‫إستثنائيا في جبهات القنال‪ ،‬وللمفاجأة علمت أن واحدا ممن حصلوا على ذلك الوسام الرفيع هو الرئيس الجزائري‬
‫الحالي ‪#‬عبد_العزيز_بوتفليقة‪ .. !!..‬وقد قادني هذا الحوار ألمسك بطرف الخيط للبحث عن حقيقة هذا الدور المشرف والذي‬
‫تم التعتيم عليه بشكل متعمد حتى أصبحنا النعرف عنه شيئا‪..‬وبالبحث واإلستكشاف وجدت العديد من المقاالت التي تتحدث‬
‫عن هذا الدور والتي تستشهد بمذكرات وشهادات لضباط وقادة من الكيان الصهيوني ممكن كانوا في مواجهة مباشرة مع تلك‬
‫القوات في ‪#‬معركة_الزيتية‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد نجد أنفسنا أمام كتاب هام من تأليف المؤلفان الصهيونيان "رونين برجمان" و"جيل مالتسر"‪ ،‬وهو كتاب "‬
‫حرب يوم كيبور‪..‬اللحظة الحقيقية" وفيه يكشف الكاتبان عن وثائق سرية من أرشيف هيئة األركان العامة‬
‫والحكومةالصهيونية تفضح جزءا ً مما حدث في معركة "الزيتية"‪ ،‬ومنها شهادة ألحد قادة العدو الصهيوني الذين إشتركوا في‬
‫هذه المعركة ‪،‬وهو الجنرال »أهارون ياريف«‪ ،‬مدير جهاز‬
‫االستخبارات العسكرية الصهيونية األسبق‪ ...‬حيث يقول‬
‫"ياريف"‪ :‬حرب الغفران تكشف بجالء عن خبث وخداع‬
‫العرب‪ ،‬إنهم كالحرباء المتلونة‪ ،‬لم نتمكن من قراءة نواياهم‬
‫قبيل الحرب وأثناءها‪ ،‬وفشلنا في ترجمة خططهم القتالية‬
‫ـوبعد سرده لعدة مواقع يدلل فيها على »خبث« العرب ـ‬
‫على حد وصفه ـ يصل "ياريف" لمعركة الزيتية‪ ،‬فيقول ـ‪:‬‬
‫لقد نجحت مخابرات العدو في كشف خطتنا‪،‬وبسرعة فائقة‬
‫استعدوا إلفشالها‪ ،‬كانت أعداد دباباتنا وجنودنا تفوق عددهم‬
‫وعتادهم‪ ،‬فشرعوا في تحصين الميناء وحركوا الكتائب‬
‫المدرعة الجزائرية من األديبة للزيتية‪ ،‬ووصلتني إشارة عاجلة تفيد بأن العدو‬
‫يعلن حالة التأهب العسكري في الميناء‪ ،‬وفي تلك اللحظات أدركت أن العدو‬
‫يعرف وجهتنا وأن "األديبة" غير محصنة بالمرة‪ ،‬فأرسلت للقيادة إشارة أبلغهم‬
‫فيها بحقيقة الموقف مرفقة باقتراح معاودة مهاجمة األديبة‪ ،‬فعدلت القيادة على‬
‫وجه السرعة الخطة‪ ،‬وقررت مهاجمة الزيتية واألديبة معا‪ ،‬على أن ينشطر جزء‬
‫من القوات عند »مفرق عتاقة« ـ على بعد ‪ 12‬كيلومترا من الميناءين ـ ويتجه‬
‫للسيطرة على األديبة ثم يلتف من الخلف على الزيتية لدعم القوات الرئيسية‬
‫وتطهيرها واالستيالء عليها‪ ،‬وهنا أتذكر ـ يقول ـ ياريف ـ الجنرال "حاييم‬
‫بارليف" الذي خلف الجنرال "جونين" في قيادة المنطقة الجنوبية‪ ،‬أتذكر ضحكته‬
‫العالية التي التزال تتردد في أذني ومقولته »لقد ابتلع العرب األغبياءالطعم«‪ ،‬هكذا وتحت مظلة هذه المعلومات تحركت‬
‫قواتنا‪ ،‬وانتظرنا بفارغ الصبروالثقة أول األنباء عن سقوط الميناءين‪ ،‬لكن طال االنتظار ولم يصل هذا الخبر‪ ،‬بل وصلتنا أنباء‬
‫السوء التي لم نكن نسمع سواها في تلك األيام العجاف‪.‬‬
‫ويواصل ياريف قائال‪ :‬اكتشفنا أن العدو وضع خطة مغايرة‪ ،‬فقد أدرك مسبقا أن تحصين ميناء الزيتية وإمداده لن تحول دون‬
‫سقوطه في يدنا‪ ،‬لقد اخترقوا عقولنا بطريقة ال تفسيرلها سوى انهم استخدموا نوعا من "السحر األسود" فسخروا شياطينهم‬
‫لتخبرهم بكل كبيرة وصغيرة‪ ،‬وحتى لو كان هذا االحتمال صحيحا‪ ،‬فكيف تمكنوا من نقل قواتهم بسرعة وسرية إلى موقع‬
‫المعركة ؟ ـ يتساءل ياريف ـ ثم يقول‪ :‬لقد نقل العدو قواته الخاصة وكانت مشكلة من الكتيبتين ‪ 145‬صاعقة مصرية وكتيبة‬
‫صاعقة جزائرية إلى مفرق عتاقة‪ ،‬وهي نفس النقطة التي قررنا استخدامها لقسم القوات المتجهة لألديبة والزيتية‪ ،‬وعوضا‬
‫عن تدعيم هذه القوات باآلليات والدبابات‪ ،‬قام بتزويدها بعدد كبير من مضادات الدروع والصواريخ والرشاشات الثقيلة‪ ،‬وأمر‬
‫هذه القوات بحفر األرض واالختباء بها‪ ،‬نظرا ألن المنطقة مكشوفة‪،‬‬
‫وهو ما أوحى لقواتنا التحرك باطمئنان‪ ،‬وبهذا أنقذ العدو آلياته من دمار‬
‫محقق في معركة محسومة لنا سلفا‪ ،‬وأمن الميناءين المستهدفين‪ ،‬لكن ما‬
‫يثير الدهشة أن قيادة العدو وضعت جميع أوراقها في تلك الحفر‪،‬‬
‫فبالنسبة لي وللقيادات اإلسرائيلية عموما ال يمكن أن نعتمد على مثل‬
‫هكذا خطة لمواجهة عملية بهذا الحجم‪ ،‬لكن ثقة العدو في قواته الخاصة‬
‫واألسلوب الذي استحدثه في القتال جعلته يقدم على هذه الخطوة دون‬
‫تردد‪ ،‬فقد نشر الكتيبة الجزائرية في الخطوط األمامية لتضرب قواتنا‬
‫من الخلف‪ ،‬ونشر الكتيبتين المصريتين في القلب والميمنة والميسرة‪،‬‬
‫فوقعت عملية التطويق الخطيرة‪.‬‬
‫وقدر لخطة العدو أن تنجح‪ ،‬لتصبح صفحة سوداء في تاريخ العسكرية‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬فلم يسبق أن خسرنا قرابة اللواءين مدرعين ومئات القتلى‬
‫و‪ 300‬أسير في معركة واحدة‪ ،‬كما لم يسبق للعرب النجاح في التنسيق‬
‫القتالي لهذا الحد‪ ،‬وبلغت الخسائر الحد الذي "ركعت فيه إسرائيل" وامتثلت ألوامر العرب‪ ،‬ففي مفاوضات تبادل األسرى‪،‬‬
‫كان هناك ‪ 80‬أسيرا إسرائيليا لدى القوات الجزائرية‪ ،‬ورفضت القيادات الجزائرية تسليمهم‪ ،‬بالنظر إلى أننا ليس لدينا أسرى‬
‫منهم‪ ،‬وبعد مفاوضات استمرت ليومين أصر الجزائريون على مقايضة األسير بعشرة أسرى على نفس الرتبة العسكرية‪ ،‬فلم‬
‫يكن أمامنا خيار آخر‪.‬‬
‫ويواصل المؤلفان الصهيونيان "رونين برجمان" و"جيل مالتسر" سردهما لشهادات من إشتركوا في تلك المعركة من ضباط‬
‫وجنود ‪ ،‬ففي الفصل الثالث من هذا الكتاب وتحت عنوان "الزيتية‪ ..‬بئر الموت" ينشر الكاتبان اعترافات الجنود والضباط‬
‫الناجين من معركة الزيتية أمام لجنة االستماع التي أمرت بإنشائها رئاسة الكنسيت اإلسرائيلي عقب الهزيمة ‪،‬وباالطالع على‬
‫شهادات المشاركين في معركة الزيتية أمام لجنة االستماع يتضح أن إسرائيل لم تنهزم فقط عسكريا‪ ،‬بل انكسرت انكسارا ال‬
‫تكفي السنون إلصالحه‪.‬‬
‫ً‬
‫ويواصل الكاتبان قائلين‪ :‬أحد الجنود المشاركين في هجوم الزيتية الفاشل يقول‪ :‬لم نكن نحارب بشرا بل شياطين تظهر‬
‫وتختفي‪ ..‬قذائفنا ال تصل إليهم ونيرانهم تحرق كل شيء‪...‬جندي آخر يقول‪ :‬لم تكن هناك جبال وال أحراش وال حتى أحجار‬
‫يختفون وراءها‪ ..‬لم تكن هناك سوى الصحراء والرمال‪ ..‬حتى السماء كانت صافية ومبشرة بالنصر‪ ..‬لم نر عدونا ‪ ،‬لكنه كان‬
‫يرانا بوضوح‪ ..‬يراقب تحركاتنا في صمت حتى أطبق علينا‪ ..‬ظننت أن النيران تطلق علينا من السماء‪ ،‬أو من المدفعية بعيدة‬
‫المدى‪ ..‬تخبطنا وارتبكت صفوفنا‪ ..‬ولم يكن لدينا الوقت الكافي إلعادة تنظيمها‪ ..‬وفجأة وجدناهم في كل مكان‪ ..‬يقفزون‬
‫كالقردة ال تسترهم سوى سحب الدخان المتصاعد من آلياتنا‪ ،‬فوجدناهم فوق أسطح دباباتنا‪ ..‬وفوق أعناقنا‪ ..‬يطعنون ويذبحون‬
‫بال رحمة‪ ..‬لقد كانوا متوحشين فوق الوصف‪ ..‬ومالمحهم مخيفة تزرع الرعب في القلب‪ ..‬وحتى اآلن ال أعرف من أين‬
‫ي حتى اآلن‪!!.‬‬
‫هبطوا لنا‪ ..‬ال تفسير لد ّ‬
‫ويواصل الكاتبان في مؤلفهما الهام سرد اعترافات القادة الصهاينة في معركة الزيتية فيقوالن‪ :‬يقول المالزم أول "حنان‬
‫تسائيف" ‪ :‬في مساء يوم التاسع من أكتوبر وبعد فقدان جيش المنطقة الجنوبية لعدد كبير من آلياته وجنوده في معركة األديبة‪،‬‬
‫بدأت عملية الدعم العسكري للقوات الجنوبية‪ ،‬وشمل الدعم لواء جوالني بكامل تجهيزاته‪ ،‬وكتيبتي مشاه ميكانيكا‪ ،‬ولواءين‬
‫مدرعين أحدهما أمريكي‪ ،‬واآلخرتم تجميعه من فلول قوات المنطقة الوسطى بسيناء‪ ،‬وكانت الدالئل تشير إلى أننا مقبلين على‬
‫عملية كبيرة‪ ،‬فصدرت األوامر في فجر العاشر من أكتوبر لالستعداد لتلقي األوامر‪ ،‬وفي الثامنة صباحا تحركت كل القوات‬
‫بقيادة الجنرال شارون باتجاه ميناء الزيتية‪ ،‬استغرق المسير قرابة الساعتين‪ ،‬وقبيل الزيتية بحوالي ‪ 12‬كيلومترا اندلعت‬
‫المعركة بشكل مفاجئ‪ ،‬حيث باغتتنا القوات الخاصة للعدو بطريقة لم نتوقعها أبدا‪ ،‬فالطريق كان سالكا والمنطقة مكشوفة من‬
‫كل الجهات‪ ،‬ولم تكن هناك أية إشارة توحي بالخطر‪ ،‬لكن هذه القوات قامت باالختفاء في حفر برميلية على شكل مربع ناقص‬
‫ضلع‪ ،‬وما أن ولجت قواتنا فيه‪ ،‬حتى خرجوا من جحورهم ليقذفوا آلياتنا بمئات القذائف المضادة للدروع وصواريخ‬
‫»ماليتيكا«‪ ،‬استمر القصف الصاروخي قرابة الساعة وكنا نرد على مواقع إطالق الصواريخ لكن الغلبة كانت لهم‪ ،‬فتراجعت‬
‫الدبابات بعدما تمكن جنود العدو من اختراق صفوفنا ومهاجمتنا عن قرب‪ ،‬لقد كانوا يتسلقون الدبابات ويفتحون أغطيتها‬
‫العلوية ليفجروا أطقمها بالقنابل اليدوية‪ ،‬حتى أن بعض الدبابات وسط هذه الفوضى أطلقت النيران على بعضها البعض‪،‬‬
‫فوقعت خسائر كبيرة‪ ،‬إضافة إلى أن قوات المشاة وجوالني كانت عاجزة عن التعامل معالعدو في ظل هذا االرتباك‪ ،‬فصدرت‬
‫األوامر باالنسحاب إلفساح المجال للقتال الفردي بين قواتنا وقوات العدو‪،‬‬
‫في الوقت الذي اتصلنا بالقيادة نطلب الدعم الجوي‪.‬‬
‫ويورد الكاتبان شهادة أخرى ألحد ضباط قوات "جوالني" ـ نخبة الجيش‬
‫الصهيوني ـ‪ ،‬ولإلشارة فإنه يهودي من أصل مغاربي‪ ،‬وهو المقدم " فايز‬
‫كوكبي"‪ ،‬الذي يقول‪ :‬لألسف تأهلنا في معاهدنا العسكرية على نظريات‬
‫خاطئة دفعنا ثمنها في الزيتية‪ ،‬لقد أوهمنا قادتنا وأساتذتنا أن عدونا‬
‫ضعيف وجبان وال يجرؤ على مواجهتنا بشكل مباشر‪ ،‬لكنني اكتشفت في‬
‫الزيتية مدى همجية ووحشية هذا العدو‪ ..‬لقد كانوا دمويين ألبعد مدى‪..‬‬
‫كانوا يجتزون رؤوس الجنود ويتسابقون لاللتحام بنا‪ ،‬لكنهم كانوا على‬
‫درجة عالية من الكفاءة والتدريب‪ ،‬وكانوا يمتلكون مهارات عالية في‬
‫مجال القتال الفردي‪ ،‬يجيدون استخدام السالح األبيض واالشتباك‪ ،‬وأيضا كانت‬
‫لياقتهم البدنية عالية‪ ،‬وكان واضحا أن قادتهم لقنوهم أساليب كسر العنق والعمود‬
‫الفقري‪ ،‬مما يدل على أنهم نالوا قسطا من التدريب على الرياضات القتالية‪ ،‬وكل‬
‫تلك األشياء لم تتوافر في معاهدنا ولم نتدرب عليها ‪.‬‬
‫ويضيف الكاتبان‪ :‬نتيجة معركة الزيتية تمثل أكبر فشل تعرض له الجيش‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬لكن المؤسف أن صانعي القرار في »إسرائيل« لم يكتفوا بإخفاء ما‬
‫حدث فيها‪ ،‬بل قدموها للشعب على أنها واحدة من إنجازات حرب الغفران‪ ،‬وربما‬
‫استندوا في رأيهم هذا إلى عودة قرابة الخمسين في المئة من قواتنا سالمة‪ ،‬وهو ما‬
‫لم يحدث في معركة "األديبة" التي سبقتها بيوم واحد بنسبة خسائر مئة في المئة‪،‬‬
‫هكذا إذن بلغ الطموح العسكري اإلسرائيلي في القتال مع العرب‪ ..‬التغني بالنجاة‬
‫والتهليل للتقهقر والفرح لوقف إطالق النار‪.‬‬
‫ومن كتاب " حرب يوم كيبور" نصل إلى مذكرات الجنرال "اسحق حوفي"‪ ،‬الذي‬
‫كتب في صدرها قائال ‪ :‬إن المعلومات المتعلقة بنتائج المعارك مع الوحدات‬
‫الجزائرية تحجبها دائرة التأريخ في الجيش اإلسرائيلي كما تحجب معلومات كثيرة‬
‫أخرى عن حرب أكتوبر‪ .‬حوفي يقول أيضا أنه طلب اإلطالع على البروتوكوالت‬
‫التي كان قد كتبها أحد ضباطه في الفترة التي كان فيها قائدا ألحد األلوية المدرعة‬
‫بالمنطقة الجنوبية‪ ،‬والتي تحدث فيها عن المواجهات مع القوات الجزائرية‪ ،‬فحجبوها عنه ولم يوافقوا على منحه حق قراءتها ‪،‬‬
‫قائال ‪ ":‬برروا هذا بأن ثمة معاهدات تحتم إبقاء هذه المعلومات طي الكتمان‪ ،‬وأن سوريا ومصر لم يسمحا حتى اآلن بفتح‬
‫ملفات تلك الحرب ولذلك فليس من العدل أن تفتحها إسرائيل وحدها"‪.‬‬
‫وفي فقرات أخرى يقول حوفي ‪ :‬ما شاهدته بعيني يؤكد لي وللشعب اإلسرائيلي أن قواتنا تكبدت في معركة الزيتية خسائر‬
‫فادحة‪ ،‬ولم يكتف العدو بما حققه من مكاسب‪ ،‬فشن هجوما معاكسا لم‬
‫يحاول الجنرال شارون إيقافه أو التصدي له‪ ،‬فقد كانت قوات العدو‬
‫مترجلة وال تمتلك عربة واحدة‪ ،‬في حين كانت قواتنا ال تزال بحوزتها‬
‫أكثر من ‪ 160‬دبابة و‪ 50‬مدرعة نصف جنزير‪ ،‬وظلت قوات العدو‬
‫التي لم يتجاوز تعدادها ال ‪ 400‬فرد معظمهم من القوات الخاصة‬
‫الجزائرية تتعقب قواتنا موقعة فيها عدد من الخسائر‪ ،‬وليت األمور‬
‫انتهت عند هذا الحد‪ ،‬بل استطاعت هذه القوات الوصول إلى مركز‬
‫قيادة القوات اإلسرائيلية في منطقة "كاتب الخيل"‪ ،‬فاستولت عليها‪،‬‬
‫وقتلت كل جنودنا بالمنطقة‪ ،‬ومرة أخرى يفر شارون من المواجهة‪.‬‬
‫‪،‬ويضيف حوفي ‪ :‬ال أفهم لماذا تخفي المؤسسة العسكرية هذه‬
‫المعلومات الخطيرة عن الشعب؟‪ ،‬إننا نتحدث عن فرار باآلليات الثقيلة‬
‫أمام حفنة من المشاة‪ ،‬إن االستمرار في التعتيم على هذه الحقائق من‬
‫شأنه أن يجرفنا جميعا إلى الهالك‪ ،‬فيجب أن يعرف كل إسرائيلي أن تفوقنا العسكري لن يجعل إسرائيل في منأى عن يد‬
‫العرب‪ ،‬إنهم لديهم االستعداد لمواجهتنا بالسكين والعصا واثقين أنهم أقوى من سالحنا‪ ،‬فهل تجدي سياسة إخفاء الفضائح نفعا‬
‫مع اناس يرمون بأجسادهم للموت‪.‬‬
‫وإذا تركنا مذكرات الجنرال "اسحق حوفي" نصل إلى كتاب "إخوتي أبطال المجد" للصحفي الصهيوني "ايالن كفير" والذي‬
‫يقول فيه‪ :‬أثناء فرار القوات اإلسرائيلية من الزيتية‪ ،‬ومع حالة اإلرباك الكبيرة التي وقعت فيها تلك القوات جراء مطاردة عدد‬
‫من عناصر القوات الخاصة المصرية والجزائرية لها‪ ،‬قمت كتيبة دبابات إسرائيلية بفتح النيران عن قرب على مجموعة من‬
‫الجنود اإلسرائيليين وقتل بعضهم وجرح اآلخرين بدم بارد كما قال أحد الناجين‪ ،‬لمجرد اعتقاد جنود الكتيبة بأن الجنود‬
‫المقابلين لهم عناصر من قوات العدو‪ ،‬فقد كانت حاالت الذعر وهواجس الحصار تطارد القوات المنسحبة بشكل فاق الوصف‪،‬‬
‫وينقل الكتاب عن أحد الناجين وهو "موشيه ليفي" قوله‪ ":‬إنه لم يشفع للجنود اإلسرائيليين كونهم عزل ال يحملون أي سالح‬
‫ويتحدثون العبرية بطالقة‪ ،‬ويعرفون أسماء قادة الكتائب اإلسرائيلية‪ ،‬فقد فتح رفاقهم عليهم النار‪ ،‬فقط ألنهم اعتقدوا بأنهم‬
‫عرب"‪.‬‬
‫ويسرد الكاتب شهادة أحد قادة الدبابات الفارة‪ ،‬وهو العريف أول "شلومو أرمان"‪ ،‬الذي قال ‪ :‬أصيب دبابتي بنيران العدو‪،‬‬
‫فانتقلت مع جنودي إلى دبابة أخرى إال أن صاروخ ار بي جي أصاب الدبابة‪ ،‬فقفز ركابها محاولين الهرب‪ ،‬لكن زمالئنا بدأوا‬
‫يطلقون علينا النار‪ ،‬لقد كانت الفوضى عارمة والرعب تملك من قلوب الجميع‪ ،‬كان جنود العدو كاألشباح تظهر وتختفي في‬
‫كل مكان ‪.‬‬
‫وبمواصلة البحث في هذا الصدد نجد أنفسنا في مواجهة كتاب "إلى أين تمضى إسرائيل" الذي صدر عام ‪ ، 1974‬والذي يقول‬
‫مؤلفه ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية األسبق ‪ :‬لقد أيقن القادة السياسيون والميدانيين في األيام األربعة األولى من‬
‫حرب أكتوبر أن اختراق القوات العربية وإحداث ثغرة على القناة عبر مواقع القوات الجزائرية أمر مستحيل‪ ،‬وبالرغم من أن‬
‫هذا العجز كان باالمكان تفاديه والتغلب عليه‪ ،‬إال أن من وضعت في أيديهم المسؤولية كانوا ضعافا وقليلي الخبرة‪ ،‬بينما كان‬
‫العدو المستهدف متمرس على القتال ومن فئة مجرمي الحرب‪ ،‬وكانت النتيجة صدور قرارات عمياء تعبر عن الجهل‬
‫العسكري وسرعة قبول فكرة الهزيمة‪ ،‬وكان أخطر تلك القرارات تغيير االستراتيجية العسكرية‪ ،‬لتفادي مواجهة القوات‬
‫الجزائرية‪ ،‬والبحث عن منفذ آخر‪ ،‬فتركت أهم منطقة استراتيجية على قناة السويس‪ ،‬ليستخدمها العدو بحنكة في عملية تطوير‬
‫الهجوم وتأمين العمق المصري‪.‬‬
‫يواصل جولدمان ‪ :‬انسحب الجيش "اإلسرائيلي" بعد معركة الزيتية لمسافة ‪ 15‬كيلومتر للوراء تاركا قواعده وأسلحته للعدو‪،‬‬
‫وتواصل التقهقر أمام ضربات العدو‪ ،‬وفي ليلة ‪ 14‬أكتوبر وضعت خطة الثغرة الثالثة‪ ،‬في محاولة من شارون وحاييم بارليف‬
‫لقطع القوات المصرية عن حليفتها الجزائرية والوصول للضفة الشرقية للقناة‪ ،‬وفي صباح ‪ 14‬أكتوبر شنت قوات شارون‬
‫أكثر من خمس هجمات انتهت كلها بالفشل‪ ،‬وبتدمير القوات اإلسرائيلية بدرجة لم تشهدها "إسرائيل" من قبل‪ ،‬وأيضا بأسر‬
‫عددا كبيرا من ضباط وجنود "إسرائيل"‪ ،‬وبناءا على ذلك أمر شارون بالتوقف واتخاذ المواقف الدفاعية بدال من سلسلة‬
‫الهجمات الفاشلة‪.‬‬
‫يروي المؤرخ الصهيوني (شفتاي تيبت) تفاصيل فرار شارون من القوات الجزائرية بعد هزيمته في »األديبة«‪ ،‬تيبت أدلى‬
‫بشهادته تلك أمام لجنة التحقيق »أجرنات«‪ ،‬فقال‪ :‬أعترف أنني انسحبت من ميدان القتال في أشد اللحظات حرجا في تاريخ‬
‫دولة »إسرائيل«‪ ..‬لم تكن مبررات انسحابي بالهينة‪ ..‬بل كنت أحاول أن أوصل صوتي من ميدان المعركة لقادتي في تل‬
‫أبيب‪ ..‬إنهم ال يرون ما أرى ولم يعايشوا ما عايشت‪ ..‬لقد خدمت مع الجنرال شارون خمس سنوات فلم أر سوى شخص‬
‫مجنون مصاب بعدة أمراض نفسية خطيرة‪ ..‬ولم أره أكثر وضوحا إال أثناء القتال‪ ..‬إنه ال يفقه شيئا عن القيادة العسكرية‪ ..‬في‬
‫معركة األديبة دفع زمالئي حياتهم بسببه وسجل التاريخ هزيمة نكراء ل»إسرائيل« كنا في غنى عنها‪ ..‬كدت بل كاد هو أيضا‬
‫أن يفقد حياته بسبب سوء تصرفه وعجزه عن القيام بواجبه العسكري‪ ..‬وحينما علمت أن القيادة كلفته من جديد بقيادة هجوم‬
‫الزيتية أدركت أن ثمة خطأ ما حاصل في غرفة القيادة‪ ،‬وأنه ال سبيل لتصحيح الخطأ إال بإعالن التذمر ليفتح ملف التحقيق قبل‬
‫فوات األوان‪ ..‬في الواقع لم أكن أريد أن أسجل اسمي في قائمة صانعي هزائم »إسرائيل«‪ ،‬لكنني أيضا لم أكن أريد أن تسير‬
‫»إسرائيل« إلى حتفها على يد شارون‪.‬‬
‫ويضيف تيبت‪ :‬في طريق انسحابنا من األديبة كان شارون ينزف بشدة من رأسه‪ ..‬كان قد أصيب بجرح بالغ وعميق‪ ،‬وخالل‬
‫رحلة العودة الشاقة عرفته على حقيقته‪ ..‬لقد تحول القائد الشجاع الشرس المقدام إلى طفل وديع‪ ..‬أخبرني أنه سيطلق الحياة‬
‫العسكرية ولن يعود مطلقا للقتال‪ ،‬وأنه تعلم أشياء كثيرة في األديبة‪ ،‬حتى أنه أثنى على العدو‪ ..‬وطلب مني ومن الجنود الثالثة‬
‫الذين نجوا من المذبحة أن نزيف حقيقة ما جرى لنا في المعركة‪ ،‬أمرنا بلطف أن نتحدث عن آالف من العرب ومئات الدبابات‬
‫والصواريخ المتطورة‪ ،‬وأننا قاتلنا بشجاعة وشراسة لكن العدو كان أكثر عددا وعتادا‪ ،‬وأخبرنا أن ما جرى لنا نستحق عليه‬
‫التكريم وليس العقاب‪ ،‬ظننت أنه على حق وامتثلنا ألوامره‪ ،‬لكنني اكتشفت من بعد أنه كان يهذي وأن إصابته أثرت على‬
‫مخه‪ ..‬فبمجرد وصولنا لمقر قيادة المنطقة الجنوبية حاول التغلب على إعيائه وهزيمته وأخذ يرفع رأسه بشموخ ال يجرؤ‬
‫المنتصر الحقيقي عليه‪ ،‬ولم تمر ساعات حتى عرفت أنه كلف من جديد لمعاودة الهجوم على نفس الموقع الذي هزمنا فيه‪،‬‬
‫وعندما واجهته بما قاله لي أثناء عودتنا من األديبة هددني بالقضاء على مستقبلي العسكري أو قتلي إذا أخبرت أحدا بما‬
‫جرى‪ ..‬لكنني كنت أشجع من تهديداته‪ ..‬اعترفت بالحقيقة للجنرال »جونين« لكنه هو اآلخر كان قد استقال‪ ،‬ليحل محله‬
‫الجنرال »حاييم بارليف« الذي كان متعاطفا مع شارون في جنونه وغبائه ونفاقه‪.‬‬
‫وبعد مطالعة كل تلك الشهادات من العدو ذاته ومعرفتنا بتفاصيل هذه المعركة المشرفة لنا كمصريين وكعرب ‪ ،‬أال يحق لنا أن‬
‫نتساءل‪ ..‬لماذ تم التعتيم على هذه المعركة وعلى الدور الجزائري فيها‪،‬وهو الدور البطولي المشرف والذي يؤكد لألجيال‬
‫الحالية والسابقة مدى قوة وعمق أواصر التالحم‬
‫المصري العربي في أوقات الشدائد والمحن‪.‬؟‬
‫لماذا تم التعتيم على هذا الدور الجزائري والذي‬
‫تم تسجيل فصوله بدماء أشقائنا األبطال من‬
‫الجزائريين في مقابل التضخيم المتعمد واإلبراز‬
‫الواضح لدور الملك فيصل في قطع البترول عن‬
‫الغرب؟ والذي عاد بالنفع على عرب النفط‬
‫وجعلهم يجنون أمواال طائلة نتيجة إرتفاع سعر‬
‫البترول وقتها لمستويات قياسية‪..‬؟مجرد أسئلة‬
‫نتمنى اإلجابة عنها‪!!!!!!..‬‬
‫وفي النهاية‪..‬تحية ألرواح أشقائنا الجزائريين‬
‫األبطال والذين روت دمائهم الطاهرة ثرى‬
‫مصرنا الحبيبة‪ ..‬والذين سطروا أروع مالحم‬
‫البطولة والشجاعة وكانوا معنا يدا بيد وكتفا‬
‫بكتف ودما بدم في مواجهة قوات العدو‬
‫الصهيوني الغاصب‪.‬‬
‫ملحق تكميلي ‪:‬‬
‫فى عام ‪ 1973‬طلب الرئيس الجزائرى السابق هوارى بومدين من االتحاد السوفيتى شراء طائرات وأسلحة إلرسالها إلى‬
‫المصريين عقب وصول معلومات من جاسوس جزائرى فى أوروبا قبل حرب اكتوبر بأن إسرائيل تنوى الهجوم على مصر‪،‬‬
‫وباشر الرئيس الجزائرى اتصاالته مع السوفيت لكنهم طلبوا مبالغ ضخمة فما كان من الرئيس الجزائرى إال أن أعطاهم شيكا‬
‫فارغا وقال لهم أكتبوا المبلغ الذى تريدونه‪ ،‬وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد الالزم ومن ثم إرساله إلى مصر وقد شاركت‬
‫جميع الدول العربية تقريبا فى حرب ‪ 1973‬طبقا ً التفاقية الدفاع العربى المشترك‪ ،‬لكنها كانت مشاركة رمزية عدا سوريا‬
‫والعراق والجزائر التى كان جنودها يشاركون بالفعل مع المصريين فى‬
‫الحرب بحماس وقوة على جبهة القتال‪.‬‬
‫كانت الجزائر ثانى دولة من حيث الدعم بعد العراق خالل حرب ‪1973‬‬
‫فشاركت على الجبهة المصرية بفيلقها المدرع الثامن للمشاة الميكانيكية‬
‫بمشاركة ‪ 2115‬جندى و‪ 812‬صف ضباط و‪ 192‬ضابط جزائري‪.‬‬
‫وأمدت الجزائر مصر بـ ‪ 96‬دبابة و‪ 32‬آلية مجنزرة و‪ 12‬مدفع ميدان و‪16‬‬
‫مدفع مضاد للطيران وما يزيد عن ‪ 50‬طائرة حديثة من طراز ميج ‪21‬‬
‫وميج ‪ 17‬وسوخوى ‪.7‬‬

You might also like