Professional Documents
Culture Documents
الاندماج النووي.pdf موقع الفريد في الفيزياء PDF
الاندماج النووي.pdf موقع الفريد في الفيزياء PDF
الاندماج النووي.pdf موقع الفريد في الفيزياء PDF
االندمــاج النووي
ت�أليـ ـ ــف :جوزف فاي�س
ترجمـ ــة :زينا مغربل فتحي علي زمال
مراجعة � :أبوبكر �سعداهلل د .فايز بن
علي ال�شهري
ماذا
أعرف ؟
Que
?s a i s - j e
ح مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية1435 ،هـ
فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر
فاي�س ،جوزف
االندماج النووي / .جوزف فاي�س ؛ زينا مغربل ؛ �أبو بكر �سعداهلل
الريا�ض1435 ،هـ
�99ص ؛ � 18٫5*12سم
ردمك978-603-8049-66-2 :
-1الطاقة النووية -2املفاعالت النووية �أ.مغربل ،زينا (مرتجم)
ب� .سعداهلل� ،أبو بكر (مراجع) ج.العنوان
1435/5751 ديوي 539.796
مت الإ�صدار �ضمن التعاون امل�شرتك بني مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية
واملجلة العربية (الثقافة العلمية للجميع)
3
المقدمة
يتمتّ���ع العدي���د من احليوانات مبك ّون���ات لغو ّية تتيح لها التّوا�ص���ل فيما
بينه���ا ،بل �إنّ منه���ا ما يجيد التّالعب ب�أدوات حقيق ّي���ة ب�إتقان � ،اّإل �أنّ ماهو
منه���ا عاج���ز عن �إ�ض���رام ال ّن���ار �أو احلفاظ عل���ى توهّ جها ،وم���ن هنا كان
التم ّك���ن من الن���ار هو العالمة املم ّيزة لوالدة الب�ش���رية .ففي جميع الأحوال
كان التح ّكم يف ال ّنار بداية رحلة الإن�سان للبحث عن احلياة �أكرث من جمرد
البقاء على قيدها .
ّ
من���ذ البداي���ة ،كان ال�س���تخدام الن���ار �آث���ار بالغ���ة التن��� ّوع :احل���رارة،
وال�ض���وء ،وحتويل الغ���ذاء واملعادن ،واملو�ض���وع املطروح هنا يف واحلماي���ةّ ،
ّ ّ ّ
الواق���ع �أعظم من النار يف ح ّد ذاتها؛ فامل�س����ألة متعلقة با�س���تخدام الطاقة
ب�أ�ش���كالها ك ّلها .من هنا- ،وقبل ظهور “�آالت ال ّنار” ،وعدم التمكن املمكن
بع���د من حتوي���ل ال ّنار �إلى طاقة ميكانيك ّية� -س���عى الإن�س���ان بح ًثا عن هذه
الطاق���ة يف الرياح �أو الـماء اجلــاري ،وال �س��� ّيما يف تروي�ض احليوانــات ،بل ّ
-يا للأ�سف -ال�ستعباد بني جن�سه.
للطاقة� ،أال وه���و ال ّنجوم، يت�أ ّمل الإن�س���ان منذ القدم يف م�ص���در �آخ���ر ّ
ال�شم�س ،وقد تع ّرف �أخ ًريا ،ومنذ �أق ّل من مئة عام� ،إلى وبخا�صة جنمه هو؛ ّ ّ
أي�ض���ا �أنّ بروميثيو�س Prometheus ً
م�ص���در هذه ال ّنار اال�ستثنائية ،مدركا � ً
ّ ّ اّ
قب�س���ا من ال ّنار ي�س���تخدمه كما ي�ش���اء� ،إل �أنه منذ �أقل من ع�شرة لن ي ْهديه ً
الظاهرة يف خمترباته ،مبتك ًرا �سبيلاً �أعوام ،مت ّكن الإن�س���ان من تكرار هذه ّ
الطاقة عامل ّي ًة ومرون ًة؛ الكهرباء ،وهكذا ،ويف الع�صر ال�ستخراج �أكرث �أ�شكال ّ
ّ
لنتخطى عتبته، الطاقة �أوجها ،ها هو باب يفتح، الذي بلغت فيه احلاجة �إلى ّ
امل�ضي قد ًما ،وحيث ينتظرنا حت ّد �آخر. ّ وجند م�سل ًكا يدعونا �إلى
5
6
الف�صل الأ ّول
النووي
ّ البالزما واالندماج
.1املبادئ الرئي�سة
�إنّ الن���ار حقيقة �ش���ائعة ،وقد تط��� ّورت بع�ض املفاهي���م املتع ّلقة بالنار؛
مت�س��� ّللة �إلى اللغة الرائجة يف �ص���ورة م�صطلحات احلرارة �أو درجتها .بيد
�أ ّنه فور حماولة التع ّمق يف فهم هذه امل�ص���طلحات� ،سرعان ما جند �أ ّنه قد
يتع ّذر �إدراك معانيها احلقيق ّية ،و�إن بدا ا�ستخدامها خال ًيا من الإبهام ،وال
عجب يف ذلك ،فكم ا�س���تغرق علماء الفيزياء �أنف�سهم من الوقت؛ للتخ ّل�ص
م���ن املفاهيم اخلاطئة الت���ي طاملا اقرتنت بال ّنار� .س���نتحدّث يف ك ّل ما يلي
وبا�س���تمرار عن غازات مع ّر�ض���ة لدرجات حرارة ا�س���تثنائ ّية يف ارتفاعها،
املخت�ص���ة ،ولكي نتم ّكن
ّ كم���ا ال يتح ّق���ق � اّإل يف النجوم �أو املختربات العلم ّية
جيدً ا من ا�ستيعاب ما يدور يف مثل هذه الظروف ،ينبغي الرجوع �إلى مفهوم
���ي؛ لذا �س���نتناول فك���رة “احلرارة” احل���رارة؛ لتحديد معنى دقيق وحد�س ّ
العا ّمة ،ودرا�ستها يف �ضوء ما نعرفه عن �ش�أن طابع املادّة “الذ ّر ّي”.
-1ما احلرارة؟
لننظ���ر �إل���ى �أحد البالون���ات املربوطة بخي���ط ،كتلك التي ْمي�س���ك بها
الأطف���ال .ه���ذا البال���ون ممتلئ بغ���از خفيف جدً ا؛ غ���از الهيلي���وم ،وتقول
الفيزي���اء احلديثة �إنّ الغاز -ك�س���ائر �أ�ش���كال املادّة -م�ؤ ّلف من ح�ش���د من
ال�ص���غرية؛ �-أي ال���ذ ّراتْ � -أي ذ ّرات الهيلي���وم يف ه���ذا املث���ال-
الأج���زاء ّ
الت���ي �سن�ش��� ّبهها يف الوق���ت ال ّراهن بكرات �ص���غرية �ص���لدة .ه���ذه الذرات
فراغي كبري يتغلغ���ل بني الكرة
ّ غري امللت�ص���قة ببع�ض���ها ً
بع�ض���ا؛ فث ّمة ح ّيز
باالتاهات كا ّف���ة ،مرتطم ًة فيما بينها، رواحا وجمي ًئا جّوالأخرى ،تتح��� ّرك ً
ومرت���دّة عن ج���دران البال���ون .الآن -وقد ر�س���منا هذا امل�ش���هد -بو�س���عنا
1مالحظة المترجم :بروميثيوس :أحد الجبابرة في الميثولوجيا اإلغريقية ،ذهبت األساطير إلى أنّ إله اإلغريق زيوس كلّفه وأخاه أبيمثيوس بخلق البشر ومنحه متطلّبات البقاء.
أي الهيليوم واألكسجين
7
احلدي���ث ع���ن احل���رارة؛ فحرارة حمت���وى البال���ون م���ن الغ���از� ،إذا �أردنا
متو�س���ط طاقة الهيجان يف ذ ّرات الغاز؛ قيا�س���ها بوحدات منا�سبة ،ت�ساوي ّ
�إذ تنج���م زيادة حرارة الغاز عن ت�ص���عيد �س���رعة الهيجان يف اجل�س��� ْيمات
الت���ي يت ّك���ون منها ،وعلى �س���بيل املث���ال والتّو�ض���يح ،ي�أتي الأك�س���جني الذي
يف الغ�ل�اف اجل��� ّو ّي املحي���ط بن���ا عل���ى هيئ���ة ذ ّرت�ي�ن مرتبطت�ي�ن تك ّون���ان
ال�ص���غرية الناجمة يف دوران ���زيء الأك�س���جني ،وتتح ّرك هذه ال ّث ّق���االث ّ ج ْ
ب�س���رعة 500م/ث ،ومبزي���د م���ن ال�س���رعة عند درج���ات ح���رارة عليا كما
�س���نبينّ الح ًقا .ال ب ّد من الإ�ش���ارة �إل���ى �أنّ لكتلة هذه اجل�س��� ْيمات �أث ًرا هنا،
ملتو�س���ط ال�س���رعة ،متنا�س���ب ًةو�أنّ ل���ك ّل درج���ة ح���رارة مع ّينة قيم ًة توافقها ّ
عك�س��� ًّيا مع كتل���ة اجل�س��� ْيمات امل ْعن ّية ،مبعن���ى �أ ّنه �إذا خلط ه���ذان الغازان
أخف بفع���ل معدّالت وبدرج���ات ح���رارة مت�س���اوية ،تتح ّرك اجل�س���يمات ال ّ
�سرعة اجل�س ْيمات الكربى.
ويف �ضوء هذا املفهوم للحرارة ،ميكن تو ّقع بع�ض الآثار البالغة الأه ّم ّية
عند ارتفاع درجة احلرارة يف الغازات .لنبد�أ �إذن بت�ص ّور ما يلي :يف الو�سط
بدل م���ن ذ ّرات فرد ّية. حم��� ّل النظر ،جند ذ ّرات مت�ض���امنةْ � ،أي جزيئات ،اً
بزيادة درجة احلرارة من خالل ت�صعيد �شدّة ا�صطدام اجلزيئات ببع�ضها
بع�ضا ،ي�صبح انفجار هذه اجلزيئات �أم ًرا ال مف ّر منه ،وهكذا ،وكما ن�شاهد ً
يف الواق���ع ،ميكن للح���رارة� ،إذا بلغت االرتفاع املطل���وب �أن تد ّمر الروابط
الكيميائ ّية املت� ّأ�ص���لة يف تركيب اجلزيئات كا ّف��� ًة؛ لذا فال غرابة يف �أن جند
مزيجا منها. أج�ساما �صغرية � ،أو ًعند درجات احلرارة املرتفعة �إ ّما � ً
لنت�أ ّم���ل الآن �أث ًرا �آخر بالغ الأهمية يف �س���ياق بحثنا ه���ذا � ،اّإل �أ ّنه ال ب ّد
لن���ا قبل ذلك من تطوي���ر منوذج الذ ّرة الذي �ش��� ّيدناه؛ فال��� ّذ ّرة ،و�إن كانت
تبدو كر ًة �ص���غري ًة للوهلة الأولى ،فهي يف الواق���ع مك ّونة من نواة ثقيلة ذات
�ش���حنة ك ْهربائ ّية موجبة حماطة ب�سحابة من الإلكرتونات ،تلك اجل�سيمات
ال�ش���حنة الكهربائ ّية ال�س���لب ّية تتج���اذب الإلكرتونات وال ّنواة؛ اخلفيفة ذات ّ
ليتك��� ّون جمموع متعادل كهربائ ًّيا كما هي املادّة بطبيعة احلال ،ويعرف هذا
8
“الكوكبي» ،نظ ًرا مل�شابهته املجموعة ّ
ال�شم�س ّية، ّ ال ّنموذج اجلديد بال ّنموذج
ال�ش���م�س العظيمة حت ّل حم ّل ال ّن���واة ،حماطة بالكو ْيكبات ّ
ال�ص���غرية حي���ث ّ
واخلفيفة الوزن ،حمل الإلكرتونات .لنعد الآن �إلى درا�سة حركة التنامي يف
درجات احلرارة يف �ض���وء هذا النموذج الأكرث تعقيدً ا ،الذي ت�شت ّد فيه ق ّوة
ويتحط���م ذلك الرابط الذي بني ال ّن���واة والإلكرتونات، ّ ا�ص���طدام الذرات،
كما تو ّقعنا.
لنتو ّقف قليل عند حلظة ن�ش���وء هذه الظاهرة اجلديدة .ذلك �أنه عند
ّ اً
تع ّر�ض غاز ما لدرجة حرارة مالئم���ة ،تفْقد ال ّذرات تدريج ًّيا �إلكرتوناتها.
ت�س��� ّمى ال��� ّذرات التي فقدت جز ًءا م���ن �إلكرتوناتها الأيون���ات ،وت ْعرف هذه
مبجمله يبق���ى متعادل الظاه���رة بت�أ ّي���ن الغ���از .اجلدير بالذك���ر �أنّ الغ���از ْ ّ
ال�ش���حنة الكهربائ ّية ،وال �س��� ّيما �أنّ الإلكرتونات التي ال تزال حا�ضرة -و�إن ّ
باتت منف�ص���ل ًة -ت�ص���بح �إلى ح ّد ما منف�صلة عن ال ّنوى التي كانت مرتبطة
ال�س���ابق .ي�ص���بح امل�ش���هد وك�أ ّننا ب�ص���دد غازين خمتلطني :غاز من بها يف ّ
الإلكرتون���ات ،وغ���از م���ن الأيون���ات ،مع العلم �أنّ خ�ص���ائ�ص هذا الو�س���ط
“عادي» ،وال �س ّيما �أنّ الو�سط اجلديد مو�صل ّ متاما عن و�س���ط غاز خمتلفة ً
أ�صبحت متح ّركة.
ْ ال�شحنات الكهربائ ّية التي � عال للكهرباء؛ وذلك بف�ض���ل ّ
كما تالحظ �آثار �أخرى ،مثل �ص���دور خمتلف الإ�شعاعات وبع�ض احل�سا�س ّية
���ي .بذل���ك ،و�إذا �ص��� ّعدنا درجة احل���رارة بد ًءا من �إزاء احلق���ل املغناطي�س ّ
ال�سائلة التيّ احلالة إلى � لاً و
ّ �
أ ننتقل اتها، ر ذ
ّ ّ برتا�ص ال�ص ْلبة املتم ّيزة
احلالة ّ
بع�ض���ا ،ومن ّثم �إلى احلال���ة الغاز ّية التيتنزل���ق فيها ال ّذرات فوق بع�ض���ها ً
ت�ص���بح فيها ال ّذ ّرات منف�صلة ،قبل الو�صول �أخ ًريا �إلى هذه احلالة الفريدة
التي �أ�ش���رنا �إليها �آن ًفا- ،التي ت ْعرف بالبالزم���ا .كما تع ّد يف بع�ض الأحيان
“احلالة ال ّرابعة” من حاالت املادّة ،ومن الأمثلة الي�س�ي�رة جدًّا على هذه
احلالة كيف ّية عمل �أنبوب فلوري؛ �إذ تع ّر�ض ك ّمية �ص���غرية من املادّة لدرجة
2أي الهيليوم واألكسجين
9
ح���رارة °100,000م فت�ص���بح يف حال���ة البالزما .كما ث ّمة مث���ال �آخر ،من
الطبيعة ،ميكن م�ش���اهدته دائ ًما يف النجوم ،وال �س��� ّيما �شم�سنا التي ال تزال
لب
���نهتم فيما يل���ي مبا يحدث يف ّدوم���ا يف حال���ة البالزما املتوهّ جة؛ لذا �س ّ
ً
البالزما الكامنة يف قلب ال�ش���م�س ،وحيث درجات احلرارة التي ت�ص���ل �إلى
15مليون درجة مئو ّية.
-2انعطاف �صغري عند النجوم
بد�أنا فيما �س���بق ت�س��� ّلق �س��� ّلم درجات احلرارة التي ت�صل �إلى درجات
حرارة ال ّنجوم ،وميكن اال�ستمرار هكذا اً
و�صول �إلى درجات عليا فعل ًّيا ،وهو
ما يحدث بالفعل يف معجالت اجل�س���يمات التي تطر�أ فيها -ح�س���ب علمنا،
خالل حلظات ا�ص���طدام وجيزة -درجات احلرارة التي كانت �س���ائدة لدى
ن�ش����أة الك���ون (� 1015ألف للمعجل الكبري يف جينيفا� ،سوي�س���را)� .س���نبقى
متوا�ضعني يف طموحنا ،ففي الواقع ،ويف البالزما املع ّر�ضة لدرجات حرارة
مما و�ص���فنا �آن ًفا ،حتدث ظاهرة �ش���ك -و�إن كانت �أق ّل بكثري ّ
مرتفعة -بال ّ
رئي�سة تقت�صر على ال ّذ ّرات اخلفيفة.
يتك ّون النجم ب�ص���ورة �أ�سا�س��� ّية من بالزما هيدروجين ّي���ة ،نظ ًرا لكون
���ف من ك ّل ال���ذ ّرات؛ �إذ ترتطم يف ه���ذه البالزما الأيوناتالهيدروج�ي�ن �أخ ّ
وتتنافر ب�ص���ورة طبيع ّية؛ نظ ًرا لتماثل �شحناتها الكهربائ ّية ،و�إذا حدث �أن
�أدّى م�سار �أيونني �إلى التقائهما� ،أ�سفرت ق ّوة تنافرهما عن �إبطاء حركتهما،
ومن ّثم انحرافهما؛ فيتج ّنب �أحدهما الآخر قبل �أن يتقاربا ب�صورة كبرية.
ال�ص���دمة الواقعة بني الأيونني هي �ص���دمة “مبا�ش���رة” وعند �أ ّما �إذا كانت ّ
معدّل �س���رعة كافية ،تقارب الأيونان �إل���ى ح ّد دخولهما حقل الق ّوة النوو ّية،
وهو حقل �شديد الق�صر ،عل ًما �أنّ ق ّوة التجاذب القائمة عندئذ بني الأيونني
قد ًرا من ق��� ّوة تنافرهم���ا الكهربائ ّية؛ ونتيج ًة لذل���ك يرتابط هذان �أعظ���م ْ
الأيونان م�ش ّكلينْ �أيو ًنا فريدً ا �أثقل :يقال حينئذ �إنّ ال ّنوى قد دجمت.
هك���ذا ،ويف النج���وم الأ�ش���به بالأفران ،تطهى الأج�س���ام الت���ي تك ّوننا
10
وتك��� ّون هذا الع���امل كا ّفة ،بد ًءا م���ن الهيدروجني :والكربون ،والأك�س���جني،
���ووي بع���د حلظ���ات م���ن والدة الكون واحلديد�...،إل���خ .ب���د�أ االندم���اج الن ّ
(االنفجار العظيم )The Big Bangوال يزال م�س���تم ًّرا اليوم ل�ضمان توليد
املادة التي ت�ش��� ّكل عاملنا ،وهناك املزيد -ف�إذا وز ّنا الأيونني قبل التّ�صادم،
نق�صا يف املادّة ،وعلى وفق ومن ّثم الأيون الناجم عن اال�ص���طدام ،الحظنا ً
نظر ّية �أين�ش���تاين ال�ش���هرية ،E = mc2 :فقد حت ّولت ه���ذه املادّة �إلى طاقة،
النووي ب�س���رعة
ّ وعل���ى �ص���عيد ملمو�س ،يتمتّع الأي���ون الناجم عن االندماج
ال�س���رعة التي يف الأيونني الأ�ص���ل ّيني ،وهنا تكمن تعادل ع�ش���رات �أ�ض���عاف ّ
مي���زة هذا التفاع���ل الرئي�س؛ �إذ ميكن �أن مي ّثل اندم���اج ذ ّرات الهيدروجني
م�صد ًرا للطاقة� ،شريطة �أن نتم ّكن منه ً
متاما على الأر�ض.
لن�سع �إلى فهم املزيد عن �س ّر ت�شغيل قبل الإياب �إلى �أر�ض���نا وهمومناْ ،
جت�سدها النجوم؛ فقد بتنا الطاقة واحلرارة الهائلة التي ّ الطبيعة مل�ص���ادر ّ
ندرك �أنّ النجم يت�ش ّكل من �سحابة هائلة من الهيدروجني املتخ ْلخل �إلى ح ّد
ما؛ �سحابة �ستبد�أ بالتق ّل�ص واالنقبا�ض ببطء بفعل قانون اجلاذبية العا ّمة،
بال�س ��قوط ال ��ذي يفر�ض جتاذب الكتل كله ��ا .تبد�أ �إذن ذ ّرات الهيدروجني ّ
ال�س ��حابة يف الوقت نف�سه ،مما وال�س ��قوط نحو مركز ّ بع�ضاّ ، فوق بع�ض ��ها ً
ال�سرعة� ،أ ّما على �صعيد ي�سفر �أ ّو اًل عن اكت�ساب ذ ّرات الهيدروجني قد ًرا من ّ ْ
ال�س���رعة �إلى حرارة ،ويبد�أ ارتط���ام هذه ال���ذ ّرات فيما بينها ،فتتح ّول هذه ّ
ارتفاعا كاف ًيا ،كما �سبق �أن
ً بال�سخونة ،وعند بلوغ احلرارة غاز الهيدروجني ّ
ذكرن���ا ،تندمج �أيونات الهيدروجني ،مو ّلدً ا هذا االندماج �أيونات الهيليوم؛
الطاقة .لنالحظ الآن الأثر الثاين قدر هائل من ّ �إذ ينجم هذا التفاعل عن ْ
الذي ال يق ّل �أهم ّية؛ �إذ ْمت�س���ك ق ّوة التجاذب الناجمة عن اجلاذبية العا ّمة
بع�ضا ،وك�أ ّنها حت�ص���ر ا ُ
جل�سيمات؛ � ْأي �أ ّنها باجل�س���يمات كا ّفة ،مع بع�ض���ها ً
تتدارك ت�شتّتها ،ومن ّثم ت�ؤ ّمن ا�ستمرار هذه العمل ّية؛ .ف�إذا ت�س ّبب ا�صطدام
ما �أو � ّأي ظاهرة �أخرى ما بطرد ج�س ْيم ما ،اتّخذ هذا الأخري هذه احلركة،
� اّإل �أنّ ق��� ّوة اجلاذب ّية �س���ت ْكبح اجل�س��� ْيم يف الوقت ذاته ،وت ْرجع���ه �إلى حالة
11
ال�سقوط نحو قلب الغيمة. ّ
ّ
ينبغ���ي �إذن ت�ص��� ّور الآل ّية الأ�سا�س��� ّية لإنت���اج الطاقة بو�س���اطة اندماج
�أيونات الهيدروجني يف �ض���وء ثالث ركائز رئي�س���ة ،على غرار ما يحدث يف
اً
تف�صيل يف وقت الحق :مادّة �أ�سا�س ّية ال ّنجوم ،وهي الركائز التي �سنتناولها
مك ّون���ة م���ن ذ ّرات خفيفة ،ومبد�أ ت�س���خني هذه املادة لتبل���غ درجة احلرارة
املالئمة ،ومبد�أ ح�صر البالزما ،وجت ّنب تف ّرق اجل�س ْيمات ،وفتور حرارتها.
وقد ب ّي ّنا ب�ص���ورة ي�سرية ،حتت رموز العنا�صر الكيميائ ّية ،نوى الذرات
ال�سهمْ � ،أي قبل حدوث التفاعل ،نالحظ نوى الدّوتريوم املعن ّية؛ فعلى ي�سار ّ
والترّ تيوم املك ّونني من ج�سيم � ّ
إيجابي واحد (الربوتون) وعلى التّوايل نرتون
ونرتونان ،عل ًما �أنّ النرتون هو ج�س���يم متعادل ذو كتلة قريبة جدًّا من كتلة
ال�س���هم يتم ّثل الناجت من تفاع���ل االندماج؛ �إذ لدينا
الربوت���ون ،وعلى ميني ّ
ذ ّرة هيليوم (بروتونان ونرتونان) �إ�ض���افة �إلى ن�ت�رون ح ّر .اجلدير بالذكر
12
حم�صلة ناجت هذا التفاعل من الطاقة يكون �إيجاب ًّيا؛ ذلك �أ ّنه �إذا عد ْدنا �أنّ ّ
طاق���ة ذ ّرات الدوتريوم والرتتيوم م�س���اوي ًة ل���ـ 1( 2للدّوتريوم و 1للترّ تيوم
املتعادل�ْي�نْ يف درج���ة احلرارة) ،ف�إنّ طاقة ذ ّرة الهيليوم ت�س���اوي 37وطاقة
الطاقة، ال ّنرتون احل ّر تعادل 140؛ � ْأي �أ ّننا ح ّققْنا مك�س��� ًبا يناهز الـ 100يف ّ
مبوازنة طاقة ج�سيمات ما قبل التفاعل مع طاقة اجل�سيمات ال ّناجتة.
نت جتارب اال�صطدام الذ ّري الذ ّرات الأكرث �إثار ًة لالهتمام يف وقد ع ّي ْ
ّ ّ ّ
نت لنا يف الوقت ذاته �أنه ال ينبغي توقع �إنتاج الطاقة ّ
ال�س���ياق ،لكنها ب ّي ْ
هذا ّ
ً
مبج��� ّرد �إطالق �ش���عاع من الدّوتري���وم مبا�ش���رة على الترّ تيوم امل�س���تهدف
الب���ارد؛ ففي �أكرث م���ن %99من احلاالت ،يكبح اجل�س��� ْيم امل ْلقى حتّى ي ْثنى
�شيوعا
عن التفاعل؛ فحاالت التّ�صادم العاد ّية مع االنحراف والتباط�ؤ �أكرث ً
امل�س���فرة عن اندماج ن���وى الذرات .بي���د �أنّ ال ّنتيجة م���ن حاالت التّ�ص���ادم ْ
متاما يف حال غاز �س���اخن مك ّون من خلي���ط متعادل من الدوتريوم تختلف ً
الطاقة لدى الت�ص���ادم ،بل تتبادلها الأيونات والرتتي���وم؛ �إذ ال تفقد عندئذ ّ
فت�س���فر الأيونات عن العديد من حاالت املك ّونة للمادّة ال�س���ريعة اال�شتعال؛ ْ
اال�ص���طدام الأخ���رى يف الغاز ذاته ،ومنها ما ميكن �أن يك���ون موات ًيا لعمل ّية
االندم���اج .اجلدي���ر بالذك���ر �أ ّنه ال ب��� ّد م���ن �أن تندمج ال ّن���وى يف قلب الغاز
���راري ،وهكذا
النووي احل ّّ ال�س���اخن؛ لذل���ك نع ّرف هذه العملي���ة باالندماج ّ
يتجلى �شرط �أ�سا�س � ّ�ي من �شروط هذه العمل ّية؛ ذلك �أنّ تفاعالت االندماج ّ
ال�ض���رورة � اّأل
���م �إال م���ع �أيونات ذات �س���رعة كافية؛ لذا فمن ّ ال ميك���ن �أن تت ّ
الطاقة طوال ْرطا م���ن ّقد ًرا مف ًتفْقد هذه اجل�س��� ْيمات �إ ْثر عمل ّي���ات �أخرى ْ
ي�س��� ًرا ال ينبغ���ي �أن يبرْ د املزيج اال�ص���طدامات امل ْثم���رةً .
مبعنى �آخر و�أكرث ْ
الغازي ب�سرعة مفْرطة. ّ
توخ���ي املزيد من الد ّق���ة؛ فبعد تفاع���ل االندماج يواجه ال ب��� ّد هنا من ّ
متاما ع���ن م�ص�ي�ر ال ّن�ت�رون؛ فال ّنرتون م�ص�ي�را خمتل ًف���ا ًً �أي���ون الهيلي���وم
3كما يشير اسمه neutronالمشتق من neutreأي محايد و électronأي الكترون.
13
ال�ش���حنة الكهربائية� ،س���رعان م���ا يغادر ال�ص���غري احلج���م ،واملج ّرد م���ن ّ ّ
���ط م�س���تقيم -البالزما التي ال يتفاع���ل معها عمل ًي���ا � ،اّإل �أنّ طاقته ال
-وبخ ّ
ت�ص � .أ ّما
ت�س�ت�ر ّد يف �ص���ورة حرارة يف اجلدار املاد ّّي؛ �إذ �س���ي ْم ّ
تتبدّد؛ بل ْ
الهيليوم ،فهو �أيون ،لذلك �سيتفاعل ،خال ًفا لل ّنرتون ،وب�شدّة مع �إلكرتونات
الطاقة الكربى ،فهو و�أيون���ات البالزما ،ونظ ًرا لكون الهيليوم هو الأيون ذو ّ
الذي �س���يتخ ّلى �شي ًئا ف�ش���ي ًئا عن طاقتــه للج�س��� ْيمـات الأكرث برود ًة -والتي
ي�ص���ادفها .تفاعالت االندماج �إذن -كما يف ال ّنجوم -م�ص���در للحرارة يف
قلب البالزما ذاتها.
ّ
�شك فيه �أننا ن�سعى �إلى بلوغ حالة يع ّو�ض فيها م�صدر هذه الطاقةّ مما ال ّ ّ
ّ
الدّاخل ّي���ة؛ � ْأي �أيون���ات الهيلي���وم اخل�س���ائر كافة ،التي ال مف��� ّر للبالزما من
تك ّبدها ،وهي احلالة امل�س��� ّماة الإ�ش���عال؛ � ْأي حالة دائمة من اال�شتعال ت�ستم ّر
الظروف التي ينبغي توافرها لبلوغ هذه احلالة ما ا�ستم ّرت تغذيتها بالوقودّ .
لي�س���ت ع�س�ي�رة ،وقد �أ�س���فرت احل�س���ابات عن معادلة ي�س�ي�رة ت ْعرف مبعيار
الإ�شعال (وهي معادلة قريبة جدًّا من معادلة �أخرى �أقدم� :شرط الو�سون):
عند 100 = Tميلون درجة ،ينبغي 1020 > * nلك ّل م 3ولك ّل ث؛ �إذ:
Nهي الكثافة وتقا�س بعدد اجل�س���يمات لك ّل م�ت�ر مكعب (ك ّلما ازدادت
الكثاف���ة زاد ع���دد اال�ص���طدامات يف ك ّل ثاني���ة) ،و( τث���وان) ه���ي ال ّزم���ن
���ي لتربيد بالزم���ا الدوتريوم والرتتيوم ،الذي يع���رف عمو ًما بزمن النموذج ّ
ح�صر ّ
الطاقة.
تع��� ّد هذه املعادلة -عل���ى الأق ّل من حيث املبد�أ -بديه ّي ًة �إلى ح ّد ما؛ فهي
تن�ص ب�ص���ورة ي�س�ي�رة على �أ ّن���ه ك ّلما ق�ص���ر الزمن الذي يبقى فيه الو�س���ط ّ
�س���اخ ًنا زاد الع���دد املطلوب م���ن التّ�ص���ادمات لك ّل ثاني���ة ،عل ًم���ا �أنّ القيمة
تخطيه- ال ّرقمي���ة للعدد الثاين -هنا نقيم يف الواق���ع حاجز ًا عملي ًا ال بد من ّ
وهو حاجز �س���رعان ما ندرك مدى ارتفاعه ،فلي�س من ال�سهل احل�صول على
و�سط يحدث فيه االندماج النوويّ .
14
-4م�سارا البحث
ال�س���هل �إدراك املبادئ يف �ض���وء م���ا �أو�ض���حناه حتّ���ى الآن ،ب���ات م���ن ّ
والتح ّدي���ات الرئي�س���ة مل�س���اري البحث الأ�سا�س��� ّيينْ ،ال ّلذين تطو ّرا بق�ص���د
لنفرت�ض
ْ ال�س ْعي �إلى التح ّكم بطاقة االندماج .عودة جمدّدة لنقطة البداية: ّ
���طا بالزم ًّيا �س���اخ ًنا مترْ و ًكا يف الوق���ت ال ّراهن على حاله، �أنّ بحيازتنا و�س ً
الظ���روف؛ �إذ ميكن القول، ميي���ل هذا الو�س���ط �إلى التّبعرث �س���ري ًعا يف هذه ّ
لتعزيز فهمنا لهذه الظاهرة� ،إنّ ج�س��� ْيمات البالزما تتباعد يف االجتاهات
كا ّف���ة ،ومبعدّل �س���رعة �أثقله���ا؛ � ْأي مبعدّل �س���رعة الأيون���ات ،التي تتح ّرك
ال�س���عي �إلى جت ّنب هذا التبعرث ،مبعنى ب�س���رعة 1000كم/ث .من هنا كان ّ
ال�سعي �إلى ح�ص���ر البالزما .نظ ًرا لأثر اجلدران املاد ّية املنطوي يف �أح�سن ّ
الأحوال على تربيد البالزما ب�ص���ورة بالغة ،بل وامت�ص���ا�ص اجل�سيمات يف
توجهت امل�س���اعي البحث ّية نحو احلقول املغناطي�س ّية .لك ّننا �أ�س���و�أ الأحوالّ ،
ً
�س���رعان ما اكت�ش���فنا �أنّ احلقول املغناطي�سية لي�س���ت عاجزة ،عند درجات
احلرارة التي تعنينا� ،إال عن حب�س مقادير �ضئيلة جد ًا من الكثافة الغازية،
وح�س���ب املعادل���ة �آن ًفا ،ث ّمة حاج���ة عندئذ لإطالة زمن احل�ص���ر؛ �إذ حتتاج
املغناطي�سي (وهو اال�س���م الذي يطلق على هذا ّ طريقة االندماج باحل�ص���ر
البحثي) �إلى �أن تناهز �أزمنة احل�صر مدّة الثانية ،وقد تبدو الثانية ّ امل�س���ار
املادي حقيق ّية ،وما ّ
يدل ال�صعيد ّ حلظ ًة عابر ًة ،لكنّ ال�صعوبة الكامنة على ّ
عل���ى ذلك هو �أ ّنه ينبغي للأيون �أن يثني م�س���اره 100,000م ّرة على الأق ّل،
�إذا كان ط���ول احل ّيز الذي ينبغي �أن يبقى فيه 10م � ،اّإل �أنّ امل�س���ار ال ب ّد من
�أن يكون ع�ش���وائ ًّيا �إلى ح ّد ما ،بفعل التّ�صادمات ،كما �أ ّنه ال ينبغي للج�سيم
�سي�س���فــر عن ا�ض���محـالل �أن يالم����س اجل���دران؛ لأنّ مث���ل هذا االحتكاك ْ
اجل�س���يم ،ومل يتح ّق���ق النجاح يف حت�ص���يل ه���ذه الظروف عل���ى جمموعة
�ض���ي عنها � اّإل م� ّؤخ ًرا ،ويف �سياق ترتيب و�إعدادمن اجل�س��� ْيمات ب�صورة م ْر ّ
مغناطي�سي بالغ الدّقة.
ّ
15
تاريخ ًّيا� ،أدى اكت�شاف ال ّليزر �إلى �إعادة طرح هذه امل�س�ألة مب�صطلحات
البالزمي الذي مييل ،يف غياب مزيد من ّ خمتلفة .لنعد جم ّددًا �إلى الو�سط
االحتياطات� ،إلى االنت�ش���ار خالل وقت ق�صري جدًّا؛ وقت ذي قيمة حمدّدة،
و�إن كانت �صغري ًة جدًّا ،ت�صل �إلى الواحد من املليار من الثانية .تتيح �أ�ش ّعة
الطاقة خالل هذه املدة الزمنية؛ تبدو ب�ص���ورة الليزر �إي�ص���ال كم ّي���ات من ّ
�أ ّول ّية كافي ًة ل�ض���غط هدف �ص���غري وت�س���خينه ،ينتج بعد ذل���ك طاقته خالل
ال�سخونة من الهيليوم وهلة تب ْعرثه العابرة ،وي�س���فر عن ذلك غيمة �ش���ديدة ّ
الطاقة ال ّناجتة يف اجل���دار املحيط باجلهاز. وال ّنرتون���ات التي تتخ ّل���ى عن ّ
أي�ضا العودةفهل هذه العمل ّية �أهون من االندماج املغناطي�س���ي؟ ينبغي هنا � ً
�إلى معيار الإ�ش���عال؛ لتكوين فكرة ولو ي�س�ي�رة عن م���دى تعقيد هذه الآل ّية،
ق�ص�ي�را ج���دًّا ،وال �س��� ّيما �أ ّنه يعادل
ً فف���ي هذه احلالة يكون زمن احل�ص���ر
على الأكرث زمن انت�ش���ار الهدف ،وهذا يعني �أنّ الكثافة امل�س���تخدمة عالية
ال�صلبةجدًّا ،ولتكن (لنكن عمل ّيني) م�س���اوي ًة لألف �ضعف من كثافة املوا ّد ّ
العاد ّية .هذا يعني �أنّ على ال ّليزر �أنْ ي�ض ��من -يف �آن واحد -ان�ضغاط املادّة
�إل ��ى �أق�ص ��ى حدّ ،وت�س ��خي ًنا كاف ًيا عند نهاية االن�ض ��غاط؛ �إذ تت � ّ�م املراحل
التّالي���ة م���ن العملي���ة ك�أ ّنها عمل ّي���ة انفجار �ص���غرىُ .ت ْعرف ه���ذه الطريقة
حت�صر الظاهرة الوحيدة التي ْ باالندماج باحل�ص���ر العطايل ،وال �س��� ّيما �أنّ ّ
جل�س ْيمات هي ق�صورها الذاتي ،و�إن كانت ن�سب ّية. ا ُ
الطريقتني ال ّلتني عر�ض���ناهما ب���د�أب ،و�إنمّ ا ك ّل يف �س���ياق تتب���ع كلت���ا ّ
متام���ا ع���ن الآخ���ر ،فبق���در تطوي���ر عمل ّي���ة االندماج باحل�ص���ر خمتل���ف ً
���ي -الت���ي ال تطبي���ق ينتظر منها �س���وى �إنتاج الطاق���ة -يف �إطار املغناطي�س ّ
يل بالغ االنفتاح ،يع ّد االندماج باحل�صر العطايل الذي ي�ستخدم ملحاكاة دو ّ
الأ�س���لحة النوو ّية يف �إطار بالغ اخل�صو�ص��� ّية للبحث امل�ص��� ّنف �ضمن قطاع
“الدفاع” .فهل هذا يعني �أ ّنه ال ميكن �أن ي�سفر االندماج باحل�صر العطايل
عن تطبيقات لتوليد الطاقة؟ ح ًّقا ال ،و�سنعود �إلى هذا املحور عند اخلو�ض
يف �آفاق مفاعالت امل�ستقبل.
16
-5القيا�س
امل�ضي قدم ـ ـًا،
ث ّمة �س�ؤال بال ـ ــغ الأهمي ـ ــة ينبغــي الإجاب ــة عنـ ـ ـ ـ ـ ــه قب ــل ّ
ـزي ل ــدى �إعداد جتربـ ـ ــة علم ّي ــة بالغ ـ ــة
وه ــو �س ـ�ؤال طرحــه ل ــورد �إجنليـ ـ ـ ّ
الأهم ّي���ة يف �إنكلرتا« :ب���� ّأي مي ــزان للحـ ـ���رارة تقـ ـ ــا�س درج ـ ـ���ات احل ــرارة
ه ــذه؟» .ميك ــن بالفع ــل االكتــفاء بال ــر ّد الذي �أتى �آن ــذاك على ل�س ــان �أح ــد
نظرائ ـ���ه« :يا �س���ادتي الل ـ ــوردات ،ال ب ّد من �أن يك ـ ـ ـ���ون مي ـ ـ ــزان احل ـ ــرارة
كبيـ ـ ًرا جــدًا».
علينا �أ ّو اًل الوقوف عند قيا�س مقادير الكثافة ال�ضئيلة جدًّا ،امل�ستخدمة يف
الوقت الراهن يف خمتربات االندماج باحل�صر املغناطي�سي ،عل ًما �أنّ املق�صود
العادي؛
ّ العملي
ّ قيا�سا بال�سياق
بالكثافة ال�ضئيلة جدًّا هو مقادير حمدودة جدًّا ً
ذلك �أنّ الكثافة البالزم ّية يف االندماج باحل�ص���ر املغناطي�سي ال تكاد تتجاوز
اجلوي املحيط بنا� .إ ّننا نتعامل يف الواقع ّ الواحد من املليون من كثافة الغالف
حقيقي ،وفيم���ا يلي اخلطوات املتّبعة لقيا�س مقادي���ر الكثافة :نبد�أ ّ م���ع فراغ
ال�شعاعالبالزمي ،وحني يلتقي هذا ّ ّ �أ ّو اًل ب�إطالق �ش���عاع من ال ّليزر يف الو�س���ط
االتاهات ال�ش���عاع ،وتب ّثه���ا يف جّمتت�ص هذه الأخرية �ض���وء ّ بالإلكرتون���اتّ ،
ك ّلها ،فهي تن�شر ال�ض���وء ،وميكن ت�شبيه هذه الظاهرة بظهور حب ْيبات الغبار
للعيان لدى مرور �شعاع نور بها يف غرفة معتمة ،عل ًما �أنّ �آل ّية االنت�شار الكامنة
أفقي ،ومبتابعة �شعاع خط الب�صر ال ّ خمتلفة � ،اّإل �أنّ املبد�أ هو ذاته .با�ستهداف ّ
ليزر ينت�شر عمود ًّيا ،ال ي�صل � ّأي �ضوء �إلى امل�شاهد �إن مل تكن ث ّمة �إلكرتونات،
بقدر ما يف �شعاع الليزر من �إلكرتونات؛ �إذ ي�صبح ك ّل كما �أ ّننا ن�ستقبل �ضو ًءا ْ
ثانوي �صغري .من هنا كانت ك ّم ّية م�ص���در �ضوء ّ من هذه الإلكرتونات عندئذ ْ
ّ
قيا�سا بكثافة غاز الإلكرتونات ،عل ًما �أنه ميكن ا�ستهداف يت ً ال�ض���وء التي تل ّق ْ
والتو�صل �إلى قيا�س للبالزما يف نقاط خمتلفة ّ نقاط خمتلفة من �شعاع ال ّليزر،
من البالزما ،ويبينّ مثال الغبار �أ ّنه ميكن للقيا�س �أن يك�شف عن ك ّم ّيات �ضئيلة
4حديث دار بين الكونت فيريرز والفيكونت ديفدسون في غرفة اللوردات في 19مارس .1987
17
ال�سواد لتفادي جدًّا من املادة .لت�س���هيل القيا�س ،ينبغي وجود خلف ّية �ش���ديدة ّ
لل�ضوء � ّأي انعكا�س ل�ض���وء عار�ض ،وم�ص���در ليزر ذي قدرة كافية ،ومتل ّقيات ّ
ال�ض���وء) .اجلدير بالذك���ر �أنّ معظم هذه البالغة احل�سا�س��� ّية (م�ض���اعفات ّ
متاما ،بل �إ ّنها التّجهي���زات املخرب ّية تتمتّع مبعدّات القيا�س ب�ص���ورة روتين ّية ً
ت�س���تخدم معدّات �أكرث تعقيدًا ،ت�سمـ ــح ب�إج ــراء قيا�س���ات على �أوقات زمن ّية
بالغة التّقارب.
ق�س���نا ت ًّوا
ينبغي الآن االنتقال �إلى حتديد درجة حرارة الإلكرتونات التي ْ
أي�ض���ا اجلهاز نف�س���ه ،لك ّننا نتع ّم���ق �أكرث يف حتليل
كثافتها؛ �إذ ن�س���تخدم هنا � ً
لل�ضوء املنت�شر، فبدل من االكتفاء بتحليل الكثافة الإجمال ّية ّ ال�ض���وء املتل ّقى ،اً
نح ّلل هنا تركيبه بوا�سطة �أدوات معدّة لهذه الغاية ،مثل �أجهزة املطياف ،وهي
ال�ضوء؛ لر�ؤية الألوان التي تكو ّنه كا ّفة .يتبينّ
تتيح ،على غرار املن�ش���ورات ،نرث ّ
هنا �أنّ ال�ض���وء ،الذي كان له يف بادئ الأمر لون واحد يحدّده الليزر ،يكت�س���ب
بع���د االنت�ش���ار ،نطا ًقا م���ن الألوان ،ويقال �إنّ ال�ض���وء مي ّثل “طي ًف���ا»؛ ذلك �أنّ
الإلكرتونات تخ ّلف يف ال�ضوء الذي تن�شره �أثر �سرعتها ،على �صورة تغيرّ ي�سري
باتاه ال�سيارة �أثر �سرعتها يف احلزمة التي تر�سلها جّ يف اللون ،متا ًما كما ترتك ّ
ّ
الرادار الذي ير�ص���د املركبات عند حاف���ة الطريق ،وهو ما ي ْعرف ب�أثر دوبلر،
ريا�ضي
ّ وفق ما �س���بق ذكره ب�ش�أن درجة احلرارة ،يتّ�ضح لنا �أ ّنه ميكن بتطبيق
ومتو�س���ط متو�س���ط �س���رعة الإلكرتوناتّ ، ي�س�ي�ر االنتقال من فارق ال ّلون �إلى ّ
�س���رعتها عند درجة حرارتها .ينبغي هنا الإ�شارة �إلى �أمرين� :أ ّو اًل -كما �سبق
�أن لفتن���ا -ميكن �أن نحدّد درجة احل���رارة يف نقطتني يف البالزما ،لدينا �إذن
املتو�سطة؛ �إذ ميكن �أن نحدّد على �سبيل املثال ما هو �أف�ضل من درجة احلرارة ّ
كيف ّي���ة التغيرّ يف هذا املقدار بال ّذهاب من مرك���ز البالزما �إلى طرفها ،وهذه
أي�ض���ا وهذه هي املالحظة الثاني���ة� -أ ّنه ك ّلما معلوم���ة ق ّيم���ة ح ًّقا ،ولك ّننا نرى � ً
ارتفعت درجة احلرارة عظمت فوارق ال ّلون ،و�سهل القيا�س .بذلك -يف الو�سط
البالزمي النموذجي -تكون درجات احلرارة البالغة االرتفاع يف الو�سط �أ�سهل
الطرف.للقيا�س من درجات احلرارة الدّنيا ا ّلتي جندها على ّ
18
التدخل بد ّقة يف
�ش���ك -كيف ميك���ن ّ ختام���ا ،تبينّ هذه القيا�س���ات -بال ّ
ً
و�س���ط �ساخن ّ
وه�ش ،دون �إثارة ا�ضطراب فيه ،عل ًما �أنّ هناك -ح ًّقا -و�سائل
ال�صعوبات ّ
بال�ضرورة بازدياد درجة �أخرى متّبعة� .إ�ضافة �إلى ذلك ،ال تزداد ّ
�صحيحا.
ً احلرارة ،بل ربمّ ا يكون العك�س
-2التّ�سخني
خارجي ،وال �س��� ّيما �أنّ
ّ ر�أين���ا �أ ّن���ه مل تكن هن���اك � ّأي حاجة �إلى ت�س���خني
تفاعالت االندماج كفيلة باحلفاظ على درجة احلرارة املرتفعة ،ويعرف هذا
التّ�سخني بت�سخني (ت�س���خني �ألفا) وذلك ن�سب ًة �إلى �أيونات الهيليوم ،م�صدر
هذه احلرارة � ،اّإل �أنّ اال�س���تفادة من هذا الت�س���خني يقت�ض���ي �أ ّو اًل بلوغ درجات
غازي �إلى هذا حرارة تناهز ع�شرات املاليني ،وللتّم ّكن من الو�صول ب� ّأي و�سط ّ
القدر من احلرارة ،ت�ستخدم ثالث و�سائل رئي�سة ،كث ًريا ما ت�ستعمل يف الواقع ْ
يتدخل فيها جمتمع ًة يف التّجهيزات التّجريب ّية ال ّراهنة ،التي ال ميكن بع ُد �أن ّ
ت�س���خني �ألفا .جتدر الإ�ش���ارة -لدى و�صف ك ّل من هذه الو�س���ائل� -أ ّنه ينبغي
�أن تبلغ قوى التّ�س���خني امل�س���تخدمة يف الأحوال جميعها ع�شرات املاليني من
الواط؛ لذلك ف�إنّ املعدّات التي �سنتناولها فيما يلي هي مك ّونات بالغة الأهم ّية
يف ك ّل جتربة راهنة ،وك ّل مفاعل يف امل�ستقبل ،وذلك لي�س ب�سبب دورها يف هذه
العملية فح�سب ،بل لأحجامها والقيود املرتتّبة عليها .
-1التّ�سخني الأومي
اخلا�ص���ة
ّ ث ّمة طريقة ت�س���خني �ش���ائعة اال�س���تخدام من���ذ بداية الأعمال
بالغازات املت�أ ّينة ،وهي طريقة قائمة على مبد�أ ي�س�ي�ر؛ �إذ ي�س���تخدم التفريغ
أي�ضا .ن�ستعني ّ
بال�شكل � 2أدناه الكهربائي لإيجاد الو�سط البالزمي وت�سخينه � ً
ّ
لإي�ضاح هذه العمل ّية:
19
ﺷﻌﺎﻉ ﻛﻮﻧﻲ
ﺇﻟﻜﺘﺮﻭﻥ
ﻏﺎﺯ ﻣﺘﺨﻠﺨﻞ
ﺫﺭﺓ
ﺃﻳﻮﻥ
ﺣﻘﻞ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ
20
وهن���اك مئات الترّ تيبات و�إعدادات احل�ص���ر التي ت�س���تثني حتّى وجود ت ّيار
كه���ذا � ،اّإل �أ ّنه يف ح���ال الرغبة يف ه���ذا الت ّيار� ،أو القبول بوجوده ،يقت�ض���ي
احلر����ص على عدم تلوي���ث البالزما توليد مثل هذا ال ّتي���ار دون اللجوء �إلى
الأقط���اب الكهربائ ّي���ة؛ � ْأي دون �ص���لة ما ّد ّية بالو�س���ط احل���ا ّر ،لذلك يتو ّلد
ال ّت ّيار بالت ّْحري�ض؛ ما يفر�ض وجود حقل مغناطي�س ّ
���ي متنام با�س���تمرار (�أو
متناق����ص با�س���تمرار) :حت��� ّد القيمة الق�ص���وى للحقول املغناطي�س��� ّية التي
ن�س���تطيع توليدها هذه العمل ّية ،و�س�ن�رى الح ًقا �أنّ طرائق التّ�سخني الأخرى
مت ّكنن���ا من جتاوز هذا احلدّ ،لكنّ الثمن هو درجة �أعلى بكثري من التّعقيد،
وف�ض�ًل�ااً ع ّما �س���بق ذكره من قيود ،جتدر الإ�ش���ارة �إل���ى �أنّ درجة احلرارة
ال ّناجم���ة عن الت�س���خني الأوم���ي حمدودة يف ح��� ّد ذاتها؛ ذل���ك �أنّ مقاومة
البالزما لل ّت ّيار الكهربائي تتناق�ص مع تنامي احلرارة؛ و�س���رعان ما تو�صل
الكهربائي على نحو �أف�ض���ل من ال ّنحا�س بع�ش���رة �أ�ض���عاف،ّ البالزما التيار
فال يعود تنامي التّيار م�ص���اح ًبا لتنامي احلرارة؛ ونتيجة لهذا الق�ص���ور يف
يجب عند درجات احلرارة املرتفعة اللجوء �إلى �أ�ساليب �أخرى. الفعال ّيةّ ،
21
ﺍاﻟﻤﺼﻌﺪ ﺣﻘﻞ ﻭو
ﻣﺴﺮﻯى ﺍاﻟﻤﻌﺠﻞ
ﻭوﺍاﻟﻔﺘﻴﯿﻠﺔ ﻣﺴﺮﻯى ﺍاﻟﻔﺮﺯز
ﺍاﻟﺒﻼﺯزﻣﺎ
ﻏﺎﺯز
ﻣﺼﺪﺭر ﺍاﻟﻤﻌﺠﻞ
ﺍاﻷﻳﯾﻮﻧﺎﺕت ﺍاﻟﻤﻌﺎﺩدﻝل
22
احلزمة هذا احل ّيز ،تتم ّكن بع�ض �أيوناتها من ا�سرتداد الإلكرتون من الغاز
املتب ّقي ،وهو الإلكرتون ال���ذي حتتاج �إليه هذه الأيونات لتتح ّول جم ّددًا �إلى
ذ ّرة متعادل���ة .اجلدير بال ّذكر �أنّ عمل ّية املعادلة لي�س���ت ك ّلية ،بل ي�ص���حبها
جل�س���يمات بع����ض املردود ،وهذا يعن���ي �أ ّنه قبل اخلروج من املعادل ،تفْرز ا ُ
للتخ ّل�ص من الأيونات املتب ّقي���ة ،بحيث ال مت ّر � اّإل ال ّذ ّرات املتعادلة ،و ُي ْحدث
يوج���ه الأيونات التي الحملي ّ
���ي ّ هذه العمل ّية ب�ص���ورة عا ّمة حقل مغناطي�س ّ
خ�صو�صا لهذه الغاية.
ً م�سرى مه ّي�أتزال باقية يف حزمة اخلروج يف ْ
ّ
م���ن ّثم تتّبع الذ ّرات طريقها يف خط م�س���تقيم نحو الو�س���ط البالزمي
الذي ت ْنفذ �إليه ،عل ًما �أنّ طاقة هذه ال ّذرات تعادل ع�ش���رات الأ�ض���عاف من
املتو�س���طة املخ�صو�ص���ة ب�أيونات البالزما .على وف���ق هذه الآل ّية ،ال الطاقة ّ ّ
ْمتك���ث ال��� ّذ ّرات املتعادلة عن���د البداية طوي�ًل�اً بهذه احلال ،ف����أ ّول التقائها
ب�أيون���ات البالزم���ا� ،س���رعان ما تفقد �إلكرتونه���ا ،وتتح ّول م��� ّرة �أخرى �إلى
�أيون���ات .يتم ّث���ل �إذن حقْ���ن ال ّذرات املتعادل���ة بظهور �أيونات تتمتّع ب�س���رعة
���ي ،وم ّرة �أخرى ت����ؤدّي اال�ص���طدامات د ْور ا�س���تثنائ ّية يف الو�س���ط البالزم ّ
جل�س���يمات كا ّفة؛ فت�س���خن البالزما التّ�س���وية ،مو ّزع��� ًة في����ض ّ
الطاقة بني ا ُ
ّ
نتيجة لذلك ،ولكن ث ّمة �س�ؤال يتبادر �إلى الذهن هنا :مل اللجوء �إلى ال ّذ ّرات
���ي يحتّمال�س���ريعة كافية؟ �إنّ احلقل املغناطي�س ّ املتعادلة �إذا كانت الأيونات ّ
ُ
علين���ا املرور بهذا «املنعطف»؛ فمع حتريفه م�س���ار اجل�س���يمات امل�ش���حونة
كا ّفة ،وال �س��� ّيما الأيونات � ،اّإل �أ ّنه ال ي�ؤ ّثر يف م�س���ار ال ّذرات املتعادلة القادرة
وحدها على االنت�شار �إلى و�سط البالزما ،حتديدً ا حيث ّ
ت�سخن.
ت�سفر هذه العمل ّيات عن نتائج ج ّيدة ،وهي تع ّد جزْ ًءا من طيف تدابري ْ
الطبيعية التي يف التّجارب ال ّراهنة � ،اّإل �أنّ ث ّمة �ص���عوب ًة تواجهنا التّ�س���خني ّ
–يا للأ�سف -عند �س ْعينا �إلى ابتكار �أجهزة حقْن من هذا القبيل للمفاعل؛
ذلك �أنّ مردود عمل ّية املعادلة الذي لفتنا �إليه �آن ًفا يتناق�ص �إلى ح ّد تعطيل
وال�س���بب وراء ذلك ي�س�ي�ر؛ فالأيونات املت�س���ارعة امل�صطدمة بالغاز الآل ّيةّ ،
لاّ ّ
املتب ّقي �س ��ت ْنتزع منه �إلكرتونات بال �ش ��ك� ،إ �أنّ احتم ��ال ارتباط �إلكرتون
23
ال�سرعة العالية ،يت�ضاءل �أكرث ف�أكرث .ميكن ما ب�أيون �س���ريع ،عند معدّالت ّ
ال�ص���عوبة با�س���تخدام �أيونات �س���لب ّية عند البداية ،م�صنوعة معاجلة هذه ّ
م���ن ذ ّرات متعادل���ة مل ينتزع منها �إلكرتون ،ب���ل ذ ّرات �ألحْ ق بها في�ض من
الإلكرتونات ،وال ّ
�ش���ك يف �أنّ ت�أمني م�ص���در �أيونات �سلب ّية �أمر �أكرث �صعوب ًة
تقليدي ،ولكنْ على �ص���عيد �آخر� ،س���يبقى على وفق هذه ّ من ت�أمني م�ص���در
الطريقة مردود عمل ّية املعادلة كب ًريا حتّى عند معدّالت مرتفعة من الطاقة؛
دوما �إلى فقد �إلكرتونه الزائد ،ويف �س���ياق �إذ ميي���ل هذا ال ّنوع من الأيونات ً
التّقديرات الفيزيائ ّية ،ميكن القول �إنّ م�ص���ادر الأيون���ات التقليد ّية بقيمة
بالتو�صل �إلى م�صادر
ّ keV 5 100تع ّد �شائع ًة ،وقد �سمحت الأيونات ّ
ال�سلبية
ت�صل طاقة ُج�سيماتها �إلى ع�شرة �أ�ضعاف ذلك؛ � ْأي ما يبلغ ( MeV 1مليون
الطاقة التي ت�صل �إلى MeV 1هي �إلكرتون فولت) ويزيد .ذلك �أنّ معدّالت ّ
اللزم���ة للنفاذ �إلى �أعماق بالزما املفاع���ل ،التي تتم ّيز ب�أبعادها العظيمة، اّ
وكثافتها الهائلة يف الوقت نف�سه.
�إ�ض���افة �إلى ذلك ،ودون وجود عالقة مبا�ش���رة بالت�سخني ،نظ ًرا لكون
حتقن هي ذ ّرات الدّوتريوم �أو الترّ تيومْ ،
ت�س���هم هذه ال���ذ ّرات املتعادلة التي ْ
أي�ضا يف تغذية الو�سط البالزمي املك ّون حتديدً ا من �أيونات الدّوتريوم الآل ّية � ً
والترّ تيوم بالوقود.
-3التّ�سخني با�ستخدام املوجات العالية الرت ّدد
ال�س���ابقة على ر ْفع درجة احلرارة يف و�سط بارد �أو فاتر،
انطوت الآل ّية ّ
ال�س���خونة يف هذا الو�س���ط ،وهو �أ�سلوب �شبيه
ّ بالغة ّة
د بع�ض من ما
ب�إدخال ٍ
ال�سنني؛ ففي ذلك بو�صفة عتيقة جدًا كانت ت�ستخدم منذ مئات الآالف من ّ
الع�ص���ر الذي كانت فيه النار مكت�ش���فة -ولكنّ �أواين ّ
الفخار مل تكن قادرة
ب ْعد على حت ّمل لهب النار -كان الإن�س���ان -على ما يبدو -ي�س ّ
���خن ح�س���اءه
ب�إلقاء بع�ض الأحجار امل�ستخرجة من امل�ستوقد مبا�شرة يف املرق� .سنت�ص ّور
4أي 100كيلو إلكترون فولت
24
الآن طريق ًة �أكرث حداث ًة :التّ�سخني بو�ساطة الأمواج الدّقيقة.
���در م���ن الطاق���ة � ،اّإل �أ ّن���ه م���ن املعل���وم �أنّ التّ�س���خني يعن���ي �إ�ض���فاء ق ْ
املوجات الكهرومغناطي�س��� ّية (كتلك امل�س���تخدمة يف فرن املوجات الدّقيقة،
ين) هي طريقة لبثّ إذاعي والتلفزي���و ّ جه���از الرادار� ،أو الت���ي تنقل البثّ ال ّ
وعو�ض���ا عنهوائي ي�ش��� ّكل �-إلى ح ّد ما -طرف جهاز �إر�س���الً ، الطاقة من ّ ّ
ّ
بج�س���يمات مفْعم���ة بالطاقة ،تنطوي ه���ذه الآلية البالزمي ُ
ّ حق���ن الو�س���ط
ُ
عل���ى ت�س���خري طاقة املوج���ات بت�ص���نيع مثل هذه اجل�س���يمات مبا�ش���رة يف
الو�س���ط ،وذلك بت�س���ريع الأيون���ات والإلكرتون���ات املوجودة ،وتب���ثّ املوجة
وحقل مغناطي�س ًّيا متذبذ ًبا يف حقل كهربائ ًّيا متذبذ ًبا اً الكهرومغناطي�س��� ّية اً
الوقت ذاته؛ ونظ ًرا لكون � ّأي ج�سيم م�شحون ومتح ّرك ع ْر�ض ًة للت�أ ّثر بهذين
جل�س���يمات؛ الطاقة من ه���ذه املوجات �إلى ا ُ احلقل�ي�ن ،ميك���ن تو ّقع انتق���ال ّ
الظروف� ،إ ّما �أن فاملق�صود هنا حتديدً ا هو �آثار ال ّرنني؛ � ْأي �أ ّنه يف مثل هذه ّ
جل�سيمات� ،أو �أن يكون تردّد تكون �سرعة انت�شار املوجات قريب ًة من �سرعة ا ُ
جل�س���يمات ،وتتم ّثل الفكرة النموذجي حلركة هذه ا ُ ّ املوجة م�س���او ًيا للرتدّد
هوائي يحقن و�سطاً قوي؛ لتغذية ّ ب�ص���ورة تخطيط ّية يف و�ضع جهاز �إر�س���ال ّ
بالزم ًّيا قري ًبا منه مبوجة كهرومغناطي�س��� ّية .ما يتبع ذلك هو عمل ّية ال تخلو
من التّعقيد يف الواقع؛ �إذ �إنّ من �ش����أن هذه املوجات� ،إ ّما االنت�ش���ار ب�صعوبة
الهوائي والبالزما� ،أو عب���ور البالزما دون «ر�ؤيتها»� ،أو ّ يف احل ّي���ز الذي بني
متاما دون اخرتاق الو�س���ط الذي ً االنعكا�س أي � البالزما؛ حتّى االرتداد عن
ينبغي ت�سخينه .عندئذ تكون ث ّمة خيارات حمدّدة لكي تنتقل �إلى البالزما،
متاما عن طاقتها يف الو�س���ط، ت����ص ب�ص���ورة ناجح���ة؛ � ْأي �أ ّنها تتخ ّل���ى ً و ْمت ّ
يخ����ص � اّإل جمموع ًة���ي� ،أو �أال ّ متت����ص � اّإل عل���ى ّ
ال�ص���عيد املحل ّ ّ وميك���ن � اّأل
مثل) وه���ذا يف ح ّد ذاته لي�س جل�س���يمات (مث���ل الإلكرتونات اً حمدّد ًة من ا ُ
الطاقة �أم ًرا خط ًريا ،فكما قلنا� ،س���يكون لال�ص���طدام دائ ًم���ا دور يف توزيع ّ
انتظاما ،وهنا -كما كان احلال �س���اب ًقا -الأيونات يف ال ّنهاية ً ب�ص���ورة �أكرث
ت�سخن؛ لكي تتفاعل على وفق املطلوب. هي التي ّ
25
ولتج ّن���ب اخلو����ض يف اعتب���ارات فن ّية عدي���دة يف وقت �س���ابق للأوان،
دعنا ن�ض���يف هنا بع�ض البيانات الفيزيائ ّية املخ�صو�صة بالرتدّدات الثالثة
الكب�ي�رة حم��� ّل االعتب���ار .تاريخ ًي���ا ،ي�ت�راوح ال�ت�ردّد الأول ب�ي�ن 30و 100
ال�س���يكلوترون؛ �أي الترّ دد ال���دّوراين للأيونات؛ لأ ّنه ميغاهريت���ز ،وهو تردّد ّ
يواف���ق تر ّددًا منوذج ًّيا حلركة الأيونات .ي�س���تفاد هنا م���ن دوران الأيونات
���ي بدورة (�أو تردّد) ال تعتمد � اّإل على كتلتها حول نف�س���ها يف حقل مغناطي�س ّ
���ي ،وهن���ا ي ْهجم عل���ى البالزما بهذا ال�ت�ردّد� ،أو وقيم���ة احلق���ل املغناطي�س ّ
ً
مب�ض���اعفاته .يتناول الت�س���خني الأيونات مبا�ش���رة ،وتك ّيف �أجهزة الإر�سال
ال�صناعية امل�ستخدمة يف البثّ الإذاعي �أجهزة الإر�سال امل�ستخدمة. ّ
باملث���ل ،ينطبق املنطق نف�س���ه على الإلكرتونات ،فهي � ً
أي�ض���ا �ش���حنات
كهربائ ّي���ة متح ّرك���ة يف حق���ل مغناطي�س���ي .بي���د �أنّ التّ�س���خني ال���دّوراين
يتم عند ت���ردّد �أعلى للإلكرتون���ات (وهو اال�س���م املطلق على ه���ذه الآل ّية) ّ
يل 100غيغاهريتز ،وال �س��� ّيما �أنّ كتلة الإلكرتون �أق ّل ب�آالف بكث�ي�ر؛ � ْأي حوا ْ
�ص���ناعي بهذا الرتدّد،
ّ امل ّرات من كتلة الأيونات ،وال يوجد � ّأي جهاز �إر�س���ال
ومتّ�س���م باخل�ص���ائ�ص املالئمة؛ ل���ذا يتو ّقف ا�س���تخدام ه���ذه الطريقة يف
التّ�سخني الوا�سع النطاق على التط ّورات التقن ّية اجلارية.
�أخ ًريا ،ينبغي الإ�ش���ارة �إلى عملية التّ�س���خني الهجينة ،التي يكون فيها
ت���ردّد املوجة ب�ي�ن قيمتي الرتدّد التي �س���بق و�ص���فهما ،التي ت�س���تفيد ،كما
الت�س���خني ال���دّوراين للأيونات ،من وجود �أجهزة �إر�س���ال قو ّية م�س���تخدمة
ال�صناعي.
ّ بالفعل يف املجال
دمت ب�ص���ورة فرد ّية �أم جماع ّية ،ميكن الو�صول بف�ضل و�س���واء � ْأ�س���تخْ ْ
و�س���ائل التّ�س���خني هذه �إل���ى درجات احل���رارة املطلوبة � ،اّإل �أ ّن���ه من اخلط�أ
االعتق���اد ب�أنّ فائدة و�س���ائل الت�س���خني ه���ذه تتو ّقف عند هذا احل���دّ ،ف�إذا
جنح���ت يف دوره���ا يف ت�ص���عيد ا�ض���طراب الو�س���ط� ،أمكن ا�س���تعمال هذه
املجدي �أحيا ًنا ا�ستخدام انتظاما ،ومن ًْ الو�سائط كذلك لتو�صيل طاقة �أكرث
�أجه���زة التّ�س���خني ه���ذه؛ للحفاظ عل���ى ثبات ت ّي���ار مي ّر بالبالزم���ا� ،أو حثّ
26
البالزما على الدوران حول نف�س���ها ،و�س���نعود �إلى ه���ذه ال ّنقطة حتديدً ا يف
�إطار احل�ص���ر ،ال���ذي فيه ما ي�س��� ّوغها .ذلك �أنّ عمل ّيتي ت�س���خني البالزما
متاما عن بع�ض���هما ً
بع�ضا؛ وح�ص���رها التي �س���نتناولها الآن ،لي�س���تا مبن�أى ً
عل���ى الأق ّل لأنّ احل�ص���ر ال ّناجع ّ
للطاق���ة ،بتج ّنبه � ّأي خ�س���ارة فيها ،يق ّل�ص
الطاقة املطلوبة للتّ�س���خني الالزم للبالزما ،وهناك � ً
أي�ض���ا اعتبارات �أخرى ّ
و�ضوحا نتناولها يف نهاية الفقرة املخ�صو�صة باال�ضطراب (�ص.)34 . ً ّ
�أقل
-3احل�صر
�أثبت���ت التّجرب���ة �أ ّنه لدى ّ
التو�ص���ل �إل���ى درجات مرتفعة م���ن احلرارة
ب�صورة �سريعة �إلى ح ّد ما (ولي�س دائ ًما بالقدر املطلوب من الكثافة) ،كانت
�أزمنة احل�صر تقدّر ببع�ض الأجزاء من الألف من الثانية ،بل و�أق ّل �أحيا ًنا،
وكان حتقيق � ّأي تقدّم �أم ًرا �شا ًّقا ،ويف حني مت ّكن الإن�سان من ر�سم املبادئ
الرئي�س���ة للتّ�س���خني منذ زمن باكر ،تط ّور عدد من الترّ تيبات املغناطي�س��� ّية
فيما يتع ّلق باحل�ص���ر ،و�سرعان ما تخ ّلى عنها يف وقت الحق ،مع التّجارب.
جل�سيمات هي م�س�ألة حمور ّية ومع ّقدة ،وينبغي ال ّ
�شك يف �أنّ م�س�ألة ح�صر ا ُ
اً
الوقوف عليها ب�صورة �أكرث تف�صيل.
27
ال ّثلج .قط���ع الثلج ال تكاد تت�أ ّثر بحرارة القطرة ،يف حني تربد هذه الأخرية
متاما .هكذا ،ودون مراعاة احلاالت العر�ض ّية� ،إذا حتتم �إقامة م�سافة بني ً
اجلدار والبالزما ،يكون ذلك حلماية البالزما �أ ّو اًل ،ولي�س حلماية اجلدار.
مما نظن؛ �إذ ال ينبغي للبالزما حتّى �أنْ بل �إنّ هذا ال�شرط �أكرث تقييدً ا ّ
قدر مفرط من ُج�س ��يمات البالزما وارتطم ج�س� � ًا ،ف�إنْ غادر ْ
جت�س اجلدار ّ ّ
توجه بع�ض ال ّذرات املنتزعة من اجلدار نحو البالزما ،مثل ذ ّرات باجلدارّ ،
احلديد على �س���بيل املثال يف حال كان اجلدار فوالذ ًّيا .بدورها تتفاعل هذه
ال��� ّذرات الثقيلة مع �إلكرتونات البالزما ،م�س���فرة عن انبعاث قدر هائل من
الإ�ش���عاع ،عل ًما �أنّ طاقة هذا الإ�شعاع م�س���تمدّة من البالزما ،وهي خ�سارة
تنج ��م عن تربيد البالزما على نحو ال ميكن تداركه .كما ال ميكن �أنْ حتاط
البالزما � اّإل بطبقة من الغاز البارد الذي حتول كثافته دون تربيده بنف�س���ه.
ال�ض���غط ينبغ���ي �إذن �أن يوج���د بني البالزما واحلاجز ح ّيز عازل يكون فيه ّ
املتب ّقي �ضعي ًفا ،ومتح ّك ًما به مبنتهى احلر�ص على الأق ّل.
املخط���ط هو ال���ذي تقوم علي���ه التّجارب املخ�صو�ص���ة بدرا�س���ة ه���ذا ّ
اً
���ي كا ّفة .بد ًءا بو�س���ط البالزما ،جند �أ ّول احل ّيز الذي احل�ص���ر املغناطي�س ّ
ّ
توجد في���ه البالزما ،التي تتناق�ص كثافتها كلم���ا ابتعدنا عن مركزها نحو
طرف احل ّيز ،ولدى ابتعادنا عن املركز� ،سرعان ما ن�صل �إلى �سطح ير�سم
ال�سطح الفا�صل ال�س ْطح الفا�صل .بعد ّ ال�سطح امل�س ّمى ّ
حدود البالزما ،وهو ّ
املحكم الذي ي�سمح يف ّ ْ ّي
د املا اجلدار ثم
ّ ومن للبالزما، جند منطق ًة عازل ًة
ال�ضغط ال�ض���غط املتب ّقي حتّى اجلزء من املليار من ّ غياب البالزما بخف�ض ّ
اجل���وي ،و�س���نعود جم ّددًا �إل���ى هذا الهيكل بالتّف�ص���يل� ،إ�ض���افة �إلى بع�ض
التجريبي
ّ ���راري
النووي احل ّ ّ املك ّون���ات الأخرى عن���د احلديث عن املفاع���ل
يل �أو م�ش���روع هذا املفاعل امل�س��� ّمى «�أي�ت�ر» ����( ITERص .)84.لنعد ال���دو ّ
اً
تف�صيل؛ �إذ ير�سم ونو�ضح دوره ب�صورة �أكرث ال�سطح الفا�صلّ ، جم ّددًا �إلى ّ
���ي حدود ال�س���طح غري امل���ادّي ،الذي يحدّده �ش���كل احلقل املغناطي�س ّ ه���ذا ّ
البالزم���ا ،حائل دون امتدادها نحو اجل���دران املاد ّية ،كما جتري عمل ّياتاً
28
تب���ادل املادّة على طول هذا ال�س���طح ،ف�إذا غادر ج�س���يم ما البالزما وعرب
ّ
امل�ضخة لإخالئه ،وهذه هي الآل ّية التي ال�سطح الفا�صل� ،سرعان ما تتناوله ّ
ي�س���تخْ رج به���ا �أيونات الهيليوم ،التي تكون مث���ل رماد مفاعالت االندماج، ْ
باتاه قلب البالزما وبالعك�س ،يزيد اجل�س���يم الذي يقطع ال�سطح الفا�صل جّ
م���ن كثافة ه���ذه الأخرية ،وهك���ذا تغ��� ّذى البالزما بالوقود م���ن خالل هذا
املحكم من الغاز.الدّفق ْ
ّ
يتبينّ �إذن ممّ ا �سبق �أنه ينبغي احتواء البالزما دون مالم�ستها؛ �إذ �إنّ علينا
الت�أثري يف البالزما من ب ْعد ،وهو ما ي�شار �إليه يف �سياق الفيزياء مب�صطلح حقل
ّ
و�سنو�ضح ما يت�ض ّمنه هذا امل�صطلح يف احلالة التي تعنينا هنا. الق ّوة،
املغناطي�سي
ّ - 2احلقل
يج���ذب املغناطي����س ب���رادة احلدي���د ،فنتح���دّث حينئ���ذ ع���ن احلق���ل
���ي ،ويجذب ق�ض���يب من البال�س���تيك الذي يدعك بقطعة قما�ش املغناطي�س ّ
الكهربائي؛
ّ ق�صا�ص���ات م���ن الورق عل���ى بعد منه ،وهو م���ا يعرف باحلق���ل
اجلذبي .ك ّل هذه القوى التي
ّ كذل���ك جتذبنا الأر�ض ،وهو ما يعرف باحلقل
ّ
الطبيعي النظر �إل���ى �إمكان ّية اللجوء �إلى
ّ ت�ؤ ّث���ر من ب ْعد معروفة ح ًّقا ،وم���ن
�إحداه���ا .لنب���د�أ بحقل اجلاذبية؛ فهو احلقل العاكف على ت�ش���غيل النجوم،
وكم���ا هو احلجر الذي حتتجزه الأر�ض ،وينتمي �إليها يف �آن واحد ،مت�س���ك
الكوكبي ،و�إذا
ّ بع�ضا يف قلب هذا الأتون جل�س���يمات جمتمعة ببع�ض���ها ً هذه ا ُ
�أمع ّن���ا يف ال ّنظ���ر وجدنا �أنّ ق���وة اجلاذب ّية القائمة بني ُج�س���يمات البالزما
ه���ي ق ّوة بالغة ال�ص���غر؛ لذلك ال ب ّد من ا�س���تخدام ك ّم ّي���ات هائلة من املادّة
ال�ست�ش���عار �أثر احل�ص���ر املطلوب ،وه���ذا �أمر غري وارد عل���ى الإطالق؛ لأنّ
ال�ساخنة؛ مما يعني كتلة الأر�ض بذاتها ال تكفي الحتواء ُج�سيمات البالزما ّ
�أنّ مب���د�أ احل�ص���ر القائم بني النجوم غ�ي�ر قابل لال�س���تخدام على كوكبنا
الأر�ض���ي .ث ّم���ة عائق �آخر وهو �أ ّنه ميك���ن �أن نبينّ �أنّ ه���ذه الق ــوى البعيــدة
الكهربائي -ال مت ّكننا من القيام باحل�صر
ّ -التي ميكن �أن ميار�سها احلقل
29
املغناطي�سي.
ّ امل�أمول؛ ولذلك بقي ال ّنظر �إلى احلقل
���ي مث ًريا لال�س���تغراب، مبدئ ًّي���ا ،قد يبدو ا�س���تخدام احلقل املغناطي�س ّ
وال �س��� ّيما �أنّ البالزم���ا مك ّونة م���ن �أيون���ات و�إلكرتونات ،وهي لي�س���ت ُك اًتل
مغناطي�س��� ّية ،بل �ش���حنات كهربائ ّي���ة .ب ْي���د �أنّ حركة هذه ّ
ال�ش���حنات تغيرّ
أ�سا�سي،
�ش���يء ،وللإحاطة ج ّيدً ا بهذا اجلانب ال ّ الكثري ،هذا �إن مل تغيرّ ك ّل ْ
ّ
يطلق عليه علماء الفيزياء ا�سم خط فعل الق ّوة ،وذلك ينبغي الرجوع �إلى ما ْ
اجلذبي؛ �إذ تكون خطوط ّ بالع ��ودة �إلى �أكرث احلقول �أ ْلفة لنا ،وهو احلق ��ل
االتاه الر�أ�سي مبعنى �آخر ،يحدّد جّ خطوطا عمود ّية� ،أو ً ً فعل ق ّوة هذا احلقل
اجلذبي ،وب�صورة عا ّمة، ّ احلقل عن الناجمة ة و
ّ الق أثري � على الدوام جّاتاه ت
خطوطا حتدّد يف ك ّل مكان اتجّ اه ت�أثري الق ّوة الفاعلة ً تع ّد خطوط فعل الق ّوة
يف ه���ذا املكان على كتلة ملمو�س���ة من قب���ل احلقل � ،اّإل �أنّ ما �س���بق ال يعني
بال�ض ��رورة �أن تكون خطوط فعل الق ّوة هي خطوط م�س ��تقيمة ،وال �س ّيما �أنّ
ذلك الزّعم غري م�ؤ ّكد حتّى للجاذب ّية؛ �إذ تتّ�س ��م خطوط فعل الق ّوة بانحناء
طفي���ف نتيج���ة وجود كت���ل عظيمة ،ككت���ل اجلب���ال واملع���ادن ذات اخلامة
�ص���حيحا بال ّن�س���بة �إلى
ً الكثيف���ة ،وم���ا �إلى ذلك ،ب���ل �إنّ هذا �أكرث ما يكون
���ي؛ فالأر�ض حتدي���دً ا هي كاملغناطي�س العمالق ،تك�ش���ف احلقل املغناطي�س ّ
أي�ض���ا حتني الكتل ���ي ،وهنا � ً البو�ص���لة يف ك ّل حلظة اتاه حقلها املغناطي�س ّ
جّ
املغناطي�س� � ّية خطوط فعل الق� � ّوة (قارب ،كتل ��ة فوالذية� ،إل ��خ ،)...ويتو ّلد
احلقل املغناطي�سي يف املختربات العلم ّية مبنتهى احلر ّية ،بوا�سطة اللفائف
التي مي ّر من خاللها ت ّيار كهربائي ،ومن هنا يتّ�ض���ح �أنّ بو�سعنا ،فور تعديل
توجهها� ،ص ��وغ خطوط فع ��ل الق ّوة ب�أ�ش ��كال بالغة �ش ��كل ه ��ذه اللفائ ��ف �أو ّ
���ي عن علم���اء الفيزياء على التن��� ّوع ،وقد �أظهر خرباء احل�ص���ر املغناطي�س ّ
ال�س���ياق .لتناول موازنة جريئة �أخرى، خيال خ�ص��� ًبا يف هذا ّ ال�س���نني اً
مدى ّ
���ي نه ًرا ،عندئذ ال�ص���يني؛ ف�إذا كان احلقل املغناطي�س ّ
ّ وذلك منط ال ّر�س���م
خطوطا تابعة للت ّيار؛ � ْأي موازية ل�ض ��فاف ال ّنهر؛ �إذً تكون خطوط فعل الق ّوة
يكون هذا الأخري هاد ًئا ،متج ّنبة ،كما يفعل املاء ما يعرت�ض���ها من عقبات،
ً
30
متف ّرق��� ًة حول الأحج���ار ،ومتح ّولة يف مواط���ن الدّوامات املائ ّي���ة �إلى دوائر
املغناطي�سي -وك�أ ّنه حزمة من خطوط
ّ �صغرية م�أ�سورة ،وبالنظر �إلى احلقل
جل�سيمات.فعل الق ّوة -ن�ستطيع الآن مناق�شة انتقال ا ُ
لفات
خطوط الحقل
المغناطيسي
مسارات
33
جل�سيمات �أمر االنت�ش���ار �أمر متو ّقع ح ًّقا ،بل �إنّ ما ينجم عن ذلك من نفاذ ا ُ
مقب���ول متا ًما؛ ونظ��� ًرا لإمكان ّية توليد احلقول املغناطي�س��� ّية القو ّية التي بتنا
قادرين على تكوينها ،ف�إنّ حجم هذا الهروب �ضئيل جدًّا.
البالزمي م�سرح
ّ ث ّمة �أثر �آخر �أكرث �إثارة لال�ضطراب؛ �إذ ي�صبح الو�سط
الظاهرة البالغة ا�ضطرابات ذات �آثار �سلب ّية جدًّا يف احل�صر ،ولندر�س هذه ّ
حت���دث �إلكرتونات البالزم���ا ،املتح ّركة ب�س���رعة فائقة الأهم ّي���ة عن كث���بْ .
أرجحا متن ّو ًعا ،و�إذا تف ّرقت الأيونات والإلكرتوناتوامل�ض���طربة با�ستمرار ،ت� ً
كهربائي مت�أرجح مثل كثافة ّ ال�صعيد املح ّل ّي ،نتج عن ذلك جمال قليل على ّ اً
جل�س���يمات ،و�إذا انتظم���ت حركة الإلكرتون���ات ،ظهرت ت ّي���ارات كهربائ ّية ا ُ
حمل ّية ت�س���فر بدورها عن حقول مغناطي�سية مت�أرجحة .ت�ش ّكل هذه املجاالت
والت ّيارات املتن ّوعة الأ�ص���ل ا�ضطرابات ت�ؤ ّثر يف احل�صر يف اجلهاز؛ لذلك ال
حمكم الق�ض���بان، ينبغ���ي ال ّنظر �إلى «القف�ص املغناطي�س���ي» على �أ ّنه قف�ص ْ
وقد �س���بق �أن �أ�شرنا �إلى �أنّ هذا الأ�سر مك ّون من مادة م�سام ّية ،وهذه املادة
ف�ضل عن كونها م�سام ّية ،وهنا تتم ّثل م ْع�ضلة احل�صر احلقيقية؛ م�ضطربة؛ اً
مم���ا كان يوحيه الطاق���ة -هو �أعظم بكثري ّجل�س���يمات -ومن ّثم ّ ففق���دان ا ُ
املغناطي�سي
ّ منط اال�صطدامات العاديّ � .إ�ضافة �إلى ذلك ،ف�إنّ هذا الإعداد
للتحطم يف حال منت هذه احلركة الع�شوائية ب�صورة مفرطة ،وبلغت مع ّر�ض ّ
البالزما اجلدران ،وقد حظيت هذه امل�سائل كا ّفة -وال تزال -بالبحث الذي
تعكف عليه يوم ًّيا املختربات العلم ّية يف جمال االندماج النوويّ .
يتدخل يف ترتيبنا هذا ،وهو الأثر املالحظ حني نبا�ش���ر هناك �أثر ثالث ّ
ت�صعيد درجة حرارة البالزما بعمل ّيات ت�سخني �إ�ضاف ّية ،وهو �أثر كريه جدًّا؛
ف�إ�ضافة ت�س���خني م�ساعد يق ّو�ض من جودة احل�صر ،ذلك �أنّ حقن البالزما
بالطاق���ة من �ش����أنه زيادة اال�ض���طراب القائم � اً
أ�ص�ًلل .لكنّ ال���دواء هنا من
الطاقة التي تحُ قن ال���داء؛ فق���د �أثبتت التّجربة �أ ّنه ل���دى جتاوز ح ّد ما م���ن ّ
به���ا البالزما ،جند �إحدى حالتني منف�ص���لتني متا ًما ،وهو ما ي ْعرف بنمطي
احل�ص���ر .يعرف ال ّنمط الأ ّول بال ّنمط �إل ( mode Lم�ش���تقّ من الإجنليزية
34
ْ � lowأي منخف�ض) الذي يتم ّثل با�س���تمرار التّدهور امل�ش���ار �إليه .بيد �أ ّننا قد
نبلغ منط ح�ص���ر �آخر يعرف بال ّنمط �إت�ش ( mode Hم�شتقّ من الإجنليزية
� highأي عال) ذي املوا�ص���فات الأكرث م�ؤاتا ًة .مع عدم حت ّقق �أ ْوجه الفعال ّية
الكاملة التي ي�ؤدّيها احل�ص���ر اجل ّيد ،جند خ�ص���ائ�ص ح�صر مقبولة متا ًما؛
لذلك تنطوي التّجارب الكربى على و�س���ائل التّ�سخني كا ّفة ،التي تتيح جتاوز
ح ّد الق ّوة املذكور ،بحيث حت ّقق احل�صر اجل ّيد مع ت�سخني البالزما.
�أ�س���فرت الأبحاث التي تناولت هذه امل�س���ائل عن نتائ���ج �أخرى .بال ّرغم
من عدم اكت�ش���افنا متا ًما �س��� ّر وجود ال ّنمط �إت�ش � ،اّإل �أنّ اخلال�ص���ة العا ّمة
ّح�س���ن يف �آل ّي���ة حت ّد من حج���م اخلاليا التيه���ي بالبح���ث عن �س��� ّر هذا الت ّ
يظه���ر فيها اال�ض���طراب ويتط��� ّور فيها ،ومن �ش����أن ك ّل ما يجنبنا �أيّ ّ
تو�س���ع
حيزيّ لال�ض���طراب �أن ي�سفر عن حت�سني �آل ّية ح�صر البالزما ،و�إذا تذ ّك ْرنا
�أنّ عمل ّيات التّ�س���خني الإ�ض���اف ّية قادرة على �إحداث دوران البالزما �أو توليد
ال�س���رعة �أو التّيار الناجمني غري حملي ،تبينّ لنا �س���بب تع ّمدنا �أن تكون ّت ّيار ّ
التو�ص���ل «�إلى متزّق» خاليا اال�ض���طراب ،ودرا�س���ة منتظمني ،بحيث ميكن ّ
�أمناط احل�ص ��ر املعزّز ب�ص ��ورة �أكرث من النمط �إت�ش .ت�سفر هذه الإمكانات
مهم يف �س���بيل معاجلة حتدّيات الت���ي تتيحه���ا �آل ّيات التّ�س���خني عن �إ�س���هام ّ
احل�ص���ر ،وميكن ت�ص ّور مدى �أهم ّية الأعمال النظرية اجلارية وتعقيدها يف
ال�صدد.
هذا ّ
35
الظواهر ،على ريا�ض���ي كامل له���ذه ّ
ّ كا ّف���ة ،وهي عجزنا ع���ن تطوير منوذج
ا�ص���طناعي ما؛ للتن ّب�ؤ ببالغ الدّقة بحركته البعيدة
ّ غرار منذجة م�س���ار قمر
على �س���بيل املثال .ذل���ك �أنّ ال ّنماذج امل�س���تخدمة لتناول اال�ض���طراب تلج�أ
دائ ًما �إلى ا�س���تخدام مع ّلمات �ض���بط وتعديل ذات قيم م�شت ّقة من التّجارب،
والبالزما لي�ست م�ستثناة من هذه القاعدة.
ّو�صل �إلى تف�سري نظريّ كامل ،م�صحوب بنمذجة ذات �أمام ا�ستحالة الت ّ
ق ��درة تا ّم ��ة على التنب�ؤ ،عكف خ�ب�راء فيزياء البالزما على ا�س ��تنباط �أكرب
جتريبي
ّ ممكن من املعلومات من التّجارب القائمة؛ ال�س���تخال�ص قانون قدر ْ
ال�س���عي؛ لك�ش���ف �أ�صول اال�ضطراب ّ عن ذلك كل مع ّوقف ت ال دون للح�ص���ر،
�ش���ك -يف �س���ياق مع خرباء املجاالت الأخرى ،وقد �أثمرت هذه اجلهود -بال ّ
الطاقة ،وهو عدد مم ّيز لك ّل جتربة؛ �إذ يعتمد �أ ّو اًل، تقدير زمن احل�ص���ر يف ّ
���ي امل�ستخدم وبقدْ ر كبري ،على حجم جهاز التّجربة ،وعلى احلقل املغناطي�س ّ
أي�ضا وجود كذلك ،وهذا وا�ضح �إلى ح ّد ما � ،اّإل �أنّ املمار�سة العمل ّية �أو�ضحت � ً
مقادير �أخرى ينبغي ال ّنظر �إليها بعني االعتبار ،حال �أردْنا �صياغة قانون عا ّم
ب�ص���ورة كافية .من هنا �ش ّكل اخلرباء قاعد ًة وا�سع ًة من البيانات ،بال ّن�سبة
�ش���يوعا ،التي ت�شتمل على حاالت جتريب ّية ً �إلى نوع اجلهاز امل�س���تخدم الأكرث
بالغة التن ّوع ،ومن ّثم با�ش���روا يف توليف جمموع املعلومات املخ�صو�ص���ة بكلّ
�أداء يف قان���ون فري���د ،م���ن �ش����أنه حتديد زمن احل�ص���ر .ت�ت�راوح قيم زمن
احل�صر من � 5إلى 500ميليثانية ،ومن املالحظ �أنّ املقايي�س ال تتجاوز �أبدً ا
التجريبي الذي
ّ %15م���ن القي���م التي يتن ّب�أ بها ه���ذا القانون .هذا القان���ون
ي ْع���رف بقانون املقادير ال ّأ�س��� ّية ،يتي���ح التن ّب�ؤ ب�أ ْوج���ه �أداء اجلهاز ،على وفق
مم ّيزاته املخ�صو�ص���ة به� ،أو يتيح حتديد خ�ص���ائ�ص بنائه ،على وفق �أ ْوجه
الأداء املرج ّوة.
جت�سد ،ب�صورة تع ُّد هذه النتيجة نتيج ًة جوهر ّي ًة � ،اّإل �أنّ ث ّمة نتائج �أخرى ّ
مبا�شرة� ،أكرث التّقدّم املحرز ،وحال �أوجه الأداء الراهن .يف عام ،1991كان
العلمي واث ًقا من �إحاطته ب�س���لوك البالزما �إلى ح ّد املحاولة ب�إجراء ّ املجتمع
36
حقيقي» يف مفاعل توكاماك(من الدّوتريوم ّ جتربة حا�سمة :ا�ستخدام «وقود
الطاقة ،ب�ص���ورة مبا�شرة ،وقد �أجريت والترّ تيوم) ،وم�ش���اهدة عمل ّية �إنتاج ّ
أوروبي قائــم يف �إجنلت ـ���را :جهاز جيت ،JET التّجرب���ة با�س���تخ ــدام جه ــاز � ّ
الطاقة الناجمة حينئذ وقد ا�ستغرق هذا احلدث حوالى ثانية واحدة ،وبلغت ّ
حوال���ى 1ميغاواط (�أي مليون واط) ،وكما تو ّقعت قوانني املقادير ال ّأ�س� � ّية،
املح�ص���لة الإجمال ّية �س���لب ّي ًة؛ �إذ كان ينبغي تزوي���د البالزما بقدْ ر من
كانت ّ
الطاق���ة يفوق ما ت�س���تطيع �إنتاجه ،لك���نّ حلم مفاعل االندم���اج كان قد بد�أ ّ
يق�ت�رب من الواق���ع امللمو�س لأ ّول مرة ،وقد ت�أ ّكدت ه���ذه النتيجة ،منذ ذلك
احلني� ،أ ّو اًل يف الواليات املتّحدة ،ومن ّثم طوّرتْ ب�ص���ورة بالغة يف الواليات
امل ّتح���دة و �أوروب���ا ،حتّى �أنتجت جترب���ة جيت عام 1997طاق��� ًة فاقت قيمة
أي�ضا 16ميغاوات .كما تعزّز زمن احل�ص���ر الذي ر�ص���د يف تفاعل االندماج � ً
قت �ش ��روط درجات احلرارة وزمن احل�ص ��ر ب�ص ��ورة كب�ي�رة ،و�أخ�ي ً�را حت ّق ْ
الطاقة املز ّودة للبالزما ،وتلك ال ّناجمة زمني للح�ص���ول على ناجت يوازن ّ الل َ اّ
�شك ،لكنّ �أهمية البالزمي بدوره .هي ح�ص���يلة هائلة بال ّ ّ عن هذا الو�س���ط
الطاقة ال ّناجمة ع���ن تفاعالت االندماج؛ كم ّ
هذه التّجربة ال تقت�ص���ر عل���ى ّ
فم���ن ال ّثم���ار التي م ّكنتنا هذه التّجربة من ح�ص���ادها نتيجت���ان ذات �أه ّم ّية
جوهر ّية .فقد مت ّك ّنا -لأ ّول م ّرة -من م�شاهدة ت�سخني �ألفا ،وا�ستطعنا عمل ًّيا
قيا�س �أثر ت�س���خني �أيونات الهيليون يف الإلكرتونات ،مبا ي�سفر عن تفاعالت
االندم���اج ،وقد �أتاحت هذه املقايي�س ت�أكيد التّقديرات ال ّناجمة عن ال ّنماذج
الت���ي ط ّورها خرباء البحث النظريّ .ث ّمة ملحوظة ثانية ال تق ّل �أهم ّية ،وهي
ي�سفر ال�سرعة ،مثل �أيونات الهيليوم ،مل ْ �أنّ احتواء البالزما ُج�سيمات فائقة ّ
عن �أيّ ا�ض���طراب �أو تدهور يف احل�ص���ر ب�ص���ورة عا ّمة .جتدر الإ�شارة هنا
�إلى �أنّ ال ّنتيجة ال ّثانية هذه كانت متو ّقعة؛ فهي ما ا�س���ت ْنتجتْه ال ّنظر ّية ،لكنّ
�أه ّميتها تتم ّثل حتديدً ا يف ت�أكيد هذه ّ
ال�شكوك بالتّجربة العمل ّية.
للطاقة ب�صورة م ّكنتنا هذه النتائج �إذن من حتديد حجم املفاعل املنتج ّ
م�ؤ ّكدة ،و�سيكون ذلك هو حمور الف�صل القادم.
37
-4املفاعل و�إنتاج الطاقة
-1مبد�أ املفاعل
بعد عر�ض املبادئ الرئي�سة املخ�صو�صة بالبالزما ،ن�ستطيع الآن تناول
وظيفي؛
ّ املفاعل ب�صورة ملمو�سة �أكرث ،و�سنلج�أ -لهذه الغاية� -إلى ّ
خمطط
تخطيطي يبينّ الوظائف الرئي�س���ة الالزمة ل�سري اجلهاز ب�صورة ّ � ْأي ر�س���م
ناجح���ة .اجلدي���ر بال ّذك���ر �أنّ هذا ال ّر�س���م العا ّم �ص���ائب ،ب�ص���رف النظر
املغناطي�سي
ّ عن �أ�س���لوب احل�ص���ر املختار� ،س���واء �أكان بو�س���اطة احل�ص���ر
�أم احل�ص���ر العطايل ،و�س���نعر�ض الح ًقا التف�ص���يالت املخ�صو�صة مبفاعل
املغناطي�سي.
ّ مفاعل منوذج ًّيا للح�صر اً توكاماك ،الذي ميكن عدّه
بالزمي �أ�شبه بكتلة �ضخمة من الغاز القائظ ّ لنت�ص ّور �إذن وجود و�سط
ّ
التو�ضيحي ،)6ومن ّثم لننظر �إلى هيكل الطبقات ّ يف قلب املفاعل (ال ّر�سم
ّفاعلي ّ
املتتالية املحيطة بالبالزما ،التي متكن من ا�ستخدام هذا الو�سط الت ّ
الطاقة ،يف الوقت الذي ت�ضمن فيه حمايته � ً
أي�ضا. للح�صول على ّ
ﺟﺪﺍاﺭر ﻏﺮﻓﺔ ﺍاﻟﺘﻔﺎﻋﻞ
ﺍاﻟﻐﻄﺎء ﺍاﻟﻤﻮﻟﺪ ﻟﻠﺘﺮﺗﻴﯿﻮﻡم
ﺃأﺟﻬﮭﺰﺓة ﻣﺴﺎﻋﺪﺓة
ﺍاﻟﺠﺪﺍاﺭر ﺍاﻷﻭوﻝل
ﺑﻼﺯزﻣﺎ
ﺣﻘﻦ
ﺗﺮﺑﻴﯿﻨﺔ
ﺣﻘﻦ
ﺿﺦ
ﻣﻨﻮﺑّﺔ
38
ال�س���اخنة -كما نعلم -البق���اء مدّة طويلة يف الفراغ؛ ال ميكن للبالزما ّ
عازل ي�ش ّكل جدار غرفة التّفاعل. حائطا اً لذا جند على م�سافة حمدّدة منها ً
تتع ّر�ض هذه الغرفة ل�ض���خّ دائم ي�ض���من عزل البالزما ،ب�صورة ج ّيدة ،عن
بق ّي���ة مك ّونات اجلهاز ،وذلك بوا�س���طة ح ّيز ج ّيد من الفراغ .بد ًءا مبك ّونات
غرفة التّفاعل ،لنت�أ ّمل �أ ّو اًل م�صري الوقود؛ �إذ يغ ّذي هذا الوقود الغرفة ،عن
طريق حقن مبا�شر وحمكم مبزيج الدّوتريوم/الترّ تيوم باحلالة الغاز ّية� ،أو
باتاه البالزما .بعد بقذف مك ّعبات ثلج ّية �صغرية من الدّوتريوم والترّ تيوم جّ
امل�ضخة �إلى جهاز ّ االحرتاق ،ت ْر�س���ل املوا ّد الغاز ّية امل�س���تخرجة عن طريق
لف�ص���ل الرماد (الهيليوم يف هذه احلالة) عن الوقود غري املحرتق (الباقي
باتاه م���ن الدّوتريوم و الترّ تيوم) .من ّثم يع���اد تدوير املواد غري املحرتقة جّ
غرفة التفاعل ،با�ستخدام الآل ّية نف�سها امل�ستخدمة لتغذيتها بالوقود.
ال�ش���ديد احلرارة ،ومع �س�ي�ر تفاع�ل�ات االندماج ،تبعث يف كتلة الغاز ّ
أهم هو �إ�صدارها نرتونات مفعمة بج�س���يمات �سريعة و�أ�ش��� ّعة ،وال ّ البالزما ُ
ال�س���ريعة والأ�ش��� ّعة ،متخ ّلي ًة عن
جل�س���يمات ّبالطاق���ة� .س���رعان ما تخب���و ا ُ ّ
طاقته���ا يف اجل���دار الأ ّول ال���ذي تواجه���ه �إثر مغ���ادرة البالزم���ا ،عل ًما �أنّ
ث ّم���ة ت ّي���ار تربيد مي��� ّر بهذا احلاج���ز الذي يع���رف باجل���دار الأول ،ومعدّ-
خ�صو�ص���ا -ال�سرتجاع احلرارة التي ت�ستق ّر يف هذا اجلدار املك ّون من موا ّد ً
ق���ادرة على �ض���مان نق���اء البالزما الواجب ،لدى تع ّر�ض���ها للق�ص���ف بهذه
ال�سريعة ،ومع قدرة هذا اجلدار على االحتفاظ بهذه جل�سيمات ّ الأ�ش���عة وا ُ
جل�سيمات والأ�شعة � ،اّإل �أ ّنه يكاد �أن يكون غري ذي �أثر يف ال ّنرتونات املفعمة ا ُ
ت�ص بعد ذلك على ب ْعد م�س���افة ق�ص�ي�رة ،فيما بالطاق���ة التي تخرتقه؛ لت ْم ّّ
يعرف «بالغطاء املو ّلد للترّ تيوم».
للغطاء القائم بني اجلدار الأول وغرفة الفراغ ثالث وظائف �أ�سا�س��� ّية؛
�إذ ي�س���تعيد هذا الغطاء �أ ّو اًل طاقة ال ّنرتونات ،التي تكبح عند ا�ص���طدامها
بالفوالذ على �س���بيل املثال؛ مما ي�س���فر عن ت�س���خني هذه املادّة ،كما ي�سري
مثل ،يف هذا الهيكل،؛ ليجلي احل���رارة ال ّناجتة نحو الأجهزة �س���ائل كاملاء اً
39
التقليد ّيةْ � -أي مو ّل���د البخار والترّ بينة واملنو ّبة التي تنتج الكهرباء يف نهاية
املطاف.
يتوله���ا هذا الغط���اء ،فهي خم�صو�ص���ة �أ ّم���ا الوظيف���ة ال ّثاني���ة الت���ي اّ
بالترّ تي���وم ،كم���ا يتب�ّي�نّ من ا�س���مه ،فوح���ده الدّوتريوم -من نوع���ي الوقود
امل�س���تخدمني -متواف���ر ،ويوجد يف مي���اه البحر ،يف حني ال يوج���د الترّ تيوم
الطبيع���ة؛ لذا يجب �إنتاج���ه ،وي ْنتج الترّ تيوم � اّإل بك ّمي���ات حم���دودة جدًّا يف ّ
بق�ص���ف ج�س���م �آخر متوافر ب�س���هولة -مث���ل ال ّليثيوم -بال ّنرتون���ات؛ لذلك
يو�ض���ع ال ّليثيوم يف �ص���ورة خزف �أو �س���بيكة معدن ّية يف الغطاء الذي يتح ّول
�إلى غطاء مو ّلد للترّ تيوم لدى ق�صفه بال ّنرتونات.
أخ�ي�را ،تنطوي وظيفة الغطاء ال ّثالث���ة ،وهي الأخرية ،على �إيواء جدار � ً
غرفة التّفاعل من حزمة ال ّنرتونات؛ فالغطاء م�س����ؤول عن حماية ّ
خا�ص���ية
العزل فيها.
ا�س�ت�رداد احلرارة ،وتولي���د الترّ تيوم ،وحماية الغرف���ة؛ هذه الوظائف
التي يناط بها هذا الغطاء ،والذي ال ب ّد من �أن يكون مع ّقدً ا لت�أديتها .يحتوي
الغط���اء -كما ر�أينا -الفوالذ وال ّليثيوم ،كما يتخ ّلله ت ّيار �أو ت ّياران؛ ل�ض���مان
مه ّمت�ي�ن� :أ ّم���ا الأولى فهي طرد احل���رارة ال ّناجمة عن طاق���ة ال ّنرتونات يف
م���وا ّد الهي���كل ،و�أ ّما ال ّثانية فه���ي ا�س���تخراج الترّ تيوم ال ّناجم عن ق�ص���ف
الليثيوم بال ّنرتونات ،وعمل ًّيا ،ي�أتي الغطاء يف �ص���ورة �شطرية من ّ
ال�صفائح
والأنابي���ب املك ّون���ة من خمتل���ف املواد ،التي يتح���دّد �أ�س���لوب �إعدادها على
ال ّنحو الأمثل ،بوا�س���طة رموز ح�سابات نرتون ّية .ث ّمة خيارات ممكنة يف هذا
الإع���داد :مثل ن���وع ال ّليثيوم الذي يخت���ار ،ومادّة الهيكلّ ،
وال�س���ائل احلامل
للح���رارة ،وحتّ���ى الرتتيب الع���امْ � ،أي طريقة تنفيذ الوح���دات املك ّونة لهذا
ّاخلي لغرفة الفراغ.ال�سطح الد ّ جممل ّ يغطى ب�أجزاء ْ اجلهاز الك ّلي ،الذي ّ
املخطط العام ،ي ْلحظ وجود جمموعة الأجهزة امل�س���اعدة، بالعودة �إلى ّ
الت���ي ال غن���ى عنه���ا لعمل ّي���ات التّ�س���خني �أو ح�ص���ر البالزما ،وه���ي مم ّثلة
يف ّ
املخطط ب�ص���ورة رمز ّية ،وال �س��� ّيما �أ ّننا هنا يف �س���ياق ع���ا ّم ،وقد تكون
40
ه���ذه الأجه���زة متم ّثل���ة يف �أ�ش��� ّعة ليزر ،يف ح���ال االندماج العط���ايل� ،أو يف
ال ّلف���ات يف ح���ال االندماج املغناطي�س ّ
���ي .اجلدير بال ّذ ْكر �أنّ ه���ذه املك ّونات
الطاقة من الكهرباء ال ّناجتة� ،ش�أنها يف ذلك �ش�أن �أجهزة امل�ساعدة ت�ستم ّد ّ
املفاعل كا ّفة.
ميكن �إ�ض���افة عن�ص���ر ك ّمي لهذا الو�ص���ف الوظيفي البحت للمفاعل،
ف�أ ًّي���ا كان نوع املفاعل امل�س���تخدم ،ال ب��� ّد من �أن يكون ذا حج���م معينّ ،على
الأق ّل ،حلدوث الإ�ش���عال �أو حتّى االقرتاب من حت ّققه ،و�سواء �أكان احلديث
���ي �أم اندماج عطايل ،تتمتّع املفاعالت التي عر�ض���ت عن اندماج مغناطي�س ّ
–عادة -بطاقة ت�ساوي حوالى 1000ميغاواط ،ومن باب املوازنة ،ال ب ّد
املحطات النوو ّية يف فرن�س���ا ترتاوح بني 900و1400 من التّذكري ب�أنّ طاقة ّ
ال�س ��وق الذي ينتمي ميغ ��اواط؛ لذل ��ك ف�إنّ االندم ��اج لي�س بعيدً ا ع ��ن واقع ّ
مما يعرف بو�سائل الإنتاج املركز ّية؛ �إليه � ،اّإل �أنّ عمل ّية االندماج تع ّد جز ًءا ّ
فاالندم���اج -خال ًف���ا مل�ص���ادر ّ
الطاق���ة الأخ���رى -ال ْميك���ن �أن يتح ّق���ق يف
وحدات م�ص ّغرة.
ث ّمة �س�ؤال هنا يطرح نف�سه يف �ضوء املالحظة الأخرية :هل هذا هو نوع
ال�س���بعين ّيات ،خل�ص املفاعل الذي يحتاج �إليه املجتمع؟ لقد تنامى جدل يف ّ
الطاقة ذات احلجم ال�ص���غري وا�س���تخدامها، �إلى �أهم ّية تف�ض���يل م�ص���ادر ّ
ب�ص���ورة المركز ّية؛ لأنّ هذا هو امل�س���تقبل املتو ّقع وامل���راد ،ولكنْ ما حقيقة
بال�ض���بط؟ للإجابة عن هذا ال�س�ؤال ،ف ْلنتناول على �سبيل املثال تط ّور ذلك ّ
الالمركزي ،وهي طاق���ة ال ّرياح .ن ْلحظ �أنّ
ّ للطاقة مالئ���م للإنتاج م�ص���در ّ
���ت �أعمدة طاقة احلقائ���ق مل ت�ؤ ّكد حديث ال�س���بعين ّيات ،ف�س���رعان ما ج ّمع ْ
ال ّرياح ،بالع�ش���رات ،يف املواق���ع التي عدّتْ مالئمة له���ذا النوع من الإنتاج،
وقد تط ّورت فيما ي�س��� ّمى مزارع ال ّرياح مراكز �إنتاج �ص���ناع ّية ح ًّقا ،ب�صورة
الطاقة ال ّناجت���ة ،وتعوي�ض �أوقات �أوجب و�ص���لها ب�ش���بكة قادرة على جم���ع ّ
التو ّقف الناجمة عن همود الريح ،ويف الوقت نف�سه ،ا�ستم ّرت طاقة الوحدة
ال ّريح ّي���ة يف التّنام���ي ،حتّى باتت اليوم تناهز 2ميغ ��اواط ،وبقوائمها التي
41
تبلغ ارتفاع 120م ومراوحها ذات قطر ي�س���اوي 80م ،بعد ترتبينات ال ّرياح
يف الواقع عن نطاق الإنتاج الالمركزي ،وتق�ص���د امل�ش���روعات ال ّراهنة �إلى
يخ�ص طاقة الرياح � ،اّإل �أنّ
تعزيز القدرة الوحدو ّية لهذه الأجهزة ،وهذا ما ّ
أي�ضا ،وقد �أثبت الزّمن �أ ّنه االتاه � ً الطاقة الأخرى متيل نحو هذا جّ م�ص���ادر ّ
ال�صورة، الالمركزي ،و� ْأمكن تلبيتها بهذه ّ
ّ حتّى لو دعت احلاجة �إلى الإنتاج
املركزي يف جدول الأعم���ال ال ّراهن ،وال ينبغي �أن نتو ّقع يف ّ ال ي���زال الإنتاج
امل�س���تقبل انقال ًبا تا ًّما على هذا التّيار؛ وذلك ل�س���بب ي�سري جدًّا؛ �إذ ترتكزّ
ال�س ّكان ّية يف ح ّد ذاتها ب�صورة تزداد قر ًبا من البحور �أو الأنهار؛ التج ّمعات ّ
ال�ساحلي،
ّ ريط ّ
ال�ش على اهن ر
ّ ال الوقت يف أر�ض ل ا ان ّ
ك ��� س � ن�ص���ف �إذ يقطن
وتذه���ب تو ّقع���ات املراقبني كا ّفة �إل���ى تعزّز ه���ذه الظاهرة ،التي �س���تزداد
الظروف ،ويف امل�س���تقبل الذي ميكن تو ّقعه، بتو�س���ع املدن الكربى ،ويف هذه ّ ّ
الطاق���ة على مقربة من املدن قائم ًة ،وب�ص���ورة �س���تبقى احلاج���ة �إلى �إنتاج ّ
مر ّك���زة� -إلى ح��� ّد ما -من الأمور الواقع���ة ،و�إن كان من امل�ؤ ّك���د �أ ّنه يتحتم
ال�ش���بكات �إنت���اج الطاقة ب�ص���ورة المركز ّية يف وحدات �ص���غرية ،بعيدً ا عن ّ
بي�س���ر� -أ ّنه ال ميكن العظيم���ة التقليد ّي���ة .هذه احلاج���ة املزدوجة تعن���يْ -
ال ّزع���م �أنْ تتح ّقق هذه املطالب كا ّفة بوا�س���طة االندم���اج فقط ،وهل هناك
من ي�شكو من ذلك؟
-2الأمان
انطلقت امل�س���اعي البحث ّية املخ�صو�ص���ة بطاقة االندم���اج وتط ّورت يف
ال�ص � ّ�حية والبيئ ّية الناجمة عن الن�ش ��اط ع ��امل بات يتنام ��ى وعيه بالآث ��ار ّ
خا�ص���ة؛ ل���ذا كان من الطاقة ب�ص���فة ّ الب�ش���ري ب�ص���فة عامة ،وع���ن �إنتاج ّ
���ووي مب���دى �أم���ان
���م الباحث���ون يف مي���دان االندم���اج الن ّ ّ
الطبيع���ي �أن يهت ّ
املفاعالت امل�س���تقبل ّية ،عل ًما �أنّ الأعمال التي جرت يف هذا ال ّنطاق م� ّؤطرة
مببد�أ �سلوك عا ّم وهدفني رئي�سينْ .
مف�ص���لة بخ�ص���و�ص ���ي على �إجراء درا�س���ات ّ يحر����ص املجتم���ع البحث ّ
الأمان ،ب�ص���ورة تتّ�سم باالنفتاح الكامل؛ درا�سات �سديدة وموازنة مع �أنواع
42
املفاع�ل�ات كا ّف���ة ،الت���ي ميكن اقرتاحه���ا يف ه���ذا ال ّنظام لتولي���د الطاقة.
اجلدير بالذكر �أنّ هذه الدرا�س���ات حتظى بالق�س���ط الأعظ���م من التغطية
مف�صلالإعالم ّية؛ �إذ تعر�ض نتائج هذه الدرا�سات منذ زمن بعيد على نحو ّ
يف �أثناء امل�ؤمترات الدول ّية ،وربمّ ا تبدو هذه البيانات بغي�ض���ة �أحيا ًنا � ،اّإل �أنّ
ال�س���هلة النفاذ ،الت���ي ترفع بانتظام ث ّمة العديد من الدرا�س���ات التحليل ّيةّ ،
ملختل���ف الهيئ���ات الربملان ّية �أو احلكومي���ة؛ بغية �إعالمها بو�ض���وح تا ّم .كما
منظمات رقاب ّية منف�ص���لة؛ لإبداء �أحكامها ب�ش�أن هذه املو�ضوعات، �ش ّكلت ّ
املنظمات لهذه الغاية.�شك -املزيد من ّ و�ستك ّون-بال ّ
ال�شفاف ّية ،ث ّمة هدفان جتدر الإ�شارة �إليهما: ف�ضل عن مبد�أ ّ اً
-ينبغي �إظهار �أنّ �أ�سو�أ حادث ميكن وقوعه لن ي�ش ّكل � ّأي خطر يفر�ض
ال�سكان ّية الواقعة على املحيط اخلارجي للمفاعل. �إخالء املناطق ّ
-ينبغي � اّأل تفر�ض ال ّنفايات الإ�شعاع ّية ال ّناجمة عن عمليات االندماج
���زل ميت ّد على مقايي�س الأزمنة اجليولوج ّي���ة؛ � ْأي �أ ّنها لن تكون عب ًئا تدفع ع اً
الأجيال القادمة ثمنه.
ل���دى قراءة هذه الأهداف ،يتّ�ض���ح �أنّ الأمر ال يقت�ص���ر على االندماج
الطاقة الأخرى ،ولكنْ ���ووي وحده ،و�أنّ �أهدا ًفا مماثلة ر�س���مت مل�ص���ادر ّ الن ّ
-خال ًف���ا مل�ص���ادر الطاقة الأخ���رى -ال ميك���ن تطوير مفاع�ل�ات االندماج
�ص���ناعي .هذه
ّ ���ووي � اّإل بع���د �ض���مان حت ّقق ه���ذه املزايا قب���ل � ّأي تطوير
الن ّ
ال�سبب فيما يلي:ينّ ّ ب و�سن ة، ي
ّ واقع أهداف ال
الطاق���ة القائم���ة عل���ى مب���د�أ تفاعل لنتج��� ّول الآن يف �سل�س���لة �إنت���اج ّ
وال�س���مات االندم���اج ،و�سن�ص���ادف يف طريقن���ا تل���ك اخل�ص���ائ�ص الأ ّولية ّ
الأ�سا�سية املخ�صو�صة باالندماج ،التي جتعل �سمات هذه العمل ّية واعد ًة جدًّا
من منظور الأمان .تع ّد هذه اخل�ص���ائ�ص بالغة الأه ّم ّية � ،اّإل �أنّ الدّرا�س���ات
املخ�صو�صة بالأمان ال ميكن �أن تقت�صر على اعتبارات عا ّمة ،بل تبحث بح ًثا
دقي ًقا فيما ميكن تو ّقعه من مفاعل االندماج يف حال عمله ب�ص���ورة �س���ليمة
�أ ّو اًل ،ويف حال وقوع حادث ما ثان ًيا ،و�سرنى �أخ ًريا طبيعة الو�ضع ال ّناجم عن
43
هدمها .نقتب�س فيما يلي خال�ص���ة ال ّنتائج ال ّرقمية املخ�صو�صة بالدّرا�سات
التي ك ّلفت املف ّو�ضية الأوروب ّية ب�إعدادها ،واملخ�صو�صة بالتّوكاماك؛ لإظهار
النووي.
ّ ما ميكن تر ّقبه يف �سياق �أمان مفاعل االندماج
اً
مفاعل ث ّمة مالحظة مبدئ ّية جتدر الإ�ش���ارة �إليها؛ ال يع��� ّد التّوكاماك
فري���دً ا م���ن نوعه ،بل �سل�س���لة من املفاع�ل�ات التي ال يزال له���ا العديد من
اخليارات التقن ّية املتاحة .كما ننظر �إلى املاء �أو الهيليوم �سائل تربيد ،و�إلى
ال ّليثيوم على هيئة خزف ّية� ،أو على �ص���ورة خليط ،ف�ض�ًل اً عن خمتلف موا ّد
البناء امل ْمكنة ،و�س���نجد هنا ال ّنتيجة التي ت�ش���مل جممل هذه اخل�ص���ائ�ص
دون الوق���وف عندها وو�ص���فها ،وم���ن املنطلق ذاته ،لن نتن���اول � اّإل مك ّونات
���لبي فيما يتع ّلق بالظروف العار�ض���ة .لن ن�أخذ باالعتبار �أبدً ا � ّأي الأمان ال�س ّ
تلقائي من �ش����أنه �إ�ص�ل�اح الو�ض���ع العار�ض ،ومن ّثم ّ تدخل �إن�س���ا ّ
ين �أو فعل ّ
تقليل �آثاره؛ ذلك �أنّ املوقف املتّخذ هنا هو موقف مت�ش���ائم عن ق�ص���د؛ فهو
يبالغ يف نتائج � ّأي خلل� .أ ّما املوا ّد امل�ستخدمة يف �صنع التّوكاماك؛ فهي موا ّد
متك ّيفة مع بيئة االندماج� ،سواء �أكانت على و�شك التّوافر -مثل بع�ض �أنواع
ال�سبائك املك ّونة من الفوالذ� -أم كانت بحاجة �إلى مزيد من التّطوير -مثل ّ
الفانادي���وم �أو التّيتاني���وم� -أم كان���ت يف �أفق االبتكار البعي���د ،كبع�ض املوا ّد
أخ�ي�را ،ولتج ّنبال�س���يليكون ( ،)SiC/SiCو� ً املر ّكب���ة القائمة على كربي���د ّ
���حة العا ّمة ،و�إن مل تغفل �إ�ص���ابة القارئ باملل���ل ،لن نتناول � اّإل الأثر يف ّ
ال�ص ّ
���ح ّي الواقع عل���ى العاملني على درا�س���ات الأم���ان –ح ًّق���ا -عن الأث���ر ّ
ال�ص ّ
هذه الأجهزة.
)1ا�ستخ���راج الوق���ود ونقل���ه :لنب���د�أ جولتن���ا عن���د �أول���ى املراح���ل يف
�سل�سل���ة عمل ّي���ات �إنت���اج الطاق���ة الكهربائ ّي���ة� ،أال وه���ي عمل ّي���ة ا�ستخ���راج
الوقود ونقلها.
اللفت هنا لي�س والوقود امل�س���تخدم ه���و الدّوتريوم وال ّليثيوم ،والأم���ر اّ
اخل�ص���ائ�ص املخ�صو�ص���ة بك ّل من هاتني املادّتني ،بقدر ما هي م�ستخدمة
الطاقة مبقادير �ض���ئيلة جدًّا؛ �إذ يكفي مل�ص���نع لإنتاج 1000ميغ ��اواط من ّ
الكهربائ ّي���ة �إمداده ب�أق��� ّل من 1كغم من الدوتريوم ،و�أق��� ّل من 10كغم من
الطاقة يف قدر مماثل م���ن ّ ���ي .يف املقاب���ل ،يتط ّلب �إنت���اج ْ الطبيع ّال ّليثي���وم ّ
وبخا�ص���ة
ّ بيعي،
الط ّ حمط���ة قدرة نوو ّي���ة راهنة 500كغ���م من اليوراني���وم ّ
يف حمط���ة ت�س���تخدم االح�ت�راق 5٫000 ،طن من الوق���ود �أو الغاز ،وحوالى
10٫000ط���ن م���ن الفحم! وال نن�س���ى �أ ّن���ه ينبغي نق���ل ه���ذه الك ّميات بعد
ا�س���تخراجها 10٫000:ط���ن من الفحم يف اليوم؛ ما ي�س���فر عن مرور 400
ك ّل �أربع وع�شرين �ساعة.
و�إذا �أ�ض���فنا �إلى ه ـ���ذه االعتبــارات �أنّ �أ ًّيا م���ن ال ـدّوتري ــوم والليثيــوم
خا�صة ،تبينّ لنا مت ّيز االندماج ب�أ ّنه يج ّنب، ال يتّ�س���مان ب� ّأي �سم ّية كيميائ ّية ّ
بطبيعت���ه البحت���ة ،عددًا م���ن امل�ش���كالت ،كتل���ك املتع ّلقة بت�ش���غيل معدّات
اال�س���تخــراج �أو النق ــل؛ ف ــال حاجــة �إلى املناج ــم� ،أو ّ
املحطات البحريـ ــة،
�أو خط ��وط �أنابي ��ب ال ّنق ��ل� ،أو �أنابيب الغ ��از �أو القوارب ،وم ��ن ّثم ال جمال
احلتمي نتيجة ا�س���تخراج الوق���ود ،ولتغذية ما ّ العر�ض���ي �أو
ّ حلدوث التل ّوث
يزيد على ع�شرة من مفاعالت االندماج ،يكفي �إنتاج �سعة عربة لقطار �س ّكة
حديد واحدة و�إي�صالها ،ك ّل عام.
ها ق���د جتاوزنا املرحلة الأولى من ا�س���تخراج الوقود ونقله ،وال جدوى
من اخلو�ض مط ّو اًل يف تخزينها الآمن� ،أ ًّيا كان املوقع الذي نت�ص ّور تخزينها
أ�سا�سي :ال توجد � ّأي ظاهرة طبيعية(�سواء �أكانت عر�ض ّية فيه؛ وذلك ل�سبب � ّ
�أم ال) ق���ادرة على حترير طاقة االندماج املخْ تزنة يف الدّوتريوم �أو ال ّليثيوم
ومتاما ،كما قد ينهار �س ّد ما� ،أو ي�شتعل خمزون من املوا ّد تلقائيً ،
ّ على نحو
الهيدروكربونية ،ال ميكن حترير طاقة االندماج � اّإل با�س���تخدام نظام مع ّقد
وعامل ب�ص���ورة تا ّمة؛ لذلك -كما الحظنا -ف�إنّ �إنت���اج طاقة االندماج �أمر
الطاقة على نحو �ص���عب ،وهذا يعني �أنّ بو�س���عنا تخزين مقادير كبرية من ّ
أي�ضا� -ضما ًنا ال�ستمرار توافر متوينه. �آمن .من هنا كان �ضمان املخزونً � -
)2باطن املفاعل .ها قد و�صلنا �إلى داخل املفاعل.
يف ه���ذا امل���كان ،جتتم���ع تعريف���ات الظ���روف الالزم���ة كا ّف���ة؛ لإتاحة
45
التّحري���ر يف طاق���ة االندماج ،ويف ه���ذه املرحلة ،ث ّمة م�ص���دران للتّحديات
املتع ّلقة ب�أمان املوقع التي قد نواجهها :وجود �أج�سام م�ش ّعة �سا ّمة بطبيعتها
الطاقة ب�ص���ورة قد ت�سفر عن ينبغي تفادي انت�ش���ارها ،وعدم �ض���بط �إنتاج ّ
ال�س���ا ّم الذي يف املفاعل جزئ ًّيا �أو كل ًّيا� ،إذا
دمار هائل ،بل وذيوع امل�ض���مون ّ
اجل�س���مينْ ال ّلذين اً
مفرطا .نقف �أ ّول �إذن عند م�ص�ي�ر ْ م���ا كان هذا الإنتاج ً
ال�شروط يف �ضبط مفاعل االندماج وظروفها. ا�ست ْهلكا و�أ ْنتجا ،قبل حتليل ّ ْ
ّ
ج�سم م�ش ّع ي�صنع وي ْنتج يف املفاعل هو الترّ تيوم ،وهو ج�سم ذو �إنّ �أ ّول ْ
عاما) ي�سفر حتللهّ دورة حياة ق�ص�ي�رة �إلى ح ّد ما (دورة م�ش��� ّعة ت�ستم ّر ً 13
ع ��ن بثّ �إلكرتون حمدود ال ّن�ش ��اط .كما �أنّ ذ ّرة الترّ تيوم �ص ��غرية احلجم،
و�س���هلة االنت�شار؛ لذا وجب -نظ ًرا ل�سمته الإ�شعاع ّية والتنقل ّية -اتّخاذ عدد
م���ن الإجراءات االحتياط ّية � ،اّإل �أنّ معاجلة الترّ تيوم معروفة منذ مدة ،ويف
ال�سياق� ،أتاحت مفاعالت االن�شطار بنمط كاندو ( Canduوهي �سل�سلة هذا ّ
كند ّي���ة) التي تنتج وحتتوي ب�ص���ورة م�س���تم ّرة كم ّيات كبرية م���ن الترّ تيوم
اكت�س���اب خربة �ص���ناع ّية حقيق ّي���ة يف �إدارة الترّ تيوم ،وتق�ص���د املختربات
العاملة على االندماج �إلى حت�س�ي�ن هذه اخلربة وتطويرها؛ لال�س���تفادة من
ك ّل تقدّم ي�س���فر عن تقلي�ص وجود الترّ تيوم يف املفاعل والأجهزة امل�س���اعدة
ل���ه ،وعل���ى ك ّل حال ،ال يرتاكم الترّ تي���وم �إلى ما ال نهاية؛ لأ ّن���ه وقود ،ويد ّور
داخل املفاعل نف�سه؛ �إذ ي�ضمحل يف �أثناء تفاعل االندماج.
متت�ص���ه املوا ّد
ّ ا، كم���ا ينتج اندم���اج الدّوتريوم والترّ تيوم نرتو ًنا ً
ن�ش���ط
املحيطة باملفاعل � ،اّإل �أنّ ال ّنوى التي قد ي�ص���ادفها ال ّنرتون يف �س���باقه ربمّ ا
إ�شعاعي يف
ّ تتح ّول وت�ص ��بح م�ش� � ّعة ،وهنا يكمن امل�ص ��در الثاين لل ّن�ش ��اط ال
«تن�ش���ط» املوا ّد املحيطة مبا�ش���رة بالبالزما نتيجة مفاعل االندماج؛ �إذ �إنه ّ
ين ،وهنا -وخال ًفا حلال الترّ تيوم -يتنامى ال ّت ْن�شيط؛ مبعنى الق�صف النرتو ّ
ً
ن�ش���اطا �إ�ش���عاع ًّيا ك ّلما ا�ش���ت ّد ق�صفها. �أنّ املادّة املع ّر�ض���ة للق�ص���ف تزداد
ْ�صيل عند تناول معاجلة املخ ّلفات. و�سي ْبحث هذا الأمر تف اً
ال�سا ّمينْ يف داخل املفاعل؛ �أي الترّ تيوم واملوا ّد بعد �أن عينّ اجل�س���يمني ّ
46
الظروف املخ�صو�صة ب�إدارتهما يف توكاماك تن�شط ،ينبغي ال ّنظر �إلى ّ التي ّ
طبيعي؛ �أي
ّ بحج���م املفاعل .تتع ّلق ال ّنتائ���ج الأ ّول ّية بعمل املفاعل عل���ى نحو
الو�ضع الذي يتح ّكم فيه ب�إنتاج الطاقة على ال ّن ْحو الأمثل.
ث ّمة عمل ّيات مراقبة �أو �ص���يانة عدي���دة يرتتّب القيام بها يف �أثناء عمل
الطفيفة يف �أثناء هذه العمليات �أمر املفاعل ،وانبعاث بع�ض ال ّنواجت امل�ش��� ّعة ّ
ال مف��� ّر من���ه ،وقد توجد هذه ال ّن���واجت �إ ّما يف الدّاخنة ،وم���ن ّثم يف الغالف
���وي� ،أو يف مي���اه الق���اذورات التي تغ���ادر املفاعل ،وقد عك���ف الباحثون اجل ّ
ال�ص���حة العا ّمة ب�صورة مع ّمقة، على درا�س���ة حجم هذا االنبعاث و�آثاره يف ّ
وقد تبينّ من هذه الدرا�س���ات �أ ّنه �أ ًّيا كان نوع التّوكاماك ،وطبيعة املخ ّلفات
(مط���رودة يف الهواء �أو يف املاء)؛ ف�إنّ الأثر ال�ص���حي يف �أكرث فرد مع ّر�ض
لهذا الأثر يعادل ك�أق�صى حدّ:
� /1µ Sv6سنة
�شك فيه �أنّ هذه القيمة هي �أدنى بكثري من ك ّل املعايري املقبولة، مما ال ّ ّ
ويج���در بن���ا الوق���وف هنا عند دالل���ة هذه القيم���ة التي تقا����س بوحدة غري
�ش���ائعة ،و�س���نلج�أ يف ذلك �إل���ى موازنة م�س���تمدّة من احلي���اة العاد ّية :ك ّلما
ارتفاعا �أعلى ،ق ّل ْت �س���ماكة الغالف اجلوي الذي يع�صمنا من ّ
ال�شعاع ً بلغنا
ّ ّ
الك���وين ،وازداد بذلك الأمر ال�ش���عاع الكوين الذي نتل ّق���ى ،وتنامى �أثر هذا
���حة ،الذي يزداد حتديدً ا مق���دار µ 1زيفرت حني ال�ص ّ
الإ�ش���عاع بدوره يف ّ
متاما كما اخلطر ً بالفعل، �ض���ئيلة قيمة إذن � هي أمتار! نرتفع �أق ّل من ثالثة �
البحري.
ّ ال�ساحل
الذي نع ّر�ض �أنف�سنا له حني نختار العي�ش بعيدً ا عن ّ
لنقف الآن على تقومي التّداعيات حلادث خطري حمتمل داخل املفاعل.
هن���اك احتم���االت و�أ�س���باب عديدة حل���ادث من ه���ذا القبيل ،مث���ل تو ّقف
م�ض���خات التربي���د على نحو مفاجئ� ،أو متزّق غرفة الف���راغ� ،أو دمار ل ّفات ّ
احلق���ل املغناطي�س���ي ،وتتوافر لدى عدد م���ن القطاعات ال�ص���ناع ّية اليوم
Sv 6الزيفرت :هي وحدة قياس جرعة اإلشعاع المكافئة
47
و�سائل تقومي جم ّربة ،مت ّكن من و�صف نتائج مثل هذا الو�ضع ،وقد بذل ج ْهد
مت�أنّ لتطبيق هذا الإطار العا ّم ببالغ ال ّد ّقة حلالة االندماج بخ�صو�ص��� ّيتها،
يتم ّثل يف تو ّقع التّداعيات يف عدم �إحكام التفاعل ،وم�صري املنتجات امل�ش ّعة
الظروف. يف حال تدهور ّ
خا�ص���يتان ت�ؤ ّثران يف �سياق التح ّكم بالتّفاعل� :أوالهما هي احل ّد هناك ّ
ّ
���ي لفائ����ض الطاقة الناجم ع���ن تغذية غرفة التفاع���ل يف كل حلظة ّ الطبيع ّ
اّ
بك ّمي���ة الوق���ود اللزم���ة لت�ش���غيل املفاعل ،مل���دّة ال تزيد عل���ى دقيقة فقط؛
غراما من الوق���ود �أو �أق ّل .بذلك ف�إنّ ّ
الطاق���ة الإجمال ّية التي � ْأي م���ا يعادل ً
خا�صية �أخرى؛ ّ ة م ث
أنّ ّ � بيد ًّا.
د ج حمدودة ة ي
ّ عر�ض ب�ص���ورة يحتمل حت ّررها
فال ّنتيجة املبا�شرة لتغيرّ مفاجئ يف املفاعل هي ا�ستنباط بع�ض الغاز املحكم
من اجلدار ،ونزع بع�ض ذ ّرات املادّة ،وهذه املواد كا ّفة �س���ريعة االنت�ش���ار يف
وبخا�ص���ة نحو البالزما التي ت�س���فر عن تربيدها ب�ص���ورة ّ االجتاهات ك ّلها،
مفاجئ���ة ،الأمر الذي يحول يف الوقت نف�س���ه دون تت ّمة تفاعالت االندماج،
و�إنتاج الطاقة .هاتان �آل ّيتان �سلب ّيتان من �آل ّيات الأمان كما يتبينّ لنا ،مبعنى
تدخ اًل ب�شر ًّيا للعمل. �أ ّنهما ال تتط ّلبان ّ
ّ
يف حال وقوع حوادث كتلك امل�شار �إليها �أعاله ،لن يكون لفائ�ض الطاقة
�إذن � اّإل تداعي���ات حم���دودة ج���دًّا � ،اّإل �أ ّن���ه ينبغ���ي تو ّقع التّنام���ي يف ك ّميات
تعطل العديد من الأجهزة �أو حتّى املوا ّد امل�ش��� ّعة املت�س��� ّربة؛ �إذ نتو ّقع عندئذ ّ
حتطمها ،وعلى وفق احل�س���ابات البالغة الدّقة التي �أجريت يف هذا ال�سياق، ّ
ال�س���لبي فقط ال غري ،يقدّر وبال ّنظ���ر بعني االعتبار �إلى �س���لوك التّجهيزات ّ
ال�ش���خ�ص الأكرث عر�ض���ة؛ للت�ض���رر مبقدار 2.5 �أثر الك ّميات امل�س��� ّربة يف ّ
ميليزيف���رت ،وهو قدر م�س���او تقري ًب���ا لأثر الإ�ش���عاع ّ
الطبيعي ال���ذي يتل ّقاه
ك ّل �إن�س���ان �س���نو ًّيا ،واملق�ص���ود هنا الفرد الذي ال يقيم يف منطقة جرانيت ّية
ب�صورة كبرية.
ال�سمات املخ�صو�صة مبفاعل االندماج يف ح ّد ذاتها كما ميكن القول �إنّ ّ
ت�س���مح بتو ّقع ت�شغيل �آمن� ،س���واء يف ظروف طبيع ّية �أم عر�ض ّية ،وقد �أ ّكدت
48
عمل ّيات التّقومي امل�ض���بوطة الت���ي �أجريت على خمتلف من���اذج املفاعالت،
ال�صناعية الراهنة ،هذه التّو ّقعات. وبا�ستخدام �أف�ضل الأدوات ّ
ج)خارج املفاع���ل :ها نحن جم ّددًا خارج املفاع���ل ،يف املكان والزّمان
طبيعي بخ�صو�ص طبيعة النفايات الناجمة عن ّ ال ّلذين يتبادر فيهما ت�سا�ؤل
هذا املوقع ،و�أ�سلوب ت�صريفها ،وذلك يف �سياق خمتلف �آل ّيات �إنتاج الطاقة.
الطاقةب�ص���ورة عا ّمة ،تنتج التفاع�ل�ات الكيميائ ّية �أو النوو ّي���ة لتوليد ّ
حمطاتن���ا حمروقات ،وهذا �أمر ال ميكن جت ّنبه ،حتّى يف م�ص���نع خيا ّ
يل يف ّ
النقي ،على �س���بيل املثال ،لنالنقي يف الأك�س���جني ّ كام���ل ،فح���رق الكربون ّ
ي�سفر عن �أمطار ح ْم�ض ّية �أو �سالئف الأوزون � ،اّإل �أ ّنه يف الوقت نف�سه �سينتج
���ادي وقوده الفح���م .كذلك احلال م���ن الغاز الكربوين ما ينتجه م�ص���نع ع ّ
بالن�س���بة �إلى الآل ّية النوو ّية ل�ص���نع الطاقة التي ال ميك���ن فيها تفادي نواجت
التّفاعالت امل�ص���احبة الن�ش���طار ذ ّرة اليورانيوم .فلنطلق ا�س���م «ال ّنفايات
الطاقة، الأ ّولية» على النفايات التي يفر�ض���ها مبد�أ عمل يف ك ّل نظام ل�صنع ّ
وا�س���م «النفايات الثانو ّية» على تلك ال ّناجمة عن مواطن الق�ص���ور املختلفة
أي�ض���ا -عن متط ّلبات بناء معدّات �صناع ّية وعملها. يف الوقود ،والناجمةً � -
يالح���ظ عندئذ يف حالت���ي �آل ّية االح�ت�راق ،و�آلية االن�ش���طار� ،أنّ التحدّيات
الأك�ث�ر تعقيدً ا ه���ي الناجمة ع���ن �إدارة ال ّنفايات الأول ّي���ة؛ � ْأي غاز الكربون
حمطات �إنتاج ومنتجات االن�ش���طار .هذه النفايات الأ ّول ّية هي التي ت�س���عى ّ
احليوي ،بي���د �أنّ الهيليوم هو
ّ الطوي���ل خارج الغالف الطاق���ة �إلى تخزينها ّ ّ
النفاي���ة الأول ّي���ة التي تطرحها عملية االندماج ،وهو ج�س���م غري م�ش��� ّع ،وال
يتّ�سم ب� ّأي ن�ش ��اط �أو �سمية كيميائية ،وهو -عدا ذلك -مثل املخ ّلف املثا ّ
يل؛
اجلوي ،ابتعد ببطء نحو الف�ضاء؛ فالأر�ض عاجزة ّ لأ ّنه �إن �أطلق يف الغالف
ع���ن �إبقائ���ه� .إنّ جت ّرد ال ّنفاي���ات الأ ّول ّية ال ّناجتة عن االندماج من ال�س���م ّية
الطاقة.يق ّلل –فو ًرا -م�ضا ّر هذا النظام لإنتاج ّ
أ�سا�سا من كتلة املواد املحيطة بالبالزما، �أ ّما ال ّنفايات الثانو ّية فمك ّونة � ً
التي باتت م�ش��� ّعة؛ ب�سبب الق�صف ال ّنرتوين .هناك فكرتان رئي�ستان ،هما:
49
ق���وام �إدارة ه���ذه املخ ّلفات ،واختيار املوا ّد ونه���ج التخزين .تختار -قبل ك ّل
�ش���يء -املوا ّد ببالغ احلر�ص؛ فغياب ال ّنفايات الأ ّولية هو �س ّر فعال ّية اختيار
ت�ص ��طفى تلك امل ��وا ّد التي حتدّ� ،إلى �أق�ص ��ى حدّ ،ال ّن�ش ��اطامل ��وادّ ،بحيث ْ
الإ�ش���عاعي الناجم عن �سري ال ّنرتونات ،واملق�صود هنا ال يقت�صر على احل ّد
أي�ض ��ا من مدّة ال ّن�شاط ورواجه من الن�ش ��اط الإ�شعاعي فح�س ��ب ،بل احل ّد � ً
أي�ض���ا؛ �أي احل��� ّد من ك ّل املخاطر الت���ي قد تنجم لدى وق���وع حادث خطري � ً
ناجم عن املفاعل �أو تخزين النفايات .يتّ�ض���ح م�س���ب ًقا وجود عدد من املوا ّد
التي تتّ�ص���ف باخل�ص���ائ�ص املطلوبة ،و�إن اقت�ض���ت احلاجة �إلى املزيد من
���ناعي� .أ ّما الفك���رة الثانية
ال�ص ّ ال�ص���عيد ّ الدّرا�س���ة قبل ا�س���تخدامها على ّ
ففك���رة عاد ّية ومتع ّلقة ب�إدارة النفايات ،عل ًما �أنّ هناك ممار�س���تني تتبعان
متاما� ،أو
يف الوقت الراهن :ن�ش���ر النفايات وما لذلك من تداعيات ندركها ً
املرجح ح ًّقا.
احليوي ،واخليار الثاين هو ّ ّ عزلها عن الغالف
بع���د عر�ض املفاهيم العا ّم���ة ،ينبغي العودة جم ّددًا �إل���ى �أوجه التّقومي
ال�سبائك املحدّدة الدقيق التي �أجريت ب�ش�أن مفاعل التّوكاماك؛ �إذ اختريت ّ
املق��� ّررة لال�س���تخدام ب�ص���ورة واقع ّي���ة؛ � ْأي بال ّن ّظ���ر –فقط� -إل���ى قدرات
ال�صناعة ال ّراهنة .هي موا ّد مر ّكبة ط ّورت على ال ّنحو الأمثل يف �سياق �إدارة ّ
بال�صالبة
النفايات ،وتتمتّع يف الوقت ذاته بخ�ص���ائ�ص �ضرور ّية ذات �صلة ّ
امليكانيك ّية ومقاومة الت�أ ّكل .جتدر الإ�شارة هنا �إلى �أ ّننا ال نتحدّث عن موا ّد
افرتا�ض���ية؛ �إذ �أنتجت عدّة �أطنان لأغرا�ض االختبار ،ا�ستخدمت بعد ذلك
يف جتارب وع ّر�ضت للإ�شعاع ،وداخل التّوكاماك ذاته بالن�سبة �إلى بع�ضها؛
�أي يف بيئة منوذج ّية لبالزما املفاعل.
انطال ًقا من هذه الأ�س�س ،نعر�ض فيما يلي ب�صورة جمملة جدً ا ال ّنتائج
املتّ�سقة ،التي و�صلت �إليها الدرا�سات كا ّفة:
حمطة للطاقة النووية �أ ّو اًل :حج���م النفايات الناجم قريب ّ
مم���ا تخ ّلفه ّ
قليل ،وال �س��� ّيما �أنّ التّوكاماك �أق ّل ً
غلظا ذات قدرة مماثلة ،بل وربمّ ا يزيد اً
ال�س���مية الإ�ش���عاعية أهم هو �أنّ �إجمايل مقدار ّ من خزّان مفاعل باملاء ،وال ّ
50
املحتوي���ة تق��� ّل �أكرث من مئة م ّرة عن تلك الناجمة عن ت�ش���غيل مفاعل ّ
نووي
راهن ،وهذه عاقبة رئي�س���ة ح ًّقا ،وهي نتيجة ملمو�سة؛ النعدام ال�سمية لدى
لنعد جم ّددًا
النفايات الأ ّولية ،كما �س ّميناها ،وال�ستيعاب �أه ّم ّية هذه القيمْ ،
�إلى م�ص���در للك ْهرب���اء البالغ ال ّرواج عل���ى الأر�ض� ،أال وه���و الفحم .هناك
الكثريون الذين يجهلون حقيقة احتواء الفحم بطبيعته على �أج�سام م�ش ّعة،
ال�س���م ّية الإ�ش���عاع ّية؛ لأ ّنها حمدودة
كث�ي�را ما يتجاه���ل �أثر هذه ّعل ًم���ا �أ ّنه ً
ّ
ال�سم ّية الإ�ش���عاع ّية الناجمة ،ميكن موازنة حالة االندماج جدًّا ،ويف �س���ياق ّ
ّ
ال�س���مية الإ�ش���عاع ّية الناجمة عن م���ع حالة الفحم ،مع فارق ي�س�ي�ر :تتبدّد ّ
احليوي يف �أثناء االحرتاق ،يف حني تبقى ّ ا�س���تخدام الفحم كل ًّيا يف الغالف
ال�س���م ّية الإ�ش���عاعية ال ّناجمة عن االندماج حمتكرة؛ لذا ف�إنّ �أثرها �أ�ضعف ّ
حتّى من �سمية الفحم.
ويف �س���ياق احلديث عن احت���كار النفايات �أو ح�ص���رها ،ينبغي حتديد
زمن احل�صر املطلوب ،ونرجع يف ذلك �إلى تقرير بهذا اخل�صو�ص رفع �إلى
املفو�ض��� ّية الأوروب ّية التي مت ّول هذه الأعمال كا ّفة وت�ضبطها« ،عقب ب�ضعة
املن�شطة ،وال ّناجم عن عمل ال�س���ا ّم لهذه املواد ّ
عقود ،يكون امل�ض���مون امل�ش ّع ّ
قدره .ميكن �إخراج معظم هذه املواد- مفاعل االندماج وهدمه ،قد ت�ضاءل ْ
وربمّ ا جميعها -من ح ّيز املراقبة� ،أو �إعادة تدوير القليل�-إن وجد -من هذه
املواد التي حتتاج �إلى تخزين دائم ،وذلك بو�سائل التح ّكم عن بعد».
تبدو �آفاق هذه الآل ّية �إيجاب ّية جدًّا � ،اّإل �أنّ هذه الأعمال مل تنته بعد ،لذا
وا�ضحا يف هذه الكلمات .فقد و�ضعت بالفعل املبادئ الأ�سا�سية، كان احلذر ً
ب ْيد �أ ّنه ال تزال ث ّمة مراحل ينبغي اجتيازها بني مرحلة التّجريب يف املخترب
والتطبيق ال�ص���ناعي ،وال ب ّد هنا من حفظ خال�صة التقرير املذكور �ساب ًقا:
ين�شطها االندماج عب ًئا على الأجيال القادمة». «ال ينبغي �أن تكون املوا ّد التي ّ
بع���د �أن انتهينا من �ش���رح الأمور املخ�صو�ص���ة ب�ض���مان عم���ل املفاعل
الطاقة ب�صورة عا ّمة �أكرث. ب�ص���ورة �آمنة ،ن�س���تطيع الآن العودة �إلى �س���ياق ّ
اّ
ال يقب���ل � ّأي ام���رئ عل���ى اخلط���ر ،مهما كان �ض���عي ًفا ،بقل���ب ف���رح� ،إل �أنّ
51
الأمر يتع ّلق بحاجة �ض���رور ّية ،فنحن نحتاج �إل���ى الطاقة؛ لذا علينا موازنة
اخليارات املتن ّوعة املمكنة لتلبية هذه احلاجة .الدّرا�س���ات املقارنة لي�س���ت
فقط مثرية لالهتمام يف هذا ال�س���ياق ،بل ال غنى عنها لإعالم امل�س���تخدم
رجحناها با�س���مه .على �س���بيل املثال ،ربمّ ا يجدر ���ي باخليارات التي ّالنهائ ّ
بنا ذكر نتيجة خم�صو�ص���ة مب�ص���در كث ًريا ما يقرتح -خيا ًرا ممك ًنا اليوم-
وه���ي تربينة الغ���از ،ودون اخلو�ض يف االعتبارات املخ�صو�ص���ة باالحتبا�س
احلراري ،بل بالنظر فقط �إلى الأثر املبا�ش���ر يف اجلهاز التن ّف�س ّ
���ي املرتتّب
الكيميائي ( )NOxاملنت�ش���ر يف الغالف اجلوي ،من قبل موقع ّ عل���ى التل ّوث
حديث كهذا ،وجد �أنّ �إنتاج 1ترتاواط�/ساعة� ،أي ما يعادل 1000ميغاواط
مدّة � 1000ساعة ،يت�س ّبب يف 5وفياتْ � ،أي �أنّ مرفق تُربينة غاز يولد 1000
ميغاواط وخالل مدة � 7000س���اعة بالعام (�إنتاج الطاقة يف فرن�س���ا يعادل
حوال���ى 60مرف ًق���ا من هذا القبيل) �سي�س���فر ال حمالة عن وفاة 35ن�س���م ًة
مما قد يح�صل لو ا�ستخدمنا الفحم �شكّ - �سنو ًّيا ،وهي نتيجة �أف�ضل -بال ّ
�أو الكتلة احليو ّية ،لكنّ هذه البيانات ال تقارن بتلك املخ�صو�صة باالندماج،
الت���ي يجدر بنا هنا تذكري القارئ بها؛ فالقيم املخ�صو�ص���ة باالندماج التي
ي�صل �أق�صاها �إلى امليليزيفرتات ال ت�سفر عن � ّأي �أثر ميكن ر�صده ،بل ربمّ ا
ال ت�سفر عن � ّأي �أثر �أبدً ا ،ح�سب ر�أي العديد من الباحثني.
-3التّكلفة
نرغ���ب -نحن امل�س���تهلكني -يف ال ّنفاذ �إلى وفرة من الك ْهرباء ب�ص���ورة
�آمن ��ة ،وبتكلفة اقت�ص ��اد ّية رخي�ص ��ة؛ لذا ف�إنّ ال ّن�ش ��اط البحث � ّ�ي يف جمال
الطاقة لي�س مبن�أى عن االعتبارات االقت�ص���ادية� ،أ ًّيا كانت د ّقة البحث على ّ
�صعيد الفيزياء �أو تف ّوق الدّراية التقن ّية .لن ن�سعى هنا �إلى تو ّقع ثمن الكيلو
واط �/ساعة بحلول عام 2050م ،و�إن حاول بع�ض النا�س ذلك ،بل �سنكتفي
ال�س�ؤال التايل :بعد تذليل العقبات ب�أمر �أكرث توا�ض ًعا ،وحماولة الإجابة عن ّ
الفيزيائ ّية والتقن ّية ،هل �س���تكون هناك عقبات اقت�صاد ّية ميكن تو ّقعها من
52
عملي لنتائج هذا البحث؟ �ش�أنها �أن حترمنا من � ّأي تطبيق ّ
)1تكلف���ة الكهرب���اء التي يو ّلدها االندماج -.هو تقدير ي�س�ي�ر �إلى ح ّد
ما ،و�إن كان �ش���ا ًّقا ،ولن نخو�ض هنا يف تف�ص���يالت املحا�سبة ،بل �سنعر�ض
و�سيلة احل�ساب؛ بحيث تكون النتائج التي نح�صل عليها حم ّل ثقة.
غلية تطل���ق تفاع���ل االندماج، يتك��� ّون مفاع���ل مو ّل���د للكهرب���اء م���ن اّ
و�أجه���زة معروف���ة ج ّي���دً ا ،وه���ي الترّ بين���ات واملن ّوب���ات �إلخ� ...أ�س���عار هذه
املعدّات الأخرية ،وغريها من الأجهزة الأقدم ،مثل الأ�س���وار اخلر�س���ان ّية،
ومعدّات الو�ص���ل وغري ذلك م���ن الأدوات ،معروفة –ح ًّق���ا -ويبقى حتديد
الغلية فقط ،وهن���ا ي�أتي دور خربة خمتربات االندم���اج ،التي باتت ثم���ن اّ
مديدة .فقد ط ّورت املختربات ،التي �ش��� ّيدت التّوكاماك ،مناذج حا�س���وب ّي ًة
ت�س���مح بتكييف خ�ص���ائ�ص التّجارب املتو ّقعة لقي���ود امليزانية ،وحتدّد هذه
النماذج التكاليف ،ف�ض�ًل�ااً عن تو ّقع �أوجه الأداء املنتظر؛ مما ي�س���مح بعد
البحثي موازنة هذه ال ّنماذج كا ّفة، ّ ذلك بت�سويات واقع ّية ،ومل يفت املجتمع
وقد تبينّ اتّفاقها� ،سواء �أكانت باليورو �أم الني �أم بالدّوالر .كما توجد اليوم
و�س���ائل لتقومي التّكاليف يف مرفق التّوكاماك (حتّى ن�سبة ) %15على وجه
ال ّد ّقة ،وذلك ل َك ٍم وا�س���ع من �أوجه الأداء ،وما �أجري على �ص���عيد التّجارب
أهم ّت�أكيد نتائج طلبات أي�ضا على �صعيد م�شروعات املفاعل ،وكان ال ّ �أجري � ً
عاملي
العرو����ض التي �أطلقت لأكرب �ص���ناع ّيي العامل ،خالل تطوير م�ش���روع ّ
التجريبي ال���دّويل �أيرت
ّ ���راري
���ووي احل ّ �ض���خم بحجم م�ش���روع املفاعل الن ّ
-ITERلتقديرات الربامج احلا�سوب ّية.
ا�س���تنادًا �إل���ى ه���ذه القاع���دة ال ّرا�س���خة ،ا ّلت���ي حت���دّد ثم���ن النموذج
التجريبي ،ن�ضفي نظر ّية اقت�ص���اد ّية؛ ال�ستنتاج �سعر املرفق لدى ت�صنيعه. ّ
�ش���ك -و�س���يحتم ذلك ت�أكيد بع�ض البيانات ث ّمة فر�ض��� ّيات ك ّونت هنا -بال ّ
ع���ن طري���ق التجرب���ة؛ كما ث ّم���ة هام����ش للأخط���اء دائ ًم���ا � ،اّإل �أ ّن���ه ميكن
ا�س���تخال�ص نتيجة ي�س�ي�رة من ك ّل ذلك ،وهي �أنّ تكلفة الكهرباء ربمّ ا تكون
والطاقة بالطاقات املتجدّدة ،مثل طاقة ال ّرياحّ ، يف احل ّد الأدنى مما يعرف ّ
53
ال�ض���وئية� ،إل���خ ...تبعث بح���وث االندماج الأمل يف الو�ص���ول يف الفلطائي���ة ّ
ال ّنهاية �إلى منتج ذي قيمة جتار ّية حقيق ّية ،فهذا هو املنتظر وامل�ؤ ّكد.
ال�س���ابقة مب�س����ألة )2التّكالي���ف اخلارج ّي���ة :ال تف���ي احل�س���ابات ّ
الطاقة؛ فقد حدّد الباحثون ال�ص ��لة بن�ش ��اط م�ص ��نع لإنتاج ّ
التكاليف ذات ّ
من���ذ زمن ،وعل���ى وجه ال ّدق���ة� ،أوجه التّل ّوث الناجم عن ت�ش���غيل امل�ص���نع؛
مما ي�س���فر –ح ًّقا -عن تكاليف �إ�ض���اف ّية .ملعاجلة هذه امل�س�ألة ،ينبغي �أ ّو اًل
تقومي انبعاثات املل ّوثات ،التي ميكن �أن حت�ص���ل يف خمتلف مراحل الإنتاج،
بد ًءا با�س���تخراج الوقود �أو �ص���نع الإ�س���منت لت�ش���ييد املفاعل ،مرو ًرا ب�إنتاج
الكهرب���اء ،وحتّى معاجلة النفايات وهدم امل�ص���نع .بعد ذلك ينبغي حتديد
الآث���ار البالغة التن ّوع الت���ي يحدثها التل ّوث يف البيئة ،ويف �ص���حة التج ّمعات
�ناعي� .أخ ًريا
ال�ص � ّ ال�س ��كان ّية ،و�إن كانت تقيم بعيدً ا عن مق ّر هذا الن�ش ��اط ّ ّ
ن�ص���ل �إلى املرحلة النهائية التي تنطوي على ترجمة التداعيات يف ك ّل هذه
الآث���ار� ،إل���ى التّكلفة املرتتّبة ج ّراء ذلك ،ون�س���ب ه���ذه التكاليف �إلى حجم
الإنت ��اج (كيلوواط �س ��اعي) ،وهكذا يحدّد م ��ا يعرف بالتّكلف ��ة اخلارج ّية
للكيلوواط ال�س ��اعي؛ لأنّ هذه التّكلفة غال ًبا ما تكون غري ذات �ص ��لة بعمل ّية
التّبادل التي تربط م ْنتج الكهرباء مب�ستهلكها ،وقد �أُجريت يف �أنحاء العامل
العديد من الأعمال ال ّرامية �إلى حتديد هذه التكاليف اخلارجية؛ وال �س��� ّيما
درا�س���ة �أجراه���ا يف �أوروب���ا من ع���ام � 1993إل���ى 1998ع�ش���رات الباحثني
الطاقة .تعرف هذه الدرا�س���ة م���ن خمتلف الدّول ،وخمتلف �ش���ركات �إنتاج ّ
وي�س���هل ب�إك�س�ت�رن �إي ،ExternEوهي ا ّلتي اعتمدنا عليها –مرج ًعا -هناْ ،
ال�س���ياق ت�ص ّور تن ّوع نطاق املو�ضوعات التي ينبغي تناولها واتّ�ساعه؛ يف هذا ّ
الطاقة على قدم امل�س���اواة ،وكث ًريا ما ت�س���تخدم لو�ض���ع خمتلف نظم �إنتاج ّ
نتائ���ج هذا التقرير يف التقريرات واملذ ّكرات ال ّر�س���م ّية؛ نظ ًرا جلودتها؛ �إذ
توخي هذه الدرا�سة أي�ضا �إلى ّ اً
واكتمال ،وجتدر الإ�شارة � ً تع ّد الأكرث ت�س���او ًقا
أيديولوجي عقيم.
ّ �أعلى معايري ال�شفافية؛ وذلك لتفادي الوقوع يف جدال �
تو�ص���لنا �إليها ،بعد �أن ر�س���منا املبادئميك���ن الآن تن���اول النتائج التي ّ
54
العري�ض���ة للعمل ّيات احل�س���اب ّية املتّبعة .جتدر الإ�ش���ارة جمددًا ،على �سبيل
الطاقة الأكرث ربح ّي ًة ت�ساوي املوازنة� ،إلى �أنّ تكلفة الإنتاج الراهن مل�ص���ادر ّ
تقري ًب���ا 30ج ��ز ًءا يف الألف من اليورو لك ّل كيلوواط �س ��اعي ،وي�ض ��اف �إلى
���ي التكاليف اخلارج ّي���ة؛ بحيث نحدّد تكلف���ة الإنتاج ذل���ك املق���دار الأ�سا�س ّ
الفعلي���ة ،التي ي�ض���بطها يف الأح���وال جميعها جمم���ل التدب�ي�رات املتن ّوعة
املتّخذة ملعاجلة �آثار التلوث ،والر�س���وم الطبية ،ور�سوم الترّ ميم يف خمتلف
مواطن التّدهور� ،إلخ ،..وميكن اخلروج من هذه النتائج بقيمتني مميزّتني.
ينط���وي نظام �إنت���اج الكهرباء با�س���تخدام الفح���م على الق���در الأعلى من
التّكالي���ف اخلارجية ،تناهز بكثري 20جز ًءا يف الألف من اليورو للكيلوواط
الطاقة القائمة على ال�ساعي ،وتع ّد هذه القيمة منط ّي ًة بالن�سبة �إلى م�صادر ّ
الطاقة ال�شم�سية، ���خر ّال�ض���وئي ،الذي ي�س ّ
ّ االحرتاق� .أ ّما النظام الفلطائي
فينطوي على تكاليف خارج ّية تزيد كث ًريا على اجلزء من الألف من اليورو،
الطاقة املتجددة� ،إذا جتاهلنا أي�ض���ا على �صعيد م�صادر ّ وهذه قيمة منط ّية � ً
التّكاليف املتّ�ص���لة بالتّخزين �أو التّعوي�ض عن �أوقات اللاّ�إنتاج ،وبا�ستخدام
حدود احل�ساب نف�سها ،ت�ص���ل التّكاليف اخلارج ّية املرتبطة باالندماج �إلى
اعي.
ال�س ّ
حوالى اجلزء من الألف من اليورو للكيلوواط ّ
تك ّرر هذه النتيجة �إذن ب�ص���ورة �أخرى املم ّيزات البيئ ّية التي يتّ�سم بها
ال�س���ابقة ،كما تظه���ر وج ًها �آخر من االندم���اج .التي عر�ض���ناها يف الفقرة ّ
الطاقة ،ولإبراز هذا املفهوم ب�ص���ورة �أو�ض���ح ،ولأ ّننا يف �س���ياق �أ ْوجه تكلفة ّ
�أزمنة طويلة ،نعود جم ّددًا �إلى نزعتني م�ؤ ّثرتني ال ّ
�ش���ك يف �أ ّنهما ّ
�ستوجهان
الطاقة يف ال�س���نوات املقبلة .مي ّث���ل ارتفاع �أ�س���عار املحروقات نتيجة �س���وق ّ
ا�س���تنزافها ال ّنزع���ة الأول���ى التي ال ميكن تفاديها ،التي �س ّ
���تم�س امل�ص���ادر
ال ّراهن���ة ب�ص���ورة �أو �أخ���رى � ،اّإل �أ ّن���ه ال يتو ّق���ع �أن ت�ؤ ّثر يف �إنت���اج الكهرباء،
با�س���تخدام االندماج؛ لأ ّن���ه ال يعتمد على هذه املحروق���ات ،وتتم ّثل النزعة
الثاني���ة يف تقن�ي�ن الأنظم���ة وفر����ض ال�ض���رائب والإعانات املتعلق���ة بقطاع
الطاقة؛ � ْأي ميل وا�ض���ح نحو تقلي�ص التكاليف اخلارجية ،ودجمها يف �سعر
55
توجه مرغوب فيه ،و�س ��يت�أ ّكد بال �ش � ّ�ك .بيد �أنّ
ال�س ��اعي ،وهذا ّ
الكيلوواط ّ
�أخذ التّكاليف البيئية باحل�س���بان لن يعوق تطور تقنية االندماج ،وذلك كما
هو �ش�أن ارتفاع �أ�سعار املحروقات ،بل على العك�س.
على � ّأي حال ،ال ترمي هذه احل�سابات االقت�صادية �إلى و�ضع االندماج
الطاقة الأخرى امل�ستخدمة �أو امل�ستقبل ّية .مثل هذه يف مناف�س���ة مع م�صادر ّ
املناف�سة �ضرب من العبث ،وال �س ّيما �أنّ االندماج ال يزال يف مراحل التّطوير
يف الوقت ال ّراهن ،و�إنمّ ا ترمي �إلى �ضمان االتّ�ساق يف هذه امل�ساعي البحث ّية
���ي املحدّد لها� :إيجاد م�ص���در للطاقة قابل على ال���دّوام مع الهدف الرئي�س ّ
ال�ص���ناعي ،ومالئم للبيئة ،ويعكف جمتمع الباحثني يف نطاق ّ لال�س���تخدام
االندماج على تفعيل هذه ال ّنتائج ذات الأهم ّية البالغة.
-4املوارد
املخت�صة ب�أمان
ّ كما م ّكنتنا من الإجابة ب�ص���ورة وا�ضحة عن الأ�س���ئلة
الإنت���اج وتكلفت���ه ،تتي���ح لنا من���اذج مفاعل االندم���اج الإجابة عن الأ�س���ئلة
الطاقة با�ستخدام االندماج. املخت�صة باملوارد املطلوبة؛ لتطوير نظام �إنتاج ّ ّ
واحلدي���ث عن امل���وارد يحملنا ال �إراد ًّيا على التفك�ي�ر يف الوقود الالزم
اً
مفاعل للتّ�ش���غيل ،بيد �أنّ هذه لي�ست امل�س����ألة اجلوهر ّية .دعونا نت�ص ّو ْر �أ ًو اًل
يوقده الدّوتريوم وحده .مع �أنّ ا�س���تخدامه وحده هو �أمر �أكرث �ص���عوب ًة من
الفر�ضي قابل
ّ ا�ستعمال مزي ــج الدّوتري ــوم والترّ تيــوم � ،اّإل �أنّ هذا التّ�ص ـ ّور
–ح ًّقا -للبحث فيه .مبعنى �آخر ،يف هذه احلالة ،ولتوافر الدّوتريوم يف مياه
�ض���ئيل جدًّا منها ،ف�إنّ هذا يعود �إلى ا�ستخراج ما اً البحر الذي مي ّثل مك ّو ًنا
الطاقة التي ن�ستمدّها يعادل ،منْ ك ّل ليرت من ماء البحر ،مقدا ًرا مكاف ًئا من ّ
من 300لرت من ال ّنفط ،وعلى �صعيد الوقاد ،بحوزتنا على وفق هذا الت�ص ّور
نفطي» يعادل � 300ض���عف من �أ�ض���عاف حجم جممل املحيطات ،التي «بئر ّ
لن ي�ؤثر يف م�س���تواها ا�س���تخراج الدّوتريوم .بالعودة �إلى مزيج الدّوتريوم/
الترّ تيوم ،على افرتا�ض �أ ّنه ت�ستخرج هذه العنا�صر الأ�سا�س ّية� ،أي الدّوتريوم
56
والليثيوم ،من مياه البحر ،ن�صل �إلى اال�ستنتاج نف�سه.
لع ّل الأكرث �إثار ًة لالهتمام هنا ،هو النظر �إلى م�س����ألة املوارد من زاوية
امل���وا ّد الالزمة لت�ش���ييد املفاعل ،وق���د ْ
الحظنا �أنّ هيكل املفاع���ل مع ّقد �إلى
بيعي التّ�س���ا�ؤل ب�ش����أن
الط ّح��� ّد ما ،و�أ ّنه قائ���م على مواد ابتكار ّية؛ لذا فمن ّ
ال�س����ؤال ال�صحيح ،ننظر مبا�شرة مدى توافر هذه املوارد .الآن وقد طرحنا ّ
���مي كان االتحّ���اد الأوروبي قد �أم���ر ب�إعداده ،وهي
�إلى خال�ص���ة تقرير ر�س ّ
اخلال�ص���ة التّالية :ال �ص���عوبة يف التفكري يف ت�ش���ييد 1000مفاعل وت�شغيله
مدّة 1000عام .ما يه ّمنا �إذن من مو�ض���وع املوارد ،و املوارد املطلوبة كا ّفة،
هو �أ ّنها ال ت�ش ّكل عائ ًقا لتطوير االندماج ب�صفته م�صد ًرا لإنتاج الطاقة.
57
58
الف�صل ال ّثاين
اجلوانب التقن ّية
ال�ص���عوبات املتع ّلق���ة بفيزياء
ان�ص���ب اهتمامن���ا -يف معظم ما �س���بق -على ّ ّ
أ�ص���لي ال���ذي تطرح فيه
ّ ل ا املحور هو فهذا ؛طبيعي
ّ أمر � ���ذا ه و ، البالزمي
ّ الو�س���ط
الأ�س���ئلة الرئي�س���ة ،وهنا احلاجة �إلى اخلروج ب�إجابات مبتك���رة قدر الإمكان .هل
يعني ذلك �أ ّننا لو جنحنا يف معاجلة هذه امل�س���ائل كا ّفة ملا انطوى تطوير االندماج
-م�ص���د ًرا للطاقة -على �أيّ حتدّيات؟ الأمر لي�س كذل���ك –ح ًّقا -ويكفي لالقتناع
ال�ص���ناعي يف العديد بذلك مراجعة رحلة التط ّور من االكت�ش���اف �إلى اال�س���تخدام ّ
م���ن املج���االت املعروفة لدين���ا .فقد تط ّلب على �س���بيل املثال حتوي���ل عبور املحيط
الطيار الرائد ليندبرغ� ،إلى رحلة مبا�شرة من نيويورك �إلى أطل�سي ،الذي �أجنزه ّ ال ّ
باري�س كما هي اليوم ،العديد من االبتكارات التقنية املتن ّوعة ،وهي ال تقت�صر على
املخت�ص م���ن الفيزياء املتم ّثل يف الدّينامي���كا الهوائية ،وموا ّد جديدة،
ّ ه���ذا الفرع
التقني يف
ّ ّ
و�إلكرتون ّي���ات الطائرات ،والتّجهيز باملح ّركات� ..س���نحت �أوج���ه التقدّم
ه���ذه املج���االت والعديد من املجاالت الأخ���رى لتطوير الطريان التجاري ب�ص���ورة
فعل ّية ،وكذلك الأمر بالن�سبة �إلى االندماج .اجلدير بالذكر �أ ّنه حني ا�ستعان جمتمع
باحثي االندماج بلجان اخلرباء؛ للح�ص���ول على �آراء خارج ّية ب�ش�أن �أعمالهم� ،أ ّكد ْ
ممكن ،مبثل هذا ال�ص���ناعة يف هذه اللجان �ض���رورة املبادرة ،ب�أ�سرع وقت ْ خرباء ّ
التقني ،الذي يتو ّقف عليه م�ستقبل االندماج ب�صفته م�صد ًرا للطاقة. ّ التّطور
وملحاولة تو ّقع هذه التط ّورات التقن ّية ال�ض���رور ّية ،ولإلقاء بع�ض ّ
ال�ض���وء على
الأ�س���ئلة ذات الأهم ّية� ،س���نقف على نظامي االندماج :اندماج احل�ص���ر العطايل
و اندم���اج احل�ص���ر املغناطي�س���ي ،دون النظ���ر �إل���ى الفيزياء ،وبتثبي���ت االهتمام
املخت�صة مبفاعالتّ املخت�ص���ة بك ّل نظام ،وقد �أ�س���همت الدّرا�سات
ّ ب�أ ْوجه التّقنية
االندماج -وهي درا�س���ات م�س���تقبل ّية -يف تو�ض���يح بع�ض املفاهيم الأ�سا�س ّية التي
ينتظ���ر �إح���راز تقدّم فيها ،وقد ارت�س���مت العقبات الرئي�س���ة التي يج���ب تذليلها،
و�س���نحر�ص ،لك ّل من �أوجه التّقنية حم ّل الدرا�س���ة ،على �إي�ضاح التحدّي الرئي�س،
قبل �إلقاء نظرة �سريعة على ما و�صلت �إليه م�ساعي البحث ال ّراهنة.
59
.1اندماج احل�صر ال ُعطايل
بال ّنظر �إلى مك ّوناتها الأ�سا�سية ،يتك ّون املفاعل الذي يعمل على مبد�أ احل�صر
اً
م�ش���تعل يف �أثناء طريانه مبتجه طاقة .فيما العطايل من غرفة نرمي فيها هد ًفا
يلي فح�ص لك ّل من هذه املك ّونات الثالثة الرئي�سة.
.1الغرفة
ه���ي مق ّر عملية �إنتاج طاق���ة هائلة ،موجزة ودور ّية ،هي م���ن الإيجاز بحيث
الطاقة مع انفجار .حتديدً ا ،علينا ح�ص���ر �سل�س���لة من ميك���ن موازنة �آل ّية حترير ّ
االنفج���ارات ترتاوح من � 5إلى 10انفجارات �ص���غرية يف ال ّثاني���ة ،يوافق ك ّل منها
مما ينبعث متفجرة .ينبغي �إذن وقاية الغرفة ّ ا�س���تخدام مئة كيلو غرام من موا ّد ّ
بعنف خالل حلظات اال�شتعال الفائقة ال�سرعة من �أ�ش ّعة �سينية ونرتونات وحطام
بخا�صة يف �س ْمك مادة البناء املحدود، متت�ص الأ�ش��� ّعة ال�سينيةّ ، الهدف ،عل ًما �أنه ّ
���طحي للج�س���م الذي ت�صادفه هذه ّ س � تطاير من أ�ش���عة ل ا هذه ومما حتدث �ش���دّة ّ
ال�ص���عوبة الأكرب� ،إذ يقدّر ب�أقلالأ�ش���عة .اجلدير بالذك���ر �أنّ هذا الت�أ ّكل هو وجه ّ
من 1µم لك ّل هدف حمرتق.
يج���ري يف الوقت ال ّراهن البحث يف �س���بيلينْ ؛ لتجنيب الغرفة الآثار الأ�س���و�أ
ال�س���ينية على هذا ال ّنحو العنيف .ينطوي الأ ّول على ال ّناجمة عن انبعاث الأ�ش��� ّعة ّ
�شك -لك ّنها �ستتجدّد ت�سييل �سائل �أو كلل ب�صورة م�ستم ّرة� ،ستتطاير جزئ ًّيا -بال ّ
كذلك با�س���تمرار ،وهو احل ّل الذي يعرف بح ّل «اجلدار ّ
ال�س���ائل» ،و�إذا اتّ�سم هذا
اللزم���ة للغرفة؛ ذلك �أنّ تطيري بال�س��� ْمك الكايف� ،أمن الوقاية ال ّنرتونية اّ
اجلدار ّ
اجلوي يف الغرفة قبل ال ّرمي التايل؛ ّ املواد الواقية يلزم ،ب�ضمان ،تنظيف الغالف
ع�شر ال ّثانية.
� ْأي خالل زمن مبقدار ْ
ال�س���بيل الث���اين حلماية جدار الغرف���ة الداخلي يف متديد ت�أثري الأ�ش��� ّعة يتم ّثل ّ
ال�س���ين ّية يف الزم���ن ،وذل���ك على وفق املب���د�أ الت���ايل :نحافظ يف الغرفة با�س���تمرار
على �ض���غط غاز يختار بد ّقة (الزّينون ،الكريبتون)؛ لي�ؤدّي من خالل االمت�ص���ا�ص
و�إع���ادة الإر�س���ال دور الكابح؛ �إذ يب�س���ط هذا الغ���از خالل هذا الزم���ن ر�أ�س تد ّفق
ال�س���ينية التي ي�س���تقبلها اجلدار؛ �إذ يق ّلل من مقدار هذه الأ�ش��� ّعة اللحظي، الأ�ش��� ّعة ّ
ونتج ّن���ب بذلك ظاهرة التّطيري ،وميكن ت���رك اجلدار عار ًيا � ،اّإل �أنّ جدار الغرفة يف
60
هذه احلالة ع ْر�ضة لدفق ال ّنرتونات دون تخفيف؛ لذا ينبغي الترّ تيب ال�ستبداله عدّة
مرات خالل حياة املفاعل .اجلدير بالذكر �أنّ مبد�أ احلماية بغالف جويّ غازيّ لي�س
مبد�أً عا ًّما؛ فهو يفرت�ض عدم �إثارة هذا الغالف اجلويّ لأيّ ا�ض���طراب على انت�ش���ار
الطاقة من �أ�ش ّعة الليزر.احلزم يف جّاتاه الهدف ،وهذا ال يحدث � اّإل �إذا كان متّجه ّ
.2الهدف
قطر من � 2إلى 3مم .الهدف الذي �سيتع ّر�ض مت ّثل كرة �صغرية جم ّوفة ذات ْ
للق�ص���ف يف االندماج باحل�ص���ر العط���ايل ،وهي مك ّونة من طبقة م���ن الدّوتريوم
ال�ص���لب ينبغي احلف���اظ عليها بدرجات حرارة منخف�ض���ة .ربمّ ا تكون والترّ تيوم ّ
هذه الكلة مع ّلقة (�أو ال) داخل علبة �أ�سطوانية ت�س ّمى «هولروم » holhraumذات
7
توخي الدّقة ال�شديدة يف �صناعة كلة قطر الكلة ،وينبغي ّ قطر يعادل حوالى �ض ْعف ْ
الوقود والهولروم وجتميعها.
ّ
ت�س���تخدم يف ال ّتج���ارب ال ّراهنة �أقل من ع�ش���رة �أهداف يف الي���وم؛ �إذ تدْ خل
ه ��ذه الأهداف يدو ًّيا يف الغرفة ،ف�إ ّم ��ا �أن تكون على داعم �أو مع ّلقة بخيوط دقيقة
قليل من مليون هدف يف اليوم؛ بحيث جدًّا ،ومن �ش����أن املفاعل �أن ي�س���تهلك �أق ّل اً
تدْ خ���ل �آل ًّيا بوترية /10ث كما ذكرنا �س���اب ًقا ،يف غرفة تزي���د فيها درجة احلرارة
على 500درجة مئوية؛ لذا يجب �أن يكون الإنتاج على قدْ ر كبري ،و�أن يحقن ب�سرعة
بالغة لتج ّنب االرتفاع يف حرارة هذه الأهداف الباردة جدًّا� ،أكرث من درجة مئو ّية
واحدة ،خالل رحلتها عرب الغطاء ومن ّثم داخل الغرفة.
�ادي �ص ��ارم ينبغي �إ�ض ��افته لهذه ال�ش ��روط الفيزيائية هناك �ش ��رط اقت�ص � ّ
ّ
الثابت���ة ،ذل���ك �أنّ مبوازن���ة ثمن بي���ع الطاقة املنتجة م���ن قبل هدف ما مع �س��� ْعر
تكلف���ة هذا الهدف ،يتب�ّي�نّ �أ ّنه ال ينبغي �أن يزيد �س���عر التكلفة على ن�ص���ف دوالر
���ي � ،اّإل �أنّ درا�س���ات �أمريك ّية ب ّينت �أنّ تكلفة �ص���نع هذا املك��� ّون البالغ الدّقة
�أمريك ّ
�أق���رب يف الواقع �إل���ى 2000دوالر للكلة الواحدة .ث ّمة حاجة �إذن �إلى �إحراز تقدّم
كبري ،وينبغي االن�ص���راف عن و�س���ائل الإنتاج ال ّراهنة ل�ص���الح تقنيات �ص���ناع ّية
ينبغي ابتكارها.
�إنّ التح ّدي���ات الت���ي عر�ض���ناها ،فيما �س���بق ،ه���ي حتدّيات جل ّي���ة ،وقد بد�أ
مف�ص���لة بخ�ص���و�ص البحث –ح ًّقا -عن حلول ملعاجلتها؛ فقد ن�ش���رت درا�س���ات ّ
امل�س���ائل املتع ّلق���ة بحق���ن الأهداف ،وق���د حيكت املقاوم���ة امليكانيك ّي���ة للهدف يف
61
احلراري ،خالل مرحلة االنت�شار
ّ وال�س���لوك
�أثناء التّ�س���ريع ،خالل مرحلة القذف ّ
ب�ص���ورة دقيقة ،وقد طرحت ب�ضعة مقرتحات ب�ش����أن �أ�سعار الت�صنيع وتكلفته� ،إلاّ
�أنّ امل�ساعي لتطوير و�سائل تقن ّية موافقة لهذه املقرتحات ال تزال متوا�ضعة جدًّا.
.3متجه الطاقة
�آثرنا هنا ا�س���تخدام م�ص���طلح «متجه طاقة» على م�ص���طلح «ليزر»؛ لأنّ هذا
الأخري ،كما �س���يتبينّ الح ًقا ،لي�س الو�س���يلة الوحيدة املت�ص��� ّورة يف املفاعل ل�ضمان
ان�ض ��غاط الأهداف وت�س ��خينها .ملتط ّور �أجهزة ال ّليزر ال ّراهنة بغية خدمة املفاعل
–ح ًّقا-؛ لذا ال عجب يف كون عدد من خ�صائ�ص الليزر غري موائم لإنتاج الطاقة.
بي���د �أ ّنه نظ ًرا لك���ون �أجهزة الليزر الراهنة �أو امل�س���تقبلية هي �أق���وى املعدّات التي
ابتكرت؛ فهي مثل م ْرجع يعيننا على تقدير �أهم ّية التقدم الذي ينبغي حتقيقه.
لنعدْ جم ّددًا �إلى م�س�ألة املفاعل؛ لعر�ضها هذه امل ّرة يف �سياق االحتماالت التي
تتيحها �أنواع الليزر القائمة؛ فجهاز ليزر قويّ ال ي�س���مح � اّإل بالق�ص���ف ب�ضع مرات
بالي���وم ،يف حني يحت���اج املفاعل �إلى � 10-5أدوار ق�ص���ف يف الثانية؛ � ْأي 500,000
املخت�ص���ة بالأهداف ،جتدرّ دور ق�ص���ف يوم ًّيا ،ودون الرجوع جمددًّا �إلى البيانات
الإ�شارة �إلى �أنّ تقنيات الليزر هي التي حت ّد من �أ�سعار ال ّرمي يف الوقت الراهن.
الطاقة التي جندها هناك �س���مة �أخرى ذات �أهمية ،وهي املردود؛ � ْأي مقدار ّ
عل���ى الهدف ،وامل�ض���افة �إلى الطاقة الت���ي حق ّناها يف الليزر ب�أخذها من ال�ش���بكة
الكهربائي���ة .ال ي�ص���ل املردود يف الوق���ت الراهن �إلى ،%1يف ح�ي�ن يحتاج املفاعل
من � 10إلى %30على الأق ّل� .إ�ض���افة �إلى ذلك ،ميكن �إ�ضافة �سمتني �أخْ ريينْ ل ّليزر
هنا ،مثل عدد جوالت الق�ص���ف املمكنة بغري �ص���يانة ( 100مليون للمفاعل ،مقابل
ب�ض���ع مئات يف التّجارب الراهنة) ،ولع ّل النتيجة الناجمة عن هذه امللحوظات هي
�ض���رورة االن�ص���راف عن املبد�أ نف�س���ه الذي تعمل به �أجهزة الليزر الراهنة ،التي
املن�شط والوم�ضات.تعتمد على الزجاج ّ
يف �ض���وء ما �س���بق ،ينبثق م�س���اران بحث ّي���ان يف الوقت الراهن البت���كار متّجه
���تقبلي؛ �إ ّما �إعادة ت�ش���ييد نظام اللي���زر بر ّمته� ،أو االنتق���ال �إلى تقنية
الطاقة امل�س ّ
بالتوجه �إلى ا�س���تخدام املوجهات .من تقنية الليزر �إلى تقنية الليزر ّ �أخرى متا ًما،
ال�صلب ذي الثنائ ّيات ،ث ّمة احتماالت عديدة التّباع نظام ّ بالليزر ارالإك�سيمرً ،
مرو
62
املخت�ص
ّ اللي���زر ،وه���ي احتماالت ت ْبحث بد ّقة � ،اّإل �أ ّننا �س���نقف عند امل�س���ار الثا ّ
ين
مبعجالت الأيونات؛ لأ ّنه يبدو امل�سار الواعد.
ل���دى البح���ث عن ُحزم ق���ادرة على ت�س���ليم مقادير كبرية م���ن الطاقة خالل
جل�س���يمات التي تو ّلدها املعجالت، الطبيعي �أن ننظر �إلى حزم ا ُ ّ م���دة وجيزة ،من
مع العلم �أنّ هذه احلزم ال تق�ص���ف الهدف ب�ص���ورة مبا�شرة ،بل ت�ستهدف الغرفة
العك�سي ،حم ّو اًل طاقة احلزم
ّ اجلوفاء «الهولروم» ،ويقوم هذا الأخري بدور املح ّول
ال�س ��ين ّية التي ت�سمح بان�ض ��غاط كلة الوقود .يف �ضوء ذلك، �إلى ح ْزمة من الأ�ش ��عة ّ
ينطوي ا�ستخدام معجالت الأيونات على مم ّيزات عديدة ،وال �س ّيما �أن اخل�صائ�ص
الرئي�س���ة التي تعوق ا�س���تخدام �أنظمة الليزر الراهنة ت�ض���محل تلقائ ًّيا؛ �إذ ي�س���هل
حتقي���ق االحرتاق ع�ش���ر مرات يف الثانية ،وقد ي�ص���ل مردود طاق���ة املعجالت �إلى
مر�ضي عنها يف �سياق ّ ف�ضل عن متتّع هذا ال ّنوع من املعدات مبوثوق ّية ن�سبة ،%40اً
ً
الطاقة التي نبحث فيه���ا .بيد �أنّ ث ّمة حاجة �إلى املزي���د من التقدّم؛ �إذ تطبيق���ات ّ
ال ب��� ّد –�أ ّو اًل -من الت�أ ّكد من فعالية ا�س���تخدام ه���دف ذي غرفة جوفاء ،وهذا من
الأمور التي �س���تعكف عليها �أكرب نظم الليزر قيد التّ�ش���ييد .كذلك ما زلنا بانتظار
وبخا�صة �أ ّنها ال ت�ستخدم يف الوقت الراهن يف ميدان ّ التط ّور يف ميدان املعجالت،
يخْ دم اندماج احل�ص���ر العطايل .ينبغي احلفاظ على القدرة العالية على التجميع
املتواف���رة لدينا اليوم ،م���ع التم ّكن من احلزم الأكرث كثاف ًة ،التي يكون ك ّل ُج�س���يم
فيها �أق ّل طاق ًة .كما ت�سعى البحوث الراهنة �إلى �إثبات مبادئ املعجالت ذات الت ّيار
القويّ ،التي تعد بتطبيقات ربمّ ا ال تقت�ص���ر على ميدان اندماج احل�صر العطايل،
وي�ؤ ّمل �أخ ًريا يف هذا املجال حتقيق انخفا�ض ملمو�س يف تكاليف التّ�صنيع.
ث ّمة �آفاق حقيق ّية واعدة �أمامنا ،وربمّ ا توجد م�س ّوغات منطقية لتف�ضيل تقنية
ال�ش���كوك التي حتيط باحلل���ول املختلفة حتول دون مت ّكننا حتّى على �أخرى � ،اّإل �أنّ ّ
الآن من ترجيح خيارات جذر ّية على �أخرى.
املغناطي�سي
ّ .2اندماج احل�صر
املخت�صة باندماج احل�صر املغناطي�سي ،نقف عند ّ للبحث يف اجلوانب التقن ّية
3جماالت رئي�س���ة :ابتكار لفائف احلقل املغناطي�س���ي وت�ص���نيعه ،وتقنية املك ّونات
املواجهة للبالزما ،والتح ّكم عن ب ْعد مبختلف عنا�صر املفاعل.
63
.1اللفائف
ي�ستدعي ت�ش���غيل مفاعل االندماج باحل�ص���ر املغناطي�سي (توكاماك) وجود
لفيفت�ي�ن لتولي���د املج���االت املغناطي�س��� ّية املنتظرة :ن�س��� ّمي هذه ال ّلفائ���ف �أحجار
املغناطي�س.
احللقي الثابت ،وتعرف
ّ ت�ضمن املجموعة الأولى من ال ّلفائف الر�أ�س ّية املجال
ه���ذه ال ّلفائف بال ّلفائف احللق ّية .تع ّد جمموعة ثانية من ال ّلفائف على م�س���تويات
�أفقي���ة هذه مرة ،مت ّمم���ة بذلك �إعداد النظام املغناطي�س���ي؛ لت�ض���من -بتوليدها
ال�س���اري يف البالزما و�إعالته و�ض���بطه .هذا ما يعرف حق�ًل�اً متغيرّ ً ا -خ ْلق التّيار ّ
باحلقل وال ّلفائف.
ه���ذا وتفر�ض فيزياء احل�ص���ر ،بفعل قوانني املقادي���ر ،حجم البالزما الذي
ينبغي احل�ص���ول عليه� ،إ�ضافة �إلى قيمة املجال احللقي ،وقيمة التيار املتح ّرك يف
البالزما .تظهر هذه البيانات الرئي�س���ة مدى كرب لفائف املفاعل؛ �إذ يبلغ ارتفاع
قطر ال ّلفائف القطبية الكربى ال ّلفائف احللقية �أكرث من � 10أمتار ،يف حني ي�صل ْ
�إل���ى 20م ،و�إذا نظرن���ا بع�ي�ن االعتبار �إلى قي���م املجال املغناطي�س���ي الذي ينبغي
توليده ،تبينّ �أ ّنه يتع ّذر �صنعها مبوا ّد عادية ،مثل النحا�س ،خ�شية ا�ستهالك ق�سط
مفرط من الطاقة الت ��ي يولدها املفاعل ،وينبغي �أن تكون هذه ال ّلفائف كا ّفة ذات
مو�ص���ل ّية فائقة؛ الأمر الذي يج ّنب ا�س���تهالك الكهرباء ،لكنه ي�س���فر عن قيود ال
ي�ستهان بها.
ﻟﻔﺎﺋﻒ ﺣﻠﻘﻴﯿﺔ
)ﺣﻮﺍاﻟﻲ 20
ﻋﺎﻣﺔً(
ﻟﻔﺎﺋﻒ ﻗﻄﺒﻴﯿﺔ :1ﺍاﻟ ﻠﻔﻴﯿﻒ ﺍاﻟﻤﺮﻛﺰﻱي ﻟﻔﺎﺋﻒ ﻗﻄﺒﻴﯿﺔ :2ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻫﮬﮪھﺬﻩه ﺍاﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ
ﻳﯾﻮﻟﺪ ﺍاﻟﺘﻴﯿﺎﺭر ﺍاﻟﺬﻱي ﻳﯾﺠﺮﻱي ﻓﻲ ﺍاﻟﺒﻼﺯزﻣﺎ )ﺃأﻗﻞ ﻣﻦ (10ﺑﻮﺿﻊ ﺍاﻟﺘﻴﯿﺎﺭر
64
لتحقيق املو�ص���لية الفائقة ،ينبغي �ص���نع ال�س���لك الذي نك ّون ب���ه امللف مبادّة
ي�س���تخدم يف درجات حرارة منخف�ض���ة؛ لذا ينبغي حفظ فري���دة من نوعها ،و�أن ْ
ال�سلك عند ب�ضع درجات من حرارة مطلقة (º 270-م) بتدوير الهيليوم ال�سائل.
اجلدي���ر بال ّذكر �أنّ فكرة ا�س���تخدام ال�س���لك كانت لتقليل احل���رارة الناجمة عن
املخت�ص���ة بالتّوكاماك؛ فامللف امل�ص���نوع بهذا ال�س���لك يو�ضع يف ّ املجاالت املتغرية
حممي من الإ�ش���عاع بوا�سطة ّ ه نّ لك املحيط، من احلرارة تو�ص���يل اخلالء؛ لتج ّنب
أخ�ي�را ،كان���ت الغاية م���ن غط���اء املفاعل هي احل��� ّد من د ّفق م�ب�ردةً � . �شا�ش���ات ّ
ال ّنرتونات وطاقتها التي ربمّ ا ت�صل �إلى ال ّلفائف.
أي�ض���ا لت�أثريات هي معدّات ج�س���يمة بال ّ
�ش���ك ،وال غرابة يف كونها خا�ض���ع ًة � ً
عظيم���ة؛ �إذ تنجم عن التّيارات واملجاالت املغناطي�س���ية امل�س���تعملة جهود غامرة
ت�ص���ل �إلى �آالف الأطنان� .إ�ضافة �إلى ذلك ،جتدر الإ�شارة �إلى كون املادة الفائقة
املو�صل ّية ه�شة ،وع ْر�ضة لفقدان خ�صائ�ص املو�صل ّية حال تع ّر�ضت ل�ضغط مفرط.
بلف ي�س�ي�ر لع���دّة طبقات ،بل على تفاد ًي���ا له���ذا املع ّوق اجللل ،لن تتك ّون ال ّلفائف ّ
العك�س ،ول�ض���مان ت���و ّزع اجل ْهد بالتّ�س���اوي ،يغْمد مع ّد لل�س���لك ،بحيث يكون هذا
مو�ضوعا ومث ّبتًا يف حزوز حمفورة بعمق �ألواح التّعزيز� .إنّ لفائف كهذه هي ً الأخري
مع���دّات ميكانيك ّية دقيقة تتط ّلب جهودًا بالغ ًة عند ت�ص���نيعها ،وهي عمل ّية معقّدة
�إلى ح ّد ما
مما ذك���ر للت��� ّو ،ودون البحث -مزيدً ا -يف هذا املو�ض���وع ،ي�س���هل ّ ���اقً انطال
اخلروج با�س���تنتاج �أخري :وهو �أنّ ال ّلفائف املغناطي�س���ية م ْكلف���ة ،وينبغي �أن تكون
م�ضمونة مدى حياة املفاعل ،وال �س ّيما فيما يتع ّلق بال ّلفائف احللقية التي من �ش�أن
ا�ستبدالها �أن يت�س ّبب يف انقطاع خطري يف عمل املفاعل ،وتتّخذ �إجراءات عديدة،
عر�ضي -مهما �صغر -نظام ّ ويراقب عمل ك ّل ال ّلفائف عن كثب ،وي�شغل � ّأي حدث
حماي���ة كام�ًل�اً ذا و�س���ائل معروفة؛ نظ ًرا ال�س���تخدامها مع ال ّلفائ���ف الراهنة .مع
ذلك ،ي�ضاعف �شرط املوثوق ّية احلاجة �إلى التم ّكن التا ّم من عمليات الت�صنيع.
نت�أ ّمل هنا -كما فعلنا �س���اب ًقا -ما ا ْكت�س���ب حتّى الآن ،و�آفاق امل�س���تقبل� .أ ّو اًل،
يع ّد ا�س���تخدام املو�ص���ل ّية الفائق���ة يف املرافق ال�ص���غرية (مثل �أجهزة الت�ص���وير
الطبي) من املمار�سات ال�صناعية الراهنة ،وقد �ش ّيدت بالفعل �أجهزة با�ستخدام ّ
جل�سيمات)، لفائف كبرية فائقة املو�صلية يف �إطار املختربات البحث ّية (معجالت ا ُ
65
أهم ه���و �أنّ توكاماكتور�-س���وبرا (كادارا�ش) وهي �ش���ائعة اال�س���تخدام .بيد �أنّ ال ّ
اّ
يعمل منذ �أكرث من ع�ش���رة �أعوام با�س���تخدام لفائف حلق ّية فائقة ال�سرعة� ،إل �أنّ
ه���ذه التدبريات ك ّله���ا ال تكفي لتلبية متط ّلب���ات املفاعل ،وحتّى يف �إطار امل�ش���روع
خمططات واختربت؛ للت�أ ّكد من يل الذي �سنعود الح ًقا للحديث عنه� ،ش ّيدت ّ الدو ّ
ّ
و�س���ائل التّ�صنيع ،و�ض���مان �أوجه �أداء اللفائف التي �ست�ص���نع يف امل�ستقبل ،وفيما
يلي اخل�ص���ائ�ص الرئي�س���ة التي حتقق منه���ا (على نطاق وا�س���ع �أحيا ًنا) :املجال
���ي الأق�ص���ى ،والتيار الأق�ص���ى ،واال�س���تعمال يف جم���ال متغيرّ ،وحفظ املغناطي�س ّ
ال�س���لوك يف حالة الإجهاد ،ويف �ضوء ّ الختبار دورة 10,000 أجريت � وقد املجهود،
يرجح ذلك ،من املتو ّقع التم ّكن من املبادرة الواثقة بت�شييد لفائف فائقة املو�صل ّية ّ
�أن تتف ّوق على الإجنازات ال ّراهنة.
.2املك ّونات املواجهة للبالزما
اً
و�ص���ول ّ
بال�ض���رورة باالبتعاد عن البالزما ،جنتاز ح ّيزً ا منخف�ض ال�ض���غط،
ال�ص���لب هو يف الواقع طرف عدد م���ن املك ّونات ال�س���طح ّ �إلى �س���طح �ص���لب .هذا ّ
الطبقة الواقية الي�س�ي�رة �إلى هوائيات التّ�س���خني العالية املتن ّوع���ة املرتاوحة م���ن ّ
املخ�ص����ص جلمع الهيليوم املنتج يف قلب البالزما (حم ّول الرتدّد ،مرو ًرا باملرمد ّ
.)divertorمتثل ك ّل هذه الأ�شياء «املك ّونات املواجهة للبالزما» التي ينبغي التعامل
معها بطريقة واحدة ،وال �س��� ّيما �أ ّنها ت�ش�ت�رك يف ظرف واحد ،بغية احل�صول على
واجهة ج ّيدة بني البالزما واجلدار .جتدر الإ�شارة هنا �إلى �أهم ّية الإدارة الناجعة
املحرز ،وذلك له���ذه الواجهة البين ّية ،التي يعزى �إليها قدر كبري من �أوجه التقدّم ْ
حتّى �آونة �أخرية على �صعيد التمديد يف زمن ح�صر الطاقة.
قبل اخلو�ض يف احللول املتّبعة ،يجدر الوقوف عند التحديات التي تعرت�ضنا.
الطاقة و�أ�ش��� ّعة متن ّوعة نحو اجل���دار ،وينبغيتبع���ث البالزما ُج�س���يمات متفاوتة ّ
ال�س���يطرة عل���ى �آث���ار هذه الأ�ش��� ّعة ،فكما �س���بقت الإ�ش���ارة �إليه ،ينبغ���ي �أن تبقى
ّ
البالزم���ا ح ّرة م���ن � ّأي مل ّوث ناجم عن اجل���دار .هناك -حتدي���دً ا� -أربع ظواهر
مالحظ ًة ،ومن املتو ّقع حدوثها:
ميت����ص اجل���دار ك ّميات كب�ي�رة من امل���واد الغاز ّية الت���ي تبعثها
ّ -ميك���ن �أن
البالزم���ا :وهذا �أمر م�ض���ايق يف ح��� ّد ذاته ،لكنّ الأهم من ذل���ك �أنه ينطوي على
خطر �إف�ساح املجال لت�سريب غري متو ّقع ،وربمّ ا يكون خط ًريا.
66
جل�س���يمات ال�س���ريعة امل�ص���طدمة به. -ربمّ ا يتع ّر�ض اجلدار للت�أ ّكل؛ بفعل ا ُ
ال�صدمات عندئذ ك ّميات �صغرية من املوا ّد التي من �ش�أنها تربيد قلب تر�سل هذه ّ
املفاعل على نحو �ضا ّر.
ي�سخن اجلدار على نحو كبري؛ �إثر اال�صطدام بقدر هائل من الطاقة، -ربمّ ا ّ
حتّى ّ
يتبخر حمل ًّيا.
تفاعل كيميائ ًّيا مع الدوتريوم والرتتيوم املتوافرين؛ -ربمّ���ا يتفاعل اجلدار اً
ّ
مما ي�سفر عن تكوين هيدروكربونات �ستتفكك فور مالم�سة البالزما ،وتلويثها.
الظواهر بتف�ص���يالتها كا ّفة دائ ًما � ،اّإل �أ ّنها ظواهرقد يتع ّذر علينا فهم هذه ّ
تع ّرفن���ا �إليها منذ زمن بعيد .ينبغي هنا التذكري ب�أنّ البالزما ال تزن �س���وى غرام
واح���د ،و�أنّ وج���ود �أق��� ّل من %1من ال��� ّذرات غري املرغ���وب فيها ربمّ ا ي�س���فر عن
انخفا����ض درجة احلرارة على نح���و خطري ،يف الوقت ال���ذي يتع ّر�ض فيه اجلدار
الطاقة ت�ص���ل قيمته���ا وتزيد عل���ى 20ميغاواط يف امل�ت�ر املر ّبع .ميكن لتد ّفق���ات ّ
الطاقة على �س���طح ال�ش���م�س ،وعلى �ص���عيد موازنة هذه القيمة الأخرية مع تد ّفق ّ
الأر�ض ،تعادل هذه القيمة مئتي �ض���عف من احلرارة الناجمة عن �صفيحة واحدة
كهربائي.
ّ من �صفائح فرن
املخت�ص���ة بهذه املو�ض���وعات خيار املوا ّد املنا�س���بة،
ّ تناول���ت الأعمال التقنية
والآل ّيات التي ت�ض���من تربيد القطع املع ّر�ضة لهذه الظروف القا�سية ،وقد �أظهرت
التّجارب كذلك احلاجة �إلى تطوير و�س���ائل للتح ّكم؛ تتيح ت�أهيل الأ�شياء املنتجة،
التو�صل �إلى النتائج احلديثة ،ت�صنيع مك ّونات قادرة على وبات من امل�س���تطاع بعد ّ
ً ّ
العمل ب�ص���ورة طبيع ّي���ة ،وبالرغم من �أوجه التدفق الت���ي ذكرناها �آنفا ،والقادرة
أي�ض���ا عل���ى مقاوم���ة الإجه���اد الناجم عن تت���ايل ال���دّورات التي تن���اوب مرحلة � ً
ت�س���خني ومرحلة تربيد ،وبف�ض���ل هذا ال ّنجاح التقني ،ميك���ن البدْ ء بتجارب على
املعدّات الراهنة تتناول املبادئ الفيزيائ ّية ،والنتائج التقن ّية للأو�س ��اط البالزم ّية
ّ
الطويلة الأمد.
ال�س���بيل �أمام
مت ّه���د مثل ه���ذه النتائ���ج ذات الأهمية البالغة يف ح��� ّد ذاتهاّ ،
جت���ارب م�س���تقبل ّية؛ �إذ ال ميك���ن اعتبارها يف � ّأي ح���ال ب�أ ّنها تقدّم حل اً
���ول نهائ ّية،
ومل يقت�ص���ر طرح م�س�ألة عمل البالزما ب�ص���ورة ج ّيدة ،وت�أمني مدّة حياة مالئمة
للمك ّونات املحيطة ،على اخلرباء التقنيني فقط ،لأنّ ال�شروط التي ينبغي حتقيقها
67
هي ظروف ق�صوى .تقيم الفيزياء احلدود املفرو�ضة على التقنية ،لك ّنها ت�ستطيع
أي�ض���ا ،فنحن ب�ص���دد م�ش���كلة متع ّلقة بالواجهة البين ّية ،وث ّمة ابتكارات تخفيفها � ً
ال�ص���عوبات التي ّ هذه مثل تعالج أن � أنها ش���� � من الفيزياء يف البحث ���ن منتظ���رة م
تظهر يف النقاط احلرجة ب�ص ��ورة ف�ضلى .مّربا ال ينطوي اجلدار الأ ّول يف جممله
على �ص���عوبات ال ميكن تذليلها ،لكنّ املح ّول يف ح ّد ذاته �ش����أن بحث بالغ الأهمية،
مو�ضوعا ال يخلو
ً ال�صلب بالو�سط البالزمي ،الأمر الذي يجعله يجتمع فيه اجل�سم ّ
من التّعقيد.
.3التحكّم عن ب ْعد
���اما خمتلفة �س���بق و�أن �ص���ادفناها :مك ّونات جن���د يف غرفة البالزم���ا �أج�س ً
ّ
الغطاء ،وهوائ ّيات التّ�سخني العالية الرتدّد� ،إلخ ...تتطلب جميعها �أعمال �صيانة،
للتدخل بباطن الغرفة؛ ذلك �أ ّنه حني تكون وال ب ّد من ال ّلجوء �إلى التح ّكم عن ُب ْعد ّ
الآل���ة يف حال���ة تو ّقف ،يكون حجم �أ�ش��� ّعة غاما بداخل الغرفة �أعظ���م من �إمكان ّية
ين الذي تتع ّر�ض املبادرة ب� ّأي ح ّل �آخر� .أ�ش��� ّعة الغاما ناجمة عن الإ�ش���عاع الن�ت�رو ّ
لهذه املكونات كا ّفة يف �أثناء عمل املفاعل؛ لذا يع ّد التحكم عن ب ْعد جز ًءا ال يتج ّز�أ
ع���ن املرفق .ال ب ّد هنا من تو�ض���يح �أمرين �أ�سا�س���يني متع ّلقني بظروف ا�س���تعمال
يخ����ص التح ّكم عن بعد عم ّلي���ات الآلة كا ّف���ة؛ �إذ ث ّمة التح ّك���م ع���ن بع���د� .أ ّو اًل :ال ّ
�أجزاء ال ي�ص���لها الإ�ش���عاع ،وميكن بعد ذلك ال ّنفاذ �إليها بعد ا�ضمحالل البالزما
بقليل .ثان ًيا� :إذا حت ّك ْمنا باملك ّونات املع ّر�ض���ة للإ�ش���عاع �أو املل ّوثة بالترّ تيوم ،ينبغي
�أن تتواف���ر لدينا يف م���كان قريب من املفاعل «خاليا ح���ا ّرة» ،بحيث ت ْنقل وتعالج
أي�ض���ا عمل ّي���ات بالتح ّكم عن بعد� ،إال �أ ّنها ّ
تنم جمي ًعا .كما جتري يف هذه اخلاليا � ً
عن ممار�سات �أق ّل حداثة من تلك العاملة يف الغرفة؛ فهي عمل ّيات تقليد ّية.
تظه���ر عمل ّي���ات التحك���م عن بع���د ،التي تنفّ���ذ يف غرفة مفاع���ل االندماج،
عددًا من اخل�ص���ائ�ص امل�شرتكة؛ فالبيئة التي جتري فيها هذه العمليات هي بيئة
ال�ساخنةمنوذجية لالندماج؛ �إذ تكون �أ�ش��� ّعة غاما �أكرث �ش���دّة منها يف الور�ش���ات ّ
التدخل يف الغرفة مل ّرات عديدة؛ نظ ًرا لتعقيد العمليات، الأخرى ،ومن ثم يع ّر�ض ّ
املك ّونات كا ّفة جلرعات كبرية منها .كما �أنّ �أ�ش ّعة غاما لي�س العن�صر الوحيد الذي
–وبخا�ص���ة مع���دّات التفتي�ش-
ّ ينبغ���ي اعتباره؛ �إذ ينبغي �أن تعمل بع�ض الأدوات
���ي ،وب�ص���ورة عا ّمة ،تفر�ض الطارة يف ح ّيز مفرغ الهواء ،وبوجود حقل مغناطي�س ّ
68
التي ن�س���تخدم فيها �أدوات التحكم عن بعد هند�سة غري عمل ّية ،يكون ال ّنفاذ �إليها
�ش���ا ًّقا �إلى ح ّد م���ا� .أخ ًريا :كث ًريا ما تكون القطع ثقيل���ة ،وينبغي التح ّكم فيها ،يف
توخي منتهى الدّقة ،وال �س� � ّيما �أنّ الن�شاطظ ّل اختالفات كبرية يف املحاذاة ،ومع ّ
امليكانيكي هنا حمدود.
ّ
تو ّقع باحثو االندماج هذه القيود منذ زمن ،عاكفني على تناول هذا املو�ض���وع
م���ن خ�ل�ال العمل �أ ّو اًل على اجلوانب التي ال تتو ّقف على م�ش���روع حمدّد فقط؛ لذا
املنهجي يتناول ج�س���وء املك ّون���ات؛ �أي تعزيز قدرتها على ّ كان -وال ي���زال -البحث
الظروف القا�س���ية التي و�ص���فناها �آن ًفا؛ �إذ تتناول هذه الأعمال البحثية العمل يف ّ
املح��� ّركات ،و�أوامر التح ّك���م من اجلانب الإلكرتوين ،وب�ص���ر ّيات �أنظمة املعاينة،
�إلخ ،..وهكذا ت�ص��� ّور الباحثون وابتكروا �أنظم ًة ت�ؤدي وظائف عا ّمة جدًّا ،مثل نقل
وق�ص �أداة متح ّرك���ة يف داخله �أنبو ًبا وتلحيمه ال�ص���ور الواردة من داخل الطارةّ ، ّ
ال�س���كك الناقلة ّ
وفح�ص���ه ،كما در�س���ت �أجهزة كب�ي�رة؛ ذراع التحك���م من بعد �أو ّ
القادرة على حمل �أدوات تدخل متنوعة� .أخ ًريا ،قام الباحثون بعملية فك وتركيب
كاملة عن بعد للمحول فيها جيت « - »JETالتجربة الرائدة التي �سبق ذكرها.
ال�صيانة يف �سياق الت�شغيل من بعد ،يبقى بعيدً ا من االعتبارات املتع ّلقة بتقانة ّ
املخت�ص مب���دى توافر املفاعل؛ فالعمل ّياتّ ال�س����ؤال املطروح ،والأكرث عموم ّية ،هو
تتم يف و�س���ط مع ّر�ض للإ�ش���عاع؛ لذا فهي حم��� ّل اهتمامنا ،هي بطبيعتها عمل ّيات ّ
ت�ستدعي اتّخاذ احتياطات كبرية و�إجراءات احرتازية عديدة .كما جتدر الإ�شارة
�إل���ى القي���ود الناجمة عن اللجوء �إلى الت�ش���غيل عن بعد ،ال���ذي ميكننا من �إجراء
ك ّل ه���ذه العمليات .فامل���دّة الزمن ّية التي ت�س���تغرقها هذه العملي���ات من اجلوانب
املخت�ص���ة مبفاعل االندماج ،وير�ص���د ّ امله ّم���ة يف التّكلفة االقت�ص���اد ّية الإجمال ّية
اليوم الزّمن الذي ت�ستغرقه ك ّل عملية بد ّقة متناهية ،وال يدّخر جهد لتقلي�ص هذا
املخت�ص باملفاعالت هذا اجلانب ّ الزمن قدْ ر امل�ستطاع ،ويراعي التفكري والبحث
ال�صيانة املنتظرة الح ًقا ،وعلى كل حتديدً ا منذ مرحلة الت�ص��� ّور؛ لت�سهيل عمليات ّ
املخطط ،قبل ت�شييد املفاعل؛ ذلك �أنّ حال ،يتحقّق من هذه العمليات على �صعيد ّ
عمليات التناول «يف جو بارد» هي الطريقة الف�ضلى للتخ ّل�ص من مواطن الق�صور
كا ّفة ،التي نواجهها لدى ت�شغيل ك ّل هذه الأنظمة التي ال تزال مناذج جتريب ّية.
بالتفكري فيم���ا يتع ّلق باملك ّونات املواجهة للبالزما ،وجد الباحثون � ً
أي�ض���ا �أ ّنه
69
ب�ص���رف النظر عن الزمن الذي ربمّ ا ت�ستغرقه ك ّل عملية بالتحديد ،ال يزال مدى
تك��� ّرر هذه العمل ّيات �أم ًرا ال يعرتيه اليقني ،وهنا تكون موثوق ّية املفاعل ،ربمّ ا �أكرث
من غريها� ،س���مة �أ�سا�سية ،ووحدها املمار�س���ة احلقيقية با�ستخدام مفاعل �أ ّويل
ذي حجم منا�سب �ستم ّكننا فعل ًّيا من تقومي جممل هذه الو�سائل.
ّ
ال�س���ريع على مو�ض���وعات بالغ���ة التن��� ّوع ،تظللها تقنية
يف خت���ام هذا املرور ّ
املجدي اخلروج االندماج ،يتع ّذر ا�س���تنتاج خال�صة وحيدة ،بيد �أ ّنه ربمّ ا يكون من ْ
بانطب���اع متع ّل���ق بحقيقة بات���ت جل ّية :عديدة ه���ي ميادين التقني���ة ،وال يزال ث ّمة
الكثري من العمل الذي ينبغي �إجنازه.
70
الف�صل الثالث
م�ستقبل البحث يف طاقة االندماج
�ألقت الفقرات ال�سابقة ال�ضوء على م�س�ألة االندماج كما تطرح يف املختربات،
تو�صل
بحيث ميكن ت�ص��� ّور ال�صعوبات التي تواجه الباحثني ،وتف�سري النتائج التي ّ
�إليها ،وتقدير مدى تقدّم اجلهود البحثية .فيما يلي ،نتّخذ �س���يا ًقا خمتل ًفا لتناول
ه���ذا املو�ض���وع ،يف حماول���ة للإجاب���ة عن الأ�س���ئلة املنطق ّي���ة التي ق���د تتبادر يف
عموما ،و�صانعاملختربات� .س���يكون احلر�ص هنا على مراعاة وجهة نظر املجتمع ً
ال�ض���رائب مبا�ش���رة؛ �إذ قد يت�س���اءل ك ٌّل منهم عن الق���رار ،بل و وجهة نظر دافع ّ
اجلدوى من دعم هذه امل�ساعي البحث ّية.
احلراري املراقب بح ًثا هاد ًفا،
ّ النووي
ّ املخت�ص باالندماج ّ لطاملا كان البحث
نهتم يف هذا النوع من الأعمال بفهم الآل ّيات الفيزيائية امل�ؤ ّثرة ،لي�س من و�إن ك ّنا ّ
منظور اكت�ساب املعرفة ب�صورة جم ّردة؛ فالغاية من هذا البحث مل تتغيرّ قط� ،أال
�شك يف �إ�سهام االندماج املحدّدة يف الطاقة التجار ّية -وال ّ وهي �إنتاج الطاقة �-أي ّ
والتجريبي ،وو�سائل الت�شخي�ص� ،أو
ّ النظري
ّ �إثراء العلم ،وامل�ستم ّرة على ال�صعيد
حتّ���ى التقنية .بالرغم من ذلك ،وعن���د اتّخاذ قرار مثل قرار االحتفاظ مبنظومة
بحث ّية ،يبقى �إنتاج الطاقة ،كما كان ،العامل املق ّرر احلا�سم.
امل���راد م���ن هذه املالحظ���ة املبدئية هو التذك�ي�ر بالغاية النهائ ّي���ة لك ّل بحث
خمت�ص باالندماج ،واملنظور الذي ينبغي تقومي هذه الأعمال البحثية من خالله، ّ
اّ ّ ّ
وال ب ّد من �أن ي�ش���وب ال�ش���ك التوقعات� ،إل �أنّ على خمتربات البحث يف االندماج
دوما عن �أربعة �أ�سئلة جوهرية و�إن بدت ي�سرية: الإجابة ً
الطاقة بو�ساطة االندماج؟ -هل ث ّمة فائدة للمجتمع من �إنتاج ّ
املنطقي لبلوغ هذه الغاية؟ّ ال�سبيل
-ما ّ
-ما �أولى اخلطوات نحو التزام ملمو�س اليوم؟
-ما البيئة املنا�سبة ل�ضمان ت�صنيعها؟
جنيب فيما يلي عن ك ّل من هذه الأ�سئلة على التوايل:
71
.1التعطّ �ش �إلى الطاقة
الطاقة؛ال ج���دوى من الوقوف جم ّددًا على م�س���تقبل هذا الكوكب يف �س���ياق ّ
عموما من املو�ض���وعات فقد ا�س���تعر�ض هذا املو�ض���وع ب�ص���ورة م�ستفي�ض���ة ،وهو ً
املعروفة ،و�إن ت�س��� ّبب جدال ما بني احلني والآخر يف الت�ش���وي�ش على هذا النقا�ش.
بق�صد تو�ضيح ال�سياق؛ ْ ب ْيد �أنّ املراد هنا هو ت�أطري هذا املو�ض���وع جم ّددًا يف هذا ّ
املخت�صة ،التي ت�سمح ب�إ�ضافة االندماج لطيف احللول قيد النظر. ّ اجلوانب
هناك 3فر�ض ّيات ت� ّؤطر هذه الدرا�سة:
ّ
الفر�ضية الأولى :حلول العام 2050م ،وهو �أفق النظر �إلى هذه الأمور ،وذلك
لأ�س���باب متعدّدة؛ فهو املوعد الذي ينبغي �أن يبد�أ عنده االندماج باحتالل مكانته
يف �س���وق الطاقة .لكنّ حلول العام 2050م �سي�ش��� ّكل حلظ ًة حرج ًة ملجمل منظومة
الطاقة العامل ّية ،وال �س��� ّيما �أ ّنه م���ن املتو ّقع �إعادة الت�ش���ييد يف معظم �أنظمة �إنتاج ّ
ال�صناعي ،ومن املتو ّقع
ّ الطاقة بني 2030م و2050م نظ ًرا لآجال تط ّور هذا الفرع ّ
ّ
�أن يتزامن هذا التح ّول مع حقيقتني �ست�ؤثران ب�صورة بالغة؛ فبحلول ذلك الوقت،
ال�شمال ّية قد ا�ستنزفت (النفط والغاز)، املخت�ص���ة ب�أوروبا ّ
ّ تكون م�صادر ّ
الطاقة
احلراري بالت�أثري -ب�صورة حم�سو�سة -يف حياتنا اليوم ّية. ّ و�ستبد�أ �آثار االحتبا�س
الفر�ض���ية الثانية� :سن�س��� ّلط اهتمامنا على �سوق الطاقة الكهربائية حتديدً ا؛
���ي مبرافق االندم���اج ،وهي فر�ض��� ّية حم���دّدة ،لك ّنه���ا ال تتط ّلب املزيد لأ ّن���ه املعن ّ
من ال�شرح.
خا�صة
ّ رة،و ّ املتط ّول
د ال يف كيب ترّ ل ا لاً و
ّ �
أ حديثنا يف نق�صد الثالثة: الفر�ض���ية
ين يف الكرة الأر�ض���ية كلها؛ فهي الواقعي ت�ص��� ّور تطبيق �آ ّ
ّ يف �أوروب���ا؛ �إذ م���ن غري
تقنية بالغة التط ّور ،وال ب ّد من الإقرار بذلك.
بعد تو�ض ��يح ه ��ذه النق ��اط ،ميكن االنتق ��ال �إلى و�ص ��ف �س ��وق الطاقة التي
تخ�ص االندماج .نب���د�أ �أ ّو اًل بالنظر �إلى مدى الطلب ،قبل درا�س���ة م���ن املزم���ع �أن ّ
جانب العر�ض.
.1جانب الطلب على الطاقة
حني يتغذى ،ي�س���تقي الإن�س���ان من بيئته الطاقة الالزمة لبقائه ،لك ّنه ي�ستم ّد
أي�ضا -الطاقة لأغرا�ض كثرية �أخرى ،وهكذا وجد �سبل الت�سخني والإ�ضاءة منهاً � -
72
مت�س ك ّل �إن�سان،
ف�ضل عن تطوير زراعته و�صناعته .هي ظاهرة عامل ّية ّ والوقاية ،اً
ي�س�ي�را �أم لأغرا�ض معقّدة ،فهو يتنامى تنا�س��� ًبا ّ
و�س���واء �أكان الطلب على الطاقة ً
مع عدد �سكان الأر�ض من الب�شر ،وقد �أجمع املراقبون على ا�ستمرار تعداد �سكان
الأر����ض يف الزيادة حتّى ما بعد عام ،2050وهو النم��� ّو الذي يوافقه من ّو متزامن
عموما ،ب�أ�شكالها كا ّفة.
بالطلب على الطاقة ً
الب�ش���ري (حوالى � 8أو
ّ الطل���ب على الطاقة مع من��� ّو التعداد ف�ض�ًل�ااً عن من ّو ّ
10ملي���ار �إن�س���ان يف هذا الق���رن) ،نحن �أمام ظاه���رة بالغة الأهم ّي���ة ،وهي منو
الطل���ب على الطاق���ة بالتوازي لك ّل ن�س���مة .للتدليل على هذا اجلان���ب ،ننظر �إلى
مث���ال ي�س�ي�ر ،و�إن كان كاريكاتور ًيا بع�ض ال�ش���يء .يعود مع���دّل وفيات الأطفال يف
الهند -التي ت�أوي �أكرث من مليار ن�س���مة -ب�ص���ورة كبرية �إلى االفتقار �إلى و�س���ائل
حفظ املواد الغذائية ب�ص���ورة ج ّي���دة .لنتخ ّيل الآن �أنّ الهند تريد تزويد �س��� ّكانها
رباد الواحد �أربعة �أ�شخا�ص، ربادات كهربائية ،بحيث يخدم ال ّ بحلول عام 2050ب ّ
متجاهلني الطاقة الالزمة ل�ص���نع هذه الربادات (ال�ص���غرية واالقت�ص���ادية التي
ال تت�ض��� ّمن جم ّمدً ا) ،وم�س ّلطني اهتمامنا على ارتفاع ا�س���تهالك الكهرباء نتيجة
رباد ال�صغري ي�ستهلك ت�ش���غيلها فقط ال غري ،وهذه عملية ح�ساب ّية ي�س�ي�رة؛ لأنّ ال ّ
متو�س � ً�طا يقارب الثالث�ي�ن (واط)؛ � ْأي �أنّ ا�س ��تهالك الكهرباء �س ��يزيد حوالى 8
(واط) للفرد الواحد ( فث ّمة ب ّراد واحد لكل 4ن�سمات)؛ � ْأي ما يعادل على �صعيد
جممل ال�س���كان زيادة قدرها 8غيغاواط على الدوام ،وهذا ما يعادل اال�ستهالك
يل للكهرباء يف بلد مثل ال ّنم�سا.الإجما ّ
يظهر هذا املثال الأثر املزدوج لتنامي تعداد ال�س���كان ومنو اال�ستهالك للفرد
الواحد ،مهما كان ي�س ًريا .جتدر الإ�شارة �إلى �أ ّنه يف املثال الذي اخرتناه (وهناك
العديد من الأمثلة الأخرى) ،ال يتعلق الأمر با�س���تهالك نافل� ،أو حتّى ا�س���تهالك
لت�أمني رفاهية بحتة .هو ا�س���تهالك م�ش���روع لك ّل دولة نامية ،و� ّأي حديث -مبا يف
املخت�ص باملناخ وتغيرّ ه -ال ميكن �أن ي�س��� ّوغ ل�سكان هذه الدول ذلك الق�صور ّ ذلك
�أمام موت �أطفالهم؛ فالأ�ض���رار املحتمل���ة الناجمة عن �إنتاج الطاقة غري متكافئة
�ش���ح يف م���وارد الطاقة يف
م���ع التّداعيات اخلط�ي�رة املرتتبة على من يعانون من ّ
الوقت ال ّراهن.
قليل عند اقت�ص���اد الطاقة، وملّ���ا �أنه ق���د ورد ذكر اله���در املحتمل ،فلنق���ف اً
73
ال�سيا�س���ات�أو ب�ص���ورة عا ّم���ة ،ما يع���رف �أحيا ًنا «ب����إدارة الطلب» .تق�ص���د هذه ّ
التدخل امل�س���بق على جانب الطلب؛ بغية خف�ض���ه قبل العمل على والتدبريات �إلى ّ
ال�ص���دد؛ �إذ يعمل ك ّل ّ هذا يف حثيثة ���ود ه ج تبذل- تزال -وال تلبيت���ه ،وقد بذل���ت
�ص���ناع القرار وال�ص���ناعيني على تقليل الهدر الذي قد ي�ض���ر بال�صورة ال�سيا�سية
لبع����ض منه���م� ،أو تقلي���ل حجم الفات���ورة الت���ي تقلل م���ن هام�ش �أرباح بع�ض���هم
الآخر ،وقد بات امل�س���تهلك نف�س���ه واع ًيا بهذه امل�س����ألة؛ بف�ض���ل حم�ل�ات التوعية
�أو املل�صقات املختلفة.
ال ب ّد من الإ�ش���ارة هنا �إلى �أمرين مه ّمني � .اًأول :ربمّ ا يكون تر�ش���يد التكاليف
االقت�صادية املتعلق بالطاقة حقيق ًيا بالن�سبة �إلى دولة ما ،لك ّنه م�ضلل من منظور
الكرة الأر�ض���ية؛ ف�أكرث من ثلث ،بل تقري ًبا ،ن�صف ما وفرته الواليات املتحدة من
خمت�ص ��ة بالطاقة ناجم عن نقل بع�ض �أوجه الن�ش ��اط البالغة اال�ستهالك ّ تكاليف
للطاق���ة �إلى خارج الوالي���ات املتحدة ،مقابل تطوير ن�ش���اطات قطاع اخلدمات يف
داخل البالد .تتبع �أوروبا ال ّنهج ذاته كما يتّ�ضح من الإح�صاءات الر�سمية .ثان ًيا:
ومبراعاة ك ّل ما توافر على �ص���عيد الطاقة من تكاليف دون متييز ،نالحظ تنامي
ا�ستهالك الطاقة ب�ص���ورة بالغة يف الدول املتقدّمة ،وهي زيادة تناهز الطلب ،بل
و�س���تزيد يف امل�س���تقبل القريب على ما تو ّفر من ا�س���تهالك الطاق���ة .ال يزال حلم
الطاقة للفرد الواحد من �س ّكان الدول املتقدمة بعيد املنال؛ لذا، خف�ض ا�ستهالك ّ
خل�ص عدد من اخلرباء -ا�س���تنادًا �إلى ك ّل ما �س���بق� -إلى تو ّقع ت�ض���اعف الطلب
العاملي على الطاقة مرة واحدة على الأقل بحلول عام .2050
ّ
بالنظر -ح�صر ًّيا� -إلى الطلب على الطاقة الكهربائية ،يف ظل الإطار العاملي
الذي ارت�س���م حتّى الآن ،من املتو ّقع �أن ن�ش���هد زيادة عظم���ى ،وذلك ما دام تط ّور
ً
ارتباطا وثي ًق���ا بالنم ّو ً
مرتبط���ا ا�س���تهالك الكهرب���اء (مثل تط ّور و�س���ائل النقل)
الطاقة الكهربائ ّية من � 1920إلى 1960مبعدّل االقت�صادي؛ فقد ارتفع ا�ستهالك ّ
ّ
ال�صعيد الإجمايل لكوكبنا ،را�س ًما قانون «الت�ضاعف ك ّل ع�شرة زاد � %6سنو ًّيا على ّ
ّ
�أع���وام» .هذه احلقبة التي �ش���هدت بال �ش���ك ت�ش���ييد تطبيقات كب�ي�رة للكهرباء،
ت���كاد تكون قد انتهت يف الدّول املتقدّمة ،ومع ذل���ك يقدّر النم ّو يف الطلب يف هذه
الدول بحوالى � %2س���نو ًّيا وذلك لعقود قادمة ،وبالرغم من تعزيز برامج تر�ش���يد
ا�س���تهالك الطاقة ،ودون مراعاة �أوجه ا�س���تخدام �أخرى ،مثل تطوير ال�س���يارات
74
الكهربائ ّية ب�صورة بالغة.
ميك���ن الق���ول �إذن ،دون احتم���ال الوقوع يف خط����أ يف التقدي���ر� ،إنّ ثمة طل ًبا
الطاقة الكهربائ ّية ،و�إنّ هذا الطلب قوي ،وم�س���تم ّر ،وم�ض���مون حتّى حقيق ًّيا على ّ
يف الدول املتقدمة .كما بتنا على علم م�سبق �أ ّنه طلب لن ت�سهل تلبيته.
.2جانب العر�ض
�إذ كان الطلب على الطاقة ،وال �س��� ّيما الطلب عل���ى الطاقة الكهربائية� ،أم ًرا
نهتم فيما
عامل ًّي���ا بطبيعت���ه ،ف�إنّ طبيعة العر����ض تتغيرّ على وفق املكان والزم���انّ .
يلي بو�ض���ع �أوروبا حتديدً ا بحلول الأجل املذكور (2050م) ،وال �ضيم يف ذلك ،وال
املخت�صة باالندماج ،وينبغي مبوجب ّ �س ّيما �أ ّنها الداعم الرئي�سي للأعمال البحث ّية
ذل���ك �أن تكون امل�س���تفيد الأول من ثمارها .كما يجب التنوي���ه هنا �إلى �أنّ اليابان،
التزاما جد ًّي���ا بدعم هذا
ً إحلاح���ا �إلى الطاق���ة ،قد �أب���دت
ذات احلاج���ة الأك�ث�ر � ً
البحثي.
ّ املجال
ما التو ّقعات التي ميكن �أن تر�س���م الواقع بحلول 2050م؟ ن�ستند �إلى وثيقتني
ر�س���م ّيتني ن�شرتا م� ّؤخ ًرا� ،إحداهما �ص���ادرة عن املفو�ض ّية الأوروب ّية ،والأخرى عن
احلكومة الأمريك ّية ،وتق�ص���د هذه الوثائق التي كانت حم ّل نقا�ش عام � ،2001إلى
الطاقة لل�س���نوات املقبلة (�أي قبل � .)2050أ�صل هذه الوثائق ر�س���م ا�س�ت�راتيج ّية ّ
يذكرن���ا يف ح ّد ذات���ه بحقيقة بديهية :هي وثائق �سيا�س���ية ،وبذلك فهي خا�ض���عة
خلي���ارات و�أيديولوجيات ك ّل حكوم���ة منها � ،اّإل �أ ّنها تعر�ض مالمح واقع م�ش�ت�رك
أهم ما ينبغي �أن نعيه. ال ميكن جتنبه ،واقع يتجاوز حتّى الأيديولوجيات ،وهو � ّ
املخت�ص باملفو�ضية
ّ �أول مالحظة ت�س���تهل «الكتاب الأخ�ض���ر» «»Livre vert
الأوروبي���ة ،هي �أن العر�ض يف ح ّد ذاته �ض���عيف؛ �أي �أنّ اعتماد �أوروبا على غريها
يف جم���ال الطاقة كب�ي�ر ،و�إن كان �أق ّل من اليابان الذي ي�س���تورد %75من الطاقة
التي ي�س���تخدمها .ت�س���تورد �أوروبا الي���وم %50من الطاقة التي ت�س���تهلك ،يف حني
العاملي
ّ ال ت�س���تورد الواليات املتحدة � اّإل %25من ا�س���تهالكها ،و�إن بقيت امل�ستهلك
الأكرب .ينطوي هذا الواقع على عائقني ج�سيمني :فهو ي�سفر �أ ّو اًل عن حتويل ثروات
طائلة ( 240مليار يورو بالن�س���بة �إلى �أوروبا عام )1999ل�ص���الح الدول املنتجة،
والأهم �أنه يولد حالة اعتماد �سيا�سي �إزاءها ،و�إزاء الدول التي ت�أوي مرافق العبور
75
(املوان ��ئ ،خط ��وط �أنابيب نقل الغ ��از وخطوط �أنابيب نقل الب�ت�رول) ،و�إذا كانت
ال�ص���ادرات تع ّو����ض حتويل ال�ث�روات ،ف�إن الركون ال�سيا�س���ي م�س���تم ّر وذو �أهمية
بالغ���ة كما يتبني من عدد ال�ص���راعات التي تن�ش���ب قرب مناط���ق الإنتاج� ،أو التي
مت�س دول العبور ،بل يبدو �أنّ هذا االعتماد ال�سيا�س���ي ال يزال يتعاظم؛ فالتوقعات ّ
ال�سيا�سية تقدّر معدّل االعتماد لت�أمني احلاجة من الطاقة �إلى %70خالل العقود
الثالثة القادمة .هو واقع قائم ،ومل تعد املفو�ض ّية الأوروب ّية تبحث للعمل على هذه
البيانات؛ بل جعلت تقليل املخاطر املرتتبة على ذلك ،هد ًفا لها.
�ش���عرت �أوروب���ا مب���دى اعتمادها على اخل���ارج يف ميدان الطاق���ة ،والتبعات
االقت�ص���ادية لذلك االعتماد ب�ش���دّة يف �أثناء الأزمة البرتولية الأولى؛ وقد �أ�سفرت
يف ذل���ك الوق���ت �إل���ى تطوي���ر الطاقة الناجم���ة عن االن�ش���طار وم�ص���ادر الطاقة
املتجددة ،وال يزال هذان النوعان من الطاقة يف الواقع حتّى اليوم مي ّثالن املنافذ
الوحيدة املمكنة؛ فحتّى التوقعات الأكرث تفا� اًؤل تعلن ا�ستنزاف موارد بحر ّ
ال�شمال
يف .2030ميك���ن لالندم���اج حينئ���ذ �أنْ يتح��� ّول �إلى م�ص���در جدي���د ،و�أنْ يخفّف
ال�ض ��غوط املتع ّلقة بت�أمني مواطن احلاجة من الطاقة .فمن �ش�أن ا�ستخدام ج�سم
م�ستقى من البحر –وقودًا -لعملية توليد الطاقة �أن مي ّد �أوروبا بحقل طاقة �شا�سع
ناجم عن �إرادتها ال�سيا�سية البحتة.
فمخت�صة
ّ ّ
�أ ّما املالحظة الثانية ،التي �ست�ؤثر بال �شك يف تطور قطاع الطاقة،
بتغري املناخ الذي �أذيعت �أ�س���بابه و�آثاره ب�ص���ورة كبرية؛ حتّ���ى باتت معروفة لدى
اجلمهور ،وقد �أ�س���فرت هذه الدرا�س���ات حال ًّيا عن ا�س���تنتاج ي�سري :ينبغي تر�شيد
ا�س���تهالك الوقود الأحفوري ،مثل الفحم والنفط والغاز ،ب�ص���ورة بالغة ،وب�أ�سرع
وقت ممكن ،حتّى و�إن توافر خمزون عظيم منها ،والواقع غري ذلك� .إ ّنها م�س�ألة
حلول طارئ ًة ،وه���ذا �أمر معلوم بالطبع ،ولك���ن لي�س بقدر تعقيد خطرية تقت�ض���ي اً
هذه امل�س�ألة.
ويكفي ،للإحاطة ج ّيدً ا بهذه الناحية ،درا�س���ة موقف �أوروبا ب�ص���ورة دقيقة
بع�ض ال�ش���يء؛ فقد التزمت املفو�ض���ية الأوروب ّية ،با�س���م �أع�ض���ائها كا ّفة ،يف هذا
ال�س���ياق �إلى ح ّد التوقي���ع على اتفاقيات ملزمة رامية �إل���ى تقليل انبعاثات غازات
الدّفيئة بقدر ي�ص���ل �إلى ( %8ثاين �أك�س���يد الكربون ،امليث���ان� ،إلخ )...موازنة مع
وجهوا اللوم معدّالت ،1990وقد جهد الأوروبيون لدعم هذه االتفاقات ،وكث ًريا ما ّ
76
للأم���م التي كانت متتن���ع عن التع ّهد مبثل ه���ذه االلتزامات ،ولك���ن ،ما املالحظ
ب�ش����أن ذلك؟ مل يتحقق التقدّم الي�س�ي�ر املحرز � اّإل لأ�س���باب دورية �أو عابرة ،مثل
�إغالق امل�ص���انع املفرطة يف التلويث يف �أملانيا ال�ش���رقية ال�س���ابقة؛ فاالجتاه الذي
ت�سري فيه �أوروبا لي�س باملحافظة على امل�ستويات الراهنة من االنبعاثات �أو تقليلها،
بل ت�س�ي�ر نحو ارتفاع �ش���ديد يف انبع���اث غازات الدفيئة ،بن�س���بة تزيد على ،%30
وذلك حتّى ،2030وذلك على وفق املفو�ض���ية الأوروبية ذاتها؛ فهي التي �أ�ص���درت
ه���ذا الإح�ص���اء! �إ ّما �أن نحك���م �إذن على �أوروب���ا باالزدواج ّية� ،أو �أن ن�ض���ط ّر �إلى
ما�ض ال حمالة. الإقرار بالإخفاق يف تطبيق اتفاقية كيوتو ،و�أنّ التغري املناخي ٍ
يف الوق���ت الراهن ،وحده ا�س���تخدام الطاق���ة الناجمة عن تقنية االن�ش���طار
وم�صادر الطاقة املتجددة ،قادر على تقلي�ص انبعاث ثاين �أك�سيد الكربون .فحتّى
ل���و �أدى ت�ش���ييد مرافق من هذا القبيل �إلى انبعاث بع����ض الكم ّيات من هذا الغاز،
ف�إنّ الكمي���ات الناجمة ال تقارن بتلك الناجتة عن الت�ش���غيل اليومي للمرافق التي
ت�س���تخدم الوقود الأحفوري �أ ًّيا كان .يف امل�س���تقبل ،وللأ�سباب نف�سها التي واجهت
تقنية االن�شطار �أو م�صادر الطاقة املتجددة ،لن يت�سبب ا�ستخدام االندماج �إال يف
انبع���اث قدر حمدود من غازات الدفيئة ،بل �إن تطبي���ق هذه التقنية �أمر مرغوب
احلجة كما بات يدرك اجلميع. عاجل غري �آجل ،وامل�ستقبل كفيل بتعزيز هذه ّ فيه اً
ميك���ن الآن االنتق���ال �إلى اجلان���ب الثالث وهو الأخ�ي�ر؛ ذو الأه ّمي���ة املتعلقّ
بجان���ب العر�ض ،وهو م�س���تقبل هذا العر�ض كما يت�ص��� ّور الآن ،للعق���ود القادمة،
ون�س���تند هن���ا يف حتليلنا �إل���ى النتائج الواردة ع���ن خمتلف النم���اذج التي حتاول
ا�س���تقراء امل�س���تقبل ،على �ص���ورة �س���يناريوهات حمتملة .اجلدير بالذكر �أنّ هذه
ال�سيا�س���ية التي تقوم على �أ�سا�س���ها؛ ال�س���يناريوهات تعك�س �إلى ح ّد ما اخليارات ّ
توخي احلر�ص واحلذر عند حتليلها واملوازنة بينها .بيد �أنّ ثمة �س���مة ل���ذا ينبغ���ي ّ
م�ش�ت�ركة تتميز بها ك ّل هذه الدرا�س���ات :وهو �أنّ الن�ص���يب املتو ّقع للطاقة املولدة
باالن�ش���طار وم�صادر الطاقة املتجددة يبقى حمدودًا؛ وذلك بالرغم من املم ّيزات
املت� ّأ�صلة التي ذكرناها �آن ًفا .هذه املميزات ال تكفي وحدها ل�ضمان اخرتاق ال�سوق
ب�ص���ورة قو ّية ،وميكن ،من خالل حتليل هذه احلالة وت�سليط ال�ضوء على مع ّوقات
تطوير هذه امل�صادر ،تقومي و�ضع االندماج ب�صورة ف�ضلى.
لنقف �أ ّو اًل على و�ض���ع الطاقة املولدة باالن�شطار ،وهي حم ّل جدل حمتدم بال
77
املخت�ص���ة بهذا ال�ش����أن ،بل �س���نكتفي
ّ نهتم بتقومي وجهات النظر �ش���ك � ،اّإل �أ ّننا ال ّ
بالق���ول �إنّ �أوجه االعرتا�ض على تطوير طاقة االن�ش���طار كما هي الآن قائمة على
تداعي���ات حادث خطري حمتمل ،وعلى �إدارة النفايات عل���ى املدى البعيد � ،اّإل �أ ّننا
املخت�ص���ة ب�أم���ان املفاعالت� ،إلى �أ ّنه يف حال���ة االندماج ،ونظ ًرا
ّ ن ّوهنا يف الفقرة
خل�صائ�ص���ه حتديدً ا ،ف�إنّ هذه الت�سا�ؤالت غري مطروحة .بل �إن الأعمال اجلارية
يف الوقت الراهن ت�س���عى حتديد ًا �إلى ت�س���خري اخل�ص���ائ�ص املت� ّأ�صلة يف االندماج
وترجمتها ب�ص���ورة ملمو�س���ة جدًّا �إلى حقائق؛ فم�ستقبل االندماج يرت�سم ويتنظم
على وفق هذا الت�ص ّور.
حر�ص���ا على الو�ضوح التّام ،ينبغي �أن ن�ض���يف هنا �أنه قبل تطوير مفاعالت ً
يجب بن���اء بع�ض االندم���اج امل���زودة باملواد املنا�س���بة على ال�ص���عيد ال�ص���ناعيّ ،
املفاعالت يف خمتلف �أرجاء الكرة الأر�ض���ية با�س���تخدام مواد تقليدية �أكرث ،ولن
تنت���ج ه���ذه املواد رم���ادًا م�ش��� ًّعا؛ لأن عملية االندم���اج ال تنتج موا ّد م�ش���عة ،لكنها
�س���تخلف يف نهاية حياتها موا ّد هيكلية من�ش���طة ،وينبغي الإ�ش���ارة �إلى �أنّ كم ّيات
ه���ذه امل���واد ال تقارن مبا ينجم من موا ّد م�ش��� ّعة عن احرتاق الفحم ،وهي و�س���يلة
�شائعة جدًّا لإنتاج الكهرباء يف ك ّل �أنحاء العامل.
كما فعلنا لالن�ش���طار ،لندر�س الآن ما يعوق تطور م�صادر الطاقة املتجدّدة؛
للخروج ببع�ض الدرو�س العامة .جعلت املفو�ضية الأوروبية تطوير م�صادر الطاقة
املخ�ص����ص ه���ذه �أولو ّية لها ،فالت�ش���خي�ص وا�ض���ح� :إذا اكتفين���ا بدعمنا الراهن ّ
الطاقة املتجددة من �إجمايل االحتاد ح�ص���ة معظم �أنواع ّ لهذا القطاع ،لن ت�ص���ل ّ
الأوروبي �إلى %10يف .2030لت�ص���حيح هذا الو�ض���ع ،تقرتح املفو�ض��� ّية الأوروب ّية
عددًا من الإجراءات :مثل ا�س���تثمارات مك ّثفة ت�ص���ل �إلى حوالى 165مليار يورو،
�ضريبي يعاقب �أنواع الطاقة ّ املخت�ص بهذه التقنية ،ونظام
ّ ودعم البحث والت�شغيل
الأخرى ،والتزامات ال�شراء وح�ص�ص التوزيع ،والتعديالت الت�شريع ّية والتنظيم ّية
ذات ال�ص ��لة ب�ش ��روط �إن�ش ��اء املرافق� ،إلخ ،..وك ّل هذه اجلهود ترم ��ي �إلى تعزيز
حم�ص���لة
الطاقة املتج���دّدة �إلى - %12مب���ا يف ذلك املائية-من ّ ح�ص���ة م�ص���ادر ّ
متاما ال�صعوبات القائمة.
الطاقة الأوروبية .بذلك تتّ�ضح ً
املخت�ص���ة بهذه امل�س����ألة كا ّفة ثالثة حماور من ال�ص���عوبات:ّ م ّي���زت الوثائق
�صعوبات هيكل ّية ،ومال ّية وتنظيم ّية.
78
لنب���د�أ �أ ّو اًل بال�ص���عوبات الهيكلي���ة ،وهي التي تربز ل���دى االنتقال من منوذج
الإنت���اج واال�س���تهالك الذات���ي �إل���ى ال�س���عي �إلى دمج م�ص���ادر الطاق���ة اجلديدة
خا�ص���ة �شغل م�ساحات �شا�س���عة �أو احلاجة يف ال�ش���بكة الراهنة؛ �إذ يعيق ب�ص���فة ّ
���دل من مواطن �إل���ى حتوي���ل دفق الكهرب���اء الطبيعي مكامن احلق���ول حتديدً ا ،ب اً
اال�س���تهالك التّطوير الفعال مل�ص���ادر الطاقة املتجددة ،ولن ي�ض���ر هذا النوع من
املعوق���ات تطوي���ر االندم���اج؛ ذل���ك �أنّ مفاعل االندم���اج ،على الأقل م���ن منظور
خارج���ي ،مبرجله وتُربيناته ومنوباته� ،ش���ديد ال�ش���به بالو�س���ائل امل�س���تخدمة يف
الوق���ت الراه���ن ،وحتّى �إذا اقت�ض���ت احلاجة �إل���ى جهد؛ لتحقي���ق تكييف متبادل
لل�شبكة الراهنة �أو الطاقة اجلديدة ،فلن يكون ت�أثري هذا العائق �إال حمدودًا.
باالنتق���ال الآن �إل���ى ال�ص���عوبات املالي���ة املحدق���ة بتطوير م�ص���ادر الطاقة
املتجدّدة ،يجدر التمييز بني ال�صعوبات ذات ال�صلة باال�ستثمارات الالزمة ،وتلك
املتعلقة بالقيمة ال�سوقية للإنتاج.
متث���ل اال�س���تثمارات املطلوب���ة مع�ض���لة حقيقي���ة .ت�ش�ت�رك م�ص���ادر الطاقة
املتجدّدة وتقنية االندماج بكلفة �إنتاج ناجمة ب�صورة �شبه كل ّية عن ا�ستهالك ر�أ�س
املال امل�س���تثمر لدى ت�ش���ييد املرفق .مبعنى �آخر ،يدفع امل�س���تثمر م�س���ب ًقا ثمن ك ّل
كيلوواط �س ��اعي �سي ْنتج ،وهذا و�ض ��ع غري حم ّبذ �إطال ًقا؛ لأنه يفرت�ض ح�شد كثري
متاما -كمامن ر�ؤو�س الأموال واملبادرة مبخاطرة ج�سيمة ،والنقي�ض لهذا امل�شهد ً
املحطات احلرارية التي تعمل بالغاز الطبيعي؛ �إذ تتطلب نالحظ -هو �س��� ّر جناح ّ
ا�س���تثما ًرا حمدودًا ،ويتح ّمل امل�س���تهلك املخاطر املال ّية ،الت���ي ال ترتبط �إال بتكلفة
الغاز .حال م�ص���ادر الطاق���ة املتجدّدة وتقنية االندماج هنا �إذن واحدة؛ ف�إن�ش���اء
مرافقها يقت�ضي ا�ستثمارات ج ّمة؛ ما ُيع ُّد من امل�ساوئ دائ ًما باملوازنة مع م�صادر
الطاقة الأخرى الأقل تكلفة.
ما الذي ميكن قوله ب�ش����أن ال�صعوبات املحتملة ذات ال�صلة بالقيمة ال�سوقية
للإنتاج؟ يعادل ك ّل كيلوواط �س ��اعي 3.6ميغا جول � ،اّإل �أ ّنه ال ي�س���اوي على الدّوام
القيمة ال�س ��وقية نف�س ��ها؛ �إذ يرتفع ثمن الكيلوواط ال�ساعي قدر انخفا�ض العر�ض
وارتف���اع الطلب؛ لذلك ف�إنّ الإنتاج املرهون بظروف جوية ،مثل الريح وال�ش���م�س،
ذو مكانة يف ال�سوق �أق ّل قوة من الإنتاج القادر على التكيف مع الطلب ،وهذه نقطة
كث ًريا ما ي�س���تهان بها ،بيد �أ ّنه���ا تلعب دو ًرا حمور ًّيا على ال�ص���عيد العملي ،وعادة
79
م���ا تق��� ّل مثل هذه املخاطر؛ ب�إن�ش���اء خمزون مث ّب���ت � ،اّإل �أنّ هذا احل��� ّل يكاد يكون
متاما عندما يتع ّلق الأمر بالطاقة؛ ذلك �أنّ �إ�ض���افة نظام تخزين وا�س���ع م�س���تثنى ً
النطاق لو�سيلة لإنتاج طاقة متجددة غري ممكنة معظم الأحيان ،وحتّى لو �أمكنت
لنجمت عن تعزيز ثمن الكيلوواط ال�ساعي-املكلف بطبيعة احلال-ب�صورة بالغة.
كم���ا �أنّ خمزو ًن���ا من هذا القبي���ل قد ي�ؤدي �إلى نتائج بيئي���ة غري حممودة ،ويكفي
ال�سدود العظيمة الرجوع بهذا اخل�صو�ص �إلى الكهرباء املائية و�سبل تخزينها؛ �أي ّ
التي باتت حمل اعرتا�ض���ات عديدة لأ�س���باب بيئية ،وحتّ���ى يف حال تخزينها على
ه���ذا النحو ،يبق���ى �إنتاج الكهرباء املائي���ة رهن ظروف املطريات �إل���ى ح ّد بعيد.
�أ ّما االندماج؛ ولأنه يعتمد على وقود ميكن تخزينه ب�ص���ورة ف�ص���ل ّية ،بل و�س���نو ّية
مبنته���ى ال�س���هولة ،فبعي���د ك ّل البعد عن ه���ذه التبعية للطق����س ،ويحتفظ لإنتاجه
ب�أعظ���م قيم���ة جتارية ممكنة ،وهو قادر بذلك على م�ؤازرة م�ص���ادر الطاقة ذات
الإنتاج املتق ّلب بطبيعتها.
�سجليتع ّلق حمور ال�ص���عوبات الأخري بالقيود التنظيمية� .صحيح �أنّ التاريخ ّ
متاما يف �آن واحد ،مثل القانون (يف مناذج عديدة من الأنظمة الر�سمية والعبث ّية ً
ّ
بداية حقبة ال�س���يارات) الذي كان يقت�ض���ي �أن ي�س���بق كل مركب ذي حم ّرك رجل
عل���ى قدميه يلوح بعلم �أحمر (قانون العلم الأحم���ر )Red Flag Actلكنّ املجتمع
وبدل من البحث الع�شوائي الذي ي�سن مثل هذه القوانني قادر كذلك على �إبطالها ،اً
يف �أنظمة افرتا�ض���ية م�س���تقبلية� ،س���نكتفي بوجهة نظر رمبا يع ّده���ا بع�ض النا�س
متفائلة :يف م�س����ألة مب�س���توى �أهمية الطاقة ،ميكن الت�أ ّم���ل يف �أن يتج ّنب املجتمع
�أ�س���ر نف�س���ه ،و�أن ير�سم �أنظمة تنمية من�س���جمة ،نائ ًيا بنف�سه ب�صورة معقولة عن
اخلا�صة واملخاوف غري املنطقية.
ّ امل�صالح
بالإجم���ال ،ث ّم���ة �ش���كوك عدي���دة حتيط مب�ص���ادر الطاق���ة نف�س���ها؛ نتيجة
املناخي وواقع االحتياطي املوجود ،بل �إنّ ثمة ارتيا ًبا حتى ب�ش����أن امل�ص���ادر
ّ التغيرّ
الت���ي ميكن ا�س���تخدامها دون خوف ،ورمبا ي�ص���بح التط��� ّور الإرادي مرغوب ًا فيه؛
لذل���ك ،وفيما يتعلق بو�س���ائل النقل ،ف�إنّ خيار تطوير الوق���ود احليوي �أو املركبات
الكهربائية ،وحتّى املركبات الهيدروجينية ،لي�س خيا ًرا حمايدً ا مل�س���تقبل م�صادر
�ش���ك يف �أن االندماج يتميز بخ�ص���ائ�ص �س���يكون الكهرباء .يف جميع الأحوال ،ال ّ
الطبيعي .كما يتمتع االندم���اج باحتياطي هائل ،وهو ال ي�ؤ ّثر يف املناخ، ّ له���ا دورها
80
وال يت�أ ّث���ر ب���ه ،ويتجن���ب االندماج املل ّوث���ات الأخ���رى التي تعرف به���ا كل عمليات
االح�ت�راق (مبا يف ذلك الكتلة احليوية والغازات) ،امل�س����ؤولة عن عوار�ض التل ّوث
الكيميائي املفرطة احلدوث يف واقعنا الراهن.
ّ ال�ضوئي
ّ
ق���د ال يكون االندماج ه���و الترّ ياق ،لكن���ه ،مقرت ًنا ب�آليات �أخ���رى ،قادر على
الإ�س���هام يف �إيجاد ح ّل للم�س����ألة البالغ���ة التعقيد ،واملتعلقة بعر����ض ما يكفي من
الطاق���ة؛ ملوازن���ة الطلب امل�ش���روع عليه���ا ،ويف اخلتام ،نذك���ر �أنّ الق���رن الواحد
والع�شرين ا�سته ّل ب�أزمة خطرية يف الطاقة� ،أزمة يف التموين ،ومل يكن البلد الذي
�أ�ص���ابته هذه الأزمة يف �إفريقية �أو �آ�س���يا ،بل كاليفورنيا التي عرفت تقنني الطاقة
در�سا نح�سن ا�ستيعابه،الذي مل يخطر بالبال .لنحر�ص على �أن تكون هذه الأزمة ً
بدل من �أن تكون نذير �ش�ؤم للم�ستقبل. اً
� .2إلى �أين من�ضي الآن؟
ت�س�ي�ر الأبحاث اخلا�ص���ة باالندماج يف اجتاهني كما ر�أينا :اندماج احل�صر
املغناطي�س���ي ،واندماج احل�ص���ر العطايل .يتف ّرع هذان االجتاه���ان �إلى خيارات
خمتلف���ة ،مفاع���ل التّوكام���اك و �س���تيالراتور بالن�س���بة �إل���ى اندم���اج احل�ص���ر
املغناطي�سي ،و�أجهزة الليزر ومعجالت الأيونات الندماج احل�صر العطايل .مهما
يوما �إلى
اختلفت امل�س���ارات ،فهي ت�ش�ت�رك يف حاجتها ملعدات كبرية لكي تتط��� ّور ً
مفاعل .ت�س���فر هذه احلقيقة الي�س�ي�رة عن نتيجة جذر ّية ،وه���ي �أ ّنها جتربنا على
بحثي واحد فقط ال غري. متييز م�سار ّ
.1اختيار نظام االندماج
الن�سبي لك ّل من االندماج العطايل واندماج احل�صر
ّ لنبد�أ �أ ّو اًل بفح�ص الو�ضع
املغناطي�س .ميكن القول �إنّ االندماج العطايل يتط ّور ب�صورة رئي�سة يف �إطار عمل
ع�سكري ،و�إن ا�ستفاد يف الواقع من �إ�سهامات �أكادميية الأ�صل؛ فالق�صد من هذه
اجله���ود البحثية هو حماكاة الأ�س���لحة النووي���ة ،وهذا ميلي التكتّ���م قدر الإمكان
بهذا اخل�ص���و�ص ،ويف مثل هذه الظروف ،كيف ميكن ت�صور قبول � ّأي بلد بتقا�سم
معرفته املكت�سبة لت�شييد جهاز م�شرتك مع غريه؟ وكيف ميكن لهذا البلد �أن يلتزم
تظهر هذه الت�س���ا�ؤالت -ذات الطابعوحده بتوليّ تطوير معدّات لأغرا�ض مدن ّية؟ ْ
8من أقوال إل .أرتسيموفيش ،أبو مفاعل التوكاماك ،أثناء مؤتمر عام .1961
81
املخت����ص باالندماج العطايل ل���ن يخرج ،على ّ احل�ص���ري� -أنّ البحث
ّ ال�سيا�س���ي
الأق ّل يف املدى القريب ،من املختربات امل�ص���نفة بـ «الع�س���كرية ّ
ال�س���ر ّية» ،وهذا ال
مينعنا من التّ�س���ا�ؤل ع ّما �إذا كان االندماج العط���ايل يف متناول اليد ،الأمر الذي
�س���ي�ؤ ّثر بال �شك يف امل�س���اعي البحثية الأخرى املوازية له .لكن الأمر لي�س كذلك.
فالنظامان ي�س���تهدفان الإ�ش���عال :بقدر ما قد يكتفي اندماج احل�صر املغناطي�سي
باالقرتاب منه ،على االندماج العطايل الذهاب �إلى �أبعد منه لتعوي�ض ما ي�ستثمر
من الطاقة يف ك ّل مرة ولك ّل هدف ،وال يكفي يف �س���ياق التطبيقات املدن ّية �أن يبد�أ
كب�ي�را؛ لذلك ف�إنأي�ض���ا �أن يكون اجل���زء املحرتق ً هدف باال�ش���تعال ،ب���ل ينبغي � ً
املغناطي�سي �أقرب �إلى الهدف النهائي؛ �أي املفاعل ،من االندماج ّ اندماج احل�صر
العطايل؛ فاملفاعل الذي يقرتحه االندماج العطايل يقت�ض���ي بالفعل حتقيق تط ّور
جذري؛ تط ّور يذهب �إلى �أبعد من جم ّرد تطوير �أو تعزيز التجارب الراهنة؛ تطور
يرتقي �إلى االبتكار .كما ذكرنا �س���اب ًقا ،ينبغي التخ ّلي عن �أجهزة الليزر الراهنة،
و�أن ن�ستبدل بها �أجهزة ليزر �أو معجالت ينبغي ابتكارها .كما ينبغي تغيري عملية
ت�ص���نيع الوق���ود جذر ًّيا بغية تقليل تكلفته���ا ،وزيادة معدّل الإنتاج ب�ص���ورة بالغة،
ت�ص���ب هذه العوامل املجتمعة يف �صالح تطوير �سريع لتقنية االندماج العطايل ّ وال
البحثي
ّ ���ار س امل� هذا عن ا متام
ً ى ّ
ل يتخ لن ه ّ
ن �
أ ���ى ل �
إ إ�ش���ارة ل ا جتدر الطاقة. ���اج ت لإن
لقيمته الع�س���كر ّية الكامنـة؛ وهــذا يف�سح املجــال الحتمـال ا�ستغـالل الفر�ص التي
قد تتبلــور.
ت�س���ود قدرات �إعداد مفاعل التّوكاماك وتنظيمه �إلى ح ّد كبري على البحث
���ي ،الذي �أو�ض���حنا املبد�أ الذي يقوم عليه يف جمال اندماج احل�ص���ر املغناطي�س ّ
�سنف�ص���ل الحقًا تنفيذه ب�ص���ورة مف�ص���لة ،وقد ب���ات املفاعل الذي ّ �آنفًا ،والذي
ر�س���م هذا النمط من الإعداد مالحمه حمددًا ب�ص���ورة ج ّي���دة ،وميكن الت�أكيد
جذابة� ،س���واء على م���ن الآن بكام���ل الثق���ة عل���ى ما يتّ�س���م به م���ن خ�ص���ائ�ص ّ
يغذيان هذه الآمال. �ص���عيد الأمان �أم التكلفة �أم الأثر يف البيئة .هناك �س���ببان ّ
�أ ّو اًل :ي�ضمن العدد اال�س���تثنائي الذي �أجري من التجارب على التّوكاماك ّ
تر�سخ
قوان�ي�ن الفيزياء التي ت�س���مح بتحديد منط جهاز جديد من ه���ذا النوع و�أبعاده.
املخت�صة بت�شغيل املفاعل ك ّلها،
ّ ثان ًيا :ا�ستك�ش���فت العديد من التجارب امليادين
ومنها على وجه التحديد التجربتان النموذجيتان يف �صميم الربنامج الأوروبي:
82
جيت JETوتور�-سوبرا .Tore-Supra
لقد �أ�ش���رنا �س���اب ًقا �إلى �أن جيت (مفاعل توكاماك) و ّل���د نتائج ذات �أهمية،
وال �س��� ّيما با�س���تخدام مزي���ج الدوتريوم/ترتي���وم .للح�ص���ول على ه���ذه النتائج،
تك ّون���ت دائرة ملعاجلة الترّ تي���وم ،والتح ّكم من ب ْعد ب�أدوات داخل اجلهاز ،عل ًما �أنّ
تخ�ص ت�شغيل املفاعل و�صيانته. هذه التطورات ّ
�أقيمت التجربة الثانية (تور�-س���وبرا) يف جنوب فرن�س���ا ،يف حني ال ت�س���تمر
التجارب الأخرى �أكرث من ب�ض���ع ثوان ،ت�صل التجارب التي جترى مع تور�-سوبرا
�إل���ى دقيق���ة و�أكرث ،الأمر الذي يحملنا على تو ّقع ت�ش���غيل م�س���تمر للمفاعل ،وهذه
نتيج���ة فيزيائي���ة ذات �أهمي���ة كبرية ،نتيجة مل يتم التو�ص���ل �إليها �إال با�س���تخدام
خا�ص���ة ا�س���تخدام ال ّلفائ���ف الفائقة
تقني���ات ال غن���ى عنه���ا للمفاعل املرتق���بّ ،
املو�صلية ،التي �أعطت لهذه التجربة ا�سمها.
.2ال�سياق
�شا ّقة هي بحوث االندماج� ،إذ تتطلب جهودًا حثيثة وا�ستثمارات كثيفة ،وهذا
لي�س �أم ًرا جديدً ا؛ فذلك كان �ش�أن بحوث اندماج احل�صر املغناطي�سي يف املا�ضي،
ويجدر هنا التذكري بنوع الإجابة التي ف�ضلت عندئذ :التعاون الدويل.
���ي �أن تك���ون �أبح���اث االندم���اج معق���دة ،و�إذا ا�س���تثنينا بع����ض
م���ن البديه ّ
الت�صريحات املتفائلة ،واملالئمة بال �شك و�إن مل تت�سم بالواقعية� ،سرعان ما �أدرك
طويل على الأعراف قبل بلوغ ج ّنة عدن» .بل خ�ب�راء الفيزياء ب�أنّ عليه���م «البقاء اً
�إن رفع ال�س���رية ع���ن الأعمال البحثية الأمريكية وال�س���وفيتية ع���ام 1958مل يكن
�إال نتيج���ة �إدراك ه���ذه احلقيق���ة ،وكانت الإجابة العفوية عن م�س���توى تعقيد هذه
انفتاح���ا �أكرب ،تعزيز التبادل املع���ريف ،وتعاو ًنا �أوثق ،وذلك
ً الأ�س���ئلة العلمية �إذن
يف �أثناء احلرب الباردة ،ويف تلك املرحلة � ً
أي�ض���اّ � ،أ�س�ست �أوروبا برنامج االندماج
املخت����ص بها ،يف �ص���ميم معاهدة �أوراتوم ،وهي املعاهدة التي �أن�ش����أتها اجلماعة ّ
الأوروب ّي���ة للطاقة الذر ّية .كان هنا � ً
أي�ض���ا للتن�س���يق دور �أ�سا�س���ي؛ �إذ �س���رعان ما
فقدت الربامج الوطنية ا�س���تقاللها؛ لينتهي بها املطاف يف قطاع البحث الأوروبي
اندماجا؛ قطاع البحث الذي �سيحتل على مدار ال�سنني مكانة ذات �أولوية. ً الأكرث
83
يتي���ح التعاون الدويل النفاذ �إلى �أف�ض���ل اخلربات يف امليادي���ن كا ّفة ،وهذه نقطة
بالغة الأهمية ،لكنها لي�ست الوحيدة.
لقد ر�أينا �أن ثمة حاجة ملعدّات ثقيلة ،وهنا تطرح م�س����ألة القدرات نف�س���ها،
أي�ض���ا يكون التعاون على �ص���عيد دو ّ
يل �أم ًرا حا�س��� ًما ،بد ًءا بتقا�س���م و�س���ائل وهنا � ً
االختب���ار املتوافرة؛ للتحقّق م���ن احللول التقنية ،دون احلاجة �إل���ى تعدّد املرافق
وو�صول �إلى الت�شارك يف امل�س�ؤولية والتكلفة الناجمة عن هذا التنفيذ ،يف اً املحدّدة،
منوذج وحيد ،للأدوات العلمية التي ال غنى عنها .فهذا النمط من التعاون ،الذي
ي�س���مح بتقا�سم تكاليف اال�ستثمار والت�ش���غيل يقلل الهدر ،مبا يفر�ض من �شفافية
وما يج ّنب من تناف�س �شر�س.
تبقى الإ�شارة �إلى نقطة �أخرية ،وهي املتعلقة باملدة .فقد يتعذر �سيا�س ًيا على
الدول كافة االلتزام ملدى بعيد � ،اّإل �أنّ هذا هو حتديدً ا مربط الفر�س؛ ففي جمال
بحثي ي�ستثنى منه حتقيق �أي عوائد �سريعة على اال�ستثمار ،ال ميكن حتقيق اجلهد ّ
املطلوب من غري �إدراك دويل للتحديات القائمة وتوفري الو�سائل ال�سيا�سية واملالية
يف �آن واحد .جمددًا يع ّد التعاون منذ ت�صور الأداة وحتى الت�شارك بالنتائج ً
�شرطا
ال غن ��ى عنه ملث ��ل هذه املبادرات ،وهذا ال�ش ��رط املكت�س ��ب منذ م� �دّة بعيدة لدى
وبخا�ص ��ة لدى املختربات الأوروب ّية ،هو �ش ��رط حمدد ّ خمت�ب�رات االندماج كافة،
ل ّأي جناح ميكن حتقيقه للم�ستقبل.
املخت�ص
ّ ���ةوبخا�ص
ّ ���ي، س املغناطي� ���اج م االند ح�ص���ر يع��� ّد م�س���ار البح���ث يف
بالتّوكام���اك� ،أك�ث�ر م�س���ار واعد ،وبتنا ن���درك �أنّ الإط���ار الدويل وح���ده املالئم
ال�شروطللأعمال البحثية يف طاقة االندماج ،و�إذا حتقق هذا ال�شرط �إ�ضافة �إلى ّ
ال�س���ابقة ،ميك���ن حينئذ اعتزام �إن�ش���اء مفاع���ل يولد الطاقة على �أ�س���ا�س مفاعل
االندماج النووي.
و�أحيا ًن���ا ما ترتدّد مالحظة حتم���ل بع�ض العتب« :ال يزال الأجل بعيدً ا» .لنعد
جمددًا �إلى املا�ض���ي ،منذ �إن�ش���اء التّوكاماك عام ،1968فقد تع���زّزت �أوجه �أداء
املخت�ب�رات مبا يزيد على � 10أ�ض���عاف ك ّل ع�ش���رة �أعوام .فهذه ه���ي الوترية التي
اقرتبنا بها من معيار الإ�ش���عال الذي يعادل � 3أ�ضعاف ناجت �ضرب درجة احلرارة
والكثافة وزمن احل�صر.
84
ر�سم تو�ضيحي .8التقدم املحرز
مل يفقد �أحد مكانته �إذن .لكن ما الو�ض���ع اليوم ،وكيف يتو ّقع �أن يبدو الغد؟
ال يزال علينا اليوم اكت�س���اب معامل يق ّل � 10أ�ضعاف � ،اّإل �أننا نعلم كيف ّية حتقيقه،
لك���ن الأمر �سي�س���تغرق �أكرث من ع�ش���رة �أع���وام .ال تتع ّلق الأ�س���باب هن���ا بفيزياء
الأو�س ��اط البالزم ّي ��ة ،ب ��ل بالت�أخري الذي ال ميك ��ن تفاديه؛ نتيج ��ة �إجراء جتربة
وا�س���عة النطاق ،بت�ص ّور فرق دول ّية وت�ش���ييدها .بعد هذا الت�أخري ،تكون الفيزياء
ق���د ت�أ ّكدت � ،اّإل �أنه ال يزال علينا -عندئذ -تطوير التقنيات ،القادرة وحدها على
حتقي���ق �أه���داف االندماج كا ّف���ة؛ الأمر الذي من املتوقع �أن ي�س���تغرق ،ح�س���ب ما
منلك من جتارب ،عقدين �أو ثالثة عقود .ففي نهاية املطاف ،يحدّد هذا الت�أخري
املرتاك���م �أج���ل هذه الأعم���ال البحثي���ة ،و�إذا كان من الطبيع���ي �أن نرغب بقطف
ثم���ار البحث اجلاري ب�أ�س���رع وقت ممك���ن ،فهل ينبغي لهذا ال�س���بب اعتبار تع ّوق
مرفو�ضا؟ ت�شري جتارب املا�ضي ،ولع ّل ا�ستك�شاف الف�ضاء �أف�ضل منوذج ً االندماج
ّ
لذلك� ،إلى جناح �س���ريع وانتقال ال يقل �س���رعة من املخترب �إلى ميدان ال�صناعة،
�ش���ك � ،اّإل �أنّ هناك العديد من الأمثلة املخالفة لذلك ،بد ًءا
رمزي بال ّ وهذا مثال ّ
بالبحث يف �أمرا�ض ال�س���رطان الذي ا�س���تفاد يف حلظات ما من املميزات نف�س���ها
85
التي يعود �إليها جناح �أبحاث الف�ض���اء ،ويف �س���ياق الطاقة ،اكت�ش���ف ك ّل من الأثر
عاما ،وال
ال�ض���وئي الفلطائي وبطارية الوقود يف العام نف�س���ه ،منذ �أكرث من ً 150
تزال الأبحاث م�س���تمرة يف هذا املجال ،وث ّمة �أمثلة �أخرى تبينّ �أ ّنه ال ميكن ت�سريع
عجل���ة الزمان على وف���ق �أهوائنا فيما يتع ّلق باملو�ض���وعات املعقّ���دة .بنا ًء على ما
�سبق ،ال ب ّد من التح ّلي بال�صرب ،وال ف�ضيلة يف هذا ال�سياق تعلو على املثابرة.
.3اخلطوة القادمة
نفرت����ض الآن �أنن���ا ن���و ّد الب���دء بتطبي���ق االندماج :م���ا التجربة الت���ي ينبغي
الإق���دام عليها الآن؟ للح�ص���ول على �إجاب���ة دقيقة ،ال ب ّد من توجيه هذا ال�س����ؤال
املخت�صني يف هذا املجال؛ فهم الأعلم بال�صعوبات التي ينبغي جتاوزها، ّ للخرباء
وبالو�س���ائل التي ينبغ���ي تطبيقها لتعزيز �إحاطتنا بهذا املو�ض���وع ،عل ًما �أن اللجوء
�سنخ�ص����ص لذلكّ خمت�ص بنا ،بل
ّ يعطل قدرتنا على تكوين ر�أي �إل���ى اخلرباء ال ّ
الوق���ت ال�ل�ازم لتكوين و�ص���ف ج ّيد ملا ه���و مقرتح ،ويبق���ى ك ّل حر بتكوي���ن ر�أيه
التجريبي
ّ احلراري
ّ ���ووي
املخت����ص به .يرغب املجتم���ع العلمي يف بناء املفاعل الن ّ ّ
يل �أيرت ،ITERوفيما يلي خ�صائ�ص هذا امل�شروع الرئي�سة. الدو ّ
.1وجهة نظر امل�ص ّمم
لنقم �أو ًال بو�ص���ف ت�ص���ور املفاعل النووي احلراري التجريب���ي الدويل �أيرت،
باال�ستعانة بالر�سم التو�ضيحي التايل.
86
املعني� ،أو بالأحرى ن�صف مقطع؛ يبينّ الر�س���م �أعاله مقط ًعا ر�أ�س��� ًّيا للجهاز ّ
لأنّ املحور العمودي للجهاز يقع على الي�س���ار ،وال يبينّ هذا الر�س���م �س���وى اجلزء
الواق���ع على مي�ي�ن هذا املحور ،و�س���نتخيل �أنّ اجلزء الأي�س���ر متناظ���ر مع اجلزء
الأمين ،ولأغرا�ض الت�س���هيل ،يالحظ �أنّ الر�س���م �أهمل املك ّونات امل�س���اعدة كا ّفة،
مكتف ًيا بتو�ضيح املك ّونات الوظيفية الرئي�سة.
�مت فيه خطوط املركزي الذي ر�س � ْ
ّ حتيط املكونات املادية للتّوكاماك باجلزء
مت ّثل قطاع الأ�س���طح املغناطي�س���ية التي حت�ص���ر البالزما؛ �إذ يالح���ظ �أنّ مقاطع
الأ�س���طح املغناطي�س���ية التي تكون يف املركز عبارة عن منحنيات مغلقة �إهليلجية
ال�ص���ورة �إل���ى ح ّد م���ا ،وعلى الأط���راف منحنيات مفتوح���ة ت�ؤدي �إلى ج���دار� .إنّ
البالزما حم�ص���ورة باحل ّيز الذي فيه امل�س���احات املغلقة .ثمة �س���طح خا�ص :وهو
(باخلط الداكن)؛ �إذ تكون ّ ال�س���طح الفا�صل الذي ير�س���م حدود منطقة احل�صر
الكثاف���ة ودرج���ة احلرارة مرتفع���ة ،عل ًما �أ ّنهما تهبطان ب�ش���دّة خ���ارج نطاق هذا
احليز ،وميت ّد الفراغ العازل للبالزما من ال�سطح الفا�صل وحتّى اجلدار الأول.
لنتتبع امل�س���ار الذي ير�س���مه املفاع���ل ،انطال ًقا من قلب الو�س���ط البالزمي؛
�ش���كل مقطع ًّيا �ش���بي ًها باحلرف ،Dالذي يرتبط به (�أ�سفل �إذ يتخذ هذا الأخري اً
ال�ش���كل) ملحق ي�ص���ل البالزما بجهاز يقوم بدور املرمد؛ �إذ يجمع بال�ض���خّ رماد
ال�س���طح الفا�صل ،ويحت ّل الهيليوم املمزوج بالغازات غري املحرتقة عند اجتيازها ّ
الو�س���ط البالزم���ي من جهته معظم احلي���ز الواقع يف املركز ،با ًّث���ا طاقته باجتاه
اجل ��دران املحيط ��ة به .لدى االبتع ��اد عن البالزم ��ا ،ن�ص ��ادف �أولاً قطع البالط
ال�ص���غرية للغطاء ،والغالف املواجه للبالزما ،الذي ي�ؤدّي دور اجلدار الأول ،وقد
�أع��� ّد غطاء مفاعل �أي�ت�ر؛ بحيث يطرد احل���رارة وينتج الترّ تي���وم ،وميت ّد اجلدار
املزدوج ،الذي ميثل غرفة الفراغ ال�ض���رورية للحفاظ على البالزما ،حتى م�ؤخرة
الغطاء ،وميكن النفاذ �إلى داخل الغرفة من خالل 3جمموعات من الكوى املمثلة
عند نهاية �ش���بكات الأنابيب؛ �إذ ت�س���مح هذه النوافذ ب�إ�ض���افة املكونات الداخل ّية
أي�ض ًا باملح ّول .)divertorو�إزالتها :التّ�سخني ،والغطاء ،واملرمد (الذي يعرف � ً
وراء غرف���ة الف���راغ ح ّيز مغل���ق �آخر يحت���وي ملفّني من ال ّلفائ���ف التي توجد
املخت�ص���ة بالتقنية؛
ّ عادة التّوكاماك ،وقد و�ص���فنا لفائ���ف التّوكاماك يف الفقرة
يل، التجريبي الدو ّ
ّ احلراري
ّ النووي
ّ لذا نكتفي هنا ب�س���رد خ�صائ�صها يف املفاعل
87
عل ًم���ا �أنّ هذه البيانات هي مث���ل الأبعاد الدّنيا للمفاعل .تت�أ ّل���ف املجموعة الأولى
م���ن ال ّلفائ���ف ،وه���ي ال ّلفائف احللقي���ة ،من 18مل ًف���ا عمود ًّيا يف �ص���ورة احلرف
،Dحميطة بغرفة الفراغ ،وت�ض���من هذه ال ّلفائف �أن ي�ص���ل اجلزء الأ�سا�س���ي من
احلقل املغناطي�سي �إلى قيمة 5ت�سال ،وتتك ّون املجموعة الثانية من ال ّلفائف ،وهي
لفائف قطب ّية ،من ملف �أ�سطواين مركزي تكمله 6لفائف دائرية مو�ضوعة �أفق ًّيا،
تتو�سطها �إ�شارة .+تتيح هذه مقطعها ممثل يف الر�س���م التو�ضيحي مب�س���تطيالت ّ
ال ّلفائ���ف وحده���ا للبالزما البقاء �أزمن���ة تزيد على 400ثانية ،عل ًما �أنّ الت�ش���غيل
امل�س���تمر �سيتم بو�ساطة و�سائل ت�سخني م�س���اعدة ،وكما �ش�أن املفاعل الذي تر�سم
هيكله ،تتّ�س���م هذه ال ّلفائف ( )6+1+18باملو�ص���لية الفائقة ،واحلفاظ عليها عند
درجات حرارة منخف�ض���ة ميلي و�ض���عها يف فراغ عازل؛ �إذ تن�أى بها غرفة الفراغ
ع���ن احلرارة املنبثقة من الو�س���ط البالزم���ي ،يف حني يقيها الغط���اء من التد ّفق
أي�ض���ا -حمايتها م���ن احل���رارة املحيطة؛ ل���ذا يوجد جدار الن�ت�روين ،وينبغ���يً � -
�أ�س���طواين جديد يعرف بناظم الربد �أو الكريو�س���تا الذي يك�سو كل اجلهاز ،الذي
يحم���ي كذلك من ح���رارة اخلارج بفعل الفراغ الذي نوج���ده فيه .اجلدير بالذكر
�أنّ الر�س���م التو�ض���يحي ال يب�ّيإنّ � اّإل جز ًءا م���ن هذا اجلدار؛ فغرف���ة الفراغ الأولى
امل�ش���ار �إليها فيما �س���بق قابعة يف غرفة فراغ �أخرى مم ّثل���ة بناظم الربد؛ وهذان
بع�ضا؛ حيث تكمن البالزما يف الفراغ الأول، «الفراغان» منف�ص�ل�ان عن بع�ضهما ً
واللفائف يف الثاين.
فقطر يج���ب � اّأل يغي���ب عن �أذهاننا الأبع���اد والأوزان التي نحن ب�ص���ددها؛ْ ،
حلقي نحو 300 ناظم الربد ي�س���اوي 28م ،وارتفاعه 24م ،يف حني تبلغ كتلة م ّلف ّ
طن ،ويكاد حجم البالزما ي�ص���ل �إل���ى 1000م�( 3أق ّل بقليل) ،بيد �أنّ كثافته �أق ّل
بنحو مليون م ّرة من كثافة الهواء ،ووزنه حوايل غرام واحد.
.2الأهداف
وبخا�ص���ة
ّ الهائلة، أهداف ل ا بع�ض �ص��� ّمم اجلهاز املو�ص���وف �س���اب ًقا لتحقيق
الأهداف الرئي�سة التّالية:
-يطم���ح خرباء الفيزي���اء �إلى بلوغ مرحل���ة �إنتاج قدر عال م���ن الطاقة؛ � ْأي
بالزمي يكون فيه الت�سخني ال�سائد ناج ًما عن عملية االندماج نف�سها، ّ �صنع و�سط
88
وال ميك���ن حتقيق ذلك � اّإل بجهاز يفوق حجمه �أبع���ادًا مع ّينة ،ومن املتو ّقع �أن ينتج
يل 500ميغ ��اواط من طاقة التجريبي ال���دّو ّ
ّ ���راري
���ووي احل ّ بالزم���ا املفاع���ل الن ّ
اندماج؛ � ْأي ما يعادل ع�ش���رة �أ�ضعاف الطاقة التي تغذيه .كما �أنّ احلفاظ الذاتي
على درجة حرارة البالزما ،وهو ما �س��� ّميناه �ساب ًقا الإ�شعال ،لي�س بعيدً ا من منال
يل ،و�إن مل يكن من �أهدافه املعلنة� .أ�ضف التجريبي الدو ّ
ّ احلراري
ّ النووي
ّ املفاعل
احلراري
ّ النووي
ّ �إلى ذلك -على �س���بيل الذكر� -أنّ احلرارة الت���ي يو ّلدها املفاعل
���ي ال���دّو ّ
يل ل���ن تتح��� ّول �إلى كهرب���اء ،وال ّ�س���يما �أنّ ذلك املفاع���ل النووي التجريب ّ
اً
مفاعل مو ّلدً ا للكهرباء ،و�إن كان يل مل يرتق ب ْعد ليكون احلراري التجريبي ال���دو ّ
ال�صناعي
ّ قد خرج من ح ّيز التجربة البحتة ،وهذا التح ّول ال�شائع يف هذا القطاع
الذي ال ننتظر منه اكت�س���اب معرفة حمدّدة ،يفر�ض على ت�ش���غيل املفاعل النووي
احلراري التجريبي الدويل حدودًا ربمّ ا تعوق ا�ستخدامه العلمي.
-يتو ّقع املهند�س���ون من املفاعل النووي احلراري التجريبي الدويل �أن ي�ؤكد
توافر التقنيات ال�ض���رورية لالندماج (املو�صلية الفائقة� ،إلخ )...و�أن يخترب لدى
ت�ش���غيل املفاعل �أغطيت���ه امل�س���تقبلية املولدة للترّ تيوم .كما �س���ي ْنظر �إلى ت�ص���نيع
املك ّونات وظروف اال�س���تفادة منها وموثوق ّيتها احلقيقية على وجه الدقة ،لتحديد
اجلدوى ال�صناعية واالقت�صادية لتقنية االندماج النووي.
التجريبي الدو ّ
يل ّ احلراري
ّ -ب�ص���فة عا ّمة ،ينبغي �أن يظهر املفاع���ل النووي
النووي على �صعيدي� :إنتاج الطاقة والت�أثري يف البيئة. ّ الفائدة احلقيق ّية لالندماج
ه���ذه الأهداف الطموحة ه���ي التي حتدّد الو�ض���ع الراهن للبح���وث املتع ّلقة
باالندم���اج النووي ،ذلك �أ ّن���ه -تعري ًفا� -إذا انطوت �أه���داف جتربة ما على نتائج
تتو�ص���ل �إليها الأبحاث بعد ،ف�إنّ هذه الأهداف هي التي يعدّها املجتمع العلمي مل ّ
يف متناولها.
.3الو�سائل الالزمة
ال ميكن التط ّرق ج ّد ًّيا �إلى جتربة بحجم املفاعل النووي احلراري التجريبي
الدويل دون التّ�س���ا�ؤل ،و�إن كان بالإيجاز ،عن حجم اال�س���تثمارات التي تفر�ضها،
ومدّة حتقيق عوائد على هذه اال�ستثمارات:
-ح���دّدت تكلفة هذه التجربة بد ّقة بالغة ،وقد تطور هذا امل�ش���روع على وفق
89
ه���ذه التكلفة ،وبعد جتوي���د متعدّد وتعدي���ل للأهداف ،تقدّر تكلفة اال�س���تثمار يف
املفاعل النووي احلراري التجريبي الدويل بـ 3.5مليار يورو.
-ميكن و�ص���ف الإط���ار الزمني على هذا النحو؛ فزمن الت�ش���ييد؛ �أي الوقت
الذي �سين�ص���رم منذ حلظة اتخاذ القرار وحتّى احل�صول على �أول و�سط بالزمي
�سي�ص���ل �إلى � 96ش���ه ًرا؛ � ْأي � 8أعوام ،ومن ّثم يبد�أ الت�شغيل ب�صورة تدريج ّية؛ �أي
اختبار اجلهاز مدّة � 3س���نوات ،و�ص���نع الو�س���ط البالزمي املنتظر ،و�سي�ستخدم،
خالل هذه ال�سنوات الثالثة ،الهيدروجني العادي ،ولن جنري �إذن تفاعل االندماج
النووي .بعد هذه املرحلة الأولى ،وطوال عام واحد� ،سي�س���تخدم الدّوتريوم النقي
بغية احل�صول على حت�سينات نهائية.
� -س���ت ْنتج �أولى تفاعالت االندماج؛ مما �سي�س���فر عن �إنتاج كميات حمدودة
ين رمزي .بع���د �إجراء هذه من ال ّنرتونات ،و�سي�س���مح ب�ض���مان ت�ش���غيل دفق نرتو ّ
العمليات �سي�س���تخدم مزي���ج الدوتريوم-ترتيوم ،والبحث مدة ثالث �س���نوات عن
�أوجه الأداء الأف�ض���ل .بعد ذلك� ،سي�س���تخدم هذا اجلهاز �أكرث من درا�س���ته ،كما
�سي�س���تعمل لأغرا�ض متعدّدة ،مثل :درا�س���ات املوثوق ّية� ،أو درا�سات مت ّيز مكونات
مفاع ��ل امل�س ��تقبل ،وقد يتغ�ّي�ررّ هذا الن�ش ��اط الأخري عل ��ى وفق ال ّنتائ ��ج املحقّقة
ومقت�ضيات ّ
ال�ضرورة.
.4بع�ض الأفكار الي�سرية
ي�س���هل �إكماله ،وال �س ّيما �أنّ املفاعل النووي احلراري بعد هذا الو�ص���ف الذي ْ
التجريبي الدويل بات يف ميدان النفاذ العام ،لنتناول هذا امل�شهد برمته ،ونحدّد،
أهم ما ينبغي اخلروج به من هذا البحث. بعيدً ا عن التف�صيالت التقن ّيةّ � ،
عاما من اجلهد احلثيث ،ينتظر علماء فيزياء يالحظ �أ ّو اًل� ،أ ّنه وبعد خم�سني ً
البالزما الت ّْجربة الأخرية احلا�س���مة؛ �إذ ت�ص���بح البالزم���ا �أخ ًريا منتج ًة للطاقة،
وعندئ���ذ يكون الإن�س���ان قد �أن�س وقد النجوم ،وال يع�ت�ري �أنف�س العديد من علماء
الفيزي���اء � ّأي �ش���ك �إزاء ه���ذه النتيج���ة املرغوب فيه���ا ،و�إن مل ْ
حت���ظ بعد باليقني
التجريبي.
ّ
ث ّم���ة ملحوظة �أخرى بديهية يف هذا ال�س���ياق ،لكنه���ا ال تخلو من الدقة ،وهي
�أ ّننا ب�ص���دد جتربة ج�س���يمة ،توظ���ف طي ًفا ً
متنوع���ا من �أحدث التقني���ات البالغة
90
التعقيد ،وثمة نتيجتان لهذه املالحظة� .سبق �أن تناولنا �ساب ًقا العالقة بني احلجم
والتعقي���د ،وتكلفة الطاق���ة املنتجة� .أ ّما فيما يتع ّلق بتكلف���ة التجربة يف ح ّد ذاتها،
جتدر الإ�ش���ارة �إلى �أنّ هذه التجربة ر�س���مت منذ بداياته���ا يف �إطار تعاون كوكبي
بالفع���ل؛ لذا كان ث ّمة ت�آزر يف حت ّمل ه���ذا العبء املايل ،الذي ال ميثل بذلك معو ًقا
حقيق ًّيا ،وال حاجة ،للعودة هنا جمددًا� ،إلى جهد التعاون الدويل اجلاري ب�ص���ورة
يوم ّية على �ص���عيد املفاعل النووي احلراري التجريبي الدويل ،وقد �أو�ضحنا مدى
�أهميته التي ال تنتهي عند م�شاطرة الإمكانات ،مبا يف ذلك للجمهور العا ّم.
املخت�صة باملفاعل النووي احلراري
ّ ك ّل ما قيل �إلى الآن ب�ش�أن طبيعة التّجربة
التجريب���ي الدويل ،ي�ص���ل بنا �إلى نتيج���ة �أخرى؛ ف�إجراء جتربة م���ن هذا القبيل
يتيح فر�ص��� ًة حقيقية ،وال نق�ص���د هنا اخلو�ض يف جمال اال�س���تخدام ال�ص���ناعي؛
فبعد �إجراء التجربة النهائية� ،س���يكون بناء مفاعالت االندماج النووي رهن قرار
�آخ���ر ،وحتّ���ى �إذا زودنا «الأيرت» باملعرفة ،فهو ال يخد�ش يف �ش���يء حر ّية اخليارات
املتع ّلقة بالطاقة.
.4الربنامج املرافق الذي ال غنى عنه
وح���ده خبري فيزياء البالزما ق���د يكتفي بتجربة ال تق�ص���د � اّإل �إلى االقرتاب
م���ن الإ�ش���عال� ،إن مل يك���ن حتقيق���ه ،ومن �ش����أن جتربة م���ن هذا القبي���ل ،مكملة
وم�ستوعبة ب�ص���ورة ج ّيدة� ،أن تفوق تو ّقعات الباحث ،لكن االندماج النووي يحمل
�أهدا ًفا عم ّلية على نحو �أكرث بكثري .ك�أ ّننا حني نكتفي بالربهان الفيزيائي ،نر�ضى
بالألعاب النارية يف الوقت الذي نتوقع فيه �إطالق �أقمار �ص���ناعية! فبالن�س���بة �إلى
متاما كما مطلق الأقمار ال�صناعية، عامل الفيزياء ،يقيم �صاروخ الألعاب الناريةً ،
مبد�أ الدفع بفعل التفاعل � ،اّإل �أ ّنه ال جدوى من موازنة قيمة من هاتني التجربتني،
املرجح �أن حت�ش���د جترب���ة االندماج -مهم���ا حقّقت من جناح- كم���ا �أ ّنه من غري ّ
���عبي ذاته الذي تثريه الألعاب النار ّية؛ ل���ذا ينبغي الذهاب �إلى �أبعد االهتمام ّ
ال�ش ّ
من ذلك ،وتو ّقع التطبيق العملي للمبد�أ حم ّل الدرا�سة� ،أي ب�إعداد املفاعل.
تو ّق���ع املفاعل ،يف الوقت الذي يثبت فيه الأيرت الدليل التجريبي على �إمكانية
وج���ود هذا املفاع���ل� ،أمر ي�س���تدعي بع�ض التو�ض���يح؛ فم���ن املغ���ري� -إن مل يكن
ْ
لنحاول بال ّرغ���م من ذلك التفكري م���ن الطبيعي -انتظار الربهان قب���ل املبادرة.
91
فيم���ا بعد املفاعل النووي احلراري التجريبي الدويل ،وما ميكن �أن يح�ص���ل عند
االنتقال من التجربة الفيزيائية �إلى التنفيذ ال�صناعي.
�س���نتناول هذه امل�س����ألة من منظور ربمّ ا ال ي�س���تنفد هذا املو�ضوع ،لكنه يبينّ
العديد من ال�ص���عوبات التي رمبا تواجهنا .ال ميكن ت�شييد مفاعل �صناعي �إال بعد
�أن تتحقق ال�س���لطات من �س�ل�امته وتثبتها ،ويح�صل ال�ص���ناعي الذي خ�ص�ص له
ا�ستثما ًرا بخ�صو�ص �أجل املرفق وظروف ت�شغيله ،وت�س ّمى م�س�ألة معاجلة النفايات
ال�سالمة ،ال�صيانة والهدم� :إنّ احلاجة املطلقة �إلى الناجمة عن الت�شغيل والهدمّ .
مف�ص���لة ومعمقة بخ�ص���ائ�ص املواد التي �ست�ستخدم يف ت�شييد املفاعل هي معرفة ّ
�ص���ميم الإجابة عن ك ّل هذه الأ�س���ئلة � .اّإل �أننا �أو�ضحنا �سابق ًا �أن املفاعل هو الذي
�سي�صنع هذه املواد ،وهنا تكمن املع�ضلة التي �سنبحثها عن كثب.
ال ب��� ّد البتكار خلي���ط معدين جديد من البدء بحف���ظ تركيب حمدّد .يف هذه
�ش���ك يف كون بع�ض الأ�ص���عدة النظرية والتجربة املكت�س���بة مر�ش���دً ا ال املرحلة ،ال ّ
غنى عنه ميكننا من تفادي �ض���ر ٍر بالغ � ،اّإل �أنه ال ميكن حتديد تكوين مادة مثالية
«على الورق» .كما ث ّمة حاجة للم�سات التّح�سني ذات درجات متباينة من الأهم ّية.
بعد مرحلة التعريف ،يكون االنتقال �إلى �س���كب مادّة جديدة ،ومن ّثم �إلى ت�صنيع
عين���ات ينبغي �إخ�ض���اعها لتجارب عدة .بذل���ك مت ّيز املادّة م���ن منظور قدراتها
امليكانيك ّية ،ومقاومتها للت�آكل ،و�س���لوكها عند التعر�ض للإ�شعاع� ،إلخ ،..وغال ًبا ما
يكون بعد هذه املرحلة رجوع �إلى تعريف املادة وتكوينها ،ومن ّثم متييزها ،وهكذا
�شك يف تعقيد هذه املحاوالت ،مثل تلك التي اً
و�ص���ول �إلى اخل�ص���ائ�ص املطلوبة .ال ّ
تدر����س الأث���ر الآين يف ع���دّة معامل ،مثل �أثر و�س���ط حاتّ على املع���دن املعر�ض يف
�آن واحد ل�ض ��غوط ميكانيك ّية ،ودفق من الإ�ش ��عاع الن�ت�روين ،وث ّمة جتارب �أخرى
�س���تكون طويلة بال�ض���رورة ،مثل التج���ارب الرامية �إلى �ض���مان م���دة حياة املواد
التي �س���تتعر�ض جلهود دورية (اختبارات الإجه���اد) .عملية تطوير خليط معدين
جديد هي باخت�ص���ار عمل ّية طويلة جدًّا ،وال �س��� ّيما حني يكون املعدن الذي تنطلق
على �أ�سا�س���ه ه���ذه العملية غري معروف جيدً ا ،كما ه���و حال عدة خالئط حمتملة
ال�صلب �أ�س���هل من خليط حمدد من الفاناديوم مل ي ْنتج لالندماج� .ص���نع نوع من ّ
ّ
�إلى الآن �س���وى ب�ض���ع �أطنان منها ،وكانت حمل العديد من الدرا�س���ات ،وال تزال
العدي���د من التجارب التي ينبغي �إجرا�ؤها ب�ش����أنه .من الأهمية مبكان �إذن القيام
92
به���ذا النوع من الأعمال خ�ل�ال الزمن املطلوب؛ للتمكن م���ن جتريبها يف املفاعل
النووي احلراري التجريبي الدويل ،ولقاء النتائج الفيزيائية التي ربمّ ا تبقى بغري
ذلك دون �أن ت�ستغل.
وقفنا ببع�ض التّف�صيل على م�س�ألة املواد؛ لأنّ هذه الدّرا�سات هي التي حتدّد
املخت�ص���ة
ّ مواعي���د الإجن���از الأخرى والب ْع���د .ب ْيد �أ ّنه بالنظ���ر �إلى البيئة التقنية
باملفاعل ،تتبادر �إلينا مو�ض���وعات �أخرى تقت�ض���ي حتقيق تقدّم كبري � ً
أي�ضا؛ �إذ �إنّ
املخت�ص���ة باالندم���اج ال ميكن -وال ينبغ���ي� -أن تختزل بتجربة ّ الأعم���ال البحث ّية
برناجما لتطوير تقنيات املفاعل. ً متلي إنها � عظيمة. كانت واحدة ،مهما
وه���ذا يتو ّق���ف عل���ى حقيقة ثابت���ة يف تاري���خ ك ّل ه���ذه الأبح���اث؛ فاالندماج
الن���ووي فكرة مبتكرة ،عازت كل مرحلة من مراحل تقدمه تطو ًرا تقن ًّيا �ص���احبت
املتخ�ص�ص���ةّ ،ثم
ّ االكت�ش���افات الفيزيائية ،فكان���ت �أ ّو اًل �أوجه التغذية الكهربائية
ال ّلفائف املغناطي�س���ية النحا�س���ية ،واللفائف الفائقة املو�ص���لية للمجاالت الكثيفة
الكبرية احلج���م ،وم� ّؤخ ًرا تطوير �أدوات التحكم عن ب ْعد� ،أو املواد املقاومة للدفق
احلراري املرتفع� .أ�س���فرت ك ّل التجارب الكبرية عن بحوث تقنية ،وكانت النتائج
ارتباطا مبا�ش��� ًرا باالبت���كارات امل�س���تخدمة ،وقد تو ّلى املفاع���ل النووي ً مرتبط���ة
املخت�ص���ة به ،فيما يخ�ص ال ّلفائف ّ احلراري التجريبي الدويل م�س����ؤولية تط ّوراته
من�ص���ة جتريبية للح�صول الفائقة ال�س���رعة �أو التحكم عن بعد ،لك ّنه لن يكون �إال ّ
عل���ى مفاعل .بتنا اليوم عل���ى مقربة من �إنتاج حقيقي للطاقة ،وينبغي �إعداد هذه
املرحلة بحيث ال تكون النتيجة الفيزيائية املنتظرة مثار ف�ض���ول علمي ،بل ينبغي
اليومي ،وهذا يف �ض���وء �أه ّم ّية هذا امل�سعى البحثي ّ ت�س���جيلها يف الواقع ال�صناعي
للم�صلحة العامة.
93
خامتة
94
مراجع
فيزياء البالزما واالندماج
م�ؤلف تعريفي
بي�-.إت�ش .ريبو ،طاقة النجوم .االندماج النووي املحكم� ،أوديل جاكوب.
P.-H. Rebut, L’énergie des étoiles. La fusion nucléaire contrôlée,
Odile Jacob.
م�ؤلفات فنية
االندم���اج احل���راري الن���ووي املحك���م باحل�ص���ر املغناطي�س���ي ،جمموع���ة.
«مفو�ضية الطاقة الذرية والطاقات البديلة� ،سل�سلة علمية» .ما�سون.
La fusion thermonucléaire contrôlée par confinement magnétique,
coll. « CEASérie scientifique», Masson.
االندماج احل���راري النووي العطايل بالليزر ،جمموعة « .مفو�ض���ية الطاقة
الذري���ة والطاقات البديلة� ،سل�س���لة حتليالت» ،حتري���ر ر .دوتريه و جاي بي واتو،
ما�سون.
La fusion thermonucléaire inertielle par laser, coll.« CEA Série
.Synthèses»,édité par R. Dautray et J.-P. Watteau, Masson
البيئي اخلا�ص باالندماج ،االتفاقية الأوروبية لتطوير االندماج
الأمان والأثر ّ
�إ�س� .أر �إي� ، 1-أبريل 2001م.
Safety and Environmental Impact of Fusion, EFDA S-RE-1, April 2001.
بح���ث اجتماعي-اقت�ص���ادي خا�ص باالندم���اج ،االتفاقي���ة الأوروبية لتطوير
االندماج �أر �إي �أر�إي ،يوليو 2001م.
Socio-Economic Research on Fusion, EFDA RE-RE, July 2001.
ال�سيا�سات اخلا�صة بالطاقة ،ومربراتها
الواليات املتحدة
طاقة موثوقة ،ي�س�ي�رة التكلفة و�سليمة بيئي ًا مل�ستقبل �أمريكا ،تقرير جمموعة
تطوير ال�سيا�سة الوطنية ،مايو 2001م.
Reliable, Affordable and Environmentally Sound Energy for
America’s Future,Report of the National Policy Development Group,
May 2001.
95
�أوروبا
املفو�ضية، نحو ا�سرتاتيجية �أوروبية لأمن الإمداد بالطاقة:الكتاب الأخ�ض���ر
. نهائي769 ،2000 ،الأوروبية كوم
Livre vert : Vers une stratégie européenne de sécurité
d’approvisionnementénergétique, Commission européenne COM,
2000, 769 final.
عام
�أ�س���بابها و�أثارها املتوقعة على،تقرير ب�ش����أن تقومي حجم التغريات املناخية
املكتب الربملاين لتقومي، دونو. �إم،2100 و2050 ،2025 جغرافية فرن�س���ا بحل���ول
رقم، اجلمعية الوطنية،224 رق���م، جمل�س ال�ش���يوخ،اخلي���ارات العلمية والتقنية
.3603
Rapport sur L’évaluation de l’ampleur des changements
climatiques, de leurscauses et de leur impact prévisible sur la géographie
de la France à l’horizon2025, 2050 et 2100, M. Deneux, OPECST, Sénat,
no 224, Assemblée nationale,no 3603.
بريو. �سي،تقرير ب�ش����أن الو�ض���ع الراهن والأفاق التقنية للطاقات املتجددة
اجلمعية، املكتب الربملاين لتقومي اخليارات العلمية والتقنية، لو ديو. �إي.و ج���اي
.94 رقم، جمل�س ال�شيوخ،3415 رقم،الوطنية
Rapport sur L’état actuel et les perspectives techniques des énergies
renouvelables,
C. Birraux et J.-Y. Le Déaut, OPECST, Assemblée nationale, no
3415,Sénat, no 94.
96
ال�سيا�سات اخلا�صة بالطاقة ،ومربراتها
الواليات املتحدة
طاقة موثوقة ،ي�س�ي�رة التكلفة و�سليمة بيئي ًا مل�ستقبل �أمريكا ،تقرير جمموعة
تطوير ال�سيا�سة الوطنية ،مايو .2001
Reliable, Affordable and Environmentally Sound Energy for
America’s Future, Report of the National Policy Development Group,
May 2001.
�أوروبا
الكتاب الأخ�ض���ر :نحو ا�سرتاتيجية �أوروبية لأمن الإمداد بالطاقة ،املفو�ضية
الأوروبية كوم 769 ،2000 ،نهائي.
Livre vert : Vers une stratégie européenne de sécurité
d’approvisionnement énergétique, Commission européenne COM,
2000, 769 final.
عام
تقرير ب�ش����أن تقومي حجم التغريات املناخية� ،أ�س���بابها و�أثارها املتوقعة على
جغرافية فرن�س���ا بحل���ول 2050 ،2025و� ،2100إم .دونو ،املكتب الربملاين لتقومي
اخلي���ارات العلمية والتقنية ،جمل�س ال�ش���يوخ ،رق���م ،224اجلمعية الوطنية ،رقم
.3603
Rapport sur L’évaluation de l’ampleur des changements climatiques,
de leurs causes et de leur impact prévisible sur la géographie de la
France à l’horizon 2025, 2050 et 2100, M. Deneux, OPECST, Sénat, no
224, Assemblée nationale, no 3603.
تقرير ب�ش����أن الو�ض���ع الراهن والأفاق التقنية للطاقات املتجددة� ،سي .بريو
و ج���اي� .إي .لو ديو ،املكتب الربملاين لتقومي اخليارات العلمية والتقنية ،اجلمعية
الوطنية ،رقم ،3415جمل�س ال�شيوخ ،رقم .94
Rapport sur L’état actuel et les perspectives techniques des énergies
renouvelables,
C. Birraux et J.-Y. Le Déaut, OPECST, Assemblée nationale, no
3415,Sénat, no 94.
97
املــــــــــــحتويــات :
5 املقدمـ ــة
7 الف�صل الأول
7 البالزما واالندماج النووي
7 املبادئ الرئي�سية .1
7 ما احلرارة؟ .1
10 .2انعطاف �صغري عند النجوم
12 عودة �إلى الأر�ض .3
15 م�سارا البحث .4
17 القيا�س .5
19 الت�سخني .2
19 الت�سخني الأومي .1
21 .2الت�سخني باحلقن بذرات متعادلة
24 .3الت�سخني با�ستخدام املوجات العالية الرتدد
27 احل�صر .3
27 دور اجلدران املادية .1
29 احلقل املغناطي�سي .2
31 حركة اجل�سيم .3
33 ا�ضطرابات ال�سمت .4
.5النتائج التي يتو�صل �إليها وقوانني املقادير الأ�سية 35
38 املفاعل و�إنتاج الطاقة .4
38 مبد�أ املفاعل .1
42 الأمان .2
52 التكلفة. .3
56 املوارد .4
98
59 الف�صل الثاين
59 اجلوانب التقنية
60 .1اندماج احل�صر ال ُعطايل
60 الغرفة .1
61 الهدف .2
62 متجه الطاقة .3
63 .2اندماج احل�صر املغناطي�سي
64 اللفائف .1
66 .2املكونات املواجهة للبالزما
68 التحكم عن بعد .3
71 الف�صل الثالث
71 م�ستقبل البحث يف طاقة االندماج
71 .1التعط�ش �إلى الطاقة
72 .1جانب الطلب على الطاقة
75 جانب العر�ض .2
81 � .2إلى �أين من�ضي الآن؟
81 اختيار نظام االندماج .1
83 ال�سياق..2
86 اخلطوة القادمة .3
86 وجهة نظر امل�ص ّمم .1
88 الأهداف .2
89 الو�سائل الالزمة.3
90 بع�ض الأفكار الي�سرية .4
91
.4الربنامج املرافق الذي ال غنى عنه
94 خامتة
95 مراجع
98 فهر�س
99