مجلة أفكار العدد361 PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 129

‫‪ 361‬شباط ‪2019‬‬

‫نحو ثقافة مدن ّية‬

‫رئيس التحرير‬
‫د‪ .‬سمير قطامي‬
‫مديرة التحرير‬
‫الرب‬
‫مجدولين أبو ُّ‬
‫سكرتيرة التحرير‬
‫منال حمدي‬

‫هيئة التحرير‬
‫د‪ .‬غسان عبد الخالق‬
‫د‪ .‬خالد الحمزة‬
‫د‪ .‬خلدون امنيعم‬
‫نضال برقان‬
‫يل‪:‬‬
‫» تأمل هيئة تحرير المجلة من الكُ ّتاب مراعاة ما ي‬ ‫للن� ف ي� «‬
‫ش‬
‫لغ�‬
‫السفر ي‬ ‫ت‬
‫اإلخراج الف ّني‬ ‫الشخصية‪ ،‬أو صورة لجواز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونيا مشفوعة بصورة عن الهويّة‬ ‫‪ -‬ترسل المادة المطبوعة إلك� ً‬
‫و� للمجلة‪.‬‬‫ال�يد إ ت ن‬ ‫ال ي ن‬ ‫أ‬
‫محمد خضير‬ ‫اللك� ي‬ ‫ردني� عىل عنوان ب‬
‫‪ّ -‬أل تكون المادة قد شن�ت سابقاً‪.‬‬
‫القىص‪.‬‬‫‪ّ -‬أل يتجاوز عدد كلمات المادة ‪ 1500‬كلمة ف� حدها أ‬
‫ي ّ‬
‫يمكن تصفح المجلة عىل موقع الوزارة‪:‬‬ ‫‪ -‬الصور المرسلة للمادة يجب أن تكون عالية الدقة والوضوح عىل أن ال تقل عن ‪.MB 00 .1‬‬
‫‪www. culture. gov. jo‬‬ ‫للن� أو االعتذار عن عدم شن�ها‪.‬‬ ‫المخولة بقبول المادة ش‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬هيئة التحرير هي الجهة‬
‫ش‬
‫ال� تن�ها ويشمل هذا الحق الطباعة الورقية والن�‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫اليداع لدى دائرة المكتبة الوطنية‪:‬‬
‫رقم إ‬ ‫‪ -‬تحتفظ المجلة بحقها ي� الترصف بالمواد ي‬
‫و�‪ ،‬وال يجوز إعادة شن� مواد مجلة “أفكار” دون إذن خطي مسبق من هيئة تحرير المجلة‪.‬‬ ‫إ ت ن‬
‫(‪ / 2010 )1090‬د‬ ‫اللك� ي‬
‫ردني�)‪ ،‬ونبذة‬ ‫الوط� (للكتاب أ‬
‫ال ي ن‬ ‫ن‬ ‫الثال�‪ ،‬واسم الشهرة الذي يُعرف به‪ ،‬ورقمه‬ ‫‪ -‬يرسل الكاتب اسمه ث‬
‫المراسـالت‪ :‬باسم رئيـس التحرير‬ ‫ّ‬ ‫ّي‬ ‫ي‬
‫الوىل فقط)‪.‬‬ ‫من س�ته الذاتية (للمرة أ‬
‫ال�يدي‪:‬‬
‫العنوان ب‬ ‫ي‬
‫الردن – عمان ص‪ .‬ب‪6140 :‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫والشارة إىل المصدر الم� َجم عنه‪.‬‬ ‫ت‬
‫س�ة مؤلف النص الم� َجم‪ ،‬إ‬ ‫ت‬
‫‪ -‬يرفق مع المواد الم�جمة نبذة من ي‬
‫ال�يدي‪ - 11118 :‬عمان‬ ‫الرمز ب‬ ‫‪ -‬يخضع ترتيب المواد المنشورة العتبارات فنية فقط‪.‬‬

‫تع� ض‬ ‫ف‬
‫‪E-mail: afkar@culture. gov. jo‬‬ ‫بال�ورة عن رأي المجلة‬ ‫تع� عن آراء ك ّتابها‪ ،‬وال ب ّ‬
‫المواد المنشورة ي� هذا العدد ب ّ‬
‫‪361‬‬ ‫د‪ .‬سمير قطامي‬

‫د‪ .‬نادية سعد الدين‬


‫‪4‬‬

‫‪6‬‬
‫املحتويات | ‪361‬‬
‫مفتتح‪ :‬أزمة التعليم يف األردن ‪.............................................................................‬‬
‫ثقــافة مدن ّيــة‪:‬‬
‫‪ -‬الشباب و”الثقافة املدن ّية” ‪......................................................................................‬‬
‫ملف العدد‪:‬‬
‫‪-‬‬

‫العربي املعاصر‬
‫ّ‬ ‫السينمائي يف الشعر‬
‫ّ‬ ‫الشعر والسينما‪ -‬املشهد‬
‫د‪ .‬خلدون امنيعم‬ ‫ات َّ‬
‫النص ‪11 .............................................................................‬‬ ‫صاد ّي ُ‬ ‫‪ -‬مقدمة امللف‪ْ :‬‬
‫اق ِت ِ‬
‫د‪ .‬أميمة الرواشدة‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ -‬املشهد السينمائي يف الشعر العربي املعاصر ‪..................................................‬‬
‫د‪ .‬محمد آيت ميهوب‬ ‫‪21‬‬ ‫السينمائي ‪............................................‬‬
‫ّ‬ ‫الشعري والخطاب‬
‫ّ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫التداخل بين الخطاب‬
‫وائل عيسى‬ ‫‪ -‬التكوين السينمائي للصورة الشعر ّية ‪31 .......................................................................‬‬
‫محمد طه العثمان‬ ‫‪ -‬سينمائ ّية اللقطة الشعر ّية ‪39 .......................................................................................‬‬
‫دراسات‪:‬‬
‫محمد ادعيكل‬ ‫‪ -‬صدمة العوملة يف خطاب النخبة ‪47 ..........................................................................‬‬
‫شوقى بدر يوسف‬ ‫عاما ىلع امليالد ‪50 .................................................‬‬
‫‪ -‬ألبرتو مورافيا ومئة وأحد عشر ً‬
‫محمد عطية محمود‬ ‫‪ -‬فلسفة الروح يف “أصداء السيرة الذاتية” لنجيب محفوظ ‪57 ..................................‬‬
‫سعادة أبو عراق‬ ‫‪ -‬بدر عبد الحق‪ -‬الكاتب الذي اخطأه النقد ‪65 ...............................................................‬‬
‫جعفر العقيلي‬ ‫‪ -‬باسم الزعبي‪ ..‬ترجمات ُت ّ‬
‫طل ىلع القصة الروسية منذ “غوغول” ‪70 .....................‬‬
‫محمد درويش عواد‬ ‫‪ -‬طه حسين يف ذاكرة جابر عصفور ‪74 ..........................................................................‬‬
‫د‪ .‬إيهاب زاهر‬ ‫‪ -‬مصادر الحياة الثقاف ّية يف القدس ‪78 ..........................................................................‬‬
‫محمد بنعلي‬ ‫‪ -‬ظاهرة االقتراض اللغوي ‪84 .............................................................................................‬‬
‫د‪.‬عود ُة اهلل منيع الق ْيسي‬
‫ْ‬ ‫عشوائيا ‪88 ...........................................................‬‬
‫ًّ‬ ‫جم ِع العرب ّية الفصحى كان‬
‫منهج ْ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫فنـون‪:‬‬
‫عواد علي‬ ‫‪ -‬تكييف الرواية للمسرح ‪91 ...............................................................................................‬‬
‫عدنان مدانات‬ ‫‪ -‬الصورة السينما ‪95 ............................................................................................................‬‬
‫غازي انعيم‬ ‫العربي بين املحاباة والتبع ّية وغياب املعايير ‪99 ........................‬‬
‫ّ‬ ‫شكيلي‬
‫ّ‬ ‫الت‬ ‫‪َّ -‬‬
‫النقد َّ‬
‫محمود الزواوي‬ ‫‪ -‬أفضل وأشهر الجامعات األميركية لدراسة السينما ‪103 .................................................‬‬
‫إبـداع‪:‬‬
‫حميد سعيد‬ ‫‪ -‬تأويل االعتكاف‪ -‬شعر ‪108 ................................................................................................‬‬
‫جالل برجس‬ ‫‪ -‬خمس ترويدات عن الحب‪ -‬شعر ‪110 ..............................................................................‬‬
‫محمد سمحان‬ ‫‪ -‬نهايات الفصول‪ -‬شعر ‪113 ................................................................................................‬‬
‫محمد محمد السنباطي‬ ‫‪ -‬حياة الجديدة‪ -‬شعر ‪115 ....................................................................................................‬‬
‫أميمة الناصر‬ ‫‪ -‬خيبات صغيرة‪ -‬قصص ‪117 ...............................................................................................‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمد ناصر صالح‬ ‫ترجمات‪ :‬قصة “كالين” لـِ”كيت شوبان” ‪121 ................................................................‬‬
‫محمد سالم جميعان‬ ‫نوافذ ثقافية‪124 ...........................................................................................................:‬‬

‫الرسومات الداخلية والغالف‪ :‬كمال أبو حالوة‪ /‬األردن‬


‫مفتتح‬
‫‪4‬‬

‫أزمة التعليم‬
‫في األردن‬

‫الردن تحظى باهتمام خاص وعام منذ ما‬ ‫بدأَت قضية التعليم ف� أ‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ََ ْ‬
‫ض‬
‫وأن ّثمة �ورة‬ ‫ف‬
‫أن التعليم ي� أزمة‪َّ ،‬‬ ‫يزيد عىل عقدين‪ ،‬وبدأنا نسمع َّ‬
‫ال� بدأ ينحدر إليها‪ ،‬فمنذ سنوات عديدة ونحن‬ ‫إلنهاضه من ّ ت‬
‫الهوة ي‬
‫نقرأ توصيات لالرتقاء بالتعليم‪ ،‬ونشهد مؤتمرات وندوات وورشات‬
‫مخصصة لبحث أسباب تراجع التعليم‬ ‫َّ‬ ‫فندقية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عمل وخلوات‬
‫ح� إيقاف‬ ‫وتر ّدي مستواه مدرسيا وجامعيا‪ ،‬دون أن نشهد نهضة أو ت‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫االنحدار‪.‬‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫من منطلق إحساسنا‪ ،‬ي� هيئة تحرير “أفكار”‪ ،‬بأزمة التعليم ي� الردن‪،‬‬ ‫ف‬
‫خصصنا ملفًّا للتعليم‪ ،‬ف ي� العدد ‪ 349‬شباط ‪ ،2018‬شارك فيه نخبة‬ ‫َّ‬
‫أ‬
‫ردني�‪ ،‬وضعوا أصابعهم عىل الدواء‬ ‫أ‬
‫بوي� والمفكرين ال ي ن‬ ‫ال� ي ن‬ ‫من ت‬
‫وحلول لالرتقاء بالتعليم‪ ،‬ولكن ذلك كله‬ ‫ً‬ ‫احات‬
‫اق� ٍ‬ ‫وقدموا ت‬
‫والعلل‪ّ ،‬‬
‫لل�جمة‪.‬‬ ‫طي الصفحات ولم يجد طريقًا ت َّ‬ ‫ظل ّ‬ ‫ّ‬
‫يحتل المراتب‬ ‫الع�ين ّ‬ ‫لقد كان التعليم ي� الردن منذ ستينات القرن ش‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫رد� مبتغى دول‬ ‫أ ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫العر�‪ ،‬وكان المعلم وال�بوي ال ي‬ ‫العليا ي� الوطن ب ي‬
‫يتم� به من الكفاية والجديّة‬ ‫ال� كانت تتسابق للظفر به ِلما ي ّ ز‬ ‫ت‬
‫الخليج ي‬
‫ف‬
‫وال� ّدي منذ تسعينات القرن‬ ‫ال�اجع ت َّ‬ ‫واالل�ام‪ ،‬ولكن ذلك كله أخذ ي� ت َّ‬ ‫تز‬
‫الع�ين‪ ،‬وما نزال نسمع من المسؤول والمواطن شكاوى من تر ُاجع‬ ‫ش‬
‫والجامعي‪ ،‬فما الذي حدث؟‬ ‫ّ‬ ‫المدرس‬
‫يّ‬ ‫مستوى التعليم‪ ،‬بشق َّْيه‬
‫مفتتح‬
‫‪5‬‬

‫االنتقال بالمجتمعات من التفك� أ‬ ‫الحد؟‬ ‫أ‬


‫الوروسطي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وكيف وصل المر إىل هذا ّ‬
‫ش‬ ‫وال َّت ي ن‬ ‫سلبيا‬ ‫تأث�ا‬
‫والع�ين؛‬ ‫لق� الجامد‪ ،‬إىل القرن الحادي‬ ‫ًّ‬ ‫لقد أثّر انحدار مستوى التعليم ي ً‬
‫والبداع الفائق‪ ،‬والثورة‬ ‫عرص الذكاء االصطناعي إ‬ ‫والنتاج‪ ،‬وهذا ما‬ ‫والدارة إ‬ ‫الوط� إ‬ ‫ن‬ ‫عىل االقتصاد‬
‫ي‬
‫أ‬
‫سنظل ف ي� ذيل المم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرقمية‪ّ ،‬‬ ‫النذار‬
‫وإل‬ ‫ّ‬ ‫الدارة العليا للدولة إىل قرع جرس إ‬ ‫دفع إ‬
‫ف‬ ‫ت‬ ‫كب�ا‪ ،‬وقد لمسنا‬
‫كب�ا ي� االقتصاد‬‫نجاحا ي ً‬
‫ال� حقَّقت ً‬ ‫إن الدول ي‬ ‫َّ‬ ‫اهتماما ي ً‬‫ً‬ ‫إليالء موضوع التعليم‬
‫و� جلسات‬ ‫ف‬ ‫ذلك ف ي� كتب التكليف‬
‫والدارة والعلوم والصناعة والزراعة وثورة‬ ‫إ‬ ‫الملك‪ ،‬ي‬ ‫يّ‬
‫يز‬ ‫النقاشية‪،‬‬ ‫الملكية‬ ‫الوراق‬ ‫و� أ‬ ‫ف‬
‫كمال�يا وسنغافورة وكوريا‬ ‫المعلومات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرسمية‪ ،‬ي‬
‫ّ‬ ‫الحوار‬
‫تول قادتها رعاية‬ ‫ال� ّ‬ ‫ت‬ ‫و� مشاريع تطوير المناهج وبرامج تدريب‬ ‫ف‬
‫الجنوبية‪ ،‬هي الدول ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫وإدارة مشاريع إصالح التعليم وتطويره ليواكب‬ ‫المعلم�‪ ،‬فهل ارتقى التعليم؟‬ ‫ين‬
‫مستجدات العرص‪ ،‬فأين نحن من هذه الدول؟‬ ‫ّ‬ ‫فق�ة‪ ،‬ف ي� آسيا وأفريقيا‪،‬‬ ‫كث�ة ي‬ ‫لقد حقَّقت دول ي‬
‫الدارة واالقتصاد والتنمية‪،‬‬ ‫ف‬
‫وتكنولوجية مذهلة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫علمية‬
‫يشهد العالم ثورة ّ‬ ‫قفزات واسعة ي� إ‬
‫وإذا لم نتمكّن من مواكبة هذا التطور �ف‬ ‫التعليمية‪ ،‬فلماذا ما‬ ‫بعد أن أصلحت نظمها‬
‫ُّ ي‬ ‫ّ‬
‫مدارسنا وجامعاتنا ومناهجنا وإدارتنا لشؤون‬ ‫الرادة‬ ‫الرغم من وجود إ‬ ‫نزال نراوح مكاننا عىل ّ‬
‫الحياة والناس‪ ،‬سنصبح خارج التاريخ‪ ،‬فهل يعي‬ ‫السياسية العليا لتطوير التعليم واالرتقاء به؟‬ ‫ّ‬
‫المسؤولون ذلك؟‬ ‫أ‬
‫إن تطوير التعليم ي� الردن بحاجة إىل ثورة‬ ‫ف‬
‫َّ‬
‫ف‬
‫تجتث الجمود والتخ ُّلف واالنغالق‪ ،‬ي� جامعاتنا‬ ‫ّ‬
‫سم� قطامي‬
‫الدكتور ي‬ ‫ومدارسنا ومؤسساتنا ووزاراتنا‪ ،‬إلقامة نب� حديثة‬
‫رئيس التحرير‬ ‫المستن� القادر عىل‬ ‫ي‬ ‫رائدها العقل الحر‪ ،‬والفكر‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪6‬‬

‫الشباب‬
‫المدنية”‬
‫ّ‬ ‫و ”الثقافة‬
‫د‪ .‬نادية سعد الدين‪ /‬األردن‬

‫وال� تتمثل ف ي�‬ ‫ت‬


‫المش�ك “‪ ،”The Civic Culture‬ي‬
‫ت‬ ‫المدنية”‪ ،‬من مضمونها‬ ‫ّ‬ ‫تَ ْس َت ُّل موضوعة “الثقافة‬
‫أ‬ ‫المدنية‪،‬‬ ‫معت�ا تل�سيخ الدولة‬ ‫ً‬
‫واليمان‬ ‫الشعور بفخر االنتماء للمة أو الدولة‪ ،‬إ‬ ‫ّ‬ ‫معول ب ً‬ ‫وأهدافها‪،‬‬
‫المدنية‪ ،‬والثقة بقيمة‬ ‫ّ‬ ‫بالمشاركة ف ي� الواجبات‬ ‫تؤسس‬ ‫سلوكية شاملة ِّ‬ ‫ّ‬ ‫قيمية‬
‫بوصفها منظومة ّ‬
‫سبيل تل�سيخ مفهوم‬ ‫المشاركة ف ي� الحياة العامة‪ً ،‬‬ ‫الستقرار البنية السياسية للمجتمع الديمقراطي‪،‬‬
‫ت‬ ‫السلم المجتمعي ونبذ العنف‬ ‫ف‬
‫ال� ال تتمثل‬ ‫“المواطنة المسؤولة” والفاعلة ي‬ ‫وتُسهم ي� تعزيز ِّ‬
‫فقط ف ي� قوة المشاركة االنتخابية‪ ،‬إذ لم ُتعد‬ ‫االح�ام المتبادل‪ ،‬فيما تشكِّل‬ ‫ت‬ ‫وإعالء ثيمة‬
‫مجرد إجراءات سياسية أو حصيلة‬ ‫الديمقراطية ّ‬ ‫عنرصا‬
‫ً‬ ‫الشبابية‪ ،‬ذات الثقل الوازن عدديًّا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الفئة‬
‫عدديّة لنتائج العملية االنتخابية‪ ،‬عىل أهميتها‪،‬‬ ‫المدنية‪ ،‬كما ديدن حراك‬ ‫ف‬
‫أساسيا ي� بناء الدولة‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫أيضا‪،‬‬‫التفك�‪ً ،‬‬
‫ي‬ ‫الق َيم وأنماط‬
‫وإنَّما منظومة من ِ‬ ‫التغي� المنشود‪.‬‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫يتم بناؤها وفق أسس ثقافة الحوار واح�ام‬ ‫المجتمعي‬ ‫المدنية” مكانها‬ ‫وتحتل “الثقافة‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الراء واالختالف ف ي� وجهات النظر‪ ،‬بحيث ترتبط‬ ‫آ‬ ‫المريح وسط أقانيم الحوار والتوافق وسيادة‬
‫الثقا� للمجتمع وتعتمد عىل ِق َيم‬ ‫ف‬ ‫بالنسق‬ ‫القانون والمساواة والعدالة االجتماعية والحريات‬
‫ي‬
‫ين‬
‫المواطن�‪.‬‬ ‫ومعتقدات‬ ‫العامة‪ ،‬ضمن محددات بنيويّة‪ ،‬أو “خصائص‬
‫كي ي ن�‬ ‫أ‬
‫ع� تراكم‬ ‫المدنية” تتشكَّل ب ْ‬
‫ّ‬ ‫وإذا كانت “الثقافة‬ ‫لعالمي السياسة ال يم� َّ‬ ‫ّ‬ ‫معينة”‪ ،‬طبقًا‬ ‫ّ‬
‫أ‬
‫وال�ام الفراد بالقيم‬ ‫ت‬
‫المد� من جهة‪ ،‬ز‬ ‫ن‬ ‫العمل‬ ‫ف‬
‫و”سيد� يف�با” ي� مؤلفهما‬ ‫ن‬ ‫“غابرييل ألموند”‬
‫يّ‬ ‫ي‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪7‬‬

‫أيضا‪،‬‬ ‫المدنية من جهة أخرى‪ ،‬فإنها تتالزم‪ً ،‬‬ ‫ّ‬


‫س ونبذ‬ ‫المؤس ي‬ ‫ّ‬ ‫مع القيم الديمقراطية والعمل‬
‫اح�ام القانون أهم‬ ‫يعد ت‬ ‫التس ُّلط والعنف‪ ،‬فيما ُّ‬
‫المدنية عن سواها‬ ‫ّ‬ ‫المدنية‪ ،‬إزاء ما ي ِّ ز‬
‫يم�‬ ‫ّ‬ ‫ش�وط‬
‫وضعية‬ ‫ّ‬ ‫للب� بوجود ي ن‬
‫قوان�‬ ‫من الصيغ الجامعة ش‬
‫ناظمة لتحقيق المساواة والعدالة وخدمة‬
‫القصاء‬ ‫المصالح الحيوية أ‬
‫بعيدا عن إ‬ ‫ً‬ ‫للفراد‪،‬‬
‫يز‬
‫والتمي�‪.‬‬
‫شمولية المشاركة‬ ‫ّ‬ ‫ويسوق ذلك إىل مسألة‬
‫أهمية تغلغلها ي� مفاصل‬ ‫ف‬ ‫ع�‬
‫ّ‬ ‫المجتمعية‪ ،‬ب ْ‬ ‫ّ‬
‫الحياة السياسية العامة‪ ،‬مع �ورة إيالء‬‫ض‬
‫ثقل عدديًّا‬ ‫االهتمام بالشباب‪ ،‬الذين يشكِّلون ً‬
‫العربية يبلغ اليوم نسبة‬ ‫ّ‬ ‫وازنًا ف ي� المجتمعات‬
‫مرشحة للزيادة بنسبة ‪ 70%‬عام ‪،2025‬‬ ‫‪َّ ،50%‬‬
‫مفتاحا‬ ‫ً‬ ‫يعد العمل معهم‪ ،‬ومن خاللهم‪،‬‬ ‫بحيث ُّ‬
‫تعد بمثابة‬ ‫ال� ُّ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫المدنية‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫ئيسا لبناء ال�بية‬ ‫ر ً‬
‫المؤسسية ي� النظام‬ ‫ف‬ ‫ساسية ومقومات‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫القواعد ال ّ‬
‫اجتماعيا‬ ‫النسان‪ ،‬وتقوم عىل تكوين الفرد تكوي ًنا‬ ‫إ‬ ‫تشيع َمواطن‬ ‫ُ‬ ‫وال�‬‫ت‬ ‫السياس الديمقراطي‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫يؤهله للعيش كمواطن صالح‪،‬‬ ‫وحضاريًّا‪ ،‬بما ِّ‬ ‫المعرفة بالحقوق والممارسات الديمقراطية‪،‬‬
‫بمسؤوليته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الوطنية‪ ،‬يشعر‬
‫ّ‬ ‫بشخصيته‬
‫ّ‬ ‫متشبع‬
‫ّ‬ ‫مثل فهم الحقوق الدستورية والمساواة والعمل‬
‫ف‬
‫واع بال�اماته وحقوقه وواجباته‪ ،‬ويساهم ي� بناء‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫الجماعي‪ .‬ومن هنا بت�ز ثيمة التعليم؛ بوصفه‬
‫ٍ‬
‫مجتمعه‪.‬‬ ‫افدا‬‫أساس االستقرار والبناء الديمقراطي‪ ،‬ور ً‬
‫ويتشارك مفهوما “التنشئة السياسية” ت‬
‫و”ال�بية‬ ‫ّ‬ ‫سياسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مدنية‬ ‫واع متمكِّن‪ ،‬بنشأة ّ‬ ‫لجيل ٍ‬ ‫مغذِّ يًا ٍ‬
‫ف‬
‫وجب‬ ‫“الموا َط َنة الفاعلة” ّ‬ ‫معا ي� خلق ُ‬ ‫المدنية” ً‬
‫ّ‬ ‫ومعالجا‬
‫ً‬ ‫اطية‪،‬‬ ‫ومستوعبا للعملية الديمقر ّ‬ ‫ً‬
‫والقصاء؛ إذ ال تتحقق‬ ‫تحديات الهوية والدمج إ‬ ‫والقيمية‬ ‫ّ‬ ‫السيئة والمفاهيم الثقافية‬ ‫للممارسات ِّ‬
‫المدنية إال من خالل عملية التنشئة‬ ‫ال�بية‬ ‫ت‬ ‫الوطنية‪،‬‬ ‫ت‬
‫المدنية‪ ،‬أو ال�بية‬ ‫فال�بية‬ ‫السلبية‪ .‬ت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رسمية‬‫ّ‬ ‫والسياسية ضمن مؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعية‬
‫ّ‬ ‫الحساس‬ ‫منهجية تهدف إىل تنمية إ‬ ‫ّ‬ ‫تعليمية‬
‫ّ‬ ‫مادة‬
‫الشبابية‬ ‫موات للمشاركة‬ ‫ٍ‬ ‫مناخ‬ ‫وأهلية‪ ،‬وسط‬ ‫واح�ام القانون وحقوق‬ ‫ت‬ ‫بالمصلحة العامة‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪8‬‬

‫الهوة‪ ،‬طالما بقيت الممارسة‬ ‫ف‬


‫الجميع‪ ،‬ي� ردم ّ‬ ‫السياسية والحياة العامة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الواسعة ف ي� الحياة‬
‫بعيدة عن ال َّنفاذ إىل روح المواطنة الكاملة‪.‬‬ ‫لمانية والبلديّة‬ ‫ال� ّ‬ ‫االنتخابية ب‬ ‫ّ‬ ‫ومنها المشاركة‬
‫المدنية”‪ ،‬ذات الصلة‬ ‫ّ‬ ‫وتعكس “الثقافة‬ ‫المهنية واتحادات الطلبة‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫والنقابات‬
‫سعيا‬ ‫ف‬
‫“بالمواطنة الفاعلة”‪ ،‬نفسها عند الشباب‪،‬‬ ‫دور الشباب ي� المجتمع‪ً ،‬‬ ‫أجل تعظيم ْ‬
‫بشكل أو بآخر‪ ،‬ف ي� صور إدراك احتياجات الوطن‬ ‫لمساهمتهم الفاعلة ي� مختلف جوانبه‪.‬‬ ‫ف‬
‫مقدراته وممتلكاته العامة والخاصة‬ ‫والحفاظ عىل ّ‬ ‫الشبابية بمفهوم الدولة‬ ‫ّ‬ ‫وال تقترص التوعية‬
‫بالمسؤولية‬
‫ّ‬ ‫والحساس‬ ‫إ‬ ‫وصون إنجازاته‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫مسؤولية‬
‫ّ‬ ‫المدنية عىل الجانب الرسمي‪ ،‬بل هنالك‬ ‫ّ‬
‫ساسية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أخالقية عىل المجتمع ومؤسسات المجتمع المد�ن‬
‫االجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫ين‬
‫المحلي�‬ ‫ال�كاء‬ ‫ع� تكريس العمل مع ش‬
‫والقبال عىل المشاركة ي� الحياة العامة‪ ،‬وإعالء‬ ‫إ‬ ‫فيه‪ ،‬ب ْ‬
‫الوطنية الجامعة عىل حساب “الوالءات”‬ ‫الهويّة‬ ‫المد�‪ ،‬وص ّناع القرار‪،‬‬ ‫ن‬ ‫من مؤسسات المجتمع‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫وال�عات‬ ‫والطائفية‪ ،‬ن ّ ز‬ ‫القبلية‬ ‫ولية‪ ،‬العشائريّة‪/‬‬ ‫أ‬ ‫المحلية‪،‬‬ ‫التعليمية والقيادات‬ ‫والمؤسسات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخالفية‪.‬‬‫ّ‬ ‫يعية‪،‬‬ ‫ش‬
‫والت� ّ‬ ‫الحكومية‬
‫ّ‬ ‫والعالم‪ ،‬والمؤسسات‬ ‫إ‬
‫تع� الحرية فقط قدرة الشباب عىل ممارسة‬ ‫ن‬ ‫من أجل بناء فهم مش�ك “للموا َط َنة”‪ ،‬وفق ما‬ ‫ت‬
‫وال ي‬
‫السياس‪ ،‬وإنَّما‬ ‫ي‬ ‫اختياراتهم ف ي� مجاالت الشأن‬ ‫السياس المعارص من‬ ‫ي‬ ‫استقر مفهومها ف ي� الفكر‬ ‫ّ‬
‫التعب� عن‬ ‫ي‬ ‫أحقيتهم ف ي�‬
‫تمتد بال ورة إىل مدى ّ‬
‫ّ �ض‬ ‫والمدنية‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫القانونية‬
‫ّ‬ ‫متطلبات الحقوق‬
‫الرأي والمساواة ف ي� التعليم والعمل والصحة‬ ‫الفعالة والمساواة‬ ‫السياسية ّ‬ ‫ّ‬ ‫وضمانات المشاركة‬
‫وغ�ها من مقومات االجتماع ش‬ ‫والحساس باالنتماء والوالء‬ ‫ف‬
‫الب�ي‪،‬‬ ‫والسكن‪ ،‬ي‬ ‫والد ْور إ‬ ‫ي� القرار َّ‬
‫الشبابية‪ ،‬سواء‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية‬
‫ّ‬ ‫إذ ال تتحقق المشاركة‬ ‫للدولة‪ ،‬حيث ت َّتخذ مكانها الراسخ ف ي� إطار دولة‬
‫ف‬ ‫ف� االنتخاب ت‬ ‫مدنية‪ ،‬ي َّتسع مضمونها ورحابها‬ ‫اطية‬
‫وال� ُّشح أم االنخراط ي� الحياة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ديمقر ّ‬
‫تلمس الفرد لمواطنته‬ ‫السياسية والعامة‪ ،‬دون ُّ‬ ‫ّ‬ ‫توجهاتهم‬ ‫المواطن�‪ ،‬برصف ال َّنظر عن ُّ‬ ‫ين‬ ‫لكل‬
‫الحقيقية‪ ،‬أو إيجاد البيئة المواتية لمشاركته‬ ‫ّ‬ ‫ويتم فيها‪ ،‬بضمانة الدستور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومعتقداتهم‪،‬‬
‫الوطنية‪ ،‬حيث يف ي خالف هذا‪ ،‬بشكل أو‬ ‫�ض‬ ‫االجتماعية والوحدة‬ ‫تحقيق المساواة والعدالة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحس‬ ‫ّ‬ ‫بآخر‪ ،‬إىل بقاء “المواطنة” خارج نطاق‬ ‫الوطنية وضمان الحقوق والحريات العامة‬ ‫ّ‬
‫ضبابية‬
‫ّ‬ ‫والمجتمعي‪ ،‬مقابل‬
‫ّ‬ ‫والفعل الفردي‬ ‫والشفافية‬
‫ّ‬ ‫والحزبية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫والتعدديّة‬
‫السياسية‪ ،‬ال ّنابع من ِق َيم الوالء‬ ‫ّ‬ ‫مفهوم الثقافة‬ ‫الحرة‪،‬‬ ‫االنتخابية ّ‬
‫ّ‬ ‫الشعبية‬
‫ّ‬ ‫والرادة‬ ‫والمساءلة‪ ،‬إ‬
‫الوط� ‪.‬‬‫ن‬ ‫واالنتماء‪ ،‬عن الذهن‬ ‫وسيادة القانون‪ ،‬دون أن يساعد انطواء دستور‬
‫يّ‬
‫ب� الحقوق‬ ‫ولما كان تحقيق االنسجام التام ي ن‬ ‫ّ‬ ‫الدولة عىل مقتضيات ذات الصلة بالحقوق‬
‫والواجبات والمساواة وسيادة القانون إحدى‬ ‫واالجتماعية وبمبدأ المساواة ي ن‬
‫ب�‬ ‫ّ‬ ‫االقتصاديّة‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪9‬‬
‫أ‬ ‫تجسد‬ ‫ت‬
‫والتصدي‬‫ّ‬ ‫نسانية وتعزيزها‬ ‫وال ّ‬ ‫خالقية إ‬ ‫القيم ال ّ‬ ‫ال� ّ‬ ‫الركائز الالزمة “للمواطنة الفاعلة”‪ ،‬ي‬
‫السلبية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للممارسات‬ ‫سعيا وراء تحقيق الدولة‬ ‫المدنية‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫روح الثقافة‬
‫ف‬ ‫فإن ّثمة حاجة‬
‫ي َّتصل بذلك أهمية إعادة النظر ي� المناهج‬ ‫اطية المنشودة‪َّ ،‬‬ ‫المدنية الديمقر ّ‬ ‫ّ‬
‫والتعليمية لجهة تعميق روح المواطنة‪،‬‬ ‫ال�بويّة‬ ‫ت‬ ‫عالمية‬
‫وال ّ‬ ‫والتعليمية إ‬ ‫ّ‬ ‫الحكومية‬
‫ّ‬ ‫لتضافر الجهود‪،‬‬
‫ّ‬
‫والتفك� الناقد والعمل‬ ‫ي‬ ‫وتعزيز قيم العقل‬ ‫الدينية‪ ،‬من أجل تنمية الوعي‬ ‫ّ‬ ‫والمؤسسات‬
‫الشبابية وتنمية‬ ‫ال�ائح‬ ‫والجهد ونبذ العنف عند ش‬ ‫“بمواطنيتهم”‪ ،‬باعتبارها‬ ‫الوط� عند الشباب‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫الوطنية لديها‪ ،‬وإلزام الطلبة‬ ‫ّ‬ ‫الوعي والروح‬ ‫تفاعلية متكاملة يتم فيها إعالء المصلحة‬ ‫ّ‬ ‫منظومة‬
‫تطوعية واعتبار‬ ‫ّ‬ ‫مجتمعية‬
‫ّ‬ ‫بالمشاركة ف ي� أنشطة‬ ‫الوطنية العليا وقيم الوالء واالنتماء والعطاء‬ ‫ّ‬
‫للتخرج‪،‬‬ ‫أساسيا‬
‫ًّ‬ ‫مادة خدمة المجتمع متط ّل ًبا‬ ‫ب� الحقوق والواجبات‪،‬‬ ‫تزام ًنا مع عدالة الموازنة ي ن‬
‫ُّ‬
‫أسو ًة بتجارب محدودة ف ي� بعض الجامعات‬ ‫الوط�”‬ ‫ن‬ ‫“المن‬ ‫وبما يشكِّل محورا أساسيا ف� أ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ًّ ي‬ ‫ً‬
‫الالمنهجية‪ ،‬وتشجيع‬ ‫أ‬
‫الحكومية‪ ،‬وزيادة النشطة‬ ‫الذي ال يقترص مفهومه عىل الشق العسكري‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتحف�هم عىل االنضمام‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫الحوار يب� الطلبة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الحياتية‬ ‫يمتد ليشمل الجوانب‬ ‫اللوجس�‪ ،‬وإنَّما ّ‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫الطالبية‪ ،‬وتعزيز‬ ‫أ‬
‫إىل مجالس الطلبة والندية‬ ‫المختلفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال� تنبع‬ ‫ت‬ ‫إن هذا المر يتط َّلب تضافر الجهود المختلفة‬ ‫أ‬
‫مفهوم الثقافة السياسية لديهم‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬
‫من أسس الوالء واالنتماء والمشاركة ف ي� الحياة‬ ‫أ‬
‫كافّة‪ ،‬من خالل؛ التنشئة الرسيّة إليجاد المواطن‬
‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمتمسك‬ ‫ِّ‬ ‫تز‬
‫والمع� به‬ ‫الصالح المنتمي لوطنه‬
‫أهمية تفعيل َد ْور المؤسسات‬ ‫ويستقيم ذلك مع ّ‬ ‫تب�ابه وهويّته الحضاريّة‪ ،‬والمغ ِّلب للمصلحة‬
‫ف‬ ‫وال�‬ ‫ت‬
‫والمجتمعية‪ ،‬كل ي� نطاق‬ ‫ّ‬ ‫عالمية‬
‫وال ّ‬ ‫الدينية إ‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية العليا عىل المصالح‬ ‫ّ‬
‫عمله‪ ،‬من أجل تعزيز شعور االنتماء والوعي‬ ‫يتم بلورتها ي� إطار المدرسة‪ ،‬وإنضاجها‬ ‫ف‬
‫المد�‪،‬‬
‫ي‬
‫الوط�‪ ،‬وتعزيز عمل مؤسسات المجتمع ن‬
‫يّ‬
‫ن‬ ‫الجامعية‪ ،‬مع تعميق شعور‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� المقاعد‬
‫وال� من‬ ‫ت‬ ‫الوط� لدى الشباب‪ ،‬عن طريق الثقة‬ ‫ن‬ ‫االنتماء‬
‫وغ�ها‪ ،‬ي‬ ‫والعمالية ي‬ ‫ّ‬ ‫والنقابية‬
‫ّ‬ ‫الحزبية‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫للمواطن� �ف‬ ‫ين‬ ‫تتجسد المشاركة الفاعلة‬ ‫خاللها‬ ‫ب� المواطن‬ ‫المتبادلة والمنفعة المتحقِّقة ي ن‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫الحياة العامة‪.‬‬ ‫الشاب ومؤسسات الدولة المختلفة‪ ،‬وتفعيل‬
‫يعزز “الحصانة”‬ ‫ف‬ ‫والتعليمية من أجل‬ ‫ال�بويّة‬‫دور المؤسسات ت‬
‫فإن ذلك كله ِّ‬ ‫المحصلة؛ َّ‬ ‫ّ‬ ‫و�‬‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫خارجية تستهدف إحداث‬ ‫ّ‬ ‫مساع‬
‫ٍ‬ ‫المضا ّدة أل ّي‬ ‫وتحف� االهتمام‬ ‫يز‬ ‫الشبا�‪،‬‬
‫بيّ‬ ‫رفع مستوى الوعي‬
‫وبث ت ن‬
‫الف�‬ ‫ب� المواطن الشاب ووطنه‪ّ ،‬‬ ‫فجوة ي ن‬ ‫بالثقافة العامة‪ ،‬وتنمية روح العمل الجماعي‪،‬‬
‫الداخلية وإذكاء ال َّنعرات‪ ،‬من أجل خدمة‬ ‫ّ‬ ‫وا ِّطالع الطلبة عىل واقع مجتمعهم والتفاعل مع‬
‫أجنداتها الخاصة‬ ‫قطاعاته والمساهمة ف ي� خدمته‪ ،‬تزام ًنا مع إعالء‬
‫‪10‬‬

‫ملف العدد‪:‬‬
‫الشعر والسينما‪:‬‬
‫ّ‬
‫العربي المعاصر‬ ‫ّ‬
‫السينمائي في الشعر‬ ‫المشهد‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪11‬‬

‫مقدمة الملف‪:‬‬
‫ات َّ‬
‫النص‬ ‫صاد ّي ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫اق ِت‬

‫يتغيا القبض عىل‬ ‫واشتباكاته مع مختلف الفنون‪ّ -‬‬ ‫أسلوبية منتجه‬ ‫ّ‬ ‫الشعري‪ ،‬بحكم‬ ‫ّ‬ ‫يَ ْ‬
‫ط َم ُح النص‬
‫ف‬
‫النسانية الخالدة ي� مشهديات‬ ‫للفالت من ش�ط راهنية ن‬
‫ذروة الرصاعات إ‬ ‫الزم�‪ ،‬وال ّتف ُّلت‬
‫ي فّ‬ ‫ّ‬ ‫ورؤاه‪ ،‬إ‬
‫ولوحات قادرة عىل االرتحال‪ ،‬من خالل االقتصاد‬ ‫زمكانية‬ ‫المكا�‪ ،‬لالنرساب ي�‬ ‫ن‬ ‫من قيد التموضع‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ف ي� اللغة والصورة والموسيقى‪ ،‬وعمدته المواءمة‬ ‫تؤهله لعبور جرس الديمومة‪ ،‬ليس‪ ،‬فقط‪ ،‬من‬
‫ب� الرؤية أ‬
‫طا‪ ،‬ي ز ً‬
‫ترم�ا أو‬ ‫والسلوب‪ :‬تكثيفًا أو تمطي ً‬ ‫ين‬ ‫نسا� ومحموالته ف ي�‬ ‫خالل التماهي مع الجوهر إ ن‬
‫ال ي‬
‫إبهاما‪.‬‬
‫غموضا أو ً‬
‫ً‬ ‫وضوحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫إشكاالته ورصاعاته المتشاكلة والمتشابكة‪ ،‬وإنَّما‬
‫المستقرة‪،‬‬ ‫الب� اللغوية‬ ‫ف� قدرته عىل خلخلة ن‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫عري ِة والمشهدِ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬ ‫ورة‬
‫الص ِ‬
‫الق َّية ّ‬
‫َع ِ‬ ‫وتوسيع حقول االستضافة ومنافذ الرؤى‪،‬‬
‫ينمائي‬
‫ّ‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫باقتناص تقنيات الفنون المختلفة‪ ،‬لينفتح النص‬
‫عنرصا‬
‫ً‬ ‫ليست المشهديات ف ي� النص الشعري‬ ‫ف ي� تشكيله عىل تقنيات النص الرسدي‪ ،‬وعوالم‬
‫جذورا‬ ‫إن لها‬ ‫جديدا؛ بل ّ‬ ‫طارئًا‪ ،‬أو مستضافًا‪ ،‬أو‬ ‫وصول للمشهديّة‬ ‫ً‬ ‫الف� والموسيقي؛‬ ‫ن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫التشكيل ي‬
‫أن مماثالتها‬ ‫ممتدا‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫ًّ‬ ‫وحضورا‬
‫ً‬ ‫راسخة‪،‬‬ ‫السينمائية وتقنياتها‪ ،‬وبهذا‪ ،‬يكون النص الشعري‬ ‫ّ‬
‫العربية ي� مختلف‬‫ف‬ ‫حا�ة ي� القصيدة‬‫ف‬ ‫النصية ض‬ ‫تنوعه وغناه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نسا� ي� ُّ‬ ‫ال ي‬ ‫جما ًعا لجوهر الفن إ‬ ‫ّ‬
‫الصورة‬ ‫ف‬
‫أسلوبية ّ‬
‫ّ‬ ‫العصور‪ ،‬إذ تشكّلت نداءاتها ي�‬ ‫استيهاميا‬
‫ًّ‬ ‫غنائيا‬
‫لم ُيعد النص الشعري فضا ًء ًّ‬
‫مثل‪،‬‬ ‫أدل عىل ذلك‪ً ،‬‬ ‫السدية‪ ،‬وليس ّ‬ ‫الشعرية ّ‬
‫ّ‬ ‫مجانيا‪ ،‬فذاك فضاء أزف‪ ،‬وسقط ف ي� فخ التشابه‬ ‫ًّ‬
‫الصيد‬ ‫ظعائن المرتحلة‪ ،‬ولوحات ّ‬ ‫من لوحات ال ّ‬ ‫ثقيل عىل‬ ‫والنمطية‪ ،‬وبات عب ًئا ً‬ ‫ّ‬ ‫والتماثل والتكرار‬
‫أ‬
‫ت� كرستا وحدة البيت العزل‬ ‫اعية‪ ،‬ال ّل ي ن‬ ‫ف‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذائقة الجمالية والفنية؛ بل إنه ي‪ �-‬تقاطعاته‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪12‬‬

‫كام�ا المجلة النقدية هذه‬ ‫لذلك؛ التقطت ي‬ ‫لمصلحة وحدة الموضوع ف ي� تشابكات العالقة‬
‫ف‬
‫لت�زها هيئة التحرير ي� ملف بعنوان‬ ‫الثيمة‪ ،‬ب‬ ‫العضويّة ف ي� ال ّنص‪ ،‬ومن ذلك‪ ،‬قول امرئ القيس‪:‬‬
‫ف‬
‫ينما� ي� الشّ عر‬ ‫ئ‬
‫الس ي ّ‬ ‫“الشّ عر والسينما‪ :‬المشهد ّ‬
‫ـاجــ ُه‬ ‫َفــعــن َلــنَـا ِســرب ك َ ِ‬
‫ين‬
‫الباحث�‬ ‫العر� المعارص”‪ ،‬استقطب أبرز‬ ‫َــأ َّن نــ َع َ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫َ َّ‬
‫بيّ‬ ‫ٍ‬
‫ـــالء ُمـــذ َيــل‬ ‫ـــذ َارى َد َو ٍار فِـــي ُم‬ ‫َع َ‬
‫لعرض مفرداته‪ ،‬وتفكيك محاوره‪ ،‬وقنص‬
‫ـل َب ْينَ ُه‬ ‫ـص ِ‬ ‫الـمـ َف َّ‬ ‫ُ‬ ‫َــالـجـزْ ِع‬‫ِ‬ ‫ــر َن ك‬ ‫ــأ ْد َب ْ‬‫َف َ‬
‫لقطاته‪ ،‬ورصد سيناريوهاته‪ ،‬وإعادة مونتاجها‪،‬‬
‫بما يخدم القارئ والناظر والناقد ف� مواءمة ي ن‬
‫ب�‬ ‫م ِو ِل‬ ‫ـر ِة ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ـم فــي الـ َعـشـ ْي َ‬
‫ِ‬ ‫بِ ِ ٍ‬
‫ـجــ ْيـد ُمــ َع ٍّ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ــأ ْلــحــ َقــنَـا بِــالـه ِ‬
‫يخت�ون فيهما تجربة حواسهم‬ ‫فن� خالدين‪ ،‬ب‬ ‫ين‬ ‫ـــات و ُد ْونَـــ ُه‬ ‫ـاد َي‬ ‫َ‬ ‫َف َ َ‬
‫ـم تُــزَ َّي ِ‬ ‫احـرهــا فِــي ص ٍ‬ ‫ِ‬
‫وتفاعالتها‪.‬‬ ‫ــل‬ ‫ـرة َل ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ــو ُ َ‬ ‫َج َ‬
‫تزعم‬
‫اءات‪ ،‬عىل جديّ ِتها ورصانتها‪ ،‬ال ُ‬ ‫إنّها قر ٌ‬ ‫ــج ٍة‬
‫ــو ٍر ونَــ ْع َ‬ ‫ــن َث ْ‬
‫ِ‬
‫َفــ َعـا َدى عــدَ ًاء َبــ ْي َ‬
‫ـاء َف ُيغ َْس ِل‬ ‫ْــضـح بِــم ٍ‬ ‫ِ‬
‫الحاطةَ بكاف ِّة الزوايا ووجهات النظر والنماذج‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ـم َيــن َ ْ‬ ‫د َراكـًا‪َ ،‬و َل ْ‬
‫ي من ِ‬ ‫ِ‬
‫وجهات متقاربة‬ ‫ِ‬ ‫والتطبيقات‪ْ ،‬بل تقاربُ ُه ْ‬
‫من‬ ‫ْـضجٍ‬ ‫ـح ِم من َب ْ ِ ُ‬ ‫ــهـا ُة الـ َّل ْ‬ ‫ـل ُط َ‬ ‫َو َظ َّ‬
‫ف ي� أدواتها‪ ،‬متباينة ف ي� نماذجها الشعرية؛ ُ‬
‫حيث‬ ‫ـج ِل‬ ‫ـر ُمــ َع َّ‬ ‫ــد ْي ٍ‬ ‫اء َأو َق ِ‬
‫ْ‬
‫ـيـف ِشـو ٍ‬
‫َ‬ ‫ـف َ‬ ‫ص ِ‬
‫َ‬
‫تقد ُم الباحثة أميمة الرواشدة مقاربةً مكثفة‬ ‫ّ‬ ‫ف يـنفض رأســه‬ ‫ـر ُ‬‫ط ْ‬ ‫راح الـ َّ‬ ‫ور ْحــنَــا َو َ‬ ‫ُ‬
‫السينما� وأبرز تقنياته‬ ‫ئ‬ ‫لمفهوم المشهد‬ ‫ووافية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َـسـ َّف ِل‬ ‫ـن فــ ْيـه ت َ‬ ‫َــر َّق الــ َعــ ْي ُ‬ ‫َمــتَــى ت َ‬
‫من خالل نماذج شعرية دا ّلة‪ .‬ويكشف الباحث‬
‫ين‬
‫الخطاب�‪:‬‬ ‫محمد آيت ميهوب النقاب عن‬ ‫لكن المشهديّات مناط المقاربة‪ ،‬تختلف اختالفًا‬ ‫َّ‬
‫المعرفية‪،‬‬ ‫وخلفياتهما‬ ‫السينما� والشعري‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫ّبي ًنا ي� وجهاتها‪ ،‬ومفاهيمها‪ ،‬ورؤاها‪ ،‬وتقنياتها؛‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫وتداخالتهما‪ .‬ويرصد الباحث وائل سليمان‬ ‫أن المشهديّات ف ي� الشعر المعارص‬ ‫ذلك َّ‬
‫السينما� للصورة الشعريّة من‬ ‫ئ‬ ‫عيىس التكوين‬ ‫استضافت الفن السابع (السينما)‪ ،‬واستعارت‬
‫ي‬
‫خالل عرض مفهوم ال ّلقطة وفق نماذج دا ّلة‪،‬‬ ‫وفنية‬
‫معرفية ّ‬
‫ّ‬ ‫تبادلية‬
‫ّ‬ ‫طرائقه وأدواته وبنياته‪ ،‬ف ي�‬
‫والضاءة‪ّ .‬أما‬
‫كذلك عالقة المشهديّات بالديكور إ‬ ‫اكتنازيّة‪ ،‬فكما استوطن الشعر السينما‪ ،‬ف ي� رؤاه‬
‫الشاعر محمد طه العثمان‪ ،‬يف�كِّز –بتكثيف‪-‬‬ ‫وصناعة مشاهده‪ ،‬تلقَّف الشعر السينما‪ ،‬وأعاد‬
‫السينما� ل ّلقطة الشعرية‪ ،‬ويناقش‬ ‫ئ‬ ‫عىل ن‬
‫المب�‬ ‫سيميا�‪ ،‬تشكّل السينما فيه‬‫ئ‬ ‫أسلوبياته وفق ن‬
‫مب�‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫السينما� شعريًّا‬ ‫ئ‬ ‫التداخل الموسيقي‬ ‫مساره‪ ،‬ومن أبرز الشعراء العرب الذين أفادوا‬
‫ي‬
‫من تقنيات السينما‪ :‬محمود درويش‪ ،‬وأدونيس‪،‬‬
‫د‪ .‬خلدون امنيعم‬ ‫والسياب‪ ،‬وأمل دنقل‪ ،‬وأحمد حجازي‪ ،‬وسعدي‬
‫عضو هيئة التحرير‬ ‫يوسف‪ ،‬وآخرون ثك�‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪13‬‬

‫المشهد السينمائي‬
‫في الشعر العربي المعاصر‬
‫د‪ .‬أميمة الرواشدة‪ /‬األردن‬

‫ت‬ ‫العربية‬ ‫ال� حرصت القصيدة‬ ‫ت‬


‫تكون ما عرف من المفاهيم‬ ‫ال� ّ‬ ‫جديدة‪ ،‬هي ي‬ ‫ّ‬ ‫ِم َن الفنون ي‬
‫وقواعد السينما السائدة آ‬ ‫والفادة‬
‫الن‪ ،‬وإن كانت ليست‬ ‫مد جسور التواصل معها‪ ،‬إ‬ ‫المعارصة عىل ِّ‬
‫هي نهاية المطاف بالنسبة للغة السينما”(‪.)1‬‬ ‫من تقنياتها المختلفة‪ ،‬لتطوير أبنيتها وتغذيتها‬
‫بوسائل فنية جديدة تجعلها قادرة عىل بلورة ما‬
‫المشهد السينمائي‪ /‬المفهوم والحدود‬ ‫يستجد عليها من دالالت ورؤى معارصة (الفن‬
‫ئ‬
‫السينما� يفرض علينا‬ ‫ماهية المشهد‬
‫ي‬ ‫إن بيان ّ‬ ‫َّ‬ ‫واستمد‬
‫َّ‬ ‫السابع)‪ ،‬الذي تعالق بدوره مع الشعر‪،‬‬
‫أول‪ :‬الحديث عنه بوصفه‬ ‫ز ين‬
‫اويت� من التناول؛ ً‬ ‫التعب�ية كالكناية واالستعارة‪،‬‬
‫ي‬ ‫منه بعض تقنياته‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫عنرصا من عنارص الفيلم‪ً .‬‬
‫ً‬ ‫جز ًءا من كل‪ ،‬أي‬ ‫والسيما ف ي� مرحلة التأسيس‪ ،‬فكان أن نشأت‬
‫الداخل من خالل‬
‫ي‬ ‫التعرف عىل بنائه‬
‫ُّ‬ ‫محاولة‬ ‫بينهما عالقة متبادلة قائمة عىل أساس التأثر‬
‫وكيفية تكوينه‪ ،‬وأبرز‬ ‫الكشف عن أهم عنارصه‪،‬‬ ‫والخذ والعطاء‪ ،‬إذ “حاولت السينما‬ ‫والتأث�‪ ،‬أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫أنواعه‪.‬‬ ‫وما تزال استيعاب كافة مواصفات الشعر‪،‬‬
‫وقدراته الخالقة‪ ،‬الستخدامها ضمن بحثها عن‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬المشهد عنرص فيلمي‬ ‫تعب�ها الخاصة‪ ،‬كفن جديد‬ ‫مواصفاتها ووسائل ي‬
‫الجز� من‬‫ئ‬ ‫حدد المشهد عىل أنه “التقسيم‬
‫يُ َّ‬ ‫ال� استوعبتها السينما‪،‬‬‫ت‬
‫ي‬ ‫مثله مثل يغ�ه من الفنون ي‬
‫ي‬
‫ئ‬
‫السينما�”(‪ ،)2‬أو “جزء‬ ‫الكلية للفيلم‬
‫المساحة ّ‬ ‫واستخدمت مواصفاتها ف ي� موزاييك خاص يجمع‬
‫ف‬
‫رئيس من الفيلم‪ ،‬يقابل الفصل ي� الكتاب”(‪،)3‬‬ ‫ما بينها ويضيف إليها لغة الصورة أبعا ًدا ودالالت‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪14‬‬

‫الفيلمية‪،‬‬ ‫القصة‬ ‫ف‬


‫ّ‬ ‫تطور ي� ّ‬ ‫حتما ّ‬ ‫إىل آخر‪ -‬يتبعه ً‬
‫فـ”تغي�ات المشهد �وريّة ي� تطور ال ّنص” ‪،‬‬
‫(‪)6‬‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫و”غاية المشهد هو (دفع القصة إىل المام)” ‪،‬‬
‫(‪)7‬‬

‫عنرصا‬ ‫القل‬ ‫وكل مشهد ال بد أن “يكشف ف� أ‬ ‫ّ‬


‫ً‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫القصة ال ّ وريّة للقارئ‬ ‫�ض‬
‫واحدا من معلومات ّ‬ ‫ً‬
‫أو المشاهد” ‪ ،‬أو يحتوي حدثًا‪ ،‬فكما هو‬ ‫(‪)8‬‬

‫السينما� هو قصة تُروى‬ ‫ئ‬ ‫“أن الفيلم‬ ‫معروف ّ‬


‫ي‬
‫معينة وأحداث أخرى ال تُروى‪،‬‬ ‫من خالل أحداث ّ‬
‫ب�‬ ‫تتضمنها المشاهد‪ ،‬والخرى تحدث ي ن‬ ‫أ‬ ‫فالوىل‬ ‫أ‬
‫ّ‬
‫المشاهد”(‪.)9‬‬
‫سمعيا‪ ،‬أي‬ ‫الحداث هنا تتم برصيًّا ال‬ ‫ورواية أ‬
‫ًّ‬
‫طا مر ًئيا ينقل عىل نحو‬ ‫الصورة بوصفها “وس ً‬ ‫بع� ّ‬
‫ويتس�ن‬ ‫قصة ما” ‪.‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫امي الحداث الرئيسة ي� ّ‬ ‫در ّ‬
‫(‪)10‬‬
‫ّ‬
‫الصورة‬ ‫“تحرك ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫لها ذلك بواسطة الحركة‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫ميخائيل روم‬
‫يع� انتقال الموضوع المعروض من حالة (أ)‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫خاصي ي ن‬ ‫ع� عنها‬ ‫ن‬
‫ت�‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫إىل حالة (ب)‪ .‬وهذا االنتقال يحقق‬ ‫صغ�ة كما ب ّ‬ ‫سينمائية ي‬
‫ّ‬ ‫وبمع� أدق‪ :‬دراما‬
‫والتحول‪ :‬حيث‬ ‫ُّ‬ ‫زمنية؛‬ ‫مدة ّ‬ ‫الزمنية‪ ،‬أي أنّه يأخذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫“ميخائيل روم”‪ ،‬من خاللها يتم الوصول إىل‬
‫ال�ء المعروض تشكّالت جديدة تنمو‬ ‫ش‬ ‫الكب�ة “السيناريو أو الفيلم”(‪.)4‬‬ ‫الدراما ي‬
‫يأخذ ي‬
‫وتتطور أثناء عملية االنتقال”(‪.)11‬‬ ‫ّ‬ ‫العملية‬
‫ّ‬ ‫اخ� ًال لمجمل‬ ‫ويجد “سيد فيلد” فيه ت ز‬
‫ال� تجعل الفيلم‬ ‫ت‬ ‫السينمائية‪ ،‬فـ”هو العنرص الوحيد من عنارص‬
‫وخاصية الحركة هذه هي ي‬ ‫ّ‬
‫أ‬
‫ّ‬
‫يّ ز‬ ‫�ء‬ ‫ش‬ ‫ف‬ ‫ث‬
‫والصورة‬ ‫التشكيلية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫“يتم� بذلك عن اللوحة‬ ‫أهمية ي� المشهد يحدث ي‬ ‫ّ‬ ‫ال ّنص الك�‬
‫الحساس بالحركة‬ ‫اللت� ال تعطيان إ‬ ‫افية ي ن‬ ‫الفوتوغر ّ‬ ‫المحددة للفعل‪ ،‬إنّه المكان‬ ‫ّ‬ ‫(محدد)‪ .‬إنّه الوحدة‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫الجيدة تصنع‬
‫لما� “هانز‬ ‫والزمنية” ‪ .‬يقول الكاتب ال ي‬
‫(‪)12‬‬
‫ّ‬ ‫والتحول‬
‫ّ‬ ‫القصة‪ ،‬المشاهد ّ‬ ‫الذي تروى فيه ّ‬
‫الساس �ف‬ ‫ماجنوس”‪“ :‬إن العنرص اللغوي أ‬ ‫جيدا‪ ،‬فإنّك‬
‫ي ي‬ ‫َّ‬ ‫فيلما ّ‬ ‫جيدة‪ ،‬عندما تتأمل ً‬ ‫أفالما ّ‬ ‫ً‬
‫ال� هي ي� لغة الفيلم‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تتذكر (المشاهد)‪ ،‬وليس الفيلم ك ّله” ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫المشاهد‪ ،‬ي‬ ‫الفيلم هو َ‬
‫ينما� كونه يشكّل‬ ‫ئ‬
‫عبـر عنـه‬ ‫جمل مركّبة من الصور” ‪ ،‬وهـذا مـا ّ‬ ‫الس ي‬ ‫أهمية المشهد ّ‬ ‫وتكمن‬
‫(‪)13‬‬
‫ّ‬
‫“إن الفيلـم ينمـو فـي‬ ‫“جان لوك غودار” بقولـه‪ّ :‬‬ ‫الدرامي ف ي� الفيلم؛ أل ّن‬ ‫المحرك المؤ ّدي لل ّنمو ّ‬ ‫ّ‬
‫تغي� ي� المشهد ‪-‬أي االنتقال من مشهد‬ ‫ف‬
‫لغـة مر ّئيـة‪ ،‬ويجـب أن نتعلـم قـراءة الصور” ‪.‬‬
‫(‪)14‬‬
‫أي ي‬ ‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪15‬‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ئ‬
‫ينما�‬
‫تغ�‬‫السبب ي� ذلك ي� الواقع إىل ي ُّ‬ ‫آخر‪ .‬ويرجع ّ‬ ‫الس ي‬ ‫ثان ًيا‪ :‬بناء المشهد ّ‬
‫المكان”(‪.)18‬‬ ‫“يوج� فال” المشهد “بأنّه قطاع من‬ ‫ين‬ ‫عرف‬ ‫ّ‬
‫وكذلك الحال إذا وقع المشهد ف ي� المستشفى‬ ‫أ‬
‫القصة ك ّلها تحدث من خالله بعض الحداث‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وتم االنتقال من غرفة العمليات إىل قاعة انتظار‬ ‫و� وقت‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫والن يحدث ّكل حدث � مكان ي ّ ن‬ ‫آ‬
‫ّ‬ ‫مع� ي‬ ‫ي‬
‫طبيب‬ ‫الخاصة بال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزوار‪ ،‬ومن ّثم إىل الغرفة‬ ‫ّ‬ ‫ويقدم “جان بول توروك” تعريفًا‬ ‫ّ‬ ‫يّ ن‬
‫مع�”(‪،)15‬‬
‫فنحن نكون أمام ثالثة مشاهد مستقلة‪ ،‬ويؤدي‬ ‫يعرف المشهد‬ ‫مشاب ًها لما أورده (فال)‪ ،‬فهو ّ‬
‫يتم� به الفيلم إىل‬ ‫ارتفاع عدد المشاهد الذي ي ّ ز‬ ‫فعل‬ ‫امية المستقلة‪ ،‬ويتضمن ً‬ ‫بـ”أنّه الوحدة الدر ّ‬
‫“أن الفيلم يحتوي عىل‬ ‫تنوع أ‬ ‫ف‬
‫مستمرا له تاريخ دقيق‪ ،‬ويجري ي� ديكور واحد‪،‬‬
‫الفيلمية‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫المكنة‬ ‫ً‬
‫مشهدا َّتمت ّإما ف ي� أماكن مختلفة أو تعود‬ ‫ً‬ ‫ين‬
‫ثالث�‬ ‫الشخصيات نفسها دون حذف أو قفز فوق‬ ‫وب� ّ‬ ‫ين‬
‫الماكن‪ .‬فتمثل ال ّث ي ن‬ ‫إىل نفس أ‬ ‫و� هذه‬ ‫ً ف‬
‫رقما‬
‫مشهدا ً‬ ‫ً‬ ‫الث�‬ ‫مستقل‪ ،‬ي‬ ‫الزمن‪ ،‬ويمكن للمنظر أن يكون‬
‫معتا ًدا يمكن تقليله أو زيادته”(‪.)19‬‬ ‫الحالة ليس له بال�ض ّ ورة أن ينضوي إىل قطعة‬
‫مع�‪:‬‬ ‫(ج) ال ّزمان‪ :‬يحدث المشهد عاد ًة ف� زمن ي ّ ن‬ ‫معينة”(‪.)16‬‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫ليل‪ ،‬شتا ًء أو صيفًا‪.‬‬ ‫ضحى أو ً‬ ‫صباحا أو مسا ًء‪،‬‬ ‫إذن‪ ،‬هنالك ثالثة عنارص مهمة يجب توافرها �ف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫سينمائيا عىل االنتقال من‬ ‫يدل‬ ‫الزمن ّ‬ ‫ف‬ ‫ّكل مشهد‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ً‬ ‫غي� ي� ّ‬ ‫وال ّت ي‬
‫مشهدا من غرفة‬ ‫ً‬ ‫مشهد إىل آخر‪ ،‬فـ”عندما ننهي‬ ‫امية)‪ :‬وهو يم ّثل ّكل “ما‬ ‫الدر ّ‬ ‫(أ‌) الحدث (البنية ّ‬
‫ليل وتعرض اللقطة ال ّتالية لنفس غرفة‬ ‫ال ّنوم ً‬ ‫الكام�ا (آلة ال ّتصوير)‪ ،‬ويتم تسجيله‬ ‫يجري أمام ي‬
‫مشهدا‬ ‫نعت� هذا‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ً‬ ‫أن ب‬ ‫الصباح فيجب ّ‬ ‫ال ّنوم ي� ّ‬ ‫الشاشة ي� أثناء‬ ‫الصورة‪ ،‬ويظهر عىل ّ‬ ‫عىل فيلم ّ‬
‫والسبب هو‬ ‫يتغ�‪ّ .‬‬ ‫أن المكان لم ي َّ‬ ‫جديدا رغم َّ‬ ‫ً‬ ‫العرض من حركات وأحداث ومناظر” ‪.‬‬
‫(‪)17‬‬

‫مرور الوقت” ‪.‬‬


‫(‪)20‬‬
‫(ب‌) المكان‪ :‬يظهر ّكل مشهد ف ي� الفيلم ي� موقع‬
‫ف‬
‫الزمن‬ ‫س� ّ‬ ‫الزمان يجعل ي‬ ‫بحد ّ‬ ‫وتقييد المشهد ّ‬ ‫محدد‪ ،‬فقد يكون ف ي� مستشفى أو قطار أو مقهى‬ ‫ّ‬
‫ال� تمنح‬ ‫ت‬
‫الفيلمي مرهونًا بحركة المشاهد‪ ،‬ي‬ ‫أو رسداب مظلم أو سفينة أو عىل شاطئ البحر‬
‫منية‪ ،‬فبواسطة‬ ‫ئ‬ ‫ف‬
‫الز ّ‬ ‫خصوصيته ّ‬ ‫ّ‬ ‫ينما�‬
‫الس ي‬ ‫الفن ّ‬ ‫ّ‬ ‫مق�ة‪ ...‬إلخ‪ .‬واالنتقال من‬ ‫أو ي� شارع مزدحم أو ب‬
‫هذه الحركة يستطيع الفيلم أن “ينتقل بسهولة‬ ‫يع� بداية مشهد‬ ‫ن‬
‫هذا الموقع إىل موقع آخر ي‬
‫والما� بل والمستقبل‪ ،‬ويسمح‬ ‫ض‬ ‫الحا�‬ ‫ض‬ ‫ب�‬‫ين‬ ‫ينما� “ال يتحدد بما‬ ‫ئ‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫الس ي‬ ‫جديد‪ ،‬ل ّن المشهد ّ‬
‫مرات‪ ،‬ويمكن فيه‬ ‫بتجاوز ت‬ ‫يحتويه من حدث وال بدخول وخروج المم ّث ي ن‬
‫عدة ّ‬ ‫منية ّ‬ ‫الز ّ‬ ‫الف�ات ّ‬ ‫ل�‬
‫فضل عن عرض أحداث‬ ‫الزمن وتوسيعه‪ً ،‬‬ ‫ضغط ّ‬ ‫بتغي� المكان أو مرور الوقت‪ .‬فإذا ما‬ ‫ي‬ ‫ولكن‬
‫تدور ف ي� زمن واحد ي� أك� من مكان واحد” ‪.‬‬
‫(‪)21‬‬ ‫ث‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫قطعنا من مأدبة إىل رجل نائم ي� البيت فيجب‬
‫تقدم “يصبح ّكل من المكان‬ ‫وبنا ًء عىل ما ّ‬ ‫مشهدا‬‫ً‬ ‫أن نفكّر ف ي� هذه اللقطة المفردة باعتبارها‬ ‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪16‬‬

‫الف�‬‫ن‬ ‫بقوله‪“ :‬خلق جغرافية بطريقة ت ّ‬


‫ال�كيب ّ ي‬
‫والزمان أو‬‫ب� اللقطات‪ ،‬وقد يطول المكان ّ‬ ‫ين‬
‫يقرص ف ي� الفيلم عنه ف ي� الحقيقة والواقع‪ ،‬حسب‬
‫الف�‪ ،‬أو‬ ‫ي ن‬ ‫مقتضيات ال ّلغة‬
‫التعب� ّ ي‬ ‫السينمائية‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫الدرامي” ‪.‬‬
‫(‪)23‬‬
‫الموقف ّ‬

‫المشهدية في القصيدة‬
‫ّ‬ ‫الصورة‬
‫أنماط ّ‬
‫العربية المعاصرة‬
‫ّ‬
‫للصورة المشهديّة ف ي� القصيدة‬
‫ّثمة أنماط مهيمنة ّ‬
‫نمط منها مع نوع‬ ‫العربية المعارصة‪ ،‬يتقاطع كل ٍ‬
‫ّ‬
‫التال‪:‬‬ ‫ئ‬
‫ينما� عىل النحو ي‬ ‫الس ي‬‫من أنواع المشهد ّ‬

‫أول‪ :‬الصورة المشهديّة الوصف ّية‪ ،‬يقابلها‬ ‫ً‬


‫سينمائ ًّيا مشهد ال ّتجميع‬ ‫سعدي يوسف‬
‫سمعيا‬ ‫مشهدا برصيًّا‪/‬‬ ‫تقدم‬
‫ال� ّ‬ ‫ت‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫الصورة ي‬ ‫هي ّ‬
‫أ‬
‫السينمائية‬
‫ّ‬ ‫الصورة‬
‫تستع� بمعطيات ّ‬ ‫ين‬ ‫بلغة مر ّئية‪،‬‬ ‫همية‬ ‫والزمان عنرصين عىل درجة بالغة من ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ئ (‪)22‬‬
‫وظل ولون‬ ‫من ديكور وإكسسوار وإضاءة وعتمة ّ‬ ‫يتم‬ ‫ينما�” ‪ ،‬فمن خاللهما ّ‬ ‫الس ي‬ ‫بال ّنسبة للفيلم ّ‬
‫صوتية‪،‬‬ ‫يق�ن بها من عنارص‬ ‫وحركة وكادر‪ ،‬وما ت‬ ‫كث� من‬ ‫وتتجل ي‬ ‫ّ‬ ‫غي�‪،‬‬‫الحساس بال ّتحول وال ّت ي‬ ‫إ‬
‫ّ‬
‫الكام�ا الشعريّة ف ي� الفضاء‬ ‫ويتم ذلك بع� تجوال ي‬ ‫ّ‬ ‫السينما‪ ،‬فهما يختلفان‬ ‫بفن ّ‬ ‫الخاصة ّ‬ ‫ّ‬ ‫السمات‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫عما هو واقع ي� الحقيقة‬ ‫ف‬
‫الموصوف‪ ،‬وتصويره من زوايا مختلفة‪ ،‬متتبعةً‬ ‫كب�ا ّ‬
‫“� الفيلم اختالفًا ي ً‬ ‫ي‬
‫لللمام بجميع‬ ‫أجزاءه مستقصيةً ّكل محتوياته إ‬ ‫السيع أو البطيء‬ ‫والحياة‪ .‬وذلك نتيجة لل ّتوليف ّ‬
‫الماكن المتباعدة‪،‬‬ ‫ب� أ‬ ‫ب� اللقطات‪ ،‬والربط ي ن‬ ‫ين‬
‫عنارص المشهد‪ ،‬حيث يعتمد الشاعر رؤيةً‬ ‫ّ‬
‫تتابعي للعالم الذي‬ ‫ٍ‬ ‫مسح‬
‫ٍ‬ ‫مسحية “تقوم عىل‬ ‫ّ‬ ‫إن حادثة‬ ‫اليقاع الذي يبتدعه المخرج‪ّ .‬‬ ‫وتوقيت إ‬
‫أ‬
‫الر يا�‪ ،‬وي�تب عىل ذلك تجاوب الشياء‬ ‫ت‬ ‫ئ‬
‫يواجهه ّ‬ ‫سيارة تصطدم بعابر سبيل تقع عاد ًة ف ي� لحظة‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ئ‬ ‫تع�‬ ‫ت‬
‫�ء‪ ،‬ومن‬ ‫�ء إىل ي‬ ‫الموصوفة‪ ،‬والر يا� ينتقل من ي‬ ‫وال� ب ِّ‬
‫فصيلية ي‬ ‫ّ‬ ‫ولكن اللقطات ال ّت‬ ‫زمنية عاجلة؛ ّ‬‫ّ‬
‫زج كل ما يقع ف ي� مدى‬ ‫يمتد‬ ‫ف‬
‫ً‬
‫محاول ّ‬ ‫شخصية إىل أخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سينمائيا عن هذه الحادثة‪ ،‬قد تقع ي� زمن ّ‬ ‫ًّ‬
‫و� واقع‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ويطول عما هو ف� واقع الحياة‪ ،‬وكذلك الحال �ف‬
‫رؤيته ودمجه ي� المشهد الموصوف‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ئ‬ ‫أ‬ ‫وس “كوليشوف”‬
‫المر تبدو حركة “وجهة نظر المؤلف (الر يا�) هنا‬ ‫الر ي‬
‫ويع� عنه المخرج ّ‬ ‫المكان‪ .‬ب ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪17‬‬

‫منتظما‪ ،‬مشكّلةً وحد ًة‬‫ً‬ ‫غالبا‬


‫تدفّق الحركة فيها ً‬ ‫الكام�ا ف ي� الفيلم‬
‫مشابهة لحركات آلة ال ّتصوير أو ي‬
‫المستمرة‪ ،‬وهي تماثل مشهد ال ّتتابع‪/‬‬ ‫من الحركة‬ ‫ن (‪)24‬‬
‫مع�” ‪.‬‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫تتابعيا لمشهد ي ّ‬
‫ًّ‬ ‫مسحا‬
‫ال� تقدم ً‬‫ي‬
‫السينما‪ ،‬وقد تكون الحركة يغ� م ّتصلة‬ ‫ف‬ ‫الشاعر المعارص ال يقول لك ً‬
‫الحركة ي� ّ‬ ‫مثل هذه‬ ‫إن ّ‬ ‫َّ‬
‫مسارا خ ّ‬
‫ط ًّيا يقود‬ ‫يظل يأخذ‬ ‫لكن عرض الحدث ّ‬ ‫ساحلية ي� المساء‪ ،‬بل يضع أمامك من‬‫ف‬ ‫مدينة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحل أو ال ّنهاية مع وجود القطع (القفز‬ ‫إىل ّ‬ ‫المحسوسات كل ما من شأنه أن يوحي بذلك‪،‬‬
‫أ‬
‫الزمن) ي� بعض الحيان لترسيع الحكاية‬ ‫ف‬
‫فوق ّ‬ ‫مصورا مدينة عدن مساء‪:‬‬
‫ً‬ ‫يقول “سعدي يوسف”‬
‫مفسحا‬ ‫أ‬
‫قدم بها نحو المام‪،‬‬
‫ً‬ ‫المشهديّة وال ّت ّ‬
‫أ‬ ‫القواقع‬ ‫ب�‬ ‫ث‬
‫يتع� ي ن‬ ‫ف‬
‫المجال لتحقق بعض الحداث المبعدة عن‬ ‫ِ‬ ‫الهواء الذي ُ‬ ‫ِ‬ ‫“�‬
‫ي‬
‫امية وللمت ّلقي أن‬ ‫أ‬ ‫ط� ْ‬
‫قتيل‬ ‫ُ‬
‫شاشة العرض لغراض در ّ‬ ‫أسمال ي ٍ‬
‫ويتخيل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يجتهد ويتوقّع‬ ‫ارة لن يعودوا‪.‬‬ ‫بح ٍ‬
‫وأسماكُ ّ‬
‫ويتخ ّللها أحيانًا أخرى ما يعرف رسديّا بالوقفة‬ ‫الروائح‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الهواء‬
‫ِ‬ ‫ف ي�‬
‫الضوء عىل عنرص أو منظر‬ ‫الوصفية لتسليط ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫الغسيل‬ ‫حبل‬
‫تحت ِ‬
‫عرها َ‬ ‫مشطت َش َ‬ ‫ْ‬ ‫هنديةٌ‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫مهم ي� بناء الحدث ولتصوير أجواء البيئة‬ ‫ّ‬ ‫واح� ُاق رس ي ن َ‬
‫اط� تُشوى‬
‫خصية‪.‬‬ ‫بالش ّ‬ ‫المحيطة ّ‬ ‫القميص ْ‬
‫البليل”(‪.)25‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم هذا‬
‫كام�ا “سعدي يوسف” الشعريّة معاناة‬ ‫وتجسد ي‬ ‫ّ‬
‫الصعبة من‬ ‫ت‬ ‫ثان ًيا‪ :‬الصورة المشهديّة الحكاية‪ ،‬وتلتقي مع‬
‫ظروفهن ّ‬
‫ّ‬ ‫حرمتهن‬
‫ّ‬ ‫الال�‬
‫ي‬ ‫الفتيات‬
‫أحالمهن‬
‫ّ‬ ‫ومبا�ة أبسط‬ ‫ش‬ ‫االستمتاع بالحياة‬ ‫مشهد ال ّتتابع‪ /‬الحركة‬
‫الصبايا بنقلها مشهد البنت ال�ت‬ ‫السينما‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫هن من ّ‬ ‫كغ� ّ‬ ‫ي‬ ‫حركية ّ‬‫ّ‬ ‫ال� تتوسل‬‫الصورة ي‬ ‫يُقصد بها ّ‬
‫والرطوبة‬ ‫ف‬ ‫(حركة اللقطة والحركة داخل اللقطة والحركة‬
‫تعمل ي� المخزن (مكمن العتمة ّ‬
‫ت‬ ‫خصية) لرسد موقف أو حدث‬
‫ال� أصبح خروجها إىل ال ّنور‬ ‫والجماد والعزلة)‪ ،‬ي‬ ‫للش ّ‬ ‫المستمرة ّ‬
‫ّ‬
‫الب� وارتشافها جرعةً من دفء ال‬ ‫ومعاينة دنيا ش‬ ‫تدريجيا مع ال ّتشكيل‬ ‫ت‬
‫متماسك م�ابط‪ ،‬يتنامى‬
‫ًّ‬
‫القص�ة العابرة المقتنصة ف ي�‬ ‫ي‬ ‫يتجاوز اللحظات‬ ‫صية للقصيدة أو المقطع‬ ‫الف� والحركة ال ّن ّ‬ ‫ّي‬
‫ن‬
‫آ‬ ‫عري‪ ،‬ويكتمل باكتمالهما‪ ،‬وهي “تم ّثل‬
‫الزمن والخرين‪ ،‬يقول “سعدي يوسف”‬ ‫غفلة من ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫“الصباح”‪:‬‬ ‫ف‬ ‫منظومةً رسديّة متجانسة” ‪ ،‬لها بداية ووسط‬
‫ي� قصيدة ّ‬
‫(‪)26‬‬

‫السد‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬


‫ونهاية‪ ،‬تعتمد ي� بنائها نسق التتابع ي� ّ‬
‫المخزن‬
‫ِ‬ ‫تعمل ف ي�‬‫ال� ُ‬ ‫“تخرج ُ ت‬
‫البنت ي‬ ‫ُ‬ ‫الحكائية‬
‫ّ‬ ‫قدم فيه الما ّدة‬ ‫وهو ال ّنسق الذي تُ ّ‬
‫من غرفتها بالطابق ال ّثا�ن‬ ‫(مكونات الحدث المشهدي) “وفق نظام‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫الس ّل ِم‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫ن (‪)27‬‬ ‫ت‬
‫ت ي ء النور ي� ُّ‬ ‫م�” ‪ ،‬ويكون‬ ‫الز ي‬‫منطقي يراعى فيه ال�تيب ّ‬ ‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪18‬‬

‫س ّنها‪ ،‬فهي أقرب إىل ال ّ‬ ‫النور‪...‬‬ ‫ف‬


‫الصبا (بنت)‬‫طفولة من ّ‬ ‫يبدو وجهها مرتبكًا‪ ،‬مرتجفًا‪ ،‬ي� ِ‬
‫أ‬
‫ووحدتها وعدم إحساسها بالمان؛ ّكل ذلك‬ ‫تستأ� ً‬
‫قليل‬ ‫ن‬ ‫البنت‬
‫ي‬ ‫هذه ُ‬
‫دائما‪ ،‬وتعكس‬‫كفيل بأن يجعلها مرتبكةً خائفةً ً‬ ‫الشار ُع دنياها‪.‬‬ ‫قبل أن يستلم ّ‬
‫المفارقة ي ن‬ ‫البنت‪ ،‬كالصبح‪ ،‬إىل المقهى‬ ‫�ض‬
‫ب� برد الشارع ودفء المقهى الذي ال‬ ‫ُ‬ ‫ستم ي‬
‫يوما من البقاء فيه ً‬
‫طويل‪ ،‬فمكوثها فيه ال‬ ‫الوىل إىل نز‬
‫ك�تها‪...‬‬ ‫تضم القهو َة أ‬
‫تتمكّن ً‬ ‫ُّ‬
‫مدة ش�اء القهوة مدى برودة الحياة ال�ت‬ ‫ارع‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫يتعدى ّ‬ ‫الش ِ‬ ‫وال� ُد ي� ّ‬ ‫ب‬
‫تحياها‪.‬‬ ‫لفه يدفأ‪...‬‬‫والمقهى الذي تأْ ُ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫تحلم أن تبقى هنا‪:‬‬
‫خ�ة‪،‬‬‫السبعة ال ي‬
‫وهذا ما أكّدته السطر الشعريّة ّ‬ ‫يك ُ‬
‫المستقرئة لصورة الفتاة وهي تعترص حرسةً‪،‬‬ ‫طاولة‪،‬‬ ‫تجلس ي� الركن إىل‬ ‫ف‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫تم�جمةً بساطة أحالمها وبكارة مشاعرها‪.‬‬ ‫تقرأُ‪،‬‬
‫تسمع موسيقى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أو‬
‫ثالثًا‪ :‬الصورة المشهديّة الحواريّة‪ ،‬ويناظرها‬ ‫ومن يدري‪...‬‬ ‫َ‬
‫الحواري‬ ‫المشهد‬ ‫لعل الحب يأ�ت‬ ‫َّ‬
‫ّ‬ ‫َّ ي‬
‫يشكّل الحوار “وسيلةً تعب�ية جوهرية �ف‬ ‫فجأةً‪. ”...‬‬
‫(‪)28‬‬
‫ّ ي‬ ‫ي ّ‬
‫ين‬
‫المخرج�‬ ‫السينما”(‪ ،)29‬يرى فيه بعض المؤ ّل ي ن‬
‫ف�‬ ‫ّ‬
‫وسالحا وأداة سلطة وإغراء” ‪،‬‬
‫(‪)30‬‬
‫ً‬ ‫“فعل وحركةً‬ ‫ً‬ ‫خصية ي ن‬
‫وب�‬ ‫الش ّ‬ ‫تتبع حركة ّ‬ ‫ب� ُّ‬ ‫الكام�ا ي ن‬
‫ي‬ ‫تواكب‬
‫ف‬
‫جيدا‪ -‬ي� نجاح‬ ‫ش‬
‫ويرجعون إليه الفضل ‪-‬إذا كان ً‬ ‫�ء من معاناتها‪،‬‬ ‫التقاط انفعاالتها وتشخيص ي‬
‫نص جيد ترى‬ ‫الممث ن ف أ‬ ‫وكشف ما يجول ف ي� خاطرها من مشاعر وأمنيات‪،‬‬
‫ل� ي� الداء فـ”من خالل ّ‬ ‫ّي‬
‫يتفوقون عىل أنفسهم‪ ،‬وتنضبط‬ ‫المم ّث ي ن‬
‫ل�‬ ‫باكرا‬
‫ّ‬ ‫فهي عىل الرغم من إقدامها عىل الخروج ً‬
‫ويص� سلوكهم واثقًا ودقيقًا‪ .‬إنّه‬ ‫ي‬ ‫حركاتهم‪،‬‬ ‫الشجاعة‬ ‫أن مالمح الخوف وتزعزع ّ‬ ‫إىل المقهى إال ّ‬
‫ال� تسمح لهم باالنطالق وتقديم‬ ‫ت‬ ‫باديةٌ عىل وجهها‪ ،‬ربما‬
‫المنصة ي‬ ‫ّ‬ ‫لحساسية الوقت الذي‬ ‫ّ‬
‫فحول‬‫ّ‬ ‫الس ي ئ‬
‫�‪،‬‬ ‫أفضل ما لديهم‪ّ .‬أما ال ّنص ّ‬ ‫الب� النطفاء‬ ‫كث� من ش‬ ‫تخرج فيه‪ ،‬الذي يرهبه ي‬
‫تاح�‪ ،‬ولن يتمكّن‬ ‫وغ� مر ي ن‬ ‫ين‬ ‫المم ّث ي ن‬ ‫أ‬ ‫إحساس أ‬
‫مفلس� ي‬ ‫ل� إىل‬ ‫المان واالستئناس واللفة فيه‪ ،‬إذ‬
‫أبرع إخراج ف ي� العالم من إنقاذ منظر ذي حوار‬ ‫ما تزال مظاهر الحياة ف ي� غفوة وارتخاء‪ ،‬وربما‬
‫جيد”(‪.)31‬‬ ‫س�‪ ،‬ومن ّثم لن يم ّثل بشكل ّ‬ ‫يّ ئ‬ ‫ألنّها تتس ّلل خلسةً دون علم صاحب العمل‪،‬‬
‫مهمة كما ّبينها “سيد‬ ‫وللمشهد الحواري وظائف ّ‬ ‫ب� عالمي ال ّليل وال ّنهار‬‫االنتقالية ي ن‬ ‫الف�ة‬‫منتهز ًة ت‬
‫ّ‬
‫ثانيا‪:‬‬ ‫أ‬ ‫فيلد”‪ ،‬فهو ً‬ ‫ضائعا ال يحسب لها حساب ف ي�‬
‫القصة إىل المام‪ً .‬‬ ‫“أول‪ :‬يدفع ّ‬ ‫ً‬ ‫باعتبارها زم ًنا‬
‫يوصل الحقائق والمعلومات إىل القارئ أو‬ ‫تقدم صغر‬ ‫الكث�ين‪ ،‬ويضاف إىل ما ّ‬ ‫تقويم ي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫ِّ‬
‫‪19‬‬ ‫الشعر والسينما‬

‫إىل بر أ‬ ‫خصية‬
‫المان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الش ّ‬
‫خصية‪ّ ،‬‬
‫الش ّ‬ ‫الجمهور‪ .‬ثال ًثا‪ :‬يكشف ّ‬
‫ختاما‪ ،‬أظهرت القصيدة العربية المعارصة قدر ًة‬ ‫آ‬
‫تتحدث عن نفسها أو يتحدث الخرون عنها” ‪.‬‬
‫(‪)32‬‬
‫ً‬
‫أ‬
‫فذة عىل التعاطي مع الفنون الخرى والسيما‬ ‫ومن ذلك ما افتتح به “أحمد حجازي” قصيدته‬
‫الفن السابع منذ البواك� أ‬ ‫السيدة”‪:‬‬
‫الوىل‪ ،‬أي منذ مرحلة‬ ‫ي‬ ‫المعنونة “الطريق إىل ّ‬
‫ف‬
‫نصوصا تق�ب ي� بنائها‬‫ت‬ ‫قدموا‬
‫ً‬ ‫الرواد الذين ّ‬ ‫ّ‬
‫ئ‬
‫السينما�‪،‬‬ ‫وطريقة عرضها من أسلوب المشهد‬ ‫عم ‪..‬‬
‫“‪ -‬يا ّ‬
‫ي‬
‫واستمر هذا التعاطي واتَّسعت رقعته ح�ت‬ ‫ريق؟‬
‫ط ْ‬‫من أين ال ّ‬
‫أصبحت ظاهرة التصوير المشهدي من أبرز‬ ‫(السيدة)؟‬
‫أين طريق ّ‬
‫الظواهر الفنية ف ي� القصيدة المعارصة‪ ،‬حيث‬ ‫قليل‪ّ ،‬ثم أيرس يا ب�ن‬
‫يّ‬ ‫أيمن ً‬‫‪ْ -‬‬
‫التحول بالنص الشعري من عمل مقروء إىل‬ ‫ُّ‬ ‫يتم‬ ‫إل!” ‪.‬‬
‫(‪)33‬‬
‫قال‪ ..‬ولم ينظر ي ّ‬
‫عرض منظور مسموع‪ ،‬أي صور متحركة‪ ،‬حركة‬
‫تُ َم َّثل أمام أعيننا ف� الوقت ض‬ ‫حوارا‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫الحا�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الل ال ّول ً‬ ‫الد ي‬‫يبدو هذا الحوار ي� مستواه ّ‬
‫ويؤدي ذلك إىل االرتفاع بالمتلقي من نظام‬ ‫حية موقفًا مألوفًا‪:‬‬ ‫واقعية ّ‬
‫ّ‬ ‫يصور بلغة‬ ‫عاديًّا‪ّ ،‬‬
‫الشارع يسأل عن مكان ما)‪ ،‬تقترص‬ ‫ف‬
‫القراءة سامع إىل نظام القراءة مشاهد‪ ،‬وتدخل‬ ‫(رجل ي� ّ‬
‫الصورة الشعرية المشهدية ضمن ما يعرف نقديًّا‬ ‫السائل والجهة‬ ‫بالغية عىل بيان موقع ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫وظيفته إ‬
‫بالصورة الكلية‪ ،‬فهي تتشكل من مجموعة من‬ ‫ال� يو ّد الذّ هاب إليها‪ ،‬لك ّنه ف� مستواه ال ّثا�ن‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ال� تشكل ف ي� مجموعها‬ ‫ت‬
‫اللقطات أو المشاهد ي‬ ‫تدل عىل‬ ‫السؤال ّ‬ ‫مع� أعمق‪ ،‬فسذاجة ّ‬ ‫ً‬
‫يستبطن ن‬
‫ً‬
‫متكامل‪.‬‬ ‫كيانًا عضويًّا‬ ‫السائل‪ ،‬شخص غريب عن مدينة القاهرة أل ّن‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫وتكتسب الصورة الشعريّة المشهديّة قيمتها‬ ‫(الس ّيدة) من المعالم البارزة فيها‪ ،‬ال يخطئه‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫الرد دون‬ ‫ف‬
‫ال� تستدعي وجودها‪،‬‬ ‫الفنية من طبيعة الرؤية ي‬ ‫ّ‬ ‫أحد من سكّانها‪ .‬ويعكس االقتضاب ي� ّ‬
‫أي من قدرتها عىل حمل مفهوم خاص بها‪ ،‬أو‬ ‫الخر سلوك ال ّناس ف ي� المدينة‪ ،‬الذين‬ ‫النظر إىل آ‬
‫ّ‬
‫الحساس‬ ‫المع� أو توليد إ‬ ‫ن‬ ‫مع�‬ ‫الداللة عىل ن‬ ‫الشاعر‪( :‬يمضون رسا ًعا ال يحفلون‬ ‫تعب� ّ‬ ‫حد ي‬ ‫عىل ّ‬
‫بالتجربة المعروضة وبالمشاركة ف ي� الحدث‬ ‫�ض‬
‫أشباحهم تم ي تبا ًعا ال ينظرون)‪ ،‬ويؤكّد التفات‬
‫المشهدي‪ ،‬وهي ترتبط بمفهوم الكناية عند‬ ‫المعمق إلحساس‬ ‫ّ‬ ‫السلوك‪،‬‬
‫السائل إىل هذا ّ‬ ‫ّ‬
‫الجرجا�)‪ ،‬أو بما دعاه “ت‪ .‬س‪.‬‬ ‫ن‬ ‫(عبدالقاهر‬ ‫ف‬
‫الغربة واالغ�اب ي� نفسه مالمسته البكر لعالم‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫فإن دراستها‬ ‫إليوت” بالمعادل الموضوعي‪ ،‬وعليه َّ‬ ‫المدينة‪ ،‬الم ّتسم برسعة الحركة‪ ،‬فال وقت فيه‬
‫الحس من‬ ‫ي‬ ‫ال تكون إال بالنظر إىل ما وراء المشهد‬ ‫للوقوف وال ّت ن يّأ� خالفًا لعالم القرية ال ّناهض عىل‬
‫أيضا‬ ‫ن‬ ‫الخر وال ّتلذّ ذ ف ي� مجاملته والوصول به‬ ‫مساعدة آ‬
‫مع� مع اعتباره مقصو ًدا ً‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪20‬‬

‫السورية‪ -‬دمشق‪ :‬منشورات وزارة الثقافة‪ -‬المؤسسة‬ ‫الهوامش‬


‫العامة للسينما‪ ،‬ص‪.204‬‬ ‫‪ .1‬أبو غنيمة‪ ،‬حسان(‪ ،)2000‬السينما ظواهر ودالالت‬
‫مرس‪ ،‬أحمد كامل‪ ،‬ووهبة‪ ،‬مجدي(‪ ،)1973‬معجم‬ ‫‪ .17‬ي‬ ‫عمان‪ ،‬ص‪.151-152‬‬ ‫‪ّ ،1948-1996‬‬
‫ينما�‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫ئ‬ ‫‪ .2‬فال‪ ،‬ي ن‬
‫الس ي‬ ‫الفن ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيناريو‪ ،‬ترجمة‪:‬‬ ‫يوج�(‪ ،)1997‬فن كتابة ّ‬
‫يوج�‪ ،‬فن كتابة السيناريو‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫فال‪،‬‬ ‫‪.18‬‬ ‫العامة‬ ‫مصطفى محرم‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المرصيّة‬
‫ّ‬
‫‪ .19‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫للكتاب‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ .20‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫السيناريو للسينما‪،‬‬ ‫‪ .3‬سوين‪ ،‬دوايت(‪ ،)1988‬كتابة ّ‬
‫السينما آلة وفن تطور فن‬ ‫أل�ت(‪ّ ،)1958‬‬ ‫‪ .21‬فولتون‪ ،‬ب‬ ‫ترجمة‪ :‬أحمد الح�ض ي‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المرصية العامة‬
‫السينما منذ عهد الفالم الصامتة إىل عرص التلفزيون‪،‬‬ ‫أ‬
‫للكتاب‪ ،‬ص‪.297‬‬
‫ترجمة‪ :‬صالح عزالدين وفؤاد كامل‪ ،‬مرص‪ :‬مكتبة مرص‪،‬‬ ‫التعب�ية‬
‫ي‬ ‫المكانات‬ ‫سم� كامل(‪ ،)2001‬إ‬ ‫الج�‪ ،‬ي‬ ‫‪ .4‬ينظر‪ :‬ب‬
‫ص‪.239-240‬‬ ‫أ‬
‫السينما�‪ ،‬الكاديمي‪ ،‬بغداد‪:‬‬ ‫ئ‬ ‫للمشهد ف ي� السيناريو‬
‫ي‬
‫السيناريو‪ ،‬ص‪.52‬‬ ‫يوج�‪ ،‬فن كتابة ّ‬ ‫ن‬ ‫‪ .22‬فال‪ ،‬ي‬ ‫العال والبحث العلمي‪ ،‬جامعة بغداد‪-‬‬ ‫وزارة التعليم‬
‫ي‬
‫مرس‪ ،‬أحمد كامل‪ ،‬ووهبة‪ ،‬مجدي‪ ،‬معجم الفن‬ ‫‪ .23‬ي‬ ‫كلية الفنون الجميلة‪( ،‬م‪( ،)9‬ع‪ ،)31‬ص‪.78‬‬
‫السينما�‪ ،‬ص‪.141‬‬ ‫ئ‬ ‫السيناريو‪ ،‬ترجمة‪ :‬سامي محمد‪،‬‬
‫ي‬ ‫‪ .5‬فيلد‪ ،‬سيد(‪ّ ،)1989‬‬
‫حس�‪ ،)1998-1999( ،‬المكان‬ ‫ين‬ ‫حس�‪ ،‬خالد‬ ‫ين‬ ‫‪.24‬‬ ‫ش‬
‫لل�جمة وال ّن�‪ ،‬ص‪.137‬‬ ‫بغداد‪ :‬دار المأمون ت‬
‫وا� إلدوارد الخراط‬ ‫ئ‬ ‫ف‬
‫الر ي‬ ‫الرواية الجديدة الخطاب ّ‬ ‫ي� ّ‬ ‫‪ .6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫الماجست� ف ي�‬
‫ي‬ ‫جامعية مقدمة لنيل درجة‬ ‫ّ‬ ‫نموذجا‪ ،‬رسالة‬ ‫ً‬ ‫‪ .7‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫العربية‪ ،‬جامعة‬ ‫نسانية‪ ،‬قسم اللغة‬ ‫آ‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫الداب والعلوم إ‬ ‫‪ .8‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫دمشق‪ ،‬ص‪.105‬‬ ‫السيناريو‪ ،‬ص‪.52‬‬ ‫يوج�‪ ،‬فن كتابة ّ‬ ‫‪ .9‬فال‪ ،‬ي ن‬
‫أ‬
‫‪ .25‬يوسف‪ ،‬سعدي(‪ ،)1995‬العمال الشعريّة‪( ،2‬ط‪،)4‬‬ ‫السيناريو‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪ .10‬فيلد‪ ،‬سيد‪ّ ،‬‬
‫والن�‪ ،‬ص‪.345‬‬ ‫سوريا‪ -‬دمشق‪ :‬دار المدى للثقافة ش‬ ‫عبدالرزاق(‪ ،)1994‬الرسد الفيلمي قراءة‬ ‫اه�‪،‬‬
‫‪ .11‬الز ي‬
‫ّ‬
‫السيناريو‪،‬‬
‫السيناريو‪ /‬فن كتابة ّ‬ ‫‪ .26‬توروك‪ ،‬جان بول‪ّ ،‬‬ ‫ش‬
‫سيميائية‪ ،‬المغرب‪ ،‬دار توبقال للن�‪ ،‬ص‪.21-22‬‬
‫ص‪.204‬‬ ‫‪ .12‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫وا�‪ ،‬إربد‪:‬‬ ‫ئ‬ ‫أ‬
‫الر ي‬ ‫السد ّ‬ ‫حداد‪ ،‬نبيل(‪ ،)2010‬بهجة ّ‬ ‫‪ّ .27‬‬ ‫‪ .13‬دواره‪ ،‬فؤاد(‪ ،)1991‬السينما والدب‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫عالم الكتب الحديث‪ ،‬ص‪.221‬‬ ‫العامة للكتاب‪ ،‬ص‪.40‬‬ ‫الهيئة المرصيّة ّ‬
‫العمال الشعريّة‪ ،3‬ص‪.247-248‬‬ ‫‪ .28‬يوسف‪ ،‬سعدي‪ ،‬أ‬
‫السيناريو‪ ،‬ترجمة‪:‬‬ ‫‪ .14‬فيلد‪ ،‬سيد(‪ ،)2007‬ورشة كتابة ّ‬
‫السينمائية‪ ،‬ص‪.179‬‬‫ّ‬ ‫‪ .29‬مارتن‪ ،‬مارسيل‪ ،‬اللغة‬ ‫العربية السورية‪-‬‬‫ّ‬ ‫نم� حميد الشمري‪ ،‬الجمهورية‬ ‫ي‬
‫السيناريو‪،‬‬‫السيناريو‪ /‬فن كتابة ّ‬ ‫‪ .30‬توروك‪ ،‬جان بول‪ّ ،‬‬ ‫العامة‬
‫ّ‬ ‫دمشق‪ :‬منشورات وزارة الثقافة‪ -‬المؤسسة‬
‫ص‪.227‬‬ ‫للسينما‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ .31‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.230-231‬‬ ‫يوج�‪ ،‬فن كتابة السيناريو‪ ،‬ص‪.52‬‬ ‫‪ .15‬فال‪ ،‬ي ن‬
‫السيناريو‪ ،‬ص‪.73‬‬ ‫‪ .32‬فيلد‪ ،‬سيد‪ ،‬ورشة كتابة ّ‬ ‫‪ .16‬توروك‪ ،‬جان بول(‪ ،)1995‬السيناريو‪ /‬فن كتابة‬
‫‪ .33‬حجازي‪ ،‬أحمد عبدالمعطي‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.113‬‬ ‫السيناريو‪ ،‬ترجمة‪ :‬قاسم المقداد‪ ،‬الجمهورية العربية‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪21‬‬

‫ّ‬
‫السينمائي‬ ‫ّ‬
‫الشعري والخطاب‬ ‫َّ‬
‫التداخل بين الخطاب‬
‫ّ‬
‫العربي‬ ‫في نماذج من الشعر‬
‫د‪ .‬محمد آيت ميهوب‪ /‬تونس‬

‫يتغزلون بحبيباتهم الشقراوات!‬ ‫َل ِئ ن� ساد الحديث ف ي� الخطاب النقدي العالمي‬


‫جدا لم يصلب فيه عود السينما‬ ‫ف‬ ‫ب� الرواية والسينما فإنه‬ ‫عن العالقة المتينة ي ن‬
‫و� وقت مبكر ً‬ ‫ي‬
‫الدبية الفرنسية “كراسات‬ ‫بعد‪ ،‬خصصت المجلة أ‬ ‫ول�‬‫ق َّلما وقع التطرق إىل صلة الشعر بالسينما‪ ،‬ئن‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫الشهر” (‪ )Les Cahiers du Mois‬سنة ‪1925‬عد ًدا‬ ‫والتأث� يب�ن‬ ‫ف‬
‫أسهب النقاد ي� تبيان أوجه التأثر‬
‫ي‬
‫مزدوجا (‪ )16-17‬حمل عنوان “سينما”(‪ )1‬وأفردت‬ ‫ً‬ ‫الهمال قد اكتنف النظر‬ ‫فإن إ‬ ‫الرواية والسينما ّ‬
‫ف‬
‫لـ”تأث� السينما ي� الشعر”‪.‬‬ ‫محورا من محاوره‬ ‫أن‬ ‫الوجه ي ن‬ ‫ف� هذه أ‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ب� الشعر والسينما‪ .‬والحق ّ‬ ‫ي‬
‫يتب� له بيرس الوله‬ ‫ف‬
‫والناظر � هذا العدد ي َّ ن‬ ‫صلة الشعر بالسينما قديمة عريقة واكبت نشأة‬
‫ي‬
‫الشديد الذي كان يجده الشعراء الفرنسيون نحو‬ ‫ب�‬‫وظل االتصال ي ن‬
‫الوىل َّ‬ ‫السينما منذ بواك�ها أ‬
‫ي‬
‫السينما‪ .‬فهذا “دومينيك براغا” يقول‪“ :‬يبدو يل‬ ‫الذه�‬
‫بي‬ ‫حيا طيلة العرص‬ ‫كامل ًّ‬ ‫الف ّن ي ن� متي ًنا ً‬
‫أن اكتشاف السينما ف ي� العصور الحديثة يناظر‬ ‫ّ‬ ‫أك�‬ ‫للفيلم الصامت خاصة (‪ .)1918-1930‬فما ث‬
‫ف‬
‫حد ما اكتشاف المطبعة ي� القرن الخامس‬ ‫ت‬
‫إىل ّ‬ ‫ال� اتَّخذت السينما موضو ًعا‬ ‫الغربية ي‬‫ّ‬ ‫القصائد‬
‫ع�” ‪ ،‬وذاك “جوزيف ديلتاي” يقول تم�نّما‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫ان�ى الشعراء الوروبيون‬ ‫لها! وما ث‬
‫(‪)2‬‬
‫أك� ما ب‬
‫إن السينما‬
‫بالسينما طربًا‪“ :‬أو ُّد أن أقول لكم َّ‬ ‫والكام�ا والشاشة وكأنهم‬‫ي‬ ‫يتغزلون بالسينما‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫‪(1) Les Cahiers du Mois, n°, 16-17, Editions Emile- Paul Frères, Octobre 1925, Paris.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪22‬‬

‫وإن� أحبها‪.‬‬ ‫بحيا� ن‬ ‫ت‬ ‫إن� مدين لها‬ ‫ن‬


‫ي‬ ‫ي‬ ‫هي أمي‪ .‬ي‬
‫الدب‪ ،‬إنها هي‬ ‫إن السينما هي “قرص بينك” أ‬
‫َّ‬
‫ال� تهب الدب الدم والنبض” ‪ ،‬وها هو ذا‬
‫(‪)3‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫بوكل�” يست�ف المستقبل فيتنبأ ً‬
‫قائل‪:‬‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫“أندريه ي‬
‫“يمكن للفيلم أن يصبح قصيدة عىل نحو ممتاز‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫لنه يتموقع ي� الديمومة المحض” (‪ّ .)4‬‬
‫وتعد نبوءة‬
‫“أبولين�”‪ ،‬وهو أحد أعظم شعراء فرنسا ف ي� بداية‬ ‫ي‬
‫ح� قال‪“ :‬لن يلبث‬ ‫الع�ين‪ ،‬منذ ‪ 1917‬ي ن‬ ‫القرن ش‬
‫الشعراء أن يجعلوا الصورة هي قوافيهم”(‪ ،)5‬من‬
‫الكب�ة عىل وعي الشعراء بخطورة هذا‬ ‫الدالئل ي‬
‫ف‬
‫التأث� ي� بقية‬‫الفن الوليد وقدرته الجبارة عىل ي‬
‫الفنون‪.‬‬
‫وقد تو َّلد عن هذا االفتتان بالسينما لدى‬
‫ظهور اتجاه قائم الذات ف ي� الشعر‬ ‫ُ‬ ‫الشعراء‪،‬‬
‫نس أطلق عىل نفسه تسمية “القصيدة‬ ‫الفر ي‬
‫ساس عىل‬ ‫أ‬
‫السينمائية”‪ ،‬وقد قام مبدؤه ال ي‬
‫بأن السينما والشعر ف ّنان ال انفصام‬ ‫اليمان َّ‬ ‫إ‬
‫بينهما‪ .‬ووافق هذا االتجاه انبثاق الحركة‬
‫واعت�ت‬
‫السوريالية فدعمته وتب ّنته وأوغلت فيه‪ ،‬ب‬
‫السينما هي الشعر ف ي� شكله الجديد‪ .‬لقد اكتشف‬
‫ف‬
‫تمدهم‬‫ك�ا ينتظرهم ي� السينما إذ ّ‬ ‫السورياليون نز ً‬
‫أساسيت� يمكن أن يحققوا بواسطتهما‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫بتقنيت�‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ ،61‬وقرص بينك (‪ )Pink‬المشار إليه هو آنذاك‬
‫أقوى االكتشافات الطبية والصيدالنية لمعالجة مرض فقر الدم‬
‫والرهاق المزمن‪.‬‬
‫إ‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫(‪ )5‬وردت هذه المقولة ف ي�‪:‬‬
‫‪Alain Virnaux, La Tentation du cinéma chez les poètes au‬‬
‫‪temps du surréalisme d’Artaud à Superville, Cahiers de l’AIEF,‬‬
‫‪n° 20, Mai 1968, Paris, p. 259.‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪23‬‬

‫الشعري‪ :‬التداخل‬‫ّ‬ ‫جوهري� من عالمهم‬ ‫ين‬ ‫ين‬


‫ركن�‬
‫ب� الحلم والواقع وهذا ما تحققه‬ ‫الشديد ي ن‬
‫الحالم‪ ،‬والمراوحة ي ن‬
‫ب�‬ ‫السينما بيرس عند نقل أ‬
‫التفكيك وإعادة البناء وهذا ما يقوم عليه الرسد‬
‫السينما� بواسطة التقطيع والمونتاج‪.‬‬ ‫ئ‬
‫ي‬
‫نس‬ ‫ع� عن ذلك الشاعر والمرسحي الفر ي‬ ‫وقد ب ّ‬
‫ف‬
‫“أنطون� أرتو” ي� كتابه “السحر والسينما” فقال‪”:‬‬ ‫ين‬
‫خفية‬ ‫كشافة لكل حياة ّ‬ ‫أساسا ّ‬
‫إن السينما هي ً‬ ‫ّ‬
‫مبا�ة بها(‪ )...‬لو لم تكن‬ ‫فتجعلنا عىل صلة ش‬
‫الحالم أو كل ما ف ي�‬ ‫اخ�عت تل�جمة أ‬ ‫السينما قد ت‬
‫الحالم‪ ،‬إذن‬ ‫الحياة اليقظة عىل عالقة بمجال أ‬
‫َلما ُوجدت السينما”(‪.)6‬‬
‫أن اهتمام الشعر بالسينما لم‬ ‫وغ� عن البيان ّ‬ ‫ن‬
‫يّ‬
‫المنصف الوهايبي‬ ‫ومن جاء بعدهم‪،‬‬ ‫ين‬
‫السوريالي� َ‬ ‫ُيعد ينحرص مع‬
‫يتغ� بها‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ي� اتخاذ السينما موضو ًعا للقصيدة ّ‬
‫الشعري ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تشكيل الكون‬ ‫الشاعر‪ ،‬أو يصف شاشتها‪ ،‬أو ينقل رهبة ظلمتها‪،‬‬
‫ف‬ ‫يتأمل سحر أضوائها‪ .‬لقد استفاد الشعر من‬
‫و� الضفّة المقابلة‪ ،‬ضفّة السينما‪ ،‬نجد أنّها قد‬ ‫ي‬ ‫أو َّ‬
‫اتصلت منذ بداياتها أ‬ ‫جناس عىل السينما واستطاع أن‬ ‫أ‬
‫الوىل بالشعر‪ ،‬فاتخذت‬ ‫انفتاحه ال ي‬
‫أ‬
‫يستوعب أدواتها الفنية‪ ،‬فرأينا توظيفًا للبعاد‬
‫جماليا رامت الوصول إليه وامتصاص‬ ‫ًّ‬ ‫منه أفقًا‬
‫وتغي�ا ك ّلما‬ ‫وترصفًا فيها‬ ‫والحجام ف ي� القصيدة‬ ‫أ‬
‫التعب�‬
‫ي‬ ‫التعب�ية الجمالية السيما‬ ‫ي‬ ‫أدواته‬ ‫يً‬ ‫ُّ‬
‫ن‬
‫الجو يا�‪ ،‬واالستعارة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وجد الشاعر ذلك ض�وريًّا لتجلية الحالة الشعوريّة‬
‫الذا�‪ ،‬والغوص ي� العالم ّ‬ ‫ي‬
‫والمجاز‪ .‬فيتداخل ف ي� الفيلم الواقع والحلم‬ ‫يع�ون‬ ‫وبناء الصورة الشعريّة‪ ،‬وأصبح الشعراء ي‬
‫والذا� والموضوعي‪ ،‬وتتخذ الصور واللقطات‬ ‫ت‬ ‫اهتماما ذا بال بالديكور‪ ،‬ويعملون عىل رسم‬ ‫ً‬
‫ي‬
‫للكام�ا حضور‬ ‫بالغية مجازيّة‪ ،‬ويصبح‬ ‫أبعا ًدا‬ ‫مستعمل� التنويع �ف‬‫ين‬ ‫ف‬
‫المشهديّة ي� قصائدهم‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫الحساس لدى‬ ‫مهيمن متصل ال ينقطع‪ ،‬فيصل إ‬ ‫ب�‬‫ب� رسيعة وبطيئة‪ ،‬والمشاهد ي ن‬ ‫اللقطات ي ن‬
‫آ‬ ‫والضواء ف ي�‬ ‫اللوان أ‬ ‫كب�ة وصغ�ة‪ ،‬واستثمرت أ‬
‫تشعر وتخاطب الخر‬ ‫ذات ُ‬ ‫الكام�ا ٌ‬
‫ي‬ ‫أن‬
‫المتفرج ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫‪(6) Antonin Artaud, Sorcellerie et Cinéma, Œuvres complètes, T III, Gallimard, Paris, p. 530.‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪24‬‬

‫أك� من يغ�ه بتصوير حياة‬ ‫المع� ث‬‫ن‬ ‫الفن‬


‫السينما ّ‬ ‫ناقلة إليه أحاسيسها‪ ،‬ومن ثم يقىص إىل الهامش‬
‫يّ‬
‫الب� وجب عليها أن تعانق ما تسبح فيه من‬ ‫ش‬ ‫البعد الرسدي ف ي� الفيلم ويغدو أقرب ما يكون‬
‫شعر وما ينبثق منها من شعريّة‪ ،‬وبذلك تغدو‬ ‫إىل متوالية من الصور المتساقطة عىل الشاشة‬
‫مهمة السينما أن تخلق االستعارة ف ي� صميم‬ ‫ّ‬ ‫كتساقط المطر‪.‬‬
‫أن لغة‬ ‫أ‬ ‫انت� مصطلح “السينما الشعريّة” منذ زمن‬ ‫وقد ش‬
‫ساسية الثانية فهي ّ‬
‫الواقعية‪ّ .‬أما الفكرة ال ّ‬
‫السينما هي “بال�ض ورة لغة شعريّة”‪ ،‬ذلك أنها‬ ‫الباحث� إىل سنة ‪،)7(1908‬‬ ‫ين‬ ‫بعيد يرجعه أحد‬
‫نس‬ ‫ئ‬
‫مثلها مثل لغة الشعر تتألف من صور إيحائية‬ ‫والسينما� والمرسحي الفر ي‬ ‫ي‬ ‫واعت� الشاعر‬‫ب‬
‫متتابعة ت‬ ‫أ‬
‫أن السينما هي القدر عىل‬
‫عالما موازيًا للعالم‬ ‫تق�ح عىل المتلقي ً‬ ‫“جان كوكتو” ّ‬
‫الواقعي‪ ،‬فالصور ف ي� السينما هي “صور رمزيّة‬ ‫أن هدفه‬ ‫التجسيد الشعري للعالم وباح عن ّ‬
‫فلسفية فما‬ ‫ّ‬ ‫فنية ال‬
‫فإذا كانت لغة السينما لغة ّ‬ ‫من إخراج ش�يطه “دم شاعر” إنَّما هو ف ي� المقام‬
‫أ‬
‫الجبارة عىل أن تكسو الحالم‬ ‫ويعد المخرج‬ ‫الول تصوير قصيدة برصيّة(‪.)8‬‬ ‫أ‬
‫ذاك إال لقدرتها ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ظر‬‫بازولي�” من أبرز من ن ّ‬ ‫ن‬ ‫يطال “بيار باولو‬
‫شكل وصور ًة وصوتًا بفضل هويّتها االستعاريّة‬ ‫ي‬ ‫ال ي‬ ‫إ‬
‫أساسا” ‪.‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ً‬ ‫فنيا بما أخرجه‬ ‫وجسده ًّ‬ ‫لتيار “السينما الشعريّة”‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫البعد‬
‫يستع� من السينما ُ‬ ‫ي‬ ‫ول� كان الشعر‬ ‫ئن‬ ‫ب� السينما والشعر‬ ‫من أفالم تنحو منحى المزج ي ن‬
‫الزم� للصور واللقطات‪،‬‬ ‫المشهدي والتقطيع ن‬ ‫ونذكر منها “أكاتونا” (‪ )Acattone‬و”ثيوروم”‬
‫ي‬
‫الفقي لعنارص المشهد عىل غرار‬ ‫والتوزيع أ‬ ‫(‪ )Théorem‬و”ماما روما” (‪.)Mama Roma‬‬
‫فإن السينما‬ ‫ما تقوم به كتابة السيناريو‪ّ ،‬‬ ‫الشه�ة “سينما الشعر” (‪)1965‬‬ ‫ي‬ ‫محا�ته‬ ‫وتعت� ض‬ ‫ب‬
‫واليحاء‬‫تستع� من الشعر االقتصاد والكثافة إ‬ ‫ي‬ ‫لتب� رؤيته إىل هذه المسألة‬ ‫أساسيا ي ِّ ن‬
‫ًّ‬ ‫مرجعا‬
‫ً‬ ‫(‪)9‬‬

‫فإن السينما‬ ‫ين‬


‫المضام� ّ‬ ‫واالنزياح ‪ّ .‬أما من حيث‬
‫(‪)11‬‬
‫واستخالص أهم مقومات السينما الشعريّة‪.‬‬
‫الشعريّة تعالج عاد ًة مواضيع عىل صلة وثيقة‬ ‫ين‬
‫أساسيت� تقوم‬ ‫وكان منطلقه ف� ذلك فكر ي ن‬
‫ت�‬ ‫ي‬
‫وكث�ا ما‬ ‫يز‬ ‫بالحقول أ‬ ‫ف‬
‫يقية‪ ،‬ي ً‬ ‫والميتاف� ّ‬ ‫السطوريّة‬ ‫أوالهما عىل اعتبار الشعر مبثوثًا ي� كل جوانب‬
‫تصدت لقضايا الحياة والموت والحلم والعالم‬ ‫َّ‬ ‫يس� مع الناس ف ي� الشوارع والبيوت‬ ‫الحياة‪ ،‬فهو ي‬
‫الالمنظور‪.‬‬ ‫ولما كانت‬‫كما يستوطن عوالمهم الباطنية‪ّ ،‬‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫‪(7) Christophe Wall-Romana,Cinepoetry: Imaginary Cinemas in French Poetry, New York, Fordham University Press, 2012, p. 13.‬‬
‫(‪ )8‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪(9) Pasolini Pier Paolo, « Le Cinéma de poésie », trad. Marinne Di Vettimo et Jacques Bontemps, dans Cahiers du cinéma , n° 171,‬‬
‫‪Paris,1965.‬‬
‫(‪ )10‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫ال ت‬
‫لك�ونية‪ ،‬عدد ‪ ،133‬أيار‪ /‬مايو ‪.2018‬‬ ‫ف‬
‫بش� القمري‪ .‬انظر مقاله‪ :‬السينما والشعر‪ ...‬مقاربة نظرية عامة‪ ،‬مجلة كلمة إ‬
‫(‪ )11‬توسع ي� ذلك ي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪25‬‬

‫ً‬
‫مستعمل كل ما‬ ‫هروبه بحبيبته والعسس قيام‬ ‫العربي‬
‫ّ‬ ‫الشعر والسينما في األدب‬
‫يمكن أن تستعمله السينما من أضواء وألوان‬ ‫ح� يقف وهو يطالع شعرنا‬ ‫قد يستغرب المرء ي ن‬
‫وديكور وحوار وتقطيع للقطات‪:‬‬ ‫سينما�‬‫ئ‬ ‫العر� القديم‪ ،‬عىل نصوص ذات نز‬
‫م�ع‬
‫ي‬ ‫بيّ‬ ‫ِّ‬
‫أن ّأول ر ّد فعل نذهب‬ ‫ف‬ ‫الشعر والسينما‬
‫واضح رصيح‪ .‬وال شك ي� ّ‬
‫وبيضة خدر ال يرام خباؤها‬ ‫استقرت إليه‬‫َّ‬ ‫إليه هو تكذيب ما باغتنا‪ ،‬وطرد ما‬
‫معجل‬
‫ّ‬ ‫ّعت من هلو هبا غري‬
‫متت ُ‬ ‫نفوسنا من إقرار بانطواء عيون من قصائدنا‬
‫ومعرشا‬
‫ً‬ ‫أحراسا إليها‬
‫ً‬ ‫جتاوزت‬ ‫تعد من صميم الخطاب‬ ‫القديمة عىل فنيات ّ‬
‫طبعا إىل المنطق التاريخي‪،‬‬ ‫السينما�‪ ،‬مستندين ً‬ ‫ئ‬
‫رسون مقتيل‬
‫حراصا لو ُي ّ‬
‫ً‬ ‫عيل‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫إذا ما الثر ّيا يف السامء تعرضت‬ ‫فأ� لشعرائنا القدامى أن يعرفوا السينما أو‬ ‫نّ‬
‫تعرض أثناء الوشاح املفصل‬ ‫لكن هذه الحقيقة ال‬ ‫مجرد السماع؟ ّ‬ ‫يسمعوا بها ّ‬
‫كث�ة قد‬ ‫ف‬
‫فجئت وقد نضت لنوم ثياهبا‬ ‫نصوصا ي‬ ‫ً‬ ‫أن‬
‫يمكن ي� المقابل أن تنفي ّ‬
‫السينما� وهي تشكل أفقها‬ ‫ئ‬ ‫استبطنت المنظور‬
‫املتفضل‬
‫ّ‬ ‫لدى السرت إال لبسة‬ ‫ي‬
‫وتن� كونها الشعري‪.‬‬ ‫التصويري ش ئ‬
‫فقالت‪ :‬يمني اهلل ما لك حيلة‬
‫الحركية وهذا التصوير‬ ‫ّ‬ ‫فلننظر ف ي� هذه المشهديّة‬
‫وما إن أرى عنك الغواية تنجيل‬ ‫ن‬
‫الزما�‬ ‫ب� الرسد‬ ‫الدقيق وهذه المراوحة ي ن‬
‫جتر وراءنا‬ ‫خرجت هبا أميش‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫والتصوير أ‬
‫الفقي ف ي� مقطع دخول امرئ القيس‬
‫مرحل‬
‫َّ‬ ‫عىل أثرينـا ذيـل مرط‬
‫خدر حبيبته‪:‬‬
‫فلام أجزنا ساحة احلي وانتحى‬
‫بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل‬ ‫ويوم دخلت اخلدر خدر عنيزة‬
‫هرصت بفودي رأسها فتاميلت‬ ‫فقالت لك الويالت إنك مرجيل‬
‫عىل هضيم الكشـح ر ّيـا املخلخـل‬ ‫تقول وقد مال الغبيط بنا م ًعا‬
‫عقرت بعريي يا امرأ القيس فانزل‬
‫كث�ة من‬ ‫ً ف‬ ‫ولنا أن ت‬
‫طويل ي� إيراد نماذج ي‬ ‫نس�سل‬ ‫فقلت هلا سريي وأرخي زمامه‬
‫ب� الخطاب‬ ‫العر� القديم للتداخل ي ن‬ ‫الشعر‬ ‫وال تبعديني من جناك املع ّلل‬
‫بي‬
‫ب� هذه‬ ‫ئ‬
‫الشعري والخطاب السينما� ‪ .‬وسيكون ي ن‬
‫ي‬
‫وصف المعركة والصلة المتينة‬ ‫النماذج وال شك ُ‬ ‫ً‬
‫اتصال بالفن‬ ‫وال أصدق من هذا المقطع‬
‫ب� الفارس وفرسه ف ي� معلقة عن�ة‪ ،‬والمحاور ُة‬
‫ت‬ ‫ين‬ ‫مقطع المغامرة‬
‫ُ‬ ‫السينما� ف ي� المعلقة نفسها‬
‫ي‬
‫ئ‬
‫الغزلية ف ي� قصائد عمر بن ربيعة‪ ،‬والمغامر ُة‬
‫ّ‬ ‫ح� وصف الشاعر رس ًدا‪ /‬ورسد وصفًا‬‫العشقية ي ن‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪26‬‬

‫وفنياتها‬‫ّ‬ ‫بجمالياتها‬‫ّ‬ ‫والتعب� عن االفتتان‬ ‫ي‬ ‫وغ� ذلك من النصوص‬ ‫الخمريّة لدى ب يأ� نواس‪ ،‬ي‬
‫ف‬
‫الساحرة‪ ،‬إىل استخدام تقنياتها � ت ن‬ ‫جدا‪.‬‬
‫م� القصيدة‬ ‫ي‬ ‫كث� ً‬‫ي‬
‫ومزج الخطاب الشعري بالخطاب السينما�ئ‬ ‫أيضا أنَّنا إزاء قصائد‬ ‫يع� ً‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫أن ذلك كله ال ي‬ ‫بيد ّ‬
‫سنأ� عىل أمثلة من ذلك الحقًا‪ّ .‬أما ف ي�‬ ‫ي‬
‫مثلما ت‬ ‫أن‬
‫سينمائية بالمع� الدقيق للكلمة‪ .‬فال ريب ّ‬ ‫ن‬
‫خ�ة فقد اندرج هذا االنفتاح ف ي� مسار‬ ‫أ‬ ‫السينما� إىل شعرنا القديم‬ ‫ئ‬ ‫ما ساق الخطاب‬
‫العقود ال ي‬ ‫ي‬
‫أك� ال يهم عالقة الشعر بالسينما حسب‪ ،‬وهو‬ ‫ب‬ ‫ب� الشعر والسينما‪،‬‬ ‫المش�ك الرسدي ي ن‬ ‫ت‬ ‫إنَّما هو‬
‫ب� الجناس الدبية والفنون‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مسار الحواريّة ي ن‬ ‫الرهيف بالعالم من‬ ‫ُ‬ ‫وإحساس كبار الشعراء‬ ‫ُ‬
‫د�‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫حولهم‪ ،‬فاستطاعوا أن يكرسوا قيد البيت‬
‫عامة‪ .‬وهنا ازداد وعي الشاعر بم�وعه ال ب ي ّ‬
‫والف� وصار حضور السينما ف ي� النص أبرز وأشد‬ ‫يّ‬
‫ن‬ ‫ويتمردوا عىل ش�ط وحدة البيت ويخلقوا‬ ‫ّ‬ ‫الشعري‬
‫ب� الشعر والسينما‬ ‫انتشارا‪ .‬وتصل هذه الحواريّة ي ن‬ ‫ً‬ ‫وقصصية‬
‫ّ‬ ‫ف ي� نصوصهم مشهديّة فائقة الحيويّة‬
‫ح� تنشأ القصيدة إعادة كتابة لفيلم‬ ‫أقصاها ي ن‬ ‫تأث�‬ ‫نتحدث عن ي‬ ‫َّ‬ ‫باعثة عىل التشويق‪ّ .‬أما أن‬
‫الفالم‪ ،‬فيصعب حينها التفريق ي ن‬ ‫من أ‬ ‫حتما‬ ‫ف‬
‫ب� النص‬ ‫حقيقي للسينما ي� الشعر‪ ،‬فهذا يستوجب ً‬
‫الشعري والنص السيناريو‪ .‬ومن أ‬ ‫ووعيا لديه بأنه يحتكّ‬
‫المثلة عىل مثل‬ ‫معرفة للشاعر بالسينما ً‬
‫هذه القصائد‪ /‬السيناريو نذكر قصيدة الشاعر‬ ‫التعب�ية الفنية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ويستع� أدواتها‬ ‫ي‬ ‫الجمال‬ ‫ي‬ ‫بأفقها‬
‫الوهاي� “بنجمان بوتون ف ي�‬ ‫بي‬ ‫التونس المنصف‬ ‫ي‬ ‫طبعا وال شك مع تيار الحداثة‬ ‫وقد ابتدأ ذلك ً‬
‫ت‬ ‫حبة ملح”‬ ‫الع�ين‬ ‫الثا� من القرن ش‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ال� أعاد فيها كتابة سيناريو فيلم‬ ‫والتجديد ي� النصف ي‬
‫(‪)12‬‬
‫ي‬
‫“حكاية بنجمان بوتون الغريبة” (‪The Curious‬‬ ‫رواد مدرسة الشعر الحر كالسياب‬ ‫عىل أيدي ّ‬
‫ال يم� يك‬ ‫‪ )Case of Benjamin Buton‬للمخرج أ‬ ‫البيا� وبلند‬ ‫ت‬ ‫ونازك المالئكة وعبدالوهاب‬
‫ي‬
‫عجائ� ظهر سنة‬ ‫فين�”‪ ،‬وهو فيلم‬ ‫“دفيد ش‬ ‫يتطور‬ ‫ّ‬ ‫وظل‬ ‫َّ‬ ‫الحيدري وصالح عبدالصبور‪،‬‬
‫بي‬
‫ين‬
‫السبع�‬ ‫شيخا ف ي�‬ ‫ويرسخ مع أ‬
‫‪ 2008‬ويروي قصة رجل ولد ً‬ ‫الجيال الالحقة إىل أن بلغ أوجه مع‬
‫يتدرج ف ي� العمر شي ًئا فشي ًئا إىل أن عاد‬ ‫ثم أخذ َّ‬ ‫أنس الحاج‬ ‫ظهور قصيدة الن� وازدهارها مع ي‬
‫ث‬
‫الوهاي� هذه‬ ‫ف‬
‫أن المهم ي� تجربة‬
‫بي‬ ‫رضيعا‪ .‬بيد ّ‬ ‫ً‬ ‫ومحمد الماغوط‪ ،‬ورسكون بولص وأمجد نارص‪...‬‬
‫أنه استطاع أن يحافظ عىل الشعري وهو يكتب‬ ‫الوىل‬ ‫اتخذ االنفتاح عىل السينما ف� بداياته أ‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫السيناريو‪“ :‬ثم يكون لنا بيت وامرأةٌ‪ ..‬ويكون لنا‬ ‫اعت� فيه استحضار‬ ‫“إيديولوجيا” ب‬ ‫ًّ‬ ‫مضمونًا فكريًّا‬
‫أك� م ّنا‬ ‫أ‬
‫أبنا ْء‪ /‬البنا ْء!؟‪ /‬سيكونون عىل أية حال ب‬ ‫السينما عنوانًا للحداثة والتجديد‪ ،‬وقد تراوح‬
‫البا ْء‪ /‬ما دام الواحد منهم يولد ف ي�‬ ‫بكث� نحن آ‬ ‫والتغ� بفضائلها‬ ‫ن‬ ‫ذلك من الكتابة عن السينما‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫تك�‪ ،‬دار المهى ش‬ ‫ت‬
‫للن�‪ ،‬تونس‪ ،2010 ،‬ص‪.9‬‬ ‫الوهاي�‪ ،‬أشياء السيدة ي‬
‫ال� نسيت أن ب‬ ‫بي‬ ‫(‪ )12‬المنصف‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪27‬‬

‫الست� كما نحن ولدنا‪ /‬ال يم�ض ي يوم‬ ‫السبع� أو ي ن‬


‫ين‬
‫يأ� يوم يأخذ فيه‬ ‫ت ت‬
‫إال كنا أصغر مما ك ّنا‪ /‬ح� ي‬
‫البنا ْء‪ /‬إن نحن‬ ‫البناء بأيدينا‪ /‬يوم يتوعدنا فيه أ‬ ‫أ‬
‫ب� أصابعهم‪ /‬وذهبنا نلعب أبعد من‬ ‫تسللنا من ي ن‬
‫حارتنا‪ /‬أو إن نحن رجعنا بعد هبوط الليل إىل‬
‫البنا ْء‪ /‬أن نتهجى الكون‬ ‫م�لنا‪ /‬يوم فيه يع ّلمنا أ‬ ‫نز‬
‫الشيا ْء‪( /‬هذا باب‪..‬‬ ‫بأصوات طفولتنا‪ /‬ونسمي أ‬
‫هذا شباك‪ ..‬هذا قط‪ ..‬هذا عصفور‪ ..‬هذا كوب‪..‬‬
‫أرستنا أو‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫هذا ما ْء‪ /)..‬ويهدهدنا البنا ْء‪ /‬ي� دفء ّ‬
‫ف� برد ليالينا ويغنون لنا‪ /‬ويقص علينا أ‬
‫البنا ْء‪/‬‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫أطفال‬ ‫ت‬
‫الحيوانات‪ /‬ح� لكأنّا نصحبها‬ ‫ْ‬ ‫قصص‬
‫“� الفلوات(‪. ”)...‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫سعدا ْء‪ /‬ي� الغابات و‪ /‬ي‬
‫(‪)13‬‬

‫وجوه من انفتاح الشعر العربي على‬


‫السياب‬
‫ّ‬ ‫بدر شاكر‬
‫الخطاب السينمائي‬
‫نجد حضور هذه التقنية ف ي� الشعر ف ي� البناء‬ ‫وجوها‬
‫ً‬ ‫العر� المعارص يلمس‬ ‫ف‬
‫الناظر ي� الشعر ب ي‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫ال�‬ ‫ن‬
‫و� المراوحة يب� المشاهد ي‬ ‫الرسدي الم ّتبع‪ ،‬ي‬
‫ّ‬ ‫السينما� ف ي�‬
‫ي‬
‫ئ‬ ‫كث�ة من توظيف تقنيات الخطاب‬
‫ي‬
‫تتضام‬
‫ّ‬ ‫منفصل بعضها عن بعض لكنها‬‫ً‬ ‫تبدو‬ ‫القصيدة‪.‬‬
‫معا لتكوين المشهد العام الذي ال سبيل إىل‬ ‫ً‬
‫تحديد الداللة العامة للقصيدة إال بحسن فهمه‬ ‫المونتـاج ‬
‫ولعل أشهر‬‫اللمام بكل عنارصه الفرعية‪َّ .‬‬ ‫بعد إ‬ ‫ف‬
‫“عملية تقنية ي� السينما‬ ‫ت‬
‫المونتاج أو ال�كيب هو‬
‫أ‬ ‫ّ‬
‫المثلة عىل توظيف هذه التقنية شعريًّا قصيدة‬ ‫ب� عنارص عديدة لتكوين‬ ‫تنب� عىل الربط ي ن‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫“أنشودة المطر” لبدر شاكر السياب‪ .‬فقد انطلق‬ ‫عملية اختيار لقطات‬
‫مجموع متكامل‪ ،‬وهو كذلك ّ‬
‫عي� الحبيبة‬ ‫ن‬
‫الشاعر من صورة بك�ى هي صورة ي‬ ‫نسق‬
‫للفيلم من الصور الخام العديدة حسب ٍ‬
‫العين� ف ي� البداية‬
‫ين‬ ‫فشبه‬
‫أقامها عىل التشبيه‪ّ ،‬‬ ‫صوتيا كما ف ي� تركيب ش�يط‬
‫ًّ‬
‫ما‪ ،‬وقد يكون ت‬
‫ال�كيب‬
‫يعدد‬ ‫بغابة النخيل ساعة السحر ثم انرصف ّ‬ ‫صو�”(‪.)14‬‬‫ت‬
‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )13‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10-11‬‬
‫(‪ )14‬برواوي عجينة‪ ،‬مساءالت نقديّة‪ ،‬منشورات سعيدان‪ ،‬سوسة‪ -‬تونس‪،2001 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.301‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪28‬‬

‫الذا� عن بغداد‪ ،‬فالصوت المجهول‬ ‫الخطاب ت‬ ‫فت�‪ ،‬أقواس السحاب‪ ،‬البحر‪،‬‬ ‫ال� ي ن‬‫المشبه به‪ :‬ش‬
‫ي‬
‫هو الخطاب الوصفي الموضوعي عنها‪“ :‬بغداد‬ ‫ليل‪ ،‬الصياد الحزين‪.‬‬ ‫الطفل اليتيم‪ ،‬الخائف ً‬
‫كب�‪( /‬لواحظ المغنية‪ /‬كساعة تتكّ ف ي�‬ ‫مبغى ي‬ ‫التشبيهية متناثرة‬
‫ّ‬ ‫أن هذه الصور‬ ‫ويبدو للقارئ ّ‬
‫الجدار‪ /‬ف ي� غرفة الجلوس ي� محطة القطار)‪)...( /‬‬
‫ف‬ ‫الخرى ف� الداللة عىل عي�ن‬ ‫أفقيا ال تفوق إحداها أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬
‫بغداد كابوس‪( :‬ر ًدى فاسد‪ /‬يجرعه الراقد‪ /‬ساعاته‬ ‫ف‬
‫جميعا تتضافر ي� ما‬ ‫طن إىل أنها‬‫المرأة‪ .‬وال يتف ّ‬
‫ً‬
‫العوام‪ ،‬والعام ين�‪ /:‬العام جرح‬ ‫اليام‪ ،‬أيامه أ‬ ‫أ‬ ‫بينها لتشكل صورة واحدة هي صورة الوطن‪،‬‬
‫ويك� عند السياب كذلك‬ ‫الضم�)”(‪ .)15‬ث‬
‫ي‬ ‫ناغر ف ي�‬ ‫العراق‪ ،‬إال ف ي� آخر القصيدة‪ .‬وبذلك فقد اعتمد‬
‫غا� والهتافات ف ي� نصوصه‬ ‫أ ن‬ ‫أ‬ ‫الشاعر تقنية التقطيع ت‬
‫إدراج الصوات وال ي‬ ‫السينمائية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وال�كيب‬
‫صوتية صاخبة تجعل‬ ‫ّ‬ ‫خلفية‬
‫ّ‬ ‫مما يخلق فيها‬ ‫ّ‬
‫القارئ يشعر أنه قد فارق عالم النص المغلق‬ ‫الكوالج‬
‫الب�‬‫وانح� ف ي� عالم الحياة المفتوح عىل حركة ش‬ ‫ش‬ ‫الكوالج ي� الصل مصطلح من مصطلحات‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫وأصواتهم‪.‬‬ ‫متنوعة‬‫ّ‬ ‫الرسم‪ ،‬ويقوم عىل إلصاق عنارص‬
‫ف ي� صلب اللوحة‪ .‬وقد انتقلت هذه التقنية‬
‫الكـام�ا‬
‫ي‬ ‫عيــن‬ ‫من الرسم إىل السينما وذلك بإدخال المخرج‬
‫سينمائية اعتمدتها بكثافة السينما‬‫ّ‬ ‫هي تقنية‬ ‫القصة (كالقطع‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� الفيلم عنارص غريبة عن‬
‫(فيللي�‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الواقعية الجديدة‬ ‫يطالية ذات نز‬
‫ال�عة‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫إ‬ ‫الوثاثقية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الموسيقية‪ ،‬والصور‬
‫ّ‬
‫وروسلي�) وسينما الموجة الجديدة بفرنسا‪.‬‬ ‫ن‬ ‫أيضا‪ ،‬إذ لجأ‬ ‫ويك� الكوالج عند بدر شاكر السياب ً‬ ‫ث‬
‫ي‬
‫ع� المم ّثل‬ ‫ن‬
‫وتقوم عىل مرافقة آلة التصوير ي َ‬ ‫تجل عن الحرص إىل إقحام أصوات‬ ‫ف ي� نصوص ّ‬
‫المتفرج‬
‫ّ‬ ‫المتحرك خارج االستوديو‪ ،‬فيتنقّل معه‬ ‫ّ‬ ‫خارجية أو تبدو كذلك ف ي� صلب القصيدة‪ .‬نذكر‬
‫وينفعل النفعاالته ويشاركه أحاسيس القلق‬ ‫ح� وآخر‬ ‫ب� ي ن‬‫قوس� ي ن‬
‫ب� ي ن‬ ‫من ذلك الجمل الواردة ي ن‬
‫والخوف والذّ عر(‪.)16‬‬ ‫ب�‬ ‫ف� قصيدة “المبغى”‪ ،‬فنشأ ف� النص تجاوب ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أك� التقنيات السينمائية‬ ‫وتعت� هذه التقنية ث‬ ‫ب‬ ‫صوت� صوت الشاعر من جهة وصوت غريب‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫العر�‪ ،‬وقد كان‬ ‫حضورا ي� النص الشعري‬ ‫ف‬ ‫تماما عن‬ ‫ً‬ ‫ف‬
‫بي‬ ‫ً‬ ‫منفصل ً‬ ‫مجهول يبدو ي� الظاهر‬
‫تأث�اتها أن كرست امتداد الخطاب الذا�ت‬
‫ي‬ ‫من ي‬ ‫الخفي‬
‫ّ‬ ‫خطاب الشاعر لكنه ف ي� الحقيقة وجهه‬
‫المبا� ورتابته وأضفَت عىل القصيدة أبعا ًدا‬ ‫ش‬ ‫الحقيقي الذي يزيد مقول الشاعر عن بغداد‬ ‫ّ‬
‫رسدية مشهدية حيوية ت َّتسم باالنغراس ف ي�‬ ‫وتأكيدا‪ ،‬فإذا كان صوت الشاعر هو‬ ‫ً‬ ‫تحقيقًا‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )15‬بدر شاكر السياب‪“ :‬المبغى”‪ ،‬ديوان أنشودة المطر‪ ،‬دار العودة‪ ،‬يب�وت‪ ،1989 ،‬ص‪.449-450‬‬
‫(‪ )16‬بوراوي عجينة‪ ،‬مساءالت نقديّة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.299‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪29‬‬
‫العر� المعارص من ذلك‪ :‬إقامة حوار ي ن‬
‫ب�‬ ‫مشهدا‬
‫ً‬ ‫المكا�‪ ،‬فيشعر القارئ أنه يتابع‬ ‫ن‬ ‫الفضاء‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫يؤوله‬ ‫أ‬
‫متحركًا أمامه‪ .‬ومن المثلة عن هذا التوظيف نذكر‬
‫كث�ين حول موضوع أو مشهد ِّ‬ ‫أشخاص ي‬
‫كل واحد منهم وفق رؤيته الخاصة ومستوى‬ ‫ليلية” ألمل دنقل‪ :‬نتوه ف ي� القاهرة‬ ‫“بكائية ّ‬ ‫قصيدة ّ‬
‫إدراكه‪ ،‬أو إلقاء لغز يتعاور عىل فكّ شفراته‬ ‫الز َمنا‪ /‬نفلت من ضجيج سياراتها‪،‬‬ ‫العجوز‪ ،‬ننىس َّ‬
‫و� النهاية يفاجئهم صاحب اللغز بحل لم‬ ‫ث ف‬ ‫ت‬
‫المتسول�‪ /‬تظلنا محطة الم�و مع‬ ‫ين‬ ‫وأغنيات‬
‫ك� ي‬ ‫ٌ‬
‫ف‬ ‫أبك‬ ‫ين‬
‫أي منهم‪ .‬ولدينا ي� قصيدة “الطفل”‬ ‫يتوقعه ّ‬ ‫يبك وط ًنا‪ ..‬وكنت ي‬ ‫المساء‪...‬متعب�‪ /‬وكان ي‬
‫جيد‬ ‫الشعار‪ /‬نسألها أين‬ ‫وطنا‪ /‬نبك إىل أن تنضب أ‬
‫التونس محجوب العياري مثال ّ‬ ‫ي‬ ‫للشاعر‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫عىل استعمال هذه التقنية‪ ،‬إذ تنطلق القصيدة‬ ‫أ‬
‫خطوط النار؟‪ /‬وهل ترى الرصاصة الوىل هناك‪..‬‬
‫يم� “فوق الماء”‪،‬‬ ‫بالخبار عن ظهور الطفل ش‬ ‫أظل طول الليل ال يذوق‬ ‫والن‪ ..‬ها أنا‪ّ /‬‬ ‫أم هنا؟‪ /‬آ‬
‫ي‬ ‫إ‬
‫كث�ين‬ ‫ين�ي الشاعر ينقل تأويل أشخاص ي‬ ‫ثم ب‬ ‫ساع� الملقاة ف ي� جواري‪/‬‬‫ي‬
‫جف� وس ًنا‪ /‬أنظر ف� ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫ف‬ ‫عابرا من نقط التفتيش والحصار‪/‬‬ ‫ين‬
‫اختلفوا ي� تأويل صورة ذلك الطفل‪ :‬باعة‬ ‫ح� تجي َء‪ً /‬‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫كب� البحارين‪ ،‬ثم يظهر‬ ‫الميناء‪ ،‬عجوز‪ ،‬تف�‪ ،‬ي‬ ‫تبك‬
‫ت َّتسع الدائرة الحمراء ي� قميصك البيض‪ ،‬ي‬
‫مصدقًا ف ي� الوقت‬
‫ّ‬ ‫الشاعر ويؤكد رؤيته الطفل‬ ‫تكست ف ي� “النقب” رأيتك‪/‬‬ ‫شج ًنا‪ /‬من بعد أن ّ‬
‫بقية التأويالت‪“ :‬كان البحر مساء‪ /...‬كانت‬ ‫تسأل�‪“ :‬أين رصاصتك؟” ‪.‬‬ ‫ن‬
‫نفسه ّ‬
‫(‪)17‬‬
‫ي‬
‫الشمس ترقص فوق رسير الماء‪ /،‬وكان الضوء‪/‬‬
‫كنت‪/‬‬‫وكنت‪ /‬وكانت‪ُ /‬‬‫وكان الطفل‪ /‬وكان الغيم‪ُ /‬‬ ‫تعدد زوايا ال َّنظر‬
‫ُّ‬
‫وك ّنا‪ /...‬ك ّنا‪.)19(”..‬‬ ‫ف‬
‫اعتمد الشعراء ي� سياقات عديدة تقنية تذكّر‬
‫بتقنية زوايا التقاط الصورة ‪Angles de prise de‬‬
‫المخطّطات والمسو ّدات‬ ‫النفسية‬ ‫الفالم‬‫‪ ،vue‬وهي “تقنية تعتمد كث�ا ف� أ‬
‫ّ‬ ‫يً ي‬ ‫ُ‬
‫يقوم الخطاب الشعري أحيانًا عىل محاكاة‬ ‫والبوليسية عىل وجه الخصوص‪ ،‬وفيها يروي ّكل‬ ‫ّ‬
‫الملخص‬ ‫أ‬
‫السيناريو محاكاة مطلقة‪ ،‬فاتّخذ صبغة ّ‬ ‫ساعيا إىل‬
‫الخاصة ً‬
‫ّ‬ ‫شاهد الحداث حسب نظرته‬
‫‪ Synopsis‬وفيه يعرض الشاعر وقد غدا كاتب‬ ‫الدفاع عن وجهة نظره‪ .‬ويتم ّثل دور المف ّتش‬
‫اضيا لما سيحدث‬ ‫ُّ ت‬ ‫الحداث حسب منطق يس ّلم‬ ‫ف� إعادة تركيب أ‬
‫وتصو ًرا اف� ًّ‬ ‫موج ًزا‬
‫سيناريو‪َ ،‬‬ ‫ي‬
‫فتجف‬ ‫ساسية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ن (‪)18‬‬
‫الجا�” ‪.‬‬ ‫للوصول إىل حقيقة‬
‫ّ‬ ‫وتصو ًرا للمشاهد ال ّ‬‫ُّ‬ ‫من وقائع‬ ‫ي‬
‫ئ‬ ‫لغته ت‬ ‫ف‬
‫كث�ة ي� الشعر‬
‫المر� المحايد‪.‬‬
‫يّ‬ ‫وتق�ب من العرض‬ ‫والستعمال هذه التقنية طرائق ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫مدبول‪ ،‬القاهرة‪ ،1995 ،‬ص‪.144-145‬‬ ‫(‪ )17‬أمل دنقل‪“ :‬بكائية ليلية”‪ ،‬أ‬
‫العمال الشعريّة الكاملة‪ ،‬دار العودة‪ -‬مكتبة‬
‫ي‬
‫(‪ )18‬مساءالت نقديّة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.307‬‬
‫باب�وس‪ ،‬نابل‪ -‬تونس‪ ،2004 ،‬ص‪.27‬‬ ‫(‪ )19‬محجوب العياري‪ ،‬الطفل‪ ،‬مطبعة ي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪30‬‬

‫أمل دنقل‬

‫جد� تأكل حكاياتها‪/‬‬ ‫ت‬ ‫أن استعمال هذه التقنية قد ساد‬ ‫وقد الحظنا ّ‬
‫جدا‪ /‬يرتدي بذلة السهرة‪ /‬ي‬ ‫ً‬
‫بعد صالة العشاء‪ /‬البار أغلق أبوابه‪ /‬وطرد‬ ‫الن� بد ًءا من‬‫الموجة الجديدة من كتابة قصيدة ث‬
‫خارجا‪ /‬ولم يكن ف ي� مسافة الليل‪ /‬يغ�‬ ‫ً‬ ‫زبائنه‬ ‫والع�ين‪ .‬فتكاد الذات‬ ‫ش‬ ‫مطلع القرن الحادي‬
‫طابًا هجرته‬ ‫رجل قادم من بعيد‪ /‬ويشبه ح ّ‬ ‫الشاعرة تصل بمبدأ الحياد إىل أقصاه وتغدو‬
‫أشجار الغابة”(‪.)20‬‬ ‫صوتًا أجوف ال روح فيه وال موقف له‪ ،‬كأنه آلة‬
‫ال� رأيناها للتعالق ي ن‬
‫ب�‬ ‫ت‬
‫إن هذه الوجوه ي‬ ‫ّ‬ ‫كاتبة تنقل محتويات المشهد دون تأويل أو‬
‫ف‬
‫السينما� ي� الشعر‬‫ئ‬ ‫الخطاب الشعري والخطاب‬ ‫تفس� أو توجيه‪ .‬وبذلك تتيه القصيدة ف ي� أشياء‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫ب� به الرومنطيقيون‬ ‫العر� المعارص تؤكد ما ش َّ‬ ‫بي‬ ‫العالم أو لع ّله العالم يتيه ي� كلمات القصيدة‪.‬‬
‫ال�اوج يب�ن‬‫حتمية ت ز‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫منذ ما يزيد عن قر ين� من‬ ‫المغر� عبدالله‬
‫بي‬ ‫مثال عىل ذلك للشاعر‬‫ون�ض ب ً‬
‫الدبية وانفتاحها عىل سائر الفنون‪،‬‬ ‫الجناس أ‬ ‫أ‬ ‫�ء ّما”‪ “ :‬ليس إال‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫المتقي ي� قصيدته “ ي‬
‫جماليا تتطلع إىل‬ ‫ًّ‬ ‫الشعري أفقًا‬
‫َّ‬ ‫واتخاذها جميعا‬ ‫مصباح يرسل‪ /‬زفرات من الموت‪ /‬قط كالعادة‪/‬‬
‫ط�انها نحوه ال تعدم أن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ث‬
‫بلوغ مراقيه‪ ،‬وهي ي� ي‬ ‫صديق� الكردية‪/‬‬
‫ي‬ ‫يبع� قمامة أزبال بالستيكية‪/‬‬
‫ت�احم ويتعلق بعضها بأجنحة بعض‬ ‫تز‬ ‫جبل�‪ /‬صديقي البورجوازي‬ ‫ب� ي ن‬ ‫تقاتل بنهم ي ن‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫نا�ون وموزعون‪ ،‬عمان‪ ،‬أ‬
‫الردن‪ ،2019 ،‬ص‪.36‬‬ ‫(‪ )20‬عبدالله المتقي‪ ،‬تمارين تسخينية تل�ويض القلق‪ ،‬آ‬
‫الن ش‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪31‬‬

‫التكوين السينمائي‬
‫للصورة الشعر ّية‬
‫وائل عيسى‪ /‬سورية‬

‫السينما‪ ،‬ف ي� استخدام‬ ‫الشعر ت‬ ‫عرص تتواصل‬ ‫ف‬ ‫َل ْي َس‬


‫فن ِّ‬‫يق� ُب ِمن ِّ‬ ‫فن ِّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫بخاف عىل أحد أنَّنا ِب ْت َنا ي� ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أن‬
‫الصورة دون ْ‬ ‫عرص َّ‬ ‫َ‬ ‫ليما�‬
‫يَ‬
‫ش‬ ‫أدواته وطرقه‪،‬‬ ‫ش� أمور الحياة‪،‬‬ ‫الم َتباعدات‪ ،‬وتتقارب فيه ت َّ‬ ‫فيه ُ‬
‫وخصوصيتها الشعريّة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لغت ِه‬
‫يتخل َعن ِ‬ ‫ّ‬ ‫أصبحت تمتح من‬ ‫ْ‬ ‫وكذا هي حال الفنون؛ فقد‬
‫تغي� طرأ عىل القصيدة منذ‬ ‫ي‬ ‫“أهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولعل‬ ‫وكث�ا ما تتداخل وتتشابك‪،‬‬ ‫بعضا‪ ،‬ي ً‬ ‫بعضها ً‬ ‫عيون ِ‬
‫أ‬ ‫عر ال تُفلت منه ِج ّدةٌ‪ ،‬وال‬
‫نشوئها إىل يومنا هو تب ّنيها لسلوب المونتاج‬ ‫الش َ‬ ‫أن ِّ‬ ‫وانطالقًا ِمن َّ‬
‫ا ّلذي استحدثته السينما”(‪ ،)1‬إذ ت‬ ‫يمر بها‬ ‫ظ ِ ت‬ ‫حوال وال ّ‬ ‫أ‬
‫الصورة‬ ‫اق�بت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال� ُّ‬ ‫روف ي‬ ‫يُرهقه تَ َت ُّب ُع ال ِ‬
‫ينما�‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫ف‬
‫الس ي‬ ‫الشعريّة ي� تكوينها من نظام ال ّتكوين ّ‬ ‫الصلة بما‬ ‫شديد ِّ‬ ‫ُ‬ ‫يحتويه‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬ ‫المجتمع الذي‬
‫ئ‬
‫ينما�‪،‬‬
‫الس ي ّ‬ ‫الشاعر بات عارفًا بتقنية المونتاج ّ‬ ‫وكأن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ع�‬
‫للمجتمعات ب َ‬
‫ِ‬ ‫احة الفكريَّ ِة‬ ‫الس ِ‬ ‫يطرأُ عىل َّ‬
‫تحول‬ ‫شعري‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫محو ًل إيّاها إىل تقنية مونتاج‬ ‫ّ‬ ‫السينما‬ ‫فن ِّ‬ ‫أن ّ‬ ‫شكل ومضمونًا‪ ،‬بتنا نجد ّ‬ ‫العصور ً‬ ‫ِ‬
‫المتخيلة إىل صورة أقرب إىل‬ ‫ّ‬ ‫الصورة الذّ ّ‬
‫هنية‬ ‫ّ‬ ‫وكام�ا‪)...‬‬
‫ي‬ ‫أدوات ِ(ق َّصة‪ ،‬سيناريو‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِب َما فيه ِمن‬
‫فيتحول بذلك المتلقّي‪/‬‬ ‫المشاهدة المحسوسة‪،‬‬ ‫إن‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫العر� الحديث‪ ،‬إذ َّ‬ ‫الشعر ب ي ِّ‬ ‫جل ي� ِّ‬ ‫ملم ٌح ي ّ‬ ‫له َ‬
‫ف‬
‫“إن‬
‫شاهد‪ ،‬لهذا يمكن القول‪ّ :‬‬ ‫القارئ إىل ُم َت َل ٍق‪ُ /‬م ِ‬ ‫فكر قا ِرئها‪،‬‬ ‫هدت) ي� ِ‬ ‫(تمش ْ‬ ‫ْ‬ ‫المقاطع الشعريّة‬ ‫َ‬
‫أ‬
‫الراوية ي� الدب هو‬ ‫ف‬ ‫ئ‬
‫ينما� (لصوت) ّ‬ ‫الس ي ّ‬ ‫المقابل ّ‬ ‫شكل ِ(ق َّصة أو‬ ‫ِ‬ ‫تبلو َر ْت عىل‬ ‫الشاعر َ‬ ‫وأفكار َّ‬ ‫َ‬
‫(ع�) آلة ال ّتصوير” ‪.‬‬ ‫ين‬ ‫(لقطات)‬ ‫ع�‬ ‫سيناريو)‪ ،‬تنق ُلها ّ‬
‫الصور ُة الشعريّة ب َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ٍ‬
‫المهمة عن‬ ‫(الكام�ا) هي ما ّ‬
‫يتول‬ ‫إذًا‪ ،‬هذه ي ن‬
‫الع�‬ ‫اعر المطروحةَ ‪ ،‬وبذلك بات‬ ‫قضيةَ ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الش ِ‬ ‫ّ‬ ‫تخدم‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪32‬‬

‫الع� سيصل‬ ‫فإن ّكل ما تراه هذه ي ن‬ ‫الراوي‪ ،‬وبذلك ّ‬ ‫ّ‬


‫للمشاهد وال ّلقطات‬ ‫عملية مونتاج َ‬ ‫ّ‬ ‫إلينا بعد‬
‫تيب‪،‬‬ ‫تركيب وتر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وإيصال‪ّ ،‬ثم‬
‫ٍ‬ ‫المر ّئية؛ ِب َق ْ‬
‫ط ٍع‬ ‫َ‬
‫أ‬
‫عم‬‫طابع ال ّ‬ ‫هائية‪“ ،‬فال ّ‬
‫الصورة ال ّن ّ‬
‫ح� تصل إلينا ّ‬ ‫تّ‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫الصور ّ ي‬ ‫وكث� ِمن ّ‬ ‫للصورة هو كونها مر ّئية‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫حسي ٍة لها مع ذلك ي� الحقيقة تراب ٌ‬
‫ط‬ ‫تبدو يغ� ّ‬
‫لتصق بها” ‪ ،‬يقول مصعب‬ ‫(‪)3‬‬
‫وم ٌ‬ ‫باهت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مر�‬ ‫ئ‬
‫ي ٌّ‬
‫وتية ف ي� قصيدة “فصل الخريف”(‪:)4‬‬ ‫يب� ّ‬

‫ف ي� ش�فة من وشوشات ال ّليل‪...‬‬


‫الممرغ ف ي� دمي‬
‫ّ‬ ‫تنأى ب ي� عن العشق‬
‫الحروف‬‫ْ‬ ‫وتضيع ف ي� غيم‬
‫الخريف‬
‫ْ‬ ‫بَ َدأ‬
‫متاهات الهوى‬ ‫ِ‬ ‫َوأَنا ي ُ‬
‫أس� إىل‬
‫حالم يَ ْسكُ ُن ِ ن ي�‪...‬‬‫أ‬
‫طيف ِمن ال ِ‬ ‫ٌ‬
‫بيروتية‬
‫ّ‬ ‫الشاعر مصعب‬ ‫َوأَزهاري تَ ِش ْي ُخ عىل يَدي‪...‬‬
‫الح ِّب وحدي‪...‬‬ ‫ف‬
‫َوضا ِئ ٌع ي� ُ‬
‫فكل َل ٍ‬
‫قطة‬ ‫جملة ِمن الصور يغ� ت‬
‫الم�ابطة؛ ّ‬ ‫من ٍ‬
‫أ‬
‫منطقيا عن الخرى‪ ،‬لك ّنها تجتمع عن‬ ‫منفصلةٌ‬
‫ًّ‬ ‫تكون ِمن خمس‬ ‫عري ّ‬ ‫الش ّ‬
‫أن المشهد ّ‬ ‫كيف َّ‬
‫رأينا َ‬
‫مع� لنأ‬
‫ّ‬ ‫مشهدا له ن ً‬‫ً‬ ‫لتكون‬
‫طريق المونتاج ّ‬ ‫أس�‬
‫مغرقة ي� الخيال‪ ،‬هي (تنأى ب ي�‪ -‬أنا ي‬
‫ف‬
‫لقطات َ‬
‫ٍ‬
‫نسيق ِلصور‪ -‬حركة‬ ‫ال�كيب‪ ،‬هو ال ّت ُ‬ ‫“المونتاج هو ت ّ‬ ‫ن‬
‫حالم يَ ْسكُ ُن ي�‪-‬‬ ‫أ‬
‫طيف ِم َن ال ِ‬ ‫إىل متاهات الهوى‪ٌ -‬‬
‫للزمن”(‪ ،)5‬ومن‬ ‫مبا�ة ّ‬‫تقوم بتأليف صور يغ� ش‬ ‫الح ِّب َوحدي)‪،‬‬ ‫ف‬
‫ضائع ي� ُ‬ ‫تشيخ عىل يدي‪ٌ -‬‬ ‫أزهاري ُ‬
‫الزمن‬ ‫ف‬
‫أن ّ‬ ‫المالحظ ي� المشهد الشعري السابق َّ‬ ‫والضياع يناسبهما أن يكون المشهد‬ ‫والخيال ّ‬
‫الزهار شاخت عىل يدي‬ ‫مر رسيعا‪ ،‬لدرجة أن أ‬ ‫(ليليا) ث‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وكأن هذه‬ ‫ّ‬ ‫(صباحيا)‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫أك� من كونه‬ ‫ًّ‬
‫ن‬
‫الشاعر‪ /‬الشخصية‪ ،‬ناهيك عن الربط يب� زمن‬ ‫ف‬
‫ال ّلقطات هي ومضات خاطفة ي� عتمة ال ّليل‪،‬‬
‫تز‬
‫المخ�ل‬ ‫الرواية (وهو الخريف) وزمن المشهد‬ ‫الضياع‬ ‫أن حالة ّ‬ ‫المتلقِّي‪ /‬المشاهد من ّ‬ ‫لك يتيقّن ُ‬ ‫ي‬
‫من قبل الشاعر‪ ،‬فارتبطت الشيخوخة بالخريف‬ ‫الح ّب‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫(وضائع ي� ُ‬‫ٌ‬ ‫كان ال ّبد منها ي� ال ّنهاية‬
‫االخ�ال ف ي� الزمن والربط‬ ‫تز‬ ‫والشخصية‪ ،‬وهذا‬ ‫الشعري‬ ‫وحدي)‪ ،‬وبذلك تركّبت صورة المشهد ّ‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪33‬‬

‫للصورة الشعريّة‪ ،‬وطريقة عرضها عىل الورق‬ ‫الفكار وتنسيقها هو أحد مزايا المونتاج ف ي�‬ ‫ب� أ‬ ‫ين‬
‫يُشابه التكثيف ف ي� الصورة السينمائية وطريقة‬ ‫القصيدة الحديثة‪.‬‬
‫فالصورة الشعريّة الحديثة‬‫عرضها عىل الشاشة‪ّ ،‬‬ ‫إمكانيات‬ ‫ّ‬ ‫السينما‬
‫المونتاج صانعي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ومثلما أعطى‬
‫ت‬
‫عب� بما أتاح لهم من االق�اب‬ ‫ف‬ ‫ث‬
‫ينمائية من ناحية البنية‬
‫الس ّ‬ ‫الصور َة ّ‬‫باتت تُشابه ّ‬ ‫أك� رحابة ي� ال ّت ي‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫الكام�ا‪،‬‬ ‫ال� تدور أمام‬ ‫ت‬
‫الصورة ي� الفيلم “عالم من‬ ‫وال ّتكوين‪ ،‬ل َّن ّ‬ ‫ي‬ ‫أو االبتعاد من الواقعة ي‬
‫اخلية تحقّق من خالل ترتيبها نسقًا‬
‫الد ّ‬ ‫العالقات ّ‬ ‫متعددة‪ ،‬وإطالة الزمن أو‬ ‫وال ّنظر إليها من زوايا ّ‬
‫خاصا يقوم عىل أساس االرتقاء من الحقيقة‬ ‫ًّ‬ ‫مكانيات‬ ‫ال ّ‬ ‫اعر هذه إ‬ ‫الش َ‬ ‫تكثيفه‪ ،‬كذلك أعطى ّ‬
‫ن‬
‫المجردة إىل المع� العام” ‪.‬‬ ‫يائية‬ ‫يز‬
‫الف� ّ‬ ‫جديدين‪ ،‬فقد‬ ‫أيضا‪ ،‬حيث بات يخلق مكانًا وزمانًا‬
‫(‪)7‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ف‬
‫زمان قد ال نعرفه‪ ،‬وبات‬ ‫خي َل ي� ٍ‬ ‫يكون المكان ُم َت ّ‬
‫ويخ�ل‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ال� يريد إظهارها‪،‬‬ ‫ت‬
‫كاميرا الشعر‬ ‫يتحكّم بال ّتفاصيل ّ ي‬
‫الشعر ناشئةً عن الخيال كان‬ ‫ف‬ ‫اخ�اله‪ ،‬مكتشفًا واقعا جديدا ينطلق �ف‬ ‫ما يريد ت ز‬
‫الصورة ي� ِّ‬ ‫ّلما كانت ّ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ َِ‬
‫ناظر إىل آخر‪،‬‬ ‫ُنظر فيها مختلفةٌ ِمن ٍ‬ ‫لكل م ّنا وجهة ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫المعاش والمحسوس‪،‬‬ ‫الوقت نفسه ِمن واقعه ُ‬
‫شاهد مع‬ ‫ئ‬ ‫ف‬ ‫عري “هو ف ي� قلب القصيدة‪ ،‬فهي‬
‫الم ِ‬ ‫ينما� “يتطابق ُ‬ ‫الس ي ّ‬ ‫بينما ي� الفيلم ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫فال ّتصوير ّ‬
‫ف‬
‫إن ما تراه‬ ‫الكام�ا”(‪ )8‬ي� وجهة ال ّنظر وزاويته‪ ،‬أي ّ‬ ‫ي‬ ‫تكون صورة َّتم تنسيقها‬ ‫تستطيع بذاتها أن ّ‬
‫الزاوية ذاتها‪،‬‬ ‫الكام�ا يراه المشاهد فقط ومن ّ‬ ‫ي‬ ‫من جملة صور لم تكن رائجةً إىل زمن الحركة‬
‫نظره عند‬ ‫المشاهد هو ي ن‬ ‫ومانتيكية”(‪.)6‬‬ ‫الر‬
‫الكام�ا‪ ،‬في ْثبت ُ‬ ‫ع� ي‬ ‫وكأن ُ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحرك‬ ‫تحركت‪ ،‬وهذا‬ ‫ف‬
‫إن استخدام أسلوب اللقطات ي� تنظيم وترتيب‬
‫ّ‬ ‫ثباتها‪ ،‬ويتحرك معها إذا ّ‬ ‫ّ‬
‫“اليهام باالنتقال” ‪.‬‬ ‫ف‬
‫(‪)9‬‬
‫سميه علماء النفس إ‬ ‫هو ما يُ ّ‬ ‫الصور‪-‬كما ي� المشهد السابق‪ -‬يعتمد عىل قدرة‬
‫ت� الشعريّة‬ ‫الصور ي ن‬‫ب� ّ‬ ‫الكب� ي ن‬ ‫ي‬ ‫َوبَ ْع َد ال ّتقارب‬ ‫المتلقي عىل َس ِّد الفجوات والثغرات الموجودة‬
‫ينمائية بات من الممكن مالحظة وجود‬ ‫والس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� إشارات ال ّنص‪ ،‬فاللقطات هي نقاط َع َّلم‬
‫كام�ا‬ ‫ف‬ ‫محذوف ت ز‬ ‫ٌ‬
‫السينما‪ ،‬ي‬ ‫كام�ا ّ‬ ‫الشعر توازي ي‬ ‫(كام�ا) ي� ّ‬ ‫ي‬ ‫المشاهد‪،‬‬ ‫ومخ�ل من َ‬ ‫تُرشده إىل ما هو‬
‫اعر‪ ،‬وأداتها ال ّلغة‪ ،‬وشاشتها‬ ‫(�فةٌ‬ ‫ال� نجدها ي� المشهد ً ش‬ ‫ف‬ ‫الد ّ ت‬
‫الش ُ‬
‫محركُها ّ‬ ‫ِّ‬ ‫مثل‪ْ ُ :‬‬ ‫وال ي‬ ‫َو ِمن ّ‬
‫أ‬
‫المتاهات‪َ -‬ط ْي ٌف ِم َن الحالم‪-‬‬
‫الصورة‪.‬‬ ‫الصفحة‪ ،‬ونهاية دورانها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما‪ -‬ال ّليل‪ -‬الخريف‪َ -‬‬
‫شاهد‪ /‬المتلقّي‬ ‫الم َ‬ ‫وبات من الممكن أن نضع ُ‬ ‫الح ُّب)‪.‬‬ ‫َضيا ٌع َو َوحدةٌ‪ُ -‬‬
‫ينما�‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫يخ�ل من ال ّلغة إيقا َعها‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫إذًا أصبح الشاعر‬
‫الس ي ّ‬ ‫والشاعر مقابل المخرج ّ‬ ‫الكام�ا‪ّ ،‬‬‫مقابل ي‬
‫ح� ينوي أن يُري المتلق َّي ما يريد أن يراه‪ ،‬ومن‬ ‫ين‬ ‫المتسارع‪ ،‬ليكَون صور ًة شعريةً كثيفة‪� ،‬ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫ال� يريد‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ضيق عباراتها ِل َت َّتسع إمكاناتها‪َ ،‬وي َّتسع‬ ‫ُج َم ٍل تَ ُ‬
‫الزاوية ّ ي‬ ‫ّ‬
‫ومكا�)‪ ،‬وهذا التكثيف‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫(زما�‬ ‫ب� ي ز َ‬ ‫أفقُها ي ن‬
‫عملية ساحرة‪،‬‬ ‫صور هي ّ‬ ‫إن عملية تجسيد ال ّت ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ح�ين ي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪34‬‬

‫والمخيلة إىل‬ ‫الحالم إىل حقيقة‪،‬‬ ‫فهي‪“ :‬تحول أ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫ئ (‪)10‬‬ ‫ش‬
‫العملية تؤكّد عىل اق�اب‬ ‫ّ‬ ‫مر�” ‪ ،‬وهذه‬ ‫� ٍء ي ٍّ‬ ‫ي‬
‫ينمائية‪ ،‬انطالقًا‬ ‫الس ّ‬ ‫الصورة ّ‬ ‫الصورة الشعريّة من ّ‬ ‫ّ‬
‫بعملية‬
‫ّ‬ ‫يتجسد‬‫ّ‬ ‫خيال يمكن أن‬ ‫الشعر ٌ‬ ‫أن ّ‬ ‫من ّ‬
‫مر� ‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫ش‬
‫� ٍء ي ٍّ‬ ‫صور إىل ي‬ ‫ال ّت ُّ‬
‫خاصةٌ ‪ُّ ،‬‬ ‫ف‬ ‫ِّ‬
‫لقطة‬
‫و”كل ٍ‬ ‫لقطة ي� المشهد زاويةٌ ّ‬ ‫لكل ٍ‬
‫من الفيلم تُع� عن وجهة نظر”(‪ ،)11‬وكذلك �ف‬
‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫بّ‬
‫عري هناك وجهة نظر وزاوية رؤية‬ ‫الش ّ‬ ‫المشهد ّ‬
‫ال� تتحكّم‬ ‫ت‬
‫الكام�ا لغويًّا‪ ّ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫تحددهما حركة‬ ‫ّ‬
‫بحجم ال ّلقطة (‪ ،)SHOT SIZE‬وحجم ال ّلقطة‬
‫إن “مفهوم أحجام‬ ‫ليس المقصود به طولها؛ إذ َّ‬
‫العامة‪،‬‬‫ّ‬ ‫عالميا هي ال ّلقطة‬ ‫ًّ‬ ‫ال ّلقطات المتعارفة‬
‫المتوسطة‪ ،‬وال ّلقطة القريبة” ‪.‬‬
‫(‪)12‬‬
‫ّ‬ ‫وال ّلقطة‬
‫متعدد ٌة ف ي�‬‫ّ‬ ‫موضوعات‬
‫ٌ‬ ‫ماذا إن كانت هناك‬
‫الشاعر فايز الع ّباس‬ ‫أي‬
‫الكام�ا؟ ومن ّ‬ ‫ي‬ ‫المشهد‪ ،‬كيف ستكون حركة‬
‫ظر إليها؟‬ ‫سي ْن َ‬ ‫زاوية ُ‬
‫فستتوزع ال ّلقطات عىل ّكل ما ف ي� المشهد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪)13‬‬
‫لنأخذ هذا المقطع من قصيدة “حكايا ناقصة”‬
‫والكام�ا‬
‫ي‬ ‫وتناسب هذا المشهد لقطة ‪ PAN‬أفقية‪،‬‬ ‫العباس‪:‬‬ ‫لفايز ّ‬
‫تتحرك حركةً دائريّةً لتصف المكان‪ ،‬فهنا (نهر)‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ورقية تهوي إىل البحر)‪( ،‬خيمة)‪(،‬وردة)‪،‬‬ ‫(سفينة ّ‬ ‫يُحىك‪:‬‬
‫فالكام�ا‬ ‫و� ال ّنهاية (عينان ذابلتان ترتقبان)‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫سي َد الوقت القديم‬
‫يك� ّ‬
‫نهر ّ‬ ‫هنا ٌ‬
‫يصب ف ي� البحر‪ ،‬فنشاهد‬ ‫ّ‬ ‫تس� مع ال ّنهر إىل أن‬‫ي‬ ‫سفينة ورقية تهوى إىل البحر البعيد‬
‫الكام�ا حركتها الدائريّة‪،‬‬ ‫السفينة‪ّ ،‬ثم تُكمل‬ ‫السفر المفاجئ‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫وخيمة ت�بّص ّ‬
‫لتصل إىل الشاطئ‪ ،‬حيث توجد الخيمة‪ّ ،‬ثم‬ ‫تغربت‬ ‫أ‬
‫زل ّثم ّ‬
‫مكانها ال ي ّ‬ ‫وردة نسيت جذور‬
‫العين� الذابل َت ي ن�‪ ،‬بلقطة قريبة‬‫ين‬ ‫تس� إىل تلك‬ ‫يخبئه‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫عينان ذابلتان ترتقبان ي‪ �-‬قلق الهوادج‪ -‬ما ّ‬
‫مشاهدته‬‫ُ‬ ‫وكأن ّكل ما ّتم ْت‬
‫(‪ّ ،)THE CLOSE-UP‬‬ ‫الرحيل‪.‬‬
‫العين�‪ ،‬وهذه‬‫ين‬ ‫ف� المشهد كان من خالل ي ن‬
‫هات�‬ ‫ي‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫�ء؛‬ ‫وتفس كل ي‬
‫هم‪ ،‬فهي ت�ح ّ‬ ‫ال ّلقطة هي ال ّ‬ ‫(يُحىك)‪ :‬المشهد إذًا رواية وجهة نظر حياديّة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪35‬‬

‫توجيهية عامة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ف ي� ذلك المشهد”(‪ ،)17‬وهي لقطة‬ ‫الشاشة لديها قدرة‬ ‫الب�يّة عىل ّ‬‫“الع� ش‬ ‫ين‬ ‫أل ّن‬
‫تصور‬ ‫ف‬
‫تتضمن الحركة كلها ي� المشهد بأكمله‪ّ ،‬ثم ّ‬ ‫تعب�يّة هائلة”(‪ ،)14‬فيستطيع المشاهد أن يقرأ‬ ‫ي‬
‫اللقطات القريبة تل�كّز عىل التفاصيل المراد‬ ‫مشاعر الشخصية من خاللها‪ ،‬لكونها نافذة‬
‫إبرازها‪ ،‬وهي تصف الحساس أو االنطباع أ‬
‫ال ّول‬ ‫الشخصية إىل العالم‪ّ ،‬ثم ت ّتسع بعد ذلك‬
‫إ‬
‫ال� تُعرض عىل الشاشة‪،‬‬ ‫ت‬
‫شاهد مع الصورة ي‬ ‫للم ِ‬
‫ُ‬ ‫متوسطةً ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ّلقطة ف ي(� قلق الهودج) لتصبح لقطةً‬
‫اليهام إىل أبعد مدى‪ ،‬يك‬ ‫فهي تذهب به بمبدأ إ‬ ‫مر ًة أخرى إىل ال ّلقطة القريبة ذاتها‪ ،‬لكونها‬ ‫لتعود ّ‬
‫ت‬
‫الشخصية معها‪ ،‬وح� يُصبح‬ ‫يخوض تجربة‬ ‫ف‬
‫هي ال ّلقطة الجوهريّة ي� المشهد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورقيا‪.‬‬
‫جز ًءا ِمن المادة المعروضة برصيًّا‪ًّ /‬‬ ‫تبعا لوضع المشهد‬ ‫كث�ة ل َّلقطات ً‬
‫وهناك أنواع ي‬
‫ف‬
‫وال� يتم تحديدها ي� النص المعد‬ ‫ت‬
‫العام‪ ،‬ي‬
‫الديكور واإلضاءة‬
‫للتصوير‪ ،‬فبعض ال ّلقطات تخص أ‬
‫الفعال ا ّل ت ي�‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باق�ابها من السينمائية توثّق‬ ‫إن الصورة الشعريّة ت‬ ‫خصيات‪ ،‬وبعضها هو ردود فعل‬
‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫تقوم بها ّ‬
‫ب� اللغة والصورة‪ ،‬حيث تتضافر‬ ‫ث‬
‫العالقة أك� ي ن‬ ‫للشخصيات ‪ ،‬والشاعر المعارص بات يراعي ّكل‬ ‫(‪)15‬‬
‫ّ‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫أدوات اللغة ك ّلها لتو ّلد الصورة النهائية‪ ،‬ي‬
‫وال�‬ ‫العباس ي� قصيدة‬ ‫الوضعيات تلك‪ ،‬يقول فايز ّ‬ ‫ّ‬
‫مكونة من أشكال‬ ‫“حا�ون رغم الغياب” ‪:‬‬ ‫ض‬
‫تبدو عبار ًة عن رموز بَرصيّة َّ‬ ‫(‪)16‬‬

‫ومعا� نفسية أو‬ ‫ن‬ ‫وألوان وحركات تحمل دالالت‬


‫ي‬
‫اجتماعية أو فكرية‪...‬‬ ‫هذا الحضور ُم َعق ٌَّد‬
‫السينما� ‪-‬كما �ف‬‫ئ‬ ‫والصورة ف ي� المشهد الشعري‬ ‫مثل الغياب‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫مرة‬ ‫الصورة السينمائية‪“ -‬ال يمكن أن تحتوي ي� ّكل ّ‬ ‫غامضا‬
‫ل ّن شي ًئا ً‬
‫جزء محدد من المكان‪ ،‬فهي جز ٌء ُمنتقًى‬ ‫إال عىل ٍ‬ ‫يدنو ويهمس عن يسارك‪:‬‬
‫وأهميتها بت�ز من قدرتها عىل‬ ‫ّ‬ ‫ومك َّث ٌف من الواقع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫غائبون‬
‫ن (‪)18‬‬
‫المكا�” ‪ ،‬وهذا المكان هو‬ ‫ي‬ ‫اليحاء بالوضع‬ ‫إ‬ ‫صمتكَ‬
‫وأنت ترصخ ِمل َء ِ‬
‫بكل محتوياته داخل‬ ‫الكام�ا ّ‬ ‫ي‬ ‫صوره عدسة‬‫ما تُ ّ‬ ‫حا�ون!‬ ‫ض‬
‫الضيقة‪.‬‬‫المشهد بحدوده ّ‬
‫المكا� ‪-‬الذي تجري فيه‬ ‫ن‬ ‫إن هذا الفضاء‬ ‫ّ‬ ‫الحضور ُمعق ٌّد) هي لقطةٌ‬ ‫إن لقطة (هذا‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫أ‬ ‫عامة‪ ،‬وهي لقطة تستخدم عادة‬
‫الحداث ويُشكِّل مرسح التصوير بما يحتويه من‬ ‫تأسيسية ّ‬
‫ّ‬
‫ديكور وإضاءة وألوان‪ -‬هو ما يُط َلق عليه اسم‬ ‫ومصممة إليفاء‬ ‫“� بداية مشهد‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ي� السينما ي‬
‫علم كانت بداياته مع‬ ‫“السينوغرافيا”(‪ ،)19‬وهو ٌ‬ ‫العامة‪ ،‬وتوجيههم نحو‬‫ّ‬ ‫المشاهدين بالهيئة‬
‫أيضا‪،‬‬ ‫أ‬
‫المرسح‪ ،‬ومع مرور الوقت شمل السينما ً‬ ‫العام وعالقة الشياء ببعضها البعض‬ ‫ّ‬ ‫المزاج‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪36‬‬

‫والم�وع ف ي� الوقت ذاته‬ ‫ش‬ ‫لوحات للمكان‬ ‫كالرسام يرسم‬ ‫ف‬


‫لكن الغريب‬‫شي ًئا ما‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وبات السينوغر يا� ّ‬
‫ويمل مساحاتها‬ ‫أ‬ ‫طط لها‪،‬‬ ‫المشاهد‪ ،‬ويُخ ّ‬ ‫ف‬
‫ج�انه)‪ ،‬إذ‬ ‫هو أدوات الديكور ال ّتالية‪( :‬أحذية ي‬ ‫ي� َ‬
‫للج�ان؟ وما‬ ‫وي�ك مساحات‬ ‫واللوان‪ ،‬ت‬ ‫بالديكور والضاءة أ‬
‫كيف يمكن للمتلقّي أن يعرف أنّها ي‬ ‫إ‬
‫سبب وجودها ف ي� هذه الغرفة؟‬ ‫أخرى‪.‬‬
‫ش‬ ‫عمل ك ُّل من‬ ‫نصه يوازي َ‬ ‫ف‬ ‫أضحى ُ‬
‫ي�ع “آالن كاسبيار” للمخرج ‪-‬الذّ ي هو ّ‬
‫الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫عمل الشاعر ي� ِّ‬
‫ئ‬
‫السينما�‪،‬‬ ‫ف‬
‫والم َص ِّور ي� الفيلم‬
‫الديكور الذي يناسب مشهده‬ ‫هنا‪ -‬استخدام ّ‬ ‫ي‬ ‫الكاتب والمخرج ُ‬
‫تقريبا‬ ‫الديكور بك ّليته‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ف‬
‫وبالتال فهو سيقوم بعمل السينوغر يا� ً‬
‫ً‬ ‫وتصديقه‪ ،‬إذ “قد يحيد ّ‬ ‫ي‬
‫اليومية” ‪ ،‬وهذا‬
‫(‪)21‬‬
‫الشياء ف ي� حياتنا‬ ‫عن مظهر أ‬ ‫مستندا ي� ذلك ك ّله إىل اللغة ودالالتها‪ ،‬ففي‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ما يجعلنا نفهم هذه القصديّة‪ ،‬إنها الخرف‬ ‫لمحمد العثمان يقول ‪:‬‬
‫(‪)20‬‬
‫ّ‬ ‫(موت ُم َؤ ّج ٌل)‬
‫ٌ‬ ‫قصيدة‬
‫الذي يسيطر عىل ِّكل ما ف ي� المنظر(أنا والصورة‬
‫والوسائد)‪.‬‬ ‫الخ َر ُف‬ ‫َ‬
‫المكونة لبنية‬ ‫الضاءة إحدى المفردات‬ ‫أن إ‬‫كما َّ‬ ‫صور� المع ّلقة‬ ‫ت‬ ‫أصاب‬ ‫ا ّلذي‬
‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫صب َح عىل جميع الوسائد المستيقظة‬
‫الخراجي‬ ‫والضاءة ي� الحقل إ‬ ‫المنظر ي� المشهد‪ ،‬إ‬ ‫تعود أن يُ ِّ‬ ‫َّ‬
‫محدد‪،‬‬
‫الساقط عىل سطح ّ‬ ‫ف� غرف�ت‬
‫“كمية الضوء ّ‬ ‫هي‪ّ :‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫إيحا� يتشكّل‬ ‫ئ‬ ‫ن‬
‫لتضيف إليه مع� محد ًدا‪ّ ،‬إما‬ ‫لكن‬
‫يّ‬
‫معناه ف ي� ذهن المتلقّي أو داللة واضحة تشكّل‬ ‫لم يكن بمقدوره أن يد ّلكَ ال ّنائمة منها‬
‫أن‬
‫يع� ّ‬ ‫مع الموجودات تكوي ًنا محد ًّدا”(‪ ّ ،)22‬ن‬
‫مما ي‬ ‫يمس ظهرها‪....‬‬ ‫ح� ّ‬ ‫أو ت ّ‬
‫جينة ب ي�‬ ‫ف‬
‫الضاءة‪“ ،‬فالضوء‬ ‫لمجرد إ‬ ‫ّ‬ ‫إضاءة المشهد ليست‬ ‫الس ِ‬ ‫ي� هذه الغرفة ّ‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫ال يتيح لنا أن نرى وجود الشياء ي� المكان الفيلمي‬ ‫منذ تسعة أشهر‬
‫كيفية تشكيلها‪ ،‬واتجاهات‬ ‫ّ‬ ‫أيضا‬
‫فقط‪ ،‬بل ً‬ ‫جميعا‪ ....‬أنا والصورة والوسائد‪...‬‬ ‫ً‬ ‫تعودنا‬‫ّ‬
‫استدارتها والمسافات الفاصلة بينها” ‪.‬‬
‫(‪)23‬‬
‫أن ند ّلكَ ظهر ذلك الخرف‬
‫والشاعر المعارص استخدم أدواته إلضاءة‬ ‫ج�انه‪.‬‬ ‫ونمسح أحذية ي‬
‫مشاهده وفق مقتضيات المشهد العام‪ ،‬يقول‬
‫محمد العثمان(‪:)24‬‬ ‫محدد (منذ‬
‫الزمان‪ :‬يغ� ّ‬
‫داخل‪ /‬الغرفة‪ّ ،‬‬
‫ي‬ ‫المكان‪:‬‬
‫أشهر)‪ ،‬فهي غرفة مسجونة‪ ،‬لم تعد‬ ‫ٍ‬ ‫تسعة‬
‫بر ٌد ٌ‬
‫وليل‬ ‫ّ‬
‫فيتجل‬ ‫تعرف أوقات الزمن‪ّ .‬أما ديكور المنظر‬
‫حالم ‪ ....‬ومسافةٌ ي ن‬
‫ب� الغصون وظ ّلها‬ ‫ٌ‬ ‫وارتباكٌ‬ ‫(الصورة المع ّلقة‪ ،‬الوسائد المستيقظة‪،‬‬‫ّ‬ ‫ف ي�‪:‬‬
‫فء‬ ‫ف‬
‫الد ِ‬
‫قد أرسفوا ي� ّ‬ ‫للديكور‬
‫منطقية ّ‬
‫ّ‬ ‫أدوات‬
‫ٌ‬ ‫الوسائد ال ّنائمة)‪ ،‬وهي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪37‬‬

‫ساس‪ ،‬فإنّه يفيد ف ي�‬ ‫أ‬


‫ّ‬ ‫للضوء ال ي‬
‫الجانب المقابل ّ‬
‫ساس” ‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تخفيف ال ّ‬
‫الضوء ال ي ّ‬ ‫ال� يصنعها ّ‬
‫ظالل ي‬
‫(‪)26‬‬

‫خاتمة‬
‫بات الشاعر المعارص يستند إىل العالقات‬
‫الصور الشعريّة‪ ،‬لتحقيق‬ ‫ب� ّ‬ ‫ال� تربط ي ن‬ ‫ت‬
‫الداخلية ي‬
‫ّ‬
‫فن‬
‫الشعري‪ ،‬عن طريق استجالب ّ‬ ‫ّ‬ ‫المشهد‬
‫والزمن‪ ،‬ويركز عىل‬‫يخ�ل الحدث ّ‬ ‫ت‬
‫المونتاج الذي ز‬
‫أهم تفاصيل الصورة‪ ،‬ويربط الصور ببعضها‬ ‫ّ‬
‫بعضا‪ ،‬لتشكيل الصورة الكلية للمشهد‪.‬‬ ‫ً‬
‫الشاعر أن يجعل القارئ‬ ‫كما أصبح بإمكان ّ‬
‫ال� يريد‪،‬‬ ‫ت‬
‫نصه وصوره من الزاوية ي‬ ‫يشاهد ّ‬
‫يحركها كيفما شاء‪ ،‬من‬ ‫كام�ا ّ‬‫وكأنه مصور بيده ي‬ ‫الشاعر محمد العثمان‬
‫خالل الكام�ا اللغوية‪ ،‬وملء فراغات المكان �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫نصه‪ ،‬عن طريق استخدام الديكور‪ ،‬واالستعانة‬ ‫ّ‬ ‫يك يَ ِلجوا قصيدتك الخصيبة‬
‫بالضاءة‪ ،‬ليوازي عمله بذلك عمل السينوغرا�ف‬ ‫لك يتناسلوا‬
‫أو ي‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ف ي� رسم المناظر‬ ‫ف ي� أفق رحمك‬
‫المع� ت‬
‫اس� َّدك‬ ‫ن‬ ‫ك ّلما‬
‫كم كنت وحدك‪.‬‬
‫الهوامش‬
‫(‪ )1‬الدوخي (حمد محمود)‪ :‬المونتاج الشعري ف ي�‬ ‫مشهد ليل‪ ،‬ورغم أنّنا ال نرى قرينة ش‬
‫مبا�ة‬ ‫إنّه‬
‫ٌ ي ٌّ‬
‫(ب� الغصون‬ ‫للضاءة فيه ّإل أنّنا نلمس ظلًّ ي ن‬ ‫إ‬
‫القصيدة العربية المعارصة‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات‬
‫اتحاد الكتاب العرب‪ ،2009 ،‬ص‪.15‬‬ ‫يدل عىل وجود إضاءة‪ ،‬وإن كان‬ ‫مما ّ‬ ‫وظ ّلها)‪ّ ،‬‬
‫(‪ )2‬ت‬ ‫مجهول‪ ،‬من هنا جاء ال ّتالعب ي ن‬
‫ب� ال ّنور‬ ‫ً‬ ‫مصدرها‬
‫عل‬‫السينما‪ ،‬جعفر ي‬‫جاني� (لوي دي)‪ :‬فهم ّ‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫(ترجمة)‪ ،‬منشورات عيون‪ ،‬المكتبة السينمائية‪،-8‬‬ ‫عب�‬
‫وحاسم ي� ال ّت ي‬ ‫ٌ‬ ‫ظ ّل‪ ،‬وهذا ال ّتالعب ّ‬
‫“مهم‬ ‫وال ّ‬
‫عن خصائص الشياء وعالقاتها تلك” ‪ ،‬من‬
‫(‪)25‬‬ ‫أ‬
‫‪ ،1993‬ص‪.69‬‬
‫(‪. )3‬م‪.‬ن‪ :‬ص‪.21‬‬ ‫يسمى بالضوء‬ ‫نحس بوجود ما ّ‬ ‫ّثم نستطيع أن َّ‬
‫كنت أراوغ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )4‬يب�وتية (مصعب يوسف)‪:،‬‬ ‫الكام�ا عىل‬
‫ي‬ ‫التكميل “وا ّلذي يوضع عاد ًة قرب‬
‫ي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪38‬‬

‫لقطة‪ ،‬ص‪.172‬‬ ‫والعالم‪،‬‬‫ظل‪ ،‬مجموعة شعرية‪ ،‬دائرة الثقافة إ‬ ‫ّي‬


‫إل�)‪ :‬ال ّتمثيل‬ ‫(‪ )15‬ينظر‪ :‬أوبراين (ماري ي ن‬ ‫الشارقة‪ ،‬الدورة ‪ ،2014 /18‬ص‪.59‬‬
‫ئ‬ ‫الصورة‪ -‬الحركة أو فلسفة‬
‫ينما�‪ ،‬رياض عصمت (ترجمة)‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫الس ي‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )5‬دولوز (جيل)‪ّ :‬‬
‫المؤسسة العامة للسينما‪ ،‬ط‪ ،2012 ،2‬ص‪.63‬‬ ‫الصورة‪ ،‬حسن عودة (ترجمة)‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات‬
‫سعيدا‪،‬‬ ‫ت‬
‫مو�‬ ‫وزارة الثقافة‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )16‬العباس (فايز أحمد)‪ :‬فليكن ي‬
‫رياض عصمت (ترجمة)‪ ،‬دمشق‪ ،‬المؤسسة‬ ‫الصورة الشعريّة‪،‬‬ ‫(‪ )6‬دي لويس (سيسل)‪ّ :‬‬
‫العامة للسينما‪ ،‬ط‪2012 ،2‬م‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫الجنا�‪ ،‬مالك يم�ي‪ ،‬وسلمان‬ ‫بي‬ ‫أحمد نصيف‬
‫(‪ )17‬غاتز(ستيفن)‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.486‬‬ ‫حسن إبراهيم (ترجمة)‪ ،‬الجمهورية العراقية‪،‬‬
‫والضاءة‬‫(بي�)‪ :‬جماليات التصوير إ‬ ‫س�نس ت‬ ‫والعالم‪ ،‬سلسلة الكتب‬ ‫منشورات وزارة الثقافة إ‬
‫(‪ )18‬ب ي‬
‫السينما وال ّتلفزيون‪ ،‬فيصل اليارسي (ترجمة)‪،‬‬ ‫ف‬ ‫الم�جمة (‪ ،1982 ،)121‬ص‪.14‬‬ ‫ت‬
‫ي� ّ‬
‫بغداد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،1992 ،‬‬ ‫السدي إىل‬ ‫(‪ )7‬عموري (سعيد)‪ :‬من ال ّنص ّ‬
‫ص‪.13‬‬ ‫ينما� قراءة ف ي� اشتغال المصطلحات‪،‬‬ ‫ئ‬
‫الس ي‬ ‫الفيلم ّ‬
‫والنسانية‪،‬‬ ‫أ‬
‫(‪ )19‬ينظر‪ :‬عيد (كمال)‪ :‬سينوغرافيا المرسح بع�‬ ‫الكاديمية للدراسات االجتماعية إ‬
‫للن�‪،1998 ،‬‬ ‫العصور‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الدار الثقافية ش‬ ‫الداب والفلسفة‪ ،‬العدد‪،2015 ،13‬‬ ‫قسم آ‬
‫ص‪.5‬‬ ‫ص‪.16‬‬
‫(‪ )20‬العثمان‪ ،‬محمد طه‪ :‬سدرة الموت‪ ..‬شهوة‬ ‫السينما� لقطة‪..‬‬ ‫ئ‬ ‫الخراج‬ ‫(‪ )8‬غاتز(ستيفن)‪ :‬إ‬
‫ي‬
‫الوطن‪ ،‬مجموعة شعرية‪ ،‬دار نينوى‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫بلقطة‪ ،‬أحمد نوري (ترجمة)‪ ،‬الجمهورية‬
‫‪ ،2014‬ص‪.54‬‬ ‫اللبنانية‪ ،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬ط‪،2015 ،2‬‬
‫ئ‬
‫ينما�‪ ،‬وداد‬ ‫ص‪.326‬‬
‫الس ي‬ ‫(‪ )21‬كاسبيار (آالن) ‪ :‬ال ّتذوق ّ‬
‫عبدالله (ترجمة)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المرصية‬ ‫(‪ )9‬ينظر‪ :‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪ 326‬وما بعدها‪.‬‬
‫العامة للكتاب‪ ،1989 ،‬ص‪.45‬‬ ‫السينما� لقطة‪..‬‬ ‫ئ‬ ‫الخراج‬
‫(‪ )10‬غاتز(ستيفن)‪ :‬إ‬
‫ي‬
‫(‪ )22‬التميمي (مصطفى عبيد دفاك)‪ :‬الحل‬ ‫بلقطة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫الخراجي وعالقته بوحدة الموضوع‪ ،‬مجلة‬ ‫إ‬ ‫(‪ )11‬م‪.‬ن‪ :‬ص‪.359‬‬
‫العالمي‪ ،‬العدد‪ ،8‬آذار‪ ،2010 ،‬ص‪.224‬‬ ‫الباحث إ‬ ‫(‪ )12‬م‪.‬ن‪ :‬ص‪.169‬‬
‫ئ‬ ‫سعيدا‪،‬‬ ‫مو�‬ ‫ت‬
‫ينما�‪ ،‬ص‪.45‬‬ ‫الس ي‬ ‫(‪ )23‬كاسبيار (آالن)‪ :‬ال ّتذوق ّ‬ ‫ً‬ ‫(‪ )13‬العباس (فايز أحمد)‪ :‬فليكن ي‬
‫(‪ )24‬م‪.‬ن‪ :‬ص‪.28‬‬ ‫والعالم‪،‬‬ ‫مجموعة شعرية‪ ،‬دائرة الثقافة إ‬
‫(‪ )25‬م‪.‬ن‪ :‬ص‪.46‬‬ ‫الشارقة‪ ،‬الدورة ‪14/2010‬م‪ ،2011 ،‬ص‪.93‬‬
‫(‪ )26‬م‪.‬ن‪ :‬ص‪.46‬‬ ‫ئ‬
‫السينما� لقطة‪..‬‬ ‫الخراج‬
‫(‪ )14‬غاتز (ستيفن)‪ :‬إ‬
‫ي‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪39‬‬

‫سينمائية اللقطة الشعر ّية‬


‫ّ‬
‫محمد طه العثمان‪/‬سورية‬

‫ح� قبل ظهور‬ ‫تق�ب من اللقطة السينمائية ت‬ ‫ت‬ ‫إن االنتقال الشعري ضمن مفهومات الحداثة‬ ‫ّ‬
‫هذا المصطلح‪.‬‬ ‫الشعريّة انطلق إىل نظرة أوسع للعالم ورؤية‬
‫ومع ظهور السينما الحقًا حاول الشعراء‬ ‫للشياء‪ ،‬هذا االنتقال ساعد عىل اكتشاف‬ ‫مغايرة أ‬
‫المعارصون االستفادة من تقنيات هذا الفن ف ي�‬ ‫وخلق‬ ‫ف‬
‫مناطق جديدة ي� هندسة فضاء القصيدة‪َ ،‬‬
‫تشكيل صورهم الشعريّة المبتكرة والخالقة عن‬ ‫الدبية والفنية ف ي�‬‫الجناس أ‬‫ب� أ‬ ‫تمازجيا ي ن‬ ‫أفقًا‬
‫ًّ‬
‫طريق المشاهد‪ ،‬والمونتاج‪ ،‬والوقف‪ ،‬وتوزيع‬ ‫فروعها المختلفة‪ ،‬مما أخرج القصيدة المعارصة‬
‫البنيات الكالمية‪ ،‬والحركة الموسيقية الجديدة‬ ‫من نمطية االشتغال والقول والشمول‪ ،‬كل ذلك‬
‫ن‬
‫الهارمو� المتناغم والمتصاعد للجملة‪،‬‬ ‫ضمن‬ ‫ت�عزع النظرة الكلية‬ ‫ح� بدأت ت ز‬ ‫واضحا ي ن‬ ‫ً‬ ‫صار‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫البداعي‪ ،‬ول َّن لغة الشاعر‬
‫ول َّن لكل خطاب شعري خصوصية‪ ،‬فالنظرة‬ ‫السابقة للفضاء إ‬
‫أ‬ ‫ن‬
‫كونية شاملة‪ ،‬وكونها ترتّب مسافات الب�؛‬
‫أيضا‪ ،‬وهذا ما يجعل‬‫تختلف ل َّن الرؤية تختلف ً‬ ‫لغة ّ‬
‫أي خطاب ينطلق من مشهديّة خاصة تَ ْتبع‬ ‫أ‬ ‫ز‬
‫وتعمل عىل اه�از الساس الفلسفي الذي قامت‬ ‫ت‬
‫لموقف الشاعر ورؤيته للحياة أ‬ ‫نسا� تجاه‬‫عليه ف� الكالم‪ ،‬وتف ّت ُت الموقف إ ن‬
‫والشياء‪ ،‬وعىل‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫ن‬
‫أن هذه الب� قدرت عىل استثمار‬ ‫أ‬
‫ال� يريد الشاعر توصيلها بأي‬ ‫هذا فالصورة ي‬ ‫الشياء‪ ،‬الحظنا َّ‬
‫طريقة كانت؛ سينمائية‪ ،‬أو توصيفية‪ ،‬أو تخيلية‪،‬‬ ‫المشهد البرصي وتحويله إىل مشهد رؤيوي‪،‬‬
‫تطمح إىل تمثيل الشاعر ف ي� نصه‪ ،‬بع� اللغة‬ ‫ال� تحملها القصيدة ضمن مناخها‬ ‫ت‬
‫فالطاقة ي‬
‫ال� يكون عمادها الخيال‬ ‫ت‬ ‫التكوي� من موسيقى والتقاطات تصويرية وطرح‬ ‫ن‬
‫التواترية التتابعية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫أساسا‪.‬‬ ‫بالساس‬ ‫أسئلة مع مفارقات متباعدة‪ ،‬جعلها أ‬
‫ً‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪40‬‬

‫العر� ‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ّأما بالنسبة إىل اللقطة السينمائية فهنا تتماس‬
‫أو ي� المراحل التاريخية المختلفة للشعر ب ي‬
‫يم� قصيدة الشاعرة‬ ‫هذه الخصيصة من أبرز ما ي ز‬ ‫ب� السيناريو والشعر‪ ،‬وإذا‬ ‫المشهدية فيها ي ن‬
‫أن مجموعتها‬
‫السورية إباء الخطيب‪ ،‬حيث وجدنا َّ‬ ‫كانت السينما ف ي� إحدى تجلياتها رسدية مرئية‪،‬‬
‫تكت� عىل تداعيات‬ ‫ألمسك‪!...‬؟) نز‬ ‫ُ‬ ‫(بأي جرح‬ ‫وإن‬
‫فإن الشعر بدأ نشأته برسدية محكية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫مجددة ضمن‬‫السينمائية بقوة‪ .‬فكانت ّ‬
‫ّ‬ ‫المشهديّة‬ ‫طموح الشاعر كان منذ البداية أن تصبح قصيدته‬
‫ف‬ ‫أك�‬ ‫أن ث‬ ‫ف‬
‫حية ي� إطارات عدة؛ من ضمنها‬ ‫شعريّة ممكنة ّ‬ ‫صورة مطبوعة ي� الذاكرة‪ ،‬ونحن نالحظ َّ‬
‫أ‬ ‫طياتها‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫الطار‪ ،‬وقد يكون هذا المر بقصد أو بال‬ ‫هذا إ‬ ‫تأث�ا ي� المتلقّي هي ما تحمل ي� ّ‬ ‫النصوص ي ً‬
‫ف‬
‫همية هذه الظاهرة ي� شعرها وبروزها‬ ‫أ‬ ‫مشهدية اللقطة فيستطيع من خاللها القارئ‬
‫قصد‪ .‬ول ّ‬
‫الالفت تح ّفزنا للكتابة عن هذا الموضوع لنخرج‬ ‫تخيل فضاء الصورة أ‬
‫والحداث‪.‬‬ ‫ّ‬
‫المفاهيمية السائدة‪ ،‬ونحاول‬
‫ّ‬ ‫من سطوة الحداثة‬ ‫لذلك كانت هذه التقنية من أهم العنارص الجاذبة‬
‫أن نخلق شعريّة ممكنة رحبة ضمن أطر تكوين‬ ‫محاول أن يشكّل‬ ‫ً‬ ‫ف ي� الشعر قديمه‪ /‬وحديثه‪،‬‬
‫الجملة عندها‪.‬‬ ‫اضيا ف ي� الزمان والمكان‪ ،‬أو يبتدع‬ ‫حدثًا ن ت‬
‫ويب� اف� ً‬ ‫ي‬
‫عاليا لفعل أو شخصية أو حالة‪،‬‬ ‫وصفًا تصويريًا ً‬
‫العر� منذ‬ ‫ف‬
‫الشعرية‬
‫ّ‬ ‫المبنى السينمائي ل ّلقطة‬ ‫تتبع هذه الحاالت ي� الشعر ب ي‬ ‫ويمكن ُّ‬
‫ئ‬
‫سينما� ي ن‬
‫ح�‬ ‫تتحول إىل ن‬
‫مب�‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫أي لقطة شعريّة ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫َّ‬ ‫الجاهل‬
‫ي‬ ‫كث�ة ي� الشعر‬‫القدم‪ ،‬من خالل نماذج ي‬
‫نسقط الصورة البرصية عىل الصورة التخييلية‬
‫ال� يحاولها الشاعر‪ ،‬مع االعتماد عىل تقنيات‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫العىل‬‫السيناريو‪ ،‬فتهبط الكام�ا الشعرية من أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫الداخل للبنيات‬
‫ي‬ ‫متجهة نحو محتويات الفضاء‬
‫اللغوية بع� لقطات متتابعة ومتباينة أو بالعكس‪،‬‬
‫فيكون هذا المشهد أساسه التقطيع للوحدات‬
‫الخرى برابط‬ ‫الم�ابطة‪ ،‬فكل وحدة ترتبط مع أ‬ ‫ت‬
‫بنا�‪ ،‬لتنتهي هذه الوحدات عىل‬ ‫ئ‬
‫معنوي أو ي‬
‫كل‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعرة ف ي� قصيدة‬ ‫مشهد ي‬
‫خ�ة” ‪:‬‬ ‫أ‬
‫(‪)1‬‬
‫“الرسالة ال ي‬

‫__________________________________________‬
‫ظ� للثقافة‬
‫جرح ألمسك‪..‬؟‪( ،‬أكاديمية أبو ب ي‬
‫(‪ )1‬إباء الخطيب‪ :‬بأي ٍ‬
‫أبوظ�‪ ،)2018 ،‬ص‪.31‬‬
‫بي‬ ‫إمارة‬ ‫المتحدة‪،‬‬ ‫المارات العربية‬ ‫ت‬
‫وال�اث‪ ،‬إ‬ ‫الشاعرة إباء الخطيب‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪41‬‬

‫معا‪ ،‬وجعل الشعريّة‬ ‫ف‬ ‫المشحون‬ ‫يا أيّها‬


‫الحسية والبرصية ي� آن ً‬ ‫ُ‬
‫برغبة‪...‬‬ ‫ف‬
‫تحد ضمن إطار توصيفي أو شعوري‬ ‫الممكنة ال ّ‬ ‫ي� قعر الفراغ ٍ‬
‫ثابت بل متحرك ال يخضع لسلطة شكلية أو‬ ‫ولدت لديكَ ‪ ...‬لتخذلكْ ‪.‬‬
‫ْ‬
‫تفس�يّة‪.‬‬
‫إيقاعية أو ي‬ ‫ّ‬
‫الثا� والثالث‪ ،‬فتتجه اللقطة‬ ‫ن‬
‫البيت� ي‬
‫ين‬ ‫أما ف ي�‬ ‫وقولها ف ي� القصيدة ذاتها‪:‬‬
‫من الداخل نحو الخارج حيث ترصد (الطاقة‬
‫كبلها الحلم‪ ،‬وكل ذلك تَ ّم من‬ ‫ال� ّ‬
‫ت‬
‫الداخلية ي‬ ‫ك ّبل َت ن ي� بالحلم‪..‬‬
‫الداخل‪ ،‬لتتجه نحو الخارج فيثور الخيال عىل‬ ‫ُ‬
‫الخيال‪..‬‬ ‫فانتقض‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫الشمس ي� يع� الفلكْ ‪.‬‬ ‫نصب‬
‫ليتم بعدها إطالق االندفاع والرغبة من‬ ‫الحلم‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫لك َّ‬ ‫ي‬
‫الداخل نحو الخارج‪ ،‬ويَتنج منه صب الشمس‬
‫توهجها الذي يم ّثل قمة العطاء مع االندفاع‪-‬‬ ‫‪-‬مع ُّ‬ ‫سأس� عىل خيط الضياع‪..‬‬
‫ي‬
‫ع� الفلك والمدارات والالمحدود‪.‬‬ ‫ف� ي ن‬ ‫عىل يدي‬
‫ي‬
‫فالمالحظ بشكل ملفت هو طريقة تقسيم هذه‬ ‫أت بكفّها مستقبلكْ ‪.‬‬
‫فلقد قر ُ‬
‫اللقطات ضمن البيت الشعري‪ ،‬وترتيب البيت‬
‫الرصد والتتابع‪ ،‬أو الوقوف عىل‬ ‫البيات تتكون من مشاهد عدة‪،‬‬ ‫نالحظ أن أ‬
‫ضمن منطق َّ‬ ‫َّ‬
‫تج� القارئ عىل‬ ‫راسمها الساس هي مساحة البياض والفراغ‬ ‫أ‬
‫بحد ذاتها دون يغ�ها ب‬ ‫دالالت ِّ‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫محددة ترصدها الشاعرة من‬ ‫النظر إىل مسارات ّ‬ ‫تعمدتها الشاعرة ي� تقطيع البيات؛ تف� ْ‬
‫كت‬ ‫ال� َّ‬
‫ي‬
‫ت‬
‫كام�تها المتوهجة‪.‬‬ ‫الول‬ ‫فراغات بياض قبل كل تقطيع‪ ،‬فالمشهد أ‬
‫خالل ي‬
‫ف‬
‫بك�ة ي� أنحاء المجموعة‪ ،‬وال‬‫المر موجود ث‬ ‫هذا أ‬ ‫الوىل يظهر فيها المخاطب‬ ‫لقطت�‪ :‬أ‬
‫ين‬ ‫يتكون من‬
‫الم�ة‪ ،‬وسنذكر ً‬
‫مثال‬ ‫تكاد قصيدة تخلو من هذه ي ز‬ ‫ف‬
‫متشظ ي� قعر‬ ‫وقد ُش ِحن‪ ،‬واس ُتنفرت طاقاته وهو‬
‫ٍ‬
‫آخر فيها‪ ،‬تقول الشاعر ف ي� قصيدة “الخنساء‬ ‫الفراغ‪ ،‬وهي لقطة ِرس َمت من عدسة خارجية‪ّ ،‬أما‬
‫تر� أوالدها”(‪:)2‬‬ ‫ي ث‬
‫أخ�ا ي‬ ‫ً‬ ‫الثانية فقد أنتجها المشهد الخارجي وتنامى معها‬
‫الداخلية من‬
‫ّ‬ ‫للحساس واللقطة‬ ‫لتكون المصدر إ‬ ‫ّ‬
‫و� ٌّأم تميل الأرض عنها‬
‫بي‬ ‫خالل طريقة العرض ومساحات البياض قبل‬
‫اتكأت‬
‫ْ‬ ‫إذا‬ ‫اللقطة‪ ،‬أال وهي (والدة الرغبة لتخذل صاحبها)‪.‬‬
‫همي‪...‬‬
‫عىل أطراف ِّ‬ ‫ين‬
‫متقابل�‪ ،‬وقد و ّلد الحركية‬ ‫فنحن أمام مشهدين‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )2‬الخطيب‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪42‬‬

‫وتكمل قائلة ف ي� القصيدة ذاتها(‪:)3‬‬

‫أمر بأفرع الزيتون‪..‬‬‫ّ‬


‫أبك‬
‫ي‬
‫فهل يعنيك يا ذا الجود عقمي؟‬
‫الموت رسدابًا‬
‫َ‬ ‫بع� ُت‬
‫بروحي‬
‫ابن َع ّمي‪.‬‬
‫فذا ولدي وذاكَ هو ُ‬

‫انطلقت الشاعرة بمركز محوري ل ّلقطة؛ وهو‬


‫(الم)‪ ،‬فجمعت ف� هذه اللقطة ي ن‬
‫ب�‬ ‫صورة أ‬
‫ي‬
‫الراوي الذي ينقل صورة المشهد؛ ويمثله من‬
‫الكلية‪،‬‬ ‫ف‬
‫ومقسم ي� اللقطة ّ‬ ‫َّ‬ ‫خالل سيناريو مثبت‬
‫وب� المشهديّة‬ ‫يتجزأ شي ًئا فشي ًئا‪ ،‬ي ن‬
‫ّ‬ ‫ثم بدأ‬
‫الوصفية‪.‬‬
‫ّ‬
‫أ‬
‫وبذلك يمكن تقسيم اللقطة إىل (الم)‪ ،‬وهي‬
‫الرض‬ ‫المحور‪ ،‬ومن ثم الحالة عىل ميالن أ‬
‫وجاء البيتان التاليان ليؤكدا ذلك كله‪ ،‬فأكمال‬ ‫إ‬
‫أ‬ ‫ت‬
‫تتك عىل ما يع�ي هذه الم‬ ‫ح� ئ‬ ‫عن مسارها ي ن‬
‫رسم هذه اللقطة ضمن إخراج شعري متقن‪.‬‬
‫ال� أصبحت‬ ‫ت‬ ‫ح�‬‫غم وحرسة‪ ،‬لكن الصورة كانت أوضح ي ن‬ ‫من ٍّ‬
‫‪ .1‬البكاء بالقرب من أفرع الزيتون ي‬ ‫أ‬
‫س�ورة مشهدية‬ ‫مرت عليها ضمن ي‬ ‫عقيما‪ ،‬بعد أن ّ‬ ‫ً‬ ‫حددت الشاعرة فضاء هذا الهم ضمن الطراف‪.‬‬
‫وحركية متناغمة‪.‬‬ ‫فعمدت الشاعرة لدمج أبعاد عدة منها‪ :‬الصورة‬
‫الخر وهو‬‫‪ .2‬نسج خيوط درامية خطابية مع آ‬ ‫البرصية والمونولوج الذي جاء عىل لسان الراوي‬
‫وال�‬‫ت‬ ‫أ‬
‫المتلقي (هل يعنيكَ يا ذا الجود عمقي‪..‬؟) لردم‬ ‫أيضا؛ ي‬ ‫ذاته وهي الم‪ ،‬ومسافات التوتر ً‬
‫الباث والمبثوث إليه‪،‬‬
‫التفجع كلها عند ّ‬‫ُّ‬ ‫فجوات‬ ‫خلقها هذا المشهد ضمن الصورة الكلية للجملة‬
‫الالم وحجم الفجيعة‬ ‫الشعرية ف� التعب� عن آ‬
‫هدفه استعطاف القارئ وإجباره عىل العودة إىل‬ ‫ي‬ ‫ّ ي‬
‫إنسانه البكر‪.‬‬ ‫تع�يها‪.‬‬ ‫ال� ت‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )3‬الخطيب‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪43‬‬

‫(قل‬‫من الدراما الحواريّة للمخاطب ف ي� قولها‪ْ :‬‬ ‫أن الشاعرة حافظت ف ي� أغلب قصائد‬ ‫فنالحظ َّ‬
‫للمسافة) إىل رسد الحدث ّ‬
‫(أل تخيط‪ ......‬العابرة)‬ ‫المجموعة عىل هوية التتابع والتقسيم‬
‫ومن ثم إىل التوصيف العال ف� نقل ما يدور �ف‬ ‫المقصود‪ ،‬ضمن آليات البياض والفراغ‪ ،‬لتعطي‬
‫ي‬ ‫ي ي‬
‫تلك اللحظة الشعريّة المتوهجة لتحيل بعدها‬ ‫فرصة حقيقية للقارئ يك يتأمل ذاته النقية قبل‬
‫بإتقان عىل مشاهد الشعريّة‪ -‬السينمائية‪.‬‬ ‫متابعة القراءة والتوغل ف ي� بنيات النص‪.‬‬
‫أيضا ف ي� قولها بقصيدة‬
‫واضحا ً‬‫ً‬ ‫وهذا ما نجده‬
‫ُّ‬
‫والتوقف‬ ‫آلية القطع‬ ‫“رقصة الذاكرة”‪:‬‬
‫تخيالت‬ ‫هي آلية سينمائية تهدف إىل خلق ّ‬
‫واستفسارات حال السكوت عن ما يجيء بعدها‪،‬‬ ‫قل للمسافة بيننا‬
‫يعمد إليها الشاعر عندما يريد أن يحرك مخيال‬ ‫أال تخيط برملها خطو الدقائق‪..‬‬
‫المتلقي‪ ،‬فال يكمل مقوالته‪ ،‬كآلية قطع المشهد‬ ‫ظل الغيوم العابرة‪.‬‬ ‫فالخطا ُّ‬
‫تك� هذه آ‬
‫اللية ف ي�‬ ‫ف� السينما والسيناريو‪ .‬وعندما ث‬ ‫كنت‬
‫ي‬ ‫حيث ُ‬ ‫أمس التقينا‪ُ ..‬‬
‫لتفج�‬
‫ي‬ ‫كث�ا من التساؤالت‪،‬‬‫الشعر تخلق معها ي ً‬ ‫حبيبة الموت العتيق‬
‫ف‬ ‫خنت مشاعره‪.‬‬
‫تخييل‪،‬‬‫ي‬ ‫دالالت أوسع وتأويالت ال تنتهي ي� إطار‬ ‫وأمس ُ‬‫ِ‬
‫البداعي قضايا بك�ى‬ ‫وخصوصا إذا طرح العمل إ‬ ‫ً‬
‫شد المتلقي‬ ‫تكف عن ّ‬ ‫بصورة درامية متنامية‪ ،‬ال ّ‬ ‫فاشتغال الشاعرة عىل استثمار الحدث من خالل‬
‫ومما جاء ضمن‬ ‫وتحف�ه لولوج عوالم أرحب‪ّ ،‬‬ ‫يز‬ ‫بارزا‪ ،‬واستغالل‬
‫الحوار والحركة والتصوير كان ً‬
‫السينمائية ف ي� مجموعة‬ ‫هذه آ‬
‫ال ّلية الشعريّة‬ ‫ح� الزمان والمكان فيه‪ ،‬مما أكسب المشهد‬ ‫ت‬
‫ّ‬
‫الشاعرة إباء الخطيب‪ ،‬هو قولها ف ي� قصيدة “ال‬ ‫تطور الحدث بحركية‬ ‫درامية متماوجة‪ ،‬وقد ّ‬
‫إل”(‪:)4‬‬
‫تنظر ي ّ‬ ‫خطابية‪ ،‬متخذ ًة الديكور الشعري هوية لذلك‪:‬‬
‫(الخيوط‪ ،‬الرمال‪ ،‬الخطا‪ ،‬الدقائق‪ ،‬ثم تحديد‬
‫فتكلمت‪...‬‬ ‫المس‪ ،‬واللقاء‪ ،‬وفعل الخيانة) فكانت‬ ‫الزمن‪ -‬أ‬
‫ْ‬
‫وحفظ ُتها‪....‬‬ ‫هذه التفاصيل الغطاء المشهدي ل ّلقطة وأداة‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫للتعب� عن الحالة الشعورية ف ي� ذات الشاعرة‪،‬‬
‫مقصلة‪.‬‬ ‫تبد فل َّكل ٍ‬
‫جدع ي� ربيعكَ‬ ‫لغة ّ‬ ‫ي‬
‫وقولها ي� النص نفسه‪:‬‬ ‫ض‬
‫وعن توجسات الحا� وخيانة الطفولة والحب‬
‫ُع ْد ب ي� لعذركَ‬ ‫الخطا�‬ ‫ف� ذاتها أيضا‪ ،‬لينتقل مستوى أ‬
‫الداء‬
‫بي‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )4‬الخطيب‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪44‬‬

‫وحدنا‪..‬‬ ‫ح� لم تمسكْ يدي‪..‬‬ ‫ين‬


‫لم ننتبهْ‬ ‫عد ب ي� له‪ ...‬يك أقب َلهْ ‪.‬‬
‫ْ‬
‫أبك ‪!!..‬‬
‫رصت ي‬‫كم ُ‬
‫أبك ‪ ..‬ثم من يبكيك يغ�ي!!‬ ‫ثم ي‬ ‫إن التوقّف كان سمة هذا التشكُّل المشهدي هنا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫قال‪ :‬أمي‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وهي ما يسميه كمال أبو ديب (مسافة التوتر)‬
‫ح� تن�ك فراغات كالمية قد يعرفها المتكلم من‬ ‫ين‬
‫المج�أ من قصيدة طويلة نالحظ‬ ‫تز‬ ‫ف ي� هذا المقطع‬ ‫الشارة أو عمومية المشهد‪ .‬ونراه ف ي� قول‬ ‫خالل إ‬
‫التوجس والقلق المتدافعة‪ ،‬لذلك جاء‬ ‫ُّ‬ ‫كمية‬ ‫الشاعرة (فتكلمت‪ )...‬نالحظ القطع وعدم إكمال‬
‫التوقف �وري لخذ نفس عميق يتناسب مع‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫مشهدية الصورة‪ ،‬حيث كان ينتظر المتلقي‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫حجم هذا التوجس‪ ،‬وعالمات االستغراب ي‬ ‫ماهية الكالم‪ ،‬لكن التوقف عنه واالنتقال إىل‬
‫ابتناها الموقف‪ ،‬فنمت كلقطات رسيعة متتابعة‬ ‫بنية جديدة (وحفظتها‪ )....‬خلخل هذا االنتظار‬
‫قص�ة مقطوعة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫يأ� الكالم الشارح ف ي� السطر الالحق‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ي� سيناريو يقوم عىل مشاهد ي‬ ‫وال�قب‪ .‬ثم ي‬
‫ال� تتنقل الشاعرة بها كر ٍاو‬ ‫ت‬ ‫بعد أن ترك المتلقي فريسةً لتوقعاته‪.‬‬
‫بعدسة آلة التصوير ي‬
‫حاذق وقَلق‪.‬‬ ‫وهكذا بقيت الشاعرة تتالعب بنا ضمن مساحة‬
‫م�) ـــ (قطع)‪.‬‬ ‫ن‬ ‫برصية ف� البيت الالحق ي ن‬
‫لقطة توصيلية‪( :‬أنت ي‬ ‫(عد ب ي�‬
‫ح� قالت‪ْ :‬‬ ‫ي‬
‫لقطة توصيلية‪( :‬كل ما ينمو بروحي) ـــ (قطع)‬ ‫لعذرك) وتوقفت‪ ،‬ثم انتقلت لسطر جديد‪،‬‬
‫تح� ف� ث‬
‫(تعجب‬ ‫أن� ‪ )!!.‬ـــ ُّ‬ ‫لقطة شارحة‪( :‬جئت ي ي ي ّ‬ ‫بحرفية التوقف‬
‫ّ‬ ‫وفسته‬ ‫ورسمت بقية المشهد ّ‬
‫وقطع)‪.‬‬ ‫واالنقطاع‪ ،‬وكأننا أمام سيناريست يجيد اللعب‬
‫هذه اللقطات جاءت لتع� عن حدوث مستقر �ف‬ ‫النفاس المتقطعة‪.‬‬‫عىل أوتار أ‬
‫ي‬ ‫ب ِّ‬
‫ع�ت عن‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� قصيدة ش“�فة ‪ /2‬البقاء” تقول(‪:)6‬‬ ‫ف‬
‫خ�ة ب َّ‬ ‫الزمن وثابت‪ ،‬لكنها ي� اللقطة ال ي‬ ‫ي‬
‫تأكيدها لحالة التماهي مع الحبيب واالنبعاث‬
‫منه ضمن إطار أ‬ ‫م� ‪.‬‬ ‫ن‬
‫الزمنة‪ .‬فتآلفت هذه اللقطات‬ ‫أنت ّ ي‬
‫كامل يقوم عىل الرؤيا الثابتة‬ ‫مشهدا ً‬ ‫ً‬ ‫لتشكل لنا‬ ‫كل ما ينمو بروحي‪.‬‬
‫مار نحو‬ ‫تأط� المشهد العام بفتح َم ّ‬ ‫والحية‪ .‬وتؤكد ي‬ ‫جئت تح� ف� ث‬
‫أن� ‪!!.‬‬ ‫يي يّ‬
‫ف‬
‫تح� ي ّ�)‪.‬‬ ‫‪...‬‬
‫داخل متصاعد‪( :‬ينمو بروحي‪ ،‬ي ي‬ ‫مشهد ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )5‬كمال أبو ديب‪ :‬ف� الشعرية‪ .‬ط‪( 1‬مؤسسة أ‬
‫البحاث العربية‪ ،‬يب�وت‪1987 ،‬م)‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫(‪ )6‬الخطيب‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪45‬‬

‫رصد القلق الذي يحفر ف ي� داخل المتلقي‪،‬‬ ‫التداخل الموسيقي السينمائي في‬
‫وينعكس عىل جسده‪ ،‬لذلك كان ال بد من إيقاع‬ ‫المجموعة‬
‫ال� يبقى أثرها ً‬
‫ماثل‬ ‫ت‬
‫يتناسب مع حالة السؤال االستنكاري‪ ،‬ففضاء‬ ‫السينمائية ي‬
‫ّ‬ ‫إن أهم اللقطات‬ ‫َّ‬
‫ئ‬ ‫ال� تحمل مشاهد‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫السينما� كله كان من خالل تمازج السؤال‬ ‫ي‬ ‫الحالة‬ ‫ي� الذهان والنفوس؛ هي ي‬
‫اليقاع المنساب من مجزوء‬ ‫العارف المكرر؛ مع إ‬ ‫تعب�يّة دون كالم‪ ،‬وقد أوصلت فكرة ما؛‬ ‫حركية ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫نقطت� (‪ )..‬لمر ي ن‬
‫ين‬ ‫حرك‪ ،‬يوازيها تداخل موسيقي‬
‫ت� ي� الشطر‬ ‫الكامل؛ مع وجود‬ ‫ضمن تم ّث ٍل درامي ي‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫الضمار ي� التفعيلة الوىل بالتوازي‬ ‫أ‬ ‫االق�اب من وجدانية‬ ‫مناسب يحفّز المتلقي عىل ت‬
‫الول‪ .‬وتكرار إ‬
‫ف� البيت أ‬ ‫المر‬ ‫ما يع� عنه هذا المشهد التعب�ي‪ ،‬وهذا أ‬
‫الحركية‬
‫ّ‬ ‫الول‪ .‬كل ذلك خلق حالة من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫بحرفية‪ ،‬وقد أكملتها القافية‬ ‫الموسيقية المرسومة‬ ‫ن‬
‫أيضا عىل قوة التداخل يب� الموسيقى‬ ‫ينعكس ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫روي موصول‪ ،‬والمؤسسة عىل المد الطويل‬ ‫مع ٍ‬ ‫والتصوير ف ي� الشعر‪ ،‬لذلك قد يندمج التصوير‬
‫ف‬
‫الذي يعطي إطالقًا ال ينتهي ي� مدة رسيعة‪ ،‬بل‬ ‫اليقاع فيشكالن وحدة عارمة المشهديّة ف ي�‬ ‫مع إ‬
‫ح� تتغ ّلل ف ي� الروح‪ .‬ثم تكمل‬ ‫يموسق الجملة ت‬ ‫يم� اللقطات‬ ‫تكوين الجملة الشعريّة‪ ،‬وأبرز ما ي ِّ ز‬
‫الشاعرة قائلة‪:‬‬ ‫السينمائية الشعريّة هي بالفعل ما تحمل‬ ‫ّ‬
‫المع� عنها‪،‬‬
‫ب ِّ‬ ‫اليقاع‬ ‫حركية الجملة قوة إ‬‫ّ‬ ‫فيه‬
‫يا غيم ب ّلل راحيتكَ‬ ‫(بأي‬
‫وسنقف عىل بعض الشواهد من مجموعة ّ‬
‫بما ئ ن‬
‫يطم� بالها‪.‬‬ ‫لنتب� أهمية هذه الخاصية ف ي�‬ ‫جرح ألمسك؟) ي َّ ن‬
‫الشعر‪ ،‬تقول الشاعرة ف ي� قصيدة “تمائم للريح‬
‫والرض”(‪:)7‬‬ ‫أ‬
‫بارزا‬
‫دورا ً‬‫الموسيقية ً‬
‫ّ‬ ‫هنا تلعب المشهديّة‬
‫ف ي� تصعيد الشعريّة‪ ،‬من خالل خلق حوار مع‬
‫المخاطب وهو الغيم‪ ،‬وإنتاج ديالوج قائم عىل‬ ‫الريح ريحكَ ‪ ..‬ما لها‪..‬؟‬
‫النصات للباث‪ ،‬أي الشاعرة‪ ،‬مع تدوير البيت‬ ‫إ‬ ‫أرخت عليك ظاللها‬
‫الخباريّة ضمن قابلها الموسيقي‬‫إلطالة الحالة إ‬ ‫أولم تعرك ظنونها‬
‫ئ‬
‫والمر� دون انقطاع أو‬ ‫المتناغم ي ن‬
‫ب� المسموع‬ ‫تستث� خيالها؟‬
‫ي‬ ‫يك‬
‫ي‬
‫مما يشعر بنغمة مرافقة للمشهد الدرامي‬‫توقف ّ‬
‫جمل‬ ‫لجة‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ككل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ي� هذا المشهد تشعر وكأنكَ ي� ّ‬
‫ن‬ ‫أ‬
‫ّأما ف ي� قصيدتها “أحالم مبتورة الجنحة” ف�اها‬ ‫تغريبية هادرة‪ ،‬نز‬
‫م�احة بعدسة دقيقة‪ ،‬تحاول‬ ‫ّ‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫(‪ )7‬الخطيب‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫ِّ‬
‫الشعر والسينما‬
‫‪46‬‬

‫كانت‪ ---‬ف ي�‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫تقول‪:‬‬


‫الثا�‪ْ ،‬‬
‫استظلت‪ ---‬ي� البيت ي‬ ‫ْ‬ ‫الول‪،‬‬
‫تش� اىل رصد ما جرى‬ ‫البيت الثالث) فهي ي‬ ‫كنت كونًا‬
‫ُ‬
‫ح� نهاية الجملة‪.‬‬ ‫وأهمية ذلك الرصد ت‬ ‫تململ نجمي‬ ‫َ‬ ‫م�‬ ‫ت‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫هدأتْـــه عىل يديها السما ُء‬
‫اليقاع‬ ‫كي� أعطي إ‬ ‫فهذا التكرار ي� السياق ال� ب ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫تموجه‪ ،‬وانسحابًا عىل شعور القارئ‬ ‫تجذُّ ًرا ي� ُّ‬ ‫بيت به ترعر َع ِّ ي‬
‫ظل‬ ‫نو َر ٍ‬
‫المتالطم ف ي� زحمة هذا المشهد الهادئ‪ .‬وكأنها‬ ‫واستظ َّلت‬
‫الزمة موسيقية‪.‬‬ ‫بفيـــئه الأنْــــــدا ُء‬
‫ب� الهدوء الذي تخلقه الموسيقى‬ ‫وكأننا ف� تالزم ي ن‬ ‫بوح عطْ ٍر إذا تنف َّس أَغْـــفو‪...‬‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫المعا� العميقة والمتشظية ال�ت‬ ‫ن‬ ‫وب�ن‬ ‫ف‬ ‫كنت شي ًئا‪..‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي� النفس‪ ،‬ي‬ ‫ُ‬
‫تبعثها الجمل ف ي� مشهديّة ساحرة‪.‬‬ ‫لأ‬
‫وكانت ا شيا ُء!!‬ ‫ِ‬

‫خاتمة‬ ‫البيات الموسيقى التصويرية‬ ‫تتصاعد ف� هذه أ‬


‫ي‬
‫(بأي جرح ألمسك؟)‬ ‫بشكل ملفت‪ ،‬فنالحظ التناغم الموجود �ف‬
‫أن مجموعة ّ‬ ‫إذًا من المالحظ َّ‬ ‫ي‬
‫ئ‬
‫السينما� (ال ّلقطة) عىل‬ ‫استفادت من المشهد‬ ‫للبيات‪ ،‬وكيفية رسم‬ ‫التقطيع الموسيقي أ‬
‫ي‬
‫زخما‬
‫طول المجموعة وبآليات مختلفة‪ ،‬فأعطت ً‬ ‫والن�‪ ،‬إضافة‬ ‫المشهد ضمن ثنائية التنغيم ب‬
‫وكأن الشاعرة تريد‬ ‫ووجدانيا قويًّا‪،‬‬ ‫شعوريًّا‬ ‫الرصفية‬ ‫الفعال ذات الصيغة‬ ‫إىل تموضع أ‬
‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫أن تقول للمتلقي‪ :‬انظر هنا‪ ،‬وأمعن النظر‪،‬‬ ‫والموسيقية المتشابهة ف ي� كل بيت‪.‬‬
‫وانفعاال�‪ ،‬ومن هنا قد يحاول‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫دهش�‪،‬‬ ‫ن‬
‫وشارك�‬ ‫الول‪ ،‬ترعرع‪ ---‬ف ي� البيت‬‫(تململ‪ ---‬ف� البيت أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫كث�ا والتجريب ليحدث تقاربًا‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫الشاعر البحث ي ً‬ ‫الثا�‪ ،‬تنقّس‪ ---‬ي� البيت الثالث)‪.‬‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫ئ‬
‫والسينما� ي� مخرجات‬ ‫سلوب� الشعري‬ ‫ال ي ن‬ ‫ب� أ‬‫ين‬ ‫تماه ف ي� تكوين الجملة التصويرية من خالل‬
‫ي‬ ‫مع ٍ‬
‫البداعي‬ ‫ف‬ ‫ض‬
‫العمل إ‬ ‫أت‪ ---‬ي� البيت‬ ‫(هد ْ‬
‫الما� المؤنث‪ّ :‬‬ ‫ي‬ ‫الفعل‬
‫دراسات‬
‫‪47‬‬

‫صدمة العولمة‬
‫في خطاب ال ُّنخبة‬
‫محمد ادعيكل‪ /‬المغرب‬

‫والنية‬ ‫تتمثل ف� تعميم التبادالت االقتصادية آ‬ ‫يُ َع ُّد موضوع العولمة من المواضع المقلقة‪،‬‬
‫ي‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ ،‬عىل نحو يجعل العالم‬ ‫القالم هنا وهناك‪ ،‬من‬ ‫تناولتها العديد من أ‬
‫أي يوم م�ض ‪ ،‬من حيث كونه‬ ‫أك� من ّ‬ ‫واحدا ث‬ ‫ً‬ ‫التيارات‪ ،‬سواء من خالل عقد الندوات‬ ‫مختلف ّ‬
‫مجال للتداول أو أفقًا للتواصل‪.‬‬ ‫سوقًا للتبادل أو ً‬ ‫الصدارات‪ ،‬وهنا يُطرح‬ ‫الكث� من إ‬ ‫أو من خالل ي‬
‫عل حرب‪ ،‬أنَّنا إزاء‬ ‫ن‬ ‫هاجسا‬ ‫عد العولمة‬
‫الحد تُ ُّ‬
‫السؤال‪ :‬هل لهذا ّ‬
‫بهذا المع� للعولمة يرى ي‬ ‫ً‬
‫الكوك� بآفاته‬‫بي‬ ‫كو� ندخل معه ف ي� العرص‬ ‫ن‬
‫فتح ي ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫للمثقف� والمفكرين‪ .‬ف ي� هذا المقال نتوقَّف مع‬‫ين‬
‫ث‬ ‫عل حرب وحديثه عن جز ّئية “صدمة‬
‫وتحوالته‪“ .‬هذا العرص‬ ‫ُّ‬ ‫ومجاالته‪ ،‬ب�واته‬ ‫الكاتب ي‬
‫تخترصه أربعة عناوين بك�ى لفتوحات وابتكارات‬ ‫العولمة ف ي� خطاب ال ُّن ْخبة”‪.‬‬
‫الب� وتهيمن عىل‬ ‫وقدرات وتك ُّتالت تؤثر ف ي� حياة ش‬
‫و�‪،‬‬ ‫مقدراتهم ومصائرهم هي‪ :‬االقتصاد إ ت ن‬
‫اللك� ي‬ ‫وتحوالتها‬
‫ُّ‬ ‫العولمة ُقواها‬
‫ن‬
‫التلفزيو�‪،‬‬ ‫العالمي‪ ،‬والمجال‬ ‫والمجتمع إ‬ ‫ورواجا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تداول‬ ‫لقد أصبح مصطلح العولمة ث‬
‫أك�‬
‫ي‬
‫التحول حصل بفعل‬ ‫ن‬
‫الس� يا�‪ ،‬كل هذا‬
‫والفضاء ب‬ ‫الثقافية‪ ،‬فما من لقاء فكري يُعقد‬ ‫عىل الساحة‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫ع�‬ ‫ت‬ ‫محورا‬ ‫لبحث قضية من القضايا إال وتكون العولمة‬
‫ال� تتيح ب ْ‬ ‫ثورة مزدوجة‪ :‬ثورة المعلومات ي‬ ‫ً‬
‫العالم الرسيعة نقل المعطيات من‬ ‫طرقات إ‬ ‫يخصص لهذه القضية‬ ‫عما َّ‬ ‫من محاوره‪ً ،‬‬
‫فضل ّ‬
‫صور وأصوات ورسائل ورموز برسعة الضوء‬ ‫أن العولمة قد‬
‫من ندوات ومؤتمرات‪ .‬هكذا نجد َّ‬
‫الرض إىل أقىص طرف”(‪.)1‬‬ ‫من أقىص طرف ف� أ‬ ‫فرضت نفسها عىل أهل الفكر والثقافة‪ ،‬الذين‬
‫ي‬
‫وهذا يمكِّ ننا من القول إنَّنا أمام نهاية الجغرافيا‬ ‫عد قفزة حضارية‬ ‫ينشغلون بالظاهرة‪ ،‬فهي تُ ُّ‬
‫دراسات‬
‫‪48‬‬

‫السواق المالية‬‫ومستوى أوسط‪ ،‬يتمثل ف� توحيد أ‬ ‫وحدودها‪ .‬فكيف تقرأ العولمة إذن؟‬
‫ي‬
‫ال ت‬ ‫أن هناك من جهة أوىل أصحاب‬ ‫عل حرب َّ‬
‫النتاج‬ ‫لك�ونية عىل يد مجموعات إ‬ ‫ع� التجارة إ‬ ‫بْ‬ ‫يرى ي‬
‫المتعددة؛‬ ‫ال�كات ذات الجنسيات‬ ‫وأصحاب ش‬ ‫المشاريع اليديولوجية الذين يقرأون العولمة‬ ‫أ‬
‫ِّ‬
‫الشخاص العابرين‬ ‫أد� يتمثل ف� حركة أ‬ ‫ومستوى ن‬ ‫مثالية طوباويّة‪ ،‬من خالل‬ ‫نضالية‪،‬‬ ‫قراءة‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن العولمة‬‫ب� الدول والقارات‪ ،‬ويرون َّ‬ ‫للحدود ي ن‬ ‫تهويمات وأطياف العدالة أو هوامات الحرية‪.‬‬
‫عالما بال‬
‫ستغ� مشهد العالم بحيث يغدو ً‬ ‫ي ِّ‬ ‫“وهؤالء يدخلون عىل العولمة بمواقف مسبقة‪،‬‬
‫افية‪.‬‬
‫حدود جغر ّ‬ ‫والرجم‪ ،‬ويتحدثوا بلغة‬ ‫لك يمارسوا ال َّلعن َّ‬ ‫ي‬
‫والحباط” هذا الفريق يقرأ العولمة‬ ‫الصدمة إ‬
‫ح ُ‬
‫بتعاب� االستتباع الحضاري والغزو الثقا�ف‬
‫ماتها ودفاعاتها في عصر‬ ‫الهوية‪ُ :‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الم�كية‪ .‬بل إن هناك من يرى �ف‬ ‫والهيمنة أ‬
‫العولمة‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫أن علينا أن‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫يع� ذلك َّ‬ ‫عل حرب‪ ،‬هل ي‬ ‫يتساءل ي‬ ‫العولمة “موت الثقافة” بفعل تسليع الفكار‬
‫نخ� عىل هويتنا الثقافية من العولمة وقواها‪،‬‬ ‫ش‬ ‫أن‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫عل حرب َّ‬ ‫والجساد والشياء‪ .‬مقابل هذا يرى ي‬
‫ين‬
‫والمناضل�‬ ‫عىل ما هي عندنا ر ّدة فعل الدعاة‬ ‫يتوهم‬ ‫يسبح باسم العولمة‪ ،‬بقدر ما َّ‬ ‫هناك َمن ِّ‬
‫العالمية‬ ‫الذي يقاومون العولمة بالدفاع عن‬ ‫آ‬
‫ستحل المشكالت وتق ي عىل الفات‪،‬‬ ‫�ض‬ ‫ّ‬ ‫أنها‬
‫ّ‬
‫الثقافية؟‬
‫ّ‬ ‫والخصوصية‬
‫ّ‬ ‫والدولة والحداثة‬ ‫ب�‬ ‫بما تطلقه من إمكانات التواصل والتبادل ي ن‬
‫حقيقيا عىل الهوية‬ ‫ً‬ ‫خطرا‬
‫ً‬ ‫هل تشكل العولمة‬ ‫أيضا‬ ‫يتطرفون ً‬ ‫الب� أفرا ًدا وجماعات‪“ .‬وهؤالء ّ‬ ‫ش‬
‫والحماة من ال ُّن َخب‬ ‫الثقافية‪ ،‬كما يزعم الدعاة ُ‬ ‫ً‬ ‫إن العولمة ليست‬ ‫يبسطون الواقع‪ ،‬إ ْذ َّ‬ ‫بقدر ما ّ‬
‫أ‬
‫الفكرية وأصحاب المشاريع اليديولوجية؟‬ ‫جحيما‪ ،‬ولكنها ليست الفردوس الموعود الذي‬ ‫ً‬
‫أن مثل هذا السؤال يحجب ف ي� نظره‬ ‫ت‬ ‫آ‬
‫يرى الكاتب َّ‬ ‫ال� لم تتحقق من قبل‪،‬‬ ‫سوف يحقق المال ي‬
‫بالثارة‪ :‬هل ما زال أهل‬ ‫سؤال آخر هو ْأوىل إ‬ ‫ً‬ ‫ال ف ي� عصور التحرير وال ي� عصور التنوير” ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ف‬
‫م�وعيتهم �ف‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫المحافظة والمدافعة يمتلكون ش ّ‬ ‫عل حرب‪ ،‬أن تُقرأ العولمة‬ ‫والجدى‪ ،‬بحسب ي‬
‫ممارسة الوصاية عىل الثقافة والهوية أ‬ ‫الوجودي‪،‬‬ ‫الحد� وبُعدها‬ ‫ث‬ ‫فعالة بمنطقها‬
‫والمة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يّ‬ ‫قراءة ّ‬
‫فضل عن شؤون الحقيقة؟‬ ‫ً‬ ‫ال الهجوم عليها بمواقف مسبقة‪.‬‬
‫تخ�ق المجتمعات‬ ‫أن العولمة ت‬ ‫عل حرب َّ‬
‫مسوغ السؤال‪ ،‬بحسب الكاتب‪ ،‬هو انفضاح عجز‬ ‫ّ‬ ‫وقد أكَّد ي‬
‫الدعاة عن تحقيق ما طرحوه من شعارات‪ ،‬أي‬ ‫ُّ‬ ‫والثقافات عىل عدة مستويات‪ ،‬مستوى أعىل‬
‫والفاعلية بعد انهيار‬
‫ّ‬ ‫للمصداقية‬
‫ّ‬ ‫فقدان ال ُّن َخب‬ ‫يتمثل ف ي� تدفُّق المعلومات والصور والقيم‬
‫تحول‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ِّ ت‬
‫“المرجعيات الفكريّة” للمشاريع الحضاريّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المتعدد ي‬ ‫العالم‬ ‫ع� وسائط إ‬ ‫والنماذج ب ْ‬
‫ف‬ ‫كو� واحد لالتصال الدائم؛‬ ‫ن‬
‫عل حرب ي� هذا الصدد‪“ :‬فالمناضلون‬ ‫يقول ي‬ ‫العالم إىل نظام ي‬
‫دراسات‬
‫‪49‬‬

‫ضدها‪ .‬والحل هو‬ ‫سواء كانوا مع العولمة أو ّ‬ ‫الذين قضوا أعمارهم الطويلة ف ي� النضال‬
‫العمل عىل نسج عالقات وروابط جديدة مع‬ ‫والعقليات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تغي� واقع المجتمعات‬ ‫من أجل ي‬
‫والشياء‪.‬‬ ‫الـ”غ�” والعالم أ‬ ‫أ‬
‫الن بفكرهم الحادي وعقولهم المغلقة‬ ‫يقفون آ‬
‫ي‬
‫وإن كانت تعمل عىل توحيد العالم‬ ‫أن العولمة ْ‬ ‫‪َّ -‬‬ ‫النجازات‬ ‫المتغ�ات‪ .‬بقدر ما تصدمهم إ‬ ‫يّ‬ ‫ضد‬
‫ّ‬
‫يع� ذلك‬ ‫ن‬ ‫والتحوالت‪ .‬والثوريون الذين سعوا إىل تفكيك‬
‫حضاريًّا بفعل التقنيات الجديدة‪ ،‬فال ي‬ ‫ُّ‬
‫ثقافيا أو أنّها ستق�ض ي عىل‬ ‫ًّ‬ ‫ستوحد العالم‬ ‫ِّ‬ ‫أنّها‬ ‫الدول بوصفها مؤسسات يب�وقراطية تحتكر‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخصوصيات‬‫ّ‬ ‫الشأن العام والحق العام‪ ،‬وتقوم بتطبيع‬
‫تدم� الكائنات‪،‬‬ ‫أ‬
‫لكون‬
‫هذه النقطة ال أتفق مع الكاتب حولها‪ْ ،‬‬ ‫الفراد وتطويع الجماعات‪ ،‬بل ي‬
‫الدول المتقدمة‪ ،‬بفضل التكنولوجيا تمكَّ نت‬ ‫عىل ما كانوا يقومون‪ ،‬يتباكون اليوم عىل الدولة‬
‫أك� عىل‬ ‫اخ�اق بيوتنا‪ ،‬وأثَّرت وما تزال تؤثر ث‬ ‫من ت‬ ‫المنتهكة‬ ‫ويطالبون بحمايتها من قوى العولمة‬
‫ِ‬
‫مما يجعلنا نقول‪ :‬إنَّنا اليوم فريسة‬ ‫المتلقي‪ّ ،‬‬ ‫لحقوق الدول وسيادتها”(‪ .)3‬وهنا يرى الكتاب‬
‫فالخصوصية ستتأثر ال‬ ‫وبالتال‬ ‫الثقا�‪،‬‬ ‫ف‬ ‫الغزو‬ ‫وعملياتها‬ ‫أن هؤالء يحاربون العولمة بتقنياتها‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫محالة‪.‬‬ ‫وقواها الناشطة والعاملة عىل إعادة تشكيل هذا‬
‫يع� التصفيق للعولمة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ين‬
‫مستخدم� ُعملة يغ�‬ ‫العالم بالعودة إىل الوراء‪،‬‬
‫أن نقد ال ُّنخبة ال ي‬ ‫‪ -‬الثالثة َّ‬
‫أ‬ ‫للصف‪.‬‬
‫سلبياتها وأخطارها‪.‬‬ ‫خ�ة لها ّ‬ ‫لكون هذه ال ي‬ ‫قابلة َّ‬
‫بأن العولمة ظاهرة‬ ‫وأخ�ا‪ ،‬ال َّبد من التأكيد َّ‬ ‫يً‬ ‫ينصبون أنفسهم‬ ‫وهنا ير ّد الكاتب عىل الذين ِّ‬
‫أن انتقادها‬ ‫يع� َّ‬‫ن‬ ‫أن أزمة الهويّة‬ ‫للدفاع عن الهوية‪ ،‬حيث أكد َّ‬
‫مما ي‬ ‫فرضت نفسها بالقوة‪ّ ،‬‬
‫وبيان خطورتها‪ ،‬هو منهج يغ� سليم‪ ،‬والحل‬ ‫العربية‪ ،‬المجتمعية والثقافية‪ ،‬ال تكمن �ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن العولمة‬ ‫هو االنخراط فيها‪ ،‬إذ ال يمكن القول َّ‬ ‫محاوالت اخ�اقها من الخارج‪ ،‬بقدر ما تكمن‬ ‫ت‬
‫تهديدا للهوية وكفى؛ بل يجب تكثيف‬ ‫ً‬ ‫تشكِّل‬ ‫ين‬
‫والمدافع� عنها من ال ُّن َخب‬ ‫بالذات لدى ُحماتها‬
‫ف‬
‫الجهود‪ ،‬يك نعولم نحن العرب ثقافتنا ي� إطار‬ ‫أ‬
‫وأصحاب المشاريع اليديولوجية‪ ،‬العاجزين عن‬
‫التواصل الحضاري‬ ‫ع� خلق الحقائق‬ ‫ت‬
‫والتوسع‪ ،‬ب ْ‬
‫ُّ‬ ‫االخ�اق‬ ‫ممارسة‬
‫وإنتاج الوقائع‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬ ‫وقد اختتم الكاتب موضوعه عن العولمة بال َّتنبيه‬
‫عل‬
‫(‪ )1‬حديث النهايات‪ :‬فتوحات العولمة ومأزق الهوية‪ ،‬ي‬ ‫مهمة‪:‬‬
‫عىل ثالث نقاط ّ‬
‫ف‬ ‫أن ال جدوى من التعامل مع العولمة بفكر‬
‫العر�‪ ،‬ط‪.2004 ،2‬‬
‫الثقا� ب ي‬
‫ي‬ ‫حرب‪ ،‬المركز‬ ‫‪ْ -‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.30-31‬‬ ‫أحادي أو عقل أيديولوجي تبسيطي أو منطق‬
‫ضد أصحابه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ق‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫وثو� تطابقي‪ .‬ل َّن ذلك ينقلب ّ‬ ‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪50‬‬

‫ألبرتو مورافيا‬
‫عاما على الميالد‬
‫ومئة وأحد عشر ً‬
‫شوقي بدر يوسف‪ /‬مصر‬

‫ال� كتبها‬‫ت‬
‫الـ”ديكام�ون” ي‬ ‫ي‬ ‫نجد ذلك ف ي� قصص‬ ‫“الما� يشبه الفحم‪ ،‬عندما يشتعل‪،‬‬ ‫ي‬
‫ض‬
‫“جيوفا� بوكاشيو” أحد ك ّتاب عرص النهضة‬ ‫ن‬ ‫ال يبقى منه سوى الشَّ وائب”‬
‫ي‬
‫إيطال‬ ‫ئ‬
‫روا�‬ ‫أل�تو مورافيا‬
‫ي‬ ‫متأثرا بألف ليلة وليلة‪ ،‬وهو أول ي‬ ‫ً‬ ‫ب‬
‫ف‬
‫كتب روايته الن�ية بعنوان “الشقاء ي� الحب”‪،‬‬ ‫ث‬
‫كب� من ك ّتاب‬ ‫الداب‬‫الدب اليطال الحديث أحد آ‬ ‫يعت� أ‬
‫ومن ثم ظهر بعد ذلك عدد ي‬ ‫إ ي‬ ‫ُ ْ َ بَ ُ‬
‫الرواية ف ي� إيطاليا وجزيرة صقلية التابعة لها‪،‬‬ ‫ف‬
‫ال� لها طبيعة خاصة ي� القراءة‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫الجنبية ي‬
‫نذكر عىل سبيل المثال “إيتالو سفيفو” صاحب‬ ‫المحل داخل إيطاليا‬ ‫ّي‬ ‫والتناول عىل المستوى‬
‫يطال‬ ‫أ‬
‫رواية “الشيخوخة”‪ ،‬و”إيتالو كالفينو” صاحب‬ ‫ال ي‬ ‫وعىل المستوى العالمي‪ .‬ويم ِّثل الدب إ‬
‫“الالمر�”‪ ،‬و”أليساندرو باريكو” صاحب‬ ‫ي‬
‫ئ‬ ‫رواية‬ ‫ف ي� المشهد الرسدي العالمي عالمة مهمة أرهصت‬
‫سيلو�” صاحب‬ ‫ن‬ ‫رواية “طريق الحرير”‪“ ،‬إيجازيو‬ ‫الداب العالمية بعدد من العالمات أ‬
‫واليقونات‬ ‫آ‬
‫ي‬
‫يز‬
‫و”تش�ري‬ ‫تابوك”‪،‬‬ ‫رواية “فونتمارا”‪“ ،‬أنطونيو‬ ‫والحدا�‪ ،‬وقد مثلت‬ ‫ث‬ ‫المهمة ف� المجال ت‬
‫ال� ث يا�‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫باف�ي”‪“ ،‬لويجي يب�انديللو” صاحب مرسحية‬ ‫يز‬ ‫ف‬
‫هذه العالمات أبعا ًدا تاريخية ي� آداب العالم‬
‫“ست شخصيات تبحث عن مؤلف”‪ ،‬و”دينو‬ ‫وجمعت حولها جوانب إنسانية تراثية م َّهدت‬
‫ومنحت المشهد الرسدي عددا من أ‬
‫بوتز ت يا�” صاحب رواية “صحراء التتار” ب‬
‫و”أل�تو‬ ‫العمال‬ ‫ً‬
‫مورافيا” موضوع هذه الورقة‪ ،‬وزوجته الروائية‬ ‫الخالدة؛ ف ي� هذا المجال نذكر منها عىل سبيل‬
‫ت‬ ‫”دان�”‪ ،‬كذلك‬ ‫ت‬
‫وغ�هم‪.‬‬ ‫ان�” ي‬ ‫“إلسا مور ي‬ ‫اللهية” ل ِـ ي‬ ‫المثال “الكوميديا إ‬
‫يطالية ال تتمتع‬ ‫ف‬ ‫ث‬
‫القص�ة دور تر يا� ي� آداب إيطاليا‬ ‫كان للقصة‬
‫ال ّ‬ ‫أن اللغة إ‬ ‫الرغم من َّ‬ ‫وعىل ّ‬ ‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪51‬‬

‫و� سن التاسعة أصيب‬ ‫ف‬ ‫ين‬


‫اللغت�‬ ‫باالنتشار الذي تتصف وتتمتع به‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬ي‬
‫مما اضطره للتوقف عن‬ ‫مورافيا بسل العظام ّ‬ ‫ال�تو مورافيا الذي‬ ‫أن ب‬ ‫ال ي ز‬
‫نجل�ية والفرنسية‪ ،‬إال َّ‬ ‫إ‬
‫الدراسة‪ ،‬ومالزمة الرسير طوال خمس سنوات‪،‬‬ ‫يكتب بلغة بلده إيطاليا هو كاتب عالمى بجميع‬
‫الف�ة‪،‬‬‫المصحات خالل تلك ت‬ ‫والتنقل للعالج ي ن‬
‫ب�‬ ‫والدبية‪ .‬وهو واسع االنتشار‬ ‫المقاييس الفنية أ‬
‫ّ‬
‫وعندما شفي من مرضه‪ ،‬بقيت آثاره المتمثلة‬ ‫ف ي� مشاهد العالم الرسدية ولغاتها‪ .‬وقد حققت‬
‫قص�ة للغاية‪ ،‬ولم يحصل‬ ‫بخارصة عليلة وساق ي‬ ‫نجل�ية والفرنسية‬ ‫ال ي ز‬ ‫الم�جمة إىل كل من إ‬ ‫أعماله ت‬
‫مورافيا عىل أي قسط من التعليم أ‬ ‫كب�ة‪ ،‬وأصبحت عىل رأس‬
‫الكاديمي‬ ‫والعربية نجاحات ي‬
‫ف‬ ‫مبيعا ت‬ ‫أ‬
‫تعب�ه‪ ،‬إنَّما‬ ‫اس” بحسب ي‬ ‫�ء در ي‬
‫ش‬
‫ي� إيطاليا “ال ي‬ ‫لف�ة طويلة من الزمن‪.‬‬ ‫قوائم الكتب ال ثك� ً‬
‫اكتفى بقسط من التعليم المتوسط آنئذ‪ ،‬وقد‬ ‫بينكرل‪-‬‬
‫ي‬ ‫أل�تو‬
‫أل�تو مورافيا ‪-‬اسمه الحقيقي ب‬ ‫ُولد ب‬
‫ال� كان‬ ‫ت‬
‫الجبارية ي‬ ‫استغل مورافيا تف�ة الراحة إ‬ ‫َّ‬ ‫والع�ين من شت�ين‬ ‫ش‬ ‫ف ي� مدينة روما ف ي� الثامن‬
‫هوم�وس‬ ‫كث�ا‪ ،‬فقرأ‬ ‫مهندسا معماريًّا‬ ‫نوفم� ‪ ،1907‬كان والده‬ ‫ن‬
‫الثا�‪/‬‬
‫ي‬ ‫عليها وقت المرض ليقرأ ي ً‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫شكسب� وهو ف ي� التاسعة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وهو ف ي� الثامنة‪ ،‬كما قرأ‬ ‫ورساما‪ ،‬يدين بالديانة اليهودية‪ ،‬وكانت أمه وتدعى‬ ‫ً‬
‫بتمعن شديد‪،‬‬ ‫ف‬
‫يوغوسال� وتتبع‬ ‫“ت�يزا ليجيانا” إيطالية من أصل‬
‫وديستويفسك‪ ،‬وقرأ أعمال فرويد ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪52‬‬

‫مرو ًجا للفضائح‬ ‫الح� ِّ‬ ‫واعت� مورافيا منذ ذلك ي ن‬ ‫ب‬ ‫وغ�هم من‬ ‫كما قرأ أشعار شيللر وتوماس مان ي‬
‫لف�ة طويلة من‬ ‫الجنسية‪ ،‬وهي تهمة الزمته ت‬ ‫كبار الك ّتاب‪.‬‬
‫تعرضت‬ ‫أن النقد الذي ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬واعتقد مورافيا َّ‬ ‫وحول حياته الخاصة‪ ،‬فقد تزوج مورافيا خاللها‬
‫له رواية “زمن الالمباالة” ناتج عن النقد الالذع‬ ‫الوىل من الروائية‬ ‫ثالث مرات من ثالث كاتبات؛ أ‬
‫ت‬ ‫ان�” عام ‪ 1941‬واستمر هذا‬ ‫ت‬
‫ال�‬
‫اليطالية ي‬ ‫لل�جوازية إ‬ ‫وجهته الرواية ب‬ ‫الذي ّ‬ ‫اليطالية “إلسا مور ي‬ ‫إ‬
‫الدوت�‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫انحدر منها مورافيا نفسه ي� بداية عرص‬ ‫الزواج لمدة ربع قرن‪ ،‬وكانت “إلسا” من الكاتبات‬
‫ي‬
‫و� عام ‪ 1935‬صدرت روايته‬ ‫ف‬
‫موسولي�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫الشه�ات ف ي� ذلك الوقت‪ ،‬لذا كانت المنافسة‬ ‫ي‬
‫كث�ا من المالحظات‬ ‫ت‬ ‫بينهما شديدة ح� انفصال عام ‪ّ ،1966‬أما‬ ‫ت‬
‫تضمنت ي ً‬ ‫ّ‬ ‫ال�‬
‫“الخيبة” ي‬
‫طور نقده الالذع‬ ‫الثا� فكان من الكاتبة المفكرة والشاعرة‬ ‫الزواج ن‬
‫لكن مورافيا كان قد ّ‬ ‫نفسها‪َّ ،‬‬
‫ف‬
‫ال�جوازية � هذه الرواية‪ .‬و� تلك ت‬ ‫ف‬ ‫عاما‪،‬‬ ‫ماري�” وكان الفرق بينما ي ن‬ ‫ن‬
‫الف�ة‬ ‫ي‬ ‫لطبقته ب‬ ‫ثالث� ً‬ ‫ي‬ ‫“داسيا‬
‫القص�ة هي‬ ‫ي‬ ‫صدرت له مجموعة من القصص‬ ‫عاما‪ّ ،‬أما الزواج‬ ‫ع�ين ً‬ ‫استمر هذا الزواج لمدة ش‬ ‫ّ‬
‫“المل”‪“ ،‬اللعبة الخطرة”‪ ،‬ثم‬ ‫“شتاء مريض”‪ ،‬أ‬ ‫الخ� فكان يمثل إحدى متناقضات الحياة �ف‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال� تتحدث عن قائد ديكتاتوري‬ ‫ت‬ ‫تزوج مورافيا وقد تجاوز‬ ‫حياة مورافيا‪ ،‬فقد ّ‬
‫رواية “التهريج” ي‬
‫أن مورافيا‬ ‫ف‬ ‫بحوال‬ ‫الثمان� من عمره من فتاة إسبانية تصغره‬ ‫ين‬
‫أم�كا الجنوبية‪ ،‬وكان من الواضح َّ‬ ‫ي� ي‬ ‫ي‬
‫الفا� ف ي� إيطاليا‪،‬‬ ‫ي‬
‫ش‬ ‫يش� بذلك إىل النظام‬ ‫ي‬ ‫عاما‪ ،‬هي “كارمن يل�ا”‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫وأربع� ً‬ ‫ين‬ ‫ستة‬
‫أن الدكتاتور الذي عناه مورافيا‬ ‫ويعتقد بعضهم َّ‬ ‫مما كان يبديه كل منهما من سعادة وحب أمام‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫ش‬ ‫أن الواقع‬ ‫ين‬ ‫أ‬
‫موسولوي�)‪ ،‬وكان ذلك إيذانًا‬ ‫ي‬ ‫(الدوت�‬
‫ي‬ ‫هو‬ ‫الصحفي�‪ ،‬إال َّ‬ ‫وكام�ات‬
‫ي‬ ‫الصدقاء‬
‫موسولي�؛‬ ‫ن‬ ‫وب� نظام حكم‬ ‫ببدء الحرب بينه ي ن‬ ‫كان يغ� ذلك العتبارات السن والجنسية والحياة‬
‫ي‬
‫إذ تعرضت روايتة “التهريج” إىل الحظر وبدأت‬ ‫الوضاع‬ ‫االجتماعية المتناقضة ف� مثل هذه أ‬
‫ي‬
‫اش�ك ف ي�‬ ‫و� عام ‪ 1943‬ت‬ ‫ف‬ ‫شكل ومضمونًا‪ .‬وقد تو�ف‬ ‫االجتماعية الملتبسة ً‬
‫كتاباته تتعرض للرقابة‪ .‬ي‬ ‫ي‬
‫ال� كان‬ ‫ت‬
‫تحرير الصحيفة اليومية (شعب روما) ي‬ ‫سبتم�‬ ‫ب‬ ‫والع�ين من أيلول‪/‬‬ ‫ش‬ ‫مورافيا ف ي� السادس‬
‫مما اضطره إىل‬ ‫يرأس تحريرها “كورادو ألفارو” ّ‬ ‫عام ‪.1990‬‬
‫الهرب من السلطات الفاشية وااللتجاء إىل جبال‬ ‫ف ي� عام ‪ 1925‬بدأ مورافيا ي� كتابة روايته “زمن‬
‫ف‬
‫الف�ة بدأ مورافيا ف ي�‬ ‫و� تلك ت‬ ‫ف‬
‫“تشيوتشيارو”‪ ،‬ي‬ ‫تم�ت هذه‬ ‫ون�ت عام ‪ ،1929‬وقد ي َّ ز‬ ‫الالمباالة” ش‬
‫ال� كتبها‬ ‫ت‬ ‫الرواية باحتوائها عىل معظم الخطوط العريضة‬
‫وضع خطوط روايته الرائعة (الفالح) ي‬
‫بعد ذلك بأربعة ش‬ ‫وال� سوف تبقى‬ ‫ت‬ ‫ال� ي َّ ز‬ ‫ت‬
‫عاما وهي تحليل لعالم‬ ‫ع� ً‬ ‫تم� بها أسلوب مورافيا ي‬ ‫ي‬
‫دون البلوريتاريا‪.‬‬ ‫عالمة ظاهرة ف ي� أعماله الالحقة‪ ،‬وقد أثار صدور‬
‫يطال‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫كانت أعمال مورافيا الروائية ترزح جميعها تحت‬ ‫ال ي‬‫د� إ‬ ‫ضجة ي� الوسط ال ب ي‬ ‫“زمن الالمباالة” ّ‬
‫دراسات‬
‫‪53‬‬

‫حول حياة الكاتب‪ .‬والرواية تخترص بعناوين‬ ‫ح� قبل أن‬ ‫وال�عات الوجودية ت‬ ‫حمى الجنس نز‬ ‫ّ‬
‫“ألب� كامو” ي� روايته الغريب‪ ،‬وسارتر‬ ‫ف‬
‫“المال”‪“ ،‬الشهرة”‪ ،‬و”السعي إىل السلطة” سياسة‬ ‫يطلقها ي‬
‫وغ�ها من الموضوعات‪.‬‬ ‫إيطاليا عام ‪ 1950‬ي‬ ‫ف ي� أعماله الفلسفية والروائية ي� ف�ة الخمسينات‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫البداعية بالمذهب‬ ‫أل�تو مورافيا إ‬ ‫اتَّسمت أعمال ب‬ ‫ال�عات السيكولوجية‬ ‫الما�‪ ،‬وكانت نز‬ ‫من القرن ض‬
‫انت�‬‫وأم�كا ثم ش‬ ‫ف‬
‫الواقعي‪ ،‬والذي بدأ ي� روسيا ي‬ ‫ال� يحتفي بها مورافيا ف ي� أعماله تنبع جميعها‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫أ‬
‫وإنجل�ا وبقية الدول الخرى‬ ‫ت‬ ‫بعد ذلك ف ي� فرنسا‬ ‫ال ثك� شهوانية‪،‬‬‫من جنون الجنس خاصة الجنس أ‬
‫وبينها إيطاليا‪ ،‬وكان بمثابة تجسيد للبيئات‬ ‫كث�ا من النقاد والكنيسة‬ ‫وهو ما جعله يهاجم ي ً‬
‫الجديدة بحوادثها المختلفة؛ خاصة ما يتعلق‬ ‫والسلطة‪ ،‬ولكنه كان دائم الدفاع عن وجهة نظره‬
‫عا� منها‬ ‫ال� ن‬ ‫ت‬ ‫ال�عة بكل قوته‪.‬‬ ‫الخاصة تجاه هذه نز‬
‫بمشاكلها النفسية واالجتماعية ي‬
‫ين‬
‫العالميت�‬ ‫ين‬
‫الحرب�‬ ‫ت‬
‫ث�‬ ‫ومن أعماله بعد “زمن الالمباالة” ‪1929‬‬
‫الغر� بعد كار ي‬ ‫المجتمع ب ي‬
‫الوىل والثانية‪ ،‬وكانت تلك حاجة لمورافيا‬ ‫أ‬ ‫كتب مورافيا “دوالب الحظ” ‪ ،1939‬وكتاب‬
‫لتوظيف قدراته الفنية ضمن هذا المنحى الذي‬ ‫“الطموحات الخائبة” ‪“ ،1935‬الحياة اللعوب”‬
‫وجد فيه ضالته لرسم أفكاره وتخطيط طبيعة‬ ‫‪“ ،1935‬امرأة من روما” ‪“ ،1947‬أغوستينو”‬
‫ك� عىل إشكاليات مواجهات‬ ‫شخوصه ت‬
‫وال� ي ز‬ ‫‪”“ ،1944‬الرومانية الجميلة” ‪“ ،1947‬العصيان”‬
‫يعا� منها المجتمع ف ي� جوانبه‬ ‫ن‬
‫ال� ي‬
‫ت‬
‫التأزمات ي‬ ‫“الزدراء” ‪“ ،1958‬العشق الزوجي”‪،‬‬ ‫‪ ،1948‬إ‬
‫دائما‬
‫كافة‪ ،‬وكانت نهايات أعمال مورافيا الروائية ً‬ ‫“الرجل الذي ينتظر”‪“ ،‬الضجر” ‪“ ،1960‬االنتباه”‬
‫للمال‪ ،‬فهو يعمد إىل‬ ‫ما تنتهى بنهايات مخيبة آ‬ ‫‪“ ،1961‬أنا وهو” ‪“ ،1972‬صوت البحر” ‪،1978‬‬
‫وغ� متوقعة‪،‬‬ ‫مفاجأة القارئ بنهايات محبطة ي‬ ‫“‪“ ،1983 ”1943‬المتلصص” ‪“ ،1986‬عاصفة‬
‫ففي الوقت الذي بي�ع بخلق شخوص تجعل‬ ‫المطر” ‪“ ،1986‬رحلة إىل أوربا” ‪“ ،1990‬االحتقار”‬
‫ال� حازت عىل جائزة‬ ‫ت‬
‫القارئ يتعاطف معها ويتعلق بها حد التوحد‪،‬‬ ‫‪“ ،1999‬السأم” ‪ 1999‬ي‬
‫نجده ف ي� النهاية يعمد إىل تحطيم هذه الصورة‬ ‫اليطالية‪ ،‬كما تم‬ ‫أك� الجوائز إ‬ ‫“فيارجيو” وهي من ب‬
‫وي�ك‬ ‫ال� رسمها للشخصية‪ ،‬ت‬ ‫ت‬ ‫العثور عىل إحدى رواياته وعنوانها “الصديقان”‬
‫الفنية الرائعة ي‬
‫القارئ ف ي� نهاية المطاف ف ي� حالة ال يحسد عليها‬ ‫تحول إىل متحف‬ ‫م�له الذي َّ‬ ‫بعد رحيله ف� قبو نز‬
‫ي‬
‫من اليأس والقنوظ‪ .‬ففى رواية “السأم” عىل‬ ‫كث�ا من أعماله وأغراضه الشخصية‪ ،‬وقد‬ ‫يضم ي ً‬
‫سبيل المثال يجعل بطل الرواية الفنان ينتحر‪،‬‬ ‫اليطالية بعد شهور‬ ‫صدرت هذه الرواية باللغة إ‬
‫ال� أحبها إىل بائعة‬ ‫ت‬ ‫أيضا باللغة الفرنسية‪،‬‬ ‫من اكتشافها‪ ،‬كما صدرت ً‬
‫بعد أن تتحول عشيقته ي‬
‫و� نهاية رواية “االحتقار” عمد إىل جعل‬ ‫ف‬ ‫بال�امن مع كتاب “فيتادي مورافيا” وهو كتاب‬ ‫تز‬
‫هوى‪ ،‬ي‬
‫الخرى بينما تعرض عليه‬ ‫زوجته بائعة هوى هي أ‬ ‫اع�افات وحقائق‬ ‫محاورات مع مورافيا يتضمن ت‬
‫دراسات‬
‫‪54‬‬

‫ومما أفرزته الحرب فيه من‬ ‫وأحداث واقعية‪ّ ،‬‬


‫أعمال ونتائج كان لها انعكاس رهيب عىل الحالة‬
‫يطال‬ ‫ف‬
‫ال ي‬ ‫االجتماعية واالقتصادية ي� المجتمع إ‬
‫ور� بصفة عامة‪.‬‬ ‫أ‬
‫بصفة خاصة والمجتمع ال ب ي‬
‫أل�تو‬ ‫ف‬
‫و� رواية “الرجل الذي ينتظر” اشتغل ب‬ ‫ي‬
‫التلصص من خالل رجل‬ ‫ُّ‬ ‫مورافيا عىل ظاهرة‬
‫بالتلصص حيث البحث عن‬ ‫ُّ‬ ‫يعاين نفسه ويهيم‬
‫اليروس والذات ف ي� موضوع الرواية‪ ،‬ويتحدث‬ ‫أ‬
‫متلص َص ي ْ ن� يراقب كل منهما‬ ‫ف‬
‫مورافيا ي� الرواية عن ِّ‬
‫الب‬ ‫الب واالبن‪ ،‬أستاذان جامعيان‪ ،‬أ‬ ‫الخر‪ ،‬أ‬ ‫آ‬
‫السبع� من عمره واالبن‬ ‫ين‬ ‫شه� ف ي�‬ ‫يا� ي‬ ‫ز ئ‬
‫عالم يف� ي‬
‫نس ف ي� الخامسة‬ ‫أ‬
‫(أدواردو) أستاذ للدب الفر ي‬
‫والثالث�‪ ،‬وهو أحد راف�ض ي ‪ 1968‬وما حدث ف ي�‬ ‫ين‬
‫فرنسا‪.‬‬
‫وتبدو ي� رواية “رحلة إىل روما” العالقات‬ ‫ف‬
‫يطال الذي هاجمه‬ ‫ف‬
‫ال ي‬ ‫المتفسخة ي� المجتمع إ‬
‫الول “زمن‬ ‫مورافيا وأدان ممارساته منذ عمله أ‬
‫الالمباالة” أو زمن الفاشية الذي منعت فيه شن�‬
‫بالباحية والالأخالقية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫أعماله واتهامه إ‬
‫فقد أدرج الفاتيكان كتبه عىل قائمة المؤلفات‬
‫المحظور عىل الكاثوليك قراءتها‪ .‬ف ي� رواية “رحلة‬
‫ح� يعود ماريو ألول مرة من مدينة‬ ‫إىل روما” ي ن‬ ‫الصغ�ة المومس بطريق المصادفة ف ي� شقة‬
‫ي‬ ‫ابنته‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫و� رواية (‪ )1934‬يجعل بطل الرواية‬ ‫ف‬
‫ال� رحلت‬ ‫ال� كان يعيش فيها مع أمه ي‬ ‫باريس ي‬ ‫للبغاء‪ ،‬ي‬
‫بالم�ل الذي‬ ‫مؤخرا‪ ،‬ويصحبه والده ف� جولة نز‬ ‫المفكر أضحوكة تلعب به امرأتان ألمانيتان‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫ح� كان‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫سبق أن عاش فيه سنوات حياته الوىل ي‬ ‫القص�ة‬
‫ي‬ ‫تمارسان السحاق‪ .‬كذلك ف ي� قصصه‬
‫ف ي� سن الخامسة‪ ،‬وفجأة يتذكر أنه وهو ف ي� هذه‬ ‫ح�ات‬ ‫نجده يجعل أبطال قصصه وكأنهم ش‬
‫ح� نظر ف ي� إحدى المرات من ثقب باب‬ ‫السن ي ن‬ ‫تافهة‪ ،‬لقد كانت واقعية مورافيا تستمد نفسها‬
‫إحدى الغرف رأى أمه تمارس الجنس مع رجل‬ ‫من واقع المجتمع وما يحدث فيه من ممارسات‬
‫دراسات‬
‫‪55‬‬

‫لمغامرات جديدة!! كيف له هذا وزوجته إىل‬ ‫غريب‪ .‬وتستحوذ هذه الذاكرة المشوبة بميل‬
‫جانبه تتطلب أشياء يريد هو تكريسها لصالح‬ ‫الف� ماريو الذي يعتقد أنه‬ ‫جنس عىل أفكار ت‬
‫ي‬
‫المر‪ ،‬للفن والفن وحده‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫الفن‪ ،‬ومهما ك َّلف أ‬ ‫يمكن التخلص منها بأن يعيد المشهد نفسه مع‬
‫هذا لن يكون‪ ،‬ال بد من هجر البيت إذن‪ ،‬ال بد‬ ‫وتصور “رحلة إىل روما”‬ ‫ِّ‬ ‫خطيبة والده الجديدة‪.‬‬
‫الجنس لبطال الرواية وعدم‬ ‫أ‬ ‫الحباط‬
‫من “العفاف” الكامل المطلق التام‪.‬‬ ‫ي‬ ‫حالة إ‬
‫المر؟ هل يقبل‬ ‫ير� “هو” عن هذا أ‬ ‫لكن هل ض‬ ‫ف‬
‫االك�اث بالنسبة لطبيعة الحياة ي� المجتمع‬ ‫ت‬
‫ال�وط‪ ،‬بهذه القيود‪ ،‬وهذه الحواجز‬ ‫بهذه ش‬ ‫يطال‪ ،‬من خالل المعاناة ف ي� أوسع أشكالها‬ ‫ال ي‬ ‫إ‬
‫ال� تريد أن تكبت ما يريده‬ ‫أ ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫والسعي الحتالل مكان ي� عالم يشعر فيه‬
‫ال� تحيطه بها النا ي‬ ‫ي‬
‫ويش� مورافيا ف ي� هذا‬ ‫معاد لهم‪.‬‬ ‫أ‬
‫الـ”هو” الذي يمثل الواجهة الرئيسة للغريزة‬ ‫ي‬ ‫البطال أنه ٍ‬
‫يتوجب‬
‫الجنسية المحتدمة‪“ ،‬إنه” الواقع‪ ،‬فلماذا ّ‬ ‫أن الك ّتاب يجب عليهم أن يحاولوا‬ ‫الصدد إىل َّ‬
‫أي التفات‪.‬‬ ‫يع� “أنا” ّ‬
‫يع� صاحبه‪ ،‬أن ي‬ ‫عليه أن ي‬ ‫معالجة مثل هذه الموضوعات المعقدة بطريقة‬
‫من هذه النقطة يبدأ مورافيا كتابه‪ .‬رواية “أنا‬ ‫واضحة وسهلة وأن يجدوا لها الحلول المناسبة‬
‫ت‬ ‫نسا�‬ ‫التأزمات والتفسخ إ ن‬
‫ال� اشتغل فيها عىل لحظة الرصاع هذه‪.‬‬ ‫وهو” ي‬ ‫ال ي‬ ‫ُّ‬ ‫للقضاء عىل ظاهرة ُّ‬
‫وسدة الرواية‪ ،‬ولحمتها هما بؤرة هذا الرصاع‬ ‫ف ي� المجتمع‪.‬‬
‫“النا” برؤيته الخاصة نحو العمل‬ ‫ب� أ‬ ‫القائم ي ن‬ ‫و� رواية “أنا وهو” تتناول الرواية حالة انفصام‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫والفعل و”الهو” ورؤيته الخاصة نحو ر ّد الفعل‪.‬‬ ‫نفسية ف ي� شخصية فردريكو أو ريكو كما يطلق عىل‬
‫العمال‬‫و� رواية “عاصفة المطر” وهي من أ‬ ‫ف‬ ‫بطل الرواية‪ ،‬سبب هذا االنفصام هو “العفاف”‬
‫المتقدمة لمورافيا عىل الرغم من أنه قد كتبها‬ ‫الذي عزم ريكو عىل فرضه عىل نفسه اقتنا ًعا‬
‫الما�‪ ،‬ونجد‬ ‫ف� بداية الخمسينات من القرن ض‬ ‫منه بما فهمه من نظرية فرويد التصعيدية‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫تصعيدا للحافز‬ ‫الف� ليس إال‬ ‫ن‬
‫فيها التكنيك نفسه الذي اتبعه ي� أول رواياته‬ ‫ً‬ ‫البداع ي‬ ‫إن إ‬
‫القائلة َّ‬
‫ب� تقنيات‬ ‫“زمن الالمباالة”‪ ،‬وهو تكنيك الجمع ي ن‬ ‫النسان‪.‬‬
‫الجنس لدى إ‬
‫ي‬
‫الروا� والكتابة المرسحية يستخدمه‬ ‫ئ‬ ‫كتابة الرسد‬ ‫فيلما‬
‫وعىل الرغم من ذلك يريد ريكو أن يُخرج ً‬
‫ي‬
‫القص�ة من خالل عدد قليل من‬ ‫ي‬ ‫ف ي� هذه الرواية‬ ‫ال� قام بها الشباب ف ي�‬ ‫ت‬
‫عن حركة المناهضة ي‬
‫الشخصيات‪ ،‬وأزمة وشيكة الوقوع ف ي� مواجهات‬ ‫أوروبا‪ ،‬واسم الفيلم هو “االستمالك” نسبة إىل‬
‫ب� أبطال الرواية نستخلص منها وجود‬ ‫محتدمة ي ن‬ ‫لين�‪ .‬فكيف‬‫مصطلح قرأه من الزعيم الشيوعي ي ن‬
‫رصاع ومواجهات ي ن‬ ‫ير� غروره ومطامحه‬ ‫له أن يقوم بعمل ن ض‬
‫ب� أربع شخصيات رئيسة‪،‬‬ ‫ف� ي‬ ‫ي‬
‫ال� تهجره‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫وهو يهدر طاقاته الخالقة ي� مادة يستهلكها‬
‫هي‪ :‬لوكا وخطيبته السابقة مارتا ي‬
‫من أجل عالقة مع رجل ثري متقدم ف ي� السن‬ ‫دائما‬ ‫آ‬
‫“هو” أي البطل الخر؛ الجنس‪ ،‬المتعطش ً‬
‫دراسات‬
‫‪56‬‬

‫انتشارا‪ ،‬وقد استفاد من صفته الصحفية هذه‬ ‫ً‬ ‫وسبب ثراؤه حصوله عىل المال بطرق يغ�‬
‫ت‬
‫وإنجل�ا‬ ‫ف ي� التجول حول العالم‪ ،‬فزار فرنسا‬ ‫م�وعة‪ ،‬تحصل منه مارتا عىل ما يسد حاجتها‬ ‫ش‬
‫والص�‪ ،‬ولم تقترص‬‫ين‬ ‫وأم�كا وأفريقيا‬
‫واليونان ي‬ ‫طفل‪ .‬ورغم جهود لوكا‬ ‫االجتماعية وتنجب منه ً‬
‫القص�ة‬
‫ي‬ ‫أعماله عىل الكتابة الروائية والقصة‬ ‫الستعادة مارتا‪ ،‬إال أنه يفشل وتستمر المناقشات‬
‫والصحافة حسب‪ ،‬إنما كتب بعض المرسحيات‬ ‫والحوارات طوال الليل حول عالقة المرأة وما‬
‫(الله‬ ‫واسعا‪ ،‬منها مرسحية إ‬
‫ً‬ ‫انتشارا‬
‫ً‬ ‫ت‬
‫ال� نالت‬
‫ي‬ ‫يجب أن تفعله‪ ،‬وما تفعله ف ي� الواقع‪ ،‬وتنتهي‬
‫سينمائيا ف ي� إحدى‬
‫ًّ‬ ‫ناقدا‬
‫كورت)‪ ،‬كما عمل ً‬ ‫الرواية بأن يظل كل منهما متمسك بوجهة نظره‬
‫السبوعية‬‫المجالت أ‬ ‫ف ي� رسم خطوط حياته كما يراها هو‪ .‬وكما هي‬
‫فإن الخلفية االجتماعية‬ ‫ف‬
‫الحال ي� روايات مورافيا َّ‬
‫ال� ال أهمية فيها‬ ‫ت‬
‫هي خلفية الطبقة الوسطى ي‬
‫الطار‬ ‫ف‬
‫و� هذا إ‬ ‫والجنس‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫المال‬
‫ي‬ ‫إال للنجاح‬
‫ف‬
‫تعتمد النساء عىل الرجال ي� وضعهن المادي‬
‫واالقتصادي مقابل ما تمنحه كل منهن للرجل من‬
‫إن مارتا تمنح نفسها إىل كل َمن‬ ‫مقابل جسدي‪ّ ،‬‬
‫التحمل‬
‫ُّ‬ ‫يضمن لها حياة لنفسها وطفلها‪ ،‬وهذا‬
‫يكون شخصية مارتا‪ ،‬وهو إدانة‬ ‫البائس هو الذي ِّ‬
‫حية للبيئة االجتماعية القاسية‪ ،‬ويلجأ مورافيا‬ ‫ّ‬
‫كعادته ي� مثل هذه المواقف الماديّة الغريزيّة‬ ‫ف‬
‫إىل إدانة المجتمع وتعرية الواقع ونقد الذات‬
‫ف ي� مواجهة الرصاع الذي تكون عاصفته الممطرة‬
‫ال� وضعها‬ ‫ت‬
‫عىل الجميع هي ر ّد فعل الحبكة ي‬
‫وال� تكمن ف� لعبته ف� الموازاة ي ن‬
‫ب�‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الكاتب‪ ،‬ي‬
‫الب�ي المعتاد والطبيعة الكامنة ف ي� هذا‬ ‫الفعل ش‬
‫و� ختام الرواية تصبح السماء صافية‬ ‫ف‬
‫الفعل‪ .‬ي‬
‫أن الغيوم‬ ‫وينتهي هطول المطر عىل الرغم من َّ‬
‫تتجمع ف ي� مكان آخر‪.‬‬ ‫الداكنة كانت َّ‬
‫ف‬
‫اش�ك مورافيا ي� تحرير‬ ‫و� مجال الصحافة ت‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫اليطالية‬ ‫أك� الصحف إ‬ ‫جريدة (المساء) وهي من ث‬
‫دراسات‬
‫‪57‬‬

‫فلسفة الروح في “أصداء السيرة الذاتية”‬


‫لــ نجيب محفوظ‬
‫محمد عطية محمود‪ /‬مصر‬

‫تتطور لتكون أيقونة من أيقونات النص‪ ،‬ومن‬ ‫قال الشيخ عبد ربه التائه‪:‬‬
‫ثم ملمح من مالمح الكتابة عند نجيب محفوظ‪،‬‬ ‫يطارد� من المهد إىل ال َّلحد‪ ..‬ذلك هو‬ ‫ن‬ ‫“إنه‬
‫ي‬
‫أيضا بأيقونة أخرى من خالل‬ ‫الذي ربما ارتبط ً‬ ‫الحب”‪( .‬المطارد)‬
‫كتاباته القصصية هي أيقونة “زعبالوي” تلك ال�ت‬ ‫مهم‬‫تُ َم ِّث ُل أيقونة “عبد ربه التائه” حجر زاوية ّ‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫الس�ة الذاتية”‬
‫بداعي “أصداء ي‬ ‫ف� هذا ت ن‬
‫الروحا�‪/‬‬ ‫فتحت آفاق التعامل مع ذاك االتجاه‬ ‫ال ّ‬ ‫الم� إ‬
‫(‪)1‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الميتاف�يقي ف� كتابات نجيب محفوظ‪ ،‬وال�ت‬ ‫يز‬ ‫العر� “نجيب محفوظ”‪ ،‬الذي‬ ‫لعمالق الرسد‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ربما تخ ّ‬ ‫الخ�ة والدراية‬ ‫يستقي حكمة الحياة من خالل ب‬
‫الشكالية ي‬ ‫طتها تلك الشخصية‪ /‬إ‬
‫الس�ة‪:‬‬
‫م� أصداء ي‬ ‫تظهر ف� ت ن‬ ‫الروحا� المتوغل فيها‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫مم�جة بهذا الحس‬ ‫بها‪ ،‬ت ز‬
‫ي‬
‫ح� ُسمع‬ ‫حينا ي ن‬ ‫ف‬ ‫و� أرسار حكمتها‪ ،‬والتعطش لموارد ال َّنهل منها‪،‬‬ ‫ف‬
‫“كان أول ظهور للشيخ عبد ربه ي� ِّ‬ ‫ي‬
‫ولما ُسئل‬ ‫ال ن ي�‬‫ب� دروبها‪ ،‬بما يفي بالمتطلب آ‬ ‫والتنقل ي ن‬
‫وهو ينادي‪( :‬ولد تائه يا والد الحالل)‪ّ ،‬‬
‫عن أوصاف الولد المفقود قال‪( :‬فقدته منذ أك�ث‬ ‫حد سواء‪ ،‬فالمسحة الروحانية‬ ‫أو القادم عىل ٍّ‬
‫ن‬ ‫ين‬ ‫ف‬
‫ال� تج ّلت ي� إبداعات نجيب محفوظ‬ ‫ت‬
‫ع� جميع أوصافه)‪،‬‬ ‫عاما فغابت ي‬ ‫سبع� ً‬ ‫من‬ ‫والصوفية ي‬ ‫ّ‬
‫فعرف بعبد ربه التائه” ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ف‬
‫القصصية والروائية‪ ،‬تصب بال شك ي� هذا‬
‫ُ‬
‫ال� تبدو فيها هذه‬ ‫ت‬
‫تلك البداية‪ /‬االفتتاحية ي‬ ‫التكوين الروحي الذي يجعل صلة الذات بالعالم‬
‫الشكالية‪ ،‬الشتعال العالقة الجدلية‬ ‫الشخصية إ‬ ‫توحد واتصال وارتقاء ف ي� محاوالت للوصول‬ ‫صلة ُّ‬
‫التناس‪ ،‬وبداية‬ ‫ب� الوعي والنسيان أو‬ ‫مرة أخرى ي ن‬ ‫إىل الجوهر الحقيقي للوجود‪ ،‬من خالل هذا‬
‫ي‬
‫وال� تشتبك مع مفهوم‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫أيضا‪ ،‬ي‬ ‫التعرف الجدلية ً‬ ‫ال�‬
‫الشكالية ي‬ ‫النص التعريفي بتلك الشخصية‪ /‬إ‬
‫دراسات‬
‫‪58‬‬
‫ش‬ ‫ال� تلقي‬ ‫ت‬
‫العط� لهذا النموذج من التعامل مع‬ ‫النفوس‬ ‫التعرف إىل الذات الساردة نفسها‪ ،‬ي‬
‫كب� ي� شخصية‬ ‫ف‬
‫الحياة‪ ،‬ذلك الذي يتمثل إىل حد ي‬ ‫بالشخصية ف ي� أتون الذاكرة‪ ،‬فتتوهج وتنضج‬
‫الذات الساردة‪ ،‬شخصية المتصوف الذي يرتقي‬ ‫الحداث المحكية المربكة‪،‬‬ ‫كلما مر حدث من أ‬
‫َّ‬
‫تص� كالنوادر‬ ‫وال� ي‬ ‫ت‬
‫درجات روحانيته بالتعرف عليها من خالل هذه‬ ‫والمطمئنة عىل حد السواء‪ ،‬ي‬
‫الشكالية‪ /‬النموذج‪ /‬عبد ربه التائه‪،‬‬ ‫الشخصية‪ /‬إ‬ ‫المؤثرة ف� التكوين النفس للذات الساردة ال�ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ال� تتكشف روعتها ونقائها كلما‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫تتعلق بهذه الشخصية‪ /‬الظل‪ /‬الصدى المبا�‬
‫بغرائبيتها ي‬
‫م� النصوص المحكية أو المقتضبة‬ ‫توغلت ف� ت ن‬ ‫للعالقات مع الذات وهواجسها وطموحاتها‬
‫ي‬
‫الكب�‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وخ�اتها الحياتية والمتقاطعة مع مرور الزمن‬
‫ال� تؤسس لها‪ ،‬ثم تضعها ي� إطارها ي‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫تغ�ات ي� مفهوم العالقة المادية‬ ‫ف‬
‫الذي يعطيها هالتها‪:‬‬ ‫يث�ه من ي‬ ‫وما ي‬
‫ن‬ ‫وال� تتحول إىل المعنوي والروحي‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫وسع� الوقت‬ ‫ي‬ ‫“ومنذ عرفته داومت عىل لقائه ما‬ ‫مع الشياء ي‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫الغراق ي� عالقة ال‬‫ف‬
‫و� كالمه‬ ‫مرسة‪ ،‬ي‬ ‫وأذن يل الفراغ‪ ،‬وإن ي� صحبته ّ‬ ‫الشفيف‪ ،‬حد الهوس وحد إ‬
‫متعة‪ ،‬وإن استعىص عىل العقل أحيانًا”(‪.)4‬‬ ‫دخول‪ /‬انطالقًا إىل عالقة روحانية‬ ‫ً‬ ‫فكاك منها‪،‬‬
‫إشكالية‬
‫ّ‬ ‫ما قد يعكس بدايات نجيب محفوظ مع‬ ‫وتجل الكلمات‪/‬‬ ‫ي‬ ‫تتأجج بظهور الكرامات‬ ‫مشوبة َّ‬
‫التصوف‪ ،‬الذي تعددت رموزه ف ي� أعماله الرسدية‬ ‫المتوال عن مخبوء النفس‬ ‫ي‬ ‫النبوءات أو الكشف‬
‫مشعا‪،‬‬‫رمزا ًّ‬ ‫ليص� “عبد ربه التائه” ً‬ ‫ي‬ ‫كما قلنا‪،‬‬ ‫وأرسارها‪ ،‬وإماطة اللثام عن أمور يختلط فيها‬
‫وشخصية أسطورية تنسج حولها الحكايات‪،‬‬ ‫المست�ف‪ ،‬مع الغارق ف ي� العشق‬ ‫ش‬ ‫الغي�‪ ،‬مع‬ ‫بي‬
‫ال� بدأت‬ ‫ت‬
‫جديدا للحقيقة والكشف ي‬ ‫ً‬ ‫وضم�ا‬
‫يً‬ ‫بتدرج مستوياته‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫تتجىل له ي� ما حوله من مالحظات أو أصداء‬ ‫ف‬ ‫“وكنا نلقاه ف� الطريق أو المقهى أو الكهف‪ ،‬و�ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫البداع لف ً‬
‫ظا‬ ‫ال� تجمع ي ن‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ب� إ‬ ‫الس�ة المائزة ي‬ ‫لهذه ي‬ ‫كهف الصحراء يجتمع بالصحاب حيث ترمي‬
‫النسانية‬ ‫بديعا‪ ،‬وتوثيق الحالة إ‬ ‫وتصويرا ً‬
‫ً‬ ‫ورس ًدا‪،‬‬ ‫بهم فرحة المناجاة ف ي� غيبوبة النشوات‪ ،‬فحق‬
‫الموغلة ي� حاالت الروح وتر ُّددها وتق ُّلبها‪،‬‬ ‫ف‬ ‫عليهم أن يوصفوا بالسكارى وأن يسمى كهفهم‬
‫واندياحها ف ي� فضاءات ومعادالت متعددة ورموز‬ ‫الخمارة”(‪.)3‬‬
‫للحياة‪ ،‬ومناهل النشوة والرسور والتمتع بها عىل‬ ‫هنا ينتقل الفضاء المعتاد الذي بدأ به اللقاء‬
‫نحو آخر من االشتهاء‪:‬‬ ‫القرب إىل الصدفة واالعتياد‪ ،‬إىل هذا اللقاء‬ ‫أ‬
‫“أغلب أحاديثهم وأغانيهم عن المرأة الجميلة‪،‬‬ ‫صوفية أسطورية‬ ‫االستثنا� المغ ّلف بأجواء‬ ‫ئ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ينتظرون الرضا وال يعرفون اليأس”(‪.)5‬‬ ‫للتال�‬ ‫ق‬ ‫افيا‬
‫ي‬ ‫تتخذ من العزلة‪ /‬الكهف‪ ،‬مكانًا خر ًّ‬
‫هذا الظل‪ /‬المعادل‪ /‬الرمز‪ /‬المرأة الجميلة‬ ‫ال� تسكرها النشوة‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫والتسامر عىل �ف الروح ي‬
‫ال� توغل ف ي� إبداعات نجيب محفوظ الرسدية‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫وتتعاظم قوتها لتمثل هذا الجذب الهائل لتلك‬
‫دراسات‬
‫‪59‬‬

‫نجيب محفوظ‬

‫بالضافة إىل شخصيات مائزة كرموز‬ ‫القصص(‪ ..)6‬إ‬


‫ي‬ ‫ولتص� أيقونة أخرى من خالل نماذج‬ ‫ي‬ ‫المتعددة‪،‬‬
‫“م�امار” و”اللص‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫للمرأة ف ي� إبداعه‬ ‫قصصية مثلت عالمات بارزة ف ي� مشواره‬
‫الروا� ي� ي‬
‫ي‬ ‫القصص‬
‫ي‬
‫والكالب”‪ ،‬و”السمان والخريف”‪ ،‬و”الطريق”‪،‬‬ ‫عىل مستوى المعالجة الدرامية‪ ،‬وعىل مستوى‬
‫يؤصل هذا العشق للحياة ف ي� صور‬ ‫وغ�ها؛ ما ِّ‬ ‫ي‬ ‫البداع رونقًا‬
‫ال� تعددت لتعطي هذا إ‬ ‫ت‬
‫التقنيات ي‬
‫تلك المرأة؛ فالنظرة الصوفية‪ /‬الروحانية ال�ت‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وصورا ال تكرار لها‪ ،‬كما ف ي� نصوص‬
‫ً‬ ‫ومائزا‪،‬‬
‫خاصا‪ً ،‬‬ ‫ًّ‬
‫أ‬
‫تسيطر عىل هذا المشهد الرسدي وهذه الصداء‪،‬‬ ‫وغ�ها‬ ‫ف‬
‫“� أثر السيدة الجميلة”‪ ،‬و”روبابيكيا”‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫ال ينفصل عن ممارسة الحياة بأبهج ما فيها سواء‬ ‫تعرضنا له بالتحليل ف ي� كتابنا “تجليات‬ ‫مما قد َّ‬ ‫ّ‬
‫ت‬
‫المست� عن‬ ‫عىل مستوى الرمز أو مستوى الواقع‬ ‫ف‬
‫رسد الحياة” قراءة ي� أدب نجيب محفوظ‬
‫دراسات‬
‫‪60‬‬

‫معا‪:‬‬‫وثمل الجميع بسعادة شاملة‪ ،‬وأنشدنا ً‬ ‫العيون‪ ،‬فاالبتهاج بهذه المرأة الجميلة‪ /‬الرمز‪،‬‬
‫الم�”(‪.)7‬‬‫شب�ى لنا‪ /‬نلنا ن‬ ‫وتجليها‪ /‬حضورها ف ي� هذا المقام يمثل ارتقا ًء‬
‫تفس�ه عىل معناه‬
‫ي‬ ‫التجل الذي ال يمكن‬ ‫ّي‬ ‫هذا‬ ‫لقيمة العشق الذي تكون المرأة الجميلة بذرته‬
‫ف‬
‫اتجاها إىل الرمزي والمجازي ي� تحليل‬‫ً‬ ‫الظاهري‪،‬‬ ‫وتتصاعد قيمته كلما علت مراتب العشق لتصل‬
‫ت� كل‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫هذا المشهد الخارق لالعتياد‪ ،‬والذي ي‬ ‫يدا� عشقها عشق‪ ..‬كما‬‫ال� ال ي‬ ‫إىل الذات العىل ي‬
‫بمع� النشوة والسكر المجازي ف ي�‬ ‫ن‬ ‫داللة فيه‬ ‫ف ي� نص “الذكرى المباركة”‪:‬‬
‫التجل واالنكشاف �ف‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ّي‬ ‫ومع�‬ ‫رمز “الخمارة”‪،‬‬ ‫“وانزاحت الستارة المسدلة عىل باب الخمارة‬
‫ف‬
‫ال� تأخذ سمة الحياة ي� رحيقها‬ ‫ت‬
‫“المرأة العارية” ي‬ ‫ودخلت امرأة عارية تموج برحيق الحياة وفتنتها‪..‬‬
‫وفتنتها‪ ،‬وهذا الحلول أو االلتقاء‪ /‬االلتصاق‬ ‫ذاهل� ننظر وننتظر‪ ،‬واتجهت المرأة‬ ‫ين‬ ‫وقفنا‬
‫كامل مع شخصية‬ ‫نحوي ت‬
‫كتماه ٍ‬ ‫تحديدا‪ٍ ،‬‬
‫ً‬ ‫بالذات الساردة‬ ‫ح� التصقت ب ي�‪ ،‬وحلت عقدة شعرها‬
‫العارف‪ /‬التائه‪ ،‬وانفراده بنعمة االلتقاء واحتوائه‬ ‫طانا‪،‬‬ ‫فانصب حولنا كموجة عاتية فغ ّ‬
‫َّ‬ ‫المعقوص‬
‫دراسات‬
‫‪61‬‬

‫الواقع والمعتاد‪ ،‬كما ف ي� ومضة “دعاء”‪:‬‬ ‫بفرد شعرها‪ /‬نعيمها عليه‪ ..‬ليصل الجميع إىل‬
‫ار� الشيخ عبد ربه التائه‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫النشوة الفرح كغاية مرتجاة‪ ،‬ما يجعل تلك‬
‫“أصابت� وعكة فز ي‬ ‫ي‬
‫ّا� ودعا يل ً‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫ال� ربما ح ّلت فيها روح الشيخ‬
‫قائل‪:‬‬ ‫ورق ي‬ ‫الذات الساردة ي‬
‫من عليه بحسن الختام‪ ،‬وهو العشق”(‪.)9‬‬ ‫“اللهم ّ‬ ‫ال� ربما‬‫ت‬
‫أو تماهت معها‪ ،‬بؤرة لهذه المجموعة ي‬
‫ال� أشار إليها نجيب‬ ‫ت‬
‫وهي ربما تكون العالقة ي‬ ‫متخيلة من المريدين الذين يحوطونه‬ ‫َّ‬ ‫كانت‬
‫ف‬
‫محفوظ عىل لسان أحد أبطاله ي� رواية “قلب‬ ‫بأرواحهم‪ ،‬اتكا ًء عىل هذا الحس المتفرد ّ ي‬
‫بتجل‬
‫المتحولة‬ ‫الليل”‪ ،‬كجذر من جذور هذه العالقة‬ ‫وتجمعها عىل هذا العشق وهذا التحقُّق‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫الرواح ُّ‬
‫ف‬
‫واليمان والولوج ي� هذه‬ ‫ين‬
‫باليق� إ‬ ‫والمتطورة‬
‫ّ‬ ‫والمتخيل‬
‫َّ‬ ‫منه بال َّنهل من رحيق الحياة المشتهى‬
‫النسا�ن‬ ‫ين‬ ‫ت‬ ‫ف� آ‬
‫المستوي� إ ي‬ ‫أمدته عىل‬ ‫ال� َّ‬ ‫الك�ى ي‬ ‫الهالة ب‬ ‫الن ذاته‪..‬‬ ‫ي‬
‫روحية وزخم ي� اصطياد‬ ‫ف‬ ‫والبداعي بطاقة‬ ‫ف‬
‫“قال الشيخ عبد ربه‪ ،‬ذات ليلة ي� سهرة الكهف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إ‬
‫ال� تربط شخوصه ومريديه‪/‬‬ ‫ت‬
‫العالقات الرئيسة ي‬ ‫ما أجمل قصص الحب‪ ،‬عفا الله عن الزمن الذي‬
‫حرافيشه بالوجود وبالحياة‪:‬‬ ‫يحييها ويميتها”(‪.)8‬‬
‫ُتنت به‪ .‬مأسا�ت‬ ‫اكتشفت عالم العقل فف ُ‬ ‫ُ‬ ‫“لقد‬
‫ي‬
‫ب� عقل وإيما�ن‬ ‫ب� الرصاع ي ن‬ ‫الخاصة نشأت ي ن‬ ‫التصوف‬
‫ُّ‬ ‫إشكالية‬
‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اليمان الخالص كما‬ ‫الراسخ بالله تزعزعت ت ف‬ ‫أصاب� الداء الذي ليس له دواء”‪.‬‬ ‫ن‬ ‫“وقد‬
‫ثق� ي� إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ال� أطلقها سارد نص‬ ‫ت‬
‫أريد عالقة حميمة‬ ‫كنت ُ‬ ‫تزعزعت ي� لغة القلب‪ُ .‬‬ ‫هذه الجملة الكاشفة ي‬
‫مفر منه مثل ‪.)10(”2=1+1‬‬ ‫واقتنا ًعا ال ّ‬ ‫“زعبالوي” ف ي� مجموعة “دنيا الله” (‪ ،)1962‬قد‬
‫ف‬
‫ال� يلتمسها المريد ي� منتهى‬ ‫ت‬ ‫يأ� استدعاؤها ف� تلك أ‬ ‫ت‬
‫هذه الغاية ي‬ ‫الصداء‪ ،‬مع هذه الرغبة‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫والتطبب‬ ‫ُّ‬
‫ت‬
‫صفائه وارتقائه‪ ،‬من خالل االس�شاد‬ ‫الملحة ف ي� استكشاف الدواء الذي بحث عنه‬
‫بتلك الشخصية‪ /‬الرمز‪ /‬القيمة الروحانية‪ ،‬أو‬ ‫ح� راح يلتمس ظل هذا الرجل‬ ‫وأعياه البحث ت‬
‫ال� يبدو أثرها المادي‬ ‫ت‬
‫ربما العالمة السيميائية ي‬ ‫العجيب “زعبالوي”‪ ،‬ف ي� متاهات الحياة‪ ،‬ودروبها‪،‬‬
‫ومتالزم�‪ ،‬بتلك الحاالت‬ ‫ين‬ ‫والمعنوي متجاورين‬ ‫ولكن ربما اختلفت الحال هنا‪ ،‬فالذات الساردة‬
‫ف‬
‫روحا� مح ّلق ي� رحابة‬ ‫ن‬ ‫ب� ما هو‬ ‫ال� تت� َّدد ي ن‬ ‫ت‬ ‫تعرف الطريق إىل عالمتها المستقرة ف ي� الحياة‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال يث�ية‪ ،‬وما هو مادي‬ ‫المع� وعمق العالقة أ‬ ‫ن‬ ‫وهي “عبد ربه التائه”‪ ،‬للشفاء من أسقام الحياة‬
‫فالركون إليها أصبح‬ ‫ف‬ ‫ومتاعبها َّ ت‬
‫ضارب ي� شؤون الحياة‪ّ ،‬‬ ‫ال� ال دواء لها يغ� العشق‪،‬‬ ‫الجمة ي‬
‫مكونات عالقة الذات الساردة‬ ‫الروحا�‪ ،‬أو ن‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ئيسا من ّ‬ ‫مكونًا ر ً‬ ‫ّ‬ ‫مع� الخالص‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الصو�‪/‬‬
‫ي‬ ‫بمعناه‬
‫وال� تهرب منه وإليه‪ ،‬نحو‬ ‫ت‬
‫مع واقعها المحيط‪ ،‬ي‬ ‫واالنفالت من هذا الحب أو الوجود المادي‬
‫ف‬
‫أر�‪ ،‬كما يلوح ويتناثر ي� ثنايا النصوص‪،‬‬ ‫قيمة ق‬ ‫ال�اح الذي يتحرك ف ي� فضاء ما وراء‬ ‫الجامد‪ ،‬إىل ب‬
‫دراسات‬
‫‪62‬‬

‫الك�ى مع‬‫ومشاريع أحالمها وأهوائها‪ ،‬وعالماتها ب‬ ‫حتمية تلتمس الصفاء والحب والعشق‬ ‫ّ‬ ‫كفكرة‬
‫مشوار الحياة‪ ،‬وعالقاتها الجدلية المرتهنة ي ن‬
‫ب�‬ ‫ب� التذكار والنسيان‬ ‫ب� الحياة والموت‪ ،‬وما ي ن‬ ‫فيما ي ن‬
‫معو ًل هنا عىل‬
‫فك رحى الفشل والنجاح فيها‪ِّ ،‬‬ ‫ّي‬ ‫شكاليتان القائمتان عىل التقابل والتضاد‬ ‫ال ّ‬ ‫تلك إ‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫يعمق المع� ويجليه‪ ،‬والقائمة عليهما‬ ‫ن‬
‫الوصول إىل مع� الحب ال بك�‪ ،‬بمعاودة طرح‬ ‫الذي ِّ‬
‫أ‬ ‫وتوحدها بما‬ ‫أسس العالقة ي ن‬
‫السئلة الموجهة إىل القلب المعادل لحياة تلك‬ ‫ب� الذات الساردة ُّ‬
‫الذات‪“َ :‬من يصدق أنك خفقت بذلك الحب‬ ‫وتحك عنه‪ ،‬وعالقة الحب المتوالدة من‬ ‫ي‬ ‫ترسده‬
‫كله؟”‪ ..‬والذي يف�ض ي ف ي� نهايته إىل إقرار العدم‬ ‫رحم المعاناة ي� دروب الحياة‪ ،‬وتلك الفلسفة‬ ‫ف‬
‫أو ش‬
‫التال� ‪..‬‬ ‫أيضا بروح‬ ‫وتوجهه‪ ،‬ربما ً‬ ‫ال� تسيطر عىل الفكر ِّ‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يتجسد ضده ف ي� العالقة الجدلية‬ ‫َّ‬ ‫والذي قد‬ ‫ب� السارد والقيمة‬ ‫ال� تحكم العالقة ي ن‬ ‫ت‬
‫االفتتان ي‬
‫وال� تنتهي بماديّتها وأبعادها الجسدية‬ ‫ت‬
‫بالحبيبة‪ ،‬ي‬ ‫يحك عنها أو يتداولها ف ي� ثنايا نصوصه‪/‬‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫ال� تقاوم ضد الزمن وضد‬ ‫ت‬ ‫أصداء حياته‪ ،‬وعالقته بينابيع الكتابة‪ ،‬وينابيع‬
‫لصالح قيمة الحب ي‬
‫وانتصارا لقيمة الحب الخالص‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المادة الفانية‪،‬‬ ‫البداعي‬ ‫الروح الهائلة المحركة لهذا الزخم إ‬
‫كما ف ي� نص “الحب والحبيبة”‪ ،‬من قول الشيخ‬ ‫الم�ع بالرموز والعالمات والشخصيات‬ ‫نسا� ت‬ ‫إ ن‬
‫وال ي‬
‫ذاته‪“ :‬قد تغيب الحبيبة عن الوجود‪ّ ،‬أما الحب‬ ‫المجسدة لمادية الحياة وروحانيتها‪..‬‬
‫فال يغيب”(‪..)12‬‬ ‫قال الشيخ عبد ربه التائه ف ي� نص (صفحة القلب)‪:‬‬
‫ال بك�‪ ،‬الذي يتخطى‬ ‫لمع� الحب أ‬ ‫ذلك التأصيل ن‬ ‫قل� ف� مرآة كأس‪ ،‬ن‬
‫فهال� صفاؤه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫“رحت أشاهد ب ي ي‬ ‫ُ‬
‫النسانية‪ ،‬إىل ماهية‬‫مادية وجود الحبيبة بأبعادها إ‬ ‫وقلت‪“َ :‬من يصدق أنك خفقت بذلك الحب كله؟‬
‫عر�‪:‬‬ ‫أ‬ ‫كيف كنت عالما يموج بالنساء والرجال أ‬
‫الحب العظم‪ ،‬كما قال محي الدين ابن ب ي‬ ‫والشياء؟‬ ‫ً‬
‫دي�”‪ ،‬أو ما ذهب إليه كبار عالمات‬ ‫ن‬
‫“ودين الحب ي‬ ‫قل� عىل حقيقة ما كان‪ ،‬إال‬ ‫يبق من دليل يا ب ي‬ ‫ولم َ‬
‫ف‬
‫تفجرت ي� الهواء‪ ،‬وتالشت ي� الفضاء” ‪.‬‬ ‫ف‬
‫الصوفية من عالقات حب سما يل�تقي إىل الذات‬ ‫ّ‬
‫(‪)11‬‬
‫دموع ّ‬
‫أ‬
‫ال� تتناجى فيها الرواح وتحاول‬ ‫ت‬ ‫المق�ن بمع�ن‬ ‫ت‬ ‫ما يؤكد عىل إشكالية الوجود‬
‫اللهية‪ ،‬تلك ي‬ ‫إ‬
‫االرتقاء إىل محبتها‪ ،‬ذلك الذي يفتح آفاق العالقة‬ ‫التعب�‬
‫ي‬ ‫الرسوخ ف ي� الحب وماهيته‪ ،‬من خالل‬
‫العجائبية‪ /‬الشافة تل�تقي ربما لهذا المفهوم أو‬ ‫بالعنوان المجازي “صفحة القلب”‪ ،‬وكونه مؤديًا‬
‫ال� تتنفس فيها عالقة الوصل أو‬ ‫ت‬
‫لتلك المساحة ي‬ ‫أيضا‬ ‫ف ي� تصاعديّة نموه وتق ُّلباته ف ي� مشوار طويل ً‬
‫ال� من الممكن‬ ‫ت‬ ‫يز‬ ‫مهما لبيان أثر مروره‬ ‫دورا ًّ‬ ‫يلعب فيه الزمن ً‬
‫الميتاف�يقية‪ ،‬ي‬ ‫العالقة الغيبية‪/‬‬
‫ال� ارتكز عليها عديد‬ ‫ت‬ ‫المادي من بك� وكهولة وعجز وشيخوخة كس ّنة‬
‫تع� عنها تلك العبارات ي‬ ‫أن ب ِّ‬
‫الس�ة الذاتية‪ ،‬وما يتعلق‬ ‫ف‬ ‫س� الحياة وما إىل ذلك من العالقات القدريّة‬ ‫من نن‬
‫النصوص ي� أصداء ي‬
‫بشقها المرتبط بتلك الشخصية الجدلية ال�ت‬ ‫فتن� متاعبها وآالمها‬ ‫ال� تُساق الذات فيها ش ئ‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪63‬‬

‫الزاخرة ربما بما احتوته كل الشخصيات الروائية‬ ‫أراها شخصية روائية بامتياز‪ ،‬ربما الحت مالمح‬
‫الصوفي� ف ي� روايات نجيب‬ ‫ين‬ ‫ال� مثل نماذج‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫وأطياف منها ف ي� رسديّاته الروائية مثل‪“ :‬اللص‬
‫الصو� ف ي�‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫محفوظ‪ ،‬بد ًءا من الشيخ الجنيدي‬ ‫وغ�ها‪ ..‬حيث يعكس‬ ‫والكالب”‪ ،‬و”الحرافيش”‪ ،‬ي‬
‫“اللص والكالب”‪ ،‬إىل جانب الحارة‪ ،‬الحرافيش‪،‬‬ ‫ال�عات الغارقة �ف‬ ‫الجو العام ف� الحرافيش تلك نز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫(ال� تتوازى مع الكهف ف ي� تلك‬ ‫ت‬
‫الفتوات‪ ،‬التكية ي‬ ‫طقوسا ماديّة وأناشيد وتراتيل‪ ،‬وسمات‬ ‫ً‬ ‫الصوفية‬
‫ّ‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫المع�ة عن أحوال‬ ‫ب‬ ‫الصداء)‪ ،‬واللغة الشاعرة‬ ‫يعج به‬ ‫تتجذَّ ر ي� بعض الشخصيات بها‪ ،‬وما ّ‬
‫الوجد‪ ،‬كمفردات ألهبت الجو العام‪ ،‬والخيال‪،‬‬ ‫ملء بسماته وغرائبيته المستمدة‬ ‫كب� ي‬ ‫من عالم ي‬
‫بملحمة “الحرافيش”(‪ )1977‬وتلك االستلهامات‬ ‫إيالما وأك� قدرة عىل‬‫ث‬ ‫من واقع أشد غرابة وأشد ً‬
‫رويدا‬ ‫ال� بدأت تفيض بها عليه أجواء الدخول ً‬ ‫ت‬ ‫المث�ة‬ ‫فرض سماته وتداعيات عالقات شخوصه ي‬
‫ي‬
‫ح� ي ن‬
‫اليق�‪:‬‬ ‫رويدا ف� ي ز‬ ‫بالمادي والمعنوي عىل حد السواء‪ ،‬ربما للوصول‬
‫ً ي‬
‫“سألت الشيخ عبد ربه التائه‪ :‬كيف تنتهي المحنة‬ ‫ُ‬ ‫الحقيقية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إىل معادلة الوجود‬
‫سالم� فهي‬ ‫ين‬ ‫ال� نعانيها؟ فأجاب‪ :‬إن خرجنا‬ ‫ت‬ ‫فشد العقل وراءه”‪.‬‬ ‫“لقد آمن القلب َّ‬
‫ي‬
‫هالك� فهو العدل”‪.‬‬ ‫الرحمة‪ ،‬وإن خرجنا ي ن‬ ‫اليق� ف ي� ثنايا تلك المقولة لنجيب‬ ‫ربَّما برز ي ن‬
‫طويل‬‫مشوارا ً‬ ‫تخ�ل إىل حد بعيد‬ ‫ال� ت ز‬ ‫ت‬
‫***‬ ‫ً‬ ‫محفوظ‪ ،‬ي‬
‫ف ي� نص “الفرج”‪ ،‬الذي نقتطع منه نهايته البليغة‬ ‫وصعبا للوصول إىل هذه القيمة الروحانية‬ ‫ً‬
‫ت‬
‫وال� أنهى بها‬ ‫التجل‪ ،‬ي‬‫ّي‬ ‫المفتوحة عىل آفاق‬ ‫والتبص‪ ،‬ربما‬ ‫ُّ‬ ‫بالخ�ة‬ ‫ب‬ ‫والنسانية‪ ،‬المشبعة‬ ‫إ‬
‫ف‬
‫ال� قطعها ي� رحلة‬ ‫ت‬
‫بحرفية وحكمة بالغة‪ ،‬فيها‬ ‫ّ‬ ‫الكب� أصداءه‪،‬‬ ‫كاتبنا ي‬ ‫ليدلل عىل تلك المراحل ي‬
‫قليل‪،‬‬ ‫الجز� الذي قد يشبع ال ّنهم ولو ً‬ ‫ئ‬ ‫التحقُّق‬ ‫مرورا بتق ُّلبه عىل‬ ‫ن‬
‫الروحا�‬ ‫تكوينه الفكري ثم‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫كثمرة من ثمرات المداومة والحرص عىل الم�ض‬ ‫ت‬
‫ال� كانت ت�اءى لنا‬ ‫ت‬
‫يّ‬ ‫نار اتجاهاته الفلسفية‪ ،‬ي‬
‫ف ي� الطريق‪:‬‬ ‫المث�ة‬ ‫أ‬
‫البداعية ي‬ ‫من خالل العديد من العمال إ‬
‫“وقال الشيخ‪:‬‬ ‫للجدل‪ ،‬ومعركته مع ذاته‪ ،‬ومع الوجود للوصول‬
‫أ‬
‫تحولوا عنه البصار‪.‬‬ ‫ب� حسه الفلسفي‬ ‫اليق�‪ ،‬وإىل تلك المعادلة ي ن‬ ‫إىل ي ن‬
‫‪ -‬انظروا إىل باب الكهف‪ ،‬وال ِّ‬
‫ح� ارتعشت جذورها �ف‬ ‫وخفقت القلوب ت‬ ‫كمنح�‬‫ن‬ ‫والصو� وعالقته به‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ويقينه الروحي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫البص�ة وسمعته‬ ‫و� لهفتنا رأته‬ ‫ف‬ ‫صاعد لعالقته مع الحياة وفلسفة وجوده بها‪،‬‬
‫ي‬ ‫انتظار الفرج‪ ،‬ي‬
‫الرسيرة”(‪.)13‬‬ ‫أيضا من خالل تلك الشذرات‬ ‫وال� الحت لنا ً‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫مع� “الفتح”‬ ‫ال� ربما تماهت مع ن‬ ‫ت‬ ‫الس�ي‪ ،‬الذي ي ن‬ ‫ال� تناثرت ف� هذا ت ن‬ ‫ت‬
‫هي النهاية ي‬ ‫ب�‬ ‫الم� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫العىل‬ ‫تأ� به بشارات العالقة مع الذات أ‬ ‫ت‬
‫الذي ي‬ ‫أيدينا‪ ،‬بروح هذا المردود‪ ،‬وبروح هذه العالقة‬
‫ً‬
‫وصول‬ ‫ال� تستحق مقام الحب أو العشق‪،‬‬ ‫ت‬ ‫مع أيقونة “عبد ربه التائه” تلك الشخصية‬
‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪64‬‬

‫خالصة عالقة الكاتب‪ /‬السارد‪ /‬العارف بدروب‬ ‫البص�ة‪ ،‬ومن ثم الكشف من بعد‬ ‫ي‬ ‫إىل ن‬
‫مع�‬
‫الحياة وإشكالياتها‪ ،‬وفلسفة وجودها‪ ،‬والتشابك‬ ‫الحجب والدخول ف ي� غمار السديمي المشبع‬
‫متصوفة‬‫ّ‬ ‫معها من خالل وعي حاد بها‪ ،‬باطنه روح‬ ‫بغالالت القدرة المعجزة عن بلوغها ّإل َلمن ُمنح‬
‫بعيدا عن طقوس أو قشور قد‬ ‫ن‬ ‫ووهب مفاتيحها‪ ،‬والدخول ف� أ‬
‫النوار الال نهائية‬
‫المع�‪ً ،‬‬ ‫بجدارة‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫أك� قد‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫الحي والممتدة قيمته‪،‬‬ ‫تقلل من قيمة جوهرها ّ‬ ‫رمزا ب‬
‫ال� ربما تمثل ً‬‫ي� معانيها البليغة‪ ،‬ي‬
‫الدالل‬
‫ي‬ ‫التعب�‬
‫ي‬ ‫وهي نصوص بلغت رهافتها مبلغ‬ ‫تحركه إليه‬
‫ال يستوعب العقل وجوده‪ ،‬ولكن قد ِّ‬
‫والمجازي‪ ،‬والقدرة عىل التكثيف‪ ،‬وإن جنحت‬ ‫البص�ة‪..‬‬
‫ي‬ ‫أنوار‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫الفلسفية ي‬
‫ّ‬ ‫أحيانًا‪ ،‬لل�ض ورة‪ ،‬إىل الحكمة‬ ‫قمة منحنياتها‬ ‫اتِّساقًا مع رؤية تصاعدت لتبلغ ّ‬
‫تجسد مفهوم خالصة التجربة‬ ‫ِّ‬ ‫وارتقائها من خالل عالقات قد تكون حقيقية‪،‬‬
‫مهما يجعل منها قيمة‬ ‫دورا ًّ‬
‫يلعب التخييل فيها ً‬
‫الهوامش‬ ‫رسدية ممتعة جزلة إىل جوار جدارتها بتمثيل‬
‫الس�ة الذاتية‪ ،‬نجيب محفوظ‪ ،‬أدب‬
‫(‪ )1‬أصداء ي‬ ‫ال� تخ ّلفها‬ ‫ت‬
‫بعض النقاط المضيئة أو الظالل ي‬
‫أ‬
‫الس�ة الذاتية‪ ،‬مكتبة الرسة‪ ،‬الهيئة المرصية‬
‫ي‬
‫العامة للكتاب‪.2004 ،‬‬
‫(‪ )2‬السابق‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫(‪ )3‬السابق‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫(‪ )4‬السابق‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫(‪ )5‬السابق‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫ف‬
‫(‪ )6‬تجليات رسد الحياة‪ :‬قراءة ي� أدب نجيب‬
‫محفوظ‪ ،‬محمد عطية محمود‪ ،‬كتابات نقدية‪،‬‬
‫الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬مرص‪.2015 ،‬‬
‫الس�ة الذاتية‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )7‬أصداء ي‬
‫(‪ )8‬السابق‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )9‬السابق‪ ،‬ص‪.128‬‬
‫(‪“ )10‬قلب الليل” (رواية)‪ ،‬نجيب محفوظ‪.‬‬
‫الس�ة الذاتية‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫(‪ )11‬أصداء ي‬
‫(‪ )12‬السابق‪ ،‬ص‪.149‬‬
‫(‪ )13‬السابق‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫دراسات‬
‫‪65‬‬

‫بدر عبدالحق‬
‫الكاتب الذي اخطأه ال َّنقد‬
‫سعادة أبو عراق‪ /‬األردن‬

‫ت‬
‫شل�وط الناقد المح�ف الذي يكون ً‬
‫واعيا بأنماط‬ ‫لماذا بدر عبدالحق؟‬
‫القص المستعملة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عشوائيا‪ ،‬إنَّما جاء‬ ‫ًّ‬ ‫َل ْم يكن اختيار بدر عبدالحق‬
‫لسبب� ي ن‬
‫اثن�‪:‬‬ ‫ين‬
‫أ ن‬ ‫أ‬ ‫ً‬
‫ّ‬
‫التجوال في مجموعة “الملعون”‬ ‫رد�‬‫أول‪ :‬ذلك أنه من الذين َّأسسوا للدب ال ي‬
‫ُولد بدر عبدالحق ف ي� الزرقاء من عائلة ذات أصول‬ ‫الحديث ف ي� القصة والمقالة‪ ،‬وتم نسيانه من‬
‫ال�يعة‬‫نابلسية عام ‪ ،1945‬درس برغبة من أبيه ش‬ ‫ّ‬ ‫البداع وال َّنحت ف ي�‬ ‫زمالء له عايشوه وشاركوه إ‬
‫ف‬
‫سالمية ي� جامعة دمشق كما درس أبوه‪ ،‬لكنه‬ ‫الصخر ف ي� حقبة السبعينات والثمانينات‪َّ ،‬‬
‫ال ّ‬ ‫إ‬ ‫ولعل‬
‫عمل ي� ال�بية والصحافة‪ ،‬وله شقيقان عضوان‬‫ت‬ ‫ف‬ ‫يع� شي ًئا ف ي� إلقاء الضوء عىل‬ ‫ن‬ ‫آ‬
‫ما سنقدمه الن ي‬
‫ردني� هما المحامي صادق‬ ‫ف� رابطة الكتاب أ‬
‫ال ي ن‬ ‫جميل‬‫ً‬ ‫واستذكارا‬ ‫ً‬
‫طويل‪،‬‬ ‫مبدع لم يمهله العمر‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫عبدالحق والدكتور أحمد عبدالحق‪.‬‬ ‫المبدع�‪.‬ن‬
‫ي‬ ‫ألحد أبناء الزرقاء‬
‫الع� سنوات‬ ‫تو� عام ‪ 2008‬بعد رصاع قارب ش‬ ‫ف‬ ‫ين‬
‫المعروف� مرة إنَّه‬ ‫ثان ًيا‪ :‬لقد قال يل أحد النقاد‬
‫ي‬
‫مع مرض الزهايمر‪.‬‬ ‫قصصية شارك‬ ‫ّ‬ ‫استمع إىل بدر عبدالحق ف ي� ندوة‬
‫صدر له ف ي� حياته كتاب (حرب الجليل) و(شهادات‬ ‫و”إن قصصه (قصص‬ ‫بها ي� أواخر الثمانينات‪َّ ،‬‬
‫ف‬
‫ميدانية لضباط وجنود العدو)‪ ،‬كما صدرت عام‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫والواقعية”‪ ،‬ويبدو َّ‬ ‫ّ‬ ‫بدر) تفتقد إىل التماسك‬
‫‪ 1993‬مجموعته القصصية (الملعون)‪ ،‬وبعد‬ ‫أن عبدالحق يكتب أدبًا‬ ‫هذا الناقد لم يدرك َّ‬
‫وفاته أصدر الصحفي ي ن‬
‫حس� نشوان كتابًا بعنوان‬ ‫واقعيا‪ ،‬لذلك فقد‬ ‫ًّ‬ ‫ائبيا أو رمزيًّا وليس أدبًا‬‫غر ًّ‬
‫القصص‬
‫ي‬ ‫(صمت شاهد عيان) دراسة عن أدبه‬ ‫بمسبار ليس لها‪ ،‬وهذا مخالف‬ ‫ٍ‬ ‫قاس قصصه‬
‫دراسات‬
‫‪66‬‬

‫و� العام ‪ 2017‬صدر عن دار كنوز‬ ‫ف‬


‫تجانس أسلوبها يجعلكَ ال تبتعد عن مضامينها‪،‬‬ ‫والسياس‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫ائ�‬
‫وال عن أسلوبها الرمزي والواقعي والغر ب ي‬ ‫يتضمن أعماله الكاملة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المعرفة كتاب‬
‫الشفاف الذي تدركه بسهولة‪ ،‬فيذهب بكَ إىل‬
‫القص الجميل‪.‬‬
‫الموضوع عىل بساط من ّ‬ ‫الملعون‬
‫يع� نم ً‬
‫طا‬ ‫ن‬ ‫أصدر بدر عبد الحق هذه المجموعة القصصية‬
‫إن المذهب الرمزي الذي اتَّبعه بدر ال ي‬ ‫َّ‬
‫ت‬
‫ال� شارك‬ ‫ف‬
‫معروفًا‪ ،‬بل هو النمط الذي يسهل كشفه بما ال‬ ‫بالضافة لعدد من القصص ي‬ ‫ي� حياته‪ ،‬إ‬
‫يُتعب ذهن القارئ‪ ،‬فصاحب المطعم الذي‬ ‫بها خليل السواحري وفخري قعوار كتابهم‬
‫يش�ط عليهم (ال‬ ‫يقدم لزبائنه أشهى الطعام ت‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬
‫المش�ك (ثالثة أصوات)‪.‬‬
‫سليما) بمع�ن‬ ‫مقسوما وال تقسم رغيفًا ً‬
‫ً‬ ‫تأكل رغيفًا‬ ‫أن عبدالحق‬
‫وي َّتضح لقارئ كتاب (الملعون) َّ‬
‫ف‬
‫ط� متضادين؛ أي ّأل تأكل ي� النهاية‪ ،‬وهذه‬ ‫ش� ي ن‬ ‫انتقى قصص هذه المجموعة بعناية مدروسة‪،‬‬
‫ف‬ ‫فإن‬
‫كث�‬ ‫الرغم من غرابتها ي� ي‬ ‫الحالة موجودة عىل ّ‬ ‫ليطرح أفكاره السياسية واالجتماعية‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫دراسات‬
‫‪67‬‬

‫أخذ أمه زوجة له‪ ،‬وأصبحت تدعى “أم محمود”‪،‬‬ ‫من المناحي السياسية واالجتماعية والفكرية‪ ،‬إذ‬
‫ضاقت الحياة ت‬ ‫ال�‬ ‫ت‬
‫فقصت عليه أخته‬ ‫بالف� وأخواته َّ‬ ‫السياس ي‬‫ي‬ ‫نستطيع إسقاطها عىل االستبداد‬
‫الك�ى قصة ش“�ب الدم”‪ ،‬ما جعله يذهب‬ ‫ب‬ ‫مع� لها‪ ،‬فالملعون الذي أراد‬ ‫يُصدر أوامر ال ن‬
‫َ‬
‫صباحا لمكتب “أبو محمود” ويغرس سكينه �ف‬ ‫يتمرد عىل هذا القانون وجد نفسه عاريًا أمام‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫أن َّ‬
‫فمه ويطعنه عدة طعنات تحت حزامه‪.‬‬ ‫صاحب المطعم‪ ،‬حيث أمسكه كالجرذ وقذف‬
‫هذه النهاية أرجعتنا إىل بداية القصة‪ ،‬حيث‬ ‫ب�‬ ‫محتارا ي ن‬
‫ً‬ ‫جائعا عاريًا‪،‬‬‫وحيدا ً‬ ‫ً‬ ‫به إىل الخارج‬
‫أن أمه رجعت للبيت وجاء الناس يهنئونهم‬ ‫أخ�نا َّ‬‫ب‬ ‫الخانع� شل�ط‬ ‫ين‬ ‫الدخول والجلوس مؤ ّدبًا كما كل‬
‫يفس عودتها‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫صاحب المطعم‪ ،‬أو مهاجمة شبابيك المطعم‬
‫مستهل القصة ما ِّ‬ ‫بعودتها‪ ،‬فذكر ي�‬
‫الميمونة كنوع من التشويق‪ ،‬وقد استعمل �ف‬ ‫الزجاجية من الخارج ع ّله يصيب رأس صاحب‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫السينما�‪ ،‬كما كان الرسد‬ ‫ئ‬ ‫رسده أسلوب التقطيع‬ ‫بحجر ما‪.‬‬ ‫المطعم‬
‫ي‬ ‫ٍ‬
‫أ‬ ‫للفلسطي� الذي قُذف به‬ ‫ن‬ ‫أيضا هو رمز‬
‫(ضم� المتكلم)‬ ‫ي‬ ‫القصص فيها بصيغة النا‬ ‫يّ‬ ‫ي‬ ‫والملعون ً‬
‫أ‬ ‫ث‬ ‫المبعد‪،‬‬ ‫ن‬
‫ليجعلنا أك� التصاقًا بالحداث‪ ،‬وهو رسد يؤكد‬ ‫تع� ُ‬ ‫أن كلمة “ملعون” ي‬ ‫إىل الخارج‪ ،‬ذلك َّ‬
‫اللت� تدوران‬ ‫القصت� ي ن‬‫ين‬ ‫الحكاية‪ ،‬وجاء ف ي� كال‬ ‫فقديما كانوا‬ ‫ً‬ ‫شتما كما يتبادر إىل الذهن‪،‬‬ ‫وليس ً‬
‫حول هيمنة القوي عىل آ‬ ‫ن‬
‫“أبيت ال َّلعن”‪ ،‬بمع�‪:‬‬
‫الخرين‪ ،‬واستكانتهم‬ ‫ّ‬ ‫يحيون المناذرة بقولهم‪ْ :‬‬
‫له‪ ،‬فجعل (الملعون) يلجأ إىل رجم المقهى‬ ‫يستمر‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫فإن مقصده ْ‬ ‫ال أقدر عىل بعدك‪ ،‬لذلك َّ‬
‫ف‬ ‫الفلسطي� ي� حرب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المبعد أو‬
‫و� القصة‬ ‫حجر رأس صاحبه‪ ،‬ي‬ ‫عىس أن يصيب ٌ‬ ‫ي‬ ‫هذا الملعون‪ُ /‬‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫الثانية لم ينتظر اليتيم ح� بت�د الفكرة ي� رأسه‪،‬‬ ‫لعل وعىس أن يصيب منه‬ ‫االست�اف من الخارج ّ‬ ‫نز‬
‫واس�جع منه‬ ‫السك� وطعن “أبو محمود” ت‬ ‫ين‬ ‫فأخذ‬ ‫ين‬
‫المستسلم�‪.‬‬ ‫مقتل‪ ،‬وال يجلس مع‬ ‫ً‬
‫ين‬
‫فلسط�‪.‬‬ ‫ف‬
‫أمه‪ ،‬وربّما ترمز أمه ي� هذه القصة إىل‬
‫الدم‬ ‫ُ‬
‫شرب َّ‬
‫القص الغرائبي أو الالمعقول أو‬
‫ّ‬ ‫هي القصة الثانية ف ي� المجموعة‪ ،‬رمزية االنتماء‪،‬‬
‫العبثي‬ ‫لكنها مختلفة البناء والفكرة‪ ،‬فالرمز هو “أبو‬
‫التعب�‬
‫ي‬ ‫أيضا إىل هذا النوع من‬
‫عمد بدر عبدالحق ً‬ ‫وموزع اليانصيب‪ ،‬ومالك‬‫محمود” صاحب الفرن ِّ‬
‫الخارج عن المنطق والمعقول والعادي‪ ،‬وذلك‬ ‫و�كة مقاوالت البناء‪ ،‬إنه‬‫كراج تصليح السيارات ش‬
‫للتعب� عن واقع يغ� معقول أو مفهوم‪ ،‬لكنه ف ي�‬
‫ي‬ ‫المتنفِّذ الذي بيده القوة االقتصادية‪.‬‬
‫إيجا� ‪.‬‬ ‫الراوي للقصة هو ت‬
‫النهاية يدفع بطل القصة إىل اتخاذ قرار ب ي‬ ‫الف� اليتيم الذي كان يعيل‬
‫شخصا قد رسق رغيفًا‬ ‫ً‬ ‫ففي قصة (البطل) نجد‬ ‫أمه وأخواته بالعمل ف ي� مؤسسات “أبو محمود”‪،‬‬
‫بذنب فظيع‪ ،‬فألقي القبض عليه‬ ‫لكن ت‬
‫دونما شعور ٍ‬ ‫أن “أبو محمود”‬ ‫الف� اكتشف ذات يوم َّ‬
‫دراسات‬
‫‪68‬‬

‫الكث� منه‪ ،‬فخارت قواه وضعفت‬‫الذي أصابه ي‬ ‫للقا� الذي يستمتع بسماع النكات‬ ‫ض‬ ‫واقتيد‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫ض‬
‫ساقاه وسقط عىل الرض‪ ،‬لكنه وجد نفسه يقف‬ ‫القا�‬
‫ي‬ ‫المضحكة‪ ،‬حاول أن شي�ح براءته ّإل ّ‬
‫أن‬
‫بكل صعوبة وير ّد ال�ض ب لمن ي�ض به‪ ،‬هنا يصل‬ ‫الذهبية وتنظيف أنفه بمنديل‬ ‫ّ‬ ‫معنيا بساعته‬
‫كان ًّ‬
‫توصل إىل قرار المواجهة بدل‬
‫إىل مقصده‪ ،‬فقد َّ‬ ‫وح� أراد أحدهم أن يدافع عنه‪ ،‬أطلق‬ ‫أبيض‪ ،‬ي ن‬
‫االستكانة‪.‬‬ ‫القا� عليه النار وغادر القاعة‪ ،‬وأودع السجن‬ ‫ض‬
‫ي‬
‫دون محاكمة‪ ،‬وطال سجنه فصارت بينه ي ن‬
‫وب�‬
‫النقدية‬
‫ّ‬ ‫الواقعية‬
‫ّ‬ ‫السجان عالقة جعلته يطلب منه أن يسمح له‬ ‫ّ‬
‫من�عة من الواقع‪،‬‬ ‫الحكاية ف� هذا أ‬
‫السلوب هي ت ز‬ ‫بالخروج بعض الوقت لع ّله يرى المجتمع‪.‬‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫لكن القاص يلجأ إىل المبالغة ي� رسم الشخاص‬ ‫أحدا ف ي�‬
‫َّ‬ ‫مسئوليته فلم يجد ً‬
‫ّ‬ ‫السجان عىل‬
‫أخرجه ّ‬
‫والحوادث والنهايات بما يجعل القارئ يستنكر‬ ‫القا� قد‬ ‫ض‬ ‫الشوارع‪ ،‬وحينما ذهب لبيته وجد‬
‫ي‬
‫ما حدث‪ ،‬ومن هذه القصص قصة “الجنازة”‬ ‫وأن ابنه يقف ف ي� باب الغرفة‬ ‫تزوج من امرأته‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أنموذجا‪.‬‬ ‫يحمل منشفة‪ ،‬فرجع إىل السجن فوجد �ف‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫السجان ألفة لم يجدها خارج السجن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الجنازة‬
‫كما ف ي� قصة “أحزان النوم واالستيقاظ”‪ ،‬يذهب‬ ‫أحزان النوم واالستيقاظ‬
‫عمان‪ ،‬يلتقي صديقه‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف ي� هذه القصة يخرج الراوي من بيته‪ ،‬يصل‬
‫البطل ي� جولة استجمام ي� ّ‬
‫مرا بأكشاك الكتب‬ ‫يهم بأن ت‬ ‫شل�طي ئ‬
‫يتك عىل عمود مظ ّلة‪ُّ ،‬‬
‫معا مقهى الكرنك‪ّ ،‬‬
‫ويقصدان ً‬ ‫يس�شده‬
‫الس� إىل أن وقفا أمام خمارة‪ ،‬فدخال‬ ‫وتابعا ي‬ ‫مكانًا ما‪ ،‬فأشار له أن يصمت ويم�ض ‪ ،‬فم�ض‬
‫ي‬
‫إليها وراحا شي�بان الخمر المستورد ويأكالن‬ ‫اس عليها أناس رؤوسهم‬ ‫إىل أن وجد مئات الكر ي‬
‫المازات ويستمتعان بمنظر فتاة أنيقة‪ ،‬يخرجان‬ ‫متد ّلية وعيونهم مغمضة‪ ،‬حاول استثارتهم ّ‬
‫لكن‬
‫بعضا‪ ،‬بعد أن‬
‫سكارى‪ ،‬أرجلهما تصطك ببعضها ً‬ ‫ب�ء‪ ،‬شعر بالوحدة ف ي� هذه‬ ‫أحدا لم ّ ش‬
‫يحس ي‬ ‫ً‬
‫دفعا الثمن دون البقشيش‪ ،‬يذهبان إىل مطعم‬ ‫المدينة فلجأ إىل جدار مقابل‪ ،‬أسند إليه ظهره‬
‫وي�بان الشاي‪،‬‬ ‫“أبو ذياب”‪ ،‬يأكالن الحمص ش‬ ‫وطأطأ رأسه ف ي� إغفاءة‪ ،‬وحينما راح يحلم كان‬
‫الكرس‪ ،‬يرى فردة‬ ‫ما زاال ي ن‬
‫ثمل� يتأرجح بهما‬ ‫ظن‬‫يستفيق عىل صوت عراك ورصاخ وجلبة‪َّ ،‬‬
‫ي‬
‫فيستل صاحبه ربطة عنقه‬ ‫ّ‬ ‫حذائه عىل الطاولة‪،‬‬ ‫كابوسا‪ ،‬لكنه عندما أفاق وجده حقيقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫وكأن الكاتب أراد أن‬‫ويمسح بها “بوز” الحذاء‪ّ ،‬‬ ‫لكن الجلبة‬ ‫فأسف عىل فساد حلمه الجميل‪َّ ،‬‬
‫ن‬ ‫ت‬ ‫ض‬
‫ال� بال مع� أو‬ ‫يقول للقارئ‪ :‬ما هذه الحياة ي‬ ‫واعيا‪ ،‬إ ْذ ذهبوا إىل �به‬ ‫ظ ّلت تعصف به ً‬
‫هدف‪.‬‬ ‫ف‬
‫يش�ك معهم ي� هذا العراك‬ ‫بالعص وركله لك ت‬
‫ي‬ ‫يّ‬
‫دراسات‬
‫‪69‬‬

‫السحرية‬
‫ّ‬ ‫الواقعية‬
‫ّ‬
‫ولكن هدفها تجميل‬ ‫هنا تكون القصة واقعية‪ّ ،‬‬
‫قصة‬ ‫عاطفية‪ ،‬ففي ّ‬‫ّ‬ ‫الواقع بإضفاء مسحة‬
‫خ�ة” يتناول الكاتب اتِّساع المدن‬ ‫أ‬
‫“الدالية ال ي‬
‫اللفة المعهودة‪ ،‬حيث‬ ‫وتطورها وابتعادها عن أ‬
‫ُّ‬
‫دنان� وب�ن‬
‫بع�ة ي‬ ‫اش�ى محمود ثالثة دونمات ش‬ ‫ت‬
‫ولكن‬
‫ال�يّة‪َّ ،‬‬
‫تتذمر بأنها تسكن ب‬‫بي ًتا‪ ،‬فراحت زوجه َّ‬
‫صديقه الشيخ جاء ليسكن بجانبه‪ ،‬وأصبحا هما‬
‫المؤس َس ي ن� لهذه المدينة‪ ،‬وبعدما أصبح بيت‬ ‫ِّ‬
‫المبعد‪،‬‬
‫لغوي‪ ،‬فالملعون هو ُ‬ ‫دي�‪ ،‬بل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫كسباب ي‬ ‫محمود “أبو محمد” مركز المدينة‪ ،‬مات الشيخ‬
‫ين‬
‫الفلسطيني� المبعدين من‬ ‫فهل كان يرمز إىل‬ ‫دور “أبو محمد” ف ي� المجتمع‪ ،‬وبقي هو‬ ‫وانحرس ْ‬
‫ين‬
‫والنازح�؟‬ ‫ين‬
‫الالجئ�‬ ‫لتلتم العائلة‪،‬‬
‫وزوجه ينتظران إجازات الصيف ّ‬
‫إن استعماله للشخصيات كرموز للداللة عىل‬ ‫‪َّ -‬‬ ‫الرض الباهظة الثمن‪،‬‬ ‫و� النهاية باعا قطعة أ‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫قضيته المقصودة‪ ،‬جعلت هذه الشخصيات‬ ‫ال� زرعتها‪ ،‬وكأن‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫واقتلعت “أم محمد” الدالية ي‬
‫تتحرك‬
‫نسانية‪ّ ،‬‬‫ال ّ‬‫تونية خالية من التفصيالت إ‬ ‫كر ّ‬ ‫الكاتب يقول‪ :‬مع اتِّساع المدن يتق َّلص التواصل‬
‫بمشيئته ال بمشيئتها‪ ،‬وتتكلم بلغته وليس بلغتها‬ ‫ال�‬ ‫ت‬ ‫إ ن‬
‫هي‪ ،‬وكذلك أ‬ ‫النسان بالطبيعة ي‬ ‫نسا�‪ ،‬ويخبو اهتمام إ‬‫ال ي‬
‫الحداث لم تكن نابعة منها‪ ،‬من‬ ‫أصل عىل حسابها‪.‬‬ ‫توسع المدن ً‬
‫كان ُّ‬
‫أن استعماله هذه التقنية قد أوقعه من‬ ‫هنا نجد ّ‬
‫ف‬
‫حيث يدري أو ال يدري ي� تسطيح الشخصيات‬ ‫تقييم عام‬
‫الكث� من الكتاب قد‬ ‫أن‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫والحداث‪ ،‬وأظن َّ‬ ‫باال ّطالع عىل قصص مجموعة “الملعون”‪ ،‬نالحظ‬
‫أحجموا عن هذا النوع من الرمزيّة‪ ،‬الذي قد‬ ‫عدة سمات ذات صلة بأسلوب بدر عبدالحق‬ ‫ّ‬
‫يصلح للشعر وال يصلح للقصة‪.‬‬ ‫يل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫و� ما ي‬‫ال� اعت� بها‪ ،‬ي‬‫القصص وبالمواضيع ي‬
‫يّ‬
‫‪ -‬للخروج من هذا المأزق‪ ،‬أصبح من ش�وط‬ ‫أبرز هذه السمات‪:‬‬
‫واقعية بعنارصها‬
‫ّ‬ ‫الرمزيّة أن تكتب قصة‬ ‫السياس‪،‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬اهتمامه بظاهرة الفساد والظلم‬
‫الذك يستطيع أن يستلهم‬ ‫وإن القارئ ي ّ‬ ‫التقليديّة‪َّ ،‬‬ ‫التغي� والثورة عىل هذا الواقع؛ ّإما‬
‫ي‬ ‫و�ورة‬ ‫ض‬
‫فشفافيتها توحي‬ ‫قضية أخرى‪،‬‬ ‫من ي ن‬ ‫المد‪ ،‬أو بطريقة ت‬ ‫بخطة الملعون طويلة أ‬
‫ّ‬ ‫ب� سطورها ّ‬ ‫الف�‬
‫بمع� مخبوء‪ ،‬يمكن االستدالل عليه من بعض‬ ‫ن‬ ‫الذي بادر بقتل “أبو محمود”‪.‬‬
‫الشارات الدا ّلة أو المفاتيح ف ي� داخل النص‬ ‫إ‬ ‫‪ -‬استعمل عبدالحق لفظة “الملعون” ليس‬
‫دراسات‬
‫‪70‬‬

‫باسم الزعبي‪..‬‬
‫الروسية منذ “غوغول”‬
‫ّ‬ ‫ترجمات ُت ّ‬
‫طل على القصة‬
‫جعفر العقيلي‪ /‬األردن‬

‫الدب الروس قريبا منه‪ ،‬وهي‪ :‬قراءة هذا أ‬ ‫أ‬ ‫كرست وقتها وجهدها‬ ‫ت‬ ‫ن أ‬
‫الدب‬ ‫ي ً‬ ‫ال� ّ‬‫ِم ْن يب� السماء ي‬
‫الدب‪،‬‬ ‫الم؛ ومعرفته المسبقة ببيئة هذا أ‬ ‫باللغة أ‬ ‫الروس‪،‬‬ ‫والدب‬‫ب� القارئ العر� أ‬ ‫لتدش� جرس ي ن‬ ‫ين‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫ٍ‬
‫الزع�‪ ،‬الذي‬ ‫أ ن‬
‫سواء الطبيعية أو االجتماعية أو الثقافية أو‬ ‫رد� د‪.‬باسم ب ي‬ ‫بي�ز اسم الكاتب ال ي‬
‫ال� يعالجها هذا‬ ‫ت‬ ‫الكالسيكية والمعارصة من‬ ‫ترجم مئات القصص‬
‫أن القيم ي‬ ‫التاريخية؛ وشعوره َّ‬ ‫ّ‬
‫والكالسيك منه بشكل خاص‪ ،‬قريبة من‬ ‫الدب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫الروسية إىل‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫أ‬
‫الزع� مع الدب‬
‫ال� يؤمن بها‪.‬‬‫القيم ي‬ ‫الروس عندما‬‫ي‬ ‫بدأت عالقة ب ي‬
‫المر)‬‫وبحسب الزع�‪“ ،‬عندما تقرأ رواية (ابنة آ‬ ‫ف‬
‫تعرف عليه تم� َج ًما ي� سنوات دراسته الثانوية‪،‬‬
‫بي‬ ‫ّ‬
‫الثلجية‪ ،‬وأنت‬ ‫لبوشك�‪ ،‬وهو يصف العواصف‬ ‫ين‬ ‫أ‬
‫الحقيقية لالطالع عىل هذا الدب‬ ‫لكن الفرصة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫فإن‬
‫حق‪ -‬من خلف النافذة‪ّ ،‬‬ ‫الن تراها –عن ّ‬ ‫الزع� للدراسة‬ ‫ِوب ُلغَ ِت ِه الم‪ ،‬الحت بعد سفر ب ي‬
‫أك�”‪ .‬ويتابع‪“ :‬الغابات‬‫إحساسك بالعمل يكون ث‬ ‫السوفيي� ‪ .‬حيث حصل من هناك‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫ف ي� االتحاد‬
‫ال� لم تكن قد رأي َتها ف ي� حياتك‪،‬‬ ‫ت‬
‫الحقيقية ي‬‫ّ‬ ‫“قيم‬
‫عىل درجة الدكتوراه (‪ )1990‬عن أطروحته ُ‬
‫وتم� تحت‬ ‫أنت ف ي� روسيا ال تراها حسب‪ ،‬بل ش‬ ‫الحياة عند ب يأ� حيان التوحيدي”‪ ،‬وقبلها عىل‬
‫ي‬
‫أشجارها‪ ،‬تدوس عىل أوراق الخريف الجافّة‬ ‫الماجست� (‪ )1982‬عن أطروحته “الصحافة‬ ‫ي‬ ‫درجة‬
‫تتعرف عىل أشجارها‪ :‬البتوال‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫طروحت�ن‬ ‫وفلسط�”‪ .‬وكلتا الأ‬
‫ن‬ ‫أ‬
‫الشيوعية ي� الردن‬ ‫ف‬
‫ال� تمل دروبها‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫العظيمة‪ ،‬السنديان والحور والصنوبر المك ّلل‬ ‫الروسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باللغة‬
‫بالثلج أ‬ ‫الزع� الذي ترجم‬
‫البيض‪ ،‬وسهول القمح الشاسعة‪،‬‬ ‫كب� من‬ ‫قصصا لعدد ي‬ ‫ً‬ ‫يقول ب ي‬
‫إن هناك ثالثة عوامل جعلت‬ ‫أ‬
‫وسكك الحديد‪ ،‬وصافرات القطارات‪ ،‬والبنايات‬ ‫الدباء الروس‪َّ ،‬‬
‫دراسات‬
‫‪71‬‬

‫السكنية‪ ،‬والفتيات الجميالت‬ ‫ّ‬ ‫الكب�ة وباحاتها‬ ‫ي‬


‫المحب ي ن� الشداء‪ ،‬والكهول‬‫أ‬ ‫الرومانسيات‪ ،‬والفتية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحكماء‪ ،‬والنسوة المكافحات‪ ،‬والمصانع‬
‫والعمال بقبعة الفراك”‪.‬‬
‫الزع� ي� الواقع خالل‬ ‫ف‬
‫كل هذه التفاصيل عاشها ب ي‬
‫أيضا‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫دراساته العليا‪ ،‬وكان قد عاشها ي� الدب ً‬
‫“الدب‬‫قبل ذلك‪ .‬وهذه ‪-‬كما يرى‪ -‬من مزايا أ‬
‫العظيم”‪ ،‬فعندما وصل إىل روسيا‪ ،‬كانت هناك‬
‫كث�ة لم يجدها غريبة عنه‪ ،‬بفضل الكتب‬ ‫أشياء ي‬
‫ال� كان قد قرأها ي� يفاعته وشبابه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫الزع� أثناء الدراسة‪ ،‬أن يمارس‬ ‫لم يخطر ببال ب ي‬
‫ال�جمة‪ ،‬فهو لم يتخصص بها‪ ،‬ولم يفكر بها‪،‬‬ ‫ت‬
‫ولم يخطط لها‪ .‬وبالمصادفة كانت البداية من‬
‫تخصصه؛ الفلسفة‪ .‬إذ قام تب�جمة مقاالت‬
‫ودراسات ف ي� هذا المجال‪ ،‬ثم اتسع نطاق اهتمامه‬
‫والدب‪،‬‬‫ب� الفلسفة أ‬ ‫لي�جم دراسات تجمع ي ن‬ ‫ت‬
‫ال�‬‫ت‬ ‫ف‬
‫ومقاالت ي� فلسفة السينما‪ .‬أما االنعطافة ي‬
‫الدبية‪ ،‬فتمثلت‬ ‫ال�جمة أ‬ ‫كرست اسمه ف� عالم ت‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫ف ي� ترجمة القصة‪ ،‬وبخاصة القصة الساخرة‪،‬‬
‫ال� شت�ف عليها‬‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫للكالسيكي�‪“ ،‬لتجاوز مشكلة الحصول‬ ‫ين‬ ‫وتحديدا‬
‫ً‬
‫ردنية ي‬
‫منشورات مكتبة الرسة ال ّ‬
‫ال� يفرضها‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ت‬
‫للزع� عن الدار‬
‫وزارة الثقافة (‪ .)2008‬كما صدر ب ي‬ ‫المؤلف�‪ ،‬ي‬ ‫عىل حقوق ال�جمة من‬
‫ضم‬
‫نفسها كتاب “يتساقط الثلج هادئًا” الذي َّ‬ ‫قانون حماية حق المؤلف”‪.‬‬
‫الروسية (‪.)2009‬‬
‫ّ‬ ‫مجموعة من القصص‬ ‫الزع� ألنطون تشيخوف‪ ،‬وناديجدا‬ ‫بي‬ ‫ترجم‬
‫أن الروس أصحاب مدرسة ذات‬ ‫الزع� َّ‬
‫يعتقد ب ي‬ ‫لوخفيتسكايا (تيفي)‪ ،‬وألكسندر كوبرين‪،‬‬
‫أ‬
‫خصوصية ف ي� مجال الكتابة الساخرة‪ ،‬يقف عىل‬ ‫ردنية مجموعة‬ ‫وغ�هم‪ .‬وأصدرت له دار ورد ال ّ‬ ‫ي‬
‫الروس الساخر ضمن‬ ‫أ‬
‫قصص م�جمة عن الدب‬ ‫ت‬
‫رأسها الكاتب العظيم غوغول الذي خرج من‬ ‫ي‬
‫معطفه (عنوان واحدة من أشهر قصصه الساخرة)‬ ‫م�قة” (‪،)2006‬‬ ‫كتاب حمل عنوان “شخصية ش‬
‫ّكل الك ّتاب الروس‪ ،‬والذي ما زالت أعماله‬ ‫ما لبث أن أُعيد إصداره بطبعة شعبية ضمن‬
‫دراسات‬
‫‪72‬‬

‫وهي “ناديجدا لوخفيتسكايا” الملقبة بـ”تيفي”‪،‬‬


‫كما ا ّطلع عىل نتاج “سالتيكوف شيدرين” الذي‬
‫برع ف ي� كتابة القصة بأسلوب الحكاية الشعبية‪،‬‬
‫تف�جم لهما عد ًدا من القصص‪ .‬وواصل إصداراته‬
‫ف� هذا المجال‪ ،‬ومنها “قصة حب بسيطة” آ‬
‫(الن‬ ‫ي‬
‫وال� احتوت‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫عمان‪ ،)2016 ،‬ي‬ ‫نا�ون ومزعون‪ّ ،‬‬
‫الروس المعارص‪،‬‬ ‫أ‬
‫عىل نصوص من الدب‬
‫ي‬
‫كاتبا من أبرزهم‪ :‬ليديا صيتشوفا‪،‬‬ ‫ع� ً‬ ‫لسبعة ش‬
‫وديم�ي يرماكوف‪ ،‬وداريا‬ ‫ت‬ ‫وأولغا إيجينياكوفا‪،‬‬
‫سيمونوفا‪.‬‬
‫وكتبت ليديا صيتشوفا‪ ،‬المولودة سنة ‪،1966‬‬
‫الدب‬‫تقديما لهذا الكتاب قالت فيه‪“ :‬ارتبط أ‬
‫ً‬
‫الروسية‪ ،‬إذ‬ ‫الروس ارتبا ًطا وثيقًا بتاريخ الدولة‬ ‫و”الرواح الميتة” و”المعطف”‬ ‫“المفتش العام” أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫تتجىل فيه بوضوح إرادة وعقل وروح الشعب”‪.‬‬ ‫ومقروئية عالية‬ ‫رواجا‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫وغ�ها‪ ،‬تلقى ً‬ ‫و”النف” ي‬
‫الدبية ف ي� روسيا‬ ‫وأضافت‪“ :‬يمكن وصف الحالة أ‬ ‫ت‬
‫ينكب‬
‫ّ‬ ‫ح� اليوم‪ .‬لهذا‪ ،‬كان من الطبيعي أن‬
‫عميقت�‪ :‬ال وطنية‪،‬‬‫ين‬ ‫ين‬
‫اتيجيت�‬ ‫ب� ت‬
‫اس�‬ ‫بأنها رصاع ي ن‬ ‫ت‬
‫الزع� عىل ترجمة القصص الساخرة ي‬
‫ال� برع‬ ‫بي‬
‫تبدأ من تقليد الحضارة الغربية؛ وأخرى أصيلة‪،‬‬ ‫يتعرف عىل‬ ‫ث‬
‫بها تشيخوف أك� من سواه‪ ،‬قبل أن ّ‬
‫الذا�‪ ،‬وتربتها‪ ،‬وإرادتها‪،‬‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫تستند إىل تاريخها‬ ‫السوفيا� بسبب‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫منت�ا ف ي� االتحاد‬
‫ً‬
‫كاتب لم يكن ش‬ ‫ٍ‬
‫وقوتها”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السياس المعارض وهجرته من بالده‪،‬‬ ‫ي‬ ‫موقفه‬
‫الزع� كتاب‬ ‫ف‬
‫و� عام ‪ ،2017‬صدر من ترجمة ب ي‬ ‫ي‬ ‫أف�تشينكو” الذي كان يكتب قصة‬ ‫وهو “أركادي ي‬
‫الدب‬ ‫ال�ق”‪ ،‬الذي تضمن قصصا من أ‬ ‫“سحر ش‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫“سلسة” بأسلوب “السهل الممتنع”‪ .‬وقد أصدرت‬
‫الكالسيك لك ّتاب من بينهم‪ :‬تشيخوف‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الروس‬‫ي‬ ‫قصصا ترجمها‬ ‫ً‬ ‫الك�ى كتابًا يتضمن‬ ‫أمانة عمان ب‬
‫فالديم� نابوكوف‪ ،‬ألكسندر كوبرين‪ ،‬ألكسندر‬ ‫ي‬ ‫الكالسيك‪ ،‬تحت عنوان “ذات‬ ‫ي‬ ‫الزع� لهذا الكاتب‬
‫بي‬
‫تشيخوف‪ ،‬ليف كاسيل‪ ،‬أندريه بالتونوف‬ ‫ف‬
‫مساء” (‪ ،)2007‬وصدر الكتاب ي� طبعة ثانية‬
‫سولجنيتس� ‪ .‬وقد صدرت طبعة‬ ‫ين‬ ‫وألكسندر‬ ‫الرسة (‪ ،)2011‬ثم ف ي� طبعة‬ ‫م�وع مكتبة أ‬ ‫ضمن ش‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫م�وع مكتبة الرسة الردنية‬ ‫شعبية منه ضمن ش‬ ‫“الن ش‬ ‫ثالثة عن آ‬
‫نا�ون وموزعون” (‪.)2016‬‬
‫(‪.)2017‬‬ ‫الزع� عىل تجربة كاتبة‬ ‫ف‬
‫تعرف ب ي‬ ‫و� وقت الحق‪ّ ،‬‬ ‫ي‬
‫كب�تان‬‫للزع� مجموعتان قصصيتان ي‬ ‫كما صدر ب ي‬ ‫السوفييتية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ظ َّلت مجهولة داخل روسيا ف ي� الحقبة‬
‫دراسات‬
‫‪73‬‬

‫عن دار أنباء روسيا ف ي� مرص (‪ ،)2017‬تضم‬


‫ال� تحمل عنوان “سماء عىل الحائط”‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫الوىل ي‬
‫كالسيكي�‪ ،‬أما الثانية‬ ‫ين‬ ‫قصصا لك ّتاب روس‬ ‫ً‬
‫الفضية”‬‫ال� تحمل عنوان “شجرة الحور ّ‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫قصصا لك ّتاب معارصين يمثلون‬ ‫ً‬ ‫فتضم‬
‫مختلف االتجاهات والساليب والمدارس‬ ‫أ‬
‫البداعية‪.‬‬ ‫إ‬
‫الزع� إنه خالل تنفيذ خطته الهادفة‬ ‫يقول ب ي‬
‫بتطور القصة‬ ‫ُّ‬ ‫العر�‬
‫بي‬ ‫إىل تعريف القارئ‬
‫أن موجة القص‬ ‫ف‬
‫القص�ة ي� روسيا‪ ،‬وجد َّ‬ ‫ي‬
‫الجديدة تنطوي عىل صعوبة بالغة‪،‬‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫كث�ا من الك ّتاب ي� المرحلة ي‬ ‫أن ي ً‬ ‫واكتشف َّ‬
‫السوفيي� يعانون من‬ ‫ت‬ ‫تلت سقوط االتحاد‬
‫ي‬
‫“خواء فكري”‪ ،‬وأن قصصهم “مبتذلة �ف‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫التعب� فيها”‪ .‬ويستذكر‬ ‫ي‬ ‫موضوعاتها ولغة‬
‫أنه ف ي� إحدى المرات‪ ،‬لم “يستصلح” من‬
‫اثن� يمكن‬ ‫نص ي ن� ي ن‬ ‫أحد الكتب الضخمة سوى َّ‬
‫العربية‪ ،‬وذلك بعد أن اضطر‬ ‫ّ‬ ‫ترجمتهما إىل‬
‫ث‬
‫ع�ات النصوص ليع� عىل ما هو‬ ‫إىل قراءة ش‬
‫ومع�‪.‬‬‫مناسب ب ّ‬
‫الزع� الذي سبق أن‬ ‫أي حال‪ ،‬فإن ب ي‬ ‫وعىل ّ‬
‫ف‬
‫كرمه اتحاد الك ّتاب الروس لجهوده ي� ترجمة‬ ‫ّ‬
‫الروسية‪ ،‬ال‬ ‫الروس ون� الثقافة‬ ‫ش‬ ‫الدب‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫الروس يظل “أدبًا‬ ‫ي‬ ‫أن الدب‬ ‫تي�دد ي� التأكيد َّ‬
‫ح� وإن “طفت بعض الظواهر‬ ‫عظيما”‪ ،‬ت‬ ‫ً‬
‫السلبية عىل السطح”‪ ،‬فهذه الظواهر كما‬
‫حتما‪ ،‬ولن يبقى سوى الوجه‬ ‫س�ول ً‬ ‫يرى‪ ،‬ت ز‬
‫الدب إ ن‬
‫نسا�‬ ‫والصيل لهذا أ‬ ‫الصادق أ‬
‫ال ي‬
‫دراسات‬
‫‪74‬‬

‫طه حسين‬
‫في ذاكرة جابر عصفور‬
‫محمد درويش عواد‪ /‬األردن‬

‫وسه� القلماوي‬ ‫عبدالصبور ي‬ ‫ّ‬ ‫وشو� ضيف وصالح‬ ‫ي‬


‫ق‬ ‫يُ ْع َت ب َ ُ� الدكتور جابر عصفور ‪-‬المولود ف ي� المح ّلة‬
‫يدي بعضهم وتع ّلم‬ ‫العر�‬ ‫ف أ‬
‫الكث�‪ ،‬تتلمذ عىل ّ‬ ‫وغ�هم ي‬ ‫ي‬ ‫الك�ى عام ‪ 1944-‬عالمة فارقة ي� الدب ب ي ّ‬ ‫ب‬
‫الفكري‬
‫ّ‬ ‫مع بعضهم‪ ،‬فشكّل ّكل هذا وعيه‬ ‫الحديث؛ فهو الكاتب والمفكّر ووزير ثقافة‬
‫ف‬ ‫لل�جمة‪،‬‬ ‫السبق‪ ،‬ورئيس المجلس القومي ت‬ ‫مرص أ‬
‫الس ي�ة هنا هو عالقته‬ ‫يهمنا من هذه ّ‬ ‫والثقا� ‪ .‬وما ّ‬‫ّ‬ ‫ي‬
‫حس�؛ الذي شغل‬ ‫العر� طه ي ن‬ ‫الدب‬‫بعميد أ‬ ‫العىل لل ّثقافة‪ ،‬والحاصل‬ ‫وأم� عام المجلس أ‬ ‫ين‬
‫بيّ‬
‫يكار� الواضح‬ ‫بس�ته ومؤ ّلفاته ومنهجه ّ ت‬ ‫العربية بكلية‬ ‫عىل الدكتوراه من قسم اللغة‬
‫الد ي ّ‬ ‫أ‬
‫الدنيا ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫ف ي� كتابه‬
‫الجاهل”‪ ،‬الذي أثار‬ ‫يّ‬ ‫“� الدب‬ ‫الشه� ي‬ ‫ي‬ ‫ال�ف‪،‬‬ ‫آداب جامعة القاهرة عام ‪ 1973‬بمرتبة ش ّ‬
‫الك�ى كجائزة‬ ‫ف‬
‫أك� حركة‬ ‫الدارسون ب‬ ‫اعت�ها ّ‬ ‫كب�ة ب‬ ‫حركة نقديّة ي‬ ‫والعضو ي� عدد من لجان الجوائز ب‬
‫العر� الحديث‪ .‬كما أرىس طه‬ ‫نقديّة عرفها ال ّنقد ب ي ّ‬ ‫عل‬ ‫التشجيعية‪ ،‬وجائزة سلطان بن ي‬ ‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫اعت�ه كالماء‬ ‫انية ال ّتعليم الذي ب‬ ‫مج ّ‬ ‫حس� قواعد ّ‬ ‫ين‬ ‫وغ�هما‪ ،‬ورئيس ومستشار‬ ‫اتية ي‬ ‫المار ّ‬‫العويس إ‬
‫أ‬
‫الكب�‬
‫وحبهم ي‬ ‫والهواء‪ ،‬فزاد من شغف ال ّناس به ّ‬ ‫القومي‬
‫ّ‬ ‫دبية‪ ،‬وعضو المجلس‬ ‫مج ّلة فصول ال ّ‬
‫مثال يُحتذى به ويتط ّلع‬ ‫له‪ ،‬فصار ً‬ ‫دبية ف ي�‬ ‫أ‬
‫الكث�ون‬‫ي‬ ‫عدد من الجوائز ال ّ‬ ‫للمرأة‪ ،‬والحاصل عىل ٍ‬
‫إن عوام ال ّناس باتوا يحلمون‬ ‫ح� ّ‬ ‫لالقتداء به‪ ،‬ت‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫عدد من الدول‬
‫ّ‬
‫أن يكون أبناؤهم مثله‪ ،‬وهنا تبتدئ الحكاية‬ ‫الذاتية للدكتور جابر عصفور “زمن‬ ‫ّ‬ ‫الس ي�ة‬
‫تشكّل ّ‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫افدا فكريًّا لوعينا‬ ‫�ض‬
‫غ� جابر أن‬ ‫الص ي‬ ‫وال� تتم ّثل ي� دعاء الب البنه ّ‬ ‫ي‬ ‫نوعية ور ً‬
‫جميل م ” إضافة ّ‬
‫ح� يراه مثل طه ي ن‬ ‫يمد الله ف� عمره ت‬ ‫ّا�؛ كون صاحبها عاش ف ي� زمن جميل حافل‬ ‫ف‬
‫حس�‪ ،‬وهنا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثق ي‬
‫ساذجا‪ :‬من يكون طه ي ن‬ ‫تطرح الم ً‬ ‫أ‬ ‫حس�‬ ‫والشعراء أمثال طه ي ن‬ ‫أ‬
‫حس�؟‬ ‫ً‬ ‫سؤال‬ ‫بالعديد من الدباء ّ‬
‫دراسات‬
‫‪75‬‬

‫وتفرده”(‪ ،)2‬وبخاصة ف� كتابه أ‬ ‫حس� أصبح‬ ‫بأن طه ي ن‬ ‫أ‬ ‫ش‬


‫“اليام”‪ ،‬الذي‬ ‫ّ ي‬ ‫ُّ‬ ‫في�ح لها الب “ويذكّرها ّ‬
‫ت� إىل‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ت� (اليام) وسحر ي‬ ‫مس ي‬ ‫يصفه بقوله‪“ :‬وقد ّ‬ ‫وتفوق عىل أهلها‬ ‫باشا‪ ،‬وأنّه ذهب إىل بالد ّبره‪ّ ،‬‬
‫حيا� ر ًأسا عىل عقب‪ ،‬فقد‬ ‫ت‬
‫درجة قلبت مجرى ي‬ ‫ف ي� العلم والمعرفة‪ ،‬وأنّه أستاذ جامعي عظيم‪،‬‬
‫الرادة‪ ،‬ما ّ‬ ‫ً‬ ‫ش‬ ‫ن‬
‫ظل‬ ‫مستحيل مع إ‬ ‫�ء‬ ‫ع ّل ي‬
‫مت� أنّه ال ي‬ ‫وزيرا لل ّتعليم‪ ،‬وهو الذي‬ ‫وغ�ه أصبح ً‬ ‫وأنّه لذلك ي‬
‫الدنيا‬ ‫الرصار موجو ًدا‪ ،‬والقدرة عىل مغالبة ّ‬ ‫إ‬ ‫أمر بأن يكون ال ّتعليم كالماء والهواء للجميع‪،‬‬
‫حس� إىل‬ ‫قائمة‪ ،‬فذلك هو الذي أحال فقر طه ي ن‬ ‫حس� قد‬ ‫بالمجان ودون مقابل‪ .‬وكان طه ي ن‬ ‫ّ‬ ‫أي‬
‫بص�ة ترى ما ال يراه المبرصون‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫أصبح وزيرا للمعارف � سنة ‪ ،1950‬ي ن‬
‫غ�‪ ،‬وعماه إىل ي‬ ‫كنت‬
‫ح� ُ‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫يخ�نها لنفسه‪ ،‬بل سعى‬ ‫وجهله إىل معرفة لم ت ز‬ ‫ف ي� السادسة من عمري” ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الخرين فيها‪ ...‬أما لغة أ‬ ‫إىل مشاركة آ‬ ‫ف‬ ‫مرت أ‬
‫اليام فكانت‬ ‫ّ‬ ‫ح�‬ ‫والص� جابر يجتهد ي� دروسه ت ّ‬ ‫ب ّي‬ ‫اليام‬ ‫ّ‬
‫لغوي ساحر”(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫أمرا آخر‪ ،‬بدا يل أنّه إعجاز‬ ‫طالبا‬
‫ح� أصبح ً‬ ‫ن‬ ‫تحقّق له جزء من حلم أبيه؛ ي‬
‫ً‬
‫حس�”؛‬‫ن‬ ‫النص السابق إعجاب جابر بـ”طه ي‬ ‫يؤكّد ّ‬ ‫حس�‪ ،‬إال أنّه أُصيب‬ ‫ف� الجامعة ف� قسم طه ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫لين� الطريق‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫وبص�ة ي‬ ‫ي‬ ‫حول عما ُه إىل نور‬ ‫الذي ّ‬ ‫العر�‬
‫أن عميد الدب ب ي ّ‬ ‫ح� عرف ّ‬ ‫الكب� ي‬ ‫بالحباط ي‬ ‫إ‬
‫آ‬
‫للخرين بفكره الم ّتقد‪ ،‬وقدرته عىل الخروج‬ ‫يوما ما؛ وما‬ ‫أن يلقاه ً‬ ‫فتم� ْ‬‫لن يقوم بتدريسه‪ ،‬ن ّ‬
‫أ‬
‫الضيقة إىل حدود المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫من أسوار الجامعة‬ ‫يعت�ه “ص ّناجة الفصاحة‬ ‫جابرا كان ب‬ ‫ذاك ّإل ل ّن ً‬
‫ال�‬‫ت‬ ‫أ‬ ‫عرفت ذلك من أحاديثه ف ي�‬ ‫اللغوية كتابةً وإلقاء‪...‬‬
‫العملية ي‬ ‫ّ‬ ‫التغي�ات‬
‫ي‬ ‫الوسع‪ ،‬ليجري عليه‬ ‫ُ‬
‫تحفظ للعلم كرامته وهيبته‪ ،‬وهذا ما جعل‬ ‫تتم� بطالوة أسلوبها‬ ‫ال� كانت ي ّ ز‬ ‫ت‬
‫الذاعة‪ ،‬ومن كتبه ي‬ ‫إ‬
‫دراسات‬
‫‪76‬‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫فصل ً‬ ‫الدكتور جابر يفرد ً‬
‫ال� ورثتها‬ ‫بوجه عام ي� مواجهة رموز التخ ّلف ي‬ ‫ٍ‬ ‫س�ته بعنوان‬ ‫كامل من ي‬
‫والعربية من عصور االنحدار” ‪.‬‬ ‫ال ّثقافة المرصيّة‬ ‫ظ� أمتع فصول‬ ‫ف ن‬ ‫(ذكريات طه ي ن‬
‫حس�)‪ ،‬وهو ي� ّ ي‬
‫(‪)4‬‬
‫ّ‬
‫اريخي الذي جمع جابر عصفور‬ ‫ّ‬ ‫عت� اللقاء ال ّت‬ ‫يُ ب‬ ‫الكتاب؛ ألنّه ينقل لنا شجونه السعيدة والحزينة‬
‫أهم ملمح ي� هذا الفصل‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫العر� ّ‬ ‫بعميد الدب ب ي ّ‬ ‫الشديد‬ ‫وال� يؤكّد فيها إعجابه ّ‬ ‫حول عميد الدب‪ ،‬ي‬
‫سه� القلماوي‪ ،‬ال�ت‬ ‫والذي رتّبت له الدكتورة ي‬ ‫حس� منذ أن‬ ‫“عرفت كتب طه ي ن‬ ‫ُ‬ ‫به‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
‫ي‬
‫كانت معجبة بجابر وتعامله كما لو كان اب ًنا‬ ‫أ‬
‫تأث�‬ ‫وع� عىل القراءة‪ ،‬وكان لكتابه (اليام) ي‬ ‫تف ّتح ي ي‬
‫أستاذ�‬‫ي‬
‫ت‬ ‫جديدا لها‪“ ،‬ودخلنا محراب العميد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شد�ن‬
‫الصبا‪ ،‬فقد ّ ي‬ ‫وجدا� منذ مطلع ّ‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫السحر ف ي�‬ ‫ّ‬
‫الرهبة‪ ...‬قالت‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫أول وأنا وراءها‪ ،‬أكاد أرتجف من ّ‬ ‫العر�‪-‬‬
‫حس� ‪-‬عميد الدب ب ي ّ‬ ‫هذا الكتاب إىل طه ي‬
‫تالمذ� يريد أن يلقاك‪،‬‬ ‫ت‬ ‫له‪ :‬معي حفيد لك من‬ ‫الزمن‬ ‫وأخذت منذ ذلك ّ‬ ‫ُ‬ ‫أن أكون مثله‪،‬‬ ‫رت ْ‬ ‫فقر ُ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫ال� يحفظ بعضها عن ظهر‬ ‫ت‬ ‫جامعا يب�ن‬ ‫آ‬
‫فهو مفتون بكتاباتك ي‬ ‫واحدا بعد الخر‪ً ،‬‬ ‫ألتهم كتبه ً‬ ‫البعيد ُ‬
‫صو�‪ ،‬فس ّلمت‬ ‫أ‬
‫ومد يده ب ي‬ ‫قلب‪ ،‬فابتسم العميد ّ‬ ‫دبية‪ .‬وكان‬ ‫بداعي ودراساته الفكريّة وال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫تراثه إ‬
‫هات� اليدين كما أفعل مع ب يأ�‬ ‫أقبل ي ن‬ ‫ف‬ ‫طه ي ن‬
‫وكدت ّ‬ ‫ُ‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫السمع والبرص ي� ذلك الوقت‪،‬‬ ‫حس� ملء ّ‬
‫وبادر� بالسؤال عن من‬ ‫ن‬ ‫تبكت‪ ،‬فسكت‪،‬‬ ‫ولك� ار ُ‬ ‫ن‬ ‫ال� أدخلت‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫انية ال ّتعليم ي‬ ‫مج ّ‬ ‫فهو الذي حقّق ّ‬
‫فقلت من فوري‪ :‬أبا العالء‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫الشعراء‪،‬‬ ‫أحب من ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحكومية‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫أمثال من الفقراء إىل المدارس‬ ‫ي‬
‫كنت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫يت�ف ّكل َمن تتلمذ عليه‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫ال� ُ‬ ‫أجوب� ي‬ ‫ي‬ ‫ولم تتوقف أسئلته ولم تتوقّف‬ ‫الجامعي الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الستاذ‬
‫ملء بمهابة الحضور‬ ‫أنطقها بصوت مرتعش ي‬ ‫باالنتساب إليه‪ ،‬وكاتب المقاالت الجسورة‪ ..‬وقد‬
‫ظللت أحلم به‪ّ ...‬كل‬ ‫ُ‬ ‫ولقاء الرجل العظيم الذي‬ ‫الحماس‬
‫يّ‬ ‫يكف عن دفاعه‬ ‫صلبا‪ ،‬ال ّ‬ ‫ظل محاربًا ً‬ ‫ّ‬
‫سه� القلماوي وقال لها‪:‬‬ ‫ما أذكره أنّه التفت إىل ي‬ ‫التقدم‬ ‫العقالنية والعلم واالستنارة وأفكار ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن‬

‫جابر عصفور‬
‫دراسات‬
‫‪77‬‬

‫د�‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬


‫كتا� عن نقده الذي جعلته بعنوان‪:‬‬ ‫كانت عن ب ي‬ ‫تلميذك هذا قد يكون له إنجاز ي� النقد ال ب ي ّ‬
‫العربية‬‫ّ‬ ‫وأن أوىل الجوائز‬ ‫(المرايا المتجاورة)‪َّ ،‬‬ ‫جد فرح‬ ‫وابتسم ابتسامة حانية‪ ،‬كأنّها ابتسامة ّ‬
‫ظل‬ ‫ال� نلتها كانت عن الكتاب نفسه” ‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫(‪)8‬‬ ‫ت‬ ‫بوالدة حفيد جديد”(‪.)5‬‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫يخ�نا جابر عصفور ف ي� نهاية هذا الفصل عن‬
‫كث� من دراسات‬ ‫صدى هذا الكتاب تي� ّدد ي� ي‬ ‫ب‬
‫وأبحاث جابر عصفور(‪.)9‬‬ ‫خ�ة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫متقابلت� من أيام طه ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫حس� ال ي‬ ‫حالت�‬
‫شامخا من‬ ‫علما‬ ‫يظل الدكتور طه ي ن‬ ‫وبعد‪ّ ،‬‬ ‫يروي ف� أ‬
‫ً‬ ‫حس� ً‬ ‫الوىل بأىس ومرارة الظروف الماديّة‬ ‫ي‬
‫الجيال ال�ت‬ ‫الدب والثقافة‪ ،‬تأثّرت به أ‬ ‫أعالم أ‬ ‫ال� عاشها العميد‪ ،‬وهذا ما جعلنا ن ّتفق‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الصعبة ي‬
‫وال� جاءت بعده‪ ،‬ويكفي الدكتور جابر‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫عارصته ي‬ ‫ال� كانت‬ ‫المالية ي‬ ‫جميعا بالمكافآت ّ‬ ‫نت�ع ً‬ ‫“عىل أن ب ّ‬
‫كرسيه‬‫ّ‬ ‫تاريخي‪ ،‬وجلس عىل‬ ‫ّ‬ ‫أن التقاه ف ي� لقاء‬ ‫ْ‬ ‫شعرت‬
‫ُ‬ ‫حس�‪ ...‬وقد‬ ‫الذاعة إىل طه ي ن‬ ‫مقدمة من إ‬ ‫َّ‬
‫ف ي� الجامعة‪ ،‬ويكفينا أننا ازددنا معرفة وإعجابًا‬ ‫ال� ال أزال أشعر بها‪ ،‬وأنا أرى كبار‬ ‫ت‬
‫بالمرارة ي‬
‫الس�ة‬ ‫بعميد أ‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫العر� من خالل هذه ي‬ ‫بيّ‬ ‫الدب‬ ‫الدباء يعانون من قسوة الحياة ي� شيخوختهم‬
‫ال� طافت وح ّلقت بنا ف ي� دروب العلم‬ ‫ت‬
‫الجميلة‪ ،‬ي‬ ‫أن الدولة‬ ‫مقتنعا ّ‬ ‫ً‬ ‫وكنت وال أزال‬ ‫ُ‬ ‫أو مرضهم‪.‬‬
‫وال ّثقافة ف ي� زمن كم أحببنا أن نحياه‪ ،‬لك ّننا عشناه‬ ‫حق‬ ‫ف‬
‫ال� ال ترعى أدباءها الكبار ترتكب جريمة ي� ّ‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫وس� أعالمه‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫دائما مع كتابات ي‬ ‫ونعيشه ً‬ ‫محق‪،‬‬ ‫ألمه ّ‬ ‫حق نفسها”(‪ ،)6‬وهو ي� ِ‬ ‫و� ّ‬ ‫الوطن ي‬
‫العر� ف ي� آخر‬ ‫وبخاصة عندما يقارن حال الكاتب ب ي‬ ‫ّ‬
‫الهوامش‬ ‫الغر�‪ ،‬الذي يلقى ّكل دعم ورعاية‬ ‫حياته بالكاتب ب ي ّ‬
‫(‪ )1‬جابر عصفور‪ :‬زمن جميل م�ض ‪ ،‬الدار‬ ‫من دولته‪ّ .‬أما الحالة الثانية فيوردها لنا بغبطة‬
‫المرصية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص‪.21-22‬‬ ‫ف ي� جنازة العميد المهيبة‪ ،‬حيث “خرج جثمانه‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.199‬‬ ‫محمول عىل أكتاف أساتذة من حرم جامعة‬ ‫ً‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.143-144‬‬ ‫الوسمة ال�ت‬ ‫القاهرة‪ ،‬وكانت الصدارة لحملة أ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.289‬‬ ‫طليعة‬ ‫و� ال ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫حصل عليها طه ي ن‬
‫حس� ي� حياته‪ .‬ي‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.293-294‬‬ ‫وامتدت‬ ‫ّ‬ ‫الوزراء وكبار الك ّتاب وأساتذة الجامعة‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.295‬‬ ‫ال� لم أر مثلها ألحد من كبار‬ ‫ت‬
‫الجنازة المهيبة ي‬
‫(‪ )7‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.296‬‬ ‫أساتذة الجامعة إىل اليوم”(‪.)7‬‬
‫(‪ )8‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.297‬‬ ‫أ ّلف الدكتور جابر عصفور عد ًدا من الكتب‪،‬‬
‫الدب‪ :‬مدخل إىل نقد طه ي ن‬
‫حس�‪،‬‬ ‫(‪ )9‬انظر‪ :‬مرآة أ‬ ‫أهمها لديه كتاب “المرايا المتجاورة‪ ،‬دراسة ف ي�‬ ‫ّ‬
‫العر�‪ ،‬العدد ‪ ،26‬آذار ‪،1982‬‬ ‫مجلة الفكر‬ ‫بأن أوىل‬ ‫أع� ّ‬ ‫ت‬
‫حس�”‪ ،‬الذي “وال أزال ز ّ‬ ‫نقد طه ي ن‬
‫بي‬
‫حصلت عليها ف ي� مرص‪،‬‬ ‫ف ت‬
‫ص‪.146-168‬‬ ‫ُ‬ ‫الثقا� ي‬
‫ال�‬ ‫يّ‬ ‫النجاز‬ ‫جوائز إ‬
‫دراسات‬
‫‪78‬‬

‫الثقافية‬
‫ّ‬ ‫مصادر الحياة‬
‫في القدس‬
‫د‪ .‬إيهاب زاهر‪ /‬األردن‬

‫ويعطي تفاصيل دقيقة عن مظاهر الحياة اليومية‬ ‫عدة بحوث تاريخية وأدبية واجتماعية‬ ‫َظ َه َر ْت َّ‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫ين‬
‫ومهتم�‬ ‫ين‬
‫ومؤرخ�‬ ‫رحالة‬
‫ال� يغفلها عادة المؤرخون‬ ‫والماكن والجزيئات ي‬ ‫موثقة أحيانًا‪ ،‬من ّ‬
‫والرحالة الذين يقدمون الصورة من منظورهم‬ ‫المقدس‬
‫ي‬ ‫هدفت من خاللها إىل دراسة المجتمع‬
‫ال ن ي� المحدد الزمن‪.‬‬ ‫آ‬ ‫أن مصادر الحياة‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ف ي� العرص‬
‫العثما�‪ ،‬وال شك ي� َّ‬ ‫ي‬
‫العثما� ف ي� إستانبول من أهم‬ ‫ن‬ ‫الرشيف‬ ‫ويعد أ‬ ‫الثقافية والتعليمية ف ي� القدس إبان العرص‬
‫ي‬ ‫ُّ‬
‫أ‬
‫المصادر ي� فهم الوضاع السياسية واالقتصادية‬ ‫ف‬ ‫العثما� (‪ )1517-1917‬اعتمدت عىل الثقافة‬ ‫ن‬
‫ي‬
‫واالجتماعية والثقافية لمدينة القدس ودراستها‪،‬‬ ‫الوىل‪ ،‬فمن ذلك‬ ‫العربية السالمية بالدرجة أ‬
‫إ‬
‫الكث� من‬ ‫الخبار وال�اجم والرحالت‪ ،‬وكذلك كتب‬ ‫ت‬ ‫كتب أ‬
‫وأهمية هذه الوثائق تنبع من احتوائها ي‬
‫المعلومات عن القدس ومخططات الصهيونية‬ ‫السالمية‪ ،‬وقد وفَّرت سجالت‬ ‫ال�عية إ‬ ‫الفتاوى ش‬
‫لالستيالء عليها منذ منتصف القرن التاسع ش‬ ‫مصدرا‬ ‫ال� كُتبت بالعربية‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫ع�‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المحاكم ال�عية ي‬
‫كب�ا بالوثائق‬
‫اهتماما ي ً‬
‫ً‬ ‫فقد أولت الدولة العثمانية‬ ‫ومبا�ا لدراسة مدينة القدس‪،‬‬ ‫ش‬ ‫واسعا‬
‫ً‬ ‫محليا‬
‫ًّ‬
‫ً‬
‫والسجالت ف ي� عهد السلطان مصطفى ي� القرن‬
‫ف‬ ‫الباحث� القدرة عىل االستفادة من وفرة‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫وأعطت‬
‫الثامن ش‬ ‫ال� احتوتها سجالت محكمة القدس‬ ‫ت‬
‫ع� بإنشاء الخزينة الخاصة بالوثائق‪ ،‬ثم‬ ‫المعلومات ي‬
‫الوراق ف ي� عهد السلطان‬ ‫الرشيف أو خزينة أ‬ ‫أن� أ‬‫ش ئ‬ ‫ال�عية‪ ،‬ويمكن عن طريقها رصد جوانب الحياة‬ ‫ش‬
‫الرشيف عىل مئة‬ ‫عبدالحميد‪ ،‬ويحتوي هذا أ‬ ‫المختلفة من إدارية واقتصادية واجتماعية‬
‫العر�‪ ،‬وهناك خزانة‬ ‫بي‬ ‫مليون وثيقة عن الوطن‬ ‫يسد‬
‫المحل ُّ‬
‫ي‬ ‫وتعليمية وثقافية‪ ،‬وهذا المصدر‬
‫ف‬ ‫ين‬ ‫ال� تقدمها كتب التاريخ عادة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫وفلسط� ي� أواخر العرص‬ ‫خاصة بوثائق القدس‬ ‫النقص ي� المادة ي‬
‫دراسات‬
‫‪79‬‬

‫“فلسط� العثمانية ‪ ”1552-1626‬الذي‬ ‫ين‬ ‫ف ي� كتابه‬ ‫أن الدولة العثمانية‬ ‫العثما�‪ ،‬وتؤكد هذه الوثائق َّ‬
‫ي‬
‫ن‬
‫يفرطا‬ ‫ن‬
‫صدر عام ‪.1960‬‬ ‫الحميدالثا� لم ِّ‬
‫ي‬ ‫وعىل رأسها السلطان عبد‬
‫ال� مورست‬ ‫ت‬
‫كما تزودنا كتب الرحالت بمعلومات غزيرة ومهمة‬ ‫بالقدس عىل الرغم من كل الضغوط ي‬
‫ن‬
‫العثما� تف�صد لنا اهتمام‬ ‫عن القدس ف ي� العهد‬ ‫الجانب من‬ ‫الباحث� أ‬
‫ين‬ ‫عليهما‪ ،‬وقد استفاد بعض‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫ين‬ ‫ال� كتبت عن البالد العربية وقاموا‬ ‫ت‬
‫وتنبه عىل‬
‫المسلم� ببناء المساجد ي� القدس‪ِّ ،‬‬ ‫هذه الوثائق ي‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫يطا�‬
‫الترصف‬
‫ُّ‬ ‫ال� ال يمكن‬
‫السالمية ي‬ ‫موضوع الوقاف إ‬ ‫ال� ي‬ ‫ببعض الدراسات المتعلقة بها كالباحث ب‬
‫ح� تبقى المدينة المقدسة عربية إسالمية‬ ‫بها‪ ،‬ت‬ ‫“برنارد لويس” الذي كتب بعض البحوث ف ي� هذا‬
‫أبد الدهر‪ ،‬ثم تعطينا أهمية خاصة للحياة‬ ‫العثما� كمصدر لتاريخ‬ ‫ن‬ ‫“الرشيف‬‫الشأن منها‪ :‬أ‬
‫ي‬
‫بعضا‬
‫االجتماعية وعالقة سكان القدس ببعضهم ً‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫العثما�”‪،‬‬ ‫البلدان العربية” و”دراسات ف ي� التاريخ‬
‫وظهور الطرائق الصوفية المختلفة‪ ،‬وارتباطها‬ ‫كما وضع “أوريل هايد” وهو باحث يهودي دراسة‬
‫يش�‬
‫المحلي�‪ ،‬وهذا الجانب ي‬ ‫ين‬ ‫بعنارص السكان‬ ‫ضمنها نماذج من الفرمانات‬ ‫ين‬
‫فلسط� َّ‬ ‫عن تاريخ‬
‫إىل استمرار الشخصية الثقافية‪ -‬ي ز‬
‫المم�ة للمدينة‬ ‫ين‬
‫بفلسط�‪ ،‬وذلك‬ ‫(المراسيم) العثمانية المتعلقة‬
‫دراسات‬
‫‪80‬‬

‫وال� شاركت فيها كل قطاعات‬ ‫المقدسة‪ ،‬ت‬


‫ي‬
‫الطوائف بدرجات متفاوتة‪.‬‬
‫جل�” القدس عام‬ ‫ت‬
‫وقد زار الرحالة ال� يك “أوليا ب ي‬
‫‪ 1670‬فقال‪“ :‬القدس بلد عظيمة‪ ،‬هواؤها عليل‪،‬‬
‫وماؤها عذب‪ ،‬وسكانها نضار الوجوه‪ .‬وفيها ‪240‬‬
‫مسجدا‪ ،‬و‪ 7‬دور للحديث و‪ 10‬دور لتعليم‬ ‫ً‬
‫للبن�‪ ،‬و‪ 6‬حمامات‪ ،‬و‪18‬‬ ‫القرآن‪ ،‬و‪ 40‬مدرسة ي ن‬
‫لسبع� طريقة إسالمية”‪.‬‬ ‫ين‬ ‫سبيل للماء وتكايا‬ ‫ً‬
‫كما زار القدس العديد من الشخصيات العربية‬
‫النابلس‬ ‫ن‬
‫عبدالغ�‬ ‫والعالمية مثل زيارة الشيخ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫إنكل�ي اسمه “ه�ي‬ ‫للقدس عام ‪ ،1690‬ورحالة ي ز‬
‫مندريل” زار القدس ف ي� سنة ‪ 1696‬ف ي� عيد الفصح‬
‫نس “غوستاف‬ ‫وأعجب بها‪ ،‬كما زارها المؤرخ الفر ي‬
‫مطول ف ي� كتابه “حضارة‬ ‫ً‬ ‫لوبون” وتحدث عنها‬
‫العرب” ف ي� سنة ‪.1884‬‬
‫ال بم�اطور‬ ‫ال� قام بها إ‬ ‫ت‬
‫وكان للزيارة المهمة ي‬
‫الثا�” إىل القدس عام ‪1898‬‬ ‫ن‬ ‫أ ن‬
‫لما� “غليوم ي‬ ‫ال ي‬
‫عىل الدوام”‪ ،‬ثم زار ض�يح البطل صالح الدين‬ ‫ين‬
‫العالم�‬ ‫يوما صداها ف ي�‬ ‫ع� ً‬ ‫وال� دامت أحد ش‬
‫ي‬
‫ت‬
‫يو� ووضع عليه ً‬
‫إكليل من الزهور‪ ،‬وأمر بوضع‬ ‫أ‬
‫ال ب ي‬ ‫والسالمي؛ حيث زار كنيسة القيامة‬ ‫العر� إ‬ ‫بي‬
‫مصباح من الفضة لل�ض يح هدية له بوصفه أحد‬ ‫والمسجد القىص ودشن كنيسة ألمانية إنجيلية‬ ‫أ‬
‫ين‬
‫المعجب� إعجابًا بالغً ا بالبطل المسلم‪.‬‬ ‫ال�يف لم يكن‬ ‫مجي� إىل القدس ش‬ ‫ئ‬ ‫(إن‬
‫وقال‪َّ :‬‬
‫وقد شن� عدد من أ‬ ‫ي‬
‫وروبي� بحوثهم ف ي� كتب‬
‫ال ي ن‬ ‫كنت أميل‬ ‫ن� ُ‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫مبنيا عىل غايات سياسية‪ ،‬بل ل ي‬ ‫ًّ‬
‫مستقلة أو ف ي� مجلة ‪Palastine Exploration‬‬ ‫ال� مات فيها‬ ‫ت‬
‫إىل زيارة هذه المدينة المقدسة ي‬
‫‪ Found‬وفيها معلومات قيمة عن أ‬
‫الوضاع‬ ‫السيد المسيح‪ ،‬ثم قام وصعد إىل السماء)‪.‬‬
‫الثقافية ف ي� القدس‪.‬‬ ‫اللمانية‪ -‬العثمانية‪،‬‬ ‫وأكدت هذه الزيارة الصداقة أ‬
‫ت‬
‫ال�‬ ‫ن‬ ‫لما� ف ي� خطبة له ف ي� دمشق‬ ‫أ ن‬
‫ومن يب� الكتابات الحديثة والعديدة ي‬ ‫ال بم�اطور ال ي‬ ‫وأكد إ‬
‫وصفت مدينة القدس نجد كتب عارف العارف‬ ‫طم� السلطان والثالثمئة مليون مسلم‬ ‫“بأنه يُ ئن‬
‫بخ�ات المؤرخ‬‫متمرسا ب‬ ‫عن (القدس) والذي كان‬ ‫إم�اطور ألمانيا صديقًا لهم‬ ‫ف‬
‫ً‬ ‫أنهم سيجدون ي� ب‬
‫دراسات‬
‫‪81‬‬

‫الوروبية‪ ،‬فقامت بحركة‬ ‫العثمانية للضغوط أ‬ ‫فضل عن متابعة‬ ‫الكتابية‪ً ،‬‬ ‫الموسوعية‪ ،‬وتقاليده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إصالحات عىل الصعيد التعليمي‪ ،‬وأنشأت‬ ‫آ‬
‫نتائج الدراسات التاريخية واللغوية والثارية‬
‫وال� تسمح بافتتاح المدارس‬ ‫ت‬ ‫نموذجا لذلك‪.‬‬ ‫الحديثة‬
‫(إدارة المعارف) ي‬ ‫ً‬
‫السالمية الخاصة‪،‬‬ ‫الحكومية والمدارس إ‬ ‫وأيضا كتاب “كارين أرمس�ونج” (القدس مدينة‬ ‫ت‬ ‫ً‬
‫وال� عالجت فيه أهمية‬ ‫ت‬
‫التبش�ية كمدراس الراهبات‬
‫ي‬ ‫والمدارس الخاصة‬ ‫واحدة‪ -‬ثالث عقائد) ي‬
‫أ‬
‫الفرنسيسكان واليونان ومدرسة يهودية للشكناز‪.‬‬ ‫ن‬
‫القدس السياسية والدينية والب� االجتماعية‬
‫ويمكن تصنيف أهم المعاهد والمدارس‬ ‫المد� (مدينة القدس‬ ‫ن‬ ‫يعد كتاب زياد‬ ‫فيها‪ .‬كما ُّ‬
‫ي‬
‫ن‬
‫العثما� إىل‬
‫ي‬ ‫التعليمية ف ي� القدس ف ي� العرص‬ ‫وجوارها خالل المدة ‪ )1820 –1800‬من أهم‬
‫الفئات آ‬ ‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫التية‪:‬‬ ‫ال� استفادت من المعلومات ي‬ ‫الدراسات ي‬
‫ال�عية‪.‬‬ ‫احتوتها سجالت محكمة القدس ش‬
‫الكاديمية ال بد من أن‬ ‫وبعيدا عن الدراسات أ‬
‫المساجد‬ ‫ً‬
‫القىص من أهم المراكز التعليمية‬ ‫يعد المسجد أ‬ ‫نلقي الضوء عىل أثر ال�بية والتعليم كمصدر‬ ‫ت‬
‫ُ ُّ‬
‫وأقدمها‪ ،‬إذ لم ينقطع التدريس فيه إال خالل‬ ‫آخر ف ي� تطور الثقافة المقدسية لما ف ي� القدس من‬
‫وح�‬ ‫مدة احتالل الفرنجة للقدس من عام ‪ 1098‬ت‬ ‫مؤسسات تعليمية تنهض بها كالمعاهد والمراكز‬
‫‪1187‬م‪ ،‬كما كانت وظيفة التدريس فيه مقترصة‬ ‫و�‬ ‫ف‬
‫التعليمية من مدراس وخوانق وربط وزوايا ي‬
‫البناء‬ ‫ف� الغالب عىل عائالت معينة يتوارثها أ‬ ‫القىص‬ ‫مقدمتها المساجد‪ ،‬والسيما المسجد أ‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫س�ن‬ ‫آ‬ ‫المبارك‪ ،‬وقبة الصخرة ش‬
‫المدر ي‬‫ِّ‬ ‫النفاق عىل‬ ‫عن الباء‪ّ ،‬أما مصادر إ‬ ‫الم�فة‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫القىص فقد كانت متنوعة منها‬ ‫ف� المسجد أ‬ ‫المؤسسات التعليمية الصوفية‪ .‬وكانت القدس ف ي�‬
‫ي‬
‫الرومية (العثمانيون)‪ ،‬والرصة المرصية‪،‬‬ ‫الرصة‬ ‫مهما‬
‫ثقافيا ًّ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ومركزا ًّ‬‫ً‬ ‫العثما� نقطة جذب‬ ‫ي‬ ‫العرص‬
‫خاصك‬ ‫العينية المقدمة من أوقاف‬
‫ّ‬ ‫والمساعدات‬ ‫س� وطالب العلم‬ ‫والمدر ي ن‬
‫ِّ‬ ‫كب� من العلماء‬ ‫لعدد ي‬
‫ي‬
‫ن‬
‫العثما� ‪.‬‬ ‫سلطان‪ ،‬ومن المال الخاص للسلطان‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫والسيما من سورية ومرص والمغرب‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫ّ‬
‫القىص كبار العلماء‬ ‫وقد درس ف� المسجد أ‬ ‫ال�عية‬ ‫درس ي� هذه المراكز العلوم ش‬ ‫ف‬
‫َّ ي‬ ‫وكانت تُ َّ‬
‫ف‬
‫والذين كان لهم باع طويل ي� تدريس القرآن‬ ‫والتفس� والقراءات المختلفة‬ ‫وعلم الحديث‬
‫ي‬
‫الشه� بابن‬ ‫والتفس� كصالح أفندي‬ ‫الكريم‬ ‫آ‬
‫واللسانيات كالنحو والرصف واللغة والداب‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ين‬
‫الشهاب�‬ ‫قا� السلط‪ ،‬وخليل عبداللطيف‬ ‫ض‬ ‫العامة‪.‬‬
‫ي‬
‫وعبدالرحمن المبارك‪ ،‬وكذلك محمد أفندي ابن‬ ‫أن القدس لم تعرف قبل سنة‬ ‫الشارة إىل َّ‬ ‫وتجدر إ‬
‫المرحوم أحمد أفندي الذي توىل وظيفة قراءة‬ ‫الحال المعارص‬ ‫ن‬
‫بالمع�‬ ‫‪ 1869‬الحياة التعليمية‬
‫ي‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬وعمران الخزرجي الذي توىل‬ ‫لهذه الكلمة إال بعد أن استجابت الدولة‬
‫دراسات‬
‫‪82‬‬

‫الدينية‬
‫ّ‬ ‫المدارس‬ ‫الم�فة‪.‬‬ ‫قراءة القرآن بمسجد الصخرة ش‬
‫ارتبط إنشاء المدارس ف ي� القدس بأسباب دينية‬ ‫ين‬
‫السالط�‬ ‫القىص محط اهتمام‬ ‫وكان المسجد أ‬
‫القبال عىل إنشاء المدارس‬ ‫وسياسية‪ ،‬فقد ازداد إ‬ ‫العثماني�‪ ،‬فقد أُعيد ترميم قبة الصخرة‬ ‫ين‬
‫السالط� من‬ ‫ين‬ ‫لتعليم المذاهب السنية‪ ،‬ولتقرب‬ ‫بواسطة السلطان محمد الثالث عام ‪1597‬م‪،‬‬
‫الرعية لنيل رضاهم‪ .‬ف ي� منتصف القرن الثامن‬ ‫الول عام ‪1603‬م‪ ،‬والسلطان‬ ‫والسلطان أحمد أ‬
‫أك� من عددهم‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫مصطفى أ‬
‫ع� كان عدد العلماء ي� القدس ب‬ ‫الول عام ‪1617‬م‪ .‬فعندما زار الرحالة‬
‫ع�‪ ،‬لكن المدارس أخذت ف ي�‬ ‫ف ي� القرن السابع ش‬ ‫الجل�” القدس عام ‪1648‬م سحرته‬ ‫ال� يك “أوليا ب ي‬
‫ت‬
‫التدهور الرسيع‪ ،‬فلم يبق هناك سوى خمس‬ ‫أن هناك ثمانمئة إمام‬ ‫القلعة والحرم‪ .‬فقد وجد َّ‬
‫نظرا إىل الوضع االقتصادي‬ ‫ين‬
‫وثالث� مدرسة‪ً ،‬‬ ‫وواعظ يعملون ف ي� الحرم والمدارس المجاورة‬
‫الوقاف‬ ‫المتدهور وفقر المدينة وقلة واردات أ‬ ‫وأيضا كان هناك خمسون‬ ‫ويتقاضون مرتبات‪ً ،‬‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫للنفاق عليها‪ ،‬ومن المدارس ي‬ ‫المخصصة إ‬ ‫تل القرآن‪.‬‬
‫كب� من مر ي‬ ‫مؤذنًا وعدد ي‬
‫السباب المدرسة التنكزية ال�ت‬ ‫تالشت لهذه أ‬ ‫مركزا‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫إن المسجد القىص كان ً‬ ‫ونستطيع القول‪َّ :‬‬
‫مقرا لها‪.‬‬ ‫ف‬
‫استخدمت محكمة القدس مبانيها ً‬ ‫الثقا� والعلمي‪ ،‬حيث كانت حلقات‬ ‫ي‬ ‫للشعاع‬ ‫إ‬
‫ين‬
‫طابق�‬ ‫وكانت المدارس داخلية‪ ،‬تتكون عادة من‬ ‫العلم والدراسة متاحة للكبار والصغار تنعقد‬
‫يخصص‬ ‫الول للتدريس ف� ي ن‬ ‫يخصص الطابق أ‬ ‫ف� ت‬
‫ح� َّ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ش� جوانبه‪ ،‬ولم تكن مهمته فقط تقترص‬ ‫ي‬
‫عد‬
‫س�‪ ،‬وتُ ُّ‬ ‫والمدر ي ن‬ ‫الثا� لسكن الطالب‬ ‫ن‬
‫ِّ‬ ‫الطابق ي‬ ‫عىل إقامة الصلوات والشعائر الدينية‪ ،‬بل كان‬
‫وظيفة شيخ المدرسة من أرفع الوظائف إذ كان‬ ‫القىص يحفل بالنشاطات السياسية واالجتماعية‪.‬‬ ‫أ‬
‫يختار لها أحد كبار العلماء ذوي السمعة الطيبة‬ ‫ولم يقترص التدريس ف ي� المساجد عىل مسجدي‬
‫اللقاب العلمية مثل (عمدة‬ ‫بأجل أ‬
‫وكان يُخاطب ّ‬ ‫القىص والصخرة‪ ،‬بل امتد إىل مساجد أخرى‬ ‫أ‬
‫السلطانية‬
‫ّ‬ ‫السادات الفخام) و(حدوثة العلم)‬ ‫درس فيه فضل‬ ‫مثل مسجد سنان باشا الذي َّ‬
‫مثل عمدة السادات الفخام جارالله أفندي الذي‬ ‫ال� كانت‬ ‫ت‬
‫العسل‪ ،‬وإىل الكتاتيب ي‬ ‫ي‬ ‫الدين آغا‬
‫ُع ي ِّ ن� ف ي� وظيفة المشيخة ف ي� المدرسة الموصلية‪.‬‬ ‫م�ل الشيخ‬ ‫ف‬
‫تقام بالقرب من المساجد‪ ،‬أو � نز‬
‫ي‬
‫الدارية ف ي� المدارس فهي متعددة‬ ‫َّأما الوظائف إ‬ ‫المعلم‪ ،‬ويبدأ الطفل ف ي� سن مبكرة إذ يتعلم‬
‫يأ� عىل رأسها وظيفة الناظر أو المدير العام‬ ‫ت‬ ‫القرآن والقراءة والكتابة والحساب‪ ،‬وكان يُطلق‬
‫ي‬
‫للمدرسة‪ ،‬وأهم واجباته إدارة شؤونها ويختار من‬ ‫عىل المعلم ف ي� الكتاتيب لقب الشيخ أو المؤ ِّدب‬
‫ب� العلماء القادرين عىل التدريس‪ ،‬فالناظر كان‬ ‫ين‬ ‫وعندما ينتهي الطالب من دراسته ف ي� الك َّتاب‬
‫الدارة‪،‬‬ ‫فضل عن إ‬ ‫أحيانًا يتوىل مشيخة المدرسة ً‬ ‫كانت تُقام له حفلة تنشد فيها المدائح النبوية‬
‫ومن هؤالء بالقدس علم الدين العلمي الذي‬ ‫مع وليمة غداء أو عشاء بهذه المناسبة‪.‬‬
‫دراسات‬
‫‪83‬‬

‫ف ي� القدس المولوية والنقشبندية والخلوتية وكان‬ ‫توىل مشيخة المدرسة المنجكية‪ .‬أما الوظائف‬
‫المام والمؤذن والسقّا‬ ‫أ‬
‫لها أتباع وزوايا وتكايا‪ ،‬وقد اقترصت المؤسسات‬ ‫الدارية الخرى فهي إ‬ ‫إ‬
‫التعليمية كما أسلفنا عىل ثالثة أنواع من المدارس‬ ‫والبواب والك ّناس‪.‬‬
‫والفراش والشغَّ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫أهم المدارس الدينية ي� القدس‬
‫وهي الخوانق والربط والزوايا‪.‬‬ ‫وكان من ّ‬
‫ن‬ ‫القا� زين‬ ‫ض‬ ‫ال� أوقفها‬ ‫ت‬
‫وتع� مكان‬‫وكانت أول (خانقاه) ‪-‬وهي كلمة فارسية ي‬ ‫ي‬ ‫المدرسة الباسطية ي‬
‫عبادة المتصوف‪ -‬تنشأ ف ي� القدس هي الخانقاه‬ ‫عبدالباسط بن خليل الدمشقي‪ ،‬والمدرسة‬
‫الصالحية قرب كنيسة القيامة‪ ،‬وكان لها دور ف ي�‬ ‫ال� توىل مشيختها أرسة العلمي‪،‬‬ ‫ت‬
‫الحمراء ي‬
‫الحياة العلمية ف ي� القدس حيث قرأ فيها المتصوفة‬ ‫تعد من أهم مدارس‬ ‫وال� ّ‬ ‫ت‬
‫والمدرسة الصالحية ي‬
‫القرآن وقام بالتدريس فيها مشايخ الصوفية الذين‬ ‫القدس وأقدمها‪ ،‬فقد بنيت ف ي� عهد السلطان‬
‫ن‬ ‫وال� تنسب إليه وتقع بالقرب من‬ ‫ت‬
‫العثما�‪.‬‬
‫ي‬ ‫يعينون من السلطان‬
‫َّ‬ ‫صالح الدين ي‬
‫ف‬ ‫تنوعت العلوم‬ ‫أ‬
‫الربط فقد استخدمها المتصوفون ي� القدس‬ ‫أما ُ‬ ‫باب السباط بالقدس‪ ،‬وقد َّ‬
‫مكانًا للجهاد ضد النفس‪ ،‬كما اتخذوها أماكن‬ ‫ال� كانت تُ َّدرس ف ي� هذه المدرسة كالقرآن‬ ‫ت‬
‫الدينية ي‬
‫للمطالعة والكتابة بسبب وجود المكتبات فيها‪.‬‬ ‫ال�يف والفقه‪.‬‬ ‫الكريم والحديث ش‬
‫ومن أهم ربط القدس الرباط المنصوري الذي‬ ‫أ َّدت المدرسة الصالحية خدمات جليلة للعلم‬
‫أنشأه الملك المنصور قالوون عام ‪ ،1282‬ورباط‬ ‫كب� من طالب العلم‬ ‫وطالبه‪ ،‬إذ درس فيها عدد ي‬
‫ال يم� يب�م جاويش الذي أنشأه ف ي� عام ‪ 1540‬ف ي�‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫الذين وفدوا إليها من أقاليم ومدن ش�‪ ،‬ودرسوا‬
‫القانو�‪ ،‬أما الزوايا فقد كانت‬ ‫ن‬ ‫عهد السلطان سليمان‬ ‫عىل شيوخها الذين تمتعوا بمكانة علمية مرموقة‪،‬‬
‫ي‬
‫الذكار وكان لها مغزى اجتماعي حيث‬ ‫تقام فيها أ‬ ‫فقصدهم طالب العلم ونهلوا من علمهم الذي‬
‫ممن كانوا ف ي� القدس‬ ‫الفاق‪.‬‬ ‫اشتهروا به ف� آ‬
‫يلتقي فيها أبناء البلد الواحد َّ‬ ‫ي‬
‫وغ�هم‪.‬‬
‫كالمغاربة والهنود ي‬ ‫كما كان بالقدس أنواع من المؤسسات التعليمية‬
‫ف‬
‫وأهم الزوايا الزاوية البسطامية ي� حارة المشارقة‬ ‫بم�لة‬‫الصوفية كالخوانق والربط والزوايا وهي نز‬
‫والزاوية النقشبندية عند باب الغوانمة‪ ،‬والزاوية‬ ‫تدرس فيها أصول الصوفية؛ وهي نوع من‬ ‫مدارس َّ‬
‫ن‬
‫الجيال�‪.‬‬ ‫القادرية نسبة لمؤسسها عبدالقادر‬ ‫ف‬
‫الحياة الروحية نشأت ي� صدر إالسالم اختلطت فيها‬
‫ي‬
‫كما أقيمت عدة قباب تذكارية ف ي� مدينة القدس أغلبها‬ ‫ألوان الرياضة ومجاهدة النفس والفلسفة الروحية‪،‬‬
‫ال�يف ووظفت ف� بعض أ‬ ‫داخل الحرم ش‬ ‫شجع العثمانيون الطرائق الصوفية‪ ،‬وأصبحت‬
‫الغراض‬ ‫ي‬ ‫وقد َّ‬
‫الثقافية والتعليمية؛ ومن أهمها قبة المعراج‪ ،‬والقبة‬ ‫ين‬
‫بالمتصوف�‪ ،‬كما‬ ‫المناطق المجاورة للحرم مليئة‬
‫الرواح‪ ،‬وقبة الخ�ض ‪،‬‬ ‫النحوية‪ ،‬وقبة سليمان‪ ،‬وقبة أ‬ ‫ت‬
‫عائل�‬
‫برزت عائالت مقدسية ُعرفت بتصوفها‪ ،‬مثل ي‬
‫وقبة يوسف‬ ‫الدجا�‪ ،‬وكانت أهم الطرائق الصوفية‬ ‫ن‬ ‫العلمي و‬
‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪84‬‬

‫ظاهرة االقتراض اللغوي‬


‫محمد بنعلي‪ /‬المغرب‬

‫بالعكس فقد غدت كل لغة ُمزدانة بمفردات من‬ ‫ب� الحضارات‬ ‫مش�ك ي ن‬‫أهم إرث ت‬ ‫تُ ْع َت ب َ ُ� ال ُّلغة ّ‬
‫االق�اض‬ ‫لغات أخرى‪ ،‬وعىل الرغم من كون ت‬ ‫والمم والشعوب‪ ،‬وال يُعقل أن يحدث تبادل‬ ‫أ‬
‫تستغ�‬ ‫ن‬ ‫عالمية ال تكاد‬ ‫اللغوي ظاهرة لغوية‬ ‫حضاري دون أن يحدث تبادل لغوي‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فإنَّنا‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫أن ّثمة مخاطر عدة تنجم‬ ‫أي ّأمة إال ّ‬ ‫عنها لغة ّ‬ ‫وأساليبه من‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫متكامل تخلو مفرداتُه‬ ‫معجما‬
‫ً‬ ‫ال نجد‬
‫عن هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫يتضمنه من معرب‬ ‫والتطور‪ ،‬بما ّ‬
‫ُّ‬ ‫مظاهر االق�اض‬‫ت‬
‫ف‬ ‫ومفهوم ت‬ ‫نش� إىل‬ ‫ومو َّلد‬
‫العطاء‬ ‫االق�اض ي� اللغة مداره عىل إ‬ ‫ومحدث‪ ...‬وال يفوتنا أن ي‬ ‫َ‬ ‫ودخيل ُ‬
‫يضم‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫تتطور باستمرار‪ ،‬وهذا التطور يلحق‬ ‫أن اللغة‬
‫والخذ والتبادل‪ّ .‬أما ي� االصطالح فمعناه أن ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫متحدثوا لغة ما كلمات من لغة أخرى ف ي� قاموس‬ ‫والمب� والسلوب والقواعد المتصلة‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المع�‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تلقائيا‪ ،‬وأن يستمر استعمال هذه الكلمة‬ ‫ًّ‬ ‫لغتهم‬ ‫إن اللغة تتأثر‬ ‫بوظيفة الكلمة وتركيب الجملة‪ .‬ثم َّ‬
‫ف‬
‫المق�ضة لتصبح كلمة متواترة ي� اللهجة أو اللغة‬ ‫ت‬ ‫الخرى وتؤثر فيها‪ ،‬وهو ما يُطلق عليه‬ ‫باللغات أ‬
‫الجديدة‪ .‬هذا ف ي� ما يخص جميع اللغات‪ّ ،‬أما ف ي�‬ ‫“االق�اض اللغوي”‪ .‬وقد تأثرت اللغة العربية‪،‬‬ ‫ت‬
‫عرفه محمود فهمي حجازي‬ ‫اللغة العربية فقد َّ‬ ‫ف ي� القديم‪ ،‬ببعض اللغات المجاورة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ف ي� كتابه “اللغة العربية بع� القرون” بأنه‪ :‬دخول‬ ‫الفارسية‪ ،‬والحبشية‪ ،‬والرومانية‪ ،‬كما تأثرت‪ ،‬ف ي�‬
‫ألفاظ يغ� عربية إىل اللغة العربية‪ ،‬وهو ما‬ ‫العرص الحديث‪ ،‬بلغة المستعمر وأثَّرت فيها‪ ،‬ف ي�‬
‫ف‬ ‫ين‬ ‫العر� لالستعمار‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫و�‬
‫اللغوي� بكلمة التعريب‪ .‬ي‬ ‫يعرف عند بعض‬ ‫ال� خضع فيها الوطن ب ي‬ ‫الف�ات ي‬
‫ت‬ ‫نس بصفة خاصة‪.‬‬ ‫ال ي ز‬
‫بأن االق�اض اللغوي‬ ‫هذا المقام ال َّبد أن نذكر َّ‬ ‫نجل�ي والفر ي‬ ‫إ‬
‫السالم‬ ‫ظاهرة قديمة شغلت العرب منذ ظهور إ‬ ‫وهذا التبادل اللغوي ال يعيب اللغات‪ ،‬بل‬
‫دراسات‬
‫‪85‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أن نظرة القدماء‬
‫كث�ا؛ سواء أكانت عىل‬
‫عجمية ي ً‬
‫كالمهم اللفاظ ال ّ‬ ‫وما زالت تشغلهم إىل اليوم‪ ،‬إال َّ‬
‫جوزوا إدخال‬
‫بناء كالمهم أو لم تكن‪ ،‬فكذلك ّ‬ ‫المحدث�‪ ،‬فقد نظر إليها‬ ‫ين‬ ‫لها اختلفت عن نظرة‬
‫هذه الكلمات المصنوعة ف ي� كالمهم‪ ،‬وحكَم‬ ‫معظم القدماء من خالل النظرة المعيارية ال�ت‬
‫ي‬
‫بعض علماء اللغة ب�ض ورة جعل المعربات عىل‬ ‫أ َّدت إىل اتخاذ مواقف متباينة‪ ،‬وانقسموا نتيجة‬
‫يش�ط ذلك آخرون‬ ‫أبنية كالم العرب‪ ،‬ولم ت‬ ‫ين‬
‫فريق�‪:‬‬ ‫ذلك إىل‬
‫وغ�هم‪.‬‬ ‫ف‬
‫الفريق ا ول‪ :‬أجاز ما ُع ِّرب ي� الجاهلية وصدر‬ ‫لأ‬
‫ومنهم سيبويه وابن سيده والخفاجي ي‬
‫عجمية‬ ‫أ‬ ‫السالم‪ ،‬وخوفًا من ش‬
‫تعددت وتباينت‬‫ّأما مواقف المعارصين فإنها َّ‬ ‫تف� الكلمات ال ّ‬ ‫ي‬ ‫إ‬
‫االق�اض ف ي� العربية‪ ،‬فكانت القضية‬
‫تجاه ظاهرة ت‬ ‫مولدا‬
‫ً‬ ‫السالم‬
‫عدوا كل ما ُع ِّرب بعد ظهور إ‬ ‫ّ‬
‫أن التعريب مقصور‬ ‫ف‬
‫مرتبطة بجوهر اللغة وفلسفتها عند فريق‪،‬‬ ‫عاميا‪ ،‬وحجتهم ي� ذلك َّ‬ ‫ًّ‬
‫ومنها ما يتعلق بالشخصية القومية ومسايرة‬ ‫أن هذه‬ ‫عىل العرب أنفسهم اعتقا ًدا منهم َّ‬
‫العرص وتقنيته عند فريق آخر‪ ،‬ثم هي دواع‬ ‫المرحلة هي مرحلة نقاوة العربية وفصاحتها‪.‬‬
‫ين‬ ‫ن‬
‫الثا�‪ :‬وهو اتجاه‬
‫وظيفية وطبيعة العمل الخاص عند فريق ثالث‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القياسي� الذين أجازوا‬ ‫الفريق ي‬
‫فانقسموا باتجاهاتهم إىل ثالث فرق هي‪:‬‬ ‫أن العرب أدخلوا ف ي�‬ ‫ف‬
‫اللحاق‪ ،‬وحجتهم ي� ذلك َّ‬ ‫إ‬
‫دراسات‬
‫‪86‬‬

‫“الفرصاد”‪،‬‬ ‫بدل من ِ‬‫بدل من”التامورة”‪ ،‬و”التوت” ً‬ ‫ً‬ ‫َّأولها هم الذين ذهبوا إىل عدم جواز التعريب‪،‬‬
‫مسق”‪ ،‬و”الكُزبَ َرة”‬ ‫“الس َ‬ ‫بدل من َ‬ ‫و”الياسم�” ً‬ ‫ين‬ ‫وقالوا إنه يجب علينا أن نسد حاجاتنا إىل‬
‫بدل من “القتد”‪،‬‬ ‫بدل من “ال َتقدة”‪ ،‬و”الخيار” ً‬ ‫ً‬ ‫المفردات بطرق أخرى؛ كاالشتقاق‪ ،‬والنحت‪،‬‬
‫بدل من “الحدج”‪ ...‬فهذه الكلمات‬ ‫و”الباذنجان” ً‬ ‫والبدال‪ ،‬إىل جانب ما ف ي� بطون المعاجم وإن‬ ‫إ‬
‫الصيلة ليس لها استخدام اليوم �ف‬ ‫العربية أ‬ ‫حوشيا‪.‬‬ ‫كان ً‬
‫مهمل أو‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫العربية المعارصة‪ ،‬فهي كلمات مماتة أو مهجورة‬ ‫أ‬
‫وثانيها َمن ذهبوا إىل وجوب تعريب اللفاظ‬
‫المق�ضة‪.‬‬ ‫حل محلها هذه الكلمات المعربة أو ت‬ ‫َّ‬ ‫العجمية كيفما اتفق‪ ،‬ثم استعمالها من يغ�‬ ‫أ‬
‫َّ‬
‫وإذا كانت اللغة تجدد تراثها اللفظي ي ز‬ ‫ال� وضعها علماء اللغة‬ ‫ت‬ ‫ين‬
‫ف�داد‬ ‫لقوان� التعريب ي‬ ‫مراعاة‬
‫مخزونها اللغوي‪ ،‬فإنها ف ي� الوقت نفسه تواجه‬ ‫ث‬
‫القدماء ودون أي قيد أو ش�ط‪ ،‬بسبب ك�ة ما‬
‫فقدا لبعض مفرداتها‪ ،‬وهي ظاهرة ال‬ ‫للالت‬ ‫تزودنا به الحضارة الغربية من أسماء كث�ة آ‬
‫نقصانًا أو ً‬ ‫ي‬
‫نسبية تتفاوت‬ ‫وغ� ذلك‪.‬‬ ‫ت‬
‫والمخ�عات‪ ،‬ي‬
‫تخلو منها لغة من اللغات‪ ،‬وهي ّ‬
‫من لغة إىل أخرى‪ ،‬ومن عرص آلخر‪ ،‬وهذه‬ ‫أما ثالثها فهم الذين أجازوا االستعانة بالتعريب‬
‫التعب� عنها بمصطلحات مختلفة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الظاهرة ّتم‬ ‫واالق�اض لسد حاجة العربية إىل المفردات‪،‬‬ ‫ت‬
‫ع� عنها لغويونا القدامى بالمصطلحات‬ ‫فقد ب َّ‬ ‫أصل من أصول‬ ‫المعرب ً‬
‫َّ‬ ‫شب�ط أال يعد هذا‬
‫و”الم�وك” و”المجهول” و”لغة‬ ‫ت‬ ‫التية‪“ :‬المنكر”‬ ‫آ‬ ‫اللغة‪ .‬فإذا كان قد دخل ف ي� اللغة العربية بعض‬
‫وع� عنها اللغويون‬ ‫مرغوب عنها” و”الممات” ب َّ‬ ‫وغ�ها‪ ،‬فقد‬ ‫ألفاظ أعجمية كالفارسية والرومية ي‬
‫المعارصون بمصطلح “انقراض الكلمات”‬ ‫َّنبه أسالفنا العرب عليها‪ ،‬وهذه دعوة رصيحة‬
‫عربها أسالفنا‬ ‫ت‬
‫و”المهجور” (‪.)Obsolète‬‬ ‫ال� َّ‬
‫إىل الوقوف عند حد الكلمات ي‬
‫صلية حسب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫بمع� أنها ألفاظ سماعية‬ ‫العرب‪ ،‬ونبهوا عليها‪ ،‬ن‬
‫وال يقترص موت اللغة عىل اللغة ال ّ‬ ‫َّ‬
‫المق�ضة‬ ‫ت‬ ‫المعربة أو‬ ‫اللفاظ‬ ‫وإنما قد ينال أ‬ ‫نحفظها وال نقيس عليها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كب� من‬ ‫الموت واالندثار‪ ،‬ولذلك بقي قسم ي‬ ‫ث‬
‫االق�اض اللغوي يؤدي إىل زيادة ال�وة‬ ‫وإذا كان ت‬
‫ال� دخلت ف ي� عرص ما قبل‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫اللفظية للغة من اللغات‪ ،‬فإنه ف ي� الوقت نفسه‬
‫المعربة ي‬ ‫َّ‬ ‫اللفاظ‬
‫قص�ة ولم ُتعد مستخدمة ف ي� ما‬ ‫لف�ة ي‬ ‫السالم ت‬ ‫إ‬ ‫سبب من أسباب موت بعض كلمات اللغة‬
‫أن فقهاء ي� قرون متأخرة من الذين‬ ‫ف‬ ‫المق�ضة‬ ‫ت‬ ‫الصلية‪ ،‬فإذا شاعت بعض الكلمات‬ ‫أ‬
‫بعد إىل درجة َّ‬
‫ف‬ ‫بسبب ثك�ة االستعمال فإنه يقل استعمال‬
‫اجتهدوا ي� ش�ح القصائد القديمة وجدوا ً‬
‫غالبا‬
‫اللفاظ‬ ‫معا� وأصل تلك أ‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ح� ينتهي بها‬ ‫مقابلها من كلمات اللغة أ‬
‫الصلية ت‬
‫التعرف عىل ي‬ ‫صعوبة ي� ُّ‬
‫مق�ضة‬ ‫الحا� هناك ألفاظ ت‬ ‫و� الوقت ض‬ ‫ف‬
‫المعربة‪ .‬ي‬ ‫َّ‬ ‫المطاف إىل موتها أو هجرها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ف ي�‬
‫سطحية‪ ،‬فهي ال ترفض وال تهضم ويبقى‬ ‫ّ‬ ‫تبقى‬ ‫“البريق”‬ ‫اللغة العربية‪ :‬استعمال العرب لكلمة إ‬
‫دراسات‬
‫‪87‬‬

‫فمن ذلك ً‬ ‫جن� موجو ًدا مثل أسماء الملبوسات‬ ‫أ‬


‫و”الج ْر َدقَة”‬
‫َ‬ ‫وص”‬ ‫“الب ِ ي‬ ‫مثل ألفاظ‪ُ :‬‬ ‫طابعها ال ب ي‬
‫ُومس”‬ ‫وزج” و”الق َ‬ ‫و”الم َ‬ ‫و”الس َج ْن ِجيل” ُ‬ ‫و”الق�وان” َ‬ ‫ي‬ ‫والحل وكلمات الموضة‪ ،‬فمثل هذه الكلمات‬ ‫ي‬
‫فغابت هذه المفردات لضعفها عن منافسة‬ ‫تدخل بخجل وتختفي مع اختفاء الموضة‪.‬‬
‫نظائرها العربية وهي السفينة والرغيف والجماعة‬ ‫فاللغة إذن تُقرض وتَ تق�ض وتلك عالمات‬
‫من الخيل والمرآة والخ َلف أ‬ ‫حكما‬ ‫حياتها‪ ،‬فاللفظ ت‬
‫وال يم�‪.‬‬ ‫َ‬ ‫المق�ض ال ينتظر تقني ًنا أو ً‬
‫االق�اض اللغوي من اللغات‬ ‫أن ت‬ ‫مما ال شك فيه َّ‬ ‫ّ‬ ‫مسبقًا ليدخل اللغة‪ ،‬بل تفرضه الحاجة ويدعمه‬
‫الكث�‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫االستعمال ويستجيب لحاجة المحل‪ ،‬فإذا كان‬
‫الخرى إىل اللغة العربية ساهم ي� تكوين ي‬
‫من المصطلحات وتنميتها ف ي� العديد من صنوف‬ ‫المق�ض يندرج ف ي�‬ ‫ت‬ ‫فإن اللفظ‬‫شاغرا َّ‬ ‫ً‬ ‫المحل‬
‫اللفاظ عمل يقوم به أ‬ ‫فاق�اض أ‬ ‫العلم‪ ،‬ت‬ ‫كب�ة‪ ،‬وهذا شأن المصطلح‬
‫الفراد‬ ‫اللغة دون عراقيل ي‬
‫و� العصور الحديثة‬ ‫ف‬ ‫الوىل‪ ،‬ل َّن المفهوم الجديد‬ ‫أ‬ ‫العلمي بالدرجة أ‬
‫كما تقوم به الجماعات‪ ،‬ي‬
‫أيضا الهيئات العلمية كالمجامع‬ ‫قد تقوم به ً‬ ‫االخ�اع الجديد أو الدواء الجديد يجد‬ ‫ت‬ ‫أو‬
‫لالق�اض اللغوي‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫المستقبلة بيرس‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫موضعه ي� اللغة‬ ‫ف‬
‫اللغوية وأمثالها‪ ،‬كما َّ‬ ‫ِ‬
‫دوافع وأسباب متعددة منها ما يكون فرديًّا ثم ما‬ ‫عامرا بلفظ أصيل يتعايش‬ ‫شاغرا وكان ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫المحل‬
‫ومما يجب التأكيد عليه‬ ‫اللفظان الصيل والدخيل‪ ،‬ويكون االستعمال‬ ‫أ‬
‫جماعيا‪ّ .‬‬‫ًّ‬ ‫يلبث أن يصبح‬
‫أن ت‬ ‫يقرر لمن يُكتب البقاء‬
‫االق�اض اللغوي أ ّدى إىل دخول المئات‬ ‫هو َّ‬ ‫هو الحكم وهو الذي ِّ‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫“الم ْس َحاة” ولفظ “بال” فاالستعمال غلب‬
‫وربَّما الالف من الكلمات الجنبية إىل اللغة‬ ‫كلفظ ِ‬
‫علمية‬ ‫اللفاظ ي ن‬ ‫العربية‪ ،‬حيث تنوعت تلك أ‬ ‫“بال” عىل لفظ “مسحاة” لخفَّته‪ ،‬قال الجاحظ‪:‬‬
‫ب� ّ‬ ‫َّ‬
‫وغ�ها من العلوم التطبيقية‬ ‫تتعلق بالتقنية ي‬ ‫“وكذلك أهل الكوفة فإنهم يسمون المسحاة‪:‬‬
‫الخرى كالكومبيوتر‪ ،‬التلفزيون‪ ،‬الموبايل‪،‬‬ ‫أ‬ ‫بال‪ ،‬وبال بالفارسية”‪.‬‬
‫وغ�ها‪...‬‬ ‫ال تن�نيت‪ ،‬الويب‪ ،‬التليفون‪ ،‬ي‬ ‫الديسك‪ ،‬إ‬ ‫بالضافة إىل موت‬ ‫االق�اض كذلك‪ ،‬إ‬ ‫ومن سلبيات ت‬
‫ّ‬
‫ين‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫أ‬
‫نسانية مثل‬ ‫ال ّ‬ ‫وب� ألفاظ ترتبط بالعلوم إ‬ ‫التعب�يّة للجذر ب ي‬ ‫ي‬ ‫اللفاظ‪ ،‬ضياع القيمة‬
‫كلمات الديمقراطية‪ ،‬الكونفدرالية‪ ،‬الفيدرالية‪،‬‬ ‫وتغي� البنية الصوتية العربية بإدخال أصوات‬ ‫ي‬
‫أن هذا الكم‬ ‫الميتاف�يقيا‪ ،‬الفولكلور‪ ...‬وال شك َّ‬ ‫يز‬ ‫العربية‪ ،‬وغموض‬‫ّ‬ ‫المعجمية‬
‫ّ‬ ‫غريبة عنها‪ ،‬وإرباك‬
‫المق�ضة يساهم ف ي� تنمية‬ ‫الكب� من المفردات ت‬ ‫ي‬ ‫المق�ض ف ي� معاجمنا‪ ،‬وصعوبة ضبط‬ ‫تَ‬ ‫ن‬
‫مع�‬
‫المصطلحات وزيادة كلمات اللغة‪ ،‬ولكنها تبقى‬ ‫المع َّرب‪ ،‬وخرق القواعد الرصفية العربية‪،‬‬ ‫اللفظ َ‬
‫تعا� أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫المة‬ ‫ألفا ًظا دخيلة تحتاج للتعريب ح� ال ي‬ ‫وتضييع خصائص اللغة العربية‪.‬‬
‫وح� ال يكون‬ ‫من التغريب ف� لغتها وثقافتها‪ ،‬ت‬ ‫أن االستعمال غ ّلب‬ ‫الشارة إىل َّ‬ ‫هذا وتجدر إ‬
‫ي‬
‫غر�‬ ‫ت‬
‫عر� وباطننا ب ي‬ ‫ظاهرنا ب ي‬ ‫وضعف المق�ض عن منافسته‪،‬‬ ‫العر� ّ‬ ‫المرادف ب ي‬
‫دراسات‬
‫‪88‬‬

‫عشوائيا‬
‫ًّ‬ ‫العربية الفصحى كان‬
‫ّ‬ ‫جم ِع‬
‫منهج ْ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫العربي كان في‬ ‫النحو‬
‫ْ‬ ‫ومنهج َو ْ‬
‫ض ِع‬ ‫ُ‬
‫اعتباطيا‬
‫ًّ‬ ‫بعض مسائله‬
‫القيسي‪ /‬األردن‬
‫ْ‬ ‫عو ُ‬
‫دة الله منيع‬ ‫د‪ْ .‬‬

‫العاجم بالعرب‪ ،‬ر ْأوا أن يجمعوا الفصحى‬ ‫أ‬ ‫سنتناول هذا الموضوع بالدراسة ي ف� ثالثة‬
‫ولكن الجمع لم يكن‬ ‫َّ‬ ‫من البادية‪ ،‬لفصاحتها‪.‬‬ ‫عناوين‪ ،‬هي‪:‬‬
‫عشوائيا؛ إ ْذ لم يقم عىل خطة‬ ‫ًّ‬ ‫منهجيا‪ ،‬وإنَّما كان‬
‫ًّ‬
‫مدروسة‪ ،‬فكان المتطوعون (الذي لم تدعمهم‬ ‫عشوائيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫جمع اللغة كان‬
‫‪ -‬منهج ْ‬
‫ونظرا‬
‫ً‬ ‫الحكومات) يذهبون فرادى إىل البادية‪،‬‬ ‫اعتباطيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫‪ -‬منهج َو ْضع ِبعض مسائل نحوها كان‬
‫لظروف البادية القاسية لم يجـمع من اللغة �ف‬ ‫تحليلية‪ ،‬بسبب انتظامها‬ ‫الجمل ف� لغتنا ث‬
‫أك�ها‬
‫ي‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ُ -‬ي‬
‫ظل‬ ‫ق‬
‫والبا� ّ‬ ‫أك� من ‪،90%‬‬ ‫زمن الخليل وسيب َويْه ث‬ ‫أ‬
‫وصفية‪ ،‬ل َّن الوصفي لم‬ ‫بحركات إعراب‪ ،‬وأقلها‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫متفرقًا ف ي� لهجات القبائل إىل اليوم ‪.‬‬ ‫أ‬
‫محرك الواخر‪،‬‬‫ينتظم بحركات إعراب‪ ،‬وإن كان ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫والنحوي� ر ْأوا بانتشار الخواطر‪،‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬


‫اللغوي�‬ ‫وإن‬
‫َّ‬ ‫ا ّطرا ًدا للنسق‪ ،‬ولكن ال تقوم عىل حركات إعراب‪.‬‬
‫أن يجمعوا اللغة من سبع‬ ‫عي‪ْ ،‬‬
‫الجم ّ‬
‫ال باالتفاق ْ‬ ‫وهذه الموضوعات الثالثة متداخلة‪ ..‬ال تُفهم‬
‫قبائل ألنَّها أفصح القبائل العربية ي� شمال‬
‫ف‬ ‫معا‪.‬‬ ‫فلسفة النحو دون عرضها ً‬
‫الجزيرة العربية‪ .‬فكان منهجهم هذا يالمسه‬
‫ورؤي ُتهم ال تحقق الصواب‪ .‬إذ جمعوا‬ ‫الخطأ‪ُ ،‬‬ ‫العربي ِة الفصحى‬
‫ّ‬ ‫جمع‬
‫ِ‬ ‫منهج‬
‫ُ‬
‫َكل ما وصلت إليه أيديهم من لغة هذه القبائل‬ ‫عشوائيا‬
‫ًّ‬ ‫كان‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫كامية هي ي‬ ‫السبع‪ ،‬وجعلوا هذه الحصيلة الر ّ‬ ‫عندما شعر أصحاب الموهبة ف ي� الفصاحة‪،‬‬
‫ي نب� عليها نحو اللغة ورصفها‪ ..‬وهذا مفصل �ف‬ ‫أن المجتمعات‬ ‫أ‬
‫َّ ي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫قـُبـيل نهاية القرن الهجري الول‪َّ ،‬‬
‫كت� ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أحد ب ي‬ ‫المدنية دخل لغتها بعض ال َّلحن‪ ،‬الختالط‬ ‫ّ‬
‫دراسات‬
‫‪89‬‬

‫قليلة ف ي� اللغات ك ّلها ما عدا العربية‪ ،‬ألنها ‪-‬ما‬ ‫حو‬ ‫وضع َّ‬
‫الن ْ‬ ‫واالعتباطية في ْ‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫التكلف‬
‫عدا العربية‪ -‬ال تقوم أواخر الكلمات فيها عىل‬ ‫وضع النحو‪ ،‬فكان‬ ‫العشوا� جاء ْ‬ ‫ئ‬ ‫ومن هذا الجمع‬
‫ي‬
‫جراء ذلك االنحراف ي� تف ُّهم بعض ظواهر‬ ‫ف‬
‫أن اللغات‬ ‫حركات إعراب‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬وهو َّ‬ ‫من ّ‬
‫الوصفية ما عدا العربية‬ ‫تك� فيها الجمل‬‫كلها ث‬ ‫العربية‪ ،‬الذي أ ّدى إىل انحراف بعض حركات‬
‫ّ‬
‫تقل فيها الجمل الوصفية‪ ،‬أل َّن العربية‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫القائم� عىل جمع اللغة ووضع‬ ‫ين‬ ‫العراب‪ ،‬أل َّن‬ ‫إ‬
‫ف� معظمها لغةٌ معربةٌ ‪ .‬أ‬
‫ولنَّنا أُ ّمةٌ تعيش عىل‬ ‫التحليلية‪ ،‬والجمل‬ ‫ب� الجمل‬ ‫نحوها لم يُفرقوا ي ن‬
‫َُْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫التقليد‪ ،‬فالنحاة العرب المعارصون بعضهم‬ ‫الوصفية‪ .‬فالنوع الول من الجمل له حركات‬ ‫أ‬
‫ّ‬
‫فاعت� العربية وصفية‪ ،‬وبعضهم‬ ‫“سوس�” ب‬‫ي‬ ‫تبع‬ ‫إعراب‪ ،‬ألنه يقوم عىل “عوامل”‪ّ ،‬أما النوع الثا�ن‬
‫ي‬
‫فاعت� العربية تحليلية‪ ..‬وكال‬‫ب‬ ‫“تشومسك”‬
‫ي‬ ‫تبع‬ ‫فهو ال يقوم عىل حركات إعراب‪ ،‬وإنَّما حركاتُه‬
‫أ‬ ‫يْ ن‬
‫الفريق� ق ّلد فأخطأ‪ ،‬ل َّن العربية كما وصفناها‬ ‫جاءت ا ّطرا ًدا للنسق العام ألنه ليس لمثل هذا‬
‫آنفًا‪...‬‬ ‫النوع “عوامل”؛ ومن ذلك ‪-‬عىل سبيل المثال‪-‬‬
‫ال ُ ْس َد الحيا ُء من الطوى)‬ ‫قول المتن�‪( :‬فما ينفع أ‬
‫ُ‬ ‫بي‬
‫الفروق بين اللهجات‬ ‫مثل‪ :‬الفعل‬ ‫كان له إعراب ل َّن ل�كيبه عوامل‪ً -‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ب� قبيلة وأخرى‪،‬‬ ‫وتجاوبًا مع الظروف المتباينة ي ن‬ ‫ف‬
‫المضارع “ينفع “ أ ّدى إىل الفاعلية ي�”الحيا ُء”‬
‫ُ‬
‫ب� لهجة وأخرى ي ن‬
‫ب�‬ ‫بعض الكلمات ي ن‬ ‫اختلفت ُ‬ ‫فاعل‪ ،‬وهو عمل‬ ‫المتأخر ف ي� اللفظ‪ ،‬والحيا ُء‪ٌ ..‬‬
‫ألفاظ مأنوسة‪ ،‬وألفاظ غريبة‪ ،‬ورافق ذلك أن‬ ‫ال�تيب‬ ‫سد” وهو متقدم ف� ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫المفعولية ي� “ال َ‬
‫لهج ٌّي يختلف من قبيلة ألخرى ف ي�‬ ‫تحوير‪ِ -‬‬ ‫ٌ‬ ‫نشأ‬ ‫د�‬ ‫ن‬
‫الله‪ ،‬أن يُ ي‬ ‫أعظم َ‬ ‫َ‬ ‫اللفظي‪ّ .‬أما إذا قلت‪( :‬ما‬
‫قليل من حركات أواخر الكلمات‪ ..‬وكان اختالف‬ ‫ول)‪،‬‬ ‫دار ُه ُص ُ‬ ‫ممن ُ‬ ‫زن ّ‬ ‫الح ُ‬‫شحط‪ /‬من دار ُه َ‬ ‫ٍ‬ ‫عىل‬
‫جدا؛ أل َّن اللغة‬
‫خط� ًّ‬‫ابية هذه ي ٌ‬ ‫العر ّ‬ ‫الحركات إ‬ ‫الله) ليس لحركاتها إعراب عىل‬ ‫أعظم َ‬ ‫َ‬ ‫فإن (ما‬‫َّ‬
‫ال� يُراد لها الديمومة يجب أن يكون‬ ‫ت‬ ‫التحقيق‪ ،‬وإنَّما تك ّلف لها النحا ُة إعرابًا مع أنها‬
‫الواحدة ي‬
‫واحد‪ .‬ولذا‪ ،‬لم يك ُْن اللغويون‬ ‫ال تقوم عىل عوامل‪ ،‬خالفًا للجملة أ‬
‫نحوي ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫نظام‬
‫لها ٌ‬ ‫الوىل‪،‬‬
‫مقيدين بكل ما قام بهذه اللهجات‪،‬‬ ‫والنحويون ّ‬ ‫ب� الجمل التحليلية والجمل‬ ‫ألنهم لم يُفرقوا ي ن‬
‫ِّ‬
‫مما ي�ض ُّ بقيام لغة واحدة ذات نظام واحد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن هذا التفريق جاء به عالمان‬ ‫ّ‬ ‫الوصفية‪.‬‬
‫سوس�” الذي‬ ‫ي‬ ‫معارصان من الغرب‪ ،‬هما‪“ :‬دي‬
‫مدروسا ومتبص ًرا‬
‫ً‬ ‫الجم ُع‬
‫ْ‬ ‫لو كان‬ ‫تشومسك”‬‫ي‬ ‫بأن اللغات وصفيةٌ ‪ ،‬و”نعيم‬ ‫قرر َّ‬
‫ومتبرصا الختلفت‬
‫ً‬ ‫مدروسا‬
‫ً‬ ‫ولو كان الجمع‬ ‫كليهما لم‬ ‫ولكن ْ‬ ‫تحليلية‪َّ ..‬‬‫ّ‬ ‫بأن اللغات‬ ‫قرر َّ‬ ‫الذي َّ‬
‫رص َد ما هو‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫النتيجة‪ ،‬ل َّن الجمع المدروس يوجب ْ‬ ‫صب كامل الحقيقة‪ ،‬ل َّن اللغات كلها فيها جمل‬ ‫يُ ْ‬
‫متو ّعر‪ ،‬وما اختلفت حركة آخره عن لهجة قريش‪،‬‬ ‫أن الجمل التحليلية‬ ‫تحليلية وجمل وصفية‪ ..‬يْ َيد َّ‬
‫دراسات‬
‫‪90‬‬

‫ف ي� أثوابها الق ُُش ِب‪ .‬ولذلك‪ ،‬كان واجب النحاة‬ ‫أو عن نسق القرآن الكريم‪ ..‬لرصده للدراسة‬
‫أن يطرحوا ّكل حركات إعراب ّ‬ ‫تب� ما طرأ عىل ّكل قبيلة من‬ ‫ال� ي ّ ن‬ ‫ت‬
‫أي قبيلة تخالف‬ ‫االجتماعية ي‬
‫حركات إعراب قريش‪ ،‬أو حركات إعراب القرآن‪...‬‬ ‫وكل‬‫واجتماعي‪ُّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وفكري‬
‫ّ‬ ‫نفس‬
‫اعتدال أو انحراف ي ّ‬
‫وبهذا يُلغى إعراب نب� تميم‪ ،‬ي ن‬ ‫ال� يُف�ض أن تكون ذات‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ب� تميم‬ ‫وغ� ي‬ ‫ي‬ ‫ذلك ال عالقة له باللغة ي‬
‫ت‬
‫مما يخالف ا ّطراد الحركة عىل ال�كيب الواحد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فكل لغة عظيمة ال‬ ‫وي واحد‪ّ ،‬‬ ‫ونح ّ‬‫غوي ْ‬ ‫نظام ُل ّ‬
‫ٍ‬
‫ذات نظام واحد‪ ،‬فيسهل‬ ‫وبذلك تكون اللغة َ‬ ‫ولغوي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وي‬
‫نح ّ‬
‫واحد؛ ْ‬‫نظام ٍ‬ ‫بُ ّد من أن تكون ذات ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫تع ُّل ُمها ْ‬
‫نح ًوا ورصفًا وكلمات ‪.‬‬ ‫يتكاثر‪ ،‬ولكن ال يتعارض‪...‬‬
‫جم ِع اللغة خ ّلفت اضطرابًا‬ ‫عشوائية ْ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫بَ ْي َد َّ‬
‫النحو‪ ،‬إىل جانب االضطراب الذي جاء‬ ‫ف‬
‫النتيــجــة‬ ‫كب�ا ي� ْ‬‫يً‬
‫ال� جمع اللغويون والنحويون‬ ‫ُ ت‬ ‫من عدم تف ُّهمهم للفرق ي ن‬
‫السبع ي‬ ‫اللهجات‬ ‫ب� الجمل التحليلية‪،‬‬
‫قدسية‪ ،‬ولذا‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ذات‬
‫منها اللغة الفصحى ليست َ‬ ‫والجمل الوصفية!! هذا االضطراب جعل النحاة‬
‫نظاما لغويًّا ونحويًّا‬
‫كون ً‬ ‫ال يؤخذ منها إال ما يُ ّ‬ ‫ذهنية ال‬
‫ّ‬ ‫يلجأون إىل تعليالت هي بت�يرات‬
‫واحدا‪ ،‬يُعطي اللغةَ فرصةَ الخلود‪ ،‬ويُس ّهل عىل‬ ‫ً‬ ‫متظرف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫شاعر‬
‫قول ٍ‬ ‫عقالنية‪ ،‬يصدق عليها ُ‬
‫أ‬
‫والتعب� عن المشاعر والفكار‬ ‫الناس التخاطب‬
‫ي‬
‫بها‪ ،‬ويس ِّهل عليهم تف ُّهم القرآن الكريم بها‪.‬‬ ‫فـاتن‬
‫فاتـر ٍ‬
‫بطـرف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ترنـو‬
‫وهذا يدعونا إىل توصية تقوم عىل تكوين فريق‬ ‫وي‬
‫نح ٍّ‬
‫أضعف من ُح ّج ِة ْ‬
‫َ‬
‫من جميع البالد العربية مقتنع بهذه الرؤية‪،‬‬
‫عيد للغة الفصحى‬ ‫ويأخذ بهذا المنهج؛ ليـ ُ َ‬ ‫ل على اضطراب علل ال ّنحاة‬ ‫َ‬
‫مث ٌ‬
‫صفاءها ونقاءها واتِّساقها عىل نظام واحد‪ ،‬ال‬ ‫الطيب إال المسكَ )‪،‬‬
‫ُ‬ ‫القرشيون يقولون‪( :‬ليس‬
‫خلل فيه‬ ‫يضمون آخر “الطيب” باعتبارها اسم ليس‬ ‫ّ‬
‫مرفو ًعا‪ ،‬ويفتحون آخر “المسك” باعتبار الكلمة‬
‫خ� ليس منصوبًا‪ّ ..‬أما بنو تميم يف�فعون‬ ‫ب‬
‫آخرالطيب‪ ،‬وآخر المسك!! ولم يُدركْ اللغويون‬
‫أن هذا انحراف ف ي� لهجة تميم أ َّدت‬
‫والنحويون ّ‬
‫الهوامش‪:‬‬ ‫الموحدة ُملْزمةً بقبول‬
‫ّ‬ ‫إليه ظروف‪ ..‬وليست اللغة‬
‫كتا� “رؤى نحوية ورصفية‬‫(‪ )1‬و(‪ )2‬انظر ب ي‬ ‫هذا االنحراف‪ ..‬أل َّن أُ َّم اللهجات السبع هي‬
‫أ‬
‫تجديدية”‪ ،‬ج‪.20-52 /2‬‬ ‫لهجةُ قريش‪ ،‬ل َّن مكّةَ المكرمة كانت مركز ّ‬
‫الحج‬
‫(‪ )3‬انظر الكتاب نفسه‪ ،‬ج‪.133 105- /3‬‬ ‫الشعار‪ ،‬وفيها تبدو الفصحى‬ ‫والتجارة‪ ،‬وتناشد أ‬
‫فنون‬
‫‪91‬‬

‫تكييف الرواية للمسرح‬


‫عواد علي‪ /‬العراق‬

‫بتعب� “جوليا كرستيفا”‪ ،‬وقد جرى تحويله‬ ‫ي‬ ‫غالبا ما يَستخدم الك ّتاب العرب مصطلح‬ ‫ً‬
‫من فضائه الرسدي إىل فضاء حواري درامي‪،‬‬ ‫نجل�ي‬ ‫ز‬ ‫ال ي‬ ‫إ‬ ‫مقابل للمصطلح‬ ‫ً‬ ‫“العداد”‬
‫إ‬
‫ئ‬ ‫أن ترجمته إىل‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫حرك أو راقص‪ ،‬بع� اشتغال‬ ‫إيما� أو ي‬ ‫أو ربما ي‬ ‫ح� أرى َّ‬ ‫(‪ ،)Adaptation‬ي� ي‬
‫ش‬
‫المبا�‬ ‫دراماتورجي‪ ،‬يقوم عىل الفعل آ‬
‫ال ن ي�‬ ‫ث‬
‫بمع� المواءمة‪ ،‬أك� دقةً ‪ ،‬وهو‬ ‫ن‬ ‫“التكييف”‪،‬‬
‫للشخصيات دون وسيط أو سارد‪ ،‬ويحيا حيا ًة‬ ‫مع�‪،‬ن‬ ‫شكل من أشكال الكتابة ال يقترص عىل فن ي َّ‬
‫“ج�ار جينيت”‪.‬‬ ‫والداب‪،‬‬ ‫مع�‪ ،‬بل يطال كل الفنون آ‬ ‫أو أدب ي َّ ن‬
‫بتعب� ي‬ ‫أخرى‪ ،‬ي‬
‫“العداد” يُستخدم أحيانًا مصطلح‬ ‫إىل جانب إ‬ ‫وقد شاع ف ي� العرص الحديث مع تداخل الفنون‪،‬‬
‫مثل‪“ :‬المرسحية مقتبسة من‬ ‫فيقال ً‬ ‫الدبية والفنية‪ ،‬ومع‬ ‫الجناس أ‬ ‫ب� أ‬ ‫وزوال الحدود ي ن‬
‫“االقتباس”‪ُ ،‬‬
‫الرواية الفالنية”‪ ،‬وهو استخدام قارص ال يع�ن‬ ‫ال� أتاحتها التكنولوجيا‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫المكانات الفنية ي‬ ‫تطور إ‬
‫تحويل الرواية من نص رسدي إىل نص مرسحي‪،‬‬ ‫الحديثة‪ّ .‬أما تاريخ ظهور “التكييف” فإنه قديم‬
‫أن الفكرة الرئيسة للنص المرسحي‬ ‫بل قد يُراد به َّ‬ ‫البداع‪ ،‬كما يتم ّثل ف ي� تكييف ك ّتاب المرسح‬ ‫قدم إ‬
‫أيضا مصطلح‬ ‫مأخوذة عن الرواية الفالنية‪ .‬وثمة ً‬ ‫هوم�وس إىل مرسحيات‪ ،‬عىل‬ ‫الغريقي مالحم ي‬ ‫إ‬
‫“مرس َحة الرواية”‪ ،‬ويُقصد به تكييف الرواية‬ ‫َ‬ ‫عد‬
‫مؤخرا‪ .‬ويُ ّ‬ ‫ً‬ ‫التعب� لم يظهر إال ّ‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫الرغم من َّ‬
‫للمرسح‪ .‬لكن مصطلح “المرس َحة” ما يزال ح�ت‬ ‫روا� إعادة‬ ‫ئ‬
‫َ‬ ‫المكيف عن نص ي‬ ‫ّ‬ ‫النص المرسحي‬
‫عصيا عىل التعريف‪ ،‬كما‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫إنتاج‪ ،‬بحسب نظرية التناص‪ ،‬ل َّن الول قالب‬
‫التباسا‪ ،‬أو ًّ‬
‫ً‬ ‫يث�‬
‫اليوم ي‬
‫ف‬ ‫الثا� السابق عليه أو المعارص له‪،‬‬ ‫ن‬
‫يقول “باتريس بافيس” ي� قاموسه المرسحي‪،‬‬ ‫آخر للنص ي‬
‫ن‬
‫الثا�‪،‬‬ ‫أو إنه امتصاص وتحويل ش‬
‫يتحمل توصيفات متعدد ًة من خالل أشكال‬ ‫فهو ّ‬ ‫وت�ب للنص ي‬ ‫ُّ‬
‫فنون‬
‫‪92‬‬

‫وهواجس إنسانية‪ ،‬فردية وجمعية‪ ،‬شديدة‬ ‫تمظهره ف ي� العروض المرسحية اليوم‪.‬‬


‫االلتصاق بالواقع والحياة‪ .‬لكن عىل الرغم من‬ ‫والبحاث‬ ‫انطالقًا من ذلك‪ ،‬نعتقد بأن المقاالت أ‬
‫َّ‬
‫ال� ركّزت عىل تجارب تكيييف الرواية‬ ‫ت‬
‫كب�ة عىل‬
‫فإن عملية التكييف ذات خطورة ي‬ ‫ذلك َّ‬ ‫والدراسات ي‬
‫الروا� إذا تصدى لها أشخاص طارئون‬‫ي‬
‫ئ‬ ‫الفن‬ ‫“مرس َحة”‪ ،‬ف ي�‬ ‫َ‬ ‫إىل نص مرسحي‪ ،‬بوصفها عملية‬
‫يفتقرون إىل الموهبة أو الكفاءة المرسحية‬ ‫العر� لم تأخذ بنظر االعتبار إشكالية‬ ‫المرسح ب ي‬
‫ت‬
‫ال�‬
‫يشوهون الروايات ي‬‫ّ‬ ‫العالية‪ ،‬ألنهم قد‬ ‫“المرس َحة”‪ ،‬وال تأكيد “ماري إلياس” عىل‬ ‫َ‬ ‫مفهوم‬
‫إن هذه العملية‬
‫يكيفونها‪ ،‬ومن ثم يمكن القول َّ‬
‫ّ‬ ‫“المرس َحة” بما هو مشهدي وال عالقة لها‬ ‫َ‬ ‫ارتباط‬
‫سالح ذو حدين‪.‬‬ ‫بالنص‪.‬‬
‫أ‬
‫إن التكييف الناجح والماهر لي رواية إىل نص‬
‫عالمية‬
‫ّ‬ ‫تجارب‬ ‫مرسحي ينبغي‪ ،‬بحسب اعتقادنا‪ ،‬أن يشعرنا‬
‫وال� ق� ف� القرن ض‬ ‫ال ي ن‬ ‫ين‬ ‫بانقطاع حبل الرسة ي ن‬
‫الما�‬
‫ي‬ ‫الغر� ش ي ي‬ ‫عرف المرسح ب ي‬ ‫بداعي�‪،‬‬ ‫الخطاب� إ‬ ‫ب�‬
‫الكث� من تجارب تكييف الروايات إىل‬ ‫والحا� ي‬ ‫ض‬ ‫الف�‪ ،‬فال نعود نقرأ النص‪،‬‬ ‫ن‬
‫عىل مستوى البناء ي‬
‫الشارة إىل نماذج منها‪،‬‬ ‫نصوص مرسحية‪ ،‬وتمكن إ‬ ‫خر ًجا عىل الخشبة‪ ،‬وذهننا منرصف‬ ‫أو نشاهده ُم َ‬
‫نس “جاك كوبو” رواية‬ ‫ً‬ ‫أ‬
‫تمثيل‪ :‬تكييف المخرج الفر ي‬ ‫إىل الرواية‪ ،‬إن ك ّنا قد قرأناها‪ ،‬ل َّن ذلك يفسد‬
‫الشه�ة “الخوة كارامازوف”‪،‬‬ ‫أ‬ ‫“ديستويفسك”‬ ‫جمالية التلقي‪ .‬لكن ف ي� حال القراءة النقدية للنص‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫فيت�” رواية‬ ‫ز‬ ‫نس “أنطوان ي‬ ‫تكييف المخرج الفر ي‬ ‫أو العرض ال ّبد من إجراء مقارنة‪ ،‬عىل الصعيدين‬
‫“أجراس بال” لـ”أراغون” إىل مرسحية بعنوان‬ ‫والمكيف‬ ‫المكيف‬ ‫ين‬ ‫البنا� والدالل‪ ،‬ي ن‬ ‫ئ‬
‫َّ‬ ‫الخطاب�‪َّ ،‬‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الصي� “جياو جوين”‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫“كاترين”‪ ،‬تكييف المخرج‬ ‫عنه‪ ،‬أو مرجعيته‪ ،‬أو البحث ف ي� العالقة الحوارية‬
‫“العماق السفىل” إىل نص مرسحي‬ ‫رواية غورك أ‬ ‫بتعب�‬ ‫الناشئة ي ن‬
‫ي‬ ‫والنص السابق‪ ،‬ي‬ ‫النص الالحق ّ‬ ‫ب� ّ‬
‫أ‬
‫بعنوان “الحانة الليلة”‪ ،‬تكييف الكاتب ال يم� يك‬ ‫“تودوروف”‪.‬‬
‫جي� سوليفان” رواية “جورج أورويل”‬ ‫ن‬
‫“مايكل ي‬ ‫تحتاج عملية التكييف إىل معرفة عميقة بالخشبة‬
‫الشه�ة “‪ ،”1984‬تكييف الكاتب السويدي‬ ‫ي‬ ‫واش�اطاتها‪ ،‬وتكمن أهميتها‪ ،‬لكال‬ ‫وخصائصها ت‬
‫الوبرا” للروا�ئ‬ ‫“أندريو لويد” رواية “شبح أ‬ ‫بداعي�‪ ،‬ف ي� أنها تسهم ف ي� تقريب‬ ‫ال ي ن‬ ‫ين‬
‫ي‬ ‫النوع� إ‬
‫و� الدورة‬ ‫ف‬ ‫إنتاجيا ف ي�‬ ‫ئ‬
‫نس “كاستون يل�” بالعنوان نفسه‪ .‬ي‬ ‫الفر ي‬ ‫ًّ‬ ‫انفجارا‬
‫ً‬ ‫الروا�‪ ،‬الذي يشهد‬ ‫ي‬ ‫الفن‬
‫ال� انعقدت �ف‬ ‫السبع� لمهرجان “أفينيون”‪ ،‬ت‬ ‫ين‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫معنية‪ ،‬أو قليلة‬ ‫العالم‪ ،‬إىل ش�ائح اجتماعية يغ� ّ‬
‫العام (‪ )2016‬ق ُّدمت مجموعة عروض مرسحية‬ ‫عما‬‫فضل ّ‬ ‫ال�ويج له‪ً ،‬‬ ‫دورا ف� ت‬
‫العناية به‪ ،‬وتؤدي ً ي‬
‫شه�ة‪ ،‬مثل عرض‬ ‫مكيفة نصوصها عن روايات ي‬ ‫ّ‬ ‫تشكّله العوالم الروائية من مصدر إثراء للمرسح‪،‬‬
‫بيلوري�”‪،‬‬ ‫ن‬ ‫“الخوة كارامازوف” للمخرج “جان‬ ‫أ‬ ‫بما تنطوي عليه من أحداث وشخصيات ورؤى‬
‫ي‬
‫فنون‬
‫‪93‬‬

‫حاول إسقاطها عىل قضايا سياسية تشغل بال‬ ‫الذي استغرق خمس ساعات ونصف ف ي� محجر‬
‫ين‬
‫الحال� اتسمت جميعها بحرفية‬ ‫مكيفيها‪ .‬لكن ف ي�‬
‫ّ‬ ‫المكيف‬
‫المتم�‪ ،‬وعرض “‪ّ ”2666‬‬ ‫يز‬ ‫بولبون بفضائه‬
‫تشوه أو تتالعب بأصولها‬
‫مرسحية متقنة‪ ،‬ولم ّ‬ ‫الكب�ة‬
‫التشيل “روبرتو بوالنيو” ي‬
‫ي‬ ‫عن رواية للكاتب‬
‫ال� تحمل العنوان نفسه‪.‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫يسء إليها‪.‬‬ ‫بما ي‬ ‫ذات الجزاء الخمسة ي‬
‫لقد حافظ بعض هذه النماذج‪ ،‬كما قرأنا عنها‪،‬‬
‫ال� جرى تكييفها‪ ،‬من ناحية‬ ‫ت‬
‫تجارب عربية‬ ‫عىل جوهر الروايات ي‬
‫المكيفة عن نصوص‬ ‫ّ‬ ‫تشكّل النصوص المرسحية‬ ‫رؤى ك ّتابها وأبعاد شخصياتها وتفاصيل أحداثها‪،‬‬
‫العر�‪ ،‬منذ منتصف القرن‬ ‫ف‬
‫رسدية‪ ،‬ي� المرسح ب ي‬ ‫مخضعينها لمتطلبات المرسح وجمالياته‪ ،‬بينما‬
‫ع� ت آ‬ ‫التاسع ش‬ ‫أجرى بعضها آ‬
‫ح� الن‪ ،‬نسبةً ي‬
‫كب� ًة من تجارب هذا‬ ‫تغي�ات جوهرية عىل‬ ‫ي‬ ‫الخر‬
‫المرسح تكاد تفوق نسبة النصوص المؤلفة تأليفًا‬ ‫اخ�ل أحداثها‬‫عنارصها البنائية والداللية‪ ،‬أو ت ز‬
‫يؤرخ به لبداية‬
‫خالصا‪ .‬بل إن أول نص مرسحي َّ‬
‫ً‬ ‫وشخصياتها‪ ،‬وفقًا لمقاربات درامية تجريبية‪ ،‬أو‬
‫فنون‬
‫‪94‬‬
‫ن‬
‫بن قطاف عن رواية الطاهر و ّطار‪ ،‬وإخراج ي‬
‫زيا�‬ ‫العر�‪ ،‬وهو نص “أبو الحسن المغفل‪،‬‬ ‫المرسح ب ي‬
‫ش�يف عياد (الجزائر ‪“ ،)1986‬المتشائل” تكييف‬ ‫أو هارون الرشيد” (أواخر عام ‪1849‬م) لمارون‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫عبدالعزيز البوزاوي وعبدالهادي توهراش عن‬ ‫مكيف عن حكاية “النائم واليقظان” ي‬ ‫النقّاش ّ‬
‫رواية “الوقائع الغريبة ف ي� اختفاء سعيد ب يأ�‬ ‫ين‬
‫والخمس� بعد‬ ‫ف‬
‫ترويها شهرزاد ي� الليلة الثالثة‬
‫حبي� (المغرب ‪،)1991‬‬ ‫النحس المتشائل” إلميل ب ي‬ ‫كيف هذه الحكاية‬ ‫المئة من ألف ليلة وليلة‪ .‬وقد ّ‬
‫الرخبيل” تكييف محمد الكغاط‬ ‫“وجدتك ف� هذا أ‬ ‫نفسها سعدالله ونوس ف ي� نصه المرسحي “الملك‬
‫ي‬
‫عن رواية تحمل العنوان نفسه لمحمد الرسغي�ن‬ ‫القبا�‬‫ن‬ ‫كيف أبو خليل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫هو الملك”‪ .‬ومثل النقاش ّ‬
‫ف‬
‫ال� ترويها شهرزاد‪ ،‬ي� الليلة الثانية‬ ‫ت‬
‫و”حدث” تكييف وإخراج محمد‬ ‫(المغرب ‪ّ ،)1994‬‬ ‫الحكاية ي‬
‫“حدث أبو هريرة قال” لمحمود‬ ‫إدريس عن رواية ّ‬ ‫والخمس�‪ ،‬عن الجارية “قوت القلوب” ف ي� قرص‬ ‫ين‬
‫المسعدي (تونس ‪‬‬‬‬‬‬‬‬.)1999‬‬ ‫هارون الرشيد إىل نص مرسحي بعنوان “هارون‬
‫ع�ات التجارب‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫اللفية الثالثة ثمة ش‬ ‫و� أ‬ ‫ف‬ ‫ال يم� غانم بن أيوب وقوت القلوب”‪.‬‬ ‫الرشيد مع أ‬
‫ي‬
‫ال�قاوي عن رواية‬ ‫“الحجاب” لكريم لفحل ش‬ ‫ال� ترويها ف ي� الليلة الخامسة‬ ‫ت‬
‫وكذلك الحكاية ي‬
‫بالعنوان نفسه لحسن نجمي (المغرب ‪،)2001‬‬ ‫ربع� إىل نص بعنوان “أنس الجليس مع‬ ‫وال ي ن‬ ‫أ‬
‫الوح�” لفالح شاكر عن رواية بالعنوان‬ ‫ش‬ ‫“العرس‬ ‫هارون الرشيد”‪.‬‬
‫ي‬
‫نس “يان كفلك” وإخراج أحمد‬ ‫ئ‬ ‫ع�ات الك ّتاب‬ ‫ثم حذا حذو هذين الرائدين ش‬
‫للروا� الفر ي‬
‫ي‬ ‫نفسه‬
‫حسن موىس (العراق ‪“ ،)2006‬تصطفل يم�يل‬ ‫فكيفوا أو اقتبسوا مرسحيات‬ ‫المرسحي� العرب‪ّ ،‬‬ ‫ين‬
‫س�يب” لمحمد القاسمي عن رواية بالعنوان‬ ‫ت‬ ‫كث� ًة عن نصوص حكائية أو روائية أو ملحمية‬ ‫ي‬
‫نفسه لرشيد الضعيف‪ ،‬وإخراج نضال أ‬ ‫الغر�‬ ‫العر� أو‬ ‫ت‬
‫س� شعبية من ال�اث‬
‫الشقر‬ ‫بي‬ ‫بي‬ ‫أو ي‬
‫المحول” لعمر فطموش‬ ‫(لبنان ‪“ ،)2005‬النهر‬ ‫ال� ي� ‪ .‬لكن ما يعنينا هنا تجارب تكييف‬ ‫ق‬ ‫أو ش‬
‫ّ‬
‫ميمو�‪ ،‬وإخراج حميدة آيت‬ ‫ن‬ ‫عن رواية رشيد‬ ‫ً‬
‫تمثيل‬ ‫النصوص الروائية فقط‪ ،‬فنذكر منها‪،‬‬
‫ي‬
‫الحاج (الجزائر ‪“ ،)2007‬عائد إىل حيفا” تكييف‬ ‫الما�‪ :‬تكييف مجموعة‬ ‫ي‬
‫ض‬ ‫حرصا‪ ،‬ف ي� القرن‬ ‫ً‬ ‫ال‬
‫كنفا�‬ ‫ن‬ ‫يح� البشتاوي عن رواية غسان‬ ‫ف‬
‫من روايات نجيب محفوظ ي� مرص‪ ،‬مرسحية‬
‫ي‬ ‫وإخراج ي‬
‫(الردن ‪.)2009‬‬ ‫أ‬ ‫والج�ان” تكييف وإخراج قاسم محمد‬ ‫“النخلة‬
‫ي‬
‫نجاحا‬ ‫ق‬
‫للروا� العر يا� غائب‬ ‫ئ‬ ‫عن رواية بالعنوان نفسه‬
‫وإذا كانت بعض هذه التجارب قد حققت ً‬ ‫ي‬
‫فإن بعضها‬ ‫ف‬ ‫طعمة فرمان (العراق ‪“ ،)1968‬القربان” تكييف‬
‫ي� عملية التكييف‪ ،‬احتفى به النقّاد‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫آ‬ ‫ين‬
‫ضئيل من النجاح‪.‬‬ ‫الخر لم يحقق ّإل ً‬
‫قدرا‬ ‫النص� عن رواية بالعنوان نفسه لغائب‬ ‫ي‬ ‫ياس�‬
‫ح� أخفق عدد منها بسبب ضعف عملية‬ ‫ف� ي ن‬ ‫أيضا وإخراج فاروق فياض (العراق‬ ‫طعمة فرمان ً‬
‫ي‬
‫التكييف‬ ‫أ‬
‫‪“ ،)1975‬الشهداء يعودون هذا السبوع” لمحمد‬
‫فنون‬
‫‪95‬‬

‫الصورة السينما‬
‫عدنان مدانات‪ /‬األردن‬

‫الذات للسادة والعامة‪ ،‬سواء بسواء‪ .‬حقَّقت‬ ‫قبل السينما كانت الصورة‪.‬‬
‫الصورة الفوتوغرافية بذلك نموذجها الخاص‬ ‫َل َّب ْت الصورة الفوتوغرافية حاجة قديمة عند‬
‫بتأمل نفسه ال‬ ‫أ‬
‫للديموقراطية‪.‬‬ ‫النسان‪ .‬الحاجة لن يستمتع ُّ‬ ‫إ‬
‫وقتية‬ ‫ت‬ ‫آ‬
‫لمراقبة الصور الفوتوغرافية متعتها الخاصة‪.‬‬ ‫ال� ترسم صورة ّ‬ ‫فقط الن وأمام المرآة‪ ،‬ي‬
‫تمزقت أطرافها‬ ‫ف‬ ‫بالحرى صوره العديدة �ف‬ ‫زائلة‪ ،‬بل صورته أو أ‬
‫صور محفوظة ي� علب من كرتون َّ‬ ‫ي‬
‫من ثك�ة ما أخرجت الصور منها وأعيدت‪ ،‬صور‬ ‫مراحل حياته المختلفة ونشاطاته المختلفة منذ‬
‫منسقة ف ي� ألبومات خاصة‪ ،‬صور مؤ ّطرة مختلفة‬‫ّ‬ ‫الطفولة‪ ،‬صوره المثبتة ف ي� الزمان المتواصل‬
‫الحجام معلقة عىل الجدران‪ ،‬بعضها كلح لونه‬ ‫أ‬ ‫المتغ�‪.‬‬ ‫المتنوع‬ ‫المتحول والمكان‬
‫ي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مع الزمن‪ ،‬صور يحتفظ بها بعضهم ف ي� محفظة‬ ‫الما�‬ ‫ض‬ ‫ف‬
‫متاحا ي�‬
‫ي‬ ‫أمرا ً‬ ‫تلك حاجة لم تكن تلبيتها ً‬
‫يحملونها ف ي� جيوبهم‪.‬‬ ‫أ‬
‫والمراء والسادة الثرياء‪ ...‬الذين كانوا‬ ‫إال للملوك أ‬
‫يتأملوا الصور‬ ‫صار من عادة الناس أن ّ‬ ‫الرسام لساعات وأيام‬ ‫المصور ّ‬‫ّ‬ ‫يقفون أمام‬
‫ف‬
‫بص� ومثابرة ي� انتظار اللمسة‬
‫الفوتوغرافية‪ ،‬صورهم وصور يغ�هم‪ ،‬أقرباء‬ ‫طوال‪ ،‬يقفون ب‬
‫ال� ّثبتت صورة شخصهم النبيل‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫كانوا أم غرباء‪.‬‬ ‫خ�ة للريشة ي‬ ‫ال ي‬
‫بالمكان تعليقها‬ ‫ف‬
‫يتأملوا صورة الرجل المصمود‬
‫يطيب للناس أن ّ‬ ‫وعز جالله‪ ،‬وصار إ‬ ‫ي� كامل أبَّهته ّ‬
‫الكام�ا مصفَّف الشعر مبتسم الوجه‪.‬‬ ‫أمام‬ ‫السالف المجيدين‪.‬‬ ‫عىل الحائط إىل جانب صور أ‬
‫ي‬
‫يتأملوا صورة الفتاة الجميلة ُّ‬
‫تطل‬ ‫يطيب لهم أن ّ‬ ‫عممت الصورة الفوتوغرافية هذا االمتياز‬ ‫َّ‬
‫الطار بكل حيويتها‪ ،‬أو صورة الجدة‬ ‫من داخل إ‬ ‫عىل الجميع‪ ،‬ومنحت فرصة االستمتاع برؤية‬
‫فنون‬
‫‪96‬‬

‫العجوز وقد كانت صبية ف ي� ظفائر مجدولة‪.‬‬


‫يطيب لهم أن يستعرضوا الصور المختلفة ألناس‬
‫ف ي� أوضاع وأمكنة وأزمنة مختلفة‪ ،‬ف ي� مناسبات‬
‫مختلفة‪ ...‬حفلة زفاف‪ ،‬رحلة‪ ،‬دعوة غداء‪...‬‬
‫أناس مختلفون وكلهم سعداء‪ ،‬راضون متفائلون‬
‫ومتفاهمون ف ي� ما بينهم‪ ،‬تفيض المحبة المتبادلة‬
‫من قلوبهم وتشملهم روح الصداقة برعايتها‪.‬‬
‫يطيب ل أحيانًا أن أراقب كيف كانت تُصنع �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الرقمية بعض‬ ‫ّ‬ ‫الكام�ا‬
‫ي‬ ‫الزمن القديم السابق عىل‬
‫تذكارا ي� ما بعد أو داللة‬ ‫ف‬ ‫ال� ستصبح‬ ‫ت‬
‫ً‬ ‫الصور ي‬
‫مثل‪ ،‬أقف ف ي� الشارع‬ ‫عىل الهوية الشخصية‪ً .‬‬
‫الشمس وأتطلع إىل علبته‬ ‫ي‬ ‫قريبا من المصور‬ ‫ً‬
‫ت‬ ‫آ‬ ‫آ‬ ‫ال� أنتجتها‪.‬‬ ‫ت‬
‫ال�‬
‫والخر مستسلم يراقب اللة الخشبية ي‬ ‫الصغ�ة ي‬ ‫ي‬ ‫الخشبية المزينة بالصور‬ ‫ّ‬
‫ستجعل منه إنسانا آخر‪ ،‬ثم يبتسم بمقدار‪،‬‬ ‫رجل يق�ب من بعيد وهو ينوء‬ ‫ت‬ ‫أنتظر إىل أن أرى ً‬
‫ال� يحملها ويتأفف من‬ ‫ت‬
‫كما أشار إليه المصور‪ ،‬قبل أن يأمره بأن يتجمد‬ ‫تحت وطأة الحقيبة ي‬
‫ف‬ ‫يتصبب والغبار‬ ‫ال� تجعل عرقه‬ ‫ت‬
‫متجاهل دقات قلبه‬‫ً‬ ‫تماما‪،‬‬
‫ي� تلك الوضعية ً‬ ‫َّ‬ ‫حرارة الشمس ي‬
‫التنفسية‪.‬‬ ‫يمل شعره ويتسلل إىل مجاريه‬ ‫الذي أ‬
‫المتسارعة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اضيا مطمئ ًنا‪.‬‬
‫و� النتيجة‪ :‬صورة يتأملها صاحبها ر ً‬‫ي‬
‫ف‬ ‫جرهما ف ي�‬ ‫ث‬
‫المتعبت� من ك�ة ما ّ‬
‫ين‬ ‫أراه يحمل قدميه‬
‫أراقب حالةً أخرى‪ .‬أراقب كيف تصنع صورة ف ي�‬ ‫ب� الدوائر الحكومية العديدة‬ ‫متنقل ما ي ن‬
‫ً‬ ‫الطرق‬
‫الموزعة ي� أنحاء العاصمة‪ .‬أالحظه يسأل الناس‬ ‫ف‬
‫عرس‪ .‬يلتم الجميع حول العريس والعروس‬
‫الكام�ا ويبتسمون‪ .‬كلهم‬ ‫ي‬ ‫ويتطلعون نحو‬ ‫الشمس‪ ،‬الذي‬ ‫ي‬ ‫فيد ّلونه عىل موقع المصور‬
‫ال� بكت‬ ‫ت‬ ‫بدوره يسارع نحوه وقد اكتشفه بغريزه الرادار‬
‫سعداء‪ .‬سعيدة هي أم العروس ي‬
‫طوال الليلة الفائتة أل َّن أهل العريس لم يقوموا‬ ‫فورا ويرحب به ويجلسه عىل‬ ‫الذي التقط موجة ً‬
‫بالواجب‪ .‬سعيد هو والد العريس الذي تشاجر‬ ‫الخش� تحت لفح حرارة الشمس‪ .‬أراه‬ ‫بي‬ ‫الكرس‬
‫ي‬
‫أك� من‬ ‫مع ابنه أل َّن المدعوين من عائلة العروس ث‬ ‫ث‬
‫يجلسه ثم يمسد شعره الذي بع�ته الرياح‬
‫المدعوين من عائلته‪ .‬سعيد والد العروس الذي‬ ‫الخماسينية ثم يمشطه بمشط قذر‪ .‬أراه يبتعد‬
‫كاد تي�ك الحفل أل َّن أنسباءه لم يبذخوا كما يليق‬ ‫اليم�‪ ..‬ويعود‬ ‫قليل ثم يحرك رأسه نحو ي ن‬ ‫عنه ً‬
‫ال� وافقت عىل‬ ‫ت‬ ‫ويرفع له رأسه ً‬
‫قليل‪.‬‬
‫بالمقام‪ .‬سعيدة هي العروس ي‬
‫فنون‬
‫‪97‬‬

‫للزوج� يد ّلهما‬ ‫ين‬ ‫مرشدا‬‫ً‬ ‫للعالقات والعواطف‪،‬‬ ‫الزواج مرغمة‪.‬‬


‫يدربهما عىل‬ ‫آ‬ ‫قبل التقاط الصورة كانت جميع االستعدادات‬
‫كيفية أن يحب أحدهما الخر‪ِّ ،‬‬ ‫عىل ّ‬
‫ف‬
‫إجراءات االلتحام الوىل‪ ،‬العناق ي� أبسط أشكاله‬ ‫أ‬ ‫للعرس قد اكتملت‪.‬‬
‫باليدي‪.‬‬ ‫ب� جسدين وتالمس أ‬ ‫اق�اب ي ن‬ ‫بما هو ت‬ ‫أ‬
‫الجميع موجودون‪ :‬العريس والعروس والهل‬
‫أخ�ا بالتقاط الصورة التذكارية‬ ‫المصور ي ً‬ ‫ِّ‬ ‫شي�ع‬ ‫النجاز واكتمال‬ ‫والضيوف‪ .‬فقد حانت لحظة إ‬
‫ال� ال يشاركهما فيها‬ ‫ت‬ ‫المراسيم‪.‬‬
‫لزوجي المستقبل‪ ،‬الصورة ي‬
‫ذه� ف ي� مكان‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وأي زفّة دون‬
‫ال� ستوضع ي� إطار ب ي‬ ‫أحد‪ ،‬الصورة ي‬ ‫فأي عرس ّ‬ ‫لكن المصور لم يصل‪ّ .‬‬
‫م�ل المستقبل‪.‬‬ ‫بارز ف� نز‬ ‫المصور! وكيف يمكن دونه تخليد هذه اللحظة‬
‫ي‬
‫المصور‪ .‬ولكل صورة‬ ‫ِّ‬ ‫همة‬‫صورة أو أك�‪ ،‬بحسب ّ‬ ‫ث‬ ‫المهمة وتوثيق هذا االحتفال البهيج؟‬
‫وضع يفصح عن الزواج السعيد ويشهد عىل‬ ‫فورا بالتصوير‪ :‬فيديو‬ ‫و�ع ً‬ ‫أخ�ا ش‬
‫جاء المصور ي ً‬
‫ب� َمن سيصبحان ي ن‬
‫زوج�‪.‬‬ ‫الوىل ي ن‬ ‫المالمسات أ‬ ‫وفوتوغراف‪.‬‬
‫س�اها ف ي� الصور‬ ‫ال� ن‬ ‫ت‬
‫لكن هذه المالمسات ي‬ ‫ثم انطلق الموكب‪ .‬ركب الجميع سياراتهم‬
‫أي‬
‫أي عاطفة وال تظهر ّ‬ ‫تن� عن ّ‬ ‫التذكارية ال ب ئ‬ ‫زمام�هم وسط زغاريد النساء‪.‬‬ ‫وأطلقوا ي‬
‫زوج� عىل‬ ‫ب� ي ن‬ ‫اق�اب ي ن‬ ‫الزوج�‪ .‬إنه ت‬ ‫ين‬ ‫ب�‬‫حرارة ي ن‬ ‫ال� تتقدم‬ ‫ت‬
‫المصور ي‬ ‫ِّ‬ ‫ف ي� الطريق تعطلت سيارة‬
‫آليان يحركهما‬ ‫نحو يآل‪ ،‬كما لو أنهما إنسانان ّ‬ ‫ً‬
‫طويل ريثما‬ ‫الموكب‪ .‬وصار ال بد من االنتظار‬
‫تلقا� وال‬ ‫ئ‬ ‫اق�اب يغ�‬ ‫جهاز تحريك عن بعد‪ .‬ت‬ ‫الص�‬
‫يتم تشغيل السيارة‪ .‬وانتظر الجميع بفارغ ب‬
‫ي‬
‫المصور‪ .‬ويلقي‬ ‫ِّ‬ ‫اق�اب يحدد أوضاعه‬ ‫إرادي‪ .‬ت‬ ‫مع� له‪.‬‬‫مصور ال ن‬ ‫ولكن بإذعان‪ .‬فالعرس دون ِّ‬
‫الزوج�‪ ،‬وهما ينصاعان‬ ‫ين‬ ‫المصور بتعليماته عىل‬ ‫المصور لحظة الفرح واالحتفال هذه بكل‬ ‫ِّ‬ ‫يثبت‬
‫ِّ‬
‫يثبتها خالية من الشوائب واحتماالت‬ ‫ألقها‪ِّ ،‬‬
‫ف‬
‫منغصات ومشاكل الزواج ي� المستقبل‪ ،‬إنها‬
‫لحظات صافية بحد ذاتها‪ ،‬لحظات نموذجية‪،‬‬
‫لحظات ال تفقد قيمتها مع الزمن ويمكن أن‬
‫تُستعاد صورها وقت الحاجة للذكرى أو وقت‬
‫ين‬
‫الحن�‪.‬‬
‫أساس مرجعي‪ .‬لكننا نكتشف‬ ‫ي‬ ‫المصور اذن‪،‬‬‫ِّ‬ ‫دور‬ ‫ْ‬
‫يثبت زمن‬ ‫بكث�‪ .‬إنه ال ِّ‬ ‫أك� من ذلك ي‬ ‫أن دوره ب‬ ‫َّ‬
‫مجرد وسيلة‪.‬‬ ‫الفرح فقط‪ ،‬أي أنه ليس ّ‬
‫ف ي� لحظة ما سيصبح المصور مع ِّل ًما‪ ،‬أستاذًا‬
‫فنون‬
‫‪98‬‬

‫و� تعاملهم مع الحالة‬ ‫ف‬ ‫له بإرادة مشلولة وبإحساس فارغ‪ .‬وال يكتفي‬
‫الكام�ا ي‬ ‫ي‬ ‫وقوفهم أمام‬
‫ال� يتم فيها تثبيت الزمن وتجميده وعزله عن ما‬ ‫ت‬ ‫صالحياته‬ ‫المصور بإسماع تعليماته‪ ،‬بل يمارس‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫سبقه وما يتلوه‪ ،‬وتسجيل لحظة هانئة سعيدة‬ ‫قليل‪،‬‬ ‫بشكل ملموس‪ ،‬يميل رأس الزوج بيده ً‬
‫المع�‬ ‫ن‬ ‫نسا�‪ ،‬كما يمكن للشخص‬ ‫من التاريخ إ ن‬ ‫أد� من مستوى الكتف‬ ‫أن ذراع الزوجة ن‬
‫يالحظ َّ‬
‫ي‬ ‫ال ي‬
‫أن يتمناها‪ ،‬لحظة يشعر المرء وهو يراقبها أنها‬ ‫بقليل يف�فعه بنفسه‪.‬‬
‫لحظة أزلية خالدة ال مثيل لها‪.‬‬ ‫محددة لصورة‬ ‫يتعامل المصورون مع أوضاع َّ‬
‫ال� تسبق التقاط الصورة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫الزوج�‪ .‬إنها ثالثة أو أربعة أوضاع متداولة‬ ‫ين‬
‫غريبة هي المشاعر ي‬
‫ض‬ ‫ال� ال‬ ‫ت‬
‫الما�‬
‫ي‬ ‫يتهيب‪ .‬ينىس هموم‬ ‫يتهيأ المرء ثم َّ‬ ‫َّ‬ ‫ومتكررة وصارت مثل القوالب الجامدة ي‬ ‫ِّ‬
‫ض‬ ‫جان�‬ ‫ش‬
‫ويجمد‬ ‫ِّ‬ ‫ومشاغل الحا� وأحالم المستقبل‬ ‫يمكن إبدالها‪ .‬وضع أمامي مبا� ووضع ب ي‬
‫يتحرك‪ ...‬يكاد ال يتنفَّس‪.‬‬ ‫أس�‪ .‬وهي‬ ‫وآخر من الخلف مع التفاتة من الر ي ن‬
‫أعصابه ويقف وال َّ‬
‫عيناه ال تطرفان وجفناه يرمشان خلسة‪ .‬أما �ف‬ ‫محددة‪ ،‬باردة‪ ،‬بال‬
‫ّ ي‬ ‫أوضاع مشفوعة بابتسامة َّ‬
‫فإن التوتر يتصاعد‪ ،‬تنشحن أعصابه‬ ‫داخله‪َّ ،‬‬ ‫روح‪ ،‬ابتسامة واجبة ال تحلو أوضاع صورة‬
‫وتكاد تنفجر‪ .‬ثم يكبس المصور عىل الزر‬ ‫يحددها وكما يريد أن‬ ‫ين‬
‫العريس� دونها‪ .‬ابتسامة ِّ‬
‫العضاء ويتنفس‬ ‫العصاب وتتحرك أ‬ ‫فتس�خي أ‬ ‫ت‬ ‫يراها المصور وال يشعر بها صاحبها‪.‬‬
‫المصور الصعداء‪.‬‬ ‫بعد سنوات ستخفت ذكرى مراسم العرس عند‬
‫ت‬ ‫دوامة الحياة ومشاكل‬ ‫ف‬ ‫ين‬
‫ال� تمتلكها‬ ‫الخاصية السحريّة ي‬ ‫ّ‬ ‫غربية هي هذه‬ ‫الزوج� مع غرقهما ي� ّ‬
‫سلطة الصورة‪ .‬وال ثك� غرابة هو هذا االستعداد‬ ‫أ‬ ‫العيش اليومي‪ .‬لكن الصورة ستبقى‪.‬‬
‫النفس الكامل للخضوع ف ي� سبيلها لكل ما يطلبه‬ ‫الناس ف� الصور التذكارية عادة متشابهون �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫المصور ولكل ما يفعله بمن يقف أمام العدسة‬ ‫ِّ‬
‫يتحول الناس ودون‬ ‫طال� الصورة‪َّ .‬‬ ‫أو بمجموعة ب ي‬
‫أ‬
‫اع�اض إىل دمى متحركة تنصاع لوامر المصور‬ ‫ت‬
‫وتوجيهاته مهما كانت شاذة‪.‬‬
‫يفضح مثل هذا النوع من الصور مدى تعلق‬
‫النسان بقشة الوهم والقدرة عىل خداع النفس‬ ‫إ‬
‫أن هذه‬ ‫اللحظية الزائفة‪ .‬كما َّ‬ ‫ح� بالسعادة‬ ‫ت‬
‫ّ‬
‫العالقة مع الصورة تكشف ف ي� الوقت نفسه عن‬
‫وال�وير وإخفاء‬ ‫قدرة الصورة عىل الخديعة ت ز‬
‫حقيقة اللحظة‬
‫فنون‬
‫‪99‬‬

‫ّ‬
‫العربي‬ ‫ّ‬
‫شكيلي‬ ‫النقد َّ‬
‫الت‬ ‫َّ‬
‫والتبعية وغياب المعايير‬
‫ّ‬ ‫بين المحاباة‬
‫غازي انعيم‪ /‬األردن‬

‫الن�اس وأنس الجالس‬ ‫المصورين بعنوان “ضوء ب‬ ‫العر�‬


‫بيّ‬ ‫شكيل ف ي� الوطن‬
‫قضية ال ّنقد ال َّت ف ي ّ‬ ‫تُ ْع َت ب َ ُ� ّ‬
‫ً‬ ‫ين‬ ‫ف ي� أخبار‬ ‫شكيلية‪،‬‬ ‫أ‬
‫فضل عن أنَّنا‬ ‫المزوق� من ال ّناس”‪.‬‬ ‫من أبرز القضايا المثارة ي� الوساط ال ّت ّ‬
‫نصوصا شت�ح طرق‬ ‫ً‬ ‫العر�‬
‫ال�اث ب ي ّ‬
‫ف‬
‫ال نملك ي� ت ّ‬ ‫شديدا ف ي� ال ّنقاد حسب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نقصا‬ ‫تعا� ً‬
‫ن‬
‫ال لكونها ي‬
‫الرسم وال ّتحليات وال ّتذهيب وال ّتلوين‪ّ ...‬إل نتفًا‬ ‫ال� تعتمد‬ ‫ّ ت‬
‫ّ‬ ‫المهمة ي‬ ‫الزوايا‬
‫تعت� إحدى ّ‬ ‫ولك ّنها ب‬
‫ف‬ ‫المنهجية وعلم الجمال والفلسفة‪،‬‬ ‫الدراسة‬
‫كنيكية ي� إطار‬ ‫وشذرات تعرض لهذه المسائل ال ّت ّ‬ ‫ّ‬ ‫عىل ّ‬
‫الحديث عن الخط وطرزه وتقنياته وأدواته‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫مبكرا‪ ،‬لذلك‬ ‫ً‬ ‫الزوايا سبقنا الغرب إليها‬ ‫وهذه ّ‬
‫العربية المتع ّلقة بالفنون‪،‬‬ ‫ّأما الممارسة ال ّنقديّة‬ ‫المهمة الملقاة عىل عاتق‬ ‫يجب االع�اف بصعوبة ّ‬ ‫ت‬
‫ّ‬
‫المؤرخ وال ّناقد‬ ‫ّ‬ ‫فقد بدأت ف ي� مرص من خالل‬ ‫اريخي‬
‫ّ‬ ‫العر� ف ي� مشهديْها ال ّت‬ ‫بيّ‬ ‫شكيل‬
‫ال ّناقد ال ّت ي ّ‬
‫الف� أحمد يوسف أحمد الذي شن� عام ‪1922‬م‬ ‫ن‬ ‫والمعارص‪.‬‬
‫ّي ّ‬ ‫أ‬
‫قديما وحدي ًثا”‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كتابًا بعنوان “الفنون الجميلة‬ ‫بالدرجة الوىل من غياب‬ ‫الصعوبة ّ‬ ‫تنتج هذه ّ‬
‫واللمام‬ ‫وقد اتَّسمت هذه الخطوة بالجرأة إ‬ ‫معت� للفنون‪ ...‬إذا استثنينا‬ ‫ب‬ ‫نقدي‬
‫ّ‬ ‫أي تراث‬ ‫ّ‬
‫بكل المواضيع ف ي� وقت مبكر من الحركة الف ّن ّية‬ ‫ّ‬ ‫أك�‪ ،‬والذي اع ُت ب� ّأول‬ ‫للسلطان ب‬ ‫بضع كلمات ّ‬
‫الريادة ف ي� الكتابة‬ ‫السالم‪ ،‬وواضع الكتاب الوحيد‬ ‫ناقد ن ف‬
‫سجل ّ‬ ‫العربية‪ ،‬وبال ّت يال فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف� ي� إ‬ ‫ّي ّ‬
‫ن‬ ‫التوضيحية وطريقة تلوينها‪،‬‬ ‫الرسوم‬
‫زك‬‫الف� ‪ .‬وتاله الكاتب ي‬ ‫عن ال ّنقد وال ّتاريخ ّ ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن تكنيك ُّ‬
‫ال�جمة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫وهو ابن مؤسس الدولة المغولية السالمية �ف‬
‫ائدا ي� مجال ّ‬ ‫محمد حسن الذي كان ر ً‬ ‫ّ ي‬ ‫ّ إ‬ ‫ّ‬
‫سالمي ي� مرص” (‪،)1935‬‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫الشارة إىل كتاب آخر لم‬ ‫الهند “بابور”‪ ،‬وسوى إ‬
‫ّ‬ ‫“الفن إ‬
‫ّ‬ ‫ومن مؤلفاته‬
‫ين‬
‫الفاطمي�”‬ ‫سالمية” (‪ ،)1938‬و”كنوز‬ ‫ف‬
‫يصل إلينا‪َ ،‬ذكَره المقريزي ي� كتابته عن طبقات‬
‫ال ّ‬ ‫و”الفنون إ‬
‫فنون‬
‫‪100‬‬

‫الناقد أحمد يوسف‬

‫ت‬
‫وال�‬
‫زك نجيب محمود (‪ ،)1993 1905-‬وعباس‬ ‫عد ي‬ ‫ويُ ُّ‬ ‫القيمة وال ّنادرة ي‬‫وغ�ها من الكتب ِّ‬ ‫(‪ .)1937‬ي‬
‫محمود العقّاد (‪ ،)1964 1889-‬ومحمد ي ن‬
‫حس�‬ ‫العربية‪ .‬بعد ذلك ظهرت‬ ‫ّ‬ ‫ما زالت ثت�ي المكتبة‬
‫هيكل (‪ ،)1956 1888-‬من أبرز الذين كتبوا عن‬ ‫صباغ‪.‬‬
‫كتابات محمد ناجي‪ ،‬وجورج ّ‬
‫الفن ف ي� المجتمع‪،‬‬ ‫و� العام ‪1939‬م‪ ،‬ظهرت كتابات رمسيس‬ ‫ف‬
‫دور ّ‬ ‫ال ّنقد المعارص وعن ْ‬ ‫ي‬
‫الصلة بينهما كما دعوا إىل حريّة‬ ‫ودعوا إىل توثيق ّ‬ ‫الرسام‬
‫قدم دراسة بعنوان غاية ّ‬ ‫يونان‪ ،‬الذي ّ‬
‫الف ّنان وحريّة الفنون الجميلة‪.‬‬ ‫ظري‬
‫تأسست من منطلقها ال ّن ّ‬ ‫المرصي‪ .‬وقد ّ‬
‫ّ‬
‫وبعد خمسينات القرن ض‬ ‫ف‬
‫الفن والحريّة ي� نهاية العام نفسه‪.‬‬
‫الما� ظهر عدد آخر من‬ ‫ي‬ ‫جماعة ّ‬
‫ف‬ ‫المؤر ي ن‬ ‫أيضا ي� مرص‪ :‬محمد‬‫ف‬ ‫الف� ً‬ ‫ن‬
‫العر�‪ ،‬وكانت‬
‫خ� وال ّنقاد ي� مرص والوطن ب ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫رواد ال ّنقد ّ ي ّ‬ ‫ومن ّ‬
‫وانطباعية عىل‬
‫ّ‬ ‫وصفية‬
‫ّ‬ ‫كتاباتهم عبارة عن مقاالت‬ ‫فنية باسم‬
‫صبحي الجباخنجي الذي أصدر مجلة ّ‬
‫منت�ا آنذاك‪،‬‬
‫ً‬
‫الفن ال ّتشكيل ش‬
‫يّ‬ ‫ندرتها‪ ،‬إذ لم يكن ّ‬ ‫“صوت الفنان” ف ي� العام ‪ ،1950‬وكان يتابع أخبار‬
‫فإن‬
‫وإذا استثنينا “مرص ولبنان وسوريا والعراق” َّ‬ ‫وين� عنها‪ ،‬وكذلك‬ ‫ونشاطات المعارض الف ّن ّية ش‬
‫العربية ّإل‬ ‫الف� لم يظهر ف ي� بقية البلدان‬ ‫ن‬ ‫الهرام والبالغ ومجلة‬ ‫كان يكتب ف� جريدة أ‬
‫ّ‬ ‫ال ّنقد ّ ي‬ ‫ي‬
‫بعد الستينات‪.‬‬ ‫ال ّثقافة‪.‬‬
‫فنون‬
‫‪101‬‬

‫الما�‪ ،‬واجه الكاتب‬ ‫ي‬


‫ض‬ ‫وبعد ثمانينات القرن‬ ‫الغر� ف ي� هذه المرحلة وما تالها‬ ‫وكان أثر ال ّنقد ب ي ّ‬
‫تشكيلية لم‬ ‫ّ‬ ‫العر� أجناســًا‬ ‫بيّ‬ ‫شكيل‬
‫وال ّناقد ال ّت ي ّ‬ ‫وبارزا‪ ،‬حيث‬ ‫واضحا ً‬ ‫ً‬ ‫العر�‬
‫شكيل ب ي ّ‬ ‫عىل ال ّنقد ال ّت ي ّ‬
‫مبا�ة إىل تحليل‬ ‫العر� ّأل ي َّتجه ش‬
‫العربية من قبل‪ ،‬وبدأت تظهر‬ ‫ّ‬ ‫تعرفها الفنون‬
‫أ‬ ‫اعتاد ال ّناقد ب ي ّ‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫تصديه‬ ‫الف� عند‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ال�‬ ‫ي� ضوء ذلك نصوص ترتكز عىل القواعد ي‬ ‫ّ‬ ‫العنارص البرصيّة ي� الثر ّ ي ّ‬
‫الغر�‪ ،‬حيث تس ّلح ال ّناقد ب ي ّ‬
‫العر�‬ ‫وضعها ال ّنقد ب ي ّ‬ ‫طريق‬ ‫جمالية‪ ،‬بل يسلك ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي ظاهرة‬ ‫لدراسة ّ‬
‫كب�ا‬ ‫ت‬ ‫س�ة‬ ‫الملتوية الحافلة بكل ما كُتب من تاريخ ي‬
‫تطو ًرا ي ً‬ ‫تطورت ُّ‬ ‫ال� ّ‬ ‫ببعض أدواته المعرفيـّـة ي‬
‫تطور العلوم الحديثة؛ ولهذا تأثّرت قواعد‬ ‫بفعل ُّ‬ ‫الف ّنان‪ ،‬فيعطي بذلك صفة القطع والجزم‬
‫أ‬ ‫ويكرر‬ ‫تز‬
‫وروبية‪.‬‬
‫العر� بال ّتيارات والمذاهب ال ّ‬ ‫ال ّنقد ب ي ّ‬ ‫والكتابية‪ ...‬وهو يخ�ل ِّ‬ ‫ّ‬ ‫اريخية‬
‫للوثيقة ال ّت ّ‬
‫كث�ا من ال ّنقد ‪-‬مهما اختلفت المدارس‪ -‬قد‬ ‫مقوالت ال ّنقاد الخرين‪ ،‬فيقع ي� دائرة مغلقة من‬‫ف‬ ‫آ‬
‫إن ي ً‬ ‫َّ‬
‫قدره‪ ،‬وأحيانًا يطفئ‬ ‫الخطاء الموروثة والمنقولة من سند إىل آخر دون‬ ‫أ‬
‫يشوه العمل‪ ،‬ويُنقص من ِ‬ ‫ّ‬
‫المشاهد الذي ال يعرف‬ ‫وهجه‪ ،‬وخاصة أمام ُ‬ ‫طراز‬ ‫وطبيعي ف ي� مثل هذا ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضبط أو تمحيص‪،‬‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال�اكمات‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫فإن‬
‫و� نهاية المطاف ّ‬ ‫الف�‪ ،‬ي‬ ‫عنارص العمل ّ ي ّ‬ ‫الشائع من ال ّنقد أن نَغرق ي� وابل من ّ‬ ‫ّ‬
‫اريخية‪،‬‬ ‫أ‬
‫يول عنارص‬ ‫جدي ي‬ ‫نقدي ّ‬ ‫ّ‬ ‫المطلوب هو خلق ّتيار‬ ‫يديولوجية) منها أو ال ّت ّ‬ ‫ّ‬ ‫صية سواء (ال‬ ‫ال ّن ّ‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫همية الوىل ي� تناول العمل‬ ‫بناء ا ّللوحة ال ّ‬ ‫دبية‪...‬‬ ‫الرمزيّة أو ال ّ‬ ‫يكولوجية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الس‬
‫االجتماعية‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫ط وا ّللون والمساحة‬ ‫الف� وقراءته من ناحية الخ ّ‬ ‫ن‬ ‫وال�ح‬ ‫كما اعتمد بعض الكتاب عىل ال ّتوصيف ش‬
‫ّي ّ‬ ‫ّ‬
‫والفراغ واالتِّزان وال ّتصميم‪ ،‬ومن ّثم ال ّتكوين‪،‬‬ ‫نشائية المكرورة‬ ‫ال ّ‬ ‫طحي‪ ،‬وعىل الجمل إ‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫فنية وتطابق‬ ‫ال� أصبحت تصلح ّ‬ ‫ت‬
‫الف� بتقييمه عىل مستويات‬ ‫أي مواجهة العمل ّ ي ّ‬ ‫لكل لوحة ّ‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫الرؤية ومستوى البناء ومستوى‬ ‫ثالثة‪ :‬مستوى ّ‬ ‫ف� ‪ ...‬وهذه الكتابات‬ ‫ي� مصطلحاتها ّكل عمل ي ّ‬
‫ال ُّلغة‪.‬‬ ‫الموضوعي‬
‫ّ‬ ‫تمت لل ّنقد‬ ‫الفن‪ ،‬ال ّ‬ ‫االنطباعية عن ّ‬ ‫ّ‬
‫شكيل ‪-‬بحسب العديد‬ ‫الفن ال ّت ي ّ‬ ‫يقوم ازدهار ّ‬ ‫المتلقي‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫بصلة‪ ،‬ال تفيد الف ّنان‪ ،‬وال تفيد‬
‫ب� ثالثة‬ ‫الفن‪ -‬عىل ال ّتفاعل ي ن‬ ‫من نقاد ومؤرخي ّ‬ ‫جميعا‪.‬‬‫ً‬ ‫تفيد الحركة الف ّن ّية‪ ،‬بل ت�ض ّ بهم‬
‫شكيل‪،‬‬‫الف�‪ ،‬والنقد ال ّت ي ّ‬
‫ن‬
‫النتاج ّ ي ّ‬ ‫عنارص‪ ،‬هي‪ :‬إ‬ ‫والكاتب الذي ينهج هكذا أسلوب ي�ض ّ منقوده‬
‫ال� تش ّكـّل‬ ‫ت‬ ‫ومنظومة العلوم وال ّثقافة ت ّ‬ ‫عمل‬ ‫تقوم ً‬ ‫أحكاما يغ� مسؤولة ال ِّ‬ ‫عندما يطلق‬
‫وال�اث ي‬ ‫ً‬
‫الذّ وق العام ف ي� المجتمع‪ .‬وبهذا‪ ،‬يمكن لل ّنقد‬ ‫نتعرف عىل خواطر الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫تشكيليا‪ ،‬بل هنا‬ ‫ًّ‬
‫ويؤسس‬ ‫ن‬ ‫الدبية ليقول ما يعتمل �ف‬ ‫وإسقاطاته وتأمالته أ‬
‫الف� ّ‬ ‫الجمالية للعمل ّ ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن يرسم القيمة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫قدي يبقى العمل‬ ‫الجمال ‪ .‬ودون الفعل ال ّن ّ‬ ‫فعله‬ ‫صدره‪ ،‬ال ما تقوله ا ّللوحة لنا بالفعل‪ ،‬فالقيمة ال�ت‬
‫يّ‬ ‫ي‬
‫وأصما‪.‬‬ ‫أخرسا‬ ‫ن‬ ‫الفنية هي حصيلة مسار طويل‬ ‫تقدمها ا ّللوحة ّ‬
‫ًّ‬ ‫الف� ً‬ ‫ّي ّ‬ ‫ِّ‬
‫ن‬ ‫شكيل‪.‬‬
‫يؤسسها‬ ‫الف� ّ‬ ‫الجمالية للعمل ّ ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن القيمة‬ ‫كما ّ‬ ‫والتواصل مع ال ّنتاج ال ّت ي ّ‬ ‫ُ‬ ‫التذوق‬
‫لعملية ُّ‬
‫فنون‬
‫‪102‬‬

‫تحليلية اكتسبها من قراءته‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬ناقد ممارس لمهارة‬ ‫ال ّناقد عندما ينتقل من مرحلة ال ّتلقي المنفعل‬
‫“الفن‬ ‫و� كتابه‬ ‫ف‬
‫لكتب الفلسفة‪ ،‬وعلم ال ّنفس‪ ،‬ولديه المعرفة‬ ‫ّ‬ ‫إىل مرحلة ال ّتلقي الفاعل‪ .‬ي‬
‫ن‬
‫الصحيحة والعميقة بهذا العا َلم ّ ي ّ‬
‫الف�‬ ‫والخ�ة ّ‬ ‫ب‬ ‫“رو� برجاي” ‪:R. Berger‬‬ ‫وال ّتواصل” يقول ال ّناقد ب ي‬
‫يتأسس الفعل‬ ‫“إنه بمقت�ض‬
‫الخاص ‪.‬‬‫ّ‬ ‫وعي‬‫ال ّن ّ‬ ‫قدي ّ‬ ‫الفعل ال ّن ّ‬
‫أ‬
‫‪ -‬ناقد يمتلك القدرة عىل إدراك العمال الف ّن ّية‪،‬‬ ‫الجمال ‪.”...‬‬
‫يّ‬
‫ط‪،‬‬ ‫ال� اعتنت بالخ ّ‬ ‫ت‬ ‫إن حاجة ال ّنقد تتوقَّف عىل أخذ قرار‬ ‫أخ�ا‪ّ ،‬‬
‫بل وتاريخ الحضارات ي‬ ‫يً‬
‫وال ّلون‪ ،‬والمساحة‪.‬‬ ‫الرؤية‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ي� اتِّباع مسار يساهم ي� بناء تكوين ّ‬
‫ف‬
‫ش� المدارس‬ ‫قدي ي� ت ّ‬
‫عب� ال ّن ّ‬ ‫‪ -‬ال ّتمكُّن من ال ّت ي‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫للمتذوق ً‬ ‫ِّ‬ ‫الجمالية‪ ،‬ليس فقط للف ّنان‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬
‫متحررة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫منهجي يتفاعل مع‬ ‫نقدي‬ ‫وتأسيس خطاب‬
‫عقلية ِّ‬
‫والمجاالت ح� يكون لدى الناقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزائف‪ ،‬وأن يكون‬ ‫ناقدة‪ ،‬واعية‪ ،‬ز أ‬ ‫ليحدد‬ ‫للمتذوق ويتجاوزه‬ ‫االنفعالية‬ ‫الحاالت‬
‫تم� الصل من ّ‬ ‫ي ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مسؤول أمام ّكل إنتاج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال� تمنع‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫الف� وأهدافه والمشاكل ي‬ ‫قيمة العمل ّ ي ّ‬
‫‪ -‬االستعانة ب وب معرفته ك ّلها‪ ،‬وأن يكتب‬ ‫�ض‬ ‫الف ّنان من بلوغ مآربه‪.‬‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫الف�‪،‬‬ ‫ن‬
‫عملية‬‫المبدع‪ ،‬لن ال ّنقد ي� أفضل حاالته ّ‬ ‫بروح ّ‬ ‫وللوصول إىل مثل هذه الحالة من ال َّنقد ّ ي‬
‫يحركها إبداع آخر‪.‬‬ ‫إبداعية ّ‬
‫ّ‬ ‫أهمها‪:‬‬
‫ينبغي توفُّر متطلبات عديدة‪ّ ،‬‬
‫وال ّناقد المثل‪ ،‬كما يقول الفنان “دوال كروا”‪،‬‬ ‫ملم بتاريخ الحضارات‬ ‫(تشكيليا)‪ّ ،‬‬ ‫ًّ‬ ‫‪ -‬ناقد مثقف‬
‫أ‬
‫بالضافة إىل ما شأ�نا إليه‪ :‬هو الذي مارس ّ‬
‫الفن‬ ‫إ‬ ‫ووصل‬ ‫الفن‪ ،‬وتاريخ ّأمته‪ْ ،‬‬ ‫ساط� وتاريخ ّ‬ ‫وال ي‬
‫وال ّتصوير بالذّ ات عندما يح ّلل العمل من داخله؛‬ ‫طع‪ ،‬وليس بتقليد المدارس‬ ‫الخيط من حيث ان َق َ‬
‫ح� آخر لمسة أجراها الف ّنان‬ ‫من حيث فكرته ت ّ‬ ‫الغربية؛ ففي الغرب كانت هناك استمراريّة‬ ‫ّ‬
‫عىل ا ّللوحة‬ ‫ومعرفية ونقديّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حضاريّة وف ّن ّية‬
‫فنون‬
‫‪103‬‬

‫األميركية‬
‫ّ‬ ‫أفضل وأشهر الجامعات‬
‫لدراسة السينما‬
‫محمود الزواوي‪ /‬األردن‬

‫ومعهد “ماساشوسيتس” للتكنولوجيا و”ييل”‬ ‫ع�ات‬ ‫ف ي� الواليات المتحدة ‪ 5300‬جامعة بينها ش‬


‫ال� تشتمل عىل كليات أو أقسام‬ ‫ت‬
‫و”برينستون” و”ستانفورد”‪.‬‬ ‫الجامعات ي‬
‫أ‬
‫ب� هذه الجامعات الربع‬ ‫وتحتدم المنافسة ي ن‬ ‫متخصصة ف ي� تدريس السينما‪ ،‬ومئات الجامعات‬
‫الول ي ن‬ ‫عىل المركز أ‬ ‫تقدم مساقات ف ي� التخصصات السينمائية‬ ‫ت‬
‫ب� أفضل أقسام دراسات‬ ‫ال� ّ‬‫ي‬
‫السينما ف� الجامعات أ‬ ‫أربعا‬ ‫المختلفة‪ .‬إال أن ي ن‬
‫ال يم�كية‪ ،‬وهو لقب‬ ‫ي‬ ‫ب� هذه الجامعات ً‬
‫أن معظم‬ ‫تتمسك به كل من هذه الجامعات‪ .‬إال َّ‬ ‫قمة القائمة كأفضل وأشهر‬ ‫تقف بمفردها عىل ّ‬
‫ين‬ ‫ين‬ ‫كية ي� دراسة السينما‪ .‬وهذه‬ ‫ف‬
‫السينمائي� يمنحون هذا‬ ‫والخ�اء‬ ‫ب‬ ‫المحلل�‬ ‫أم� ّ‬
‫علمية ي‬ ‫معاهد ّ‬
‫القرار‬ ‫اللقب لجامعة جنوب كاليفورنيا‪ ،‬مع إ‬ ‫الجامعات هي كل من جامعة جنوب كاليفورنيا‬
‫جدا‬ ‫أ‬ ‫(‪ )USC‬وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجيليس‬
‫بأن الجامعات الثالث الخرى قريبة منها ً‬ ‫َّ‬
‫بأن ًكل‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫(‪ )UCLA‬اللتان تقعان ف ي� مدينة لوس أنجيليس‬
‫ي� المستوى الكاديمي‪ ،‬ومع االع�اف َّ‬
‫تتم� عىل يغ�ها‬ ‫الخرى ي َّ ز‬ ‫من الجامعات الثالث أ‬ ‫وجامع� كولومبيا ونيويورك‬ ‫ت‬ ‫بوالية كاليفورنيا‪،‬‬
‫ي‬
‫معينة‪.‬‬‫سينمائية َّ‬
‫ّ‬ ‫بتخصصات‬ ‫اللتان تقعان ف ي� مدينة نيويورك بوالية نيويورك‪.‬‬
‫الول �ف‬ ‫مثل تحتل المركز أ‬ ‫فجامعة كولومبيا ً‬ ‫الربع عىل‬ ‫وال تقترص مكانة هذه الجامعات أ‬
‫ي‬
‫أن‬ ‫ئ‬ ‫كونها أفضل وأشهر الجامعات أ‬
‫ال يم�كية‬
‫السينما� وكتابة السيناريو‪ .‬ويبدو َّ‬ ‫ي‬ ‫التأليف‬
‫ال� تحظى بها هذه‬ ‫ت‬ ‫ب� أهم‬ ‫بارزا ي ن‬
‫لدراسة السينما‪ ،‬بل تحتل مكانًا ً‬
‫ذلك امتداد طبيعي للمكانة ي‬
‫والعالم‬ ‫ف‬ ‫ال يم�كية ف ي� مكانتها العلمية البارزة‬ ‫الجامعات أ‬
‫الجامعة ي� حقول دراسة الصحافة إ‬
‫أن جامعة نيويورك تؤكد‬ ‫نجل�ية‪ .‬كما َّ‬ ‫ال ي ز‬ ‫واللغة إ‬ ‫والشاملة إىل جانب جامعات مثل “هارفارد”‬
‫فنون‬
‫‪104‬‬

‫المخرج مارتن سكورسيزي‬

‫كاليفورنيا بلوس أنجيليس وجامعة جنوب‬ ‫ف ي� مساقاتها الدراسية عىل تاريخ الفن والدراسات‬
‫كاليفورنيا عىل جميع التخصصات السينمائية‬ ‫النفس والفلسفة‪.‬‬
‫ي‬ ‫الثقافية ونظرية التحليل‬
‫والنتاج‪،‬‬‫كالخراج والتأليف والتمثيل والتصوير إ‬ ‫إ‬ ‫أن الموقع الجغر ف يا� لهذه‬ ‫ف‬
‫وما من شك ي� َّ‬
‫ف‬
‫بشكل فريد وشامل يغ� متوفر ي� الجامعات‬ ‫الربع عامل حاسم ف ي� مكانتها‬ ‫الجامعات أ‬
‫أن الموقع‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المم�ة كمعالم لدراسة السينما‪ .‬فوجود جامعة‬ ‫يز‬
‫ال يم�كية الخرى‪ .‬وال شك ي� َّ‬
‫الجامعت� قرب هوليوود –‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫لهات�‬ ‫الجغر ف يا�‬ ‫جنوب كاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا بمدينة‬
‫كما شأ�نا‪ -‬وتاريخهما الطويل ف ي� التعامل مع‬ ‫لوس أنجيليس عىل مقربة من هوليوود عاصمة‬
‫العامل� ف ي�‬
‫ين‬ ‫ين‬
‫الفنان�‬ ‫استوديوهات هوليوود ومع‬ ‫ال يم�كية والعالمية‪ ،‬عالوة عىل كونها‬ ‫السينما أ‬
‫ع�ات‬ ‫جميع التخصصات السينمائية عىل مدى ش‬ ‫عاصمة التلفزيون ف ي� الواليات المتحدة‪ ،‬يمنحهما‬
‫الفنان� ف ي� برامج التعليم ف ي�‬
‫ين‬ ‫السن� ودور هؤالء‬ ‫ين‬ ‫م�ات واضحة لقربهما من استوديوهات‬ ‫يز‬
‫الجامعت� يكسبهما مكانة خاصة ف ي� مجال‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫هات�‬ ‫ين‬
‫العامل� فيها‪،‬‬ ‫ين‬
‫والسينمائي�‬ ‫هوليوود السينمائية‬
‫السينما� ف ي� الواليات المتحدة‪.‬‬
‫ئ‬ ‫معينة كالتصوير‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫التعليم‬ ‫وخاصة ي� تخصصات سينمائية َّ‬
‫جامع� كولومبيا ونيويورك ف ي� مدينة‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫أن وجود‬ ‫كما َّ‬ ‫والمونتاج وهندسة الصوت والمؤثرات الخاصة‬
‫ال يم�كية السابقة قبل‬ ‫نيويورك‪ ،‬عاصمة السينما أ‬ ‫والبرصية‪.‬‬
‫همية أل َّن مدينة نيويورك‬ ‫أ‬
‫هوليوود‪ ،‬عامل بالغ ال ّ‬ ‫وتشتمل المناهج الدراسية السينمائية لجامعة‬
‫فنون‬
‫‪105‬‬
‫ع�ات ي ن‬ ‫التدريس فيها عىل مدى ش‬ ‫ئ‬
‫السينما�‬ ‫للنتاج‬ ‫أم� يك إ‬ ‫أك� مركز ي‬ ‫ثا� ب‬ ‫ن‬
‫السن�‪ ،‬كما قام‬ ‫ي‬ ‫هي ي‬
‫الالف منهم بدراسة هذه التخصصات ف� ي ن‬
‫هات�‬ ‫آ‬ ‫والتلفزيو� وتضم أشهر معاهد التمثيل‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الواقعت� عىل مقربة من هوليوود‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫الجامعت�‬ ‫والموسيقى والرقص ف ي� الواليات المتحدة‪،‬‬
‫الربع عىل أسماء‬ ‫وتؤكد كل من هذه الجامعات أ‬ ‫الشه�ة ف ي� هذه‬ ‫بفضل وجود مسارح “برودواي”‬
‫ي‬
‫وب� أعضاء‬ ‫ب� خريجيها ي ن‬ ‫المرموق� ي ن‬
‫ين‬ ‫ين‬
‫السينمائي�‬ ‫عالمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثقافيا ذا مكانة‬‫مركزا ًّ‬ ‫المدينة‪ ،‬وكونها ً‬
‫ض‬ ‫هيئات التدريس فيها ي ن‬ ‫ضمت هيئات التدريس ي� كل من هذه‬ ‫ف‬
‫المحا�ين‪،‬‬ ‫زوارها‬ ‫وب� ّ‬ ‫وقد َّ‬
‫ت‬ ‫السن� عد ًدا من كبار‬ ‫ين‬ ‫مر‬ ‫أ‬
‫ال� فاز بها‬ ‫كما تؤكد عىل الجوائز السينمائية ي‬ ‫الجامعات الربع عىل ّ‬
‫الوسكار والكرات‬ ‫خريجوها ومدرسوها كجوائز أ‬ ‫المرموق� ف ي� مختلف التخصصات‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫السينمائي�‬
‫ّ‬
‫الذهبية وجوائز المهرجانات السينمائية وجوائز‬ ‫أهمية‬ ‫ّ‬ ‫وتؤكد جامعتا كولومبيا ونيويورك عىل‬
‫النقاد‪ .‬فعىل سبيل المثال‪ ،‬تؤكد جامعة كاليفورنيا‬ ‫الكاديمية‪ .‬وتضم هيئة‬ ‫ذلك ف� مناهجهما أ‬
‫ي‬
‫واحدا من خريجيها عىل‬ ‫أن‬ ‫ف‬ ‫المعروف�ن‬ ‫ن‬
‫المخرج�‬ ‫التدريس بجامعة كولومبيا‬
‫ً‬ ‫ي� لوس أنجيليس َّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الوسكار كل سنة منذ‬ ‫القل رشح لحدى جوائز أ‬ ‫أ‬ ‫“بريان دي بالما” و”روبرت بينتون”‪ ،‬كما ضمت �ف‬
‫ُ ِّ إ‬ ‫َّ ي‬
‫العام ‪.1965‬‬ ‫الما� المخرج الراحل “ميلوش فورمان” والناقد‬ ‫ض‬
‫ي‬
‫أ‬
‫أي من هذه الجامعات الربع تقديم‬ ‫السينما� الراحل المرموق “أندرو ساريس”‬ ‫ئ‬
‫وبوسع ّ‬ ‫ي‬
‫ين‬ ‫وت�” أو “المخرج المؤلف”‬ ‫أ‬
‫السينمائي�‬ ‫قوائم طويلة بأسماء خريجيها‬ ‫صاحب نظرية “ال ي‬
‫المرموق� ‪ .‬ومن أشهر خريجي جامعة كاليفورنيا‬ ‫ين‬ ‫ئ‬
‫السينما� ‪.‬‬ ‫تعت� مخرج الفيلم مؤلفه‬ ‫ال� ب‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف ي� لوس أنجيليس الممثلون “جريجوري بيك”‬ ‫وتضم هيئة التدريس ف ي� جامعة نيويورك المخرج‬
‫كوب�ن” و”تيم نز‬
‫روي�”‬ ‫و”جيمس دين” و”جيمس ي‬ ‫ين‬
‫المخرج�‬ ‫سكورس�ي”‪ ،‬أحد أبرز‬ ‫يز‬ ‫الشه� “مارتن‬ ‫ي‬
‫و”ج� مانسفيلد” و”كارول يب�نيت” والمخرج‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫والمخرج�‬ ‫كي� المعارصين‪،‬‬ ‫أ‬
‫السينمائي� ال يم� ي ن‬
‫ين‬
‫“العراب”‬ ‫ّ‬ ‫ثالثية‬
‫“فرانسس فورد كوبوال”‪ ،‬صاحب ّ‬ ‫“أوليفر ستون” و”سبايك يل” و”م‪ .‬نايت‬
‫الشه�ة الحائز عىل خمس من جوائز‬ ‫ي‬ ‫السينمائية‬ ‫شياماالن” و”باري سوننفيلد” و”مارثا كوليدج”‬
‫الشه�ة‬ ‫أ‬
‫الوسكار والممثلة ومصممة الزياء‬ ‫أ‬ ‫و”كريس كولومبوس” و”سوزان سايدلمان” و”أنج‬
‫ي‬
‫“إيدث هيد” الحائزة عىل ثمان من جوائز أ‬ ‫“بيل كريستال” والممثل‬
‫الوسكار‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يل” والنجم الكوميدي ي‬
‫ويضم خريجو جامعة جنوب كاليفورنيا‪ ،‬عىل‬ ‫“ج�ي أوكونيل”‪.‬‬ ‫ي‬
‫المعروف� “جورج‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫المخرج�‬ ‫سبيل المثال‪،‬‬ ‫ف‬
‫ّأما بالنسبة لكل من جامعة كاليفورنيا ي� لوس‬
‫كاربن�” و”روبرت‬ ‫لوكاس” و”سام بكنباه” و”جون ت‬ ‫أنجيليس وجامعة جنوب كاليفورنيا فقد قام‬
‫زيميكيس” و”جيمس أيفوري” و”جون سنجلتون”‬ ‫وفنيوها ف ي� مختلف‬ ‫نجوم هوليوود ومخرجوها ّ‬
‫ئ‬ ‫كب� ي� هيئات‬ ‫ف‬
‫السينما� “جون ميليوس”‪.‬‬ ‫ي‬ ‫و”رون هوارد” والكاتب‬ ‫التخصصات السينمائية بدور ي‬
‫فنون‬
‫‪106‬‬

‫الوسكار‪.‬‬ ‫شملت ثالثًا من جوائز أ‬


‫“ستانل كوبريك” الذي كان‬ ‫ي‬ ‫ّأما المخرج الراحل‬
‫سكورس�ي” عىل لقب‬ ‫يز‬ ‫ينافس المخرج “مارتن‬
‫طالبا‬
‫أم� يك قبل وفاته فقد كان ً‬ ‫أفضل مخرج ي‬
‫عاديًّا ف ي� المدرسة الثانوية‪ ،‬ولم يتابع دراسته‬
‫السينما� عن طريق‬ ‫ئ‬ ‫الخراج‬ ‫الجامعية ودخل إ‬
‫ي‬
‫هواية التصوير الذي برع فيه‪ ،‬وأصبح من أشهر‬
‫أفالما‬ ‫أ‬
‫مصوري المجالت ال يم�كية قبل أن يخرج ً‬
‫يز‬ ‫أن المخرج السوري‬ ‫أ‬
‫متم�ة مثل “‪ :2001‬أوديسا الفضاء” و”الدكتور‬ ‫أيضا َّ‬ ‫ومن المثلة عىل ذلك ً‬
‫وثالث� جائزة سينمائية‬ ‫س�ينجلوف”‪ .‬وفاز بتسع ي ن‬ ‫ت‬ ‫تخصص بدراسة السينما‬ ‫الراحل مصطفى العقاد َّ‬
‫الوسكار‪.‬‬ ‫شملت جائزة أ‬ ‫ف ي� كل من جامعة كاليفورنيا ي� لوس أنجيليس‬
‫ف‬
‫ين‬
‫المخرج�‬ ‫كب� من‬ ‫ال يم� ي ن‬ ‫المخرج� أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫بحصوله عىل شهادة البكالوريوس وجامعة جنوب‬
‫كي� عدد ي‬ ‫وب�‬
‫الذين تابعوا دراساتهم الجامعية ف ي� مختلف‬ ‫الماجست�‪.‬‬
‫ي‬ ‫كاليفورنيا حيث حصل عىل شهادة‬
‫ين‬ ‫ين‬
‫للمخرج�‬ ‫الكب�‬ ‫الرغم من العدد‬
‫المخرج� الذين‬ ‫أن هناك عد ًدا من‬ ‫الحقول‪ .‬إال َّ‬ ‫ي‬ ‫وعىل ّ‬
‫الخراج‬ ‫ئ‬ ‫ف‬
‫السينمائي� الذين تخرجوا ي� هذه الجامعات‬ ‫ين‬
‫السينما� بعد ممارسة إ‬ ‫ي‬ ‫الخراج‬ ‫تحولوا إىل إ‬ ‫ّ‬
‫التلفزيو� أو كليهما‪ ،‬مثل “سيد�ن‬ ‫ن‬ ‫ين‬
‫المخرج�‬ ‫كث�ين من‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫المرسحي أو‬ ‫فإن ي‬ ‫الشه�ة َّ‬ ‫ي‬ ‫الربع‬
‫ب�” و”مارتن‬ ‫لوميت” و”جورج روي هيل” و”آرثر ي ن‬ ‫كي� تلقوا دراساتهم السينمائية ف ي� جامعات‬ ‫ال يم� ي ن‬‫أ‬
‫ريت”‪.‬‬ ‫أقل شهرة‪ ،‬ولكنهم شقوا طريقهم إىل عالم‬
‫كي�‬ ‫أ‬
‫المخرج� ال يم� ي ن‬
‫ين‬ ‫كب�ا من‬ ‫المثلة‬‫النجاح والشهرة ف� عالم السينما‪ .‬ومن أ‬
‫أن عد ًدا ي ً‬ ‫كما َّ‬ ‫ي‬
‫السينما� بعد ممارسة‬ ‫ئ‬ ‫الخراج‬ ‫تحولوا إىل إ‬ ‫الشه�‬
‫ي‬ ‫أن الدرجات المتدنية للمخرج‬ ‫عىل ذلك َّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫السينما�‪ ،‬وخاصة ي� عقدي الثالثينات‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫التأليف‬ ‫سبيلب�ج” ي� المدرسة الثانوية حالت‬ ‫ف‬ ‫ين‬
‫“ستيف�‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ين‬
‫المخرج�‬ ‫الما�‪ ،‬مثل‬ ‫ض‬ ‫والربعينات من القرن‬ ‫أ‬ ‫فتحول إىل‬ ‫دون قبوله بجامعة جنوب كاليفورنيا‪،‬‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫و”بيل وايلدر” و”هوارد‬ ‫تن‬ ‫نجل�ية والدراسات الثقافية بكلية‬ ‫ال ي ز‬ ‫دراسة اللغة إ‬
‫المشهورين “جون هيوس�” ي‬
‫ست�جيس”‪ .‬واتخذ بعضهم‬ ‫هوكس” و”بريستون ي‬ ‫ين‬
‫“ستيف�‬ ‫والية كاليفورنيا‪ .‬ومع ذلك فقد أصبح‬
‫السينما� بسبب عدم‬ ‫ئ‬ ‫الخراج‬ ‫التحول إىل إ‬ ‫قرار‬ ‫سينما� عىل شباك‬ ‫ئ‬ ‫سبيلب�ج” أنجح مخرج‬ ‫ي‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫اليرادات‬ ‫ف‬
‫تحول‬ ‫ال� كانت ّ‬ ‫رضاهم عن الصيغ السينمائية ي‬ ‫التذاكر ي� تاريخ السينما‪ ،‬وبلغت إ‬
‫إليها قصصهم السينمائية‪ .‬وحافظ معظمهم عىل‬ ‫ع�ة مليارات‬ ‫أك� من ش‬ ‫الجمالية ألفالمه ث‬ ‫العالمية إ‬
‫ئ‬
‫السينما�‪.‬‬ ‫الخراج والتأليف‬ ‫ب� إ‬ ‫الجمع ي ن‬ ‫دوالر‪ ،‬وفاز بما مجموعه ‪ 189‬جائزة سينمائية‬
‫ي‬
‫فنون‬
‫‪107‬‬
‫ئ‬
‫السينما�‬ ‫النتاج‬
‫خصبة منفتحة عىل مراكز إ‬ ‫ومع مرور الوقت وازدياد أهمية التحصيل‬
‫ي‬
‫واالستوديوهات العريقة والمراكز الريادية �ف‬ ‫وتنوع ودقة التخصصات‬ ‫ئ‬ ‫أ‬
‫ّ ي‬ ‫السينما� ُّ‬
‫ي‬ ‫الكاديمي‬
‫السينمائية‪ ،‬من المؤثرات‬ ‫تطور التكنولوجيا‬ ‫الربع الرئيسة‬ ‫السينمائية أصبحت الجامعات أ‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫الخاصة والبرصية والتصوير إىل المونتاج‬ ‫ال يم�كية‬‫ال� استعرضناها وغ�ها من الجامعات أ‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫و� واستخدام أجهزة الكمبيوتر ف ي� أفالم‬ ‫إ ت ن‬
‫اللك� ي‬ ‫الكث�ين من‬ ‫ي‬ ‫تشكّل محطات مهمة ف ي� حياة‬
‫الرسوم المتحركة‪.‬‬ ‫العامل� ف ي� مختلف القطاعات السينمائية‪،‬‬ ‫ين‬
‫أ‬
‫أن الجامعات الربع الرئيسة تنظم مهرجانات‬ ‫المخرج�‪ .‬فالدراسة ف ي� هذه الجامعات‬ ‫ين‬
‫كما َّ‬ ‫وخاصة‬
‫سينمائية دوريّة تتيح لطالبها متابعة أحدث‬ ‫ال� ينطلق‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫توفر السس الكاديمية والعملية ي‬
‫أ‬
‫وأفضل الفالم السينمائية العالمية واالحتكاك‬ ‫منها السينمائيون‪ ،‬وتتيح لهم فرصة االحتكاك‬
‫بأفضل ما تجود به المواهب السينمائية أ‬
‫ال يم�كية‬ ‫ف� ف ي�‬ ‫ت‬
‫المح� ي ن‬ ‫ين‬
‫السينمائي�‬ ‫والتعلم من كبار‬
‫والعالمية‪ .‬وهذه الجامعات هي باختصار المكان‬ ‫ين‬
‫كاديمي�‬ ‫أ‬
‫مختلف القطاعات والتخصصات ومن ال‬
‫سينمائ� المستقبل‬ ‫المثال النطالق‬ ‫أن الجامعات توفِّر لطالبها بيئة‬ ‫يز‬
‫المم�ين‪ .‬كما َّ‬
‫يي‬ ‫ي‬

‫مسارح برودواي‬
‫إبداع‬
‫‪108‬‬

‫تأويل االعتكاف‬
‫شعر‪ :‬حميد سعيد‪ /‬العراق‬

‫صفحت ِه‪..‬‬
‫ِ‬ ‫عىل‬ ‫أَتُراها؟؟‬
‫تقْب ُل آ‬
‫الملح البكا ْء؟‬ ‫َم ْن َع َّل َم َ‬ ‫ال َن إىل المقهى‬ ‫ُ ِ‬
‫اعتذرت قارئةُ ِّ‬
‫الكف‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫كما الغيمةُ‬
‫ف‬ ‫الغياب‬ ‫سمادير‬ ‫الظ ُّل‬
‫غ� غُثا ْء‬ ‫عادت ترى ي� ما ترى ي َ‬ ‫ْ‬ ‫فما‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يختار لها ِ‬ ‫ُ‬
‫‪...‬‬ ‫كرسيها الفارغ‬ ‫بالحزن إىل ّ‬ ‫ِ‬ ‫الحزن‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫يستدل‬
‫‪...‬‬ ‫البيض‬‫الغائب من أوراقها ِ‬ ‫ُ‬ ‫الح ُل ُم‬‫يدنو ُ‬
‫كان‪..‬‬‫النهر وما عا َد كما َ‬ ‫اعتك ََف ُ‬ ‫بالقادم ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫العر ُاف‬
‫ين� ّ‬ ‫يرى ما ِب ئ ُ‬
‫أخا آ‬ ‫� َء‪..‬‬ ‫ش‬
‫والنخل‪..‬‬
‫ِ‬ ‫والصفصاف‬
‫ِ‬ ‫لل ِس‬ ‫ً‬ ‫ال ي‬
‫ين‬
‫للمحب�‪..‬‬ ‫ومأوى‬ ‫الهامش‬
‫ِ‬ ‫سوى ما ترك المحو عىل‬
‫ف‬ ‫الرمل‬
‫عما جرى ي� هذه الدنيا‪..‬‬ ‫معا ّ‬ ‫تساءلنا ً‬ ‫أو ما تركَ الماحي عىل ِ‬
‫منسيةً‬
‫َو َج ْدنا ُم ُدنًا َّ‬ ‫الخطاب‬
‫ْ‬ ‫الممحو ف ي� فصل‬ ‫ِّ‬ ‫وما ضاع من‬
‫الخ ْص ِب‬ ‫الخ ْص ِب عن ِ‬ ‫تُ ْب ِع ُدها آلهةُ ِ‬ ‫المم َت ُّد‪..‬‬‫الوجع ُ‬ ‫ُ‬ ‫مر ًة إال ّ وكان‬ ‫ما التقاها َّ‬
‫ريبا‬
‫وتختار لها موتًا ُم ً‬ ‫ُ‬ ‫من ضحكتها ِالبك ِْر إىل غاب الرما ْد‬
‫معا‪..‬‬‫وتساءلنا ً‬ ‫حا�ا‪..‬‬ ‫ض‬
‫ِ ً‬
‫أ‬
‫الغام َضةُ الخرقا ُء‪..‬‬ ‫َم ْن هذه ِ‬ ‫ليل ً‬
‫طويل‬ ‫واختار لها ً‬ ‫َ‬ ‫َم ْن أَغ َل َق ال َ‬
‫بواب‬
‫أمل‪..‬‬ ‫ح� ً‬ ‫هل جاءت ل ُت ي ي‬ ‫ْ‬ ‫وحشي ٍة‬
‫َّ‬ ‫أسطورة‬
‫ٍ‬ ‫جاء من‬
‫ف‬ ‫�ض‬ ‫أ‬
‫قلت مات!‬ ‫ْلو ُ‬ ‫َم ْن أَ ْد َخ َل الغنيةَ الخ ا َء ي� ما َك َت َب ُ‬
‫الملح‪..‬‬
‫إبداع‬
‫‪109‬‬

‫أَتُراها‪..‬‬ ‫يحد ُث يل ‪..‬‬ ‫القول ما ُ‬ ‫تجاوزت بهذا ِ‬ ‫ُ‬ ‫هل‬ ‫ْ‬


‫آ‬ ‫أكون‬
‫اللغة البيضاء‪..‬‬
‫تذك ُُر الن عطايا ِ‬ ‫حيث ْ‬ ‫ُ‬
‫الكالم‬ ‫ف ي� دفء‬ ‫الجمع‬ ‫ف‬
‫مفر ًدا ي�‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫أَتُراها‪..‬‬ ‫الجنون‬ ‫ف‬
‫الحك َْمةَ ي� هذا‬
‫ْ‬ ‫قد أ َّدعي ِ‬ ‫أو ْ‬
‫افق� ُ‬
‫الليل‪..‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫تخيلنا ُه‪..‬‬
‫مما ّ‬ ‫النور الذي جئنا به ّ‬ ‫تذكر َ‬ ‫ال� كانت إذا ر ي‬ ‫القراءات ي‬
‫الظالم‬
‫ْ‬ ‫ف ي� هذا‬ ‫با�‬
‫إىل ُم ْع َ َ� يل تف َت ُح ب ي‬
‫تز‬
‫أَتراها‪..‬‬ ‫واعتذر الضو ُء لها‬ ‫َ‬ ‫تَ ِع َب ْت‬
‫تشهد آ‬
‫ال َن لنا‪..‬‬ ‫وانكرست ألحانُها‪..‬‬
‫َ َُ‬
‫يل و َلها‪..‬‬ ‫با�‬ ‫صارت ً ف‬
‫نشازا ي� َر ب ي‬ ‫ْ‬
‫طي ًبا‪..‬‬ ‫ك ّنا نرى العا َل َم ً‬
‫طفل ِّ‬ ‫‪...‬‬
‫طام‬
‫الف ْ‬
‫قر ُب من سن ِ‬ ‫يَ َ‬ ‫‪...‬‬
‫اللحظة‪..‬‬ ‫ف‬
‫تَ ِل ُج اللحظَةُ ي�‬
‫ِ‬
‫للناس ِبه‪..‬‬ ‫عهد ِ‬ ‫تغدو زم ًنا ال َ‬
‫الليل‪..‬‬ ‫ال لي ُل ُه ُ‬
‫صباح‬
‫ْ‬ ‫الصب ُح‬
‫وال ْ‬
‫واستوطنه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫رحال فيه‬ ‫ط ً‬ ‫ُّكل َمن ح َّ‬
‫ليل‬ ‫حاط ُب ْ‬ ‫ِ‬
‫معا‪..‬‬ ‫خيلنا ً‬ ‫وتَ َّ‬
‫النار‪..‬‬
‫خر َج الورد من ِ‬ ‫أن تُ ِ‬ ‫ْ‬
‫خضار !‬ ‫الجمر‬ ‫ف‬
‫تزر َع ي�‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫وأن َ‬ ‫ْ‬
‫ش‬
‫�‪..‬‬ ‫ُّكل َم ْن كان هنا من بَ َ ٍ‬
‫ال َن‪..‬‬ ‫يعتك ُف آ‬
‫ِ‬
‫كان هنا من َش َج ٍر‪..‬‬ ‫وما َ‬
‫يعتك ُف الن‪..‬‬ ‫آ‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫تدور الرض ي� يغ� مدار ال ِرض ‪..‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫بزمان‬
‫الشمس زمانًا ْ‬ ‫ُ‬ ‫واستبدلت‬
‫‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫إبداع‬
‫‪110‬‬

‫ب‬
‫الح ّ‬
‫خمس ترويدات عن ُ‬
‫ّ‬
‫األردن‬ ‫شعر‪ :‬جالل برجس‪/‬‬

‫و� شمالنا خطايانا الجميلة‬ ‫ف‬ ‫‪-1-‬‬


‫لك نموت ي‬ ‫ي‬
‫و� ي ن‬
‫اليم�‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫وردة اسمها الحياة‪.‬‬ ‫الح ّب‬ ‫نَكْ ُت ُب عن ُ‬
‫يتجول ي� الطرقات‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ل َّن الموت َّ‬
‫‪-2-‬‬ ‫َّ� من َم ْع َدن‬ ‫بخف ي ْ ن‬
‫ُ ِ‬
‫ت‬
‫ونحن نيام يقلقنا ح� َه ِس ْي ُس بعوضة‬
‫تقول له‬ ‫كسولة ف ي� الفراغ‬
‫أ‬ ‫الح ّب‬
‫حبي� لنىس ب ي‬
‫حبي�‬ ‫كُن ب ي‬ ‫نكتب عن ُ‬
‫خدوش الغياب عىل وجنة القلب ‬ ‫َ‬ ‫فأنىس‬ ‫أل َّن ال ّليل صار أ ْط َول‬
‫ف‬ ‫الط�ان‬ ‫ف‬
‫وأزر ُع ي� الجرح مكان الملح‬ ‫من حلم دجاجة ي� ي‬
‫َور َد المجاز‬ ‫ول َّن حنجرة الصباح مصابة بالرسطان‬ ‫أ‬
‫يقول لها‪:‬‬ ‫الح ّب‬ ‫نكتب عن ُ‬
‫أ‬
‫نبيا لمسح َّكل هذا الىس‬ ‫أ‬
‫لست ًّ‬ ‫ُ‬ ‫أل َّن الغزاة ضاجعوا بَ َنات أفكارنا‬
‫قلبك بال ُّنجوم‬ ‫أ‬ ‫الظه�ة‬ ‫ونحن نحلم ف ي�‬
‫لست إل ًها ل ْرشق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ف ََي ْن َهال الضوء‬ ‫السبوع‬ ‫ببالد تأخذنا ف� نهاية أ‬
‫ي‬
‫ن‬ ‫الح َبق‬ ‫ف‬
‫أغا� ال َّنماء‬
‫وتَ َص ْعد من فَم الكلمات ي‬ ‫إىل نُ ْزهة ي� ُس ُهوب َ‬
‫تقول له‪:‬‬ ‫الح ّب‬ ‫نكتب عن ُ‬
‫إبداع‬
‫‪111‬‬

‫تحبه‬‫هي لم ّ‬ ‫حبي� ألشفى من الذكريات‬ ‫كُن ب ي‬


‫المر‬ ‫كل ما ف� أ‬ ‫يقول لها‪:‬‬
‫ي‬
‫ف‬
‫أنها َل ْم تَ َر ي� ذلك اليوم وجهها‬ ‫ض� عن الفقد‬‫ن‬
‫تعو ي‬ ‫ليس يل ّأم ِّ‬
‫قل� بك�تقالة‬ ‫أ‬
‫البحر‬
‫َ‬ ‫فأغ َْرت‬ ‫لعرص ب ي‬
‫وهي تق ِّلد شكل سمكة‬ ‫وأتركه ناشفًا‬
‫يمد إىل فمها‬ ‫فجاء ُّ‬ ‫الخطى‬ ‫فأسقيك دواء ُ‬ ‫ِ‬
‫َيده المالحة‬ ‫تقول له‪:‬‬
‫تَ ش َ� َدقَت بالملح ي ن‬ ‫حبي�‬
‫ح� رأت وجهها‬ ‫ْ‬ ‫كُن ب ي‬
‫ف‬ ‫قل�‬ ‫أ‬
‫متكسا ي� الماء‬ ‫ًّ‬ ‫لنىس صفعة آدم عىل وجه ب ي‬
‫فراحت تنادي عذوبة ال َّنهر‬ ‫كأي امرأة دونما دمعة‬ ‫فأغفو ّ‬
‫أ‬
‫خد المنية‬
‫الذي كان قد تَ َن َّحى يمي ًنا‬ ‫تسح عىل ّ‬ ‫ّ‬
‫يغ� للرمال‬ ‫ن‬ ‫يقول لها‪:‬‬
‫وأخذ ي‬
‫الجديدة‪.‬‬ ‫كو� حبيب�ت‬ ‫ن‬
‫يكابد وعورة َد ْربه َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ألنىس هذا الذئب‬
‫‪-4-‬‬ ‫الذي يَ ُج ْوح عىل جبل‬
‫ف ي� َس ِديْم الخديْعة‪.‬‬
‫أيها العاشق‬
‫ارسم ف ي� الجدار‬ ‫‪-3-‬‬
‫قرب رسير نومك ً‬
‫رجل‬
‫يبك بصمت‬ ‫ي‬ ‫حبه‬‫هي لم تُ ّ‬
‫لفرط الغياب‬ ‫المر‬ ‫كل ما ف� أ‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫كسورا‬
‫ً‬ ‫الريح أن تداوى‬
‫كطائر ينتظر َ‬ ‫أنها كانت كشجرة‬
‫الجنحة‬‫ف� أ‬ ‫اعتادت ُم ُر ْو َر الن ّهر عند بَدنها‬
‫ي‬
‫الد ْرب‬ ‫ف‬
‫وارسم عىل َم َهل‬ ‫ُست ساقُه ي� َّ‬ ‫وعندما ك ِ َ‬
‫تأ� وتحتضنه‬ ‫ت‬ ‫تهز جذْ َعها َأمام ْ‬
‫البحر‬ ‫راحت ُّ‬
‫امرأة ي‬
‫في ْج ِهش عىل صدرها‬ ‫ُ‬ ‫نخ َلة‬
‫رغم أنَّها ليست ْ‬
‫مستشي ً‬
‫طا بالبكاء‬ ‫البحر منشغل بحوريات‬ ‫أن ّ‬ ‫ورغم َّ‬
‫بالس ِكينة‬
‫ثم ارسمه ينام مصابًا ّ‬ ‫ا ْع ْتدن ما َءه المالح‬
‫إبداع‬
‫‪112‬‬

‫وامرأة بيضا َء‬ ‫ونَ ْم‬


‫تم� حافية عىل ِر ْسل َس ِكي َن ِت َها‬ ‫ش‬ ‫صباحا‬
‫ً‬ ‫ستصحو‬‫رغم أنَّكَ ْ‬
‫ي‬
‫طمئنة للفراغ‬ ‫مالبسها م ْ‬ ‫َ‬ ‫تخلع‬ ‫ْ‬ ‫عىل صوت بكاء‬
‫البحر‬ ‫ف‬
‫وتَق ِْفز ي� ْ‬ ‫قادم من فم الجدار‬
‫الصفحة‬
‫تضن ّ‬ ‫دون أن تالحظ وأنا ْأح ُ‬ ‫ورغم أنَّكَ ستجد‬
‫ن‬
‫بجبي�‬ ‫أن رذاذًا ارتطم‬ ‫َّ‬ ‫وسادتكَ مب َّللة بالدموع‪.‬‬
‫ي‬
‫ثم َس ّح‬
‫هي ًنا‪ِّ ...‬لي ًنا‬ ‫ِّ‬ ‫‪-5-‬‬
‫ب� شف�ت‬ ‫واستقر ي ن‬
‫يّ‬ ‫َّ‬
‫َير ّطب َح ْل َق َ‬
‫البال‬ ‫ك َّلما َج ّف ف ي� آخر الليل ِر ُيق البال‬
‫فأغ� ف ي� آخر الليل‬ ‫ِّ ي‬
‫ن‬ ‫الح ِّب‬
‫ِبدالء ُ‬
‫ق َُّدام فضيحة الظالم‬ ‫ئ‬
‫أنْ َت ِش ُل الما َء من ب� الذاكرة‬
‫طي ال ُّنعاس‬ ‫بد� ل� ّ‬
‫وأنا أس ّل ُم ن ي ش‬ ‫أ ْدلقه ف ي� الصفحة‬
‫لج ّلس المجاز‬ ‫أغنية بيضاء ُ‬ ‫أبيض للشاطئ‬ ‫رمل َ‬ ‫بعد أن ْأرسم ً‬
‫إبداع‬
‫‪113‬‬

‫نهايات الفصول‬
‫شعر‪ :‬محمد سمحان‪ /‬األردن‬

‫َـــــــه الذُّ بُ ُ‬
‫ــول؟!‬ ‫ُ‬ ‫ــــر أ ْد َرك‬
‫والع ْم ُ‬ ‫ظــل عندكَ ما تق ُ‬
‫ُول‪ُ ،‬‬ ‫هل َّ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫يـــــــل‬ ‫ت‬
‫ـــــ� ُق الف َِت‬
‫ُــــــــم يَ ْح َ ِ‬
‫َّ‬ ‫زيــت ف ي� ِس ِاجكَ ‪ ،‬ث‬
‫ٍ‬ ‫ات‬ ‫َق َ‬
‫طر ُ‬
‫الر ِح ُ‬
‫يــــل‬ ‫ف‬ ‫ْأو َغ ْل َ ف ت‬
‫الدنْيـــــا‪ ،‬وقد أزف َّ‬
‫ـــال‪ ،‬ي� ُّ‬
‫ال� َح ِ‬
‫ـــت ي� َّ ْ‬
‫ال ُ‬ ‫طـــلع ف� السـماء‪ ،‬وبعــــد مط ْلعـــــها أ‬
‫فـــول‬ ‫ِ‬ ‫مس ت َ ُ ي َّ ِ َ ْ َ‬ ‫كالش ِ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫تـــزول‬ ‫ـطعت‬
‫ْ‬ ‫يـــرها يومـــًا‪ ،‬كمـــا َس‬
‫ـــوم َم ِص ُ‬ ‫ُّ‬
‫كــــل ال ُّن ُج ِ‬
‫ــــحق ٌُه الق َِل ُ‬
‫يـــــل‬ ‫قد َم�ض ‪ ،‬وغ ً‬
‫َـــــدا َس َي ْل َ‬ ‫ــركَ ْ‬
‫يـــــر ُع ْم ِ‬
‫وك َِث ُ‬
‫ــــــد ُول‬ ‫أ‬
‫ــــــض ُتها تَ ُ‬
‫َ‬ ‫هي دولـــةُ اليَّ ِ‬
‫ــــام‪ ،‬ت ْنــ َه ُض‪ ،‬ثُـــــَّم ن ْه‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ـــــــول؟!‬ ‫ـــــــــال ال تَ ُح‬
‫ٍ‬ ‫وأي َح‬
‫مـــــان‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الز‬ ‫حـــــال يُ َق ِّل ُ‬
‫ـــــب ُه َّ‬ ‫ٌ‬
‫ط ُل ُ‬
‫ــول؟‬ ‫ـــــل َس ُت ْؤ ِن ُسـكَ ال ُّ‬
‫ــول‪َ ،‬ف َه ْ‬ ‫وحدكَ ف ي� ال ُّ‬
‫ط ُل ِ‬ ‫ْأم َس ْي َت ْ‬
‫الج ِم ُ‬
‫يــــل‬ ‫الـــز َم ُن َ‬
‫َّ‬ ‫ومــا َطـــوى‬ ‫يات َ‬ ‫ــر فيـها الذِّ ك َ‬
‫ْـــر ِ‬ ‫تَ ْج َت ُّ‬
‫ـــــــل تَ ُص ُ‬
‫ـــــول‬ ‫ــ� ٍك ِبـــــال َو َج‬‫ت‬ ‫ـــت ِبكـ ُ ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ـــل ُم ْع َ َ‬ ‫ــام ك ْن َ‬
‫أيّ َ‬
‫إبداع‬
‫‪114‬‬

‫فيشــتفي ِم ْنـــكَ الغَ ِل ُ‬


‫يـــــل‬ ‫يــاة َ‬
‫الح ِ‬‫ـــع َ‬
‫ـــب ِم ْن ُم َت ِ‬
‫وتَ ُع ُّ‬
‫الم ْسـ َت ُ‬
‫حيــل‬ ‫ــــحيل فَمـــا َعصـــاكَ ُ‬
‫ِ‬ ‫الم ْس َت‬ ‫وض َخ ْي َ‬
‫ـــل ُ‬ ‫وتَ ُر ُ‬
‫الو ُص ُ‬
‫ـــول‬ ‫عــــز ُ‬
‫َّ‬ ‫ــت َم ْن تَ ِب ُعـــوكَ يك يَ ِصلــــوا‪ ،‬وقد‬
‫أتْ َع ْب َ‬
‫ُ‬
‫ويــــــل‬‫ط‬‫مــــان وخـــــانَك البـــا ُع ال َّ‬
‫الز ُ‬ ‫دار َّ‬
‫قد َ‬‫ــــو َم ْ‬
‫والي ْ‬‫َ‬
‫ــرف الرفيــع‪ ،‬وال أ‬
‫ال ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫صــول‬ ‫الش ُ َّ ُ‬ ‫اليــوم‪ ،‬ال ّ‬
‫َ‬ ‫المـال يُ ْجدي‬ ‫ال‬
‫ُ‬
‫ـــــــويل‬ ‫الع‬
‫ـــــتبد ِبــــها َ‬
‫ُّ‬ ‫يس‬
‫بروحـــــك ْ‬
‫ـــة ِ‬ ‫ف ي� ِّ‬
‫كـــل زاويَ ٍ‬
‫ُ‬
‫يطــــول‬ ‫عز ُمــــــكَ ال‬
‫حيــــن ْ‬
‫َ‬ ‫دانيـــات‬
‫ٌ‬ ‫المبــاهج‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫كـــل‬
‫َ‬
‫الفلـــــول‬ ‫قت عنــكَ‬
‫وتفـــــر ْ‬
‫َّ‬ ‫فاســ َت ِك ْن‬
‫ــت جيـــوشكَ ْ‬
‫ُه ِز َم ْ‬
‫ُ‬
‫الخليــــل‬ ‫الرفيــق‪ ،‬وال ال َّنديــم‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫يبــــق حــولكَ ال‬
‫َ‬ ‫ْلم‬
‫ُ‬
‫الهمــــول‬ ‫مــــع‬
‫والد ُ‬ ‫ات َّ‬
‫ات والزفــــر ُ‬
‫تنتـــابكَ الحســــر ُ‬
‫ُ‬
‫تــــــؤول‬ ‫مــوت‬
‫ٍ‬ ‫حفلـــت إىل‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫بكـــل ما‬ ‫بئــــس الحيــــاة‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫هــــول‬ ‫فيعــروكَ الذُّ‬
‫حيــن تجلــوها ْ‬
‫َ‬ ‫الحقيـــقة‬
‫ِ‬ ‫ــــع‬
‫وج ُ‬ ‫َ‬
‫ــت ِن َهــايَ َتها الف ُُص ُ‬
‫ــــول؟‬ ‫الدنيـــا إذا بَ َلغَ ْ‬
‫قيـــمةُ ُّ‬
‫َ‬ ‫مــا‬
‫ــــز ْم َم َتــــا َعكَ يا نَ ِز ُ‬
‫يـــــل‬ ‫فاح ِ‬ ‫ـــــز ٌل‪ ،‬وأغْــ َل َق بَــــابَ ُه‪ْ ،‬‬
‫نُ ُ‬
‫إبداع‬
‫‪115‬‬

‫حياة الجديدة‬
‫شعر‪ :‬محمد محمد السنباطي‪ /‬مصر‬

‫يا َ‬
‫أجمل من قصة حب‬ ‫وأنا ف ي� هذا العمر‬
‫محرومه‬
‫ْ‬ ‫تقرأها بنت‬ ‫المشبوبه‬
‫ْ‬ ‫السن‬
‫جاوزت َّ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫أ‬
‫أجمل من ضحكات الطفال الطازجة‬‫يا َ‬ ‫أشع ُل سيجارة ب ي‬
‫قل� بالثلج‬ ‫ِ‬
‫ومن ضحكات أ‬ ‫وهام حساء‬ ‫أ‬
‫الزهار الناعمة‬ ‫تشف ال َ‬ ‫وأر ُ‬
‫ومن ضحكات أ‬
‫الطيار الهائمة‬ ‫الدا�ف‬
‫ئ‬ ‫تنفرج الغيمات عن الوجه‬
‫الم�اكم فوق شفاهي‬ ‫ال�د ت‬
‫ومن ضحكات القلب‬ ‫فيذوب ب َ َ‬
‫آ‬ ‫مبتهج‬ ‫ئ� ضو ٌء‬ ‫ت‬
‫إذا ما ذاق حالوة تحقيق المال‬ ‫ٌ‬ ‫يدخل ر ي‬
‫ينتعش الوجدان صفا ًء وعذوبة‬
‫***‬ ‫الضالع‬‫ب� أ‬ ‫ويدق الخافق ي ن‬
‫حي‬ ‫ن‬
‫ساعات‬
‫ٍ‬ ‫أنتظرك‬ ‫ويعلن يّأ� ّ‬
‫الطائر عن بُعد‬ ‫جناح‬ ‫أ‬
‫ِ‬ ‫لرى رفرفة ِ‬
‫ساعات‬
‫ٍ‬ ‫أنتظرك‬ ‫***‬
‫الالمسموعه‬
‫ْ‬ ‫ألرى تغريدتك‬
‫وأحس بموجات هواء‬ ‫ُّ‬ ‫شمس‬
‫أجمل من ٍ‬‫يا َ‬
‫وحركت ِك‬
‫ِ‬ ‫ب� القلب‬ ‫تتذبذب ي ن‬ ‫ئ‬
‫تتك عىل قمة تل‬
‫عىل أرض الشارع‬ ‫يا َ‬
‫أجمل من جدول ماء‬
‫للنافذة‬ ‫فتحك‬ ‫أو‬ ‫يتغ� فوق أ‬
‫الحجار‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إبداع‬
‫‪116‬‬

‫وإغضا ِئ ِك‬
‫تنش� ِك لمالبسك‬ ‫أو ي ِ‬
‫المتشوق‬
‫ّ‬ ‫عىل الحبل‬
‫آخر أيًّا كان‬
‫� ٍء َ‬ ‫ش‬
‫أو ي‬

‫***‬

‫عنك‬
‫صدر ِ‬
‫مما يَ ُ‬‫ليس هنالك أجمل ّ‬
‫نبع الديمومة‬ ‫كأنك ُ‬‫ِ‬
‫الدفء اليانع‬‫ِ‬ ‫نبع‬
‫النشوات‬
‫ْ‬ ‫نبع‬
‫وأنا ي� هذا العمر‬ ‫ف‬
‫وشتاءات‬
‫ْ‬ ‫شتات‬
‫ومن بعد ٍ‬
‫الدا�ف‬
‫ئ‬ ‫تنفرج عن الوجه‬
‫الغيمات‬
‫ْ‬ ‫آالف‬
‫ت‬
‫الثلج الم�اكم‬
‫فيذوب ُ‬
‫فوق شفاهي‬
‫ئ� ضو ُء الشمس‬ ‫ت‬
‫يدخل ر ي‬
‫وينتعش الوجدان صفاء‬
‫الخافق‬
‫ُ‬ ‫ويدق‬
‫ب� الضالع‬ ‫أ‬ ‫ين‬
‫ليعلن‬
‫يّأ� حي‬ ‫ن‬ ‫ ‬
‫إبداع‬
‫‪117‬‬

‫خيبات صغيرة‬
‫قصص‪ :‬أميمة الناصر‪ /‬األردن‬

‫أك�ث أ‬ ‫لم ت‬
‫للمر‪ ،‬ع َّلق زوجي عىل غيابها إنَّها ربَّما‬ ‫كوب ماء‬
‫وجدت ضا ّلتها ف ي� بيت ف ي� هذه المنطقة وإنَّها‬ ‫با� ذات‬
‫ال� طرقَت ب ي‬
‫ت‬
‫كث�ا بأمر المرأة ي‬ ‫أهتم ي ً‬ ‫َل ْم ّ‬
‫يز‬
‫بتجه�ه‪.‬‬ ‫مشغولة‬ ‫ظه�ة طالبة كوبًا من الماء‪.‬‬ ‫ي‬
‫كنت أج ِّهز طعام الغداء‬ ‫ظه�ة وبينما ُ‬ ‫لكن ذات ي‬ ‫ترصفها يغ�‬
‫أن ُّ‬‫زوجي َّزم شفتيه مبديًا قناعته َّ‬
‫ت‬
‫لمح ُتها من النافذة‪ ،‬كانت تق�ب بهدوء وقد‬ ‫الئق‪.‬‬
‫سارعت إىل فتح الباب‬ ‫ُ‬ ‫حم َلت شي ًئا ف ي� يديها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يوم� رأيتها من نافذة المطبخ‪ ،‬تدخل بوابة‬ ‫بعد ي ن‬
‫دفع� إىل دعوتها إىل طعام‬ ‫ن‬ ‫وال أدري ما الذي‬ ‫الكب�ة وت َّتجه بخطوات ثابتة نحو باب‬ ‫الحديقة ي‬
‫ي‬
‫الغداء‪.‬‬ ‫ناديت زوجي الذي َّزم شفتيه بامتعاض‬ ‫ُ‬ ‫البيت‪،‬‬
‫مدت يديها بهديّة ملفوفة بعناية‪ ،‬بدت المرأة‬ ‫َّ‬ ‫أك� وهو يراقبها قادمة‪.‬‬ ‫ب‬
‫أن شي ًئا من الكحل قد‬ ‫الحظت َّ‬
‫ُ‬ ‫أك� أناقة وقد‬ ‫ث‬ ‫لت�ب كوبًا من‬ ‫بت بها ورجوتُها أن تدخل ش‬ ‫رح ُ‬ ‫َّ‬
‫أخذ طريقه إىل عينيها مع طبقة خفيفة من‬ ‫ت�‬ ‫قليل قبل أن توافق ب ن‬ ‫الشاي‪ ،‬تم َّن َعت ً‬
‫وأخ� ي‬
‫المكياج‪.‬‬ ‫ف‬
‫م� أنَّها تريد استئجار بيت ي� هذه‬ ‫ن‬
‫دون سؤال ّ ي‬
‫ت‬ ‫ت‬
‫ضقت ذر ًعا بها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تأ� باستمرار ح�‬ ‫ظ َّلت المرأة ي‬ ‫المنطقة الهادئة‪.‬‬
‫وشؤو� الخاصة‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫تتدخل ف ي� شؤون البيت‬ ‫صارت َّ‬ ‫الكث�‬
‫قص�ة فيها ي‬ ‫توالت زيارات المرأة‪ ،‬زيارات ي‬
‫ن‬
‫ت� أنَّ ي� سمينة‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫من عبارات المجاملة‪ .‬شت�ب فنجان قهوتها‬
‫وأخ� ي‬
‫تجرأت ذات يوم ب‬ ‫ح� أنَّها َّ‬
‫كث�ا‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ً‬
‫يناسب� ي ً‬ ‫ي‬ ‫وأن الثوب الذي أرتديه ال‬ ‫قليل َّ‬ ‫قص�ة‪.‬‬
‫رسيعا مع ابتسامة ي‬ ‫وتغادر ً‬
‫ال�فة أنا وزوجي‪ ،‬كان ال ّبد أن‬ ‫ف ي� أمسياتنا عىل ش‬ ‫ف‬ ‫ط َعت زيارات المرأة أسبو ًعا ً‬
‫كامل‪ .‬ي� الحقيقة‬ ‫انق َ‬
‫إبداع‬
‫‪118‬‬

‫أيضا وهي‬ ‫قد يحدث ذلك بحسب اعتقادها ً‬ ‫غض� عىل‬


‫أصب جام ب ي‬ ‫نعرج للحديث عنها‪ ،‬أنا ُّ‬ ‫ّ‬
‫الحي الوحيدة‪،‬‬ ‫وسمحت لها أن‬ ‫فتحت لها الباب‬ ‫ن‬ ‫أ‬
‫نفس لنَّ ي�‬
‫حبات البندورة من بقالة ّ‬ ‫تختار ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫اللحام أن يقطع لها الدجاجة‬ ‫أو وهي تطلب من ّ‬ ‫غض� ويقول‬ ‫تشاركنا الطعام‪ ،‬وزوجي يهدهد ب ي‬
‫ثمانية قطع ويسلخ جلدها‪ ،‬أو ربَّما وهي تجلس‬ ‫المر ال يستحق كل هذا الغضب‪.‬‬ ‫إن أ‬
‫َّ‬
‫المارة‪.‬‬
‫تحص ّ‬ ‫ي‬ ‫عىل عتبة بيتها‬ ‫وبدأت أفكر بكل وسيلة‬ ‫ُ‬ ‫شغل الشاغل‪،‬‬
‫ي‬ ‫صارت‬
‫لكن ذلك لم يحدث‪.‬‬ ‫أمنعها فيها من زيارتنا ومشاركتنا الطعام وهواء‬
‫يهزون‬‫الحي لسنوات طويلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�فة وأكواب الشاي‪.‬‬ ‫ش‬
‫وأهال ّ‬‫ي‬ ‫ظل الباعة‬
‫صغ�ة ماكرة‪ ،‬ك ّلما‬ ‫ت‬
‫تأ�‬
‫ي‬ ‫رؤوسهم مع ابتسامات‬ ‫تماما ولم ُتعد ي‬ ‫أخ�ا اختفت‪...‬اختفت ً‬ ‫يً‬
‫الحي بزينتها المضحكة ومالبسها‬ ‫ط َّلت من أعىل ّ‬ ‫تماما‪.‬‬
‫وكذلك زوجي اختفى‪ ...‬اختفى ً‬
‫ف‬
‫صغ�ة ي� ظهرها‪.‬‬‫البسيطة وانحناءة ي‬

‫وحدة‬ ‫موت غير هادئ‬


‫ن‬ ‫بقوة‬
‫أس َّ‬ ‫تماما‪ ،‬كان ذلك ي ن‬
‫السودا�‬
‫ي‬ ‫بائع الفول‬ ‫ح� اصطدم ر ي‬ ‫مت ً‬ ‫ُّ‬
‫الواقف مع عربته‪ ،‬عىل ناصية شارع مزدحم‬ ‫ب�ء صلب‪.‬‬ ‫ش‬
‫ي‬
‫ين‬
‫صامت�‬ ‫كث�ا‪ ،‬وقفوا‬
‫شعر بالوحدة الكاملة‬ ‫يبد عليهم التأثُّر ي ً‬ ‫أوالدي لم ُ‬
‫إضافيا عىل قيمة‬
‫ًّ‬ ‫ح� أنقدته سيدة جميلة مبلغً ا‬‫ين‬ ‫دون دموع تُذكر‪.‬‬
‫ما ت‬ ‫فو� ي� طريقه للمطبخ إلعداد‬ ‫ف‬ ‫ق‬
‫اش�ت‪.‬‬ ‫مر من ي‬ ‫زوجي َّ‬
‫فنجان قهوة‪.‬‬
‫رصاصات‬ ‫كنت غاضبة ولم‬ ‫نهضت بخفّة‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ح� ناموا‬ ‫ين‬
‫أس أطلقها‬ ‫ف‬
‫مت قبل قليل؛ ثالث رصاصات ي� ر ي‬ ‫ُّ‬ ‫ابن� ف ي� غرفتها‬
‫ت‬
‫أرغب برؤية أحد منهم‪ ،‬لكن بكاء ي‬
‫ش� صوت الرصاصات‪ّ ،‬‬ ‫جندي يائس‪ ّ .‬ن‬ ‫السمع‪ ،‬كانت تواصل القول‬ ‫استوقف� ‪ .‬ت‬ ‫ن‬
‫وكل ما‬ ‫دو ي‬ ‫قت ّ‬ ‫اس� ُ‬ ‫ي‬
‫أحسست به دماء لزجة عىل عنقي‪.‬‬ ‫ب� دموعها‪ :‬لو داف ََعت عن حياتها ألنقذتنا‪،‬‬ ‫من ي ن‬
‫الرض مي ًتا‪ ،‬ت‬ ‫ما إن ارتميت عىل أ‬ ‫أنانية‪.‬‬
‫صحوت‬
‫ُ‬ ‫ح�‬ ‫ُ‬ ‫كم كانت ّ‬
‫كث�ة ألناس قدموا نحوي وعانقو�ن‬ ‫عىل أصوات ي‬
‫ي‬
‫التفك�‬
‫ي‬ ‫تشغل� عن‬‫ن‬ ‫بحرارة بالغة‪ .‬ثك�تهم لم‬ ‫هي‬
‫ي‬
‫تبكي� بحرقة‬ ‫الن بالتأكيد ن‬ ‫بابن� الصغ�ة؛ هي آ‬ ‫ت‬ ‫لم تكُن تخرج من بيتها ّإل بكامل زينتها؛ إذ ال‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وترصخ بأعىل صوتها‪“ :‬بابا‪ ..‬بابا”‪.‬‬ ‫يفت� بها أحدهم ذات‬‫ّبد بحسب اعتقادها أن ت ن‬
‫ف� ما يشبه أحالم أ‬ ‫طالبا يدها‪.‬‬
‫سمعت صوتها بالنداء‬ ‫ُ‬ ‫الحياء‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يوم‪ ،‬فيطرق باب بيتهم بعنف ً‬
‫إبداع‬
‫‪119‬‬

‫التعب� عن خوالج نفسها‬ ‫ي‬ ‫وذكيا ف ي�‬


‫ًّ‬ ‫المشهد‬ ‫ذاته‪“ :‬بابا‪ ..‬بابا”‪.‬‬
‫أ‬
‫تتطور الحداث‪.‬‬ ‫المضطربة ي ن‬
‫ح� َّ‬ ‫تتقدم الجموع نحوي بعد أن أصيبت‬ ‫كانت َّ‬
‫سينتهي دورها هنا‪ ،‬لم تفكر كيف سينهي الكاتب‬ ‫بطلقت� ف ي� صدرها‪.‬‬
‫ين‬
‫قصة‪.‬‬ ‫ف‬
‫القصة‪ ،‬المهم أنها صارت امرأة ي� ّ‬ ‫ّ‬
‫كث�ا‪ ،‬فقد غاب‬ ‫ال�فة ي ً‬ ‫يستمر وقوفها عىل ش‬‫ّ‬ ‫لم‬ ‫قصة‬‫امرأة في ّ‬
‫قصة‪ ،‬امرأة تقف كل‬ ‫ف‬
‫المارة كلهم ومات الكاتب وتفكَّكت خيوط‬ ‫ّ‬ ‫قر َرت أن تكون امرأة ي� ّ‬ ‫َّ‬
‫القصة‪ ،‬وظ َّلت هي عالقة مع وجه أحد ّ‬
‫المارة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يوم عىل ش�فتها المط ّلة عىل الشارع‪ ،‬حيث يك�ث‬
‫وال�فات‪ ،‬و َع ِل َق مع‬ ‫الذي غابت عنه كل البيوت ش‬ ‫ح� يلفت انتباهها أحدهم‪،‬‬ ‫المارة‪ ،‬تف�اقبهم ت‬
‫ّ‬
‫رسها الكُ ّتاب‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ثم ال تعود تراقب يغ�ه‪.‬‬
‫امرأة تقف عىل �فتها‪ ،‬تلعن ي� ِّ‬
‫ال�فات‬ ‫المنسيات عىل ش‬ ‫ونساءهم‬ ‫ف‬
‫ماهرا ي� التقاط تفاصيل‬
‫ّ‬ ‫تم َّنت أن يكون الكاتب ً‬
‫ترجمات‬
‫‪120‬‬
‫ترجمات‬
‫‪121‬‬

‫كالين‬
‫قصة‪ :‬كيت شوبان*‬
‫ّ‬
‫ترجمة‪ :‬محمد ناصر صالح‪ /‬األردن‬

‫والذي كانت تلتمع فيه خطوط سكة حديد طريق‬ ‫تماما ف ي� الغرب بالقدر الذي‬ ‫كانَ ْت الشمس بعيد ًة ً‬
‫تكساس‪ -‬المحيط الهادئ‪.‬‬ ‫ف‬
‫يكفي إللقاء ظالل تغري المرء‪ .‬ي� وسط حقل‬
‫ح� خرجت ي ن‬ ‫ين‬ ‫الت� هناك‪ ،‬كانت‬ ‫و� ظل كوم من ب ن‬ ‫ف‬
‫قطارا‬
‫ً‬ ‫“كال�” من الظل‪ ،‬شاهدت‬ ‫صغ�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫ال� يستق ّلها المسافرون يقف‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫إحدى الفتيات تستلقي نائمةً ‪ .‬كانت قد نامت ً‬
‫نوما‬
‫طويل من العربات ي‬
‫ين‬
‫متوقف�‬ ‫ف ي� مرمى البرص‪ ،‬حيث ال بد وأنهم كانوا‬ ‫� ٌء ما فجأة‪،‬‬ ‫ش‬
‫ح� أيقظها ي‬
‫طويلة ي ن‬
‫ٍ‬ ‫ولف�ٍة‬‫عميقًا ت‬
‫مفاجئ‪ .‬كان هذا التوقف المفاجئ هو‬ ‫ٍ‬ ‫نحو‬
‫عىل ٍ‬ ‫لوهلة‬
‫ٍ‬ ‫وحدقت‬ ‫كما لو كان ض�بةً ‪ .‬فتحت عينيها ّ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الذي أيقظها‪ ،‬لن مثل هذا المر لم يحدث ً‬ ‫ومدت رجليها‬ ‫أ‬
‫قبل‬ ‫للعىل إىل السماء الصافية‪ .‬تثاءبت َّ‬
‫غبيةً ف ي� البداية‪ ،‬وعىل‬
‫ضمن ما تتذكر‪ ،‬وبدت ّ‬ ‫بكسل‪ .‬ثم نهضت‬ ‫ٍ‬ ‫المسمرة‬
‫ّ‬ ‫وذراعيها الطويلة‬
‫� ٍء من الذهول‪ .‬بدا كما لو كان هناك ٌ‬ ‫ش‬ ‫ال� تع ّلقت بشعرها‬ ‫ت‬ ‫قلقة بشأن ِق َ‬
‫خلل ما‬ ‫ي‬ ‫طع القش ي‬ ‫يغ� ٍ‬
‫ف ي� المحرك‪ ،‬وبعض المسافرين الذين نزلوا من‬ ‫السود‪ ،‬وبلوزتها الحمراء‪ ،‬وتنورتها القطنية‬ ‫أ‬
‫ين‬
‫المكشوفت�‪.‬‬ ‫ال� لم تبلغ كاحليها‬ ‫ت‬
‫لتحري‬‫ّ‬ ‫عرباتهم قد ذهبوا إىل مقدمة القطار‬ ‫الزرقاء‪ .‬ي‬
‫المشكلة‪ .‬هذا بينما جاء آخرون يتمشون باتِّجاه‬ ‫الشجار الذي‬ ‫كان الكوخ المصنوع من قطع أ‬
‫الكوخ‪ ،‬حيث كانت ي ن‬ ‫ال� كانت‬‫ت‬
‫توت‬ ‫“كال�” تقف تحت شجرة ٍ‬ ‫تسكنه مع والديها خارج المساحة ي‬
‫تحدق‪ .‬أوقف والدها بغله عىل نهاية صف‬ ‫الرض مقصوصة‬ ‫تنام فيها‪ .‬وراءه كانت قطعة أ‬
‫هرمة‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬متك ًئا عىل مجرفته‪.‬‬ ‫الشجار تؤدي عملها كمزرعة للقطن‪ .‬كل ما عدا‬ ‫أ‬
‫القطن‪ ،‬ووقف يحدق ً‬
‫كان الجمع يحتوي عىل سيدات‪ .‬ك َُّن يرسن‬ ‫ذلك كان يشكل غابةً كثيفةً ‪ ،‬باستثناء االمتداد‬
‫جزماتهن ذات الكعوب العالية فوق‬ ‫ّ‬ ‫تباك ف ي�‬
‫بار ٍ‬ ‫ينح� حول حافة التلة‪،‬‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫الطويل الذي كان‬
‫ترجمات‬
‫‪122‬‬

‫اتهن‬ ‫أ‬
‫برسعة‬
‫ٍ‬ ‫جميعا يجرون‬ ‫ً‬ ‫للمسافرين‪ ،‬فذهبوا‬ ‫الرض الخشنة يغ� المستوية‪ ،‬ويرفعن تنور ّ‬
‫رصيرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مبتعدين عن الفتاة‪ .‬كان المحرك يصدر‬ ‫مظالت تقي من الشمس عىل‬ ‫ٍ‬ ‫وكن يحملن‬ ‫بأناقة‪ّ .‬‬
‫ٍ‬
‫وينفث الدخان بكسل ف� الهواء الساكن‪ ،‬و�ف‬ ‫أ‬
‫ضحكاتهن عىل الشياء المرحة‬ ‫أكتافهن‪ ،‬وترتفع‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لحظات أخرى كان يتوقف‪ ،‬حيث يحمل القطار‬ ‫ٍ‬ ‫افقوهن من الرجال يقولونها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ال� كان مر‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫راكبيه‪.‬‬ ‫“كال�”‪ ،‬لكنهم لم يفهموا‬ ‫التحدث إىل ي ن‬ ‫ُّ‬ ‫حاولوا‬
‫بعد ذلك لم يعد شعور ي ن‬ ‫ال� كانت تجيبهم بها‪.‬‬ ‫ت‬
‫“كال�” إىل ما كان عليه‪.‬‬ ‫نسية ي‬ ‫العامية الفر ّ‬
‫ّ‬
‫جديد وغريب إىل سالسل‬ ‫ٍ‬ ‫باهتمام‬
‫ٍ‬ ‫كانت تنظر‬ ‫‪-‬شاب ذو وجه وسيم‪ -‬أخرج دف�ت‬ ‫ٌ‬ ‫أحد الرجال‬
‫أ‬
‫برسعة للمام والخلف‬ ‫تمر‬ ‫ت‬ ‫رسم تخطيطي من جيبه‪ ،‬وبدأ يرسم صور ًة‬
‫ٍ‬ ‫ال� كانت ّ‬ ‫العربات ي‬ ‫ٍ‬
‫يوم‪ ،‬وكانت تتساءل من أين‬ ‫أمام ناظريها كل ٍ‬ ‫للفتاة‪ .‬بقيت ثابتةً ‪ ،‬ويداها خلف ظهرها‪ ،‬وعيناها‬
‫يأ� هؤالء الناس‪ ،‬وإىل أين يذهبون‪.‬‬ ‫ت‬ ‫مثبتت� عليه بجديّ ٍة‪.‬‬‫ين‬ ‫الواسعتان‬
‫ي‬
‫لم يكن بمقدور أبيها وأمها أن يجيبا عن أسئلتها‬ ‫دعوات‬
‫ٌ‬ ‫الرسم‪ ،‬صدر عن القطار‬ ‫قبل أن يكمل َّ‬
‫ترجمات‬
‫‪123‬‬

‫أحبت‬ ‫أحبت الوضع ككل‪ .‬ي ن‬


‫“كال�” ّ‬ ‫“كال�” ّ‬ ‫ككل‪ .‬ي ن‬ ‫إال بالقول إنهم كانوا يأتون من البعيد‬
‫يرسها ف ي� عرص كل‬ ‫أ‬ ‫ويذهبون “الله أعلم إىل أين”‪.‬‬
‫مما ُّ‬ ‫جدا‪ ،‬لنه كان ّ‬ ‫كث�ا ً‬ ‫ذلك ي ً‬
‫ف‬
‫تتم� مع الطفال ي� ظل سقائف‬ ‫أ‬ ‫يوم أحد أن ش‬ ‫أميال عىل طول الطريق‬ ‫اليام سارت ً‬ ‫ف� أحد أ‬
‫ي‬
‫السكر الضخمة‪ ،‬أو أن تجلس عىل باالت القطن‬ ‫الع َلم‪ ،‬الذي كان يبقى هنالك‬ ‫لتتحدث مع رجل َ‬
‫المضغوطة تراقب البواخر الضخمة‪ ،‬والقوارب‬ ‫الكب�‪ .‬نعم‪ ،‬كان يعرف‪ .‬هؤالء‬ ‫قرب خزان الماء ي‬
‫ت‬ ‫الكب�ة ي� الشمال‪ ،‬وكانوا‬ ‫ف‬
‫ال�‬ ‫الصغ�ة ذات الضجيج ي‬ ‫ي‬ ‫الجميلة‪ ،‬والزوارق‬ ‫الناس أتوا من المدن ي‬
‫المسيس� جيئة وذهابًا‪ .‬وقد‬ ‫بي‬ ‫كانت تذرع مياه‬ ‫ذاهب� إىل المدينة ف ي� الجنوب‪ .‬كان يعرف كل‬ ‫ين‬
‫أ‬ ‫كب�ا‪ .‬كان قد أقام‬ ‫ش‬
‫بالثارة‪ ،‬الذهاب إىل السوق‬ ‫ملها بالشعور إ‬ ‫� ٍء عن المدينة‪ .‬كانت مكانًا ي ً‬ ‫ي‬
‫اللحامون من أبناء غاسكونيا‬ ‫الن‪ ،‬وسوف‬ ‫بها ف� السابق‪ .‬أخته تعيش بها آ‬
‫نس حيث كان ّ‬ ‫الفر ي‬ ‫ي‬
‫اق� لتقديم ترحيبهم‬ ‫(بجنوب غرب فرنسا) ّتو ي ن‬ ‫تكون سعيد ًة لن يكون عندها فتاة رقيقة مثل‬ ‫أ‬
‫الكاديانية‬ ‫الحد الصغ�ة لهذه الفتاة أ‬ ‫وباقات أ‬ ‫“كال�” لتساعدها ف ي� الطبخ‪ ،‬والغسل‪ ،‬واالعتناء‬ ‫ين‬
‫ي‬
‫ف ي(� فرنسا) الجميلة‪ ،‬وإلقاء حفنات من الهدايا‬ ‫“كال�” يمكنها أن تكسب‬ ‫بأن ي ن‬ ‫أ‬
‫بالطفال‪ .‬وفكَّر َّ‬
‫الصغ�ة ف ي� س ّلتها‪.‬‬
‫ي‬ ‫خمسة دوالرات ف ي� الشهر ف ي� المدينة‪.‬‬
‫التال‬ ‫أ‬ ‫قطنية‬ ‫ذهبت وهي ترتدي مالبس‬ ‫وهكذا‬
‫عندما سألتها المرأة مرة أخرى بعد السبوع ي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫إن كانت ما تزال سعيدةً‪ ،‬لم تكن الفتاة متأكد ًة‬ ‫أ‬
‫المخصص ليوم الحد‪ ،‬مع‬ ‫جديدة‪ ،‬وحذاءها‬
‫ّ‬
‫ابتع َدت وذهبت‬ ‫ح� سألتها‪َ ،‬‬ ‫تماما‪ .‬ومر ًة أخرى ي ن‬ ‫ً‬ ‫الع َلم‬‫بقداسة خربش فيها رجل َ‬ ‫ٍ‬ ‫رسالة حملتها‬
‫ٍ‬
‫لتبك دون أن‬ ‫أ‬ ‫إىل أخته‪.‬‬
‫الكب� الصفر ي‬ ‫لتجلس وراء الحوض ي‬
‫آ‬ ‫أ‬ ‫مكسو بالجبس‪،‬‬ ‫صغ�‬ ‫ف‬
‫أن ما كانت تسعى إليه‬ ‫تالحظها‪ .‬لنها عرفت الن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫المرأة كانت تعيش ي� بيت ي ٍ‬
‫بلهفة لم يكن المدينة العظيمة وحشود الناس‬ ‫ٍ‬ ‫مع الستائر الخ�ض اء‪ ،‬وثالث درجات خشبية تقود‬
‫فيها‪ ،‬بل الشاب الوسيم الذي رسم صورتها �ف‬ ‫أن هناك المئات‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫نزول إىل الرصيف‪ .‬كان يبدو َّ‬
‫ذلك اليوم تحت شجرة التوت‬ ‫مثله عىل طول الشارع‪ .‬من فوق أسطح البيوت‪،‬‬
‫كانت تلوح شأ�عة السفن‪ ،‬وكان من الممكن سماع‬
‫‪---------‬‬ ‫نس ف ي� الصباح الهادئ‪.‬‬ ‫ضجيج السوق الفر ي‬
‫قص�ة وروائية‬ ‫ي‬ ‫* كيت شوبان‪ :‬كاتبة قصص‬ ‫بالح�ة‪ .‬كان عليها‬ ‫ي‬ ‫ف� البداية شعرت ي ن‬
‫“كال�”‬ ‫ي‬
‫النسا� �ف‬
‫ئ‬ ‫أم�كية‪ ،‬كانت من رواد أ‬
‫الدب‬ ‫أن تعيد تكييف أفكارها السابقة لتتناسب مع‬
‫ي ي‬ ‫ي‬
‫الع�ين‪ .‬من أهم أعمالها مجموعتان‬ ‫القرن ش‬ ‫م� ٍل‬‫الع َلم مديرة نز‬ ‫واقعها‪ .‬كانت شقيقة رجل َ‬
‫قصصيتان هما “جماعة بايو” (‪ )1894‬و”ليلة ف ي�‬ ‫اثن� أرادت‬ ‫لطيفة ورقيقة‪ .‬بعد أسبوع أو ي ن‬
‫ٍ‬
‫أكادي” (‪.)1897‬‬ ‫أحبت الوضع‬ ‫أن تعرف ما إذا كانت الفتاة قد َّ‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪124‬‬

‫السياس والفكري واالقتصادي ف ي�‬


‫ي‬ ‫معايشة للواقع‬ ‫عربية‬
‫ّ‬ ‫نوافذ‬
‫الردن‪ ،‬وبخاصة السنوات ‪ ،2017 2010-‬وقد‬ ‫أ‬ ‫لأ‬
‫الشل�‬
‫بي‬ ‫ثوار بال ثورة‪ /‬د‪ .‬جمال‬ ‫ا ردن ّ‬
‫ت‬ ‫يتناو ُل المؤلف ف� هذا الكتاب ما واجه أ‬
‫ال� واجهت الدولة‬ ‫الشل� التحديات ي‬ ‫بي‬ ‫ص َّنف‬ ‫الردن‬ ‫ي‬ ‫ََ َ‬
‫الردنية ف ي� ثالثة محاور‪ :‬التحوالت االجتماعية‬ ‫أ‬
‫العر� وبعدها‪،‬‬
‫من تحديات قبل مرحلة الربيع ب ي‬
‫العر�‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الردن بع� لجن�ت‬‫ال� اتخذها أ‬
‫ت‬
‫ال� عرفها الردن قبل الربيع ب ي‬ ‫والسياسية ي‬ ‫ي‬ ‫والجراءات المبكّرة ي‬ ‫إ‬
‫والطراف‪،‬‬‫وبعده‪ ،‬بما ف� ذلك رصاع المركز أ‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫الوط� وتعديل الدستور‪ ،‬ومنعرجات‬ ‫ي‬ ‫الحوار‬
‫ش‬
‫واالنتخابات الت�يعية لعام ‪ ،2013‬وعالقة‬ ‫الرهاب‪ ،‬للحيلولة‬ ‫الحياة الديمقراطية ومواجهة إ‬
‫السلطة بالمعارضة بشقيها التقليدي والحديث‪.‬‬ ‫الردن ف ي� قلب العاصفة والفو�‬
‫ض‬ ‫دون وقوع أ‬
‫وأضاف إليها التحديات الفكرية أ‬
‫واليديولوجية‪،‬‬ ‫وعدم االستقرار الذي عصف بالمنطقة خالل‬
‫أ‬
‫بالرهاب‬‫وإشكاليات المن ومتع ِّلقاته المتصلة إ‬ ‫تلك المرحلة‪.‬‬
‫واللجوء‪.‬‬ ‫ال� يتضمنها كتابه عن‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫ويصدر المؤلف ي� البحوث ي‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪125‬‬

‫وقيم االنفتاح والحوار‪.‬‬ ‫الشل� بتكاتف المجتمع والدولة لمواجهة‬ ‫بي‬ ‫ونوه‬
‫َّ‬
‫وبالقدر الذي يرسم فيه الكتاب صورة شمولية‬ ‫هذه التحديات‪ ،‬وذلك بع� إرساء أسس‬
‫لطبيعة التحوالت االجتماعية والفكرية‬ ‫الديمقراطية القائمة عىل العدالة االجتماعية‬
‫والسياسية؛ فإنَّه يح ّلل إلرهاصاتها ومقدماتها‬ ‫تحت مظ َّلة دولة المؤسسات والقانون والقيم‬
‫أ ن‬ ‫ً‬ ‫قدم النموذج‬ ‫أ‬
‫رد�‬
‫السياس ال ي‬
‫ي‬ ‫وصول لنتائجها عىل النظام‬ ‫أن الردن َّ‬ ‫مؤكدا َّ‬
‫ً‬ ‫النسانية‪.‬‬ ‫إ‬
‫واست�افه مستقبل التعامل‬ ‫ش‬ ‫ومنطقيته‬
‫ّ‬ ‫ومرونته‬ ‫العمل إلمكانية استثمار موارده المتاحة لتحقيق‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫مع الحراكات ي� مختلف أدوارها ومراحلها‪.‬‬ ‫والسياس‪ ،‬يغ�‬ ‫الطمأنينة واالستقرار االجتماعي‬
‫ي‬
‫ين‬
‫مضام� “رسالة‬ ‫ال� ي ز‬
‫ك� عىل‬ ‫وال يغفل المؤلف ت‬ ‫ين‬
‫المسؤول�‬ ‫غافل عن قرع الجرس عىل أسماع‬
‫عمان” لما لهذه الرسالة من أهمية ف ي� مواجهة‬ ‫ف‬ ‫ين‬
‫كاديمي� ي� ضوء‬ ‫والباحث� أ‬
‫وال‬ ‫ين‬ ‫وأصحاب القرار‬
‫ّ‬
‫أ‬ ‫الرهاب‪،‬‬ ‫ف‬
‫التحديات الفكرية واليديولوجية‪ ،‬وتعزيز مبدأ‬ ‫السياس ي� المنطقة‪ ،‬وقضايا إ‬ ‫ي‬ ‫القلق‬
‫ب� الشعوب‪ ،‬والرد عىل الطرح المتطرف‪،‬‬ ‫الحوار ي ن‬ ‫والمشكالت االقتصادية‪ ،‬والقضايا االجتماعية‬
‫السالم المعتدل الحضاري مما‬ ‫وتبيان منهج إ‬
‫السالم والغرب‪.‬‬ ‫ب� إ‬ ‫يسمح بعالقة متوازنة ي ن‬

‫العر�‪“ :‬الثورات واالرتدادات”‪ /‬د‪ .‬عبد‬ ‫الربيع ب ي‬


‫الله النقرش‬
‫ينماز هذا الكتاب بالتحليل النظري والمتابعة‬
‫العر�‪،‬‬
‫بي‬ ‫التاريخية السياسية لثورات الربيع‬
‫ال� تلتها‪ ،‬وبخاصة الثورات‬ ‫والتطورات ت‬
‫ي‬
‫المضادة‪ ،‬أو محاوالت احتوائها أو التكيف معها‪.‬‬
‫دول وإقليمي‪ ،‬ويحيلها‬ ‫ف‬
‫ويضع كل هذا ي� سياق ي‬
‫إىل مرجعياتها النظرية من حيث المفاهيم‬
‫والمتابعة التاريخية‪.‬‬
‫العر�‪،‬‬
‫ويفس المؤلف دواعي قيام ثورات الربيع ب ي‬ ‫ِّ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫وتموضعها ي� حركة اجتماعية ي� سياق حركة‬
‫والحباط‬‫التاريخ الحديث‪ ،‬بعد تنامي الفشل إ‬
‫عىل صعيد بناء دولة المواطنة أ‬
‫والمن القومي‬
‫االجتماعي الشامل‪ ،‬وتحقيق التنمية والتقدم‪،‬‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪126‬‬

‫أن من ثورات‬ ‫ف‬


‫ويلفت المؤلف النظر ي� كتابه إىل َّ‬
‫العر� ما ابتعد عن الدموية كما ف ي� تونس‬ ‫الربيع ب ي‬
‫ف‬
‫ومرص‪َّ ،‬أما ي� ليبيا فكانت ثورات عنيفة دموية‪.‬‬
‫أن الكتاب يطرح ف ي� عرض م َّتسق إشكاليات‬ ‫كما َّ‬
‫ج�وت السلطة وسلطة الجبابرة‪ ،‬أو‬ ‫بك�ى مثل ب‬
‫أ‬
‫ويث� موضوع الدولة المنية‬ ‫إشكالية السلطة‪ .‬ي‬
‫ب� الخطاب الرسمي‬ ‫والحياة والسياسة‪ ،‬ويقارن ي ن‬
‫الكب� بينهما‪،‬‬‫الشع�‪ ،‬ويؤكد التباين ي‬ ‫بي‬ ‫والخطاب‬
‫السالمي والبعد‬ ‫وأزمة الثقة بينهما‪ ،‬ويح ِّلل البعد إ‬
‫اليساري ودورهما ف ي� الثورة العربية الراهنة‪.‬‬
‫أن ارتدادات وتبعات الربيع‬ ‫ويخلص المؤلف إىل َّ‬
‫العر� ما يزال‬
‫وأن المشهد ب ي‬ ‫العر� لم تنته بعد‪َّ ،‬‬ ‫بي‬
‫وأن النتائج‬
‫خط�ة ومتشابكة‪َّ ،‬‬ ‫ينتظر تطورات ي‬ ‫تب� هذه الثورات لشعارات الحرية‬ ‫وبهذا يُ ُّ ن‬
‫عد ي‬
‫ستكون وخيمة‪ ،‬ولكن ليست دائمة‪.‬‬ ‫تعب�ا عن نزوع‬
‫النسانية ي ً‬ ‫والعدالة والكرامة إ‬
‫ق‬
‫والر� ‪.‬‬
‫العر� نحو الحداثة ي‬ ‫النسان ب ي‬ ‫إ‬
‫س�ة ي ن‬ ‫لأ‬
‫ب� استبداد الحكم واستغالل‬ ‫الحريات ا ي‬ ‫الشع�‬
‫بي‬ ‫أن الحراك‬ ‫يؤ� عىل َّ‬ ‫لكنه بالمقابل ش ِّ‬
‫الدين‪ /‬د‪ .‬محمد الحموري‬ ‫والم�مج‪،‬‬
‫المش�ك ب‬‫ت‬ ‫والشبا� يفتقر إىل التصور‬‫بي‬
‫فصول أربعة يقوم عليها هذا الكتاب‪ ،‬الذي‬ ‫والقيادات ال ورية‪ ،‬ولهذا اختلفت مآالت‬‫�ض‬
‫يبحث ف ي� قضايا حرية العقل وحرية الفكر‬ ‫العر�‪ ،‬ما سمح لقوى االستبداد إلعادة‬ ‫الربيع ب ي‬
‫ب� السلطة والدين أو محور الرصاع‬ ‫والعالقة ي ن‬ ‫السيطرة عىل مسارات الحراك واحتماالت‬
‫الماثل ف ي� مسألة سلطة الحكم‪ ،‬من خالل ما‬ ‫التغي�‪ ،‬فمنها من واجه الثورات بثورات‬ ‫ي‬
‫والرهاب‪،‬‬ ‫ن‬
‫السلطا�” واالستبداد إ‬ ‫“السالم‬
‫سماه إ‬
‫ّ‬ ‫مضادة‪ ،‬وأخرى عمل عىل احتوائها وتوجيهها‬
‫ي‬
‫وتزاوج الفكر المستورد مع الموروث وإنجاب‬ ‫وضبط مفاعيلها‪ ،‬كما سعت القوى الدولية‬
‫“المولود السلطوي” الغريب الذي أ َّدى إىل‬ ‫القليميون والمحليون الستثمار‬ ‫وحلفاؤها إ‬
‫العر� ‪ .‬كما يتناول الحرية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫انفجار ثورات الربيع ب ي‬ ‫الوضاع المتفاعلة ي� الساحة العربية من أجل‬
‫وب�‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫السالم القرآ� ي ن‬ ‫ب� إ‬ ‫وديمقراطية الشورى ي ن‬ ‫توظيفها ف ي� سبيل تحقيق مصالحها ومشاريعها‪،‬‬
‫السالط�‪ ،‬ويقدم دراسة حول‬ ‫ين‬ ‫الحاكمية وفقه‬ ‫وإعادة تقسيم مناطق النفوذ بما يتفق وخططها‬
‫السالم وموضوع محاسبة السلطة وعصمة‬ ‫إ‬ ‫االس�اتيجية المتنافسة‪.‬‬ ‫ت‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪127‬‬

‫السالمية‪ ،‬وفقًا لديمقراطية‬‫المدنية ذات القيم إ‬


‫الشورى‪ ،‬ودولة القانون‪ ،‬وفتح أبواب المعرفة‬
‫للتحرر من الظلم واالستبداد والفساد‪.‬‬
‫بعيدا عن مهادنة االستبداد‬
‫وبهذا يكون الكتاب ً‬
‫المة وعن جذوره الدينية �ف‬ ‫تعا� منه أ‬
‫ن‬
‫ي‬ ‫الذي ي‬
‫ال� أعطت صاحب السلطة‬ ‫ت‬
‫الفتاوى السلطانية ي‬
‫مصدرا لسلطانه‬
‫ً‬ ‫ال�ع لتكون السماء‬ ‫ردا ًء من ش‬
‫المطلق‪.‬‬
‫ببص�ة ثاقبة مسارات “الربيع‬ ‫ي‬ ‫ويح ّلل المؤلف‬
‫ين‬
‫الشامت� بانتكاساته وارتداداته‬ ‫العر�” ودوافع‬
‫بي‬
‫السالمية‬
‫السلبية‪ ،‬وأسباب نشوء المنظمات إ‬
‫التكف�ية‪.‬‬
‫ي‬
‫الحكام‪ ،‬وما ينبغي أن يعرفه الناس من أجل‬
‫عالمية‬
‫ّ‬ ‫ثقافة‬ ‫الس� عىل طريق الخالص‪.‬‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫بث الوعي يب� الحكّام‬ ‫ودعا مؤ ِّلف الكتاب إىل ِّ‬
‫ف‬ ‫ال� نادى‬ ‫ت‬ ‫ين‬
‫ج�مندر ك‪.‬‬ ‫التفك� ي� الحداثة‪ /‬تأليف‪ :‬ي‬ ‫ي‬ ‫إعادة‬ ‫والمحكوم� وتعريفهم بالقيم ي‬
‫علم‬ ‫بام�ا‪ ،‬ترجمة وتحقيق‪ :‬ابتسام سيد ّ‬ ‫ب‬ ‫بها القرآن الكريم وبخاصة ما يتعلق بالعدل‬
‫وآخرون‬ ‫الت�يعات‪ ،‬وعدم‬ ‫ش‬ ‫واالستقامة‪ ،‬وشفافية‬
‫تؤكِّد المؤ ِّلفة عبثية االعتقاد السائد الذي يرى َّ‬
‫أن‬ ‫االعتداء عىل الحقوق والحريات‪ ،‬وحماية المال‬
‫أن الحداثة‬ ‫أورو� خالص‪ ،‬وترى َّ‬ ‫الحداثة من َتج ب ي‬ ‫التدخل ف ي� شؤون القضاء‬
‫ُّ‬ ‫العام‪ ،‬واالبتعاد عن‬
‫بالكث� من‬ ‫ي‬ ‫م�وع عالمي‪ ،‬فقد استعان الغرب‬ ‫ش‬ ‫والتأث� عليه‪.‬‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫وحض ذوي اليديولوجية الدينية عىل الخذ‬
‫ال� استنفعها‬ ‫المؤثرات الحضارية وبخاصة تلك ي‬ ‫ّ‬
‫أن عرص االستعمار‬ ‫السالمية‪ .‬وترى َّ‬ ‫من الحضارة إ‬ ‫بمبدأ الشورى بأدوات والوسائل الديمقراطية‪،‬‬
‫�ض‬ ‫أ‬ ‫التكف�ية إىل‬ ‫غررت بهم التنظيمات‬
‫خط�ا‪ .‬وت ب‬ ‫تاريخيا ي ً‬‫ًّ‬ ‫ورو� قد شكّل منعطفًا‬ ‫ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫وحث َمن َّ‬ ‫َّ‬
‫نجل�ي والثقافة‬ ‫ال ي ز‬ ‫ب� االستعمار إ‬ ‫مثال بالعالقة ي ن‬ ‫ً‬ ‫العودة ل ِـ”إسالم القرآن الكريم‪ ،‬وما فيه من‬
‫ع�‪ ،‬فالخطاب‬ ‫الهنديّة ي� القرن التاسع ش‬ ‫ف‬ ‫سماحة ونقاء رسيرة وصدق سلوك”‪.‬‬
‫ن‬ ‫الم�امن مع تف�ة االحتالل ب‬ ‫االست� قا� ت ز‬
‫يطا�‬
‫ال� ي‬ ‫ش ي‬ ‫وحث السلطات الحاكمة إىل المبادرة بإصالحات‬ ‫َّ‬
‫حقيقية ي� المجاالت كافة‪ ،‬وإىل إقامة الدولة‬ ‫ف‬
‫إن الهند لم تكن‬ ‫يروج للفكرة القائلة َّ‬ ‫للهند كان ّ‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪128‬‬
‫ف‬ ‫وإن‬ ‫أ‬
‫التفك�‬
‫ي‬ ‫اللحاح عىل إعادة‬ ‫المفهوم قد تسبب ي� إ‬ ‫تمتلك الدوات الصالحة لتأريخ ماضيها‪َّ ،‬‬
‫ف ي� إيجاد أسس معرفية عامة لتاريخ الحداثة‪،‬‬ ‫الهنود لم تكن لديهم مطلقًا أي معرفة بثقافتهم‬
‫تتغ� أو تتطور‬ ‫أن المجتمعات ال ي‬ ‫حيث تذكر َّ‬ ‫الخاصة أو أنهم يستطيعون تطوير إحساسهم‬
‫كهويات مغلقة‪ ،‬لكن كجزء من سياق عالمي‬ ‫يب� عمق‬ ‫بالقومية عىل أسس ذاتية‪ .‬وهذا ما ي ِّ ن‬
‫أك� اتسا ًعا‪ ،‬ومن هنا فإنه يمكن تفنيد ادعاءات‬ ‫ث‬ ‫الوروبية ف ي� تشكيل ثقافة‬ ‫تأث� الثقافة الم�يالية أ‬
‫إ ب‬ ‫ي‬
‫الغرب بوجود تاريخ ي ّ ز‬
‫مم� له‪.‬‬ ‫محورا‪ ،‬وصارت‬ ‫ً‬ ‫الهنود‪ .‬وعىل هذا صار الغرب‬
‫تأث�ات الحضارات‬ ‫كث� من ي‬ ‫وتش� المؤلفة إىل ي‬ ‫ي‬ ‫ومقياسا معياريًا يتم بموجبه‬ ‫ً‬ ‫الحداثة هدفًا‬
‫أ‬
‫السيوية والقريقية ي� تجربة الحداثة الوروبية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫مقارنة المجتمعات التقليدية‪ ،‬أو مجتمعات ما‬
‫السالمي ف ي� حركة النهضة لم‬ ‫التأث� إ‬
‫أن ي‬ ‫ومنها َّ‬ ‫قبل الحداثة‪ ،‬مع مجتمعات حديثة‪.‬‬
‫يقترص عىل مجال العلوم الفلسفية حسب‪،‬‬ ‫وتس ّلط المؤلفة الضوء عىل بعض النظريات ال�ت‬
‫ي‬
‫امتد ليصل إىل العلوم الطبيعية‪ ،‬فنظريات‬ ‫بل َّ‬ ‫باف�اضها‬ ‫تفس� ظهور الحداثة‪ ،‬ت‬ ‫ي‬ ‫عملت عىل‬
‫غاليليو وكوبرنيكوس قد استعانت ببعض‬ ‫عاما‪،‬‬ ‫طا ً‬ ‫عملية اجتماعية شاملة شكّلت نم ً‬
‫ال� قام بها العلماء المسلمون‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫وعالميا‪ ،‬حيث تبدو الحداثة ف ي� مرحلتها الوىل‬
‫التجارب الفلكية ي‬ ‫ً‬
‫ورو�‪ ،‬تكشفه لنا‬ ‫أ‬ ‫ف أ‬ ‫أ‬
‫وكأنها منبثقة ي� المقام الول كنتيجة للديناميات‬ ‫ف‬
‫تطور الفن ال ب ي‬ ‫وأن ُّ‬ ‫ي� الندلس‪َّ .‬‬
‫ال� تنقل لنا أخبار وتفاصيل‬ ‫ت‬ ‫الداخلية للمجتمعات الغربية‪.‬‬
‫السجالت التاريخية ي‬
‫ت‬ ‫أن‬ ‫تش� إليها المؤلفة َّ‬ ‫ال� ي‬ ‫ت‬
‫ال� قام بها الرحالة‬ ‫الكم الهائل من الزيارات ي‬ ‫ّ‬ ‫ومن النقاط المهمة‪ ،‬ي‬
‫الوروبيون إىل إفريقيا وآسيا‪ ،‬وهو ما يظهر‬ ‫أ‬
‫ين‬
‫والص� واليابان‬ ‫أن إسطنبول وبالد فارس‬ ‫معه َّ‬
‫وغ� ذلك من المراكز الحضارية‪ ،‬كانت‬ ‫والهند ي‬
‫بمع�‬ ‫بعضا‪ ،‬ن‬ ‫مرتبطة بشكل وثيق مع بعضها ً‬
‫ال� صاحبت عرص النهضة‪،‬‬ ‫ت‬
‫أن المؤثّرات الفنية ي‬ ‫َّ‬
‫لم تكن مؤثّرات أوروبية خالصة‪ ،‬بل هي مؤثّرات‬
‫عالمية‪.‬‬
‫ال�عة االستعمارية �ف‬ ‫وهم مركزيّة نز‬ ‫وتؤكد المؤلفة ْ‬
‫ي‬
‫أ‬
‫ووهم قراءة تاريخ المم‬ ‫تشكيل الدول الغربية‪ْ ،‬‬
‫الوروبية “كنتاج للعالقات االستعمارية‪ ،‬فقد‬ ‫أ‬
‫الهداف‬ ‫تم توجيه القوى االستعمارية لخدمة أ‬
‫َّ‬
‫أ‬
‫الصناعية واالقتصادية للدول الوروبية”‬
129

You might also like