Professional Documents
Culture Documents
مجلة أفكار العدد361 PDF
مجلة أفكار العدد361 PDF
مجلة أفكار العدد361 PDF
رئيس التحرير
د .سمير قطامي
مديرة التحرير
الرب
مجدولين أبو ُّ
سكرتيرة التحرير
منال حمدي
هيئة التحرير
د .غسان عبد الخالق
د .خالد الحمزة
د .خلدون امنيعم
نضال برقان
يل:
» تأمل هيئة تحرير المجلة من الكُ ّتاب مراعاة ما ي للن� ف ي� «
ش
لغ�
السفر ي ت
اإلخراج الف ّني الشخصية ،أو صورة لجواز ّ ّ ونيا مشفوعة بصورة عن الهويّة -ترسل المادة المطبوعة إلك� ً
و� للمجلة.ال�يد إ ت ن ال ي ن أ
محمد خضير اللك� ي ردني� عىل عنوان ب
ّ -أل تكون المادة قد شن�ت سابقاً.
القىص.ّ -أل يتجاوز عدد كلمات المادة 1500كلمة ف� حدها أ
ي ّ
يمكن تصفح المجلة عىل موقع الوزارة: -الصور المرسلة للمادة يجب أن تكون عالية الدقة والوضوح عىل أن ال تقل عن .MB 00 .1
www. culture. gov. jo للن� أو االعتذار عن عدم شن�ها. المخولة بقبول المادة ش ّ -هيئة التحرير هي الجهة
ش
ال� تن�ها ويشمل هذا الحق الطباعة الورقية والن� ش ت ف
اليداع لدى دائرة المكتبة الوطنية:
رقم إ -تحتفظ المجلة بحقها ي� الترصف بالمواد ي
و� ،وال يجوز إعادة شن� مواد مجلة “أفكار” دون إذن خطي مسبق من هيئة تحرير المجلة. إ ت ن
( / 2010 )1090د اللك� ي
ردني�) ،ونبذة الوط� (للكتاب أ
ال ي ن ن الثال� ،واسم الشهرة الذي يُعرف به ،ورقمه -يرسل الكاتب اسمه ث
المراسـالت :باسم رئيـس التحرير ّ ّي ي
الوىل فقط). من س�ته الذاتية (للمرة أ
ال�يدي:
العنوان ب ي
الردن – عمان ص .ب6140 : أ ت
والشارة إىل المصدر الم� َجم عنه. ت
س�ة مؤلف النص الم� َجم ،إ ت
-يرفق مع المواد الم�جمة نبذة من ي
ال�يدي - 11118 :عمان الرمز ب -يخضع ترتيب المواد المنشورة العتبارات فنية فقط.
تع� ض ف
E-mail: afkar@culture. gov. jo بال�ورة عن رأي المجلة تع� عن آراء ك ّتابها ،وال ب ّ
المواد المنشورة ي� هذا العدد ب ّ
361 د .سمير قطامي
6
املحتويات | 361
مفتتح :أزمة التعليم يف األردن .............................................................................
ثقــافة مدن ّيــة:
-الشباب و”الثقافة املدن ّية” ......................................................................................
ملف العدد:
-
العربي املعاصر
ّ السينمائي يف الشعر
ّ الشعر والسينما -املشهد
د .خلدون امنيعم ات َّ
النص 11 ............................................................................. صاد ّي ُ -مقدمة امللفْ :
اق ِت ِ
د .أميمة الرواشدة 13 -املشهد السينمائي يف الشعر العربي املعاصر ..................................................
د .محمد آيت ميهوب 21 السينمائي ............................................
ّ الشعري والخطاب
ّ َّ -
التداخل بين الخطاب
وائل عيسى -التكوين السينمائي للصورة الشعر ّية 31 .......................................................................
محمد طه العثمان -سينمائ ّية اللقطة الشعر ّية 39 .......................................................................................
دراسات:
محمد ادعيكل -صدمة العوملة يف خطاب النخبة 47 ..........................................................................
شوقى بدر يوسف عاما ىلع امليالد 50 .................................................
-ألبرتو مورافيا ومئة وأحد عشر ً
محمد عطية محمود -فلسفة الروح يف “أصداء السيرة الذاتية” لنجيب محفوظ 57 ..................................
سعادة أبو عراق -بدر عبد الحق -الكاتب الذي اخطأه النقد 65 ...............................................................
جعفر العقيلي -باسم الزعبي ..ترجمات ُت ّ
طل ىلع القصة الروسية منذ “غوغول” 70 .....................
محمد درويش عواد -طه حسين يف ذاكرة جابر عصفور 74 ..........................................................................
د .إيهاب زاهر -مصادر الحياة الثقاف ّية يف القدس 78 ..........................................................................
محمد بنعلي -ظاهرة االقتراض اللغوي 84 .............................................................................................
د.عود ُة اهلل منيع الق ْيسي
ْ عشوائيا 88 ...........................................................
ًّ جم ِع العرب ّية الفصحى كان
منهج ْ
ُ -
فنـون:
عواد علي -تكييف الرواية للمسرح 91 ...............................................................................................
عدنان مدانات -الصورة السينما 95 ............................................................................................................
غازي انعيم العربي بين املحاباة والتبع ّية وغياب املعايير 99 ........................
ّ شكيلي
ّ الت َّ -
النقد َّ
محمود الزواوي -أفضل وأشهر الجامعات األميركية لدراسة السينما 103 .................................................
إبـداع:
حميد سعيد -تأويل االعتكاف -شعر 108 ................................................................................................
جالل برجس -خمس ترويدات عن الحب -شعر 110 ..............................................................................
محمد سمحان -نهايات الفصول -شعر 113 ................................................................................................
محمد محمد السنباطي -حياة الجديدة -شعر 115 ....................................................................................................
أميمة الناصر -خيبات صغيرة -قصص 117 ...............................................................................................
ترجمة :محمد ناصر صالح ترجمات :قصة “كالين” لـِ”كيت شوبان” 121 ................................................................
محمد سالم جميعان نوافذ ثقافية124 ...........................................................................................................:
أزمة التعليم
في األردن
الردن تحظى باهتمام خاص وعام منذ ما بدأَت قضية التعليم ف� أ
ي ّ ََ ْ
ض
وأن ّثمة �ورة ف
أن التعليم ي� أزمةَّ ، يزيد عىل عقدين ،وبدأنا نسمع َّ
ال� بدأ ينحدر إليها ،فمنذ سنوات عديدة ونحن إلنهاضه من ّ ت
الهوة ي
نقرأ توصيات لالرتقاء بالتعليم ،ونشهد مؤتمرات وندوات وورشات
مخصصة لبحث أسباب تراجع التعليم َّ فندقية، ّ عمل وخلوات
ح� إيقاف وتر ّدي مستواه مدرسيا وجامعيا ،دون أن نشهد نهضة أو ت
ًّ ًّ
االنحدار.
أ ف
من منطلق إحساسنا ،ي� هيئة تحرير “أفكار” ،بأزمة التعليم ي� الردن، ف
خصصنا ملفًّا للتعليم ،ف ي� العدد 349شباط ،2018شارك فيه نخبة َّ
أ
ردني� ،وضعوا أصابعهم عىل الدواء أ
بوي� والمفكرين ال ي ن ال� ي ن من ت
وحلول لالرتقاء بالتعليم ،ولكن ذلك كله ً احات
اق� ٍ وقدموا ت
والعللّ ،
لل�جمة. طي الصفحات ولم يجد طريقًا ت َّ ظل ّ ّ
يحتل المراتب الع�ين ّ لقد كان التعليم ي� الردن منذ ستينات القرن ش أ ف
رد� مبتغى دول أ ن ت ف
العر� ،وكان المعلم وال�بوي ال ي العليا ي� الوطن ب ي
يتم� به من الكفاية والجديّة ال� كانت تتسابق للظفر به ِلما ي ّ ز ت
الخليج ي
ف
وال� ّدي منذ تسعينات القرن ال�اجع ت َّ واالل�ام ،ولكن ذلك كله أخذ ي� ت َّ تز
الع�ين ،وما نزال نسمع من المسؤول والمواطن شكاوى من تر ُاجع ش
والجامعي ،فما الذي حدث؟ ّ المدرس
يّ مستوى التعليم ،بشق َّْيه
مفتتح
5
الشباب
المدنية”
ّ و ”الثقافة
د .نادية سعد الدين /األردن
ملف العدد:
الشعر والسينما:
ّ
العربي المعاصر ّ
السينمائي في الشعر المشهد
ِّ
الشعر والسينما
11
مقدمة الملف:
ات َّ
النص صاد ّي ُ
ِ ْ
اق ِت
يتغيا القبض عىل واشتباكاته مع مختلف الفنونّ - أسلوبية منتجه ّ الشعري ،بحكم ّ يَ ْ
ط َم ُح النص
ف
النسانية الخالدة ي� مشهديات للفالت من ش�ط راهنية ن
ذروة الرصاعات إ الزم� ،وال ّتف ُّلت
ي فّ ّ ورؤاه ،إ
ولوحات قادرة عىل االرتحال ،من خالل االقتصاد زمكانية المكا� ،لالنرساب ي� ن من قيد التموضع
ّ ي
ف ي� اللغة والصورة والموسيقى ،وعمدته المواءمة تؤهله لعبور جرس الديمومة ،ليس ،فقط ،من
ب� الرؤية أ
طا ،ي ز ً
ترم�ا أو والسلوب :تكثيفًا أو تمطي ً ين نسا� ومحموالته ف ي� خالل التماهي مع الجوهر إ ن
ال ي
إبهاما.
غموضا أو ً
ً وضوحا،
ً إشكاالته ورصاعاته المتشاكلة والمتشابكة ،وإنَّما
المستقرة، الب� اللغوية ف� قدرته عىل خلخلة ن
ّ ي
عري ِة والمشهدِ ّ
الش ّ ورة
الص ِ
الق َّية ّ
َع ِ وتوسيع حقول االستضافة ومنافذ الرؤى،
ينمائي
ّ الس
ّ باقتناص تقنيات الفنون المختلفة ،لينفتح النص
عنرصا
ً ليست المشهديات ف ي� النص الشعري ف ي� تشكيله عىل تقنيات النص الرسدي ،وعوالم
جذورا إن لها جديدا؛ بل ّ طارئًا ،أو مستضافًا ،أو وصول للمشهديّة ً الف� والموسيقي؛ ن
ً ً التشكيل ي
أن مماثالتها ممتدا ،ذلك َّ ًّ وحضورا
ً راسخة، السينمائية وتقنياتها ،وبهذا ،يكون النص الشعري ّ
العربية ي� مختلفف حا�ة ي� القصيدةف النصية ض تنوعه وغناه. ف ن
ّ ّ نسا� ي� ُّ ال ي جما ًعا لجوهر الفن إ ّ
الصورة ف
أسلوبية ّ
ّ العصور ،إذ تشكّلت نداءاتها ي� استيهاميا
ًّ غنائيا
لم ُيعد النص الشعري فضا ًء ًّ
مثل، أدل عىل ذلكً ، السدية ،وليس ّ الشعرية ّ
ّ مجانيا ،فذاك فضاء أزف ،وسقط ف ي� فخ التشابه ًّ
الصيد ظعائن المرتحلة ،ولوحات ّ من لوحات ال ّ ثقيل عىل والنمطية ،وبات عب ًئا ً ّ والتماثل والتكرار
أ
ت� كرستا وحدة البيت العزل اعية ،ال ّل ي ن ف
الص ّ ّ الذائقة الجمالية والفنية؛ بل إنه ي �-تقاطعاته
ِّ
الشعر والسينما
12
كام�ا المجلة النقدية هذه لذلك؛ التقطت ي لمصلحة وحدة الموضوع ف ي� تشابكات العالقة
ف
لت�زها هيئة التحرير ي� ملف بعنوان الثيمة ،ب العضويّة ف ي� ال ّنص ،ومن ذلك ،قول امرئ القيس:
ف
ينما� ي� الشّ عر ئ
الس ي ّ “الشّ عر والسينما :المشهد ّ
ـاجــ ُه َفــعــن َلــنَـا ِســرب ك َ ِ
ين
الباحث� العر� المعارص” ،استقطب أبرز َــأ َّن نــ َع َ ْ ٌ َ َّ
بيّ ٍ
ـــالء ُمـــذ َيــل ـــذ َارى َد َو ٍار فِـــي ُم َع َ
لعرض مفرداته ،وتفكيك محاوره ،وقنص
ـل َب ْينَ ُه ـص ِ الـمـ َف َّ ُ َــالـجـزْ ِعِ ــر َن ك ــأ ْد َب َْف َ
لقطاته ،ورصد سيناريوهاته ،وإعادة مونتاجها،
بما يخدم القارئ والناظر والناقد ف� مواءمة ي ن
ب� م ِو ِل ـر ِة ُ ْ ِ
ـم فــي الـ َعـشـ ْي َ
ِ بِ ِ ٍ
ـجــ ْيـد ُمــ َع ٍّ
ي ِ ــأ ْلــحــ َقــنَـا بِــالـه ِ
يخت�ون فيهما تجربة حواسهم فن� خالدين ،ب ين ـــات و ُد ْونَـــ ُه ـاد َي َ َف َ َ
ـم تُــزَ َّي ِ احـرهــا فِــي ص ٍ ِ
وتفاعالتها. ــل ـرة َل ْ َ َّ ــو ُ َ َج َ
تزعم
اءات ،عىل جديّ ِتها ورصانتها ،ال ُ إنّها قر ٌ ــج ٍة
ــو ٍر ونَــ ْع َ ــن َث ْ
ِ
َفــ َعـا َدى عــدَ ًاء َبــ ْي َ
ـاء َف ُيغ َْس ِل ْــضـح بِــم ٍ ِ
الحاطةَ بكاف ِّة الزوايا ووجهات النظر والنماذج إ َ ـم َيــن َ ْ د َراكـًاَ ،و َل ْ
ي من ِ ِ
وجهات متقاربة ِ والتطبيقاتْ ،بل تقاربُ ُه ْ
من ْـضجٍ ـح ِم من َب ْ ِ ُ ــهـا ُة الـ َّل ْ ـل ُط َ َو َظ َّ
ف ي� أدواتها ،متباينة ف ي� نماذجها الشعرية؛ ُ
حيث ـج ِل ـر ُمــ َع َّ ــد ْي ٍ اء َأو َق ِ
ْ
ـيـف ِشـو ٍ
َ ـف َ ص ِ
َ
تقد ُم الباحثة أميمة الرواشدة مقاربةً مكثفة ّ ف يـنفض رأســه ـر ُط ْ راح الـ َّ ور ْحــنَــا َو َ ُ
السينما� وأبرز تقنياته ئ لمفهوم المشهد ووافية ِ ِ
ي ِ َـسـ َّف ِل ـن فــ ْيـه ت َ َــر َّق الــ َعــ ْي ُ َمــتَــى ت َ
من خالل نماذج شعرية دا ّلة .ويكشف الباحث
ين
الخطاب�: محمد آيت ميهوب النقاب عن لكن المشهديّات مناط المقاربة ،تختلف اختالفًا َّ
المعرفية، وخلفياتهما السينما� والشعري، ئ ّبي ًنا ي� وجهاتها ،ومفاهيمها ،ورؤاها ،وتقنياتها؛ ف
ّ ّ ي
وتداخالتهما .ويرصد الباحث وائل سليمان أن المشهديّات ف ي� الشعر المعارص ذلك َّ
السينما� للصورة الشعريّة من ئ عيىس التكوين استضافت الفن السابع (السينما) ،واستعارت
ي
خالل عرض مفهوم ال ّلقطة وفق نماذج دا ّلة، وفنية
معرفية ّ
ّ تبادلية
ّ طرائقه وأدواته وبنياته ،ف ي�
والضاءةّ .أما
كذلك عالقة المشهديّات بالديكور إ اكتنازيّة ،فكما استوطن الشعر السينما ،ف ي� رؤاه
الشاعر محمد طه العثمان ،يف�كِّز –بتكثيف- وصناعة مشاهده ،تلقَّف الشعر السينما ،وأعاد
السينما� ل ّلقطة الشعرية ،ويناقش ئ عىل ن
المب� سيميا� ،تشكّل السينما فيهئ أسلوبياته وفق ن
مب�
ي ي ّ
السينما� شعريًّا ئ التداخل الموسيقي مساره ،ومن أبرز الشعراء العرب الذين أفادوا
ي
من تقنيات السينما :محمود درويش ،وأدونيس،
د .خلدون امنيعم والسياب ،وأمل دنقل ،وأحمد حجازي ،وسعدي
عضو هيئة التحرير يوسف ،وآخرون ثك�.
ِّ
الشعر والسينما
13
المشهد السينمائي
في الشعر العربي المعاصر
د .أميمة الرواشدة /األردن
المشهدية في القصيدة
ّ الصورة
أنماط ّ
العربية المعاصرة
ّ
للصورة المشهديّة ف ي� القصيدة
ّثمة أنماط مهيمنة ّ
نمط منها مع نوع العربية المعارصة ،يتقاطع كل ٍ
ّ
التال: ئ
ينما� عىل النحو ي الس يمن أنواع المشهد ّ
إىل بر أ خصية
المان. ّ الش ّ
خصيةّ ،
الش ّ الجمهور .ثال ًثا :يكشف ّ
ختاما ،أظهرت القصيدة العربية المعارصة قدر ًة آ
تتحدث عن نفسها أو يتحدث الخرون عنها” .
()32
ً
أ
فذة عىل التعاطي مع الفنون الخرى والسيما ومن ذلك ما افتتح به “أحمد حجازي” قصيدته
الفن السابع منذ البواك� أ السيدة”:
الوىل ،أي منذ مرحلة ي المعنونة “الطريق إىل ّ
ف
نصوصا تق�ب ي� بنائهات قدموا
ً الرواد الذين ّ ّ
ئ
السينما�، وطريقة عرضها من أسلوب المشهد عم ..
“ -يا ّ
ي
واستمر هذا التعاطي واتَّسعت رقعته ح�ت ريق؟
ط ْمن أين ال ّ
أصبحت ظاهرة التصوير المشهدي من أبرز (السيدة)؟
أين طريق ّ
الظواهر الفنية ف ي� القصيدة المعارصة ،حيث قليلّ ،ثم أيرس يا ب�ن
يّ أيمن ًْ -
التحول بالنص الشعري من عمل مقروء إىل ُّ يتم إل!” .
()33
قال ..ولم ينظر ي ّ
عرض منظور مسموع ،أي صور متحركة ،حركة
تُ َم َّثل أمام أعيننا ف� الوقت ض حوارا أ ف
الحا�. ي الل ال ّول ً الد ييبدو هذا الحوار ي� مستواه ّ
ويؤدي ذلك إىل االرتفاع بالمتلقي من نظام حية موقفًا مألوفًا: واقعية ّ
ّ يصور بلغة عاديًّاّ ،
الشارع يسأل عن مكان ما) ،تقترص ف
القراءة سامع إىل نظام القراءة مشاهد ،وتدخل (رجل ي� ّ
الصورة الشعرية المشهدية ضمن ما يعرف نقديًّا السائل والجهة بالغية عىل بيان موقع ّ ال ّ وظيفته إ
بالصورة الكلية ،فهي تتشكل من مجموعة من ال� يو ّد الذّ هاب إليها ،لك ّنه ف� مستواه ال ّثا�ن ت
ي ي ي
ال� تشكل ف ي� مجموعها ت
اللقطات أو المشاهد ي تدل عىل السؤال ّ مع� أعمق ،فسذاجة ّ ً
يستبطن ن
ً
متكامل. كيانًا عضويًّا السائل ،شخص غريب عن مدينة القاهرة أل ّن أن ّ ّ
وتكتسب الصورة الشعريّة المشهديّة قيمتها (الس ّيدة) من المعالم البارزة فيها ،ال يخطئه ّ
ت الرد دون ف
ال� تستدعي وجودها، الفنية من طبيعة الرؤية ي ّ أحد من سكّانها .ويعكس االقتضاب ي� ّ
أي من قدرتها عىل حمل مفهوم خاص بها ،أو الخر سلوك ال ّناس ف ي� المدينة ،الذين النظر إىل آ
ّ
الحساس المع� أو توليد إ ن مع� الداللة عىل ن الشاعر( :يمضون رسا ًعا ال يحفلون تعب� ّ حد ي عىل ّ
بالتجربة المعروضة وبالمشاركة ف ي� الحدث �ض
أشباحهم تم ي تبا ًعا ال ينظرون) ،ويؤكّد التفات
المشهدي ،وهي ترتبط بمفهوم الكناية عند المعمق إلحساس ّ السلوك،
السائل إىل هذا ّ ّ
الجرجا�) ،أو بما دعاه “ت .س. ن (عبدالقاهر ف
الغربة واالغ�اب ي� نفسه مالمسته البكر لعالم ت
ي
فإن دراستها إليوت” بالمعادل الموضوعي ،وعليه َّ المدينة ،الم ّتسم برسعة الحركة ،فال وقت فيه
الحس من ي ال تكون إال بالنظر إىل ما وراء المشهد للوقوف وال ّت ن يّأ� خالفًا لعالم القرية ال ّناهض عىل
أيضا ن الخر وال ّتلذّ ذ ف ي� مجاملته والوصول به مساعدة آ
مع� مع اعتباره مقصو ًدا ً
ِّ
الشعر والسينما
20
ّ
السينمائي ّ
الشعري والخطاب َّ
التداخل بين الخطاب
ّ
العربي في نماذج من الشعر
د .محمد آيت ميهوب /تونس
ً
مستعمل كل ما هروبه بحبيبته والعسس قيام العربي
ّ الشعر والسينما في األدب
يمكن أن تستعمله السينما من أضواء وألوان ح� يقف وهو يطالع شعرنا قد يستغرب المرء ي ن
وديكور وحوار وتقطيع للقطات: سينما�ئ العر� القديم ،عىل نصوص ذات نز
م�ع
ي بيّ ِّ
أن ّأول ر ّد فعل نذهب ف الشعر والسينما
واضح رصيح .وال شك ي� ّ
وبيضة خدر ال يرام خباؤها استقرت إليهَّ إليه هو تكذيب ما باغتنا ،وطرد ما
معجل
ّ ّعت من هلو هبا غري
متت ُ نفوسنا من إقرار بانطواء عيون من قصائدنا
ومعرشا
ً أحراسا إليها
ً جتاوزت تعد من صميم الخطاب القديمة عىل فنيات ّ
طبعا إىل المنطق التاريخي، السينما� ،مستندين ً ئ
رسون مقتيل
حراصا لو ُي ّ
ً عيل
ّ ي
إذا ما الثر ّيا يف السامء تعرضت فأ� لشعرائنا القدامى أن يعرفوا السينما أو نّ
تعرض أثناء الوشاح املفصل لكن هذه الحقيقة ال مجرد السماع؟ ّ يسمعوا بها ّ
كث�ة قد ف
فجئت وقد نضت لنوم ثياهبا نصوصا ي ً أن
يمكن ي� المقابل أن تنفي ّ
السينما� وهي تشكل أفقها ئ استبطنت المنظور
املتفضل
ّ لدى السرت إال لبسة ي
وتن� كونها الشعري. التصويري ش ئ
فقالت :يمني اهلل ما لك حيلة
الحركية وهذا التصوير ّ فلننظر ف ي� هذه المشهديّة
وما إن أرى عنك الغواية تنجيل ن
الزما� ب� الرسد الدقيق وهذه المراوحة ي ن
جتر وراءنا خرجت هبا أميش
ي
ّ والتصوير أ
الفقي ف ي� مقطع دخول امرئ القيس
مرحل
َّ عىل أثرينـا ذيـل مرط
خدر حبيبته:
فلام أجزنا ساحة احلي وانتحى
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل ويوم دخلت اخلدر خدر عنيزة
هرصت بفودي رأسها فتاميلت فقالت لك الويالت إنك مرجيل
عىل هضيم الكشـح ر ّيـا املخلخـل تقول وقد مال الغبيط بنا م ًعا
عقرت بعريي يا امرأ القيس فانزل
كث�ة من ً ف ولنا أن ت
طويل ي� إيراد نماذج ي نس�سل فقلت هلا سريي وأرخي زمامه
ب� الخطاب العر� القديم للتداخل ي ن الشعر وال تبعديني من جناك املع ّلل
بي
ب� هذه ئ
الشعري والخطاب السينما� .وسيكون ي ن
ي
وصف المعركة والصلة المتينة النماذج وال شك ُ ً
اتصال بالفن وال أصدق من هذا المقطع
ب� الفارس وفرسه ف ي� معلقة عن�ة ،والمحاور ُة
ت ين مقطع المغامرة
ُ السينما� ف ي� المعلقة نفسها
ي
ئ
الغزلية ف ي� قصائد عمر بن ربيعة ،والمغامر ُة
ّ ح� وصف الشاعر رس ًدا /ورسد وصفًاالعشقية ي ن
ّ
ِّ
الشعر والسينما
26
وفنياتهاّ بجمالياتهاّ والتعب� عن االفتتان ي وغ� ذلك من النصوص الخمريّة لدى ب يأ� نواس ،ي
ف
الساحرة ،إىل استخدام تقنياتها � ت ن جدا.
م� القصيدة ي كث� ًي
ومزج الخطاب الشعري بالخطاب السينما�ئ أيضا أنَّنا إزاء قصائد يع� ً ن
ي أن ذلك كله ال ي بيد ّ
سنأ� عىل أمثلة من ذلك الحقًاّ .أما ف ي� ي
مثلما ت أن
سينمائية بالمع� الدقيق للكلمة .فال ريب ّ ن
خ�ة فقد اندرج هذا االنفتاح ف ي� مسار أ السينما� إىل شعرنا القديم ئ ما ساق الخطاب
العقود ال ي ي
أك� ال يهم عالقة الشعر بالسينما حسب ،وهو ب ب� الشعر والسينما، المش�ك الرسدي ي ن ت إنَّما هو
ب� الجناس الدبية والفنون أ أ مسار الحواريّة ي ن الرهيف بالعالم من ُ وإحساس كبار الشعراء ُ
د� أ ش حولهم ،فاستطاعوا أن يكرسوا قيد البيت
عامة .وهنا ازداد وعي الشاعر بم�وعه ال ب ي ّ
والف� وصار حضور السينما ف ي� النص أبرز وأشد يّ
ن ويتمردوا عىل ش�ط وحدة البيت ويخلقوا ّ الشعري
ب� الشعر والسينما انتشارا .وتصل هذه الحواريّة ي ن ً وقصصية
ّ ف ي� نصوصهم مشهديّة فائقة الحيويّة
ح� تنشأ القصيدة إعادة كتابة لفيلم أقصاها ي ن تأث� نتحدث عن ي َّ باعثة عىل التشويقّ .أما أن
الفالم ،فيصعب حينها التفريق ي ن من أ حتما ف
ب� النص حقيقي للسينما ي� الشعر ،فهذا يستوجب ً
الشعري والنص السيناريو .ومن أ ووعيا لديه بأنه يحتكّ
المثلة عىل مثل معرفة للشاعر بالسينما ً
هذه القصائد /السيناريو نذكر قصيدة الشاعر التعب�ية الفنية. ي ويستع� أدواتها ي الجمال ي بأفقها
الوهاي� “بنجمان بوتون ف ي� بي التونس المنصف ي طبعا وال شك مع تيار الحداثة وقد ابتدأ ذلك ً
ت حبة ملح” الع�ين الثا� من القرن ش ن ف
ال� أعاد فيها كتابة سيناريو فيلم والتجديد ي� النصف ي
()12
ي
“حكاية بنجمان بوتون الغريبة” (The Curious رواد مدرسة الشعر الحر كالسياب عىل أيدي ّ
ال يم� يك )Case of Benjamin Butonللمخرج أ البيا� وبلند ت ونازك المالئكة وعبدالوهاب
ي
عجائ� ظهر سنة فين�” ،وهو فيلم “دفيد ش يتطور ّ وظل َّ الحيدري وصالح عبدالصبور،
بي
ين
السبع� شيخا ف ي� ويرسخ مع أ
2008ويروي قصة رجل ولد ً الجيال الالحقة إىل أن بلغ أوجه مع
يتدرج ف ي� العمر شي ًئا فشي ًئا إىل أن عاد ثم أخذ َّ أنس الحاج ظهور قصيدة الن� وازدهارها مع ي
ث
الوهاي� هذه ف
أن المهم ي� تجربة
بي رضيعا .بيد ّ ً ومحمد الماغوط ،ورسكون بولص وأمجد نارص...
أنه استطاع أن يحافظ عىل الشعري وهو يكتب الوىل اتخذ االنفتاح عىل السينما ف� بداياته أ
ي َّ
السيناريو“ :ثم يكون لنا بيت وامرأةٌ ..ويكون لنا اعت� فيه استحضار “إيديولوجيا” ب ًّ مضمونًا فكريًّا
أك� م ّنا أ
أبنا ْء /البنا ْء!؟ /سيكونون عىل أية حال ب السينما عنوانًا للحداثة والتجديد ،وقد تراوح
البا ْء /ما دام الواحد منهم يولد ف ي� بكث� نحن آ والتغ� بفضائلها ن ذلك من الكتابة عن السينما
ي ي
____________________________________________________________________________________________________________
تك� ،دار المهى ش ت
للن� ،تونس ،2010 ،ص.9 الوهاي� ،أشياء السيدة ي
ال� نسيت أن ب بي ( )12المنصف
ِّ
الشعر والسينما
27
الذا� عن بغداد ،فالصوت المجهول الخطاب ت فت� ،أقواس السحاب ،البحر، ال� ي نالمشبه به :ش
ي
هو الخطاب الوصفي الموضوعي عنها“ :بغداد ليل ،الصياد الحزين. الطفل اليتيم ،الخائف ً
كب�( /لواحظ المغنية /كساعة تتكّ ف ي� مبغى ي التشبيهية متناثرة
ّ أن هذه الصور ويبدو للقارئ ّ
الجدار /ف ي� غرفة الجلوس ي� محطة القطار))...( /
ف الخرى ف� الداللة عىل عي�ن أفقيا ال تفوق إحداها أ
ي ي ًّ
بغداد كابوس( :ر ًدى فاسد /يجرعه الراقد /ساعاته ف
جميعا تتضافر ي� ما طن إىل أنهاالمرأة .وال يتف ّ
ً
العوام ،والعام ين� /:العام جرح اليام ،أيامه أ أ بينها لتشكل صورة واحدة هي صورة الوطن،
ويك� عند السياب كذلك الضم�)”( .)15ث
ي ناغر ف ي� العراق ،إال ف ي� آخر القصيدة .وبذلك فقد اعتمد
غا� والهتافات ف ي� نصوصه أ ن أ الشاعر تقنية التقطيع ت
إدراج الصوات وال ي السينمائية.
ّ وال�كيب
صوتية صاخبة تجعل ّ خلفية
ّ مما يخلق فيها ّ
القارئ يشعر أنه قد فارق عالم النص المغلق الكوالج
الب�وانح� ف ي� عالم الحياة المفتوح عىل حركة ش ش الكوالج ي� الصل مصطلح من مصطلحات أ ف
وأصواتهم. متنوعةّ الرسم ،ويقوم عىل إلصاق عنارص
ف ي� صلب اللوحة .وقد انتقلت هذه التقنية
الكـام�ا
ي عيــن من الرسم إىل السينما وذلك بإدخال المخرج
سينمائية اعتمدتها بكثافة السينماّ هي تقنية القصة (كالقطع ّ ف ي� الفيلم عنارص غريبة عن
(فيللي�، ن الواقعية الجديدة يطالية ذات نز
ال�عة
ي ّ ال ّ إ الوثاثقية).
ّ الموسيقية ،والصور
ّ
وروسلي�) وسينما الموجة الجديدة بفرنسا. ن أيضا ،إذ لجأ ويك� الكوالج عند بدر شاكر السياب ً ث
ي
ع� المم ّثل ن
وتقوم عىل مرافقة آلة التصوير ي َ تجل عن الحرص إىل إقحام أصوات ف ي� نصوص ّ
المتفرج
ّ المتحرك خارج االستوديو ،فيتنقّل معه ّ خارجية أو تبدو كذلك ف ي� صلب القصيدة .نذكر
وينفعل النفعاالته ويشاركه أحاسيس القلق ح� وآخر ب� ي نقوس� ي ن
ب� ي ن من ذلك الجمل الواردة ي ن
والخوف والذّ عر(.)16 ب� ف� قصيدة “المبغى” ،فنشأ ف� النص تجاوب ي ن
ي ي
أك� التقنيات السينمائية وتعت� هذه التقنية ث ب صوت� صوت الشاعر من جهة وصوت غريب ن ي
العر� ،وقد كان حضورا ي� النص الشعري ف تماما عن ً ف
بي ً منفصل ً مجهول يبدو ي� الظاهر
تأث�اتها أن كرست امتداد الخطاب الذا�ت
ي من ي الخفي
ّ خطاب الشاعر لكنه ف ي� الحقيقة وجهه
المبا� ورتابته وأضفَت عىل القصيدة أبعا ًدا ش الحقيقي الذي يزيد مقول الشاعر عن بغداد ّ
رسدية مشهدية حيوية ت َّتسم باالنغراس ف ي� وتأكيدا ،فإذا كان صوت الشاعر هو ً تحقيقًا
____________________________________________________________________________________________________________
( )15بدر شاكر السياب“ :المبغى” ،ديوان أنشودة المطر ،دار العودة ،يب�وت ،1989 ،ص.449-450
( )16بوراوي عجينة ،مساءالت نقديّة ،ج ،1ص.299
ِّ
الشعر والسينما
29
العر� المعارص من ذلك :إقامة حوار ي ن
ب� مشهدا
ً المكا� ،فيشعر القارئ أنه يتابع ن الفضاء
بي ي
يؤوله أ
متحركًا أمامه .ومن المثلة عن هذا التوظيف نذكر
كث�ين حول موضوع أو مشهد ِّ أشخاص ي
كل واحد منهم وفق رؤيته الخاصة ومستوى ليلية” ألمل دنقل :نتوه ف ي� القاهرة “بكائية ّ قصيدة ّ
إدراكه ،أو إلقاء لغز يتعاور عىل فكّ شفراته الز َمنا /نفلت من ضجيج سياراتها، العجوز ،ننىس َّ
و� النهاية يفاجئهم صاحب اللغز بحل لم ث ف ت
المتسول� /تظلنا محطة الم�و مع ين وأغنيات
ك� ي ٌ
ف أبك ين
أي منهم .ولدينا ي� قصيدة “الطفل” يتوقعه ّ يبك وط ًنا ..وكنت ي المساء...متعب� /وكان ي
جيد الشعار /نسألها أين وطنا /نبك إىل أن تنضب أ
التونس محجوب العياري مثال ّ ي للشاعر ي ً
عىل استعمال هذه التقنية ،إذ تنطلق القصيدة أ
خطوط النار؟ /وهل ترى الرصاصة الوىل هناك..
يم� “فوق الماء”، بالخبار عن ظهور الطفل ش أظل طول الليل ال يذوق والن ..ها أناّ / أم هنا؟ /آ
ي إ
كث�ين ين�ي الشاعر ينقل تأويل أشخاص ي ثم ب ساع� الملقاة ف ي� جواري/ي
جف� وس ًنا /أنظر ف� ت
ي ي
ن
ف عابرا من نقط التفتيش والحصار/ ين
اختلفوا ي� تأويل صورة ذلك الطفل :باعة ح� تجي َءً /
أ ف
كب� البحارين ،ثم يظهر الميناء ،عجوز ،تف� ،ي تبك
ت َّتسع الدائرة الحمراء ي� قميصك البيض ،ي
مصدقًا ف ي� الوقت
ّ الشاعر ويؤكد رؤيته الطفل تكست ف ي� “النقب” رأيتك/ شج ًنا /من بعد أن ّ
بقية التأويالت“ :كان البحر مساء /...كانت تسأل�“ :أين رصاصتك؟” . ن
نفسه ّ
()17
ي
الشمس ترقص فوق رسير الماء /،وكان الضوء/
كنت/وكنت /وكانتُ /وكان الطفل /وكان الغيمُ / تعدد زوايا ال َّنظر
ُّ
وك ّنا /...ك ّنا.)19(”.. ف
اعتمد الشعراء ي� سياقات عديدة تقنية تذكّر
بتقنية زوايا التقاط الصورة Angles de prise de
المخطّطات والمسو ّدات النفسية الفالم ،vueوهي “تقنية تعتمد كث�ا ف� أ
ّ يً ي ُ
يقوم الخطاب الشعري أحيانًا عىل محاكاة والبوليسية عىل وجه الخصوص ،وفيها يروي ّكل ّ
الملخص أ
السيناريو محاكاة مطلقة ،فاتّخذ صبغة ّ ساعيا إىل
الخاصة ً
ّ شاهد الحداث حسب نظرته
Synopsisوفيه يعرض الشاعر وقد غدا كاتب الدفاع عن وجهة نظره .ويتم ّثل دور المف ّتش
اضيا لما سيحدث ُّ ت الحداث حسب منطق يس ّلم ف� إعادة تركيب أ
وتصو ًرا اف� ًّ موج ًزا
سيناريوَ ، ي
فتجف ساسية. أ ن ()18
الجا�” . للوصول إىل حقيقة
ّ وتصو ًرا للمشاهد ال ُّّ من وقائع ي
ئ لغته ت ف
كث�ة ي� الشعر
المر� المحايد.
يّ وتق�ب من العرض والستعمال هذه التقنية طرائق ي
____________________________________________________________________________________________________________
مدبول ،القاهرة ،1995 ،ص.144-145 ( )17أمل دنقل“ :بكائية ليلية” ،أ
العمال الشعريّة الكاملة ،دار العودة -مكتبة
ي
( )18مساءالت نقديّة ،ج ،1ص.307
باب�وس ،نابل -تونس ،2004 ،ص.27 ( )19محجوب العياري ،الطفل ،مطبعة ي
ِّ
الشعر والسينما
30
أمل دنقل
جد� تأكل حكاياتها/ ت أن استعمال هذه التقنية قد ساد وقد الحظنا ّ
جدا /يرتدي بذلة السهرة /ي ً
بعد صالة العشاء /البار أغلق أبوابه /وطرد الن� بد ًءا منالموجة الجديدة من كتابة قصيدة ث
خارجا /ولم يكن ف ي� مسافة الليل /يغ� ً زبائنه والع�ين .فتكاد الذات ش مطلع القرن الحادي
طابًا هجرته رجل قادم من بعيد /ويشبه ح ّ الشاعرة تصل بمبدأ الحياد إىل أقصاه وتغدو
أشجار الغابة”(.)20 صوتًا أجوف ال روح فيه وال موقف له ،كأنه آلة
ال� رأيناها للتعالق ي ن
ب� ت
إن هذه الوجوه ي ّ كاتبة تنقل محتويات المشهد دون تأويل أو
ف
السينما� ي� الشعرئ الخطاب الشعري والخطاب تفس� أو توجيه .وبذلك تتيه القصيدة ف ي� أشياء
ي ي
ف
ب� به الرومنطيقيون العر� المعارص تؤكد ما ش َّ بي العالم أو لع ّله العالم يتيه ي� كلمات القصيدة.
ال�اوج يب�نحتمية ت ز ّ ن
منذ ما يزيد عن قر ين� من المغر� عبدالله
بي مثال عىل ذلك للشاعرون�ض ب ً
الدبية وانفتاحها عىل سائر الفنون، الجناس أ أ �ء ّما” “ :ليس إال ش ف
المتقي ي� قصيدته “ ي
جماليا تتطلع إىل ًّ الشعري أفقًا
َّ واتخاذها جميعا مصباح يرسل /زفرات من الموت /قط كالعادة/
ط�انها نحوه ال تعدم أن ف ت ث
بلوغ مراقيه ،وهي ي� ي صديق� الكردية/
ي يبع� قمامة أزبال بالستيكية/
ت�احم ويتعلق بعضها بأجنحة بعض تز جبل� /صديقي البورجوازي ب� ي ن تقاتل بنهم ي ن
____________________________________________________________________________________________________________
نا�ون وموزعون ،عمان ،أ
الردن ،2019 ،ص.36 ( )20عبدالله المتقي ،تمارين تسخينية تل�ويض القلق ،آ
الن ش
ّ
ِّ
الشعر والسينما
31
التكوين السينمائي
للصورة الشعر ّية
وائل عيسى /سورية
للصورة الشعريّة ،وطريقة عرضها عىل الورق الفكار وتنسيقها هو أحد مزايا المونتاج ف ي� ب� أ ين
يُشابه التكثيف ف ي� الصورة السينمائية وطريقة القصيدة الحديثة.
فالصورة الشعريّة الحديثةعرضها عىل الشاشةّ ، إمكانيات ّ السينما
المونتاج صانعي ّ ُ ومثلما أعطى
ت
عب� بما أتاح لهم من االق�اب ف ث
ينمائية من ناحية البنية
الس ّ الصور َة ّباتت تُشابه ّ أك� رحابة ي� ال ّت ي
ف أ الكام�ا، ال� تدور أمام ت
الصورة ي� الفيلم “عالم من وال ّتكوين ،ل َّن ّ ي أو االبتعاد من الواقعة ي
اخلية تحقّق من خالل ترتيبها نسقًا
الد ّ العالقات ّ متعددة ،وإطالة الزمن أو وال ّنظر إليها من زوايا ّ
خاصا يقوم عىل أساس االرتقاء من الحقيقة ًّ مكانيات ال ّ اعر هذه إ الش َ تكثيفه ،كذلك أعطى ّ
ن
المجردة إىل المع� العام” . يائية يز
الف� ّ جديدين ،فقد أيضا ،حيث بات يخلق مكانًا وزمانًا
()7
ّ َ ً
ف
زمان قد ال نعرفه ،وبات خي َل ي� ٍ يكون المكان ُم َت ّ
ويخ�ل ز ت ال� يريد إظهارها، ت
كاميرا الشعر يتحكّم بال ّتفاصيل ّ ي
الشعر ناشئةً عن الخيال كان ف اخ�اله ،مكتشفًا واقعا جديدا ينطلق �ف ما يريد ت ز
الصورة ي� ِّ ّلما كانت ّ ي ً ً ُ َِ
ناظر إىل آخر، ُنظر فيها مختلفةٌ ِمن ٍ لكل م ّنا وجهة ٍ ٍّ المعاش والمحسوس، الوقت نفسه ِمن واقعه ُ
شاهد مع ئ ف عري “هو ف ي� قلب القصيدة ،فهي
الم ِ ينما� “يتطابق ُ الس ي ّ بينما ي� الفيلم ّ الش ّ فال ّتصوير ّ
ف
إن ما تراه الكام�ا”( )8ي� وجهة ال ّنظر وزاويته ،أي ّ ي تكون صورة َّتم تنسيقها تستطيع بذاتها أن ّ
الزاوية ذاتها، الكام�ا يراه المشاهد فقط ومن ّ ي من جملة صور لم تكن رائجةً إىل زمن الحركة
نظره عند المشاهد هو ي ن ومانتيكية”(.)6 الر
الكام�ا ،في ْثبت ُ ع� ي وكأن ُ َّ ّ ّ
التحرك تحركت ،وهذا ف
إن استخدام أسلوب اللقطات ي� تنظيم وترتيب
ّ ثباتها ،ويتحرك معها إذا ّ ّ
“اليهام باالنتقال” . ف
()9
سميه علماء النفس إ هو ما يُ ّ الصور-كما ي� المشهد السابق -يعتمد عىل قدرة
ت� الشعريّة الصور ي نب� ّ الكب� ي ن ي َوبَ ْع َد ال ّتقارب المتلقي عىل َس ِّد الفجوات والثغرات الموجودة
ينمائية بات من الممكن مالحظة وجود والس ّ ّ ف ي� إشارات ال ّنص ،فاللقطات هي نقاط َع َّلم
كام�ا ف محذوف ت ز ٌ
السينما ،ي كام�ا ّ الشعر توازي ي (كام�ا) ي� ّ ي المشاهد، ومخ�ل من َ تُرشده إىل ما هو
اعر ،وأداتها ال ّلغة ،وشاشتها (�فةٌ ال� نجدها ي� المشهد ً ش ف الد ّ ت
الش ُ
محركُها ّ ِّ مثلْ ُ : وال ي َو ِمن ّ
أ
المتاهاتَ -ط ْي ٌف ِم َن الحالم-
الصورة. الصفحة ،ونهاية دورانها ّ ّ ما -ال ّليل -الخريفَ -
شاهد /المتلقّي الم َ وبات من الممكن أن نضع ُ الح ُّب). َضيا ٌع َو َوحدةٌُ -
ينما�، ئ يخ�ل من ال ّلغة إيقا َعها ز ت إذًا أصبح الشاعر
الس ي ّ والشاعر مقابل المخرج ّ الكام�اّ ،مقابل ي
ح� ينوي أن يُري المتلق َّي ما يريد أن يراه ،ومن ين المتسارع ،ليكَون صور ًة شعريةً كثيفة� ،ف
ي ّ ُ ِّ َ
ال� يريد. ت ضيق عباراتها ِل َت َّتسع إمكاناتهاَ ،وي َّتسع ُج َم ٍل تَ ُ
الزاوية ّ ي ّ
ومكا�) ،وهذا التكثيف ن ن
(زما� ب� ي ز َ أفقُها ي ن
عملية ساحرة، صور هي ّ إن عملية تجسيد ال ّت ُّ ّ ي ح�ين ي
ِّ
الشعر والسينما
34
توجيهية عامة،
ّ ف ي� ذلك المشهد”( ،)17وهي لقطة الشاشة لديها قدرة الب�يّة عىل ّ“الع� ش ين أل ّن
تصور ف
تتضمن الحركة كلها ي� المشهد بأكملهّ ،ثم ّ تعب�يّة هائلة”( ،)14فيستطيع المشاهد أن يقرأ ي
اللقطات القريبة تل�كّز عىل التفاصيل المراد مشاعر الشخصية من خاللها ،لكونها نافذة
إبرازها ،وهي تصف الحساس أو االنطباع أ
ال ّول الشخصية إىل العالمّ ،ثم ت ّتسع بعد ذلك
إ
ال� تُعرض عىل الشاشة، ت
شاهد مع الصورة ي للم ِ
ُ متوسطةً ، ّ ال ّلقطة ف ي(� قلق الهودج) لتصبح لقطةً
اليهام إىل أبعد مدى ،يك فهي تذهب به بمبدأ إ مر ًة أخرى إىل ال ّلقطة القريبة ذاتها ،لكونها لتعود ّ
ت
الشخصية معها ،وح� يُصبح يخوض تجربة ف
هي ال ّلقطة الجوهريّة ي� المشهد.
ّ
ورقيا.
جز ًءا ِمن المادة المعروضة برصيًّاًّ / تبعا لوضع المشهد كث�ة ل َّلقطات ً
وهناك أنواع ي
ف
وال� يتم تحديدها ي� النص المعد ت
العام ،ي
الديكور واإلضاءة
للتصوير ،فبعض ال ّلقطات تخص أ
الفعال ا ّل ت ي�
ّ ّ
باق�ابها من السينمائية توثّق إن الصورة الشعريّة ت خصيات ،وبعضها هو ردود فعل
ّ الش ّ تقوم بها ّ
ب� اللغة والصورة ،حيث تتضافر ث
العالقة أك� ي ن للشخصيات ،والشاعر المعارص بات يراعي ّكل ()15
ّ
ت ف
أدوات اللغة ك ّلها لتو ّلد الصورة النهائية ،ي
وال� العباس ي� قصيدة الوضعيات تلك ،يقول فايز ّ ّ
مكونة من أشكال “حا�ون رغم الغياب” : ض
تبدو عبار ًة عن رموز بَرصيّة َّ ()16
خاتمة
بات الشاعر المعارص يستند إىل العالقات
الصور الشعريّة ،لتحقيق ب� ّ ال� تربط ي ن ت
الداخلية ي
ّ
فن
الشعري ،عن طريق استجالب ّ ّ المشهد
والزمن ،ويركز عىليخ�ل الحدث ّ ت
المونتاج الذي ز
أهم تفاصيل الصورة ،ويربط الصور ببعضها ّ
بعضا ،لتشكيل الصورة الكلية للمشهد. ً
الشاعر أن يجعل القارئ كما أصبح بإمكان ّ
ال� يريد، ت
نصه وصوره من الزاوية ي يشاهد ّ
يحركها كيفما شاء ،من كام�ا ّوكأنه مصور بيده ي الشاعر محمد العثمان
خالل الكام�ا اللغوية ،وملء فراغات المكان �ف
ي ي
نصه ،عن طريق استخدام الديكور ،واالستعانة ّ يك يَ ِلجوا قصيدتك الخصيبة
بالضاءة ،ليوازي عمله بذلك عمل السينوغرا�ف لك يتناسلوا
أو ي
ي ّ إ
ف ي� رسم المناظر ف ي� أفق رحمك
المع� ت
اس� َّدك ن ك ّلما
كم كنت وحدك.
الهوامش
( )1الدوخي (حمد محمود) :المونتاج الشعري ف ي� مشهد ليل ،ورغم أنّنا ال نرى قرينة ش
مبا�ة إنّه
ٌ ي ٌّ
(ب� الغصون للضاءة فيه ّإل أنّنا نلمس ظلًّ ي ن إ
القصيدة العربية المعارصة ،دمشق ،منشورات
اتحاد الكتاب العرب ،2009 ،ص.15 يدل عىل وجود إضاءة ،وإن كان مما ّ وظ ّلها)ّ ،
( )2ت مجهول ،من هنا جاء ال ّتالعب ي ن
ب� ال ّنور ً مصدرها
علالسينما ،جعفر يجاني� (لوي دي) :فهم ّ
ي ف
(ترجمة) ،منشورات عيون ،المكتبة السينمائية،-8 عب�
وحاسم ي� ال ّت ي ٌ ظ ّل ،وهذا ال ّتالعب ّ
“مهم وال ّ
عن خصائص الشياء وعالقاتها تلك” ،من
()25 أ
،1993ص.69
(. )3م.ن :ص.21 يسمى بالضوء نحس بوجود ما ّ ّثم نستطيع أن َّ
كنت أراوغ
ُ ( )4يب�وتية (مصعب يوسف):، الكام�ا عىل
ي التكميل “وا ّلذي يوضع عاد ًة قرب
ي
ِّ
الشعر والسينما
38
ح� قبل ظهور تق�ب من اللقطة السينمائية ت ت إن االنتقال الشعري ضمن مفهومات الحداثة ّ
هذا المصطلح. الشعريّة انطلق إىل نظرة أوسع للعالم ورؤية
ومع ظهور السينما الحقًا حاول الشعراء للشياء ،هذا االنتقال ساعد عىل اكتشاف مغايرة أ
المعارصون االستفادة من تقنيات هذا الفن ف ي� وخلق ف
مناطق جديدة ي� هندسة فضاء القصيدةَ ،
تشكيل صورهم الشعريّة المبتكرة والخالقة عن الدبية والفنية ف ي�الجناس أب� أ تمازجيا ي ن أفقًا
ًّ
طريق المشاهد ،والمونتاج ،والوقف ،وتوزيع فروعها المختلفة ،مما أخرج القصيدة المعارصة
البنيات الكالمية ،والحركة الموسيقية الجديدة من نمطية االشتغال والقول والشمول ،كل ذلك
ن
الهارمو� المتناغم والمتصاعد للجملة، ضمن ت�عزع النظرة الكلية ح� بدأت ت ز واضحا ي ن ً صار
ي
أ أ
البداعي ،ول َّن لغة الشاعر
ول َّن لكل خطاب شعري خصوصية ،فالنظرة السابقة للفضاء إ
أ ن
كونية شاملة ،وكونها ترتّب مسافات الب�؛
أيضا ،وهذا ما يجعلتختلف ل َّن الرؤية تختلف ً لغة ّ
أي خطاب ينطلق من مشهديّة خاصة تَ ْتبع أ ز
وتعمل عىل اه�از الساس الفلسفي الذي قامت ت
لموقف الشاعر ورؤيته للحياة أ نسا� تجاهعليه ف� الكالم ،وتف ّت ُت الموقف إ ن
والشياء ،وعىل ال ي ي
ت ن
أن هذه الب� قدرت عىل استثمار أ
ال� يريد الشاعر توصيلها بأي هذا فالصورة ي الشياء ،الحظنا َّ
طريقة كانت؛ سينمائية ،أو توصيفية ،أو تخيلية، المشهد البرصي وتحويله إىل مشهد رؤيوي،
تطمح إىل تمثيل الشاعر ف ي� نصه ،بع� اللغة ال� تحملها القصيدة ضمن مناخها ت
فالطاقة ي
ال� يكون عمادها الخيال ت التكوي� من موسيقى والتقاطات تصويرية وطرح ن
التواترية التتابعية ،ي ي
أساسا. بالساس أسئلة مع مفارقات متباعدة ،جعلها أ
ً
ِّ
الشعر والسينما
40
العر� . ف ّأما بالنسبة إىل اللقطة السينمائية فهنا تتماس
أو ي� المراحل التاريخية المختلفة للشعر ب ي
يم� قصيدة الشاعرة هذه الخصيصة من أبرز ما ي ز ب� السيناريو والشعر ،وإذا المشهدية فيها ي ن
أن مجموعتها
السورية إباء الخطيب ،حيث وجدنا َّ كانت السينما ف ي� إحدى تجلياتها رسدية مرئية،
تكت� عىل تداعيات ألمسك!...؟) نز ُ (بأي جرح وإن
فإن الشعر بدأ نشأته برسدية محكيةَّ ، َّ
مجددة ضمنالسينمائية بقوة .فكانت ّ
ّ المشهديّة طموح الشاعر كان منذ البداية أن تصبح قصيدته
ف أك� أن ث ف
حية ي� إطارات عدة؛ من ضمنها شعريّة ممكنة ّ صورة مطبوعة ي� الذاكرة ،ونحن نالحظ َّ
أ طياتها ف ف
الطار ،وقد يكون هذا المر بقصد أو بال هذا إ تأث�ا ي� المتلقّي هي ما تحمل ي� ّ النصوص ي ً
ف
همية هذه الظاهرة ي� شعرها وبروزها أ مشهدية اللقطة فيستطيع من خاللها القارئ
قصد .ول ّ
الالفت تح ّفزنا للكتابة عن هذا الموضوع لنخرج تخيل فضاء الصورة أ
والحداث. ّ
المفاهيمية السائدة ،ونحاول
ّ من سطوة الحداثة لذلك كانت هذه التقنية من أهم العنارص الجاذبة
أن نخلق شعريّة ممكنة رحبة ضمن أطر تكوين محاول أن يشكّل ً ف ي� الشعر قديمه /وحديثه،
الجملة عندها. اضيا ف ي� الزمان والمكان ،أو يبتدع حدثًا ن ت
ويب� اف� ً ي
عاليا لفعل أو شخصية أو حالة، وصفًا تصويريًا ً
العر� منذ ف
الشعرية
ّ المبنى السينمائي ل ّلقطة تتبع هذه الحاالت ي� الشعر ب ي ويمكن ُّ
ئ
سينما� ي ن
ح� تتحول إىل ن
مب� ف
ي أي لقطة شعريّة ّ إن ّ َّ الجاهل
ي كث�ة ي� الشعرالقدم ،من خالل نماذج ي
نسقط الصورة البرصية عىل الصورة التخييلية
ال� يحاولها الشاعر ،مع االعتماد عىل تقنيات ت
ي
العىلالسيناريو ،فتهبط الكام�ا الشعرية من أ
ّ ي
الداخل للبنيات
ي متجهة نحو محتويات الفضاء
اللغوية بع� لقطات متتابعة ومتباينة أو بالعكس،
فيكون هذا المشهد أساسه التقطيع للوحدات
الخرى برابط الم�ابطة ،فكل وحدة ترتبط مع أ ت
بنا� ،لتنتهي هذه الوحدات عىل ئ
معنوي أو ي
كل ،ومن ذلك قول الشاعرة ف ي� قصيدة مشهد ي
خ�ة” : أ
()1
“الرسالة ال ي
__________________________________________
ظ� للثقافة
جرح ألمسك..؟( ،أكاديمية أبو ب ي
( )1إباء الخطيب :بأي ٍ
أبوظ� ،)2018 ،ص.31
بي إمارة المتحدة، المارات العربية ت
وال�اث ،إ الشاعرة إباء الخطيب
ِّ
الشعر والسينما
41
(قلمن الدراما الحواريّة للمخاطب ف ي� قولهاْ : أن الشاعرة حافظت ف ي� أغلب قصائد فنالحظ َّ
للمسافة) إىل رسد الحدث ّ
(أل تخيط ......العابرة) المجموعة عىل هوية التتابع والتقسيم
ومن ثم إىل التوصيف العال ف� نقل ما يدور �ف المقصود ،ضمن آليات البياض والفراغ ،لتعطي
ي ي ي
تلك اللحظة الشعريّة المتوهجة لتحيل بعدها فرصة حقيقية للقارئ يك يتأمل ذاته النقية قبل
بإتقان عىل مشاهد الشعريّة -السينمائية. متابعة القراءة والتوغل ف ي� بنيات النص.
أيضا ف ي� قولها بقصيدة
واضحا ًً وهذا ما نجده
ُّ
والتوقف آلية القطع “رقصة الذاكرة”:
تخيالت هي آلية سينمائية تهدف إىل خلق ّ
واستفسارات حال السكوت عن ما يجيء بعدها، قل للمسافة بيننا
يعمد إليها الشاعر عندما يريد أن يحرك مخيال أال تخيط برملها خطو الدقائق..
المتلقي ،فال يكمل مقوالته ،كآلية قطع المشهد ظل الغيوم العابرة. فالخطا ُّ
تك� هذه آ
اللية ف ي� ف� السينما والسيناريو .وعندما ث كنت
ي حيث ُ أمس التقيناُ ..
لتفج�
ي كث�ا من التساؤالت،الشعر تخلق معها ي ً حبيبة الموت العتيق
ف خنت مشاعره.
تخييل،ي دالالت أوسع وتأويالت ال تنتهي ي� إطار وأمس ُِ
البداعي قضايا بك�ى وخصوصا إذا طرح العمل إ ً
شد المتلقي تكف عن ّ بصورة درامية متنامية ،ال ّ فاشتغال الشاعرة عىل استثمار الحدث من خالل
ومما جاء ضمن وتحف�ه لولوج عوالم أرحبّ ، يز بارزا ،واستغالل
الحوار والحركة والتصوير كان ً
السينمائية ف ي� مجموعة هذه آ
ال ّلية الشعريّة ح� الزمان والمكان فيه ،مما أكسب المشهد ت
ّ
الشاعرة إباء الخطيب ،هو قولها ف ي� قصيدة “ال تطور الحدث بحركية درامية متماوجة ،وقد ّ
إل”(:)4
تنظر ي ّ خطابية ،متخذ ًة الديكور الشعري هوية لذلك:
(الخيوط ،الرمال ،الخطا ،الدقائق ،ثم تحديد
فتكلمت... المس ،واللقاء ،وفعل الخيانة) فكانت الزمن -أ
ْ
وحفظ ُتها.... هذه التفاصيل الغطاء المشهدي ل ّلقطة وأداة
ْ ف للتعب� عن الحالة الشعورية ف ي� ذات الشاعرة،
مقصلة. تبد فل َّكل ٍ
جدع ي� ربيعكَ لغة ّ ي
وقولها ي� النص نفسه: ض
وعن توجسات الحا� وخيانة الطفولة والحب
ُع ْد ب ي� لعذركَ الخطا� ف� ذاتها أيضا ،لينتقل مستوى أ
الداء
بي ً ي
____________________________________________________________________________________________________________
( )4الخطيب ،ص.19
ِّ
الشعر والسينما
44
رصد القلق الذي يحفر ف ي� داخل المتلقي، التداخل الموسيقي السينمائي في
وينعكس عىل جسده ،لذلك كان ال بد من إيقاع المجموعة
ال� يبقى أثرها ً
ماثل ت
يتناسب مع حالة السؤال االستنكاري ،ففضاء السينمائية ي
ّ إن أهم اللقطات َّ
ئ ال� تحمل مشاهد ت أ ف
السينما� كله كان من خالل تمازج السؤال ي الحالة ي� الذهان والنفوس؛ هي ي
اليقاع المنساب من مجزوء العارف المكرر؛ مع إ تعب�يّة دون كالم ،وقد أوصلت فكرة ما؛ حركية ي ّ
ف نقطت� ( )..لمر ي ن
ين حرك ،يوازيها تداخل موسيقي
ت� ي� الشطر الكامل؛ مع وجود ضمن تم ّث ٍل درامي ي
أ ف
الضمار ي� التفعيلة الوىل بالتوازي أ االق�اب من وجدانية مناسب يحفّز المتلقي عىل ت
الول .وتكرار إ
ف� البيت أ المر ما يع� عنه هذا المشهد التعب�ي ،وهذا أ
الحركية
ّ الول .كل ذلك خلق حالة من ي ي ب
بحرفية ،وقد أكملتها القافية الموسيقية المرسومة ن
أيضا عىل قوة التداخل يب� الموسيقى ينعكس ً
ّ ّ
روي موصول ،والمؤسسة عىل المد الطويل مع ٍ والتصوير ف ي� الشعر ،لذلك قد يندمج التصوير
ف
الذي يعطي إطالقًا ال ينتهي ي� مدة رسيعة ،بل اليقاع فيشكالن وحدة عارمة المشهديّة ف ي� مع إ
ح� تتغ ّلل ف ي� الروح .ثم تكمل يموسق الجملة ت يم� اللقطات تكوين الجملة الشعريّة ،وأبرز ما ي ِّ ز
الشاعرة قائلة: السينمائية الشعريّة هي بالفعل ما تحمل ّ
المع� عنها،
ب ِّ اليقاع حركية الجملة قوة إّ فيه
يا غيم ب ّلل راحيتكَ (بأي
وسنقف عىل بعض الشواهد من مجموعة ّ
بما ئ ن
يطم� بالها. لنتب� أهمية هذه الخاصية ف ي� جرح ألمسك؟) ي َّ ن
الشعر ،تقول الشاعرة ف ي� قصيدة “تمائم للريح
والرض”(:)7 أ
بارزا
دورا ًالموسيقية ً
ّ هنا تلعب المشهديّة
ف ي� تصعيد الشعريّة ،من خالل خلق حوار مع
المخاطب وهو الغيم ،وإنتاج ديالوج قائم عىل الريح ريحكَ ..ما لها..؟
النصات للباث ،أي الشاعرة ،مع تدوير البيت إ أرخت عليك ظاللها
الخباريّة ضمن قابلها الموسيقيإلطالة الحالة إ أولم تعرك ظنونها
ئ
والمر� دون انقطاع أو المتناغم ي ن
ب� المسموع تستث� خيالها؟
ي يك
ي
مما يشعر بنغمة مرافقة للمشهد الدراميتوقف ّ
جمل لجة ف ف
ككل. ٍ ي� هذا المشهد تشعر وكأنكَ ي� ّ
ن أ
ّأما ف ي� قصيدتها “أحالم مبتورة الجنحة” ف�اها تغريبية هادرة ،نز
م�احة بعدسة دقيقة ،تحاول ّ
____________________________________________________________________________________________________________
( )7الخطيب ،ص.13
ِّ
الشعر والسينما
46
صدمة العولمة
في خطاب ال ُّنخبة
محمد ادعيكل /المغرب
والنية تتمثل ف� تعميم التبادالت االقتصادية آ يُ َع ُّد موضوع العولمة من المواضع المقلقة،
ي
واالجتماعية والثقافية ،عىل نحو يجعل العالم القالم هنا وهناك ،من تناولتها العديد من أ
أي يوم م�ض ،من حيث كونه أك� من ّ واحدا ث ً التيارات ،سواء من خالل عقد الندوات مختلف ّ
مجال للتداول أو أفقًا للتواصل. سوقًا للتبادل أو ً الصدارات ،وهنا يُطرح الكث� من إ أو من خالل ي
عل حرب ،أنَّنا إزاء ن هاجسا عد العولمة
الحد تُ ُّ
السؤال :هل لهذا ّ
بهذا المع� للعولمة يرى ي ً
الكوك� بآفاتهبي كو� ندخل معه ف ي� العرص ن
فتح ي ٍّ ٍ للمثقف� والمفكرين .ف ي� هذا المقال نتوقَّف معين
ث عل حرب وحديثه عن جز ّئية “صدمة
وتحوالته“ .هذا العرص ُّ ومجاالته ،ب�واته الكاتب ي
تخترصه أربعة عناوين بك�ى لفتوحات وابتكارات العولمة ف ي� خطاب ال ُّن ْخبة”.
الب� وتهيمن عىل وقدرات وتك ُّتالت تؤثر ف ي� حياة ش
و�، مقدراتهم ومصائرهم هي :االقتصاد إ ت ن
اللك� ي وتحوالتها
ُّ العولمة ُقواها
ن
التلفزيو�، العالمي ،والمجال والمجتمع إ ورواجا
ً ً
تداول لقد أصبح مصطلح العولمة ث
أك�
ي
التحول حصل بفعل ن
الس� يا� ،كل هذا
والفضاء ب الثقافية ،فما من لقاء فكري يُعقد عىل الساحة
ُّ ّ
ع� ت محورا لبحث قضية من القضايا إال وتكون العولمة
ال� تتيح ب ْ ثورة مزدوجة :ثورة المعلومات ي ً
العالم الرسيعة نقل المعطيات من طرقات إ يخصص لهذه القضية عما َّ من محاورهً ،
فضل ّ
صور وأصوات ورسائل ورموز برسعة الضوء أن العولمة قد
من ندوات ومؤتمرات .هكذا نجد َّ
الرض إىل أقىص طرف”(.)1 من أقىص طرف ف� أ فرضت نفسها عىل أهل الفكر والثقافة ،الذين
ي
وهذا يمكِّ ننا من القول إنَّنا أمام نهاية الجغرافيا عد قفزة حضارية ينشغلون بالظاهرة ،فهي تُ ُّ
دراسات
48
السواق الماليةومستوى أوسط ،يتمثل ف� توحيد أ وحدودها .فكيف تقرأ العولمة إذن؟
ي
ال ت أن هناك من جهة أوىل أصحاب عل حرب َّ
النتاج لك�ونية عىل يد مجموعات إ ع� التجارة إ بْ يرى ي
المتعددة؛ ال�كات ذات الجنسيات وأصحاب ش المشاريع اليديولوجية الذين يقرأون العولمة أ
ِّ
الشخاص العابرين أد� يتمثل ف� حركة أ ومستوى ن مثالية طوباويّة ،من خالل نضالية، قراءة
ي ّ ّ
أن العولمةب� الدول والقارات ،ويرون َّ للحدود ي ن تهويمات وأطياف العدالة أو هوامات الحرية.
عالما بال
ستغ� مشهد العالم بحيث يغدو ً ي ِّ “وهؤالء يدخلون عىل العولمة بمواقف مسبقة،
افية.
حدود جغر ّ والرجم ،ويتحدثوا بلغة لك يمارسوا ال َّلعن َّ ي
والحباط” هذا الفريق يقرأ العولمة الصدمة إ
ح ُ
بتعاب� االستتباع الحضاري والغزو الثقا�ف
ماتها ودفاعاتها في عصر الهويةُ : ي ي
الم�كية .بل إن هناك من يرى �ف والهيمنة أ
العولمة ي َ َّ ي
أن علينا أن ن أ
يع� ذلك َّ عل حرب ،هل ي يتساءل ي العولمة “موت الثقافة” بفعل تسليع الفكار
نخ� عىل هويتنا الثقافية من العولمة وقواها، ش أن أ أ
عل حرب َّ والجساد والشياء .مقابل هذا يرى ي
ين
والمناضل� عىل ما هي عندنا ر ّدة فعل الدعاة يتوهم يسبح باسم العولمة ،بقدر ما َّ هناك َمن ِّ
العالمية الذي يقاومون العولمة بالدفاع عن آ
ستحل المشكالت وتق ي عىل الفات، �ض ّ أنها
ّ
الثقافية؟
ّ والخصوصية
ّ والدولة والحداثة ب� بما تطلقه من إمكانات التواصل والتبادل ي ن
حقيقيا عىل الهوية ً خطرا
ً هل تشكل العولمة أيضا يتطرفون ً الب� أفرا ًدا وجماعات“ .وهؤالء ّ ش
والحماة من ال ُّن َخب الثقافية ،كما يزعم الدعاة ُ ً إن العولمة ليست يبسطون الواقع ،إ ْذ َّ بقدر ما ّ
أ
الفكرية وأصحاب المشاريع اليديولوجية؟ جحيما ،ولكنها ليست الفردوس الموعود الذي ً
أن مثل هذا السؤال يحجب ف ي� نظره ت آ
يرى الكاتب َّ ال� لم تتحقق من قبل، سوف يحقق المال ي
بالثارة :هل ما زال أهل سؤال آخر هو ْأوىل إ ً ال ف ي� عصور التحرير وال ي� عصور التنوير” .
()2 ف
م�وعيتهم �ف أ
ي المحافظة والمدافعة يمتلكون ش ّ عل حرب ،أن تُقرأ العولمة والجدى ،بحسب ي
ممارسة الوصاية عىل الثقافة والهوية أ الوجودي، الحد� وبُعدها ث فعالة بمنطقها
والمة، ّ يّ قراءة ّ
فضل عن شؤون الحقيقة؟ ً ال الهجوم عليها بمواقف مسبقة.
تخ�ق المجتمعات أن العولمة ت عل حرب َّ
مسوغ السؤال ،بحسب الكاتب ،هو انفضاح عجز ّ وقد أكَّد ي
الدعاة عن تحقيق ما طرحوه من شعارات ،أي ُّ والثقافات عىل عدة مستويات ،مستوى أعىل
والفاعلية بعد انهيار
ّ للمصداقية
ّ فقدان ال ُّن َخب يتمثل ف ي� تدفُّق المعلومات والصور والقيم
تحول ال� ِّ ِّ ت
“المرجعيات الفكريّة” للمشاريع الحضاريّة. ّ المتعدد ي العالم ع� وسائط إ والنماذج ب ْ
ف كو� واحد لالتصال الدائم؛ ن
عل حرب ي� هذا الصدد“ :فالمناضلون يقول ي العالم إىل نظام ي
دراسات
49
ضدها .والحل هو سواء كانوا مع العولمة أو ّ الذين قضوا أعمارهم الطويلة ف ي� النضال
العمل عىل نسج عالقات وروابط جديدة مع والعقليات،
ّ تغي� واقع المجتمعات من أجل ي
والشياء. الـ”غ�” والعالم أ أ
الن بفكرهم الحادي وعقولهم المغلقة يقفون آ
ي
وإن كانت تعمل عىل توحيد العالم أن العولمة ْ َّ - النجازات المتغ�ات .بقدر ما تصدمهم إ يّ ضد
ّ
يع� ذلك ن والتحوالت .والثوريون الذين سعوا إىل تفكيك
حضاريًّا بفعل التقنيات الجديدة ،فال ي ُّ
ثقافيا أو أنّها ستق�ض ي عىل ًّ ستوحد العالم ِّ أنّها الدول بوصفها مؤسسات يب�وقراطية تحتكر
الثقافية.
ّ الخصوصياتّ الشأن العام والحق العام ،وتقوم بتطبيع
تدم� الكائنات، أ
لكون
هذه النقطة ال أتفق مع الكاتب حولهاْ ، الفراد وتطويع الجماعات ،بل ي
الدول المتقدمة ،بفضل التكنولوجيا تمكَّ نت عىل ما كانوا يقومون ،يتباكون اليوم عىل الدولة
أك� عىل اخ�اق بيوتنا ،وأثَّرت وما تزال تؤثر ث من ت المنتهكة ويطالبون بحمايتها من قوى العولمة
ِ
مما يجعلنا نقول :إنَّنا اليوم فريسة المتلقيّ ، لحقوق الدول وسيادتها”( .)3وهنا يرى الكتاب
فالخصوصية ستتأثر ال وبالتال الثقا�، ف الغزو وعملياتها أن هؤالء يحاربون العولمة بتقنياتها
ّ ي ي ّ َّ
محالة. وقواها الناشطة والعاملة عىل إعادة تشكيل هذا
يع� التصفيق للعولمة. ن ين
مستخدم� ُعملة يغ� العالم بالعودة إىل الوراء،
أن نقد ال ُّنخبة ال ي -الثالثة َّ
أ للصف.
سلبياتها وأخطارها. خ�ة لها ّ لكون هذه ال ي قابلة َّ
بأن العولمة ظاهرة وأخ�ا ،ال َّبد من التأكيد َّ يً ينصبون أنفسهم وهنا ير ّد الكاتب عىل الذين ِّ
أن انتقادها يع� َّن أن أزمة الهويّة للدفاع عن الهوية ،حيث أكد َّ
مما ي فرضت نفسها بالقوةّ ،
وبيان خطورتها ،هو منهج يغ� سليم ،والحل العربية ،المجتمعية والثقافية ،ال تكمن �ف
ي ّ ّ ّ
إن العولمة هو االنخراط فيها ،إذ ال يمكن القول َّ محاوالت اخ�اقها من الخارج ،بقدر ما تكمن ت
تهديدا للهوية وكفى؛ بل يجب تكثيف ً تشكِّل ين
والمدافع� عنها من ال ُّن َخب بالذات لدى ُحماتها
ف
الجهود ،يك نعولم نحن العرب ثقافتنا ي� إطار أ
وأصحاب المشاريع اليديولوجية ،العاجزين عن
التواصل الحضاري ع� خلق الحقائق ت
والتوسع ،ب ْ
ُّ االخ�اق ممارسة
وإنتاج الوقائع.
الهوامش: وقد اختتم الكاتب موضوعه عن العولمة بال َّتنبيه
عل
( )1حديث النهايات :فتوحات العولمة ومأزق الهوية ،ي مهمة:
عىل ثالث نقاط ّ
ف أن ال جدوى من التعامل مع العولمة بفكر
العر� ،ط.2004 ،2
الثقا� ب ي
ي حرب ،المركز ْ -
( )2المرجع نفسه ،ص.30-31 أحادي أو عقل أيديولوجي تبسيطي أو منطق
ضد أصحابه، أ ق
( )3المرجع نفسه ،ص.33 وثو� تطابقي .ل َّن ذلك ينقلب ّ ي
دراسات
50
ألبرتو مورافيا
عاما على الميالد
ومئة وأحد عشر ً
شوقي بدر يوسف /مصر
ال� كتبهات
الـ”ديكام�ون” ي ي نجد ذلك ف ي� قصص “الما� يشبه الفحم ،عندما يشتعل، ي
ض
“جيوفا� بوكاشيو” أحد ك ّتاب عرص النهضة ن ال يبقى منه سوى الشَّ وائب”
ي
إيطال ئ
روا� أل�تو مورافيا
ي متأثرا بألف ليلة وليلة ،وهو أول ي ً ب
ف
كتب روايته الن�ية بعنوان “الشقاء ي� الحب”، ث
كب� من ك ّتاب الدابالدب اليطال الحديث أحد آ يعت� أ
ومن ثم ظهر بعد ذلك عدد ي إ ي ُ ْ َ بَ ُ
الرواية ف ي� إيطاليا وجزيرة صقلية التابعة لها، ف
ال� لها طبيعة خاصة ي� القراءة ت أ
الجنبية ي
نذكر عىل سبيل المثال “إيتالو سفيفو” صاحب المحل داخل إيطاليا ّي والتناول عىل المستوى
يطال أ
رواية “الشيخوخة” ،و”إيتالو كالفينو” صاحب ال ي وعىل المستوى العالمي .ويم ِّثل الدب إ
“الالمر�” ،و”أليساندرو باريكو” صاحب ي
ئ رواية ف ي� المشهد الرسدي العالمي عالمة مهمة أرهصت
سيلو�” صاحب ن رواية “طريق الحرير”“ ،إيجازيو الداب العالمية بعدد من العالمات أ
واليقونات آ
ي
يز
و”تش�ري تابوك”، رواية “فونتمارا”“ ،أنطونيو والحدا� ،وقد مثلت ث المهمة ف� المجال ت
ال� ث يا�
ي ي ي
باف�ي”“ ،لويجي يب�انديللو” صاحب مرسحية يز ف
هذه العالمات أبعا ًدا تاريخية ي� آداب العالم
“ست شخصيات تبحث عن مؤلف” ،و”دينو وجمعت حولها جوانب إنسانية تراثية م َّهدت
ومنحت المشهد الرسدي عددا من أ
بوتز ت يا�” صاحب رواية “صحراء التتار” ب
و”أل�تو العمال ً
مورافيا” موضوع هذه الورقة ،وزوجته الروائية الخالدة؛ ف ي� هذا المجال نذكر منها عىل سبيل
ت ”دان�” ،كذلك ت
وغ�هم. ان�” ي “إلسا مور ي اللهية” ل ِـ ي المثال “الكوميديا إ
يطالية ال تتمتع ف ث
القص�ة دور تر يا� ي� آداب إيطاليا كان للقصة
ال ّ أن اللغة إ الرغم من َّ وعىل ّ ي
دراسات
51
مرو ًجا للفضائح الح� ِّ واعت� مورافيا منذ ذلك ي ن ب وغ�هم من كما قرأ أشعار شيللر وتوماس مان ي
لف�ة طويلة من الجنسية ،وهي تهمة الزمته ت كبار الك ّتاب.
تعرضت أن النقد الذي ّ الزمن ،واعتقد مورافيا َّ وحول حياته الخاصة ،فقد تزوج مورافيا خاللها
له رواية “زمن الالمباالة” ناتج عن النقد الالذع الوىل من الروائية ثالث مرات من ثالث كاتبات؛ أ
ت ان�” عام 1941واستمر هذا ت
ال�
اليطالية ي لل�جوازية إ وجهته الرواية ب الذي ّ اليطالية “إلسا مور ي إ
الدوت� ش ف
انحدر منها مورافيا نفسه ي� بداية عرص الزواج لمدة ربع قرن ،وكانت “إلسا” من الكاتبات
ي
و� عام 1935صدرت روايته ف
موسولي� ،ي ي
ن الشه�ات ف ي� ذلك الوقت ،لذا كانت المنافسة ي
كث�ا من المالحظات ت بينهما شديدة ح� انفصال عام ّ ،1966أما ت
تضمنت ي ً ّ ال�
“الخيبة” ي
طور نقده الالذع الثا� فكان من الكاتبة المفكرة والشاعرة الزواج ن
لكن مورافيا كان قد ّ نفسهاَّ ،
ف
ال�جوازية � هذه الرواية .و� تلك ت ف عاما، ماري�” وكان الفرق بينما ي ن ن
الف�ة ي لطبقته ب ثالث� ً ي “داسيا
القص�ة هي ي صدرت له مجموعة من القصص عاماّ ،أما الزواج ع�ين ً استمر هذا الزواج لمدة ش ّ
“المل”“ ،اللعبة الخطرة” ،ثم “شتاء مريض” ،أ الخ� فكان يمثل إحدى متناقضات الحياة �ف أ
ي ي
ال� تتحدث عن قائد ديكتاتوري ت تزوج مورافيا وقد تجاوز حياة مورافيا ،فقد ّ
رواية “التهريج” ي
أن مورافيا ف بحوال الثمان� من عمره من فتاة إسبانية تصغره ين
أم�كا الجنوبية ،وكان من الواضح َّ ي� ي ي
الفا� ف ي� إيطاليا، ي
ش يش� بذلك إىل النظام ي عاما ،هي “كارمن يل�ا” ،وعىل الرغم وأربع� ً ين ستة
أن الدكتاتور الذي عناه مورافيا ويعتقد بعضهم َّ مما كان يبديه كل منهما من سعادة وحب أمام ّ
ن ش أن الواقع ين أ
موسولوي�) ،وكان ذلك إيذانًا ي (الدوت�
ي هو الصحفي� ،إال َّ وكام�ات
ي الصدقاء
موسولي�؛ ن وب� نظام حكم ببدء الحرب بينه ي ن كان يغ� ذلك العتبارات السن والجنسية والحياة
ي
إذ تعرضت روايتة “التهريج” إىل الحظر وبدأت الوضاع االجتماعية المتناقضة ف� مثل هذه أ
ي
اش�ك ف ي� و� عام 1943ت ف شكل ومضمونًا .وقد تو�ف االجتماعية الملتبسة ً
كتاباته تتعرض للرقابة .ي ي
ال� كان ت
تحرير الصحيفة اليومية (شعب روما) ي سبتم� ب والع�ين من أيلول/ ش مورافيا ف ي� السادس
مما اضطره إىل يرأس تحريرها “كورادو ألفارو” ّ عام .1990
الهرب من السلطات الفاشية وااللتجاء إىل جبال ف ي� عام 1925بدأ مورافيا ي� كتابة روايته “زمن
ف
الف�ة بدأ مورافيا ف ي� و� تلك ت ف
“تشيوتشيارو” ،ي تم�ت هذه ون�ت عام ،1929وقد ي َّ ز الالمباالة” ش
ال� كتبها ت الرواية باحتوائها عىل معظم الخطوط العريضة
وضع خطوط روايته الرائعة (الفالح) ي
بعد ذلك بأربعة ش وال� سوف تبقى ت ال� ي َّ ز ت
عاما وهي تحليل لعالم ع� ً تم� بها أسلوب مورافيا ي ي
دون البلوريتاريا. عالمة ظاهرة ف ي� أعماله الالحقة ،وقد أثار صدور
يطال، أ ف
كانت أعمال مورافيا الروائية ترزح جميعها تحت ال يد� إ ضجة ي� الوسط ال ب ي “زمن الالمباالة” ّ
دراسات
53
حول حياة الكاتب .والرواية تخترص بعناوين ح� قبل أن وال�عات الوجودية ت حمى الجنس نز ّ
“ألب� كامو” ي� روايته الغريب ،وسارتر ف
“المال”“ ،الشهرة” ،و”السعي إىل السلطة” سياسة يطلقها ي
وغ�ها من الموضوعات. إيطاليا عام 1950ي ف ي� أعماله الفلسفية والروائية ي� ف�ة الخمسينات
ت ف
البداعية بالمذهب أل�تو مورافيا إ اتَّسمت أعمال ب ال�عات السيكولوجية الما� ،وكانت نز من القرن ض
انت�وأم�كا ثم ش ف
الواقعي ،والذي بدأ ي� روسيا ي ال� يحتفي بها مورافيا ف ي� أعماله تنبع جميعها ي
ت
أ
وإنجل�ا وبقية الدول الخرى ت بعد ذلك ف ي� فرنسا ال ثك� شهوانية،من جنون الجنس خاصة الجنس أ
وبينها إيطاليا ،وكان بمثابة تجسيد للبيئات كث�ا من النقاد والكنيسة وهو ما جعله يهاجم ي ً
الجديدة بحوادثها المختلفة؛ خاصة ما يتعلق والسلطة ،ولكنه كان دائم الدفاع عن وجهة نظره
عا� منها ال� ن ت ال�عة بكل قوته. الخاصة تجاه هذه نز
بمشاكلها النفسية واالجتماعية ي
ين
العالميت� ين
الحرب� ت
ث� ومن أعماله بعد “زمن الالمباالة” 1929
الغر� بعد كار ي المجتمع ب ي
الوىل والثانية ،وكانت تلك حاجة لمورافيا أ كتب مورافيا “دوالب الحظ” ،1939وكتاب
لتوظيف قدراته الفنية ضمن هذا المنحى الذي “الطموحات الخائبة” “ ،1935الحياة اللعوب”
وجد فيه ضالته لرسم أفكاره وتخطيط طبيعة “ ،1935امرأة من روما” “ ،1947أغوستينو”
ك� عىل إشكاليات مواجهات شخوصه ت
وال� ي ز ”“ ،1944الرومانية الجميلة” “ ،1947العصيان”
يعا� منها المجتمع ف ي� جوانبه ن
ال� ي
ت
التأزمات ي “الزدراء” “ ،1958العشق الزوجي”، ،1948إ
دائما
كافة ،وكانت نهايات أعمال مورافيا الروائية ً “الرجل الذي ينتظر”“ ،الضجر” “ ،1960االنتباه”
للمال ،فهو يعمد إىل ما تنتهى بنهايات مخيبة آ “ ،1961أنا وهو” “ ،1972صوت البحر” ،1978
وغ� متوقعة، مفاجأة القارئ بنهايات محبطة ي ““ ،1983 ”1943المتلصص” “ ،1986عاصفة
ففي الوقت الذي بي�ع بخلق شخوص تجعل المطر” “ ،1986رحلة إىل أوربا” “ ،1990االحتقار”
ال� حازت عىل جائزة ت
القارئ يتعاطف معها ويتعلق بها حد التوحد، “ ،1999السأم” 1999ي
نجده ف ي� النهاية يعمد إىل تحطيم هذه الصورة اليطالية ،كما تم أك� الجوائز إ “فيارجيو” وهي من ب
وي�ك ال� رسمها للشخصية ،ت ت العثور عىل إحدى رواياته وعنوانها “الصديقان”
الفنية الرائعة ي
القارئ ف ي� نهاية المطاف ف ي� حالة ال يحسد عليها تحول إىل متحف م�له الذي َّ بعد رحيله ف� قبو نز
ي
من اليأس والقنوظ .ففى رواية “السأم” عىل كث�ا من أعماله وأغراضه الشخصية ،وقد يضم ي ً
سبيل المثال يجعل بطل الرواية الفنان ينتحر، اليطالية بعد شهور صدرت هذه الرواية باللغة إ
ال� أحبها إىل بائعة ت أيضا باللغة الفرنسية، من اكتشافها ،كما صدرت ً
بعد أن تتحول عشيقته ي
و� نهاية رواية “االحتقار” عمد إىل جعل ف بال�امن مع كتاب “فيتادي مورافيا” وهو كتاب تز
هوى ،ي
الخرى بينما تعرض عليه زوجته بائعة هوى هي أ اع�افات وحقائق محاورات مع مورافيا يتضمن ت
دراسات
54
لمغامرات جديدة!! كيف له هذا وزوجته إىل غريب .وتستحوذ هذه الذاكرة المشوبة بميل
جانبه تتطلب أشياء يريد هو تكريسها لصالح الف� ماريو الذي يعتقد أنه جنس عىل أفكار ت
ي
المر ،للفن والفن وحده ،ال، الفن ،ومهما ك َّلف أ يمكن التخلص منها بأن يعيد المشهد نفسه مع
هذا لن يكون ،ال بد من هجر البيت إذن ،ال بد وتصور “رحلة إىل روما” ِّ خطيبة والده الجديدة.
الجنس لبطال الرواية وعدم أ الحباط
من “العفاف” الكامل المطلق التام. ي حالة إ
المر؟ هل يقبل ير� “هو” عن هذا أ لكن هل ض ف
االك�اث بالنسبة لطبيعة الحياة ي� المجتمع ت
ال�وط ،بهذه القيود ،وهذه الحواجز بهذه ش يطال ،من خالل المعاناة ف ي� أوسع أشكالها ال ي إ
ال� تريد أن تكبت ما يريده أ ت ت ف
والسعي الحتالل مكان ي� عالم يشعر فيه
ال� تحيطه بها النا ي ي
ويش� مورافيا ف ي� هذا معاد لهم. أ
الـ”هو” الذي يمثل الواجهة الرئيسة للغريزة ي البطال أنه ٍ
يتوجب
الجنسية المحتدمة“ ،إنه” الواقع ،فلماذا ّ أن الك ّتاب يجب عليهم أن يحاولوا الصدد إىل َّ
أي التفات. يع� “أنا” ّ
يع� صاحبه ،أن ي عليه أن ي معالجة مثل هذه الموضوعات المعقدة بطريقة
من هذه النقطة يبدأ مورافيا كتابه .رواية “أنا واضحة وسهلة وأن يجدوا لها الحلول المناسبة
ت نسا� التأزمات والتفسخ إ ن
ال� اشتغل فيها عىل لحظة الرصاع هذه. وهو” ي ال ي ُّ للقضاء عىل ظاهرة ُّ
وسدة الرواية ،ولحمتها هما بؤرة هذا الرصاع ف ي� المجتمع.
“النا” برؤيته الخاصة نحو العمل ب� أ القائم ي ن و� رواية “أنا وهو” تتناول الرواية حالة انفصام ف
ي
والفعل و”الهو” ورؤيته الخاصة نحو ر ّد الفعل. نفسية ف ي� شخصية فردريكو أو ريكو كما يطلق عىل
العمالو� رواية “عاصفة المطر” وهي من أ ف بطل الرواية ،سبب هذا االنفصام هو “العفاف”
المتقدمة لمورافيا عىل الرغم من أنه قد كتبها الذي عزم ريكو عىل فرضه عىل نفسه اقتنا ًعا
الما� ،ونجد ف� بداية الخمسينات من القرن ض منه بما فهمه من نظرية فرويد التصعيدية،
ي ي
ف تصعيدا للحافز الف� ليس إال ن
فيها التكنيك نفسه الذي اتبعه ي� أول رواياته ً البداع ي إن إ
القائلة َّ
ب� تقنيات “زمن الالمباالة” ،وهو تكنيك الجمع ي ن النسان.
الجنس لدى إ
ي
الروا� والكتابة المرسحية يستخدمه ئ كتابة الرسد فيلما
وعىل الرغم من ذلك يريد ريكو أن يُخرج ً
ي
القص�ة من خالل عدد قليل من ي ف ي� هذه الرواية ال� قام بها الشباب ف ي� ت
عن حركة المناهضة ي
الشخصيات ،وأزمة وشيكة الوقوع ف ي� مواجهات أوروبا ،واسم الفيلم هو “االستمالك” نسبة إىل
ب� أبطال الرواية نستخلص منها وجود محتدمة ي ن لين� .فكيفمصطلح قرأه من الزعيم الشيوعي ي ن
رصاع ومواجهات ي ن ير� غروره ومطامحه له أن يقوم بعمل ن ض
ب� أربع شخصيات رئيسة، ف� ي ي
ال� تهجره ت ف
وهو يهدر طاقاته الخالقة ي� مادة يستهلكها
هي :لوكا وخطيبته السابقة مارتا ي
من أجل عالقة مع رجل ثري متقدم ف ي� السن دائما آ
“هو” أي البطل الخر؛ الجنس ،المتعطش ً
دراسات
56
انتشارا ،وقد استفاد من صفته الصحفية هذه ً وسبب ثراؤه حصوله عىل المال بطرق يغ�
ت
وإنجل�ا ف ي� التجول حول العالم ،فزار فرنسا م�وعة ،تحصل منه مارتا عىل ما يسد حاجتها ش
والص� ،ولم تقترصين وأم�كا وأفريقيا
واليونان ي طفل .ورغم جهود لوكا االجتماعية وتنجب منه ً
القص�ة
ي أعماله عىل الكتابة الروائية والقصة الستعادة مارتا ،إال أنه يفشل وتستمر المناقشات
والصحافة حسب ،إنما كتب بعض المرسحيات والحوارات طوال الليل حول عالقة المرأة وما
(الله واسعا ،منها مرسحية إ
ً انتشارا
ً ت
ال� نالت
ي يجب أن تفعله ،وما تفعله ف ي� الواقع ،وتنتهي
سينمائيا ف ي� إحدى
ًّ ناقدا
كورت) ،كما عمل ً الرواية بأن يظل كل منهما متمسك بوجهة نظره
السبوعيةالمجالت أ ف ي� رسم خطوط حياته كما يراها هو .وكما هي
فإن الخلفية االجتماعية ف
الحال ي� روايات مورافيا َّ
ال� ال أهمية فيها ت
هي خلفية الطبقة الوسطى ي
الطار ف
و� هذا إ والجنس ،ي ي المال
ي إال للنجاح
ف
تعتمد النساء عىل الرجال ي� وضعهن المادي
واالقتصادي مقابل ما تمنحه كل منهن للرجل من
إن مارتا تمنح نفسها إىل كل َمن مقابل جسديّ ،
التحمل
ُّ يضمن لها حياة لنفسها وطفلها ،وهذا
يكون شخصية مارتا ،وهو إدانة البائس هو الذي ِّ
حية للبيئة االجتماعية القاسية ،ويلجأ مورافيا ّ
كعادته ي� مثل هذه المواقف الماديّة الغريزيّة ف
إىل إدانة المجتمع وتعرية الواقع ونقد الذات
ف ي� مواجهة الرصاع الذي تكون عاصفته الممطرة
ال� وضعها ت
عىل الجميع هي ر ّد فعل الحبكة ي
وال� تكمن ف� لعبته ف� الموازاة ي ن
ب� ت
ي ي الكاتب ،ي
الب�ي المعتاد والطبيعة الكامنة ف ي� هذا الفعل ش
و� ختام الرواية تصبح السماء صافية ف
الفعل .ي
أن الغيوم وينتهي هطول المطر عىل الرغم من َّ
تتجمع ف ي� مكان آخر. الداكنة كانت َّ
ف
اش�ك مورافيا ي� تحرير و� مجال الصحافة ت ف
ي
اليطالية أك� الصحف إ جريدة (المساء) وهي من ث
دراسات
57
تتطور لتكون أيقونة من أيقونات النص ،ومن قال الشيخ عبد ربه التائه:
ثم ملمح من مالمح الكتابة عند نجيب محفوظ، يطارد� من المهد إىل ال َّلحد ..ذلك هو ن “إنه
ي
أيضا بأيقونة أخرى من خالل الذي ربما ارتبط ً الحب”( .المطارد)
كتاباته القصصية هي أيقونة “زعبالوي” تلك ال�ت مهمتُ َم ِّث ُل أيقونة “عبد ربه التائه” حجر زاوية ّ
ي
ن الس�ة الذاتية”
بداعي “أصداء ي ف� هذا ت ن
الروحا�/ فتحت آفاق التعامل مع ذاك االتجاه ال ّ الم� إ
()1
ي ي
الميتاف�يقي ف� كتابات نجيب محفوظ ،وال�ت يز العر� “نجيب محفوظ” ،الذي لعمالق الرسد
ي ي بي
ال� ت ربما تخ ّ الخ�ة والدراية يستقي حكمة الحياة من خالل ب
الشكالية ي طتها تلك الشخصية /إ
الس�ة:
م� أصداء ي تظهر ف� ت ن الروحا� المتوغل فيها ي
ن مم�جة بهذا الحس بها ،ت ز
ي
ح� ُسمع حينا ي ن ف و� أرسار حكمتها ،والتعطش لموارد ال َّنهل منها، ف
“كان أول ظهور للشيخ عبد ربه ي� ِّ ي
ولما ُسئل ال ن ي�ب� دروبها ،بما يفي بالمتطلب آ والتنقل ي ن
وهو ينادي( :ولد تائه يا والد الحالل)ّ ،
عن أوصاف الولد المفقود قال( :فقدته منذ أك�ث حد سواء ،فالمسحة الروحانية أو القادم عىل ٍّ
ن ين ف
ال� تج ّلت ي� إبداعات نجيب محفوظ ت
ع� جميع أوصافه)، عاما فغابت ي سبع� ً من والصوفية ي ّ
فعرف بعبد ربه التائه” .
()2 ف
القصصية والروائية ،تصب بال شك ي� هذا
ُ
ال� تبدو فيها هذه ت
تلك البداية /االفتتاحية ي التكوين الروحي الذي يجعل صلة الذات بالعالم
الشكالية ،الشتعال العالقة الجدلية الشخصية إ توحد واتصال وارتقاء ف ي� محاوالت للوصول صلة ُّ
التناس ،وبداية ب� الوعي والنسيان أو مرة أخرى ي ن إىل الجوهر الحقيقي للوجود ،من خالل هذا
ي
وال� تشتبك مع مفهوم ت ت
أيضا ،ي التعرف الجدلية ً ال�
الشكالية ي النص التعريفي بتلك الشخصية /إ
دراسات
58
ش ال� تلقي ت
العط� لهذا النموذج من التعامل مع النفوس التعرف إىل الذات الساردة نفسها ،ي
كب� ي� شخصية ف
الحياة ،ذلك الذي يتمثل إىل حد ي بالشخصية ف ي� أتون الذاكرة ،فتتوهج وتنضج
الذات الساردة ،شخصية المتصوف الذي يرتقي الحداث المحكية المربكة، كلما مر حدث من أ
َّ
تص� كالنوادر وال� ي ت
درجات روحانيته بالتعرف عليها من خالل هذه والمطمئنة عىل حد السواء ،ي
الشكالية /النموذج /عبد ربه التائه، الشخصية /إ المؤثرة ف� التكوين النفس للذات الساردة ال�ت
ي ي ي
ال� تتكشف روعتها ونقائها كلما ت ش
تتعلق بهذه الشخصية /الظل /الصدى المبا�
بغرائبيتها ي
م� النصوص المحكية أو المقتضبة توغلت ف� ت ن للعالقات مع الذات وهواجسها وطموحاتها
ي
الكب� ف ت وخ�اتها الحياتية والمتقاطعة مع مرور الزمن
ال� تؤسس لها ،ثم تضعها ي� إطارها ي ي ب
تغ�ات ي� مفهوم العالقة المادية ف
الذي يعطيها هالتها: يث�ه من ي وما ي
ن وال� تتحول إىل المعنوي والروحي ت أ
وسع� الوقت ي “ومنذ عرفته داومت عىل لقائه ما مع الشياء ي
ف ف الغراق ي� عالقة الف
و� كالمه مرسة ،ي وأذن يل الفراغ ،وإن ي� صحبته ّ الشفيف ،حد الهوس وحد إ
متعة ،وإن استعىص عىل العقل أحيانًا”(.)4 دخول /انطالقًا إىل عالقة روحانية ً فكاك منها،
إشكالية
ّ ما قد يعكس بدايات نجيب محفوظ مع وتجل الكلمات/ ي تتأجج بظهور الكرامات مشوبة َّ
التصوف ،الذي تعددت رموزه ف ي� أعماله الرسدية المتوال عن مخبوء النفس ي النبوءات أو الكشف
مشعا،رمزا ًّ ليص� “عبد ربه التائه” ً ي كما قلنا، وأرسارها ،وإماطة اللثام عن أمور يختلط فيها
وشخصية أسطورية تنسج حولها الحكايات، المست�ف ،مع الغارق ف ي� العشق ش الغي� ،مع بي
ال� بدأت ت
جديدا للحقيقة والكشف ي ً وضم�ا
يً بتدرج مستوياته: ُّ
تتجىل له ي� ما حوله من مالحظات أو أصداء ف “وكنا نلقاه ف� الطريق أو المقهى أو الكهف ،و�ف
ي ي
البداع لف ً
ظا ال� تجمع ي ن ت أ
ب� إ الس�ة المائزة ي لهذه ي كهف الصحراء يجتمع بالصحاب حيث ترمي
النسانية بديعا ،وتوثيق الحالة إ وتصويرا ً
ً ورس ًدا، بهم فرحة المناجاة ف ي� غيبوبة النشوات ،فحق
الموغلة ي� حاالت الروح وتر ُّددها وتق ُّلبها، ف عليهم أن يوصفوا بالسكارى وأن يسمى كهفهم
واندياحها ف ي� فضاءات ومعادالت متعددة ورموز الخمارة”(.)3
للحياة ،ومناهل النشوة والرسور والتمتع بها عىل هنا ينتقل الفضاء المعتاد الذي بدأ به اللقاء
نحو آخر من االشتهاء: القرب إىل الصدفة واالعتياد ،إىل هذا اللقاء أ
“أغلب أحاديثهم وأغانيهم عن المرأة الجميلة، صوفية أسطورية االستثنا� المغ ّلف بأجواء ئ
ّ ي
ينتظرون الرضا وال يعرفون اليأس”(.)5 للتال� ق افيا
ي تتخذ من العزلة /الكهف ،مكانًا خر ًّ
هذا الظل /المعادل /الرمز /المرأة الجميلة ال� تسكرها النشوة ت ش
والتسامر عىل �ف الروح ي
ال� توغل ف ي� إبداعات نجيب محفوظ الرسدية ي
ت وتتعاظم قوتها لتمثل هذا الجذب الهائل لتلك
دراسات
59
نجيب محفوظ
معا:وثمل الجميع بسعادة شاملة ،وأنشدنا ً العيون ،فاالبتهاج بهذه المرأة الجميلة /الرمز،
الم�”(.)7شب�ى لنا /نلنا ن وتجليها /حضورها ف ي� هذا المقام يمثل ارتقا ًء
تفس�ه عىل معناه
ي التجل الذي ال يمكن ّي هذا لقيمة العشق الذي تكون المرأة الجميلة بذرته
ف
اتجاها إىل الرمزي والمجازي ي� تحليلً الظاهري، وتتصاعد قيمته كلما علت مراتب العشق لتصل
ت� كل ش ن ت أ
هذا المشهد الخارق لالعتياد ،والذي ي يدا� عشقها عشق ..كماال� ال ي إىل الذات العىل ي
بمع� النشوة والسكر المجازي ف ي� ن داللة فيه ف ي� نص “الذكرى المباركة”:
التجل واالنكشاف �ف ن
ي ّي ومع� رمز “الخمارة”، “وانزاحت الستارة المسدلة عىل باب الخمارة
ف
ال� تأخذ سمة الحياة ي� رحيقها ت
“المرأة العارية” ي ودخلت امرأة عارية تموج برحيق الحياة وفتنتها..
وفتنتها ،وهذا الحلول أو االلتقاء /االلتصاق ذاهل� ننظر وننتظر ،واتجهت المرأة ين وقفنا
كامل مع شخصية نحوي ت
كتماه ٍ تحديداٍ ،
ً بالذات الساردة ح� التصقت ب ي� ،وحلت عقدة شعرها
العارف /التائه ،وانفراده بنعمة االلتقاء واحتوائه طانا، فانصب حولنا كموجة عاتية فغ ّ
َّ المعقوص
دراسات
61
الواقع والمعتاد ،كما ف ي� ومضة “دعاء”: بفرد شعرها /نعيمها عليه ..ليصل الجميع إىل
ار� الشيخ عبد ربه التائه، ن ن النشوة الفرح كغاية مرتجاة ،ما يجعل تلك
“أصابت� وعكة فز ي ي
ّا� ودعا يل ً ن ت
ال� ربما ح ّلت فيها روح الشيخ
قائل: ورق ي الذات الساردة ي
من عليه بحسن الختام ،وهو العشق”(.)9 “اللهم ّ ال� ربمات
أو تماهت معها ،بؤرة لهذه المجموعة ي
ال� أشار إليها نجيب ت
وهي ربما تكون العالقة ي متخيلة من المريدين الذين يحوطونه َّ كانت
ف
محفوظ عىل لسان أحد أبطاله ي� رواية “قلب بأرواحهم ،اتكا ًء عىل هذا الحس المتفرد ّ ي
بتجل
المتحولة الليل” ،كجذر من جذور هذه العالقة وتجمعها عىل هذا العشق وهذا التحقُّق أ
ّ الرواح ُّ
ف
واليمان والولوج ي� هذه ين
باليق� إ والمتطورة
ّ والمتخيل
َّ منه بال َّنهل من رحيق الحياة المشتهى
النسا�ن ين ت ف� آ
المستوي� إ ي أمدته عىل ال� َّ الك�ى ي الهالة ب الن ذاته.. ي
روحية وزخم ي� اصطياد ف والبداعي بطاقة ف
“قال الشيخ عبد ربه ،ذات ليلة ي� سهرة الكهف:
ّ إ
ال� تربط شخوصه ومريديه/ ت
العالقات الرئيسة ي ما أجمل قصص الحب ،عفا الله عن الزمن الذي
حرافيشه بالوجود وبالحياة: يحييها ويميتها”(.)8
ُتنت به .مأسا�ت اكتشفت عالم العقل فف ُ ُ “لقد
ي
ب� عقل وإيما�ن ب� الرصاع ي ن الخاصة نشأت ي ن التصوف
ُّ إشكالية
ّ
ي ي
اليمان الخالص كما الراسخ بالله تزعزعت ت ف أصاب� الداء الذي ليس له دواء”. ن “وقد
ثق� ي� إ ي ي
ف ال� أطلقها سارد نص ت
أريد عالقة حميمة كنت ُ تزعزعت ي� لغة القلبُ . هذه الجملة الكاشفة ي
مفر منه مثل .)10(”2=1+1 واقتنا ًعا ال ّ “زعبالوي” ف ي� مجموعة “دنيا الله” ( ،)1962قد
ف
ال� يلتمسها المريد ي� منتهى ت يأ� استدعاؤها ف� تلك أ ت
هذه الغاية ي الصداء ،مع هذه الرغبة ي ي
والتطبب ُّ
ت
صفائه وارتقائه ،من خالل االس�شاد الملحة ف ي� استكشاف الدواء الذي بحث عنه
بتلك الشخصية /الرمز /القيمة الروحانية ،أو ح� راح يلتمس ظل هذا الرجل وأعياه البحث ت
ال� يبدو أثرها المادي ت
ربما العالمة السيميائية ي العجيب “زعبالوي” ،ف ي� متاهات الحياة ،ودروبها،
ومتالزم� ،بتلك الحاالت ين والمعنوي متجاورين ولكن ربما اختلفت الحال هنا ،فالذات الساردة
ف
روحا� مح ّلق ي� رحابة ن ب� ما هو ال� تت� َّدد ي ن ت تعرف الطريق إىل عالمتها المستقرة ف ي� الحياة،
ي ي
ال يث�ية ،وما هو مادي المع� وعمق العالقة أ ن وهي “عبد ربه التائه” ،للشفاء من أسقام الحياة
فالركون إليها أصبح ف ومتاعبها َّ ت
ضارب ي� شؤون الحياةّ ، ال� ال دواء لها يغ� العشق، الجمة ي
مكونات عالقة الذات الساردة الروحا� ،أو ن ن ف
ئيسا من ّ مكونًا ر ً ّ مع� الخالص، ي الصو�/
ي بمعناه
وال� تهرب منه وإليه ،نحو ت
مع واقعها المحيط ،ي واالنفالت من هذا الحب أو الوجود المادي
ف
أر� ،كما يلوح ويتناثر ي� ثنايا النصوص، قيمة ق ال�اح الذي يتحرك ف ي� فضاء ما وراء الجامد ،إىل ب
دراسات
62
الك�ى معومشاريع أحالمها وأهوائها ،وعالماتها ب حتمية تلتمس الصفاء والحب والعشق ّ كفكرة
مشوار الحياة ،وعالقاتها الجدلية المرتهنة ي ن
ب� ب� التذكار والنسيان ب� الحياة والموت ،وما ي ن فيما ي ن
معو ًل هنا عىل
فك رحى الفشل والنجاح فيهاِّ ، ّي شكاليتان القائمتان عىل التقابل والتضاد ال ّ تلك إ
أ ن يعمق المع� ويجليه ،والقائمة عليهما ن
الوصول إىل مع� الحب ال بك� ،بمعاودة طرح الذي ِّ
أ وتوحدها بما أسس العالقة ي ن
السئلة الموجهة إىل القلب المعادل لحياة تلك ب� الذات الساردة ُّ
الذات“َ :من يصدق أنك خفقت بذلك الحب وتحك عنه ،وعالقة الحب المتوالدة من ي ترسده
كله؟” ..والذي يف�ض ي ف ي� نهايته إىل إقرار العدم رحم المعاناة ي� دروب الحياة ،وتلك الفلسفة ف
أو ش
التال� .. أيضا بروح وتوجهه ،ربما ً ال� تسيطر عىل الفكر ِّ ت
ي ي
يتجسد ضده ف ي� العالقة الجدلية َّ والذي قد ب� السارد والقيمة ال� تحكم العالقة ي ن ت
االفتتان ي
وال� تنتهي بماديّتها وأبعادها الجسدية ت
بالحبيبة ،ي يحك عنها أو يتداولها ف ي� ثنايا نصوصه/ ال� ي ي
ت
ال� تقاوم ضد الزمن وضد ت أصداء حياته ،وعالقته بينابيع الكتابة ،وينابيع
لصالح قيمة الحب ي
وانتصارا لقيمة الحب الخالص، ً المادة الفانية، البداعي الروح الهائلة المحركة لهذا الزخم إ
كما ف ي� نص “الحب والحبيبة” ،من قول الشيخ الم�ع بالرموز والعالمات والشخصيات نسا� ت إ ن
وال ي
ذاته“ :قد تغيب الحبيبة عن الوجودّ ،أما الحب المجسدة لمادية الحياة وروحانيتها..
فال يغيب”(..)12 قال الشيخ عبد ربه التائه ف ي� نص (صفحة القلب):
ال بك� ،الذي يتخطى لمع� الحب أ ذلك التأصيل ن قل� ف� مرآة كأس ،ن
فهال� صفاؤه، ي ي “رحت أشاهد ب ي ي ُ
النسانية ،إىل ماهيةمادية وجود الحبيبة بأبعادها إ وقلت“َ :من يصدق أنك خفقت بذلك الحب كله؟
عر�: أ كيف كنت عالما يموج بالنساء والرجال أ
الحب العظم ،كما قال محي الدين ابن ب ي والشياء؟ ً
دي�” ،أو ما ذهب إليه كبار عالمات ن
“ودين الحب ي قل� عىل حقيقة ما كان ،إال يبق من دليل يا ب ي ولم َ
ف
تفجرت ي� الهواء ،وتالشت ي� الفضاء” . ف
الصوفية من عالقات حب سما يل�تقي إىل الذات ّ
()11
دموع ّ
أ
ال� تتناجى فيها الرواح وتحاول ت المق�ن بمع�ن ت ما يؤكد عىل إشكالية الوجود
اللهية ،تلك ي إ
االرتقاء إىل محبتها ،ذلك الذي يفتح آفاق العالقة التعب�
ي الرسوخ ف ي� الحب وماهيته ،من خالل
العجائبية /الشافة تل�تقي ربما لهذا المفهوم أو بالعنوان المجازي “صفحة القلب” ،وكونه مؤديًا
ال� تتنفس فيها عالقة الوصل أو ت
لتلك المساحة ي أيضا ف ي� تصاعديّة نموه وتق ُّلباته ف ي� مشوار طويل ً
ال� من الممكن ت يز مهما لبيان أثر مروره دورا ًّ يلعب فيه الزمن ً
الميتاف�يقية ،ي العالقة الغيبية/
ال� ارتكز عليها عديد ت المادي من بك� وكهولة وعجز وشيخوخة كس ّنة
تع� عنها تلك العبارات ي أن ب ِّ
الس�ة الذاتية ،وما يتعلق ف س� الحياة وما إىل ذلك من العالقات القدريّة من نن
النصوص ي� أصداء ي
بشقها المرتبط بتلك الشخصية الجدلية ال�ت فتن� متاعبها وآالمها ال� تُساق الذات فيها ش ئ ت
ي ي
دراسات
63
الزاخرة ربما بما احتوته كل الشخصيات الروائية أراها شخصية روائية بامتياز ،ربما الحت مالمح
الصوفي� ف ي� روايات نجيب ين ال� مثل نماذج ي
ت وأطياف منها ف ي� رسديّاته الروائية مثل“ :اللص
الصو� ف ي� ي
ف محفوظ ،بد ًءا من الشيخ الجنيدي وغ�ها ..حيث يعكس والكالب” ،و”الحرافيش” ،ي
“اللص والكالب” ،إىل جانب الحارة ،الحرافيش، ال�عات الغارقة �ف الجو العام ف� الحرافيش تلك نز
ي ي
(ال� تتوازى مع الكهف ف ي� تلك ت
الفتوات ،التكية ي طقوسا ماديّة وأناشيد وتراتيل ،وسمات ً الصوفية
ّ
أ ف
المع�ة عن أحوال ب الصداء) ،واللغة الشاعرة يعج به تتجذَّ ر ي� بعض الشخصيات بها ،وما ّ
الوجد ،كمفردات ألهبت الجو العام ،والخيال، ملء بسماته وغرائبيته المستمدة كب� ي من عالم ي
بملحمة “الحرافيش”( )1977وتلك االستلهامات إيالما وأك� قدرة عىلث من واقع أشد غرابة وأشد ً
رويدا ال� بدأت تفيض بها عليه أجواء الدخول ً ت المث�ة فرض سماته وتداعيات عالقات شخوصه ي
ي
ح� ي ن
اليق�: رويدا ف� ي ز بالمادي والمعنوي عىل حد السواء ،ربما للوصول
ً ي
“سألت الشيخ عبد ربه التائه :كيف تنتهي المحنة ُ الحقيقية.
ّ إىل معادلة الوجود
سالم� فهي ين ال� نعانيها؟ فأجاب :إن خرجنا ت فشد العقل وراءه”. “لقد آمن القلب َّ
ي
هالك� فهو العدل”. الرحمة ،وإن خرجنا ي ن اليق� ف ي� ثنايا تلك المقولة لنجيب ربَّما برز ي ن
طويلمشوارا ً تخ�ل إىل حد بعيد ال� ت ز ت
*** ً محفوظ ،ي
ف ي� نص “الفرج” ،الذي نقتطع منه نهايته البليغة وصعبا للوصول إىل هذه القيمة الروحانية ً
ت
وال� أنهى بها التجل ،يّي المفتوحة عىل آفاق والتبص ،ربما ُّ بالخ�ة ب والنسانية ،المشبعة إ
ف
ال� قطعها ي� رحلة ت
بحرفية وحكمة بالغة ،فيها ّ الكب� أصداءه، كاتبنا ي ليدلل عىل تلك المراحل ي
قليل، الجز� الذي قد يشبع ال ّنهم ولو ً ئ التحقُّق مرورا بتق ُّلبه عىل ن
الروحا� تكوينه الفكري ثم
ي ً ي
كثمرة من ثمرات المداومة والحرص عىل الم�ض ت
ال� كانت ت�اءى لنا ت
يّ نار اتجاهاته الفلسفية ،ي
ف ي� الطريق: المث�ة أ
البداعية ي من خالل العديد من العمال إ
“وقال الشيخ: للجدل ،ومعركته مع ذاته ،ومع الوجود للوصول
أ
تحولوا عنه البصار. ب� حسه الفلسفي اليق� ،وإىل تلك المعادلة ي ن إىل ي ن
-انظروا إىل باب الكهف ،وال ِّ
ح� ارتعشت جذورها �ف وخفقت القلوب ت كمنح�ن والصو� وعالقته به، ف ويقينه الروحي
ي ي
البص�ة وسمعته و� لهفتنا رأته ف صاعد لعالقته مع الحياة وفلسفة وجوده بها،
ي انتظار الفرج ،ي
الرسيرة”(.)13 أيضا من خالل تلك الشذرات وال� الحت لنا ً ت
ي
مع� “الفتح” ال� ربما تماهت مع ن ت الس�ي ،الذي ي ن ال� تناثرت ف� هذا ت ن ت
هي النهاية ي ب� الم� ي ي ي
العىل تأ� به بشارات العالقة مع الذات أ ت
الذي ي أيدينا ،بروح هذا المردود ،وبروح هذه العالقة
ً
وصول ال� تستحق مقام الحب أو العشق، ت مع أيقونة “عبد ربه التائه” تلك الشخصية
ي
دراسات
64
خالصة عالقة الكاتب /السارد /العارف بدروب البص�ة ،ومن ثم الكشف من بعد ي إىل ن
مع�
الحياة وإشكالياتها ،وفلسفة وجودها ،والتشابك الحجب والدخول ف ي� غمار السديمي المشبع
متصوفةّ معها من خالل وعي حاد بها ،باطنه روح بغالالت القدرة المعجزة عن بلوغها ّإل َلمن ُمنح
بعيدا عن طقوس أو قشور قد ن ووهب مفاتيحها ،والدخول ف� أ
النوار الال نهائية
المع�ً ، بجدارة ي ُ
أك� قد ت ف
الحي والممتدة قيمته، تقلل من قيمة جوهرها ّ رمزا ب
ال� ربما تمثل ًي� معانيها البليغة ،ي
الدالل
ي التعب�
ي وهي نصوص بلغت رهافتها مبلغ تحركه إليه
ال يستوعب العقل وجوده ،ولكن قد ِّ
والمجازي ،والقدرة عىل التكثيف ،وإن جنحت البص�ة..
ي أنوار
ال� ت
الفلسفية ي
ّ أحيانًا ،لل�ض ورة ،إىل الحكمة قمة منحنياتها اتِّساقًا مع رؤية تصاعدت لتبلغ ّ
تجسد مفهوم خالصة التجربة ِّ وارتقائها من خالل عالقات قد تكون حقيقية،
مهما يجعل منها قيمة دورا ًّ
يلعب التخييل فيها ً
الهوامش رسدية ممتعة جزلة إىل جوار جدارتها بتمثيل
الس�ة الذاتية ،نجيب محفوظ ،أدب
( )1أصداء ي ال� تخ ّلفها ت
بعض النقاط المضيئة أو الظالل ي
أ
الس�ة الذاتية ،مكتبة الرسة ،الهيئة المرصية
ي
العامة للكتاب.2004 ،
( )2السابق ،ص.105
( )3السابق ،ص.106
( )4السابق ،ص.106
( )5السابق ،ص.108
ف
( )6تجليات رسد الحياة :قراءة ي� أدب نجيب
محفوظ ،محمد عطية محمود ،كتابات نقدية،
الهيئة العامة لقصور الثقافة ،مرص.2015 ،
الس�ة الذاتية ،ص.110
( )7أصداء ي
( )8السابق ،ص.120
( )9السابق ،ص.128
(“ )10قلب الليل” (رواية) ،نجيب محفوظ.
الس�ة الذاتية ،ص.132
( )11أصداء ي
( )12السابق ،ص.149
( )13السابق ،ص.160
دراسات
65
بدر عبدالحق
الكاتب الذي اخطأه ال َّنقد
سعادة أبو عراق /األردن
ت
شل�وط الناقد المح�ف الذي يكون ً
واعيا بأنماط لماذا بدر عبدالحق؟
القص المستعملة.
ّ عشوائيا ،إنَّما جاء ًّ َل ْم يكن اختيار بدر عبدالحق
لسبب� ي ن
اثن�: ين
أ ن أ ً
ّ
التجوال في مجموعة “الملعون” رد�أول :ذلك أنه من الذين َّأسسوا للدب ال ي
ُولد بدر عبدالحق ف ي� الزرقاء من عائلة ذات أصول الحديث ف ي� القصة والمقالة ،وتم نسيانه من
ال�يعةنابلسية عام ،1945درس برغبة من أبيه ش ّ البداع وال َّنحت ف ي� زمالء له عايشوه وشاركوه إ
ف
سالمية ي� جامعة دمشق كما درس أبوه ،لكنه الصخر ف ي� حقبة السبعينات والثمانيناتَّ ،
ال ّ إ ولعل
عمل ي� ال�بية والصحافة ،وله شقيقان عضوانت ف يع� شي ًئا ف ي� إلقاء الضوء عىل ن آ
ما سنقدمه الن ي
ردني� هما المحامي صادق ف� رابطة الكتاب أ
ال ي ن جميلً واستذكارا ً
طويل، مبدع لم يمهله العمر
ي ً
عبدالحق والدكتور أحمد عبدالحق. المبدع�.ن
ي ألحد أبناء الزرقاء
الع� سنوات تو� عام 2008بعد رصاع قارب ش ف ين
المعروف� مرة إنَّه ثان ًيا :لقد قال يل أحد النقاد
ي
مع مرض الزهايمر. قصصية شارك ّ استمع إىل بدر عبدالحق ف ي� ندوة
صدر له ف ي� حياته كتاب (حرب الجليل) و(شهادات و”إن قصصه (قصص بها ي� أواخر الثمانيناتَّ ،
ف
ميدانية لضباط وجنود العدو) ،كما صدرت عام ّ أن
والواقعية” ،ويبدو َّ ّ بدر) تفتقد إىل التماسك
1993مجموعته القصصية (الملعون) ،وبعد أن عبدالحق يكتب أدبًا هذا الناقد لم يدرك َّ
وفاته أصدر الصحفي ي ن
حس� نشوان كتابًا بعنوان واقعيا ،لذلك فقد ًّ ائبيا أو رمزيًّا وليس أدبًاغر ًّ
القصص
ي (صمت شاهد عيان) دراسة عن أدبه بمسبار ليس لها ،وهذا مخالف ٍ قاس قصصه
دراسات
66
أخذ أمه زوجة له ،وأصبحت تدعى “أم محمود”، من المناحي السياسية واالجتماعية والفكرية ،إذ
ضاقت الحياة ت ال� ت
فقصت عليه أخته بالف� وأخواته َّ السياس يي نستطيع إسقاطها عىل االستبداد
الك�ى قصة ش“�ب الدم” ،ما جعله يذهب ب مع� لها ،فالملعون الذي أراد يُصدر أوامر ال ن
َ
صباحا لمكتب “أبو محمود” ويغرس سكينه �ف يتمرد عىل هذا القانون وجد نفسه عاريًا أمام
ي ً أن َّ
فمه ويطعنه عدة طعنات تحت حزامه. صاحب المطعم ،حيث أمسكه كالجرذ وقذف
هذه النهاية أرجعتنا إىل بداية القصة ،حيث ب� محتارا ي ن
ً جائعا عاريًا،وحيدا ً ً به إىل الخارج
أن أمه رجعت للبيت وجاء الناس يهنئونهم أخ�نا َّب الخانع� شل�ط ين الدخول والجلوس مؤ ّدبًا كما كل
يفس عودتها ّ ف صاحب المطعم ،أو مهاجمة شبابيك المطعم
مستهل القصة ما ِّ بعودتها ،فذكر ي�
الميمونة كنوع من التشويق ،وقد استعمل �ف الزجاجية من الخارج ع ّله يصيب رأس صاحب
ي ّ
السينما� ،كما كان الرسد ئ رسده أسلوب التقطيع بحجر ما. المطعم
ي ٍ
أ للفلسطي� الذي قُذف به ن أيضا هو رمز
(ضم� المتكلم) ي القصص فيها بصيغة النا يّ ي والملعون ً
أ ث المبعد، ن
ليجعلنا أك� التصاقًا بالحداث ،وهو رسد يؤكد تع� ُ أن كلمة “ملعون” ي إىل الخارج ،ذلك َّ
اللت� تدوران القصت� ي نين الحكاية ،وجاء ف ي� كال فقديما كانوا ً شتما كما يتبادر إىل الذهن، وليس ً
حول هيمنة القوي عىل آ ن
“أبيت ال َّلعن” ،بمع�:
الخرين ،واستكانتهم ّ يحيون المناذرة بقولهمْ :
له ،فجعل (الملعون) يلجأ إىل رجم المقهى يستمر
ّ أن
فإن مقصده ْ ال أقدر عىل بعدك ،لذلك َّ
ف الفلسطي� ي� حرب ف ن المبعد أو
و� القصة حجر رأس صاحبه ،ي عىس أن يصيب ٌ ي هذا الملعونُ /
ف ت
الثانية لم ينتظر اليتيم ح� بت�د الفكرة ي� رأسه، لعل وعىس أن يصيب منه االست�اف من الخارج ّ نز
واس�جع منه السك� وطعن “أبو محمود” ت ين فأخذ ين
المستسلم�. مقتل ،وال يجلس مع ً
ين
فلسط�. ف
أمه ،وربّما ترمز أمه ي� هذه القصة إىل
الدم ُ
شرب َّ
القص الغرائبي أو الالمعقول أو
ّ هي القصة الثانية ف ي� المجموعة ،رمزية االنتماء،
العبثي لكنها مختلفة البناء والفكرة ،فالرمز هو “أبو
التعب�
ي أيضا إىل هذا النوع من
عمد بدر عبدالحق ً وموزع اليانصيب ،ومالكمحمود” صاحب الفرن ِّ
الخارج عن المنطق والمعقول والعادي ،وذلك و�كة مقاوالت البناء ،إنهكراج تصليح السيارات ش
للتعب� عن واقع يغ� معقول أو مفهوم ،لكنه ف ي�
ي المتنفِّذ الذي بيده القوة االقتصادية.
إيجا� . الراوي للقصة هو ت
النهاية يدفع بطل القصة إىل اتخاذ قرار ب ي الف� اليتيم الذي كان يعيل
شخصا قد رسق رغيفًا ً ففي قصة (البطل) نجد أمه وأخواته بالعمل ف ي� مؤسسات “أبو محمود”،
بذنب فظيع ،فألقي القبض عليه لكن ت
دونما شعور ٍ أن “أبو محمود” الف� اكتشف ذات يوم َّ
دراسات
68
الكث� منه ،فخارت قواه وضعفتالذي أصابه ي للقا� الذي يستمتع بسماع النكات ض واقتيد
ي
أ ض
ساقاه وسقط عىل الرض ،لكنه وجد نفسه يقف القا�
ي المضحكة ،حاول أن شي�ح براءته ّإل ّ
أن
بكل صعوبة وير ّد ال�ض ب لمن ي�ض به ،هنا يصل الذهبية وتنظيف أنفه بمنديل ّ معنيا بساعته
كان ًّ
توصل إىل قرار المواجهة بدل
إىل مقصده ،فقد َّ وح� أراد أحدهم أن يدافع عنه ،أطلق أبيض ،ي ن
االستكانة. القا� عليه النار وغادر القاعة ،وأودع السجن ض
ي
دون محاكمة ،وطال سجنه فصارت بينه ي ن
وب�
النقدية
ّ الواقعية
ّ السجان عالقة جعلته يطلب منه أن يسمح له ّ
من�عة من الواقع، الحكاية ف� هذا أ
السلوب هي ت ز بالخروج بعض الوقت لع ّله يرى المجتمع.
ي
أ ف
لكن القاص يلجأ إىل المبالغة ي� رسم الشخاص أحدا ف ي�
َّ مسئوليته فلم يجد ً
ّ السجان عىل
أخرجه ّ
والحوادث والنهايات بما يجعل القارئ يستنكر القا� قد ض الشوارع ،وحينما ذهب لبيته وجد
ي
ما حدث ،ومن هذه القصص قصة “الجنازة” وأن ابنه يقف ف ي� باب الغرفة تزوج من امرأتهَّ ، ّ
أنموذجا. يحمل منشفة ،فرجع إىل السجن فوجد �ف
ً ي
السجان ألفة لم يجدها خارج السجن. ّ
الجنازة
كما ف ي� قصة “أحزان النوم واالستيقاظ” ،يذهب أحزان النوم واالستيقاظ
عمان ،يلتقي صديقه ف ف ف ي� هذه القصة يخرج الراوي من بيته ،يصل
البطل ي� جولة استجمام ي� ّ
مرا بأكشاك الكتب يهم بأن ت شل�طي ئ
يتك عىل عمود مظ ّلةُّ ،
معا مقهى الكرنكّ ،
ويقصدان ً يس�شده
الس� إىل أن وقفا أمام خمارة ،فدخال وتابعا ي مكانًا ما ،فأشار له أن يصمت ويم�ض ،فم�ض
ي
إليها وراحا شي�بان الخمر المستورد ويأكالن اس عليها أناس رؤوسهم إىل أن وجد مئات الكر ي
المازات ويستمتعان بمنظر فتاة أنيقة ،يخرجان متد ّلية وعيونهم مغمضة ،حاول استثارتهم ّ
لكن
بعضا ،بعد أن
سكارى ،أرجلهما تصطك ببعضها ً ب�ء ،شعر بالوحدة ف ي� هذه أحدا لم ّ ش
يحس ي ً
دفعا الثمن دون البقشيش ،يذهبان إىل مطعم المدينة فلجأ إىل جدار مقابل ،أسند إليه ظهره
وي�بان الشاي، “أبو ذياب” ،يأكالن الحمص ش وطأطأ رأسه ف ي� إغفاءة ،وحينما راح يحلم كان
الكرس ،يرى فردة ما زاال ي ن
ثمل� يتأرجح بهما ظنيستفيق عىل صوت عراك ورصاخ وجلبةَّ ،
ي
فيستل صاحبه ربطة عنقه ّ حذائه عىل الطاولة، كابوسا ،لكنه عندما أفاق وجده حقيقة، ً ذلك
وكأن الكاتب أراد أنويمسح بها “بوز” الحذاءّ ، لكن الجلبة فأسف عىل فساد حلمه الجميلَّ ،
ن ت ض
ال� بال مع� أو يقول للقارئ :ما هذه الحياة ي واعيا ،إ ْذ ذهبوا إىل �به ظ ّلت تعصف به ً
هدف. ف
يش�ك معهم ي� هذا العراك بالعص وركله لك ت
ي يّ
دراسات
69
السحرية
ّ الواقعية
ّ
ولكن هدفها تجميل هنا تكون القصة واقعيةّ ،
قصة عاطفية ،ففي ّّ الواقع بإضفاء مسحة
خ�ة” يتناول الكاتب اتِّساع المدن أ
“الدالية ال ي
اللفة المعهودة ،حيث وتطورها وابتعادها عن أ
ُّ
دنان� وب�ن
بع�ة ي اش�ى محمود ثالثة دونمات ش ت
ولكن
ال�يّةَّ ،
تتذمر بأنها تسكن ببي ًتا ،فراحت زوجه َّ
صديقه الشيخ جاء ليسكن بجانبه ،وأصبحا هما
المؤس َس ي ن� لهذه المدينة ،وبعدما أصبح بيت ِّ
المبعد،
لغوي ،فالملعون هو ُ دي� ،بل ن
ّ كسباب ي محمود “أبو محمد” مركز المدينة ،مات الشيخ
ين
الفلسطيني� المبعدين من فهل كان يرمز إىل دور “أبو محمد” ف ي� المجتمع ،وبقي هو وانحرس ْ
ين
والنازح�؟ ين
الالجئ� لتلتم العائلة،
وزوجه ينتظران إجازات الصيف ّ
إن استعماله للشخصيات كرموز للداللة عىل َّ - الرض الباهظة الثمن، و� النهاية باعا قطعة أ ف
ي
قضيته المقصودة ،جعلت هذه الشخصيات ال� زرعتها ،وكأن ت
ّ واقتلعت “أم محمد” الدالية ي
تتحرك
نسانيةّ ،ال ّتونية خالية من التفصيالت إ كر ّ الكاتب يقول :مع اتِّساع المدن يتق َّلص التواصل
بمشيئته ال بمشيئتها ،وتتكلم بلغته وليس بلغتها ال� ت إ ن
هي ،وكذلك أ النسان بالطبيعة ي نسا� ،ويخبو اهتمام إال ي
الحداث لم تكن نابعة منها ،من أصل عىل حسابها. توسع المدن ً
كان ُّ
أن استعماله هذه التقنية قد أوقعه من هنا نجد ّ
ف
حيث يدري أو ال يدري ي� تسطيح الشخصيات تقييم عام
الكث� من الكتاب قد أن أ
ي والحداث ،وأظن َّ باال ّطالع عىل قصص مجموعة “الملعون” ،نالحظ
أحجموا عن هذا النوع من الرمزيّة ،الذي قد عدة سمات ذات صلة بأسلوب بدر عبدالحق ّ
يصلح للشعر وال يصلح للقصة. يل ف ن ت
و� ما يال� اعت� بها ،يالقصص وبالمواضيع ي
يّ
-للخروج من هذا المأزق ،أصبح من ش�وط أبرز هذه السمات:
واقعية بعنارصها
ّ الرمزيّة أن تكتب قصة السياس،
ي -اهتمامه بظاهرة الفساد والظلم
الذك يستطيع أن يستلهم وإن القارئ ي ّ التقليديّةَّ ، التغي� والثورة عىل هذا الواقع؛ ّإما
ي و�ورة ض
فشفافيتها توحي قضية أخرى، من ي ن المد ،أو بطريقة ت بخطة الملعون طويلة أ
ّ ب� سطورها ّ الف�
بمع� مخبوء ،يمكن االستدالل عليه من بعض ن الذي بادر بقتل “أبو محمود”.
الشارات الدا ّلة أو المفاتيح ف ي� داخل النص إ -استعمل عبدالحق لفظة “الملعون” ليس
دراسات
70
باسم الزعبي..
الروسية منذ “غوغول”
ّ ترجمات ُت ّ
طل على القصة
جعفر العقيلي /األردن
الدب الروس قريبا منه ،وهي :قراءة هذا أ أ كرست وقتها وجهدها ت ن أ
الدب ي ً ال� ِّم ْن يب� السماء ي
الدب، الم؛ ومعرفته المسبقة ببيئة هذا أ باللغة أ الروس، والدبب� القارئ العر� أ لتدش� جرس ي ن ين
ي بي ٍ
الزع� ،الذي أ ن
سواء الطبيعية أو االجتماعية أو الثقافية أو رد� د.باسم ب ي بي�ز اسم الكاتب ال ي
ال� يعالجها هذا ت الكالسيكية والمعارصة من ترجم مئات القصص
أن القيم ي التاريخية؛ وشعوره َّ ّ
والكالسيك منه بشكل خاص ،قريبة من الدب، أ العربية. الروسية إىل
ي ّ ّ
ت أ
الزع� مع الدب
ال� يؤمن بها.القيم ي الروس عندماي بدأت عالقة ب ي
المر)وبحسب الزع�“ ،عندما تقرأ رواية (ابنة آ ف
تعرف عليه تم� َج ًما ي� سنوات دراسته الثانوية،
بي ّ
الثلجية ،وأنت لبوشك� ،وهو يصف العواصف ين أ
الحقيقية لالطالع عىل هذا الدب لكن الفرصة
ّ ّ
آ أ
فإن
حق -من خلف النافذةّ ، الن تراها –عن ّ الزع� للدراسة ِوب ُلغَ ِت ِه الم ،الحت بعد سفر ب ي
أك�” .ويتابع“ :الغاباتإحساسك بالعمل يكون ث السوفيي� .حيث حصل من هناك ي
ت ف ي� االتحاد
ال� لم تكن قد رأي َتها ف ي� حياتك، ت
الحقيقية يّ “قيم
عىل درجة الدكتوراه ( )1990عن أطروحته ُ
وتم� تحت أنت ف ي� روسيا ال تراها حسب ،بل ش الحياة عند ب يأ� حيان التوحيدي” ،وقبلها عىل
ي
أشجارها ،تدوس عىل أوراق الخريف الجافّة الماجست� ( )1982عن أطروحته “الصحافة ي درجة
تتعرف عىل أشجارها :البتوال أ ت طروحت�ن وفلسط�” .وكلتا الأ
ن أ
الشيوعية ي� الردن ف
ال� تمل دروبهاّ ، ي ي ي ّ
العظيمة ،السنديان والحور والصنوبر المك ّلل الروسية.
ّ باللغة
بالثلج أ الزع� الذي ترجم
البيض ،وسهول القمح الشاسعة، كب� من قصصا لعدد ي ً يقول ب ي
إن هناك ثالثة عوامل جعلت أ
وسكك الحديد ،وصافرات القطارات ،والبنايات الدباء الروسَّ ،
دراسات
71
طه حسين
في ذاكرة جابر عصفور
محمد درويش عواد /األردن
جابر عصفور
دراسات
77
الثقافية
ّ مصادر الحياة
في القدس
د .إيهاب زاهر /األردن
ويعطي تفاصيل دقيقة عن مظاهر الحياة اليومية عدة بحوث تاريخية وأدبية واجتماعية َظ َه َر ْت َّ
ت أ ين
ومهتم� ين
ومؤرخ� رحالة
ال� يغفلها عادة المؤرخون والماكن والجزيئات ي موثقة أحيانًا ،من ّ
والرحالة الذين يقدمون الصورة من منظورهم المقدس
ي هدفت من خاللها إىل دراسة المجتمع
ال ن ي� المحدد الزمن. آ أن مصادر الحياة ف ن ف ي� العرص
العثما� ،وال شك ي� َّ ي
العثما� ف ي� إستانبول من أهم ن الرشيف ويعد أ الثقافية والتعليمية ف ي� القدس إبان العرص
ي ُّ
أ
المصادر ي� فهم الوضاع السياسية واالقتصادية ف العثما� ( )1517-1917اعتمدت عىل الثقافة ن
ي
واالجتماعية والثقافية لمدينة القدس ودراستها، الوىل ،فمن ذلك العربية السالمية بالدرجة أ
إ
الكث� من الخبار وال�اجم والرحالت ،وكذلك كتب ت كتب أ
وأهمية هذه الوثائق تنبع من احتوائها ي
المعلومات عن القدس ومخططات الصهيونية السالمية ،وقد وفَّرت سجالت ال�عية إ الفتاوى ش
لالستيالء عليها منذ منتصف القرن التاسع ش مصدرا ال� كُتبت بالعربية ت ش
ع�، ً المحاكم ال�عية ي
كب�ا بالوثائق
اهتماما ي ً
ً فقد أولت الدولة العثمانية ومبا�ا لدراسة مدينة القدس، ش واسعا
ً محليا
ًّ
ً
والسجالت ف ي� عهد السلطان مصطفى ي� القرن
ف الباحث� القدرة عىل االستفادة من وفرة ن ي وأعطت
الثامن ش ال� احتوتها سجالت محكمة القدس ت
ع� بإنشاء الخزينة الخاصة بالوثائق ،ثم المعلومات ي
الوراق ف ي� عهد السلطان الرشيف أو خزينة أ أن� أش ئ ال�عية ،ويمكن عن طريقها رصد جوانب الحياة ش
الرشيف عىل مئة عبدالحميد ،ويحتوي هذا أ المختلفة من إدارية واقتصادية واجتماعية
العر� ،وهناك خزانة بي مليون وثيقة عن الوطن يسد
المحل ُّ
ي وتعليمية وثقافية ،وهذا المصدر
ف ين ال� تقدمها كتب التاريخ عادة، ت ف
وفلسط� ي� أواخر العرص خاصة بوثائق القدس النقص ي� المادة ي
دراسات
79
“فلسط� العثمانية ”1552-1626الذي ين ف ي� كتابه أن الدولة العثمانية العثما� ،وتؤكد هذه الوثائق َّ
ي
ن
يفرطا ن
صدر عام .1960 الحميدالثا� لم ِّ
ي وعىل رأسها السلطان عبد
ال� مورست ت
كما تزودنا كتب الرحالت بمعلومات غزيرة ومهمة بالقدس عىل الرغم من كل الضغوط ي
ن
العثما� تف�صد لنا اهتمام عن القدس ف ي� العهد الجانب من الباحث� أ
ين عليهما ،وقد استفاد بعض
ي
ف ين ال� كتبت عن البالد العربية وقاموا ت
وتنبه عىل
المسلم� ببناء المساجد ي� القدسِّ ، هذه الوثائق ي
ت أ ن
يطا�
الترصف
ُّ ال� ال يمكن
السالمية ي موضوع الوقاف إ ال� ي ببعض الدراسات المتعلقة بها كالباحث ب
ح� تبقى المدينة المقدسة عربية إسالمية بها ،ت “برنارد لويس” الذي كتب بعض البحوث ف ي� هذا
أبد الدهر ،ثم تعطينا أهمية خاصة للحياة العثما� كمصدر لتاريخ ن “الرشيفالشأن منها :أ
ي
بعضا
االجتماعية وعالقة سكان القدس ببعضهم ً ي
ن
العثما�”، البلدان العربية” و”دراسات ف ي� التاريخ
وظهور الطرائق الصوفية المختلفة ،وارتباطها كما وضع “أوريل هايد” وهو باحث يهودي دراسة
يش�
المحلي� ،وهذا الجانب ي ين بعنارص السكان ضمنها نماذج من الفرمانات ين
فلسط� َّ عن تاريخ
إىل استمرار الشخصية الثقافية -ي ز
المم�ة للمدينة ين
بفلسط� ،وذلك (المراسيم) العثمانية المتعلقة
دراسات
80
الوروبية ،فقامت بحركة العثمانية للضغوط أ فضل عن متابعة الكتابيةً ، الموسوعية ،وتقاليده
ّ ّ
إصالحات عىل الصعيد التعليمي ،وأنشأت آ
نتائج الدراسات التاريخية واللغوية والثارية
وال� تسمح بافتتاح المدارس ت نموذجا لذلك. الحديثة
(إدارة المعارف) ي ً
السالمية الخاصة، الحكومية والمدارس إ وأيضا كتاب “كارين أرمس�ونج” (القدس مدينة ت ً
وال� عالجت فيه أهمية ت
التبش�ية كمدراس الراهبات
ي والمدارس الخاصة واحدة -ثالث عقائد) ي
أ
الفرنسيسكان واليونان ومدرسة يهودية للشكناز. ن
القدس السياسية والدينية والب� االجتماعية
ويمكن تصنيف أهم المعاهد والمدارس المد� (مدينة القدس ن يعد كتاب زياد فيها .كما ُّ
ي
ن
العثما� إىل
ي التعليمية ف ي� القدس ف ي� العرص وجوارها خالل المدة )1820 –1800من أهم
الفئات آ ال� ت ت
التية: ال� استفادت من المعلومات ي الدراسات ي
ال�عية. احتوتها سجالت محكمة القدس ش
الكاديمية ال بد من أن وبعيدا عن الدراسات أ
المساجد ً
القىص من أهم المراكز التعليمية يعد المسجد أ نلقي الضوء عىل أثر ال�بية والتعليم كمصدر ت
ُ ُّ
وأقدمها ،إذ لم ينقطع التدريس فيه إال خالل آخر ف ي� تطور الثقافة المقدسية لما ف ي� القدس من
وح� مدة احتالل الفرنجة للقدس من عام 1098ت مؤسسات تعليمية تنهض بها كالمعاهد والمراكز
1187م ،كما كانت وظيفة التدريس فيه مقترصة و� ف
التعليمية من مدراس وخوانق وربط وزوايا ي
البناء ف� الغالب عىل عائالت معينة يتوارثها أ القىص مقدمتها المساجد ،والسيما المسجد أ
َّ ي ّ
س�ن آ المبارك ،وقبة الصخرة ش
المدر يِّ النفاق عىل عن الباءّ ،أما مصادر إ الم�فة ،وبعد ذلك
القىص فقد كانت متنوعة منها ف� المسجد أ المؤسسات التعليمية الصوفية .وكانت القدس ف ي�
ي
الرومية (العثمانيون) ،والرصة المرصية، الرصة مهما
ثقافيا ًّ ن
ّ ومركزا ًًّ العثما� نقطة جذب ي العرص
خاصك العينية المقدمة من أوقاف
ّ والمساعدات س� وطالب العلم والمدر ي ن
ِّ كب� من العلماء لعدد ي
ي
ن
العثما� . سلطان ،ومن المال الخاص للسلطان العر�، والسيما من سورية ومرص والمغرب
ي بي ّ
القىص كبار العلماء وقد درس ف� المسجد أ ال�عية درس ي� هذه المراكز العلوم ش ف
َّ ي وكانت تُ َّ
ف
والذين كان لهم باع طويل ي� تدريس القرآن والتفس� والقراءات المختلفة وعلم الحديث
ي
الشه� بابن والتفس� كصالح أفندي الكريم آ
واللسانيات كالنحو والرصف واللغة والداب
ي ي
ين
الشهاب� قا� السلط ،وخليل عبداللطيف ض العامة.
ي
وعبدالرحمن المبارك ،وكذلك محمد أفندي ابن أن القدس لم تعرف قبل سنة الشارة إىل َّ وتجدر إ
المرحوم أحمد أفندي الذي توىل وظيفة قراءة الحال المعارص ن
بالمع� 1869الحياة التعليمية
ي
صحيح البخاري ،وعمران الخزرجي الذي توىل لهذه الكلمة إال بعد أن استجابت الدولة
دراسات
82
الدينية
ّ المدارس الم�فة. قراءة القرآن بمسجد الصخرة ش
ارتبط إنشاء المدارس ف ي� القدس بأسباب دينية ين
السالط� القىص محط اهتمام وكان المسجد أ
القبال عىل إنشاء المدارس وسياسية ،فقد ازداد إ العثماني� ،فقد أُعيد ترميم قبة الصخرة ين
السالط� من ين لتعليم المذاهب السنية ،ولتقرب بواسطة السلطان محمد الثالث عام 1597م،
الرعية لنيل رضاهم .ف ي� منتصف القرن الثامن الول عام 1603م ،والسلطان والسلطان أحمد أ
أك� من عددهم ف ش مصطفى أ
ع� كان عدد العلماء ي� القدس ب الول عام 1617م .فعندما زار الرحالة
ع� ،لكن المدارس أخذت ف ي� ف ي� القرن السابع ش الجل�” القدس عام 1648م سحرته ال� يك “أوليا ب ي
ت
التدهور الرسيع ،فلم يبق هناك سوى خمس أن هناك ثمانمئة إمام القلعة والحرم .فقد وجد َّ
نظرا إىل الوضع االقتصادي ين
وثالث� مدرسةً ، وواعظ يعملون ف ي� الحرم والمدارس المجاورة
الوقاف المتدهور وفقر المدينة وقلة واردات أ وأيضا كان هناك خمسون ويتقاضون مرتباتً ،
ال� ت
للنفاق عليها ،ومن المدارس ي المخصصة إ تل القرآن.
كب� من مر ي مؤذنًا وعدد ي
السباب المدرسة التنكزية ال�ت تالشت لهذه أ مركزا أ
ي إن المسجد القىص كان ً ونستطيع القولَّ :
مقرا لها. ف
استخدمت محكمة القدس مبانيها ً الثقا� والعلمي ،حيث كانت حلقات ي للشعاع إ
ين
طابق� وكانت المدارس داخلية ،تتكون عادة من العلم والدراسة متاحة للكبار والصغار تنعقد
يخصص الول للتدريس ف� ي ن يخصص الطابق أ ف� ت
ح� َّ ي َّ ش� جوانبه ،ولم تكن مهمته فقط تقترص ي
عد
س� ،وتُ ُّ والمدر ي ن الثا� لسكن الطالب ن
ِّ الطابق ي عىل إقامة الصلوات والشعائر الدينية ،بل كان
وظيفة شيخ المدرسة من أرفع الوظائف إذ كان القىص يحفل بالنشاطات السياسية واالجتماعية. أ
يختار لها أحد كبار العلماء ذوي السمعة الطيبة ولم يقترص التدريس ف ي� المساجد عىل مسجدي
اللقاب العلمية مثل (عمدة بأجل أ
وكان يُخاطب ّ القىص والصخرة ،بل امتد إىل مساجد أخرى أ
السلطانية
ّ السادات الفخام) و(حدوثة العلم) درس فيه فضل مثل مسجد سنان باشا الذي َّ
مثل عمدة السادات الفخام جارالله أفندي الذي ال� كانت ت
العسل ،وإىل الكتاتيب ي ي الدين آغا
ُع ي ِّ ن� ف ي� وظيفة المشيخة ف ي� المدرسة الموصلية. م�ل الشيخ ف
تقام بالقرب من المساجد ،أو � نز
ي
الدارية ف ي� المدارس فهي متعددة َّأما الوظائف إ المعلم ،ويبدأ الطفل ف ي� سن مبكرة إذ يتعلم
يأ� عىل رأسها وظيفة الناظر أو المدير العام ت القرآن والقراءة والكتابة والحساب ،وكان يُطلق
ي
للمدرسة ،وأهم واجباته إدارة شؤونها ويختار من عىل المعلم ف ي� الكتاتيب لقب الشيخ أو المؤ ِّدب
ب� العلماء القادرين عىل التدريس ،فالناظر كان ين وعندما ينتهي الطالب من دراسته ف ي� الك َّتاب
الدارة، فضل عن إ أحيانًا يتوىل مشيخة المدرسة ً كانت تُقام له حفلة تنشد فيها المدائح النبوية
ومن هؤالء بالقدس علم الدين العلمي الذي مع وليمة غداء أو عشاء بهذه المناسبة.
دراسات
83
ف ي� القدس المولوية والنقشبندية والخلوتية وكان توىل مشيخة المدرسة المنجكية .أما الوظائف
المام والمؤذن والسقّا أ
لها أتباع وزوايا وتكايا ،وقد اقترصت المؤسسات الدارية الخرى فهي إ إ
التعليمية كما أسلفنا عىل ثالثة أنواع من المدارس والبواب والك ّناس.
والفراش والشغَّ ال ّ ّ
ف
أهم المدارس الدينية ي� القدس
وهي الخوانق والربط والزوايا. وكان من ّ
ن القا� زين ض ال� أوقفها ت
وتع� مكانوكانت أول (خانقاه) -وهي كلمة فارسية ي ي المدرسة الباسطية ي
عبادة المتصوف -تنشأ ف ي� القدس هي الخانقاه عبدالباسط بن خليل الدمشقي ،والمدرسة
الصالحية قرب كنيسة القيامة ،وكان لها دور ف ي� ال� توىل مشيختها أرسة العلمي، ت
الحمراء ي
الحياة العلمية ف ي� القدس حيث قرأ فيها المتصوفة تعد من أهم مدارس وال� ّ ت
والمدرسة الصالحية ي
القرآن وقام بالتدريس فيها مشايخ الصوفية الذين القدس وأقدمها ،فقد بنيت ف ي� عهد السلطان
ن وال� تنسب إليه وتقع بالقرب من ت
العثما�.
ي يعينون من السلطان
َّ صالح الدين ي
ف تنوعت العلوم أ
الربط فقد استخدمها المتصوفون ي� القدس أما ُ باب السباط بالقدس ،وقد َّ
مكانًا للجهاد ضد النفس ،كما اتخذوها أماكن ال� كانت تُ َّدرس ف ي� هذه المدرسة كالقرآن ت
الدينية ي
للمطالعة والكتابة بسبب وجود المكتبات فيها. ال�يف والفقه. الكريم والحديث ش
ومن أهم ربط القدس الرباط المنصوري الذي أ َّدت المدرسة الصالحية خدمات جليلة للعلم
أنشأه الملك المنصور قالوون عام ،1282ورباط كب� من طالب العلم وطالبه ،إذ درس فيها عدد ي
ال يم� يب�م جاويش الذي أنشأه ف ي� عام 1540ف ي� أ ت
الذين وفدوا إليها من أقاليم ومدن ش� ،ودرسوا
القانو� ،أما الزوايا فقد كانت ن عهد السلطان سليمان عىل شيوخها الذين تمتعوا بمكانة علمية مرموقة،
ي
الذكار وكان لها مغزى اجتماعي حيث تقام فيها أ فقصدهم طالب العلم ونهلوا من علمهم الذي
ممن كانوا ف ي� القدس الفاق. اشتهروا به ف� آ
يلتقي فيها أبناء البلد الواحد َّ ي
وغ�هم.
كالمغاربة والهنود ي كما كان بالقدس أنواع من المؤسسات التعليمية
ف
وأهم الزوايا الزاوية البسطامية ي� حارة المشارقة بم�لةالصوفية كالخوانق والربط والزوايا وهي نز
والزاوية النقشبندية عند باب الغوانمة ،والزاوية تدرس فيها أصول الصوفية؛ وهي نوع من مدارس َّ
ن
الجيال�. القادرية نسبة لمؤسسها عبدالقادر ف
الحياة الروحية نشأت ي� صدر إالسالم اختلطت فيها
ي
كما أقيمت عدة قباب تذكارية ف ي� مدينة القدس أغلبها ألوان الرياضة ومجاهدة النفس والفلسفة الروحية،
ال�يف ووظفت ف� بعض أ داخل الحرم ش شجع العثمانيون الطرائق الصوفية ،وأصبحت
الغراض ي وقد َّ
الثقافية والتعليمية؛ ومن أهمها قبة المعراج ،والقبة ين
بالمتصوف� ،كما المناطق المجاورة للحرم مليئة
الرواح ،وقبة الخ�ض ، النحوية ،وقبة سليمان ،وقبة أ ت
عائل�
برزت عائالت مقدسية ُعرفت بتصوفها ،مثل ي
وقبة يوسف الدجا� ،وكانت أهم الطرائق الصوفية ن العلمي و
ي
دراسات
84
بالعكس فقد غدت كل لغة ُمزدانة بمفردات من ب� الحضارات مش�ك ي نأهم إرث ت تُ ْع َت ب َ ُ� ال ُّلغة ّ
االق�اض لغات أخرى ،وعىل الرغم من كون ت والمم والشعوب ،وال يُعقل أن يحدث تبادل أ
تستغ� ن عالمية ال تكاد اللغوي ظاهرة لغوية حضاري دون أن يحدث تبادل لغوي ،ولهذا ،فإنَّنا
ي ّ
أن ّثمة مخاطر عدة تنجم أي ّأمة إال ّ عنها لغة ّ وأساليبه من
ُ ً
متكامل تخلو مفرداتُه معجما
ً ال نجد
عن هذه الظاهرة. يتضمنه من معرب والتطور ،بما ّ
ُّ مظاهر االق�اضت
ف ومفهوم ت نش� إىل ومو َّلد
العطاء االق�اض ي� اللغة مداره عىل إ ومحدث ...وال يفوتنا أن ي َ ودخيل ُ
يضم ف أ تتطور باستمرار ،وهذا التطور يلحق أن اللغة
والخذ والتبادلّ .أما ي� االصطالح فمعناه أن ّ َّ َّ
متحدثوا لغة ما كلمات من لغة أخرى ف ي� قاموس والمب� والسلوب والقواعد المتصلة أ ن ن
المع�
ِّ َ َ
تلقائيا ،وأن يستمر استعمال هذه الكلمة ًّ لغتهم إن اللغة تتأثر بوظيفة الكلمة وتركيب الجملة .ثم َّ
ف
المق�ضة لتصبح كلمة متواترة ي� اللهجة أو اللغة ت الخرى وتؤثر فيها ،وهو ما يُطلق عليه باللغات أ
الجديدة .هذا ف ي� ما يخص جميع اللغاتّ ،أما ف ي� “االق�اض اللغوي” .وقد تأثرت اللغة العربية، ت
عرفه محمود فهمي حجازي اللغة العربية فقد َّ ف ي� القديم ،ببعض اللغات المجاورة ،مثل:
ف ي� كتابه “اللغة العربية بع� القرون” بأنه :دخول الفارسية ،والحبشية ،والرومانية ،كما تأثرت ،ف ي�
ألفاظ يغ� عربية إىل اللغة العربية ،وهو ما العرص الحديث ،بلغة المستعمر وأثَّرت فيها ،ف ي�
ف ين العر� لالستعمار ت ت
و�
اللغوي� بكلمة التعريب .ي يعرف عند بعض ال� خضع فيها الوطن ب ي الف�ات ي
ت نس بصفة خاصة. ال ي ز
بأن االق�اض اللغوي هذا المقام ال َّبد أن نذكر َّ نجل�ي والفر ي إ
السالم ظاهرة قديمة شغلت العرب منذ ظهور إ وهذا التبادل اللغوي ال يعيب اللغات ،بل
دراسات
85
أ أ أن نظرة القدماء
كث�ا؛ سواء أكانت عىل
عجمية ي ً
كالمهم اللفاظ ال ّ وما زالت تشغلهم إىل اليوم ،إال َّ
جوزوا إدخال
بناء كالمهم أو لم تكن ،فكذلك ّ المحدث� ،فقد نظر إليها ين لها اختلفت عن نظرة
هذه الكلمات المصنوعة ف ي� كالمهم ،وحكَم معظم القدماء من خالل النظرة المعيارية ال�ت
ي
بعض علماء اللغة ب�ض ورة جعل المعربات عىل أ َّدت إىل اتخاذ مواقف متباينة ،وانقسموا نتيجة
يش�ط ذلك آخرون أبنية كالم العرب ،ولم ت ين
فريق�: ذلك إىل
وغ�هم. ف
الفريق ا ول :أجاز ما ُع ِّرب ي� الجاهلية وصدر لأ
ومنهم سيبويه وابن سيده والخفاجي ي
عجمية أ السالم ،وخوفًا من ش
تعددت وتباينتّأما مواقف المعارصين فإنها َّ تف� الكلمات ال ّ ي إ
االق�اض ف ي� العربية ،فكانت القضية
تجاه ظاهرة ت مولدا
ً السالم
عدوا كل ما ُع ِّرب بعد ظهور إ ّ
أن التعريب مقصور ف
مرتبطة بجوهر اللغة وفلسفتها عند فريق، عاميا ،وحجتهم ي� ذلك َّ ًّ
ومنها ما يتعلق بالشخصية القومية ومسايرة أن هذه عىل العرب أنفسهم اعتقا ًدا منهم َّ
العرص وتقنيته عند فريق آخر ،ثم هي دواع المرحلة هي مرحلة نقاوة العربية وفصاحتها.
ين ن
الثا� :وهو اتجاه
وظيفية وطبيعة العمل الخاص عند فريق ثالث،
ّ القياسي� الذين أجازوا الفريق ي
فانقسموا باتجاهاتهم إىل ثالث فرق هي: أن العرب أدخلوا ف ي� ف
اللحاق ،وحجتهم ي� ذلك َّ إ
دراسات
86
“الفرصاد”، بدل من ِبدل من”التامورة” ،و”التوت” ً ً َّأولها هم الذين ذهبوا إىل عدم جواز التعريب،
مسق” ،و”الكُزبَ َرة” “الس َ بدل من َ و”الياسم�” ً ين وقالوا إنه يجب علينا أن نسد حاجاتنا إىل
بدل من “القتد”، بدل من “ال َتقدة” ،و”الخيار” ً ً المفردات بطرق أخرى؛ كاالشتقاق ،والنحت،
بدل من “الحدج” ...فهذه الكلمات و”الباذنجان” ً والبدال ،إىل جانب ما ف ي� بطون المعاجم وإن إ
الصيلة ليس لها استخدام اليوم �ف العربية أ حوشيا. كان ً
مهمل أو
ي ً
العربية المعارصة ،فهي كلمات مماتة أو مهجورة أ
وثانيها َمن ذهبوا إىل وجوب تعريب اللفاظ
المق�ضة. حل محلها هذه الكلمات المعربة أو ت َّ العجمية كيفما اتفق ،ثم استعمالها من يغ� أ
َّ
وإذا كانت اللغة تجدد تراثها اللفظي ي ز ال� وضعها علماء اللغة ت ين
ف�داد لقوان� التعريب ي مراعاة
مخزونها اللغوي ،فإنها ف ي� الوقت نفسه تواجه ث
القدماء ودون أي قيد أو ش�ط ،بسبب ك�ة ما
فقدا لبعض مفرداتها ،وهي ظاهرة ال للالت تزودنا به الحضارة الغربية من أسماء كث�ة آ
نقصانًا أو ً ي
نسبية تتفاوت وغ� ذلك. ت
والمخ�عات ،ي
تخلو منها لغة من اللغات ،وهي ّ
من لغة إىل أخرى ،ومن عرص آلخر ،وهذه أما ثالثها فهم الذين أجازوا االستعانة بالتعريب
التعب� عنها بمصطلحات مختلفة، ي الظاهرة ّتم واالق�اض لسد حاجة العربية إىل المفردات، ت
ع� عنها لغويونا القدامى بالمصطلحات فقد ب َّ أصل من أصول المعرب ً
َّ شب�ط أال يعد هذا
و”الم�وك” و”المجهول” و”لغة ت التية“ :المنكر” آ اللغة .فإذا كان قد دخل ف ي� اللغة العربية بعض
وع� عنها اللغويون مرغوب عنها” و”الممات” ب َّ وغ�ها ،فقد ألفاظ أعجمية كالفارسية والرومية ي
المعارصون بمصطلح “انقراض الكلمات” َّنبه أسالفنا العرب عليها ،وهذه دعوة رصيحة
عربها أسالفنا ت
و”المهجور” (.)Obsolète ال� َّ
إىل الوقوف عند حد الكلمات ي
صلية حسب، أ بمع� أنها ألفاظ سماعية العرب ،ونبهوا عليها ،ن
وال يقترص موت اللغة عىل اللغة ال ّ َّ
المق�ضة ت المعربة أو اللفاظ وإنما قد ينال أ نحفظها وال نقيس عليها.
َّ َّ
كب� من الموت واالندثار ،ولذلك بقي قسم ي ث
االق�اض اللغوي يؤدي إىل زيادة ال�وة وإذا كان ت
ال� دخلت ف ي� عرص ما قبل ت أ اللفظية للغة من اللغات ،فإنه ف ي� الوقت نفسه
المعربة ي َّ اللفاظ
قص�ة ولم ُتعد مستخدمة ف ي� ما لف�ة ي السالم ت إ سبب من أسباب موت بعض كلمات اللغة
أن فقهاء ي� قرون متأخرة من الذين ف المق�ضة ت الصلية ،فإذا شاعت بعض الكلمات أ
بعد إىل درجة َّ
ف بسبب ثك�ة االستعمال فإنه يقل استعمال
اجتهدوا ي� ش�ح القصائد القديمة وجدوا ً
غالبا
اللفاظ معا� وأصل تلك أ ن ف ح� ينتهي بها مقابلها من كلمات اللغة أ
الصلية ت
التعرف عىل ي صعوبة ي� ُّ
مق�ضة الحا� هناك ألفاظ ت و� الوقت ض ف
المعربة .ي َّ المطاف إىل موتها أو هجرها ،ومن أمثلة ذلك ف ي�
سطحية ،فهي ال ترفض وال تهضم ويبقى ّ تبقى “البريق” اللغة العربية :استعمال العرب لكلمة إ
دراسات
87
عشوائيا
ًّ العربية الفصحى كان
ّ جم ِع
منهج ْ
ُ
ّ
العربي كان في النحو
ْ ومنهج َو ْ
ض ِع ُ
اعتباطيا
ًّ بعض مسائله
القيسي /األردن
ْ عو ُ
دة الله منيع دْ .
العاجم بالعرب ،ر ْأوا أن يجمعوا الفصحى أ سنتناول هذا الموضوع بالدراسة ي ف� ثالثة
ولكن الجمع لم يكن َّ من البادية ،لفصاحتها. عناوين ،هي:
عشوائيا؛ إ ْذ لم يقم عىل خطة ًّ منهجيا ،وإنَّما كان
ًّ
مدروسة ،فكان المتطوعون (الذي لم تدعمهم عشوائيا.
ًّ جمع اللغة كان
-منهج ْ
ونظرا
ً الحكومات) يذهبون فرادى إىل البادية، اعتباطيا.
ًّ -منهج َو ْضع ِبعض مسائل نحوها كان
لظروف البادية القاسية لم يجـمع من اللغة �ف تحليلية ،بسبب انتظامها الجمل ف� لغتنا ث
أك�ها
ي ُ َ ْ ّ ُ -ي
ظل ق
والبا� ّ أك� من ،90% زمن الخليل وسيب َويْه ث أ
وصفية ،ل َّن الوصفي لم بحركات إعراب ،وأقلها
ي َ ّ
متفرقًا ف ي� لهجات القبائل إىل اليوم . أ
محرك الواخر،ينتظم بحركات إعراب ،وإن كان ّ
()1
قليلة ف ي� اللغات ك ّلها ما عدا العربية ،ألنها -ما حو وضع َّ
الن ْ واالعتباطية في ْ
ّ ُّ
التكلف
عدا العربية -ال تقوم أواخر الكلمات فيها عىل وضع النحو ،فكان العشوا� جاء ْ ئ ومن هذا الجمع
ي
جراء ذلك االنحراف ي� تف ُّهم بعض ظواهر ف
أن اللغات حركات إعراب ،والعكس صحيح ،وهو َّ من ّ
الوصفية ما عدا العربية تك� فيها الجملكلها ث العربية ،الذي أ ّدى إىل انحراف بعض حركات
ّ
تقل فيها الجمل الوصفية ،أل َّن العربية ال� ّ ي
ت القائم� عىل جمع اللغة ووضع ين العراب ،أل َّن إ
ف� معظمها لغةٌ معربةٌ .أ
ولنَّنا أُ ّمةٌ تعيش عىل التحليلية ،والجمل ب� الجمل نحوها لم يُفرقوا ي ن
َُْ ي ّ ِّ
التقليد ،فالنحاة العرب المعارصون بعضهم الوصفية .فالنوع الول من الجمل له حركات أ
ّ
فاعت� العربية وصفية ،وبعضهم “سوس�” بي تبع إعراب ،ألنه يقوم عىل “عوامل”ّ ،أما النوع الثا�ن
ي
فاعت� العربية تحليلية ..وكالب “تشومسك”
ي تبع فهو ال يقوم عىل حركات إعراب ،وإنَّما حركاتُه
أ يْ ن
الفريق� ق ّلد فأخطأ ،ل َّن العربية كما وصفناها جاءت ا ّطرا ًدا للنسق العام ألنه ليس لمثل هذا
آنفًا... النوع “عوامل”؛ ومن ذلك -عىل سبيل المثال-
ال ُ ْس َد الحيا ُء من الطوى) قول المتن�( :فما ينفع أ
ُ بي
الفروق بين اللهجات مثل :الفعل كان له إعراب ل َّن ل�كيبه عواملً - ت أ
ب� قبيلة وأخرى، وتجاوبًا مع الظروف المتباينة ي ن ف
المضارع “ينفع “ أ ّدى إىل الفاعلية ي�”الحيا ُء”
ُ
ب� لهجة وأخرى ي ن
ب� بعض الكلمات ي ن اختلفت ُ فاعل ،وهو عمل المتأخر ف ي� اللفظ ،والحيا ُءٌ ..
ألفاظ مأنوسة ،وألفاظ غريبة ،ورافق ذلك أن ال�تيب سد” وهو متقدم ف� ت أ ف
ي المفعولية ي� “ال َ
لهج ٌّي يختلف من قبيلة ألخرى ف ي� تحويرِ - ٌ نشأ د� ن
الله ،أن يُ ي أعظم َ َ اللفظيّ .أما إذا قلت( :ما
قليل من حركات أواخر الكلمات ..وكان اختالف ول)، دار ُه ُص ُ ممن ُ زن ّ الح ُشحط /من دار ُه َ ٍ عىل
جدا؛ أل َّن اللغة
خط� ًّابية هذه ي ٌ العر ّ الحركات إ الله) ليس لحركاتها إعراب عىل أعظم َ َ فإن (ماَّ
ال� يُراد لها الديمومة يجب أن يكون ت التحقيق ،وإنَّما تك ّلف لها النحا ُة إعرابًا مع أنها
الواحدة ي
واحد .ولذا ،لم يك ُْن اللغويون ال تقوم عىل عوامل ،خالفًا للجملة أ
نحوي ٌ ٌّ نظام
لها ٌ الوىل،
مقيدين بكل ما قام بهذه اللهجات، والنحويون ّ ب� الجمل التحليلية والجمل ألنهم لم يُفرقوا ي ن
ِّ
مما ي�ض ُّ بقيام لغة واحدة ذات نظام واحد. ّ ولكن هذا التفريق جاء به عالمان ّ الوصفية.
سوس�” الذي ي معارصان من الغرب ،هما“ :دي
مدروسا ومتبص ًرا
ً الجم ُع
ْ لو كان تشومسك”ي بأن اللغات وصفيةٌ ،و”نعيم قرر َّ
ومتبرصا الختلفت
ً مدروسا
ً ولو كان الجمع كليهما لم ولكن ْ تحليليةَّ ..ّ بأن اللغات قرر َّ الذي َّ
رص َد ما هو أ أ
النتيجة ،ل َّن الجمع المدروس يوجب ْ صب كامل الحقيقة ،ل َّن اللغات كلها فيها جمل يُ ْ
متو ّعر ،وما اختلفت حركة آخره عن لهجة قريش، أن الجمل التحليلية تحليلية وجمل وصفية ..يْ َيد َّ
دراسات
90
ف ي� أثوابها الق ُُش ِب .ولذلك ،كان واجب النحاة أو عن نسق القرآن الكريم ..لرصده للدراسة
أن يطرحوا ّكل حركات إعراب ّ تب� ما طرأ عىل ّكل قبيلة من ال� ي ّ ن ت
أي قبيلة تخالف االجتماعية ي
حركات إعراب قريش ،أو حركات إعراب القرآن... وكلواجتماعيُّ ،
ّ وفكري
ّ نفس
اعتدال أو انحراف ي ّ
وبهذا يُلغى إعراب نب� تميم ،ي ن ال� يُف�ض أن تكون ذات ت ت
ب� تميم وغ� ي ي ذلك ال عالقة له باللغة ي
ت
مما يخالف ا ّطراد الحركة عىل ال�كيب الواحد، ّ فكل لغة عظيمة ال وي واحدّ ، ونح ّغوي ْ نظام ُل ّ
ٍ
ذات نظام واحد ،فيسهل وبذلك تكون اللغة َ ولغوي:
ّ وي
نح ّ
واحد؛ ْنظام ٍ بُ ّد من أن تكون ذات ٍ
()3
تع ُّل ُمها ْ
نح ًوا ورصفًا وكلمات . يتكاثر ،ولكن ال يتعارض...
جم ِع اللغة خ ّلفت اضطرابًا عشوائية ْ
ّ أن
بَ ْي َد َّ
النحو ،إىل جانب االضطراب الذي جاء ف
النتيــجــة كب�ا ي� ْيً
ال� جمع اللغويون والنحويون ُ ت من عدم تف ُّهمهم للفرق ي ن
السبع ي اللهجات ب� الجمل التحليلية،
قدسية ،ولذا..
ّ ذات
منها اللغة الفصحى ليست َ والجمل الوصفية!! هذا االضطراب جعل النحاة
نظاما لغويًّا ونحويًّا
كون ً ال يؤخذ منها إال ما يُ ّ ذهنية ال
ّ يلجأون إىل تعليالت هي بت�يرات
واحدا ،يُعطي اللغةَ فرصةَ الخلود ،ويُس ّهل عىل ً متظرف:
ّ شاعر
قول ٍ عقالنية ،يصدق عليها ُ
أ
والتعب� عن المشاعر والفكار الناس التخاطب
ي
بها ،ويس ِّهل عليهم تف ُّهم القرآن الكريم بها. فـاتن
فاتـر ٍ
بطـرف ٍ ٍ ترنـو
وهذا يدعونا إىل توصية تقوم عىل تكوين فريق وي
نح ٍّ
أضعف من ُح ّج ِة ْ
َ
من جميع البالد العربية مقتنع بهذه الرؤية،
عيد للغة الفصحى ويأخذ بهذا المنهج؛ ليـ ُ َ ل على اضطراب علل ال ّنحاة َ
مث ٌ
صفاءها ونقاءها واتِّساقها عىل نظام واحد ،ال الطيب إال المسكَ )،
ُ القرشيون يقولون( :ليس
خلل فيه يضمون آخر “الطيب” باعتبارها اسم ليس ّ
مرفو ًعا ،ويفتحون آخر “المسك” باعتبار الكلمة
خ� ليس منصوبًاّ ..أما بنو تميم يف�فعون ب
آخرالطيب ،وآخر المسك!! ولم يُدركْ اللغويون
أن هذا انحراف ف ي� لهجة تميم أ َّدت
والنحويون ّ
الهوامش: الموحدة ُملْزمةً بقبول
ّ إليه ظروف ..وليست اللغة
كتا� “رؤى نحوية ورصفية( )1و( )2انظر ب ي هذا االنحراف ..أل َّن أُ َّم اللهجات السبع هي
أ
تجديدية” ،ج.20-52 /2 لهجةُ قريش ،ل َّن مكّةَ المكرمة كانت مركز ّ
الحج
( )3انظر الكتاب نفسه ،ج.133 105- /3 الشعار ،وفيها تبدو الفصحى والتجارة ،وتناشد أ
فنون
91
بتعب� “جوليا كرستيفا” ،وقد جرى تحويله ي غالبا ما يَستخدم الك ّتاب العرب مصطلح ً
من فضائه الرسدي إىل فضاء حواري درامي، نجل�ي ز ال ي إ مقابل للمصطلح ً “العداد”
إ
ئ أن ترجمته إىل ن ف
حرك أو راقص ،بع� اشتغال إيما� أو ي أو ربما ي ح� أرى َّ ( ،)Adaptationي� ي
ش
المبا� دراماتورجي ،يقوم عىل الفعل آ
ال ن ي� ث
بمع� المواءمة ،أك� دقةً ،وهو ن “التكييف”،
للشخصيات دون وسيط أو سارد ،ويحيا حيا ًة مع�،ن شكل من أشكال الكتابة ال يقترص عىل فن ي َّ
“ج�ار جينيت”. والداب، مع� ،بل يطال كل الفنون آ أو أدب ي َّ ن
بتعب� ي أخرى ،ي
“العداد” يُستخدم أحيانًا مصطلح إىل جانب إ وقد شاع ف ي� العرص الحديث مع تداخل الفنون،
مثل“ :المرسحية مقتبسة من فيقال ً الدبية والفنية ،ومع الجناس أ ب� أ وزوال الحدود ي ن
“االقتباس”ُ ،
الرواية الفالنية” ،وهو استخدام قارص ال يع�ن ال� أتاحتها التكنولوجيا ت
ي المكانات الفنية ي تطور إ
تحويل الرواية من نص رسدي إىل نص مرسحي، الحديثةّ .أما تاريخ ظهور “التكييف” فإنه قديم
أن الفكرة الرئيسة للنص المرسحي بل قد يُراد به َّ البداع ،كما يتم ّثل ف ي� تكييف ك ّتاب المرسح قدم إ
أيضا مصطلح مأخوذة عن الرواية الفالنية .وثمة ً هوم�وس إىل مرسحيات ،عىل الغريقي مالحم ي إ
“مرس َحة الرواية” ،ويُقصد به تكييف الرواية َ عد
مؤخرا .ويُ ّ ً التعب� لم يظهر إال ّ ي أن
الرغم من َّ
للمرسح .لكن مصطلح “المرس َحة” ما يزال ح�ت روا� إعادة ئ
َ المكيف عن نص ي ّ النص المرسحي
عصيا عىل التعريف ،كما أ أ
إنتاج ،بحسب نظرية التناص ،ل َّن الول قالب
التباسا ،أو ًّ
ً يث�
اليوم ي
ف الثا� السابق عليه أو المعارص له، ن
يقول “باتريس بافيس” ي� قاموسه المرسحي، آخر للنص ي
ن
الثا�، أو إنه امتصاص وتحويل ش
يتحمل توصيفات متعدد ًة من خالل أشكال فهو ّ وت�ب للنص ي ُّ
فنون
92
حاول إسقاطها عىل قضايا سياسية تشغل بال الذي استغرق خمس ساعات ونصف ف ي� محجر
ين
الحال� اتسمت جميعها بحرفية مكيفيها .لكن ف ي�
ّ المكيف
المتم� ،وعرض “ّ ”2666 يز بولبون بفضائه
تشوه أو تتالعب بأصولها
مرسحية متقنة ،ولم ّ الكب�ة
التشيل “روبرتو بوالنيو” ي
ي عن رواية للكاتب
ال� تحمل العنوان نفسه. ت أ
يسء إليها. بما ي ذات الجزاء الخمسة ي
لقد حافظ بعض هذه النماذج ،كما قرأنا عنها،
ال� جرى تكييفها ،من ناحية ت
تجارب عربية عىل جوهر الروايات ي
المكيفة عن نصوص ّ تشكّل النصوص المرسحية رؤى ك ّتابها وأبعاد شخصياتها وتفاصيل أحداثها،
العر� ،منذ منتصف القرن ف
رسدية ،ي� المرسح ب ي مخضعينها لمتطلبات المرسح وجمالياته ،بينما
ع� ت آ التاسع ش أجرى بعضها آ
ح� الن ،نسبةً ي
كب� ًة من تجارب هذا تغي�ات جوهرية عىل ي الخر
المرسح تكاد تفوق نسبة النصوص المؤلفة تأليفًا اخ�ل أحداثهاعنارصها البنائية والداللية ،أو ت ز
يؤرخ به لبداية
خالصا .بل إن أول نص مرسحي َّ
ً وشخصياتها ،وفقًا لمقاربات درامية تجريبية ،أو
فنون
94
ن
بن قطاف عن رواية الطاهر و ّطار ،وإخراج ي
زيا� العر� ،وهو نص “أبو الحسن المغفل، المرسح ب ي
ش�يف عياد (الجزائر “ ،)1986المتشائل” تكييف أو هارون الرشيد” (أواخر عام 1849م) لمارون
ال� ت
عبدالعزيز البوزاوي وعبدالهادي توهراش عن مكيف عن حكاية “النائم واليقظان” ي النقّاش ّ
رواية “الوقائع الغريبة ف ي� اختفاء سعيد ب يأ� ين
والخمس� بعد ف
ترويها شهرزاد ي� الليلة الثالثة
حبي� (المغرب ،)1991 النحس المتشائل” إلميل ب ي كيف هذه الحكاية المئة من ألف ليلة وليلة .وقد ّ
الرخبيل” تكييف محمد الكغاط “وجدتك ف� هذا أ نفسها سعدالله ونوس ف ي� نصه المرسحي “الملك
ي
عن رواية تحمل العنوان نفسه لمحمد الرسغي�ن القبا�ن كيف أبو خليل
ي ي هو الملك” .ومثل النقاش ّ
ف
ال� ترويها شهرزاد ،ي� الليلة الثانية ت
و”حدث” تكييف وإخراج محمد (المغرب ّ ،)1994 الحكاية ي
“حدث أبو هريرة قال” لمحمود إدريس عن رواية ّ والخمس� ،عن الجارية “قوت القلوب” ف ي� قرص ين
المسعدي (تونس .)1999 هارون الرشيد إىل نص مرسحي بعنوان “هارون
ع�ات التجارب ،منها: اللفية الثالثة ثمة ش و� أ ف ال يم� غانم بن أيوب وقوت القلوب”. الرشيد مع أ
ي
ال�قاوي عن رواية “الحجاب” لكريم لفحل ش ال� ترويها ف ي� الليلة الخامسة ت
وكذلك الحكاية ي
بالعنوان نفسه لحسن نجمي (المغرب ،)2001 ربع� إىل نص بعنوان “أنس الجليس مع وال ي ن أ
الوح�” لفالح شاكر عن رواية بالعنوان ش “العرس هارون الرشيد”.
ي
نس “يان كفلك” وإخراج أحمد ئ ع�ات الك ّتاب ثم حذا حذو هذين الرائدين ش
للروا� الفر ي
ي نفسه
حسن موىس (العراق “ ،)2006تصطفل يم�يل فكيفوا أو اقتبسوا مرسحيات المرسحي� العربّ ، ين
س�يب” لمحمد القاسمي عن رواية بالعنوان ت كث� ًة عن نصوص حكائية أو روائية أو ملحمية ي
نفسه لرشيد الضعيف ،وإخراج نضال أ الغر� العر� أو ت
س� شعبية من ال�اث
الشقر بي بي أو ي
المحول” لعمر فطموش (لبنان “ ،)2005النهر ال� ي� .لكن ما يعنينا هنا تجارب تكييف ق أو ش
ّ
ميمو� ،وإخراج حميدة آيت ن عن رواية رشيد ً
تمثيل النصوص الروائية فقط ،فنذكر منها،
ي
الحاج (الجزائر “ ،)2007عائد إىل حيفا” تكييف الما� :تكييف مجموعة ي
ض حرصا ،ف ي� القرن ً ال
كنفا� ن يح� البشتاوي عن رواية غسان ف
من روايات نجيب محفوظ ي� مرص ،مرسحية
ي وإخراج ي
(الردن .)2009 أ والج�ان” تكييف وإخراج قاسم محمد “النخلة
ي
نجاحا ق
للروا� العر يا� غائب ئ عن رواية بالعنوان نفسه
وإذا كانت بعض هذه التجارب قد حققت ً ي
فإن بعضها ف طعمة فرمان (العراق “ ،)1968القربان” تكييف
ي� عملية التكييف ،احتفى به النقّادَّ ،
ً آ ين
ضئيل من النجاح. الخر لم يحقق ّإل ً
قدرا النص� عن رواية بالعنوان نفسه لغائب ي ياس�
ح� أخفق عدد منها بسبب ضعف عملية ف� ي ن أيضا وإخراج فاروق فياض (العراق طعمة فرمان ً
ي
التكييف أ
“ ،)1975الشهداء يعودون هذا السبوع” لمحمد
فنون
95
الصورة السينما
عدنان مدانات /األردن
الذات للسادة والعامة ،سواء بسواء .حقَّقت قبل السينما كانت الصورة.
الصورة الفوتوغرافية بذلك نموذجها الخاص َل َّب ْت الصورة الفوتوغرافية حاجة قديمة عند
بتأمل نفسه ال أ
للديموقراطية. النسان .الحاجة لن يستمتع ُّ إ
وقتية ت آ
لمراقبة الصور الفوتوغرافية متعتها الخاصة. ال� ترسم صورة ّ فقط الن وأمام المرآة ،ي
تمزقت أطرافها ف بالحرى صوره العديدة �ف زائلة ،بل صورته أو أ
صور محفوظة ي� علب من كرتون َّ ي
من ثك�ة ما أخرجت الصور منها وأعيدت ،صور مراحل حياته المختلفة ونشاطاته المختلفة منذ
منسقة ف ي� ألبومات خاصة ،صور مؤ ّطرة مختلفةّ الطفولة ،صوره المثبتة ف ي� الزمان المتواصل
الحجام معلقة عىل الجدران ،بعضها كلح لونه أ المتغ�. المتنوع المتحول والمكان
ي ِّ ِّ ِّ
مع الزمن ،صور يحتفظ بها بعضهم ف ي� محفظة الما� ض ف
متاحا ي�
ي أمرا ً تلك حاجة لم تكن تلبيتها ً
يحملونها ف ي� جيوبهم. أ
والمراء والسادة الثرياء ...الذين كانوا إال للملوك أ
يتأملوا الصور صار من عادة الناس أن ّ الرسام لساعات وأيام المصور ّّ يقفون أمام
ف
بص� ومثابرة ي� انتظار اللمسة
الفوتوغرافية ،صورهم وصور يغ�هم ،أقرباء طوال ،يقفون ب
ال� ّثبتت صورة شخصهم النبيل ت أ
كانوا أم غرباء. خ�ة للريشة ي ال ي
بالمكان تعليقها ف
يتأملوا صورة الرجل المصمود
يطيب للناس أن ّ وعز جالله ،وصار إ ي� كامل أبَّهته ّ
الكام�ا مصفَّف الشعر مبتسم الوجه. أمام السالف المجيدين. عىل الحائط إىل جانب صور أ
ي
يتأملوا صورة الفتاة الجميلة ُّ
تطل يطيب لهم أن ّ عممت الصورة الفوتوغرافية هذا االمتياز َّ
الطار بكل حيويتها ،أو صورة الجدة من داخل إ عىل الجميع ،ومنحت فرصة االستمتاع برؤية
فنون
96
و� تعاملهم مع الحالة ف له بإرادة مشلولة وبإحساس فارغ .وال يكتفي
الكام�ا ي ي وقوفهم أمام
ال� يتم فيها تثبيت الزمن وتجميده وعزله عن ما ت صالحياته المصور بإسماع تعليماته ،بل يمارس
ي ّ
سبقه وما يتلوه ،وتسجيل لحظة هانئة سعيدة قليل، بشكل ملموس ،يميل رأس الزوج بيده ً
المع� ن نسا� ،كما يمكن للشخص من التاريخ إ ن أد� من مستوى الكتف أن ذراع الزوجة ن
يالحظ َّ
ي ال ي
أن يتمناها ،لحظة يشعر المرء وهو يراقبها أنها بقليل يف�فعه بنفسه.
لحظة أزلية خالدة ال مثيل لها. محددة لصورة يتعامل المصورون مع أوضاع َّ
ال� تسبق التقاط الصورة. ت الزوج� .إنها ثالثة أو أربعة أوضاع متداولة ين
غريبة هي المشاعر ي
ض ال� ال ت
الما�
ي يتهيب .ينىس هموم يتهيأ المرء ثم َّ َّ ومتكررة وصارت مثل القوالب الجامدة ي ِّ
ض جان� ش
ويجمد ِّ ومشاغل الحا� وأحالم المستقبل يمكن إبدالها .وضع أمامي مبا� ووضع ب ي
يتحرك ...يكاد ال يتنفَّس. أس� .وهي وآخر من الخلف مع التفاتة من الر ي ن
أعصابه ويقف وال َّ
عيناه ال تطرفان وجفناه يرمشان خلسة .أما �ف محددة ،باردة ،بال
ّ ي أوضاع مشفوعة بابتسامة َّ
فإن التوتر يتصاعد ،تنشحن أعصابه داخلهَّ ، روح ،ابتسامة واجبة ال تحلو أوضاع صورة
وتكاد تنفجر .ثم يكبس المصور عىل الزر يحددها وكما يريد أن ين
العريس� دونها .ابتسامة ِّ
العضاء ويتنفس العصاب وتتحرك أ فتس�خي أ ت يراها المصور وال يشعر بها صاحبها.
المصور الصعداء. بعد سنوات ستخفت ذكرى مراسم العرس عند
ت دوامة الحياة ومشاكل ف ين
ال� تمتلكها الخاصية السحريّة ي ّ غربية هي هذه الزوج� مع غرقهما ي� ّ
سلطة الصورة .وال ثك� غرابة هو هذا االستعداد أ العيش اليومي .لكن الصورة ستبقى.
النفس الكامل للخضوع ف ي� سبيلها لكل ما يطلبه الناس ف� الصور التذكارية عادة متشابهون �ف
ي ي ي
المصور ولكل ما يفعله بمن يقف أمام العدسة ِّ
يتحول الناس ودون طال� الصورةَّ . أو بمجموعة ب ي
أ
اع�اض إىل دمى متحركة تنصاع لوامر المصور ت
وتوجيهاته مهما كانت شاذة.
يفضح مثل هذا النوع من الصور مدى تعلق
النسان بقشة الوهم والقدرة عىل خداع النفس إ
أن هذه اللحظية الزائفة .كما َّ ح� بالسعادة ت
ّ
العالقة مع الصورة تكشف ف ي� الوقت نفسه عن
وال�وير وإخفاء قدرة الصورة عىل الخديعة ت ز
حقيقة اللحظة
فنون
99
ّ
العربي ّ
شكيلي النقد َّ
الت َّ
والتبعية وغياب المعايير
ّ بين المحاباة
غازي انعيم /األردن
ت
وال�
زك نجيب محمود ( ،)1993 1905-وعباس عد ي ويُ ُّ القيمة وال ّنادرة يوغ�ها من الكتب ِّ ( .)1937ي
محمود العقّاد ( ،)1964 1889-ومحمد ي ن
حس� العربية .بعد ذلك ظهرت ّ ما زالت ثت�ي المكتبة
هيكل ( ،)1956 1888-من أبرز الذين كتبوا عن صباغ.
كتابات محمد ناجي ،وجورج ّ
الفن ف ي� المجتمع، و� العام 1939م ،ظهرت كتابات رمسيس ف
دور ّ ال ّنقد المعارص وعن ْ ي
الصلة بينهما كما دعوا إىل حريّة ودعوا إىل توثيق ّ الرسام
قدم دراسة بعنوان غاية ّ يونان ،الذي ّ
الف ّنان وحريّة الفنون الجميلة. ظري
تأسست من منطلقها ال ّن ّ المرصي .وقد ّ
ّ
وبعد خمسينات القرن ض ف
الفن والحريّة ي� نهاية العام نفسه.
الما� ظهر عدد آخر من ي جماعة ّ
ف المؤر ي ن أيضا ي� مرص :محمدف الف� ً ن
العر� ،وكانت
خ� وال ّنقاد ي� مرص والوطن ب ي ّ ّ رواد ال ّنقد ّ ي ّ ومن ّ
وانطباعية عىل
ّ وصفية
ّ كتاباتهم عبارة عن مقاالت فنية باسم
صبحي الجباخنجي الذي أصدر مجلة ّ
منت�ا آنذاك،
ً
الفن ال ّتشكيل ش
يّ ندرتها ،إذ لم يكن ّ “صوت الفنان” ف ي� العام ،1950وكان يتابع أخبار
فإن
وإذا استثنينا “مرص ولبنان وسوريا والعراق” َّ وين� عنها ،وكذلك ونشاطات المعارض الف ّن ّية ش
العربية ّإل الف� لم يظهر ف ي� بقية البلدان ن الهرام والبالغ ومجلة كان يكتب ف� جريدة أ
ّ ال ّنقد ّ ي ي
بعد الستينات. ال ّثقافة.
فنون
101
تحليلية اكتسبها من قراءته ّ -ناقد ممارس لمهارة ال ّناقد عندما ينتقل من مرحلة ال ّتلقي المنفعل
“الفن و� كتابه ف
لكتب الفلسفة ،وعلم ال ّنفس ،ولديه المعرفة ّ إىل مرحلة ال ّتلقي الفاعل .ي
ن
الصحيحة والعميقة بهذا العا َلم ّ ي ّ
الف� والخ�ة ّ ب “رو� برجاي” :R. Berger وال ّتواصل” يقول ال ّناقد ب ي
يتأسس الفعل “إنه بمقت�ض
الخاص .ّ وعيال ّن ّ قدي ّ الفعل ال ّن ّ
أ
-ناقد يمتلك القدرة عىل إدراك العمال الف ّن ّية، الجمال .”...
يّ
ط، ال� اعتنت بالخ ّ ت إن حاجة ال ّنقد تتوقَّف عىل أخذ قرار أخ�اّ ،
بل وتاريخ الحضارات ي يً
وال ّلون ،والمساحة. الرؤية ف ف
ي� اتِّباع مسار يساهم ي� بناء تكوين ّ
ف
ش� المدارس قدي ي� ت ّ
عب� ال ّن ّ -ال ّتمكُّن من ال ّت ي أيضا، للمتذوق ً ِّ الجمالية ،ليس فقط للف ّنان ،بل ّ
متحررة، ت منهجي يتفاعل مع نقدي وتأسيس خطاب
عقلية ِّ
والمجاالت ح� يكون لدى الناقد ّ ّ ّ
الزائف ،وأن يكون ناقدة ،واعية ،ز أ ليحدد للمتذوق ويتجاوزه االنفعالية الحاالت
تم� الصل من ّ ي ِّ ّ ّ ّ
مسؤول أمام ّكل إنتاج. ً ال� تمنع ت ن
الف� وأهدافه والمشاكل ي قيمة العمل ّ ي ّ
-االستعانة ب وب معرفته ك ّلها ،وأن يكتب �ض الف ّنان من بلوغ مآربه.
ف أ الف�، ن
عمليةالمبدع ،لن ال ّنقد ي� أفضل حاالته ّ بروح ّ وللوصول إىل مثل هذه الحالة من ال َّنقد ّ ي
يحركها إبداع آخر. إبداعية ّ
ّ أهمها:
ينبغي توفُّر متطلبات عديدةّ ،
وال ّناقد المثل ،كما يقول الفنان “دوال كروا”، ملم بتاريخ الحضارات (تشكيليا)ّ ، ًّ -ناقد مثقف
أ
بالضافة إىل ما شأ�نا إليه :هو الذي مارس ّ
الفن إ ووصل الفن ،وتاريخ ّأمتهْ ، ساط� وتاريخ ّ وال ي
وال ّتصوير بالذّ ات عندما يح ّلل العمل من داخله؛ طع ،وليس بتقليد المدارس الخيط من حيث ان َق َ
ح� آخر لمسة أجراها الف ّنان من حيث فكرته ت ّ الغربية؛ ففي الغرب كانت هناك استمراريّة ّ
عىل ا ّللوحة ومعرفية ونقديّة.
ّ حضاريّة وف ّن ّية
فنون
103
األميركية
ّ أفضل وأشهر الجامعات
لدراسة السينما
محمود الزواوي /األردن
كاليفورنيا بلوس أنجيليس وجامعة جنوب ف ي� مساقاتها الدراسية عىل تاريخ الفن والدراسات
كاليفورنيا عىل جميع التخصصات السينمائية النفس والفلسفة.
ي الثقافية ونظرية التحليل
والنتاج،كالخراج والتأليف والتمثيل والتصوير إ إ أن الموقع الجغر ف يا� لهذه ف
وما من شك ي� َّ
ف
بشكل فريد وشامل يغ� متوفر ي� الجامعات الربع عامل حاسم ف ي� مكانتها الجامعات أ
أن الموقع ف أ أ المم�ة كمعالم لدراسة السينما .فوجود جامعة يز
ال يم�كية الخرى .وال شك ي� َّ
الجامعت� قرب هوليوود – ين ين
لهات� الجغر ف يا� جنوب كاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا بمدينة
كما شأ�نا -وتاريخهما الطويل ف ي� التعامل مع لوس أنجيليس عىل مقربة من هوليوود عاصمة
العامل� ف ي�
ين ين
الفنان� استوديوهات هوليوود ومع ال يم�كية والعالمية ،عالوة عىل كونها السينما أ
ع�ات جميع التخصصات السينمائية عىل مدى ش عاصمة التلفزيون ف ي� الواليات المتحدة ،يمنحهما
الفنان� ف ي� برامج التعليم ف ي�
ين السن� ودور هؤالء ين م�ات واضحة لقربهما من استوديوهات يز
الجامعت� يكسبهما مكانة خاصة ف ي� مجال ين ين
هات� ين
العامل� فيها، ين
والسينمائي� هوليوود السينمائية
السينما� ف ي� الواليات المتحدة.
ئ معينة كالتصوير ف
ي التعليم وخاصة ي� تخصصات سينمائية َّ
جامع� كولومبيا ونيويورك ف ي� مدينة
ي
ت أن وجود كما َّ والمونتاج وهندسة الصوت والمؤثرات الخاصة
ال يم�كية السابقة قبل نيويورك ،عاصمة السينما أ والبرصية.
همية أل َّن مدينة نيويورك أ
هوليوود ،عامل بالغ ال ّ وتشتمل المناهج الدراسية السينمائية لجامعة
فنون
105
ع�ات ي ن التدريس فيها عىل مدى ش ئ
السينما� للنتاج أم� يك إ أك� مركز ي ثا� ب ن
السن� ،كما قام ي هي ي
الالف منهم بدراسة هذه التخصصات ف� ي ن
هات� آ والتلفزيو� وتضم أشهر معاهد التمثيل ن
ي ي
الواقعت� عىل مقربة من هوليوود. ين ين
الجامعت� والموسيقى والرقص ف ي� الواليات المتحدة،
الربع عىل أسماء وتؤكد كل من هذه الجامعات أ الشه�ة ف ي� هذه بفضل وجود مسارح “برودواي”
ي
وب� أعضاء ب� خريجيها ي ن المرموق� ي ن
ين ين
السينمائي� عالمية.
ّ ثقافيا ذا مكانةمركزا ًّ المدينة ،وكونها ً
ض هيئات التدريس فيها ي ن ضمت هيئات التدريس ي� كل من هذه ف
المحا�ين، زوارها وب� ّ وقد َّ
ت السن� عد ًدا من كبار ين مر أ
ال� فاز بها كما تؤكد عىل الجوائز السينمائية ي الجامعات الربع عىل ّ
الوسكار والكرات خريجوها ومدرسوها كجوائز أ المرموق� ف ي� مختلف التخصصات. ين ين
السينمائي�
ّ
الذهبية وجوائز المهرجانات السينمائية وجوائز أهمية ّ وتؤكد جامعتا كولومبيا ونيويورك عىل
النقاد .فعىل سبيل المثال ،تؤكد جامعة كاليفورنيا الكاديمية .وتضم هيئة ذلك ف� مناهجهما أ
ي
واحدا من خريجيها عىل أن ف المعروف�ن ن
المخرج� التدريس بجامعة كولومبيا
ً ي� لوس أنجيليس َّ ي ي
الوسكار كل سنة منذ القل رشح لحدى جوائز أ أ “بريان دي بالما” و”روبرت بينتون” ،كما ضمت �ف
ُ ِّ إ َّ ي
العام .1965 الما� المخرج الراحل “ميلوش فورمان” والناقد ض
ي
أ
أي من هذه الجامعات الربع تقديم السينما� الراحل المرموق “أندرو ساريس” ئ
وبوسع ّ ي
ين وت�” أو “المخرج المؤلف” أ
السينمائي� قوائم طويلة بأسماء خريجيها صاحب نظرية “ال ي
المرموق� .ومن أشهر خريجي جامعة كاليفورنيا ين ئ
السينما� . تعت� مخرج الفيلم مؤلفه ال� ب ت
ي ي
ف ي� لوس أنجيليس الممثلون “جريجوري بيك” وتضم هيئة التدريس ف ي� جامعة نيويورك المخرج
كوب�ن” و”تيم نز
روي�” و”جيمس دين” و”جيمس ي ين
المخرج� سكورس�ي” ،أحد أبرز يز الشه� “مارتن ي
و”ج� مانسفيلد” و”كارول يب�نيت” والمخرج ين ين
والمخرج� كي� المعارصين، أ
السينمائي� ال يم� ي ن
ين
“العراب” ّ ثالثية
“فرانسس فورد كوبوال” ،صاحب ّ “أوليفر ستون” و”سبايك يل” و”م .نايت
الشه�ة الحائز عىل خمس من جوائز ي السينمائية شياماالن” و”باري سوننفيلد” و”مارثا كوليدج”
الشه�ة أ
الوسكار والممثلة ومصممة الزياء أ و”كريس كولومبوس” و”سوزان سايدلمان” و”أنج
ي
“إيدث هيد” الحائزة عىل ثمان من جوائز أ “بيل كريستال” والممثل
الوسكار. ٍ يل” والنجم الكوميدي ي
ويضم خريجو جامعة جنوب كاليفورنيا ،عىل “ج�ي أوكونيل”. ي
المعروف� “جورج ين ين
المخرج� سبيل المثال، ف
ّأما بالنسبة لكل من جامعة كاليفورنيا ي� لوس
كاربن�” و”روبرت لوكاس” و”سام بكنباه” و”جون ت أنجيليس وجامعة جنوب كاليفورنيا فقد قام
زيميكيس” و”جيمس أيفوري” و”جون سنجلتون” وفنيوها ف ي� مختلف نجوم هوليوود ومخرجوها ّ
ئ كب� ي� هيئات ف
السينما� “جون ميليوس”. ي و”رون هوارد” والكاتب التخصصات السينمائية بدور ي
فنون
106
مسارح برودواي
إبداع
108
تأويل االعتكاف
شعر :حميد سعيد /العراق
صفحت ِه..
ِ عىل أَتُراها؟؟
تقْب ُل آ
الملح البكا ْء؟ َم ْن َع َّل َم َ ال َن إىل المقهى ُ ِ
اعتذرت قارئةُ ِّ
الكف.. ْ كما الغيمةُ
ف الغياب سمادير الظ ُّل
غ� غُثا ْء عادت ترى ي� ما ترى ي َ ْ فما ْ َ يختار لها ِ ُ
... كرسيها الفارغ بالحزن إىل ّ ِ الحزن
ُ ُّ
يستدل
... البيضالغائب من أوراقها ِ ُ الح ُل ُميدنو ُ
كان..النهر وما عا َد كما َ اعتك ََف ُ بالقادم ..
ِ العر ُاف
ين� ّ يرى ما ِب ئ ُ
أخا آ � َء.. ش
والنخل..
ِ والصفصاف
ِ لل ِس ً ال ي
ين
للمحب�.. ومأوى الهامش
ِ سوى ما ترك المحو عىل
ف الرمل
عما جرى ي� هذه الدنيا.. معا ّ تساءلنا ً أو ما تركَ الماحي عىل ِ
منسيةً
َو َج ْدنا ُم ُدنًا َّ الخطاب
ْ الممحو ف ي� فصل ِّ وما ضاع من
الخ ْص ِب الخ ْص ِب عن ِ تُ ْب ِع ُدها آلهةُ ِ المم َت ُّد..الوجع ُ ُ مر ًة إال ّ وكان ما التقاها َّ
ريبا
وتختار لها موتًا ُم ً ُ من ضحكتها ِالبك ِْر إىل غاب الرما ْد
معا..وتساءلنا ً حا�ا.. ض
ِ ً
أ
الغام َضةُ الخرقا ُء.. َم ْن هذه ِ ليل ً
طويل واختار لها ً َ َم ْن أَغ َل َق ال َ
بواب
أمل.. ح� ً هل جاءت ل ُت ي ي ْ وحشي ٍة
َّ أسطورة
ٍ جاء من
ف �ض أ
قلت مات! ْلو ُ َم ْن أَ ْد َخ َل الغنيةَ الخ ا َء ي� ما َك َت َب ُ
الملح..
إبداع
109
ب
الح ّ
خمس ترويدات عن ُ
ّ
األردن شعر :جالل برجس/
نهايات الفصول
شعر :محمد سمحان /األردن
َـــــــه الذُّ بُ ُ
ــول؟! ُ ــــر أ ْد َرك
والع ْم ُ ظــل عندكَ ما تق ُ
ُولُ ، هل َّ
ْ
ُ
يـــــــل ت
ـــــ� ُق الف َِت
ُــــــــم يَ ْح َ ِ
َّ زيــت ف ي� ِس ِاجكَ ،ث
ٍ ات َق َ
طر ُ
الر ِح ُ
يــــل ف ْأو َغ ْل َ ف ت
الدنْيـــــا ،وقد أزف َّ
ـــال ،ي� ُّ
ال� َح ِ
ـــت ي� َّ ْ
ال ُ طـــلع ف� السـماء ،وبعــــد مط ْلعـــــها أ
فـــول ِ مس ت َ ُ ي َّ ِ َ ْ َ كالش ِ
َّ
ُ
تـــزول ـطعت
ْ يـــرها يومـــًا ،كمـــا َس
ـــوم َم ِص ُ ُّ
كــــل ال ُّن ُج ِ
ــــحق ٌُه الق َِل ُ
يـــــل قد َم�ض ،وغ ً
َـــــدا َس َي ْل َ ــركَ ْ
يـــــر ُع ْم ِ
وك َِث ُ
ــــــد ُول أ
ــــــض ُتها تَ ُ
َ هي دولـــةُ اليَّ ِ
ــــام ،ت ْنــ َه ُض ،ثُـــــَّم ن ْه َ
ُ
ـــــــول؟! ـــــــــال ال تَ ُح
ٍ وأي َح
مـــــانُّ ،
ُ الز حـــــال يُ َق ِّل ُ
ـــــب ُه َّ ٌ
ط ُل ُ
ــول؟ ـــــل َس ُت ْؤ ِن ُسـكَ ال ُّ
ــولَ ،ف َه ْ وحدكَ ف ي� ال ُّ
ط ُل ِ ْأم َس ْي َت ْ
الج ِم ُ
يــــل الـــز َم ُن َ
َّ ومــا َطـــوى يات َ ــر فيـها الذِّ ك َ
ْـــر ِ تَ ْج َت ُّ
ـــــــل تَ ُص ُ
ـــــول ــ� ٍك ِبـــــال َو َجت ـــت ِبكـ ُ ِّ
ٍ ـــل ُم ْع َ َ ــام ك ْن َ
أيّ َ
إبداع
114
حياة الجديدة
شعر :محمد محمد السنباطي /مصر
يا َ
أجمل من قصة حب وأنا ف ي� هذا العمر
محرومه
ْ تقرأها بنت المشبوبه
ْ السن
جاوزت َّ ُ وقد
أ
أجمل من ضحكات الطفال الطازجةيا َ أشع ُل سيجارة ب ي
قل� بالثلج ِ
ومن ضحكات أ وهام حساء أ
الزهار الناعمة تشف ال َ وأر ُ
ومن ضحكات أ
الطيار الهائمة الدا�ف
ئ تنفرج الغيمات عن الوجه
الم�اكم فوق شفاهي ال�د ت
ومن ضحكات القلب فيذوب ب َ َ
آ مبتهج ئ� ضو ٌء ت
إذا ما ذاق حالوة تحقيق المال ٌ يدخل ر ي
ينتعش الوجدان صفا ًء وعذوبة
*** الضالعب� أ ويدق الخافق ي ن
حي ن
ساعات
ٍ أنتظرك ويعلن يّأ� ّ
الطائر عن بُعد جناح أ
ِ لرى رفرفة ِ
ساعات
ٍ أنتظرك ***
الالمسموعه
ْ ألرى تغريدتك
وأحس بموجات هواء ُّ شمس
أجمل من ٍيا َ
وحركت ِك
ِ ب� القلب تتذبذب ي ن ئ
تتك عىل قمة تل
عىل أرض الشارع يا َ
أجمل من جدول ماء
للنافذة فتحك أو يتغ� فوق أ
الحجار ن
ِ ِ
إبداع
116
وإغضا ِئ ِك
تنش� ِك لمالبسك أو ي ِ
المتشوق
ّ عىل الحبل
آخر أيًّا كان
� ٍء َ ش
أو ي
***
عنك
صدر ِ
مما يَ ُليس هنالك أجمل ّ
نبع الديمومة كأنك ُِ
الدفء اليانعِ نبع
النشوات
ْ نبع
وأنا ي� هذا العمر ف
وشتاءات
ْ شتات
ومن بعد ٍ
الدا�ف
ئ تنفرج عن الوجه
الغيمات
ْ آالف
ت
الثلج الم�اكم
فيذوب ُ
فوق شفاهي
ئ� ضو ُء الشمس ت
يدخل ر ي
وينتعش الوجدان صفاء
الخافق
ُ ويدق
ب� الضالع أ ين
ليعلن
يّأ� حي ن
إبداع
117
خيبات صغيرة
قصص :أميمة الناصر /األردن
أك�ث أ لم ت
للمر ،ع َّلق زوجي عىل غيابها إنَّها ربَّما كوب ماء
وجدت ضا ّلتها ف ي� بيت ف ي� هذه المنطقة وإنَّها با� ذات
ال� طرقَت ب ي
ت
كث�ا بأمر المرأة ي أهتم ي ً َل ْم ّ
يز
بتجه�ه. مشغولة ظه�ة طالبة كوبًا من الماء. ي
كنت أج ِّهز طعام الغداء ظه�ة وبينما ُ لكن ذات ي ترصفها يغ�
أن ُّزوجي َّزم شفتيه مبديًا قناعته َّ
ت
لمح ُتها من النافذة ،كانت تق�ب بهدوء وقد الئق.
سارعت إىل فتح الباب ُ حم َلت شي ًئا ف ي� يديها، َ يوم� رأيتها من نافذة المطبخ ،تدخل بوابة بعد ي ن
دفع� إىل دعوتها إىل طعام ن وال أدري ما الذي الكب�ة وت َّتجه بخطوات ثابتة نحو باب الحديقة ي
ي
الغداء. ناديت زوجي الذي َّزم شفتيه بامتعاض ُ البيت،
مدت يديها بهديّة ملفوفة بعناية ،بدت المرأة َّ أك� وهو يراقبها قادمة. ب
أن شي ًئا من الكحل قد الحظت َّ
ُ أك� أناقة وقد ث لت�ب كوبًا من بت بها ورجوتُها أن تدخل ش رح ُ َّ
أخذ طريقه إىل عينيها مع طبقة خفيفة من ت� قليل قبل أن توافق ب ن الشاي ،تم َّن َعت ً
وأخ� ي
المكياج. ف
م� أنَّها تريد استئجار بيت ي� هذه ن
دون سؤال ّ ي
ت ت
ضقت ذر ًعا بها، ُ تأ� باستمرار ح� ظ َّلت المرأة ي المنطقة الهادئة.
وشؤو� الخاصة ي
ن تتدخل ف ي� شؤون البيت صارت َّ الكث�
قص�ة فيها ي توالت زيارات المرأة ،زيارات ي
ن
ت� أنَّ ي� سمينة ن ت من عبارات المجاملة .شت�ب فنجان قهوتها
وأخ� ي
تجرأت ذات يوم ب ح� أنَّها َّ
كث�ا. ن ً
يناسب� ي ً ي وأن الثوب الذي أرتديه ال قليل َّ قص�ة.
رسيعا مع ابتسامة ي وتغادر ً
ال�فة أنا وزوجي ،كان ال ّبد أن ف ي� أمسياتنا عىل ش ف ط َعت زيارات المرأة أسبو ًعا ً
كامل .ي� الحقيقة انق َ
إبداع
118
كالين
قصة :كيت شوبان*
ّ
ترجمة :محمد ناصر صالح /األردن
والذي كانت تلتمع فيه خطوط سكة حديد طريق تماما ف ي� الغرب بالقدر الذي كانَ ْت الشمس بعيد ًة ً
تكساس -المحيط الهادئ. ف
يكفي إللقاء ظالل تغري المرء .ي� وسط حقل
ح� خرجت ي ن ين الت� هناك ،كانت و� ظل كوم من ب ن ف
قطارا
ً “كال�” من الظل ،شاهدت صغ� ،ي ي
ال� يستق ّلها المسافرون يقف ت ً إحدى الفتيات تستلقي نائمةً .كانت قد نامت ً
نوما
طويل من العربات ي
ين
متوقف� ف ي� مرمى البرص ،حيث ال بد وأنهم كانوا � ٌء ما فجأة، ش
ح� أيقظها ي
طويلة ي ن
ٍ ولف�ٍةعميقًا ت
مفاجئ .كان هذا التوقف المفاجئ هو ٍ نحو
عىل ٍ لوهلة
ٍ وحدقت كما لو كان ض�بةً .فتحت عينيها ّ
أ أ
الذي أيقظها ،لن مثل هذا المر لم يحدث ً ومدت رجليها أ
قبل للعىل إىل السماء الصافية .تثاءبت َّ
غبيةً ف ي� البداية ،وعىل
ضمن ما تتذكر ،وبدت ّ بكسل .ثم نهضت ٍ المسمرة
ّ وذراعيها الطويلة
� ٍء من الذهول .بدا كما لو كان هناك ٌ ش ال� تع ّلقت بشعرها ت قلقة بشأن ِق َ
خلل ما ي طع القش ي يغ� ٍ
ف ي� المحرك ،وبعض المسافرين الذين نزلوا من السود ،وبلوزتها الحمراء ،وتنورتها القطنية أ
ين
المكشوفت�. ال� لم تبلغ كاحليها ت
لتحريّ عرباتهم قد ذهبوا إىل مقدمة القطار الزرقاء .ي
المشكلة .هذا بينما جاء آخرون يتمشون باتِّجاه الشجار الذي كان الكوخ المصنوع من قطع أ
الكوخ ،حيث كانت ي ن ال� كانتت
توت “كال�” تقف تحت شجرة ٍ تسكنه مع والديها خارج المساحة ي
تحدق .أوقف والدها بغله عىل نهاية صف الرض مقصوصة تنام فيها .وراءه كانت قطعة أ
هرمةّ ، ٍ
أيضا ،متك ًئا عىل مجرفته. الشجار تؤدي عملها كمزرعة للقطن .كل ما عدا أ
القطن ،ووقف يحدق ً
كان الجمع يحتوي عىل سيدات .ك َُّن يرسن ذلك كان يشكل غابةً كثيفةً ،باستثناء االمتداد
جزماتهن ذات الكعوب العالية فوق ّ تباك ف ي�
بار ٍ ينح� حول حافة التلة، ي
ن الطويل الذي كان
ترجمات
122
اتهن أ
برسعة
ٍ جميعا يجرون ً للمسافرين ،فذهبوا الرض الخشنة يغ� المستوية ،ويرفعن تنور ّ
رصيرا،
ً مبتعدين عن الفتاة .كان المحرك يصدر مظالت تقي من الشمس عىل ٍ وكن يحملن بأناقةّ .
ٍ
وينفث الدخان بكسل ف� الهواء الساكن ،و�ف أ
ضحكاتهن عىل الشياء المرحة أكتافهن ،وترتفع
ي ي ّ ّ
لحظات أخرى كان يتوقف ،حيث يحمل القطار ٍ افقوهن من الرجال يقولونها.
َّ ال� كان مر ت
ي
راكبيه. “كال�” ،لكنهم لم يفهموا التحدث إىل ي ن ُّ حاولوا
بعد ذلك لم يعد شعور ي ن ال� كانت تجيبهم بها. ت
“كال�” إىل ما كان عليه. نسية ي العامية الفر ّ
ّ
جديد وغريب إىل سالسل ٍ باهتمام
ٍ كانت تنظر -شاب ذو وجه وسيم -أخرج دف�ت ٌ أحد الرجال
أ
برسعة للمام والخلف تمر ت رسم تخطيطي من جيبه ،وبدأ يرسم صور ًة
ٍ ال� كانت ّ العربات ي ٍ
يوم ،وكانت تتساءل من أين أمام ناظريها كل ٍ للفتاة .بقيت ثابتةً ،ويداها خلف ظهرها ،وعيناها
يأ� هؤالء الناس ،وإىل أين يذهبون. ت مثبتت� عليه بجديّ ٍة.ين الواسعتان
ي
لم يكن بمقدور أبيها وأمها أن يجيبا عن أسئلتها دعوات
ٌ الرسم ،صدر عن القطار قبل أن يكمل َّ
ترجمات
123
وقيم االنفتاح والحوار. الشل� بتكاتف المجتمع والدولة لمواجهة بي ونوه
َّ
وبالقدر الذي يرسم فيه الكتاب صورة شمولية هذه التحديات ،وذلك بع� إرساء أسس
لطبيعة التحوالت االجتماعية والفكرية الديمقراطية القائمة عىل العدالة االجتماعية
والسياسية؛ فإنَّه يح ّلل إلرهاصاتها ومقدماتها تحت مظ َّلة دولة المؤسسات والقانون والقيم
أ ن ً قدم النموذج أ
رد�
السياس ال ي
ي وصول لنتائجها عىل النظام أن الردن َّ مؤكدا َّ
ً النسانية. إ
واست�افه مستقبل التعامل ش ومنطقيته
ّ ومرونته العمل إلمكانية استثمار موارده المتاحة لتحقيق ي
ف
مع الحراكات ي� مختلف أدوارها ومراحلها. والسياس ،يغ� الطمأنينة واالستقرار االجتماعي
ي
ين
مضام� “رسالة ال� ي ز
ك� عىل وال يغفل المؤلف ت ين
المسؤول� غافل عن قرع الجرس عىل أسماع
عمان” لما لهذه الرسالة من أهمية ف ي� مواجهة ف ين
كاديمي� ي� ضوء والباحث� أ
وال ين وأصحاب القرار
ّ
أ الرهاب، ف
التحديات الفكرية واليديولوجية ،وتعزيز مبدأ السياس ي� المنطقة ،وقضايا إ ي القلق
ب� الشعوب ،والرد عىل الطرح المتطرف، الحوار ي ن والمشكالت االقتصادية ،والقضايا االجتماعية
السالم المعتدل الحضاري مما وتبيان منهج إ
السالم والغرب. ب� إ يسمح بعالقة متوازنة ي ن