Professional Documents
Culture Documents
Andalusia
Andalusia
Andalusia
وحين تولى االفتاء قاضي قرطبة صعصعة بن سالم قام بنشر مذهب اإلمام االوزاعي توفي
157هجرية السائد آنذاك في بالد الشام .ومن ناحية التعريب استخدمت اإلمارة في مطلع
عهدها الالتينية لسك نقودها فظهرت أول قطعة نقد في السنوات األولى للفتح بالالتينية في
العامين 93و 94هجرية 713 - 711م ثم اصبحت بلغتين عام 98هجرية 717م واخيرا ً
ظهرت بلغة واحدة العربية ابتداء من 102هجرية 721 - 720م.
وتعكس سرعة تبدل الكتابة على النقود السهولة القصوى في نجاح سياسة التعريب
واألسلمة .فالنقد هو وجه من وجوه التعبير عن تبدل موازين القوى التي مالت ومن دون
ممانعة داخلية من كفة الالتينية الى العربية في فترة ال تزيد عن عقد من الزمن.
آنذاك رجح الطابع العربي لالمارة حين استقدم السمح بن مالك الخوالني 100هجرية719 /م
في واليته نواة جيش مؤلفة من 500من نخبة العرب لتثبيت دعائم الدولة من خالل تقوية
عناصرها الموالية للخالفة االموية .وأدى تسريع وتيرة التعريب الى ردة فعل في االندلس
قادها بعض الوالة البربر في سنة 122هجرية 740م فوجه الخليفة هشام بن عبدالملك حملة
عسكرية ضمت 30ألفا ً من أهل الشام فأخمدت الفتنة في مهدها وتواصلت سياسة التعريب
الى جانب األسلمة بوتيرة اسرع من السابق فتجددت الفتنة ،فانتدب والي المغرب حسام بن
ضرار الكلبي 125هجرية743/م واليا ً على االندلس فضبط الوضع األمني وأعاد تنظيم ادارة
البالد وقسم الجيش االندلسي على أجناد خمسة على غرار أجناد الشام االموية.
وبعد العام 125هجرية ترسخ الوجود العربي في االندلس بسبب نزوح أهل الشام الى البالد
هربا ً من الفتنة األموية على اثر مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبدالملك .فنزل أهل دمشق
في البيرة ،وأهل حمص في اشبيلية ،واهل قنسرين في حسان ،وأهل األردن في ريّة مالقة،
واهل فلسطين في شدونة سريش ،بينما نزل أهل مصر في تدمير .وازدادت الهجرة العربية
بعد تزعزع الدولة األموية في عهد يزيد بن الوليد بن عبدالملك دامت واليته شهرين وسبعة
أيام ،ثم في عهد ابراهيم بن الوليد بن عبدالملك فخلع بعد شهرين و 11يوماً.
فتولى الخالفة مروان بن محمد فقتل في سنة 131هجرية بعد خمس سنوات وشهرين من
خالفته في معركة فاصلة مع العباسيين .وبوفاته اضمحلت الدولة األموية في الشام ليعاد
تأسيسها في االندلس بقيادة عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك الهارب من
مالحقة القوات العباسية.
استفاد عبدالرحمن الداخل األموي من اقتسام اإلمارة االندلسية بين القبائل المضرية واليمنية
فقام بنشر الدعوة االموية بين القبائل اليمنية ،فمالت الى تأييده مستقويا ً بوزن أهل الشام
وتمركزهم في المناطق الحيوية .وحين رجحت كفة الدعوة األموية اخذت القبائل المضرية
تميل اليه باستثناء الفهرية والقيسية.
وبتناصر القبائل المضرية واليمنية مدعومة بقوة أهل الشام ،نهضت الدولة األموية متسلحة
بالشوكة العربية والروح االسالمية مستخدمة مذهب اإلمام االوزاعي في القضاء واإلدارة
والجباية والدفاع.
وبوحدة الدين والدولة استقر حكم عبدالرحمن الداخل مدة 33سنة ونجح المؤسس في منع
امتداد النفوذ العباسي الى االندلس ،بل نافس بغداد واخذ يتصارع معها للسيطرة على بالد
المغرب .وباتت اإلمارة االموية في قرطبة قوة سياسية نافذة ال تقل أهمية عن الخالفة
العباسية في بغداد .وبرحيل المؤسس عبدالرحمن الداخل سنة 172هجرية اندلع صراع
االخوة احتجاجا ً على تولي هشام بن عبدالرحمن هشام األول إمارة والده فتمرد عليه شقيقه
سليمان والي طليطلة والتحق به شقيقه عبدهللا .واحتفظ هشام بواليته ثماني سنوات الى
حين وفاته في 180هجرية وهي مدة غير كافية بمقاييس ذاك الزمن لترسيخ ملكه ،فورث
الوالية الحكم بن هشام بن عبدالرحمن الحكم األول فاندلعت في عهده ثورة البُهلول ،وثورة
قرطبة ،ووقعة الربض سنة 190هجرية ،وثورة طليطلة ،ووقعة الحفرة ،وحصل عصيان
آخر في العاصمة قرطبة شارك فيه بعض فقهاء المالكية.
وبسبب كثرة االضطرابات واالنتفاضات وحركات التمرد اضطر الحكم بن هشام إلى االستعانة
بالمرتزقة بلغ عددهم 5آالف واإلكثار من الصقالبة الخدم والتقرب من الفقهاء ومسايرة
العلماء ،لمواجهة خصومه ،وهو أمر اسعفه في الحفاظ على واليته التي دامت 27سنة
توفي سنة 206هجرية الى حين تولي ابنه اإلمارة.
لم تكن والية عبدالرحمن بن الحكم األوسط هادئة فهو قضى معظم فترته في توجيه الحمالت
لضبط الفتن الداخلية أو تحصين مداخل االندلس لمنع الهجمات الخارجية .وأول من ثار عليه
في مطلع واليته ،التي امتدت 31سنة ،عم أبيه عبدهللا البلنسي فنجح في هزيمته .وقام
بعدها بتجديد الفتوحات قاصداً تثبيت دعائم ال ُملك بدفع الخالفات االهلية الى الخارج .واضطر
الى تجميد غزواته حين وقعت فتنة داخلية بين المضرية واليمنية فقضى عليها سنة 207
هجرية .وما كاد يستقر وضعه الداخلي حتى انتفضت عليه ماردة وثم طليطلة ،وقضى سبع
سنوات 220 - 213هجرية في قتال ماردة وتسع سنوات 224 - 215هجرية في قتال
طليطلة.
وحين نجح عبدالرحمن األوسط في ضبط الوضع الداخلي تفرغ إلعادة تنظيم االدارة والجباية
وسعى الى تحسين العالقات مع العلماء والفقهاء والقضاة فاشتهر بحبه للعلم وميله الى
مذهب االمام مالك ،فهو كما يذكر ابن خلدون في تاريخه كان "عالما ً بعلوم الشريعة
والفلسفة" .اال ان الظروف المحيطة به لم تسعفه كثيراً حين ازدادت الحمالت الخارجية
واخذت تضغط المناطق الطرفية في االندلس على المركز قرطبة فخرج عليه الفرنجة
واجتاحوا ساحل اشبونة واستمرت المعارك المتقطعة من سنة 226هجرية الى سنة 230
هجرية انتهت بنجاحه في السيطرة عليهم ،وهو أمر شجعه على تجديد الفتوحات بقصد إبعاد
المشاكل الى خارج حدوده فحاصر في سنة 231هجرية مدينة ليون لفترة بسيطة كإشارة
منه الى استعداده الى رفع وتيرة الصراع الى حده األقصى ونقل المعركة الى مناطق بعيدة.
أخافت تلك الخطوة العسكرية خصومة داخليا ً وخارجيا ً فاستقر الوضع السياسي لمصلحته الى
نهاية عهده توفي سنة 238هجرية .وقبل رحيله بسنوات أقدم على تنفيذ أمر خطير على
صعيد توازن المذاهب في االندلس حين أعلن رسميا ً عن تبني المالكية توفي االمام مالك سنة
179هجرية كمذهب وحيد للدولة .وتعكس تلك الخطوة رغبة سياسية في االنفكاك عن
السياق األموي وجذوره األولى حين تأسست الدولة االندلسية .فاالستقالل السياسي الذي
بدأه عبدالرحمن الداخل بعد خروجه من الشام حمل عناصر أموية تركت بصماتها على
مرحلة التأسيس وتمثلت في التنظيمات العسكرية والقضائية واالدارية المستندة الى مذهب
االمام االوزاعي الذي ساد بالد الشام في نهاية العصر األموي.
استمر مذهب االوزاعي يشكل قاعدة الدولة األموية في االندلس الى ان أخذ يتراجع في عهد
هشام األول 180 - 172هجرية796 - 788 /م وبدأ يحل مكانه المذهب المالكي في عهد
ابنه الحكم األول 206 - 180هجرية822 - 796 /م الى ان تحول الى مذهب الدولة الرسمي
في عهد عبدالرحمن األوسط الحكم األوسط .وساهم في عملية االنتقال المذهبي بعض تالمذة
اإلمام مالك خصوصا ً الفقيه القرطبي يحيى بن يحيى الليثي توفي سنة 234هجرية848 /م
الذي يعتبر أهم شارح لمذهب اإلمام مالك في المغرب وأبرز من ساهم في نشره في تلك
البالد.
عموما ً تعتبر عملية االنتقال الى المالكية خطوة مهمة في تكوين االنماط الفقهية في االندلس،
إذ ستشهد البالد في محطات مختلفة خالفات متنوعة على مستوى التأويالت والتفسيرات
واالجتهادات وسيكون لها دورها في بلورة الشخصية الخاصة لبالد المغرب واالندلس من
ضمنها من دون ان تنجح في كسر العالقة التاريخية والثقافية مع المشرق .فاالستقالل
المذهبي الذي أريد منه تحقيق االستقالل السياسي كان هو نفسه من العوامل التي ساهمت
في شد الرباط الديني والتبادل المعرفي مع المشرق .فالدولة التي رغبت في االستقالل الكلي
اصطدمت دائما ً في نزوع أهل العلم والدين القضاة والعلماء والفقهاء ورجال االدارة والقوات
المسلحة الى االرتباط الفكري بالمشرق.
وهذا يفسر خطوة محمد بن عبدالرحمن األوسط محمد األول حين شجع سراً في عهده على
نشر مذهب اإلمام الشافعي لموازاة نفوذ المالكية .بدأت والية محمد بن عبدالرحمن بعصيان
اهل طليطلة توليدو وتعاونهم مع الفرنجة في سنة 240هجرية .ويشكل التعاون المذكور أول
اشارة خطرة على امكانات لجوء بعض المناطق االندلسية -االسالمية الى التواطؤ مع
االفرنج لضرب الدولة المركزية بغية كسب بعض المطالب أو الحصول على مواقع افضل في
توازنات السلطة .وليس مصادفة ان تقع تلك المحاولة في طليطلة وهي مدينة تقع على
أطراف الدولة وشكلت ثغرة في توازن الحكم وحصلت فيها حركات تمرد متعددة في فترات
سابقة.
استغل الفرنجة استعداد حكام طليطلة للتعاون فأقدموا على شن سلسلة غارات بحرية على
السواحل االندلسية األمر الذي أدى الى امتداد المعارك المتفرقة .واستمر األمر الى ان نجح
األمير محمد األول في تحصين الثغور والقضاء على الفتن الداخلية في سنة 247هجرية.
وحين نجح ف ي قطع دابر االتصال بين طليطلة والفرنجة شن حملة عسكرية على بالد
الفرنجة في سنة 251هجرية مبديا ً استعداده الى نقل المعركة خارج حدود إمارته.
نجحت الخطوة في إرباك الفرنجة اال انها لم توفق في ضبط الوضع الداخلي بسبب بروز
مشكلة غير متوقعة وهي نمو ظاهرة "المولدين" وازدياد ضغطهم على السلطة واستعدادهم
للتعاون مع الفرنجة لتحسين مواقعهم في توازنات الدولة .وشهدت والية األمير محمد بن
عبدالرحمن مجموعة انتفاضات تحالف فيها "المولدون" مع الفرنجة بدءاً من سنة 251
هجرية .فحصلت واحدة في بطليوس واخرى في ماردة وواحدة في رندة وغيرها في أكثر من
منطقة واستمرت حركاتهم الى سنة 261هجرية.
نجح األمير في ضبط انتفاضات "المولدين" بعد عشر سنوات من المواجهات الدموية األمر
الذي فرض عليه تقديم تنازالت الستيعاب المشكلة وبات أكثر انفتاحا ً على العلماء والفقهاء
مستخدما ً قدراتهم النقلية وحججهم العقلية للمساعدة على ايجاد حلول شرعية لتلك المسائل
المستجدة.
وفي ظل جو االنفتاح الذي اشاعته السلطة للحفاظ على توازن الدولة اخذ المذهب الشافعي
في االندلس وهو الذي يجمع بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي ينمو بتشجيع خفي من
األمير نفسه .وساهم الفقيه القاسم بن محمد بن سيار توفي في 278 - 277هجرية- 890 /
891م في ادخال المذهب ونشره في بعض أطراف الدولة .اال ان الشافعية لن تتحول الى
مذهب شعبي وسيقتصر نفوذها في أوساط "النخبة" بسبب تبني السلطة مذهب المالكية في
احكامها ومعامالتها.
إلى جانب المالكية أهل الحديث والشافعية أهل الحديث والرأي شهدت فترة األمير محمد بن
عبدالرحمن بداية نشوء المذهب الظاهري حين أقدم الفقيه ابن مخلد توفي سنة 276هجرية/
886م على تفسير القرآن الكريم على منهج قراءة ظاهر النص ورفض تأويله وتفسيره
الكالمي أو الباطني.
أدى نمو الشافعية الى ظهور خالفات فقهية بين التيارين أهل الحديث وأهل الرأي ولعب
األمير محمد دور الحكم بينهما ،كذلك تدخل لمصلحة الفقيه ابن مخلد حين اتهم بالزندقة
فأوقف صدور حكم ضده.
وبسبب انفتاح األمير محمد بن عبدالرحمن بن الحكم على الوالة والعلماء والفقهاء وتشجيعه
التعددية المذهبية ،نجح في ضبط أمور الدولة واستيعاب مشكلة "المولدين" فاستقر حكمه
ودامت واليته 35سنة ،ارتفع خاللها خراج الدولة الى 300ألف دينار كانت تنفق كاآلتي:
مئة ألف على الجيوش الدفاع ،ومئة ألف على النواحي الواليات ،ومئة ألف توضع كاحتياط
مالي في خزانة الدولة.