Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫الممـلكة المغربيـة‬

‫وزارة السكنى و التعميـر‬


‫و سياسة المدينة‬

‫سياسة المدينة في المغرب‬


‫محمد بيضوض‬

‫تــــشــــــارك وبنـــاء تشاركي‬

‫من أجل أجرأة مستدامة‬


‫سياسة المدينة في المغرب‬
‫‪-‬األسئمة واآلفاق‪-‬‬

‫منذ تسعينيات القرن الماضي ما فتئ المغرب يشيد أوراشا إلعادة التأىيل‪ ،‬وتحسين الظروف‬
‫االجتماعية لمسكان‪ .‬وىو ما تجمى في الميزانية المخصصة ليذا الجانب (والتي تقارب نحو ‪ %55‬من‬
‫ميزانية الدولة) وتعبئة موارد وأدوات متنوعة (و ازرات‪ ،‬وكاالت لمتنمية‪ ،‬مؤسسات شبو عمومية‪،‬‬
‫جماعات محمية‪ ،)..،‬واطالق مبادرات كبرى (مثل المبادرة الوطنية لمتنمية البشرية) ألجل محاربة الفقر‪،‬‬
‫واليشاشة‪ ،‬واألمية‪ ،‬واإلقصاء‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬ىذه اإلجراءات ظمت عمى أىميتيا غير كافية لمعالجة اإلشكاليات االجتماعية المطروحة‬
‫في بالدنا‪ ،‬كما أكدت عمى ذلك عدد من التقارير الوطنية والدولية‪ .‬بما فرض التفكير في‪ :‬كيف يمكن‬
‫معالجة التدىور الحضري الذي تشيده العديد من المدن؟ وأي سياسة إلنقاذ العديد من األحياء والسكان‬
‫الفقراء من اليشاشة والفقر والتيميش؟ وكيف يمكن التنسيق بين مختمف البرامج أو القطاعات‬
‫االجتماعية؟ وأي أجيزة قانونية أو مؤسساتية يمكن استعماليا لذلك‪...‬؟ تعددت األجوبة واالقتراحات في‬
‫ىذا الصدد‪.‬‬
‫يبقى أبرزىا ىو ما عممت بو عدد من دول العالم (مثل فرنسا)‪ ،‬واقترحتو عدد من الفعاليات في‬
‫المغرب‪ ،‬وىو اقتراح تبني "سياسة لممدينة" كمقاربة مندمجة لحل ىذه اإلشكاليات المذكورة‪ .‬كيف؟ ىذا‬
‫ما سيكون مجال بحثنا في ىذه الدراسة‪ ،‬والتي سنوقف فييا عند السياق العام ليذه السياسة قبل أن‬
‫نحدد مفيوميا وأىدافيا وأجيزتيا القانونية والمؤسساتية ومضمونيا‪.‬‬
‫‪-1‬السياق والمفيوم‬
‫‪ )1‬السياق العام‬

‫إن اقتراح وضع سياسة فعالةة لممدينةة‪ ،‬يةأتي فةي سةياق عةام يفةرض التوقةف عنةده‪ .‬وىةو سةياق‬
‫سياسي طويل‪ ،‬أفضى إلى وضع اجتماعي كارثي‪ ،‬ما فتئةت تنبةو إليةو الفعاليةات السياسةية الديموقراطيةة‬
‫في المغرب‪ ،‬إضافة إلى تقارير برنامج األمم المتحدة لمتنمية‪ ،‬التي صنف آخةر تقريةر ليةا سةنة ‪1111‬‬
‫بالدنا فةي المرتبةة ‪ 131‬عالميةا عمةى مسةتوى التنميةة البشةرية‪ .‬لةن نتوقةف عنةد تفاصةيل ىةذا السةياق‪،‬‬
‫التي أضحت معروفة (تقرير الخمسةينية)‪ ،‬بقةدر مةا نكتفةي بةالوقوف عنةد بعةض المؤشةرات االجتماعيةة‪،‬‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪ ‬أن عدد الفقراء في المغرب يبمغ نحو ‪ ،%1،،1‬و أن ‪ %11‬من األسر ذات الدخل العالي‬
‫تحتكر ‪ %51،5‬من المبمغ اإلجمالي لألجور‪ ،‬و ‪ %11‬من األسر ذات الدخل األدنى يقتسمون‬
‫‪ %5،،‬من ىذا المبمغ؛‬
‫‪ ‬أن ‪ %،4‬من السكان ليم أقل من ‪ ،%11‬كما أن التغطية الصحية التشمل سوى ‪%11‬من‬
‫السكان؛‬
‫‪ ‬أن العجز السكني يقدر بنحو ‪ 411.111‬وحدة سكنية‪ ،‬وأن ‪ 1،5‬فرد يعيشون في غرفة‬
‫واحدة‪ ،‬ونحو ‪ %12‬من السكان يعيشون في األحياء الناقصة التجييز أو دور الصفيح أو‬
‫األنسجة العتيقة؛‬
‫‪ ‬أن معدل البطالة بمغ ‪ ،%8،4‬و ‪ %31‬لدى حاممي الشيادات‪ ،‬وأن ‪ %،4‬من النشاط‬
‫السكاني ىو نشاط ضعيف أو ىش (‪)le sous emploi‬؛‬
‫‪ ‬أن نسبة التعمم لدى البالغين ‪ 11‬سنوات فما فوق بمغت نحو ‪ ،%54،4‬وأن نسبة األمية بمغت‬
‫نحو ‪ ،%،3‬والسيما لدى النساء؛‬
‫‪ ‬أن المدن المغربية شيدت نحو ‪ 335,514‬مخالفة (‪ )un délit‬سنة ‪ ،1111‬بما يفيد تفاقم‬
‫حالة االنحراف الحضري؛ والعنف‪ ،‬وتكاثر المناطق الخارجة عن القانون ( ‪zones de non‬‬
‫‪)droit‬؛‬

‫تفرض ىذه النتائج‪ ،‬وغيرىا ممن ال يسعنا ذكره‪ ،‬مقاربة جديدة لمشاكل المدينة‪ .‬صحيح‪ ،‬أن‬
‫مجيودات قطاعية ىامة بذلت (إعداد الميثاق الوطني لمتعمير‪ ،‬وتكريس وحدة المدينة‪ ،‬واألخذ بمقاربة‬
‫"أجندة ‪ 11‬المحمية" في بعض المدن‪ ،‬وتنفيذ برامج "مدن دون صفيح" و"المبادرة الوطنية لمتنمية‬
‫البشرية"‪ ،‬ومحاربة األمية‪ ،‬وقيام "مؤسسة محمد الخامس لمتضامن" بتوفير عدد من التجييزات‬
‫االجتماعية عبر تراب المممكة‪ .)...‬لكن تأثير ىذه المجيودات عمى الواقع الفعمي لممدن‪ ،‬يبقى محل‬
‫نظر‪ ،‬ويفرض التفكير في سياسة جديدة لممدينة‪.‬‬

‫‪ )1‬المفيوم‬

‫لكن‪ ،‬ما معنى "سياسة المدينة"؟ يطرح ىذا المفيوم مجموعة من اإلشكاليات تتعمق بتعريف‬
‫ىذه السياسة‪ ،‬وتحديد مجال تطبيقيا‪ ،‬ودور الدولة والجماعات المحمية فييا‪ ،‬والقضايا التي ترتبط بيا‪.‬‬
‫وىذا ليس فحسب من الناحية المغوية (ارتباط مفيوم السياسة بمفيوم المدينة‪ ،‬أي ‪ ،)la cité‬ولكن من‬
‫الناحية العممية‪ .‬ذلك أن ىذه السياسة عادة ما تأخذ معاني عدة‪ ،‬وترتبط بمقاربات ووظائف أو‬
‫اختصاصات قد تمتقي أو تتنازع مع بعضيا البعض‪.‬‬
‫وىكذا فإن "سياسة المدينة" في المغرب قد تفيد عمى السواء‪:‬‬
‫‪ ‬السياسة العامة التي تباشرىا الدولة في الميادين االقتصادية واالجتماعية والثقافية عمى‬
‫مستوى المجال الحضري (دون المجال القروي)‪ ،‬وىي بذلك ترادف "السياسة الحضرية"؛‬
‫‪ ‬السياسة القطاعية التي تباشرىا وزارة معينة‪ ،‬ىي "وزارة اإلسكان والتعمير ‪ ،"..‬وتعني مجموعة‬
‫التدابير والمؤسسات والبرامج التي تطبقيا ىذه الوزارة في المدن؛‬
‫‪ ‬السياسة المحمية التي تباشرىا الجماعات المحمية عمى مستوى المدن في حدود القوانين‬
‫المعمول بيا (أي درجة الالمركزية)‪.‬‬
‫‪ ‬السياسات التي تباشرىا المصالح الخارجية أو القطاعية في كل مدينة‪ ،‬في حدود درجة‬
‫الالتمركز المتبعة‪ ،‬والتي تتعمق بمجاالت‪ :‬التعميم‪ ،‬والشغل‪ ،‬واألمن‪ ،‬والصحة‪ ،‬والثقافة‪،‬‬
‫والنقل‪...‬؛‬
‫‪ ‬السياسات أو البرامج الوطنية التي تيم المدن مثل‪ :‬برنامج "المبادرة الوطنية لمتنمية البشرية"‪،‬‬
‫وبرنامج التأىيل الحضري‪ ،‬وبرنامج مدن دون صفيح‪ ،‬وبرنامج جمع النفايات ومعالجة المياه‬
‫العادمة (‪.)...‬‬

‫وىذا إلى جانب السياسات االجتماعية‪ ،‬التي تقوم بيا عدد من الو ازرات أو المؤسسات مثل‪:‬‬
‫وزارة الشؤون االجتماعية‪ ،‬ووكالة التنمية االجتماعية‪ ،‬أو الوكاالت الجيوية لمتنمية (في الشمال‬
‫والجنوب)‪ ،‬و "مؤسسة محمد الخامس لمتضامن"‪ ،...‬والتي تصب جميعيا في المجال االجتماعي‪.‬‬
‫فأي من ىذه الوظائف أو السياسات إذن يمكن أن يدخل ضمن "سياسة المدينة"؟ من الصعب‬
‫اإلجابة عمى ذلك‪ ،‬مادامت كل السياسات ليا جانب اجتماعي مؤكد‪ .‬لكن حسب بعض االجتيادات‬
‫والتجارب المعمول بيا في عدد من دول العالم‪ ،‬يمكن القول إن سياسة المدينة ىي "السياسة التي‬
‫تباشرىا السمطات العمومية ألجل معالجة االختالالت المجالية واالجتماعية لممدن"‪ .‬وىي لذلك تتعمق‬
‫بشراكة بين الدولة (بقطاعاتيا المختمفة) والجماعات المحمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني حول‬
‫مشاريع محددة‪ ،‬تمثل نوعا من التعاقد االجتماعي‪ ،‬لصالح السكان والمناطق المتضررة من تراب‬
‫المدينة‪.‬‬
‫ىذا يفيد أن سياسة المدينة ىي ترابية‪ ،‬وارادية وعمومية‪:‬‬
‫‪ ‬ترابية‪ ،‬بمعنى أنيا تجمع عددا من الفاعمين (الدولة‪ ،‬والجماعات المحمية‪ ،‬والمصالح القطاعية‪،‬‬
‫والقطاع الخصوصي‪ ،‬وجمعيات المجتمع المدني) لمعمل في مجال ترابي محدد‪.‬‬
‫‪ ‬وارادية‪ ،‬بمعنى أنيا تتجسد في وسائل مادية وبشرية توفرىا الدولة وشركاؤىا بصفة مباشرة‬
‫لفائدة تراب معين‪ ،‬وسكان معينين‪ ،‬وذلك عمى شكل "عقد برامج" محددة‪ ،‬تضاف إلى البرامج‬
‫القطاعية‪.‬‬
‫‪ ‬وعمومية‪ ،‬أي أنيا تستجيب لنمط من التدخل العمومي في إطار استراتيجية محددة إلدماج‬
‫المجاالت الترابية المتضررة‪ ،‬في إطار سياسة شمولية إلعداد التراب الجيوي والوطني‪.‬‬

‫‪-1‬أىداف سياسة المدينة‬

‫ظيرت سياسة المدينة ‪-‬كما تبين‪ -‬خالل السنوات الثالثين األخيرة‪ ،‬كرد فعل سياسي عمى‬
‫استفحال مشاكل المدن في عدد من الدول الغربية (والسيما مع بروز مشاكل "الضواحي")‪ .‬وىو ما‬
‫فرض عمييا التفكير في وضع برامج خاصة لمواجية ىذه المشاكل‪ ،‬أعطيت ليا تسميات مختمفة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫"المدينة االجتماعية"‪ ،‬و"عقد التنمية االجتماعية لألحياء"‪ ،‬و"ميثاق جودة المدن"‪ ،‬و"التجديد الحضري"‪،‬‬
‫و"أجندة ‪ 11‬المحمية"‪ ،‬و"المخطط المحمي لمسكن"‪ ،‬و"سياسة المدينة" ‪ ،...‬وما شابو‪.‬‬
‫لكن بغض النظر عن التسميات‪ ،‬فإن أىم األىداف التي وضعتيا أغمب الدول المعنية ليذه‬
‫البرامج‪ ،‬ىي‪:‬‬
‫* التخفيف أو القضاء عمى االختالالت المجالية (الفرق بين األحياء الغنية والفقيرة‪ ،‬ومحاربة‬
‫"الكيتوات") بيدف تحقيق نوع من "االنسجام الحضري" بين مناطق المدينة؛‬
‫* تزويد المجاالت المتضررة بالبنيات والتجييزات األساسية في ميادين‪ :‬اإلدارة الترابية‪ ،‬والتربية‬
‫والتعميم‪ ،‬والثقافة والفنون‪ ،‬والتعمير والسكن‪ ،‬والصحة والبيئة‪ ،‬والترفيو‪...‬؛‬
‫* دعم التنمية االقتصادية لممناطق المتضررة‪ ،‬عن طريق إيجاد فرص الشغل‪ ،‬وتشجيع التكوين‬
‫والمبادرة‪ ،‬وتحويل ىذه المناطق من ضواحي ضعيفة اقتصاديا‪ ،‬إلى مناطق اقتصادية تساىم في التنمية‬
‫المحمية؛‬
‫* تحقيق "االنسجام االجتماعي" عن طريق إدماج المجاالت والفئات الميمشة (العاطمون‪ ،‬والشباب‪،‬‬
‫والنساء‪ ،‬والمعوقون‪ ،‬والشيوخ‪ ،‬والفقراء‪ )...‬في النسيج الحضري القائم؛‬
‫* الديموقراطية والحكامة‪ ،‬بما يفيد توسيع دائرة المشاركة السياسية (الجماعات المحمية‪ ،‬والقطاع‬
‫الخاص‪ ،‬وجمعيات المجتمع المدني‪ ،)..‬وتحسين تدبير الموارد المادية والبشرية وتكوين القدرات‬
‫المحمية؛‬
‫* تحسين صورة ىذه المناطق وجاذبيتيا‪ ،‬عن طريق تجديد نسيجيا الحضري ( ‪le‬‬
‫‪ ،)renouvellement urbain‬وتحسين إطار العيش بيا‪ ،‬وضمان األمن ومحاربة ظواىر المخدرات‬
‫والعنف (‪.)...‬‬
‫لكن السؤال الذي طرح نفسو –وال يزال‪ -‬ىو أي تراب معني بيذه السياسة أو األىداف‪ :‬ىل‬
‫ىي الضواحي فحسب‪ ،‬أم المدينة ككل‪ ،‬وأية مدينة ىذه‪ ،‬ىل الكبرى أم المتوسطة أم الصغيرة؟‬
‫إن عدم الدقة في تحديد األىداف جعل سياسة المدينة (في البمدان التي أخذت بيا عمى األقل)‪ ،‬تتوسع‬
‫عمى ثالثة مستويات‪ :‬المجال الترابي‪ ،‬والسكان المعنيين‪ ،‬والمأسسة والتنظيم‪.‬‬
‫أ‪ -‬عمى مستوى المجال الترابي‪ :‬اىتمت سياسة المدينة في البداية بمناطق أو أحياء محددة‪ ،‬سميت‬
‫"بالمناطق الحضرية الحساسة"(‪ )ZUS‬أو "مناطق اإلنعاش الحضري" (‪ )ZRU‬أو "المناطق الحضرية‬
‫الحرة"(‪ ،)ZFU‬بقصد إعادة تأىيميا وفق مؤشرات محددة (تدىور السكن‪ ،‬واليدر المدرسي‪ ،‬وارتفاع‬
‫معدل الجريمة‪ ،‬والتموث البيئي‪ .)...‬لكن ىذه السياسة سرعان ما توسعت لتشمل المدينة ككل‪ ،‬وتشمل‬
‫جميع المجاالت مثل ‪ :‬التييئة الحضرية وتدبير القرب‪ ،‬والمواطنة والوقاية واألمن‪ ،‬والعالقات االجتماعية‬
‫والخدمات العمومية‪ ،‬واإلدماج والشغل والتطور االقتصادي؛‬
‫ب – عمى مستوى السكان‪ :‬ركزت سياسة المدينة في بدايتيا عمى فئات محددة من السكان األكثر فق ار‬
‫وتيميشا (العاطمون عن العمل‪ ،‬النساء العازبات‪ ،‬الشيوخ‪ ،‬واألشخاص في وضعية صعبة‪ .)...‬لكنيا‬
‫سرعان ما تمددت‪ ،‬عمى غرار المجال الترابي‪ ،‬لتشمل سكانا آخرين (من الفئات المتوسطة‪ ،‬الذين‬
‫تدىورت أحواليم المعيشية نتيجة األزمات االقتصادية واالجتماعية)‪ ،‬وفي النياية كل سكان المدينة‪.‬‬
‫كما أن تدخل الدولة لم يعد يشمل المواطنين بشكل عام فحسب (توفير البنيات والخدمات العمومية‬
‫لمجميع)‪ ،‬بل أصبح يشمل كذلك تحسين الوضع الشخصي لكل مواطن (أخذ بعين االعتبار خصوصيات‬
‫الحاالت وتنوع المشاكل‪ ،‬وبالتالي إيجاد الحمول المالئمة لكل فرد)؛‬
‫ب‪ -‬عمى مستوى المأسسة والتنظيم‪ :‬تجسدت سياسة المدينة أساسا في خمق مؤسسات وابرام تعاقدات‬
‫جيوية ومحمية‪ ،‬مثل ‪ :‬عقد الدولة والجية (والسيما ما يتعمق منيا بالتجديد الحضري واإلدماج والتطور‬
‫االقتصادي والتنشيط الجيوي‪ ،)..‬وعقد المدينة (والذي يتضمن إضافة إلى ما سبق بعض التدقيق‬
‫يشمل‪ :‬المخططات المحمية لمسكن‪ ،‬والعقود التربوية المحمية‪ ،‬والبرامج المحمية لإلدماج‪ ،‬والعقود‬
‫المحمية لألمن‪ ،)،...‬ومجالس األحياء‪ ،‬والميثاق المحمي لألمن أو التربية‪ ،..‬وعدد من المبادرات‬
‫األخرى مثل ‪ :‬مبادرات اإلدماج‪ ،‬وأشغال القرب‪ ،‬ودور الجمعيات‪ ،‬وتقديم اإلسعافات الضرورية‬
‫لممحتاجين أو المرضى‪ ،..‬وغير ذلك من المبادرات التي سنعود إلييا بعد حين‪.‬‬
‫يبقى كيف يمكن ترجمة ىذه المقاربة االجتماعية في الواقع المغربي؟ ىذا ما حاول المسؤولون‬
‫في المغرب القيام بو‪ ،‬حين قاموا بإعداد "برنامج المبادرة الوطنية لمتنمية البشرية"‪ .‬وىو البرنامج الذي‬
‫يمكن القول إنو يشكل نسخة مغربية لسياسة المدينة‪ ،‬كما عرفتيا فرنسا عمى سبيل المثال‪ .‬وىذا من‬
‫خالل تحديد األحياء المتدىورة‪ ،‬وتكوين القدرات المحمية‪ ،‬والعناية بالسكان األكثر فق ار وىشاشة (وفق‬
‫خريطة الفقر التي حددتيا المندوبية السامية لمتخطيط)‪ .‬وىو ما أفضى إلى نتائج إيجابية دون شك‪،‬‬
‫لكنيا لم تكن كافية؛ بما دفع الحكومة سنة ‪ ،1111‬وفي سياق الحراك السياسي واالجتماعي الجديد‪،‬‬
‫إلى اقتراح مقاربة أخرى تتعمق ىذه المرة ب"سياسة المدينة" ككل‪.‬‬

‫‪ -3‬القوانين والمؤسسات‬

‫لكن السؤال ىنا ىو‪ :‬لمن تعود –أو يجب أن تعود –سياسة المدينة؟ ىل لمدولة في إطار‬
‫سياستيا العامة أم إلى إحدى الو ازرات أم لمجماعات المحمية والمصالح الخارجية (الو ازرات القطاعية)‬
‫في إطار اختصاصاتيا الالمركزية أو الالممركزة‪ ،‬أم لكل ىذه األطراف في إطار ميام مشتركة "بين‪-‬‬
‫وزارية" ؟ اختمفت األجوبة حسب الدول‪ .‬لكن بشكل عام‪ ،‬يمكن استنتاج مسألتين من التطورات العالمية‬
‫خالل السنوات األخيرة‪ ،‬وىما ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن الدولة بمفيوميا الشمولي أو المركزي العام‪ ،‬التي كانت تخطط لكل شيء انطالقا من العاصمة‬
‫قد ولى‪ ،‬ليس فقط لثبات فشل السياسات المركزية‪ ،‬ولكن أيضا لمحدودية وسائل الدولة المادية‬
‫والبشرية‪ ،‬وعدم قدرتيا عمى تدبير كافة المجال الترابي وحل اإلشكاليات المحمية التي ما فتئت تتعقد‪.‬‬
‫وىو ما فرض عمى الدولة أن تنتقل بيذه النسبة أو تمك وحسب وتيرة كل دولة أو مجتمع‪ ،‬من دولة‬
‫مركزية إلى دولة الممركزة‪ ،‬ومن دور التحكم أو الضبط العام إلى دور التأطير أو المصاحبة وتنشيط‬
‫المجال الترابي (‪ ،)l’animation du territoire‬تاركة المبادرة لمجماعات المحمية والقطاع‬
‫الخصوصي والمجتمع المدني؛‬
‫ب‪ -‬أن السياسة التي أضحت تتطمع إلييا غالبية الدول وفق ىذا المنظور ىي "سياسة القرب"‪ ،‬والتي‬
‫تحاول أن تعطي لمفاعمين المحميين (السمطات والجماعات المحمية) دو ار المركزيا أو الممرك از أكبر في‬
‫التخطيط وادارة الشؤون المحمية في المدن والقرى‪ .‬وىذا إما بشكل مستقل في إطار االختصاصات‬
‫المخولة ليؤالء الفاعمين‪ ،‬أو ضمن شراكة فعمية مع الدولة أو فاعمين آخرين (القطاع الخصوصي‬
‫وجمعيات المجتمع المدني) في إطار "عقد‪-‬برامج" (‪ )contrats-programmes‬أو "عقد‪-‬المدن"‬
‫(‪ )contrats de ville‬أو "المشروع الحضري" و"استراتيجية التنمية الحضرية"‪ ،..‬وما شابو من‬
‫مصطمحات وبرامج؛‬
‫ىذا ما جعل العديد من الدول تسعى إلى ابتكار أجيزة تنظيمية جديدة أكثر مالئمة لتنفيذ ىذه‬
‫السياسة‪ ،‬كما تجمى ذلك في النموذج الفرنسي‪ ،‬الذي تطمبت سياسة المدينة فيو إنشاء تنظيم خاص‬
‫االجتماعية‬ ‫لمتنمية‬ ‫وطني‬ ‫"مجمس‬ ‫أو‬ ‫لممدينة‬ ‫مشتركة‬ ‫وزارية‬ ‫لجنة‬ ‫من‪:‬‬ ‫يتكون‬
‫الحضرية"(‪ ،)CNDSU‬ومندوبية وزارية مشتركة لتنمية االجتماعية الحضرية (‪ )DIDSU‬ووزارة أو‬
‫كتابة لمدولة في المدينة )‪ ،(SEDSU‬تضاف إلى المصالح الالممركزة‪ .‬وىو التنظيم الذي يمكن التوقف‬
‫عنده سريعا كالتالي‪:‬‬
‫أ‪" -‬المجنة الوزارية المشتركة" أو المجمس الوطني لمتنمية االجتماعية الحضرية‪ ،‬ىي ىيأة عميا يرأسيا‬
‫الوزير األول‪ ،‬وتضم عادة ما بين ‪ 11‬و‪ 15‬وزير يمثمون مجاالت مختمفة (الداخمية‪ ،‬إعداد التراب‪،‬‬
‫السكن‪ ،‬التربية والتعميم‪ ،‬االقتصاد والمالية‪ ،‬العدالة‪ ،‬النقل‪ ،‬الشغل والتضامن‪ ،‬التخطيط‪ ،‬التكوين‬
‫الميني‪ ،‬الثقافة‪ ،‬الشباب والرياضة‪ ،‬الصحة‪ .)...‬وتتكمف عموما بتحديد وتنشيط والتنسيق بين كل‬
‫عمميات أو سياسات الدولة في المدن‪.‬‬
‫ب‪ -‬المديرية الوزارية المشتركة‪ ،‬ىي ىيأة لتنشيط سياسة المدينة‪ ،‬السيما في جانبيا االجتماعي‪،‬‬
‫ىدفيا األساس ىو تحديد وتنسيق مجموع عمميات الدولة‪ ،‬وضمان تتبع تنفيذىا في الميدان‪ .‬وعمميا‬
‫فيي مكمفة بتدبير الصندوق االجتماعي الحضري‪ ،‬وتفادي تنازع االختصاصات بين المتدخمين‪ ،‬وانعاش‬
‫كل األجيزة والوسائل التعاقدية بين الفاعمين في المدينة‪ ،‬والمساىمة في تحديد البرامج الكبرى‪ ،‬والبحث‬
‫عن الموارد المالية لمبرامج (بشراكة مع الوزارة المكمفة بسياسة المدينة)؛ وضمان التنسيق بين كافة‬
‫الفاعمين‪...‬؛‬
‫ج‪ -‬وزارة منتدبة أو كتابة الدولة في المدينة‪ ،‬ىي إدارة مركزية‪ ،‬تتكون من عدد قميل من الموظفين‪.‬‬
‫ذات ميام تحفيزية باألساس (‪ ،)incitatives‬ىدفيا دفع كل الفاعمين الجيويين والمحميين (الو ازرات‬
‫القطاعية‪ ،‬والجماعات المحمية‪ ،‬والمجتمع المدني) إلى االنخراط في سياسة المدينة‪ .‬وىي وزارة تابعة‬
‫لوزارة اجتماعية (وزارة التضامن والتشغيل في العادة)‪ ،‬يمثميا الوالي أو العامل عمى مستوى اإلقميم‪،‬‬
‫وعمال مساعدين عمى مستوى المناطق أو األحياء المعنية‪.‬‬
‫ىل نجح ىذا النموذج التنظيمي في حل إشكاليات المدينة بفرنسا؟ ىذا ما ال نممك الخوض‬
‫فيو‪ ،‬تاركين مكة ألىميا‪ .‬حسبنا القول فيما يخص بمدنا‪ ،‬أن "السياسات االجتماعية" (حتى ال نقول‬
‫سياسة المدينة) ارتبطت فيو لمدة طويمة بعدة و ازرات كما ذكر (الداخمية‪ ،‬والتربية والتعميم‪ ،‬والشؤون‬
‫االجتماعية‪ ،‬واإلسكان والتعمير‪ ،‬والصحة‪ .)...‬لكن إذا كانت "سياسة المدينة" أضحت اليوم ترتبط في‬
‫المغرب بوزارة واحدة (ىي وزارة اإلسكان والتعمير وسياسة المدينة)‪ ،‬فإن ىذا من شأنو أن يطرح عدة‬
‫أسئمة‪ .‬وىي ذات طابع سياسي وتنظيمي ووظيفي‪:‬‬
‫‪ ‬عمى المستوى السياسي‪ ،‬ىل من شأن السياسة التي سوف تتبعيا الوزارة المعنية أن تعبر عن‬
‫سياسة وزارية مشتركة (بين‪-‬وزارية) تتعمق بالمدينة أم أنيا ستعبر عن سياسة قطاعية ترتبط‬
‫باختصاصات ىذه الوزارة عمى وجو التحديد؟‬
‫‪ ‬عمى المستوى التنظيمي‪ ،‬أي ىيكمة ستأخذىا سياسة المدينة؟ ىل ستتخذ صفة كيان جديد‬
‫(وكالة أو مؤسسة) أم أنيا ستشكل وظيفة جديدة فحسب ستضاف إلى ما تقوم بو المؤسسات‬
‫القائمة لموزارة (العمران‪ ،‬المديريات‪ ،‬المندوبيات‪ ،‬المفتشيات‪ ،‬الوكاالت الحضرية‪)...‬؛‬
‫‪ ‬عمى المستوى الوظيفي‪ ،‬ىل ستقتصر سياسة المدينة التي تتبعيا الوزارة عمى وظائفيا‬
‫األساسية (إعداد التراب‪ ،‬والسكن‪ ،‬والتييئة الحضرية‪ ،)...‬أم أنيا ستضيف إلى ذلك باقي‬
‫الوظائف (مثل‪ :‬التجييز‪ ،‬والتربية والتعميم‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والصحة‪ ،‬واإلدماج االجتماعي‪ ،‬والوقاية‬
‫من االنحراف‪ .)...‬وفي ىذه الحالة‪ ،‬كيف ستنظم عالقتيا مع القطاعات المعنية بيذه‬
‫السياسات‪ ،‬عمى المستويين التدبيري والمالي؟‬

‫‪ -،‬سياسة الشراكة‬

‫ىذا ما يطرح في رأينا إشكالية الشراكة‪ .‬ذلك‪ ،‬أنو إذا كان من المؤكد لدينا أن أي سياسة‬
‫لممدينة ال يمكن أن تكون إال سياسة وزارية مشتركة (‪ .)interministérielle‬فإن ىذا يفرض الحديث‬
‫عن ىذه اإلشكالية‪ ،‬وبسطيا عمى مستوى النقاش‪ .‬وىنا يمكن القول‪ ،‬في ضوء تجارب دولية عدة‪ ،‬بأن‬
‫ىناك عدة أشكال لمشراكات واجراءات التعاقد ونظم القيادة والتمويل ترتبط بسياسة المدينة‪.‬‬
‫‪ )1‬أشكال الشراكات‬

‫أشكال الشراكات الممكنة متعددة‪ ،‬أىميا التي تعقدىا الدولة مع الجيات والجماعات المحمية‪.‬‬
‫‪ ‬الجية ‪ :‬يمكن أن تكون شريكا أساسيا في سياسة المدينة من خالل عقد الدولة والجية‪.‬‬
‫وأشكال التدخل ىنا متنوعة ‪ :‬ففي فرنسا مثال تعتبر االختصاصات الحضرية تابعة لمدولة‬
‫والجماعات‪ ،‬والعمل االجتماعي موزع بين األقاليم والجماعات‪ ،‬فيما يعتبر إعداد الترب‬
‫اختصاصا جيويا‪ .‬أما في المغرب‪ ،‬فمم تكن لمجيات اختصاصات واسعة في التنمية الجيوية‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬تقرير "الجيوية الموسعة"" سنة ‪ 1111‬جاء ليتدارك ىذا النقص‪ ،‬حين نص عمى مسألة‬
‫"العقد بين الدولة والجية"‪ ،‬والدور المنتظر أن تقوم بو الجيات في مجال التنمية (إعداد‬
‫التراب‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والشغل‪ ،‬والتجييزات األساسية‪ ،)...‬والتي يدخل العديد منيا في سياسة‬
‫المدينة؛‬
‫‪ ‬الجماعات المحمية‪ :‬ىي أىم شريك أيضا في سياسة المدينة‪ .‬بالنظر لتدخميا في تحديد‬
‫األىداف واالستراتيجيات السيما في إطار التفاوض حول "عقد المدينة"‪ ،‬وتنفيذ ىذه السياسة‪.‬‬
‫وما يساعد عمى ذلك‪ ،‬أن الميثاق الجماعي سنة ‪ ،1118‬أعطى ليا الحق في إعداد "مخطط‬
‫جماعي" لتنمية المدينة‪ .‬بيد أن ىناك عدة مشاكل ترتبط بالجماعات تتعمق ب‪ :‬إشكالية تنفيذ‬
‫ىذه االختصاصات المخولة ليا عمى مستوى الواقع (والسيما في بعض المجاالت مثل االقتصاد‬
‫واالستثمار)‪ ،‬ونقص الوسائل المالية والبشرية‪ ،‬و صعوبات العمل الجماعي المشترك‬
‫(‪ ،)intercommunal‬إضافة إلى رفض الجماعات التخمي عن سياسة القرب التي تنيجيا‬
‫لصالح أية جية كانت (السيما وأن "سياسة المدينة" من شأنيا أن تحل محل "المخطط‬
‫الجماعي لمتنمية"‪ ،‬الذي يعود إلي الجماعات بحكم القانون)‪،‬‬

‫‪ -)1‬اتفاقيات التعاقد‬

‫ىي كذلك متعددة أىميا ما يتمثل في شكمين من االتفاقيات ‪ :‬االتفاقيات الخاصة واالتفاقيات‬
‫الممحقة‪:‬‬

‫‪ ‬االتفاقيات الخاصة ‪ :‬ىي التي يمكن أن تعقدىا الوزارة المكمفة بسياسة المدينة‪ ،‬وتتجسد‬
‫عموما في ‪" :‬عقد المدينة" التي تبرمو الدولة مع الجماعات المحمية إلنجاز عدد من البرامج‬
‫في عدد من المجاالت المتفق عمييا)‪ ،‬و"المشاريع الحضرية الكبرى" (‪ )GPU‬أو المشاريع‬
‫الكبرى لممدينة (‪ ،)GPV‬التي تيدف إلى اإلنعاش الحضري أو االقتصادي لبعض األحياء‬
‫الكبرى أو لممدينة ككل‪ ،‬بغية االرتقاء بيا‪...‬؛‬
‫‪ ‬االتفاقيات الممحقة ‪ :‬ىي التي تعقدىا باقي الو ازرات (غير الوزارة المكمفة بسياسة المدينة)‪.‬‬
‫وتتجسد في االتفاقيات بشأن البرامج التي تقوم بيا مصالحيا الخارجية أو القطاعية في‬
‫المدينة‪ ،‬والتي ترتبط باختصاصاتيا المختمفة (األمن‪ ،‬والسكن‪ ،‬والشغل‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫والتربية‪ ،)...‬والتي قد تدمج في عقد المدينة" أو تحتفظ باستقالليتيا اإلدارية والمالية‪ ،‬حسب‬
‫مستويات الالتمركز ودرجة انخراط القطاعات الوزارية ككل وتجارب كل دولة في سياسة المدينة‬
‫التي تتبعيا؛‬

‫‪ -)3‬نظم القيادة‬

‫تطرح القيادة مسألة المسؤولية‪ :‬من يقوم بماذا عمى المستوى المحمي؟ وفي ىذا الصدد‪،‬‬
‫يمكن القول إن ىناك عددا من مكونات القيادة وأشكاليا‪.‬‬

‫‪ ‬مكونات القيادة‪ :‬قد تكون سياسية (يمثميا عمدة المدينة والعامل والمسؤولين المحميين‪،‬‬
‫الموقعين عمى االتفاقيات المعنية)‪ ،‬أو تقنية (المصالح التقنية المختمفة لمشركاء)‪ ،‬أو"عممياتية"‬
‫(‪ )opérationnelle‬تضمن التنفيذ اليومي لمعمميات في الميدان؛‬
‫‪ ‬أشكال القيادة‪ :‬قد تكون متعددة وغير "ممأسسة" )‪ ،(non institutionnalisée‬تتجسد في‬
‫قيادات متنوعة عن طريق االتفاقيات الخاصة والممحقة والبرامج الكبرى (‪ .)...‬كما قد تكون‬
‫موحدة‪ ،‬تتجسد في قيادة موحدة تضمن االنسجام عن طريق "عقد المدينة"‪ ،‬وفي مؤسسة أو‬
‫بنية تجسدىا (وكالة‪ ،‬شركة عمومية‪)...‬؛‬

‫‪ )،‬التمويل‬

‫يبقى أن أىم مشكل تطرحو سياسة المدينة‪ ،‬إلى جانب مشاكل التنظيم و القيادة‪ ،‬ىو مشكل‬
‫التمويل‪ .‬إذ من يقوم بتمويل سياسة المدينة؟ نظريا ىناك العديد من الجيات التي يمكن أن تساىم في‬
‫ىذا التمويل‪ :‬الوزارة المعنية‪ ،‬والقطاعات الوزارية ذات البعد االجتماعي‪ ،‬والجماعات المحمية‪ ،‬والقطاع‬
‫الخاص‪ ،‬والمؤسسات االجتماعية (والسيما الممكية منيا مثل "مؤسسة محمد الخامس لمتضامن")‪،‬‬
‫وجمعيات المجتمع المدني‪ ،‬إلى جانب المساعدات الخارجية‪,‬‬

‫لكن السؤال‪ ،‬الذي كان –وال يزال‪ -‬يطرح ىو كيف يمكن تعبئة كل ىذه الموارد المالية لخدمة‬
‫ىدف محدد ىو "سياسة المدينة"؟ ىل يجب جمع كل ىذه الميزانيات في صندوق واحد (مثل الصندوق‬
‫االجتماعي الحضري)‪ ،‬أو اإلبقاء عمى االستقاللية المالية لكل فاعل أو شريك؟ وفي ىذه الحالة األخيرة‪،‬‬
‫كيف نضمن التنسيق وتفادي تنازع االختصاصات‪ ،‬والتنافسية‪ ،‬وبالتالي إىدار المال العام؟ ىذه ىي‬
‫اإلشكالية التي كان وال يزال يتخبط فييا تدبير الشأن المحمي‪ ،‬واختمفت اإلجابة عنيا في عدد من‬
‫التجارب العالمية‪.‬‬

‫في حالة المغرب‪ ،‬ال شك أن الضرورة تفرض عدم تكميف الدولة أعباء مالية جديدة (إنشاء‬
‫مؤسسات جديدة‪ ،‬وموظفين‪ ،‬وأجيزة‪ ،)...‬والسعي من تم إلى عقمنة استعمال المؤسسات والميزانيات‬
‫الموجودة‪ ،‬والتدقيق في اختيار البرامج وتنفيذىا‪ ،‬واالعتماد عمى الشراكة مع الجماعات المحمية والقطاع‬
‫الخاص وجمعيات المجتمع المدني‪ ،‬إضافة إلى المساعدات الدولية‪ .‬لكن إشكالية التنسيق بين مختمف‬
‫المتدخمين المذكورين في المجال االجتماعي تبقى قائمة‪ ،‬السيما حين يصر كل قطاع عمى الحفاظ‬
‫بمؤسساتو وبرامجو وميزانياتو الخاصة‪ ،‬وتعجز السمطات المحمية (العامل) عن القيام بدور التنسيق‬
‫عمى المستوى المحمي في إطار مشروع واحد لممدينة‪ ،‬كما أشار إلى ذلك تقرير االستراتيجية الوطنية‬
‫لمتنمية الحضرية سنة ‪،1118‬‬

‫‪ -5‬برمجة سياسة المدينة‬


‫ترتبط ىذه البرمجة باألىداف العامة لسياسة المدينة‪ .‬لكن‪ ،‬كيف يمكن تجسيد ىذه األىداف‬
‫عمى أرض الواقع؟ لقد سبق أن ألمحنا سريعا إلى بعض األجيزة والوسائل المعمول بيا في ىذا الصدد‬
‫في معرض حديثنا عن أشكال الشراكة واتفاقيات التعاقد ونظم القيادة‪ ،‬ونعود لنتوقف عند نوعين منيا‬
‫ىنا بتفصيل أكثر قميال ىما ‪ :‬التأطير االجتماعي‪ ،‬وتحرير المبادرة‪.‬‬
‫‪ )1‬التأطير االجتماعي‬

‫ويعني مجموعة المؤسسات التي يمكن إحداثيا‪ ،‬إلى جانب المؤسسات القطاعية الموجودة‪،‬‬
‫بيدف إنعاش التأطير والشراكة والوقاية واإلدماج االقتصادي و المواطنة والتربية وديموقراطية القرب‪.‬‬
‫وىي عمى سبيل المثال‪ :‬مجالس األحياء‪ ،‬وعقود المدينة‪ ،‬والميثاق المحمي لمتربية و السكن والثقافة‪.‬‬
‫أ‪" -‬مجالس األحياء"‪ :‬تجد جذورىا في الثقافة المحمية المغربية (الجماعة)‪ ،‬والتي نجدىا في المجالس‬
‫القروية أو الجماعية والتعاونيات المينية الحضرية (األمناء)‪ ،‬تتولى مناقشة شؤون الحي (أو الشأن‬
‫المحمي بشكل عام)‪ ،‬وترفع توصيات بذلك إلى السمطات والجماعات المحمية المعنية؛‬
‫ب‪" -‬عقد المدينة"‪ :‬وىو عقد يجمع الدولة والجماعات المحمية المعنية (والقطاع الخاص أو المجتمع‬
‫المدني) حول برامج تروم تحقيق األىداف المشار إلييا ( إعادة الييكمة الحضرية‪ ،‬واإلنعاش‬
‫االقتصادي لألحياء‪ ،‬وتحسين شروط الحياة اليومية‪ )...‬في آجال محددة‪.‬‬
‫ج‪" -‬الميثاق المحمي لمتربية"‪ :‬ييدف إلى محاربة اليدر المدرسي‪ ،‬وحماية المؤسسات التعميمية من‬
‫العنف (بعالقة مع الميثاق المحمي لألمن)‪ ،‬وتعميم التعميم (برنامج "الفرصة الثانية")‪ ،‬وتشجيع‬
‫الجمعيات التربوية‪ ،‬ودمج المدرسة وآباء التالميذ في المشروع االجتماعي الحضري‪ ،‬وادماج التعميم ما‬
‫قبل المدرسي في العممية التعميمية (‪)...‬؛‬
‫د‪" -‬الميثاق المحمي لمسكن"‪ ،‬الذي ييدف إلى إيجاد حمول عممية إلشكاليات السكن غير الالئق (دور‬
‫الصفيح‪ ،‬واألحياء الناقصة التجييز‪ ،‬واألنسجة العتيقة)‪ ،‬وتجييز األحياء الميمشة‪ ،‬إلى جانب جعل حد‬
‫لالختالالت المجالية بين األحياء أو عمى األقل التخفيف منيا ما أمكن ذلك؛‬
‫ه‪" -‬المي ثاق المحمي لمثقافة"‪ ،‬الذي إلى االتفاق حول برنامج عممي لتزويد المجاالت الترابية المحرومة‬
‫بالبنيات الثقافية األساسية (مراكز ثقافية تضم خزانات وقاعات لمعروض ومعاىد لمموسيقى والفن‪،)...‬‬
‫إضافة إلى توسيع مجال القراءة‪ ،‬ودعم اإلبداع والمبدعين (والسيما الشباب منيم)‪ ،‬وصيانة التراث‬
‫المحمي‪...‬؛‬
‫وىذا إلى جانب مواثيق أخرى ال تقل أىمية مثل‪ :‬الميثاق المحمي لألمن (الذي ييدف إلى مساىمة‬
‫كل فعاليات المدينة في الحد من جرائم العنف والمخذرات‪ ،‬إلى جانب قوات األمن)‪ ،‬والميثاق المحمي‬
‫لمصحة (الذي ييدف إلى توفير الحد المعقول من بنيات القرب الصحية) والميثاق المحمي لمبيئة (‪.)...‬‬
‫‪ )1‬تحرير المبادرة‬

‫اتخذ المغرب منذ استقاللو عددا من الق اررات التي شممت تحرير المبادرة الفردية‪ ،‬السيما في‬
‫المجال االقتصادي‪ .‬لكن وجب االعتراف أن ىذه الق اررات ظمت ضعيفة‪ .‬السيما في القطاعات‬
‫االجتماعية (التعميم‪ ،‬والسكن‪ ،‬والصحة‪ ،‬والنقل‪ .)..‬النتيجة‪ ،‬أن الضرورة أصبحت ممحة‪ ،‬لتحرير‬
‫المبادرات في ىذا الصدد‪ ،‬عن طريق خمق مجموعة من اآلليات المساعدة مثل‪:‬‬
‫أ‪" -‬المناطق الحضرية الحرة"‪ :‬التي ىي مجاالت ترابية خاصة‪ ،‬معفاة من الضرائب واألعباء‬
‫االجتماعية‪ ،‬يتم خمقيا بصفة إرادية داخل مدينة أو في ضواحييا‪ ،‬بيدف إنعاش النشاط االقتصادي (‬
‫خمق مقاوالت‪ ،‬وتوفير مناصب الشغل)‪ ،‬وتحسين جاذبية الحي أو المدينة المعنية؛‬
‫ب‪" -‬مقاوالت اإلدماج واعادة اإلدماج" ‪ :‬وىي إطار قانوني خاص‪ ،‬يتم عمى أساسو تقديم الدعم المالي‬
‫لمجمعيات (إعفاءات ضريبية‪ ،‬دعم مالي مباشر)‪ ،‬التي تقوم بإدماج الشباب ذوي التكوين المحدود أو‬
‫العاطمين لمدة طويمة أو السجناء السابقين أو المعوقين‪ ،‬في مجاالت محددة (الصناعة التقميدية‪،‬‬
‫والبناء‪ ،‬والنسيج‪ ،‬والتجارة‪)...‬؛‬
‫ج‪" -‬أوراش القرب" ‪ :‬وىي عبارة عن أوراش صغيرة لمقرب (يومين إلى شير)‪ ،‬تقوم الجماعات المحمية‬
‫أو المؤسسات المعنية بإقامتيا ودعميا لصالح الشباب (بين ‪ 15‬و‪ 11‬سنة)‪ ،‬بتأطير من الجمعيات‪.‬‬
‫واليدف ىو تمكين الشباب من أخذ تجارب في مجال العمل والتدريب عمى التنظيم واالنضباط‬
‫والمسؤولية والمواطنة؛‬
‫د‪" -‬دور الجمعيات"‪ )les maisons des associations( :‬ىو جعل مراكز الثقافة أو دور‬
‫الشباب التي تتوفر لعدد من المدن المغربية رىن إشارة الجمعيات‪ ،‬مثل جمعيات األحياء‪ ،‬في أوقات‬
‫محددة‪ ،‬بتنسيق مع المسؤولين عن ىذه المراكز أو الدور‪ .‬وذلك حتى يتسنى ليذه الجمعيات عقد‬
‫اجتماعاتيا والقيام باألنشطة التي تبرمجيا‪.‬‬
‫ه‪" -‬العناية في البيت"‪ :‬تفيد تعبئة الشباب لتقديم اإلسعافات الضرورية إلى من ىم في حاجة إلييا‬
‫في بيوتيم (المرضى‪ ،‬والعجزة‪ ،‬والمعوقين‪ ،‬والميمشين‪ .)...‬واليدف منو ىو تعزيز روح التطوع وخمق‬
‫حركة إنسانية لمتضامن الوطني بين كل الفئات االجتماعية‪.‬‬
‫وىذا إلى جانب عدد من المبادرات‪ ،‬التي يمكن ابتكارىا‪ ،‬والذي تسعى جميعيا إلى ذات‬
‫اليدف‪ ،‬وىو توفير التجييزات الكافية لألحياء الميمشة‪ ،‬و إيجاد فرص الشغل بيا‪ ،‬وتحسين قدرات‬
‫سكانيا (والسيما األطفال والشباب منيم)‪ ،‬والعناية بشيوخيا ومرضاىا وبذوي االحتياجات الخاصة‪،..‬‬
‫في إطار مشروع حضري أو سياسة مندمجة لممدينة‪.‬‬
‫خالصة‬
‫حاولنا في ىذه الدراسة التوقف عند مفيوم جديد في المجال االجتماعي ىو مفيوم "سياسة‬
‫المدينة"‪ ،‬فتبين لنا أن ليذا المفيوم سياقو التاريخي‪ ،‬الذي تجسد في المغرب في وضع سياسي‬
‫اجتماعي تسوده مجموعة من االختالالت كما أكدت عميو عدد من التقارير الوطنية والدولية‪ ،‬وىو ما‬
‫فرض التفكير في سياسة اجتماعية طموحة‪ ،‬تجمت بداية في اقتراح مجموعة من البرامج االجتماعية‬
‫في ىذا الصدد‪ ،‬قبل أن تطرح ضرورة التنسيق بين كل ىذه البرامج في إطار "سياسة لممدينة"‪ ،‬أنيطت‬
‫ميمة تحديدىا إلى وزارة معينة ىي "وزارة اإلسكان والتعمير وسياسة المدينة"‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬بالنظر إلى أن سياسة المدينة ىي في طبيعتيا –كما رأينا‪ -‬وظيفة وزارية مشتركة‪ ،‬تقوم‬
‫عمى أشكال لمشراكة والتنظيم والقيادة والتمويل والبرمجة‪ ،‬فإن السؤال الذي فرض نفسو خالل ىذه‬
‫الدراسة ىو‪ :‬ىل ستستطيع وزارة قطاعية بطبيعتيا‪ ،‬أن تنفذ "سياسة لممدينة مركبة" ومشتركة بمثل ىذا‬
‫التعقيد‪ ،‬السيما في واقع التشرذم القطاعي الحالي عمى المستويين التدبيري والمالي؟ ىذا ما حاولنا‬
‫تقديم بعض األفكار العامة بشأنو في ضوء المعطيات التي نتوفر عمييا حاليا‪ ،‬تاركين الباقي إلى‬
‫اجتيادات كل األطراف المعنية (من وزارة وقطاعات وجماعات محمية وقطاعات ومجتمع مدني)‪ ،‬والتي‬
‫نتمنى أن تظير نتائجيا اإليجابية في المستقبل‪*.‬‬
‫محمد بيضوض‬
‫*مالحظة‪ :‬احتفظنا بمراجع الدراسة لضرورة النشر‪.‬‬

You might also like