Professional Documents
Culture Documents
Khitab
Khitab
تمهيد :
اإلشهار كدعاية تجارية يشكل خطابا اقناعيا صرفا ،فهو إذا شئنا مناورة كالمية
تراود المرء عن نفسه بتوظيف الموضوع وما يستدعيه من أفكار وتعابير في نص موجز
يسعى إلى خلق على ذلك وسائل االتصال الجماهيري التي أتاحت له تطورا لم يعرفه من
قبل.
واإلشهار هو أحد األفالك المنفصلة عن األدب ،لكنه مشدود إلهي بجاذبي أسلوبية
إقناعية قوية لما يحدثه من متعة في القارئ والسامع مثله في ذلك مثل األجناس األدبية
األخرى ،وهو يساعد على فهم مختلف الصور البالغية فهما دقيقا سيما وأننا على اتصال
مستمر بخطابه في حياتنا اليومية ،لذلك صار له الحق في االنتساب إلى األدب واعتباره
خطابا أدبيا جديرا أن يتبوأ المكانة الالئقة به بجانب النصوص المقررة في مدارسنا
وجامعاتنا.
نتأمل النص يتبين أنه يعتمد في إبالغ محتواه وسيلتين متمايزتي تشكالن دليلين
متكاملين ،أولهما الدليل األيقوني أو الصور االستهاللية التي تشكل إطاللة على موضوع
النص ،إذ تشير إلى ما تزخر به مدينة مراكش من تنوع مناخي وتضاريسي وعمراني
وموقع جغرافي وعمق تاريخي ومجد حضاري يمنحها تفردا يستهوي المخاطب ويدفعه إلى
زيارتها .وثانيهما الدليل اللغوي ويشكل مرحلتي العرض والخرجة ،فأما العرض
فيستعرض معلومات إرشادية جزئية عامة عن تاريخ مدينة مراكش وجمال طبيعتها ،وتنوع
عمرانها وغنى حضارتها ،ونبوغ رحاالتها ،وهذه كلها مثيرات وجداية دعوة صريحة
لزيارة المدينة وترسيخها في ذهن المستهلك.
فتكفي مالحظ دينك الدليلين والربط بينهما للقول في إطار انطباعي .إن النص خطاب
إشهاري يتخذ الوصلة اإلشهارية إطارا لعرض منتج سياحي.
1
أنشطة الفهم :
يقدم النص تشخيصا عاما لحالة مدينة مراكش السامقة بوزنها الرمزي الضارب في
أعماق التاريخ ،إذ يعدد بؤر جاذبية فضائها الحافل بالمعالم الخالدة والجبال الشامخة،
والتاريخ الممتد بتف اصيله إلى الماضي البعيد ،إنها بهذا التشخيص تبدو كما لو أنها تتويج
جميل لمجهود رسال بارع حريص على إخراج لوحته في أبهى صورة قبل عرضها.
لقد اجتذبت مراكش وأوقعت في سحرها األسر عظماء الملوك فتنازعوا في شأنها
وتعاقبوا كسالالت على حكمها ،وتجند لصنع مجدها التليد رجال غير عاديين ،فأثثوا نسيجها
الحضاري بأفخم القصور والمساجد والحدائق والمدارس ،مما يوفر األمن وحالوة العيش
في ربوعها ،كل هذا هيأها إلعارة اسمها للمغرب حينا من الدهر ،فنالت شرف هذه اإلعارة
باسحقاق.
إن عهدها بالماء والتقدم متجذر في التاريخ ،فال مراء في أن مراكش من أكثر
الحواضر العالمية حيوية ،إذ أفلحت في تنويع مواردها السياحية (صناعة تقليدية ،فنادق
ضخمة ومطاعم ،مالعب الكولف )...وتنظيم مجموعة من األشطة التي تشمل السياحة
الرياضية ،فهي توفر للسائح فرصة مواتية لممارسة هواية رياضة الكولف ،كما تهيء
لرجال األعمال فرصة عقد مؤتمرات وملتقيات دولية ،في فنادقها الضخمة والتمتع بما لذ
في مطاعمها الفخمة ،مما يجعلها بحق عاصمة الجنوب المغربي.
بهذا التشخيص الرائع لسحر مراكش يكون النص قد اتجه إلى استدراج السائح إلثارة
عواطفه ،استهواء فكره ،ومن ثم توجيه الدعوة إليه لحط رحاله بهذه المدينة الجذابة ،معلنا
حرص اإلشهاري على خدمته وإرضائه بما يوفر له من ظروف الراحة واالستجمام
وخدمات انتفاعية أخرى.
وإذا نظرنا إلى الفعل اإلشهاري في بعده الحجاجي في النص ،فإننا سنعاين مرسال
ومتلقيا وخطابا يتكون من نسقين مختلفين :
أحدهما لساني (لغوي) صرف يتخذ الدليل اللغوي أداته المهيمنة في التبليغ .وثانيهما
أيقوني صرف يتخذ الصورة كعالمة بصرية أداته الرئيسة إلى عالم الواقع ،وحضورهما
معا بهيمنة الطرف الثاني على األول مبني على الرغبة في إعادة صياغة المعنى اللساني
(اللغوي) المثبت باللفظ ،وإضفاء الحياة والدينامية عليه فيضحي حركة مشهدية نامية ،فضال
عن إخراجه القيم المجردة من حيز ال**** إلى حيز التجلي ،فتصبح واقعا ماديا محسوسا
موازيا للخطاب اللساني فيزداد السائح بذلك وثوقا ورغبة فيما يعرضه النص على ناظر به.
ولعل هيمنة الصورة على الخطاب اللغوي في النص راجع إلى :
3
-4الوظيفة الداللية ،فالداللة –هنا -محصلة تأثير الصورة في المشاهد.
-5الوظيفة التشخيصية بفضل الصورة وتجسيدها للفكرة تتحول الموجودات الذهنية
إلى موجودات عينية مالمسة للوجود اإلنساني ،فيكون أكثر قربا منها واحتكاكا،
فتتولد لديه الرغبة في امتالكها أو االنتفاع با.
ويشكل البعد الحواري في النص بعدا ثالثا من أبعاد الخطاب اإلشهاري فيه ،إذ
تتضمن خاتمته أو خرجته حوارا صريحا باقتراضه مستمعا أو متلقيا يعلق بإيراد رأيه
الشخصي فيما يعرضه االستهالل والعرض من أفكار يروج لها النص ضمن دائرة
االستهواء الحواري أي الميل النفسي إلى المنتوج السياحي بأسس محاورة ثنائية بين متكلم
مجرد ،ومستمع غير مشخص تتدخل فيها بالغة الصورة ونلمس هذا البعد في الفعل
التبريري والفعل الطلبي الواردين في نهاية النص بما نصه لالستمتاع بهذه الثروات
المتراكمة منذ أزيد من ألف سنة ولتوفير الراحة والمتعة لحواسكم ال تتخلفوا عن حط
الرحال بمراكش.
يرافق الصورة المثبتة في صفحة الغالف خطابان لغويان ،كتب أولهما بخط
مضغوط يمتد مسند كتابته يسارا لصورة بحجم طولها في اتجاه عمودي ،ويحيل على البلد
الذي توجد به التحفة المعمارية المثبتة في الصورة ،فيما كتب الخطاب الثاني أسفل الصورة
بخط مغربي في اتجاه أفقي انحسر مسند كتابته إلى ثلث مسند الخط األول ،ويحيل على
مدينة مراكش التي توجد بها نفس التحفة المعمارية .ويقوم كال الخطابين بوظيفتين اثنتين :
أ-وظيفة ترسيخية إذ يوجهان المتلقي إلى المعنى المركزي للصورة بتعيين البند
والمدية اللذين هما موضوع الترويج السياحي.
4
فالخطاب المرافق للصورة الواردة بالصفحة ،1يحيل على الجهة المتجة لها ،وهي مديرية
إعداد التراب الوطني التي فتحت نوافذ على المجال المغربي ،وما يتمتع به من تنوع
جغرافي ومناخي كبير يمنحه تفردا عن باقي الوجهات السياحية العالمية فامتداد السواحل
المغربية بشواطئها الجميلة على طول 3533كلم بواجهتين بحريتين على البحر المتوسط
والمحيط األطلسي توفر للسائح فرصة مواتية لممارسة هواياته في السباحة وصيد األسماك
واالستجمام والصحاري الممتدة على طول األقاليم الشرقية والجنوبية تمنح الزائر متعة
مالمسة الطبيعة العذراء .أما الخطاب المصاحب للصورة الواردة بالصفحة 2فيفتح نافذة
أخرى للسائح لمعرفة ما تتمتع به مراكش ومن خاللها المغرب من مشاهد بانورامية رائعة
تؤكد ما ينعم به المغرب من حضارة الجمال وجمال الحضارة الذي تجسده األسوار المشرفة
على غابات التخيل المحاذية لجبال األطلس الكبير الشامخة بمحطاتها العليا المكسوة بالثلوج
الناصعة البياض.
هكذا يبدو الخطاب اإلشهاري في النص حديثا قائما على االستمالة واإلغراء
واإلغواء من أجل إقناع السائح ببهجة الحياة في مراكش مدينة البهجة ،وقد ساهم معجم
النص في تحقيق االستمالة واألغراء للمخاطب من خالل تواتر الحقول الداللية اتآتية :
حقل التاريخ :خالدة بمعالمهها متوغلة في التاريخ ،تنازع في شأنها الملوك ،تعاقبت
عليها السالالت الحاكمة ،الثروات المتراكمة منذ أزيد من ألف سنة ،مراكش أغارت اسمها
للمغرب...
حقل الحضارة :خالدة بمعالمها :شيد بها العلماء والصناع التقليديون والمهندسون
المعماريو والرسامون والنحاتون عبر العصور أفخم القصور والمساجد والحدائق
والمدارس ،شيدت بها فنادق ضخمة ومطاعم ومالعب الكولف.
5
فمعاينة هذه الحقول الداللية يتبين تآزرها في تلميع صورة مدينة مراكش وبناء
عالمها المثالي الذي تسود فيه السعادة ،ويعم فيه النعيم ،ال محل للمعاناة والصراعات في
رحابه ،باإلضافة إلى توجيه السائح إلى سلوك سياحي مؤطر ثقافيا واجتماعيا ونفسيا
بمنطلقات تاريخية وحضارية تجعل الخدمات االنتفاعية المبرمجة في الرحلة السياحية
مقبولة لدى السائح.
يتميز المكون اللغوي الموازي الصورة في النص بالنظر إلى نظرية الجهد األدنى
والداللة القصوى بالخصائص اتآتية :
-1بساطة الجملة وكثافة الداللة مثل :إنها اللمسة األخيرة في لوحة ال يتغير جمالها.
-2براعة االنتقال من الوصف (الفقرة األولى) إلى السرد (الفقرة الثانية والثالثة) ،ثم
الحوار (الفقرة األخيرة).
-3اإلغراق في الخيال ،ونلمسه في العبارة اتآتية " :متوغلة في التاريخ توغل
النخيل في صميم التربة.
-4استعمال أسلوب تطبعه الصنعة والمحسنات البديعية ،أي تلك التعابير الدالة
بشكلها ألنها ذات وقع جميل في النفس كذلك الوقع الذي تحدثه األطراف
المتوازنة اتآتية :خالدة ضد شامخة /تنازع ضد تعاقب /الرسامون ضد
النحاتون ،فالمستشهر نسق هذه األطراف المتوازنة على أساس االتفاق في نسق
– الصوائت (الحركات) إذ رص مقاطعها على سجع أو شبيه به أو من جنس
واحد في التصريف يتمثل في تكرار قوالبها المتماثلة ،ذلك أن كلمة "خالدة"
باعتبارها منطلقا تكررت على منوالها شامخة ،وكلمة "تنازع" تكررت على
زينتها "تعاقب" ،وكلمة "الرسامون" تكررت على منوالها "النحاتون" مما أضفى
على اإلعالن طالوة صوتية ونغمة موسيقية متجانسة ،ساهمت في إخراج
موسيقاه إخراجا جميال عذبا لذيذا يعمل على زيادة الرنين في تلك األطراف
6
المتوازنة ،وإشباع النغم في األذن فضال عن القيمة الداللية المواكبة إليقاعها
الصوتي.
-5حضور الفعل الطلبي المباشر المؤكد بما ال يحتمل الصدق أو الكذب ،ونلمسه في
الجملة األخيرة من النص "ال تتخلفوا عن حط الرحال بمراكش".
-6تجريد الجمل االسمية الواصفة من قيمتها الزمنية إلبراز خصوصية مدينة
مراكش الثابتة وتشخيص سحرها الدائم الذي يلتبس فيه الحقيقة بالخيال ،والواقع
بالحلم والمرئيات باألسرار وهو ما نلمسه مثال في الجمل اتآتية" :مراكش خالدة
بمعالمها ،شامخة شموخ جبال األطلس ،متوغلة في التاريخ توغل التخيل في
صميم التربة".
-7غياب ضمير المتكلم أو الضمير المحيل على الجهة الناطقة في النص لكي ال
يكون القول ذاتيا يسهل دحضه.
-8توظيف ضمير الغائبة بوصفه مشيرا لمدينة مراكش ،فهذا الضمير ساهم في
تصعيد االنفعال بروعة وعظمة هذه المدينة ،إذ يتجدد هذا االنفعال عند كل
مضمون مخالف ،وكأن هذا الضمير منبه يثير متلقيه ويعمق فيه اإلحساس بهذه
العظمة ،ويصبح المتلقي معه أمام درجات وإشكال من الروعة والعظمة ال أمام
روعة وعظمة واحدة ،فهذا الضمير يستقطب جميع األسماء واألفعال التي ترتد
إليه بما يضمن الوحدة العضوية للنص.
-9توظيف ضمير الجمع المخاطب لتعميم الرسالة اإلشهارية ،وتوليد الشعور بمتانة
العالقة ،خلق جو من األلفة واالطمئان بين المشهر والمشهر لهم.
-13اإليجاز واالختصار في العبارة اللغوية.
-11البعد اإليحائي للغة النص ،ونلمسه في العبارة اتآتية" :إنها اللمسة األخيرة في
لوحة ال يتغير جمالها ففي هذا التركيب اللغوي تتبدى مراكش في صورة لمسه
أخيرة لرسام بارع عاكف على إخراج لوحته بدقة وشاعرية تدخل المشاهد إلى
أجواء الجمال والرومانسية الحالمة والحلم األسطوري ،فالنص وظف في هذا
التركيب اللغوي االستعارة كحلية بالغية إلظهار مراكش في صورة لمسة أخيرة.
7
الجانب اإلقناعي في النص :
يسير هذا الجانب في النص بالحضور المكثف للجمل الخبرية المواجهة إلى الوصف
والسرد ألنها الحمل القادرة على بعث الصورة المثالية لمدينة مراكش في نفوس الجمهور،
وخلق جملة التصديقات التي تهيئهم لإلقتناع بروعتها وجاذبيتهم ،فمن الجمل الخبرية
الموجهة إلى الوصف نورد ال جمل اتآتية " :مراكش خالدة بمعالمها ،شامخة شموخ جبال
األطلس .موغلة في التاريخ توغل النخيل في صميم التربة."..
فبمعاية هذه الجمل يتبين اصطياد اإلشهاري النعوت المناسبة إلبراز روعة مدينة
مراكش ،ذلك أن النعوت الوصفية المتواترة فيها تمنح الكلمات الواصفة صفا من األحكام
القيمية الهادفة إلى تعديل إدراك المتلقي وأحكامه عل مراكش ،ومن الجمل الخبرية الموجهة
إلى السرد نستعرض الجمل المتواترة في الفقرة الثانية "تنازع في شأنها عظماء الملوك
وتعاقبت عليها السالالت الحاكمة ،وشيد بها العلماء والصناع ...عبر العصور أفخم القصور
والمساجد والحدائق والمدارس."...
فاإلشهاري يستحضر من خالل هذه الجمل بعض األحداث لصنع الحجة القاطعة،
كما يستحضر من خاللها رجاال غير عاديين إلضفاء لجالل والوقار والمهابة على مدينة
غير عادية ،إلى جانب األشكال المنطقية السابقة نجد أيضا في النص منطق االقتران
الضم ني الذي يعتمد الشبيه والمماثلة كحلية بالغية في غياب المماثل والمشبه به ،وهو ما
نلمسه في قول اإلشهاري "ال تتخلفوا عن حط الرحال بمراكش" بحيث إن العالقة بين
المشبه أي الجهة المخاطبة المحال عليها بضمير الجمع المخاطب والمشبه به الضمني
"الرحالة" مباشرة لكنها تستنبط من سياق التشبيه.
إن البالغة ال تقف عند حدود النص اللغوي المكتوب في النص ،بل إن الصورة
أيضا تتضمن أحداثا بالغية ،وهذا يعني أن الصور المصاحبة للدليل اللغوي في النص
تحتاج لقراءة خاصة.
8
فبتأمل الصورة األولى يتبين أنها صورة أيقونية ،دعامتها ورقية ،التقطت بآلة
تصوير عن قرب من زاوية أمامية ،إضاءتها نهارية طبيعية خارجية وموضوعها عمراني
سياحي ،فهي تعرض تحفة معمارية فذة عبارة عن باب منفتح على أشجار ذات أوراق
كثيفة ومزهرة ،مادته من خشب الصفصاف تشتد ألواحه بخشب المشمش والجوز المتين،
تنتصب بشموخ تحت قوس نصف دائري منفوخ شبيه بحدوة الحصان مزين بنقوش أزهار
من الحجر المنجور الرفيع ،مستوحاة من الطبيعة ،ويحميها من األمطار والثلوج ،سقف
مائل أحدب قرميدي متوج بقراميد مسننة يتكئ على سقيفة خشبية تسربلت واجهتها
الخارجية بمتتالية من األقواس الصغيرة المعقودة والمتشابكة على رصيفة تقليدية لحجب
الدعامة الخشبية المثبتة بعمودين خشبيين مائلين على سور أحمر مبني بالتراب المدكوك أو
التابوت الذي يذكر المشاهد بفضاء الصحراء ،وتتذيل الصورة المركزية بصورة مصغرة
تحيل على المكتب الوطني المغربي للسياحة الذي يتخذها عالمة إشهارية ،وتختزل ما
تزخر به مراكش من تنوع جغرافي ومناخي وتضاريسي فالموجة الزرقاء ترمز إلى فضاء
البحر .فيما يرمز الباب المقوس إلى العمارة اإلسالمية ،وأما السور األحمر فيرمز إلى
فضاء الصحراء ،وهما معا يظهران مراكش كقطعة تاريخية في صورة مدينة حافلة بالمعالم
التاريخية ،فيما يظهرها النخيل بمالمح واحة فيحاء تزهو ببساتين النخيل.
ومعاينة الخريطة الواردة في الصفحة األولى يتضح الموقع الجغرافي المميز لمدينة
مراكش .تشير إلى وقوعها بين سفوح األطلس الكبير ،وطالئع الكثبان الرملية لورزازات
والواجهة البحرية األطلسية مما جعلها ملتقى تضاريس متنوعة تمنحها تفردا عن باقي
الواجهات السياحية الوطنية والعالمية.
9
المستطيلة ومكعباتها اإلكليلية المنتصبة كتيجان تزيدها مهابة وجالال ومظهرا منفيا لم يغير
التاريخ أديمها أو لونها األحمر القريب من لون بشرة المراكشيين المتألقة مع الشمس
المسامتة لألسوار معظم العام ،إنه لون الدفء الذي قد يرمز له هذا اللون الساخن أو لو
الوفاء ليوسف بن تاشفين مؤسس هذه المدينة الجليلة.
وتتشارف هذه األسوار بساتين النخيل المترعة بمياه الواحات المنحدرة إليها من
جبال األطلس الشامخة الباذخة والمسربلة بضباب حليبي اللون عند الفجر جعل مراكش
أكثر روعة من الحلم ،فما حقيقة هذه المدينة؟ أهي ميدنة جبلية؟ أم واحة رملية؟ أم سهل
منبسط؟ إنها كل هذا والصورة خير شاهد على ذلك.
مكنتنا األنشطة السابقة من مالمسة الخطاب اإلشهاري ،وقد تبين أن لهذا الخطاب
بنية ثالثية تتكون من اإلشهاري والمستهلك والمنتوج ،كما أن له ثالثة أ بعاد :بعد تأثيري
يقوم على مبدأ الترويج بمنتج معين ،وبعد خطابي يخاطب في إطاره متكلم مجرد متلقيا غير
مشخص بخطاب يؤلف بين الدليل اللغوي والدليل األيقوني وصيغ صهرهما ،باإلضافة إلى
البعد الحواري الموجه إلى االستهواء الحواري بأسس محاورة ثنائية بين مرسل ومتلق
تتدخل فيها بالغة الصورة ،كما أتاحت لنا األنشطة السابقة معرفة معجم النص وحقوله
الداللية ودورها في تجسيد وظائف الخطاب اللغوي المصاحب للصورة ومنها الوظيفة
الترسيخية ووظيفة الدعم فضال عما يتميز به هذا الخطاب من خصائص نوعية تتمثل في
المزج بين معطيات تاريخية وطبيعية وحضارية وعمرانية واقتصادية واستثمار وسائل
االستدالل المنطقي ،والمزج بين األسلوب الخبري واإلنشائي وتوظيف الصور البالغية
والمحسات ذات األثر النغمي.
10
المرأة العربية واإلعالم
بتأمل عنوا النص يتضح أن له معنى متصال بانتظارات المرأة العربية من اإلعالم
ومراهنتها عليه للتبشير بآمالها وتعزيز حقوقها ،وكشف ما ينطوي عليه واقعها من أخطار.
وبمالحظة عنوان مصدر النص نستشف أن النص تحرير صحفي يندرج ضمن
تغطية صحفية لحدث متميز ،قامت بهذه التغطية جريدة الصباح التابعة لوكالة المغرب
العربي لألنباء في إطار اهتمامها كمنبر إعالمي بقضايا المرأة واإلعالم.
وبمعاينة الفقرة األولى من النص يتبين أنها تقدم وصفا زمنيا ومكانيا ألشغال ندوة
"المرأة العربية واإلعالم" إذ تشير إلى موضوع الندوة وتاريخ ومقر عقدها واألطراف
المشاركة فيها ،وبعض التوصيات التي أصدرها القائمون على تنظيمها ،ومنن أبرزها
"تأهيل النساء العربيات من أجل تحسين أداء وسائل إلعالم في التعامل مع المرأة" العربية
فيكفي التقاط هذه المشيرات والربط بينها للقول في إطار انطباعي أولي وساذج ،إن النص
11
تقرير صحفي يتخذ المقال اإلخباري إطارا لتغطية أشغال حدث وازن في الساحة العربية
والدولية.
يستعرض النص أشغال الندوة الدولية التي عقدها مركز المرأة العربية للتدريب
والبحوث بشراكة مع اليونفم سنة 2336بمقر جامعة الدول العربية حول المرأة العربية
واإلعالم ،وقد تميزت أعمال هذه الندوة بإصدار مجموعة من التوصيات الداعية إلى اتخاذ
جملة من التدابير القمينة بتحسين صورة المرأة العربية في وسائل اإلعالم وتعزيز مكانتها
في الحقل اإلعالمي ،وقبل أن يختم التقرير ديباجته بتشخيص المأزق اإلعالمي وعقم هذا
القطاع في التعاطي لشؤون المرأة عبر ،التقرير ،عن مساندته لها في مطالبتها بحماية القيم
وإعالء قيمة العلم في المواد اإلعالمية.
12
-استياء التقرير من هضم حقوق المرأة اإلعالمية وتهميشها رغم كفاءتها المهنية
وحضورها ا لقوي في وسائل اإلعالم.
-مساندة التقرير للمرأة في مطالبتها بحماية القيم وإعالم قيمة العلم في المواد
اإلعالمية.
-اتهام التقرير وسائل اإلعالم بضيق األفق وقلة الخبرة ،والكفاءة المهنية،
واالفتقار الستراتيجية ورؤية واضحة في التعامل مع قضايا المرأة.
حقل المرأة :المرأة العربية ،النساء ،تأهيل النساء اإلعالميات العربيات ،للنهوض
بالمرأة ،اإلعالميات ،صورة المرأة ،بقدرات المرأة على اإلسهام في الشأن العام وعلى
التفوق اإلبداع ،الصورة اإليجابية للمرأة ،عاملة ،قادرة على القيادة ،متعلمة ومتفوقة ،ذات
أخالق عالية مكافحة ،قضايا المرأة...
حقل اإلعالم :اإلعالم وسائل اإلعالم العربية ،اإلعالميات ،اإلعالم العربي وسائل
اإلعالم ،المؤسسات اإلعالمية ،سياسات إعالمية ،األعمال الصحافية ،المواد اإلعالمية،
الصحافة ،الخبر ،األجناس الصحافية األخرى ،المواد ،الفضائيات هذه المواد ،موضوعيتها
والتزامها...
فبمعاينة هذين الحقلين الدالليين يتبينن إن عالقة اإلعالم بالمرأة تتسم بالشطط
والتهميش والتجرد من المسؤولية.
13
-استعمال لغة وسطى بين لغة التخاطب اليومي وبغة األدب.
-إثارة قضية اجتماعية وأفكار تشجع على الحوار الديمقراطية بين الجنسي
وتعزيز حقوق المرأة.
-تقرير صحفي العناية بالخبر ورصد تفاعالته ما عدا المقال.
-عمود صحفي اقتصار معد التقرير على وصف أشغال الندوة من الخارج أي
دون أن يسمح النفعاله الخاص بالتسرب وهو يستعرض ديباجته.
-اعتماد ما عدا المقال السرد المباشر للخبر الذي ساهم األداء اللغوي في تجسيده
عبر استخدام أفعال تنهض بوظيفة السرد لضما التدرج واالسترسال والربط
العضوي بين مكونات الحدث ،فالربط بين الوقائع التي يتناولها التقرير بواسطة
األفعال هو الذي أتاح معرفة مسار الخبر وتطوره من بدايته إلى نهايته ،كما أتاح
تقديم مجموعة من المعلومات حول وقائع الندوة في حركيتها الديناميكية.
-ترتيب األفكار على شكل جمل خبرية تتصدرها مركبات فعلية ذات وظيفة
سردية قمينة بأن تحقق االتساق بين عناصر الخبر المنقول في النص من قبيل
"دعا التقرير ،كما دعا ...وأوصى التقرير ...وحث على ...ويشير التقرير..
وخلص التقرير....
-تحري الدقة والمنطق في نقل المعطيات الموضوعية واإلحصائية كما هو واضح
في ديباجة التقرير بما نصه" :وأفادت بحوث عربية ..استند إليها وأضعوا
التقرير أن نحو أربعة أخماس من ما يقدم عن المرأة وهو صورة سلبية تقليدية".
-اختيار المصطلحات المتداولة في حقل اإلعالم من قبيل :اإلعالم ،وسائل
اإلعالم ،المؤسسات اإلعالمية ،األعمال الصحافية ،الفضائيات ،الخبر ،األجناس
الصحافية...
-اعتماد الوصف التفصيلي لمعطيات الحدث بالتركيز على الوصف الزمني
والمكاني والجوانب الجوهرية المرتبطة به.
-معالجة الخبر وصفا وتفسيرا ونقدا ،فمن مظاهر الوصف في النص استخدام لغة
واصفة لزمان ومكان عقد الندوة ،كما جاء في مقدمة التقرير بما نصه "خالل
14
افتتاح ندوة" المرأة العربية واإلعالم " المنعقدة بمقر جامعة الدول العربية في
القاهرة ...الذي تم إطالق نسخته األولى سنة 2336أول أمس األحد".
ومن مظاهر الشرح والتوضيح والتفسير في النص استخدام التقرير الشرح التعليلي،
ونلمسه في الفقرة الثانية من ديباجته والتي توصي ب "إنشاء عالقات شراكة بين
اإلعالميات وهيئات إلجازة األعمال الصحافية الجيدة التي تتحدث عن المرأة".
ومن مظاهر حضور النقد في النص توجيه التقرير النقد لوسائل اإلعالم لسوء
تغطيتها لشؤون المرأة وهو ما نلمسه في خاتمة التقرير التي أكد فيها "أن المواد التي تنشر
في وسائل اإلعالم عن المرأة هي مواد قليلة على العموم وال تلبي حاجياتها وال تساعدها
على التأقلم مع محيطها ...وتفتقر إلى استراتيجية واضحة في التعامل مع قضايا المرأة".
-اشتمال النص /التقرير على عناصر الميثاق المرجعي لتضمنه جملة من المشيرات
الدالة على التطابق بين األحداث والوقائع والمعلومات التي يتضمنها التقرير والواقع الذي
يحيل عليه ،فمن أبرز المشيرات الواردة في النص نستعرض المشيرات اتآتية :
15
-ترتيب األفكار على شكل جمل طويلة تحاور ذهن القارئ كإجراء خطابي في
النص إلقناعه بضرورة تعزيز حقوق المرأة وتحسين صورتها في الوسط
اإلعالمي.
-تنويع األساليب الحجاجية في النص وإخضاعها لضوابط منطقية وضوابط لغوية،
فمن الضوابط المنطقية التي وظفها التقرير ،استخدام الحجة األصلية وتعزيزها
بمقدمات إضافية قصد تقوية صحتها ،ويعني ذلك أن الحجة ال تكتمل إال بعد
إدراج المقدمات لتطعيمها ،ويتضح ذلك بجالء في الفقرة األخيرة من النص ،أما
األساليب الحجاجية التي تخضع لضوابط لغوية فكثيرة في النص نجملها في
اتآتي :
-األسلوب التقريري :ومن مظاهره في النص ممايلي :
*إطراد أفكار النص وترتيبها ترتيبا منطقيا ومتسلسال يحدث في القارئ تأثيرا،
ويوصل إليه األفكار الهامة ويقنعه بها.
*ندرة األساليب البالغية كصنف خطابي يسمو بلغة النص إلى المستوى المجازي
واألناقة اللفظية المؤثرة في القارئ بمظهرا الجمالي.
مكنا هذا النص /التقرير الصحفي من الوقوف على الكيفية التي يتعاطى بها اإلعالم
لشؤون المرأة ،وقد تبين تقاعس هذا القطاع عن النهوض بها ،وتعزيز حقوقها وتقديم
صورة إيجابية عنها مما حدا ببعض الفعاليات إلى توجيه اإلعالم لتصحيح عالقته بالمرأة
عبر إصدار مجموعة من التوصيات استفاض التقرير في عرضها بواسطة معجم استمده
من الحقل المعرفي المعاصر بما فيه حقل اإلعالم موظفا في ذلك لغة تتسم بالمباشرة
والتقريرية فضال عن استخدامه بعض األساليب الحجاجية بصورة المنطقية واللغوية.
16
وباختصار شديد فقد نجح التقرير في تقديم صورة واضحة عن واقع اإلعالم العربي
وسوء تغطيته لقضايا المرأة بالقدر الذي يجعل النص مرجعا لكل دارس مهتم بشؤون المرأة
وكيفية تعاطي اإلعالم لقضاياها.
-األسلوب التقريري :هو األسلوب الذي تستعمل فيه اللغة األحادية المعنى ،والدقيقة
األداء لبناء المعارف.
17
حقيقة المواطنة لألستاذ الباحث عبد القادر العلمي.
بتأمل عنوان النص 2يتبين أنه ذو بنية تركيبية مفتوحة ،إذ يتكون من مركب إضافي
أضيف فيه المبتدأ النكرة (حقيقة) إلى لفظ المواطنة الذي رفعه إلى مقام التعريف ،وآزره
في تحديد مجال الخطاب الذي يتصل بمفهوم المواطنة باعتباره مفهوما سياسيا حديثا يعني
في مجمله انخراط المجتمع بكل مكوناته في تدبير شؤونه في إطار ديمقراطية تشاركية بين
المواطن والدولة ،يتنفس في مناخها المواطنون هواء الحرية وينعمون بالمساواة في الحقوق
الواجبات.
وبمالحظة الفقرة األولى واألخيرة من النص يتضح أن لكل منهما معنى متصال
بمفهوم المواطنة ،إذ تشير الفقرة األولى إلى التعريف األمثل للمواطنة التي تعني إشراك
المواطن في الحكم ،فيما تشير الفقرة األخيرة إلى ثمار هذه المشاركة الكفيلة بتسريع وثيرة
تطور المجتمع وتحضره.
فتكفي قراءة العنوان وربطه بتينك الفقرتين للقول في إطار انطباعي ،إن النص مقالة
سياسية ينظر فيه ا الكاتب لمفهوم المواطنة ويبادر إلى بث تعاليمها وينادر إلى انطالقا مما
هو متداول في الخطاب السياسي المعاصر.
يناقش النص مفهوم المواطنة ،ويحدد شروطها ودورها في البناء الديمقراطي لدولة
المؤسسات عبر مسار متجدد ومتواصل تلتحم فيه إرادة الدولة مع إرادة المواطن لتهيء
الظروف المالئمة لترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع في إطار الشرعية الدستورية،
وهو ما يستوجب الوعي بمقومات المواطنة واإلحساس بالفطرة وباالكتساب بالمسؤولية
والتزام بالواجبات نحو الوطن.
18
أنشطة التحليل :
تدرج النص في التنظير لمفهوم المواطنة من خالل إثارته لألفكار اتآتية :
ضرورة التزام الدولة بخدمة المواطنين والسهر على أمنهم واستقرارهم وتوفير
احتياجاتهم الفردية والجماعية وتنظيم شؤونهم العامة.
تجاوز مفهوم الوطن االعتبارات الشكلية ليشمل تمثل المواطنين مجموع القيم
والمبادئ والقضايا المعبرة عن إرادتهم المشتركة.
-3المواطنة ليست ماهية ثابتة ،وإنما هي بناء تاريخي مستمر ومتواصل وممارسة
للحكم على أساس ديمقراطية تشاركية تكفل المساواة في الحقوق والواجبات.
-5دعوة الكاتب إلى إشراك مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني في تعزيز روح
المواطنة لدى المواطن لإلرتقاء بالمجتمع وتسريع وثيرة تحضره يتمحور معجم النص حول
الحقلين الداللين اتآتين :
حقل الوطنية :المواطن ،الوطن ،الوالء الكامل للوطن ،االنتماء للوطن ،الوالء
للوطن ،الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه ،الشعور باالنتماء ،التعلق بالعاطفي بالوطن...
وبمعاودة النظر في الحقلين الدالليين يتضح أن العالقة بينهما عالقة تضمن ،إذ
يتضمن حقل المواطنة بالمفهوم الذي يتصوره الكاتب خصائص مفهوم الوطنية ،فالمواطنة
أعم من الوطنية ،فهما وإن كانا يرجعان إلى أصل اشتقاقي واحد ،مما قد يتسبب في التداخل
واللبس بينهما في ذهن المواطن العادي (و.ط.ن) إال أن المواطنة تدل بصيغتها الصرفية
على المشاركة في الفعل أي إنها فعل تشاركي بين الدولة والمواطن مما يجعلها مسؤولية
مشتركة بينهما ،في حين أن الوطنية هي مجرد صفة مالزمة للرابطة التي تجمع المواطن
بوطنه إنها وضعية جاهزة يتجسد فيها التعلق العاطفي الفطري بالوطن ،ومن ثم فإن
المواطنة هي اإلرتقاء بالوطنية من االرتباط العاطفي بالوطن واإلحساس الفطري باإلنتماء
إليه ،إلى مستوى الممارسة والوعي والتشبع بقيم الديمقراطية واإلقرار باإللتزامات
والواجبات نحو الوطن مما يعني أن المواطنة أسمى من الوطنية ،ويمكن اختزال الفرق بين
ذينك المفهومين في الترسيمة اتآتية :
الوطنية المواطنة
20
إن حرص الكاتب على إقناع القار بحقيقة المواطنة وما يرتبط بها من مصطلحات
ومفاهيم سياسية دفعه إلى اتخاذ مسار حجاجي رتب فيه أفكاره وحججه في ضوء األسلوب
االستنباطي ،إذ انطلق من تعريف مفهوم المواطنة في ضوء الحراك االجتماعي والمخاض
السياسي الذي عرفه المغرب مؤخرا وسائر البلدان العربية ،ثم حدد شروط المواطنة المثالية
ودورها في البناء الديمقراطي لدولة المؤسسات عبر مسار متجدد ومتواصل تلتحم فيه إرادة
الدولة مع إرادة المواطن لتهييء الظروف المالئمة لترجمة مفهوم المواطنة على أرض
الواقع في إطار الشرعية الدستورية وهو ما يستوجب الوعي بمقومات المواطنة واإلحساس
بالفطرة وباالكتساب بالمسؤولية وااللتزام بالواجبات نحو الوطن وبناء على التمثل الجيد
لهذه اتآليات الضامنة لتجسيد قيم المواطنة على أرض الواقع خلص الكاتب إلى ما تثمره
المواطنة الحقة من ثمار ومكاسب تساهم في تسريع وثيرة ارتقاء المجتمع وتحضره.
إن توسع الكاتب في تأصيل مفهوم المواطنة يعكس حرصه الشد على إقناع القارئ
بتحمل المسؤولية الوطنية ،واتخاذ القرارات المصيرية المساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي،
وقد أكد هذا الحرص باستخدامه اتآليتين اتآتيتين :
-آلية االعتقاد وهي اتآلية التي استخدمها الكاتب لبلورة أطروحته حول مفهوم
المواطنة ،وتتلخص في قناعته بأن المواطنة تعني المبادرة الطوعية الفردية والجماعية
للمشاركة اإليجابية في الشأن العام عبر مسار تاريخي مستمر ومتواصل وفي إطار
ديمقراطية تشاركية تلتقي في مناخها إرادة المواطن مع إرادة الدولة في االلتزام بواجبات
كل طرف نحو اتآخر ،كما يحددها القانون.
-آلية االنتقاد وهي اتآلية التي استخدمها الكاتب لهدم األطروحة .النقيض التي يتبناها
بعض النخب السياسية التقليدية أو المواطنون العاديون ،فالمواطنة برأيهم وضعية جاهزة
يمكن تجليا بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك تماما كالوطنية ،وهي أيضا الوالء
الخالص للوطن على أساس قبلي عشائري وحزبي واالرتباط الوجداني الفطري به ،والتعلق
21
العاطفي المختزل التعلق بحيز جغرافي وعلم يرفرف فوق البنايات الرسمية في غياب القيم
والمبادئ والقضايا التي تعكس إرادة األمة.
وإذا كان لهاتين اتآليتين دور بارز في تحديد المسار الحجاجي المعتمد في النص،
فإن دراسة هذا المسار لن تكتمل إال باستحضار أساليب الحجاجية الموظفة فيه ومنها
األساليب اتآتية :
-التعريف :
بذل الكاتب وسعه في العناية بالصياغة المضبوطة لمقاصده بما يمكن القارئ من
إدراك المعني الذي يريده ،إذ فسر مفهوم المواطنة الذي يبدو له عصبا على فهم القارئ أو
ملتبسا عليه وذلك في قوله " :إن المواطنة الحقة ليست وضعية جاهزة ...وإنما هي سيرورة
تاريخية ودينامية مستمر وسلوك يكتسب ...وهي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ
والقواعد وفي إطار مؤسسات وآليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع"
والالفت لالنتباه في هذا التعريف أن الكاتب عرف مفهوم المواطنة على مرحلتين ،مرحلة
التعريف بالخاصية السلبية أو بالشيء وذلك في قوله "إن المواطنة ليست وضعية جاهزة".
ثم مرحلة التعريف بالخاصية اإليجابية أو بصيغة اإلثبات لضرب النفي ،وهو ما
يسمى عند الماطقة بضرب النفي باإلثبات ونلمسه في قوله الكاتب :
"وإنما هي سيرورة تاريخية ودينامية مستمرة وسلوك يكتسب" وقد ساق الكاتب هذا
التعريف إلبطال التعريف األول الذي تزعمه النخب السياسية التقليدية وتصحيح تصور هذه
الماهية المواطنة وحقيقتها.
-تخصيص الحكم ،ثم تعميمه وهو أن يدلي الكاتب بأقواله على مرحلتين :
مرحلة التخصيص وفيها يأتي الكالم خاصا بالمغرب ،كما في قول الكاتب " :مع
تنامي حركة التغيير في المغرب"ومرحلة التعميم وفيها عمم الكاتب المعنى الخاص وذلك
في قوله "وفي باقي البلدان العربية."...
22
-الشرح الوصفي :ونلمسه في قول الكاتب " :إذ أن صفة" المواطن" ال تعني فقط
االنتساب للوطن واالرتباط به ،وإنما هو بهذه الصفة عنصر فاعل في مختلف
المجاالت ،له كيانه المستقل وقناعته الخاصة".
-التركيز على معنى معين لمفهوم المواطنة باعتباره التعريف األمثل وإهماله بقية
المعاني ،ومنها المعاني التي تتمثلها النخب السياسية التقليدية والمواطنون
العاديون.
-تبرير المواقف بغاياتها :ونجده في قوله الكاتب "وإذا كانت كل هذه القنوات
تتكامل أدوارها في إشباع األجيال بقيم المواطنة ،فإن النتائج البد وأن تكون
ملموسة في تسريع وتيرة ارتقاء المجتمع وتحضره".
-التدرج المنطقي في استخالص النتائج واالستغراق فغي بناء الحجج ومعالجتها.
-االستشهاد بالحجة القائمة على المنطق السببي ونتمثله في قول الكاتب:
"وال يستقيم البناء الديمقراطي ألي دولة دون تجلي روح المواطنة في عالقات كل
فرد مواطن بمؤسسات الدولة".
-استشهاد الكاتب ببعض قناعاته الخاصة التي استمدها من يقينه المعرفي ،كما في
قوله" :إن المواطنة ليست وضعية جاهزة ...وإما هي سيرورة تاريخية ودينامية مستمرة
وسلوك يكتسب".
استخدام صيغ الوجوب وااللزام :تجسد هذه الصيغ وتولى الكاتب من قناعاته
الصادرة عن يقينه المعرفي وحضور شخصيته في النص وهو يبث تعاليم المواطنة الحقة
ويشيع ضوابطها ومقتضياتها ويقترح كيفية أجرأتها وتفعيلها متوخيا في ذلك الدقة
والصرامة التي ترقي بالكاتب إلى مستوى المنظر الحصين الطامح إلى ترسيخ ثقافة سياسية
جديدة في المغرب ،فمن أبرز هذه الصيغ ما جاء في الفقرة األخيرة بما نصه ," :إذا كان
التعلق العاطفي بالوطن يوجد لدى اإلنسان بالفطرة ،فإن الوعي بمقومات المواطنة ...يجب
أن يكتسب بالتعليم والتأهيل."...
23
-اإلكثار من الروابط الحجاجية :تساهم الروابط الحجاجية في النص في تمتين
العالقة بين الحجج داخل الفئة الحجاجية نفسها من جهة ،وفي تمتين العالقة بين الحجج
ونتائجها وتحديد اتجاهها من جهة أخرى ،فبالنسبة للوظيفة األولى نجد الرابط الحجاجي
الواو يربط بين سلسلة حجج متساندة ربطا تسانديا لتعزيز نتيجة واحدة وذلك في قول
الكاتب "فإن الوعي بمكونات المواطنة وما يتبعه يجب أن يكتسب بالتعليم والتأهيل عن
طريق األسرة والمدرسة ووسائل اإلعالم والمجتمع.
"اتخاذ الكاتب استراتيجية خطاب يتسم باألسلوب التقريري الذي يخاطب فكر القراء
ويوحد فهمهم ومن مظاهره في النص مايلي :
يتبين مما تقدم أن النص كخطاب سياسي حقل للتعبير عن اتآراء واقتراح األفكار
والمواق ف حول مفهوم المواطنة ،وهكذا أتاح فحص النص مضمونا وشكال الوقوف على
خصائص الخطاب السياسي التالية :
24
-اعتماد أساليب االستدالل والبرهنة قصد تحقيق اإلقناع.
-تنوع أساليب االستدالل :منطقية ،لغوية ...
-بساطة اللغة وتقريريتها وخلوها من التعابير البالغية.
-اعتماد األسلوب الخبري وصيغ الوجوب.
تمهيد :
يقول ديكارت " :كما أن هناك من يمشي وحيدا وفي الظالم ،فأنا عزمت على السير
البطيء واعتماد الحذر ما أمكن في كل شيء ،وإذا كنت ال أتقدم فإني على األقل أتجنب
السقوط".
25
بتأمل عنوان النص وعنوان مصدره يتبين أن لكل منهما معنى متصال بالتنمية إذ
يشير العنوان إلى وعي الكاتب بطبيعة الرهانات التي تمثلها التنمية ،ومن تم استدعاؤها إلى
دائرة االهتمام والضوء قصد بلورة روعية عربية لمفهوم التنمية في صورة خطة جرائية
بقدر من التحديد يكفي لتوقع مبادرة النص إلى فتح شهية المجتمع العربي إلحداث تنمية
حقيقية قصد االستفادة من ثمارها ،فيما يشير عنوان مصدر النص إلى ثنائية طرح الكاتب
إلشكاليتين جديرتين بالتأمل والتفكير .إشكالية التنمية وإشكالية التحديث ،وهذا النوع من
المقاربات التي تركز على المشكالت يجعلنا نتوقع تركيز النص على الحلول اتآنية لمشكلة
التنمية لفهم اللحظة التي يعيشها العرب واالستفادة من فرصها وتحقيق نقلة نوعية تتيح لهم
االنتقال واالرتقاء من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حداثي.
فيكفي الربط بين ذينك المشيرين للقول في إطار انطباعي إن النص محاولة فكرية
لفهم التنمية تؤسس لبروز لحظة حضارية جديدة وفصل تاريخي جديد يتطلع فيه العرب إلى
أفق التحديث.
-ضرورة استحداث بنيات عقلية حديثة قادرة على التسلح بالعلم وتداول
التكنولوجيا بمهارة عالية لتنمية اإلنسان والمجتمع.
-اعتماد التنمية المجالية على تحرير العقل من الفكر الجاهز وإعطاء األولوية
للتجريب العلمي.
-الكوابح المعيقة للتنمية في المجتمع العربي.
26
-ضرورة استنفار المنظومة التعليمية والتربوية وتجديدها لتأهيل الشباب للتفكير
بمقاييس حديثة وتحويلهم إلى ثروة بشرية تحرك المجتمع وتنمية.
-قناعة الكاتب بالدور الفعال الذي تلعبه التحوالت الكبرى التي تعرفها البلدان في
تسريع وتيرة نموها وتنميتها.
-إعجاب الكاتب ببعض المجتمعات الحية والفعالة وذات القدرة على الحركة
لنجاحها في االلتحاق بالمجتمعات النامية.
يناقش النص أسس التنمية وما تتطلبه من إجراءات عملية حصرها الكاتب في
استحداث بنيات عقلية قادرة على التسلح بالعلم وتداول التكنولوجيا بمهارة وتحرير العقل من
الفكر الجاهز ،وإعطاء األولوية للتجريب العلمي ،وهدم شموخ البنيات العقلية التقليدية،
واستنفار المنظومة التعليمية والتربوية وتجديدها لتأهيل الشباب للتفكير بموجب هذه
المنظومة بمقاييس حديثة يتحولون بها إلى ثروة بشرية تحرك المجتمع وتنميه ،وذلك
بموازاة مع التحوالت الكبرى التي تساهم في خلخلة الهياكل القائمة والموروثة وإحالل
هياكل جديدة محلها من شأنها أن ترفع معدل التنمية والنمو إلى أعلى مستوى وفي وقت
قياسي ودليل الكاتب على ذلك نجاح بعض المجتمعات الحية والفعالة وذات القدرة على
الحركة في االلتحاق بالمجتمعات المتقدمة.
تمكن الكاتب من بلورة رؤيته لمفهوم التنمية بواسطة معجم استمده من الحقلين
الدالليين اتآيتين :
27
السياسية، القائمة ،والفعالية – والتكنولوجيا ،استعمال واالجتماعية التقليدية العقلية
القائمة هياكل جديدة ،نشاط بمهارة الهياكل التكنولوجيا للبنيات العقلية ...
وإنتاجيته المجتمع وإشاعة تداولها ،بنيات والموروثة...
وفعاليته ،مجتمعات حية العلم تتقبل عقلية،
على قادرة وفعالة التكنولوجي، والتقدم
لنشاطها الحركة، عقليات حديثة تحرير
مجتمعات وتقدمها، العقل ،للتجريب العلمي
أخرى... للتفكير الحديث..
فبمعاينة هذين الحقلين الدالليين يتبين أن الكاتب بادر إلى طرح خطته لتحقيق التنمية
في صورة تقوم على المفارقة بين نمط فكري واجتماعي تقليدي ونمط حداثي قائم على
التنمية ،وانطالقا من هذه المفارقة تتحدد مالمح المجتمع التقليدي المخالفة تماما لمالمح
المجتمع النامي إن على المستوى الفكري أو على المستوى االجتماعي ،ومن ثم فعن العالقة
بين الحقلية المتفرعين عن الحقل الفكري والحقل االجتماعي هي عالقة تعارض ،طالما أن
ترسبات المجتمع التقليدي التي الزالت قائمة في الوطن العربي تشكل كوابح لبناء مجتمع
حداثي.
-راح الكاتب بكل ثقة واقتدار يدافع عن تصوره لقضية التنمية واألسس التي تقوم
عليها متخذا في ذلك األسلوب االستنباطي إطار التنظيم أفكاره وحججه ،إذ أكد في مقدمة
طرحه على ضرورة استحداث بنيات عقلية مالئمة لتحقيق التقدم والتنمية واستخدام العلم
والتكنولوجيا بكفاءة عالية وتداولها على نطاق واسع ،ثم أكد في سياق عرضه ألسس التنمية
على ضرورة تحرير العقل من أي فكر جاهز وإعطاء األولوية للتجريب العلمي ،وهذا ما
يتطلب إحداث تغيير في المنظومة التربوية والتعليمية ،ثم شرع الكاتب في الحديث عن دور
الفعالية السياسية في تحقيق التنمية داعيا إلى إحداث تغيير في الهياكل االجتماعية والسياسية
التقليدية القائمة مؤكدا في ختام نجاح كثير من الدول النامية في تحقيق أهداف التنمية بناء
على األسس التي دعا إليها.
28
-عزز الكاتب خطابه التنظيري .بعدة أساليب حجاجية لتحقيق اإلقناع بالخطة
اإلجرائية التي يقترحها لتأسيس مرحلة حضارية جديدة يستفيد فيها العرب من فرص التنمية
نذكر من هذه األساليب مايلي :
-الشرح والتفسير :جنح الكاتب إلى فك شفرات مفهوم التنمية وتفسير أسسها لتحقيق
غايات خالصة تروم الفهم الدقيق لمفهوم التنمية ،ويتخذ الشرح في النص وجوها متعددة
منها مايلي :
*الوصف :يتخذ الكاتب الوصف أداة تفسيرية لشرح أسس التنمية ونلمسه في قوله
الكاتب "تبديل الكثير من الهياكل القائمة والموروثة ،وإحالل هياكل جديدة محلها".
*الشرح التعليلي ونجده في قول الكاتب " :وهذا العامل ينبغي وضعه في االعتبار
ألن تأثيره في اإلسراع بمعدل التنمية ،وبكل نشاط المجتمع وإنتاجيته وفعاليته يكون عادة
تأثيرا استثنائيا في قوة دفعه".
*التعريف :وظف الكاتب التعريف لشحن مفهوم التنمية وما يرتبط بها من مفاهيم
ح ديثة بحموالت فكرية أكسبتها مدلوالت تتناسب مع تصور الكاتب لهذا المفهوم ونلمس ذلك
مال في قوله " :يتعلق األمر إذن بالنسبة للمجتمعات المتخلفة ،بإجراء تغيير عميق في
البنيات العقلية وتحويلها إلى عقليات حديثة ،تعد األساس الضروري للتنمية".
*التفصيل :بحيث نجد الكاتب يقرر فكرة محورية ،ثم يوفر لها ما يكفي من األفكار
الفرعية التي تعضدها وتعمق الوعي بها وو ما نلمسه في الفقرة الثالثة.
*البناء بطريق اإلجمال والتفصيل ،ونلمسه في إتيان الكاتب بمتعدد مجمال ،ثم إتيانه
بأجزاء هذا المتعدد وهو ما نجده في قول الكاتب "وتعتمد التنمية على دعامتين جوهرتين،
تحرير العقل من أي فكر مسبق ،وإعطاء األولوية للتجريب العلمي".
29
*استخدام الحجج المتوعة المعززة لطرح الكاتب لقضية التنمية ومنها الحجج اتآتية:
-استخدام الحجة القائمة على المنطق السببي ،ونلمسه في إيراد الكاتب حدثين متعاقبين تولد
السابق منهما عن الالحق تولد النتيجة عن السبب كما في قوله" :وال يمكن الخروج من حالة
التخلف إلى عصر الثورة العلمية والفنية إال باستخدام العلم والتكنولوجيا كتنمية اإلنسان
والمجتمع".
-االستشهاد بالوا قع :ونلمسه في قول الكاتب "الواقع أن التعليم والتربية هما أداتا هذا
التغيير للبنيان العقلية".
-االستشهاد بالمعطيات السياسية كما في قول الكاتب " :أال وهو عامل الدينامية
والفعالية السياسية ،ذلك أن كل األبنية السياسية واالقتصادية االجتماعية القائمة لن تظل في
حالة ثابتة".
-االستشهاد بالقناعات الخاصة كما في قول الكاتب " :إن التقدم والتنمية يتطلبان
بنيات عقلية مالئمة".
-وضعية التلفظ في النص :يهيمن في النص ضمير الغائب ،فهذا الضمير يفيد أن
الكاتب يتحدث بحياد وموضوعية.
وقد وظفه الكاتب –التكرار -في سياقات متعددة لتلميع بعض المفاهيم المحورية في
النص ،وشد االنتباه إليها ألهميتها وحساسيتها في التنظير لمفهوم التنمية ،فمن األلفاظ
والعبارات المكررة في النص مايلي :التنمية – البنيات العقلية – الهياكل -المجتمع-
التكنولوجيا ...فالكاتب لجأ إلى التكرار لرفع طاقة خطابه الحجاجية واالستعانة به على
ترسيخ رأيه وتصوره ألسس التنمية في ذهن المتلقي.
30
أشطة المالحظة :
يتأمل عنوان النص يتبين أن له معنى متصال بوعاء اتصالي تتفاعل فيه نظم اتصالية
مختلفة ألداء خدمات ووظائف متعددة لإلنسان المعاصر.
وبمالحظة عنوان مصدر النص يتضح أن له معنى متصال بالطفرة النوعية التي
حققها قطاع االتصال واإلعالم ،وما أحدثته من هزات وارتجاجات مؤثرة في المجتمعات
اإلنسانية بالقدر الذي غير نمط حياتها.
وبقراءة الفقرة األخيرة من النص نستشن الخدمات العديدة التي تقدمها شبكة االنترنت
في المجال الثقافي والتجاري والترفيهي واالتصالي.
فتكتفي مالحظة هذه المشيرات للقول في إطار انطباعي أولي وساذج إن النص
يناقش محورية شبكة االنترنت في الحياة المعاصرة باعتبارها اختراعا تكنولوجيا ثوريا.
31
-4تميز الحياة المعاصرة بكونية االتصال وسرعة تدويل الخبر بفضل انتشار
االنترنت.
-5تميز اختراع االنترنت بالطابع الثوري والجمع بين رأسمالية مالكية واشتراكية
مستخدميه.
-6المعنى التجريئي للفظة االنترنت.
-7تزايد أعداد مستعملي االنترنت.
-8الوظائف التجارية والثقافية والترفيهية واالتصالية التي تؤديها شبكة االنترنت.
-نقل األموال والسلع واألسواق الكترونيا.
-تبادل المعلومات ونقل المعارف عن بعد.
-ممارسة اللعب عن بعد.
-مد الخدم ة إلى المناطق النائية بواسطة البريد االلكتروني فغي وقت وجيز وبأقل
كلفة.
-9تفاوت وظائف االنترنت في األهمية حسب منطق األفضلية والمنفعة بالنسبة إلى
كل مستخدم.
-13السعة الهائلة لشبكة االرتنت مصدر جاذبيتها.
يتحدث النص عن الدور الهام الذي اضطلعت به الثورة التقنية في تطوير تكنولوجيا
االتصال التي سرعت زمن االتصال وطورت فعاليته بما تملكه من أوعية ووسائط جديدة
لحفظ المعلومات والمعطيات وتيسير تداولها وتسريع تدفقها نتيجة التالقي الخصب بين
الحاسوب ونظم االتصاالت الحديثة ،وقد أضحى هذا التالقي مؤثرا في إنسان اليوم من
32
خالل تسهيل الترابط االجتماعي وتنمية تطلعات األفراد ،ويضيف الكاتب أن الحضارة
المعاصرة هي حضارة اتصالية بعد نجاح اإلنسان المعاصر في اختراع تقنيات ووسائل
طو رت قدرته على االتصال بسرعة ،ويعتبر اختراع االنترنت اختراعا ثوريا ،ويقدم تعريفا
لهذا المخلوق العجيب مبرزا وظائفه المتعددة.
33
مجموعة من األجسام أو األجهزة المستقمرة في الفضاء كمحطات مدارية األقمار االصطناعية
يتم إطالقها بواسطة الصواريخ أو بواسطة المكوك الفضائي ،وهي تشكل
قنوات اتصال فوق كوكبية تغلق المعالم ،بعضها يبث رسائل إعالمية
ويقيم حلقات الوصل بين أطراف المعمورة من أجل االتصاالت الهاتفية
وتبادل المعلومات ،وبعضها يتجسس ويقوم بدور الرقابة االلكترونية
وبعضها يرصد الغالف الجوي ويلتقط ما في باطن األرض من أسرار
جيولوجية ،ومنها أيضا ما يوجه المقذوفات إلى أهدافها ،أو يرشد
المركبات السيارة على األرض وفي البحر والجو إلى غاياتها.
-أوعية الكترونية تخزن المعلومات وتحفظ الملفات والبرامج والوثائق البنوك المعلوماتية
االلكترونية التي يمكن نقلها من خالل عدة بروتوكوالت.
-موجات قادرة على تسليس تدفق اإلشارات الصوتية والمرئية خدمة موجات فيزيائية
يؤديها االنترنت الكترونيا على شكل حزم رقمية تنقل شحنة المعلومات
بعد تحويلها إلى سالسل الصهر والواحد بأسرع وقت وأقل كلفة.
تمكن الكاتب من عرض تصوره ألهمية التكنولوجيا المعلوماتية وما تؤديه من
إضافات نوعية في ضوء األسلوب االستنباط الذي تظهر معالمه في اعتماد الكاتب بناء
منهجيا محكما تدرج فيه من الحديث عن الدور الحيوي الذي تضطلع به التكنولوجيا
المعلوماتية في الحياة المعاصرة مشيرا إلى الطفرة النوعية التي حققتها هذه التكنولوجيا
بفعل التحالف بين الحاسوب الشخصي وشبكات االتصال بما فيها شبكة االنترنت التي تزايد
مستعملوها لما تؤديه من خدمات متعددة في كل المجاالت الحيوية لتصير بذلك مصدر
جاذبية جعلت الكاتب يستنتج في ختام النص أنها "أكبر مكتبة في العالم وأضخم مركز
تجاري وبريد عمالق ومركز ألعاب رائع ووسيلة اتصال جديدة".
ولضمان الكاتب إقناع القارئ بأهمية شبكة االنترنت في الحياة المعاصرة عند إلى
تعزيز خطبه العلمي بعده أساليب حجاجية تذكر منها مايلي :
34
-إثارة السؤال الصحيح في الوقت المناسب لجعل المخاطب يجب في االتجاه الذي
يسرمه السؤال وال يجعله مجرد شاهد بل هو معني بما يقال :
-التمادي في التطويل واإلطناب والتفصيل عن طريق العطف والترادف وغيرهما
من أساليب اإلسهاب.
-بناء األفكار بطريق اللف والنشر ويعني اإلتيان بمتعدد مجمال ،ثم اإلتيان به
مفصال فالكاتب لف المعنى في قوله" :ويؤدي األنترنت" وظائف متعددة ،ثم
نشره بسرده وظائف هذه الشبكة مرتبة ترييبا تسلسليا.
يحضر الشرح في النص كعالمة على إدارة الكاتب عملية إلقناع فيه ،وعلى بذله
جهده في الصياغة المضبوطة لمقاصده بما يرفع الغموض عن المعاني التي تبدو عصية
على فهم القارئ أو ملتبسة عليه ،وبما يمكنه من إدراك المعاني التي يريدها الكاتب ،كما
يحضر الشرح في النص ك**** أخرى على بدل الجهل من أجل فهم ينم عن دراسة
ومعرفة ،وكأثر على الموضوعية والمصداقية الفكرية ،ويستثمر الشرح في النص الوسائل
اتآتية:
الوصف :يستعمل الكاتب الوصف لصنع اإلطار المنطقي والخط التوجيهي المسوغ
لقبول األحكام القيمية التي يطلقها بواسطة النعوت الوصفية التي اصطادها في سياقات
متعددة ومنها سياق إبرازه خصوصية االتصال السريع ،وسياق االستدالل على جاذبية شبكة
االنترنت وذلك في قوله " :تشكل (شبكة االنترنت) مصدر جاذبية هذه الشبكة التي يمكن
35
نعتها بأنها "أكثر مكتبة في العالم وأضخم مركز تجاري ويريد عمالق ومركز ألعاب رائع
ووسيلة اتصال جديدة".
السرد :استعان الكاتب بالسرد لصنع الحجة القاطعة في سياق استدالله على شدة
األلفة "التكنولوجية التي تربط اليوم بين الحاسوب الشخصي والوسائط المتعددة واألقمار
االصطناعية وشبكة األنترنت وما أثمرته هذه األلفة من نتائج سردها الكاتب في قوله" :إن
هذا الزواج المتعدد ...هو زواج يخصب تدفقا معلوماتيا غير محدود ،أو هو على األقل
يدخل اليافعين والشباب عالما افتراضيا.
36
أعدادهما باعتناء ،ودون أن يكونا متقلين ببعض االستطرادات التي من شأنها أن تشوش
على ذهن القارئ.
-يكاد يخلو النص من الصور البالغية لحرص الكاتب على بناء أفكاره بناء قائما
على الوحدة الداللية أو الوضوح الداللي للكلمات أو المفاهيم ولتوحيد فهم القراء بعيدا عن
أي تعتيم داللي قد يحول دون اختراق أذهانهم ،إال أن اتساع الكاتب في استخدام األسلوب
التقريري بمظاهره () المذكورة في بعض الدروس السابقة لم يمنعه من استخدام األسلوب
اإليحائي ،وإن كان ذلك على استحياء ،وذلك في قوله " :إن هذا الزواج المتعدد بين
الحاسوب الشخصي والوسائط المتعددة ...هو زواج يخصب تدفقا معلوماتيا غير محدود"
فالكاتب شبه في هذا التركيب العالقة بين الكمبيوتر ومصادر المعلومات وشبكات
االتصاالت ذات الطابع التبادلي مع ضمان االستقالل الذاتي أو شبه الذاتي لكل من هذه
العناصر الثالثة التي تنجح االنترنت في اس غي وعائه بالعالقة الزوجية فحذف لفظ المشبه
وهو الترابط التكنولوجي بين تلك الوسائط وصرح بلفظ المشبه به وهو لفظ "زواج" على
سبيل االستعارة التصريحية لتشخيص شدة األلفة التكنولوجية والتالقي الخصب بين
االنترنت وسائر وسائل االتصال.
-وظف الكاتب الجمل الخبرية ألنها الجمل التي تطاوعه على بسط الموضوع الذي
يناقشه وتسعفه على تقاسم قناعاته مع القارئ وبناء األحكام والمعارف بناء تغلب عليه سمة
العلمية والموضوعية والصرامة المنهجية.
-تؤدي الجمل الخبرية في النص عدة وظائف نذكر منها مايلي :
-الوظيفة اإلبالغية :ونلمسها في قول الكاتب " :لقد كان للثورة التقنية الحديثة
بوصفها ترجمة تطبيقية للنظرية العلمية ،دور في تسريع زمن االتصال وتطوير فعاليته".
-الوظيفة االقناعية :ونعاينها في قول الكاتب مثال " :إنها وظائف ال تحضر متزامنة
في اللحظة نفسها لكونها مصدر جاذبية هذه الشبكة التي يمكن نعتها بأنها "أكبر مكتبة في
العالم وأضخم مركز تجاري وبريد عمالق ومركز ألعاب رائع ووسيلة اتصال جديدة" فهذه
37
الطائفة من الجمل الخبرية الواصفة لشبكة االنترنت تشكل حججا متساندة لتعزيز نتيجة
صريحة تؤكد جاذبية هذه الشبكة.
-الوظيفة التفسيرية :ونلمسها في استخدام الكاتب جملة تفسر معلومة غامضة في
الجملة التي قبلها كما في قول الكاتب" :وهي كذلك ،خبرات مادية ذات طابع تجاري ومالي
"فهذه الجملة تفصل ما أجمل في كلمة "الخبرات" الواردة في الجملة التي قبلها دون
استعمال أداة تفسير.
-وإذا كان الجمل الخبرية حضور قوي في النص ،فإن للجمل اإلنشاية حضورا
باهتا ،إذا اكتفى الكاتب باستعمال جملتين إنشائيتين موجهتين إلى االستفهام ،وذلك في قوله :
"لكن ما قصة هذا المخلوق االتصالي العجيب؟ وما آثاره اإليجابية؟
فالكاتب أثار هذين السؤالين لجعل المخاطب يجيب في االتجاه الذي يرسمه السؤال
من جهة ،ولجعله معنيا بما يقال دون أن يكون مجرد شاهد من جهة ثانية ،وللتمهيد واإلعداد
لإلدالء بقناعاته من جهة ثالثة فضال عن خلق التشويق والتحفز لدى القارئ وهو ينتظر
اإلجابة.
-وظف الكاتب ضمير الغائب توخيا للحياد والموضوعية في طرح األفكار ولم
يستخدم ضمير المتكلم ألن هذا الضمير يوحي باالنفراد في تكوين الخطاب ورفع الذات إلى
درجة أعلى ،ومن تم منحها قوة سلطوية بالخطاب.
أتاح لنا النص إدراك الثورة التي أحدثتها شبكة األنترنت في عالم االتصال ،وقد تبين
أن هذه الشبكة نجحت في اكتساح نظم االتصاالت األخرى ودمجها في وعائها مثلما نجحت
في التدويل السريع للخبر ومد الخدمة إلى المناطق النائية بسرعة فائقة ،وبأقل كلفة مع كسر
38
الحاجز بين ا لفردي والجماعي وبين الجوار والجوار عن بعد ،فضال عن نجاحها في تقديم
خدمات أخرى كنقل األموال واألسواق والسلع والحضور عن بعد مما جعلها – بال منازع-
وسيط االتصال األول.
وخالصة القول فإن النص شهادة حية على ما أحدثته شبكة األنترنت من انقالب في
مفهوم التواصل اإلنساني سواء من حيث تنوع وسائله أو اتساع نطاقه وسرعة إيقاعه ،وهذا
ما يدفعنا إلى التساؤل عن راهن المشهد االتصالي العربي الذي تؤكد بعض المؤشرات أن
اإلنتاج العربي في مجال منتجات تكنولوجيا االتصاالت محدود للغاية مما أوقع العرب في
تبعية تكنولوجية شبه تامة ،فمعظم مواقع االنترنت العربية تجري استضافتها في مواقع
كمبيوترات الخدمة SERVERSفي الواليات المتحدة واألقمار الصناعية العربية ال تساهم
بأي صورة في صنعها ،وتطلق بصواريخ ال يمتلكونها ،فهال اتجهد العرب في تضييق فجوة
االتصاالت بينهم وبين الغرب؟
-توظيف التكرار والترادف لدفع المعنى إلى درجة أقوى وهو ما يزيد من فاعلية هذه
اتآلية اللغوية في اقناع المخاطب واستمالته.
-اللغة التقريرية هي اللغة التي تعكس حقيقة الوجود أو هي اللغة التي تتضيا بناء
المعارف واألفكار أو هي اللغة الموجهة لقول الحقيقة ،وهي اللغة الموجهة لبناء المعارف
بناء قائما على الوحدة الداللية أو الوضوح الداللي للكلمات والمفاهيم.
39
صدمة الهجرة للباحث األكاديمي المختار مطيع
بتأمل النص يتبين بناؤه على نظام الفقرات المقسمة إلى جمل تنتهي بنقط وفواصل
يحسن السكوت عندها وتتسلسل في مجرى فكري هادئ وتترابط بمختلف الروابط الكالمية
مما يقوي اإلحساس بأن النص مقالة فكرية حجاجية.
وبمالحظة عنوان .النص يتضح أنه ذو بنية تركيبية مفتوحة فهو مركب إضافي
أضيف فيه المصدر النكرة إلى فاعله الذي رفعه إلى مقام المعرفة ليشكل معه مجال
الخطاب في العنوان ،ويتعلق هذا المجال بما تحدثه الهجرة في المهاجر من هزات نفسية
يمتزج فيها اإلحساس باالنبهار واالندهاش باإلحساس باإلحباط واإلخفاق ،إنها إحساسات
مزعجة تنبى عن تورط المهاجر في مشاكل جمة وبمعاينة الفقرة الثالثة من النص يتبين أن
لها معنى متصال بالمشاكل التي يعانيها المهاجر المغربي من قبيل القيام بأعمال شاقة
والتعرض للميز العنصري والمتاعب النفسية وتفككات اجتماعية.
40
فيكف ي الربط بين هذه المشيرات للقول في إطار انطباعي إن النص مقالة فكرية
قضية الهجرة ومشاكل المهاجر.
41
-تفاقم المشاكل التي تعترض المهاجر المغربي األمي :
oالقيام باألعمال الشاقة.
oالمعاناة من الميز العنصري.
oالتعرض لهزات نفسية وتفككات اجتماعية.
oمقاسات العزلة والغربة والتهميش.
-تعميق االختالفات ا لعرقية والثقافية والحضارية والدينية معاناة المهاجر األمي.
-نتائج األوضاع المزرية التي يعيشها المهاجر المغربي.
oالمعاناة من االنكماش والتهميش في البلد المستقبل.
oصعوبة االندماج في البلد األصل.
-
يناقش النص حركة هجرة المغاربة إلى البلدان األوربية وأقطار أمريكا الشمالية ،وما
يترتب عن هذه الحركة من مشاكل اجتماعية وهزات نفسية يتعرض لها المهاجرون
المغاربة ألسباب ذاتية وموضوعية ،فمن األسباب الذاتية ما يرتبط بأمية معظم المهاجرين
وهشاشة تكوينهم األكاديمي ،مما يعرضهم للقيام بأعمال شاقة ،والتمييز العنصري وتفككات
أسرية واجتماعية ،ومن األسباب الموضوعية ما يقترن بالمجتمع المستقبل ومكوناته
االجتماعية والسياسية والثقافية والحضارية والدينية ،إذ غالبا ما يتعرضون لضغوطات
اجتماعية كالتهديد بالطرد أو التعرض لممارسات تمييزية وعنصرية ولضغوط سياسية
كتلك التي تمارسها عليهم الجهات الرسمية من قبيل إخضاعهم لعمليات تفتيش قاسية ومذلة،
وإغالق الحدود في وجوههم وتشديد الخناق عليهم ،وقد أدى تفاقم هذه المشاكل إلى التفكير
الجاد في العودة إلى البلد األصل مما قد يطرح مشكال آخر يتعلق بصعوبة االندماج في البلد
األصل.
حقل نتائج الهجرة :المشاكل التي أصبحت تعترضه ،طبيعة العمل ،التهديد بالطرد
الخضوع لممارسات تمييزية وعنصرية ،المشاكل النفسية واالجتماعية ،التشدد في تطبيق
بأعمال شاقة ،الخضوع إجراءات التأشيرة ،االنعكاسات السلبية للمهاجرين ،القيام
لممارسات عنصرية وتمييزية ،التعرض لمتاعب نفسية وتفككات اجتماعية ،لهزات نفسية،
تفككات اجتماعية ،سيقاسي العزلة ،سيواجه مشاكل عديدة ،االنكماش والتهميش ،صعوبة
االندماج.
فبمعاينة هذين الحقلين الدالليين تتضح العالقة السببية القائمة بينهما ،كما تتضح
هيمنة الحقل الثاني قياسا إلى الحقل األول لشد انتباه القارئ إلى تفاقم المشاكل التي تعترض
المهاجر المغربي ،وإقامة األولوية للنتائج على األسباب باعتبار هذه األولوية جزءا من
المخطط الحجاجي الذي يعتمده الكاتب في النص ،ومن معالم هذا المخطط مايلي:
-استخدام الحجة القائمة على التبرير بمساوئ أو مشاكل الهجرة إلقناع المهاجرين
والجهات الرسمية بالتفكير الجاد في البحث عن حلول لها ،ونلمس هذه الحجة في قوله
الكاتب "لكن المالحظ أن المهاجرين المغاربة صاروا يعيشون مشاكل متفاقمة نشير إلى
ثالثة منها ،هي :القيام بأعمال شاقة ،والخضوع لممارسات عنصرية وتمييزية ،والعرض
لمتاعب نفسية وتفككات اجتماعية".
السرد :استعان الكاتب بسرد األحداث لصنع الحجة القاطعة منذ بداية النص من
خالل استحضاره لبعض األحداث التي تطلق االتفاق والقبول تحت لواء الحقيقة ،كما في
قول الكاتب "ومعلوم أن هذه العودة قد طرحت منذ سبعينيات القرن العشرين ،فمنع أول
صدمة بترولية عرفها الغرب عام 1973ستشهد البلدان األوربية التي كانت تشغل اليد
العاملة المغربية ،ركودا اقتصاديا تسبب في تصاعد معدل البطالة".
وال يقتصر الكاتب في النص على استحضار الحدث بصيغة السرد بل عززها
بصيغة أخرى ،وهي الحجاج بالمثال ،ألن المثال محكي حقيقي يعمل بوصفه عنصرا من
الدليل وزهو ملزم كاالعتراف ونلمسه في قول الكاتب" :إن ظروف المهاجر والمشاكل التي
أصبحت تعترضه في بالد المهجر مثل طبيعة العمل والتهديد بالطرد والخضوع لممارسات
تمييزية وعنصرية والمشاكل النفسية واالجتماعية ."...
-تب رير المواقف بغاياتها ونجده في سياق تبرير الكاتب أسباب هجرة المهاجرين
المغاربة إلى الخارج من قبيل األسباب التي تم جردها في حقل أسباب الهجرة.
-الحجاج بالتأكيد السببي المتكون من مفهوم سببي ومفهوم تأثيري ترطبهما عالقة
سببية ،فكلما زاد حجم السبب ازداد حجم المؤثر بدوره لدفع االستدالل إلى أقصاه كما في
الفقرة الثانية حسب ما توضحه الترسيمة اتآتية :
44
-تعزيز الحجة األصلية بمقدمات إضافية قصد تقوية صحتها ،ويعني ذلك أن الحجة
ال تكتمل إال بعد إدراج المقدمات الكافية لتدعيمها ،ويتضح ذلك بجالء في إيراد الكاتب حجة
استدل بها على المعاناة القاسية التي يقاسيها المهاجر المغربي ،وذلك في قوله" :فهناك
سيعاني العزلة ألن المجتمع الذي سيؤويه مجتمع مادي والمهاجر الذي ال يعرف لغة البلد
الذي سيقيم فيه ،سيواجه مشاكل عديدة نتيجة هذا العامل "ثم عزز هذه الحجة بحجج أخرى
لمضاعفة قوتها الحجاجية ،وهو ما يتضح في قول الكاتب "تضاف إلى ذلك عوامل أخرى
عرقية وثقافية وحضارية ودينية".
-توظيف األسلوب التقريري الموجه لإلقناع ،وتقديم األفكار إلى القارئ بأسلوب
اإلخبار مرتبة منقسة تنسيقا بينا دقيقا بعيدا عن صنوف اإليحاء الفني والجمالي الذي قد
يتسبب في تعتيم داللي قد ال يوحد أفق التلقي لدى القراء ،ومن مظاهر األسلوب التقريري
في النص مايلي :
مكننا النص من مالمسة قضية الهجرة باعتبارها إحدى معضالت المجتمعات النامية
في المرحلة المعاصرة ،وقد تبين أنها قضية اجتماعية بتقاسم أعباؤها البلدان المستقبلة
والمهاجرون الذين يهاجرون إليها على مضض ألسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية
وسياسية فيتعرضون لهزات نفسية ومشاكل اجتماعية لصعوبة التكيف واالندماج في بلد
االستقبال والبلد األصل على السواء وقد تمكن الكاتب من طرح هذه القضية بأسلوب
45
تقريري يتسم باستخدام لغة رشيقة دقيقة األداء تجسد بحقليها الدالليين أسباب ظاهرة الهجرة
ونتائجها وتسعف على بناء األفكار والحجج ضمن مخطط حجاجي تنوعت أساليبه الحجاجية
ما بين السرد والوصف والتبرير واالستدالل الموسع.
وعلى العموم ،فإن الكاتب وفق في تشخيص مشكلة الهجرة ورصد حركتها من
المغرب في اتجاه أوربا وأمريكا الشمالية ،وهذا يجعل من النص وثيقة هامة لكل دارس
مهتم بهذه الظاهرة.
تمهيد :
بتأمل نسيج عنوا النص يتبين أنه يتكون من دالين اثنين ،يتعلق أولهما بالجهة الناطقة
بضمير الجمع المتكلم العائد على األمة العربية .ويتعلق اتآخر بمفهوم الحداثة باعتبارها
ثورة اقتصادية وعلمية مبنية على المالحظة والتجربة وثورة فكرية تعتمد على العقل،
وثورة سياسية تراهن على قيم الديمقراطية وحقوق اإلنسان وإذ يؤكد الواقع العربي الراهن
تعثر العرب في االنتقال من التخلف إلى الحداثة بالمعنى الذي تم تحديده ،فإن الرابط "الواو"
بين ذينك الدالين يقوم بدور إلغائي وإخراجي للعرب من الحداثة مما يستدعي تقديم رؤية
46
عربية لتأسيس حداثة عربية منبثقة من الواقع العربي ،فهل سينصرف النص من خالل هذا
العنوان إلى التنظير لمفهوم حداثة عربية منشودة ،وهل سيثابر في تقديم خطة دقيقة
لتأسيسها من منظور عربي؟
أنشطة الفهم :يتمحور النص حول األفكار والوحدات الداللية اتآتية :
-1انتظام الحداثة الغربية خارج المنظومة الثقافية العربية مثل قدرتها على استقطاب
هذه المنظومة وتحريكها من داخلها.
-2ضرورة اإللتزام بتغيير الثقافة العربية من الداخل وتجديد المنهج والرؤية لولوج
درب الحداثة العربية المأمولة.
-3الحداثة العالمية والخصوصية وبين المطلق والنسبي.
-قناعة الكاتب بأن الحداثة ظاهرة تاريخية مقيدة زمانا ومكانا ونطاقا بشروط
تأسيسها واستمرارها.
-4تجاوز أوربا مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة على نحو تجاوزها لمرحلة
األنوار والنهضة.
-5أوجه االختالف بين الحداثة الغربية المنتهية صالحيتها والحداثة العربية
المنشودة.
-تأسيس الحداثة الغربية على مراحل متعاقبة بدءا من مرحلة النهضة إلى مرحلة
األنوار ،ثم مرحلة الحداثة.
-تداخل مراحل الحداثة العربية وتزامنها.
-6وجوب ممارسة العقالنية والديمقراطية لتأسيس حداثة عربية قادرة على
االنخراط بفعالية في الحداثة المعاصرة.
47
-7الحداثة بين الفردي والجماعي.
-حماس دعاة الحداثة ألخذ الحداثة الغربية دور تعديل العتقادهم أن الحداثة خبرة
فردية تغيير المجتمع بصرف النظر في معطيات الواقع العربي الراهن.
-قناعة الكاتب بأن الحداثة فعل جماعي طالما أن كل خبرة فردية بما تنطوي
عليه من روح النقد واإلبداع داخل ثقافة ما موجهة إلى عموم الثقافة التي تنبثق
فيها.
-8الحداثة رسالة ونزوع جماعي من أجل تحديث الذهنية والمعايير العقلية.
-9وجوب اتجاه خطاب الحداثة إلى عموم الشعب المتشبع بالثقافة التراثية ليتسنى لها
أداء رسالتها.
-13إقرار الكاتب نتيجة نهائية مفادها أن الحداثة هي ممارسة العقالنية
والديمقراطية والتعامل العقالني النقدي مع جميع مظاهر الحياة العربية
المعاصرة.
يستهل الكاتب مقالته بدحض أطروحة دعاة الحداثة الغربية الداعية إلى تأسيس حداثة
عربية منبثقة من الحداثة الغربية لصعوبة استدماجها في المنظومة الثقافية العربية،
فانتظامها خارج هذه المنظومة ال يؤهلها للتكيف مع خصوصيتها ،مما يشل قدرتها على
تحريكها من داخلها ،ومن تم فإن مشروع تأسيس حداثة عربية مرهون بزعم الكاتب بحداثة
المنهج وحداثة الرؤية ،فالحداثة في رأي الكاتب تتسم بالنسبة باعتبارها ظاهرة تاريخية
مقيدة زمانا ومكانا ونطاقا بشروط تأسيسها ومدى استمرارها ،فالواقع األوربي يؤكد انتهاء
الحداثة االوربية بانتهاء شروط انبثاقها لمعانقة ما بعد الحداثة ،وهذا يعني أن الحداثة
الغربية صارت في حكم الماضي ودحلت تاريخ النظريات فعلى أي أساس سنقيم الحداثة
العربية إذا كان األساس الذي قامت عليه في الغرب لم يعد قائما في الواقع األوربي بله
48
العربي ،من هنا يرى الكاتب استحالة تأسيس حداثة عربية دون ممارسة الديمقراطية
والعقالنية ،ودون توجيهها ألداء رسالتها على صعيد كل فئات المجتمع.
أنشطة التحليل :استطاع الكاتب أن يقدم تصورا واضحا عن الحداثة بواسطة معجم
متداول في الفكر المعاصر إذ يستمد معظم جهازه المفاهيمي من الحقل الفلسفي دون استثناء
الحقل ال تاريخي والثقافي والسياسي واإلبداعي والنقدي حسب ما هو واضح في التصنيف
اتآتي :
مفاهيم الحقل الفلسفي :الحداثة األوربية ،حداثة عالمية ،الحداثة ،حداثة المنهج،
حداثة الرؤية ،حداثة مطلقة وعالمية ،ما بعد الحداث ،عصر األنوار عصر النهضة،
النهضة واألنوار والحداثة ،النهضة واألنوار ،العقالنية ،الديمقراطية الحداثة المعاصرة
العالمية ،الحداثة العالمية التحديث الذهنية ،تحديث المعايير العقلية والوجدانية ،خطاب
الحداثة ،العقالنية ،الديمقراطية..
الحقل الثقافي :الثقافة العربية ،ثقافة ،الثقافة ،الثقافة السائدة ،ثقافة تراثية...
حقل النقد :حوار نقدي ،االنتظام النقدي ،النقد ،التعامل العقالني والنقدي.
فبمعاينة هذه الحقول الداللية يتبين هيمنة الحقل الفلسفي في النص قياسا إلى الحقول
األخرى لشد االنتباه إلى المرجعية الفلسفية المغذية لتنظير الكاتب لمفهوم الحداثة ،وتستمد
هذه المرجعية قيمتها التنظيرية من صدورها عن مفكر قد ترك بصماته الفلسفية في الخطاب
الفلسفي المعاصر من خلال تصديه للطبيعة المشوشة للحداثة كمفهوم فلسفي يستقطب طائفة
49
من المفاهيم التاريخية والثقافية والسياسية واإلبداعية والنقدية ،مما يؤكد أن الحداثة عملية
معقدة تحدث بأبعاد كثيرة ال يمكن اختزالها في عامل منفرد ،وهذا ما تجسده الحقول الداللية
المتداخلة في النص.
-اتخذ الكاتب األسلوب االستقرائي إطار البناء مفهوم الحداثة ،معتمد في ذلك تصميما
جدليا تدرج فيه عبر المراحل اتآتية :
المقدمة :وفيها استقرء الكاتب رأي دعاة الحداثة العربية ومحصه وأبرز ما به من
سلبيات غذ أعلال عن اتفاقة الجزئي معهم النتزاع موافقهم على جزء آخر من حجته على
خصوصية الحداثة ونسبيتها وضرورة انبثاقها من الوضع العربي الراهن.
50
الخاتمة :
عمد الكاتب إلى اتباع سيرورة حجاجية من أجل الدفاع عن وجهة نظره والرد على دعاة
الحداثة الغربية معتمدا في ذلك تصميما جدليا تدرج فيه من األطروحة إلى طرح نقيضها.
-أطروحة الكاتب :لبناء مشروع حداثي يجب للتخطيط لهذا البناء وفق رؤية عربية
صميمة تستمد مشروعيتها وصالحيتها من عمق الثقافة العربية وليس من الحداثة الغربية ،ولقيام
هذا البناء يدعو الكاتب إلى حداثة المنهج وحداثة الرؤية وممارسة العقالنية والديمقراطية وتحديث
الذهنية و المعايير العقلية والوجدانية والتعامل العقالني النقدي مع مظاهر الحياة العربية
المعاصرة.
-األطروحة النقيض :وهي أطروحة دعاة الحداثة الغربية الذين رفضوا االرتماء بين
أحضان التراث وآثروا الحداثة الغربية بدعوى إنها حداثة عالمية ،بوصفها حضورا مستقال يكفي
ذاته بذاته ،دون حاجة إلى التراث ،وأن الحداثة موقف فردي أو خبرة فردية تغير المجتمع،
ولتفصيل الجدل الدائر بين الكاتب ودعاة الحداثة الغربية نورد الجدول اتآتي :
51
إن براعة الكاتب في الرد على دعاة الحداثة تعود إلى براعته في اختيار الحجج التي
ساقها إليهم ،فهم ليسوا قراء عاديين ،وإنما هو مثقفون يرفضون االنغالق على معطيات
التراث وإحيائه وتمثله ويشكلون اتجاها انقالبيا ال يرى إمكانا للتحديث إال بالتخلي كليا عن
التراث واال نفتاح على الحداثة الغربية ومجاراتها لذلك تحمل الكاتب عبء إقناعهم بالحجج
اتآتية :
-الحجة القائمة على المقارنة بين وضع الحداثة الغربية والحداثة العربية ونجدها في
مطلع الفقرتين الثالثة والرابعة.
-الحاج بالقيم المأمولة وجدها في قفول الكاتب " :الحداثة رسالة ونزوع من أجل
التحديث :تحديث الذهنية وتحديث المعايير العقلية و الوجدانية ...وبذلك تؤدي رسالتها".
-االستشهاد بالمعطيات التاريخية :ونجدها في قول الكاتب مثال" :في أوربا يتحدثون
اليوم عن "ما بعد الحداثة" باعتبار أن الحداثة ظاهرة انتهت مع نهاية القرن التاسع عشر".
52
-االستشهاد بالقناعات الخاصة ،كما في قول الكاتب" :الحداثة رسالة ونزوع من أجل
التحديث".
-االستغراق في الجزئيات.
-التركيز على جزئية تتعلق بمفهوم الحداثة.
-تحليل الفكرة إلى عناصرها.
-اإلصرار على معنى معين للحداثة وإهمال بقية المعاني أو إلغاء بعضها بما فيها
رأي دعاة الحداثة الغربية ،وفي هذا اإلطار استخدم الكاتب التعريف المكثف
حيث اختزل مفهوم الحداثة في تعبير موجز يسهل ترسيخه في ذاكرة القارئ أو
نقله من متلق إلى آخر ونلمسه في قول الكاتب" :إنها (الحداثة) قبل كل شيء
العقالنية والديمقراطية" فهذا التعريف يتخذ شكل شعار من السهل حفظه وتداوله
بين القراء.
-استقراء رأي دعاة الحداثة وتمحيصه وإبراز ما به من إيجابيات وسلبيات.
-إبطال دعوى دعاة الحداثة بإثبات نقيضها.
-إبراز الخلط بين معاني الحداثة.
-توظيف الكاتب مهارات التفكير الناقد التي تشمل تحليل الحجج و تقييمها وإقرار
النتائج المترتبة عن التفسير والتحليل واالستدالل والتقويم.
-إعادة صياغة المعنى بتحريره ويتضح بجالء في قول الكاتب "وبعبارة أخرى
الحداثة ظاهرة تاريخية وهي ككل الظواهر التاريخية مشروطة بظروفها لتعزيز
نتيجة واحدة كما في الفقرة األولى :
-االستنتاج بطريقة القياس ونلمسه في قول الكاتب " :الحداثة ظاهرة تاريخية،
وهي ككل الظواهر التاريخية مشروطة بظروفها محدودة بحدود زمنية ،فهي
نختلف من تجربة ألخرى".
-خلق مسلمات عن طريق سياق البرهان كما في المثال السابق.
53
-الوسائل اللغوية التي وظفها الكاتب لتحقيق اإلقناع.
النقي :يكثر الكاتب النفي في النص إذ وظف النفي الوصفي والنفي المجالي إلشعال
التعارض بين أطروحته التي يمررها واألطروحة التي يعترض عليها ،فمن النفي الوصفي
قول الكاتب "والواقع أنه ليست هناك حداثة مطلقة وعالمية" ومن النفي السجالي قول الكاتب
"فإننا لن ننجح في تأسيس حداثة خاصة بنا".
-الوكيد :وظف الكاتب الرابط الحجاجي الذي يفيد التوكيد لدفع التردد والشك
المحتمل لدى القارئ ،كما في قوله " :إن النهضة" واألنوار" والحداثة ال تشكل عند مراحل
متعاقبة يتجاوز الالحق منها السابق".
الوضعية الحجاجية األولى :إن النهضة واألنوار والحداثة ال تشكل عندنا مراحل
متعاقبة يتجاوز الالحق منها السابق ،بل هي عندنا متداخلة متشابكة ضمن المرحلة
المعاصرة التي تمتد بداياتها إلى ما يزيد عن مائة عام".
الوضعية الحجاجية الثانية :وهما ليستا بضاعة تستورد بل هما ممارسة حسب
قواعد".
الوضعية الحجاجية الثالثة " :فإن خطاب الحداثة فيها يجب أن يتجه إلى القطاع
األوسع بين المثقفين والمتعلمين بل إلى عموم الشعب".
1
-وظف الكاتب التكرار لتجسيد الفكرة المتسلطة على ذهنه وإبرازها وتقوية داللتها وتحقيق إشباع داللي يشد االنتباه إليها.
54
فالكاتب أبطل في الوضعية الحجاجية األولى التشابه بين مسار الحداثة الغربية
والحداثة العربية عندما نفي عن الحداثة العربية المراحل التي قطعتها الحداثة الغربية،
وأثبت تداخل النهضة واألنوار والحداثة ضمن المرحلة المعاصرة ،مما رفع الحجة الثانية
واألنوار والحداثة) درجة فوق الحجة األولى ،فالكاتب أبطل تعاقب (تداخل النهضة
المراحل قبل الرابط "بل" وأثبت ضده أي تداخل المراحل مما رفع اإلثبات فوق النفي درجة
في السلم الحجاجي على النحو اتآتي :
كما وظف الكاتب الرابط "بل" في الوضعية الحجاجية الثانية لنفي الجزء األول أو
إبطاله وإثبات الجزء الثاني بعد ترتيبها صعودا إذا أبطل الطابع التجاري للعقالنية
والديمقراطية وأثبت أنهما ممارسة حسب قواعد ،فالنتيجة أو الدعوى هي ال حداثة بدون
عقالنية وديمقراطية واألدلة على ذلك عند الكاتب أمران :أولهما عدم قابليتها لالستيراد،
واتآخر أن الحداثة هي ممارسة العقالنية والديمقراطية حسب قواعد ووضع الحجة األولى
في أدنى السلم بالرغم من أهميتها وداللتها القوية على ما ينبغي أن تكون عليه الحداثة
العربية يؤكد بأن للكاتب حجة أقوى على ذلك فتبوأت قوتها السامية بفضل إيرادها بعد
الرابط "بل".
وفي الوضعية الحجاجية الثالثة وظف الكاتب الرابط "بل" على جهة الترك لالنتقال
من درجة دنيا في الحجاج إلى درجة أعلى من غير إبطال ،فالكاتب حرص في تأكيده
للنتيجة (أداء خطاب الحداثة رسالته ،على تثبيت الجزأين بعد ترتيبهما صعودا ،فيصبح
الوضع ثبوت األول (وجوب توجيه خطاب الحداثة إلى القطاع األوسع من المثقفين
والمتعلمين) بوصفه حجة دنيا وزيادة اتآخر لوجوب توجيه خطاب الحداثة إلى عموم
الناس) فوقه بصوفه الحجة األقوى.
55
-وظف الكاتب ضمير الجمع المتكلم من أجل إشراك المخاطب في الحكم أو إلعطاء
الجهة الناطقة أهمية أكبر فضال عن رغبته في خلق التفاعل الحي والمثمر من خالل التكلم
بصيغة الجماعة م ما يجعله ضربا من الخطاب التحاوري القائم على تقالع البات مع المتقبل
تفاعل إخصاب وإثمار.
بهذه القراءة المتأنية للنص نكون قد بينا رأي الكاتب في الحداثة ويتلخص في اعتباره
إياها ظاهرة تاريخية تستمد خصوصيتها من التاريخ الثقافي الذي تنتظم فيه ،منتقدا بذلك
دعاة الحداثة الغربية المنفتحين على الحداثة الغربية والداعين إلى مجازاتها ألنها بالنسبة
إليهم ح داثة عالمية ومطلقة ،وقد ارتكز الكاتب في الرد عليهم على بعض الحقائق التاريخية
والمعطيات الواقعية ،وعلى بعض قناعاته الفلسفية ،فهو يعتبر الحداثة نسبية وذات
خصوصية وفعال جماعيا ورسالة وممارسة صحيحة للعقالنية والديمقراطية ،كما ارتكز في
طرحه لهذه القناعات على النظر العقلي والنهج المنطقي متوسال في ذلك بمعجم متنوع غني
بالمفاهيم الفلسفية والثقافية والتاريخية والنقدية المجسدة للطبيعة المشوشة والمعقدة للحداثة،
فضال عن توظيفه لمهارات التفكير الناقد التي تشتمل على بناء الحجج وتحليلها وتقييمها
والحكم عليها وإقرار النتائج المترتبة عن التفسير والتحليل واالستدالل والتقويم ضمن
استراتيجية خطاب تقريري حشد فيه الكثير من األساليب الحجاجية الموزعة ما بين
التعريف والوصف وجمع المقدمات والمقارنة واالستنتاج بطريقة القياس وغيرها من
األساليب ذات التوجه الحجاجي سواء ما تعلق منها بالجانب المنطقي أو الجانب اللغوي
كالنفي والتوكيد والتكرار والروابط المنطقية ،أو ما تعلق الجودة البناء وحسن السبك ،وإذا
كان الكاتب قد نجح في بناء مفهوم الحداثة وإدخاله في أفق جديد وبنسف مغاير وشحنه
بمضامين ومدلوالت فلسفية وسياسية جديدة ،وأخضعه ألوضاع ومتطلبات مغايرة لتلك التي
يتصورها دعاة الحداثة الغربية اإلنقالبيون على التراث ،فإنها تأتي له ذلك لما يتمتع به من
دقة التفكير وحصانة اإلدراك وعمق الثقافة وقوة الحجة.
56
التواصل فعالية خطابية بواسطة اللغة المشحونة بالقيم االجتماعية واإلنسانية
والمشاعر الداخلية
تمهيد :
لقد سقطت الحواجز الفاصلة بين أنساق الرموز المختلفة ،ولم يعد من قبيل المجاز ما
قصده أحد المفكرين العرب بعنوان درسته المثيرة "العين تسمع واألذن ترى "حيث يمكن
57
حاليا تحويل النصوص إلى موسيقى والموسيقى إلى أشكال مرئية وفي هذا الخليط الرمزي
لهذه "السبائك الرقمية" للوسائط المتعددة يكمن **** ما يتردد على اسماعنا حاليا عن
تواصل جديد وشيك القدوم ،تواصل ما بعد اللغة ،وما فوق الكالم ،تواصل يقرأ تغير مالمح
الوجه ،وحركةا لعينين ولجلجة الشفاه ،ويستشعر الهمس ولمس األنامل ،وعما قريب قراءة
ما يدور في األذهان ،في ضوء ما أسفرت عنه بحوث دراسة المخ من وجود خاليا عصبية
تعمل كمرآة mirror Neuronsتعكس لنا ما يدور في ذهن اتآخر.
يتأمل نسيج العنوان يتبين أنه يتكون من دالين يشير أولهما إلى العالقة التفاعلية
القائمة على التأثير والتأثر ،فيما يشر الدال الثاني إلى كل فعالية خطابية يتبادل فيها طرفاها
أو أطرافها المعلومات بواسطة اللغة الناطقة أو الصامتة.
وبمالحظة الفقرات األولى والثالثة والرابعة يتضح أن لكل منها معنى متصال بوظيفة
التواصل ،إذ تشير الفقرة األولى إلى الوظيفة االجتماعية للتواصل ،فيما تشير الفقرة الثالثة
إلى وظيفته الجمالية ،أما الفقرة الرابعة فتشير إلى وظيفته النفسية ،فيكفي الربط بين هذه
المشيرات للقول في إطار انطباعي إن النص يناقش حقيقة التواصل وماهيته ووظائفه.
سعى الكاتب إلى بناء مفهوم التواصل من خالل طرحه لألفكار اتآتية :
يناقش الكاتب حقيقة التواصل وما يتميز به عن االتصال بما يؤديه من وظائف
اجتماعية وجمالية ونفسية ،إذ يرى أن التواصل عملية خطابية تفاعلية بين مرسل ومستقبل،
كما في قطاع اإلعالم الذي يتفاعل فيه اإلعالميون مع القارئ بقدر تفاعلهم مع المصادر
التي يستقون منها مادتهم اإلعالمية ،وكذلك بالنسبة للمفكر والروائي فكالهما يسند للتواصل
وظيفة اجتماعية من خالل الدراسة المعمقة التي يقوم بها األول لبنية مجتمعه ،ومن خالل
سعي الثاني إلى إنشاء صورة روائية من صور التواصل في الحياة تتيح للقارئ بناء تصور
للواقع المجسد في نسق فني جمالي يضطلع بالوظيفة الجمالية للتواصل ،ويرى الكاتب أن
التواصل قد يتخذ شكل حوار داخلي مشكال بذلك صورة معدلة عن الواقع تتجاوز الكائن
59
وتسشرف ما ينبغي أن يكون مما يعطي للتواصل بعدا نفسيا أو وظيفة نفسية إلى جانب
تكسيره لمختلف الحواجز بين العقول للتقريب بينهما مهما تباعدت.
حقل التواصل وتجسده األلفاظ والعبارات اتآتية :اللغة تواصل ،ليس التواصل كذلك،
التواصل ينطوي على قدر كبير من القيم االجتماعية واإلنسانية نرسل ونستقبل ،المرسل باثا
ومستقبال ،التواصل ،مرسلة ومستقبلة ،بعيدين عن التواصل مع المفكرين ،إحداث تفاعل
بيننا وبينه ،جسور التواصل ،صورة من صور التواصل ،تواصل متعدد الجهات ،سمات
التواصل ،متكرر الحدوث ،حقيقة التواصل ،يكسر الحواجز ،يقرب العقول...
حقل االتصال :ال اتصال فقط ،االتصال يكفي لحدوثه إرسال من طرف واحد ،ال
االتصال ،تستخدم اللغة في اتجاه واحد ،البث واإلرسال.
فبمعاينة هذين الحقلين الدالليين يتبين هيمنة حقل التواصل على النص لكونه الحقل
الذي يجسد الفكرة الملحة على ذهن الكاتب ولشد انتباه القارئ إلى أهميته في الحياة
اإلنسانية وما يضطلع به من وظائف جمة على المستوى االجتماعي واإلنساني والجمالي
والنفسي.
-تقوم عملية التواصل في النص على ستة مكونات تمثلها ترسيمة التواصل اتآتية:
60
للتواصل اإلنساني ووظائفه.
اتخذ الكاتب استراتيجية خطاب يتسم باألسلوب التقرير الذي يخاطب فكر القراء
ويوحد فهمهم واختراق أذهانهم بدون حواجز باستخدام العبارات السلسة واأللفاظ السهلة،
والتنسيق والمنطق في طرح األفكار وإطالة الجمل الخبرية الموجهة إلى اإلخبار أو اإلبالغ
والوصف واإلقناع وتتواتر هذه الجمل بكثافة في النص ألنها الجمل التي تتناسب مع منهجية
الكاتب في بناء مفهوم التواصل وإبراز ماهيته وخصائصه ووظائفه وما يقتضيه هذا البناء
من شرح وتفسير وتحليل واستدالل وإقرار النتائج المترتبة عن هذه العمليات التي ال تتيحها
الجمل اإلنشائية.
والالفت للنظر في النص أن الكاتب أنتج خطابه الخبري في ثالث درجات من
التوكيد طبقا الثالثة سياقات :
-1الخبر االبتدائي :ونلمسه في قول الكاتب مثال " :اللغة تواصل ال اتصال فقط"،
إذ لم يستعمل أي نوع من أدوات التوكيد ،فقد ألقى الكاتب خطابه بأول درجات
سوق الخبر دون تأكيد ،إذ يكفي لذلك ما يعلمه من أنه واثق من صدق خطابه
61
فهو بمنزلة المسلمات التي يتفق عليها الجميع ،وهذا ما جعل خطابه مستغنيا عن
مؤكدات الحكم.
-2الخبر الطلبي :ونجده في قول الكاتب مثال " :إذ قبل ذلك كله ينشئ صورة
روائية فألقى الخبر هنا إلى القارئ مؤكدا له بأنه ليس لديه وقت التلفظ بالخطاب
شك في سعي الروائي إلى إنشاء صورة روائية تتيح للقارئ بناء تصوره للواقع
قبل سعيه إلى التعبير عن أفكاره ،وتوكيد الخطاب بالمؤكد "إن سوف يحفز
القارئ إلى الوثوق أكثر من صدق خطابه فهو يتحدث من منطلق يقينه المعرفي
إلزالة الشك والتردد المحتمل لدى القارئ قصد الوصول إلى ذهنه بدون حواجز.
-3الخبر اإلنكاري ونعاينه في قول الكاتب " :إنه ليكسر الحواجز مهما تكن" ففي
هذا الخطاب يؤكد الكاتب وظيفة أخرى للتواصل تتمثل في كسر كل الحواجز
المعيقة للتواصل بين العقول ولذلك استعمل أداتي توكيد :إن والالم المؤكدة
ليثبت للقارئ اضطالع التواصل بهذه الوظيفة ،إذ قد ينكر القارئ ذلك أو هكذا
يتصور الكاتب أن القارئ قد يكون منكرا لهذه الوظيفة ،فعزز خطابه بمؤكدين
لدحض الجحود واإلنكار المحتمل لديه واختراق ذهنه.
-تتآزر في النص عدة أساليب في إبراز طابعه الحجاجي ،ولعل أبرزها استخدام
الكاتب األسلوب االستنباطي والخبري والتقريري والحجاجي بهدف تحقيق اإلقناع وتبرز
معالم األسلوب الحجاجي في النص في اتآتي :
+استخدام أساليب الشرح والتفسير كالتعريف والوصف والمقاربة وضربا ألمثلة .أو
تنويعها.
62
-إثارة السؤال الصحيح في الوقت المناسب لجعل القارئ يجيب في االتجاه الذي
يرسمه السؤال ،وال يجعله مجرد شاهد بل هو معني بما يقال ،ونلمس هذا األسلوب في قول
الكاتب " وأني يتأتى له ذلك ،إذا لم يكن على صلة وثيقة بهذا المجتمع فالكاتب استعمل هذا
السؤال بنية النفي أو االستبعاد ،أي أنه يستبعد أن يتقلد المفكر هذه الصفة إذا لم يعانق
مجتمعه ،توظيف الروابط الحجاجية لتوليد طاقات حجاجية إضافية ومن أبرزها الروابط
اتآتية :
+روابط السببية :استخدام الكاتب هذا النوع من الروابط لتبرير حجة سابقة كما في
قوله" :اللغة تواصل ال اتصال فقط ،والفرق بينهما كبير أن االتصال يكفي لحدوثه إرسال
من طرف واحد".
-روابط المقابلة :ومن أبرزها الرابط بل كما في قول الكاتب "وال تستقيم الحياة
من طرف واحد ،بل البد من أن نتبادل مع اتآخرين مشاعرهم."...
-روابط الترتيب :ومنها الرابط قبل الذي عمل على ترتيب الحجج بحسب أهميتها
كما في قول الكاتب "إنه قبل ذلك ينشيء صورة روائية من صور التواصل في
الحياة".
-روابط اإلضافة :استخدم الكاتب هذا النوع من الروابط في سياق الجمع بالواو
بين الحجج المتساندة لتعزيز نتيجة واحدة كما في قوله " :إنه ليكسر الحواجز
مهما تكن ويقرب العقول."...
-روابط االستنتاج :ساق الكاتب بعض هذه الروابط في سياق استنتاج حجة جديدة
من حجة سابقة كما في استخدامه للرابط "إذا" في قوله " :من سمات التواصل إذا
أنه متعدد الجهات متكرر الحدوث."...
63
مكننا النص أتاح لنا من معرفة ماهية التواصل وحقيقته ووظائفه ،وقد نبين أن
التواصل يتميز عن االتصال بما يؤديه من وظائف اجتماعية وجمالية ونفسية ،استفاض
الكاتب في شرحها بواسطة معجم استمده من حقلي االتصال والتواصل ،موظفا في ذلك لغة
تتسم بالمباشرة والتقريرية فضال عن استخدامها بعض األساليب الحجاجية بصورها
المنطقية واللغوية ،ومنها التحكم في األفكار وحسن تناولها وتنظيمها واستخدام الروابط
الحجاجية والجمل الخبرية الموجهة إلى اإلبالغ والوصف واإلقناع.
وباختصار شديد فقد نجح لكاتب في بناء مفهوم التواصل وتقديم صورة واضحة عنه
بالقدر الذي يجعل النص مرجعا لكل دارس مكب على فحص سماته ،ودراسة أشكاله
ووسائله ووظائفه.
بتأمل نسيج العنوان يتبين أنه مركب إضافي يتكون من دالين ،يشير أولهما إلى
مجموع الصفات والخصائص المميزة لمفهوم ما ،فيما يشير الدال الثاني إلى اإلبداع
باعتباره مفهوما داال على اإليجاد والخلق واالبتكار وإنتاج الجديد في مختلف المجاالت
العلمية والفنية ،وقد أكسبت اإلضافة في العنوان الدال األول وظيفة وصفية ،إذ يصف
اإلبداع بأن له سمات تقوي إحساس القارئ بأن الكاتب سيستثمرها في بناء مفهوم اإلبداع
بواسطة التعريف بالخصائص.
وبمالحظة بدايات فقرات النص نستنتج مجموع الخصائص التي يتميز بها اإلبداع،
وهي تجاوزه للمحاكاة ،وتعدد مجاالته ،وتنوع مراحله ووظائفه واستعصاؤه على العلماء.
-1فيكفي الربط بين هذه المشيرات للقول في إطار انطباعي إن النص يسعى لتشييد
تعريف شارح لإلبداع باستعمال النعوت الشارحة.
64
-2فيكفي الربط بين العنوان وهذه المشيرات للقول إن عالقتها به عالقة شرح
وتفسير.
يناقش النص مفهوم اإلبداع وما يتصف به من سمات وخصائص ،أبرزها قدرته
على تجاوز المحاكاة والتأليف بين عناصر سابقة في صورة تأليفية جديدة ،فضال عن تعدد
مجاالته بما فيها مجال العلم والفكر والفن والسلوك ،وهو في كل هذه المجاالت يلبي
حاجيات الناس ويحل مشكالتهم بعد انتقاله من مرحلتي التحضير واإلشراق إلى مرحلة
التحقق واإلنبثاق ،ولعل تدرج اإلبداع من هذه المراحل هو ما جعله عملية شديدة التعقيد
تستلزم مزيدا من البحث والدراسة ،وقد أفضى بحث الكاتب في خصائص اإلبداع إلى تأكيد
قناعة مفادها أن اإلبداع رهين بمجموعة من الشروط الذاتية والمجتمعية التي توفر له
إمكانات الظهور والتحقق.
الحقل العلمي :فمخترع اتآلة البخارية ،ميدان العلم ابتكار الفروض العلمية ،القوانين
والنظريات التي تفسر الظواهر العلمية ،معلومات وحقائق إسحاق نيوتن ،قانون الجاذبية،
التأمل والدراسة لجميع ظواهر الطبيعة ،العلماء ،تحليال علميا دقيقة ،وسائل العلم ،الحقيقة
العلمية.
الحقل الفني :الفنان التشكيلي ،لوحته الفنية ،الشاعر ،شعره مجال األدب ،ابتداع
المعاني والصيغ واألشكال الجميلة ،الشعر والشعراء ،قصائدهم.
فبمعاينة هذين الحقلين الدالليين يتبين تآزرهما في تجسيد خصائص اإلبداع ،ومن ثم
فإن العالقة بينهما عالقة تكامل.
65
يمتاز التعريف في النص بكونه تعريفا اختياريا وشخصيا يتخذه الكاتب مجرد مشير
للفكر لدفع القارئ إلى تشييد في ال وعيه التعريف الحقيقي لمفهوم اإلبداع ،وما يميز هذا
النوع من التعريف هو استعمال النعت الواصف حتى يسهل عملية تجميعه من قبل القارئ،
فمن النعوت الواصفة لمفهوم اإلبداع مايلي" :ليس اإلبداع مجرد محاكاة لشيء موجود" ،وال
يمكن أن يكون اإلبداع مجرد محاكاة للطبيعة ،أو تصويرا لحقائقها ووقائعها وأحداثها،...
"ليس من الضروري أن تكون جميع عناصر الشيء المبدع جديدة كل الجدة" فالالفت في
هذه التعريفات لمفهوم اإلبداع أنها تشتمل على شرح لهذا المفهوم بالخصائص السلبية،
وحتى ال يبقى هذا الشرح ضبابيا فإن الكاتب عززه بشرح آخر مشتمل على الخصائص
اإليجابية لمفهوم بالخصائص السلبية ،وحتى ال يبقى هذا الشرح ضبابيا فإن الكاتب عززه
بشرح آخر مشتمل على الخصائص اإليجابية لمفهوم اإلبداع ومنها قوله" :هو اكتشاف
لعالقات ووظائف جديدة" ،هو خالق شيء مغاير" قد يكون اإلبداع عبارة عن تأليف جديدة
ألشكال قديمة".
فالظاهر من هذه التعريفات أن الكاتب لم يرتجلها ،بل حاول إعدادها دون أن تكون
مثقلة بما يعيق عملية جميعها من قبل القارئ ،وقد راح الكاتب بكل ثقة واقتدار بيني مفهوم
اإلبداع من خالل انتقائه للكلمات أو التعريفات أحيانا ،وتأويله أحيانا أخرىمع استعمال
النعوت الواصفة واالستفاضة في المناقشة معتمدا في ذلك بناء منهجيا محكما أدرج فيه عبر
المراحل اتآتية :
الطرح " طرح الكاتب منذ البداية ماهية اإلبداع مبرزا خصوصيته المتمثلة في
قدرته على االبتكار والتجديد.
المناقشة :استفاض الكاتب في شرح سمات اإلبداع محددا إياها في تجاوزه للمحاكاة،
وتأليفه بين عناصر سابقة في صور جديدة ،وتعدد مجاالته فيها مجال العلم والفكر والفن
والسلوك ،باإلضافة إلى بعده الوظيفي المتمثل في تلبية **** الناس مشكالتهم فضال عن
كونه عملية شديدة التعقيد ،تستلزم مزيدا من البحث والدراسة.
66
اإلستنتاج :وفيه خلص الكاتب إلى كون اإلبداع محكوما بمجموعة من الشروط
الذاتية والمجتمعية التي توفر له إمكانات الظهور واإلنبثاق والتحقق.
وإذا كان لهذا البناء المنهجي دور بارز في تنظيم الخطاب الحجاجي في النص ،بما
يساهم في تحقيق اإلقناع بأهمية اإلبداع في حياة اإلنسان ،فإن للحجج الموظفة فيه دورا
أبرز لجعلها تتكامل معه ضمن المخطط الحجاجي الذي اختاره الكاتب ومنها الحجج اتآتية:
+االستشهاد بالتاريخ ونلمسه في قول الكاتب " :فمخترع اتآلة البخارية لم يخترع
البخار."...
+االستشهاد بالمعطيات الفنية ونجده في قول الكاتب " :والفنان التشكيلي ال يخترع
األلوان أو المادة التي رسم عليها لوحته الفنية."..
+االستشهاد معطيات علمية وتعاينه في قول الكاتب "فإسحاق نيوتن مثال ،لم يهتد
فجأة إلى قانون الجاذبية ألنه شاهد تفاحة وهي تسقط في حديقة منزله."...
+االستشهاد بالقناعات الخاصة من قبيل "ليس اإلبداع مجرد محاكاة لشيء موجود".
+استخدام الحجة السلطة وتتمثلها في قول الكاتب " :الحقيقة العلمية أن التفكير
اإلبداعي ،كغيره من ضروب التفكير البد له من دوافع تشيره."...
+الحجة القائمة على التبرير بمحاسن اإلبداع إلقناع القارئ بقيمة اإلبداع بالنسبة إلى
اإلنسان ونلمسها في قول الكاتب " :واإلبداع هو المسؤول عما وصلت إليه البشرية من
حضارات ومدنية ورقي عبر تاريخها الطويل "كما نلمسها في قول كالتب " :يضاف إلى
ذلك أن اإلبداع الفني فيه متعة وسعادة نفسية وروحية للناس ،فضال عما له من أثر في
إرهاف إحساسهم وتنمية أذواقهم ومشاعرهم ومشاعرهم".
+الحجة القائمة على المنطق السببي :ونجدها في قول الكاتب" :فلوال االبتكار لبقيت
الحياة على صورتها البدائية حتى يومنا هذا".
67
+الحجة القائمة على المثال " :والشاعر ال يخترع حروف اللغة التي يكتب بها
شعره".
+الحجة القائمة على المقارنة ونعاينها في قول الكاتب " :وعملية اإلبداع واحدة
سواء كانت في ميدان العلم ...أو كانت في مجال األدب وابتداع المعاني والصيغ واألشكال
الجميلة".
أن تتواتر هذه الحجج وغيرها في النص يؤكد أن للنص وظيفة إقناعية فضال عن
وظيفته التفسيرية.
اتخذ الكاتب األسلوب االستنباطي إطارا لبناء مفهوم اإلبداع ،وتتجلى معالمه في
انطالقه من قناعة مفادها أن اإلبداع هو القدرة على االبتكار والتجديد ،ثم فصل هذه القناعة
في أفكار جزئية شارحة ،مستدال عليها بأمثلة وأدلة ،وتتلخص هذه األفكار في اتآتي:
-اتصاف اإلبداع بكونه تجاوزا للمحاكاة وتأليفا بين عناصر سابقة في صور
جديدة.
-تعدد مجاالت اإلبداع اإلنساني لتشمل العلم والفكر والفن والسلوك.
-تميز اإلبداع بالوظيفة ،إذ يروم تلبية الحاجات وحل المشكالت.
-اإلبداع عملية شديدة التعقيد ،تستلزم مزيدا من البحث والدراسة.
-تأكيد الكاتب على الحقيقة العلمية التي مفادها أن اإلبداع رهين بمجموعة من
الشروط الذاتية والمجتمعية التي توفر له إمكانات الظهور والتحقق.
بهذه القراءة المتأنية للنظر نكون قد بينا رأي الكاتب في اإلبداع ،ويتخلص في
اعتباره إياه مفهوما يعين ظاهرة مميزة ترتبط بالنشاط الذهني لإلنسان ،وقدرته على
االبتكار والتجديد ،وقد سعى الكاتب إلى اقتسام أفكاره حول اإلبداع مع القارئ باستعماله
معجما استمده من الحق ل العلمي والحقل الفني إلغناء المفهوم الذي رام بناءه معتمدا في ذلك
األسلوب االستنباطي إطارا لهذا البناء وهو ما دفع به إلى توظيف مسلسلة من الحجج
68
المتساندة والمعاندة إلقناع القارئ بتصوره لمفهوم اإلبداع ،فضال عن استخدامه الوسائل
المنطقية واللغوية لدعم تصوره معززا هذه الوسائل ببعض اإلجراءات الخطابية كالتنسيق
والمنطق في عرض األفكار ،واختبار الجمل الخيرية ،وتوظيف اللغة التقريرية ،باإلضافة
إلى الحرص على اتساق النص بآليات الربط المعنوي واللفظي واإلحالي.
وخالصة الوقل فإن الكاتب اجتهد كثيرا وأصاب بقدر ما اجتهد في طرح تصور
واضح ومفصل لمفهوم اإلبداع بالقدر الذي يجعل النص مرجعا لكل دارس مهتم بهذا
المفهوم.
69