Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 70

‫كلمة شكر ‪:‬‬

‫إلى التي هزت مشاعري بزلزال رقتها‬


‫إلى كل أولئك الذين فتحوا لي أبواب قلوبهم‬
‫دون أن أقرعها‪.‬‬
‫إلى مجموعة ‪NKSEVEN Family‬‬
‫الفصل األول‬
‫انه يوم عاصف باﻷفكار حقا‪ ،‬البارحة كنت أستمتع بفصل ربيعي مليء بالكتب و‬
‫اليوم أرى اﻻوراق تتطاير في كل مكان محدثة عاصفة من اﻻفكار السوريالية‪،‬‬
‫فأنا أجيد التالعب باﻷفكار‪ ،‬و ربما هذا هو سبب نجاح مقاﻻتي في مجلة "أمباير"‬
‫البريطانية‪ ،‬فأنا ﻻ أكف أبدا عن جعل القارئ يخرج من الصندوق الذي صنعه‬
‫لنفسه‪ ،‬أو دعني أقول صنعه بمساعدة مختصين في صناعتها علما أنهم أيضا‬
‫يمتلكون صناديقهم الخاصة‪ ،‬أنا أحب أن أنفخ على الغبار الذي يغطي سطح هذه‬
‫الصناديق‪ ،‬أحب أن أفتحها دون أن أعطي للقارئ المفتاح‪ ،‬حتى ﻻ يفكر في‬
‫العودة و الزج بنفسه داخلها لألبد‪ ،‬هذه هي مهنتي و هكذا هي أخالقياتها‪ ،‬غالبا‬
‫نحن الكتاب ‪-‬السورياليون خاصة‪ -‬نكتب دون أقالم‪ ،‬نحن فقط نبتدأ نهارنا هكذا ‪:‬‬
‫نطلق العنان لمخيلتنا و نحجز لها تذكرة في حافلة تسير دون عودة‪ ،‬آملين أن‬
‫نصل إلى هدف لم نحدده‪ ،‬لذلك فحياتي أنا بالذات بعيدة كل البعد عن حياتك و‬
‫حياتهم‪ ،‬نتشارك في مسائل بيولوجية لكننا نختلف في مسائل سيكولوجية شتى‪ ،‬ﻻ‬
‫داعي للسبر في أغوارها اﻵن فمشاغلي ﻻ تسمح لي بهذا‪ ،‬عندي ابن اعتني به و‬
‫زوج أرضيه و ألبي مطالبه ﻷنني أحبه‪ ،‬عندما كنت صغيرة بما يكفي للتفكير و‬
‫لو بشكل سطحي كنت أﻻحظ أمي تستجيب لرغبات أبي وقد كنت أراها مستعبدة‬
‫لكن سرعانما تزوجت بالشاب الذي كنت قد قضيت معه ليال حمراء بعد تخرجنا‬
‫من جامعة "بيتربرة" التي تقع بمحاداة أكاديمية "توماس ديكون" علمت أن الحب‬
‫يجعل "العبودية الزوجية" أمرا مسليا بل فيه لذة و انتصار‪ ،‬يبدو أنني أصبحت‬
‫مختصة في علم النفس كأنني أحاول اقناع حر عازب بأن هذا ﻻ يسمى عبودية‪.‬‬
‫كل صباح نمتطي حافلة الحياة‪ ،‬فنلتقي فيها بجملة من اﻷحداث تتصاف الواحدة‬
‫تلوى اﻷخرى حتى ينتهي بنا المطاف نياما في أسرتنا مع أزواجنا‪ ،‬محاولين‬
‫تناسي عناء اليوم و أحداثه‪ ،‬غالبا ما يفقد الجنس طعمه عندما نكون حائرين أو‬
‫مترددين‪ ،‬لكن سرعانما ننسى و نخضع أعضاءنا للتركيز تتدفق اللذة من السماء‬
‫لتداعب كالنا‪ ،‬هكذا أرى اﻷمور‪ ،‬أعتقد أن حل صراعاتنا يكمن في الجنس‪ ،‬و‬
‫هذا درس تعلمته من قردة البونوبو‪ ،‬عندما كنت أشاهد البارحة وثائقيا عن هذا‬
‫النوع من القردة‪ ،‬لقد اندهشت لسماحتهم و حياة الرفه التي يعيشونها‪ ،‬ﻻ سلطة وﻻ‬
‫مشاكل‪ ،‬فقط حرية‬
‫لكن هل هذا ممكن تحقيقه ؟ طبعا ﻻ فما دام هنالك أناس يعتقدون بعادات و تقاليد‬
‫سنت في العهد الطباشيري و آخرون يحبون ارتداء آخر صيحات الموضى‪ ،‬لن‬
‫يكون اﻷمر إﻻ حلما في إذهاننا‪ ،‬أذهان من ؟ ذهني أنا فقط‪..‬على ما أعتقد‪.‬‬
‫أصبحت أشعر بالكآبة‪ ،‬رغم أنني متزوجة بالطبيب البارع الذي تتمناه النساء‬
‫البريطانيات‪ ،‬إﻻ أنني ﻻ أغار أبدا‪ ،‬ربما ﻷنني أثق به لست أدري‪ ،‬أو ربما ﻻنني‬
‫تعودت على كثرة النساء في عمله‪ ،‬أخشى أننا فقدنا قوة حبنا‪ ،‬إن هذا يحدث دائما‬
‫فلو أنك أردت سيارة من نوع "ﻻمبرغيني" مثال فإنك ستبدي حبا لها لكن‬
‫سرعانما ستصبح ملكك‪ ،‬سيصبح حبك لها أمرا قد تنساه مع مرور الوقت و‬
‫ستتحول إلى سيارة عادية كغيرها من السيارات‪ ،‬ولست أدري هل هذا هو ما‬
‫يحدث حقا‪ ،‬حدسي يقول ذلك‪ ،‬لكنني أشك في أنني فقط أعاني من نزلة تشاؤم‪،‬‬
‫أكره اﻷدوية الطبية‪ ،‬ربما لهذا عالقة بزوجي‪ ،‬يكثر الحديث عن الدوبامين و‬
‫كيف أنه هو الهرمون المسؤول عن السعادة‪ ،‬لقدفقدت الثقة في جسدي بسبب هذا‬
‫الكالم‪ ،‬أصبحت أشك أن الخاليا المسؤولة عن انتاج هذا الهرمون عندي ميتة أو‬
‫ربما تكون هي أيضا مكتئبة‪ ،‬لكنني لم أكن هكذا العام الفارط‪ ،‬كان لي أصدقاء‬
‫كثر‪ ،‬وكنت محط أنظار الجميع‪ ،‬ﻻنني كنت دائمة اﻻبتسام‪ ،‬أتذكر أنني كنت قد‬
‫أمضيت وقتا رائعا مع "فيكتور" زوجي‪ ،‬قال لي يوما أن اسمه بالالتينية هو‬
‫"فيكتوريس" و هو يعني الرابح‪ ،‬و أن أبواه سمياه بهذا اﻻسم ﻻنه ولد في نفس‬
‫اليوم الذي ولد فيه "فيكتور ايمانويل الثالث" أي ‪ 11‬نوفمبر‪ ،‬لقد حدثني قليال عن‬
‫هذا الملك و أخبرني أنه كان آخر ملوك مملكة إيطاليا‪ ،‬بيد أنه لم يقل لي أنه كان‬
‫ملكا يهوى القراءة و يحب العزلة‪ ،‬ربما كان يخشى أن أعجب به فتتغير حياتي‪،‬‬
‫و أتخال عن شخصي اﻻجتماعي‪ ،‬بل بال شك هو يخاف علي‪ ،‬يهاب أن أسقط في‬
‫أحضان العزلة التي تغازلني‪ ،‬و تفتل شعري بنوع من الحنان كأنني نيتشه في‬
‫جبال اﻷلب‪ .‬أنا أحب العزلة‪ ،‬لن أنكر هذا‪ ،‬لن أنكر هذا ؟ بل ﻻ أستطيع إنكاره‪.‬‬
‫أليست العزلة هي أسمى ما يقرره بنو البشر ؟ بال‪ .‬زرادشت اختلى بنفسه وحيدا‬
‫في أعالي الجبل حيث أتم عقده الرابع‪ ،‬و جمع ما يكفي من الحكمة‪ .‬أحيانا الحكمة‬
‫تجعلنا تعساء‪ ،‬ربما في قرارتنا سعداء لكن رغم ذلك نبقى بين الحينة و اﻷخرى‬
‫محبطين ﻷننا مختلفون عن المجتمع‪ ،‬مختلفون للغاية‪ .‬هذا بالضبط ما يجعلني أنفر‬
‫من اكتساب ذاك القدر من الحكمة‪ ،‬يبقى اﻷمر مجرد مخاوف ﻻ أستطيع التغلب‬
‫عليها في الوقت الراهن‪.‬‬
‫أراهن اﻵن على أن زوجي يتساءل ‪ :‬أين تقضي زوجتي وقتها؟ لماذا لم نعد‬
‫نمارس الجنس بنفس الوتيرة التي كنا قد عهدناها من ذي قبل؟ أخاف أن‬
‫يستدعيني يوما في جلسة اعتراف‪ ،‬كتلك الجلسات التي نرى في اﻷفالم‬
‫اﻷمريكية‪ ،‬زوج وزوجة يتفقان على الذهاب الى متخصص في العالقات‬
‫الزوجية‪ ،‬يتقدم الزوج ويقول ‪ :‬لم تعد ترغب في ممارسة الجنس أصبحت تنفر‬
‫مني‪ ،‬كل ليلة أحاول جاهدا أن أهيجها‪ ،‬لكنها تتفاداني و تقول جاك توقف أرجوك‬
‫أنا تعبانة‪ ،‬تقاطعه الزوجة بنبرة متعالية و تقول ‪ :‬تلك المرة كنت أمر بوقت‬
‫صعب‪ ،‬أتعتقد أن اﻷمور سهلة هكذا‪ ،‬أتظن أنني بين عشية و ضحاها سأنسى‬
‫النظرات التي ترمق بها تلك الساقطة "جاين" ؟‬
‫يعم الصمت بينما يتفرج المختص عليهما و هو جالس أمامهما مباشرة على‬
‫كرسي حديدي مكسو بجلد أسود‪ ،‬يخفض الزوج من نبرة صوته ‪ :‬أنت تعلمين‬
‫جيدا أنني أحبك‪ ،‬و من الطبيعي جدا أن تغاري‪ ،‬لكن ﻻ تتركي الغيرة توهمك أنني‬
‫قد أخونك مع امرأة أخرى‪ ،‬أحبك و ﻻ أرغب في انهاء عالقتنا‪ ،‬آه لو أن‬
‫أفروديت ليست أسطورة‪ ،‬سأدعوها كل يوم أن تحفظ حبنا‪.‬‬
‫ترمقه بنظراتها المثيرة‪ ،‬و تضع يدها على وجنتيه و تقول انها اشتاقت اليه و‬
‫ينتهي السيناريو بقبالت‪ ،‬لكن الخالصة هي أنهما كان بامكانهما أن يبقيا في‬
‫منزلهما فقد توصال إلى حل دون تدخل يحسب من ذاك المختص‪ .‬إن السر وراء‬
‫خروج الزوجين بحل عندما اثفقا على اتخاد مختص في العالقات الزوجية وسيطا‬
‫بينهما هو إيمانهما بأنه وبمجرد دخولهما إلى مكتبه‪ ،‬ستحل جميع المشاكل مهما‬
‫كانت‪ ،‬و ﻷنهما في اﻻول و اﻷخير قررا الصلح في مواطن قلبهما‪ ،‬لذلك اتخداه‬
‫وسيطا من باب اﻷخد باﻷسباب‪.‬‬
‫ما زلت مذعورة من أن يحدث هذا معي‪ ،‬لماذا ؟ ﻷنني ﻻ أرغب في أن يكون‬
‫بيني و بين زوجي وسط ثالث‪ ،‬أمقت أن يستمع أحد لحواراتي مع فيكتور‪ ،‬لكنني‬
‫أخاف أن يطرح علي تلك اﻷسئلة حينها سأضطر إلى الكذب‪ ،‬لقد مر عقد كامل‬
‫على زواجي به‪ ،‬ﻻ يمكن أن أخبره أنني ﻻ أتلدد بالجنس التقليدي‪ ،‬ﻻ أستطيع قول‬
‫ذلك‪ ،‬سأخبره إن سألني أن العمل أرهقني لذلك‪- ..‬يرن هاتف ميليسا‪،‬الكاتبة‬
‫السوريالية ثم تغلق هاتفها بعد أن حدقت طويال في رقم المتصل و تغير مجرى‬
‫كالمها‪ -‬يذكرني هذا الرقم برقم هاتفي كنت أنا من يتصل به‪.‬‬
‫يسألها أحد المداومين على حظور هذه الحلقيات ‪-‬حلقيات لالفراج عن الهموم‬
‫السجينة‪ ،‬هموم حبيسة في قلوب ظمآنة‪ -‬هذه الحلقيات التي بدأت ترتادها ميليسا‬
‫كل أسبوع‪ ،‬لسبب ما في غياهبها ‪ :‬لماذا لم تردي على اﻻتصال؟ ربما لو أجبت‬
‫كنت ستسترجعين بعض الذكريات التي بال شك نرغب جميعا في سماعها‪.‬‬
‫ترمقه بعيناها المثيرتين ثم تسحب سيجارة من علبة السجائر التي باتت طيلة‬
‫الربع ساعة من بداية حديثها دفينة في حقيبة يدها السوداء المزركشة برسوم تعود‬
‫إلى الحضارة السومارية توحي للمرء أنها حقيبة تعود ﻷزيد من أربعة عشر ألف‬
‫سنة قبل الميالد‪ .‬تضع الحقيبة جانبا ثم تشعل سيجارتها و الكل ينتظر جوابها ‪:‬‬
‫في الحقيقة أنا أتذكر صاحب الرقم‪ ،‬إنه رجل في عقده الخامس يدعى مايكل‪ ،‬كنا‬
‫نتواعد كثيرا فتوطدت العالقة بيننا‪ ،‬حتى وقعت الواقعة‪...‬‬
‫تقاطعها فتاة عشرينية كانت اﻻسبوع الماضي تحكي مغامراتها التي كان توقيتها‬
‫محددا ‪ :‬تبدأ ليال و تنتهي في منتصفه‪ ،‬هذا ما قالته اﻷسبوع الفارط‪ ،‬و يبدو أن‬
‫صراحتها في سرد تفاصيل الحياة الليلية التي كانت تقضيها مع السياح اﻷجانب قد‬
‫جعلت الجميع هنا يتعاطف معها ‪ :‬أي واقعة ؟ هل ‪-‬وكأنها تبحث عن التعبير‬
‫المناسب‪ -‬هل مارستما الجنس ؟‬
‫بالضبط‪..‬هذا ماحدث‪ ،‬كان شخصا شهوانيا لدرجة أنني كنت أستمتع معه بالجنس‬
‫كثيرا‪ ،‬كنا نقضي الليل بأكمله نمارس الجنس بشدة‪-..‬ثم وقد استجمعت قواها‪-‬‬
‫الفرق بينه و بين زوجي أنني و مايكل كنا نمارس جنسا غير اعتيادي‪ ،‬فقد كنت‬
‫أتلذد بساديته‪ ،‬أما مع زوجي فنمارس الجنس التقليدي‪ ،‬و عندما أقول عادي فأنا‬
‫أقصد أنه ﻻ يدلني كما كان يفعل مايكل‪ ،‬تخيلوا‪..‬لقد أرغمني على لعق دبره‪ ،‬و‬
‫سعق حلمتاي بالكهرباء‪ ،‬كنت أستمتع باﻷمر‪ ،‬لكن قبل التخرج بشهر أو أكثر‬
‫اكتشفت من خالل صديقة مقربة هندية اﻷصل كنا ننعتها نيرفانا أنه كان يخونني‬
‫مع نساء كثيرات‪ ،‬و عندما علم أنني قد اكتشفت سره حاول اﻻتصال بي لكنني لم‬
‫أرد على اتصاﻻته أبدا‪ ،‬أحسست حينها بالضعف‪ ،‬ضعف لم أشعر به قط‪ ،‬بعد‬
‫محاوﻻت عديدة حكمت عليها بالفشل‪ ،‬أرسل رسالة نصية‪ ،‬عزمت على أﻻ‬
‫أفتحها لكن الفضول تالعب بذهني فقررت أن أفتحها‪ ،‬لم يفاجئني أسلوبه البديء‬
‫لكن ما فاجأني أكثر هو اسراره على استرجاعي و مشروعه الجديد ‪-‬ترمي‬
‫السيجارة و تسترسل اجترار الماضي‪ -‬كان يسعى جاهدا إلقناعي بممارسة الجنس‬
‫بمعية أخريات في غرفة واحدة‪ ،‬هل هذا يستقيم ؟ هكذا قلت مخاطبة نفسي حين‬
‫قرأت رسالته‪ ،‬إنه ﻷمر عجيب كيف هي غريزتنا الجنسية‪ ،‬وغريب كيف أننا‬
‫مازلنا نعتبر أن المثلية الجنسية حالة نفسية‪ ،‬واﻷغرب أن هنالك بعض‬
‫الهوموسابينز يعتبرونها لعنة من هللا‪...‬‬
‫يقاطعها المشرف عن الجلسة و هو ينظر إلى ساعة يده ‪ :‬إنها التاسعة ليال‪،‬‬
‫تجاوزنا الوقت القانوني بنصف ساعة ‪-‬يصوب نظره إلى ميليسا و هو يصفق‬
‫بشكل بطيء‪ -‬لقد استمتعنا بصراحتك و أسئلتك الرائعة‪ ،‬نرغب في المزيد لكن‬
‫وقت الجلسة انتهى‪-...‬ينهض من كرسيه الخشبي الذي يشبه كرسي المخرج و‬
‫يلوح بيده نحو الباب‪ -‬يمكنكم أن تتفضلوا سنكمل غدا ‪-‬يصوب نظره نحو ستيفن‬
‫وهو رجل أربعيني يرتدي معطفا أسود و قبعة تشبه التي يرتديها تشي جيفارا‪-‬‬
‫ستيفن غدا سيكون دورك‪.‬‬
‫ينهض الجميع غارقين في حواراتهم الثنائية يناقشون ما جاء على لسان ميليسا‪ ،‬و‬
‫بينما هي تعدل تنورتها يخبرها ستيفن أنه استمتع بكالمها‪ ،‬و أنه يرغب في‬
‫مرافقتها إلى حيث تقطن ﻷنه يريد مناقشة موضوع يخص الجنس‪ ،‬تومؤ برأسها‬
‫إيجابا و تحمل حقيبة يدها ثم تقول ‪ :‬نعم بكل سرور‪..‬يلزمني فقط تعديل‬
‫تنو‪..‬ر‪..‬تي‪-..‬تنتصب ثم ترمقه بنظراتها المثيرة و تكمل‪ -‬و أنا جاهزة اﻵن‪ ،‬هيا‬
‫بنا‪..‬‬
‫خرجا إلى الشارع و ستيفن لم ينبس ببنت شفة بعد‪ ،‬أحست ميليسا حينها أنها يجب‬
‫أن تكسر هذا الفراغ و تتوجه إليه بسؤال مباشر فهي متشوقة لمعرفة ماذا عن‬
‫الجنس؟ تشعل سيجارتها ثم توجه إليه الخطاب ‪ :‬الجو هادئ اليوم‪ ،‬يبدو أن أبولو‬
‫أنتج شعرا جديدا‪ ،‬و اﻵلهة تلتف من حوله بشغف تستمتع بموسيقاه الشاعرية‪- ،‬‬
‫يقاطعها ستيفن بضحكة خفيفة و يقول بالضبط ثم تسترسل الحديث‪ -‬قلت أنك تود‬
‫مناقشتي في موضوع ما‪-..‬كما لو أنها نست الموضوع‪ -‬الجنس أليس كذلك‬
‫ايه نعم‪ ،‬لدي بعض اﻷسئلة فقد أرهقني كثيرا أن نبست هذه اﻷسئلة في غياهبي‪،‬‬
‫فدائما أشعر برغبة في التصريح عن مشاعري التي تشبه سفينة تطفو فوق‬
‫السحاب‪ ،‬ﻻ أحد يصل إليها إﻻ إذا حلق نحوها‪ ،‬واليوم عندما استرسلتي في‬
‫الحديث عن الجنس و الحرية و الزواج و الخيانة‪..‬و غيرها‪ ،‬انتابني شعور‬
‫مفاجئ‪-..‬يبحث عن مصطلحات يصف بها شعوره‪ -‬أحسست أن السفينة جمحت‪،‬‬
‫و عصي علي التحكم فيها‪ ،‬لهذا رغبت مناقشتك وبالتحديد في الجنس‪ ،‬ﻷنني لم‬
‫أمارسه منذ فترة‪ ،‬أنا أيضا تعرضت للخيانة‪-..‬يوقد هو أيضا سيجارة من نوع‬
‫جلواز و ينفخ الدخان عاليا‪ -‬أترين كيف اختفى الدخان‪ ،‬هكذا اختفت أحالمي‪ ،‬كان‬
‫حلمي أن أنجب طفال أسميه على اسم والدي كارل لكنني اكتشفت حينها أي بعض‬
‫أن مضت سنتين من المحاوﻻت البائسة مع زوجتي أنني ربما عاقم‪ ،‬كانت‬
‫الصدمة بمثابة كابوس بالنسبة لي‪ ،‬كابوس حقيقي‪ ،‬لم أشأ يوما أن نفتح وزوجتي‬
‫حوارا حول الموضوع‪ ،‬فكالنا كان يشك في نفسه‪ ،‬وفي حلول فصل الربيع‪ ،‬بدأت‬
‫زوجتي تشجعني على مداومة ممارسة الجنس معها وقد ﻻحظت أنها أصبحت‬
‫تميل إلى معاشرتي كثيرا‪ ،‬كانت تقول لي أنه ﻻ يجب علينا أن نفقد اﻷمل‪ ،‬فعلت‬
‫كل ما كانت تطلبه مني‪ ،‬حتى حل شهر مايو‪-..‬يدخن سيجارته ثم يكمل‪ -‬حينها‬
‫أصبحت ماري تشعر بالغثيان‪ ،‬و الدوار‪ ،‬مرت يومين وهي على هذا الحال‪ ،‬لم‬
‫يخطر في بالي أنها حامل‪ ،‬حتى أخدتها إلى الطبيب‪ ،‬كنت أنتظر أنني سأتلقى خبر‬
‫الحمل بوجه ملؤه السعادة لكن شعورا غريبا انتابني‪ ،‬تظاهرت ﻷيام أنني سعيد‪،‬‬
‫لكن في صباح اليوم الثالي ذهبت إلى المستشفى ﻷعرف إن كنت قادرا على‬
‫اإلنجاب‪ ،‬كنت أمني نفسي ذلك حقا‪ ،‬لكن شاءت اﻷقدار أن أكون أنا العاقم‪ ،‬علمت‬
‫مباشرة أن زوجتي تخونني‪ ،‬أخدت أتبعها بتخف حيث تذهب حتى رأيتها تدخل‬
‫باب فندق يرتاده اﻷغنياء فقط‪..‬اسمه ‪-‬يحاول استحضار اسمه و هو يسحب آخر‬
‫رمق بقي من سيجارته ثم يرميها و يعفس عليه بقدمه‪ -‬نعم اسمه " هوليداي إن‬
‫بيتربورو ويست" يقع على مسافة قريبة من الكاتدرائية‪ ،‬تبعتها إلى حيث ذهبت و‬
‫رمقت رجال يرتدي سترة سوداء توحي أنها باهضة الثمن‪ ،‬يستقبلها بقبلة سريعة‬
‫وهو يضع يده على خصرها‪ ،‬خرجت مصدوما و جلست في سيارتي لمدة طويلة‪،‬‬
‫حين وصلت إلى المنزل أشعلت التلفاز و أطفأت اﻷنوار‪ ،‬وجلست وحيدا أفكر هل‬
‫أخبرها بأمر الفندق‪ ،‬أم اﻻختبار الذي أجريته أم ألزم الصمت‪ ،‬لم أعرف كيف‬
‫أبتدء الموضوع وهل علي ذلك‪ ،‬بقيت جالسا لوحدي أفكر حتى سمعتها تدخل‬
‫المنزل‪ ،‬وحين رأتني جالسا لوحدي قالت ‪ :‬جئت باكرا اليوم‪..‬هل أنت على مايرام‬
‫حبيبي؟ لم أجب على سؤالها بل طرحت سؤاﻻ مباشرا ‪ :‬أين كنت طوال اليوم ؟‬
‫قالت مستنكرة‪ ،‬أنها كانت مع صديقتها ليندا و أنها بعد ذلك جلست في مكتبها‬
‫لساعات حتى أدركت أن الوقت قد تأخر‪ ،‬أدركت بعد ذلك أن جوابها هو نفسه‬
‫الذي كانت تكرره كل تلك اﻷيام الخوالي‪ ،‬ثم قلت لها وقد تهت ‪ :‬كيف كان يومك‬
‫مع صاحب السترة السوداء ؟ كنت أعلم أنها ستستمر في اﻻنكار فقالت مرتبكة ‪:‬‬
‫ما الذي ترمي إليه‪..‬أي سترة سوداء‪..‬أخبرتك أنني كنت في مكتبي طوال‬
‫اليوم‪..‬ارتديت معطفي و أنا أخبرها بشأن اﻻختبار و أن الجنين في بطنها ليس من‬
‫أمشاجي‪ ،‬ثم بشأن الفندق‪ ،‬لم تفتح فاها وكأنها قد ابتلعت لسانها‪ ،‬صمت أيضا‪،‬‬
‫وغادرت البيت و لم أعد إليه‪ ،‬أرسلت لها برقية طالق‪ ،‬و انتهت عالقتنا‪...‬‬
‫توقفت ميليسا لبرهة كما لو أنها متفاجئة ‪ :‬أنا آسفة بشأن هذا‪ ،‬لكن ماذا عن‬
‫الجنس ؟‬
‫نعم الجنس‪..‬أنا آت‪..‬فهنا بدأت قصتي مع الجنس ‪ :‬بعد طالقنا مرت أربع سنوات‬
‫متتاليات‪ ،‬لم أكن أمارس الجنس حينها‪ ،‬ﻷنني لم أكن أتلذد به‪ ،‬أتدرين ميليسا‪،‬‬
‫حتى مع زوجتي لم يكن الجنس يمتعني‪ ،‬و طيل هذه المدة كنت أجري لقاء مع‬
‫أناس كثيرين‪ ،‬أستمع إلى قصصهم الجنسية‪ ،‬و لم أجد المتعة في قصصهم‪ ،‬حتى‬
‫لقائنا هذا‪ ،‬سمعت أشياء أثارتني‪..‬في حديثك عن مايكل وجدت نفسي‪-..‬يحاول‬
‫استبدال الكلمات بأخرى أدق‪ -‬اكتشفت ذاتي‪ ،‬رغبتي الجنسية‪ ،‬نعم‪ ،‬رغبتي‬
‫الجنسية باتت واضحة‪-...‬يدير ضهره نحوها ويمسك بيدها‪ -‬أنا هو مايكل‪ ،‬نسخة‬
‫من مايكل أقصد أنني أتلذد بتعديب شريكتي في الفراش‬
‫تلزم ميليسا مكانها و هي متفاجئة‪ ،‬تسارعت دقات قلبها ثم سحبت يدها بلطف‬
‫شديد‪ ،‬ولوحت بيدها نحو منزل كبير‪ ،‬تسيجه حديقة جميلة ‪ :‬هذا هو منزلي‪..‬لقد‬
‫استمتعت بقصتك‪ ،‬و أنا فخورة أنك أدركت ذاتك ‪.‬‬
‫‪-‬منزل جميل‪ ،‬يبدو أننا سنكمل النقاش غدا‪..‬أليس كذلك‬
‫‪-‬أتمنى ذلك ‪-‬تدير دهرها و تفتح باب السياج‪ ،‬بينما قد خطى ستيفن مايزيد عن‬
‫خمس خطوات‪ -‬ستيفن‪- ،‬يدير ضهره صوبها‪ -‬هل ترغب في احتساء قهوة ؟ لم‬
‫تكن تدري أي شعور هذا الذي انتابها حتى عرضت عليه شرب قهوة أين؟ في‬
‫منزلها‪ ،‬إنها حقا جرأة غير متوقعة منها‪ ،‬حتى هي تتساءل ‪ :‬آه ما هذا‬
‫التهور‪..‬سحقا ما الذي فعلته‪ -‬بينما غرقت هي في حوار ثنائي مع نفسها أومأ‬
‫ستيفن برأسه ‪ :‬نعم أود ذلك فعال‪ ،‬لكن‪...‬هل سيكون مرحبا بي من طرف زوجك؟‬
‫ياله من مأزق وقعت فيه‪- ،‬تتساءل في صمت‪ -‬كيف سأشرح له أنني سيدة‪،‬‬
‫عازب‪ ،‬تستجمع قواها ثم تردد ‪ :‬لن يكون اليوم في المنزل ثم إني سبق و أن‬
‫أشرت أنه ﻻ غيرة بيننا‬
‫‪-‬إذا كان كذلك‪..‬هيا بنا‬
‫دخال المنزل و عند الباب خلع ستيفن معطفه‪ ،‬وأخدته منه ميليسا و قالت أنها‬
‫ستتكلف به‪ ،‬أخدته إلى غرفة نومها و وضعته في سريرها‪ ،‬و بدأت في خلع‬
‫مالبسها‪ ،‬في حين كان ستيفن يتفقد اللوحات الفنية المعلقة في جدران المنزل لكن‬
‫صورة ﻻمرأة صلعاء عارية جالسة‪ ،‬رجالها ملتصقتان بفخديها و مكبلتان بحبال‪،‬‬
‫كذلك يديها مكبلتان باتقان في الخلف‪ ،‬و على ضهرها رسوم باهتة‪ ،‬أثارته لدرجة‬
‫جعلته يلمس ثدي المرأة على الصورة‪ ،‬دخلت ميليسا الصالون و هي ترتدي ثوبا‬
‫خفيفا‪ ،‬كلما خطت خطوة برزت حلماتها‪ ،‬وقالت ‪ :‬لوحة جميلة أليس كذلك ؟ إنها‬
‫للفنان التشكيلي باولو دانغو اسمها هي و هو‪ ،‬أعطاني إياها مايكل‪ ،‬إنها الصورة‬
‫المحببة لدي‬
‫‪-‬إنها مثيرة أتخيل أنه كلما رآها زوجك إﻻ ومارس معك الجنس بعنف‬
‫‪-‬انظر إلى هذه اللوحة إنها للفنان "جو كابوبيانكو" اسمها "بونداج "‬
‫‪-‬واو‪ ،‬لم أخل أنك تحبين اللوحات الجنسية‪..‬أقصد الفنية‬
‫‪-‬بل أحب ممارسة الجنس على هذه الطريقة المجسدة في هذه اللوحات ‪-‬تقترب‬
‫منه و هي غير مدركة ما الذي تفعله ثم تقبله قبلة سريعة‪ -‬قلت أنك ترغب في‬
‫ارتشاف قهوة دعني أحضر لك واحدة‬
‫يمسكها ستيفن من أسفل دهرها و يديرها ثم يضع يده على عنقها و هو يداعب‬
‫أسفل بطنها ‪ :‬لنترك القهوة ليوم آخر‪ ،‬أما اﻵن فلدينا مهمة علينا إتمامها قبل‬
‫مجيء زوجك‬
‫تفلت منه ميليسا برشاقة ثم تنظر إليه نظرة مثيرة‪ ،‬هذا إن أمسكت بي‪ ،‬ثم جرت‬
‫إلى غرفة نومها حيث أدوات "البونداج" كلها هناك‪ ،‬على يسار الباب خزانة‬
‫مالبس بيضاء اللون‪ ،‬يبعد عنها سرير ﻻثنين على شكل قلب كبير‪ ،‬يغطيه إزار‬
‫أبيض‪ ،‬و في أقصى اليمين‪ ،‬أحزمة سوداء‪ ،‬و حبال تكبيل‪ ،‬و أدوات جنسية‬
‫أخرى‪ .‬دخل مايكل الغرفة جاريا‪ ،‬ما إن رمقت عيناه كل تلك المعدات حتى‬
‫تناقصت سرعته ‪ :‬قلت أن زوجك ﻻ يمارس معك هذا النوع من الجنس‪ ،‬من أين‬
‫لك بكل هذه المعدات؟ صمتت ميليسا وهي تفكر‪ ،‬هل أصارحه أخيرا؟ هل عليه‬
‫أن يعلم أنني لست متزوجة؟ أخشى أنه إذا علم ذلك فسيعلم سر حضوري تلك‬
‫الجلسات‪ ،‬وﻻ أريد من أحد أن يعلم ‪ :‬أنا وفيكتور لسنا متزوجين‪ ،‬و ليس لدي‬
‫أبناء؟‬
‫وقف مايكل مصدوم اﻷطراف حائرا من أمرها و كأن شخصا قد صب سطال‬
‫ممتلئة بماء بارد إلى حد الجمود ‪ :‬لماذا كذبت إذن ؟‬
‫تسارع نبض ميليسا و ارتمت في فمها كذبة سريعة ‪ :‬ﻷنك منذ بداية الجلسة كنت‬
‫ترمقني بنظرات اشتهاء‪- ،‬ابتسم و أكملت‪ -‬فأردت أن أبعدك عن طريقي‬
‫ابتسم هو اﻷخر‪ ،‬وقد اقتنع بجوابها‪ .‬ثم ارتمى في حضنها‪ .‬أبعديني اﻵن إن‬
‫استطعت‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫هكذا ولدت كاثرين‪ ،‬تحت بؤس أب سكير‪ ،‬و حضن أم مذلولة‪ ،‬ولدت في حضن‬
‫البؤس و الذل معا حين اجتمعا‪ ،‬استقبلها اﻷب ثمال و استقبلتها اﻷم خوفا‪ ،‬هكذا‬
‫ولدت يا كاثرين غير مرغوب فيك‪ .‬كان والدك يدخل الحانة مساءا و يعود‬
‫أدراجه منتصف الليل ثمال يلتوي و يصيح ويلوح باﻷواني‪ ،‬كان يضربني كل‬
‫يوم‪ ،‬ثمنا لما أنجبت‪ ،‬جزاءا لي ﻷنني أنجبتك بنتا و لم أنجبك ولدا‪ ،‬فعلت ما‬
‫بوسعي‪ ،‬كي تكملي دراستك‪ ،‬و كان ذاك حلي الوحيد‪ ،‬أنا و والدك لسنا من الطبقة‬
‫التي ستعيلك‪ ،‬و ستؤمن لك الطعام و الشراب‪ ،‬و لو فعلنا لن تستطيعي إتمام‬
‫دراستك‪ ،‬وسط كوخ ملؤه التعاسة و الشقاء‪ ،‬حاول والدك التخلص منك حين كنت‬
‫ﻻ تزالين مولودة صغيرة‪ ،‬لقد أرادك والدك ولدا كي تعينيه‪ ،‬وأنا أردتك بنتا كي‬
‫تعلميه‪ ،‬لكي تعلميه أن المرأة مستقلة‪ ،‬ذكية هي اﻷخرى‪ ،‬و قادرة على العمل‬
‫خارج المنزل‪.‬‬
‫حين بلغت الثانية من عمرك‪ ،‬أخدك والدك مني‪ ،‬كنت تبكي حد الموت‪ ،‬و هو‬
‫يأخذك إلى صديقه السكير‪ ،‬كنت أبكي أنا أيضا‪ ،‬و أتبعه راغبة مترجية‪ ،‬أن يبقيك‬
‫في المنزل يوما فقط‪ ،‬و سأتكلف أنا بالباقي‪ ،‬لست أدري إن كنت تتذكرين هذه‬
‫الذكريات اﻻليمة بنيتي‪ ،‬لكنني أتمنى أن تنسيها إلى اﻷبد‪ ،‬فنحن عائلة فقيرة‪،‬‬
‫أنجبناك دون وعي منا بما قد نتسبب لك فيه‪ ،‬من أزمات نفسية‪ ،‬وما قد يضيع من‬
‫عمرك بسبب الفقر‪ ،‬لهذا حبيبتي‪ ،‬ترجيت والدك أن ﻻ يأخذك من فقر إلى فقر‪ ،‬و‬
‫أخدنك أنا وأنت صغيرة إلى عائلة غنية‪ ،‬و تركت لهم رسالة ترج‪ ،‬لكي يعتنوا بك‬
‫وقد فعلوا‪.‬‬
‫كان عمر ميليسا خمسة وعشرين سنة حينما قرأت الرسالة وتساءلت ‪ :‬فيكتور من‬
‫هي كاثرين؟‬
‫تصببت قطرة عرق باردة و صامتة من إبط فيكتور وقد زادته توثرا ثم أمسك‬
‫بيدها بدفء وهو يطلب منها أن تجلس معه قرب المدفأة ﻷن ما سيخبرها به أمر‬
‫مهم للغاية ‪ :‬أنت اﻵن ناضجة بما يكفي لكي تعرفي الحقيقة‬
‫‪-‬حقيقة ؟‬
‫‪-‬نعم الحقيقة‪- ،‬استجمع قواه كأنه على وشك اإلفصاح عن أسد ثائر‪ -‬ميليسا أمك‬
‫لم تمت في حادث‪ ،‬أمك ﻻ تزال حية‪ ،‬وقد طلبت‪..‬‬
‫‪-‬ما هذا الهراء‪...‬أخبرني أنك تمزح‪...‬أمي ماتت‪ ...‬وزرت قبرها البارحة فيكتور‬
‫مالذي تقوله؟‬
‫‪-‬تلك ليست أمك ميليسا‪ ،‬كريستي أدمس‪- ،‬ثم وهو ينهض من مكانه‪ -‬مجرد قبر‬
‫امرأة مجهولة النسب‪ ،‬ﻻ يزورها أحد‪ ،‬تزورينها أنت فقط‬
‫‪-‬ماذا؟ ‪-‬حاولت أن تنهض ثم سقطت على ركبتيها‪ …-‬و كاثرين‪..‬ماذا عن كاثرين‬
‫؟ ‪-‬استرسلت باكية‪ -‬هل اسمي الحقيقي كاثرين؟‬
‫‪-‬نعم اسمك كاثرين‪ ،‬اسمك الحقيقي هو كاثرين‪ ،‬وقد طلبت أمك من عائلتي أن‬
‫تعتني بك و‪..‬‬
‫‪-‬و عائلتك قررت أن تزوجني بك‪ ،‬استغليتموني لكي أتزوجك‪ ،‬أقنعتني‬
‫عمتي‪...‬أمك أن أتزوجك رغم فارق السن الكبير بيننا‪..‬تبا لكم جميعكم‪..‬‬
‫‪-‬ميليسا عودي إلى هنا‬
‫‪-‬ليس بعد اﻵن‪ ،‬سأخرج من هذا المنزل لألبد‬
‫لقد مرت سنون طوال على هذه الحادثة‪ ،‬وميليسا أو كاثرين ﻻ تدري أي اسم‬
‫أصح‪ ،‬تتذكر ماضيها البائس‪ ،‬العقيم من ذكرى والدتها الحقيقية‪ ،‬امها البيولوجية‬
‫التي انجبتها‪ ،‬والدها التي هي من صلبه أتت‪ ،‬تاهت وحيدة في متاهة الذكريات‬
‫بحثا عن وجه امها‪ ،‬مالمحه‪ ...‬جزءا و بصيصا من نحته‪ ،‬لكن ذاكرتها لم تعنها‪،‬‬
‫يبدو ان امها محقة حين تساءلت هل تتذكرين يا كاثرين‪ ،‬يبدو ان امنية امها قد‬
‫تحققت بعد فراق دام لسنوات عجاف من حضنها الدافئ ونظراتها الخائفة و عبقها‬
‫المليء بفيح الفقر وبؤس الحياة‪ ،‬اتمنى انك نسيتي يا كاثرين‪ ،‬نعم نسيت… نسيت‬
‫رحم امها الذي أمضت فيه تسعة أشهر‪ ،‬و نسيت شكل المنزل الذي ذاقت فيه‬
‫مالمح البؤس‪ ،‬وعصارة اﻻلم طيلة العامين البئيستين‪ ،‬خبر سار و مفرح انها‬
‫نسيت‪ ،‬لكنه مر ومؤلم‪ ،‬خصوصا انها نسيت اسرتها الفقيرة‪ ،‬و مالمح وجهها‬
‫الكئيبة‪ ،‬ذكريات ضمآنة وقاحلة ملؤها السواد والعدم كأنها لم تكن أبدا‪ ،‬ولم‬
‫تصادفها بدءا‪ ،‬تشتاق إليها وهي ﻻتدري قساوتها… انه مغناطيس اﻻمومة يجدبها‬
‫الى رحم اﻻم التي استغنت عن ابنتها من اجل المستقبل الزاهر الذي تمنته لها‪،‬‬
‫لكن أي مستقبل هذا بدون حضن أم قاست و عانت و كدت من أجل سعادة‬
‫مولودتها الوحيدة‪ ،‬مولودتها التي تمنتها مدرسة تدرس والدها و تعلمه مالم تعلمه‬
‫الحانات‪ ،‬و القنينات الرخيصة التي فاحت فوح تعاسة عليه و على أمها‪ ،‬والحياة‬
‫الليلة التي قضاها بعيدا عنها‪ ،‬وعن ابنته الوحيدة والتي لم تزد اﻻوضاع إﻻ تأزما‪.‬‬
‫خرجت ميليسا من منزل فيكور وهي ﻻتدري مالذها‪ ،‬أين تبيت و أين تشفي غليل‬
‫غياهبها‪ ،‬تجر أرجلها بخطوات متسارعة‪ ،‬وتدخل مبنى حيث الكل يلتوي‪ ،‬كأس‬
‫جن مع تونيك من فضلك‬
‫تفضلي آنستي‬
‫شكرا‬
‫جن مع تونيك‪ ،‬يبدو أنك في حال سيئة‪ ،‬قال أحد رواد الحانة‪ ،‬وهو يحك شعر‬
‫رأسه‪ ،‬ثم يمد يده‪ ،‬اسمي مايكل و ينادونني ماركيز دي سادي‪ ،‬وبامكاني أن أقدم‬
‫لك نصيحة في ما يخص‪..‬‬
‫ﻻ شكرا‬
‫اغرورقت عينا مايكل حقدا وهو يعيد يده إلى مكانها‪ ،‬بينما احتست ميليسا‬
‫مشروبها دفعة واحدة‪ ،‬وبدت على مالمحها المرارة‪ ،‬فرغم حالوة جن اﻻ أن قشر‬
‫الليمون يعطيه طعما مرا‪ ،‬و نسبة اﻻيثانول المرتفعة فيه تجعل منه مشروبا يقرح‬
‫البلعم‪ ،‬وضعت الكأس بقوة انتبه لها النادل وقالت‪ ،‬مزيد من فضلك‬
‫تفضلي‪ ،‬هذه آخر كأس لك سيدتي‬
‫أنا من يقرر أيها السافل‪ ،‬شربت الكأس بسرعة و أحست بدوار شديد‪ ،‬رباه‪،‬‬
‫أحاطت رأسها براحتي يدها ثم أجهشت بالبكاء‪ ،‬بكاء تهاطلت فيه الدموع أمطارا‪،‬‬
‫و ترامت فوق رأسها حجارة الشقاء كأنها القدر‪ ،‬وكأن القدر طير من طيور‬
‫أبابيل‪ ،‬أحس الرجل المدعو مايكل الجالس بجانبها بالمرارة و الهم المخبآن في‬
‫قفص هذه اﻷنثى‪.‬‬
‫مابك؟ هل كل شيء على مايرام؟ قال مايكل وهو يحك على كتفها بدفئ أشعرها‬
‫بالحنان فأزاحت خيوطا من شعرها بللتها دموع الذكريات خلف أذنها‪ ،‬ورمقته‬
‫بنظرات تطفو بين هم و غم‪ ،‬ﻻشيء أشعر بدوار ش‪..‬د…‬
‫آنستي؟ آنستي؟ سحقا‬
‫الفصل الثالث‬
‫استيقظ ستيفن قبل ميليسا بدقائق‪ ،‬ثم بدأ يرتدي مالبسه‪ ،‬كانت ليلة البارحة مليئة‬
‫بمشاهد هوليوودية‪ ،‬فبعد سنين طوال لم يحضى ستيفن بليلة حمراء كهذه‪ ،‬إلى أين‬
‫أنت ذاهب؟ قالت ميليسا وقد أيقظتها برودة السرير‪.‬‬
‫‪-‬عندي عمل اليوم‪ ،‬نلتقي غدا ‪-‬حمل هاتفه‪ ،‬ثم خرج من الغرفة التي احتضنتهما‬
‫طيلة الليلة وتبعته ميليسا مهرولة‬
‫‪-‬ستيفن‪ ،‬ابقى معي أرجوك‪ ،‬ابقى حتى نأكل وجبة الفطور على اﻻقل ‪-‬توقف‬
‫ستيفن ثم استدار ووضع يديه على وجنتيها‪-‬‬
‫‪-‬لقد فعلت‪ ،‬الفطور فوق الطاولة ميليسا‪ ،‬سأتصل بك فور انتهائي من العمل‪ ،‬قبل‬
‫جبينها ثم غادر‪ ،‬بينما بقيت ميليسا واقفة‪ ،‬تشاهده يغادر ثم يغلق الباب‪ ،‬بينما‬
‫هرول هو مجريا اتصاﻻ بأحد زمالئه‪ ،‬ألقاك بعد نصف ساعة‪ ،‬نفس المكان‪،‬‬
‫سنغير الخطة!‬
‫أغلق الخط واستقل سيارة اﻷجرى‪ ،‬شارع لونغ كوزواي‪ ،‬مقهى ستاربوكس من‬
‫فضلك ‪.‬‬
‫أخدت ميليسا حماما ساخنا سريعا‪ ،‬ثم تناولت فطورها إلى غرفة المعيشة‪،‬‬
‫وأشعلت التلفاز‪ ،‬اه كالعادة يتحدثون عن رمز بريطانيا‪ ،‬الرسام اﻻسكتلندي ديفيد‬
‫روبرتس‪ ،‬هذا الرسام الذي كان بداية ابن صانع أحدية‪ ،‬ليتحول خالل سبع‬
‫سنوات من عمله في مكان للطالء إلى رسام محترف‪ ،‬رسم من اللوحات الفنية‬
‫العديد‪ ،‬ولعل أبرزها هي تلك التي رسمها عندما سافر إلى طنجة عام ‪،1832‬‬
‫لكن بالنسبة لي فإن أروع ما رسم هي لوحة معبد الكرنك‪ ،‬التي صور فيها أكبر‬
‫معبد مسور على وجه اﻷرض‪ ،‬هذا المعبد الذي يفصل بينه وبين المعبد اﻷقصى‬
‫ما يقارب الثالث كيلومترات أي ‪ 22‬ملعب كرة قدم تقريبا‪ ،‬كل هذه المسافة‬
‫يتخللها على جانبي الطريق ‪ 1200‬تمثاﻻ بعضها تصور أكباش وأخرى أبي‬
‫الهول‪ ،‬وتسمى هذه الطريق‪ ،‬طريق اﻷكباش أو وات نثر بالمصرية القديمة‪ ،‬وكل‬
‫كبش من هذه اﻷكباش يرمز إلى اﻻله آمون‪ ،‬مما يعني أن المعبد قد أسس من‬
‫أجله‪ ...‬كل هذه المعلومات باتت راسخة في ذهن ميليسا‪ ،‬فهي متأثرة بالحضارة‬
‫المصرية والسومرية‪ ،‬والحضارة اﻷكدية وغيرها من الحضارات القديمة التي‬
‫حيرت العلماء بألغاز بناياتها‪ ،‬وفخامة معمارها‪ ،‬وتعقيد هندستها‪ ،‬لقد كتبت ميليسا‬
‫يوما مقاﻻ تقريريا لطلب من رئيس التحرير عن الحضارة السومرية‪ ،‬حيث كان‬
‫الموضوع مركزا حول نظرية اﻷنوناكي وكيف أسست الحضارة السومارية إلى‬
‫هذا المفهوم الذي يعني الخمسون الذين نزلوا من السماء إلى اﻷرض قبل ‪445‬‬
‫ألف سنة‪ ،‬وتقول اﻷسطورة السومرية أنهم جاؤوا من كوكب نيبيرو الذي يتموقع‬
‫بين كوكبي المريخ وزحل‪ ،‬واليوم هذا الكوكب‪ ،‬هو الكوكب الغازي المشتري اله‬
‫البرق والرعد عند الرومان‪ ،‬لكننا ﻻ ندري هل كان السومريون يقصدون‬
‫المشتري أم أحد أقمار المشتري اﻷربع والستين‪ .‬لحد اﻵن يعتبر اﻷنوناكي لغزا‬
‫محيرا‪ ،‬خصوصا أن السومريين كانوا متطورين بحيث صنعوا العجالت‬
‫والسفن‪ ...‬ومما يزيدنا حيرة أمام هذا اللغز هو اﻷلواح الطينية التي تشير بشكل‬
‫صريح إلى أن المعرفة الكبيرة التي توصلوا إليها قد نقلت إليهم من اﻷقوام‬
‫الفضائين‪.‬‬
‫وصل ستيفن إلى مقهى ستاربوكس‪ ،‬وجلس ينتظر زميله بين حشد من الناس‪،‬‬
‫قهقهات تسافر عبر أشعة الشمس الصباحية‪ ،‬لتطبع الجو بنسيم هادئ اﻷعصاب‪،‬‬
‫هكذا هم سكان المدينة‪ ،‬هادؤون‪ ،‬دمهم بارد كأنهم أفاعي أليفة‪ ،‬على يمين ستيفن‬
‫يجلس شاب وشابة يتحدثان عن تطور اﻷديان ومدى تشابهها‪ ،‬لقد شكل الوضوء‬
‫في المسيحية جزءا مهما في العبادة‪ ،‬وﻻ شك أن الديانات التي اشتقت عنها لم‬
‫تفرط في هذا الطقس المهم‪ ،‬فالوضوء حسب اﻷرثدوكس والبروتستانت‬
‫والكاثوليك‪ ،‬فسر على أنه طهارة جسدية وروحية ومن تم عقلية وأدبية‪ ،‬وبدون‬
‫هذه الطهارة المسيحية لن يتمكن اﻻنسان من التقرب إلى هللا‪ ،‬وﻻ أعتقد أن‬
‫الديانات اﻷخرى قد فرطت في هذا اإلرث الديني‪ ،‬فالوقوف أمام هللا يحتاج إلى‬
‫استعدادات وإجراءات تليق بمقامه‪.‬‬
‫أتفق معك تماما‪ ،‬لكن عندي إضافة مهمة‪ ،‬أﻻ وهي أنه ﻻ يجدر بنا أن ننسى‬
‫اإلجراءات اﻷولية ﻻعتناق الدين المسيحي كالسر المعمودي مثال‪ ،‬هذا السر‬
‫الرمزي الذي يتطهر من خالله اإلنسان من الخطيئة اﻷولى‪ ،‬والعماد هنا يعني‬
‫موت ياسوع من أجل مسح خطيئتنا‪ ،‬وعودته إلى الحياة من جديد‪ ،‬وبشكل رمزي‬
‫تطور هذا الطقس‪ ،‬عبر العصور‪ ،‬ليصبح غطس المعمد في الماء يعني اغتساله‬
‫من الخطيئة ودخوله إلى حياة جديدة‪ ،‬صفحة بيضاء سيملؤها بالمحبة وحب‬
‫الخير‪...‬‬
‫جلس ستيفن يقتطف الكلمات من شفتي الشابين‪ ،‬وعلى وجهه ابتسامة ساخرة‪ ،‬آه‬
‫لو تعلمان أن أكبر خطيئة ارتكبتها الكنيسة‪ ،‬هي أنها قتلت غاليليو‪ ،‬وأثارت‬
‫الرعب في غياهب كوبرنيكوس‪ ،‬لو تعلمان أن أكبر جريمة ارتكبتها الكنيسة هي‬
‫أنها حرقت ميخائيل سيرفيتوس حيا في جنيف‪ ،‬تحت شعار ما يسمى بمحاكم‬
‫التفتيش‪ ،‬التي اعتبرت نفسها محاربة للبدع الهرطوقية‪ ،‬لكن بعد أن تمكن العلم من‬
‫فرض نفسه‪ ،‬وتحققنا من صحة هذه التي سميت بدع‪ ،‬أﻻ يسعنا القول أن ما‬
‫جاءت به الكنيسة هو الهرطقة؟ تساءل ستيفن وهو يشعل سيجارته ويلوح لصديقه‬
‫الذي يبعد عنه بياردات قليلة‪.‬‬
‫جعل هوبز يقترب من ستيفن شيئا فشيئا إلى أن استقر جالسا في كرسي خشبي‬
‫أسود يشبه السلة‪ ،‬كيف الحال ستيفن؟‬
‫‪-‬ﻻ يهم‪ ،‬ليس لدينا وقت للبوح بحالتنا النفسية‪ ،‬أخبر فيكتور أن‪ ....‬تسمر هوبز‬
‫مكانه يستمع إلى الخطة الجديدة ثم غادر حامال الخبر إلى فيكتور دون أي‬
‫اعتراض‪...‬سأفعل‪...‬لكن‪...‬ﻻ بد أنك جننت يا ستيفن !‬
‫الفصل الرابع‬
‫استفاقت كاثرين وقد استوطنت أشعة الشمس وجهها‪ ،‬ثم بدأت ترمق الغرفة‬
‫بعيناها المخمورتين‪ ،‬والخوف يتخلل جسدها‪ ،‬أين أنا؟ كيف وصلت إلى هنا؟‬
‫نهضت من مكانها مشلولة اﻷطراف‪ ،‬وراحت تتجول في الغرفة وتفتش في كل‬
‫ركن وزاوية‪ ،‬عن أي شيء قد يشفي دوي أسئلتها‪ ،‬ثم أخدت تبحث في دوﻻب من‬
‫خشب الزان اﻷروبي‪ ،‬أخد أمام السرير القديم الطراز مكانا له‪ ،‬ما هذا؟ أمسكت‬
‫كاثرين الصندوق مذهولة بجماله‪ ،‬غير مدركة لمحتواه‪ ،‬تتحسس خشب اﻵرو‬
‫اﻷمريكي الذي تحول إلى تحفة فنية‪ ،‬كأنه صندوق إيملي المرعب‪ ،‬أو صندوق‬
‫باندورا‪ ،‬أي صندوق هذا؟ إنه صندوق يعود إلى القرون الوسطى‪- ،‬قال مايكل‪،‬‬
‫وهو يحمل معه سينية عليها بعض الطعام‪ -‬هل راقك؟ لقد حصلت عليه من خالل‬
‫صديق مهووس بجمع التحف الفنية‪ ،‬تقول اﻷسطورة أن هذا الصندوق استعمل‬
‫ﻷغراض دينية‪- ،‬وضع السينية على السرير ثم استرسل‪ -‬ربما لطرد اﻷرواح‬
‫والزج بها بداخله‪.‬‬
‫صمتت كاثرين‪ ،‬وهي تتحسس الخشب والنحوت التي نحتت بيد نحات مخضرم‪،‬‬
‫ﻻبد أن لهذه النقوش معنى! رفعت رأسها وصوبت نظرها نحو مايكل باحثة عن‬
‫جواب‪ ،‬وهذه النقوش؟‪...‬هل تحمل معنى؟‬
‫‪-‬إنها مجرد زركشة يهودية‪ ،‬ذات معنى ديني ما‪- ،‬رمق مايكل عينا كاثرين اللتان‬
‫انغمستا اعجابا بطريقة النحت ثم أضاف مكمال حديثه‪ -‬ما ترينه يسمى النحت‬
‫البارز‪ ،‬انها طريقة استعملها المصريون في لوحة نارمر‪ ،‬قبل ‪ 3500‬سنة‪ ،‬وهي‬
‫طريقة يتم خاللها نقش أو تجسيد الرموز بحيث تكون بارزة‪ ،‬وكأنها قطع أو‬
‫مجسمات ملصقة على الخشب‪ ،‬أما هذا على شمالك‪- ،‬أشار باصبعه إلى الجانب‬
‫اﻵخر من الصندوق‪ -‬يسمى النحت الغائر‪ ،‬وهو النحت الذي استعمل قديما من‬
‫طرف المصريين لنقش رأس أخناتون أي قبل أزيد من ‪ 1540‬سنة قبل الميالد‪،‬‬
‫وهي طريقة صعبة مقارنة مع النحت البارز‪ ،‬أما هذه النجمة الخماسية التي تمثل‬
‫قفل الصندوق فقد نحثت بطريقة تسمى النحت البارز المجسم‪ ،‬وهي طريقة‬
‫استعملها اﻵشوريون لنحت حارس باب خورساباد قبل ‪ 800‬سنة قبل الميالد‪.‬‬
‫‪-‬ماذا عن هذا النحت فوق السطح؟‬
‫‪-‬هذا ليس نحتا‪ ،‬إنها فسيفساء‪...،‬طريقة استعملها السومريون‪ ،‬كما استعملها‬
‫الرومان‪ ،‬لغرض تزيين أغراضهم من خالل لصق قطع زجاجية أو أحجار‬
‫كريمة‪ ،‬وغالبا ﻻ يكون الغرض منها إعطاء معنى للمجسمات‪ ،‬فكما قلت الغرض‬
‫الوحيد من المزاييك ‪-‬الفسيفساء‪ -‬هو اعطاء لمسة فنية‪...‬‬
‫‪-‬يبدو هذا مثيرا لالهتمام‬
‫‪-‬نعم‪ ...‬تفضلي أحضرت لك بعض الطعام‬
‫‪-‬اه‪ ،‬شكرا‪...‬ﻻ أتذكر كيف وصلت إلى هنا‪ ،‬لكنني متأكدة أنك لست بشخص سيء‬
‫ابتسم مايكل ساخرا وهو يخلع قبعته‪ ،‬ليظهر شعره اﻷملس الكثيف‪ ،‬ﻻ أظنني‬
‫كذلك‪ ...‬البارحة ارتدت الحانة‪ ،‬وكجميع الزبناء الجدد وقعت في الفخ!‬
‫‪-‬أي فخ ؟‬
‫‪-‬إنه فخ ينصبه النادل للزبناء الجدد‪ ،‬لغرض المتعة‪ ،‬بحيث يعطيهم مشروبهم‬
‫ويضيف إليه نسبة مهمة من اإلثانول وذلك لغرض افقادهم اﻻنسجام مع‬
‫عضالتهم‪ ،‬فشرب كمية قليلة إلى معتدلة من اإلثانول ليست قاتلة لكنها قادرة على‬
‫جعلك بداية تفقدين القدرة على النطق ثم الوعي‪ ،‬وحالما تفقدين الوعي تكونين قد‬
‫نسيتي نوع المشروب الذي احتسيته‪ ،‬وكم كأسا احتسيت‪ ،‬ولوﻻ أن الفخ يقتضي‬
‫شرب كأسين‪ ،‬لكنت قد تسممت‪ ،‬وﻻ أعتقد أننا كنا سنستمتع بهذا الحديث‬
‫‪-‬اه‪ ،‬ﻻ أستطيع التركيز‪...‬‬
‫‪-‬سيفوتك اﻷمر‪ ،‬فاﻻثانول يفقد شاربه القدرة على التركيز‪ ،‬تناولي طعامك‬
‫وستصبحين على ما يرام‬
‫أخدت كاثرين تأكل الخبز المحمص بشراهة لم تعهدها‪ ،‬إنه لديذ !‬
‫‪-‬هنيئا مريئا ‪-‬نهض مايكل من فوق السرير وأخد يجر أقدامه صوب باب الغرفة‬
‫مغادرا‬
‫‪-‬هل يمكنني المكوث هنا لبعض الوقت؟ ليس لدي مكان أبيت فيه‪...‬ما إسمك؟‬
‫استدار مايكل وخطى خطوتين إلى الوراء‪ ،‬نعم‪...‬واسمي مايكل‪ ،‬مفاتيح المنزل‬
‫تجدينها على باب مكتبي‪ ،‬أعاد قبعته إلى رأسه وغادر الغرفة تم المنزل‪.‬‬
‫سمعت ميليسا صرير الباب وقد أغلق‪ ،‬فخرجت هي اﻷخرى من غرفتها‬
‫تستكشف المنزل الجديد‪ ،‬هذا هو مكتبه إذن ‪.‬‬
‫أخدت تتحسس خشب المكتب بأصابعها ذهابا وإيابا‪ ،‬وهي تمسح بعينها مدهوشة‬
‫الكم الهائل من الكتب على المكتبة الجدارية التي تحيط بغرفة المكتب‪ ،‬تم رمقت‬
‫كتابا غريب الشكل فوق المنضدة‪ ،‬التي اخذت من بين كرسيين جلدين أسودين‬
‫مكانا لها‪ ،‬ما هذا؟ كان قد كتب على الكتاب بخط مائل مخطوطة فوينيتش‪ ،‬قرأت‬
‫كاثرين النص بصعوبة وفتحت الكتاب محاولة بذلك استكشاف هذه المخطوطة‪،‬‬
‫يبدو أنها قديمة جدا! قالت مخاطبة نفسها وهي تقلب اﻻوراق باستغراب‪،‬‬
‫فمخطوطة فوينيتش هي مخطوطة مكتوبة بلغة تشفيرية غير مفهومة‪ ،‬ورسوم‬
‫عجيبة يصعب على القارئ استيعاب ما يرمي إليه الكاتب من خاللها‪ ،‬ولحد اﻵن‬
‫تعتبر هذه المخطوطة لغزا محيرا‪ ،‬وﻻ يزال كاتبها مجهوﻻ لحد الساعة‪ ،‬إﻻ أن‬
‫هناك بعض الفرضيات تقول أن الراهب الفرانسيسكاني روجر بايكون هو كاتب‬
‫هذه المخطوطة‪ ،‬لكن هناك من ذهب إلى غير ذلك وقال أن كاتب المخطوطة هو‬
‫إدوارد كيلي الخيميائي الذي زعم أنه يستطيع تحويل النحاس إلى ذهب من خالل‬
‫مسحوق سري أخده من قبر أحد اﻷساقفة‪ ،‬تقول الحكاية أن إدوارد كيلي قد كتب‬
‫هذا الكتاب ليخدع اإلمبراطور‪ ،‬إذ ربما كان يود إقناعه بلقائه مع المالئكة في‬
‫رحلة سماوية‪ ،‬لذلك كتب المخطوطة بخط غير مفهوم حتى ينخدع اإلمبراطور‬
‫ويصدق أنه خط اللغة اإلدريسية أي لغة المالئكة‪ .‬حاولت كاثرين أن تخمن أي‬
‫لغة هذه كتبت بها المخطوطة لكن دون جدوى‪ ،‬رصيدها المعرفي خانها‪ ،‬لكنها‬
‫أحست بأن أمامها الكثير لكي تتعلمه من مايكل‪ ،‬فهذا القدر من الكتب ﻻ يمكن أن‬
‫يمتلكه إلى حكيم‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫في طريقه إلى الحانة أخد هوبز يفكر فيما قاله له ستيفن‪ ،‬وهو يتمنى أن تخرج‬
‫عاقبة الخطة بسالم‪ ،‬أخبر فيكتور أن المرأة التي يطاردها ليست ميليسا التي‬
‫يعتقد‪ ،‬ميليسا ماتت في حادثة سير‪ ...‬ﻻبد أن رئيسي جن‪ ...‬ﻻ لقد جن بالفعل !‬
‫دخل هوبز بشعره اﻷشقر وعيناه الجاحظتين الحانة‪ ،‬وبدأت عيناه تتثنى يمينا‬
‫فشماﻻ‪ ،‬ثم أومأ برأسه‪ ،‬وسار يتبع خطوات رجل أصلع يرتدي سترة سوداء‬
‫ونظارات تخفي مشاعره‪ ،‬فالحراس ﻻبد أن يخفوا مشاعرهم أثناء مهماتهم لهذا‬
‫يرتدون مثل هذه النظارات السوداء‪ ،‬أمال منهم أﻻ تنكشف مشاعر الخوف‪ ،‬أو‬
‫ربما الذعر والتفاجؤ‪ ،‬وتسمى هذه الطريقة‪ ،‬طريقة البوكرفايس‪ ،‬وهي طريقة‬
‫يستعملها المقامرون في لعبة البوكر‪ ،‬حتى ﻻ تظهر عليهم أية مالمح قد تكشف‬
‫عن الورقة التي يحملونها‪ ،‬أما النظارات فهي تخفف من التوتر الذي تسببه أعين‬
‫الناس‪ ،‬دخل هوبز والحارس إلى مكان ما تحت الحانة دون أن ينبس أحد ببنت‬
‫شفة‪ ،‬استمرا في المشي لمدة دقيقة حتى وصال إلى باب يحرسه رجلين أسودي‬
‫البشرة‪ ،‬فتح الباب‪ ،‬ودخل هوبز فاستوقفه حارس آخر بدأ بعمل روتيني لضمان‬
‫سالمة رئيسه‪ ،‬هل تحمل أية أسلحة؟‬
‫‪-‬ﻻ عندي رسالة أود إيصالها إلى رئيسك‬
‫نبش الحارس جسد هوبز لكي يتأكد من صحة كالمه‪ ،‬ثم تركه يتقدم إلى مكتب‬
‫فيكتور‪.‬‬
‫‪-‬إذا كان رئيسك يرغب في مال زيادة‪ ،‬فأخبره أن فيكتور قد سئم من اللعب معك‬
‫‪-‬لست الوحيد الذي نعمل معه‪ ،‬احفظ مالك عندك‪ ،‬ميليسا ماتت في حادثة سير‪،‬‬
‫والمرأة التي نطارد ليست هي ميليسا التي تبحث عنها‪...‬‬
‫استدار فيكتور بكرسيه ووقف ثم وضع يديه على المكتب‪ ،‬من اﻷفضل أن‬
‫تخبرني أنك تمزح !‬
‫‪-‬لقد أضعت وقتنا‪ ،‬في المرة القادمة تأكد من ضحاياك‪ ،‬انتهى عملنا معك‬
‫‪-‬كيف ليست ميليسا؟ ما الذي تقصده؟ أنا متأكد أنها هي!‬
‫رمق هوبز ساعة يده وأمسكها بطرفي سبابته وإبهامه‪ ،‬ليس لدي وقت لشرح ما‬
‫تسببت فيه‪ ،‬وضع ظرفا أبيض على المكتب المليء بديكورات صغيرة‪ ،‬هذا‬
‫الظرف دليل على أن ميليسا ليست هي تلك المرأة التي كنا نطاردها‪.‬‬
‫تسمر فيكتور مكانه‪ ،‬بينما استدار هوبز وخطى خمس خطوات ثقيلة ثم توقف‬
‫وهو يشير بيده إلى اﻷعلى‪ ،‬آه نعم نسيت‪ ،‬ستيفن‪ ...‬تلقاه في المرآب حيث تضع‬
‫سيارتك على الساعة العاشرة ليال‪ ،‬الحضور إجباري‪.‬‬
‫في هذه اﻷحيان‪ ،‬غفت ميليسا أمام شاشة التلفاز‪ ،‬وقد تعاقبت عليها البرامج‬
‫الخريفية التي تبثها القنوات المحلية‪ ،‬لطالما أحست ميليسا بميوعة هذه البرامج‪،‬‬
‫ففي فصل الخريف‪ ،‬وخصوصا شهر نوفمبر ‪-‬نونبر‪ -‬يقضي الناس معظم أوقاتهم‬
‫رفقة عائالتهم‪ ،‬يستعدون لفصل شتوي جديد ربما يتبادلون القصص‪ ،‬الذكريات‪,‬‬
‫ذلك يجعلهم ﻻ يقضون وقتا طويال أمام التلفاز‪ ،‬وهذا يجعل الشركات التلفزية ﻻ‬
‫تجتهد في برامجها‪ ،‬بل تبث ما بثته سنوات مضت‪ ،‬نفس الوثائقيات‪ ،‬نفس‬
‫السيمفونيات‪ ،‬ونفس اﻷشخاص في نفس القنوات وبنفس البزات‪ ،‬بل وفي نفس‬
‫البالطوهات‪ ،‬ﻻ شيء جديد على اإلطالق‪ ،‬حتى العمل بات ممال بالنسبة لميليسا‪،‬‬
‫التي توقفت هذا اﻻسبوع عن الكتابة‪ ،‬أمال أن تقف على طلب رئيس التحرير الذي‬
‫طلب منها أن تكتب عن تطور الجنس عبر الحضارات‪ ،‬وكان لها الشرف أن‬
‫حصلت على مجموعة كتب قيمة عن الحضارة الفرعونية السنتين الماضيتين من‬
‫أحد أصدقائها‪ ،‬لتغرورق عيناها اندهاشا وحبا في تاريخ الحضارات‪ ،‬واليوم هي‬
‫تحفظ تلك الكتب ظهرا عن قلب‪ ،‬لكنها تود بحضورها تلك الجلسات أن تضيف‬
‫لمسة جديدة في الموضوع‪ ،‬أﻻ وهي أن الميوﻻت الجنسية قد تطورت بتطور‬
‫الحضارات‪ ،‬واليوم في عصر السرعة والحروب أصبح الجنس سريعا وعنيفا‪،‬‬
‫لكن يبدو أن البارحة كانت آخر جلسة ستحضرها‪ ،‬لم تكن تعتقد أن دورها لكي‬
‫تأخد مكانهم في الحديث قد حان‪ ،‬فاضطرت الكذب فقط ﻻنها لم تجد ماتقوله‪،‬‬
‫فماضيها ﻻ يليق بموضوع هذه الجلسات‪ ،‬وحده ستيفن كان يدري حقيقة أمرها‪،‬‬
‫وحقيقة ماضيها‪.‬‬
‫استفاقت ميليسا من غفوتها‪ ،‬علي أن أكمل المقال رئيس التحرير سيكون متشوقا‬
‫إذا علم أنني أتممته اليوم‪ ،‬فالقراء ﻻ يتحملون اﻻنتظار‪ ،‬بريدها اﻻلكتروني امتأل‬
‫برسائلهم‪ ،‬والكل يطالبها بمقال عن تاريخ الجنس‪ ،‬حتى رئيس التحرير خاصتها‬
‫وصلته رسائل من قراء يودون أن تضاف مقالة أو اثنتيتن عن الجنس‪ ،‬فالجنس‬
‫على مر العصور كان هو الهم الوحيد الذي شغل بال المفكرين والعامة‪ ،‬الديانات‬
‫والحضارات‪ ،‬واختلف حوله الفالسفة‪ ،‬وتضاربت أمامه اﻵراء‪ ،‬حتى أن ميليسا‬
‫قرأت في إحدى الكتب أن شوبنهاور يعتبر الجنس خدعة أنشأتها الطبيعة لكي‬
‫نتكاثر‪ ،‬وقد أعجبت بهذه الفكرة كثيرا‪ ،‬فقد نددت في مقاﻻت كثيرة‪ ،‬كانت قد‬
‫كتبتها في مجالت أخرى بل وجرائد ومواقع إلكترونية‪ ،‬على ضرورة إيقاف‬
‫التكاثر‪ ،‬وتحديد النسل‪ ،‬وذلك ﻷنه حسب نظرها سيقلل من نسبة الجرائم‪ ،‬الفقر‬
‫والمشاكل اإلجتماعية‪ ،‬وسيزيد من جودة التعليم‪ ،‬الذي هتفت بتطويره‪ ،‬فبدل‬
‫استعمال اسلوب التلقين‪ ،‬قالت ميليسا في أحد مقاﻻتها أنه يجب تعليم الطالب كيف‬
‫ينقد اﻷفكار‪ ،‬ويبدع أفكار جديدة‪ ،‬بدﻻ من تبني أفكار جاهزة‪ ،‬لكنها تعرضت لنقد‬
‫ﻻدغ من طرف الكنيسة‪ ،‬التي اعتبرتها شيطانة تود هدم اإلنسانية وتدعوا إلى‬
‫إيقاف التكاثر الشيء الذي تعتبره الكنيسة ضرورة أوصى بها يسوع‪ ،‬أما بشأن‬
‫التعليم فقد رآى اﻷساقفة أنها تهدف إلى هدم الدين‪ ،‬حتى أن بابا الكنيسة أردف في‬
‫لقاء صحفي في قناة دينية موجها الكالم إلى ميليسا ‪ :‬كنا نحسب المسيح الدجال‬
‫رجال‪ ،‬وها قد تبين أنه كاتبة في مجلة مشهورة‪ .‬حينها انتقلت اﻷضواء لتسلط‬
‫على ميليسا‪ ،‬لترد على ماجاء على لسان البابا ‪ :‬أما نحن فقد حسبنا أن عصر‬
‫محاكم التفتيش قد ولى‪ ،‬وطواه النسيان‪ ،‬لكننا يوما بعد يوم نكتشف أن تجار‬
‫الميتافيزيقا‪ ،‬يريدوننا عبيدا في كهف سقراط‪ ..‬لقد حسبنا طيلة هذه السنين أن‬
‫المقيمين ببيوت الرب ﻻ يخشون العلم‪ ،‬المنطق والعقل بل يحسبونهم وسيلة‬
‫للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬لكن ماذا لو كان المسيح الدجال وهما؟ حينها ستكونين أنت‬
‫ميليسا‪ ،‬قال صحفي أشقر بين الحشد وهو يرمق ميليسا بنظرات إعجاب ‪.‬‬
‫في هذه اللحظات التي باتت مجرى ذكريات لذا ميليسا‪ ،‬يخطوا غبرائيل خطواته‬
‫نحو مكتبه‪ ،‬وهو يتحدث عبر الهاتف الذكي خاصته‪ ،‬وفي يده اليسرى ملف‬
‫ضخم‪ ،‬سنعقد اجتماعا اﻷسبوع القادم‪ ،‬ميليسا ستكون حاضرة سيد جيمي‪ ،‬أنا‬
‫متأكد أن كتاباتها ستنال إعجابك‪ .‬ضغط الهاتف بكتفه ثم ألقى بالملف فوق مكتب‬
‫أحد الموظفين دون أن ينبس له ببنت شفة‪ ،‬وأكمل حديثه‪ ،‬أنا متأكد أن صفقتنا هذه‬
‫تسنال إعجابها‪ ،‬وستكون مربحة لنا ولكم‪- ،‬أعاد إحكام الهاتف بيده اليمنى بعد أن‬
‫فركها باليسرى وأكمل‪ -‬وكما تعلم فمجلتنا ومجلتكم تهيمنان على ثلثي السوق‪ ،‬معا‬
‫سنحتكر السوق بدون شك ‪...‬‬
‫الفصل السادس‬

‫كان مايكل قد استقل حافلة باتجاه الجامعة‪ ،‬ليبدأ محاضرته حول تاريخ الرموز‪،‬‬
‫فتذكر المحاضرة التي أجراها العام الفارط حول رمزية القصص الدينية‪ ،‬والتي‬
‫افتتحها بقصة آدم‪ ،‬أتدرون أن قصة آدم هي قصة مستوحاة من ملحمة قديمة‪ ،‬هي‬
‫ملحمة قهات‪ ،‬وأن الهدف منها كان هو التقليل من شأن المرأة وقيمتها‪ ،‬وذلك عبر‬
‫تحميلها مسؤولية نزول الجنس البشري من سماء الخلود والملذات إلى أرض‬
‫الفناء واﻷﻻم؟ تسمر الطالب اندهاشا بكالمه‪ ،‬فقاطعه أحد الطالب‪ ،‬أتقصد أن‬
‫المسيحية بذكرها لهذه القصة قد قللت من شأن المرأة؟ حافظ مايكل على ابتسامته‬
‫وهو يرد على هذا الطالب المشحون‪ ،‬ألم تتساءل بدل ذلك لماذا يسوع وكل‬
‫اﻷنبياء هم ذكور ولسيوا إناثا؟ لقد قللت المسيحية من شأن المرأة وألقت عليها‬
‫ﻻئمة أكل تمرة الخلود‪ ،‬وألم الوﻻدة كان جزاءا لها على فعلتها‪ ،‬رمق مايكل وهو‬
‫يجري المحاضرة اندهاش الطالب وهم يسمعون هذه الحقائق ﻷول مرة‪ ،‬لكن‬
‫قصة آدم ليست قصة رمزية في الدين المسيحي‪ ،‬قالت إحدى الطالبات‪ ،‬بلى هي‬
‫كذلك‪ ،‬حتى الكنيسة نفسها أقرت بذلك‪ ،‬ذلك أن معنى القصة الحقيقية التي رويت‬
‫قبل المسيحية كان هو أن المرأة ﻻ ترضى بالقليل ولو كان كثيرا‪ ،‬وأنه ﻻ يجب‬
‫اتباع خطواتها‪ ،‬ذلك أنها قوية في إغراء الرجال‪ .‬لكن أين التقليل من شأنها هنا؟‬
‫كل ما ذكرته يعتبر من مميزات شخصيتها‪ ،‬تلفظت فتاة شقراء ترتدي نظارات‬
‫تري فكس‪ ،‬واضح من نظاراتك أنك رياضية‪ ،‬وتحبين الرياضة‪ ،‬لكن المرأة‬
‫للتديلك والمتعة‪ ،‬هذا ما جاء في متى ‪ ،26‬بل خنزيرة كما ورد في اﻷمثال ‪،12‬‬
‫أنها منبع القذارة كما كتب في أيوب ‪ ،25‬فأين أنت من طموحك وسط كل هذا‬
‫اﻻحتقار؟ هذا غير معقول! قالت الفتاة والصدمة قد هزت مشاعرها‪ ،‬بلى هو‬
‫كذلك‪ ،‬فالمرأة يا تالميذي احتقرت بشكل كبير في كل الديانات التي اعتبرت‬
‫سماوية‪ ...‬قاطعه طالب ملتح‪ ،‬تنم مالمحه على أنه شاب مسلم‪ ،‬لكن اﻻسالم‬
‫اعطى المرأة حقوقها وكرمها حق تكريم‪ ،‬انا متأكد أنك لم تقرأ يوما عن مظاهر‬
‫تكريم المرأة فاﻻسالم‪ ،‬ابتسم مايكل وقال ‪ :‬يبدو أن المحاضرة أخدت مجرا آخر‪،‬‬
‫لكن هل تعلم أن اإلسالم أوصى بضرب المرأة إن هي رفضت أن تشارك زوجها‬
‫الفراش‪ ،‬لقد ورد هذا في سورة النساء‪ ،‬وعززه حديث نبوي‪ ،‬مفاده انها ان‬
‫رفضت ان تنام مع زوجها لعنتها المالئكة حتى تصبح‪ ،‬هل تعلم أيضا أن اإلسالم‬
‫مثل المسيحية اعتبر المرأة أصل الفساد وقال أن طاعت النساء ندامة‪ ،‬لقدد‬
‫عززت الديانات كراهية المرأة‪ ،‬وحبستها بين أربعة جدران‪ ،‬ذلك أن السائد آنذاك‬
‫كان هو سلطة الرجل‪.‬‬
‫استفاق مايكل من شروده عندما توقفت الحافلة قرب جامعة بيتربرة‪ ،‬التي تشع‬
‫بلونها البرتقالي من بعيد‪ ،‬ثم أخد يمشي في الممر بين العشب‪ ،.‬حتى دخل‬
‫الجامعة‪ ،‬ثم القسم حيث الطلبة في انتظاره‪ ،‬كيف حالكم اليوم؟ يبدو أنكم تعلمون‬
‫عنوان محاضرة اليوم‪ ،‬همس أحد الطلبة ‪ :‬تاريخ الرموز! هذا صحيح سنتحدث‬
‫اليوم عن تاريخ الرموز‪ ،‬وسنبدأ المحاضرة بتعريف بسيط للرموز فكلمة رمز‬
‫تعني رسم ذو دﻻلة معينة‪ ،‬بحيث تكون العالمة او الرسم‪ ،‬بديال للكلمات‪ ،‬وﻻ شك‬
‫ان المصريين واﻻغريق استعملوا الرموز للدﻻلة على عدد كبير من المعتقدات‬
‫وغيرها إﻻ أن الرومان استعملت عدد هائل من الرموز‪ ،‬ققد دلت العنزة عند‬
‫الرومان على حانوت لبيع اللبن‪ ،‬وزوج أحدية للدﻻلة على محل لبيع اﻷحدية‪،‬‬
‫واليوم نستعمل صولجان هرمس للدﻻلة على الصيدلية‪ ،‬ورغم أن صولجان‬
‫هرمس ﻻ يمت للطب بصلة‪ ،‬إﻻ أن هذا الخطأ أصبح شائعا‪ ،‬حين اختلطت عصى‬
‫اسكيلوس وصولجان هرمس على ضابط بالجيس اﻷمريكي ‪ 100‬سنة مضت‪،‬‬
‫فعصى اسكيلوس كانت تدل منذ القدم على إله الطب عند الرومان‪ ،‬أما صولجان‬
‫هرمس‪ ،‬فال ناقة له وﻻ جمل في الطب‪ ،‬لقد كان هرمس اليد اليمنى لالله زيوس‪،‬‬
‫حيث كان يتحكم في الريح والمطر في الحضارة اﻻغريقية‪ .‬هل هناك رموز‬
‫اخرى قديمة نستعملها اليوم؟ قال شاب داكن البشرة‪ ،‬إليك هذا الرمز‪ ،‬قال مايكل‬
‫وهو يضغط زر تخطي الصور‪ ،‬هذا الرمز هو عبارة عن زهرة‪ ،‬إنها زهرة‬
‫الزنبق‪ ،‬قال فتاة تدرس في قسم البيولوجيا‪ ،‬ابتسم مايكل فعلى اﻻقل هناك من‬
‫يعرف هذه الزهرة‪ ،‬فرغم اننا نراها كل يوم اﻻ ان قلة منا من يعلم بامرها‪ ،‬او‬
‫حتى اسمها‪ ،‬اكملت الفتاة بثقة‪ ،‬أعتقد أنها ترمز إلى قوة الشخصية‪ ،‬إنها حقا زهرة‬
‫رائعة‪ ،‬هناك أكثر من ‪ 4000‬نوع من زهرة الزنبق‪ ،‬وأكثر من ‪ 200‬جنس من‬
‫فصيلتها‪ ،‬درست هذا في قسم البيولوجيا‪ ،‬ﻻ شك أنني على حق أليس كذلك سيد‬
‫مايكل؟‬
‫نعم هو كذلك‪ ،‬لكن زنبق الجالديلياس هو الذي يرمز إلى قوة الشخصية‪ ،‬أما‬
‫زهرة الزنبق هذه على الشاشة‪ ،‬صفراء‪ ،‬تدل على النبل‪ ،‬تسمى عادة زهرة‬
‫الليلي‪ ،‬استعملها النبالء قديما للدﻻلة على مكانتهم اﻻجتماعية‪ ،‬وليومنا هذا‪ ،‬ﻻ‬
‫زالت رمزا يدل على النبل‪ ،‬ستجدونها في علم فرنسا القديم وأعالم أخرى‪ ،‬ورغم‬
‫أن دﻻلتها الشائعة هي هذه‪ ،‬إﻻ أن الفن المسيحي اتخدها رمزا لمريم العذراء‪،‬‬
‫والديانة المسيحية‪ ،‬ذاك أن لها ثالث رؤوس تشبه رؤوس الصليب‪ ،‬أما لونها‬
‫اﻷصفر فقد كان دﻻلة على الهيبة والوقار‪ ،‬والتميز‪ ،‬نظرا ﻷنه لون بارز ويثير‬
‫اﻻنتباه‪ ،‬كما دلت على المكانة اﻻجتماعية الرفيعة ﻷن لونها يرمز للثراء والمال‪،‬‬
‫والذهب بصفة خاصة‪ ،‬أليس هذا رائعا؟‬
‫لكن سيد مايكل أﻻ يدل اللون اﻷصفر على المرض والصيق والشمس؟‬
‫ابتسم مايكل ابتسامة مكر‪ ،‬وقال ‪ :‬يبدو أن القاعة تستقبل قسم علم النفس اللوني‬
‫أيضا وليس البيولوجيا فقط‪ ،‬ابتسم الشاب وهو يرمق الطلبة كأنه يقول معك حق‬
‫أنا طالب علم النفس اللوني‪ .‬معك حق صديقي‪ ،‬اللون اﻷصفر يدل حسب هذا‬
‫العلم على الشمس والمرض والصيف‪ ،‬لكنه يدل على الوضوح واﻷمانة أيضا‪،‬‬
‫أليس كذلك؟ لقد استعمله الصينيون قدسما للدﻻلة على اﻻمبراطور واﻻمباطورية‪،‬‬
‫أما المصريون القدماء فثد اتخدوه لونا ﻵلهة الشمس والوقاء من المرض‪ ،‬وفي‬
‫الهندوسية يعتبر لونا مقدسا‪ ،‬والى يومنا هذا يدل اللون اﻻصفر في الغرب على‬
‫الثراء‪ .‬بدا الذهول على الحضور وهم يستمعون إليه بينما أكمل هو‪ ،‬دعونا نرى‬
‫الرمز التالي‪ ،‬إنه رمز مشهور‪ ،‬مشهور للغاية‪ ،‬أقدم لكم شمعدان مينورا‪ .‬بدت‬
‫الغرابة على الطالب‪ ،‬فرغم الشهرة الواسعة للرمز إﻻ أن مالمح وجههم جعلت‬
‫مايكل يشك أن شهرت الشمعدان لم تطأ يوما ساحة معرفتهم‪ .‬هذا الرمز أعزائي‬
‫مشهور في الوسط اليهودي‪ ،‬كما ترون فهو يتكون من ‪ 7‬أعمدة توضع في كل‬
‫واحدة فيهم شمعة‪ ،‬واختيار الرقم ‪ 7‬ليس صدفة‪ ،‬فلطالمت كان هذا الرقم هو رقم‬
‫الحظ عند اليهود‪ ،‬والرقم المذكور في التوراة أكثر من مرة او اثنتين‪ ،‬كالسماوات‬
‫السبع مثال‪ ،‬واﻷراضي السبع‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫الفصل السابع‬

‫كانت كاثرين قد بدأت قراءة كتاب وجدته وسط الكم الهائل من الكتب على المكتبة‬
‫الجدارية‪ ،‬كان الكتاب يتحدث عن السادية والمازوخية‪ ،‬وكيفية ممارسة الجنس‬
‫على هذا النحو‪ ،‬بدأت تقلب الصفحات‪ ،‬التي كانت كل واحدة منها تحمل رسما‬
‫توضيحيا‪ ،‬فتسمرت مكانها‪ ،‬وقد تناقضت مشاعرها‪ ،‬من هيجان إلى خوف وقلق‬
‫من مايكل‪ ،‬لكنها سيطرت على أعصابها فأغلقت الكتاب‪ ،‬ترى هل مايكل سادي‪،‬‬
‫أم مازوخي؟ كانت الضيفة تتساءل والمشاعر المتناقضة تهز قلبها كسيخ النار‪ ،‬لم‬
‫تكن تعلم كيف تتصرف في حين عاد الى المنزل‪ ،‬اية مشاعر تواجهه بها‪ ،‬فقد‬
‫أصبح ﻻزما عليها أن تمكث عنده‪ ،‬حتى تجد مكانا تمكث فيه بدل منزله‪ ،‬ثم إنه‬
‫إذا علم بأنها قد دخلت مكانه الخاص فإن هذا لن يعجبه‪ ،‬إنه الفضول سيد مايكل‪،‬‬
‫قالت في نفسها وهي تتجه صوب غرفة نومه‪.‬‬
‫يا للهول‪...‬‬
‫اتجه فيكتور نحو المرآب‪ ،‬وعقله يسترجع ذكريات من ماضيه مع ميليسا‪ ،‬هل‬
‫يعقل أن الكاتبة السريالية ليست هي ميليسا؟ فتح باب السيارة فسمع صوتا يناديه‪،‬‬
‫فالتفت واﻷلم يقطر دما من صدره‪.‬‬
‫‪-‬كيف الحال فيكتور‪ ،‬أعلم أنك في حالة مزرية‪ ،‬تعاني من ألم شديد‪ ،‬لكن طبعا‬
‫هذا اﻷلم ﻻ يساوي شيئا أمام اﻷلم الذي عانيته بسببك‪ ،‬قاسيت كثيرا‪ ...‬أنت انسان‬
‫أناني‪ ،‬أناني حقا‪.‬‬
‫‪-‬لكن‪ ...‬ميليسا؟‬
‫‪-‬ميليسا‪ ...‬ميليسا‪ ...‬أﻻزلت ﻻ تفهم اﻷمر زوجي العزيز‪ ،‬اسمي كاثرين‪ ،‬ﻻ‬
‫ميليسا‪ ،‬حين التقيت بستيفن‪ ،‬أخبرته بالقصة كاملة‪- ،‬همست في أذنه قائلة‪ -‬بعد أن‬
‫مارسنا الجنس بقوة‪.‬‬
‫انسلت الدموع من مقلتا فيكتور‪ ،‬كيف حدث هذا؟ ميليسا التي أحبها‪ ،‬رمته بسكين‬
‫في صدره‪ ،‬تناقضت مشاعره‪ ،‬بين حب واشتياق للماضي‪ ،‬وكره وحقد للحاضر‪.‬‬
‫ميليسا لم تعد ميليسا‪.‬‬
‫‪-‬أتدري يا فيكتور‪ ،‬لقد كنت غبيا حين أرسلت ستيفن إلى تلك الحلقيات‪ ،‬كنت‬
‫مخطئا‪ ،‬فأنا لم أكن أحضرها إﻻ من أجل جمع قصص وتجارب الناس‪ ،‬ﻻتمام‬
‫عملي‪ ،‬كنت أبحث عن أسماء اﻻعضاء‪ ،‬وكان ستيفن ميدنز هو الشخص الذي‬
‫أثار انتباهي أكثر‪ ،‬مختطف نساء ذو سوابق‪ ،‬قاتل متسلسل‪ ،‬يعذب ضحاياه‪ ،‬لكن‬
‫المعلومة التي لم ترد في ملفه هي كونه يمارس الجنس أحسن من فيكتور ويليامز‪،‬‬
‫الطبيب البارع‪ ،‬وصاحب أكبر عصابة حكومية‪ ،‬أوبس! دعنا من التفاصيل‪ ،‬أين‬
‫توقفت‪...‬؟ أوه‪ ،‬نعم المجرم ستيفن ميدنز‪ ،‬تتبعت أثره‪ ،‬حتى علمت من خالل‬
‫مايكل جوهانس‪ ،‬عميل مخابرات‪ ،‬يعمل كأستاذ في الجامعة‪ ،‬ﻻبعاد الشكوك‪،‬‬
‫علمت من خالله أن ميدنز كان يعمل لصالحك هذا اﻷسبوع‪ ،‬فاستغليت الفرصة‪،‬‬
‫وقلبت الكفة لصالحي‪ ،‬أقنعته أنك تريد أن تنصب له فخا لتزج به في السجن‪،‬‬
‫وحكيت له قصتي معك‪ ،‬وهكذا اقتنع وفي الصباح تغيرت الخطة‪ ،‬ميليسا التي‬
‫تبحث عنها ليست هي الكاتبة السريالية‪ ،‬هكذا كانت خطتي‪ ،‬ويبدو انها نجحت‪...‬‬
‫أليس كذلك حبيبي؟‬
‫الفصل الثامن‬

‫كانت كاثرين في المنزل حين عاد مايكل مرهقا من تلك المحاضرة‪ ،‬وقد ﻻحظ‬
‫الخوف في عينيها‪.‬‬
‫‪-‬مابك كاثرين؟‬
‫‪-‬أنت لست أستاذ جامعي صح؟‬
‫‪-‬بال أنا كذلك!‬
‫‪-‬هل لك أن تفسر لي ما الذي تفعله هذه اﻷوراق هنا؟ هل تنصب لي فخا؟‬
‫‪-‬كاثرين‪ ،‬من أين أتيت بهذه اﻷوراق؟‬
‫‪-‬من مكتبك!‬
‫‪-‬وهل أخذت اإلذن مني؟ كيف تجرأت على فعل هذا؟‬
‫‪-‬لن أنتظر اإلذن من شخص ينصب لي فخا‬
‫‪-‬اعطيني اﻷوراق وسأشرح لك‬
‫‪-‬اشرح لي أوﻻ‬
‫‪-‬حسنا لكن ليس قبل أن تعطيني أوراقي‬
‫‪-‬تفضل‬
‫‪-‬أنا أعمل مع المخابرات البريطانية‪ ،‬وعملي الثاني مجرد درع ﻻبعاد الشكوك‪،‬‬
‫تلك الرسالة التي وجدتيها كانت ضمن خطتنا‪ ،‬ﻻبعادك من فيكتور المجرم‪،‬‬
‫واحضارك في مأمن هنا‪.‬‬
‫‪-‬لكن كيف وصلت الرسالة إلى هناك؟‬
‫‪-‬صوفي كابلين‬
‫‪-‬الخادمة؟‬
‫‪-‬نعم هي أيضا تعمل معنا‪ ..‬حين خرجت من المنزل اتصلت صوفي كابلين بي‪،‬‬
‫وأخبرتني بذلك‪ ،‬كان تخميني في محله حين ذهبت إلى الحانة‪.‬‬
‫ماذا بشأن النبيذ؟ هل كان ذلك مدبرا؟ ثم لماذا أنا هنا؟‬
‫‪-‬نعم كل شيء كان مدبرا كاثرين‪ ,‬وأنت هنا للعمل معنا‪ ،‬نحتاجك بقوة لتسديد‬
‫ضربتنا‪ ,‬لهذا أنا بحثت لك عن عمل وقد وجدته‪ ,‬ستعملين في مجلة مشهورة‪ ،‬غدا‬
‫صباحا‪ ,‬قولي لهم فقط ميليسا‪ ,‬وهم سيعطونك الموضوع الذي يرغبون أن تتحدثي‬
‫عنه‪ ,‬سأساعدك في ذلك طبعا‪ ,‬وحين ستحدثين ثورتك الفكرية ستزداد شهرتك‬
‫هكذا سيعثر عليك فيكتور‪ ،‬عندها سننفذ خطتنا في القبض عليه‬
‫‪-‬يبدو هذا مثيرا‪ ,‬لكن لدي طلب –نظر إليها باستغراب وكأنه يقول لها‪ ,‬ﻻ تنسي‬
‫أننا المخابرات‪ ,‬وليس فيكتور أيتها المدللة‪ -‬أريد أن أقتله –قالتها وهي تنظر في‬
‫وجه مايكل بنظرات خفاش‪ ,‬كأنها تقول له أتركني أمحي ذاك الماضي‪ ,‬أتركني‬
‫أدفن ذاك الوحش الذي اغتصب مستقبلي‪-‬‬
‫‪-‬أتمزحين ؟‬
‫‪-‬وهل أبدو كذلك؟‬
‫‪-‬ﻻ لن تقتليه‪ ,‬هذا ليس عملك‪ ,‬أنت هنا لمساعدتنا فقط‪ ,‬ﻻشيء غير ذلك‬
‫‪-‬أنا خارج اللعبة إذن‬
‫‪-‬كيف؟‬
‫‪-‬كما سمعت‪ ,‬أنتم في آخر المطاف ستقتلونه كما قتلتم اﻷميرة ديانا وعشيقها دودي‬
‫الفايد بعد أن طلقت اﻷمير شارل ‪...‬‬
‫‪-‬تبا من أين لك بكل هذه المعلومات؟‬
‫‪-‬حسنا‪ ,‬لقد تعلمت القراءة في الصف اﻷول ابتدائي‪ ,‬وقد ساعدني ذلك كثيرا لكي‬
‫أقرأ بعض الملفات في مكتبك‬
‫‪-‬سحقا –ذهب يجمع اﻷوراق على مكتبه وهو يخاطبها‪ -‬هذه آخر مرة تدخلين فيها‬
‫مكتبي دون إذني مفهوم؟‬
‫‪-‬ليس قبل أن نتفق حول مسألة قتل فيكتور‬
‫‪-‬حسنا أيتها الشقية سنتدبر اﻷمر‬
‫‪-‬تقصد سأتدبر اﻷمر‬
‫‪-‬حسنا لك ذلك‪ ...‬شقية !‬
‫الفصل التاسع ‪:‬‬
‫كان فيكتور يتألم وسط الظلمة التي طغت على مجال رؤيته‪ ,‬ماض جميل مع هذه‬
‫الفاتنة‪ ,‬تحول إلى رماد كئيب كأن إعصارا جائر ضرب مقر حياته‪ ,‬ورماه بعيدا‬
‫حيث الوحدة‪ ,‬اﻷلم ثم الموت‪.‬‬
‫يتساءل وهو غارق في دمائه‪ ,‬كمهاجر سري يلتقط آخر أنفاسه‪ ,‬هل هذا هو طعم‬
‫الفناء؟ سيخ نار صامت‪ ,‬يسجنك في معرض حافل بماليين الصور‪ ,‬أكل عليها‬
‫الدهر وشرب؟‪ ,‬سنوات من الماضي‪ ...‬حياة طويلة تحولت إلى ألبوم صور‪ ,‬إنها‬
‫حقا حياة طويلة‪,‬‬
‫حياة بطول إبرة !‬
‫حزن ما يعتصر قلبه‪ ,‬كعصارة قهوة صدئة‪ ,‬أ مازلت حيا؟‬
‫لطالما ظننا أن الحياة ممر‪ ,‬نطأ فيه وجوه الضعفاء كي نحظى بالقوة‪ ,‬السلطة‬
‫والسعادة‪ ,‬ونسينا أن الحياة ساعة يد قد تتعطل بطاريتها يوما ما‪ ,‬فنعود إلى الواقع‬
‫حيث الوحدة‪ ,‬اﻷلم‪ ...‬الموت‪.‬‬
‫كان ستيفن في الخارج‪ ,‬حين وقفت ميليسا أمام نافذة السيارة على اليمين‪,‬‬
‫وابتسامة نصر تعلو محياها‬
‫‪-‬ستيفن –فتح النافذة أوتوماتيكيا ثم استرسلت‪ -‬علي أن أفضي أمرا آخر‪ ,‬ﻻ‬
‫تنتظرني‬
‫‪-‬هل أوصلك؟‬
‫‪-‬ﻻ داعي‪ ,‬المكان ليس بعيدا‬
‫‪-‬حسنا إلى اللقاء‬
‫‪-‬إلى اللقاء‬
‫اختفت سيارة ستيفن بسرعة متهور‪ ,‬بينما سحبت ميليسا هاتفها الذكي من جيبها‪.‬‬
‫‪-‬مايكل‪ ,‬لقد أتممت العملية‬
‫‪-‬أية عملية؟‬
‫‪-‬ألقاك في المنزل‬
‫‪-‬حسنا‬
‫قطعت الخط‪ ,‬واستقلت سيارة أجرة لتتجه إلى المنزل حيث تقطن هي ومايكل‪,‬‬
‫الذي ساعدها كثيرا في بناء مستقبلها‪ ,‬لكنه أقحمها في معمعة المخابرات التي‬
‫تتميز بطابع السرية‪ ,‬وقد كانت اﻷنشطة التي تقوم بها المخابرات اليوم كالتجسس‪,‬‬
‫من اﻷشياء التي اعتمدتها الحضارة الفرعونية سابقا‪ ,‬فكان أول جهاز استخباراتي‬
‫في العالم قد أسس على يد الملك تحتمس الثالث وكان الغرض منه هو التجسس‬
‫وخلق البلبلة في مدينة يافا وإضعافها‪ ,‬وربما هذا ما تسعى نحوه كل الدول‪,‬‬
‫إضعاف بعضها البعض بدل العيش بشكل متوازن‪ ,‬كل تلك الشعارات التي‬
‫نرددها حول إنقاذ أفريقيا اﻷم مجرد قصة نقصها على سكانها كل ليلة قبل أن‬
‫يناموا‪ ,‬هكذا كان يخبر مايكل ميليسا‪.‬‬
‫كان مايكل في المنزل حين دخلت ميليسا والفرحة تعلو محياها‬
‫‪-‬أية عملية –قال مايكل‪-‬‬
‫‪-‬لقد قتلت فيكتور‬
‫‪-‬ماذا ؟‬
‫‪-‬نعم‪ ,‬لقد فعلت‬
‫‪-‬لكن كيف؟‬
‫‪-‬أتتذكر ستيفن ؟ ذاك المجرم الذي سألتك عنه‬
‫‪-‬نعم ستيفن ميدنز‬
‫‪-‬لقد استعنت به لكي أتمم خطتي‬
‫‪-‬هل جننت؟‬
‫‪-‬ﻻ تخف‪ ,‬لقد أخبرته أن فيكتور ليس زوجي‪ ,‬وأنه يريد فقط أن يوقع به‪ ,‬وينصب‬
‫له خطة‪ ,‬وأقنعته أن يخبر فيكتور أنني لست ميليسا التي يبحث عنها‪ ,‬وأن يخبره‬
‫بأن يالقيه في المرآب‪ ,‬وقد فعل ذلك بالحرف‬
‫‪-‬هل كان معك حين قتلته؟‬
‫‪-‬ﻻ طبعا‪ ,‬كانت الخطة أن يخبره أن يالقيه هناك‪ ,‬كي أفاجأه أنا وأسدد ضربتي‬
‫‪-‬هل رآك شخص ما؟‬
‫‪-‬ﻻ‬
‫‪-‬جيد‪ ,‬ابقي في المنزل‬
‫‪-‬علي أن أقدم بحثي للمجلة‬
‫‪-‬ليس اليوم‬
‫‪-‬لماذا؟‬
‫‪-‬لن يقرأه أحد‪ ,‬ﻷن اليوم هو يوم فيكتور كل المجالت ستتحدث عن مقتله‬
‫‪-‬رائع هذا ما كان ينقصنا‬
‫غادر مايكل جوهانس المنزل واتجه نحو مجلة امباير حيث التقى بغبرائيل‬
‫‪-‬سيد جوهانس‬
‫‪-‬سيد غبرائيل أتيت لكي أخبرك أن…‬
‫الفصل الحادي عشر‬
‫‪:‬‬
‫بدأت كاثرين العمل في مجلة إمباير فكان من الصعب عليها تحمل عناء قراءة‬
‫كتب علم الرموز القديمة ككتاب "ها العالمة‪-‬الرمزية القديمة‪ "-‬للكاتب "رالف‬
‫م‪.‬لويس" وكتب أخرى قبيل كتب "رودمان ر‪.‬كاليسون"‪" ,‬هيلدا إيليس دافيدسون"‬
‫و "ج‪.‬س‪ .‬كووبر" وغيرهم من الكتاب الذين كتبوا كتبا حول علم الرموز‪ ,‬هذا‬
‫العلم الذي عرف بدايته على يد أستاذ العلوم اإلنسانية في جامعة كورنيل "فيكتور‬
‫تورنر" أيام السبعينات‪ ,‬حيث درس الطرق التي تتعامل الشعوب فيها والجماعات‬
‫مع الرموز وكيف تستخدمها في الطقوس الدينية‪ ,‬خاتما بذلك بحثه باستنتاج التأثير‬
‫الذي يتركه الرمز على المجتمع‪ ,‬كالصليب مثال في الثقافة المسيحية‪ ,‬أو الصليب‬
‫في الثقافة الفرعونية القديمة‪ .‬رغم كل هذا العناء‪ ,‬الذي ﻻقته كاثرين قي بحوثها‬
‫إﻻ أنها النتيجة قد ﻻقت إعجابا كبيرا‪ ,‬خصوصا حين كتبت مقالها اﻷخير‪ ,‬الذي‬
‫تحدثت فيه عن الرموز من بداية اإلنسان إلى اﻵن‪ ,‬ذاكرة بذلك أن الرموز لم‬
‫تمت بعد بل غادية تتوسع‪ ,‬ولعل رمز الوشاح اﻷحمر الذي يدل على التضامن مع‬
‫المصابين بمرض اإليدز أو الرمادي للتضامن مع المصابين بداء السكري دليل‬
‫على أن ثقافة الرموز ﻻ زالت تعيش بيننا‪.‬‬
‫كان مايكل فخورا بإنجازاتها واستنتاجاتها‪ ,‬فالحياة التي لم تسمح له بأن يقع في‬
‫الحب قد ابتسمت له أخيرا‪ ,‬لكن الخوف من شيء غريب كان يعتصر قلبه‪ ,‬ذاك‬
‫التردد والخوف من السقوط في حوض خانة الصداقة كان من اﻷمور التي جعلته‬
‫يعزف عن مصارحتها بمشاعره‪.‬‬

‫كانت الصدمة قد سلبت غبرائيل ابتسامته‪ ,‬جئت لكي أخبرك أن‪..‬‬


‫كان صوت الخبر يتردد في أذنه كأنه صدى لطلقات نار‪ ,‬ميليسا بشخصيتها‬
‫القوية‪ ,‬وأسلوبه السلس في الكتابة‪ ,‬ببحوثها الشيقة‪ ,‬وراقتها‪ ,‬جمالها ودهائها‪...‬‬
‫هذا ﻻ يصدق‪ ,‬ﻻ يمكن لميليسا أن تكون كذلك‪ ...‬كان غبرائيل يحتاج توضيحات‪,‬‬
‫لكن عميل المخابرات لم يعطه وقتا لالستفسار أصال‪ ,‬ألقى بكالمه على وجهه‬
‫وغادر كساعي بريد ليس همه شرح ما بالرسائل‪ ,‬وإنما إيصالها‪ ,‬استمر غبرائيل‬
‫في طرح كل تلك اﻻستفسارات التي لم يسعه الوقت‪ ,‬أو لم يكن له نصيب وحظ‬
‫من الوقت لكي يطرحها لمايكل‪ ,‬وبدأ يبحث عن أجوبة لها‪ ,‬كيف لميليسا أن تكون‬
‫كما أخبره مايكل؟ ﻻ أجوبة‪ ,‬ﻻ شروح‪ ,‬ﻻ شيء على اإلطالق يدور في رأسه‪.‬‬
‫في الجهة اﻷخرى كانت ميليسا جالسة‪ ,‬تستمع إلى النشرة اإلخبارية التي كانت‬
‫تبث صور فيكتور مقتوﻻ في المرأب‪ ,‬كل القنوات اإلخبارية كانت تتحدث عن‬
‫الموضوع‪ ,‬والسلطات تبحث عن مرتكب الجريمة‪ ,‬كانت الشكوك حسب القنوات‬
‫اإلخبارية تتجه نحو أربعيني‪ ,‬لم تتعرف الصحافة بعد على هويته‪ ,‬لكن الجهات‬
‫اﻷمنية تقول أن شكوكها موجهة إليه‪ ,‬وأنه سوف تعلن عن هويته حال تأكدها من‬
‫تورطه في الجريمة‪ ,‬كانت الصور التي تبثها قناة السي ان اي‪ ,‬تظهر شخصيات‬
‫بارزة من عميلي مخابرات مشهورين‪ ,‬ورؤوس أموال كبيرة في البلدة‪ ,‬ﻻ شك‬
‫أنهم يبحثون عن حلول ترقيعية قالت ميليسا مخاطبة نفسها وقد تعرفت على جل‬
‫الشخصيات‪ ,‬مارتن هوبز‪ ,‬جينيفر ﻻندا‪ ,‬و بيل هاندسوم‪ ,‬صاحب شركة بريطانية‬
‫كبيرة كان فيكتور يملك أسهما متواضعة فيها لكن كبيرة مقارنة مع اﻵخرين‪.‬‬
‫ﻻ شهود حظروا الجريمة وﻻ كاميرات مراقبة سجلتها‪ ,‬كل شيء كان مخططا له‬
‫تقول إحدى الصحفيات المثيرات وهي تنظر في الكاميرا‪ ,‬كل التهم‪ ,‬تقول‬
‫السلطات‪ ,‬موجهة نحو أربعيني يعيش في البلدة‪ ,‬في انتظار التأكد من هذه‬
‫الشكوك‪ ,‬لإلعالن عن هويته‪ ,‬أنا اﻵن في مقر الجريمة‪ ,‬ومعي السيد غبرائيل‬
‫صاحب مجلة إمباير البريطانية‪ ,‬يقول أنه يملك معلومات حول صاحب الجريمة‪.‬‬
‫‪-‬سيد غبرائيل‪ ,‬لقد قلت أنك تملك معلومات حول القاتل هل هذا صحيح؟‬
‫‪-‬نعم في الحقيقة تمكنت مجلتنا من التعرف عن القاتل‪ ,‬بشراكة مع الجهات‬
‫اﻷمنية‪ ,‬وكاتبتنا التي تمتلك قدرات صحفية‪ ,‬ميليسا‪ ,‬كانت هي المسؤولة عن‪...‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬
‫‪:‬‬
‫بدأت شهرة كاثرين تكبر تحت اسم ميليسا‪ ,‬كل الجرائد تحدثت عنها‪ ,‬وعن‬
‫انجازاتها البحثية‪ ,‬من كان ليعتقد أن حياتها ستصبح بهذا الثراء وبهذه الشهرة‪ ,‬ﻻ‬
‫أعتقد أنها كانت تنتظر كل هذه الشهرة‪ ,‬فحتى وعد مايكل في جعلها مشهورة كان‬
‫مجرد مزحة في ذهنها‪ ,‬فال أحد كان ليصدق أن شخصا ما سيصنع منه نجما‪ ,‬وﻻ‬
‫أحد كان ليلتزم بهذا الوعد غير مايكل الذي نجح في ذلك دون عناء يذكر‪ ,‬لكن‬
‫كما يقال ﻻ شهرة بدون تبعات‪ ,‬فكاثرين أو ميليسا‪ ,‬تعرضت لنقد ﻻذع من‬
‫الكنيسة‪ ,‬ومن أولئك المتدينين الشوبنهاوريين كما تحب أن تسميهم‪ ,‬أولئك الذين‬
‫يؤمنون بأن العالم متآمر ضدهم‪ ,‬ﻻ لشيء سوى أنهم متشبثون بمعتقداتهم‪ ,‬لكن‬
‫الحقيقة كما تعتقد هذه الكاتبة الجريئة‪ ,‬هي أن المؤمنين في حالة ضعف أمام العلم‬
‫والتطور العلمي‪ ,‬فكل اﻷدلة العلمية منذ فجر الثورات الفكرية في أوروبا‪ ,‬كانت‬
‫تقف ضد الكنيسة‪ ,‬الشيء الذي سلبها الثقة العمياء التي انكبت عليها من المؤمنين‬
‫الضعفاء‪ ,‬الذين أصبحوا يعتقدون أن الكنيسة نفسها تتآمر ضدهم‪ ,‬وهنا ظهرت‬
‫مجموعة من النظريات التي سميت جميعها بنظرية المؤامرة‪ ,‬التي تعتبرها ميليسا‬
‫مجرد هراء‪ ,‬فمن كان ليصدق في القرن ‪ 21‬أن كتب سحر وشعوذة كانت مدفونة‬
‫في القدس من عهد سليمان‪ ,‬امتلكها أناس سمتهم بفرسان الهيكل‪ ,‬الماسونيين‬
‫والمتنورين‪ ,‬وحده دان براون كان ليصدق هذا لكتابة كتاب جديد‪ ,‬أو ليوهم الناس‬
‫أن هذا صحيح‪ ,‬ويحقق أرباحا فوق اﻷرباح التي حققها‪ ,‬ومن كان ليصدق‬
‫مشروع ‪ HARRP‬لتغيير المناخ‪ ,‬والشعاع اﻷزرق ‪ ,Blue beam‬في الحقيقة‬
‫لو سمع هؤﻻء المتدينون‪ ,‬تعتقد ميليسا‪ ,‬تلك النظرية الخبيثة التي جاء بها مؤيدي‬
‫نظرية المؤامرة‪ ,‬والتي تربط العائلة الملكية في بريطانيا بالفراعنة‪ ,‬لصدقوها‪,‬‬
‫وقاموا بثورة ضد الملكية ﻻ سبب سوى أنهم خائفون من أوهامهم‪ ,‬وهذا الخوف‬
‫يجعلنا نقلق بشأن مستقبلنا‪.‬‬
‫لقد لخص سيث نات هانه‪ ،‬معلم ومؤلف وناشط فرنسي هذا في مقولة له حيث قال‬
‫‪" :‬الخوف يجعلنا نركز على الماضي ونقلق بشأن المستقبل‪ .‬إذا اعترفنا بوجود‬
‫هذا الخوف بداخلنا‪ ،‬سندرك حينها أننا ما زلنا بخير وعلى قيد الحياة وأجسامنا‬
‫تعمل بشكل رائع وأعيننا ما زالت قادرة على تأمل السماء‪ .‬وآذاننا قادرة على‬
‫سماع اﻷشخاص الذين نحبهم"‬
‫الفصل اﻷخير ‪:‬‬

‫كان وقع تصريح غبرائيل على ميليسا كوخز سيخ‪ ,‬شل أطرافها لبضع ثوان‪ ,‬لم‬
‫تكن تدري ما هذا الفيلم الذي تورطت فيه‪ ,‬فاتصلت بمايكل على الخط الساخن‪,‬‬
‫كأن دبا جائع على وشك مهاجمتها‪ ,‬جلست تنتظر رده لكن ﻻ يجيب‪ ,‬بم يعد‬
‫بحوزتها حل غير أن تتظاهر بالموت وتجمد مشاعرها حتى يمر هذا الدب‬
‫الجائع‪ ,‬هذا الخوف من التورط الذي طاردها دون أن تعلم أين أو كيف؟ منذ متى‬
‫كانت الكاتبة ميليسا متورطة في هذه اﻷشياء؟‬
‫حملت ميليسا حاسوبها‪ ,‬وبدأت تفكر في حل لمشكلتها‪ ,‬عندما نقتل شخصا ما تنته‬
‫مشاكله‪ ,‬وتبدأ مشاكلنا‪ ,‬حان الوقت لكي تبوح ميليسا بقدراتها الكتابية والتقريرية‪,‬‬
‫فرئيس التحرير غبرائيل ورطها لتوه في قضية ضخمة‪ ,‬من القاتل؟ هي‪ ,‬من‬
‫المجرم؟ هي‪ ,‬من عيه أن يكتب عن القاتل؟ هي‪ ,‬إنها سخرية اﻷقدار !‬
‫بدأت ميليسا تكتب وكلها اندفاع‪ ,‬كأنها تحاول إبعاد التهمة‪ ,‬وإلقائها على ستيفن ‪:‬‬
‫خريف مليء باﻷحداث كان مجرد أسطورة في بريطانيا‪ ,‬واﻵن أصبح حقيقة‪ ,‬بعد‬
‫أن توفي مساء اليوم السيد فيكتور‪ ,‬الذي كان ‪...‬‬
‫حان الوقت لكي أطلعهم على القاتل‪ ,‬قالت ميليسا مخاطبة نفسها‪ ,‬أنا أم ستيفن‪,‬‬
‫أخذت نفسا طويال ثم أكملت ‪:‬‬
‫وقد توصلنا بتعاون من المخابرات البريطانية‪ ,‬واﻷجهزة اﻷمنية إلى أن المعني‬
‫باﻷمر‪ ,‬والمتهم اﻷول بالقضية هو رجل أربعيني اسمه ستيفن‪...‬‬
‫أكملت ميليسا كتابة المقال والندم يجرح هاجسها‪ ,‬لم تكد تمسح دمعة انسلت من‬
‫مقلتاها كالنسيل‪ ,‬حتى اتصل بها مايكل ‪:‬‬
‫‪-‬ميليسا‪ ,‬هذه فرصتك للشهرة الحقيقية‪ ,‬اكتب مقاﻻ‪..‬‬
‫‪-‬لقد كتبته يا مايكل‬
‫‪-‬ما بك‪ ,‬يبدو من صوتك اﻻنزعاج‬
‫‪-‬أشعر بالندم‬
‫‪-‬ليس عندك ما تندمين عليه اتبعي ما سأقوله لك وكل شيء سيكون على مايرام‬
‫‪-‬يكفيني شهرة ما أتعرض له يوميا من نقد من طرف الكنائس‬
‫‪-‬ميليسا‪ ,‬أرسل المقال إلى غبرائيل سأشرح لك كل شيء ليال‪,‬‬
‫‪-‬حسنا أين ألقاك؟ ومتى؟‬
‫‪-‬تتذكرين تلك الحديقة التي كنا نجلس فيها سوية؟‬
‫‪-‬نعم‬
‫‪-‬ألقاك هناك مع العاشرة ليال‬
‫‪-‬حسنا‪ ,‬كم الساعة اﻵن؟‬
‫‪-‬التاسعة‪ ,‬معك ساعة‪ ,‬ترسلين فيه المقال‪ ,‬سينشر فور وصوله إلى غيرائيل‬
‫‪-‬فور وصوله؟ لما كل هذه السرعة؟‬
‫‪-‬الكل يريد معرفة القاتل‬
‫‪-‬حسنا‪,‬حسنا‪ ,‬أراك هناك‬
‫قطعت ميليسا الخط‪ ,‬وضغطت على زر اإلرسال‪ ,‬ليهاجر مقالها في رمشة عين‬
‫إلى حساب غبرائيل‪ ,‬كانت تعلم أنها لو فكرت في اﻷمر لمجرد ثانية ﻷصيبت‬
‫لنزلة ندم وتهافتت عليها هواجس الضمير المخيفة‪ ,‬لذلك طبقت أوامر مايكل‬
‫بسرعة‪ ,‬كأنها آلة مبرمجة‪ ,‬ﻻ وقت لديها للتفكير‪ ,‬فعل وردة فعل‪ ,‬هكذا هي الحياة‬
‫اﻵن‪ ,‬ﻻ شيء يستحق تفكيرا عميقا‪ ,‬يكفينا أن نأخذ اﻷمور ببساطة‪ ,‬بضمير ميت‪,‬‬
‫حتى نظن أننا نفعل الصواب‪ ,‬أغلقت حاسوبها‪ ,‬وشرعت في ارتداء مالبسها‪ ,‬كان‬
‫عليها أن ترتدي زيا جميال‪ ,‬فال بد أن مايكل سيحضر نبيذا أحمر‪ ,‬ينسيها ما‬
‫حدث‪ ,‬أو فقط لكي يحتفال بنخب النجاح واﻻنتقام من فيكتور‪ ,‬لكن ماذا عن‬
‫ستيفن‪ ,‬صورته البريئة ﻻ تكاد تترك ضميره مرتاحا‪.‬‬
‫بسرعة غير معتادة وجدت نفسها داخل زي عار من الخلف‪ ,‬تظهر فيه أثرابها‬
‫كبرتقالتين ناضجتين‪ ,‬من يراها يقل موناليزا القرن‪ ,‬ﻻ شيء أكثر من هذا‬
‫الوصف أراه قادرا على وصف أناقتها‪.‬‬
‫حملت حقيبة يدها الحمراء المتناسبة مع لون الفستان اﻷحمر‪ ,‬وخرجت من‬
‫المنزل لتشير إلى أول سيارة أجرة ترمقها‪.‬‬
‫كان مايكل آنذاك ينتظرها بفارغ الصبر‪ ,‬اليوم هو يومه‪ ,‬فقد وعد نفسه بأن‬
‫يخبرها بمشاعره الموءودة بداخله‪ ,‬أن يرميها بورود حبه التي نضجت في بستان‬
‫قلبه‪ ,‬ﻻ شيء أجمل من لحظة صمت تعتريها ومضة قبلة‪ ,‬دافئة بطعم الفراولة‪,‬‬
‫إنها الحياة !‬
‫وصلت ميليسا الحديقة‪ ,‬تبحث عن مايكل بين اﻷشجار‪ ,‬فلطالما كان يختفي خلفها‪,‬‬
‫كأسطورة شجر الغرقد التي يختبئ خلفها اليهود‪ ,‬بدأت تبحث بأعينها كفتاة‬
‫صغيرة‪ ,‬حتى شعرت بأنفاس تطرق عنقها‪ ,‬ثم التفتت بسرعة بعد أن سحبت نفسا‬
‫عميقا‬
‫‪-‬ميليسا‬
‫‪-‬مايكل؟‬
‫‪-‬تبدين جميلة‬
‫‪-‬شكرا‬
‫‪-‬لقد قمت بمحاضرات عديدة‪ ,‬ولم أكن أشعر فيها بالتوتر لكن اليوم‪ ...‬أمامك‪ ..‬أنا‬
‫حقا متوتر‬
‫‪-‬ولماذا التوتر؟ لقد عشت معك كثيرا‬
‫‪-‬في ظل هذه المدة التي عشناها سوية‪ ,‬كنت دائما أود أن أخبرك أنني‪..‬‬
‫‪-‬أنك تعمل في الخفاء من أجلي مثال هه ؟‬
‫‪-‬أنني أحبك‬
‫‪-‬لكن مايكل‪..‬‬
‫‪-‬كنت أعلم ﻻ تحبينني‬
‫‪-‬ﻻ ليس كذلك‪...‬‬
‫‪-‬ماذا إذن؟‬
‫‪-‬لماذا لم تخبرني من قبل؟‬
‫‪-‬لم تكن عندي الجرأة‪ ,‬كنت أخشى أن ترفضيني‬
‫‪-‬ﻻ‪ ..‬ف‪..‬‬
‫وقاطعها بقبلة‪ ,‬ثم قاطعته‬
‫‪-‬قبل أن نكمل القبلة‪ ,‬ماذا سيحدث لستيفن‪ ,‬أشعر بتأنيب الضمير‬
‫‪-‬ﻻ تقلقي بشأن ستيفن فقد خططت لكل شيء‪ ,‬سيتم إيهام الناس أننا ألقينا القبض‬
‫عليه‪ ,‬ثم سيتم ترحيله إلى الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية‪ ,‬حيث سيعمل لصالحنا‬
‫‪-‬كجاسوس يعني؟‬
‫‪-‬حسنا لنقل كجاسوس‪ ,‬لكن ليس جاسوس‬
‫‪-‬ماذا إذن؟‬
‫‪-‬هال قبلتني وصمتي ههه‬
‫هكذا اعترف مايكل لميليسا بحبه‪ ,‬وهكذا حققت ميليسا نجاحها‪ ,‬كل شيء تم ليال‪,‬‬
‫ففي الليل نتعلم الحب‪ ,‬وفي الليل نتعلم النجاح‪ ,‬وفي الليل يكون للعالم معنى آخر‪,‬‬
‫ﻻ لشيء سوى أن كل القصص تنتهي ليال‪ ,‬فعندما يحل الليل‪ ,‬إياك ثم إياك‪ ..‬أن‬
‫تترك الفرص تفر منك‪ ,‬فالفرص تأتينا ليال‪ ,‬تأتينا حين يكون الناس نائمين‬
‫يحلمون بواقع غير واقعهم المرير‪ ,‬تأتينا حين تكون الظلمة قد ألقت بغطائها على‬
‫أعين من هم حولك‪ ,‬فاستغل فرصك‪ ,‬ﻻ بأنانية كلب‪ ,‬لكن بأنانية أسد‪.‬‬

‫النهاية‪.‬‬

You might also like