المحاكم الاقتصادية وعلاقتها بالتنمية PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 25

‫المحاكم االقتصادية وعالقتها بالتنمية‬

‫د‪ .‬وائل راضي‬


‫القاضي بمحكمة القاه ةر االقتصادية‬
‫المحاكم االقتصادية وعالقتها بالتنمية‬
‫د‪ .‬وائل راضي‬
‫القاضي بمحكمة القاه ةر االقتصادية‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫العبلقة بُت القضاء والتنمية ىي موضوع كوين وجد بوجود البشرية وتطور بتطور اجملتمعات‪،‬‬
‫فبدوف القضاء ال ديكن دلناخ التنمية أف يزدىر‮‪ ،‬فالعدؿ أساس احلضارة وأساس األمن واالستقرار‪ .‬ويف‬
‫إطار تركيز االىتماـ حوؿ البحث عن سبل جديدة للنهوض باالقتصاد ادلصري ساد االقتناع بأف‬
‫االقتصاد احلر ىو أفضل اختيار‪ ،‬ولكن كانت مصر يف حاجة إىل العديد من اإلصبلحات‪ ،‬خصوصا‬
‫التشريعية لدفع عجلة التنمية االقتصادية‪ ،‬خاصة أف إجراءات القضايا االقتصادية كانت تستغرؽ وقت اً‬
‫طويبلً عند نظرىا يف احملاكم ادلدنية فتتسبب يف ىروب ادلستثمرين‪ ،‬ومن ىنا جاءت فكرة إنشاء‬
‫زلاكم متخصصة يف نظر ادلنازعات الناشئة عن تطبيق القوانُت ادلختلفة ادلنظمة للحياة االقتصادية‪.‬‬

‫وقد ظهرت فكرة احملاكم االقتصادية يف مصر قبل أربع سنوات‪ ،‬وتبنتها احلكومة يف شكل‬
‫مشروع قانوف إلنشاء احملاكم االقتصادية عاـ ‪ ، 2006‬حيث وافق عليو رللس الوزراء‪ ،‬وأرسل إىل‬
‫رللسي الشعب والشورى دلناقشتو وإقراره‪ ،‬إال أف ادلشروع ظل متعثراً بسبب كثرة التشريعات ذات‬
‫األولوية‪ ،‬مثل التعديبلت الدستورية وقانوف الضرائب‪ ،‬حىت مت إقراره يف ‪ 22‬مايو ‪ ،2008‬وبدأ‬
‫العمل بو منذ أوؿ أكتوبر بالعاـ نفسو‪. 1‬‬
‫وقد كاف اذلدؼ األساسي من إصدار ىذا القانوف ىو دعم االقتصاد ادلصري من خبلؿ‬
‫إنشاء قضاء متخصص وسريع يتوىل نظر ادلنازعات ذات العبلقة بالنشاط االقتصادي واالستثمار‪،‬‬
‫فمما ال شك فيو أف عدـ فعالية ادلؤسسة القضائية يف أي من البلداف يؤثر بالضرورة على مسعة‬
‫االستثمارات فيو‪ ،‬سواء كاف السبب يرجع إىل بطء التقاضي وكثرة إجراءاتو وتعقيدىا أو لعدـ‬
‫زبصص العاملُت فيو وتشتتهم يف أكثر من رلاؿ‪ .‬فالتداعي الذي يصيب آلية التقاضي احلكومية يف‬

‫‪ 1‬‮د ‪ .‬‮ ‪ .‬هند بداري ‪ ،‬‮انًحبكى‮االقتصبدٌت ‪ ..‬‮دوائر‮جذٌذة‮ وقضبٌب‮يثٍرة‮نهجذل ‪،‬‮يقبل‮يُشىر‮فً ‮‪ 2002/8/ 2‬‮ عه ً‮انًىقع‮اإلنٍكتروَ ً‮نجرٌذة‮اخببر‮‬
‫يصر‮ ‪www.egynews.net‬‬
‫بلد ما‪ ،‬يصاحبو بالضرورة زبوؼ ادلستثمرين وإحجامهم عن ادلغامرة دبشروعات يف بلد مسعتو الفنية او‬
‫اإلجرائية ليست بالقدر البلزـ والكايف للتعامل مع ادلنازعات االقتصادية ادلعقدة اليت أفرزهتا ادلتغَتات‬
‫يف حركة التجارة الدولية وما ترتب عليو من ظهور أشكاؿ جديدة للتجارة مل تكن موجودة من قبل‬
‫وال تقف عند حدود دولة معينة‪ ،‬بل إهنا أصبحت متشعبة ومعقدة ال يستطيع حلها إال قضاء‬
‫متخصص على درجة عالية من الكفاءة‪.2‬‬
‫وقد تنبهت الدولة إىل أف القضاء بوضعو احلايل يعاين فيو القاضي من عدـ التخصص‬
‫لتشعب التخصصات اليت يعمل فيها القاضي الواحد وما يصاحب ذلك من تشتيت فكره وقدراتو‬
‫الذىنية‪ ،‬وما ي ًتتب عليو من عدـ قد رتو على التعامل مع النوعية اجلديدة من النزاعات التجارية وما‬
‫يتبعو من تأثَت سليب على مسعتو يف التعامل مع تلك النوعية اجلديدة من القضايا‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‬
‫فإف ادلنازعات التجارية زبضع لذات إ جراءات التقاضي اليت زبضع ذلا سائر ادلنازعات‪ ،‬وىذه‬
‫اإلجراءات تتسم بالبطء الشديد والتعقيد دبا يؤدي إىل إطالة أمد التقاضي بصورة ال تتناسب مع‬
‫ناجزا سر ًيعا‪.‬‬
‫طبيعة ادلنازعات التجارية اليت تستلزـ قضاء ً‬

‫وألف األمر يستوجب يف ىذه احلالة اتباع منهج ادلعاجلة والتحديث‪ ،‬فقد ولدت فكرة إنشاء‬
‫احملاكم االقتصادية ككياف قضائي جديد متخصص يف نوعية معينة من ادلنازعات مدنية كانت أو‬
‫جنائية‪ ،‬تضمن سرعة الفصل يف ادلنازعات ادلنصوص عليها يف القانوف بواسطة قضاة مؤىلُت‬
‫ومتخصصُت يتفهموف دقة ادلسائل االقتصادية وتعقيداهتا يف ظل نظاـ العودل ة وربرير التجارة ودبا حيقق‬
‫وصوؿ احلقوؽ ألصحاهبا على ضلو ناجز مع كفالة حقوؽ الدفاع‪ .‬وألف زبصص القاضي وحده ال‬
‫يكفي لضماف سرعة الفصل يف ادلنازعات االقتصادية فقد وجب النص على حزمة من اإلصبلحات‬
‫التشريعية اخلاصة هبذه احملاكم وحدىا – اليت تضمن تقليل أمد التقاضي وأمهها جعل التقاضي على‬
‫درجتُت بدال من ثبلث وإنشاء نظاـ جديد لتسوية ادلنازعات االقتصادية‪.‬‬
‫وسوؼ نعرض بإجياز ل آلليات ادلختلفة اليت استحدثها القانوف رقم ‪ 120‬لسنة ‪2008‬‬
‫بإنشاء احملاكم االقتصادية وربليل قدرة ىذه اآلليات على تقليل أمد التقاضي واإلسهاـ بذلك بدور‬
‫فعا ؿ يف ربقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬كما نعرض ألىم مبلمح التنظيم الداخلي ذلذه احملكمة وتوزيع‬

‫‪ 2‬زلمد عبد العاؿ‪ ،‬زلاضرات يف االختصاص اجلنائي للمحكمة االقتصادية‪ ،‬ورقة عمل مقدمة دبؤسبر هبيئة الرقابة اإلدارية‪ ،2010 ،‬ص‪. 2.‬‬
‫االختصاص بُت الدوائر ادلختلفة‪ ،‬وىي ػ بدوف شك ػ أحد احملاور اليت ساعدت على ربقيق أىداؼ‬
‫ىذه احملكمة‪ .‬ولكن قبل التعرض ذلذه ادلوضوعات‪ ،‬فإنو بداية يتعُت علينا أف نتعرؼ على القوانُت‬
‫اليت زبتص بنظرىا احملكمة واألسس اليت قاـ عليها انتقاء ىذه القوانُت‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬معيار االختصاص النوعي للمحكمة االقتصادية‬

‫أ ‪-‬اعتناق المشرع لفكرة القائمة الحصرية‬


‫مل يضع ادلشرع ضابطا موضوعيا لتحديد اختصاص احملكمة االقتصادية‪ ،‬إمنا حدده على أساس‬
‫قائمة للقوانُت أوردىا على سبيل احلصر‪ ،‬فقد آثر عدـ ربط اختصاص احملاكم االقتصادية بتحديد‬
‫ضابط للمنازعات االقتصادية وذلك تفاديا دلا قد ينشأ عنو من تعريفات سلتلفة ذلذه ادلنازعات‬
‫وبالتبعية تضارب األحكاـ حوؿ اختصاص ىذه احملاكم دبا قد يؤدي إىل فقداف ادلصداقية فيها من‬
‫جانب ادلستثمر‪. 3‬‬
‫وتتميز القائمة احلصرية اليت حددىا ادلشرع كضابط الختصاص احملكمة يف أهنا فصلت بُت‬
‫االختصاص اجلنائي وادلدين للمحكمة‪ ،‬فنص يف ادلادة السادسة من قانوف احملاكم االقتصادية على‬
‫قائمة للقوانُت اليت زبتص احملكمة بنظر ادلنازعات ادلدنية الناشئة عن تطبيقها‪ ،‬كما نص يف ادلادة‬
‫الرابعة على قائمة أخرى للقوانُت اليت زبتص احملكمة بنظر الدعاوى اجلنائية الناشئة عن اجلرائم اليت‬
‫ترتكب بادلخالفة ذلذه القوانُت‪ ،‬وذبدر اإلشارة إىل أف القوانُت ادلنصوص عليها يف ادلادة السادسة من‬
‫القانوف ىي ذاهتا ادلنصوص عليها يف قائمة ادلادة الرابعة‪ ،‬ولكن مضاؼ إليها عدد ثبلثة قوانُت أخرى‬
‫فقط‪.‬‬

‫‪ 3‬‮ ىذه التعريفات قد تعتنق يف بعض األحياف مفهوما واسعا للمنازعة االقتصادية يصعب معو حصر اختصاص احملاكم االقتصادية على وجو الدقة مثل‬
‫تعريفها على أهنا تكوف كذلك إذا تعلقت بأحد عناصر االقتصاد أ و أحد أشكاؿ النشاط االقتصادي وىي اإل نتاج والتبادؿ واالستهبلؾ والنقود (أمحد‬
‫شرؼ الدين‪ ،‬مشكبلت االختصاص النوعي للمحاكم االقتصادية‪ ،‬نادي القضاة ‪ ،2009‬ص‪ )17.‬أو كما عرفها قانوف التحكيم ب أهنا تكوف كذلك‬
‫حُت تقع على أ ي نشاط يتصل باستثمار األمواؿ واحلصوؿ على عائد بصرؼ النظر عما إذا كاف زللها من األعماؿ ادلدنية أ و األعماؿ التجارية أو حىت‬
‫من األعماؿ اإلدارية (زلمود مسَت الشرقاوي‪ ،‬مفهوـ التجارية الدولية وفقا لقانوف التحكيم ادلصري اجلديد‪ ،‬رللة التحكيم العريب‪ ،‬مايو ‪،1999‬‬
‫ص‪)20.‬‬
‫والقوانُت الداخلة يف اختصاص احملكمة االقتصادية ىي كاآليت ‪:‬‬

‫‪ -‬في مجال المنازعات المدنية ‪:‬‬


‫‪ - 1‬قانوف الشركات العاملة يف رلاؿ تلقي األمواؿ الستثمارىا‪.‬‬
‫‪ - 2‬قانوف سوؽ رأس ادلاؿ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬قانوف ضمانات وحوافز االستثمار‪.‬‬
‫‪ - 4‬قانوف التأجَت التمويلي ‪.‬‬
‫‪ - 5‬قانوف محاية االقتصاد القومي من اآلثار النامجة عن ادلمارسات الضارة يف التجارة الدولية ‪.‬‬
‫‪ - 6‬قانوف التجارة يف شأف نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية وعمليات البنوؾ واإلفبلس والصلح‬
‫الواقي منو ‪.‬‬
‫‪ - 7‬قانوف التمويل العقاري ‪.‬‬
‫‪ - 8‬قانوف محاية حقوؽ ادللكية الفكرية ‪.‬‬
‫‪ - 9‬قانوف تنظيم االتصاالت ‪.‬‬
‫‪ - 10‬قانوف تنظيم التوقيع اإل لكًتوين وإنشاء ىيئة تنمية صناعة تكنولوجيا ادلعلومات ‪.‬‬
‫‪ - 11‬قانوف محاية ادلنافسة ومنع ادلمارسات االحتكارية ‪.‬‬
‫‪ - 12‬قانوف شركات ادلسامهة وشركات التوصية باألسهم والشركات ذات ادلسئولية احملدودة ‪.‬‬
‫‪ - 13‬قانوف البنك ادلركزي واجلهاز ادلصريف والنقد‪.‬‬

‫‪ -‬وفي مجال الجرائم الجنائية‬


‫زبتص احملاكم االقتصادية بنظر القضايا اجلنائية اليت ترتكب بادلخالفة للقوانُت ادلتقدـ اإلشارة‬
‫إليها وقد أضاؼ إليها ادلشرع اجلرائم ادلنصوص عليها يف القوانُت الثبلثة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬قانوف محاية ادلستهلك ‪،‬‬
‫‪ -‬قانوف اإلشراؼ والرقابة على التأمُت يف مصر‪،‬‬
‫‪ -‬قانوف اإليداع والقيد ادلركزي لؤلوراؽ ادلالية‪.‬‬

‫ب‪ -‬نظام القائمة الحصرية بين المؤيد والمعارض‬


‫شلا ال شك فيو أف مجيع القوانُت اليت أوردىا قانوف احملاكم االقتصادية على سبيل احلصر ذلا طابع‬
‫اقتصادي‪ ،‬وتتصل مجيعها بنشاط االستثمار يف مصر بل ويقوـ عليها عماد احلياة االقتصادية يف‬
‫مصر‪ ،‬كما تشًتؾ ىذه القوانُت يف كوهنا قوانُت مستحدثة تتطلب خربة قضائية دقيقة متخصصة يف‬
‫التعامل معها‪ ،‬تكوف على دراية بطبيعة العبلقات االقتصادية اليت تن ظمها ىذه القوانُت‪ ،‬فتستطيع‬
‫التغلغل بسهولة داخل ىذه القوانُت‪ .‬وألف قياـ القانوف رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 2008‬بتحديد اختصاص‬
‫احملكمة االقتصادية عن طريق حصر القوانُت الداخلة يف اختصاصها ىو نظاـ جديد نسبيا على‬
‫التشريعات ادلصرية‪ ،‬فكاف مثارا للعديد من االنتقادات اليت ىامجت بشدة نظاـ القائمة احلصرية‪،‬‬
‫وتنحصر أىم ىذه االنتقادات يف أمرين ‪ :‬أوذلما أف ىذه القائمة مل تشمل مجيع القوانُت اليت تنظم‬
‫جوانب احلياة االقتصادية يف مصر‪ ،‬إذ توجد قوانُت أخرى مل ترد ضمن القائمة احلصرية مثل‪ :‬القانوف‬
‫البحري والقواعد ادلنظمة لؤلوراؽ التجارية واألحكاـ ادلنظمة لشركات التضامن وعقود ادلقاوالت‬
‫العادية أو سائر عقود االستغبلؿ التجاري‪ ،‬وىي مجيعها مل يرد ذلا تنظيم بأحد القوانُت اليت نصت‬
‫عليها ادلادتاف الرابعة والسادسة من القانوف‪ ،‬وال يوجد ما يربر استبعاد ىذه القوانُت من اختصاص‬
‫احملكمة االقتصادية والسيما أهن ا تنظم جزءا ليس بقليل األمهية من احلياة االقتصادية ادلصرية‪ ،‬فضبل‬
‫عما يؤدي إليو من عدـ ادلساواة بُت التجار أماـ القضاء وفقا لطبيعة العبلقة أو النشاط أو الشكل‬
‫القانوين الذي ديارسوف التجارة من خبللو‪.4‬‬

‫أما األمر الثاين‪ ،‬فهو ما سوؼ تؤدي إليو القائمة احلصرية للقوانُت من ذبميد اختصاص احملكمة‬
‫االقتصادية‪ ،‬فقد زبوؼ البعض من أف قياـ ادلشرع حبصر اختصاص احملكمة يف عدد معُت من‬
‫القوانُت‪ ،‬سوؼ يؤدي إىل عدـ مرونة معيار اختصاص احملكمة وبالتايل عدـ قدرتو على استيعاب ما‬
‫قد يستجد من قوانُت اقتصادية‪ ،‬ألف األمر يتطلب تدخل ادلشرع بتعديل تشريعي كلما أراد توسيع‬
‫دائرة اختصاص احملكمة االقتصادية‪.‬‬

‫‪4‬‮فكًب‮قذيُب‮تختض‮انًحكًت‮ببنًُبزعبث‮انُبشئت‮عٍ‮شركبث‮انًسبهًت‮فً‮حٍٍ‮أَهب‮ال‮ت ختض‮ببنًُبزعبث‮انًتعهقت‮بتُظٍى‮شركبث‮انتضبيٍ ‪.‬‬


‫ويف اعتقادنا أف نظاـ القائمة احلصرية‪ ،‬إذا كاف يعيبو بصفة رئيسية أنو خيلق نوعا من عدـ‬
‫ادلساواة بُت ادلتقاضُت التجار كما تقدـ بيانو‪ ،‬إال أنو يربره‪ ،‬أف ادلشرع‪،‬مل يكن يريد من إنشاء احملكمة‬
‫االقتصا دية استبداذلا بالدوائر التجارية اليت كانت سلصصة لنظر مجيع ادلنازعات اليت تتصل بادلعامبلت‬
‫التجارية‪ ،‬فاذلدؼ التنموي من إنشاء احملكمة االقتصادية‪ ،‬جعل الزما حصر اختصاصاهتا يف عدد‬
‫معُت من ادلنازعات بالقدر البلزـ لتحقيق اذلدؼ من إنشائها وىو خلق مناخ مبلئم لبلستثمار‬
‫األجنيب يف مصر‪ ،‬وىو ىدؼ يرتبط بعدد معُت من القوانُت‪ ،‬ادلتعلقة بطريقة مباشرة أو غَت مباشرة‬
‫باالستثمارات األجنبية يف مصر وىي اليت أوردىا القانوف رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 2008‬يف ادلادتُت الرابعة‬
‫والسادسة منو‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬آليات العمل المستحدثة من أجل تحقيق العدالة الناجزة‬

‫جاء قانوف احملاكم االقتصادية دبميزات عديدة من حيث تشكيل احملكمة وطريقة عملها‪ ،‬مل‬
‫تكن موجودة ومل تتوافر ألي زلكمة من قبل‪ .‬وأوىل ىذه ادليزات أهنا أنشأت ألوؿ مرة نظاما لتسوية‬
‫ادلنازعات قبل أف تعرض الدعوى على الدوائر القضائية ‪ ،‬وأناطت ىذه ادلهمة إىل ىيئة تسمى " ىيئة‬
‫ربضَت الدعوى" ‪ ،‬وىي كياف جديد منبثق عن احملاكم االقتصادية‪ ،‬يتعُت ادلرور بو قبل عرض النزاع‬
‫أماـ القضاء االقتصاد ي‪ ،‬واذلدؼ منو زبفيف العبء ادللقى على عاتق احملاكم عن طريق سبكُت اذليئة‬
‫من إهناء الدعاوى بالصلح بُت أطرافها‪.‬‬
‫وأما عن ادليزة الثانية للمحاكم االقتصادية فهو جدوؿ اخلرباء اخلاص ادللحق باحملكمة هبدؼ‬
‫القضاء على ما يتسبب بو االستعانة باخلرباء من تعطيل للدعوى‪ .‬وسوؼ ضلاوؿ يف السطور القادمة‬
‫التعرؼ على أىم معامل ىذه ادلستحدثات اجلديدة على القضاء ادلصري كل منها على استقبلؿ‪.‬‬
‫‪ - 1‬هيئة تحضير الدعاوى‬
‫نظرا لل طبيعة اخلاصة للمنازعات االقتصادية اليت تقوـ على توافر االئتماف والثقة يف ادلعامبلت‪،‬‬
‫وربرص على احملافظة على ا ستمرار ىذه العبلقات الطيبة بُت ادلتقاضُت بعضهم البعض‪ ،‬وبينهم‬
‫وغَتىم من األفراد واألشخاص ادلخاطبُت بأحكاـ القانوف اليت زبتص هبا احملاكم االقتصادية‪ ،‬أو‬
‫الذين جيروف معامبلهتم ربت مظلة ىذه القوانُت وىي مسة ادلعامبلت التجارية‪ ،‬فقد حرص ادلشرع‬
‫على أف دينح ىؤالء األشخاص فرصة جيدة للتفاوض حوؿ أ سباب اخلبلؼ ووسائل تسوية‬
‫ادلنازعات‪ ،5‬فعهد إىل ىيئة التحضَت دبهمة تقريب وجهات النظر بُت أطراؼ الدعوى حىت إذا ما‬
‫وصلوا إىل صيغة توافقية‪ ،‬أثبت ذلك يف زلضر خاص ووقعت عليو األطراؼ وأحلقتو احملكمة دبحضر‬
‫جلستها وأ ثبت زلتواه فيو‪ ،‬وكاف لو قوة السند التنفيذي‪.6‬‬

‫أ ‪-‬تشكيل الهيئة ‪:‬‬


‫تتشكل ىيئة التحضَت برئاسة قاض من بُت قضاة الدوائر االستئنافية باحملكمة االقتصادية‬
‫وعضوية عدد كاؼ من قضاهتا بدرجة رئيس زلكمة أو قاض باحملكمة االبتدائية زبتارىم مجعيتها‬
‫العامة يف بداية كل عاـ قضائي ( ـ ‪ 8‬من القانوف)‪.‬‬

‫ب ‪ -‬اختصاصات الهيئة‬
‫عهد ادلشرع إىل ىيئة التحضَت دبهمتُت رئيستُت‪ :‬األوىل ربضَت الدعوى للمحكمة‪ ،‬والثانية‬
‫ىي زلاولة تقريب وجهات النظر بُت أطراؼ اخلصومة وصوال التفاؽ الصلح بينهم ‪.‬‬

‫‪ 5‬دليل إجراءات التقاضي لدى احملاكم االقتصادية‪ ،‬مطبوعات وزارة العدؿ‪ ،2009 ،‬ص‪. 48.‬‬
‫‪ 6‬الزبضع كافة الدعاوى إىل نظاـ التحضَت إمنا يستثٌت من ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬الدعاوى اجلنائية‬
‫‪ -‬الدعاوى ادلستعجلة‬
‫‪ -‬الدعاوى ادلستأنفة‬
‫‪ -‬األوامر على عرائض‬
‫‪ -‬أ وامر األداء‬
‫‪ -‬الدعاوى احملالة إىل احملكمة واليت أ قيمت قبل ‪.2008/10/1‬‬
‫المهمة األ ولى ‪ :‬عرض الصلح على أطراف النزاع ‪:‬‬
‫حدد قرار وزير العدؿ رقم ‪ 6929‬لسنة ‪ 2008‬يف شأف ربضَت الدعاوى وادلنازعات‬
‫باحملاكم االقتصادية مضموف مهمة قاضي التحضَت وما يتعُت أف يلتزـ بو‪ ،‬فنص يف ادلادة السابعة منو‬
‫على أف يتوىل عضو ىيئة التحضَت بذؿ زلاوالت الصلح بُت اخلصوـ وعرضو عليهم لتسوية النزاع وديا‬
‫وال جيوز لو إبداء الرأي القانوين لصاحل طرؼ ضد آخر‪ .‬وأف لو يف سبيل حث اخلصوـ على الصلح‬
‫أف يعقد جلسات مشًتكة معهم أو منفردة مع كل خصم على حدة لتبصَتىم دبوضوع النزاع‪ ،‬وأف‬
‫يناقش ما يقدمونو من حلوؿ فيو ويطورىا وصوال إىل صيغة توافقية بينهم على أف يراعي منحهم فرصا‬
‫متساوية لعرض وجهات نظرىم وأف حيافظ على سرية ما يبوحوف بو من معلومات يف جلساهتم‬
‫االنفرادية ويطلبوف عدـ اإلفصاح عنها‪.‬‬
‫ويتبُت من النص سالف الذكر أف ادلشرع مل يفرض قواعد جامدة على قاضي التحضَت يتعُت‬
‫اتباعها أثناء إجراء الوساطة‪ ،‬فقد راعى القانوف والقرار الوزاري ادللحق ب و أف يًتؾ للقاضي أف يسبغ‬
‫بنفسو على عملية الوساطة طابعو الشخصي واختيار أفضل الطرؽ للعمل مكتفيا دبنحو بعض‬
‫اإلرشادات العامة اليت لو أف يأخذ هبا أو أف يطرحها جانبا‪ .‬فجعل تنظيم إج راءات الوساطة القضائية‬
‫وإدارهتا خيضع يف األصل دلا يقدره قاضي التحضَت وفقا لظروؼ الدعوى وطبيعة ادلنازعة‪.‬‬
‫وقد وضعت ىيئة التحضَت إطارا إلجراءات التفاوض بُت اخلصوـ مستوحى من القواعد‬
‫والضوابط اليت ا ستقر عليها القضاء األمريكي حيث ينتشر نظاـ العمل دبا يسمى بػ " قاضي‬
‫الوساطة" ‪ ،‬وىو نظاـ يقًتب من نظاـ قاضي التحضَت يف مصر ولكنهما خيتلفاف يف حدود السلطة‬
‫ادلمنوحة للقاضي أثناء إجراء الوساطة‪ .7‬وتتلخص ىذه القواعد يف أف قاضي التحضَت يقوـ بافتتاح‬
‫اإلجراءات عن طريق الدعوى إىل جلسة مشًتكة بُت اخلصوـ يقوـ فيها القاضي بتعريفهم بدور ىيئة‬
‫التحضَت وتفاصيل اإلجراءات اليت سوؼ يتبعها لسَت عملية التفاوض ومزايا الوصوؿ إىل حل رضائي‬
‫وحيدد قاضي التحضَت نقاط اخلبلؼ بُت اخلصوـ على وجو الدقة‪ .‬مث يدعو األطراؼ إىل عقد‬
‫جلسات انفرادية بكل خصم على حدة‪ ،‬وحياوؿ التقريب بُت وجهات النظر للطرفُت‪ ،‬يلتزـ فيها‬
‫القاضي باحلرفية يف التعامل مع الطرفُت عن طريق عدـ إفشاء أسرار الطرفُت والتزاـ احليادية ذباىهما‪.‬‬

‫‪ 7‬وغالب األمر أ ف السلطات ادلمنوحة لقاضي الوساطة يف النظاـ األمريكي أوسع من تلك اليت يتمتع هبا قاضي التحضَت يف مصر وخاصة يف ش أف‬
‫فرض ضوابط آمرة إلدارة ادلفاوضات ‪.‬‬
‫وذبدر اإلشارة إىل أف القانوف قد ألزـ قاضي التحضَت باالنتهاء من عملو خبلؿ مدة ال ذباوز‬
‫ثبلثُت يوما من تاريخ قيد الدعوى وذلك حىت ال تتحوؿ ىيئة التحضَت إىل وسيلة لتعطيل الفصل يف‬
‫القضايا ( ـ ‪ . )8‬ولكن جيوز لرئيس الدائرة ادلختصة أف دينحو مدة جديدة للتحضَت ال ذباوز ثبلثُت‬
‫يوما – إذا اقتضت ظروؼ التسوية ذلك ‪ -‬وإال تولت الدائرة نظر الدعوى‪.8‬‬

‫المهمة الثانية ‪ :‬مهمة تحضير الدعوى‬


‫ويضاؼ إىل عمل ىيئة التحضَت‪ ،‬مهمة أخرى‪ ،‬ا ستحدثها قانوف احملاكم االقتصادية وىي استيفاء‬
‫مستندات ادلنازعات والدعاوى ‪ -‬ومن ىنا استحضرت امسها ‪ -‬ودراسة ىذه ادلستندات قبل العرض‬
‫على الدوائر القضائية باحملكمة ‪ ،‬والغرض من تكليف ىيئة التحضَت هبذه ادلهمة ىي احلد من إطالة‬
‫أمد التقاضي أماـ الدائرة ادلختصة بنظر النزاع بعذر تقدمي ادلس تندات‪ ،‬فعلى الرغم من أف القانوف قد‬
‫منح القاضي سلطة رفض تأجيل الدعوى ليقدـ أحد اخلصوـ مستندات معينة يف الدعوى‪ ،‬ألنو كاف‬
‫يتعُت عليو تقدديها رفقة أوراؽ الدعوى أو يف أوىل جلسات احملاكمة‪ ،‬ولكن ىذه السلطة‪ ،‬من واقع‬
‫التطبيق العملي‪ ،‬تكاد تكوف غَت مفعلة وعادة ما يقوـ القاضي دبنح األطراؼ عدة آجاؿ لتقدمي ما‬
‫يطلبونو من مستندات‪ ،‬فأراد ادلشرع بذلك أف يسد الطريق على زلاولة أي من أطراؼ الدعوى إلطالة‬
‫أمد التقاضي حبجة تقدمي مستندات مهمة يف الدعوى‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تقييم عمل الهيئة‬


‫وفقا لئلحصائيات الرمسية الصادرة من وزارة العدؿ فإف ىيئة التحضَت صلحت حىت اآلف يف‬
‫إهناء ما يقرب من ‪ 40‬يف ادلائة من ادلنازعات ادلعروضة على احملكمة صلحا‪ ،‬وأثبتت بذلك قدرة‬
‫أعضاء ىيئة التحضَت على ارتداء عباءة ادلفاوض أثناء شلارستهم ذلذا الدور ‪ ،‬غَت أف عمل اذليئة على‬
‫مدار العامُت ادلنقضيُت‪ ،‬أفرز العد يد من ادلشاكل الناشئة عن بعض الثغرات التشريعية وأمهها عدـ‬
‫منح القانوف أية سلطات لقاضي التحضَت سواء يف إدارة الدعوى أو التصرؼ يف القضايا بعد عرضها‬
‫عليو‪ .‬ويف تقديرنا أف ىناؾ حاجة تستوجب تعديبل لقانوف احملاكم االقتصادية وذلك لتحقيق أم رين ‪:‬‬

‫‪ 8‬مثل أف يكوف ىناؾ احتما ؿ لعقد الصلح ويستلزـ ذلك مدة أطوؿ للتفاوض‪.‬‬
‫األوؿ‪ ،‬منح قاضي الت حضَت سلطة أكثر فعالية يف إدارة جلسات التحضَت بتوفَت األدوات القانونية‬
‫البلزمة إلجبار ادلتقاضُت على حضور جلسات التحضَت على ضلو انتظامي وذلك على غرار‬
‫السلطات اليت منحها قانوف ادلرافعات إىل رئيس احملكمة أثناء تداوؿ اجللسات سواء بوقف الدعوى‬
‫جزاء أو توقيع الغرا مات ادلالية على ادلتقاضُت يف حالة عدـ االمتثاؿ لطلبات القاضي‪ ،9‬يربر ذلك أف‬
‫بعض ادلتقاضُت مازالوا مل يألفوا التعامل مع الوساطة القضائية‪ ،‬والبعض اآلخر قد يفتقر إىل الثقة يف‬
‫التعامل مع ىذه اآللية احلديثة‪ ،‬ولوحظ نتيجة لذلك‪ ،‬إحجاـ بعض ادلتقاضُت يف التعامل مع اذل يئة أو‬
‫تنفيذ قراراهتا‪.‬‬
‫أما األمر الثاين الواجب تعديلو تشريعا فهو منح قاضي التحضَت سلطة قانونية يف إهناء النزاع‬
‫إذا ما توصل إىل الصلح بُت الطرفُت‪ .‬ففي الوضع احلايل‪ ،‬يقتصر دور ىيئة التحضَت على تقريب‬
‫وجهات النظر بُت أطراؼ الدعوى حىت إذا ما وصلوا إىل صيغة توافقية‪ ،‬أثبت ذلك يف زلضر خاص‬
‫ووقعت عليو األطراؼ مث تقدـ األوراؽ إىل احملكمة الزباذ ما تراه قانونيا‪ ،‬يف حُت أنو كاف يتعُت أف‬
‫تقف الدعوى عند ىذا احلد فتكوف ىناؾ صفة إلزامية وقانونية دلا توصلت إليو ىيئة التحضَت من‬
‫إجراءات الصلح‪ ،‬وىو حتما أمر يف صاحل إصلاز الدعوى االقتصادية ألنو ال يثقل عاتق القاضي بنظر‬
‫ىذه القضايا‪ ،‬إمنا يتفرغ لنظر الدعاوى األخرى‪.‬‬

‫‪ - 2‬جدول خاص للخبراء ‪:‬الحل األمثل لمشكلة أبدية‬

‫كانت استعانة احملاكم بأحد اخلرباء ليساعدىا على استيضاح حقيقة بعض ادلسائل الفنية البلزمة‬
‫للفصل فيما يعرض عليها من قضايا‪ ،‬أحد أسباب إطالة أمد التقاضي يف الدعوى‪ ،‬ويرجع ذلك إىل‬
‫أف احملاكم ادلدنية كانت تستعُت يف أغلب األحياف خبرباء وزارة العدؿ الذين كانوا يستغرقوف شهورا أو‬
‫سنُت عديدة يف إعداد تقاريرىم الفنية‪ ،‬وال ديكن إيقاع اللوـ عليهم دلا وصلت إليو ىذه احلاؿ وذلك‬
‫لكثرة عدد القضايا اليت ينظرىا اخلبَت الواحد‪ .‬وقد حاولت وزارة العدؿ يف مطلع عاـ ‪ 2008‬التغلب‬
‫على ىذه ادلشكلة بإحلاؽ عدد زلدود من اخلرباء بكل زلكمة ابتدائية الستيضاح ما يصعب على‬

‫‪ 9‬راجع ادلادة ‪ 99‬من القانوف‪.‬‬


‫قضاهتا فهمو من مسائل فنية‪ ،‬ولكن مل حيقق النظاـ النجاح ادلرجو منو ألف اخلرباء ادلعينُت كانوا‬
‫يعملوف يف زبصصات زلدودة ‪.‬‬
‫وقد أدرؾ ادلشرع حجم ادلشكلة وتأثَتىا البالغ على سرعة التقاضي وأف بقاء الوضع على ما ىو‬
‫عليو سوؼ يؤدي إىل إحباط أثر ادلميزات التشريعية األخرى اليت هتدؼ إىل الدفع بسرعة التقاضي يف‬
‫ادلنازعات االقتصادية‪ ،‬فاستحدث جداوؿ جديدة خلرباء احملاكم االقتصادية هبدؼ إسناد أعماؿ‬
‫اخلربة فيها دلتخصصُت يف فروع القوانُت اجلديدة اليت ربدد اختصاص احملكمة وأف يؤدي ىؤالء اخلرباء‬
‫دورا فعاال وحقيقيا يف مساعدة القاضي ضلو بلوغ احلقيقة دبا يقدمو من أحباث تنَت حقيقة الوقائع‬
‫ادلادية يف ساحة احملكمة‪ ،‬فنص يف ادلادة التاسعة من القانوف على أف للدوائر االبتدائية والدوائر‬
‫اال ستئنافية باحملاكم االقتصادية‪ ،‬أف تستعُت برأي من تراه من اخلرباء ادلتخصصُت ادلقيدين يف اجلداوؿ‬
‫اليت تعد لذلك بوزارة العدؿ‪ .‬وقد صدر قرار وزير العدؿ رقم ‪ 6928‬لسنة ‪ 2008‬بشروط‬
‫وإجراءات القيد يف جداوؿ خرباء ا حملاكم االقتصادية بوزارة العدؿ وقواعد االستعانة هبم‪ ،‬مث صدر قرار‬
‫وزير العدؿ رقم ‪ 1195‬لسنة ‪ 2009‬بقيد أمساء خرباء جبدوؿ احملاكم االقتصادية‪.‬‬
‫وقد كاف إلنشاء ىذا اجلدوؿ اخلاص باحملكمة االقتصادية بالغ األثر يف تقصَت أمد التقاضي أماـ‬
‫احملاكم االقتصادية‪ ،‬فأصبح عدد ا قليبل من الشهور بدال من سنُت عديدة كانت تستغرقها الدعوى‬
‫أماـ مكتب خرباء وزارة العدؿ‪ ،‬بل إنو ديكن القوؿ إف إنشاء جدوؿ خاص خلرباء احملكمة كاف من‬
‫العوامل الرئيسة اليت ساعدت ومهدت الطريق أماـ آليات العمل األخرى اليت استحدثها ادلشرع‪،‬‬
‫لتؤدي عملها على أكمل وجو ضلو ربقيق عدالة ناجزة يف ادلنازعات االقتصادية‪.‬‬
‫وذبدر اإلشارة إىل أف استحداث جدوؿ خرباء خاص باحملكمة االقتصادية قد نالو بعض من النقد‬
‫بسبب مجع اخلرباء بُت عملهم يف بعض اذليئات احلكومية أو اخلاصة وعملهم كخرباء يف احملكمة‬
‫االقتصادية‪ ،‬دبا يفتح الطريق للتعارض بُت مصاحل اذليئة اليت يعمل هبا اخلرباء ومصاحل اخلصوـ أطراؼ‬
‫الدعوى إذا كانت ىذه اذليئة أحد أطراؼ اخلصومة ادلنظورة أماـ احملكمة االقتصادية‪ ،‬وىو نقد جدير‬
‫بالنظر وأمر يتعُت إعادة النظر فيو والعمل على ربقيق ضمانات أكثر للخصوـ‪ ،‬ولكنو ال يناؿ شلا‬
‫حققو جدوؿ اخلربا ء اخلاص من صلاح يف تقصَت أمد التقاضي أماـ احملاكم االقتصادية ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التنظيم اإلجرائي الجديد للمحكمة االقتصادية‬

‫إف منظومة احملكمة االقتصادية‪ ،‬ىي حبق منظومة فريدة يف نوعها يف القضاء ادلصري‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫من قلة عدد النصوص اليت جاءت يف القانوف رقم ‪ 120‬لسنة ‪ ، 2008‬إال أننا صلد أف كل عنصر‬
‫يف ىذه ادلنظومة يسهم يف ربقيق مناخ مثايل لبلستثمار‪ ،‬فإضافة إىل مجيع اآلليات وادلميزات التشريعية‬
‫اليت عرضنا ذلا‪ ،‬صلد أف مسألة مثل توزيع االختصاص بُت الدوائر تسهم كذلك يف ربقيق لسرعة‬
‫الفصل يف ادلنازعات‪ .‬ويظهر ىذا الدور على زلورين ‪ :‬األوؿ فيما يتعلق بتوزيع االختصاص بُت‬
‫الدوائر االبتدائية والدوائر االستئنافية (‪ ، )1‬والثاين على مستوى توزيع االختصاص بُت الدوائر اليت‬
‫تنتمي إىل درجة واحدة من التقاضي‪ ،‬أي توزيع االختصاص فيما بُت الدوائر االبتدائية بعضها‬
‫والبعض اآلخر وكذلك فيما بُت الدوائ ر االستئنافية (‪ .)2‬باإلضافة إىل ذلك فقد قاـ ادلشرع باختصار‬
‫درجات التقاضي يف ادلنازعات االقتصادية إىل درجتُت من درجات التقاضي‪ ،‬بدال من ثبلث درجات‬
‫يف ادلنازعات ادلدنية العادية‪ ،‬فكاف ذلك احملور الرئيسي لتقصَت امد التقاضي يف ادلنازعات االقتصادية‬
‫(‪.)3‬‬

‫‪ - 1‬توزيع ا الختصاصات بين الدوائر االبتدائية واالستئنافية ‪ :‬ضمانة جديدة للمنازعات‬


‫االقتصادية‬
‫تتشكل احملكمة االقتصادية من دوائر ابتدائية ودوائر استئنافية وتشكل كل دائرة من الدوائر‬
‫االبتدائية االقتصادية من ثبلثة من الرؤساء باحملاكم االبتدائية‪ ،10‬يصدر باختيارىم قرار من رللس‬
‫القضاء األعلى‪ ،‬وتشكل كل دائرة من الدوائر االستئنافية من ثبلثة من قضاة زلاكم االستئناؼ يكوف‬
‫أحدىم على األقل بدرجة رئيس دبحكمة االستئناؼ( ـ ‪. )2‬‬
‫واستشعارا بأمهية ادلنازعات االقتصادية ووجوب إقامة التوازف الدقيق بُت ما تستوجبو أمهية‬
‫ادلنازعة االقتصادية وطبي عتها من العمل على سرعة الفصل يف تلك ادلنازعات وبُت إحاطتها بسياج‬

‫‪ 10‬وىي داللة أخرى على اىتماـ ادلشرع بإحاطة احملكمة بكامل الضمانات البلزمة لتحقيق اذلدؼ الذي أنشئت من أجلو‪ ،‬فالقاضي الذي على درجة‬
‫رئيس زلكمة ىو قاض ذو خربة ال تقل عن ثبلث سنوات يف العمل القضائي وىو أمر مل تعهده احملاكم األخرى‪ ،‬ذلك أ ف الدوائر القضائية االبتدائية يف‬
‫زلاكم القضاء العادي غالبا ما تشكل من قضاة حديثي العمل بالقضاء ويرأسهم قاض بدرجة رئيس زلكمة‪.‬‬
‫من الضمانات اإلجرائية‪ ،‬فقد أخذ ادلشرع برؤية أثبتت صلاحها يف زلاكم رللس الدولة‪ ،‬ومواد‬
‫اجلنايات‪ ،‬وىي اختصاص أعلى زلاكم ادلوضوع يف جهيت القضاء بالنظر ابتداء يف ادلهم من الدعاوى‬
‫اليت تعرض على اجل هتُت‪ ،‬فقد خص ادلشرع زلكمة القضاء اإلداري‪ ،‬دبجلس الدولة‪ ،‬بالدعاوى‬
‫ادلهمة‪ ،‬سواء نوعا أو قيمة‪ ،‬حبسباهنا زلكمة أوؿ درجة‪ ،‬وىو ما انتهجتو أيضا يف شأف اجلنايات‪،‬‬
‫واليت ناط نظرىا‪ ،‬ابتداء دبحاكم اجلنايات وادلشكلة بدوائر زلاكم االستئناؼ‪ ،‬دلا يف ذلك من ربقيق‬
‫لسرعة الف صل يف ادلنازعات‪ ،‬مع توفَت ضمانة تتمثل يف خربة القضاة القائمُت على علي أمر تلك‬
‫القضايا‪ ، 11‬وعلى ىدى من ىذا النظر فقد عمد ادلشرع إىل توزيع االختصاص النوعي للمحاكم‬
‫االقتصادية بُت دوائرىا االبتدائية واالستئنافية‪ ،‬وقد اعتمد يف توزيع ىذا االختصاص على معيار قيمة‬
‫النزاع مع النص على اختصاص الدوائر االبتدائية دبنازعات مقصورة عليها كمنازعات التنفيذ‬
‫ادلوضوعية والوقتية ‪ 12‬فاختص الدوائر االبتدائية باحملاكم االقتصادية‪ ،‬بنظر ادلنازعات والدعاوى‬
‫ادلدنية‪ ،‬اليت ال ذباوز قيمتها مخس ة مبليُت جنيو‪ ،‬واليت تنشأ عن تطبيق القوانُت اليت زبتص هبا احملكمة‬
‫واحملددة بادلادة السادسة منها وذلك فيما عدا ادلنازعات والدعاوى اليت خيتص هبا رللس الدولة (‬
‫ـ‪.)1/6‬‬

‫وزبتص الدوائر االستئنافية يف احملاكم االقتصادية بالنظر ابتداء يف مجيع ادلنازعات والدعاوى‬
‫ادل نصوص عليها الناشئة عن تطبيق القوانُت اليت زبتص هبا احملكمة إذا جاوزت قيمتها مخسة مبليُت‬
‫جنيو‪ 13‬أو كانت غَت مقدرة القيمة ( ـ ‪.14)2/6‬‬

‫‪ 11‬انظر ادلذكرة اإليضاحية للقانوف‪.‬‬


‫‪ 12‬أمحد شرؼ الدين‪ ،‬مشكبلت االختصاص النوعي للمحاكم اال قتصادية‪ ،‬نادي القضاة ‪ ،2009‬ص‪.33.‬‬
‫‪ 13‬‮وقد رأى البعض أن نصوص القانون تتضمن استثناء كبار رجاؿ األعماؿ من التقاضي أماـ القضاء العادي‪ ،‬وإحالتهم إ ىل احملاكم االقتصادية يف‬
‫القضايا اليت يتجاوز فيها النزاع عدة مبليُت‪ ،‬وىذا يف رأيو يشكل نوعا من التمييز واحلماية ذل م‪ ،‬وىو ما خيالف الدستور الذي يساوي بُت مجيع ادل واطنُت‬
‫وال جيعل ىناؾ أفضلية للبعض منهم‪ ،‬شلا يثَت ادلخاوؼ من استخداـ القانوف حلماية ادلفسدين وسارقي ادلاؿ ( ا نظر تص رحيات ادلستشار ىشاـ جنينة‪ ،‬يف‬
‫"ىل تنجح احملاكم االقتصادية يف ربسُت مناخ االستثمار؟" يف العدد ال صادر من شبكة اإلعبلـ العريب بتاريخ ‪2008/3/31‬‬
‫‪) www.moheet.com‬‬
‫‪ 14‬وقد قضت زلكمة النقض بأنو إذا كاف األصل يف الدعوى أهنا معلومة القيمة وال زبرج عن ىذا األصل إال الدعاوى اليت ترفع بطلب غَت قابل‬
‫للتقدير فتعترب رلهلة القيمة‪ ،‬وىي ال تعترب كذلك إال إذا كاف ادلطلوب فيها ال ديكن تقديره طبقا أل ية قاعدة من قواعد تقدير القيمة اليت أوردىا ادلشرع‬
‫[الطعن رقم ‪ - 1859‬لسنػػة ‪ 72‬ؽ ‪ -‬تاريخ اجللسة ‪. ]2004 / 11 / 23‬‬
‫أما عن القضايا اجلنائية اليت زبتص هبا احملكمة فقد نصت ادلادة السادسة من القانوف على‬
‫أف زبتص الدوائر االبتدائية باحملاكم االقتصادية بنظر قضايا اجلنح ابتد اء واجلرائم اليت ال تزيد العقوبة‬
‫ادلقررة ذلا على ثبلث سنوات ‪ ،‬وفيما خيص قضايا اجلنايات ‪ ،‬وىي القضايا ادلعاقب عليها بعقوبة أكثر‬
‫من ثبلث سنوات‪ ،‬فإف الدوائر االستئنافية باحملاكم االقتصادية زبتص بنظرىا ابتداء‪.‬‬

‫‪ -2‬التخصص الداخلي تجربة ناجحة ولكن‪...‬‬

‫مل تكتف وزارة العدؿ بالتخصص الدقيق الذي منحو ادلشرع للمحكمة االقتصادية بالفصل‬
‫يف ادلنازعات الناشئة عن قوانُت خاصة سنها ادلشرع لدعم االقتصاد ادلصري‪ ،‬ولكنها حرصت‬
‫باإلضافة إىل ذلك على أف يكوف ىناؾ زبصص أكثر دقة يف عمل الدوائر القضائية باحملكمة يف ضوء‬
‫نوع ادلنازعة‪ .‬وهتدؼ فكرة التخصص الداخلي إىل القضاء على ما ديكن أف يثور داخل احملكمة‬
‫الواحدة من تضارب يف األحكاـ‪ ،‬وىو ما قد ينعكس بصورة سلبية على تشجيع ادلستثمرين لبلذباء‬
‫إىل ىذا القضاء الوطٍت ادلتخصص‪ ،‬ألف ادلستثمر األجنيب عادة ما يقوـ بعدة دراسات ا ستطبلعية ال‬
‫يكوف اذلدؼ منها فقط التأكد من فعالية القضاء الوطٍت وسرعة إصلازه يف فض ادلنازعات التجا رية‪،‬‬
‫إمنا رباوؿ ىذه الدراسات ربديد إمكانية التنبؤ بأحكاـ القضاء يف ضوء الثوابت القانونية ادلستقر‬
‫عليها‪ ،‬فالقضاء الذي تتضارب أحكامو يشكل يف نظر ادلستثمر مناخا قانونيا غَت مستقر‪ ،‬ال يسمح‬
‫بالتنبؤ بادلصَت القانوين للمنازعات اليت قد يكوف طرفا فيها ‪.‬‬

‫وقد اعتنقت احملاكم االقتصادية معيارا يف توزيع االختصاص الداخلي بُت الدوائر القضائية‬
‫ذات الدرجة الواحدة‪ ،‬ال يعتمد على نوعية ادلنازعة بقدر ما يعتمد على طبيعتها والتقسيم العاـ‬
‫للمنازعات‪ ،‬فتم زبصيص دائرة واحدة لنظر قضايا اإلفبلس حىت ال تتضارب األحكاـ يف خصوص‬
‫شروط احلكم بإفبلس التاجر‪ ،‬وىناؾ دائرة لنظر ا ستئناؼ األحكاـ الصادرة من قاضي األمور‬
‫ادلستعجلة باحملكمة لتوحيد ادلبادئ ادلقضي هبا يف رلاؿ القضاء ادلستعجل‪ .‬وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإف‬
‫ىناؾ دائرة ا بتدائية تنظر منازعات التنفيذ الناشئة عن األحكاـ اليت تصدرىا احملكمة‪ ،‬وأخَتا فإف ىناؾ‬
‫عددا زلدودا من الدوائر لنظر قضايا اجلنح االقتصادية وأخرى لنظر الدعاوى ادلدنية الكلية‪.‬‬
‫( رسم بياني يوضح التوزيع الداخلي لعمل الد وائر االبتدائية بالمحاكم االقتصادية)‬

‫وقد امتد تطبيق ذات ادلبدأ على مستوي الدوائر االستئنافية‪ ،‬فهناؾ دوائر لنظر ادلنازعات‬
‫االقتصادية اليت تزيد على مخسة مبليُت جنيو ودائرة واحدة لنظر قضايا اجلنايات‪ ،‬كما أف استئنافات‬
‫األحكاـ اليت تصدر من الدوائر االبتدائية ال تنظر إال أماـ دائرة واحدة‪ ،‬حرصا على توحيد ادلبادئ‬
‫اليت يسًتشد هبا قضاة الدوائر االبتدائية‪.‬‬
‫( رسم بياني يوضح التوزيع الداخلي لعمل الد وائر االستئنافية بالمحاكم االقتصادية)‬

‫وتعليقا على توزيع العمل الداخلي ادلتقدـ‪ ،‬فإف ىذا التخصص الدقيق الذي استحدثتو احملاكم‬
‫االقتصادية قد صلح إىل حد كبَت يف التقليل من تضارب األحكاـ الذي كاف من ادلمكن أف يعيق‬
‫عمل ىذه احملكمة على طريق ربقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬ولكننا نعتقد أنو كاف من ادلمكن ربقيق‬
‫نتيجة أفضل إذا اعتمد توزيع االختصاص الداخلي بُت دوائر احملكمة على نوع ادلنازعة‪ ،‬فتختص دائرة‬
‫بادلنازعا ت الناشئة عن قوانُت زلددة ال زبتص بنظرىا الدوائر األخرى‪ ،‬على أف تنظر مجيع الطعوف‬
‫اليت تقاـ عن األحكاـ الصادرة من الدوائر االبتدائية أماـ دائرة استئنافية واحدة وىكذا فإف احتماؿ‬
‫تضارب األحكاـ يكاد يكوف منعدما ألف اإلطار القانوين لتطبيق كل قانوف من القوانُت اليت تدخل‬
‫يف اختصاص احملكمة‪ ،‬سوؼ تقوـ بتحديده دائرة واحدة فقط‪ ،‬وبذلك تكتمل مجيع أركاف منظومة‬
‫القضاء االقتصادي الناجز‪ ،‬وبو فقط تتحقق التنمية االقتصادية عن طريق توفَت آلية قانونية للمستثمر‬
‫األجنيب تنافس التحكيم يف السرعة واستقرار ادلبادئ‪.‬‬

‫ولكن جيب االعًتاؼ بأ نو قد يصعب‪ ،‬يف الوقت احلايل‪ ،‬تطبيق معيار التخصص الدقيق جدا‬
‫القائم على نوع ادلنازعة‪ ،‬ألف األمر يتطلب دراسة دقيقة ربتاج عدة سنوات لتقدير معدؿ متوسط‬
‫القضايا الناشئة عن تطبيق كل قانوف من القوانُت الداخلة يف اختصاص احملاكم االقتصادية حىت يكوف‬
‫توزيع العمل عادال بُت الدوائر فبل تتكدس القضايا أماـ إحدى الدوائر‪ ،‬تاركا الدوائر األخرى دوف‬
‫عمل يذكر‪ ،‬ويضاؼ إىل ىذه العقبة اإلجرائية‪ ،‬عقبة أخرى موضوعية‪ ،‬وىي أف الكثَت من القوانُت‬
‫اليت وردت يف القائمة احلصرية لقوانُت احملكمة االقتصادية مل تدخل حيز التطبيق الفعلي‪ ،‬فمازاؿ‬
‫الكثَت منها مل يعرؼ طريقو إىل احملاكم‪ ، 15‬ويكوف بذلك من الصعب أف تدرج مثل ىذه القوانُت يف‬
‫توزيع العمل بُت الدوائر‪.‬‬

‫ويبقي أف نشَت إىل أف وزارة العدؿ قد أصدرت قرارا بإنشاء مكاتب فنية ملحقة باحملاكم‬
‫االقتصادية تعمل على حل مجيع ما يعًتض احملكمة من مشاكل فنية‪ ،‬ومن أىم ما عهد بو إليها ىو‬
‫العمل على احلد من تضارب األحكاـ باحملكمة عن طريق استخبلص ادلبادئ القضائية الراجحة من‬
‫واقع األحكاـ ادلختلفة اليت أصدرهتا احملكمة وتضمينها يف إصدارات توزع على القضاة أعضاء‬
‫احملكمة‪.16‬‬

‫‪-3‬مبدأ التقاضي على درجتين ‪ :‬محور العدالة الناجزة‬

‫وفقا للقواعد العامة لقانوف ادلرافعات‪ ،‬فإف معظم الدعاوى يتم التقاضي فيها على ثبلث‬
‫درجات‪ ،‬فتقدـ الدعوى أوال إىل احملكمة االبتدائية ‪ ،‬مث يتم الطعن على احلكم الصادر فيها أماـ‬
‫زلكمة االستئناؼ وأخَتا فإف الطعن على القضاء الصادر من االستئناؼ يناط دبحكمة النقض‪.17‬‬
‫وقد خالف قانوف احملاكم االقتصادية ىذا النظر فاذبو يف ادلادة احلادية عشرة إىل عدـ إخضاع أية‬
‫أحكاـ تصدر عن الدوائر االستئنافية للطعن فيها بطريق النقض وما كاف ذلك إال استجابة دلا سبليو‬

‫‪15‬‮ يثم‮انًُبزعبث‮انُبشئت‮عٍ‮قبَىٌ‮انتىقٍع‮اإلنٍكتروًَ‮أو‮قبَىٌ‮انرقببت‮عهى‮انتأيٍٍ ‪.‬‬


‫‪16‬‮و لكن يبقى أف ما يصدره ادلكتب ا لفٍت من إصدارات أو ما يدعو إليو من ندوات ليس لو صفة إلزامية لقضاة احملاكم االقتصادية وذلك إعماال دلبدأ‬
‫استقبلؿ القضاة‪.‬‬

‫‪ 17‬ذبدر اإلشارة إىل أف زلكمة النقض يف ىذه الدرجة الثالثة من التقاضي ىي زلكمة قانوف وليست زلكمة موضوع‪ ،‬وبعبارة أخرى فإهنا ال تنظر‬
‫موضوع ال دعوى إمنا يقتصر دورىا على الفصل يف الطعن إذا كاف احلكم ادلطعوف فيو مبنياً على سلالفة للقانوف أو خطأ ىف تطبيقو أو تأويلو‪ ،‬فإذا تبُت‬
‫ذلا صحة أف الطعن سديد فإهنا تنقض احلكم وتعيده إىل زلكمة الدرجة الثانية ( ـ‪ 268.‬من قانوف ادلرافعات) وال ربكم يف ادلوضوع إال إ ذا مت الطعن‬
‫للمرة الثانية ( ـ ‪.)269‬‬
‫طبيعة ادلنازعات االقتصادية من وجوب احلفاظ على اعتبارات السرعة واستقرار ادلراكز القانونية دبا‬
‫يتأدى إىل استقرار ادلعامبلت‪ .‬بيد أف ادلشرع قد استثٌت من ذلك احلكم ادلستحدث طائفتُت من‬
‫األحكاـ‪ ،‬األوىل ‪ :‬األحكاـ اليت تصدر يف مواد اجلنايات االقتصادية دلا تتسم بو ىذه األحكاـ من‬
‫خطورة بالنظر للجرائم زللها ‪ ،‬فضبل عن الطابع اخلاص للمنازعات االقتصادية‪ .‬أما الطائفة الثانية من‬
‫األحكاـ ‪ :‬فهي تلك األحكاـ الصادرة من الدوائر االستئنافية باحملاكم االقتصادية واليت تنظرىا‬
‫كمحكمة درجة أوىل‪ ،‬وذلك لتحقيق ادلزيد من التوازف بُت السرعة والضمانات اإلجرائية‪ ،‬إذ قدر‬
‫ادلشرع أف ىناؾ العديد من ادلنازعات اليت زبتص هبا تلك احملكمة‪ ،‬ربكمو قوانُت حديثة‪ ،‬وإنو من‬
‫الواجب عرض أمرىا على زلكمة النقض‪ ،‬توصبل إىل توحيد كلمة القانوف بالنسبة ذلا‪ ،‬فلم يشأ‬
‫ادلشرع إيصاد باب الطعن بالنقض أمامها‪ ،‬ويف الوقت ذاتو مل يفتح باب النقض على مصراعيو حىت‬
‫ال يضيع اذلدؼ من إنشاء ىذه احملاكم وىو سرعة إصلاز الدعاوى االقتصادية‪ ،‬توصبل إىل استقرار‬
‫ادلعامبلت التجارية‪ ،‬وتشجيعا لبلستثمار‪ ،‬وحضا للمستثم رين على االلتجاء ذلذا القضاء الوطٍت‬
‫ادلتخصص‪ ،‬ومن مث فقد ربرى ادلشرع التوصل لنقطة توازف بُت سرعة الفصل يف الدعاوى االقتصادية‬
‫وبُت أف يتسٌت حملكمة النقض مراقبة صحة تطبيق تلك القوانُت وإعبلء كلمة القانوف يف شأهنا‪ ،‬وعلى‬
‫ذلك فقد عمد القانوف إىل قصر ولوج طريق الطعن بالنقض على إذلاـ من الدعاوى االقتصادية‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫‪.‬‮‬ ‫واضعا معيارا موضوعيا رلردا لتحديد ىذه األمهية ؛ ىو قيمة الدعوى‬

‫وقد أنشئت خصيصا لذلك دوائر دبحكمة النقض‪ ،‬زبتص‪ ،‬دوف غَتىا‪ ،‬بالفصل يف الطعوف‬
‫بالنقض على أحكاـ الدوائر اال ستئنافية االقتصادية‪ .‬وال زبتلف كثَتا إجراءات الطعن أمامها عن‬
‫اإلجراءات ادلقررة لغَتىا من الدعاوى ‪ ،‬فالطعن يعرض‪ ،‬فور إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها‪ ،‬على‬
‫دائرة فحص الطعوف دبحكمة النقض‪ ،‬فإذا رأت أف الطعن غَت جائز أو غَت مقبوؿ أمرت بعدـ قبولو‬

‫‪18‬‬
‫وقد برر ادلشرع يف ادلذكرة اإليضاحية للقانوف ىذا ادلنهج بأنو سبق أف أ خذ من قبل يف العديد من القوانُت‪ ،‬إذ قصر ػ يف قانوف ادلرافعات ػ الطعن‬
‫بالنقض‪ /‬كقاعدة عامة على األحكاـ الصادرة من زلاكم االستئناؼ ويف حدود نصاب معُت‪ ،‬د وف األحكاـ الصادرة من الدوائر االبتدائية هبيئة‬
‫ا ستئنافية ولو كانت صادرة يف دعوى شلاثلة للدعاوى اليت تعرض على زلاكم االستئناؼ‪ ،‬مادامت مل تبلغ النصاب القيمي الذي جيعل االختصاص بنظر‬
‫استئنافها للمحاكم االستئنافية‪ .‬وقد أضاؼ أف ىذا ادلنهج قد أقرتو احملكمة الدستورية العليا من قبل‪.‬‬
‫بقرار مسبب تسبيبا موجزا ‪ ،‬وإذا رأت أف الطعن جدير بالنظر أحالتو إىل الدائرة ادلختصة مع ربديد‬
‫جلسة لنظره‪ (.‬ـ ‪ ،)12‬غَت أنو استثناء من القواعد ادلقررة يف قانوف حاالت وإجراءات الطعن أماـ‬
‫زلكمة النقض وقانوف ادلرافعات ادلدنية والتجارية‪ ،‬إذا قضت زلكمة النقض بنقض احلكم ادلطعوف فيو‬
‫فإهنا ال تعيده إىل احملكمة اال ستئنافية لتنظره ػ مثل احلاؿ يف أغلب الدعاوى ادلدنية ‪ -‬إمنا ربكم يف‬
‫موضوع الدعوى ولو كاف الطعن ألوؿ مرة‪ .‬وقد أراد ادلشرع من تقرير ىذا االستثناء عدـ إطالة مدة‬
‫التقاضي خبلؿ فًتة الطعن بالنقض‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ ،‬إذا صدر حكم من الدوائر االبتدائية باحملكمة االقتصادية وطعن عليو باالستئناؼ‪،‬‬
‫فإف األحكاـ الصادرة من الدوائر اال ستئنافية باحملاكم االقتصادية يف ىذه الطعوف ىي أحكاـ هنائية ال‬
‫جيوز الطعن عليها أماـ زلكمة النقض (ـ ‪ .)10‬أما األحكاـ الصادرة من الدوائر اال ستئنافية بصفة‬
‫ابتدائية‪ ،‬أي فيما يعرض عليها من منازعات جاوزت اخلمسة مبليُت جنيو أو اجلنايات‪ ،‬فيجوز‬
‫الطعن عليها بالنقض ‪ ،‬ومن مث فإف مراحل التقاضي لن تتجاوز يف مجيع األحواؿ مرحلتُت من‬
‫التقاضي أيا كانت درجاهتا‪.‬‬

‫وفيما يلي رسم بياني يوضح الفرق في إجراءات سير الدعوى أمام المحاكم العادية‬
‫والمحاكم االقتصادية ‪:‬‬

‫‪ )1‬إجراءات سير الدعوى أمام المحاكم العادية ‪:‬‬


‫‪ )2‬إجراءات سير الدعوى أمام المحاكم االقتصادية ‪:‬‬

‫‪-‬إذا كانت المنازعة ال تزيد على خمسة ماليين جنيه ‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كانت المنازعة تزيد على خمسة ماليين جنيه ‪:‬‬


‫وقد تعرض نظاـ التقاضي باحملاكم االقتصادية النتقادات شديدة وصلت إىل حد إقامة دعوى‬
‫بعدـ دستوريتو لتعارضو مع ادلواد ‪ ٨‬و‪ ٠٤‬و‪ ٨٨‬و‪ ٨٦‬من الدستور‪ ،‬بادعاء أنو حيرـ ادلتقاضي من‬
‫حلقة قضائية للطعن على احلكم االستئنايف‪ ،‬كما حي رـ ادلتقاضي أيضا من خوض حلقتُت من‬
‫األحكاـ الصادرة من احملكمة االبتدائية والطعن عليها أماـ احملكمة االستئنافية عندما قصر ادلشرع‬
‫القضايا اليت يزيد فيها النصاب الكمي على مخسة مبليُت جنيو فأعطى ادلشرع للمتقاضي أف يرفع‬
‫دعوى مباشرة أماـ الدائرة االستئنافية االقتصادية مث الطعن عليها مباشرة أماـ النقض دوف أف يكوف‬
‫ىناؾ حكم صادر من زلكمة أوؿ درجة االبتدائية مث الطعن عليو أماـ احملكمة االستئنافية‪ .19‬ويف‬
‫تقديرنا أنو من غَت ادلبلئم احلديث عن عدـ دستورية قانوف احملاكم االقتصادية‪ ،‬ألف ادلشرع قد جعل‬
‫من زلكمة النقض زلكمة قانوف وزلكمة موضوع يف آف واحد‪ ،‬مريدا بذلك أف جيعل منها زلكمة‬
‫درجة ثانية حملكمة االستئناؼ مع االحتفاظ ذلا بوضع خاص يعطيها احلق يف قبوؿ الطعن بالنقض‬
‫من عدمو قبل التعرض للموضوع‪ ، 20‬فبل يوجد بذلك افتئات على حق التقاضي أو حرماف لو من‬
‫درجة من درجات التقاضي‪ ،‬إمنا حاوؿ القانوف ادلوازنة بُت ادلصلحة العامة االقتصادية وبُت احلق يف‬
‫التقاضي‪ ،‬وذلك بقصر درجات التقاضي يف مجيع حاالت الطعن يف أحكاـ احملاكم االقتصادية على‬
‫مرحلتُت فقط دوف ثبلث‪ ،‬وال تعد بذلك انتهاكا حلق التقاضي‪ ،‬فوفقا للقواعد ادلستقر عليها يف‬
‫مواثيق حقوؽ اإلنساف الدولية‪ ،‬اليوجد ارتباط بُت الضمانات اليت تكفل حق التقاضي وبُت عدد‬
‫الدرجات اليت سبر من خبلذلا الدعوى‪ ،‬إذ يكفي اف يكوف للمتقاضي حقا مكفوال للطعن علي احلكم‬
‫الصادر لغَت صاحلو‪.21‬‬
‫‮‬

‫‪19‬‮ اَظر‮كهًت‮انذكتىر‮أحًذ‮انصبوي‮فً‮َذوة‮انًحبكى‮االقتصبدٌت‮انًُظًت‮بًؤسست‮األهراو‮فً‮‪ 2010/3/ 10‬‮‬


‫‪20‬‬
‫وشلا ال شك فيو أ ف زلكمة النقض قد درست وقائع الدعوى حُت عرضت عليها فلماذا ترسل الدعوى إىل ىيئة أخرى تقوـ بقراءهتا من جديد‬
‫والسيما أف زلكمة النقض لديها قضاة على درجة عالية من اخلربة القانونية‪.‬‬
‫‪21‬‮ إنظر علي سبيل ادلثاؿ ادلادة السادسة من اتفاقية حقوؽ اإلنساف األوروبية و ادلادة ‪ 47‬من ميثاؽ حقوؽ اإلنساف لئلرباد األورويب‪.‬‬
‫خالصة‬

‫شلا ال شك فيو أف التخصص ىو أحد ادلستجدات ادلهمة يف ادلنظومة اإلدارية احلديثة واليت‬
‫مشلت أغلب ادلؤسسات الع امة يف سلتلف أضلاء العامل ومنها األجهزة القضائية‪ ،‬فكثَت من دوؿ العامل‬
‫طبقت معيار التخصص يف العمل القضائي‪ ،‬سواء عن طريق زبصيص دوائر قضائية لنظر نوع معُت‬
‫من ادلنازعات أو أف تنشيء ذلا أجهزة قضائية متخصصة مثل احملاكم التجارية يف فرنسا أو أدلانيا ‪.‬‬
‫وتعترب احملكم ة االقتصادية من أوائل ىذا النوع من القضاء ادلتخصص يف العامل العريب ويف مصر‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من تقسيم القضاء من الناحية الوالئية إىل قضاء إداري وقضاء عادي‪ ،‬غَت أف أيا منهما مل‬
‫يعرؼ فكرة االختصاص النوعي بادلعٌت الذي جسده قانوف احملاكم االقتصادية رقم ‪ 120‬لسنة‬
‫‪ ، 2008‬فجميع اجلهود اليت كانت تنادي بتخصص القاضي مل تسفر سوى عن زبصيص بعض‬
‫الدوائر القضائية لنظر نوع معُت من ادلنازعات‪ ،‬وىذا التنظيم ال يعدو أف يكوف تنظيما إداريا داخليا‬
‫وال ديكن اعتباره بأي حاؿ من األحواؿ قضاء متخصصا يف مفهوـ القانوف‪.22‬‬
‫وكاف اذلدؼ من إنشاء ىذه احملكمة أمرين‪ :‬أوذلما زبصص القاضي وثانيهما تبسيط‬
‫اإلجراءات‪ .‬وفكرة زبصص القاضي تقوـ على تكريس القاضي لنوعية واحدة من القضايا‪ ،‬منعا‬
‫لتشتيت ذىنو بالعديد من القضايا دبا يسمح لو بالتغلغل داخل األنواع ادلختلفة من القوانُت اليت‬
‫زبتص هبا احملكمة االقتصادية حىت دي كنو معرفة أسرارىا ويصبح مؤىبل للتعامل مع األمناط اجلديدة‬
‫اليت أفرزهتا التجارة الدولية احلديثة‪ .23‬وفكرة التخصص ليست جبديدة‪ ،‬فقد سبقت مصر إليها العديد‬
‫من الدوؿ الغربية يف شكل زلاكم متخصصة أو دوائر قضائية متخصصة‪ 24‬وكاف من أىم ما حققتو‬
‫ىذه التجربة ىو ادلعلومات ا ليت يكتسبها القاضي عن احلياة االقتصادية احمللية والدولية من جراء‬
‫زبصصو يف ادلنازعات االقتصادية‪ ،‬وىذه اخللفية عن احلياة التجارية الغٌت عنها دلن يناط بو الفصل يف‬
‫ادلنازعات اليت تقوـ بُت التجار وذلك ألف ىناؾ أعرافا ذبارية مستقرا عليها فضبل عن ذاتية قواعد‬

‫‪ 22‬وينطبق ىذا األ مر كذلك على زلاكم األسرة فهي عبارة عن دوائر تندمج يف احملاكم االبتدائية العادية أو اال ستئنافية حسب األح واؿ وليس ذلا كياف‬
‫مستقل إداريا مثل احملاكم االقتصادية ‪.‬‬
‫‪23‬‮يحًذ‮عبذ‮انعبل‪،‬‮انًرجع‮انسببق‪،‬‮ص‪.‬‮‪. 5‬‬
‫‪ 24‬انظر على سبيل ادلثاؿ احملكمة التجارية يف فرنسا وأدلانيا ‪.‬‬
‫القوانُت االقتصادية ادلتخصصة وطبيعتها اخلاصة اليت ربتاج إىل خربة طويلة يف التعامل معها من‬
‫الناحية القانونية ‪.‬‬
‫أما عن اذلدؼ الثاين من إنشاء ىذا النوع اجلديد من القضاء ادلتخصص فيتمثل يف التس ريع‬
‫باإلجراءات وتبسيطها عن طريق ذبميع ادلنازعات الواحدة ادلرتبطة أماـ زلكمة واحدة وتقليل أمد‬
‫التقاضي عن طريق جعل التقاضي على درجتُت بدال من ثبلث وتطبيق معايَت جديدة للتخصص بُت‬
‫دوائر احملاكم االقتصادية ادلختلفة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أف التجربة ما زالت ربت التقييم‪ ،‬إذمل ديض على إنشاء احملاكم االقتصادية‬
‫أكثر من عامُت‪ ،‬ففي تقديرنا‪ ،‬واستن ادا إىل اإلحصائيات الرمسية الصادرة من احملاكم االقتصادية‪ ،‬فإف‬
‫التخصص القضائي االقتصادي مع التنظيم الفريد ذلذه احملاكم‪ ،‬قد حققا صلاحا ال بأس بو حىت اآلف‬
‫يف الدفع بسرعة الفصل يف القضايا‪ ،‬فقد بلغ معدؿ سرعة الفصل أماـ احملاكم االقتصادية‪ ،‬عشرة‬
‫أضعاؼ سرعة الفصل يف احملاكم العادية‪ ،‬كما ديكن أف نلحظ تضاعف أعداد ادلتقاضُت األجانب يف‬
‫عاـ ‪ 2010‬بادلقارنة بعاـ ‪ 2009‬وىي داللة على إقباؿ ادلستثمر األجنيب على اللجوء إىل احملاكم‬
‫االقتصادية واطمئنانو إىل وجود آلية وطنية قانونية سريعة لفض ادلنازعات التجارية‪ ،‬وال يؤثر على ذلك‬
‫يف تقدي رنا أف أغلب ادلستثم رين حياولوف التغلب على عقبات بطء آليات التقاضي احمللية عن طريق‬
‫إدراج شرط التحكيم يف العقود اليت تربطهم بادلؤسسات احمللية‪ ،‬غَت أف ذلك ليس من شأنو أف‬
‫حيميهم يف مواجهة مجيع ما ديكن أف يثور من منازعات دبناسبة شلارسة التجارة ألف تشعب احلياة‬
‫التجارية فرض على ادلستثمر أف يرتبط بعبلقات متعددة مع باقي التجار لتوريد ادلكونات البلزمة‬
‫الستمرار نشاطو أو توزيع ما يقوـ بإنتاجو‪ ،‬وىي عبلقات يندر أف تواجو بإجراءات التحكيم‪.‬‬

‫ولكن يبقى أف ىناؾ بعض الثغرات التشريعية يف قانوف احملاكم االقتصادية ربتاج إىل إعادة‬
‫النظر فيها مرة أخرى‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بالنصوص ادلنظمة ذليئة التحضَت‪ ،‬فلم تتضمن ربديدا دقيقا‬
‫إلجراءات الدعوى أمامها وطريقة االتصاؿ باخلصوـ وكذلك فيما يتعلق بأثر اتفاقات اخلصوـ أثناء‬
‫ىذه ادلرحلة من الناحية القانونية‪ ،‬فكل ىذه األمور سكت التشريع عن بياهنا‪ .‬باإلضافة إىل ذلك فإف‬
‫العديد من ادلنازعات ادلرتبطة بالقوانُت الداخلة يف اختصاص احملكمةمل يفصل القانوف يف مدى‬
‫اختصاص احملكمة االقتصادية بنظرىا‪ ،‬مثاؿ ذلك‪ ،‬عقود القرض الشخصي وعقود الرىن التجاري‬
‫احملررة دبناسبة عقود التسهيبلت االئتمانية‪ .‬وكل ىذه اإلشكاليات ‪ -‬وأخرى ليس ىناؾ رلاؿ‬
‫للحديث عنها ‪ -‬ربيط تطبيق القانوف بنوع من الغموض خيلق فراغا تشريعيا وحيتاج إىل إعادة تنظيم‪.‬‬
‫ويبقى لنا تساؤؿ أخَت وىو‪ :‬دلاذا ال يطبق ادلشرع ادلصري ما أفرزتو ذبربة احملاكم االقتصادية‬
‫من آليات عمل ناجحة على مستوى باقي احملاكم ادلصرية؟ دلا ذا ال يوجد جدوؿ خرباء خاص بكل‬
‫زلكمة وبذلك خيتصر شهورا بل سنوات من عمر الدعوى القضائية؟ ودلاذا اإلصرار على جعل‬
‫التقاضي يف مجيع الدعاوى العادية على ثبلث درجات مع أف التقاضي على درجتُت ليس فيو افتئات‬
‫على حق ادلواطن يف التقاضي‪ ،‬وقد كانت للمشرع ذبربة سابقة شلاث لة للدعاوى االقتصادية وىي رلاؿ‬
‫الدعاوى اخلاصة بتطبيق قانوف األسرة حيث ألغى مرحلة الطعن بالنقض سباما دبوجب القانوف رقم‬
‫‪ 10‬لسنة ‪ .2004‬إف طوؿ أمد التقاضي ىو آفة يف ثوب العدالة يف مصر وال بد من العمل على‬
‫القضاء عليو مع ازدياد عدد القضايا ادلكلف هبا القاضي الوا حد‪ ،‬فعلى الرغم من زيادة عدد القضاة‬
‫سنويا‪ ،‬فإهنا ال تكفي الستيعاب االزدياد ادلطّرد يف عدد الدعاوى‪ ،‬وذلذه األسباب فإف ربقيق عدالة‬
‫ناجزة وسريعة ال جيب أف يقتصر على رلاؿ التنمية االقتصادية‪ ،‬فالقضاء ىو أحد زلاور احلياة جبميع‬
‫أشكاذلا وأمناط العبلقات ادلكونة ذلا‪ ،‬وىو عنصر حيوي لتحقيق التنمية على كل ادلستويات سواء‬
‫كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية‪ ،‬ومن مث فإف منظومة التطوير ال جيب أف تقتصر على‬
‫جانب معُت من عبلقات اجملتمع‪ ،‬إمنا يتعُت أف تشمل مجيع أوجو التنظيم يف رلتمع ما ‪.‬‬

‫ػػ ػ ػػػ‬

You might also like