Professional Documents
Culture Documents
المحاكم الاقتصادية وعلاقتها بالتنمية PDF
المحاكم الاقتصادية وعلاقتها بالتنمية PDF
المحاكم الاقتصادية وعلاقتها بالتنمية PDF
مقدمة :
العبلقة بُت القضاء والتنمية ىي موضوع كوين وجد بوجود البشرية وتطور بتطور اجملتمعات،
فبدوف القضاء ال ديكن دلناخ التنمية أف يزدىر ،فالعدؿ أساس احلضارة وأساس األمن واالستقرار .ويف
إطار تركيز االىتماـ حوؿ البحث عن سبل جديدة للنهوض باالقتصاد ادلصري ساد االقتناع بأف
االقتصاد احلر ىو أفضل اختيار ،ولكن كانت مصر يف حاجة إىل العديد من اإلصبلحات ،خصوصا
التشريعية لدفع عجلة التنمية االقتصادية ،خاصة أف إجراءات القضايا االقتصادية كانت تستغرؽ وقت اً
طويبلً عند نظرىا يف احملاكم ادلدنية فتتسبب يف ىروب ادلستثمرين ،ومن ىنا جاءت فكرة إنشاء
زلاكم متخصصة يف نظر ادلنازعات الناشئة عن تطبيق القوانُت ادلختلفة ادلنظمة للحياة االقتصادية.
وقد ظهرت فكرة احملاكم االقتصادية يف مصر قبل أربع سنوات ،وتبنتها احلكومة يف شكل
مشروع قانوف إلنشاء احملاكم االقتصادية عاـ ، 2006حيث وافق عليو رللس الوزراء ،وأرسل إىل
رللسي الشعب والشورى دلناقشتو وإقراره ،إال أف ادلشروع ظل متعثراً بسبب كثرة التشريعات ذات
األولوية ،مثل التعديبلت الدستورية وقانوف الضرائب ،حىت مت إقراره يف 22مايو ،2008وبدأ
العمل بو منذ أوؿ أكتوبر بالعاـ نفسو. 1
وقد كاف اذلدؼ األساسي من إصدار ىذا القانوف ىو دعم االقتصاد ادلصري من خبلؿ
إنشاء قضاء متخصص وسريع يتوىل نظر ادلنازعات ذات العبلقة بالنشاط االقتصادي واالستثمار،
فمما ال شك فيو أف عدـ فعالية ادلؤسسة القضائية يف أي من البلداف يؤثر بالضرورة على مسعة
االستثمارات فيو ،سواء كاف السبب يرجع إىل بطء التقاضي وكثرة إجراءاتو وتعقيدىا أو لعدـ
زبصص العاملُت فيو وتشتتهم يف أكثر من رلاؿ .فالتداعي الذي يصيب آلية التقاضي احلكومية يف
1د . .هند بداري ،انًحبكىاالقتصبدٌت ..دوائرجذٌذة وقضبٌبيثٍرةنهجذل ،يقبليُشىرفً 2002/8/ 2 عه ًانًىقعاإلنٍكتروَ ًنجرٌذةاخببر
يصر www.egynews.net
بلد ما ،يصاحبو بالضرورة زبوؼ ادلستثمرين وإحجامهم عن ادلغامرة دبشروعات يف بلد مسعتو الفنية او
اإلجرائية ليست بالقدر البلزـ والكايف للتعامل مع ادلنازعات االقتصادية ادلعقدة اليت أفرزهتا ادلتغَتات
يف حركة التجارة الدولية وما ترتب عليو من ظهور أشكاؿ جديدة للتجارة مل تكن موجودة من قبل
وال تقف عند حدود دولة معينة ،بل إهنا أصبحت متشعبة ومعقدة ال يستطيع حلها إال قضاء
متخصص على درجة عالية من الكفاءة.2
وقد تنبهت الدولة إىل أف القضاء بوضعو احلايل يعاين فيو القاضي من عدـ التخصص
لتشعب التخصصات اليت يعمل فيها القاضي الواحد وما يصاحب ذلك من تشتيت فكره وقدراتو
الذىنية ،وما ي ًتتب عليو من عدـ قد رتو على التعامل مع النوعية اجلديدة من النزاعات التجارية وما
يتبعو من تأثَت سليب على مسعتو يف التعامل مع تلك النوعية اجلديدة من القضايا .باإلضافة إىل ذلك
فإف ادلنازعات التجارية زبضع لذات إ جراءات التقاضي اليت زبضع ذلا سائر ادلنازعات ،وىذه
اإلجراءات تتسم بالبطء الشديد والتعقيد دبا يؤدي إىل إطالة أمد التقاضي بصورة ال تتناسب مع
ناجزا سر ًيعا.
طبيعة ادلنازعات التجارية اليت تستلزـ قضاء ً
وألف األمر يستوجب يف ىذه احلالة اتباع منهج ادلعاجلة والتحديث ،فقد ولدت فكرة إنشاء
احملاكم االقتصادية ككياف قضائي جديد متخصص يف نوعية معينة من ادلنازعات مدنية كانت أو
جنائية ،تضمن سرعة الفصل يف ادلنازعات ادلنصوص عليها يف القانوف بواسطة قضاة مؤىلُت
ومتخصصُت يتفهموف دقة ادلسائل االقتصادية وتعقيداهتا يف ظل نظاـ العودل ة وربرير التجارة ودبا حيقق
وصوؿ احلقوؽ ألصحاهبا على ضلو ناجز مع كفالة حقوؽ الدفاع .وألف زبصص القاضي وحده ال
يكفي لضماف سرعة الفصل يف ادلنازعات االقتصادية فقد وجب النص على حزمة من اإلصبلحات
التشريعية اخلاصة هبذه احملاكم وحدىا – اليت تضمن تقليل أمد التقاضي وأمهها جعل التقاضي على
درجتُت بدال من ثبلث وإنشاء نظاـ جديد لتسوية ادلنازعات االقتصادية.
وسوؼ نعرض بإجياز ل آلليات ادلختلفة اليت استحدثها القانوف رقم 120لسنة 2008
بإنشاء احملاكم االقتصادية وربليل قدرة ىذه اآلليات على تقليل أمد التقاضي واإلسهاـ بذلك بدور
فعا ؿ يف ربقيق التنمية االقتصادية ،كما نعرض ألىم مبلمح التنظيم الداخلي ذلذه احملكمة وتوزيع
2زلمد عبد العاؿ ،زلاضرات يف االختصاص اجلنائي للمحكمة االقتصادية ،ورقة عمل مقدمة دبؤسبر هبيئة الرقابة اإلدارية ،2010 ،ص. 2.
االختصاص بُت الدوائر ادلختلفة ،وىي ػ بدوف شك ػ أحد احملاور اليت ساعدت على ربقيق أىداؼ
ىذه احملكمة .ولكن قبل التعرض ذلذه ادلوضوعات ،فإنو بداية يتعُت علينا أف نتعرؼ على القوانُت
اليت زبتص بنظرىا احملكمة واألسس اليت قاـ عليها انتقاء ىذه القوانُت.
3 ىذه التعريفات قد تعتنق يف بعض األحياف مفهوما واسعا للمنازعة االقتصادية يصعب معو حصر اختصاص احملاكم االقتصادية على وجو الدقة مثل
تعريفها على أهنا تكوف كذلك إذا تعلقت بأحد عناصر االقتصاد أ و أحد أشكاؿ النشاط االقتصادي وىي اإل نتاج والتبادؿ واالستهبلؾ والنقود (أمحد
شرؼ الدين ،مشكبلت االختصاص النوعي للمحاكم االقتصادية ،نادي القضاة ،2009ص )17.أو كما عرفها قانوف التحكيم ب أهنا تكوف كذلك
حُت تقع على أ ي نشاط يتصل باستثمار األمواؿ واحلصوؿ على عائد بصرؼ النظر عما إذا كاف زللها من األعماؿ ادلدنية أ و األعماؿ التجارية أو حىت
من األعماؿ اإلدارية (زلمود مسَت الشرقاوي ،مفهوـ التجارية الدولية وفقا لقانوف التحكيم ادلصري اجلديد ،رللة التحكيم العريب ،مايو ،1999
ص)20.
والقوانُت الداخلة يف اختصاص احملكمة االقتصادية ىي كاآليت :
أما األمر الثاين ،فهو ما سوؼ تؤدي إليو القائمة احلصرية للقوانُت من ذبميد اختصاص احملكمة
االقتصادية ،فقد زبوؼ البعض من أف قياـ ادلشرع حبصر اختصاص احملكمة يف عدد معُت من
القوانُت ،سوؼ يؤدي إىل عدـ مرونة معيار اختصاص احملكمة وبالتايل عدـ قدرتو على استيعاب ما
قد يستجد من قوانُت اقتصادية ،ألف األمر يتطلب تدخل ادلشرع بتعديل تشريعي كلما أراد توسيع
دائرة اختصاص احملكمة االقتصادية.
جاء قانوف احملاكم االقتصادية دبميزات عديدة من حيث تشكيل احملكمة وطريقة عملها ،مل
تكن موجودة ومل تتوافر ألي زلكمة من قبل .وأوىل ىذه ادليزات أهنا أنشأت ألوؿ مرة نظاما لتسوية
ادلنازعات قبل أف تعرض الدعوى على الدوائر القضائية ،وأناطت ىذه ادلهمة إىل ىيئة تسمى " ىيئة
ربضَت الدعوى" ،وىي كياف جديد منبثق عن احملاكم االقتصادية ،يتعُت ادلرور بو قبل عرض النزاع
أماـ القضاء االقتصاد ي ،واذلدؼ منو زبفيف العبء ادللقى على عاتق احملاكم عن طريق سبكُت اذليئة
من إهناء الدعاوى بالصلح بُت أطرافها.
وأما عن ادليزة الثانية للمحاكم االقتصادية فهو جدوؿ اخلرباء اخلاص ادللحق باحملكمة هبدؼ
القضاء على ما يتسبب بو االستعانة باخلرباء من تعطيل للدعوى .وسوؼ ضلاوؿ يف السطور القادمة
التعرؼ على أىم معامل ىذه ادلستحدثات اجلديدة على القضاء ادلصري كل منها على استقبلؿ.
- 1هيئة تحضير الدعاوى
نظرا لل طبيعة اخلاصة للمنازعات االقتصادية اليت تقوـ على توافر االئتماف والثقة يف ادلعامبلت،
وربرص على احملافظة على ا ستمرار ىذه العبلقات الطيبة بُت ادلتقاضُت بعضهم البعض ،وبينهم
وغَتىم من األفراد واألشخاص ادلخاطبُت بأحكاـ القانوف اليت زبتص هبا احملاكم االقتصادية ،أو
الذين جيروف معامبلهتم ربت مظلة ىذه القوانُت وىي مسة ادلعامبلت التجارية ،فقد حرص ادلشرع
على أف دينح ىؤالء األشخاص فرصة جيدة للتفاوض حوؿ أ سباب اخلبلؼ ووسائل تسوية
ادلنازعات ،5فعهد إىل ىيئة التحضَت دبهمة تقريب وجهات النظر بُت أطراؼ الدعوى حىت إذا ما
وصلوا إىل صيغة توافقية ،أثبت ذلك يف زلضر خاص ووقعت عليو األطراؼ وأحلقتو احملكمة دبحضر
جلستها وأ ثبت زلتواه فيو ،وكاف لو قوة السند التنفيذي.6
ب -اختصاصات الهيئة
عهد ادلشرع إىل ىيئة التحضَت دبهمتُت رئيستُت :األوىل ربضَت الدعوى للمحكمة ،والثانية
ىي زلاولة تقريب وجهات النظر بُت أطراؼ اخلصومة وصوال التفاؽ الصلح بينهم .
5دليل إجراءات التقاضي لدى احملاكم االقتصادية ،مطبوعات وزارة العدؿ ،2009 ،ص. 48.
6الزبضع كافة الدعاوى إىل نظاـ التحضَت إمنا يستثٌت من ذلك :
-الدعاوى اجلنائية
-الدعاوى ادلستعجلة
-الدعاوى ادلستأنفة
-األوامر على عرائض
-أ وامر األداء
-الدعاوى احملالة إىل احملكمة واليت أ قيمت قبل .2008/10/1
المهمة األ ولى :عرض الصلح على أطراف النزاع :
حدد قرار وزير العدؿ رقم 6929لسنة 2008يف شأف ربضَت الدعاوى وادلنازعات
باحملاكم االقتصادية مضموف مهمة قاضي التحضَت وما يتعُت أف يلتزـ بو ،فنص يف ادلادة السابعة منو
على أف يتوىل عضو ىيئة التحضَت بذؿ زلاوالت الصلح بُت اخلصوـ وعرضو عليهم لتسوية النزاع وديا
وال جيوز لو إبداء الرأي القانوين لصاحل طرؼ ضد آخر .وأف لو يف سبيل حث اخلصوـ على الصلح
أف يعقد جلسات مشًتكة معهم أو منفردة مع كل خصم على حدة لتبصَتىم دبوضوع النزاع ،وأف
يناقش ما يقدمونو من حلوؿ فيو ويطورىا وصوال إىل صيغة توافقية بينهم على أف يراعي منحهم فرصا
متساوية لعرض وجهات نظرىم وأف حيافظ على سرية ما يبوحوف بو من معلومات يف جلساهتم
االنفرادية ويطلبوف عدـ اإلفصاح عنها.
ويتبُت من النص سالف الذكر أف ادلشرع مل يفرض قواعد جامدة على قاضي التحضَت يتعُت
اتباعها أثناء إجراء الوساطة ،فقد راعى القانوف والقرار الوزاري ادللحق ب و أف يًتؾ للقاضي أف يسبغ
بنفسو على عملية الوساطة طابعو الشخصي واختيار أفضل الطرؽ للعمل مكتفيا دبنحو بعض
اإلرشادات العامة اليت لو أف يأخذ هبا أو أف يطرحها جانبا .فجعل تنظيم إج راءات الوساطة القضائية
وإدارهتا خيضع يف األصل دلا يقدره قاضي التحضَت وفقا لظروؼ الدعوى وطبيعة ادلنازعة.
وقد وضعت ىيئة التحضَت إطارا إلجراءات التفاوض بُت اخلصوـ مستوحى من القواعد
والضوابط اليت ا ستقر عليها القضاء األمريكي حيث ينتشر نظاـ العمل دبا يسمى بػ " قاضي
الوساطة" ،وىو نظاـ يقًتب من نظاـ قاضي التحضَت يف مصر ولكنهما خيتلفاف يف حدود السلطة
ادلمنوحة للقاضي أثناء إجراء الوساطة .7وتتلخص ىذه القواعد يف أف قاضي التحضَت يقوـ بافتتاح
اإلجراءات عن طريق الدعوى إىل جلسة مشًتكة بُت اخلصوـ يقوـ فيها القاضي بتعريفهم بدور ىيئة
التحضَت وتفاصيل اإلجراءات اليت سوؼ يتبعها لسَت عملية التفاوض ومزايا الوصوؿ إىل حل رضائي
وحيدد قاضي التحضَت نقاط اخلبلؼ بُت اخلصوـ على وجو الدقة .مث يدعو األطراؼ إىل عقد
جلسات انفرادية بكل خصم على حدة ،وحياوؿ التقريب بُت وجهات النظر للطرفُت ،يلتزـ فيها
القاضي باحلرفية يف التعامل مع الطرفُت عن طريق عدـ إفشاء أسرار الطرفُت والتزاـ احليادية ذباىهما.
7وغالب األمر أ ف السلطات ادلمنوحة لقاضي الوساطة يف النظاـ األمريكي أوسع من تلك اليت يتمتع هبا قاضي التحضَت يف مصر وخاصة يف ش أف
فرض ضوابط آمرة إلدارة ادلفاوضات .
وذبدر اإلشارة إىل أف القانوف قد ألزـ قاضي التحضَت باالنتهاء من عملو خبلؿ مدة ال ذباوز
ثبلثُت يوما من تاريخ قيد الدعوى وذلك حىت ال تتحوؿ ىيئة التحضَت إىل وسيلة لتعطيل الفصل يف
القضايا ( ـ . )8ولكن جيوز لرئيس الدائرة ادلختصة أف دينحو مدة جديدة للتحضَت ال ذباوز ثبلثُت
يوما – إذا اقتضت ظروؼ التسوية ذلك -وإال تولت الدائرة نظر الدعوى.8
8مثل أف يكوف ىناؾ احتما ؿ لعقد الصلح ويستلزـ ذلك مدة أطوؿ للتفاوض.
األوؿ ،منح قاضي الت حضَت سلطة أكثر فعالية يف إدارة جلسات التحضَت بتوفَت األدوات القانونية
البلزمة إلجبار ادلتقاضُت على حضور جلسات التحضَت على ضلو انتظامي وذلك على غرار
السلطات اليت منحها قانوف ادلرافعات إىل رئيس احملكمة أثناء تداوؿ اجللسات سواء بوقف الدعوى
جزاء أو توقيع الغرا مات ادلالية على ادلتقاضُت يف حالة عدـ االمتثاؿ لطلبات القاضي ،9يربر ذلك أف
بعض ادلتقاضُت مازالوا مل يألفوا التعامل مع الوساطة القضائية ،والبعض اآلخر قد يفتقر إىل الثقة يف
التعامل مع ىذه اآللية احلديثة ،ولوحظ نتيجة لذلك ،إحجاـ بعض ادلتقاضُت يف التعامل مع اذل يئة أو
تنفيذ قراراهتا.
أما األمر الثاين الواجب تعديلو تشريعا فهو منح قاضي التحضَت سلطة قانونية يف إهناء النزاع
إذا ما توصل إىل الصلح بُت الطرفُت .ففي الوضع احلايل ،يقتصر دور ىيئة التحضَت على تقريب
وجهات النظر بُت أطراؼ الدعوى حىت إذا ما وصلوا إىل صيغة توافقية ،أثبت ذلك يف زلضر خاص
ووقعت عليو األطراؼ مث تقدـ األوراؽ إىل احملكمة الزباذ ما تراه قانونيا ،يف حُت أنو كاف يتعُت أف
تقف الدعوى عند ىذا احلد فتكوف ىناؾ صفة إلزامية وقانونية دلا توصلت إليو ىيئة التحضَت من
إجراءات الصلح ،وىو حتما أمر يف صاحل إصلاز الدعوى االقتصادية ألنو ال يثقل عاتق القاضي بنظر
ىذه القضايا ،إمنا يتفرغ لنظر الدعاوى األخرى.
كانت استعانة احملاكم بأحد اخلرباء ليساعدىا على استيضاح حقيقة بعض ادلسائل الفنية البلزمة
للفصل فيما يعرض عليها من قضايا ،أحد أسباب إطالة أمد التقاضي يف الدعوى ،ويرجع ذلك إىل
أف احملاكم ادلدنية كانت تستعُت يف أغلب األحياف خبرباء وزارة العدؿ الذين كانوا يستغرقوف شهورا أو
سنُت عديدة يف إعداد تقاريرىم الفنية ،وال ديكن إيقاع اللوـ عليهم دلا وصلت إليو ىذه احلاؿ وذلك
لكثرة عدد القضايا اليت ينظرىا اخلبَت الواحد .وقد حاولت وزارة العدؿ يف مطلع عاـ 2008التغلب
على ىذه ادلشكلة بإحلاؽ عدد زلدود من اخلرباء بكل زلكمة ابتدائية الستيضاح ما يصعب على
إف منظومة احملكمة االقتصادية ،ىي حبق منظومة فريدة يف نوعها يف القضاء ادلصري ،فعلى الرغم
من قلة عدد النصوص اليت جاءت يف القانوف رقم 120لسنة ، 2008إال أننا صلد أف كل عنصر
يف ىذه ادلنظومة يسهم يف ربقيق مناخ مثايل لبلستثمار ،فإضافة إىل مجيع اآلليات وادلميزات التشريعية
اليت عرضنا ذلا ،صلد أف مسألة مثل توزيع االختصاص بُت الدوائر تسهم كذلك يف ربقيق لسرعة
الفصل يف ادلنازعات .ويظهر ىذا الدور على زلورين :األوؿ فيما يتعلق بتوزيع االختصاص بُت
الدوائر االبتدائية والدوائر االستئنافية ( ، )1والثاين على مستوى توزيع االختصاص بُت الدوائر اليت
تنتمي إىل درجة واحدة من التقاضي ،أي توزيع االختصاص فيما بُت الدوائر االبتدائية بعضها
والبعض اآلخر وكذلك فيما بُت الدوائ ر االستئنافية ( .)2باإلضافة إىل ذلك فقد قاـ ادلشرع باختصار
درجات التقاضي يف ادلنازعات االقتصادية إىل درجتُت من درجات التقاضي ،بدال من ثبلث درجات
يف ادلنازعات ادلدنية العادية ،فكاف ذلك احملور الرئيسي لتقصَت امد التقاضي يف ادلنازعات االقتصادية
(.)3
10وىي داللة أخرى على اىتماـ ادلشرع بإحاطة احملكمة بكامل الضمانات البلزمة لتحقيق اذلدؼ الذي أنشئت من أجلو ،فالقاضي الذي على درجة
رئيس زلكمة ىو قاض ذو خربة ال تقل عن ثبلث سنوات يف العمل القضائي وىو أمر مل تعهده احملاكم األخرى ،ذلك أ ف الدوائر القضائية االبتدائية يف
زلاكم القضاء العادي غالبا ما تشكل من قضاة حديثي العمل بالقضاء ويرأسهم قاض بدرجة رئيس زلكمة.
من الضمانات اإلجرائية ،فقد أخذ ادلشرع برؤية أثبتت صلاحها يف زلاكم رللس الدولة ،ومواد
اجلنايات ،وىي اختصاص أعلى زلاكم ادلوضوع يف جهيت القضاء بالنظر ابتداء يف ادلهم من الدعاوى
اليت تعرض على اجل هتُت ،فقد خص ادلشرع زلكمة القضاء اإلداري ،دبجلس الدولة ،بالدعاوى
ادلهمة ،سواء نوعا أو قيمة ،حبسباهنا زلكمة أوؿ درجة ،وىو ما انتهجتو أيضا يف شأف اجلنايات،
واليت ناط نظرىا ،ابتداء دبحاكم اجلنايات وادلشكلة بدوائر زلاكم االستئناؼ ،دلا يف ذلك من ربقيق
لسرعة الف صل يف ادلنازعات ،مع توفَت ضمانة تتمثل يف خربة القضاة القائمُت على علي أمر تلك
القضايا ، 11وعلى ىدى من ىذا النظر فقد عمد ادلشرع إىل توزيع االختصاص النوعي للمحاكم
االقتصادية بُت دوائرىا االبتدائية واالستئنافية ،وقد اعتمد يف توزيع ىذا االختصاص على معيار قيمة
النزاع مع النص على اختصاص الدوائر االبتدائية دبنازعات مقصورة عليها كمنازعات التنفيذ
ادلوضوعية والوقتية 12فاختص الدوائر االبتدائية باحملاكم االقتصادية ،بنظر ادلنازعات والدعاوى
ادلدنية ،اليت ال ذباوز قيمتها مخس ة مبليُت جنيو ،واليت تنشأ عن تطبيق القوانُت اليت زبتص هبا احملكمة
واحملددة بادلادة السادسة منها وذلك فيما عدا ادلنازعات والدعاوى اليت خيتص هبا رللس الدولة (
ـ.)1/6
وزبتص الدوائر االستئنافية يف احملاكم االقتصادية بالنظر ابتداء يف مجيع ادلنازعات والدعاوى
ادل نصوص عليها الناشئة عن تطبيق القوانُت اليت زبتص هبا احملكمة إذا جاوزت قيمتها مخسة مبليُت
جنيو 13أو كانت غَت مقدرة القيمة ( ـ .14)2/6
مل تكتف وزارة العدؿ بالتخصص الدقيق الذي منحو ادلشرع للمحكمة االقتصادية بالفصل
يف ادلنازعات الناشئة عن قوانُت خاصة سنها ادلشرع لدعم االقتصاد ادلصري ،ولكنها حرصت
باإلضافة إىل ذلك على أف يكوف ىناؾ زبصص أكثر دقة يف عمل الدوائر القضائية باحملكمة يف ضوء
نوع ادلنازعة .وهتدؼ فكرة التخصص الداخلي إىل القضاء على ما ديكن أف يثور داخل احملكمة
الواحدة من تضارب يف األحكاـ ،وىو ما قد ينعكس بصورة سلبية على تشجيع ادلستثمرين لبلذباء
إىل ىذا القضاء الوطٍت ادلتخصص ،ألف ادلستثمر األجنيب عادة ما يقوـ بعدة دراسات ا ستطبلعية ال
يكوف اذلدؼ منها فقط التأكد من فعالية القضاء الوطٍت وسرعة إصلازه يف فض ادلنازعات التجا رية،
إمنا رباوؿ ىذه الدراسات ربديد إمكانية التنبؤ بأحكاـ القضاء يف ضوء الثوابت القانونية ادلستقر
عليها ،فالقضاء الذي تتضارب أحكامو يشكل يف نظر ادلستثمر مناخا قانونيا غَت مستقر ،ال يسمح
بالتنبؤ بادلصَت القانوين للمنازعات اليت قد يكوف طرفا فيها .
وقد اعتنقت احملاكم االقتصادية معيارا يف توزيع االختصاص الداخلي بُت الدوائر القضائية
ذات الدرجة الواحدة ،ال يعتمد على نوعية ادلنازعة بقدر ما يعتمد على طبيعتها والتقسيم العاـ
للمنازعات ،فتم زبصيص دائرة واحدة لنظر قضايا اإلفبلس حىت ال تتضارب األحكاـ يف خصوص
شروط احلكم بإفبلس التاجر ،وىناؾ دائرة لنظر ا ستئناؼ األحكاـ الصادرة من قاضي األمور
ادلستعجلة باحملكمة لتوحيد ادلبادئ ادلقضي هبا يف رلاؿ القضاء ادلستعجل .وباإلضافة إىل ذلك ،فإف
ىناؾ دائرة ا بتدائية تنظر منازعات التنفيذ الناشئة عن األحكاـ اليت تصدرىا احملكمة ،وأخَتا فإف ىناؾ
عددا زلدودا من الدوائر لنظر قضايا اجلنح االقتصادية وأخرى لنظر الدعاوى ادلدنية الكلية.
( رسم بياني يوضح التوزيع الداخلي لعمل الد وائر االبتدائية بالمحاكم االقتصادية)
وقد امتد تطبيق ذات ادلبدأ على مستوي الدوائر االستئنافية ،فهناؾ دوائر لنظر ادلنازعات
االقتصادية اليت تزيد على مخسة مبليُت جنيو ودائرة واحدة لنظر قضايا اجلنايات ،كما أف استئنافات
األحكاـ اليت تصدر من الدوائر االبتدائية ال تنظر إال أماـ دائرة واحدة ،حرصا على توحيد ادلبادئ
اليت يسًتشد هبا قضاة الدوائر االبتدائية.
( رسم بياني يوضح التوزيع الداخلي لعمل الد وائر االستئنافية بالمحاكم االقتصادية)
وتعليقا على توزيع العمل الداخلي ادلتقدـ ،فإف ىذا التخصص الدقيق الذي استحدثتو احملاكم
االقتصادية قد صلح إىل حد كبَت يف التقليل من تضارب األحكاـ الذي كاف من ادلمكن أف يعيق
عمل ىذه احملكمة على طريق ربقيق التنمية االقتصادية ،ولكننا نعتقد أنو كاف من ادلمكن ربقيق
نتيجة أفضل إذا اعتمد توزيع االختصاص الداخلي بُت دوائر احملكمة على نوع ادلنازعة ،فتختص دائرة
بادلنازعا ت الناشئة عن قوانُت زلددة ال زبتص بنظرىا الدوائر األخرى ،على أف تنظر مجيع الطعوف
اليت تقاـ عن األحكاـ الصادرة من الدوائر االبتدائية أماـ دائرة استئنافية واحدة وىكذا فإف احتماؿ
تضارب األحكاـ يكاد يكوف منعدما ألف اإلطار القانوين لتطبيق كل قانوف من القوانُت اليت تدخل
يف اختصاص احملكمة ،سوؼ تقوـ بتحديده دائرة واحدة فقط ،وبذلك تكتمل مجيع أركاف منظومة
القضاء االقتصادي الناجز ،وبو فقط تتحقق التنمية االقتصادية عن طريق توفَت آلية قانونية للمستثمر
األجنيب تنافس التحكيم يف السرعة واستقرار ادلبادئ.
ولكن جيب االعًتاؼ بأ نو قد يصعب ،يف الوقت احلايل ،تطبيق معيار التخصص الدقيق جدا
القائم على نوع ادلنازعة ،ألف األمر يتطلب دراسة دقيقة ربتاج عدة سنوات لتقدير معدؿ متوسط
القضايا الناشئة عن تطبيق كل قانوف من القوانُت الداخلة يف اختصاص احملاكم االقتصادية حىت يكوف
توزيع العمل عادال بُت الدوائر فبل تتكدس القضايا أماـ إحدى الدوائر ،تاركا الدوائر األخرى دوف
عمل يذكر ،ويضاؼ إىل ىذه العقبة اإلجرائية ،عقبة أخرى موضوعية ،وىي أف الكثَت من القوانُت
اليت وردت يف القائمة احلصرية لقوانُت احملكمة االقتصادية مل تدخل حيز التطبيق الفعلي ،فمازاؿ
الكثَت منها مل يعرؼ طريقو إىل احملاكم ، 15ويكوف بذلك من الصعب أف تدرج مثل ىذه القوانُت يف
توزيع العمل بُت الدوائر.
ويبقي أف نشَت إىل أف وزارة العدؿ قد أصدرت قرارا بإنشاء مكاتب فنية ملحقة باحملاكم
االقتصادية تعمل على حل مجيع ما يعًتض احملكمة من مشاكل فنية ،ومن أىم ما عهد بو إليها ىو
العمل على احلد من تضارب األحكاـ باحملكمة عن طريق استخبلص ادلبادئ القضائية الراجحة من
واقع األحكاـ ادلختلفة اليت أصدرهتا احملكمة وتضمينها يف إصدارات توزع على القضاة أعضاء
احملكمة.16
وفقا للقواعد العامة لقانوف ادلرافعات ،فإف معظم الدعاوى يتم التقاضي فيها على ثبلث
درجات ،فتقدـ الدعوى أوال إىل احملكمة االبتدائية ،مث يتم الطعن على احلكم الصادر فيها أماـ
زلكمة االستئناؼ وأخَتا فإف الطعن على القضاء الصادر من االستئناؼ يناط دبحكمة النقض.17
وقد خالف قانوف احملاكم االقتصادية ىذا النظر فاذبو يف ادلادة احلادية عشرة إىل عدـ إخضاع أية
أحكاـ تصدر عن الدوائر االستئنافية للطعن فيها بطريق النقض وما كاف ذلك إال استجابة دلا سبليو
17ذبدر اإلشارة إىل أف زلكمة النقض يف ىذه الدرجة الثالثة من التقاضي ىي زلكمة قانوف وليست زلكمة موضوع ،وبعبارة أخرى فإهنا ال تنظر
موضوع ال دعوى إمنا يقتصر دورىا على الفصل يف الطعن إذا كاف احلكم ادلطعوف فيو مبنياً على سلالفة للقانوف أو خطأ ىف تطبيقو أو تأويلو ،فإذا تبُت
ذلا صحة أف الطعن سديد فإهنا تنقض احلكم وتعيده إىل زلكمة الدرجة الثانية ( ـ 268.من قانوف ادلرافعات) وال ربكم يف ادلوضوع إال إ ذا مت الطعن
للمرة الثانية ( ـ .)269
طبيعة ادلنازعات االقتصادية من وجوب احلفاظ على اعتبارات السرعة واستقرار ادلراكز القانونية دبا
يتأدى إىل استقرار ادلعامبلت .بيد أف ادلشرع قد استثٌت من ذلك احلكم ادلستحدث طائفتُت من
األحكاـ ،األوىل :األحكاـ اليت تصدر يف مواد اجلنايات االقتصادية دلا تتسم بو ىذه األحكاـ من
خطورة بالنظر للجرائم زللها ،فضبل عن الطابع اخلاص للمنازعات االقتصادية .أما الطائفة الثانية من
األحكاـ :فهي تلك األحكاـ الصادرة من الدوائر االستئنافية باحملاكم االقتصادية واليت تنظرىا
كمحكمة درجة أوىل ،وذلك لتحقيق ادلزيد من التوازف بُت السرعة والضمانات اإلجرائية ،إذ قدر
ادلشرع أف ىناؾ العديد من ادلنازعات اليت زبتص هبا تلك احملكمة ،ربكمو قوانُت حديثة ،وإنو من
الواجب عرض أمرىا على زلكمة النقض ،توصبل إىل توحيد كلمة القانوف بالنسبة ذلا ،فلم يشأ
ادلشرع إيصاد باب الطعن بالنقض أمامها ،ويف الوقت ذاتو مل يفتح باب النقض على مصراعيو حىت
ال يضيع اذلدؼ من إنشاء ىذه احملاكم وىو سرعة إصلاز الدعاوى االقتصادية ،توصبل إىل استقرار
ادلعامبلت التجارية ،وتشجيعا لبلستثمار ،وحضا للمستثم رين على االلتجاء ذلذا القضاء الوطٍت
ادلتخصص ،ومن مث فقد ربرى ادلشرع التوصل لنقطة توازف بُت سرعة الفصل يف الدعاوى االقتصادية
وبُت أف يتسٌت حملكمة النقض مراقبة صحة تطبيق تلك القوانُت وإعبلء كلمة القانوف يف شأهنا ،وعلى
ذلك فقد عمد القانوف إىل قصر ولوج طريق الطعن بالنقض على إذلاـ من الدعاوى االقتصادية،
18
. واضعا معيارا موضوعيا رلردا لتحديد ىذه األمهية ؛ ىو قيمة الدعوى
وقد أنشئت خصيصا لذلك دوائر دبحكمة النقض ،زبتص ،دوف غَتىا ،بالفصل يف الطعوف
بالنقض على أحكاـ الدوائر اال ستئنافية االقتصادية .وال زبتلف كثَتا إجراءات الطعن أمامها عن
اإلجراءات ادلقررة لغَتىا من الدعاوى ،فالطعن يعرض ،فور إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها ،على
دائرة فحص الطعوف دبحكمة النقض ،فإذا رأت أف الطعن غَت جائز أو غَت مقبوؿ أمرت بعدـ قبولو
18
وقد برر ادلشرع يف ادلذكرة اإليضاحية للقانوف ىذا ادلنهج بأنو سبق أف أ خذ من قبل يف العديد من القوانُت ،إذ قصر ػ يف قانوف ادلرافعات ػ الطعن
بالنقض /كقاعدة عامة على األحكاـ الصادرة من زلاكم االستئناؼ ويف حدود نصاب معُت ،د وف األحكاـ الصادرة من الدوائر االبتدائية هبيئة
ا ستئنافية ولو كانت صادرة يف دعوى شلاثلة للدعاوى اليت تعرض على زلاكم االستئناؼ ،مادامت مل تبلغ النصاب القيمي الذي جيعل االختصاص بنظر
استئنافها للمحاكم االستئنافية .وقد أضاؼ أف ىذا ادلنهج قد أقرتو احملكمة الدستورية العليا من قبل.
بقرار مسبب تسبيبا موجزا ،وإذا رأت أف الطعن جدير بالنظر أحالتو إىل الدائرة ادلختصة مع ربديد
جلسة لنظره (.ـ ،)12غَت أنو استثناء من القواعد ادلقررة يف قانوف حاالت وإجراءات الطعن أماـ
زلكمة النقض وقانوف ادلرافعات ادلدنية والتجارية ،إذا قضت زلكمة النقض بنقض احلكم ادلطعوف فيو
فإهنا ال تعيده إىل احملكمة اال ستئنافية لتنظره ػ مثل احلاؿ يف أغلب الدعاوى ادلدنية -إمنا ربكم يف
موضوع الدعوى ولو كاف الطعن ألوؿ مرة .وقد أراد ادلشرع من تقرير ىذا االستثناء عدـ إطالة مدة
التقاضي خبلؿ فًتة الطعن بالنقض.
وبعبارة أخرى ،إذا صدر حكم من الدوائر االبتدائية باحملكمة االقتصادية وطعن عليو باالستئناؼ،
فإف األحكاـ الصادرة من الدوائر اال ستئنافية باحملاكم االقتصادية يف ىذه الطعوف ىي أحكاـ هنائية ال
جيوز الطعن عليها أماـ زلكمة النقض (ـ .)10أما األحكاـ الصادرة من الدوائر اال ستئنافية بصفة
ابتدائية ،أي فيما يعرض عليها من منازعات جاوزت اخلمسة مبليُت جنيو أو اجلنايات ،فيجوز
الطعن عليها بالنقض ،ومن مث فإف مراحل التقاضي لن تتجاوز يف مجيع األحواؿ مرحلتُت من
التقاضي أيا كانت درجاهتا.
وفيما يلي رسم بياني يوضح الفرق في إجراءات سير الدعوى أمام المحاكم العادية
والمحاكم االقتصادية :
شلا ال شك فيو أف التخصص ىو أحد ادلستجدات ادلهمة يف ادلنظومة اإلدارية احلديثة واليت
مشلت أغلب ادلؤسسات الع امة يف سلتلف أضلاء العامل ومنها األجهزة القضائية ،فكثَت من دوؿ العامل
طبقت معيار التخصص يف العمل القضائي ،سواء عن طريق زبصيص دوائر قضائية لنظر نوع معُت
من ادلنازعات أو أف تنشيء ذلا أجهزة قضائية متخصصة مثل احملاكم التجارية يف فرنسا أو أدلانيا .
وتعترب احملكم ة االقتصادية من أوائل ىذا النوع من القضاء ادلتخصص يف العامل العريب ويف مصر ،فعلى
الرغم من تقسيم القضاء من الناحية الوالئية إىل قضاء إداري وقضاء عادي ،غَت أف أيا منهما مل
يعرؼ فكرة االختصاص النوعي بادلعٌت الذي جسده قانوف احملاكم االقتصادية رقم 120لسنة
، 2008فجميع اجلهود اليت كانت تنادي بتخصص القاضي مل تسفر سوى عن زبصيص بعض
الدوائر القضائية لنظر نوع معُت من ادلنازعات ،وىذا التنظيم ال يعدو أف يكوف تنظيما إداريا داخليا
وال ديكن اعتباره بأي حاؿ من األحواؿ قضاء متخصصا يف مفهوـ القانوف.22
وكاف اذلدؼ من إنشاء ىذه احملكمة أمرين :أوذلما زبصص القاضي وثانيهما تبسيط
اإلجراءات .وفكرة زبصص القاضي تقوـ على تكريس القاضي لنوعية واحدة من القضايا ،منعا
لتشتيت ذىنو بالعديد من القضايا دبا يسمح لو بالتغلغل داخل األنواع ادلختلفة من القوانُت اليت
زبتص هبا احملكمة االقتصادية حىت دي كنو معرفة أسرارىا ويصبح مؤىبل للتعامل مع األمناط اجلديدة
اليت أفرزهتا التجارة الدولية احلديثة .23وفكرة التخصص ليست جبديدة ،فقد سبقت مصر إليها العديد
من الدوؿ الغربية يف شكل زلاكم متخصصة أو دوائر قضائية متخصصة 24وكاف من أىم ما حققتو
ىذه التجربة ىو ادلعلومات ا ليت يكتسبها القاضي عن احلياة االقتصادية احمللية والدولية من جراء
زبصصو يف ادلنازعات االقتصادية ،وىذه اخللفية عن احلياة التجارية الغٌت عنها دلن يناط بو الفصل يف
ادلنازعات اليت تقوـ بُت التجار وذلك ألف ىناؾ أعرافا ذبارية مستقرا عليها فضبل عن ذاتية قواعد
22وينطبق ىذا األ مر كذلك على زلاكم األسرة فهي عبارة عن دوائر تندمج يف احملاكم االبتدائية العادية أو اال ستئنافية حسب األح واؿ وليس ذلا كياف
مستقل إداريا مثل احملاكم االقتصادية .
23يحًذعبذانعبل،انًرجعانسببق،ص.. 5
24انظر على سبيل ادلثاؿ احملكمة التجارية يف فرنسا وأدلانيا .
القوانُت االقتصادية ادلتخصصة وطبيعتها اخلاصة اليت ربتاج إىل خربة طويلة يف التعامل معها من
الناحية القانونية .
أما عن اذلدؼ الثاين من إنشاء ىذا النوع اجلديد من القضاء ادلتخصص فيتمثل يف التس ريع
باإلجراءات وتبسيطها عن طريق ذبميع ادلنازعات الواحدة ادلرتبطة أماـ زلكمة واحدة وتقليل أمد
التقاضي عن طريق جعل التقاضي على درجتُت بدال من ثبلث وتطبيق معايَت جديدة للتخصص بُت
دوائر احملاكم االقتصادية ادلختلفة.
وعلى الرغم من أف التجربة ما زالت ربت التقييم ،إذمل ديض على إنشاء احملاكم االقتصادية
أكثر من عامُت ،ففي تقديرنا ،واستن ادا إىل اإلحصائيات الرمسية الصادرة من احملاكم االقتصادية ،فإف
التخصص القضائي االقتصادي مع التنظيم الفريد ذلذه احملاكم ،قد حققا صلاحا ال بأس بو حىت اآلف
يف الدفع بسرعة الفصل يف القضايا ،فقد بلغ معدؿ سرعة الفصل أماـ احملاكم االقتصادية ،عشرة
أضعاؼ سرعة الفصل يف احملاكم العادية ،كما ديكن أف نلحظ تضاعف أعداد ادلتقاضُت األجانب يف
عاـ 2010بادلقارنة بعاـ 2009وىي داللة على إقباؿ ادلستثمر األجنيب على اللجوء إىل احملاكم
االقتصادية واطمئنانو إىل وجود آلية وطنية قانونية سريعة لفض ادلنازعات التجارية ،وال يؤثر على ذلك
يف تقدي رنا أف أغلب ادلستثم رين حياولوف التغلب على عقبات بطء آليات التقاضي احمللية عن طريق
إدراج شرط التحكيم يف العقود اليت تربطهم بادلؤسسات احمللية ،غَت أف ذلك ليس من شأنو أف
حيميهم يف مواجهة مجيع ما ديكن أف يثور من منازعات دبناسبة شلارسة التجارة ألف تشعب احلياة
التجارية فرض على ادلستثمر أف يرتبط بعبلقات متعددة مع باقي التجار لتوريد ادلكونات البلزمة
الستمرار نشاطو أو توزيع ما يقوـ بإنتاجو ،وىي عبلقات يندر أف تواجو بإجراءات التحكيم.
ولكن يبقى أف ىناؾ بعض الثغرات التشريعية يف قانوف احملاكم االقتصادية ربتاج إىل إعادة
النظر فيها مرة أخرى ،وخاصة فيما يتعلق بالنصوص ادلنظمة ذليئة التحضَت ،فلم تتضمن ربديدا دقيقا
إلجراءات الدعوى أمامها وطريقة االتصاؿ باخلصوـ وكذلك فيما يتعلق بأثر اتفاقات اخلصوـ أثناء
ىذه ادلرحلة من الناحية القانونية ،فكل ىذه األمور سكت التشريع عن بياهنا .باإلضافة إىل ذلك فإف
العديد من ادلنازعات ادلرتبطة بالقوانُت الداخلة يف اختصاص احملكمةمل يفصل القانوف يف مدى
اختصاص احملكمة االقتصادية بنظرىا ،مثاؿ ذلك ،عقود القرض الشخصي وعقود الرىن التجاري
احملررة دبناسبة عقود التسهيبلت االئتمانية .وكل ىذه اإلشكاليات -وأخرى ليس ىناؾ رلاؿ
للحديث عنها -ربيط تطبيق القانوف بنوع من الغموض خيلق فراغا تشريعيا وحيتاج إىل إعادة تنظيم.
ويبقى لنا تساؤؿ أخَت وىو :دلاذا ال يطبق ادلشرع ادلصري ما أفرزتو ذبربة احملاكم االقتصادية
من آليات عمل ناجحة على مستوى باقي احملاكم ادلصرية؟ دلا ذا ال يوجد جدوؿ خرباء خاص بكل
زلكمة وبذلك خيتصر شهورا بل سنوات من عمر الدعوى القضائية؟ ودلاذا اإلصرار على جعل
التقاضي يف مجيع الدعاوى العادية على ثبلث درجات مع أف التقاضي على درجتُت ليس فيو افتئات
على حق ادلواطن يف التقاضي ،وقد كانت للمشرع ذبربة سابقة شلاث لة للدعاوى االقتصادية وىي رلاؿ
الدعاوى اخلاصة بتطبيق قانوف األسرة حيث ألغى مرحلة الطعن بالنقض سباما دبوجب القانوف رقم
10لسنة .2004إف طوؿ أمد التقاضي ىو آفة يف ثوب العدالة يف مصر وال بد من العمل على
القضاء عليو مع ازدياد عدد القضايا ادلكلف هبا القاضي الوا حد ،فعلى الرغم من زيادة عدد القضاة
سنويا ،فإهنا ال تكفي الستيعاب االزدياد ادلطّرد يف عدد الدعاوى ،وذلذه األسباب فإف ربقيق عدالة
ناجزة وسريعة ال جيب أف يقتصر على رلاؿ التنمية االقتصادية ،فالقضاء ىو أحد زلاور احلياة جبميع
أشكاذلا وأمناط العبلقات ادلكونة ذلا ،وىو عنصر حيوي لتحقيق التنمية على كل ادلستويات سواء
كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ،ومن مث فإف منظومة التطوير ال جيب أف تقتصر على
جانب معُت من عبلقات اجملتمع ،إمنا يتعُت أف تشمل مجيع أوجو التنظيم يف رلتمع ما .
ػػ ػ ػػػ