Professional Documents
Culture Documents
بول باسكون
بول باسكون
ينطلق بول باسكون في دراسة الحوز مراكش من سؤال :كيف تشكلت النماذج الجتماعية بالحوز؟
وكيف تداخلت وهيمنت على بعضها البعض؟
ويشير منذ البداية إلى أن دراسته تدخل ضمن سوسيولوجيا الفعل ) ،(sociologie de l’actionوتهدف
) الدراسة( لفهم العلقات الجتماعية السائدة وارتباطها بالبنيات المادية الدائمة أي الطبيعة.
لذا اشتملت دراسته على ثلث مستويات :الجغرافيا ،وانسجام تنظيم المجال )التكنولوجيا( مع
البنيات الطبيعية ،ثم التاريخ أي استحضار عامل الزمن.
في محور الطار الطبيعي توقف باسكون عند خصائص المناخ من زاوية النتاج الزراعي والرعي،
مشيرا إلى أن مناخ الحوز متوسطي ،جاف وحار ،ويتميز بتساقطات ضعيفة وغير منتظمة وحرارة
متوسطة إلى مرتفعة .وقد أكد المؤرخون أن الحوز كانت أدغال ) (broussaillesعند تأسيس مراكش
في القرن .11
ويبدي بول باسكون بملحظة هامة مفادها أن جودة التربة لم يكون لها تأثير تاريخي بالحوز بدليل أن
الستيطان الفرنسي استقر بمنطقة "تاركا" ذات التربة الرديئة والمردودية الزراعية المرتفعة نظرا
لتوفرها على موارد مائية وفيرة.
لذا أولى بول باسكون أهمية قصوى للماء ،أكثر من مسألة الرض.
كما درس تنظيم المجال على ضوء خصوصيات الوارد المائية المتوفرة ،وتنقسم إلى قسمين:
ــ المياه السطحية المعبئة بنظام تقليدي "الساكية" التي تغطي 4/3من المساحة المزروعة بالحوز
وتعتمد في صيانتها على التضامن العائلي والقبلي؛ والسقي العصري الكولونيالي الذي يعتمد على
القنوات المائية انطلقا من سدج "للتاكركوست" الذي أنشئ في بداية الثلثينات من القرن
الماضي ،ومن "ساكية تاسلطانت" انطلقا من واد وريكة
ــ المياه الجوفية والتي تعبأ عبر أربع أساليب:
+إعداد المنابع aménagement des sources
+الخطارات
+اغتراف المياه بواسطة البهائم )(puisage
+الضخ العصري بأراضي الخواص والراضي المسترجعة.
نهاية القبيلة
حسب بول باسكون فإن مفهوم القبيلة ذو حمولة تاريخية وسياسية .لذا فإن القبيلة عند لن خلدون
ــ مثل ــ تختلف عن القبيلة ــ القومية ) (la tribu – nationوعن القبيلة ــ الحزب وعن قبيلة
المهاجرين...
وقد تبنى باسكون مفهوم القبيلة عند "جاك بيرك" وللتذكير ،وخلفا لروبير مونتاني الذي يؤسس
مفهوم القبيلة على أساس جينيا لوجي يستند إلى انتساب أفراد القبيلة إلى جد واحد مشترك ،فإن
جاك بيرك يخلص إلى أن القبيلة بشمال إفريقيا )سكساوة نموذجا( تشكلت عبر زواج العديد من
اللجئين والمنفيين والغرباء بنساء القبيلة ليحصلوا على حق استغلل أرضها ومياهها .أي أن القبيلة
تقوم على أساس "تجميع أفراد ينصهرون داخلها دون أن تكون بينهم بالضرورة صلة دم .فالقبيلة
إذن نتاج اتفاق أو "عقد اجتماعي :يضم تعاقدات وعلقات إلزامية بين المجموعات"..
انطلقا من ذلك يخلص بول باسكون إلى أن أغلب القبائل لم تعد تجمعات سياسية بل فقط
تجمعات ترابية مختلطة .وحتى النسب البيولوجي لم يعد مهما.
ــ لكن ما دامت الرموز تدوم أكثر من الشياء التي تحملها ،وإن اسم القبيلة أكثر دواما من الصفاء
الثني المتخيل".
إن المسألة الساسية التي تهم القبيلة حيث تتشبث باسمها ،وهو تشبثها التاريخي بهذه القطعة
الرضية التي تقيم عليها وبالماء والمتيازات المتوفرة لها.
كما يمكن للقبيلة ،من خلل سرد وقائع تاريخية خاصة بها ،أن تدافع ــ مثل ــ عن ملكيتها لهذه
"الساكية" أو...
وسكان سهل الحوز غير منحدرين جميعا من "سكان أصليين" ،ول هم مهاجرون جميعا ،ولجاؤوا
للمنطقة في نفس الوقت.
وقد اتضحت ملمح المجموعات الثنية الكبيرة المعروفة اليوم خلل القرن .19
ويمكن تصنيف مختلف المجموعات الجتماعية المسماة قبلية ،بمنطقة الحوز" وفق الخصائص
الموضوعية الواضحة :نمط النتاج )الرعي ،الزراعة ،إنتاج الحبوب ،النتاج الشجري ) ... (arboricole
والسكن )جبلي ،في المناطق السقوي أو البور (...وأقدمية اسم القبيلة ،واللغة )بربرية ،عربية(...،
الزوايا
يوجد بالحوز ما يسمى "بجغرافية المقدس" ،حيث تستند تراتبية السكان والسكنى على تراتبية
المزارات ) (les sanctuairesوالمقدس يختلط دائما بالتجارة .لذا كان المزار دائما ملجأ للمراء
المطاح بهم واللجئين السياسيين ولجئي والحق العام.
أي أن المزار يتجمع فيه من ل يملك سوى معرفته بالعالم الخر) .(l’ailleursفيتحولون إلى تجار أو
وسطاء أو رجال دين أو حرفيين.
إن المزارات محايدة سياسيا ومجردة من السلح لذا شكلت مكانا للجوء أو التفاوض أو التجارة.
وتاريخ الزوايا ،كتاريخ القبائل ،هو تاريخ صراع السر الحاكمة ) (les dynastiesلخضاع المجموعات
الدينية ،دون القضاء تماما .بل فقط لجعلها تؤطر السكان دينيا حسب إرادة الحاكم.
وكلما انتصرت مجموعة دينية تؤسس دولة حاكمة ) .(dynastieأما إذا فشلت فهي تنزوي في
مزارها .اللهم إذا بالغت في أطماعها السياسية فيتم تحطيمها.
وتوجد بحوز مراكش زوايا متعددة:
+زوايا قبلت بالسلم مع المخزن مقابل استفادتها من عائدات "الحسان" بمناطقها الصغيرة:
"سيدي الزوين"" ،سيدي رحال"...
+زوايا أخرى أصبحت تتحكم في بعض الثروات :الرض والماء...
+مقدمين "سيتي فاضمة" الذين أصبحوا يقومون بدور "الضمان على الديون" بين تجار البهائم
ويتقاضون رسما /ضريبة على خدماتهم.
" +المصلوحيون" أصبحوا يستفيدون من عائدات الرض والرعي
+أتباع "مولي إبراهيم" تخصصوا في عمليات الزواج.
هذه المثلة توضح كيف انتقلت الزوايا من طبيعتها الروحية إلى الدنيوية ،ومن "عائدات التصوف أو
السماء| إلى "عائدات الرض".
القايدية المخزنية
ومقابل دعم عائلة لكلوي لمولي حفيظ ) (1907ومساهمتهم في هزم قوات عبد العزيز في زمران،
تمت مكافأتهم بتعيينهم في الجهاز المخزني:
ــ تعيين "المدني الكلوي" قائدا للجيش و"وزيرا كبيرا"
ــ تعيين "التهامي الكلوي" باشا على مراكش )(1909
ــ "للربيعة" بنت المدني أهداها كزوجة لمولي حفيظ.
ــ "للخدوج" بنت التهامي تزوجت بنت المقري.
ــ "التهامي لكلوي" تزوج بنت الحاج المهدي المنبهي وزير مولي حفيظ...
وهكذا أصبحت عائلة "الكلوي" تمارس سلطة على 500.000من سكان الحوز ،وتتصرف في 35000
كلم مربع بأسواقها وتجارتها وإنتاجها الفلحي ووسائل النقل والمبادلت...
كما أصبح الباشا الكلوي هو الوسيط الوحيد في التجارة بين الفلحين المحليين والوروبيين الذين
يشترون منهم منتوجاتهم.
تعطش كبار "القياد" ومنهم الباشا "الكلوي" للستيلء على أكبر مساحة من الراضي جعل ثروة هذا
الخير تفوق ثروة القصر تحت الحماية.
وقد قدرت ممتلكات التهامي الكلوي بـ 139 :مليون فرنك فرنسي )آنذاك( ،فضل عن امتلكه لسهم
في مناجم "بوازار" و"إيمني" و 3معصرات و 4معامل...
كما كان يسيطر على موارد مائية كثيرة )الوديان والسواقي (...لسقي أراضيه وتوزيع وبيع الباقي
منها على أتباعه وباقي الملكين.
المجتمع المركب
إن تواجد أنماط إنتاج مختلفة في نفس المجتمع ،ل يكون محايدا سلبيا ) .(passifبل إن أنماط النتاج
التي تشكل المجتمع في الحوز ،تتنافس بينها.
فهناك أشكال اجتماعية مهيمنة وأخرى مهيمن عليها ومقاومة ومتحدة.
في مجال التكنولوجيا مثل ،فإن الطاقة المستعملة في مراكش تتكون من الكهرباء والغاز والوقود.
وهي الطاقات المهيمنة على الطاقة البشرية والحيوانية.
لكن على بعد كيلومترات ،تختفي الكهرباء ،ثم الغاز والوقود ،لتعوضها الطاقة الحيوانية أو المائية.
وعلى مستوى العلقات الجتماعية:
في المدينة :يوجد العمل المأجور الدائم والمؤهل واستقرار العمل ،واحترام نسبي للحقوق النقابية.
وخارج المدينة :هناك العمل المأجور المؤقت أو الموسمي دون حقوق نقابية ....أما الجر فهو قابت،
في نهاية اليوم أو أسبوعين.
بعيدا :هناك "الخماسة" أو "الشركا" ...أي الدخل حسب النتاج.
بعيدا أكثر :توجد "شبه قنانة" ) (quasi-sevrageوالعمل العائلي غير المؤدى عنه...
وعلى مستوى القوانين واليديولوجيا ،يمكن وضع نفس الخطاطة.
بل يمكن أن نجد أنماط إنتاج مختلفة في أحياء مختلفة من نفس المدينة.
وبالعودة إلى حوز مراكش ،يمكننا القول بأنه مجتمع مركب .وتشترك في تشكيلته الجتماعية عدة
أنماط إنتاج :الباترياكا ،والقبلية ،والقطاع ،والرأسمالية.
أما التشكيلة الجتماعية للحور فهي مخزنية – قايدية ،تصفي ) (liquiderالقبلية وتهيمن على
الباترياركا ،التي أصبحت على شكل عائلة محدودة تتميز باستغلل النساء والطفال.
هذه "القايدية" مهيمن عليها من الرأسمالية العالمية في مجال النتاج والتداول.
ول يستبعد بول باسكون بأن يصبح المجتمع بكامله يشتغل لفائدة الرأسمالية العالمية ،لكنه )أي
المجتمع( يبقى داخليا ،مخزنيا ممركزا ).(centralisé
إن النمط الرأسمالي في طريقه للهيمنة على الحوز والمجتمع المغربي بكامله مجتمع مركب .كما
أن النسان المغربي مجبر على إيجاد التوازن داخل شخصه ،بين الخصائص المجتمعية التي تبرز
يوميا في أوجه مختلفة بمرجعيات مختلفة وقاموس مختلف ولغات مختلفة ...حتى الخلق تصبح
مركبة :عصرية ،تقليدية ،إقطاعية ،رأسمالية...
هناك انتقادات وجهت لمفهوم "المجتمع المركب :عند بول باسكون ،والتي تعتبر بأن التشكيلت
الجتماعية في العالم هي مركبة ويكون داخلها نمط إنتاج مهمين.
برد بول باسكون بأن المجتمعات التي تكون في حالة انتقال ) (les sociétés de transitionتحدد
أهدافها وتضع الوسائل للتخلص من أنماط النتاج الفديمة.
عكس المجتمعات المركبة التي تحافظ على جميع هذه النماط المتنافسة القديمة والجديدة