Professional Documents
Culture Documents
القلادة the Necklace
القلادة the Necklace
القلادة the Necklace
اسرة من طبقة الموظفين الفقراء كما لو كان ذلك بفعل زلة من زالت القدر .لم يكن
لها مهر ،ولم يكن لها ما تتطلع اليه ،ولم يكن ثمة من فرصة لتنال شيئا من الشهرة
والتفهم والحب ومن فرصة لالقتران برجل ثري وشهير .لذلك اجازت لنفسها ان
تتزوج من موظف صغير في وزارة التعليم العام .
كانت مالبسها بسيطة النها لم تكن قادرة على ابتياع مالبس انيقة .ولكنها كانت
دائمة الشعور بالتعاسة كما لو كانت قد هوت فعال من مكانة رفيعة .ولكن الجمال
والسحر عند النساء يعوضان عن المكانة االجتماعية المتواضعة .وفي نظرهن فان
طبيعة الواحدة منهن واحساسها الغرزي بالجمال والجاذبية وعقلها الذكي هي اهم
ما يمكن ان تتمتع به .وفي االغلب االعم فان هذه المزايا تجعل نساء الطبقات
المتواضعة يشعرن بانهن مساويات لسيدات المجتمع الراقي.
كانت معاناة متلدة موصولة دونما انقطاع .كانت تشعر ان من حقها ان تتمتع بكل ما
في الحياة من اسباب الرفاهية والفخامة .كانت تشعر بالحزن مما تراه من مظاهر
الفقر في مسكنها :جدران جرداء ،ومقاعد متهالكة ،وستائر قبيحة .هذا كله لم يكن
لتشعر به امرأة اخرى من فئتها االجتماعية ،لكنه كان يعذبها ويغضبها .كان منظر
الخادمة الصغيرة التي تقوم باعباء البيت تثير فيها الكثير من مشاعر اليأس
واالحالم المضطربة .كانت تحلم باروقة صامتة تكسو نوافذها ستائر من
المنسوجات الشرقية ومضاءة بشمعدانات من البرونز .كانت تفكر في قاعات
استقبال مكسوة بالحرير القديم وبخزائن انيقة تعرض فيها تحف ثمينة وبحجرات
معطرة مخصصة لتبادل الحديث مع االصدقاء الخلص عند الساعة الخامسة ومع
رجال مشهورين يتقرب منهم الناس ويثيرون في قلوب النساء الغيرة والرغبة.
لم تكن تقتني شيئا من الثياب الفاخرة او المجوهرات او اي شيء .ولم تكن تعشق
شيئا اكثر من ذلك .كانت تحلم بامتالك ما يثير حسد االخرين ويبهرهم.
كان لها صديقة ،زميلة سابقة في المدرسة ،ثرية ولم تكن تريد ان تذهب لزيارتها
النها كانت تشعر باالسى عندما تعود الى البيت بعد الزيارة.
ولكن ذات مساء عاد زوجها الى البيت باحساس واضح بالتحقق وكان يحمل بيده
مغلفا كبيرا.
وقال :ها هنا شيء لك.
يسر وزير التعليم العام جورج رامبونو والسيدة عقيلته دعوة مسيو ومدام لوازيل
لحفل استقبال في قصر الوزارة مساء يوم االثنين في الثامن عشر من يناير.
وبدل ان تشعر بالبهجة كما كان زوجها يأمل ألقت بالدعوة على المائدة وهمهمت:
-كنت اظن ياعزيزتي انك ستسرين .انك ال تخرجين وهذه فرصة جميلة .ولم احصل
على الدعوة اال بكثير من الجهد .الجميع يريدون تلبية الدعوة .ولكن الدعوة لم
توجه اال الى قلة قليلة .ولم توجه دعوات كثيرة الى الموظفين الصغار .وسيحضر
جميع الرسميين.
وتوقف عن الحديث عندما رأى زوجته تبكي .دمعتان كبيرتان سالتا ببطء من
عينيها نحو طرفي فمها.
وبذلت جهدا عظيما للتغلب على حزنها وقالت بصوت هادئ فيما هي تمسح خديها
المبللين:
-ال شيء .ليس عندي فستان .هذا كل ما في االمر .لذلك ال استطيع ان احضر
الحفل .اعط دعوتك الى زميل زوجته افضل تجهيزا مني.
-تعالي .لنناقش االمر يا متلدة .ما كلفة شراء فستان مناسب – فستان بامكانك ان
تستعمليه في مناسبات اخرى ،فستان من النوع البسيط؟
وفكرت عدة ثوان مجرية حساباتها وهي تحرص على طلب مبلغ ال يدفع زوجها -
الموظف الصغير ذا االمكانات المالية القليلة -الى الرفض الفوري.
-ال اعرف بالضبط .ولكني اعتقد ان بامكاني تدبر االمر باربعمئة فرنك.
شحب وجهه قليال فقد كان وفر هذا المبلغ لشراء بندقية للمشاركة في رحالت صيد
مع اصدقائه على سهل نانتير ايام االحد.
ولكنه قال :حسن جدا .ساعطيك اربعمة فرنك .حاولي ان تشتري فستانا جميال.
واقترب يوم الحفل .ولكن تبين ان مدام لوازيل كانت حزينة ومتعبة وقلقة .لكن
فستانها كان جاهزا .قال زوجها في احدى االمسيات:
واجابت قائلة:
-يسوءني اني ال امتلك قطعة واحدة من الحلي ازين بها صدري .سأبدو بائسة
شديدة الفقر .اني أوثر ان ال احضر الحفل.
-ولكن بامكانك ان تتزيني بالورد الطبيعي .فهو يتماشى مع ذوق هذا الفصل من
السنة .بامكانك ان تشتري وردة او وردتين رائعتين بعشرة فرنكات.
ولم تقتنع.
-ال .ليس ثمة ما هو ادعى الى الشعور بالمذلة من الظهور فقيرة بين نساء ثريات.
هتف الزوج :يالك من غبية! اذهبي الى صديقتك مدام فوريستييه واطلبي منها ان
تعيرك بعض الحلي .فالعالقة بينكما من القوة بحيث تجيز ذلك.
وفي اليوم التالي ذهبت الى صديقتها واوضحت لها سبب تعاستها.
وتوجهت مدام فوريستييه الى خزانتها ذات المرآة واخرجت منها صندوق
مجوهراتها وعادت به وفتحته وقالت لمدام لوازيل:
وقع ناظرها اوال على بعض االساور ثم على عقد من اللؤلؤ ثم على صليب فينيسي
من الذهب مرصع باحجار كريمة أُحسن صنعه .وجربت بعض الحلي على صدرها
امام المرآة وترددت في اعادتها لصديقتها .وسألت:
وفجأة اكتشفت في علبة من الساتان االسود عقدا مبهرا من الماس ،وخفق قلبها
برغبة اكيدة .وارتعشت يداها فيما هي تنظر اليه .ووضعته حول عنقها .واخذها
شعور طاغٍ بالنشوة وهي تنظر الى نفسها في المرآة.
وانطلقت فاحتضنت صديقتها وقبلتها بحرارة بالغة وانصرفت حاملة كنزها .وحلت
ليلة الحفل .وكانت مدام لوازيل محط االنظار .كانت اجمل من اي سيدة اخرى في
الحفل .كانت انيقة ورشيقة وضاحكة .لقد مألتها فرحة مجنونة .نظر اليها جميع
الرجال ،وسألوا عن اسمها ،وسعوا الى التقرب منها .تمنى جميع مسؤولي الوزارة
ان يرقصوا معها .بل ان الوزير نفسه تحبب اليها.
وغادرت قاعة الرقص عند الساعة الرابعة صباحا .كان زوجها قد غط في النوم بعد
منتصف الليل في غرفة صغيرة منعزلة بصحبة ثالثة من الرجال االخرين الذين
كانت زوجاتهم يستمتعن بالرقص.
والقى على كتفيها وشاحا كان قد احضره لتستعمله في الخارج ،وشاحا متواضعا
مما عندها من ثياب ال تتناسب مع اناقة ثياب الحفل .واحست بذلك وارادت ان
تسرع الخطى كيال تراها النساء االخريات اللواتي كن يلبسن الفرو الثمين.
اوقفها زوجها وقال لها :انتظري لحظة .قد تصابين بالبرد .ساحضر سيارة اجرة
في الحال.
ولكنها لم تستمع اليه .ونزلت على السلم .وعندما وصال الى الشارع لم يتمكنا من
العثور على سيارة .نادا سائق سيارة من بعيد.
وسارا على ضفة نهر السين يائسين ،يرتعشان من البرد .واخيرا وجدا واحدة من
تلك السيارات المتهالكة التي يراها المرء في باريس بعد هبوط الليل كما لو كانت
تتحاشى الظهور في ضوء النهار.
ونزال من السيارة بالقرب من باب بيتهما وصعدا السلم حزينين .لقد انتهى كل شيء
بالنسبة اليها .اما هو فكان يشغل باله ان عليه ان يكون في المكتب عند الساعة
العاشرة.
وقفت امام المرآة وراحت تخلع مالبسها ناظرة الى نفسها في اجمل حللها .ولكنها
فجأة اطلقت صرخة .لقد اختفى العقد من حول عنقها.
وراحا يبحثان عن العقد في ثنايا الثوب والعباءة وفي الجيوب وفي كل مكان .ولم
يعثرا عليه.
سأل :هل انت متأكدة انه كان حول عنقك عندما غادرنا الحفل؟
-ولكن لو انه سقط في الشارع لتمكنا من سماع صوته .ال بد انه سقط في السيارة.
-ال.
وذهب .وظلت هي في ثياب السهرة دون ان تجد في نفسها القوة الكافية للذهاب الى
السرير .جلست على كرسي دون نار تتدفأ بها وكان خالية الذهن من كل شيء.
كان قد ذهب الى مركز الشرطة والى مكاتب الصحف لالعالن عن مكافأة لمن يعثر
عليه والى مكاتب سيارات االجرة .ذهب في الحقيقة الى اي مكان دفعه اليه شعاع
من امل.
وانتظرت طوال النهار وهي تشعر باليأس بسبب هذه الكارثة المخيفة.
قال :يجب ان تكتبي الى صديقتك وتخبريها بان مشبك العقد قد انكسر واننا بصدد
اصالحه .فذلك يعطينا مزيدا من الوقت لمزيد من البحث.
وفي اليوم التالي اخذا علبة العقد الى الجواهري الذي عثرا على اسمه داخل العلبة.
وبحث الرجل في دفاتره.
وراحا يختلفان على محال المجوهرات للبحث عن عقد يشبه العقد الضائع،
محاولين تذكر كل تفصيل ،وقد مألهما اليأس والهم.
وفي احد المحال في منطقة القصر الملكي عثرا على عقد بدا انه يشبه العقد
المفقود .كان ثمنه اربعين الف فرنك .وتمكنا من تخفيض السعر الى ستة وثالثين
الفا.
وطلبا من البائع ان ال يبيعه لثالثة ايام .واتفقا ان يسترده البائع باربعة وثالثين الفا
اذا عثرا على العقد الضائع قبل نهاية فبراير.
كان في حوزة لوازيل ثمانية عشر الفا كان قد ورثها عن ابيه .وكان عليه ان
يستدين ما تبقى.
وراح يستدين ،طالبا الفا من هذا وخمسة االف من آخر .وكتب تعهدات وتعامل مع
المرابين .ورهن بقية عمره دون ان يكون على يقين من انه سيكون قادرا على
تسديد الديون .وذهب لتسلم العقد ووضع على طاولة الجواهري ستة وثالثين الف
فرنك.
وعندما اعاد مدام لوازيل العقد لمدام فوريستييه قالت لها االخيرة ببرود:
ولم تفتح العلبة كما كانت صديقتها تخشى .فلو عرفت ان العقد مختلف ماذا كان
عليها ان تقول؟ الم تكن لتفكر بانها واحدة من اللصوص؟
بعد ذلك عرفت مدام لوازيل حياة الفقر والفقراء .ولكنها واجهت حياتها الجديدة
ببطولة فذة .فقد كان ال بد من تسديد الدين .وصرفا الخادمة واستأجرا شقة على
احد السطوح.
كان عليهما ان يسددا جزءا من الديون كل شهر ،وان يجددا االتفاق لكسب مزيد من
الوقت.
وراح زوجها يعمل محاسبا في المساء عند احد التجار .وفي وقت متأخر من الليل
كان ينسخ نصوصا مقابل خمسة قروش للصفحة.
وعند نهاية السنوات العشر كانا قد سددا كل شيء باالضافة الى فوائد الديون.
وبدا على مدام لوازيل التقدم في السن .لقد اصبحت االن تشبه مثيالتها من الفقراء
– قوية وصلبة وخشنة :شعرها اشعث ،وثيابها متهدلة ويداها حمراوان .تتكلم
بصوت مرتفع .ولكنها عندما يكون زوجها في المكتب كانت تجلس بالقرب من
النافذة وتفكر بااليام الجميلة التي مرت في الماضي البعيد وتتذكر الحفل الذي بدت
فيه جميلة ومثيرة لالعجاب واالهتمام.
ماذا كان يمكن ان يحدث لو لم تفقد العقد؟ من يعلم؟ كم هي الحياة غريبة ومتقلبة!
كم هي صغيرة االشياء التي يمكن ان تسعدنا او تدمرنا!
ولكن ذات يوم من ايام االحد وفي ما كانت تتمشى في شارع الشانزيليزيه لتسري
عن نفسها بعد متاعب اسبوع في العمل ،ابصرت سيدة ومعها طفل .انها مدام
فوريستييه – انها ال تزال شابة وجميلة وساحرة.
هل تتكلم اليها؟ اجل بالتأكيد .االن وقد سددت جميع ديونها لماذا ال تخبر صديقتها
بكل شيء؟
واقتربت منها.
-لقد كانت حياتي بالغة الصعوبة منذ ان رأيتك المرة االخيرة .كان ذلك كله بسببك.
-بسببي؟ كيف هذا؟
-فقدته.
-اعدت اليك عقدا شبيها به .واستغرقنا االمر عشر سنوات لتسديد ثمنه .بامكانك
ان تتخيلي ان االمر لم يكن سهال اذ لم يكن معنا شيء .واخيرا سددنا كل شيء .انا
سعيدة.
-آه .مسكينة انت يا متلدة .كان عقدي من الماس الزهيد الثمن ولم يكن ثمنه يزيد
على خمسمئة فرنك.