Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫أزمة اللغة العربية في اإلعالم المعاصر‬

‫‪http://www.alfaisalmag.com/?p=85‬‬

‫أضحت العالقة العضوية بين اللغة العربية بمختلف مستوياتها وعوالم اإلعالم‪ ،‬وعمق التحوالت‬
‫التي طرأت على اللسان العربي‪ ،‬يغريان بالبحث والتأمل ووضع السؤال ألجل الوقوف على‬
‫معالم تلك العالقة ومفعوالتها‪ .‬إنها عالقة على قدر من االلتباس والتعقيد؛ ألن الباحث ال يدري‬
‫أكانت مستويات اللغة متاحة كي توظف لتبسيط أغراض اإلعالم ومقاصده أم أن هذا اإلعالم‬
‫صار وسيلةً لترويج خصوصيات وأنماط مخصوصة وتعميمها؛ مما ينعكس ‪-‬بشكل أو بآخر‪-‬‬
‫على سبل التواصل لدى المتلقي العربي من جهة‪ ،‬وعلى وعيه وإدراكه وهويته من جهة أخرى‪.‬‬

‫معلوم أنه خالل العقد األخير من القرن الماضي‪ ،‬والعقد األول من القرن الحالي‪ ،‬عرف العالم‬
‫العربي انفتاحا ً إعالميا ً غير مسبوق‪ ،‬تمثّل أساسا ً في التطور المهول الذي لحق قطاع اإلعالم‪،‬‬
‫تحول مرجعية هذا القطاع من العام إلى‬ ‫تنوع مواقعه ووظائفه وتغيّرها‪ ،‬وصوالً إلى ّ‬ ‫فضالً عن ّ‬
‫الخاص‪ .‬وال شك أن ذلك وضع مستجدّ يُوشك أن يكون استثنائيا ً بالنسبة إلى األعراف والثوابت‬ ‫ّ‬
‫ً )‪(1‬‬
‫الراسخة في ثقافة اإلعالم العربي عامة‪.‬‬
‫ولم تُترك التجاذبات السياسية‪ ،‬واالختالفات األيديولوجية‪ ،‬والتوجهات الفكرية ‪-‬سواء تلك التي‬
‫يستق ّل بها ك ّل قطر عن آخر بشكل عام‪ ،‬أم تلك التي تش ّكل تنوعا ً داخل بلد بعينه‪ -‬بعيدا ً من‬
‫سله مختلف الفاعلين لتمرير األطروحات‬ ‫الصراع السياسي والتصادم األيديولوجي‪ ،‬بل تو ّ‬
‫السياسية والدعاوى الفكرية‪.‬‬

‫ومن الطبيعي أن يكون من مترتّبات هذا الوضع تشرذم المؤسسات اإلعالمية الرسمية القائمة‪،‬‬
‫وانحسار تأثيرها وفاعليتها‪ ،‬ومن ث َ ّم التخلي عن مركزيتها أمام اكتساح القنوات الخاصة‬
‫(التجارية تحديداً)‪ ،‬وانتشار الفضائيات األجنبية الناطقة باللغة العربية‪ .‬ك ّل ذلك جعل الوسيلة‬
‫مقدمةً على الرسالة‪ ،‬والربح سابقا ً على الجودة (جودة الخطاب)‪ ،‬ومطلب االنتشار والتنافس‬
‫تحري الدقة واإلتقان في صياغة الخطابات‪ ،‬وصناعة الرسائل كما تقتضي‬ ‫ضالً على داعي ّ‬ ‫مف ّ‬
‫أعراف اللسان الفصيح وسننه‪.‬‬

‫إن هذا (الفتح اإلعالمي) الفضائي ‪-‬إذا ً‪ -‬لم ينزل بردا ً وسالما ً على المجال اللغوي العربي؛ فقد‬
‫ترك تأثيرات انتهكت باسم االنفتاح وزيادة االنتشار حرمة اللسان العربي الفصيح؛ فمجيء‬
‫العولمة بمطامحها االستقطابية (التوحيدية) التنميطية‪ ،‬وثقافتها االستهالكية الفائقة‪ ،‬دخل عامالً‬
‫لغويا ً جديدا ً إلى فضائنا الثقافي اإلعالمي؛ إذ غزت اللغات األجنبية‪ ،‬واإلنجليزية على رأسها‪،‬‬
‫ومروجي اإلعالنات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عوالم المرئي والمسموع‪ ،‬وتحديدا ً ألسنة مذيعي الربط‪ ،‬ومقدمي البرامج‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫وتلونت‬
‫ّ‬ ‫تمدّدت المفردات والتعبيرات اإلنجليزية والفرنسية في رحاب المذيعين وأساليبهم‪،‬‬
‫طرائق نطقهم وتنغيمهم ونبرهم بأساليب ومقترضات واستعارات تعود إلى هذه اللغات‪ ،‬وباتت‬
‫األدوات اللغوية المستخدمة اليوم تش ّكل مزيجا ً هجينا ً يغرف من ك ّل منهل من دون أن يحمل‬
‫بالضرورة مالمح شخصية البيئة الثقافية واالجتماعية التي يُفترض به أن يتوجه إليها أو يكون‬
‫)‪(2‬‬
‫ثابتا ً من ثوابت هويتها التعبيرية‪.‬‬
‫إن حابل اإلعالم أصبح مختلطا ً إلى أبعد حد بنابل اللغة‪ ،‬ولم تعُ ْد تبعا ً لذلك حدود استخدام ك ّل‬
‫منهما وضوابطه وتوظيفه في خدمة اآلخر واضحة المعالم‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فالتداخل البيّن‬
‫بين مستويات اللسان العربي في مختلف وسائل اإلعالم‪ ،‬إضافةً إلى الغموض الحاصل في‬
‫الدور المرتقب لهذه الوسائط‪ ،‬يحتّمان وضع أكثر من استفهام على هذا المستوى‪ ،‬سواء في ذلك‬
‫ما يمكن أن يصيب (هوية اللغة العربية الفصيحة) من تدجين وتدمير من خالل خلخلة أركانها‬
‫المنبنية عليها (صوتاً‪ ،‬وصرفاً‪ ،‬ونحواً‪ ،‬وتركيباً‪ ،‬وداللةً)‪ ،‬وتخريب نسقها المعياري‪ ،‬أو ما‬
‫يمكن أن يلحق (هوية) الناطقين بها من ارتجاج ومسخ‪ ،‬بوصف (اللغة هي صلب الهوية)‪ ،‬مثلما‬
‫أن تحديد اللغة يقع في قلب تحديد (الهوية)‪ ،‬وكالهما يتبوأان موقعا ً مركزيا ً في فهم التحوالت‬
‫اآلخذة في البروز كما يبدو من المظاهر اآلتية‪:‬‬

‫–التداخل بين اللغة الفصيحة واللغة العامية في الخطاب اإلعالمي‪:‬‬

‫وهو تداخل ليس بريئا ً أو عفوياً‪ ،‬وإنما هو مقصود‪ ،‬الهدف منه عزل اللغة العربية الفصيحة (بما‬
‫تحمله من قيم ورموز وعمق تاريخي وبعد أيديولوجي)‪ ،‬وإحالل العاميات محلها؛ أي‪ :‬االبتعاد‬
‫ما أمكن ‪-‬كما يتّضح في الخطاب اإلعالمي‪ -‬من اللغة األم‪ ،‬وترسيخ (النسق الدارج)‪ .‬وألن‬
‫«اإلعالم بمختلف وسائله الخطية والسمعية والمرئية هو أكثر المنظومات التصاقا ً بالجمهور‬
‫والواقع فإن ك ّل التركيز يقع على قنواته ووسائطه للنيل من اللسان الفصيح؛ لذلك فنصيب‬
‫انفك يتقلّص‪ ،‬ونزعة االستسهال بحكم قانون المجهود األدنى ما فتئت تزرع الوهم‬ ‫الفصحى ما ّ‬
‫ي‬
‫بأن العربية ال تتالءم مع برامج الحياة اليومية »‪ ،‬وكأن العربية لغة مفارقة للواقع الح ّ‬
‫)‪(3‬‬

‫يبث اإليهام والخداع بكون لغة الواقع (اللغة‬‫المعيش؛ لذا يحاول هذا التوظيف اإلعالمي أن ّ‬
‫العامية) هي التي يجب أن تغدو اللغة الرسمية‪ ،‬وهذا معناه جعلها لغةً تعليميةً أوالً‪ ،‬ثم لغةً‬
‫إبداعيةً ينتج بها الفكر ثانياً‪ ،‬ومن هنا تجد أطروحات تحطيم اللغة الفصيحة مداخلها المبتغاة‪!!.‬‬
‫وال يبعد أن يكون المقصد األساسي من وراء ك ّل هذا هو أن تلقى لغة الضاد المصير نفسه الذي‬
‫لقيته اللغة الالتينية بأن تنحل وتتفتت إلى لهجات تتطور إلى لغات قائمة الذات‪.‬‬

‫ش ّجعت هيمنة ثقافة الصورة (الثقافة البصرية) في مقابل تراجع ثقافة الكلمة (ثقافة المقروء)‪،‬‬
‫وطغيان مبدأ اإلغواء المشهدي في شكل من أشكال تفشي (لعبة اإلغراء ‪The game of‬‬
‫)‪ ،seduction‬على انتشار الثقافة الجماهيرية بمختلف مظاهرها ووجوهها‪ ،‬وانحسار ثقافة‬
‫النخبة بتجلياتها وصورها شتى؛ لذا من البديهي في مثل هذا الحال أن يتوسل اإلعالم بالعاميات‬
‫بدءا ً بلغة التخاطب التي يستعملها المنشطون والمنشطات للبرامج التلفازية واإلذاعية‪.‬‬

‫انجرت ‪-‬في شكل من‬‫ّ‬ ‫ولع ّل ما يزيد من استغراب المتابع للوضع اإلعالمي أن البرامج الدينية قد‬
‫تحول الوعظ واإلرشاد الدينيين من المنبر إلى الشاشة‪ ،‬أو من المسجد إلى األستوديو‪ -‬إلى‬
‫أشكال ّ‬
‫المآل عينه‪ ،‬بل إن جمهور العلماء والدعاة والوعّاظ أضحوا يميلون إلى التداول اللهجي عبر‬
‫البرامج اإلعالمية‪ ،‬حتى الذين يتناولون منهم قضايا على قدر من التعقيد والدقة في علم‬
‫)‪(4‬‬
‫القراءات أو علم األصول أو غير ذلك‪ ،‬بل لألسف حتى في علم اللغة‪.‬‬
‫–اللسان الفصيح واللسان الدارج وسؤال المرجعية في الفضاء اإلعالمي‪:‬‬

‫باتت وسائل االتصال واإلعالم العربية واألجنبية على ح ٍّدّ سواء؛ بفعل قوة انتشارها‪ ،‬وازدياد‬
‫تأثيرها في المتلقي العربي‪ ،‬تمثّل شبه مرجعية ثقافية ولغوية ال تق ّل أهميةً عما سواها من‬
‫المرجعيات القائمة المورثة‪ .‬ولعل المقلق ‪-‬فيما نحن فيه‪ -‬الشكل الموصول بفعالية هذه‬
‫(المرجعية الجديدة)‪ ،‬وقدرتها على القيام بتوجيه جمهورها وتطويره لغوياً؛ ألن أهدافها‬
‫التسويقية‪ ،‬وخلفياتها االستهالكية‪ ،‬ومنطقها الربحي‪ ،‬وفلسفتها التجارية‪ ،‬غير المنفكة عن‬
‫تجديداتها وإبداعاتها اللهجية الغربية‪ ،‬تكاد تطغى على همومها اللغوية؛ فمبدأ الغاية التوصيلية‬
‫(النفعية) ُمقدَّم على العناية بالوسيلة اللغوية وما تقتضيه من ضبط وإتقان‪ ،‬إن لم نقل‪ :‬إن غاية‬
‫تسوغ انتهاك حرمة اللغة الفصيحة‬ ‫حفظ شدّ المتلقي إلى الوسيلة اإلعالمية أكبر وقت ممكن ّ‬
‫واللسان الرصين‪.‬‬

‫أما ما يرتبط بالتأثير والتأثر المتبادلين بين مستويي الفصحى والعامية في اللسان العربي‬
‫المعاصر‪ ،‬فيوجب التذكير بأن العرف اللساني يؤكد أن المستوى الفصيح ينحو منحى التكيّف مع‬
‫المستوى التعبيري اليومي؛ بمعنى أن التالقي والتفاعل يحدثان انطالقا ً من المستوى الفصيح‪،‬‬
‫وصوالً إلى المستوى العامي‪ ،‬بينما العكس هو الصحيح في حال اللسان العربي الذي تتطور‬
‫عاميته تدريجا ً ‪-‬بفعل االحتكاك واالستعمال اإلعالمي تحديدا ً‪( -‬نحو الشكل المف ّ‬
‫صح‪)(5).‬‬
‫وإذا تبيّن هذا تبيّن معه كذلك أن (االنحراف) في المجال اإلعالمي نحو التوظيف اللهجي‬
‫(استعمال العاميات) على حساب اللسان الفصيح إنما هو انحراف على مستوى المرجعية اللغوية‬
‫التي هي مرتكز الهوية العربية‪ ،‬وأساس االنتماء الحضاري لألمة الناطقة بلغة الضاد‪ .‬وليس من‬
‫ناف لة القول التذكير في هذا السياق بأن اللغة العربية تنفرد عن غيرها من اللغات العالمية بأنها‬
‫كانت ‪-‬وال تزال‪ -‬تش ّكل المحور الذي تلتصق به هوية الفرد العربي وهوية الجماعة على ح ٍّدّ‬
‫ي عن البيان أن هوية الدين ترتبط ارتباطا ً وثيقا ً‬
‫سواء‪ ،‬وبين هذه وتلك هوية الدين‪ .‬كما أنه غن ٌّ‬
‫باللغة العربية؛ ألنها لغة القرآن الكريم‪ ،‬ولغة الحديث النبوي الشريف‪.‬‬

‫وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فإن التفريط في هذه اللغة في المجال التداولي اإلعالمي ‪-‬من حيث إن اإلعالم‬
‫هو الصانع األساسي للتصورات والتمثّالت‪ ،‬والمشكل األبرز للوعي واإلدراك‪ -‬إنما هو تفريط‬
‫في المر جعية الحاضنة لها‪ ،‬التي قوامها االمتداد في العمق التاريخي‪ ،‬واالمتالء الحضاري‪،‬‬
‫واالنسجام بين العناصر المكونة لها‪ ،‬وما يستتبع ذلك من أصالة وثبات‪ ،‬على نقيض ما تحيل‬
‫عليه (اللغة الهجينة) التي أضحت ‪-‬كما تبيّن‪ -‬العالمة المميزة للخطاب اإلعالمي المعاصر‪،‬‬
‫وهي (لغة) ال هوية حقيقية لها‪ ،‬وال مرجعية محددة تحضنها‪ ،‬أو أنها ‪-‬في أحسن األحوال‪ -‬ذات‬
‫(هوية هجينة مدجنة)‪ :‬عامية‪ ،‬وعاميات‪ ،‬ولغة فصيحة‪ ،‬وإنجليزية‪ ،‬وفرنسية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫ي لسان بهذه المواصفات ال يمكن أن يسهم في خلق اإلبداع‪ ،‬أو بناء فكر‪ ،‬أو صناعة ثقافة‬ ‫وأ ّ‬
‫يقوض اإلبداع‬‫(بالمعنى اإليجابي العميق)‪ ،‬بل يمكن القول‪ :‬إن وضعا ً لغويا ً كهذا من شأنه أن ّ‬
‫الثقافي واإلنتاج الفكري؛ ألن اللسان الغريب عن التربة الحضارية لألمة ال يمكن أن يولد إال‬
‫(ثقافة غريبة)‪ ،‬و(فكرا ً مغترباً)‪ ،‬بل وإنسانا ً مغتربا ً عن محيطه المحلي والكوني؛ لكونه يُفقد‬
‫صاحبه حقيقة وجوده‪ ،‬وصميم هويّته؛ أي‪ :‬اللغة األم؛ لذلك «فالنظرة إلى اللغة ينبغي أال تقصر‬
‫على أنها مجرد سوق استهالكية جديدة‪ ،‬أو سوى فتح تلفزيوني إعالمي يتجلبب بالعباءة العربية‪،‬‬
‫وإنما من جهة كونه يرطن بلغة هجينة مغربة)‪ ،»(6‬لها تداعيات مخيفة على اإلنسان والفكر‬
‫والثقافة والحضارة‪.‬‬
‫من هنا يمكن التنبيه إلى أنه بدل أن تمارس وسائل اإلعالم في المجتمع العربي دورها في‬
‫التحصين الثقافي‪ ،‬والوعي الحضاري‪ ،‬وتقدم النماذج التي تبني الشخصية‪ ،‬وتحمل الرسالة‪،‬‬
‫وتثير االقتداء‪ ،‬وتحسن التعامل مع اإلعالم الغازي وتواجهه‪ ،‬وتشعر األمة باالستفزاز والتحدي‬
‫تحولت جلّها إلى‬
‫الذي يجمع طاقاتها‪ ،‬ويبصرها بطريقها‪ ،‬ويساهم في صمودها‪ ،‬بدل ك ّل ذلك ّ‬
‫وسائل هدم‪ ،‬تسهم في تكسير أسلحة األمة‪ ،‬وعلى رأسها اللغة‪ ،‬ومن بعدها القيم واألخالق‪،‬‬
‫وإلغاء حدودها الفكرية والثقافية؛ لتمكن لمرور (اآلخر)‪ ،‬واختراق الهوية العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫وقد تتجاوز أكثر من ذلك؛ إذ تغدو أداة ً لـ(اآلخر)‪ ،‬فتبرز (العمالة اإلعالمية) بوصفها تجليا ً من‬
‫)‪(7‬‬
‫تجليات العمالة الثقافية والسياسية في مراحل تطور الدولة التاريخي‪.‬‬
‫وإذا تبيّن هذا تبيّن معه كذلك أن األزمة التي تعيشها اللغة العربية الفصيحة اليوم إنما هي أزمة‬
‫متعددة المداخل‪ ،‬وفي مستويات كثيرة لم تعُ ْد محتملةً‪ :‬أزمة وضع (في التعليم واإلدارة‬
‫واالقتصاد)‪ ،‬أو مأسسة لغوية غير مناسبة وال مجدية‪ ،‬وحقوق لغوية مجهضة‪ ،‬وقانون يتنافى‬
‫والواقع‪ ،‬وأزمة متن (معاجم وقواعد ونصوص)‪ ،‬ووظيفيات (في الحياة العامة واإلدارة)‪،‬‬
‫واقتصاد وسياسة واجتماع وإعالم‪ ،‬وغيرها ‪(8).‬وهذا األمر يعكس مدى هشاشة الوضع اللغوي‬
‫العربي‪ ،‬وحدّة األخطار التي هي محدقة به؛ لما يعيشه من حصار بين اللغات األجنبية الكاسحة‬
‫من جهة والعاميات المتنامية من جهة أخرى‪ ،‬فضالً عن التحامل المشهود على لغة الضاد بشكل‬
‫مباشر أو غير مباشر محليا ً وكونياً؛ لذا فالمعالجة الملحة والعقالنية صارت أمرا ً ال يتح ّمل مزيد‬
‫إهمال وال تأجيل؛ ألن إصالح الشأن اللغوي المتردّي وتقويم اعوجاجاته هو في اآلن نفسه‬
‫(ترميم) وإصالح للهوية العربية؛ لكون األزمة واحدة‪ ،‬والمآل واحد على سبيل اللزوم والتعدي‪.‬‬
‫ومعنى هذا أنه ال فصل ممكنا ً بين أزمة اللغة العربية القائمة فعالً وأزمة الهوية العربية‬
‫الموجودة حقيقةً؛ فاندحار اللغة اندحار للهوية الموصولة بها‪ ،‬كما أن تأ ّكل هوية جماعة بشرية‬
‫ينعكس على صفحات اللغة التي يتحدثونها‪ .‬وإن كان من مزايا لإلعالم المعاصر فإنها تتمثّل في‬
‫كونه ‪-‬من خالل توظيفاته اللغوية‪ ،‬وترسيخه نمطا ً لغويا ً متهرئا ً‪ -‬جعلنا نشاهد على شاشات‬
‫القنوات الفضائية‪ ،‬وصفحات المواقع اإللكترونية حقيقة هويتنا المأزومة‪ ،‬ونقرأ على صفحات‬
‫الصحف والمجالت معالم ضعفنا البارزة‪ ،‬ونعرف مدى تفريطنا في هويتنا ولغتنا معا ً‪.‬‬

You might also like