قطف الثمرات

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 20

‫أخذ أسم الكتاب من هذه العبارة فقيل ‪ :‬متن الورقات في أصول الفقه ‪ ...

‬يعني أنه لن‬


‫يشمل في هذا المتن جميع مسائل أصول الفقه ‪...‬والفضل مجموعة المسائل الجزئية‬
‫المتعلقة بموضوع واحد ويكون تحت الباب غالبا ً ‪...‬فالباب ‪ :‬يحتوي علي الكلية‬
‫المتضمنة لموضوع جامع لجزئيات تشكل الفصول ‪...‬والفصل ‪ :‬فرع من فروع‬
‫الباب ‪ ...‬مبادئ العلم ‪ ...‬هي المذكورة في قول بعضهم ‪ ...‬إن مبادئ كل فن عشرة‬
‫الحد والموضوع ثم الثمرة اإلسم االستمداد حكم الشارع فضله نسبة الواضع مسائل‬
‫والبعض بالبعض اكتفى ومن درى الجميع حاز الشرفا ‪...‬والعلم المركب إذا أردنا‬
‫تعريفه نبدأ بتعريف كل جزء على حدة لغة وإصطالحا ً ‪...‬وبعد ذلك يعرف اإلسم‬
‫بتركيب الجزأين ‪ ...‬والتركيب أنواع ‪ ... :‬مركب إضافي مثل (عبدهللا ) مركب‬
‫مزجي مثل (بعلبك) ومركب إسنادي مثل (تأبط شرا) ومركب وصفي مثل (التفسير‬
‫الموضوعي ) ‪...‬و(أصول الفقه) مركب إضافي‪...‬وأصل الشيء ‪ :‬أساسه الذي يقوم‬
‫عليه ومنشؤه الذي ينبت منه فتعريف المصنف لألصل بأنه ما يبنى عليه غيره هو‬
‫تعريف من جهة اللغة وجرى عليه إصطالح التدوين ‪...‬واألصول في إصطالح‬
‫األصوليين ‪ :‬هي مجموعة القواعد الكلية التي يبني عليها المجتهد إستنباط األحكام ‪...‬‬
‫في "القاموس المحيط" فرع كل شيء أعاله‪ .‬اهـ ‪...‬فالفرع وهو المسألة الحادثة التي‬
‫لم ينص عليها تبنى علي أصل وهو حكم المسألة التي جاء النص عليها بجامع العلة‬
‫بين الصل والفرع ‪ ...‬الفاء والقاف والهاء أص ٌل واحد صحيح يدل على إدراك الشيء‬
‫والعلم به ‪ ...‬ثم أختص بذلك علم الشريعة ‪...‬والفقه في اإلصطالح ‪ :‬معرفة األحكام‬
‫الشرعية التي طريقها اإلجتهاد ‪ ...‬وقد يعرف بـ ‪ :‬معرفة األحكام الشرعية المتعلقة‬
‫بأفعال المكلفين المستنبطة من أدلتها التفصيلية ‪ ...‬وهذا التعريف أوضح ‪...‬ألن قولنا‬
‫‪( :‬أفعال المكلفين) أخرج األحكام اإلعتقادية واألحكام العقلية وأفعال غير المكلفين‬
‫فهذه ليست متعلق بالفقه ‪ ...‬وقولنا ‪ ( :‬من أدلتها التفصيلية ) أخرج األحكام المبنية‬
‫على األدلة الكلية فأخرجنا أصول الفقه ألن الكالم فيه علي األدلة الكلية القرآن والسنة‬
‫واإلجماع والقياس واألدلة المختلف فيها ‪ .‬فالفقيه ‪...‬اإلجتهاد في اللغة ‪ :‬بدل الوسع‬
‫والمجهود ‪ ...‬وفي اإلصطالح ‪ :‬إستفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن لحكم شرعي‬
‫وعند المصنف أمور اإلعتقاد ال تثبت بالظني وعليه فإن قوله ‪( :‬التي طريقها‬
‫اإلجتهاد ) أخرج األمور العقدية ‪ ...‬والمقصود بالحكم الشرعي ‪ :‬خطاب هللا المتعلق‬
‫بأفعال المكلفين باإلقتضاء أو الوضع أو التخيير ‪ ...‬وبعضهم ال يذكر ‪( :‬أو بالتخيير )‬
‫وسبب ذلك أنهم إختلفوا هل اإلباحة حكم شرعي أو ال ‪ ...‬والواقع أن حكم اإلباحة ال‬
‫يثبت بغير شرع وعليه فهو حكم شرعي ‪ ...‬المكلفين ‪ :‬من تحقق فيه وصف الهلية‬
‫ببلوغ سن التكليف عاقالً مسلما ً وقد تحتاج بعض العمال تحقق‪ ...‬أوصاف أخرى ‪...‬‬
‫ومعنى اإلقتضاء ‪ :‬طلب الفعل أو طلب الترك ‪ ...‬على وجه اإللزام ‪ ...‬ال على وجه‬
‫اإللزام ‪ ...‬فنتج ‪ ...‬أربعة أنواع وهي ‪ ،‬الوجوب ‪ ،‬اإلستحباب ‪ ،‬التحريم ‪ ،‬المكروه‬
‫والخامس اإلباحة وهو مستفاد من قولنا ( أو بالتخيير ) وتسمى هذه الخمسة ‪ :‬أنواع‬
‫الحكم ا لشرعي التكليفي ‪ ...‬ومعنى الوضع ‪ :‬ما جعله الشارع عالمة دالة على الصحة‬
‫أو البطالن فيشمل الركن والشرط والسبب والمانع ‪ ...‬فإذا تحقق في العمل جميع ما‬
‫جعله الشارع عالمة علي صحته وانتفى عنه كل ما جعله الشارع مانعا ً من صحته‬
‫فقد تحقق وصف الصحة ‪ ...‬وإذا انتفى شيء من ذلك أو قام مانع يمنع من صحته فقد‬
‫سلب عنه وصف الصحة واكتسب وصف البطالن والفساد ‪ ...‬وتسمى هذه األمور ‪:‬‬
‫الحكم الشرعي الوضعي ‪ ...‬الركن والشرط والسبب والمانع وينتج عنها الصحة‬
‫والبطالن ‪ ...‬دمج المصنف الحكم الشرعي التكليفي مع الحكم الشرعي الوضعي وال‬
‫تعقب عليه وال إستدراك ألنه قال (األحكام سبعة ) ‪ ...‬ذكر نوعين وهما ‪ :‬الصحة‬
‫والفساد وهما من الحكم الشرعي الوضعي وجميع أنواع الحكم الشرعي الوضعي‬
‫ترجع إليهما ‪ ...‬هذا التعريم لم يحدد الماهية وإنما هو تعريف بالحكم واألثر ‪...‬‬
‫المحدد لماهيته هو ‪ :‬طلب الفعل على وجه اإللزام ‪ /1...‬ما ذكروه تعريفا ً محددا ً‬
‫لماهية الواجب هو في حقيقته تعريف األمر المجرد عن القرائن الصارفة له إلى‬
‫اإلستحباب ‪/2 ...‬الحدود يطلب بها تمييز المعرفات وبالتعريف المذكور لم تتميز‬
‫ماهية الواجب عن ماهية األمر ‪/3 ...‬وألن تعريف الواجب بـ ( ما يثاب فاعله‬
‫ويعاقب تاركه ) يحقق تمايز الواجب عن األمر وهذا مقصود صناعة الحدود‬
‫والتعريفات ‪ ...‬الواجب هو ‪ :‬ثبوت مقتضى األمر في الذمة بحيث ال تبرأ الذمة إال‬
‫بفعله ‪ /1 ...‬حكم الوجوب قد يختلف ويصرف إلي اإلستحباب إذا قامت قرائن‬
‫تصرف إليه ‪ /2‬الواجب جاء في بعض األحاديث بمعنى األمر المؤكد ال بالمعنى‬
‫اإلصطالحي األصولي ‪(( ...‬غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم )) ‪...‬ليس من‬
‫الواجب التكليفي الذي يأثم تاركه ‪ /3‬للوجوب صيغ وأساليب تدل عليه ‪ ...‬المندوب‬
‫هو المستحب ويعبر عنه أحيانا ً بالسنة ويعبر عنه بالفضيلة والرغيبة وهو طلب الفعل‬
‫ال على وجه اإللزام ‪ . ..‬والتعريف الذي ذكره المصنف رحمه هللا هو تعريف باألثر‬
‫أو الحكم ‪/1 ...‬ذهب األوصوليين من غير الحنفية إلى أن المستحب يمدح فاعله‬
‫و يثاب وال يذم تاركه وال يعاقب ‪ ...‬غير أن هذا الترك إن ورد فيه نهي غير جازم‬
‫نظر ‪ :‬فإن كان محصوصا ً كالنهي في (( إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى‬
‫يصلي ركعتين )) كان مكروها ً وإن كان نهي غير مخصوص وهو النهي عن ترك‬
‫المندوبات عامة المستفاد من أوامرها فإن األمر بالشيء يفيد النهي عن تركه فيكون‬
‫خالف األولى ألن الطلب بدليل خاص أكد من الطلب بدليل عام والمتقدمون يطلقون‬
‫المكروه على ذي النهي المخصوص وغير المخصوص وقد يقولون في األول ‪:‬‬
‫مكروه كراهة شديدة ‪ ...‬الحنفية ينصون على أن الشيء إذا كان مستحبا ً أو مندوبا ً‬
‫عندهم وليس سنة فال يكون تركه مكروها ً أصالً وال يوجب تركه إساءة أيضا ً فال‬
‫معان ‪ :‬منها أنها أسم للطريقة‬
‫ٍ‬ ‫يوجد عتابا في األخرة‪ ...‬وإن كان فعله أفضل‪/2 ...‬لها‬
‫إفتراض وال وجوب وتطلق على الفعل إذا واظب عليه‬ ‫ٍ‬ ‫المسلوكة في الدين من غير‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يدل دليل على وجوبه ‪ ...‬وعرفها بعض الفقهاء بأنها ‪:‬‬
‫مايستحق الثواب بفعله وال يعاقب بتركه وتطلق السنة أيضا ً على دليل من أدلة الشرع‬
‫‪ ...‬وتطلق على المندوب والمستحب والتطوع في ألفاظ مترادفة ‪ ...‬ويقسم الشافعية‬
‫والحنابلة السنن إلى سنن مؤكدة وغير مؤكدة إال أن الحنابلة يقولون إن ترك السنن‬
‫المؤكدة مكروه ‪ ...‬السنة عند الحنفية بالمعنى الفقهي نوعان ‪ :‬أ‪ /‬سنة هدى ‪ :‬وهي ما‬
‫تكون إقامتها تكميالً للدين وتتعلق بتركها كراهة وإساءة كصالة الجماعة واألذان‬
‫واإلقامة ونحوها وتسمى أيضا ً السنة المؤكدة ‪...‬ب‪ /‬سنن الزوائد‪ :‬وهي التي ال يتعلق‬
‫بتركها كراهة وال إساءة فإقامتها حسنة ‪ ...‬وعند المالكية ‪ :‬السنة ما فعله النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم و واظب عليه و أظهره في جماعة ولم يدل دليل على وجوبه والرغيبة‬
‫ما رغبت في الشارع فيه وحده ولم يظهره في جماعة والنفل ما فعله النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم ولم يداوم عليه‪ /3...‬المداوم على ترك السنة عند جمهورهم رجل سوء‬
‫ترد شهادته قال الشيخ زروق في "شرح اإلرشاد" – في تفسيق تارك الوتر – قال ‪:‬‬
‫إلستخافه بالسنة ابن خويز منداد ومن استخف بالسنة فسق فإن تماأل عليه أهل بلد‬
‫حوربوا ‪ ...‬قال إبن القيم رحمه هللا في " الصواعق المرسلة " (‪: )1348/4‬‬
‫واإلستمرار على ترك السنن خذالن قال أحمد وقد سئل عن رجل استمر على ترك‬
‫الوتر ‪ :‬هذا رجل سوء ‪ .‬اهـ ‪ ...‬وقد قال صلى هللا عليه وسلم (( من رغب عن سنتي‬
‫فليس مني )) وألنه بالمداولة تلحقه التهمة بأنه غير معتقد لكونها سنة وهذا ممنوع‬
‫منه ‪ ...‬المحظور هو المحرم وهو مقتضى النهي الذي هو طلب الترك على وجه‬
‫اإللزام ويستفاد التحريم من صيغة النهي ‪ /1...‬النهي يصرف عن التحريم إلى‬
‫الكراهة إذا ما قامت قرائن تدل على ذلك ‪ /2...‬ما نهي عنه ينبغي المبادرة إلى إمتثاله‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (( دعوني ما‬
‫تركتم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم وإختالفهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء‬
‫فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ))‪ /3...‬الحرام درجات فمنه الحرام‬
‫ومنه الكبائر ومنه ما هو من جنس الشرك والكفر ‪ ...‬المباح ‪ :‬هو ما تساوى فيه طلب‬
‫الفعل وطلب الترك وهو حكم شرعي تكليفي ألن األحكام إنما تعرف بالشرع وال‬
‫سبيل للعقل للتحسين والتقبيح في ذلك ‪ ...‬المكروه ‪ :‬طلب الترك ال على وجه اإللزام‬
‫‪ ...‬لفظة (المكروه) جاءت في القرأن العظيم بمعنى المحرم ‪ ...‬في قوله تعالى (( كل‬
‫ذلك كان سيئة عند ربك مكروها )) بعد قوله تعالى (( وال تقتلوا أولدكم خشية إملق‬
‫نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا * وال تقربوا الزنى إنه كان فحشة‬
‫وساء سبيال * وال تقتلوا النفس التي حرم هللا إال بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا‬
‫لوليه سلطنا فال يسرف في القتل إنه كان منصورا )) ‪ ...‬فذكر قتل األوالد و الزنى‬
‫وقتل النفس التي حرم هللا وأكل مال اليتيم بغير التي هي أحسن وغيرها من‬
‫المحرمات و وصفها بأنها مكروهات ‪ ...‬قد جرى إطالق إسم المكروه في كالم األئمة‬
‫بمعنى المحرم فعند بعضهم كراهة تنزيهية وكراهة تحريمية خشية أن يدخلوا في‬
‫قوله تعالى (( وال تقولوا لما نصف ألسنتكم الكذب هذا حلـ ٌل وهذا حرام لتفتروا على‬
‫هللا الكذب إن الذين يفترون على هللا الكذب ال يفلحون )) ‪ ...‬الصحيح ‪ :‬ما توفرت فيه‬
‫الشروط واألركان وإنتفت موانع صحته ‪ ...‬و أثرهـ وحكمه ‪ :‬أنه يتعلق به نفوذ‬
‫المعامالت ويعتد بالعبادات وتبرأ الذمة منها ‪ ...‬فتعريف المصنف باألثر والحكم ‪...‬‬
‫البطالن ‪ :‬أن ينتفي من العمل شرط من شروطه أو ركن من أركانه أو يقوم مانع‬
‫يمنع من صحت ه ‪ ...‬وأثرهـ وحكمه ‪ :‬أنه ال يتعلق به نفوذ في المعاملة وال إعتداد‬
‫بالعبادة وال تبرأ به الذمة منها ‪ ...‬ويمكن أن يقال ‪ :‬إن المصنف أراد لهذه الورقات أن‬
‫تكون ميسرة سهلة التناول للمبتدئ فاختار التعريف بما يسهل فهمه ويقرب علمه‬
‫واشتهر ذكره ‪ ...‬الفقه بالكسر ‪ :‬العلم بالشيء والفهم له والفطنة ‪ ...‬الفقه إنما يطلق‬
‫على ما يحتاج إلى فهم وفطنة فال يقال عن األمر البدهي الذي ال يحتاج إلى فطنة فقه‬
‫‪ ...‬العلم أنواع منها ‪ :‬الفقه فكل فقيه عالم وليس كل عالم فقيه فقد يكون عالما باللغة أو‬
‫بالحساب وليس بعالم في الفقه ‪ ...‬ومقتضى تعريف المصنف للفقه بأنه ( معرفة‬
‫األحكام الشرعية التي طريقها اإلجتهاد ) ‪ ...‬قوله هنا ‪( :‬الفقه أخص من العلم ) يمكن‬
‫أن يفهم أنه ال يطلق اسم الفقيه إال على من اتصف بالقدرة على اإلجتهاد ‪ ...‬قال أبو‬
‫عمر وغيره من العلماء ‪ :‬أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا ً من أهل العلم وأن‬
‫العلم ‪ :‬معرفة الحق بدليله قال فإن الناس ال يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة‬
‫عن الدليل وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد ‪ .‬أهـ ‪ ...‬في "التعريفات" للجرجاني ‪ :‬العلم‬
‫هو اإلعتقاد الجازم المطابق للواقع وقال الحكماء ‪ :‬هو حصول صورة الشيء في‬
‫العقل ‪ :‬واألول أخص من الثاني وقيل ‪ :‬العلم هو إدراك الشيء على ما هو به‪...‬‬
‫الجهل على ثالثة ‪ /1‬األول ‪ :‬وهو خلو النفس من العلم هذا هو األصل ‪ /2...‬والثاني ‪:‬‬
‫إعتقاد الشيء بخالف ما هو عليه‪ /3 ...‬والثالث ‪ :‬فعل الشيء بخالف ما حقه أن يفعل‬
‫سواء اعتقد فيه إعتقادا ً صحيحا ً أو فاسدا ً ‪ ...‬و على ذلك قوله تعالى (( قالوا هزوا ً قال‬
‫أعوذ باهلل أن أكون من الجاهلين )) والجاهل تارة يذكر على سبيل الذم وهو األكثر‬
‫وتارة ال على سبيل الذم نحو (( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف )) ‪ ...‬وفي‬
‫"التعريفات" للجرجاني ‪ :‬الجهل هو إعتقاد الشيء على خالف ما هو عليه ‪ ،‬الجهل‬
‫البسيط هو عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالما ً الجهل المركب هو عبارة عن‬
‫إعتقاد جازم غير مطابق للواقع ‪ ...‬وهو العلم البدهي تقسيم العلم إلى نظري‬
‫وضروري هو تقسيم بإعتبار الطريق الموصل إليه ‪ ...‬وفي "التعريفات" للجرجاني ‪:‬‬
‫اإلستدالل هو ‪ :‬تقرير ثبوت األثر إلثبات المؤثر وقيل ‪ :‬اإلستدالل هو تقرير الدليل‬
‫إلثبات المدلول سواء كان ذلك من األثر إلى المؤثر أو العكس أو من أحد األثرين إلى‬
‫األخر ‪ .‬اهـ ‪ ...‬الدال والالم أصالن ‪ :‬أحدهما إبانة الشيء بأمارة تتعلمها واألخر‬
‫إضطراب في الشيء ‪ . ..‬وفي "التعريفات" للجرجاني ‪ :‬الدليل في اإلصطالح هو‬
‫الذي يلزم من العلم به العلم بشيء أخر ‪ ...‬وفي "الكليات " للكفوي ‪ :‬ثم إسم الدليل‬
‫يقع على كل مايعرف به المدلول حسيا ً كان أو شرعيا ً قطعيا ً كان أو غير قطعي حتى‬
‫سمي الحس والعقل والنص والقياس وخبر الواحد وظواهر النصوص كلها أدلة ‪...‬‬
‫الشك خالف اليقين في كتب الفقهاء وعند األصوليين ‪ :‬إن تساوي اإلحتماالن فهو شك‬
‫وإال فالراجح ظن والمرجوح وهم ‪ .‬اهـ ‪ ...‬ومعنى ذلك أن الفقهاء ال يفرقون بين‬
‫الشك والظن بخالف األصوليين ‪ ...‬وعليه فإن تعريفه مع ما تقدم يكون ‪ :‬ما يبنى‬
‫عليه معرفة األحكام الشرعية التي طريقها اإلجتهاد على سبيل اإلجمال وكيفية‬
‫اإلستدالل به ‪ ...‬فاشتمل تعريفه على أركان ثالثة ‪ /1 :‬الركن األول ‪ :‬ما يبنى عليه‬
‫معرفة األحكام الشرعية على سبيل اإلجمال والمراد األدلة العامة وهي الكتاب‬
‫والسنة واإلجماع والقياس واألدلة المختلف فيها ‪ /2.‬الركن الثاني ‪ :‬كيفية اإلستدالل‬
‫بها ‪ /3.‬الركن الثالث ‪ :‬حال المستفيد منها ألنه قال ‪ ( :‬التي طريقها اإلجتهاد ) وذكر‬
‫في أبواب أصول الفقه ‪ ( :‬أحكام المجتهدين ) فأشار بذلك إلى حال المستفيدين منه ‪...‬‬
‫ذكر ما يتعلق بأقسام الكالم المفيد للمعنى في اللسان العربي ‪ ...‬فالجملة المفيدة للمعنى‬
‫في اللسان العربي إما تتكون من إسمين ‪ :‬مبتدأ وخبر وإما أن تتكون الجملة من فعل‬
‫وإسم كقول وإما أن تتكون من حرف وفعل ‪ ...‬مقصود المصنف رحمه هللا من إيراد‬
‫هذه المسألة التنبيه على التراكيب المفيدة في لسان العرب إذ أن مادة هذا العلم‬
‫وإست مداده من اللسان العربي وقد كان الصحابة يتكلمون العربية ويفهمون معاني‬
‫الكالم فكانوا يراعون هذه الداللة سليقةً بخالف من جاء بعدهم ‪ ...‬واإلسم ‪ :‬ما أفاد‬
‫معنى في نفسه ال إرتباط له بزمان وال مكان ‪ ...‬والفعل مادل على حدث مرتبطا ً‬
‫ماض وإن أفاد في الزمن الحاضر فهو‬ ‫ٍ‬ ‫بزمن فإن أفاد في الزمن الماضي فهو فعل‬
‫فعل مضارع وإن أفاد طلب الفعل في الحال فهو فعل أمر ‪ ...‬والحرف ‪ :‬ما أفاد معنى‬
‫في غيره ‪ ...‬فائدة معرفة معرفة أقسام الكالم لألصولي ‪ :‬أنه ال يأخذ من اآلية أو من‬
‫الحديث ما ال يتم به الكالم المفيد فال يصح اإلستدالل بقطعة أو بجملة من النص‬
‫الشرعي ال يتم بها المعنى ‪ ...‬اإلستخبار ‪ :‬طلب العلم بالشيء وهو ‪ :‬اإلستفهام ‪...‬‬
‫وعلماء البالغة يقسمون الكالم إلى قسمين ‪ :‬إما خبر وإما إنشاء والخبر ما أفاد معنى‬
‫في نفسه يحتمل الصدق والكذب لذاته ‪ ...‬أي ‪ :‬أصل الخبر في ذاته بعيدا ً عن نسبته‬
‫إلى هللا أو إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم يحتمل الصدق والكذب فإن لم يحتمل‬
‫الكالم الصدق أو الكذب فها عندهم يسمى إنشاء فيشمل األمر والنهي واإلستفهام‬
‫والعرض والتحضيض والتمني والقسم والتعجب ‪ ...‬ولكل أسلوب من هذه األساليب‬
‫معاني خاصة يحتاج أن يعلمها األصولي ويستمد معانيها الخاصة بالرجوع إلى علوم‬
‫البالغة ‪ ...‬األصولي يحتاج أن عارفا ً بهذه األساليب والمعاني التي تأتي عليها ألن‬
‫القرآن العظيم والسنة النبوية يجريان على أساليب العرب في كالمهم ‪ ...‬قال ‪ (( :‬كان‬
‫ط فمن وافق خطه فذاك )) ‪ ...‬هل يفهم منه أنه مجرد خبر عن‬ ‫نبي من األنبياء يخ ُ‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ؟ أو يفهم أمرا ً أخر ؟ ‪ ...‬أهل اللسان يفهمون منه‬
‫التحريم من إستعمال الخط على الرمل إلستعالم الغيب ألنه صلى هللا عليه وسلم علق‬
‫جواز الخط على الرمل بأمر محال وهو العلم بخط ذلك النبي عليه الصالة والسالم‬
‫والتعليق على المحال يفيد التحريم والمنع فهذا خبر من الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫يفيد معنى النهي والمنع ‪ ...‬فيها إنقسام الكالم من جهة إفادته للمعنى ‪ ،‬فإستعمال اللفظ‬
‫فيما وضع له يسمى حقيقة وإستعمال اللفظ في غير ما وضع له مجاز ‪ ...‬ألفاظ القرآن‬
‫العظيم والسنة النبوية تارة تأتي لها معاني خاصة في الشرع وتارة ال يأتي لها معنى‬
‫خاص في الشرع وإنما نجد للفظ معنى جار في عرف الصحابة وتارة ال نجد معنى‬
‫للفظة في الشرع وال في عرف الصحابة فإننا ننتقل إلى معنى اللفظة بحسب اللغة ‪...‬‬
‫والقاعدة ‪ :‬أن اللفظ إذا جاء في القرآن والسنة و وجدنا اه معنى في الشرع و وجدنا له‬
‫معنى في العرف فإننا نفسره بحسب العرف أو اللغة فإن لم نجد له معنى في الشرع و‬
‫وجدنا له معنى في العرف فإننا نفسره بحسب العرف وال يجوز أن نفسره بحسب‬
‫اللغة إال إذا لم نجد له معنى في الشرع أو في العرف ‪ ...‬ومعناها في الشرع ‪ :‬هو‬
‫الحقيقية الشرعية ‪ ...‬ومعناها في اللغة ‪ :‬هو الحقيقة اللغوية ‪ ...‬لفظة ( كذب) فإن‬
‫عرف أهل الحجاز إطالقها على ما خالف الواقع ولو لم يكن متعمدا ً الكذب فهم لما‬
‫يقولون ‪( :‬كذب فالن ) معناه عندهم (أخطأ فالن) ‪ ...‬وأهمية هذه القاعدة ‪ :‬أن ال‬
‫نهجم على تفسير ألفاظ الشرع باإلصطالحات الحادثة ‪ ،‬خاصة كلفظ (واجب) (سنة)‬
‫(مكروه) ‪ ...‬علماء التفسير يقولون ‪ :‬ال يوجد في القرآن حرف زائد من جهة المعنى‬
‫بل كل حرف له معنى يفيده إذا رفع هذا الحرف اختل المعنى المقصود منه ولذا‬
‫يتكرر من علماء التفسير التنبيه على أن قول النحاة ‪ ( :‬هذا من حروف الزيادة )‬
‫يعنون من جهة التركيب ال من جهة المعنى إذ حروف الزيادة من جهة التركيب‬
‫موجودة في القرآن الكريم بمعنى أنها زادت على بناء الكلمة األصلي من جهة ما‬
‫يبحث علماء الصرف وعلماء النحو ‪ ...‬وحروف الزيادة مجموعة في قولك ‪:‬‬
‫(سألتمونيها) هذه حروف الزيادة التي تزاد على البنية األصلية للكلمة ال بمعنى أنه‬
‫ليس لها معنى فإن الزيادة في البنية زيادة في المعنى ‪ ...‬ال يجوز أن يقال عن حرف‬
‫في القرآن الكريم ‪ :‬إنه حرف زيادة ال معنى له فإن القرآن الكريم خا ٍل من حرف ال‬
‫معنى له ‪ ...‬إذا تشابهت آية وآية في قصتها وكلماتها وزادت في موضع كلمة أو حرفا ً‬
‫فإن ذلك سرا في المعنى صنف العلماء فيه كتب توجيهية المتشابهة اللفظي في القرآن‬
‫الكريم ومن أنفسها كتاب "درة التنزيل وغرة التأويل" ألبي عبدهللا محمد بن عبدهللا‬
‫األصبهاني ‪ ،‬وكتاب "البرهان في متشابهة القآن لما فيه من الحجة والبيان" لمحمود‬
‫بن حمزة بن نصر ‪ ،‬أبو القاسم برهان الدين الكرماني ويعرف بتاج القراء ‪ ...‬فإن‬
‫علماء التفسير يقولون ‪ :‬وجود (الكاف) في اآلية (( ليس كمثله شىء )) أفاد المزيد‬
‫من إستبعاد وجود التمثيل وأصبح معنى اآلية ‪ :‬ليس مثل مثله شيء فإذا كان هللا ليس‬
‫لمثله مثيل أصالً إن وجد فكيف يوجد له مثيل ‪ ...‬وجه النقصان ‪ :‬أن أصل تركيب‬
‫هذه الجملة ‪( :‬واسأل أهل القرية ) ويسمونه أحيانا ً ‪( :‬مجاز الحذف) ‪ ،‬ودل عليه أن‬
‫القرية جماد (مبانيها وأزقتها) فهي ال تسأل وإنما يسأل أهلها ‪ ...‬كلمة (الغائط) معناها‬
‫المنخفض من األرض نقلت من معنى المنخفض من األرض إلى معنى المكان الذي‬
‫يذهب إليه اإلنسان ليقضي حاجته من البراز ‪ ،‬ألنه يقصد في العادة هذا المكان‬
‫المنخفض لقضاء حاجته ‪ ...‬وجه اإلستعارة هنا ‪ :‬أن الجدار جماد ال إرادة له إذ‬
‫اإلرادة صفة األحياء فإستعارها للجدار فشبه الجدار بالحي ‪ ...‬هذا التقرير إلنقسام‬
‫الكالم إلى حقيقة ومجاز ‪ ،‬فيه نظر عند أهل السنة ويتعقب بما يلي ‪ :‬أوالً ‪ :‬أنه ال‬
‫يعرف أهل اللغة وال عن علماء السلف إلى القرن الثالث إستعمال كلمة المجاز بهذا‬
‫المعنى فهو حادث فكيف تحمل عليه ألفاظ القرآن والسنة النبوية ؟! ‪ ،‬الوجه الثاني ‪:‬‬
‫مبنى هذا التقسيم على أن للفظ وضع أصلي ‪ ،‬فإن لم يستعمل اللفظ في معناه الذي‬
‫وضع له أصالً فهذا إستعمال للفظ في غير ما وضع له وهو المجاز ‪ ...‬وهذا الكالم‬
‫يحتاج صاحبه أن يثبت أن اللفظ وضع لهذا المعنى أصالً ودون ذلك خرط القتاد ‪،‬‬
‫وما صنعه الزمخشري في كتابه "أساس البالغة" تحكم وإدعاء ألنه ال يستطيع أحد‬
‫أن يثبت أن اللفظة بهذا المعنى مجاز ‪ ...‬الوجه الثالث ‪ :‬أن األلفاظ إنما تكتسب معنيها‬
‫بحسب سياقها وإضافتها وهي بدون السياق أو اإلضافة تدل على معنى مبهم في‬
‫الذهن ‪ ،‬سائر ألفاظ اللغة تكتسب معانيها بحسب اإلضافة أو السياق ‪ ...‬والذي عليه‬
‫أهل اللغ ة ‪ :‬أن داللة كل لفظة على معنى بحسب إضافتها أو سياقها داللة حقيقية ال‬
‫مجازية فإن اللفظ في هذا السياق يدل على هذا المعنى ال على غيره وال يفهم العربي‬
‫منها إال هذا المعنى ‪ ،‬فقوله تعالى (( وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها‬
‫وإنا لصدقون )) [يوسف‪ ]82:‬ال يفهم العربي من هذه الجملة إال أن المراد سؤال أهل‬
‫القرية إذ إن العربي يعلم أنه ال يقصد سؤال جدران القرية أو أبواب القرية أو بيوت‬
‫القرية إنما يعني حينما يسمع هذا السياق يفهم أن مقصوده من يسكن هذه األرض ‪...‬‬
‫الوجه الرابع ‪ :‬أنهم قالوا ‪ :‬مما يستدل به على أن هذا مجاز أو حقيقة ‪ :‬جواز تكذيب‬
‫من أستعمل اللفظة في غير معناها األصلي فإذا سمعن رجالً يقول ‪ :‬رأيت أسدا ً يقاتل‬
‫لك أن تقول له ‪ :‬كذبت إنما رأيت رجالً شجاعا ً يقاتل ‪ :‬فإذا صح التكذيب كان هذا‬
‫دليالً على أنه مجاز ‪ ...‬والسؤال ‪ :‬هل يسوغ لمسلم أن يقول ‪ :‬إن في القرآن مجاز‬
‫الر ْجعِ (‪)11‬‬ ‫ت َّ‬ ‫اء ذَا ِ‬
‫س َم ِ‬
‫وقرينته أنه يجوز تكذيبه ؟! وهللا سبحانه وتعالى يقول‪َ (( :‬وال َّ‬
‫ص ٌل (‪َ )13‬و َما ُه َو بِ ْال َه ْز ِل (‪ )14‬إِنَّ ُه ْم َي ِكيدُونَ‬
‫صدْعِ (‪ )12‬إِنَّهُ لَقَ ْو ٌل فَ ْ‬
‫ت ال َّ‬‫ض ذَا ِ‬ ‫َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫َك ْيدًا (‪َ )15‬وأ َ ِكيد ُ َك ْيدًا (‪ )16‬فَ َم ِ ِّه ِل ْال َكافِ ِرينَ أَ ْم ِه ْل ُه ْم ُر َو ْيدًا (‪ ... )) )17‬وقد استدل على‬
‫هذا الوجه بمفرده الشيخ محمد األمين المختار الجنكي الشنقيطي في كتابه "منع جواز‬
‫المجاز في المنزل للتعبد واإلعجاز"‪ ...‬الوجه الخامس ‪ :‬أن يقال القرآن العظيم حق‬
‫وهدى ونور وبيان وشفاء لما في الصدور ‪ ،‬فهل يصح فيما هو كذلك أن يأتي فيه‬
‫كالم بغير معناه؟! ‪ ...‬والقرآن العظيم إنما جاء على أساليب كالم العرب والعرب ال‬
‫تعرف تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز ‪ ،‬فليطالع ما كتبه إبن القيم الجوزية في كتابه‬
‫"الصواعق المرسلة" حينما ذكر الطاغوت الثالث من طواغيت الجهمية والمعول‬
‫الثالث من معاول الجهمية التي أرادوا أن يهدموا بها القرآن والسنة ‪ ...‬بين المصنف‬
‫حقيقة األمر وهي إستدعاء الفعل من ا؟ألعلى لألدنى وهي مفيدة للوجوب الذي‬
‫حقيقته ‪ :‬طلب الفعل على سبيل اإللزام ‪ ،‬فإذا جاء األمر من مساوي لمساوي له يسمى‬
‫إلتماسا ً ‪ ،‬فإذا جاء األمر من األدنى لألعلى فهو دعاء سؤال ‪ ...‬وأقتصر عليه من باب‬
‫التمثيل ال الحصر وألن سائر الصيغ في معناها ‪ ...‬قال عبدالعزيز بن عبدالسالم‬
‫السلمي ‪ :‬في تقريب انواع أدلة األمر ‪ :‬كل فعل كسبي عظمه الشرع أو مدحه أو مدح‬
‫فاعله ألجله أو فرح به أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن فاعله أو‬
‫وصفه باإلستقامه أو البركة أو الطيب أو أقسم به أو بفاعله أو نصبه سببا ً لمحبته أو‬
‫لثواب عاجل أو آجل أو نصبه سببا ً لذكره أو لشكره أو لهداية أو إلرضاء فاعله أو‬
‫لمغفرة نبه أو لتكفيره أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارته أو وصف فاعله بالطيب‬
‫أو وصفه بكون معروفا ً أو نقي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده باألمن أو نصبه‬
‫سببا ً لوالية هللا تعالى أو وصف فاعله بالهداية أو وصفه بصفة مدح كالحياة والنور‬
‫والفاء أو دعا هللا به النبياء فهو مأمور به ‪ .‬اهـ‪ ...‬ومن أقوال أهل البدع القول بأنه‬
‫ليس لألمر صيغة وليس للنهي صيغة ألنهم ينفون أن يكون القرآن الكريم كالم هللا‬
‫تعالى إنما هو الكالم النفسي القائم بالذات ‪ ،‬وهذا القرآن لفظ دال على المعنى النفسي‬
‫فال يسلم داللة الوجوب من صيغة لفظه وهذا قول باطل فقد قرر أهل السنة والجماعة‬
‫أن القرآن العظيم كالم هللا منه بدأ وإليه يعود ‪ ...‬مقتضى األمر الوجوب إذا تجرد عن‬
‫القرائن الصارفة إلى اإلستحباب ‪ ...‬فإن ذمتنا تبرأ منه بأدائه وفعله مرة واحدة ‪ ،‬إال‬
‫إذا قيد أمره بما يقتضي التكرار ‪ ...‬عند المصنف ‪ ،‬فال تلزم المبادرة إليه ‪ ...‬والقول‬
‫األخر ‪ :‬األمر يقتضي الفور إذ كيف يسوغ للمسلم إذا سمع أمر هللا سبحانه وتعالى‬
‫وأمر رسوله صلى هللا عليه وسلم ثم ال يبادر باإلمتثال ؟! ويؤيده ما جاء عن أبي‬
‫سعيد بن المعلى ‪ ،‬قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فلم أجبه فقلت ‪ :‬يا رسول هللا إني كنت أصلي فقال ‪ :‬ألم يقل هللا ‪ (( :‬ا ْست َ ِجيبُواْ ِ َّّلِلِ‬
‫عا ُكم ِل َما ي ُْح ِيي ُك ْم )) ‪ ...‬قال ابن حجر وفيه ان األمر يقتضي الفور ألنه‬ ‫سو ِل ِإذَا دَ َ‬ ‫لر ُ‬
‫َو ِل َّ‬
‫عاتب الصحابي على تأخير إجابته ‪ ...‬وإنما أخر الحج صلى هللا عليه وسلم بنفسه إلى‬
‫السنة العاشرة حتى يزال ما كان في الكعبة وحولها من مظاهر الشرك ‪ ،‬وألن األصل‬
‫في أوامر الشرع المبادرة ال التأخير إمتثاالً ألمر هللا تعالى ‪َ (( :‬‬
‫سابِقُوا ِإلَى َم ْغ ِف َرةٍ ِ ِّمن‬
‫س ِل ِه ذَ ِل َك‬
‫اّلِلِ َو ُر ُ‬ ‫ض أ ُ ِعد ْ‬
‫َّت ِللَّذِينَ آ َمنُوا ِب َّ‬ ‫س َماء َواأل َ ْر ِ‬ ‫ض ال َّ‬‫ض َها َك َع ْر ِ‬ ‫َّر ِبِّ ُك ْم َو َجنَّ ٍة َ‬
‫ع ْر ُ‬
‫ض ِل ْال َع ِظ ِيم )) ‪ ...‬وبه تعلم أن الراجح في المسألة‬ ‫َّللاُ ذُو ْالفَ ْ‬
‫َّللاِ يُؤْ ِتي ِه َمن َيشَاء َو َّ‬
‫ض ُل َّ‬ ‫فَ ْ‬
‫‪ :‬أن األمر يقتضي الفور إال مادل الدليل على التوسعة فيه وهو الواجب الموسع‬
‫كمواقيت الصلوات الخمس ‪ ....‬وهذا معنى قولهم ‪ :‬ما ال يتم الواجب إال به فهو‬
‫واجب ‪ ...‬عن عائشة ‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‪ (( :‬من عمل عمالً‬
‫ليس عليه أمرنا فهو رد ٌ )) ‪ ...‬فال تبرأ عهدة المسلم من األمر إال إذا فعله على الصفة‬
‫التي أمر هللا بها فإذا فعله على غير هذه الصفة ففعله رد عليه ‪ ...‬وفيه ضمنا ً خطاب‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم تعبير المصنف بالمؤمنين ليبين أن المراد ‪ :‬من صحت‬
‫أهلية التكليف لديه وهو المسلم البالغ العاقل القادر غير مكره سواء كان ذكرا ً أو أنثى‬
‫حرا ً أو عبدا ً إال ما استثناه الدليل ‪ ...‬عن ائشة عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪(( :‬‬
‫رفع القلم عن ثالث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون‬
‫حتى يعقل أو يفيق )) ‪ ...‬هم مخاطبون بأداء هذه العبادة وبإزالة موانع قبولها إذ أن‬
‫األمر بالشيء أمر به وبما ال يتم إال به فالكفار مخاطبون بفروع الشرائع ومخاطبون‬
‫بإزالة موانع قبول هذه الشرائع من الكفر وغيره ‪ ...‬فلو لم يكونوا مخاطبين بفروع‬
‫الشرائع ما صح قولهم ولتعقبه هللا سبحانه وتعالى فلما أقرهم على كالمهم وذكره في‬
‫سياق التقرير دل على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ‪ ...‬فإنه ال يتحقق لك إمتثال هذا‬
‫األمر حتى تترك التلبس بجميع أضداده والمراد ‪ :‬ترك التلبس بما يخالف األمر ‪...‬‬
‫ومنه ما ال يقوم األمر إال به ‪ ،‬وهذا مخالفته تقتضي بطالن العمل ومنه ترك التلبس‬
‫بما ال يكمل العمل إال به وهذا مخالفته تقتضي الوقوع في المكروه ‪ ...‬والنهي تارة‬
‫يكون بمعنى التحريم وتارة بمعنى الكراهة فاألمر بالشيء نهي عن التلبس بجميع‬
‫أضداده ‪ ...‬ويتحقق ذلك بفعل أي ضد من أضداده ‪ ...‬قال ‪ (( :‬وال تقربوا الزنى ))‬
‫ولم يقل ‪ :‬ال تزنوا إذ النهي عن الزنا أمر بالتلبس بأحد أضداده من النكاح أو العفة أو‬
‫نحوها ‪ ...‬بدون قرينة صارفة له إلى الكراهة التنزيهية ‪ ....‬النهي يقتضي الفساد فهذا‬
‫ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم يقول (( من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد ))‬
‫فإذا أدى اإلنسان عبادة ً وعمل في هذه العبادة أمرا ً منهيا ً عنه فحكمه أن عبادته باطلة‬
‫إذا لم تأت قرينة صارفة للنهي من التحريم إلى الكراهة ‪ ...‬التمثيل للتوضيح ال‬
‫للتذليل فال يطلب فيه الصحة في نفس األمر ‪ ...‬كل من صيغ األمر وصيغة النهي قد‬
‫معان كثيرة منها ما يلي ‪ :‬الدعاء –‬ ‫ٍ‬ ‫تخرج من داللتيهما بقرائن حالية أو قولية إلى‬
‫االلتماس – اإلرشاد – التمني – الترجي – التيئيس – التخيير – التسوية – التعجيز –‬
‫التهكم واإلهانة – اإلباحة – التوبيخ والتأنيب والتقريع – الندب – التهديد – اإلمتنان‬
‫– اإلحتقار والتقليل من أمر الشيء – اإلنذار – اإلكرام – التكوين – التكذيب –‬
‫المشورة – اإلعتبار – التعجب – أو التعجيب إلى غير ذلك من معاني ‪ ...‬ومثله‬
‫النهي يقتضي التحريم إذا لم تأت قرينة صارفة له من التحريم إلى الكراهة ‪ ...‬وقد‬
‫ش ْيئًا أ َ ْن‬
‫يأتي األمر يقتضي اإلباحة ‪ ...‬والتكوين كقوله عز وجل (( ِإنَّ َما أ َ ْم ُرهُ ِإذَا أ َ َرادَ َ‬
‫ون )) ( ُك ْن) ‪ :‬من هللا أمر التكوين إلى غير ذلك من المعاني وقد‬ ‫َيقُو َل لَهُ ُك ْن فَ َي ُك ُ‬
‫يخرج النهي إلى معاني أخرى ذكرها أهل العلم تراجع في مظانها من كتب البالغة‬
‫‪ ...‬عرف العام بما يشمل عموم اإلستغراق الشمولي الدفعي وعموم المطلق البدلي‬
‫ويسمى أيضا ً ‪ :‬عموم الصالحية وعموم الماصدق فلم يذكر في التعريف أنه (دفعي)‬
‫وهو الفرق بين عموم الشمول وعموم المطلق إذ عموم المطلق بدلي ال يشترط فيه‬
‫شمول حمه لجميع أفراده دفعة واحدة إنما عمومه من جهة أنه يصلح على أفراده‬
‫ويصدق عليهم ‪ ...‬فداللة النكرة في اإلثبات على العموم هي من هذا النوع الذي‬
‫يصلح إطالقه على أفراده ويصدق على سبيل البدل ‪ ...‬ويلحظ أن عموم المطلق‬
‫المتسلط على جنس ولذلك يصدق هذا العموم البدلي على الفرد المطلق الكامل في‬
‫جنسه وهذه حقيقة العموم المطلق ‪ ...‬وال يريد المصنف بقوله ‪( :‬عم شيئين) أن‬
‫المثنى من العموم ألن داللة المثنى على الشيئين تكون بحصر إال إذا إقترن المثنى‬
‫(بأل) لغير العهد كما في قوله صلى هللا عليه وسلم (( إذا إلتقى المسلمان بسيفيهم ))‬
‫((المسلمان)) يشمل كل مسلمين يلتقيان بسيفيهما والمصنف يشترط في العام ‪ :‬أن‬
‫تكون داللته على أفراده (من غير حصر) فهو يريد أن يقول ‪ :‬إن العام ما دل على‬
‫الجميع والكثرة وأن له أفرادا ً أكثر من واحد اثنين فصاعدا ً يدل عليها ألن أقل الجمع‬
‫إثنان ‪ ...‬تعريفه للعام يتضمن األركان التالية ‪ /1 :‬أن يكون اللفظ موضوعا ً وضعا ً‬
‫واحدا ً للداللة على الجمع والكثرة ‪ :‬اثنين فأكثر وهذا يخرج منه األلفاظ المشتركة‬
‫ونحوها مما وضع للداللة على معنيين فأكثر ولكن اللفظ ال يعمهما في وقت واحد ‪...‬‬
‫‪ /2‬أن ال يدل على ذلك بحصر فألفاظ األعداد ليست من ألفاظ العموم ‪ ...‬وغير‬
‫المصنف يفرد تعريف العام عن تعريف المطلق وال يدمج بحث المطلق في العام بأنه‬
‫(اللفظ المستغرق لما يصلح له بحسب وضع واحد بال حصر دفعة واحدة ) ‪ ...‬العام‬
‫له ألفاظ توضع تدل على مجموعة أفراد فاللفظ الذي يشمل مجموعة أفراد هذا لفظ‬
‫عام بشرط أن تكون داللته على هذه األفراد بحسب الوضع تعم أفرادها ‪ ...‬وخرج‬
‫بقولهم ‪( :‬بحسب وضع واحد) المشترك اللفظي كـ(العين) ‪ ...‬وأن تكون بال حصر‬
‫فألفاظ األعداد مهما بلغت ال تفيد العموم ألنها تدل على أفراد محصورة ‪ ...‬وشرط‬
‫أخر في التعريف ‪ :‬أن تكون داللة هذه األلفاظ ‪ :‬دفعة واحدة يعني داللة اللفظ على‬
‫العموم دفعية فحينما تقول (رأيت رجالً) ال تدل على كل رجل دفعة واحدة إنما تصلح‬
‫على أي رجل على سبيل البدل ‪...‬فإن قيل ‪ :‬ولكنها تدل على نوع عموم ! ‪...‬‬
‫فالجواب ‪ :‬نعم فيها عموم ولكن ليس عموما ً شموليا ً إستغراقيا ً دفعيا ً إنما يسمى عموما ً‬
‫بدليا ً ‪ ،‬ويسمى عموم الصالحية ألن لفظه يدل على ما يصلح عليه ويسمى عموم‬
‫المطلق وهو ما يدل على الماهية بدون قيد ‪ ...‬ويمكن تعريفه بأنه اللفظ الذي يصدق‬
‫على أفراد كثيرين على سبيل البدل بال حصر ‪ ...‬ومعنى ذلك ‪ :‬أن حكم العام الشمولي‬
‫اإلستغراقي يثبت على كل فرد من أفراده بينما حكم العام المطلق البدلي يصدق على‬
‫فرد من أفراده وال يعم جميع األفراد إال على سبيل البدل ‪ ...‬تعبيره بقوله ‪( :‬ألفاظ‬
‫أربعة) فيه إشارة إلى أن العموم من عوارض األقوال وأنه ال عموم في األفعال ‪...‬‬
‫المفرد المعرف باأللف والالم لغير العهد ‪ ...‬وهذه (ال) التي للجنس ‪ ...‬اسم الجمع ‪:‬‬
‫هو ما دل على جمع ال واحد له من لفظه ومعناه ‪ ...‬فهذا اإلسم إذا عرف بـ(ال) دل‬
‫على العموم وكذا الجمع المعرف باأللف والالم لغير العهد كجمع المذكر السالم وجمع‬
‫((والَ تُؤْ ِمنُواْ ِإالَّ ِل َمن‬ ‫المؤنث السالم وجمع التكسير ‪ ...‬مثالها موصولة قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫تَبِ َع دِي َن ُك ْم)) ‪ ...‬ومثاها شرطية قوله تعالى ‪(( :‬فَ َمن َي ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَ َّرةٍ َخي ًْرا يَ َرهُ )) ‪...‬‬
‫(ما) تفيد العموم في اإلستفهام والخبر والجزاء والنفي ‪ ...‬تكون النكرة في سياق النفي‬
‫نصا ً صريحا ً في العموم في الحاالت اآلتية ‪ /1 :‬إذا بنيت مع (ال) نحو ‪( :‬ال إله إال هللا‬
‫) ‪ /2‬إذا زيدت قبلها (من) وتزداد في ثالث مواضع ‪ :‬أ‪ /‬قبل الفاعل مثل قوله تعالى‬
‫((أ َ ْم يَقُولُونَ ا ْفت َ َراهُ َب ْل ُه َو ْال َح ُّق ِمن َّر ِبِّ َك ِلتُنذ َِر َق ْو ًما َّما أَتَا ُهم ِ ِّمن نَّذ ٍ‬
‫ِير ِ ِّمن قَ ْب ِل َك لَعَلَّ ُه ْم‬
‫سو ٍل ِإالَّ‬ ‫س ْلنَا ِمن َق ْب ِل َك ِمن َّر ُ‬ ‫((و َما أ َ ْر َ‬
‫يَ ْهتَد ُونَ )) ‪...‬ب‪ /‬قبل المفعول مثل قوله تعالى َ‬
‫((و َما ِم ْن‬ ‫ُون)) ‪ ...‬ج‪ /‬قبل المبتدأ مثل قوله تعالى ‪َ :‬‬ ‫وحي ِإلَ ْي ِه أَنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالَّ أَنَا فَا ْعبُد ِ‬‫نُ ِ‬
‫احد ٌ)) ‪ /3 ...‬النكرة المالزمة للنفي مثل ‪ :‬ديار كما في قوله تعالى عن‬ ‫إِلَ ٍه إِالَّ إِلَهٌ َو ِ‬
‫َّارا)) ‪ ...‬تكون ظاهرة ال‬ ‫ض ِمنَ ْال َكافِ ِرينَ دَي ً‬ ‫علَى األ َ ْر ِ‬ ‫نوح ‪َ (( :‬وقَا َل نُو ٌح َّربِّ ِ ال تَذَ ْر َ‬
‫نصا فيما عدا ذلك كالنكرة العاملة فيها (ال) عمل ليس مثل قولك ‪ :‬ال رجل في الدار‬
‫‪ ...‬والنص في العام ‪ :‬هو الذي ال يحتمل التخصيص ‪ ...‬والظاهر ‪ :‬هو ما يحتمل‬
‫دخول التخصيص لكن الظاهر عدمه ‪ ...‬وما ذكره المصنف رحمه هللا ال يشمل جميع‬
‫ألفاظ العموم إنما ذكر أغلب ما يكون من ألفاظه ومن أشهرها مما لم يذكره لفظ (كل)‬
‫و (جميع)‪ ...‬ألن األفعال وقائع أعيان يتطرق إليها اإلحتمال ونقل الفعل إنما هو فعل‬
‫حالة من هذه الحاالت فمن أين يستفاد العموم ؟!‪ ...‬ومفهوم المخالفة لقوله ‪( :‬العموم‬
‫من صفات النطق) يفيد أنه ال عموم في المفاهيم وهذا إختيار ابن تيمية رحمه هللا‬
‫وقيل ‪ :‬بل للمفهوم عموم ‪ ...‬الخاص‪ :‬هو اللفظ الذي يدل على واحد أو يدل على أكثر‬
‫من واحد بحصر وهذا يقابل تعريف العام ‪ ...‬والتخصيص ‪ :‬هو إخراج بعض أفراد‬
‫العام عن حكم العام بمخصص إما متصل أو منفصل ‪ ...‬وحمل العام على ما‬
‫يخصصه إذا كان متصالً واضح ألنه كالم واحد فال يجوز أخذ بعضه وترك بعض‬
‫أما إذا كان المخصص منفصالً فيحمل العام على الخاص عمالً بالدليلين ودفعا ً‬
‫لإلختالف في الظاهر بينهما ‪ ...‬يعني يأتي اللفظ العام في كالم ويأتي ما يخصصه في‬
‫كالم أخر ‪ ...‬ويالحظ أنها كلها أساليب يأتي فيها المخصص واللفظ العام في كالم‬
‫واحد ‪ ...‬يصح أن تقول ‪( :‬له على عشرة إال واحداً) وخالف الحنابلة في ذلك فالبد‬
‫عندهم في اإلستثناء من الزيادة على النصف كقولك ‪( :‬له على عشرة إال ستة)‪...‬‬
‫وطريق التخصيص‪ :‬اإلستثناء بـ(إال) ‪ ...‬ومراده بالجواز لغة ال في الشرع ‪...‬‬
‫و يسميه النحاة ‪ :‬اإلستثناء المتصل ‪ :‬ومثال اإلستثناء من غير الجنس ‪ :‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫اجدِينَ )) فإن إبليس‬ ‫س ِ‬ ‫يس أ َ َبى أَن َي ُكونَ َم َع ال َّ‬ ‫س َجدَ ْال َمال ِئ َكةُ ُكلُّ ُه ْم أَ ْج َمعُونَ * ِإالَّ ِإ ْب ِل َ‬ ‫((فَ َ‬
‫يس‬‫س َجد ُوا ِإالَّ ِإ ْب ِل َ‬‫ليس من المالئكة لقوله تعالى ‪َ )) :‬و ِإ ْذ قُ ْلنَا ِل ْل َمال ِئ َك ِة ا ْس ُجدُوا آلدَ َم َف َ‬
‫ع ْن أ َ ْم ِر َر ِبِّ ِه ))‪ ...‬وهذا اإلستثناء من غير الجنس يسميه النحاة ‪:‬‬ ‫سقَ َ‬ ‫َكانَ ِمنَ ْال ِج ِِّن فَفَ َ‬
‫اإلستثناء المنقطع ‪...‬وكالهما عند األصوليين من نوع التخصيص المتصل ‪...‬‬
‫والشرط في اللغة ‪ :‬عبارة عن العالمة وفي الشريعة عبارة عما يضاف الحكم إليه‬
‫وجودا ً عند وجوده ال وجوبا ً ‪ ...‬وهو في إصطالح التدوين ‪ :‬تعليق شيء بشيء بحيث‬
‫إذا وجد األول وجد الثاني ‪ ...‬وقيل ‪ :‬الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون‬
‫خارجا ً عم ماهيته وال يكون مؤثرا ً في وجوده ‪ ...‬وقيل‪ :‬الشرط ما يتوقف ثبوت الحكم‬
‫ف َما ت َ َر َك أ َ ْز َوا ُج ُك ْم ِإن لَّ ْم َي ُكن لَّ ُه َّن َولَد ٌ))‪...‬‬ ‫ص ُ‬ ‫((ولَ ُك ْم نِ ْ‬ ‫عليه ومثاله قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ت‬‫((و ِإن ُك َّن أُوال ِ‬ ‫ويجوز عكسه ‪ :‬تقديم الشرط على المشروط مثاله قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ض ْعنَ َح ْملَ ُه َّن)) ‪ ...‬وهذا اللفظ والعبارة أما في الوجود فال‬ ‫علَ ْي ِه َّن َحتَّى يَ َ‬‫َح ْم ٍل فَأَن ِفقُوا َ‬
‫بد أن يتقدم الشرط على المشروط ‪ ...‬ليس المراد بالصفة التابع الذي يبين متبوعه أو‬
‫ما يتعلق به إنما المراد بالصفة ما أشعر بمعنى يتعلق ببعض أفراد العام من نعت أو‬
‫ت َم ِن‬ ‫اس ِح ُّج ْالبَ ْي ِ‬ ‫علَى النَّ ِ‬‫((و ِ َّّلِلِ َ‬
‫بدل أو حال ‪ ....‬ومثاله في الشمولي ‪ :‬قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫اس)) ‪...‬‬ ‫ع ِن ْال َعالَ ِمينَ )) والعموم في ((النَّ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫غ ِن ٌّ‬‫َّللا َ‬ ‫س ِبيالً َو َمن َكفَ َر فَإ ِ َّن َّ‬ ‫ع ِإلَ ْي ِه َ‬ ‫ا ْست َ َ‬
‫طا َ‬
‫وحكم العام ‪ :‬وجوب الحج على جميع الناس والتخصيص بالصفة في قوله تعالى‬
‫س ِبيالً)) فأخرج من لم يستطيع إليه سبيالً من حكم العام فال يجب‬ ‫ع ِإلَ ْي ِه َ‬‫طا َ‬‫(( َم ِن ا ْست َ َ‬
‫عليهم الحج ‪ ...‬ومثال العام المطلق المخصص بالصفة ‪ ( :‬رأيت رجالً يحمل سيفاً)‬
‫وعموم المطلق في (رجالً) فهو نكرة في سياق اإلثبات يصدق على أي رجل على‬
‫سبيل البد ‪ :‬والحكم ‪ :‬وقوع الرؤية عليه ‪.‬والتخصيص بقيد الصفة ‪( :‬يحمل سيفاً) قيد‬
‫الحكم في رجل هذه صفته ‪ ...‬وبإستعمال المصنف لعبارة ‪( :‬والمقيد بالصفة) وما‬
‫ذكره بعده يدل على أنه دمج العام الشمولي والعام المطلق في كالمه عن العموم‬
‫والعام الشمولي يخصص والعموم المطلق يقيد بالصفة ‪ ...‬األصل أن يحمل المطلق‬
‫على المقيد إذا اتحد الموضوع والحكم ولم يلزم منه تأخر البيان عن وقت الحاجة فإن‬
‫لزم منه تأخر البيان عن وقت الحاجة ال يحمل المطلق على المقيد إنما يكون الحكم‬
‫جواز األمرين ‪ ...‬وله مثاالن ‪ :‬أحدهما ‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم "من لم يجد نعلين‬
‫فليلبس خفين" ولم يشترط قطعا ً وقال بالمدينة على المنبر لمن سأله ‪ :‬ما يلبس المحرم‬
‫؟ ‪" :‬من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من كعبيه" ‪ ...‬فلو كان القطع‬
‫شرطا ً لبينه لهم لعدم علمهم به وال يمكن إكتفاؤهم بما تقدم من خطبته بالمدينة ‪...‬‬
‫المثال الثاني ‪ :‬قوله لمن سألته عن دم الحيض ‪" :‬حتيه ثم اغسليه " ولم يشترط عددا ً‬
‫مع أنه وقت حاجة ولم يحملها على غسل ولوغ الكلب ‪ ...‬ومثال إتحاد الحكم‬
‫والموضوع ‪ :‬ما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪(( :‬ما أسفل‬
‫من الكعبين من اإلزار ففي النار )) وعن أبي عمر ‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال (( ال ينظر هللا إلى من جر ثوبه خيالء )) ‪ ...‬فقيد الجمهور المطلق في‬
‫الحديث األو ل بالمقيد في الحديث الثاني وقالوا ‪ :‬محل التحريم هو في حق من أسبل‬
‫خيالء وبطرا ً وكبرا ً أما من فعل ذلك لغير كبر وخيالء ففعله مكروه ‪ ...‬أما إذا اتحد‬
‫الحكم واختلف الموضوع فالظاهر أن ال يحمل المطلق على المقيد ‪ ...‬مثاله ‪ :‬تحرير‬
‫رقبة في القتل جاء مقيدا ً بأن تكون مؤمنة ‪ ...‬وجاء األمر بتحرير رقبة مطلقا ً في‬
‫كفارة الظهار ‪ ...‬فالحكم متحد ‪ :‬تحرير رقبة ‪ ...‬والموضوع مختلف ‪ :‬فاألول ‪ :‬في‬
‫كفارة القتل والثاني في كفارة الظهار فال يحمل المطلق على المقيد فيبقى المقيد على‬
‫تقييده في موضوعه ويبقى المطلق على إطالقه في موضوعه ‪ ...‬وإختار المصنف‬
‫رحمه هللا حمل المطلق على المقيد وهذا القول اكتفى بإتحاد الحكم في حمل المطلق‬
‫على المقيد وهو مذهب الشافعي ‪ :‬وجوب حمل المطلق على المقيد وإن إختلف‬
‫الموضوع ‪ ،‬وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى عدم الحمل ‪ ...‬ذكر المصنف رحمه هللا‬
‫التخصيص بالمخصصات المتصلة والمقيدات المتصلة ذكر المخصصات والمقيدات‬
‫المنفصلة وكعادته رحمه هللا في هذه الرسالة فإنه لم يستوعب المخصصات المنفصلة‬
‫طلَّقَاتُ‬ ‫إنما ذكر أهمها ‪ ...‬يخصص عموم آية بآية أخرى ‪ ...‬مثاله قوله تعالى ‪َ (( :‬و ْال ُم َ‬
‫صنَ ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُ ُروءٍ )) ‪ ...‬مثال تخصيص الكتاب بالسنة ‪ :‬قوله تعالى ‪:‬‬ ‫يَت َ َربَّ ْ‬
‫((وأ ُ ِح َّل لَ ُكم َّما َو َراء ذَ ِل ُك ْم)) ‪ ...‬فقوله ‪َّ (( :‬ما َو َراء‬
‫علَ ْي ُك ْم أ ُ َّم َهات ُ ُك ْم َو َبنَات ُ ُك ْم)) َ‬
‫ت َ‬ ‫(( ُح ِ ِّر َم ْ‬
‫ذَ ِل ُك ْم)) (ما) من ألفاظ العموم تفيد أن كل إمرأة وراء المذكورات يحل للرجل المسلم‬
‫أن يتزوجها وخصت السنة ‪ ،‬تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ‪...‬‬
‫مثال التخصيص السنة بالكتاب ‪ :‬حديث إختصام المال األعلى وفيه "فعلمت كل شيء‬
‫في السماء واألرض " وفي رواية ‪ :‬فتجلى لي كل شيء وعرفت "‪ ...‬فهذا عام‬
‫ش ْيءٍ ِ ِّم ْن ِع ْل ِم ِه)) ‪ ...‬قوله صلى هللا عليه وسلم‬ ‫طونَ بِ َ‬ ‫((والَ ي ُِحي ُ‬
‫خصصه قوله تعالى َ‬
‫"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا" خصصه قوله تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫صا ِغ ُرونَ )) فاآلية خصصت من قبل دفع الجزية‬ ‫طواْ ْال ِج ْز َيةَ َعن َي ٍد َو ُه ْم َ‬ ‫(( َحتَّى يُ ْع ُ‬
‫فإن الجزية تقبل منه وال يقاتل ‪...‬فإن قيل ‪ :‬إن التخصيص بيان والسنة وضعها أن‬
‫اس َما نُ ِ ِّز َل إِلَ ْي ِه ْم)) فلو بين الكتاب السنة‬ ‫تكون مبينة لقوله تعالى ‪ِ (( :‬لتُبَ ِيِّنَ ِللنَّ ِ‬
‫بالتخصيص لكان هذا عكس النص ! ‪ ...‬فالجواب ‪ :‬أنه ال تناقض بين كون السنة‬
‫مبينة لبعض الكتاب والكتاب مبين لبعض السنة و هو ما كان مجمالً منهما وهذه اآلية‬
‫ى للناس )) وأنه (بيان) كما في قواه تعالى‬ ‫معارضة بقوله تعالى في القرأن إنه (( هد ً‬
‫ظةٌ ِلِّ ْل ُمتَّقِينَ )) وأنه تبيان كما في قوله تعالى ((ن ََّز ْلنَا‬ ‫اس َو ُهدًى َو َم ْو ِع َ‬ ‫ان ِلِّلنَّ ِ‬ ‫(( َهذَا َبيَ ٌ‬
‫ش ْيءٍ َو ُهدًى َو َر ْح َمةً َوبُ ْش َرى ِل ْل ُم ْس ِل ِمينَ )) فيتناول بيان السنة‬ ‫اب ِت ْب َيانًا ِلِّ ُك ِِّل َ‬ ‫علَي َْك ْال ِكت َ َ‬ ‫َ‬
‫وهو المطلوب ‪ ...‬مثال تخصيص السنة بالسنة ‪" :‬فيما سقت السماء والعيون أو كان‬
‫عثريا العشر وما سقى بالنضج نصف العشر" وخص ذلك بما كان خمسة أو سق فما‬
‫ق صدقة وال في أقل من خمسة من‬ ‫دونها ال زكاة فيه "ليس فيما أقل من خمسة أوس ٍ‬
‫ق من الورق صدقة" ‪ ...‬تخصيص‬ ‫اإلبل الذود صدقة وال في أقل من خمس أوا ٍ‬
‫الكتاب بالقياس ‪ :‬فخصت اآلية األمة المملوكة باليمين من عموم قوله تعالى ‪:‬‬
‫((الزانية والزاني )) بأن عليها نصف العذاب فتجلد خمسين جلدة ويقاس على األمة‬
‫المملوكة العبد المملوك إذا زنى فإن عليه نصف العذاب كذلك ‪ ...‬وتخصيص السنة‬
‫بالقياس ‪" :‬خذوا عني خذوا عني قد جعل هللا لهن سبيالً البكر بالبكر جلد مائ ٍة ونفي‬
‫سن ٍة والثيب بالثيب جلد ُ مائ ٍة والرجم" ‪ ...‬فالحديث عام في كل زاني بكر أنه يجلد مائة‬
‫جلدة خص من الحديث العبد قياسا ً على األمة التي ثبت تنصيف الحد عليها بالقرآن‬
‫فيجلد العبد خمسين جلدة ‪ ...................... ... ... ... ... ...... ...... ... ...‬حكى‬
‫المصنف رحمه هللا اإلختالف في هذه المسألة وهو موجود كما قال قي بعض كتب‬
‫األصول لكنه غير صحيح ألنه حاصل بعد اإلجماع وكأن أصحابه أستصحبوا الحال‬
‫قبل ورود الشرع وال محل له ألن ورود الشرع يمنع اإلستدالل باإلستصحاب ‪...‬وقد‬
‫ذكر إبن تيمية رحمه هللا ‪ :‬أن اإلجماع منعقد على أن األصل في األعيان الحل‬
‫والطهارة ‪...‬ولست أنكر أن بعض من لم يحط علما ً بمدارك األحكام ولم يؤت تمييزا ً‬
‫في مظان اإلشتباه ربما سحب ذيل ما قبل الشرع على ما بعده إال أن هذا غلط قبيح لو‬
‫نبه له لتنبه مثل الغلط في الحساب ال يهتك حريم اإلجماع وال يثلم سنن اإلتباع ‪...‬‬
‫على أن الحق الذي ال زاد له أن قبل الشرع ال تحليل وال تحريم فإذا ال تحريم‬
‫يستصحب ويستدام فيبقى األن كذلك والمقصود خلوها عن المائم والعقوبات ‪...‬قال‬
‫إبن تيمية رحمه هللا ‪ :‬أعلم أن األصل في جميع األعيان الموجودة على إختالف‬
‫أصنافها وتباين أوصافها ‪ :‬أنت تكون حالالً مطلقا ً لآلدميين وأن تكون طاهرة ال‬
‫يحرم عليهم مالبستها ومباشرتها ومماستها وهذه كلمة جامعة ‪ ،‬وقد دل عليها أدلة‬
‫عشرة – مما حضرني ذكره من الشريعة – وهي ‪ :‬كتاب هللا وسنة رسوله وإتباع‬
‫سبيل المؤمنيين ‪ ،‬ثم مسالك القياس واإلعتبار ومناهج الرأي واإلستبصار ‪ ...‬قوله‬
‫ض َج ِمي ًعا)) والخطاب لجميع الناس الفتتاح‬ ‫تعالى ‪ُ (( :‬ه َو الَّذِي َخلَقَ لَ ُكم َّما فِي األ َ ْر ِ‬
‫اس ا ْعبُدُواْ َربَّ ُك ُم)) ‪ ...‬قوله تعالى ‪َ (( :‬و َما َل ُك ْم أَالَّ‬ ‫الكالم بقوله تعالى ‪(( :‬يا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫ض ُ‬
‫ط ِر ْرت ُ ْم إِلَ ْي ِه))‪...‬‬ ‫علَ ْي ُك ْم إِالَّ َما ا ْ‬
‫ص َل لَ ُكم َّما َح َّر َم َ‬ ‫علَ ْي ِه َوقَ ْد فَ َّ‬ ‫تَأ ْ ُكلُواْ ِم َّما ذ ُ ِك َر ا ْس ُم َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫والتفصيل التبيين فبين أنه بين المحرمات فما لم يبين تحريمه ليس بمحرم ‪ ...‬قوله‬
‫ض َج ِميعًا ِ ِّم ْنهُ)) ‪ ...‬قوله تعالى ((قُل‬ ‫ت َو َما ِفي األ َ ْر ِ‬ ‫س َم َاوا ِ‬‫س َّخ َر لَ ُكم َّما ِفي ال َّ‬ ‫تعالى (( َ‬
‫طا ِع ٍم َي ْ‬
‫ط َع ُمهُ إِالَّ أَن يَ ُكونَ َم ْيتَةً أ َ ْو دَ ًما َّم ْسفُو ًحا))‬ ‫علَى َ‬ ‫ي ُم َح َّر ًما َ‬ ‫ي إِلَ َّ‬‫وح َ‬‫الَّ أ َ ِجد ُ فِي َما أ ُ ِ‬
‫فما لم يجد تحريمه ليس بمحرم وما لم يحرم فهو ح ٌل ومثل هذه اآلية قوله ‪ِ (( :‬إنَّ َما‬
‫ير)) ألن حرف ‪( :‬إنما) يوجب حصر األول في‬ ‫نز ِ‬‫علَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ َوالد ََّم َولَ ْح َم ْال ِخ ِ‬
‫َح َّر َم َ‬
‫الثاني فيجب إنحصار المحرمات فينا ذكر ‪ ...‬عن سعد بن أبي وقاص قال ‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "إن أعظم المسلمين جرما ً من يسأل عن شيءٍ لم‬
‫يحرم فحرم من أجل مسألته" دل ذلك على أن األشياء ال تحرم إال بتحريم خاص ‪...‬‬
‫عن سلمان الفارسي قال ‪ :‬سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن شيءٍ من السمن‬
‫والجبن والفراء فقال " الحالل ما أحل هللا في كتابه والحرام ما حرم هللا في كتابه وما‬
‫سكت عنه فهو بما عفا عنه" ‪ ...‬لست أعلم خالف أح ٍد من العلماء السالفين ‪ :‬في أن ما‬
‫كثير ممن تكلم في‬ ‫لم يجيء دليل بتحريمه فهو مطلق غير محجور وقد نص على ذلك ٌ‬
‫أصول الفقه وفروعه وأحسب بعضهم ذكر في ذلك اإلجماع يقينا ً أو ظنا ً كاليقين ‪...‬‬
‫كل ما حرم مباشرته ومالبسته حرم مخالطته وممازجته وال ينعكس فكل نجس محرم‬
‫األكل وليس كل محرم األكل نجسا ً ‪ ...‬هو إعمال األصل في كل شيء والبقاء على‬
‫ماكان وإستدامة ما دل الشرع على ثبوته وإستدامة حكم اإلجماع في محل النزاع‬
‫حتى يأتي دليل صحيح سالم من المعارضة ناقل عنه ‪ ...‬ومحل العمل بهذا الدليل عند‬
‫عدم وجود األدلة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة واإلجماع أما مع وجودها فال‬
‫مكان لدليل اإلستصحاب ‪ ...‬قال إبن تيمية رحمه هللا ‪ :‬األدلة العقلية التي هي‬
‫اإلستصحاب وإنتفاء المحرم ال يجوز القول بموجبها في أنواع المسائل وأعيانها إال‬
‫بعد اإلجتهاد في خصوص ذلك النوع أو المسألة ‪ :‬هل ورد من األدلة الشرعية ما‬
‫يقتضي التحريم أم ال ؟ إذ قد أجمع المسلمون وعلم باإلضطرار من دين اإلسالم أنه‬
‫ال يجوز ألحد أن يعتقد ويفتي بموجب هذا اإلستصحاب والنفي إال بعد البحث عن‬
‫األدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك ‪ ...‬ال يستدل باإلستصحاب عند وجود الدليل‬
‫الشرعي وهذا مما وقع فيه الظاهرية فقد إستدلوا باإلستصحاب في منع الزكاة عن‬
‫عروض التجارة لعدم ورود النص بتعيينها وإستصحاب البراءة األصلية ولم ينتبهوا‬
‫أن الذمة إشتغلت بوجوب الصدقة في جميع المال إال ما إستثناه الدليل وذلك‬
‫بالمعلومات الواردة ‪ ،‬فصار النظر في ما يخرج نوع المال المعين من عدم وجوب‬
‫الزكاة ال العكس ‪ ...‬قال إبن قيم الجوزية رحمه هللا ‪ :‬وهو ثالثة أقسام ‪ :‬إستصحاب‬
‫البراءة األصلية وإستصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي حتى يثبت خالفه‬
‫وإستصحاب حكم اإلجماع في محل النزاع ‪ ...‬النوع األول ‪ :‬تنازع الناس فيه ‪ :‬فقالت‬
‫طائفة من الفقهاء واألصوليين ‪ :‬إنه يصلح للدفع ال لإلبقاء كما قاله بعض الحنفية‬
‫ومعنى ذلك أنه يصلح ألن يدفع به من ادعى تغيير الحال إلبقاء األمر على ما كان‬
‫فإن بقاءه على ما كان إنما هو مستند إلى موجب الحكم ال إلى عدم المغير له فإذا لم‬
‫نجد دليالً نافيا ً وال مثبتا ً أمسكنا ‪ ،‬ال نثبت الحكم وال ننفيه بل ندفع باإلستصحاب‬
‫دعوى من أثبته ‪ ،‬وهذا غير حال المعارض فالمعارض لون والمعترض لون ‪،‬‬
‫فالمعترض يمنع داللة الدليل والمعارض يسلم داللته ويقيم دليالً على نقيضه‪ ...‬وذهب‬
‫األكثرون من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه يصلح إلبقاء األمر‬
‫على ما كان عليه فقالوا ‪ :‬ألنه إذا غلب على الظن إنتفاء الناقل غلب على الظن بقاء‬
‫األمر على ما كان عليه ‪ ...‬النوع الثاني ‪ :‬إستصحاب الوصف المثبت للحكم حتى‬
‫يثبت خالفه وهو حجة كإستصحاب حكم الطهارة وحكم الحدث وإستصحاب يقاء‬
‫النكاح وبقاء الملك وشغل الذمة بما تشغل به حتى يثبت خالف ذلك في قوله في‬
‫الصيد ‪" :‬وإن وجدته غريقا ً فال تأكله" لما كان األصل في الذبائح التحريم وشك هل‬
‫وجد الشرط المبيح أم ال؟ بقى الصيد على أصله في التحريم ‪ ،‬في الحدث قال ‪" :‬ال‬
‫ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحاً" ولما كان األصل بقاء الصالة في ذمته أمر‬
‫الشاك أن يبني على اليقين ويطرح الشك وال يعارض هذا رفعه للنكاح المتيقن بقول‬
‫األمة السوداء إنها أرضعت الزوجين فإن أصل األبضاع على التحريم ‪...‬فصل ‪:‬‬
‫القسم ‪ :‬الثالث ‪ :‬إستصحاب حكم اإلجماع في محل النزاع وقد إختلف فيه الفقهاء‬
‫واألصوليين هل هو حجة ؟ على قولين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنه حجة وهو قول المزني‬
‫والصيرفي وإبن شاقال وإبن حامد وأبي عبدهللا الرازي ‪ ...‬والثاني ‪ :‬ليس بحجة وهو‬
‫قول أبي حامد وأبي الطيب الطبري والقاضي أبي يعلى وإبن عقيل وأبي الخطاب‬
‫والح لواني وإبن الزاغوني ‪ ،‬وحجة هؤالء أن اإلجماع إنما كان على الصفة التي‬
‫كانت قبل محل النزاع كاإلجماع على صحة الصالة قبل رؤية الماء في الصالة فأما‬
‫بعد الرؤية فال إجماع فليس هناك ما يستصحب إذ يمتنع دعوى اإلجماع في محل‬
‫النزاع واإلستصحاب إنما يكون ألمر ثابت فيستصحب ثبوته أو ألمر منتقب‬
‫فيستصحب نفيه ‪ ...‬فاإلستصحاب ال يجوز اإلستدالل به إال إذا إعتقد إنتفاء الناقل فإن‬
‫قطع المستدل بإنتفاء الناقل قطع بإنتفاء الحكم كما يقطع ببقاء شريعة محمد صلى هللا‬
‫عليه وسلم وأنها غير منسوخة وإن ظن إنتفاء الناقل أو ظن إنتفاء داللته ظن إنتفاء‬
‫النقل وإن كان الناقل معنى مؤثرا ً وتبين له عدم إقتضائه تبين له إنتفاء النقل ‪ ...‬ومما‬
‫يدل على أن إستصحاب حكم اإلجماع في محل النزاع حجة أن تبدل حال المحل‬
‫المجمع على حكمه أوالً كتبدل زمانه ومكانه وشخصه وتبدل هذه األمور وتغيرها ال‬
‫يمنع إستصحاب ما ثبت له قبل التبدل فكذلك تبدل وصفه وحاله ال يمنع اإلستصاب‬
‫حتى يقوم دليل على أن الشارع جعل ذلك الوصف الحادث ناقالً للحكم مثبتا ً لضده ‪،‬‬
‫وأما مجرد النزاع فإنه ال يوجب سقوط إستصحاب حكم اإلجماع ‪ ،‬فال يقبل قول‬
‫المعترض ‪ :‬إنه قد زال حكم اإلستصحاب بالنزاع الحادث فإن النزاع ال يرفع ما ثبت‬
‫من الحكم فال يمكن المعترض رفعه إال أن يقيم دليالً على أن ذلك الوصف الحادث‬
‫جعله الشارع دليالً على نقل الحكم وحينئ ٍذ فيكون معارضا ً في الدليل ال قادحا ً في‬
‫اإلستصحاب فتأمله فإنه التحقيق في هذه المسألة ‪ ...‬ترتيب األدلة عند اإلستدالل ‪/1 :‬‬
‫الكتاب ‪/2‬ثم السنة ‪ /3‬ثم اإلجماع ‪ /4‬ثم القياس ‪ ...‬وبعضهم يقدم اإلجماع ثم الكتاب‬
‫ثم السنة ثم القياس ألن دليل اإلجماع قطعي الثبوت والداللة فالترتيب األول هو‬
‫المعتمد ‪ ...‬ال فرق بين منهج المحدثين واألصوليين والفقهاء في أصول الفقه إال في‬
‫ثالث مسائل ‪ /1 :‬أنهم يعتمدون قول الصحابي في فهم الدليل من الكتاب والسنة‬
‫بخالف األصوليين فإنه عندهم من األدلة المختلف فيها ‪ /2...‬والمسألة الثانية ‪ :‬ال‬
‫يقول أهل الحديث بالمجاز ‪ /3...‬المسألة الثالثة ‪ :‬أن نظر المحدث في الحديث‬
‫لتصحيح المعنى والنسبة بينما نظر األصولي والفقيه لتصحيح المعنى فباب التعليل‬
‫عند المحدث يختلف عنه عند األصولي وماهو علة عند المحدث ليس بعلة عند‬
‫األصولي ‪ ...‬وما عدا هذا فال يوجد إختالف يذكر بين المحدثين والفقهاء واألصوليين‬
‫‪ ...‬مقصوده بالنطق ‪ :‬ما جاء في القرآن العظيم والسنة النبوية وما قام عليهما فإنه‬
‫يقدم على القياس فال قياس مع النص ‪ ...‬القياس األولوي والقياس الذي نص على‬
‫علته يقدمان على القياس الخفي العلة التي تحتاج إلى نظر ‪....‬التعليق ‪ :‬يعني أن يكون‬
‫عالما ً بأدلة الفقه وهي أصوله ‪ :‬الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ‪ ،‬وما يتعلق بترتيب‬
‫أدلة الفقه المتفق عليها والمختلف فيها كالمصالح المرسلة واإلستصحاب وقول‬
‫الصحابي واإلستحسان وعمل أهل المدينة وسد الذرائع وفروع مسائل األصول‬
‫المبنية عليها والخالفات الفقهية في المسائل حتى ال يعقد المسألة في غير محل‬
‫الخالف فيشترط أن يعلم مسائل اإلجماع حتى ال يأتي لمسألة إجماعية فيجعلها خالفية‬
‫وال يأتي بقبول خارج عن أقوالهم وأن يعلم مذاهب العلماء فيها وأدلتهم و وجه‬
‫إستداللهم ‪ ...‬فالمفتي الذي يبين حكم المسألة بحسب حال السائل والعالم الذي يبين‬
‫حكم المسألة بحسب األدلة وتفاصيلها فكل مفتي عالم وال عكس ‪ ...‬واألصل أن‬
‫المفتي عالم يجتهد في بيان الحكم بحسب الواقع في حال المستفتي وهو طالب الفتيا ‪،‬‬
‫ولذلك ال يحل للعامي أن يأخذ كتب الفقه فيقريها لنفسه ويفتي بما حصل منها على‬
‫علمه وكذلك من لم يتفقه في مذهب أن يأخذ كتبه ويتكلم بما فيها ‪ ...‬وفي حكمه ‪:‬‬
‫السماع لفتاوي أهل العلم في هذه البرامج المسموعة والمشاهدة عبر القنوات فإنه ال‬
‫يجوز له تنزيلها على نفسه ألنه قد يكون في حال صاحب المسألة حيثية اليفطن لها‬
‫وإنما يسمعها من باب اإلستماع للعلم والذكر عسى أن ينفعه هللا بذلك ويسمعها طالب‬
‫العلم والعالم للمذاكرة ومعرفة الحوادث النازلة وهللا الموفق ‪...‬فالمجتهد ال يأخذ بقول‬
‫غيره بدون حجة فإن أخذه بدون حجة فهو مقلد ‪ ...‬واإلجتهاد ‪ :‬وصف يقبل التجزيء‬
‫فهناك مجتهد كلي وهماك مجتهد جزئي وهماك مجتهد مطلق وهناك مجتهد مقيد‬
‫بالمذهب ‪ ...‬وكمال آلة المجتهد بأن تتوفر فيه أوصاف المجتهد ‪ :‬أن يكون مسلما ً بالغا ً‬
‫عاقالً له ملكة على إستخراج األحكام من أدلتها الشرعية ‪ ...‬وإنما يتمكن ذلك بشروط‬
‫‪ /1 :‬أولها ‪ :‬إشرافه على نصوص الكتاب وال يشترط حفظها بل يكفي قدرته على‬
‫الرجوع إليها ومعرفة مواطنها ‪ /2....‬ثانيها ‪ :‬معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة‬
‫باألحكام وكذ ا ال يشترط حفظها بل يكفي معرفتها والقدرة على الرجوع إليها ‪/3....‬‬
‫وثالثها ‪ :‬اإلجماع ‪ :‬فليعرف مواقعه حتى ال يفتي بخالفه وال يلزمه حفظ جميعه بل‬
‫كل مسألة يفي فيها يعلم أن فتواه ليست مخالفة لإلجماع وإنما يوافقه مذهب عالم أو‬
‫تكون الحادثة مولدة فال يخرج عن طريقتهم في اإلستنباط ‪ ...‬والبد مع ذلك أن يعرف‬
‫اإلختالف ‪ ،‬وفائدته حتى اليحدث قوال يخالف أقوالهم ‪ /4....‬ورابعها ‪ :‬القياس‬
‫فليعرفه بشروطه وأركانه ‪ /5...‬أن يكون عارفا ً بلسان العرب ‪ :‬لغة ونحوا ً وتصريفا ً‬
‫‪ ،‬إلى حد يميز به بين صريح الكالم وظاهره ومجمله ومبينه وعامه وخاصه وحقيقته‬
‫ومجازه ‪ ...‬وال يشترط التبحر في اللغة والنحو وال يلزم الغوص في الدقائق ‪/6...‬‬
‫وسادسها ‪ :‬معرفة الناسخ والمنسوخ ‪ ،‬وكذلك معرفة وجوه النص في العموم‬
‫والخصوص والمفسر والمجمل والمبين والمقيد والمطلق فإن قصر فيها لم يجز‬
‫‪/7....‬وسابعها ‪ :‬معرفة حال الرواة في القوة والضعف وتمييز الصحيح عن الفاسد‬
‫والمقبول عن المردود ‪ ...‬وبهذه الشروط تكتمل آلة اإلجتهاد ولذلك تسمى العلوم التي‬
‫ترجع إليها هذه الشروط بـ‪ :‬علوم اآللة ‪ ...‬يعني كيفية اإلستنباط وهذا هو الركن‬
‫الثاني في أصول الفقه فإنه يقوم على ثالثة أركان ‪ /1 :‬الركن األول ‪ :‬معرفة األدلة‬
‫‪ /2 ...‬الركن الثاني ‪ :‬كيفية اإلستنباط ‪/3 ....‬الركن الثالث ‪ :‬حالة المستفيد منها وهو‬
‫الكالم عن اإلجتهاد والتقليد ‪ ....‬أي ‪ :‬رواة األخبار جرحا ً وتعديالً ‪ ...‬كالمهم في‬
‫أصول الفقه في مباحث ثبوت الخبر وتعليله يختلف عن طريقة المحدثين ‪ ،‬مرادهم‬
‫هما إعتماد كالم أئمة الجرح والتعديل في الرواة على أن الواقع يدل على أن منهج‬
‫المحدثين واألصوليين يكمل أحدهما األخر ‪ ...‬المستفتي ‪ :‬هو طالب معرفة الحكم‬
‫الشرعي في المسألة التي وقعت له وهو العامي الذي ال يعلم حقيقة أو حكما ً كالعالم‬
‫الذي تعذر عليه اإلجتهاد في مسألة فسأل غيره عنها ‪ ...‬للمستفتي شروطا ً أخرى‬
‫س ْلنَا ِمن قَ ْب ِل َك ِإالَّ ِر َجاالً نُّ ِ‬
‫وحي ِإلَ ْي ِه ْم فَاسْأَلُواْ‬ ‫((و َما أ َ ْر َ‬
‫وإنما ذكر بعضها ‪ ،‬قال تعالى ‪َ :‬‬
‫الزب ُِر َوأَنزَ ْلنَا ِإلَي َْك ال ِذِّ ْك َر ِلت ُ َب ِيِّنَ ِللنَّ ِ‬
‫اس َما نُ ِ ِّز َل‬ ‫ت َو ُّ‬ ‫أ َ ْه َل ال ِذِّ ْك ِر ِإن ُكنت ُ ْم الَ تَ ْعلَ ُمونَ * ِب ْال َب ِيِّنَا ِ‬
‫إِلَ ْي ِه ْم َولَعَلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُرونَ )) فقوله بالبينات والزبر ‪(( :‬بِ ْال َب ِيِّنَاتِ)) أي ‪ :‬بالدالالت والحجج‬
‫الزب ُِر)) وهي الكتب ‪ ...‬وهذه اآلية تدل على أمور ‪ /1 :‬منها ‪ :‬أن الناس على‬ ‫‪َ ((،‬و ُّ‬
‫قسمين ‪ :‬قسم يعلم وهم أهل الذكر وقسم ال يعلم ‪ /2 ...‬ومنها ‪ :‬أن وظيفة الذي ال يعلم‬
‫أن يسأل الذين يعلمون ‪ /3...‬ومنها ‪ :‬أن يراعي المسائل في سؤاله ما يلي ‪ :‬أ‪ /‬أن‬
‫يكون المسؤول من أهل الذكر ‪..‬ب‪ /‬أن يكون في حال سؤاله طالبا ً للعلم وذلك ليرفع‬
‫عنه الجهل وهو عدم العلم ‪ ...‬فال يجوز للعامي بعد سؤاله لعالم وسماعه منه الجواب‬
‫المبني على الدليل أن يسأل غيره طلبا ً للرخصة بإختالفهما ‪...‬ج‪ /‬أن يكون طالبا‬
‫لجواب السؤال متلبسا ً بالبينات والزبر يعني باألدلة والحجج الواضحة ‪ ....‬أن السائل‬
‫ال يكون طلبه للجواب على أساس غير الدليل قال يقول مثالً ‪ :‬أنا أريد الجواب على‬
‫مذهب كذا أو أريد الجواب على طريقة كذا إنما مذهبه مذهب مفتيه من أهل العلم‬
‫الموثوق بعلمهم وتقواهم ‪ ...‬ثم إن العامي يكلف من اإلجتهاد ما يناسب حاله فال‬
‫يطلب منه ما يطلب من المتبع أو المجتهد ‪ ...‬واآلية المذكورة تدل على جواز تقليد‬
‫العامي لمفتيه ولذلك قيل ‪ :‬العامي مذهبه مذهب مفتيه ‪ ...‬وظني أن الذين يحرمون‬
‫التقليد ال يلزمون العامي بالنظر في الدليل إنما يعنون أن على العامي أن يجتهد بما‬
‫يناسب حاله بأن يجتهد في طلب من يفتيه من أهل الذكر من يراه األتقى و األورع‬
‫فهذا إجتهاده وإال فإن العامي ال يستطيع أصالً النظر في األدلة واإلختالف ‪...‬وقد‬
‫يأتي على العالم وقت يأخذ فيه حكم المقلد وذلك حين يتعذر اإلجتهاد عليه ‪ ...‬قال‬
‫الزركشي رحمه هللا ‪ :‬وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما ً بكل ‪ ،‬وهذا في‬
‫المجتهد المطلق ‪ ...‬أما المجتهد في حكم خاص فإنما يحتاج إلى قوة تامة في النوع‬
‫الذي هو فيه المجتهد ‪ ...‬هذا بناء على جواز تجزؤ اإلجتهاد وهو الصحيح ‪ ...‬قال إبن‬
‫دقيق العيد ‪ :‬من عرف مأخذ إمام وأستقل بإجراء المسائل على قواعد ينقسم إلى‬
‫قسمين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن تكون تلك القواعد مما يختص بها ذلك اإلمام وبعض المجتهدين‬
‫معه فهذا يمكن فيه اإلجتهاد المقيد ‪ ،‬وأما القواعد العامة التي ال تختص ببعض‬
‫المجتهدين ككون خبر الواحد حجة والقياس وغير ذلك من القواعد فهو محتاج إلى ما‬
‫يحتاج إليه المجتهد المطلق فقتنبه لهذا ‪...‬أي ‪ :‬من حيث الصورة واإلصطالح فيجب‬
‫األخذ بقوله ص لى هللا عليه وسلم وإن لم نعلم دليله في خصوص المسألة أما من حيث‬
‫الحكم فال ألن قبول قول الرسول صلى هللا عليه وسلم هو قبول لمن أمرنا بإتباعه‬
‫ف يجب األخذ بقوله صلى هللا عليه وسلم بدون أن يذكر حجة على خصوص القول فإن‬
‫الحجة على تصديقه في النبوة قد قامت باآليات والدالئل قد دلت على وجوب إتباعه‬
‫واألخذ بقوله ‪ ...‬فإتباع قول الرسول صلى هللا عليه وسلم واألخذ به هو أخذ بالحجة‬
‫والبرهان وهو الزم لكل مسلم ‪ ...‬وأعلم أن التقليد بهذا المعنى مذموم ‪ ...‬قال شيخ‬
‫اإلسالم رحمه هللا ‪ :‬التقليد المذموم هو قبول قول الغير بغير حجة ‪ ،‬فمن إتبع دين‬
‫آبائه وأسالفه ألجل العادة التي تعودها وترك إتباع الحق الذي يجب إتباعه فهذا هو‬
‫المقلد المذموم وهذه حال اليهود والنصارى بل أهل البدع واألهواء في هذه األمة‬
‫الذي أتبعوا شيوخهم ورؤساءهم في غير الحق كما قال هللا تعالى ‪َ (( :‬وقَالُوا َربَّنَا ِإنَّا‬
‫ب َو ْال َع ْن ُه ْم لَ ْعنًا‬
‫ض ْع َفي ِْن ِمنَ ْال َعذَا ِ‬ ‫ضلُّونَا ال َّ‬
‫س ِبيال* َربَّنَا آ ِت ِه ْم ِ‬ ‫سادَتَنَا َو ُك َب َرا َءنَا فَأ َ َ‬ ‫أَ َ‬
‫ط ْعنَا َ‬
‫يرا)) ‪ ...‬وال مطيع للمخلوق في معصية هللا ورسوله ‪ :‬إما أن يتبع الظن ‪ ،‬وإما أن‬ ‫َك ِب ً‬
‫يتبع ما يهواه وكثير يتبعهما ‪ ...‬ومن ترك النقل المصدق عن القائل المعصوم وإتبع‬
‫نقالً غير مصدق عن قائل غير معصوم فقد ضل ضالالً بعيدا ً ‪ ...‬التقليد منه مذموم‬
‫وممدوح فالمذموم قبول قول القائل بال حجة والممدوح قبول قول الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقبول العامي فتوى من يثق بتقواه و ورعه وإتباع سبيل المؤمنيين ألننا‬
‫أمرنا بذلك ‪ ،‬فكل ما أدى إلى قبول الحق وإتباعه واألخذ به فهو ممدوح وكل ما أدى‬
‫إلى رد الحق وقبول الباطل والعمل به فهو مذموم ‪ ...‬وعليه فإن قبول قول النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم ال يكون تقليدا ً ألننا نعلم أن الرسول صلى هللا عليه وسلم (( وما‬
‫ى يوحى)) وأنه في إجتهاده إنما يحكم بما أراه هللا‬ ‫ينطق عن الهوى *إن هو إال وح ٌ‬
‫تبارك وتعالى وهو معصوم عن الخطأ ‪ ،‬فاألخذ بقوله صلى هللا عليه وسلم أخذ‬
‫بالحجة والبرهان ‪ ...‬فيكون أخذ األمة لقوله في هذا من باب التقليد من حيث الصورة‬
‫واإلصطالح وإال فإن قول الرسول صلى هللا عليه وسلم حجة ‪ ،‬يجب إتباعه ألنه حتى‬
‫في إجتهاده محفوف بالوحي ‪ ...‬واعلم أن إجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم في‬
‫أمور الدنيا حاصل كإجتهاده في أمور الحرب ‪ ،‬وهو فيه صلى هللا عليه وسلم ليس‬
‫حكم شرعي‬‫بمعصوم كما في قصة آبار بدر ‪ ...‬وفي اإلصطالح ‪ :‬بذل الوسع في نيل ٍ‬
‫عملي بطريق اإلستنباط ‪ ...‬ليخرج بذلك الوسع في نيل تلك األحكام من النصوص‬
‫ظاهرا ً أو بحفظ المسائل وإستعالمها من المعنى أو بالكشف عنها من الكتب فإنه وإن‬
‫سمي إجتهادا ً فهو لغة ال إصطالحا ً ‪ ...‬وقال أبو بكر الرازي ‪ :‬اسم اإلجتهاد يقع في‬
‫معان أحدها ‪ :‬القياس الشرعي ‪ ،‬ألن العلة لما لم تكن موجبة الحكم‬
‫ٍ‬ ‫الشرع على ثالثة‬
‫لجواز وجودها خالية منه لم يوجب ذلك العلم بالمطلوب فلذلك كان طريقة اإلجتهاد ‪،‬‬
‫والثاني ‪ :‬ما يغلب في ظن من غير عل ٍة كإلجتهاد في المياه والوقت والقبلة وتقويم‬
‫المتلفات وجزاء الصيد ومهر المثل والمتعة والنفقة وغير ذلك ‪ ،‬والثالث ‪ :‬اإلستدالل‬
‫باألصول ‪ ....‬قلت المعنى األول والثالث هو المقصود هنا ‪ ....‬أما من لم يبلغ هذه‬
‫الدرجة فإنه إن أصاب فقد أثم وأخطأ ألنه قد خاض فيما ليس من شأنه ولم يتأهل له‬
‫‪ ....‬إن قصد صاحب هذا القول أنه مصيب لألجر فكل مجتهد ال يخلو من أجر فمسلم‬
‫فإنه دائر بين األجر واألجرين أما إن قصد أنه مصيب للحق عند هللا تبارك وتعالى‬
‫فال ألن حديث عمرو بن العاص الذي سيذكره المصنف يدل على أن المجتهدين من‬
‫يصيب ومنهم من يخطئ وأنه ليس كل مجتهد مصيب للحق عند هللا ‪ ...‬فهذا يدل على‬
‫أن المصيب واحد والحق واحد ال يتعدد ‪ ،‬اإلختالف نوعان ‪ /1 :‬إختالف تنوع ‪/2...‬‬
‫وإختالف تضاد ‪ .....‬فالحق واحد ال يتعدد بتضاد وتعارض وقد يتعدد من باب التنوع‬
‫‪...‬‬

You might also like