أخذ أسم الكتاب من هذه العبارة فقيل :متن الورقات في أصول الفقه ...
يعني أنه لن
يشمل في هذا المتن جميع مسائل أصول الفقه ...والفضل مجموعة المسائل الجزئية المتعلقة بموضوع واحد ويكون تحت الباب غالبا ً ...فالباب :يحتوي علي الكلية المتضمنة لموضوع جامع لجزئيات تشكل الفصول ...والفصل :فرع من فروع الباب ...مبادئ العلم ...هي المذكورة في قول بعضهم ...إن مبادئ كل فن عشرة الحد والموضوع ثم الثمرة اإلسم االستمداد حكم الشارع فضله نسبة الواضع مسائل والبعض بالبعض اكتفى ومن درى الجميع حاز الشرفا ...والعلم المركب إذا أردنا تعريفه نبدأ بتعريف كل جزء على حدة لغة وإصطالحا ً ...وبعد ذلك يعرف اإلسم بتركيب الجزأين ...والتركيب أنواع ... :مركب إضافي مثل (عبدهللا ) مركب مزجي مثل (بعلبك) ومركب إسنادي مثل (تأبط شرا) ومركب وصفي مثل (التفسير الموضوعي ) ...و(أصول الفقه) مركب إضافي...وأصل الشيء :أساسه الذي يقوم عليه ومنشؤه الذي ينبت منه فتعريف المصنف لألصل بأنه ما يبنى عليه غيره هو تعريف من جهة اللغة وجرى عليه إصطالح التدوين ...واألصول في إصطالح األصوليين :هي مجموعة القواعد الكلية التي يبني عليها المجتهد إستنباط األحكام ... في "القاموس المحيط" فرع كل شيء أعاله .اهـ ...فالفرع وهو المسألة الحادثة التي لم ينص عليها تبنى علي أصل وهو حكم المسألة التي جاء النص عليها بجامع العلة بين الصل والفرع ...الفاء والقاف والهاء أص ٌل واحد صحيح يدل على إدراك الشيء والعلم به ...ثم أختص بذلك علم الشريعة ...والفقه في اإلصطالح :معرفة األحكام الشرعية التي طريقها اإلجتهاد ...وقد يعرف بـ :معرفة األحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين المستنبطة من أدلتها التفصيلية ...وهذا التعريف أوضح ...ألن قولنا ( :أفعال المكلفين) أخرج األحكام اإلعتقادية واألحكام العقلية وأفعال غير المكلفين فهذه ليست متعلق بالفقه ...وقولنا ( :من أدلتها التفصيلية ) أخرج األحكام المبنية على األدلة الكلية فأخرجنا أصول الفقه ألن الكالم فيه علي األدلة الكلية القرآن والسنة واإلجماع والقياس واألدلة المختلف فيها .فالفقيه ...اإلجتهاد في اللغة :بدل الوسع والمجهود ...وفي اإلصطالح :إستفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن لحكم شرعي وعند المصنف أمور اإلعتقاد ال تثبت بالظني وعليه فإن قوله ( :التي طريقها اإلجتهاد ) أخرج األمور العقدية ...والمقصود بالحكم الشرعي :خطاب هللا المتعلق بأفعال المكلفين باإلقتضاء أو الوضع أو التخيير ...وبعضهم ال يذكر ( :أو بالتخيير ) وسبب ذلك أنهم إختلفوا هل اإلباحة حكم شرعي أو ال ...والواقع أن حكم اإلباحة ال يثبت بغير شرع وعليه فهو حكم شرعي ...المكلفين :من تحقق فيه وصف الهلية ببلوغ سن التكليف عاقالً مسلما ً وقد تحتاج بعض العمال تحقق ...أوصاف أخرى ... ومعنى اإلقتضاء :طلب الفعل أو طلب الترك ...على وجه اإللزام ...ال على وجه اإللزام ...فنتج ...أربعة أنواع وهي ،الوجوب ،اإلستحباب ،التحريم ،المكروه والخامس اإلباحة وهو مستفاد من قولنا ( أو بالتخيير ) وتسمى هذه الخمسة :أنواع الحكم ا لشرعي التكليفي ...ومعنى الوضع :ما جعله الشارع عالمة دالة على الصحة أو البطالن فيشمل الركن والشرط والسبب والمانع ...فإذا تحقق في العمل جميع ما جعله الشارع عالمة علي صحته وانتفى عنه كل ما جعله الشارع مانعا ً من صحته فقد تحقق وصف الصحة ...وإذا انتفى شيء من ذلك أو قام مانع يمنع من صحته فقد سلب عنه وصف الصحة واكتسب وصف البطالن والفساد ...وتسمى هذه األمور : الحكم الشرعي الوضعي ...الركن والشرط والسبب والمانع وينتج عنها الصحة والبطالن ...دمج المصنف الحكم الشرعي التكليفي مع الحكم الشرعي الوضعي وال تعقب عليه وال إستدراك ألنه قال (األحكام سبعة ) ...ذكر نوعين وهما :الصحة والفساد وهما من الحكم الشرعي الوضعي وجميع أنواع الحكم الشرعي الوضعي ترجع إليهما ...هذا التعريم لم يحدد الماهية وإنما هو تعريف بالحكم واألثر ... المحدد لماهيته هو :طلب الفعل على وجه اإللزام /1...ما ذكروه تعريفا ً محددا ً لماهية الواجب هو في حقيقته تعريف األمر المجرد عن القرائن الصارفة له إلى اإلستحباب /2 ...الحدود يطلب بها تمييز المعرفات وبالتعريف المذكور لم تتميز ماهية الواجب عن ماهية األمر /3 ...وألن تعريف الواجب بـ ( ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه ) يحقق تمايز الواجب عن األمر وهذا مقصود صناعة الحدود والتعريفات ...الواجب هو :ثبوت مقتضى األمر في الذمة بحيث ال تبرأ الذمة إال بفعله /1 ...حكم الوجوب قد يختلف ويصرف إلي اإلستحباب إذا قامت قرائن تصرف إليه /2الواجب جاء في بعض األحاديث بمعنى األمر المؤكد ال بالمعنى اإلصطالحي األصولي (( ...غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم )) ...ليس من الواجب التكليفي الذي يأثم تاركه /3للوجوب صيغ وأساليب تدل عليه ...المندوب هو المستحب ويعبر عنه أحيانا ً بالسنة ويعبر عنه بالفضيلة والرغيبة وهو طلب الفعل ال على وجه اإللزام . ..والتعريف الذي ذكره المصنف رحمه هللا هو تعريف باألثر أو الحكم /1 ...ذهب األوصوليين من غير الحنفية إلى أن المستحب يمدح فاعله و يثاب وال يذم تاركه وال يعاقب ...غير أن هذا الترك إن ورد فيه نهي غير جازم نظر :فإن كان محصوصا ً كالنهي في (( إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين )) كان مكروها ً وإن كان نهي غير مخصوص وهو النهي عن ترك المندوبات عامة المستفاد من أوامرها فإن األمر بالشيء يفيد النهي عن تركه فيكون خالف األولى ألن الطلب بدليل خاص أكد من الطلب بدليل عام والمتقدمون يطلقون المكروه على ذي النهي المخصوص وغير المخصوص وقد يقولون في األول : مكروه كراهة شديدة ...الحنفية ينصون على أن الشيء إذا كان مستحبا ً أو مندوبا ً عندهم وليس سنة فال يكون تركه مكروها ً أصالً وال يوجب تركه إساءة أيضا ً فال معان :منها أنها أسم للطريقة ٍ يوجد عتابا في األخرة ...وإن كان فعله أفضل/2 ...لها إفتراض وال وجوب وتطلق على الفعل إذا واظب عليه ٍ المسلوكة في الدين من غير النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يدل دليل على وجوبه ...وعرفها بعض الفقهاء بأنها : مايستحق الثواب بفعله وال يعاقب بتركه وتطلق السنة أيضا ً على دليل من أدلة الشرع ...وتطلق على المندوب والمستحب والتطوع في ألفاظ مترادفة ...ويقسم الشافعية والحنابلة السنن إلى سنن مؤكدة وغير مؤكدة إال أن الحنابلة يقولون إن ترك السنن المؤكدة مكروه ...السنة عند الحنفية بالمعنى الفقهي نوعان :أ /سنة هدى :وهي ما تكون إقامتها تكميالً للدين وتتعلق بتركها كراهة وإساءة كصالة الجماعة واألذان واإلقامة ونحوها وتسمى أيضا ً السنة المؤكدة ...ب /سنن الزوائد :وهي التي ال يتعلق بتركها كراهة وال إساءة فإقامتها حسنة ...وعند المالكية :السنة ما فعله النبي صلى هللا عليه وسلم و واظب عليه و أظهره في جماعة ولم يدل دليل على وجوبه والرغيبة ما رغبت في الشارع فيه وحده ولم يظهره في جماعة والنفل ما فعله النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يداوم عليه /3...المداوم على ترك السنة عند جمهورهم رجل سوء ترد شهادته قال الشيخ زروق في "شرح اإلرشاد" – في تفسيق تارك الوتر – قال : إلستخافه بالسنة ابن خويز منداد ومن استخف بالسنة فسق فإن تماأل عليه أهل بلد حوربوا ...قال إبن القيم رحمه هللا في " الصواعق المرسلة " (: )1348/4 واإلستمرار على ترك السنن خذالن قال أحمد وقد سئل عن رجل استمر على ترك الوتر :هذا رجل سوء .اهـ ...وقد قال صلى هللا عليه وسلم (( من رغب عن سنتي فليس مني )) وألنه بالمداولة تلحقه التهمة بأنه غير معتقد لكونها سنة وهذا ممنوع منه ...المحظور هو المحرم وهو مقتضى النهي الذي هو طلب الترك على وجه اإللزام ويستفاد التحريم من صيغة النهي /1...النهي يصرف عن التحريم إلى الكراهة إذا ما قامت قرائن تدل على ذلك /2...ما نهي عنه ينبغي المبادرة إلى إمتثاله عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (( دعوني ما تركتم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم وإختالفهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) /3...الحرام درجات فمنه الحرام ومنه الكبائر ومنه ما هو من جنس الشرك والكفر ...المباح :هو ما تساوى فيه طلب الفعل وطلب الترك وهو حكم شرعي تكليفي ألن األحكام إنما تعرف بالشرع وال سبيل للعقل للتحسين والتقبيح في ذلك ...المكروه :طلب الترك ال على وجه اإللزام ...لفظة (المكروه) جاءت في القرأن العظيم بمعنى المحرم ...في قوله تعالى (( كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها )) بعد قوله تعالى (( وال تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا * وال تقربوا الزنى إنه كان فحشة وساء سبيال * وال تقتلوا النفس التي حرم هللا إال بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطنا فال يسرف في القتل إنه كان منصورا )) ...فذكر قتل األوالد و الزنى وقتل النفس التي حرم هللا وأكل مال اليتيم بغير التي هي أحسن وغيرها من المحرمات و وصفها بأنها مكروهات ...قد جرى إطالق إسم المكروه في كالم األئمة بمعنى المحرم فعند بعضهم كراهة تنزيهية وكراهة تحريمية خشية أن يدخلوا في قوله تعالى (( وال تقولوا لما نصف ألسنتكم الكذب هذا حلـ ٌل وهذا حرام لتفتروا على هللا الكذب إن الذين يفترون على هللا الكذب ال يفلحون )) ...الصحيح :ما توفرت فيه الشروط واألركان وإنتفت موانع صحته ...و أثرهـ وحكمه :أنه يتعلق به نفوذ المعامالت ويعتد بالعبادات وتبرأ الذمة منها ...فتعريف المصنف باألثر والحكم ... البطالن :أن ينتفي من العمل شرط من شروطه أو ركن من أركانه أو يقوم مانع يمنع من صحت ه ...وأثرهـ وحكمه :أنه ال يتعلق به نفوذ في المعاملة وال إعتداد بالعبادة وال تبرأ به الذمة منها ...ويمكن أن يقال :إن المصنف أراد لهذه الورقات أن تكون ميسرة سهلة التناول للمبتدئ فاختار التعريف بما يسهل فهمه ويقرب علمه واشتهر ذكره ...الفقه بالكسر :العلم بالشيء والفهم له والفطنة ...الفقه إنما يطلق على ما يحتاج إلى فهم وفطنة فال يقال عن األمر البدهي الذي ال يحتاج إلى فطنة فقه ...العلم أنواع منها :الفقه فكل فقيه عالم وليس كل عالم فقيه فقد يكون عالما باللغة أو بالحساب وليس بعالم في الفقه ...ومقتضى تعريف المصنف للفقه بأنه ( معرفة األحكام الشرعية التي طريقها اإلجتهاد ) ...قوله هنا ( :الفقه أخص من العلم ) يمكن أن يفهم أنه ال يطلق اسم الفقيه إال على من اتصف بالقدرة على اإلجتهاد ...قال أبو عمر وغيره من العلماء :أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا ً من أهل العلم وأن العلم :معرفة الحق بدليله قال فإن الناس ال يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد .أهـ ...في "التعريفات" للجرجاني :العلم هو اإلعتقاد الجازم المطابق للواقع وقال الحكماء :هو حصول صورة الشيء في العقل :واألول أخص من الثاني وقيل :العلم هو إدراك الشيء على ما هو به... الجهل على ثالثة /1األول :وهو خلو النفس من العلم هذا هو األصل /2...والثاني : إعتقاد الشيء بخالف ما هو عليه /3 ...والثالث :فعل الشيء بخالف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه إعتقادا ً صحيحا ً أو فاسدا ً ...و على ذلك قوله تعالى (( قالوا هزوا ً قال أعوذ باهلل أن أكون من الجاهلين )) والجاهل تارة يذكر على سبيل الذم وهو األكثر وتارة ال على سبيل الذم نحو (( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف )) ...وفي "التعريفات" للجرجاني :الجهل هو إعتقاد الشيء على خالف ما هو عليه ،الجهل البسيط هو عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالما ً الجهل المركب هو عبارة عن إعتقاد جازم غير مطابق للواقع ...وهو العلم البدهي تقسيم العلم إلى نظري وضروري هو تقسيم بإعتبار الطريق الموصل إليه ...وفي "التعريفات" للجرجاني : اإلستدالل هو :تقرير ثبوت األثر إلثبات المؤثر وقيل :اإلستدالل هو تقرير الدليل إلثبات المدلول سواء كان ذلك من األثر إلى المؤثر أو العكس أو من أحد األثرين إلى األخر .اهـ ...الدال والالم أصالن :أحدهما إبانة الشيء بأمارة تتعلمها واألخر إضطراب في الشيء . ..وفي "التعريفات" للجرجاني :الدليل في اإلصطالح هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء أخر ...وفي "الكليات " للكفوي :ثم إسم الدليل يقع على كل مايعرف به المدلول حسيا ً كان أو شرعيا ً قطعيا ً كان أو غير قطعي حتى سمي الحس والعقل والنص والقياس وخبر الواحد وظواهر النصوص كلها أدلة ... الشك خالف اليقين في كتب الفقهاء وعند األصوليين :إن تساوي اإلحتماالن فهو شك وإال فالراجح ظن والمرجوح وهم .اهـ ...ومعنى ذلك أن الفقهاء ال يفرقون بين الشك والظن بخالف األصوليين ...وعليه فإن تعريفه مع ما تقدم يكون :ما يبنى عليه معرفة األحكام الشرعية التي طريقها اإلجتهاد على سبيل اإلجمال وكيفية اإلستدالل به ...فاشتمل تعريفه على أركان ثالثة /1 :الركن األول :ما يبنى عليه معرفة األحكام الشرعية على سبيل اإلجمال والمراد األدلة العامة وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس واألدلة المختلف فيها /2.الركن الثاني :كيفية اإلستدالل بها /3.الركن الثالث :حال المستفيد منها ألنه قال ( :التي طريقها اإلجتهاد ) وذكر في أبواب أصول الفقه ( :أحكام المجتهدين ) فأشار بذلك إلى حال المستفيدين منه ... ذكر ما يتعلق بأقسام الكالم المفيد للمعنى في اللسان العربي ...فالجملة المفيدة للمعنى في اللسان العربي إما تتكون من إسمين :مبتدأ وخبر وإما أن تتكون الجملة من فعل وإسم كقول وإما أن تتكون من حرف وفعل ...مقصود المصنف رحمه هللا من إيراد هذه المسألة التنبيه على التراكيب المفيدة في لسان العرب إذ أن مادة هذا العلم وإست مداده من اللسان العربي وقد كان الصحابة يتكلمون العربية ويفهمون معاني الكالم فكانوا يراعون هذه الداللة سليقةً بخالف من جاء بعدهم ...واإلسم :ما أفاد معنى في نفسه ال إرتباط له بزمان وال مكان ...والفعل مادل على حدث مرتبطا ً ماض وإن أفاد في الزمن الحاضر فهو ٍ بزمن فإن أفاد في الزمن الماضي فهو فعل فعل مضارع وإن أفاد طلب الفعل في الحال فهو فعل أمر ...والحرف :ما أفاد معنى في غيره ...فائدة معرفة معرفة أقسام الكالم لألصولي :أنه ال يأخذ من اآلية أو من الحديث ما ال يتم به الكالم المفيد فال يصح اإلستدالل بقطعة أو بجملة من النص الشرعي ال يتم بها المعنى ...اإلستخبار :طلب العلم بالشيء وهو :اإلستفهام ... وعلماء البالغة يقسمون الكالم إلى قسمين :إما خبر وإما إنشاء والخبر ما أفاد معنى في نفسه يحتمل الصدق والكذب لذاته ...أي :أصل الخبر في ذاته بعيدا ً عن نسبته إلى هللا أو إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم يحتمل الصدق والكذب فإن لم يحتمل الكالم الصدق أو الكذب فها عندهم يسمى إنشاء فيشمل األمر والنهي واإلستفهام والعرض والتحضيض والتمني والقسم والتعجب ...ولكل أسلوب من هذه األساليب معاني خاصة يحتاج أن يعلمها األصولي ويستمد معانيها الخاصة بالرجوع إلى علوم البالغة ...األصولي يحتاج أن عارفا ً بهذه األساليب والمعاني التي تأتي عليها ألن القرآن العظيم والسنة النبوية يجريان على أساليب العرب في كالمهم ...قال (( :كان ط فمن وافق خطه فذاك )) ...هل يفهم منه أنه مجرد خبر عن نبي من األنبياء يخ ُ الرسول صلى هللا عليه وسلم ؟ أو يفهم أمرا ً أخر ؟ ...أهل اللسان يفهمون منه التحريم من إستعمال الخط على الرمل إلستعالم الغيب ألنه صلى هللا عليه وسلم علق جواز الخط على الرمل بأمر محال وهو العلم بخط ذلك النبي عليه الصالة والسالم والتعليق على المحال يفيد التحريم والمنع فهذا خبر من الرسول صلى هللا عليه وسلم يفيد معنى النهي والمنع ...فيها إنقسام الكالم من جهة إفادته للمعنى ،فإستعمال اللفظ فيما وضع له يسمى حقيقة وإستعمال اللفظ في غير ما وضع له مجاز ...ألفاظ القرآن العظيم والسنة النبوية تارة تأتي لها معاني خاصة في الشرع وتارة ال يأتي لها معنى خاص في الشرع وإنما نجد للفظ معنى جار في عرف الصحابة وتارة ال نجد معنى للفظة في الشرع وال في عرف الصحابة فإننا ننتقل إلى معنى اللفظة بحسب اللغة ... والقاعدة :أن اللفظ إذا جاء في القرآن والسنة و وجدنا اه معنى في الشرع و وجدنا له معنى في العرف فإننا نفسره بحسب العرف أو اللغة فإن لم نجد له معنى في الشرع و وجدنا له معنى في العرف فإننا نفسره بحسب العرف وال يجوز أن نفسره بحسب اللغة إال إذا لم نجد له معنى في الشرع أو في العرف ...ومعناها في الشرع :هو الحقيقية الشرعية ...ومعناها في اللغة :هو الحقيقة اللغوية ...لفظة ( كذب) فإن عرف أهل الحجاز إطالقها على ما خالف الواقع ولو لم يكن متعمدا ً الكذب فهم لما يقولون ( :كذب فالن ) معناه عندهم (أخطأ فالن) ...وأهمية هذه القاعدة :أن ال نهجم على تفسير ألفاظ الشرع باإلصطالحات الحادثة ،خاصة كلفظ (واجب) (سنة) (مكروه) ...علماء التفسير يقولون :ال يوجد في القرآن حرف زائد من جهة المعنى بل كل حرف له معنى يفيده إذا رفع هذا الحرف اختل المعنى المقصود منه ولذا يتكرر من علماء التفسير التنبيه على أن قول النحاة ( :هذا من حروف الزيادة ) يعنون من جهة التركيب ال من جهة المعنى إذ حروف الزيادة من جهة التركيب موجودة في القرآن الكريم بمعنى أنها زادت على بناء الكلمة األصلي من جهة ما يبحث علماء الصرف وعلماء النحو ...وحروف الزيادة مجموعة في قولك : (سألتمونيها) هذه حروف الزيادة التي تزاد على البنية األصلية للكلمة ال بمعنى أنه ليس لها معنى فإن الزيادة في البنية زيادة في المعنى ...ال يجوز أن يقال عن حرف في القرآن الكريم :إنه حرف زيادة ال معنى له فإن القرآن الكريم خا ٍل من حرف ال معنى له ...إذا تشابهت آية وآية في قصتها وكلماتها وزادت في موضع كلمة أو حرفا ً فإن ذلك سرا في المعنى صنف العلماء فيه كتب توجيهية المتشابهة اللفظي في القرآن الكريم ومن أنفسها كتاب "درة التنزيل وغرة التأويل" ألبي عبدهللا محمد بن عبدهللا األصبهاني ،وكتاب "البرهان في متشابهة القآن لما فيه من الحجة والبيان" لمحمود بن حمزة بن نصر ،أبو القاسم برهان الدين الكرماني ويعرف بتاج القراء ...فإن علماء التفسير يقولون :وجود (الكاف) في اآلية (( ليس كمثله شىء )) أفاد المزيد من إستبعاد وجود التمثيل وأصبح معنى اآلية :ليس مثل مثله شيء فإذا كان هللا ليس لمثله مثيل أصالً إن وجد فكيف يوجد له مثيل ...وجه النقصان :أن أصل تركيب هذه الجملة ( :واسأل أهل القرية ) ويسمونه أحيانا ً ( :مجاز الحذف) ،ودل عليه أن القرية جماد (مبانيها وأزقتها) فهي ال تسأل وإنما يسأل أهلها ...كلمة (الغائط) معناها المنخفض من األرض نقلت من معنى المنخفض من األرض إلى معنى المكان الذي يذهب إليه اإلنسان ليقضي حاجته من البراز ،ألنه يقصد في العادة هذا المكان المنخفض لقضاء حاجته ...وجه اإلستعارة هنا :أن الجدار جماد ال إرادة له إذ اإلرادة صفة األحياء فإستعارها للجدار فشبه الجدار بالحي ...هذا التقرير إلنقسام الكالم إلى حقيقة ومجاز ،فيه نظر عند أهل السنة ويتعقب بما يلي :أوالً :أنه ال يعرف أهل اللغة وال عن علماء السلف إلى القرن الثالث إستعمال كلمة المجاز بهذا المعنى فهو حادث فكيف تحمل عليه ألفاظ القرآن والسنة النبوية ؟! ،الوجه الثاني : مبنى هذا التقسيم على أن للفظ وضع أصلي ،فإن لم يستعمل اللفظ في معناه الذي وضع له أصالً فهذا إستعمال للفظ في غير ما وضع له وهو المجاز ...وهذا الكالم يحتاج صاحبه أن يثبت أن اللفظ وضع لهذا المعنى أصالً ودون ذلك خرط القتاد ، وما صنعه الزمخشري في كتابه "أساس البالغة" تحكم وإدعاء ألنه ال يستطيع أحد أن يثبت أن اللفظة بهذا المعنى مجاز ...الوجه الثالث :أن األلفاظ إنما تكتسب معنيها بحسب سياقها وإضافتها وهي بدون السياق أو اإلضافة تدل على معنى مبهم في الذهن ،سائر ألفاظ اللغة تكتسب معانيها بحسب اإلضافة أو السياق ...والذي عليه أهل اللغ ة :أن داللة كل لفظة على معنى بحسب إضافتها أو سياقها داللة حقيقية ال مجازية فإن اللفظ في هذا السياق يدل على هذا المعنى ال على غيره وال يفهم العربي منها إال هذا المعنى ،فقوله تعالى (( وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصدقون )) [يوسف ]82:ال يفهم العربي من هذه الجملة إال أن المراد سؤال أهل القرية إذ إن العربي يعلم أنه ال يقصد سؤال جدران القرية أو أبواب القرية أو بيوت القرية إنما يعني حينما يسمع هذا السياق يفهم أن مقصوده من يسكن هذه األرض ... الوجه الرابع :أنهم قالوا :مما يستدل به على أن هذا مجاز أو حقيقة :جواز تكذيب من أستعمل اللفظة في غير معناها األصلي فإذا سمعن رجالً يقول :رأيت أسدا ً يقاتل لك أن تقول له :كذبت إنما رأيت رجالً شجاعا ً يقاتل :فإذا صح التكذيب كان هذا دليالً على أنه مجاز ...والسؤال :هل يسوغ لمسلم أن يقول :إن في القرآن مجاز الر ْجعِ ()11 ت َّ اء ذَا ِ س َم ِ وقرينته أنه يجوز تكذيبه ؟! وهللا سبحانه وتعالى يقولَ (( :وال َّ ص ٌل (َ )13و َما ُه َو بِ ْال َه ْز ِل ( )14إِنَّ ُه ْم َي ِكيدُونَ صدْعِ ( )12إِنَّهُ لَقَ ْو ٌل فَ ْ ت ال َّض ذَا ِ َو ْاأل َ ْر ِ َك ْيدًا (َ )15وأ َ ِكيد ُ َك ْيدًا ( )16فَ َم ِ ِّه ِل ْال َكافِ ِرينَ أَ ْم ِه ْل ُه ْم ُر َو ْيدًا ( ... )) )17وقد استدل على هذا الوجه بمفرده الشيخ محمد األمين المختار الجنكي الشنقيطي في كتابه "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد واإلعجاز" ...الوجه الخامس :أن يقال القرآن العظيم حق وهدى ونور وبيان وشفاء لما في الصدور ،فهل يصح فيما هو كذلك أن يأتي فيه كالم بغير معناه؟! ...والقرآن العظيم إنما جاء على أساليب كالم العرب والعرب ال تعرف تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز ،فليطالع ما كتبه إبن القيم الجوزية في كتابه "الصواعق المرسلة" حينما ذكر الطاغوت الثالث من طواغيت الجهمية والمعول الثالث من معاول الجهمية التي أرادوا أن يهدموا بها القرآن والسنة ...بين المصنف حقيقة األمر وهي إستدعاء الفعل من ا؟ألعلى لألدنى وهي مفيدة للوجوب الذي حقيقته :طلب الفعل على سبيل اإللزام ،فإذا جاء األمر من مساوي لمساوي له يسمى إلتماسا ً ،فإذا جاء األمر من األدنى لألعلى فهو دعاء سؤال ...وأقتصر عليه من باب التمثيل ال الحصر وألن سائر الصيغ في معناها ...قال عبدالعزيز بن عبدالسالم السلمي :في تقريب انواع أدلة األمر :كل فعل كسبي عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله ألجله أو فرح به أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن فاعله أو وصفه باإلستقامه أو البركة أو الطيب أو أقسم به أو بفاعله أو نصبه سببا ً لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو نصبه سببا ً لذكره أو لشكره أو لهداية أو إلرضاء فاعله أو لمغفرة نبه أو لتكفيره أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارته أو وصف فاعله بالطيب أو وصفه بكون معروفا ً أو نقي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده باألمن أو نصبه سببا ً لوالية هللا تعالى أو وصف فاعله بالهداية أو وصفه بصفة مدح كالحياة والنور والفاء أو دعا هللا به النبياء فهو مأمور به .اهـ ...ومن أقوال أهل البدع القول بأنه ليس لألمر صيغة وليس للنهي صيغة ألنهم ينفون أن يكون القرآن الكريم كالم هللا تعالى إنما هو الكالم النفسي القائم بالذات ،وهذا القرآن لفظ دال على المعنى النفسي فال يسلم داللة الوجوب من صيغة لفظه وهذا قول باطل فقد قرر أهل السنة والجماعة أن القرآن العظيم كالم هللا منه بدأ وإليه يعود ...مقتضى األمر الوجوب إذا تجرد عن القرائن الصارفة إلى اإلستحباب ...فإن ذمتنا تبرأ منه بأدائه وفعله مرة واحدة ،إال إذا قيد أمره بما يقتضي التكرار ...عند المصنف ،فال تلزم المبادرة إليه ...والقول األخر :األمر يقتضي الفور إذ كيف يسوغ للمسلم إذا سمع أمر هللا سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى هللا عليه وسلم ثم ال يبادر باإلمتثال ؟! ويؤيده ما جاء عن أبي سعيد بن المعلى ،قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فلم أجبه فقلت :يا رسول هللا إني كنت أصلي فقال :ألم يقل هللا (( :ا ْست َ ِجيبُواْ ِ َّّلِلِ عا ُكم ِل َما ي ُْح ِيي ُك ْم )) ...قال ابن حجر وفيه ان األمر يقتضي الفور ألنه سو ِل ِإذَا دَ َ لر ُ َو ِل َّ عاتب الصحابي على تأخير إجابته ...وإنما أخر الحج صلى هللا عليه وسلم بنفسه إلى السنة العاشرة حتى يزال ما كان في الكعبة وحولها من مظاهر الشرك ،وألن األصل في أوامر الشرع المبادرة ال التأخير إمتثاالً ألمر هللا تعالى َ (( : سابِقُوا ِإلَى َم ْغ ِف َرةٍ ِ ِّمن س ِل ِه ذَ ِل َك اّلِلِ َو ُر ُ ض أ ُ ِعد ْ َّت ِللَّذِينَ آ َمنُوا ِب َّ س َماء َواأل َ ْر ِ ض ال َّض َها َك َع ْر ِ َّر ِبِّ ُك ْم َو َجنَّ ٍة َ ع ْر ُ ض ِل ْال َع ِظ ِيم )) ...وبه تعلم أن الراجح في المسألة َّللاُ ذُو ْالفَ ْ َّللاِ يُؤْ ِتي ِه َمن َيشَاء َو َّ ض ُل َّ فَ ْ :أن األمر يقتضي الفور إال مادل الدليل على التوسعة فيه وهو الواجب الموسع كمواقيت الصلوات الخمس ....وهذا معنى قولهم :ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ...عن عائشة :أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (( :من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد ٌ )) ...فال تبرأ عهدة المسلم من األمر إال إذا فعله على الصفة التي أمر هللا بها فإذا فعله على غير هذه الصفة ففعله رد عليه ...وفيه ضمنا ً خطاب النبي صلى هللا عليه وسلم تعبير المصنف بالمؤمنين ليبين أن المراد :من صحت أهلية التكليف لديه وهو المسلم البالغ العاقل القادر غير مكره سواء كان ذكرا ً أو أنثى حرا ً أو عبدا ً إال ما استثناه الدليل ...عن ائشة عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (( : رفع القلم عن ثالث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق )) ...هم مخاطبون بأداء هذه العبادة وبإزالة موانع قبولها إذ أن األمر بالشيء أمر به وبما ال يتم إال به فالكفار مخاطبون بفروع الشرائع ومخاطبون بإزالة موانع قبول هذه الشرائع من الكفر وغيره ...فلو لم يكونوا مخاطبين بفروع الشرائع ما صح قولهم ولتعقبه هللا سبحانه وتعالى فلما أقرهم على كالمهم وذكره في سياق التقرير دل على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ...فإنه ال يتحقق لك إمتثال هذا األمر حتى تترك التلبس بجميع أضداده والمراد :ترك التلبس بما يخالف األمر ... ومنه ما ال يقوم األمر إال به ،وهذا مخالفته تقتضي بطالن العمل ومنه ترك التلبس بما ال يكمل العمل إال به وهذا مخالفته تقتضي الوقوع في المكروه ...والنهي تارة يكون بمعنى التحريم وتارة بمعنى الكراهة فاألمر بالشيء نهي عن التلبس بجميع أضداده ...ويتحقق ذلك بفعل أي ضد من أضداده ...قال (( :وال تقربوا الزنى )) ولم يقل :ال تزنوا إذ النهي عن الزنا أمر بالتلبس بأحد أضداده من النكاح أو العفة أو نحوها ...بدون قرينة صارفة له إلى الكراهة التنزيهية ....النهي يقتضي الفساد فهذا ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم يقول (( من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد )) فإذا أدى اإلنسان عبادة ً وعمل في هذه العبادة أمرا ً منهيا ً عنه فحكمه أن عبادته باطلة إذا لم تأت قرينة صارفة للنهي من التحريم إلى الكراهة ...التمثيل للتوضيح ال للتذليل فال يطلب فيه الصحة في نفس األمر ...كل من صيغ األمر وصيغة النهي قد معان كثيرة منها ما يلي :الدعاء – ٍ تخرج من داللتيهما بقرائن حالية أو قولية إلى االلتماس – اإلرشاد – التمني – الترجي – التيئيس – التخيير – التسوية – التعجيز – التهكم واإلهانة – اإلباحة – التوبيخ والتأنيب والتقريع – الندب – التهديد – اإلمتنان – اإلحتقار والتقليل من أمر الشيء – اإلنذار – اإلكرام – التكوين – التكذيب – المشورة – اإلعتبار – التعجب – أو التعجيب إلى غير ذلك من معاني ...ومثله النهي يقتضي التحريم إذا لم تأت قرينة صارفة له من التحريم إلى الكراهة ...وقد ش ْيئًا أ َ ْن يأتي األمر يقتضي اإلباحة ...والتكوين كقوله عز وجل (( ِإنَّ َما أ َ ْم ُرهُ ِإذَا أ َ َرادَ َ ون )) ( ُك ْن) :من هللا أمر التكوين إلى غير ذلك من المعاني وقد َيقُو َل لَهُ ُك ْن فَ َي ُك ُ يخرج النهي إلى معاني أخرى ذكرها أهل العلم تراجع في مظانها من كتب البالغة ...عرف العام بما يشمل عموم اإلستغراق الشمولي الدفعي وعموم المطلق البدلي ويسمى أيضا ً :عموم الصالحية وعموم الماصدق فلم يذكر في التعريف أنه (دفعي) وهو الفرق بين عموم الشمول وعموم المطلق إذ عموم المطلق بدلي ال يشترط فيه شمول حمه لجميع أفراده دفعة واحدة إنما عمومه من جهة أنه يصلح على أفراده ويصدق عليهم ...فداللة النكرة في اإلثبات على العموم هي من هذا النوع الذي يصلح إطالقه على أفراده ويصدق على سبيل البدل ...ويلحظ أن عموم المطلق المتسلط على جنس ولذلك يصدق هذا العموم البدلي على الفرد المطلق الكامل في جنسه وهذه حقيقة العموم المطلق ...وال يريد المصنف بقوله ( :عم شيئين) أن المثنى من العموم ألن داللة المثنى على الشيئين تكون بحصر إال إذا إقترن المثنى (بأل) لغير العهد كما في قوله صلى هللا عليه وسلم (( إذا إلتقى المسلمان بسيفيهم )) ((المسلمان)) يشمل كل مسلمين يلتقيان بسيفيهما والمصنف يشترط في العام :أن تكون داللته على أفراده (من غير حصر) فهو يريد أن يقول :إن العام ما دل على الجميع والكثرة وأن له أفرادا ً أكثر من واحد اثنين فصاعدا ً يدل عليها ألن أقل الجمع إثنان ...تعريفه للعام يتضمن األركان التالية /1 :أن يكون اللفظ موضوعا ً وضعا ً واحدا ً للداللة على الجمع والكثرة :اثنين فأكثر وهذا يخرج منه األلفاظ المشتركة ونحوها مما وضع للداللة على معنيين فأكثر ولكن اللفظ ال يعمهما في وقت واحد ... /2أن ال يدل على ذلك بحصر فألفاظ األعداد ليست من ألفاظ العموم ...وغير المصنف يفرد تعريف العام عن تعريف المطلق وال يدمج بحث المطلق في العام بأنه (اللفظ المستغرق لما يصلح له بحسب وضع واحد بال حصر دفعة واحدة ) ...العام له ألفاظ توضع تدل على مجموعة أفراد فاللفظ الذي يشمل مجموعة أفراد هذا لفظ عام بشرط أن تكون داللته على هذه األفراد بحسب الوضع تعم أفرادها ...وخرج بقولهم ( :بحسب وضع واحد) المشترك اللفظي كـ(العين) ...وأن تكون بال حصر فألفاظ األعداد مهما بلغت ال تفيد العموم ألنها تدل على أفراد محصورة ...وشرط أخر في التعريف :أن تكون داللة هذه األلفاظ :دفعة واحدة يعني داللة اللفظ على العموم دفعية فحينما تقول (رأيت رجالً) ال تدل على كل رجل دفعة واحدة إنما تصلح على أي رجل على سبيل البدل ...فإن قيل :ولكنها تدل على نوع عموم ! ... فالجواب :نعم فيها عموم ولكن ليس عموما ً شموليا ً إستغراقيا ً دفعيا ً إنما يسمى عموما ً بدليا ً ،ويسمى عموم الصالحية ألن لفظه يدل على ما يصلح عليه ويسمى عموم المطلق وهو ما يدل على الماهية بدون قيد ...ويمكن تعريفه بأنه اللفظ الذي يصدق على أفراد كثيرين على سبيل البدل بال حصر ...ومعنى ذلك :أن حكم العام الشمولي اإلستغراقي يثبت على كل فرد من أفراده بينما حكم العام المطلق البدلي يصدق على فرد من أفراده وال يعم جميع األفراد إال على سبيل البدل ...تعبيره بقوله ( :ألفاظ أربعة) فيه إشارة إلى أن العموم من عوارض األقوال وأنه ال عموم في األفعال ... المفرد المعرف باأللف والالم لغير العهد ...وهذه (ال) التي للجنس ...اسم الجمع : هو ما دل على جمع ال واحد له من لفظه ومعناه ...فهذا اإلسم إذا عرف بـ(ال) دل على العموم وكذا الجمع المعرف باأللف والالم لغير العهد كجمع المذكر السالم وجمع ((والَ تُؤْ ِمنُواْ ِإالَّ ِل َمن المؤنث السالم وجمع التكسير ...مثالها موصولة قوله تعالى َ : تَبِ َع دِي َن ُك ْم)) ...ومثاها شرطية قوله تعالى (( :فَ َمن َي ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَ َّرةٍ َخي ًْرا يَ َرهُ )) ... (ما) تفيد العموم في اإلستفهام والخبر والجزاء والنفي ...تكون النكرة في سياق النفي نصا ً صريحا ً في العموم في الحاالت اآلتية /1 :إذا بنيت مع (ال) نحو ( :ال إله إال هللا ) /2إذا زيدت قبلها (من) وتزداد في ثالث مواضع :أ /قبل الفاعل مثل قوله تعالى ((أ َ ْم يَقُولُونَ ا ْفت َ َراهُ َب ْل ُه َو ْال َح ُّق ِمن َّر ِبِّ َك ِلتُنذ َِر َق ْو ًما َّما أَتَا ُهم ِ ِّمن نَّذ ٍ ِير ِ ِّمن قَ ْب ِل َك لَعَلَّ ُه ْم سو ٍل ِإالَّ س ْلنَا ِمن َق ْب ِل َك ِمن َّر ُ ((و َما أ َ ْر َ يَ ْهتَد ُونَ )) ...ب /قبل المفعول مثل قوله تعالى َ ((و َما ِم ْن ُون)) ...ج /قبل المبتدأ مثل قوله تعالى َ : وحي ِإلَ ْي ِه أَنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالَّ أَنَا فَا ْعبُد ِنُ ِ احد ٌ)) /3 ...النكرة المالزمة للنفي مثل :ديار كما في قوله تعالى عن إِلَ ٍه إِالَّ إِلَهٌ َو ِ َّارا)) ...تكون ظاهرة ال ض ِمنَ ْال َكافِ ِرينَ دَي ً علَى األ َ ْر ِ نوح َ (( :وقَا َل نُو ٌح َّربِّ ِ ال تَذَ ْر َ نصا فيما عدا ذلك كالنكرة العاملة فيها (ال) عمل ليس مثل قولك :ال رجل في الدار ...والنص في العام :هو الذي ال يحتمل التخصيص ...والظاهر :هو ما يحتمل دخول التخصيص لكن الظاهر عدمه ...وما ذكره المصنف رحمه هللا ال يشمل جميع ألفاظ العموم إنما ذكر أغلب ما يكون من ألفاظه ومن أشهرها مما لم يذكره لفظ (كل) و (جميع) ...ألن األفعال وقائع أعيان يتطرق إليها اإلحتمال ونقل الفعل إنما هو فعل حالة من هذه الحاالت فمن أين يستفاد العموم ؟! ...ومفهوم المخالفة لقوله ( :العموم من صفات النطق) يفيد أنه ال عموم في المفاهيم وهذا إختيار ابن تيمية رحمه هللا وقيل :بل للمفهوم عموم ...الخاص :هو اللفظ الذي يدل على واحد أو يدل على أكثر من واحد بحصر وهذا يقابل تعريف العام ...والتخصيص :هو إخراج بعض أفراد العام عن حكم العام بمخصص إما متصل أو منفصل ...وحمل العام على ما يخصصه إذا كان متصالً واضح ألنه كالم واحد فال يجوز أخذ بعضه وترك بعض أما إذا كان المخصص منفصالً فيحمل العام على الخاص عمالً بالدليلين ودفعا ً لإلختالف في الظاهر بينهما ...يعني يأتي اللفظ العام في كالم ويأتي ما يخصصه في كالم أخر ...ويالحظ أنها كلها أساليب يأتي فيها المخصص واللفظ العام في كالم واحد ...يصح أن تقول ( :له على عشرة إال واحداً) وخالف الحنابلة في ذلك فالبد عندهم في اإلستثناء من الزيادة على النصف كقولك ( :له على عشرة إال ستة)... وطريق التخصيص :اإلستثناء بـ(إال) ...ومراده بالجواز لغة ال في الشرع ... و يسميه النحاة :اإلستثناء المتصل :ومثال اإلستثناء من غير الجنس :قوله تعالى : اجدِينَ )) فإن إبليس س ِ يس أ َ َبى أَن َي ُكونَ َم َع ال َّ س َجدَ ْال َمال ِئ َكةُ ُكلُّ ُه ْم أَ ْج َمعُونَ * ِإالَّ ِإ ْب ِل َ ((فَ َ يسس َجد ُوا ِإالَّ ِإ ْب ِل َليس من المالئكة لقوله تعالى َ )) :و ِإ ْذ قُ ْلنَا ِل ْل َمال ِئ َك ِة ا ْس ُجدُوا آلدَ َم َف َ ع ْن أ َ ْم ِر َر ِبِّ ِه )) ...وهذا اإلستثناء من غير الجنس يسميه النحاة : سقَ َ َكانَ ِمنَ ْال ِج ِِّن فَفَ َ اإلستثناء المنقطع ...وكالهما عند األصوليين من نوع التخصيص المتصل ... والشرط في اللغة :عبارة عن العالمة وفي الشريعة عبارة عما يضاف الحكم إليه وجودا ً عند وجوده ال وجوبا ً ...وهو في إصطالح التدوين :تعليق شيء بشيء بحيث إذا وجد األول وجد الثاني ...وقيل :الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجا ً عم ماهيته وال يكون مؤثرا ً في وجوده ...وقيل :الشرط ما يتوقف ثبوت الحكم ف َما ت َ َر َك أ َ ْز َوا ُج ُك ْم ِإن لَّ ْم َي ُكن لَّ ُه َّن َولَد ٌ))... ص ُ ((ولَ ُك ْم نِ ْ عليه ومثاله قوله تعالى َ : ت((و ِإن ُك َّن أُوال ِ ويجوز عكسه :تقديم الشرط على المشروط مثاله قوله تعالى َ : ض ْعنَ َح ْملَ ُه َّن)) ...وهذا اللفظ والعبارة أما في الوجود فال علَ ْي ِه َّن َحتَّى يَ ََح ْم ٍل فَأَن ِفقُوا َ بد أن يتقدم الشرط على المشروط ...ليس المراد بالصفة التابع الذي يبين متبوعه أو ما يتعلق به إنما المراد بالصفة ما أشعر بمعنى يتعلق ببعض أفراد العام من نعت أو ت َم ِن اس ِح ُّج ْالبَ ْي ِ علَى النَّ ِ((و ِ َّّلِلِ َ بدل أو حال ....ومثاله في الشمولي :قوله تعالى َ : اس)) ... ع ِن ْال َعالَ ِمينَ )) والعموم في ((النَّ ِ ي َ غ ِن ٌَّّللا َ س ِبيالً َو َمن َكفَ َر فَإ ِ َّن َّ ع ِإلَ ْي ِه َ ا ْست َ َ طا َ وحكم العام :وجوب الحج على جميع الناس والتخصيص بالصفة في قوله تعالى س ِبيالً)) فأخرج من لم يستطيع إليه سبيالً من حكم العام فال يجب ع ِإلَ ْي ِه َطا َ(( َم ِن ا ْست َ َ عليهم الحج ...ومثال العام المطلق المخصص بالصفة ( :رأيت رجالً يحمل سيفاً) وعموم المطلق في (رجالً) فهو نكرة في سياق اإلثبات يصدق على أي رجل على سبيل البد :والحكم :وقوع الرؤية عليه .والتخصيص بقيد الصفة ( :يحمل سيفاً) قيد الحكم في رجل هذه صفته ...وبإستعمال المصنف لعبارة ( :والمقيد بالصفة) وما ذكره بعده يدل على أنه دمج العام الشمولي والعام المطلق في كالمه عن العموم والعام الشمولي يخصص والعموم المطلق يقيد بالصفة ...األصل أن يحمل المطلق على المقيد إذا اتحد الموضوع والحكم ولم يلزم منه تأخر البيان عن وقت الحاجة فإن لزم منه تأخر البيان عن وقت الحاجة ال يحمل المطلق على المقيد إنما يكون الحكم جواز األمرين ...وله مثاالن :أحدهما :قوله صلى هللا عليه وسلم "من لم يجد نعلين فليلبس خفين" ولم يشترط قطعا ً وقال بالمدينة على المنبر لمن سأله :ما يلبس المحرم ؟ " :من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من كعبيه" ...فلو كان القطع شرطا ً لبينه لهم لعدم علمهم به وال يمكن إكتفاؤهم بما تقدم من خطبته بالمدينة ... المثال الثاني :قوله لمن سألته عن دم الحيض " :حتيه ثم اغسليه " ولم يشترط عددا ً مع أنه وقت حاجة ولم يحملها على غسل ولوغ الكلب ...ومثال إتحاد الحكم والموضوع :ما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال (( :ما أسفل من الكعبين من اإلزار ففي النار )) وعن أبي عمر :أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (( ال ينظر هللا إلى من جر ثوبه خيالء )) ...فقيد الجمهور المطلق في الحديث األو ل بالمقيد في الحديث الثاني وقالوا :محل التحريم هو في حق من أسبل خيالء وبطرا ً وكبرا ً أما من فعل ذلك لغير كبر وخيالء ففعله مكروه ...أما إذا اتحد الحكم واختلف الموضوع فالظاهر أن ال يحمل المطلق على المقيد ...مثاله :تحرير رقبة في القتل جاء مقيدا ً بأن تكون مؤمنة ...وجاء األمر بتحرير رقبة مطلقا ً في كفارة الظهار ...فالحكم متحد :تحرير رقبة ...والموضوع مختلف :فاألول :في كفارة القتل والثاني في كفارة الظهار فال يحمل المطلق على المقيد فيبقى المقيد على تقييده في موضوعه ويبقى المطلق على إطالقه في موضوعه ...وإختار المصنف رحمه هللا حمل المطلق على المقيد وهذا القول اكتفى بإتحاد الحكم في حمل المطلق على المقيد وهو مذهب الشافعي :وجوب حمل المطلق على المقيد وإن إختلف الموضوع ،وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى عدم الحمل ...ذكر المصنف رحمه هللا التخصيص بالمخصصات المتصلة والمقيدات المتصلة ذكر المخصصات والمقيدات المنفصلة وكعادته رحمه هللا في هذه الرسالة فإنه لم يستوعب المخصصات المنفصلة طلَّقَاتُ إنما ذكر أهمها ...يخصص عموم آية بآية أخرى ...مثاله قوله تعالى َ (( :و ْال ُم َ صنَ ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُ ُروءٍ )) ...مثال تخصيص الكتاب بالسنة :قوله تعالى : يَت َ َربَّ ْ ((وأ ُ ِح َّل لَ ُكم َّما َو َراء ذَ ِل ُك ْم)) ...فقوله َّ (( :ما َو َراء علَ ْي ُك ْم أ ُ َّم َهات ُ ُك ْم َو َبنَات ُ ُك ْم)) َ ت َ (( ُح ِ ِّر َم ْ ذَ ِل ُك ْم)) (ما) من ألفاظ العموم تفيد أن كل إمرأة وراء المذكورات يحل للرجل المسلم أن يتزوجها وخصت السنة ،تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ... مثال التخصيص السنة بالكتاب :حديث إختصام المال األعلى وفيه "فعلمت كل شيء في السماء واألرض " وفي رواية :فتجلى لي كل شيء وعرفت " ...فهذا عام ش ْيءٍ ِ ِّم ْن ِع ْل ِم ِه)) ...قوله صلى هللا عليه وسلم طونَ بِ َ ((والَ ي ُِحي ُ خصصه قوله تعالى َ "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال هللا" خصصه قوله تبارك وتعالى : صا ِغ ُرونَ )) فاآلية خصصت من قبل دفع الجزية طواْ ْال ِج ْز َيةَ َعن َي ٍد َو ُه ْم َ (( َحتَّى يُ ْع ُ فإن الجزية تقبل منه وال يقاتل ...فإن قيل :إن التخصيص بيان والسنة وضعها أن اس َما نُ ِ ِّز َل إِلَ ْي ِه ْم)) فلو بين الكتاب السنة تكون مبينة لقوله تعالى ِ (( :لتُبَ ِيِّنَ ِللنَّ ِ بالتخصيص لكان هذا عكس النص ! ...فالجواب :أنه ال تناقض بين كون السنة مبينة لبعض الكتاب والكتاب مبين لبعض السنة و هو ما كان مجمالً منهما وهذه اآلية ى للناس )) وأنه (بيان) كما في قواه تعالى معارضة بقوله تعالى في القرأن إنه (( هد ً ظةٌ ِلِّ ْل ُمتَّقِينَ )) وأنه تبيان كما في قوله تعالى ((ن ََّز ْلنَا اس َو ُهدًى َو َم ْو ِع َ ان ِلِّلنَّ ِ (( َهذَا َبيَ ٌ ش ْيءٍ َو ُهدًى َو َر ْح َمةً َوبُ ْش َرى ِل ْل ُم ْس ِل ِمينَ )) فيتناول بيان السنة اب ِت ْب َيانًا ِلِّ ُك ِِّل َ علَي َْك ْال ِكت َ َ َ وهو المطلوب ...مثال تخصيص السنة بالسنة " :فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقى بالنضج نصف العشر" وخص ذلك بما كان خمسة أو سق فما ق صدقة وال في أقل من خمسة من دونها ال زكاة فيه "ليس فيما أقل من خمسة أوس ٍ ق من الورق صدقة" ...تخصيص اإلبل الذود صدقة وال في أقل من خمس أوا ٍ الكتاب بالقياس :فخصت اآلية األمة المملوكة باليمين من عموم قوله تعالى : ((الزانية والزاني )) بأن عليها نصف العذاب فتجلد خمسين جلدة ويقاس على األمة المملوكة العبد المملوك إذا زنى فإن عليه نصف العذاب كذلك ...وتخصيص السنة بالقياس " :خذوا عني خذوا عني قد جعل هللا لهن سبيالً البكر بالبكر جلد مائ ٍة ونفي سن ٍة والثيب بالثيب جلد ُ مائ ٍة والرجم" ...فالحديث عام في كل زاني بكر أنه يجلد مائة جلدة خص من الحديث العبد قياسا ً على األمة التي ثبت تنصيف الحد عليها بالقرآن فيجلد العبد خمسين جلدة ...................... ... ... ... ... ...... ...... ... ...حكى المصنف رحمه هللا اإلختالف في هذه المسألة وهو موجود كما قال قي بعض كتب األصول لكنه غير صحيح ألنه حاصل بعد اإلجماع وكأن أصحابه أستصحبوا الحال قبل ورود الشرع وال محل له ألن ورود الشرع يمنع اإلستدالل باإلستصحاب ...وقد ذكر إبن تيمية رحمه هللا :أن اإلجماع منعقد على أن األصل في األعيان الحل والطهارة ...ولست أنكر أن بعض من لم يحط علما ً بمدارك األحكام ولم يؤت تمييزا ً في مظان اإلشتباه ربما سحب ذيل ما قبل الشرع على ما بعده إال أن هذا غلط قبيح لو نبه له لتنبه مثل الغلط في الحساب ال يهتك حريم اإلجماع وال يثلم سنن اإلتباع ... على أن الحق الذي ال زاد له أن قبل الشرع ال تحليل وال تحريم فإذا ال تحريم يستصحب ويستدام فيبقى األن كذلك والمقصود خلوها عن المائم والعقوبات ...قال إبن تيمية رحمه هللا :أعلم أن األصل في جميع األعيان الموجودة على إختالف أصنافها وتباين أوصافها :أنت تكون حالالً مطلقا ً لآلدميين وأن تكون طاهرة ال يحرم عليهم مالبستها ومباشرتها ومماستها وهذه كلمة جامعة ،وقد دل عليها أدلة عشرة – مما حضرني ذكره من الشريعة – وهي :كتاب هللا وسنة رسوله وإتباع سبيل المؤمنيين ،ثم مسالك القياس واإلعتبار ومناهج الرأي واإلستبصار ...قوله ض َج ِمي ًعا)) والخطاب لجميع الناس الفتتاح تعالى ُ (( :ه َو الَّذِي َخلَقَ لَ ُكم َّما فِي األ َ ْر ِ اس ا ْعبُدُواْ َربَّ ُك ُم)) ...قوله تعالى َ (( :و َما َل ُك ْم أَالَّ الكالم بقوله تعالى (( :يا أَيُّ َها النَّ ُ ض ُ ط ِر ْرت ُ ْم إِلَ ْي ِه))... علَ ْي ُك ْم إِالَّ َما ا ْ ص َل لَ ُكم َّما َح َّر َم َ علَ ْي ِه َوقَ ْد فَ َّ تَأ ْ ُكلُواْ ِم َّما ذ ُ ِك َر ا ْس ُم َّ ِ َّللا َ والتفصيل التبيين فبين أنه بين المحرمات فما لم يبين تحريمه ليس بمحرم ...قوله ض َج ِميعًا ِ ِّم ْنهُ)) ...قوله تعالى ((قُل ت َو َما ِفي األ َ ْر ِ س َم َاوا ِس َّخ َر لَ ُكم َّما ِفي ال َّ تعالى (( َ طا ِع ٍم َي ْ ط َع ُمهُ إِالَّ أَن يَ ُكونَ َم ْيتَةً أ َ ْو دَ ًما َّم ْسفُو ًحا)) علَى َ ي ُم َح َّر ًما َ ي إِلَ َّوح َالَّ أ َ ِجد ُ فِي َما أ ُ ِ فما لم يجد تحريمه ليس بمحرم وما لم يحرم فهو ح ٌل ومثل هذه اآلية قوله ِ (( :إنَّ َما ير)) ألن حرف ( :إنما) يوجب حصر األول في نز ِعلَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ َوالد ََّم َولَ ْح َم ْال ِخ ِ َح َّر َم َ الثاني فيجب إنحصار المحرمات فينا ذكر ...عن سعد بن أبي وقاص قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "إن أعظم المسلمين جرما ً من يسأل عن شيءٍ لم يحرم فحرم من أجل مسألته" دل ذلك على أن األشياء ال تحرم إال بتحريم خاص ... عن سلمان الفارسي قال :سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن شيءٍ من السمن والجبن والفراء فقال " الحالل ما أحل هللا في كتابه والحرام ما حرم هللا في كتابه وما سكت عنه فهو بما عفا عنه" ...لست أعلم خالف أح ٍد من العلماء السالفين :في أن ما كثير ممن تكلم في لم يجيء دليل بتحريمه فهو مطلق غير محجور وقد نص على ذلك ٌ أصول الفقه وفروعه وأحسب بعضهم ذكر في ذلك اإلجماع يقينا ً أو ظنا ً كاليقين ... كل ما حرم مباشرته ومالبسته حرم مخالطته وممازجته وال ينعكس فكل نجس محرم األكل وليس كل محرم األكل نجسا ً ...هو إعمال األصل في كل شيء والبقاء على ماكان وإستدامة ما دل الشرع على ثبوته وإستدامة حكم اإلجماع في محل النزاع حتى يأتي دليل صحيح سالم من المعارضة ناقل عنه ...ومحل العمل بهذا الدليل عند عدم وجود األدلة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة واإلجماع أما مع وجودها فال مكان لدليل اإلستصحاب ...قال إبن تيمية رحمه هللا :األدلة العقلية التي هي اإلستصحاب وإنتفاء المحرم ال يجوز القول بموجبها في أنواع المسائل وأعيانها إال بعد اإلجتهاد في خصوص ذلك النوع أو المسألة :هل ورد من األدلة الشرعية ما يقتضي التحريم أم ال ؟ إذ قد أجمع المسلمون وعلم باإلضطرار من دين اإلسالم أنه ال يجوز ألحد أن يعتقد ويفتي بموجب هذا اإلستصحاب والنفي إال بعد البحث عن األدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك ...ال يستدل باإلستصحاب عند وجود الدليل الشرعي وهذا مما وقع فيه الظاهرية فقد إستدلوا باإلستصحاب في منع الزكاة عن عروض التجارة لعدم ورود النص بتعيينها وإستصحاب البراءة األصلية ولم ينتبهوا أن الذمة إشتغلت بوجوب الصدقة في جميع المال إال ما إستثناه الدليل وذلك بالمعلومات الواردة ،فصار النظر في ما يخرج نوع المال المعين من عدم وجوب الزكاة ال العكس ...قال إبن قيم الجوزية رحمه هللا :وهو ثالثة أقسام :إستصحاب البراءة األصلية وإستصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي حتى يثبت خالفه وإستصحاب حكم اإلجماع في محل النزاع ...النوع األول :تنازع الناس فيه :فقالت طائفة من الفقهاء واألصوليين :إنه يصلح للدفع ال لإلبقاء كما قاله بعض الحنفية ومعنى ذلك أنه يصلح ألن يدفع به من ادعى تغيير الحال إلبقاء األمر على ما كان فإن بقاءه على ما كان إنما هو مستند إلى موجب الحكم ال إلى عدم المغير له فإذا لم نجد دليالً نافيا ً وال مثبتا ً أمسكنا ،ال نثبت الحكم وال ننفيه بل ندفع باإلستصحاب دعوى من أثبته ،وهذا غير حال المعارض فالمعارض لون والمعترض لون ، فالمعترض يمنع داللة الدليل والمعارض يسلم داللته ويقيم دليالً على نقيضه ...وذهب األكثرون من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه يصلح إلبقاء األمر على ما كان عليه فقالوا :ألنه إذا غلب على الظن إنتفاء الناقل غلب على الظن بقاء األمر على ما كان عليه ...النوع الثاني :إستصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خالفه وهو حجة كإستصحاب حكم الطهارة وحكم الحدث وإستصحاب يقاء النكاح وبقاء الملك وشغل الذمة بما تشغل به حتى يثبت خالف ذلك في قوله في الصيد " :وإن وجدته غريقا ً فال تأكله" لما كان األصل في الذبائح التحريم وشك هل وجد الشرط المبيح أم ال؟ بقى الصيد على أصله في التحريم ،في الحدث قال " :ال ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحاً" ولما كان األصل بقاء الصالة في ذمته أمر الشاك أن يبني على اليقين ويطرح الشك وال يعارض هذا رفعه للنكاح المتيقن بقول األمة السوداء إنها أرضعت الزوجين فإن أصل األبضاع على التحريم ...فصل : القسم :الثالث :إستصحاب حكم اإلجماع في محل النزاع وقد إختلف فيه الفقهاء واألصوليين هل هو حجة ؟ على قولين :أحدهما :أنه حجة وهو قول المزني والصيرفي وإبن شاقال وإبن حامد وأبي عبدهللا الرازي ...والثاني :ليس بحجة وهو قول أبي حامد وأبي الطيب الطبري والقاضي أبي يعلى وإبن عقيل وأبي الخطاب والح لواني وإبن الزاغوني ،وحجة هؤالء أن اإلجماع إنما كان على الصفة التي كانت قبل محل النزاع كاإلجماع على صحة الصالة قبل رؤية الماء في الصالة فأما بعد الرؤية فال إجماع فليس هناك ما يستصحب إذ يمتنع دعوى اإلجماع في محل النزاع واإلستصحاب إنما يكون ألمر ثابت فيستصحب ثبوته أو ألمر منتقب فيستصحب نفيه ...فاإلستصحاب ال يجوز اإلستدالل به إال إذا إعتقد إنتفاء الناقل فإن قطع المستدل بإنتفاء الناقل قطع بإنتفاء الحكم كما يقطع ببقاء شريعة محمد صلى هللا عليه وسلم وأنها غير منسوخة وإن ظن إنتفاء الناقل أو ظن إنتفاء داللته ظن إنتفاء النقل وإن كان الناقل معنى مؤثرا ً وتبين له عدم إقتضائه تبين له إنتفاء النقل ...ومما يدل على أن إستصحاب حكم اإلجماع في محل النزاع حجة أن تبدل حال المحل المجمع على حكمه أوالً كتبدل زمانه ومكانه وشخصه وتبدل هذه األمور وتغيرها ال يمنع إستصحاب ما ثبت له قبل التبدل فكذلك تبدل وصفه وحاله ال يمنع اإلستصاب حتى يقوم دليل على أن الشارع جعل ذلك الوصف الحادث ناقالً للحكم مثبتا ً لضده ، وأما مجرد النزاع فإنه ال يوجب سقوط إستصحاب حكم اإلجماع ،فال يقبل قول المعترض :إنه قد زال حكم اإلستصحاب بالنزاع الحادث فإن النزاع ال يرفع ما ثبت من الحكم فال يمكن المعترض رفعه إال أن يقيم دليالً على أن ذلك الوصف الحادث جعله الشارع دليالً على نقل الحكم وحينئ ٍذ فيكون معارضا ً في الدليل ال قادحا ً في اإلستصحاب فتأمله فإنه التحقيق في هذه المسألة ...ترتيب األدلة عند اإلستدالل /1 : الكتاب /2ثم السنة /3ثم اإلجماع /4ثم القياس ...وبعضهم يقدم اإلجماع ثم الكتاب ثم السنة ثم القياس ألن دليل اإلجماع قطعي الثبوت والداللة فالترتيب األول هو المعتمد ...ال فرق بين منهج المحدثين واألصوليين والفقهاء في أصول الفقه إال في ثالث مسائل /1 :أنهم يعتمدون قول الصحابي في فهم الدليل من الكتاب والسنة بخالف األصوليين فإنه عندهم من األدلة المختلف فيها /2...والمسألة الثانية :ال يقول أهل الحديث بالمجاز /3...المسألة الثالثة :أن نظر المحدث في الحديث لتصحيح المعنى والنسبة بينما نظر األصولي والفقيه لتصحيح المعنى فباب التعليل عند المحدث يختلف عنه عند األصولي وماهو علة عند المحدث ليس بعلة عند األصولي ...وما عدا هذا فال يوجد إختالف يذكر بين المحدثين والفقهاء واألصوليين ...مقصوده بالنطق :ما جاء في القرآن العظيم والسنة النبوية وما قام عليهما فإنه يقدم على القياس فال قياس مع النص ...القياس األولوي والقياس الذي نص على علته يقدمان على القياس الخفي العلة التي تحتاج إلى نظر ....التعليق :يعني أن يكون عالما ً بأدلة الفقه وهي أصوله :الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ،وما يتعلق بترتيب أدلة الفقه المتفق عليها والمختلف فيها كالمصالح المرسلة واإلستصحاب وقول الصحابي واإلستحسان وعمل أهل المدينة وسد الذرائع وفروع مسائل األصول المبنية عليها والخالفات الفقهية في المسائل حتى ال يعقد المسألة في غير محل الخالف فيشترط أن يعلم مسائل اإلجماع حتى ال يأتي لمسألة إجماعية فيجعلها خالفية وال يأتي بقبول خارج عن أقوالهم وأن يعلم مذاهب العلماء فيها وأدلتهم و وجه إستداللهم ...فالمفتي الذي يبين حكم المسألة بحسب حال السائل والعالم الذي يبين حكم المسألة بحسب األدلة وتفاصيلها فكل مفتي عالم وال عكس ...واألصل أن المفتي عالم يجتهد في بيان الحكم بحسب الواقع في حال المستفتي وهو طالب الفتيا ، ولذلك ال يحل للعامي أن يأخذ كتب الفقه فيقريها لنفسه ويفتي بما حصل منها على علمه وكذلك من لم يتفقه في مذهب أن يأخذ كتبه ويتكلم بما فيها ...وفي حكمه : السماع لفتاوي أهل العلم في هذه البرامج المسموعة والمشاهدة عبر القنوات فإنه ال يجوز له تنزيلها على نفسه ألنه قد يكون في حال صاحب المسألة حيثية اليفطن لها وإنما يسمعها من باب اإلستماع للعلم والذكر عسى أن ينفعه هللا بذلك ويسمعها طالب العلم والعالم للمذاكرة ومعرفة الحوادث النازلة وهللا الموفق ...فالمجتهد ال يأخذ بقول غيره بدون حجة فإن أخذه بدون حجة فهو مقلد ...واإلجتهاد :وصف يقبل التجزيء فهناك مجتهد كلي وهماك مجتهد جزئي وهماك مجتهد مطلق وهناك مجتهد مقيد بالمذهب ...وكمال آلة المجتهد بأن تتوفر فيه أوصاف المجتهد :أن يكون مسلما ً بالغا ً عاقالً له ملكة على إستخراج األحكام من أدلتها الشرعية ...وإنما يتمكن ذلك بشروط /1 :أولها :إشرافه على نصوص الكتاب وال يشترط حفظها بل يكفي قدرته على الرجوع إليها ومعرفة مواطنها /2....ثانيها :معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة باألحكام وكذ ا ال يشترط حفظها بل يكفي معرفتها والقدرة على الرجوع إليها /3.... وثالثها :اإلجماع :فليعرف مواقعه حتى ال يفتي بخالفه وال يلزمه حفظ جميعه بل كل مسألة يفي فيها يعلم أن فتواه ليست مخالفة لإلجماع وإنما يوافقه مذهب عالم أو تكون الحادثة مولدة فال يخرج عن طريقتهم في اإلستنباط ...والبد مع ذلك أن يعرف اإلختالف ،وفائدته حتى اليحدث قوال يخالف أقوالهم /4....ورابعها :القياس فليعرفه بشروطه وأركانه /5...أن يكون عارفا ً بلسان العرب :لغة ونحوا ً وتصريفا ً ،إلى حد يميز به بين صريح الكالم وظاهره ومجمله ومبينه وعامه وخاصه وحقيقته ومجازه ...وال يشترط التبحر في اللغة والنحو وال يلزم الغوص في الدقائق /6... وسادسها :معرفة الناسخ والمنسوخ ،وكذلك معرفة وجوه النص في العموم والخصوص والمفسر والمجمل والمبين والمقيد والمطلق فإن قصر فيها لم يجز /7....وسابعها :معرفة حال الرواة في القوة والضعف وتمييز الصحيح عن الفاسد والمقبول عن المردود ...وبهذه الشروط تكتمل آلة اإلجتهاد ولذلك تسمى العلوم التي ترجع إليها هذه الشروط بـ :علوم اآللة ...يعني كيفية اإلستنباط وهذا هو الركن الثاني في أصول الفقه فإنه يقوم على ثالثة أركان /1 :الركن األول :معرفة األدلة /2 ...الركن الثاني :كيفية اإلستنباط /3 ....الركن الثالث :حالة المستفيد منها وهو الكالم عن اإلجتهاد والتقليد ....أي :رواة األخبار جرحا ً وتعديالً ...كالمهم في أصول الفقه في مباحث ثبوت الخبر وتعليله يختلف عن طريقة المحدثين ،مرادهم هما إعتماد كالم أئمة الجرح والتعديل في الرواة على أن الواقع يدل على أن منهج المحدثين واألصوليين يكمل أحدهما األخر ...المستفتي :هو طالب معرفة الحكم الشرعي في المسألة التي وقعت له وهو العامي الذي ال يعلم حقيقة أو حكما ً كالعالم الذي تعذر عليه اإلجتهاد في مسألة فسأل غيره عنها ...للمستفتي شروطا ً أخرى س ْلنَا ِمن قَ ْب ِل َك ِإالَّ ِر َجاالً نُّ ِ وحي ِإلَ ْي ِه ْم فَاسْأَلُواْ ((و َما أ َ ْر َ وإنما ذكر بعضها ،قال تعالى َ : الزب ُِر َوأَنزَ ْلنَا ِإلَي َْك ال ِذِّ ْك َر ِلت ُ َب ِيِّنَ ِللنَّ ِ اس َما نُ ِ ِّز َل ت َو ُّ أ َ ْه َل ال ِذِّ ْك ِر ِإن ُكنت ُ ْم الَ تَ ْعلَ ُمونَ * ِب ْال َب ِيِّنَا ِ إِلَ ْي ِه ْم َولَعَلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُرونَ )) فقوله بالبينات والزبر (( :بِ ْال َب ِيِّنَاتِ)) أي :بالدالالت والحجج الزب ُِر)) وهي الكتب ...وهذه اآلية تدل على أمور /1 :منها :أن الناس على َ ((،و ُّ قسمين :قسم يعلم وهم أهل الذكر وقسم ال يعلم /2 ...ومنها :أن وظيفة الذي ال يعلم أن يسأل الذين يعلمون /3...ومنها :أن يراعي المسائل في سؤاله ما يلي :أ /أن يكون المسؤول من أهل الذكر ..ب /أن يكون في حال سؤاله طالبا ً للعلم وذلك ليرفع عنه الجهل وهو عدم العلم ...فال يجوز للعامي بعد سؤاله لعالم وسماعه منه الجواب المبني على الدليل أن يسأل غيره طلبا ً للرخصة بإختالفهما ...ج /أن يكون طالبا لجواب السؤال متلبسا ً بالبينات والزبر يعني باألدلة والحجج الواضحة ....أن السائل ال يكون طلبه للجواب على أساس غير الدليل قال يقول مثالً :أنا أريد الجواب على مذهب كذا أو أريد الجواب على طريقة كذا إنما مذهبه مذهب مفتيه من أهل العلم الموثوق بعلمهم وتقواهم ...ثم إن العامي يكلف من اإلجتهاد ما يناسب حاله فال يطلب منه ما يطلب من المتبع أو المجتهد ...واآلية المذكورة تدل على جواز تقليد العامي لمفتيه ولذلك قيل :العامي مذهبه مذهب مفتيه ...وظني أن الذين يحرمون التقليد ال يلزمون العامي بالنظر في الدليل إنما يعنون أن على العامي أن يجتهد بما يناسب حاله بأن يجتهد في طلب من يفتيه من أهل الذكر من يراه األتقى و األورع فهذا إجتهاده وإال فإن العامي ال يستطيع أصالً النظر في األدلة واإلختالف ...وقد يأتي على العالم وقت يأخذ فيه حكم المقلد وذلك حين يتعذر اإلجتهاد عليه ...قال الزركشي رحمه هللا :وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما ً بكل ،وهذا في المجتهد المطلق ...أما المجتهد في حكم خاص فإنما يحتاج إلى قوة تامة في النوع الذي هو فيه المجتهد ...هذا بناء على جواز تجزؤ اإلجتهاد وهو الصحيح ...قال إبن دقيق العيد :من عرف مأخذ إمام وأستقل بإجراء المسائل على قواعد ينقسم إلى قسمين :أحدهما :أن تكون تلك القواعد مما يختص بها ذلك اإلمام وبعض المجتهدين معه فهذا يمكن فيه اإلجتهاد المقيد ،وأما القواعد العامة التي ال تختص ببعض المجتهدين ككون خبر الواحد حجة والقياس وغير ذلك من القواعد فهو محتاج إلى ما يحتاج إليه المجتهد المطلق فقتنبه لهذا ...أي :من حيث الصورة واإلصطالح فيجب األخذ بقوله ص لى هللا عليه وسلم وإن لم نعلم دليله في خصوص المسألة أما من حيث الحكم فال ألن قبول قول الرسول صلى هللا عليه وسلم هو قبول لمن أمرنا بإتباعه ف يجب األخذ بقوله صلى هللا عليه وسلم بدون أن يذكر حجة على خصوص القول فإن الحجة على تصديقه في النبوة قد قامت باآليات والدالئل قد دلت على وجوب إتباعه واألخذ بقوله ...فإتباع قول الرسول صلى هللا عليه وسلم واألخذ به هو أخذ بالحجة والبرهان وهو الزم لكل مسلم ...وأعلم أن التقليد بهذا المعنى مذموم ...قال شيخ اإلسالم رحمه هللا :التقليد المذموم هو قبول قول الغير بغير حجة ،فمن إتبع دين آبائه وأسالفه ألجل العادة التي تعودها وترك إتباع الحق الذي يجب إتباعه فهذا هو المقلد المذموم وهذه حال اليهود والنصارى بل أهل البدع واألهواء في هذه األمة الذي أتبعوا شيوخهم ورؤساءهم في غير الحق كما قال هللا تعالى َ (( :وقَالُوا َربَّنَا ِإنَّا ب َو ْال َع ْن ُه ْم لَ ْعنًا ض ْع َفي ِْن ِمنَ ْال َعذَا ِ ضلُّونَا ال َّ س ِبيال* َربَّنَا آ ِت ِه ْم ِ سادَتَنَا َو ُك َب َرا َءنَا فَأ َ َ أَ َ ط ْعنَا َ يرا)) ...وال مطيع للمخلوق في معصية هللا ورسوله :إما أن يتبع الظن ،وإما أن َك ِب ً يتبع ما يهواه وكثير يتبعهما ...ومن ترك النقل المصدق عن القائل المعصوم وإتبع نقالً غير مصدق عن قائل غير معصوم فقد ضل ضالالً بعيدا ً ...التقليد منه مذموم وممدوح فالمذموم قبول قول القائل بال حجة والممدوح قبول قول الرسول صلى هللا عليه وسلم ،وقبول العامي فتوى من يثق بتقواه و ورعه وإتباع سبيل المؤمنيين ألننا أمرنا بذلك ،فكل ما أدى إلى قبول الحق وإتباعه واألخذ به فهو ممدوح وكل ما أدى إلى رد الحق وقبول الباطل والعمل به فهو مذموم ...وعليه فإن قبول قول النبي صلى هللا عليه وسلم ال يكون تقليدا ً ألننا نعلم أن الرسول صلى هللا عليه وسلم (( وما ى يوحى)) وأنه في إجتهاده إنما يحكم بما أراه هللا ينطق عن الهوى *إن هو إال وح ٌ تبارك وتعالى وهو معصوم عن الخطأ ،فاألخذ بقوله صلى هللا عليه وسلم أخذ بالحجة والبرهان ...فيكون أخذ األمة لقوله في هذا من باب التقليد من حيث الصورة واإلصطالح وإال فإن قول الرسول صلى هللا عليه وسلم حجة ،يجب إتباعه ألنه حتى في إجتهاده محفوف بالوحي ...واعلم أن إجتهاد الرسول صلى هللا عليه وسلم في أمور الدنيا حاصل كإجتهاده في أمور الحرب ،وهو فيه صلى هللا عليه وسلم ليس حكم شرعيبمعصوم كما في قصة آبار بدر ...وفي اإلصطالح :بذل الوسع في نيل ٍ عملي بطريق اإلستنباط ...ليخرج بذلك الوسع في نيل تلك األحكام من النصوص ظاهرا ً أو بحفظ المسائل وإستعالمها من المعنى أو بالكشف عنها من الكتب فإنه وإن سمي إجتهادا ً فهو لغة ال إصطالحا ً ...وقال أبو بكر الرازي :اسم اإلجتهاد يقع في معان أحدها :القياس الشرعي ،ألن العلة لما لم تكن موجبة الحكم ٍ الشرع على ثالثة لجواز وجودها خالية منه لم يوجب ذلك العلم بالمطلوب فلذلك كان طريقة اإلجتهاد ، والثاني :ما يغلب في ظن من غير عل ٍة كإلجتهاد في المياه والوقت والقبلة وتقويم المتلفات وجزاء الصيد ومهر المثل والمتعة والنفقة وغير ذلك ،والثالث :اإلستدالل باألصول ....قلت المعنى األول والثالث هو المقصود هنا ....أما من لم يبلغ هذه الدرجة فإنه إن أصاب فقد أثم وأخطأ ألنه قد خاض فيما ليس من شأنه ولم يتأهل له ....إن قصد صاحب هذا القول أنه مصيب لألجر فكل مجتهد ال يخلو من أجر فمسلم فإنه دائر بين األجر واألجرين أما إن قصد أنه مصيب للحق عند هللا تبارك وتعالى فال ألن حديث عمرو بن العاص الذي سيذكره المصنف يدل على أن المجتهدين من يصيب ومنهم من يخطئ وأنه ليس كل مجتهد مصيب للحق عند هللا ...فهذا يدل على أن المصيب واحد والحق واحد ال يتعدد ،اإلختالف نوعان /1 :إختالف تنوع /2... وإختالف تضاد .....فالحق واحد ال يتعدد بتضاد وتعارض وقد يتعدد من باب التنوع ...