Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 67

‫المدخل إلى علم السياسة‬

‫محاضرات‬

‫د‪ .‬لؤي عبد الفتاح‬

‫جامعة محمد األول‪/‬كلية الحقوق‪ .‬وجدة‬

‫دجنبر ‪2015‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‬
‫مطبوع جامعي‬
‫إعداد‪ :‬د‪ .‬لؤي عبد الفتاح‬
‫لطلبة السداسي األول‪/‬مسلك القانون‬
‫طبع‪ :‬مكتبة الطالب‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫المحتويات‬

‫((‬
‫التعريف بعلم السياسة وبيان مجاالته‬
‫‪7‬‬ ‫‪-I‬تطور علم السياسة ومفهومه‬
‫أوال‪ :‬نشأة علم السياسة‬
‫ثانيا‪ :‬تطور علم السياسة ‪.................. ................................‬‬
‫ثالثا‪:‬مدى ملمية علم السياسة ‪........... ................................‬‬
‫‪ -II‬مجاالت علم السياسة‬
‫أوال‪ :‬بين السياسة وعلم السياسة ‪.....................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬مواضيع علم السياسة ومجاالته‬
‫ثالثا‪ :‬القوة السياسية كمفهوم مركزي في علم السياسة‬

‫‪‬‬
‫الـــدولـــة ‪......................... ................................ ................................‬‬
‫‪ -I‬تعريف الدولة وتفسيرات نشوئها‬
‫أوال‪ :‬الدولة‪ ،‬وظائفها وأساسها القانوني ‪.........................‬‬
‫ثانيا‪ :‬األساس القانوني للدولة ‪........... ................................‬‬
‫‪-II‬نشأة الدولة ومسألة شرعيتها‬
‫االجتماعي ‪........... ................................‬‬ ‫أوال‪ :‬نظريات العقد‬
‫ثانيا‪:‬النظرية الماركسية ‪.................... ................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬النظرية الشرعية العقالنية ‪.......................................‬‬

‫‪(‬‬
‫المنتظم السياسي والنظم السياسية ‪...................................‬‬
‫‪-I‬المنتظم أو النسق السياسي ‪.......................... ................................‬‬
‫أوال‪ :‬نموذج دافيد إيستون ‪.................. ................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬نموذج كارل دوتش ‪.................. ................................‬‬
‫‪-II‬حول النظم السياسية والدستورية ‪............. ................................‬‬
‫أوال‪ :‬النظام البرلماني ‪.......................... ................................‬‬
‫الرئاسي ‪........................... ................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬النظام‬

‫‪‬‬
‫الفاعلون السياسيون‬
‫‪-I‬األحزاب السياسية ‪....................................... ................................‬‬
‫أوال‪ :‬النشأة والتطور والمفهوم ‪.........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬وظائف األحزاب السياسية ‪.......................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬النظم الحزبية ‪............................ ................................‬‬
‫‪-II‬الجماعات الضاغطة والمجتمع المدني‬
‫أوال‪ :‬تعريف الجماعات الضاغطة‬
‫ثانيا‪ :‬أشكال التنظيمات الضاغطة وأوجه نشاطها‬

‫‪‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫تقديم‬
‫ال شك في أن دراسة ما يتعلق بالسياسة وممارستها وتفاعالتها المختلفة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أهم المفاهيم المرتبطة بها من مثل الدولة والسلطة والحكم والدستور‬
‫والحرية والديمقراطية والعولمة وغيرها من المفاهيم المتعددة والمعبرة عن‬
‫الظاهرة السياسية‪ ،‬يشكل أحد أبرز عناصر المعرفة بالنسبة لطلبة الحقوق‪ .‬وإذا‬
‫كان من غير الممكن عمليا تناول الكثير من تلك المواضيع في إطار مادة المدخل‬
‫إلى علم السياسة المقررة لطلبة الفصل األول من السنة األولى العتبارات عدة‪ ،‬قد‬
‫يكون من أهمها عنصر الزمن‪ ،‬باإلضافة إلى الطبيعة النظرية للمواضيع التقديمية‬
‫لعلم السياسة‪ ،‬فإننا نحاول من خالل هذه الدروس وغيرها مما أدرج في‬
‫المحاضرات‪ ،‬تناول بعض األفكار والموضوعات التي من شأنها أن تشكل معرفة‬
‫تمهيدية للطلبة في مجال علم السياسة انطالقا من التعريف به وبمجاالته‬
‫ومواضيعه‪ ،‬وصوال إلى شرح مبسط لبعض المفاهيم والمؤسسات االجتماعية‬
‫التي تحمل أهمية مركزية بالنسبة للظاهرة السياسية مثل الدولة والنسق السياسي‬
‫ومفهوم النظم السياسية‪ ،‬باإلضافة إلى األحزاب السياسية والتنظيمات الضاغطة‬
‫والمجتمع المدني وفكرة الديمقراطية وظاهرة العولمة‪...‬‬

‫إن التعرف على بعض تلك المفاهيم عبر مادة المدخل إلى علم السياسة‬
‫وفق ما تسمح به المدارك األولية للطلبة الذين يبدؤون مشوارهم الدراسي في‬
‫كليات الحقوق‪ ،‬سيوفر لهم بال شك‪ ،‬أرضية مناسبة الكتساب المقدرة على فهم‬
‫الكثير من المصطلحات والتعابير والظواهر والمؤسسات واألحداث‪ ،‬ذات المغزى‬
‫القانوني والسياسي واالجتماعي‪ ،‬والتي من المفترض بهم مصادفتها من خالل‬
‫مختلف مراحل دراستهم‪ ،‬على أساس أن تتوفر لديهم الرغبة والطموح لتوسيع‬
‫مداركهم عبر القراءة واالطالع وتتبع األحداث والتحاليل والدراسات القانونية‬
‫سرة ومتوفرة بفضل ما تتيحه ثورة‬
‫والسياسية‪ ،‬والتي أضحت اليوم مي ّ‬
‫التكنولوجيات الرقمية‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫الفصل األول‬
‫التعريف بعلم السياسة وبيان مجاالته‬

‫يعتبر علم السياسة‪ ،‬بمضامينه الحالية المتشعبة والمتعددة‪ ،‬علما حديث‬


‫النشأة‪ ،‬فقد كان إلى حدود القرن التاسع عشر عبارة عن مجموعة من األدبيات‬
‫التي كانت تنصب في مجملها حول وضع تصورات عن الوضع السياسي األمثل‬
‫وكيفية إقامته منطلقة في الغالب من مقدمات يغلب عليها الطابع الفلسفي‪ .‬ولقد ظل‬
‫هذا هو الوضع السائد حتى فترة نهاية القرن التاسع عشر الميالدي والذي شهد فيه‬
‫علم السياسة االرهاصات األكاديمية األولى لخلق كيان متميز له‪ .‬فقد كانت محاولة‬
‫فصل علم السياسة عن الحقول المعرفية األخرى التي كانت ترتبط به في الغالب‬
‫كالتاريخ والفلسفة والقانون هي بمثابة اللبنة األولى في هذا االتجاه‪ ،‬والذي دعم‬
‫فيما بعد باستحداث أقسام أكاديمية متخصصة لعلم السياسة في بعض من‬
‫الجامعات الغربية‪ ،‬لتتشعب فيما بعد مجاالته ومناهجه وليستقر كعلم مستقل يحظى‬
‫بالكثير من اهتمام الباحثين واألكاديميين برغم بعض التشكيكات‪ ،‬غير المحسومة‬
‫لحد اآلن في الطابع العلمي الصرف "لعلم السياسة"‪.‬‬

‫على أن تقبل علم السياسة كعلم مستقل طرح وال زال يطرح إشكالية الحدود‬
‫التي تفصل هذا العلم عن السياسة ذاتها‪ ،‬وعن ما يوصف ب" السياسي" ‪(Le‬‬
‫)‪ ،politique‬وكذا عن باقي الحقول المعرفية األخرى كالقانون والتاريخ وعلم‬
‫االجتماع والفلسفة والعالقات الدولية‪ ،‬وكذا عن مدى تداخله وتكامله مع تلك‬
‫المجاالت المعرفية‪.‬‬
‫تطور علم السياسة ومفهومه‬ ‫‪-I‬‬
‫يعتبر علم السياسة علما حديث النشأة برغم أن دراسة الظواهر السياسية قد‬
‫ظهرت بشكل من األشكال منذ عهود ما قبل التاريخ في كتابات الفالسفة‬
‫والمفكرين الذين تطرقوا لشؤون الدولة والسلطة‪ .‬ومع بداية تبلور وتطور المناهج‬
‫العلمية في الدراسات السياسية‪ ،‬اتخذ علم السياسة موقعا له بين العلوم االجتماعية‬
‫منتجا مفاهيمه وآلياته العلمية الخاصة به(‪ )1‬ومحدثا الفرق بين السياسة كممارسة‬
‫وبين العلوم السياسية الهادفة إلى دراسة وتحليل الظواهر السياسية على اختالفها‬

‫أوال‪ :‬نشأة علم السياسة‬

‫إن االهتمام الشديد بفهم الموضوع السياسي ليس حديثا‪ .‬ففي العصور‬
‫القديمة و منذ المدرسة السفسطائية‪ ،‬وأفالطون وأرسطو‪ ..‬وضع المفكرون القدماء‬
‫السياسة في مركز اهتمامهم‪ .‬حيث عرف أرسطو( ‪ 348‬ـ‪322‬قبل الميالد) اإلنسان‬
‫بأنه حيوان سياسي‪ .‬ومن بعد أرسطو وحتى أيامنا هذه تعددت اإلنتاجات الفكرية‬
‫والكتابات التي عالجت مواضيع وتفاعالت السياسة بشكل تحليلي علمي مرورا‬
‫بمرحلة تمتع العلوم السياسية باالستقاللية عن العلوم األخرى وإن تداخلت‬
‫وتفاعلت معها بأشكال مختلفة‪.‬‬

‫(‪ )1‬كفرع يدرس في الجامعات‪ ,‬ظهر علم السياسة ألول مرة في الواليات المتحدة‪ ,‬في جامعة‬
‫كولومبيا حيث تم تعيين فرنسيس ليبر عام ‪ 1857‬كأول أستاذ لتاريخ علم السياسة‪ .‬وفي عام‬
‫‪ 1880‬تم تشكيل المدرسة األولى لعلم السياسة في كولومبيا‪ .‬وكان السؤال األساسي الذي‬
‫يطرح نفسه ما هو هدف علم السياسة الذي يميزه عن أهداف العلوم االجتماعية األخرى؟‪.‬‬
‫حيث كان الرأي السائد حتى نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬يذهب إلى أن هذا الفرع ال يمكنه أن‬
‫يكون غير م لتقى تقاطع علوم أخرى هي التاريخ‪ ,‬االقتصاد‪ ,‬علم أصول البشر‪ ,‬علم النفس‬
‫االجتماعي‪ ,‬علم االجتماع‪ ,‬القانون العام الخ‪..‬وهل األمر متعلق بعلوم سياسية أم بعلم‬
‫السياسة؟‪ .‬وعملت المدرسة األنكلوسكسونية على دمج علم السياسة في السوسيولوجا‬
‫السياسية مما حصر عمل الباحث فيه بدراسة التشكيالت والنظم االجتماعية‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫وقد اعتبر العديد من المؤلفين أن بداية النشأة الفعلية كانت في القرن‬


‫السادس عشر‪ ،‬مع فصل علم األخالق عن السياسة‪ ،‬وانتشار أفكار نيقوال‬
‫ميكافيلي(‪Machiavel 1464Nicolas‬ـ ‪ ،)1527‬مؤلف كتاب األمير‪))le Prince 1513‬‬
‫الذي شرح فيه كيفية تكوين األمراء وأفضل الطرق لممارسة السلطة واالستمرار‬
‫فيها والمحافظة على سدة الحكم‪ .‬وفي واقع األمر لقد ساهمت كتابات فالسفة‬
‫اليونان القديمة باإلضافة إلى إبداعات العصور الحديثة والعهود المعاصرة في‬
‫تبلور وتطور علم السياسة كفرع مستقل من العلوم لدرجة أنه ال يمكن تحديد‬
‫نشأته بعيدا عن المعايير الشكلية المرتبطة ببدء استخدام المصطلح "علم السياسة"‬
‫أو "العلوم السياسية"‪ ،‬أو ببدء تدريسه كمادة في المعاهد والجامعات‪.‬‬

‫شروط أساسية كان توافرها‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Pierre‬عن‬ ‫‪Favre‬‬ ‫وقد تحدث بيير فافر‬
‫ضروريا لظهور علم السياسةبأوروبا وبفرنسا على وجه الخصوص‪:‬‬
‫أ‪-‬وجود قدر كاف من االستقاللية تحققت بـ ‪:‬‬
‫‪ -‬حدوث االنفصال بين االقتصاد والسياسة عام ‪.1776‬‬
‫‪ -‬االنفصال عن علم األخالق ابتداء من القرن الثامن عشر‪ ،‬عندما ترك‬
‫الدين نفسه يبتعد عن السياسة باتجاه الحقوق‪ ،‬وبشكل خاص منذ ميكيافلي‪.‬‬
‫‪ -‬التفريق بين الدولة والمجتمع المدني بفضل هيجل وبفضل االنقسامات في‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫ب‪ -‬ظهور إدارة حديثة ونمو المالك اإلداري في الدولة مما نتج عنه تطور‬
‫القانون اإلداري وعلم السياسة في الوقت نفسه‪.‬‬
‫ج‪ -‬اللجوء إلى أسلوب االنتخابات العامة‪ ،‬ابتداء من عام ‪ ،1848‬واتساع‬
‫المشاركات السياسية وتعميم المناقشات السياسية(‪.)2‬‬

‫ودخل علم السياسة الجامعات‪ .‬فاعترفت كليات الحقوق بوجوده كمكمل‬


‫ضروري للقانون الدستوري‪ .‬ومع ذلك كان التعارض في وجهات النظر فيما‬
‫‪Claude‬‬ ‫يخص ماهية علم السياسة‪ .‬ففي حين كان يعتبرها البروفسور كلود بيفنوار‬
‫كفرع من فروع القانون وامتداد للقانون الدستوري والقانون العام‬ ‫‪Bufnoir‬‬

‫وخاصة بعد انفتاحهما على علم االجتماع السياسي والعلوم اإلدارية‪ ،‬وبأنه غير‬
‫قابل للتطور إال إذا قام الحقوقيون بتدريسه‪ .‬فان بوتمي ‪ Boutmy‬كان يعتبر العلوم‬
‫السياسية مبنية على علم التاريخ وليس على الحقوق‪ .‬وال يمكن تدريسها بفعالية‬
‫انطالقا من العلوم القانونية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تطور علم السياسة‬

‫شهد علم السياسة تطورات عدة سواء على مستوى مجاالته ومواضيعه أم‬
‫على مستوى مناهجه وأدواته التحليلية التي ساهمت بقدر كبير في تكريس تطوره‬
‫كعلم قائم بذاته‪.‬‬

‫‪ -1‬من علم الدولة إلى علم التفاعل السياسي‬


‫عرف علم السياسة في بداياته على أنه " علم الدولة ‪ "Statology‬وكان‬
‫المنهج المتبع في الغالب منهجا ً " استنباطيا ً "‪ ،‬أما المهمة التي كانت ملقاة عن‬
‫كاهل هذا العلم والمشتغلين به فهو محاولة تطوير المؤسسات الحكومية ووضع‬

‫(‪)2‬عام ‪ 1872‬أنشأ بوتمي ‪Boutmy‬المدرسة الحرة للعلوم السياسية‪ .‬وقد عملت هذه المدرسة على‬
‫التخصص في إعداد المسابقات األساسية‪ .‬وأصبحت أداة إعداد وتوظيف النخب في الدولة‬
‫وفي المشاريع الكبرى‪ .‬وقد تميزت عن كليات الحقوق والعلوم االجتماعية‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫حدود مفهوم " المواطنة " وتبعاتها‪ .‬ولعل الملفت للنظر أن هذا المفهوم ظل‬
‫مرتبطا ً بعلم السياسة حتى وقت قريب‪.‬‬

‫ولقد ظل هذا هو حال علم السياسة حتى بداية القرن العشرين‪ ،‬ولعل المتغير‬
‫الوحيد الذي يمكن مالحظته على مسار هذا العلم أبان تلك الحقبة‪ ،‬هو االتجاه إلى‬
‫المنحى الدستوري المفتقر إلى وضوح في األسلوب التحليلي في المعالجة‪،‬‬
‫وبالتالي فلقد ظلت الفجوة قائمة بين الواقع السياسي للدولة ونظامها الدستوري‪.‬‬

‫خالل فترة ما بين الحربين العالميتين شهد علم السياسة ثالثة من أهم‬
‫التطورات النوعية في مسيرته‪ :‬فمن جهة‪ ،‬وبدال من التركيز على الجوانب‬
‫الهيكلية والقانونية للمؤسسات السياسية اتجهت الجهود نحو وضع أسس علمية‬
‫(‪)3‬‬

‫جديدة لمسار هذا العلم تنطلق من تقرير حقيقة أن هذا العلم يتعامل مع اإلنسان‬
‫بكل ما فطر عليه من ميول ونزعات وأهواء وطبيعة متقلبة‪ .‬ولذلك فقد كان من‬
‫الطبيعي جدا ً أن يزداد ارتباط هذا العلم بعلوم النفس‪ ،‬واالنتروبولوجيا‪،‬‬
‫واالجتماع‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬واألساليب الكمية وغيرها من أفرع العلوم االجتماعية‬
‫األخرى ذات الصلة‪.‬‬

‫أما التطور التالي فتجلى في ظهور المفهوم أو المذهب البراغماتي‬


‫‪Pragmatisme‬والذي تتلخص معظم توجهاته في وجوب االهتمام بالنتائج بدال من‬
‫التركيز على منطقية األفكار فقط فالبرغماتية هي في أساسها نظرية فلسفية‬
‫مؤداها أن المنفعة ال تعدو إال أن تكون في التحليل النهائي المعيار الرئيسي لكل‬
‫قيمة‪.‬‬

‫)‪(3‬شكلت كتابات تشارلز ميريام‪ ،‬وهارولد السويل‪ ،‬وكابلن‪ ،‬وستيوارت مل أبرز تجليات هذا‬
‫التوجه‪.‬‬
‫أما التطور الثالث فقد تمثل في ظهور مفهوم التعددية ‪ Pluralisme‬الذي نادى‬
‫بوجوب توجيه اهتمام البحث في هذا العلم إلى المؤسسات ذات التأثير في الحقل‬
‫السياسي‪ ،‬والتي تشارك السلطة السياسية في الوظائف السياسية العامة كاألحزاب‬
‫السياسية وجماعات الضغط والمصالح وإلى دور األفراد والنخبة وغيرهم من‬
‫الوحدات السياسية األخرى‪.‬‬

‫في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية شهد علم السياسة جملة من‬
‫التطورات المهمة والتي فرضتها طبيعة المستجدات السياسية التي ظهرت على‬
‫الساحة الدولية‪ .‬فلقد كان لظهور المعسكر الشيوعي بإيديولوجيته المختلفة عن‬
‫الرأسمالية وما تبع ذلك من حرب باردة بين الطرفين‪ ،‬ثم ظهور وحدات دولية‬
‫جديدة على المسرح الدولي كنتيجة لنيل كثير من ما سمي الحقا ً بدول " العالم‬
‫الثالث " الستقاللها‪ ،‬ثم قيام حركة دول عدم االنحياز وبروز قضية التنمية كقضية‬
‫محورية مهمة ذات أبعاد داخلية ودولية تأثيرا ً فاعالً على مسار هذا العلم مما شكل‬
‫له تحوال نوعيا مميزا‪.‬‬

‫فمن ناحية التسمية‪ ،‬فقد تقرر في اجتماع دار اليونسكو الذي عقد في باريس‬
‫عام ‪ ،1948‬تسمية هذا الحقل من حقول المعرفة اإلنسانية "بعلم السياسة" ليحل‬
‫محل المسمى القديم "العلوم السياسية" حيث حددت له أربع من الفروع الرئيسية‬
‫وهي النظرية السياسية‪ ،‬والمؤسسات الحكومية‪ ،‬واألحزاب والفئات والرأي العام‪،‬‬
‫والعالقات الدولية‪.‬‬

‫ثم جاء تعريف دافيد إيستون لعلم السياسة بأنه " التوزيع السلطوي للقيم في‬
‫المجتمع " لينقل حدود هذا العلم إلى كل عمل فردي أو جماعي يتعلق بسير‬
‫العملية السياسية أو بتفاعالت المنتظم السياسي ‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫‪-2‬التطور في منهج علم السياسة‪.‬‬

‫من الناحية المنهجية‪ ،‬ظهر الخالف جليا بين منهجين مختلفين لدراسة‬
‫الظاهرة السياسية‪ .‬ففي الوقت الذي ظل فيه المنهج التقليدي يتعامل مع الظاهرة‬
‫السياسية من خالل الربط الواضح بين القيم والحقائق منطلقا ً من فرضية سكون‬
‫الظاهرة السياسية‪ ،‬ظهر المذهب السلوكي كواحد من أهم المناهج الفاعلة التي‬
‫أخذت على عاتقها مهمة تحويل هذا الحقل إلى علم متحرر من القيم مركزا على‬
‫السلوك الفعلي للظاهرة السياسية برمتها انطالقا ً من حقيقة أن الفرد هو وحدة‬
‫التحليل األساسية‪.‬‬

‫وتعرف السلوكية بأنها " البحث المنظم عن تعميمات أو قوانين عامة عن‬
‫طريق صياغة النظريات التجريبية والتحليل التقني وإثباتها من أجل تحقيق ذلك‬
‫الغرض " لذا فإن هذا المذهب يرتكز على قاعدتين متالزمتين هما صياغة‬
‫المفاهيم والفرضيات بطريقة منظمة وما يسمى بطرق البحث االمبريقية‬
‫(التجريبية) ‪.‬‬

‫لقد انطلقت الدراسات السلوكية من فرضية أن دراسة الظاهرة السياسية‬


‫يجب أن تصبح محررة من تأثير القيم االجتماعية وذلك الرتباطها بتحليل مفاهيم‬
‫القوة والتعدد والتأثير‪ ،‬وبالتالي فإن إدخال أي نوع من األحكام القيمية في التحليل‬
‫السياسي يؤدي إلى إعاقة الموضوعية العلمية المنشودة ‪.‬‬

‫في الوقت ذاته‪ ،‬صاحب ظهور هذا المذهب تبني الكثير من المصطلحات‬
‫التي أصبحت تمثل جزءا ً أساسيا ً من هذا الحقل من حقول المعرفة وأوجبت حتمية‬
‫التداخل فيما بينه وبين العلوم االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مدى علمية علم السياسة‪.‬‬

‫بناء على كل ما سبق يثور تساؤل مهم فحواه‪ ،‬ترى هل علم السياسة علم‬
‫بالمعنى األكاديمي المتعارف عليه علمياً؟ ولإلجابة على هذا التساؤل يجدر أن‬
‫نحدد أوالً‪ ،‬ما المقصود بالعلم؟‪.‬‬

‫يعرف العلم بأنه الفهم المنظم للحقائق المادية الثابتة ومعادالتها وتفاعالتها‬
‫ومتغيراتها الناجمة عن مراقبة مظاهرها وبواطنها واستقراء تفاصيلها وجزئياتها‬
‫وإجراء التجارب عليها واختبارها الستخراج حقائق جديدة حسب قواعد معينة‬
‫مختصة‪ .‬لذا فإن العلوم الطبيعية تتميز بمجموعة صفات أهمها وجود اتفاق عام‬
‫بين المهتمين بدراستها على طبيعة المشاكل والقضايا التي تشكل أساس هذه‬
‫العلوم‪ ،‬وكذلك االتفاق على جملة المفاهيم وطرق البحث لدراسة هذه القضايا‬
‫والتي تشكل في الوقت ذاته اإلطار المعرفي للعلم‪.‬‬

‫وعليه فإن استخدام لمفهوم علم السياسة من خالل المنظور السابق البد وأن‬
‫يعني بأن علم السياسة هو ذلك العلم المختص بتفاعالت ومعادالت الحقائق‬
‫والمواد تفاعالً إذا تساوت معه كل األشياء يؤدي إلى نتيجة متوقعة ومعروفة سلفا ً‬
‫أو جديدة‪ .‬وهو أمر يشكل أكثر من عالمة استفهام‪.‬‬

‫فالنظرية السياسية – على سبيل المثال – ال يمكن لها أن تتضمن جميع‬


‫األهداف واألسباب سواء في معادالتها‪ ،‬أو تفاعالتها‪ .‬وحتى لو تساوت هذه‬
‫المعادالت والتفاعالت فإنه ال يمكن الجزم بأن النتيجة أو المحصلة النهائية ستكون‬
‫معروفة سلفا ً أو ممكنة التكرار‪ .‬ولعل السبب في ذلك يعود إلى كون الظاهرة‬
‫السياسية دائمة التغير‪ ،‬وال يمكن لها الثبات لكونها ظاهرة مرتبطة بالوجود‬
‫اإلنساني أصالً‪ .‬كما أن التحليل المقارن للظواهر السياسية ال يعدو إال أن يكون‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫مجموعة من دراسات اجتماعية مقارنة تحاول خلق مفاهيم وتعميمات ممكنة‬


‫التطبيق على مختلف الظواهر االجتماعية في العالم‪ ،‬ولكن المشكلة الحقيقية تكمن‬
‫في إيجاد مجموعة من القواعد التي من الممكن استخدامها لتقييم إمكانية مقارنة‬
‫هذه الظواهر المالحظة في نظم اجتماعية مختلفة‪.‬‬

‫من هنا نستطيع القول بأنه ال يمكن إعطاء إجابة قاطعة بشأن الحديث عن‬
‫مدى علمية "علم السياسة"‪ ،‬بقدر ما نستطيع الحديث عن مدى اقترابه أو ابتعاده‬
‫عن مفهوم وخصائص العلم‪.‬‬

‫فالثورة العلمية التي ظهرت في علم السياسة ال يمكن النظر إليها إال من‬
‫خالل عجز اإلطار المعرفي الحاضر عن حل القضايا المعاصرة‪ ،‬وبالتالي دفع‬
‫عملية التحول من إطار معرفي ألخر في محاولة لتحريك علم السياسة من الحالة‬
‫الوصفية المجردة إلى إطار معرفي أكثر قوة وثبات واقتراب من مفهوم العلم‪.‬‬

‫نخلص من هذا إلى أن الحديث عن مدى علمية علم السياسة هو سؤال ال‬
‫يمكن تقديم إجابة قطعية بشأنه على اإلطالق بقدر الحديث عن اقتراب أو ابتعاد‬
‫علم السياسة كمفهوم وممارسة‪ .‬فعلم السياسة شأنه كشأن الكثير من العلوم‬
‫االجتماعية كاالقتصاد وعلم النفس واالجتماع وعلم األجناس ال يمكن أن يصل في‬
‫درجة علميته للمواد الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا وغيرها‪.4‬‬

‫‪ -4‬أنظر‪ :‬سويم العزي‪ ،‬دراسات في علم السياسة‪ ،‬دار إثراء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ .2009‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://khaward.ae/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9‬‬
‫‪ -II‬مجاالت علم السياسة‬
‫ال بد قبل التطرق ألبرز مجاالت علم السياسة‪ ،‬من توضيح الفرق بين‬
‫السياسة كممارسة أو كمجال اهتمام من لدن السياسيين أو األفراد العاديين‪ ،‬وبين‬
‫علم السياسة الهادف إلى دراسة الظواهر السياسية بالمنظور العلمي الذي يفترض‬
‫التجرد والموضوعية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬بين السياسة وعلم السياسة‬

‫إن كل ما يدور على ألسنة الناس‪ ،‬حكاما أو محكومين‪ ،‬يمكن وضعه في‬
‫مجال السياس ة والتي تنطوي في حيثياتها تلك المعطيات المجانية التي يتناقلها‬
‫الناس والتي ال تستند في غالبيتها على التحليل العلمي بل تبني جل تصوراتها‬
‫على المعطيات المبسطة الفاقدة لكل بعد فكري مثال حالة التحليالت المقدمة من‬
‫قبل الصحفيين والسياسيين الذين تبنوا السياسة كمورد رزق‪ .‬ولكون أن معطيات‬
‫هؤالء تنحصر في قضايا اجتماعية أو حوادث اجتماعية ولو كانت لها عالقة مع‬
‫السياسة فهي تبقى في جوهرها تعبيرا عن حوادث وقضايا اجتماعية لسبب تغليب‬
‫صراعاتهم‬ ‫المصالح الضيقة الشخصية على المصالح العامة‪ .‬وعليه فإن‬
‫وتعاونهم يمكن وضعها في مجال العمل السياسي (‪. )5‬‬

‫وبهذا فان الممارسة السياسية تختلف عن معطيات علم السياسة من زاوية‬


‫أن هذا األخير يستند في إفراز معطياته على البحث العلمي الذي يعني المالحظة‬
‫الدائمة للظواهر وتحليل أسباب وجودها وكيفية عملها‪ ،‬أي معرفة ديناميكية عملها‬
‫ومقارنتها بشكل دائم مع ما سبق من ظواهر للوصول إلى نتائج يمكن رصدها‬
‫والتوقع لما قد يحدث في المستقبل‪ .‬ولهذا فان الهدف من القيام بتلك المقارنة هو‬

‫)‪(5‬‬
‫‪Denquin Jean-Marie .Introduction à la science politique .Hachette .2eédition .2007.P.19‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫الحصول على نتائج مستقبلية يستفاد منها في التصدي أو التعامل مع مجريات‬


‫األمور أو تغييرها‪ .‬وبعبارة أخرى أن رفض علم السياسة لمنطق المعطيات‬
‫المجانية والتحليل المبسط وببحثه في ما وراء الشيء وفي أعماقه يعود إلى كونه‬
‫ذلك العلم الذي يبحث في القضايا االجتماعية الخاصة التي لها عالقة مباشرة بتلك‬
‫الظواهر (‪...‬المرتبطة في داخل المجتمع بوجود السلطة السياسية التي تأخذ على‬
‫عاتقها تحديدوفرض القرارات الجماعية ‪.‬‬

‫بمعنى أخر أن البحث في مجاالت أو قضايا يتطلب وجودها تدخال‬


‫للسلطات السياسية لما لديها من صالحيات واختصاصات وموارد تساعدها على‬
‫معالجة قضايا لها عالقة مباشرة بكل ما يتعلق بالمصالح العامة للمجتمع والتي قد‬
‫يثير عدم االهتمام بها مخاطر قد تهدد استقرار المجتمع نفسه بسبب تنازع‬
‫المصالح مثال وتأثير ذلك على تنظيم المجتمع كمحاولة تهدف إلى إبقاءه في عالم‬
‫مليء بالمتغيرات‪ .‬وعليه يفرض هذا البحث على علم السياسة بأن ال يستجيب إلى‬
‫العاطفة وال إلى ردود الفعل اآلنية بل عليه أن يقوم بعملية جمع المعلومات‬
‫وتحليلها وعقد المقارنة مع حوادث سابقة أو قضايا تتعلق بالسلطة السياسية أو‬
‫بمواقف أفراد المجتمع في أوقات معينة وذلك بهدف تقديم تفسير لوجودها ‪ .‬وال‬
‫يمكن التوصل إلى نتائج علمية إال من خالل استقاللية الباحث العلمي في هذا‬
‫المجال عن منطق السلطة أو التكوينات السياسية‪ ،‬حزبية كانت أو غير حزبية‪.‬‬

‫ويعود سبب التأكيد على هذه الخصوصية إلى أن منطق السلطة أو تلك‬
‫التنظيمات دائما ما يكون مرتبطا بالمصالح الضيقة مما يفسد من عملية المقارنة‬
‫ألن هذه السلطة أو التنظيمات تجبر من ينتمي إليها على االلتزام بمنطقها لتحقيق‬
‫أهداف معينة‪ .‬ولهذا السبب نرى أن تخلف علم السياسة في بعض مناطق العالم‬
‫يعود بالدرجة األولى إلى غياب هذه االستقاللية التي تتعارض مع معطيات‬
‫السلطة والتنظيمات السياسية القائمة وتجرد عنهم حيادية عملهم وتسلبهم حرية‬
‫االنتقاد التي تعتبر األرضية األساسية للوصول إلى معرفة الحقيقة‪.‬‬

‫على ما تقدم‪ ،‬وضعت تعريفات عدة لعلم السياسة‪ :‬فقد عرفته جامعة‬
‫كولومبيا بأنه (علم دراسة الحكومات والمؤسسات والسلوك والممارسة‬
‫السياسيين)‪ ،‬بمعنى أن علم السياسة يهتم بدراسة عملية الحكم والمؤسسات‬
‫السياسية بنوعيها من مؤسسات رسمية (المؤسستان التشريعية والتنفيذية)‬
‫وتنظيمات غير رسمية مثل األحزاب وجماعات الضغط والرأي العام‪ ، .‬كما يعنى‬
‫عمليات التصويت في االنتخابات‬ ‫بدراسة النشاطات السياسية لألفراد مثل‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫بعض المعاجم الفرنسية عرفت علم السياسة بأنه علم دراسة حكم‬
‫المجتمعات اإلنسانية أي علم حكم الدول‪ .‬أما العالم األمريكي دافيد إيستون فقد‬
‫عرفه بأنه العلم الذي يهتم بدراسة التوزيع السلطوي اإللزامي للقيم في المجتمع ‪.‬‬
‫بمعنى أن علم السياسة يتركز اهتمامه على دراسة الدور المحوري للسلطة‬
‫السياسية في الحفاظ على قيم المجتمع وإنفاذ القوانين باستخدام أدوات القوة‬
‫واإلكراه إذا اقتضى األمر في مواجهة الخارجين على هذه القيم والقوانين‪.‬‬

‫وقد عرف علم السياسة كذلك بأنه علم السلطة‪ ،‬ويركز أصحاب هذا‬
‫التعريف على السلطة السياسية باعتبارها الظاهرة السياسية األم المتمثلة في‬
‫"احتكار الحاكمين ألدوات اإلكراه المادي المصحوب بتصور أفراد الشعب له‬
‫على أنه احتكار خير وشرعي يستهدف تحقيق األمن واالستقرار والسالم داخل‬
‫المجتمع‪ .‬فالسلطة هي قوة شرعية خيرة"‪ .‬ويوجد تعريف لعلم السياسة بكونه‪ :‬علم‬
‫دراسة الظواهر السياسية بمنهج علمي تجريبي‪ .‬والمقصود بالظواهر السياسية هو‬
‫كل ما يدور في عالم السياسة(الواقع السياسي) من نشاطات وأحداث ذات صلة‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫بشئون السلطة والحكم‪ ،‬أما المنهج العلمي التجريبي فيستهدف ببساطة تقديم تفسير‬
‫للواقع السياسي (عالم السياسة _ الظواهر السياسية)‪ ،‬كما هو قائم دون تحيز‬
‫لوجهات نظر معينة بما فيها وجهة نظر الباحث نفسه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مواضيع علم السياسة ومجاالته‪.‬‬

‫إ ن مجال علم السياسة مجال معقد لكونه يرتبط بحياة المجتمع سواء كان‬
‫المجتمع مجتمعا بدائيا أو متطورا‪ .‬ويرجع هذا التعقيد إلى كون أن علم السياسة‬
‫يبحث في ماهية القوة التي تأخذ لها صورة السلطة والتي يفترض وجودها البحث‬
‫في كيفية عملها وتصرفها واألرضية االجتماعية االقتصادية والثقافية التي تستند‬
‫عليها‪ .‬إن الغرض من وراء هذا البحث هو الوصول إلى معرفة تطور مفهوم‬
‫القوة التي يتفرد المجتمع اإلنساني بوضع القواعد لتنظيم ممارستها وإضفاء الصفة‬
‫الثقافية عليها كمحاولة إلقناع أعضاءه بقبولها‪ .‬فلكون أن نشاطات اإلنسانية تتميز‬
‫ديمومة‬ ‫بصفتي التصارع –صراعالمصالح‪ -‬والتعاونمناجل المحافظة على‬
‫المجتمع ‪ -‬فان فكرة التنظيم وفكرة اإلقناع تعتبران الحجر األساسي لتطور علم‬
‫السياسة ألنهما يشكالن وجهي السياسة التي تدفع إلى المزيد من الجهد للتجديد‬
‫من وسائلها لكون أن نشاطات اإلنسان في تغير مستمر والصراعات الناتجة عنها‬
‫تفرض مزيدا من التنظيم ومزيدا من محاوالت اإلبداع الفكري لترسيخ فكرة‬
‫اإلقناع بزيادة درجات التعاون البشري داخل المجتمع اإلنساني‪.‬‬

‫يضافإلى ذلك أن علم السياسة يبحث في إشكالية الدولة كتعبير عن القوة‬


‫الجماعية للمجتمع المنظم وذلك من خالل دراسة تشكيالت مؤسسات الدولة‬
‫ووظائفها والصالحيات المناط بها للقيام بنشاطاتها بهدف المحافظة على صيرورة‬
‫المجتمع‪ ،‬من جهة‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬يبحث علم السياسة في عالقات الدولة بنظيراتها في‬
‫المجتمع الدولي أو بالمنظمات الدولية‪ ،‬هادفة بالدرجة األولى إلى المحافظة على‬
‫كيانها الدولي وذلك من خالل محاوالتها تحقيق مصالحها الحيوية والمحافظة‬
‫عليها‪.‬‬

‫كما يبحث علم السياسة أيضا في سلوكية القائمين بالعمل السياسي ودراسة‬
‫شخصيتهم ودوافع أعمالهم وتصرفاتهم‪.‬‬

‫إن القول بأن علم السياسة يبحث في حياة المجتمع السياسية الداخلية منها‬
‫والخارجية بسبب وجود سلطات سياسية يعني تحديد استخدام معطياته فقط بهذا‬
‫المعنى وهذا ما يقلص من مجاالت التي يمكن لهذا العلم بحثها‪ .‬فقصر مفهوم‬
‫السياسة فقط على وجود السلطات يعني التزام معطياته بتحليل ودراسة النظام كما‬
‫هو قائم وذلك بإخراج كل ما يحيط بهذا النظام من إشكاليات وتنظيمات وقوى‬
‫سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية لكون أن نشاطاتها تفتقد إلى صفة القرارات‬
‫الجماعية‪.‬‬

‫إن هذا التحديد في فهم السياسة يتناقض مع الواقع االجتماعي للمجتمع‬


‫الحديث حيث تتداخل الظواهر في كونها أسباب ونتائج وذلك لتداخل عوامل‬
‫وجودها‪ .‬ويدور محور هذه العوامل حولفكرة الصراع من اجل القوة بهدف خلقها‬
‫وتقاسم مصادرها‪ .‬ولهذا السبب أعطي أو ارتبط مفهوم السياسة بفكرة القوة الن‬
‫استخدام هذه األخيرة ما هو إال نتيجة التنازع بين أطراف أو مؤسسات وتنظيمات‬
‫على المصادر المالكة لهذه القوة مما حدا بالبعض بان يصف السياسة كمرادف‬
‫(‪ ..‬اإلرغام‬ ‫للقوة‪ ،‬لكون انه ينضوي في طيات اصطالح كلمة السياسة فكرة‬
‫على استعمال القوة من هنا ولدت فكرة ضرورة دراسة وتحليل ليس فقط النظام‬
‫القائم الشكلي وإنما أيضا كل األطراف والمؤسسات والتنظيمات والقوى التي‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫يتشكل منها المجتمع المدني لمعرفة مكوناتها والكيفية التي تتم فيها فكرة توزيع‬
‫مصادر القوة ‪.‬وعليه فانه يمكن تحديد مجال السياسة)بكل ما يتعلق في المجال‬
‫الداخلي وكذلك المجاالت الدولية والعالمية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬القوة السياسية كمفهوم مركزي في علم السياسة‬

‫تلك العالقة االجتماعية المتداخلة بين الحكام‬ ‫تعني القوة السياسية‪،‬‬


‫والمحكومين‪ ،‬التي تتحدد بقدرة التأثير بين مصدرين‪ ،‬المؤثر من يملك والمتأثر‬
‫من ال يملك قدرة التأثير على اآلخرين‪ .‬وقد وصفت القوة "بالمفسدة"‪ ،‬ليس‬
‫لكونها تمتلك منطقها الخاص بها‪ ،‬بل الن عالقات القوة تفرز نوعا من العالقات‬
‫االجتماعية التي تفرض على القائمين بها االبتعاد عن القواعد المكونة للمجتمع‬
‫بسبب تشابه المصالح المشتركة بينهم‪ ،‬هذه المصالح التي تشكل أساس قيام‬
‫الشعور بالوعي الطبقي الذي يعبر عنه من خالل ما يسمى بثقافة السلطة‪.6‬‬

‫وعليه فإن القوة السياسية تعني تلك القوة االجتماعية التي ترتبط أو تتبلور‬
‫فقط في نطاق الدولة والسلطة الن هذه األخيرة وجدت من اجل تنظيم العالقات‬
‫بين األفراد والتأثير على سلوكهم وذلك من خالل السلطات التشريعية والتنفيذية‬
‫والقضائية‪.‬‬

‫وال يعني تعريف القوة بهذا المجال عدم تواجدها في مجاالت أخرى‪،‬‬
‫فعالقات المجموعات ذات المصالح في تحقيق أهدافها سواء كان ذلك في عالقتها‬
‫مع السلطة أو في عالقتها مع بعضها البعض يمكن أن توصف بأن هذه‬
‫المجموعات تملك القوة مادامت تملك قدرة التأثير على التغيير من مسيرة األحداث‬
‫لهدف تحقيق مصالحها‪ .‬وعليه فإن القوة السياسية تعبر عن عالقة اجتماعية وليس‬

‫‪-6‬أنظر بهذا الشأن‪ :‬سويم العزي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪18 .‬‬


‫عن صفة مرتبطة بتنظيم ما أو بشخصية معينة‪ .‬وأساس هذه العالقة يعتمد على‬
‫قوة التأثير التي يتمتع بها فرد ما أو مجموعة معينة أو دولة في التغيير من سلوكية‬
‫فرد ما أو مجموعة معينة أو دولة أو دول‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ ،‬أن منطق القوة يعني تلك العالقات التبعية التي تنشأ نتيجة‬
‫التفاوت بالمستويات بين مالك لعوامل مادية ومعنوية وأخر خاضع لها‪ ،‬تلك‬
‫العوامل التي يمكن أن تأخذ لها ثالث أشكال‪:‬‬

‫‪ -‬تقييد حرية شخص مقابل شخص أخر أو مجموعة مقابل مجموعة أو دولة‬
‫مقابل دولة كالقرارات الدولية المتخذة ضد دولة ما أو شخصية سياسية معينة‪.‬‬

‫‪-‬عالقات القوة هي أيضا عالقات تبادل المنافع بين مجموعتين تختلفان من‬
‫كالعالقات السياسية واالقتصادية بين عالم‬ ‫زاوية طبيعة كل واحدة منهما‪،‬‬
‫الجنوب والشمال‪.‬‬

‫‪-‬القوة هي عالقة إجبار في التغيير من سلوكية األخر كاإلجراءات المتخذة‬


‫ضد دولة إليقاف برنامجها النووي مثال‪ ،‬أو إيقاف استخدام سلطة ما للعنف ضد‬
‫مواطنيها‪.‬‬

‫أما كيفية القيام بهذا التأثير فيمكن تحديد ثالث طرق‪:‬‬

‫‪ -‬سلطة التهديد‪ :‬وتعني التلويح باستخدام القوة‪،‬اللجوء إلى الوسائل المادية –‬


‫العنفوالقمع–سواءكانذلكباتجاهالخارجضددولةما‪،‬أوباتجاهالمجتمعالداخليبهدفتحقيق‬
‫األهداف المنشودة للسلطة‪ .‬كمثال عالقة السلطة مع بعض األقليات المكونة‬
‫للمجتمع‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫‪-‬سلطة اإلقناع‪ :‬ويراد بها استخدام القوة الالمادية بممارسة التأثير على‬
‫رغبات المتأثر ومتطلباته واختياراته من اجل التغيير من سلوكيته لتصبح مطابقة‬
‫مع رغبات صاحب التأثير مثل محاولة السلطة إقناع المضربين على العمل أو‬
‫المهددين باللجوء إليه بعدم اللجوء إلى هذا األسلوب في فترة معينة‪.‬‬

‫‪ -‬سلطة التعويض أو اإلغراء‪ :‬ويقصد بها قدرة مالك التأثير على ضمان‬
‫تغيير سلوك الخاضع من خالل تقديمه للمغريات المادية والمعنوية لضمان‬
‫استمرار خضوعه مثال على ذلك‪ ،‬تقديم المساعدات الدولية لغرض ضمان وقوف‬
‫دولة ما ‪ -‬الخاضعة ‪ -‬مع الدولة المانحة للمساعدات‪ ،‬االقتصادية منها أو‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫وكما يبدو واضحا‪ ،‬فإنه ال يمكن فصل هذه الطرق الواحدة عن األخرى‬
‫ألن إبعاد أي واحدة منها يعني فقدان القوة لقدرتها على التأثير‪ .‬أما آليات الوصول‬
‫إلى ذلك فإنها تقوم على أساس نفسي يتحدد بدوافع قبول أو رفض فرد أو‬
‫مجموعة وحتى دول لهذه السلطات الثالث‪ .‬ومن بين أهم هذه الميكانيزمات‬
‫المستخدمة لزيادة حجم التأثير أو استمراره‪ :‬آلية التالعب بالمعطيات والمشاعر‬
‫والتي تعني إخفاء األهداف والنوايا الحقيقية المحفزة لصاحب التأثير‪ ،‬وذلك‬
‫باستغالل األحاسيس األكثر بدائية لدى اإلنسان مثل مشاعر الخوف والقلق الناتجة‬
‫عن عمليات الدعاية الهادفة إلى التأثير على صورة اآلخر‪ ،‬مما يدفعه‪ ،‬سواء أكان‬
‫فردا أو تنظيما أو حتى دولة‪ ،‬إلى االنصياع لرغبات صانع تلك الصورة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الدولة‬
‫شكلت الدولة إبان عقود الموضوع األساسي لعلم السياسة كنتيجة منطقية‬
‫لكونها تشكل أسمى أشكال التجمع اإلنساني المنظم‪ ،‬وإذ اختلفت اآلراء والنظريات‬
‫الخاصة بنشوء وتطور الدولة‪ ،‬وتباينت بين التفسيرات العلمية والتبريرات القائمة‬
‫على االفتراض‪ ،‬إال أن الدولة ظلت تمثل‪ ،‬بعناصرها ومؤسساتها وبسلطتها‬
‫السياسية واحتكامها على أدوات القمع "المشروعة"‪ ،‬وبتفاعالتها داخليا‬
‫وخارجيا‪ ...‬محور التفاعل السياسي وبالتالي‪ ،‬العامل المركزي في معظم‬
‫الدراسات السياسية وعلم السياسة‪ ،‬سواء بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫‪ -I‬تعريف الدولة وتفسير نشوئها‬


‫تعبر الدولة عن أحد أسمى أشكال التجمع اإلنساني وأكثرها تطورا‪ ،‬وقد‬
‫كرست الدولة لنفسها مجموعة من عناصر وقواعد الوجود‪ ،‬كما تعددت النظريات‬
‫والرؤى التي تحاول تفسير نشوء الدولة وتبرير شرعية وجودها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الدولة‪ ،‬وظائفها وأساسها القانوني‪.‬‬

‫‪ -1‬تعريف الدولة‪.‬‬

‫يمكن تعريف الدولة بأنها ذلك الكيان المتواجد على جزء من االرض يعيش‬
‫‪-‬‬ ‫–شعب‬ ‫دائم‬ ‫بشكل‬ ‫األفراد‬ ‫من‬ ‫مجموعة‬ ‫فوقها‬
‫‪،‬تربطهمروابطمتداخلةلهاعمقفيالتاريخ‪،‬تنظمهاقواعدقانونيةتوصإلليهااألفرادفيمابين‬
‫هممنخاللذلكالتقاسمالمشتركللعيشسويةوالذيأنتجثقافةمعينةتتفردبخصوصيتها‪.‬‬

‫إن هذه العالقات هي في أساس قيام تلك الهيئات التي أنيط بها صالحية حل‬
‫الصراعات وتنظيم المجتمع السياسي والتي عرفت باسم الحكومة وهيئاتها‬
‫اإلدارية‪.‬‬

‫ومن اجل أن تأخذ هذه الدولة صفتها القانونية فالبد من االعتراف بها دوليا‬
‫بأنها دولة لها سيادة على ارض وعلى شعب يمتلك حكومة بسلطاتها الحقيقية‬
‫بحيث تكون هذه السلطات ممثلة للشعب‪.‬‬

‫وكثيرا ما يختلط مصطلح الدولة مع تعابير أخرى‪ ،‬فهناك مثال مصطلح‬


‫الدولة القومية أو الدولة الوطنية الذي يتضمن في محتواه حق الشعوب في تقرير‬
‫في مقابلة شعوب أخرى‪ .‬بعبارة أخرى ينضوي في طيات هذا‬ ‫مصيرها‬
‫االستخدام تلك الروح التي تناضل بهدف الحصول على حقها في الحياة والتخلص‬
‫من حالة التبعية في حين أن استخدام كلمة الدولة في األنثروبولوجيه السياسية‬
‫يعني تلك التجمعات التي تحتل إقليم معين والتي تملك سلطة ما يعود لها حق‬
‫تنظيم المجتمع السياسي بين حكام ومحكومين‪ ،‬وبمعنى آخر‪ ،‬وجود سلطة سياسية‬
‫يدعمها جهاز إداري وتقسيم للعمل‪.‬‬

‫إن معنى الدولة في دراسات االنثروبولوجيا السياسية يجعل من الدولة‬


‫تعبيرا عن حقيقة جماعية يمكن وضعها في عالقة مجالية مع المجتمع المدني‬
‫الذي يتكون من تجمعات تضم أفرادا مختلفين تربطهم عالقات اقتصادية‬
‫واجتماعية وثقافية‪ ،‬حيث يواصل كل واحد منهم رغم تواجده على نفس اإلقليم‬
‫تحقيق مصالحه الخاصة ‪ ،‬في حين تعبر الدولة عن كيان تنظيمي وهرمي يعكس‬
‫اإلرادة الجماعية الضرورية لتحقيق الوحدة العقالنية الهادفة إلعطاء هذا التجمع‬
‫المعنى األخالقي لوجوده‪.‬‬

‫‪ -2‬وظائف الدولة‬

‫يتجلى مفهوم الدولة أيضا من خالل الوظائف التي تقوم بها‪ ،‬فباإلضافة‬
‫إلى كونها تقوم من خالل سلطاتها على تنظيم المجتمع بوضع القواعد القانونية‬
‫فلديها أيضا وظائف سياسية تتمثل في (المحافظة على األمن‪ ،‬توفير الموارد –‬
‫عنطريقالضرائب–وضعالقواعد لفض الخالفات وتخصيص الموارد لصرفها على‬
‫اإلقليم الذي تمارس عليه صالحياتها القانونية)‪.‬‬

‫وللتمكن من القيام بهذه الوظائف فإنها ‪-‬أي الدولة‪ -‬تستند بشكل أساسي‬
‫ومن خالل مكوناتها السياسية –سلطاتتشريعيةوتنفيذيةوقضائية–على (القوة ‪-‬‬
‫‪ -‬من خالل المراسيم‬ ‫الماديةضدمواطنيهاإذادعتالضرورةلذلك‪ ،‬على اإلقناع‬
‫والقانون –على التأثير –بالرأي منخالاللدعايةالسياسية‪-‬وعلىالتباداللمصلحي‪-‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫تعزيز نمو االقتصاد رفع من مستوى المعيشة لللحصول على قبول المواطنين‬
‫ودعمهم ورضاهم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األساس القانوني للدولة‬

‫هناك عدة اتجاهات تذهب لتقديم تفسير لدور العوامل المختلفة وآلياتها في‬
‫تشييد أساس تكوين الدولة‪ .‬فثمة من يفسر نشوء الدولة الوطنية بعوامل اقتصادية‪،‬‬
‫وثمة من يربط تلك األسس بالمعطيات والخصوصيات الثقافية‪ ،‬وسنكتفي في هذا‬
‫المقام بالتركيز على األسس القانونية للدولة والتي تبنتها المدرسة القانونية‬
‫المفسرة لقيام الدولة الوطنية(‪.)7‬‬

‫وتنطلق هذه المدرسة من أهمية القانون في تكوين الدولة‪ .‬فبالنسبة لها أن‬
‫الدولة هي تعبير عن وحدة شعب ما على ارض معينة يمتلك هيئة سياسية قائمة‬
‫على قواعد القانون وتمتلك هذه الهيئة وحدها سلطة الزجر والقمع‪.‬‬

‫وحسب تحليل الفقيه النمساوي كلسن ‪ Kelsen‬أن الدولة هي القانون بمعاييره‬


‫الوضعية التي يضعها اإلفراد لتحديد سلوكهم‪ ،‬وهي ليست النظام االجتماعي‬
‫الذي يمارس فيه الحكام في داخل اإلقليم‪ ،‬سلطتهم على المحكومين ‪ ،‬وال هي‬
‫األجهزة اإلدارية التي تحتكر سلطة اإلرغام والقمع ‪ .‬الدولة نظام قانوني يتصف‬
‫بان ممارسة السلطة ال تتم إال من قبل حكام اختيروا بشكل قانوني من قبل‬
‫المحكومين المعرفين قانونيا‪.‬‬

‫وعليه فالدولة ال تكون إال دولة قانون وال يمكن فصلها عن القانون‪ .‬فالدولة‬
‫بدون قانون ليست بدولة ألن غياب قواعد التنظيم القانوني الذي يعكس النظام‬

‫)‪(7‬‬ ‫‪Bélanger André-J .Lemieux Vincent .Introduction à l’analyse politique .Presses de‬‬
‫‪l’Université de Montréal.1996.p.146‬‬
‫الجماعي‪ ،‬حيث يتم على ضوئه تحديد سلوك األفراد أعضاء المجتمع السياسي‪،‬‬
‫يعني فقدان وجود هذا النظام الجماعي‪،‬وكنتيجة فقدان الشعب المتواجد على إقليم‬
‫معين لوحدته‪ .‬لذلك فإذا كان أساس وجود الدولة هو القانون‪ ،‬فال يمكن تصور قيام‬
‫"التنظيم" الذي يشكل أساس وجود المجتمع‪ ،‬مع غياب القانون‪ ،‬ألن مع غيابه‬
‫تنتهي الدولة كفكرة وكوجود‪ .‬وهذا القانون ال يمكن أن يوجد خارج الدولة ألنه ال‬
‫يمكن الحصول على شرعية قانون ما إذا لم يكن هناك شعب وهيئة سياسية على‬
‫ارض ما‪ .‬فدولة القانون هي تلك الدولة التي تستند شرعيتها على موافقة أفراد‬
‫الشعب على القواعد القانونية التي تضعها الهيئات السياسية المنظمة للمجتمع‬
‫السياسي لكونه –أي–الشعب ‪ -‬صاحبالسيادةالفعلية‪.‬‬

‫أن قبول األفراد بالقواعد القانونية هذه يعبر عن خضوعهم لقواعد التنظيم‬
‫الذي ارتضوا وجوده بشكل طوعي وإرادي حيث يعكس هذا التنظيم حالة‬
‫المساومة بين المصالح المتعارضة والتعاون المصلحي بين األفراد والمجموعات‬
‫وبشكل عقالني وعلى أساس اختصاصي(‪.)8‬‬

‫أن التأكيد على أن القانون يشكل أساس الدولة يعني إعطاء هذه األخيرة‬
‫شخصية أخالقية وكيانا مجردا‪ ،‬وهي وجدت بهدف وضع حد للتفرد الشخصي‬
‫للقائمين على السلطة واحتكارهم لها‪ .‬بعبارة أخرى أن (الحكام لم يعودوا يتكلمون‬
‫باسمهم الخاص كما هي الحال في األنظمة التقليدية بل باسم السلطة المجردة‬
‫الدولة والتي باسمها يضع ممثلو السلطة القواعد بمعنى القانون واألحكام‬
‫والقرارات‪ - ...‬ويعني هذا –فصاللسلطةعنحاملها ‪–.‬وكنتيجة–الحكام يمضون‬
‫والدولة باقية) (‪.)9‬‬

‫)‪(8‬‬ ‫‪cf. Kelsen Hans.La démocratie, sa nature, sa valeur .Paris .Economica .1988‬‬
‫)‪(9‬‬
‫‪Bélanger André-J .Lemieux Vincent. Op.cit.p.147‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫إ ن من أهم نتائج كون الدولة كيانا مجردا هو الغموض في مواقفها فلكونها‬


‫تستند في بناءها على القانون فهي أيضا منشئة لهذا القانون عن طريق التشريعات‬
‫التي تضعها لتنظيم المجتمع‪ ،‬فلذلك فإنها تتمتع بسلطات مطلقة فال يوجد من‬
‫الناحية النظرية أي قانون وضعي أو طبيعي يحد من هذه السيادة المطلقة غير‬
‫التزامها هي نفسها بالقواعد القانونية المنظمة للمجتمع الدولي على المستوى‬
‫الدولي بعبارة أخرى أن الواقع يفرض عليها أن أرادت البقاء على المسرح‬
‫السياسي الدولي أن ترضخ طوعا لهذه القواعد ‪ .‬ولكن يمكنها أن ترفض هذا‬
‫الخضوع إن رأت أن مصالحها الحيوية معرضة للخطر‪ ،‬خصوصا وكما ذكر إنها‬
‫هي المسؤولة على وضع وإنشاء القوانين‪.‬‬

‫إن فكرة إطالقية سيادية الدولة التي ظلت سائدة منذ بروز الدولة على‬
‫المسرح السياسي الدولي ودعمت بقواعد القانون الدولي الذي ينص على أن‬
‫الدولة هي وحدها المالكة للسيادة وال يمكن التدخل في شؤونها الداخلية ‪ ،‬هذه‬
‫اإلطالقية بدأت مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تفقد‬
‫أهمية هيمنتها لتحل بدلها فكرة نسبية هذه السيادة وذلك بفعل عاملين‪:‬‬

‫األول هيمنة العولمة التي تفرض شروطها بسبب تداخل العالقات‬


‫االقتصادية والثقافية والبيئية الدولية التي تجبر الدول على التقليل من صالحيات‬
‫السيادة‪ ،‬إنها رغبة الدول في االستفادة من عوائد العولمة بكل جوانبها‪.‬‬

‫أما العامل الثاني فيتمثل في تطور حق األفراد ومنظمات المجتمع المدني‬


‫في اللجوء إلى المؤسسات القانونية الدولية كالمحاكم لمقاضاة الدولة لطلب التدخل‬
‫اإلنساني لحماية األفراد واألقليات من قمع سلطات لرعاياها‪.‬‬
‫أما على المستوى الداخلي فان الغموض يكمن في كون إن الدولة هي‬
‫صاحبة التشريع الذي يضمن لها التمتع بسلطات كبيرة وفي نفس الوقت تكون‬
‫سلطتها مقيدة بنصوص الدستور‪ ،‬حيث يعني هذا خضوعها هي األخرى إلى‬
‫القواعد القانونية المنظمة للمجتمع السياسي‪ .‬وقد يثير هذا التناقض في المواقف‬
‫فكرة كيفية المالئمة بين من يملك التشريع وسيادته من جهة والتزامه الذاتي بما‬
‫يشرعه لنفسه من جهة أخرى‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫نشأة الدولة ومسألة شرعيتها‬ ‫‪-II‬‬


‫هناك عدة نظريات تبحث في األسباب التي تقف وراء قبول األفراد‬
‫والجماعات الخضوع إلى سلطة الدولة‪ ،‬منها ما يقوم على افتراضات تبتعد بعض‬
‫الشيء عن التحليل العلمي الموضوعي لفكرة الدولة‪ ،‬كنظريات العقد االجتماعي‪،‬‬
‫ومنها ما يحاول تبني المنهج العلمي بهذا الشأن‬

‫أوال‪ :‬نظريات العقد االجتماعي‬

‫تنطلق هذه النظرية من فكرة الحاجة إلى وجود الدولة التي تمثل نتيجة‬
‫لتعاقد األفراد فيما بينهم بشكل علني أو ضمني وتكمن وراء هذه الحاجة رغبة‬
‫هؤالء األفراد إضفاء التنظيم على حياتهم المشتركة‪ .‬ويمكن التمييز هنا بين ثالث‬
‫اتجاهات‪:‬‬

‫هوبس‪Thomas Hobbes‬‬ ‫‪ -1‬نظرية توماس‬

‫حسب هذه النظرية‪ ،‬تقوم الدولة نتيجة لرغبة األفراد في ضمان األمن‬
‫والحاجة إلى الحماية ضد الفوضى وقانون الغاب الذي يكمن سببها في طبيعة‬
‫اإلنسان الميال نحو العنف مهما كانت وضعية هذا اإلنسان‪ ،‬أي‪ ،‬و بعبارة أخرى‬
‫يكمن دافع الخوف من استمرار العنف أو التخوف من اندالعه‪ ،‬وراء قبول‬
‫األفراد بكيان الدولة وسلطاتها – مانحا إياها شرعية وجودها لكونها الكيان القادر‬
‫على ردع العنف والمحافظة على بقاء اإلنسانية‪.‬‬

‫و بمعنى أخر فإن وضع الثقة في هذا الكيان (الدولة) هو لخدمة مصالح‬
‫األفراد لكونها تملك السلطة المطلقة المطلوبة للمحافظة على السلم االجتماعي‪.‬‬
‫إذن إنها شرعية مرتبطة بفائدة وجود سلطة الدولة وليس لتمجيد هذه السلطة الن‬
‫هذه األخيرة محكومة بقواعد القانون الطبيعي هادفة بالدرجة األولى إلى المحافظة‬
‫بكل الوسائل المتاحة على السلم االجتماعي واألمن‪.‬‬

‫ولضمان ذلك‪ ،‬فإن تعاقد األفراد وبشكل إرادي فيما بينهم وليس فيما بينهم‬
‫واألمير في التخلي عن حقوقهم وتحويلها إلى الدولة التي يجسدها األمير‪ ،‬يمثل‬
‫أنجع وسيلة لضمان هذه الحقوق‪ .‬ولكن هذا التخلي ليس تخليا مطلقا‪ ،‬فشرعية‬
‫الدولة المتمثلة باألمير تبقى محددة بعقالنية هذا األخير في وضع حدود بين‬
‫المصلحة العامة ومصالحه الخاصة‪.‬‬

‫‪ -2‬نظرية جون لوك ‪John Locke‬‬

‫يرى لوك أن حاجة األفراد إلى قيام الدولة قد تعود إلى رغبتهم في قيام هذا‬
‫الكيان لضمان حرياتهم ضد تعسف مالكي القوة‪ .‬فبالنسبة له أن الطبيعة البشرية‬
‫في أساسها طبيعة مسالمة وان اإلنسان في أساس كل عمل له قيمة وليست الطبيعة‬
‫وراء ذلك‪ .‬فكل القوانين التي يضعها اإلنسان لنفسه ووجود الحكام والشرطة‪ ،‬كل‬
‫هذه األشياء واألفعال غير موجودة في الطبيعة‪ ،‬بل هي من صنع اإلنسان أوجدت‬
‫لخدمة مصالحه‪ ،‬وان السلطة في جوهرها هي سلطة الحرية التي تهدف إلى‬
‫تحقيق سعادة اإلنسان‪.‬‬

‫ويعني ذلك أن جذور شرعية الدولة تجد سبب وجودها في حاجة األفراد‬
‫الذين ولدوا أحرارا لحماية حريتهم وملكيتهم الخاصة ضد ممارسات السلطة‬
‫التعسفية لمالكي القوة‪ .‬وألجل تحقيق تلك الحاجة‪ ،‬فهم تنازلوا عن حقهم الطبيعي‬
‫وتعاقدوا فيما بينهم على العيش معا وإعطاء المجتمع المدني حق تعين حاكم يقوم‬
‫بوظيفة حل النزعات‪ .‬وكنتيجة لهذه الحرية فان السلطة التي وجدت البد أن تكون‬
‫سلطة عدل ووظيفة الحكومة هي للحكم وليس إلدارة المجتمع والقيام بالتشريع‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫أما وظيفة األمير فهي لمتابعة الخير العام‪ .‬فال يمكن له أن يجمع السلطة التنفيذية‬
‫والتشريعية بيده الن كل احتكاريه للسلطة يعني الدخول في تناقض مع قواعد العقد‬
‫الذي أقيم على أساسه المجتمع في احترام إرادة األغلبية وقرارها‪.‬‬

‫روسو ‪. RousseauJean-Jacques‬‬ ‫‪ -3‬نظرية جان جاك‬

‫تعود جذور شرعية الدولة إلى رغبة األفراد في إقامة هذا الكيان كتعبير‬
‫عن إرادتهم الجماعية‪ .‬فبالنسبة لروسو أن اإلنسان ولد حرا وتنازل عن هذه‬
‫الحرية لصالح "العموم" الذي يعكس اإلرادة المشتركة لجميع أعضاء المجتمع في‬
‫العيش سويا‪ ،‬ممثلة بالهيئة السياسية والتي يطلق عليها أعضاء هذا المجتمع اسم‬
‫الدولة‪ .‬بمعنى أخر أن الدولة تجد شرعية وجودها من خالل التقاسم المشترك‬
‫ألفراد مجتمع ما للمصالح المشتركة بتفضيل المصالح العامة على الخاصة في‬
‫تنظيم المجتمع من خالل تقاسم السلطات حيث تعتبر إرادتهم المشتركة مصدرا‬
‫للقانون ألنها تمثل سيادتهم التي ال تعلوها سيادة أخرى ‪.‬‬

‫وللتعبير عن هذه السيادة فان فكرة التفويض تترجم عمليا بكونها تلك‬
‫اإلرادة الجماعية في حكم المواطنين أنفسهم بأنفسهم من خالل ممثليهم المنتخبين‬
‫عندما يفوض هؤالء بالتكلم عنهم لوضع القوانين وصنع السياسة كتعبير عن‬
‫اإلرادة الجماعية ‪.‬‬

‫وكما هو مالحظ أن كل هذه اآلراء بنيت على منطلقات ذاتية وتفتقد لألساس‬
‫الموضوعي‪ ،‬فمثال تعكس فكرة هوبس فترة والدة الليبرالية وصراعها مع النظام‬
‫اإلقطاعي وتخوفه من الفوضى السياسية التي قادت به إلى تفضيل مركزية‬
‫السلطة على تقاسمها مع إطراف أخرى ‪ .‬في حين أن فكرة لوك تعكس قوة‬
‫البرجوازية الصاعدة ومطالبتها بتقسيم السلطة السياسية والتي تظهر بشكل واضح‬
‫نضج تفكيرها مع فكرة روسو في خلق ودعم النظام الديمقراطي(‪.)10‬‬

‫ثانيا‪:‬النظرية الماركسية‬

‫تنطلق هذه النظرية من فكرة أن ما يقرر قيام وشرعية الدولة هو عامل‬


‫العالقات اإلنتاجية المرتبطة بالنموذج االقتصادي الرأسمالي الذي تشيد عليه أسس‬
‫الدولة القانونية والسياسية‪ .‬فالحياة المادية للمجتمع‪ ،‬سياسيا وثقافيا‪ ،‬ما هي إال‬
‫انعكاس لطريقة اإلنتاج المطبقة داخل المجتمع‪ ،‬وهذا يعني أن شعور الفرد ليس‬
‫هو الذي يقرر مواقفه وإنما الحالة االجتماعية هي التي تقرر شعوره‪.‬‬

‫فبناء المؤسسات السياسية والقانونية للمجتمع يتم تأطيرها بالبنية التحتية‬


‫االقتصادية للطبقة البرجوازية المسيطرة‪ ،‬فكل ما يصدر من هذه المؤسسات هو‬
‫انعكاس لمصالح هذه الطبقة‪.‬‬

‫وعليه فان الدولة ومؤسساتها تستمد شرعيتها من شرعية الطبقة‬


‫البرجوازية وقدرة هذه األخيرة على خلق تماثل القاعدة معها من خالل قدرتها‬
‫على خلق الوهم االجتماعي بان الدولة هي كيان تجريدي في خدمة المجتمع‬
‫السياسي‪ .‬أن قدرة هذه الطبقة على خلق الوهم االجتماعي متوقفة على قابلية هذه‬
‫األخيرة في ربط إشباع مصالح الطبقات السفلى بوجودها على قمة السلطة‬
‫وإمكانية تأطيرها لهذه الطبقات من خالل أيديولوجيتها‪.‬‬

‫وحسب النظرية الماركسية‪ ،‬فإنه ال شرعية للدولة إال عندما تكون الطبقة‬
‫البروليتارية هي المسيطرة على السلطة‪ .‬وهذه الشرعية هي شرعية مرحلية‪ ،‬الن‬

‫)‪(10‬‬
‫‪Bélanger André-J .Lemieux Vincent .Introduction à l’analyse politique .Presses de‬‬
‫‪l’Université de Montréal.1996.p.150et s‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫برنامج حكم الديكتاتورية البروليتارية بتطبيقه للنظام االشتراكي ‪ ،‬يهدف إلى‬


‫تحويل الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج لملكية الدولة من اجل القضاء على‬
‫الفوارق الطبقية وكمرحلة للوصول إلى تطبيق الشيوعية‪ .‬وبعد القضاء على‬
‫الفوارق الطبقية بفضل هذا االنجاز سوف تنتهي الدولة كمعبرة عن مصالح طبقية‬
‫معينة(‪.)11‬‬

‫إن النقد الذي يمكن أن يوجه لهذه النظرية هو طوبائية الفكرة في تأكيدها‬
‫على قدرة حكم الطبقة البروليتارية كطليعة ثورية قادرة على تغيير من طبيعة‬
‫الدولة‪ .‬فمن اجل أن تكون الطبقة قادرة على تحقيق التغييرات الجوهرية داخل‬
‫المجتمع يجب عليها أن تكون مستقلة عن كل الطبقات األخرى ‪.‬في حين وما ظهر‬
‫مع الواقع‪ ،‬فأن حاجة هذه الطبقة للمجموعة المثقفة –ومهماأعطيلهامنتسمية‪-‬‬
‫مناجلتنويرهاوتقويةشعورهاالطبقي‪ ،‬جعلها من الناحية النظرية والعملية مجموعة‬
‫تابعة لهذه األخيرة‪ ،‬لكون أن هذه المجموعة هي خالقة الفكرة‬

‫في الواقع أن حاجة الطبقة العمالية للمجموعة المثقفة ال يعني فقط تبعيتها‬
‫لها وإنما أيضا عدم قدرتها على قيادة التغيير لكون أن عملية التغيير ستكون‬
‫تعبيرا عن اعتبارات ومعطيات وأفكار من يملك المعرفة وليس من يكون في‬
‫محل التبعية‪ .‬وبالتالي فإن المجموعة المثقفة باعتبارها مالكة المعرفة ستكون قابلة‬
‫للتحول إلى طبقة تستقل بالسلطة واالمتيازات وإن اعتبرت الشريحة العضوية‬
‫للطبقة العاملة(‪.)12‬‬

‫(‪ )11‬يقول انجلز بهذا الخصوص‪" :‬عندما تحل إدارة األشياء وقيادة العمليات اإلنتاجية محل‬
‫إدارة حكومة األفراد‪ ،‬فالدولة ال يقضى عليها وإنما ستذبل " ومع ذبولهاتنتهي فكرة‬
‫شرعيتها‪ .‬مشار إليه في‪ :‬سويم العزي‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪68 .‬‬
‫)‪(12‬‬
‫‪Cf. Braud Philippe .Histoire des idées politiques de gauche .cours de science politique .4‬‬
‫‪année .Faculté de droit .Rennes .p.30‬‬
‫ثالثا‪ :‬النظرية الشرعية العقالنية‬

‫بحثت هذه النظرية قيام وشرعية الدولة من خالل شعور األفراد والفاعلين‬
‫االجتماعيين بضرورة وجودها‪.‬ففكرة الخضوع للدولة لم تولد من فكرة تملكها‬
‫لسلطة احتكار استخدام القوة وإنما من خالل حاجة المجتمع العقالنية للتنظيم‬
‫ولضمان الحماية القانونية للنشاطات االقتصادية وحماية الملكية الخاصة‪.‬‬

‫بعبارة أخرى أن الدولة تستمد شرعيتها ليس من تطابقها مع قواعد النظام‬


‫القانوني الموضوع فقط وإنما من خالل قدرة قواعد هذا النظام على التعبير عن‬
‫التمثيل االجتماعي للقيم المطلقة لهذه القواعد حينما تؤخذ هذه القواعد كوسيلة‬
‫لتأسيس السلوك االجتماعي المرغوب فيه ونبذ غير المرغوب فيه من قبل‬
‫الجميع‪ ،‬أفراد كانوا أو جماعات‪.‬‬

‫وفي هذه الحالة تصبح الدولة ضامنة لهذاالتأسيس بما تملك من قدرة على‬
‫)اإلقناع والفرض‪ ،‬وذلك حسب رأي ماكس فيبر ‪.)13(WeberMax‬‬

‫وتلعب التنشئة االجتماعية والسياسية دورا في انسياق أفراد المجتمع إلى‬


‫االقتناع العقالني بأهمية وحتمية دور الدولة في التنظيم‪ ،‬حيث يفترض إنها تتم‬
‫على المستوى القاعدي وبشكل طوعي‪ .‬ولكن هذا ال يمنع من أن يكون وراء هذه‬
‫العملية جهد سلطات الدولة في تعبئة األفراد والمجموعات وراء أهداف معينة‪،‬‬
‫ترى إنها ضرورية في عملية تطور المجتمع سياسيا واقتصاديا‪.‬‬

‫)‪(13‬‬
‫‪Weber Max .économie et société .Paris pocket .1995. P .68‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫كخالصة‪ ،‬يمكن القول أن فكرة شرعية الدولة‪ ،‬تبقى قضية أخالقية وقانونية‬
‫بطريقة ممارسة القائمين على سلطة الدولة‬ ‫لكونها تتعلق‬ ‫فهي أخالقية‬
‫للصالحيات المنوطة بهم وبفلسفتهم السياسية التي تعبر عن نظرتهم وتصورهم‬
‫لتنظيم حياة المجتمع‪ .‬وهي قانونية ألن على ضوئها تتحدد مجاالت نشاطات‬
‫الدولة التي يضع الدستور حدودها برسم ما هو شرعي وما وغير شرعي في‬
‫إطار المعايير المتفق عليها مسبقا‪ .‬أن هذه الحدود هي التي تمنح القائمين على‬
‫إدارة سلطة الدولة االستمرارية في مواقعهم السياسية‪.‬‬
‫السياسي‬ ‫المنتظم‬ ‫‪‬الفصل الثالث‪:‬‬
‫والنظم السياسية‬
‫قد يكون من المفيد‪ ،‬من أجل تيسير استيعاب مفهوم الدولة والسلطة‬
‫السياسية وطبيعة التفاعالت التي تقيمانها في إطار اإلقليم الجغرافي للدولة‬
‫وخارجه‪ ،‬إلقاء بعض الضوء على مفهوم المنتظم أو النسق السياسي كمنظور‬
‫عرف الكثير من الزخم واالستخدام في دراسات علم السياسة‪ .‬على أن المنتظم‬
‫السياسي كمفهوم مجرد يحاول شرح نمط التفاعالت السلطوية يرتبط أيضا بأهمية‬
‫توضيح طبيعة النظام السياسي أو النظام الدستوري في الدولة‪ ،‬بحكم كون هذا‬
‫األخير يطرح جملة من اآلليات التي تسير وفقها المؤسسات السياسية في الدولة‬
‫والسلطات العامة فيها‪ ،‬إلى جانب منظومة العالقات وتبادل التأثيرات فيما بينها‪،‬‬
‫ال سيما من منظور المبدأ الشهير الذي من شأنه أن يحقق التوازنات المطلوبة التي‬
‫تضمن‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬حسن سيرها‪ ،‬وهو المتمثل في مبدأ الفصل بين‬
‫السلطات‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫‪ .I‬المنتظم أو النسق السياسي‬


‫يعتبر المنتظم السياسي تعبيرا علميا عن تفاعل السلطة السياسية في الدولة‬
‫مع محيطها‪ ،‬سواء أكان ذلك المحيط الواقع داخل إقليم الدولة (أي المجتمع في‬
‫عموميته)‪ ،‬أو ذاك الواقع خارج حدود الدولة (أي المجتمع أو اإلطار الدولي)‬

‫ويقدم رواد نظرية النظم في تحليل المنتظم أو النسق السياسي‪ ،‬أفضل‬


‫نموذج لعالقة هذا األخير بالمحيط الذي يعيش فيه‪ ،‬مبرزين في ذلك ضرورة‬
‫تلقي النظام لطلبات المحيط من خالل توفير المعلومات حولها‪ ،‬بيد أن طريقة‬
‫االستجابة لتلك المطالب‪ ،‬تبقى دوما رهينة باعتبارات مختلفة تحكم صناع القرار‪،‬‬
‫وبشكل أدق‪ ،‬الظروف العامة للمحيط الذي يعمل النسق السياسي في إطاره‪ ،‬وكذا‪،‬‬
‫مدى كفاءة ذلك النسق في التفاعل الجيد مع ذاك المحيط‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نموذج دافيد إيستون‬

‫عرف العالم األمريكي دافيد ايستون )‪ ( D. Easton‬المنتظم السياسي بأنه‬


‫(‪)14‬‬

‫مجموع التفاعالت التي من خاللها تتم عملية التوزيع السلطوي للقيم ويشكل ذلك‬
‫نظاما للتصرفات ينتمي إلى محيط معين ويتلق تأثيراته‪ ،‬ويملك القدرة على‬
‫االستجابة لتلك التأثيرات‪ .‬ولكي يبقى‪ ،‬يجب أن يكون هذا النسقم قادرا على رد‬
‫الفعل)‪.(Réaction‬‬

‫ويشبه إيستون المنتظم السياسي بعلبة سوداء متجنبا الخوض فيها‪ ،‬وهي‬
‫‪ (Intra‬وهوالذي ينتمي آليه‬ ‫)‪sociétal‬‬ ‫ترتبط بعالقات مع محيط مجتمعي داخلي‬

‫(‪ )14‬انظر بشأن تحليل دافيد ايستون للنظام السياسي‪:‬‬


‫‪-Roger Gérard SHWARTZENBERG, Sociologie Politique, Montchrestien, 4e édition, Paris‬‬
‫‪1988. pp. 92-98.‬‬
‫‪ (Extra‬وهويمثل المجتمع‬ ‫خارجي)‪sociétal‬‬ ‫النظام السياسي‪ .‬ومحيط مجتمعي‬
‫الدولي‪.‬‬

‫يدفعهذا المحيط بمدخالته )‪ (Input‬المتشكلة من مجموعة "مطالبه"‬


‫وعناصر "دعمه" للمنتظم‪ ،‬إلى العلبة السوداء أي المنتظم السياسي الذي يستجيب‬
‫لها‪ -‬وفق آليات معينة‪ -‬من خالل مخرجات)‪ ،(output‬تتخذ شكل أفعال وقرارات‬
‫تؤثر بدورها على المحيط ليقوم بصياغة مدخالت جديدة وفق عملية للتغذية‬
‫العكسية)‪.)15(( Feed Back‬‬

‫ويقع على عاتق المنتظم مهمة تنظيم مطالب المحيط وتصفيتها من خالل‬
‫إقامة التوازن بين المصالح‪ ،‬وتصنيف األولويات‪ ،‬ويستطيع النظام السياسي من‬
‫خالل سلطات الدولة المختلفة وأجهزتها البيروقراطية أن يستبق مسألة التعبير عن‬
‫المطالب‪ ،‬عن طريق محاولة تقدير التطورات التي ستضع النظام أمام ضرورة‬
‫اتخاذرد فعل معين‪ ،‬يحدث ذلك في إطار تغذية ذاتية بالمطالب ‪(Auto‬‬
‫)‪ alimentation‬فالسلطات السياسية تغذي النسق بطلباتها الخاصة‪.‬‬

‫وفي مواجهة كثافة طلبات المحيط‪ ،‬سيكون على النظام السياسي أن يدعم‬
‫قنوات تدفق المعلومات بواسطة دعم هياكله بالخبراء وتطوير مؤسساته‬
‫البيروقراطية أو أن يلجأ إلى معالجة تلك المطالب بطرق تؤدي إلى تقليصها‬
‫ليتمكن من تجنب الحمولة الزائدة )‪(Surcharge‬التي من شأنها أن تشكل خطرا‬
‫عليه وعلى استمرارية قيامه بدوره بالشكل الطبيعي والعادي‪.‬‬

‫إن الدور المنوط بالمنتظم السياسي ألي دولة‪ -‬كما يبدو‪ -‬هو أن يفرض‬
‫إرادته على اإلرادات الخاصة ويحولها إلى خدمة لمصالح المجتمع عامة‪ .‬وأن‬

‫)‪(15‬‬
‫‪Roger Gerard SHWARTZENBERG, op.cit, pp. 94 - 95‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫يقف في درجة التهديدات الداخلية والخارجية التي تتربص بالمجتمع وبه هو نفسه‪.‬‬
‫وألجل تحقيق ذلك‪ .‬هو بحاجة أن يستعلم عن كل شيء يدور في محيطه وفقا لما‬
‫يملكه من قدرات ذاتية‪.‬‬

‫وبترجمة دقيقة لمصطلحات ايستون‪ ،‬يمكن القول بأن مطالب المحيط هي‬
‫في حقيقة األمر‪ .‬مجموعة من المعلومات التي يجب أن يقوم بمعالجتها بشكل ما‬
‫وبنظرة شمولية لألمور متوخيا في ذلك تحقيق مجموعة من األهداف من خالل‬
‫مخرجات النظام‪ .‬وهي أهداف تصب إجماال في مصلحة النظام ومحيطه الداخلي‬
‫وذلك من قبيل‪ :‬حماية مؤسسات المجتمع‪ ،‬الحفاظ على اليم العامة‪ ،‬الحفاظ على‬
‫المكتسبات وتطويرها‪ ،‬العمل من أجل تكريس وتعزيز التضامن الوطني الخ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نموذج كارل دوتش‬

‫لقد شبه األلماني كارل دوتش)‪ (K. DEUTSH‬المنتظم السياسي بنظم القيادة‬
‫والتحكم لآلالت الميكانيكية وللجهاز العصبي البشري‪ ،‬التي تعمل وفق دائرة‬
‫مغلقة تعتمد على مبدأ التغذية العكسية)‪ (Rétroaction‬بالمعلومات فالحكومات‬
‫تبحث عن تحقيق أهداف للسياسة الداخلية أو الخارجية‪ ،‬وهي بحاجة إلى‬
‫‪ (Flux‬حول وضعها‬ ‫المعلومات)‪d’information‬‬ ‫االسترشاد بسيل أو تيار من‬
‫الخاص من تلك األهداف(‪ ،)16‬والمسافة التي تفصلها عن تحقيقها‪ .‬آخذة بعين‬
‫االعتبار النتائج الحقيقية للخطوات المتخذة ألجل االقتراب من تلك األهداف‪.‬‬

‫وتحقيق أهداف المنتظم السياسي يرتبط – حسب دوتش‪ -‬بأربعة عوامل‬


‫تلعب فيها المعلومات والقدرات االتصالية والتواصلية الدور األساسي‪:‬‬

‫)‪(16‬‬
‫‪k. DEUTSH, Cité par, R.G.SHWARTZEMBERG,op. cit ,p125.‬‬
‫الوزن‪- :(Poid) :‬وزن المعلومة التي يتلقاها النظام حول التغيرات المحيطة‬
‫والتي عليه مواجهتها‪ ،‬والذي سيبين حجم المشكل المطلوب معالجته‪.‬‬

‫‪-‬التأخير)‪ ،(Retard‬ويرتبط بعامل الوقت الالزم للسلطات السياسية لكي‬


‫تستعلم فيه عن حالة طارئة أو وضع جديد‪ ،‬حتى تتمكن من اتخاذ القرار بشأنه‬
‫وتنفيذه‬
‫(‪)17‬‬

‫‪ -‬الربح)‪ :(Gain‬وهو سرعة وأهمية رد فعل النظام السياسي تجاه‬


‫المعلومات والمعطيات الجديدة التي يتوصل بها حول مسألة معينة‪.‬‬

‫‪ -‬الفارق الزمني)‪ (Décalage‬وهو قدرة حكومة ما على أن تستبق حدوث أو‬


‫تتنبأ بحدوث وضعيات أو مشاكل جديدة‪ ،‬إنه قدرة النظام على التقدير والتنبؤ‬
‫بالحاالت التي قد تطرح نفسها مستقبال‪ ،‬ويتعلق ذلك بمدى توفر على أجهزة‬
‫بيروقراطية أو هياكل يمكنها توفير المعلومات وإجراء التنبؤات بفاعلية‪.‬‬

‫هذه العوامل األربعة تتكاثف فيما بينها وتتفاعل‪ .‬وعلى ذلك يعتمد نجاح‬
‫المنتظم السياسي في تحقيق أهدافه باتخاذ القرارات المناسبة والفعالة‪.‬‬

‫وتؤدي األجهزة المستقبلة )‪ (Récepteurs‬وظائف ترتيب المعلومات‬


‫وتصنيفها وتحويلها إلى معطيات‪ ،‬تتم معالجتها داخل مراكز صناعة القرار التي‬
‫تضم هياكل مختلفة تمثل "ذاكرة المجتمع وقيمه"‪.‬‬

‫وتحتوي الذاكرة )‪ (Mémoire‬على كافة المعلومات المختزلة لتجارب‬


‫ودروس الماضي من أفعال وتجارب تلعب أدوارها في التعامل مع المعطيات‬

‫(‪ )17‬يعطي كارل دوتش كمثال على ذلك التأخير‪ ،‬كونه الجزء من الزمن الذي يمضي بين تلقي‬
‫المعلومة عن وضع طائرة معادية واللحظة التي توجه فيها المدافع المضادة للطيران إلى‬
‫الموقع المحدد بهدف إسقاطها‪ .‬أنظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫الجديدة‪ .‬أما القيم)‪ (Valeurs‬فهي التي تصنع الحدود التي على أساسها يتم اختيار‬
‫األفضل من بين اإلمكانيات المتاحة‪ .‬وفي مرحلة الحقة‪ ،‬تقوم األجهزة المنفذة‬
‫)‪ )Exécuteurs‬للقرارات بجمع المعلومات حول آثار القرارات‪ ،‬وإرسالها إلى‬
‫األجهزة المستقبلة في إطار نظام للتغذية العكسية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتلعب وسائط االتصال دورا أساسيا في سريان المعلومات من وإلى‬


‫المنتظم‪ ،‬وتختلف النظم السياسية بالطبع في مدى اتساع وتنوع وقوة وسائلها‬
‫وشبكاتها االتصالية وعلى هذه األخيرة تتوقف كمية ونوعية المعلومات التي قد‬
‫يحتاج إليها المنتظم ليتعامل مع محيطه بفعالية‪ ،‬فكلما كان النظام مستعلما أكثر‬
‫على‬ ‫عن المتطلبات أو التحديات التي عليه مواجهتها‪ ،‬كلما كان أقدر نسبيا‬
‫(‪)18‬‬

‫تحقيق أهدافه‪.‬‬

‫(‪)18‬ذلك أنه ليست المعلومات وحدها هي التي تحدد تلك الفاعلية أو القدرة على مواجهة‬
‫متطلبات المحيط‪ ،‬فالقرارات تحكمها عوامل متعددة تتعلق بكفاءة هياكل الدولة وبصانع‬
‫القرار الذي تعلق به المعلومات التي عليها تعتمد القرارات الرشيدة‪.‬‬
‫‪ .II‬النظام السياسي والدستوري‬
‫تختلف النظم السياسية في مدى كونها ديمقراطية أو غير ذلك‪ ،‬حيث توجد‬
‫نظم ديمقراطية ليبرالية تهتم بنوع من التكريس الفعلي لمبدأ الفص بين السلطات‪،‬‬
‫كما وجدت في بلدان أوروبا الشرقية ودول أخرى ما عرف بالديمقراطيات‬
‫الشعبية التي تعتمد على تقنية االنتخابات تحت سيطرة الحزب الواحد ذي‬
‫اإليديولوجيا االشتراكية أو الشيوعية‪ ،‬وحيث ال وجود حقيقيا للفصل بين السلطات‬
‫العامة‪ .‬إلى ذلك يمكن إيجاد نظم ديكتاتورية أو شبه ديكتاتورية‪ ،‬ونظم أوتوقراطية‬
‫تعتمد المصدر الديني للسلطة وفق نظرية التفويض اإللهي‪ ،‬ونظم شمولية أو‬
‫توتاليتارية من أمثلتها الدول االشتراكية السابقة‪ .‬هذه النظم إلى جانب النظام‬
‫الديمقراطي الليبرالي تمثل نظما دستورية إذا ما نظرنا إلى طبيعة تنظيم السلطات‬
‫داخل الدولة وإلى أشكال التفاعل فيما بينها‪ ،‬وفي هذا المقام‪ ،‬سنقتصر على إعطاء‬
‫لمحة موجزة عن النظم الدستورية األكثر شيوعا‪ ،‬والمتبعة أساسا في الدول ذات‬
‫التوجه الديمقراطي الليبرالي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬النظام البرلماني‬

‫يعد النظام البرلماني من النظم الدستورية التي عرفت نشأتها في بريطانيا‬


‫عبر مسيرة تاريخية طويلة‪ ،‬ليصبح أحد األنظمة المتبعة حاليا من طرف الكثير‬
‫من دول العالم ولكن مع وجود اختالفات وتمايزات فعلية فيما بينها تفرضها‬
‫اعتبارات سياسية واجتماعية عدة(‪ .)19‬ويتميز النظام البرلماني عادة بوجود فصل‬
‫مرن بين السلط‪ ،‬وبسلطة تنفيذية برأسين غير متوازنين من حيث اختصاصتهما‬

‫(‪ )19‬من النظم الدستورية البرلمانية يمكن ذكر‪ :‬جمهورية ألمانيا االتحادية‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬المملكة‬
‫اإلسبانية‪ ،‬اليونان الدول االسكندنافية‪ ،‬امبراطورية اليابان‪ ،‬الهند‪ ،‬باكستان‪ ،‬وشكليا لبنان‬
‫والعراق‪...‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫الدستورية‪ ،‬حيث تنبثق الحكومة ورئيسها‪ ،‬المالكة الحقيقية للسلطة التنفيذية‪ ،‬عن‬
‫االنتخابات العامة وما تفرزه من نتائج‪ .‬وفيما يلي نظرة موجزة على النظام‬
‫البرلماني البريطاني‪ ،‬األكثر شهرة بين النظم البرلمانية‪.‬‬

‫و النظام البرلماني البريطاني هو نظام ليبرالي ككل النظم الليبرالية يقوم‬


‫على ثالثة مبادئ للتنظيم السياسي هي مبدأ الشرعية (فهو نظام دستوري)‪ ،‬ومبدأ‬
‫سيادة األمة (نظام نيابي)‪ ،‬ومبدأ فصل السلطات‪ .‬وتبرز أهم مالمح هذا النظام من‬
‫خالل تنظيم السلطات الذي يميزه‪:‬‬

‫‪ -1‬المؤسسة التشريعية‬

‫وهي تتمثل في البرلمان ‪ ،‬والبرلمان البريطاني يتكون من مجلسين هما‪:‬‬

‫‪ -‬مجلس اللوردات‪ :‬وهو مجلس األصل فيه أنه أوتوقراطي يعين أعضاؤه‬
‫بالوراثة من بين طبقة النبالء‪ ،‬وأحيانا يصدر الملك قرارا بمنح عضوية المجلس‬
‫لبعض الشخصيات التي تقدم خدمات جليلة لبريطانيا‪ .‬كذلك فقد بُدأ خالل السنوات‬
‫األخيرة انتخاب جانب من أعضاء المجلس من طرف نظرائهم الذين يحصلون‬
‫على صفة اللورد بالوراثة‪ .‬ويشار إلى أن هذا المجلس نشأ تاريخيا على إثر‬
‫صراع بين الملك وطبقة البارونات‪.‬‬
‫‪ -‬مجلس العموم ‪ :‬وهو مجلس ديمقراطي يعين أعضاؤه باالنتخاب‪ ،‬وقد‬
‫نشأ تاريخيا ليمثل عامة الشعب ‪ ،‬على إثر صراع بين الملك والطبقة البرجوازية‬
‫المنتمية إلى العامة‪.‬‬

‫ويقوم البرلمان البريطاني بمجلسيه على الوظيفة التشريعية‪ ،‬كما يقوم كذلك‬
‫بمهمة مراقبة الحكومة ويمكنه إثارة مسؤوليتها السياسية مما قد ينجم عنه إقالتها‪.‬‬
‫‪-2‬المؤسسة التنفيذية‬

‫وهي في بريطانيا وغيرها من النظم البرلمانية سواء أكانت ملكية أم‬


‫جمهورية‪ ،‬تتشكل من "رأسين"‪ ،‬رئيس الدولة من جهة‪ ،‬والحكومة برئيسها من‬
‫جهة أخرى‪ .‬وهي في بريطانيا كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬الملك‪ :‬وهو يسود وال يحكم‪ ،‬حيث ال يمارس وظيفة تنفيذية فعلية استنادا‬
‫إلى كونه ال يحاسب وال يُسأل ‪ ،‬ألن ذاته مصونة ارتباطا بقولة العصور الوسطي‬
‫أن الملك يمثل تعبيرا عن إرادة الرب وبالتالي فهو ال يخطئ ‪،‬وبما أنه ال يخطئ‬
‫وال يحاسب فال يمارس وظيفة تنفيذية فعلية احتراما لقواعد الديمقراطية‪ .‬وإذا أراد‬
‫الملك أن يتخذ إجراء تنفيذيا ما فعليه أن يحصل على توقيع أحد الوزراء‪ ،‬بحيث‬
‫يكون هذا الوزير مسئوال في حالة الخطأ‪.‬‬
‫‪ -‬الوزارة )‪ :(Cabinet‬وهي تتكون من الوزير األول ومجموعة من‬
‫الوزراء‪ ،‬وتهيمن فعليا على الوظيفة التنفيذية‪ ،‬وبالتالي فهي مسئولة تضامنيا‬
‫وفرديا أمام البرلمان‪.‬‬

‫وتقوم العالقة القانونية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على التداخل‬


‫العضوي‪ ،‬والتعاون الوظيفي‪ ،‬ووقف القوة بالقوة (الرقابة المتبادلة)‪ ،‬وذلك على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫ويتمثل التداخل العضوي في إمكانية أن يجمع الشخص الواحد بين عضوية‬


‫الوزارة (مؤسسة تنفيذية) وعضوية البرلمان (مؤسسة تشريعية) كعضو منتخب‬
‫في هذه الحال ويكون له حق حضور جلسات البرلمان والمناقشة والتصويت‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫كما ‪ -‬يحق للوزير حضور جلسات البرلمان (والمناقشة دون تصويت) حتى‬
‫وإن لم يكن عضوا في البرلمان‪ ،‬وذلك على اعتبار الوزارة مسئولة تضامنيا‬
‫وفرديا أمام البرلمان‪.‬‬

‫أما التعاون الوظيفي‪ ،‬فبموجبه يحق للوزارة اقتراح القوانين على البرلمان‪،‬‬
‫حيث إن الوزارة كمؤسسة تنفيذية قد تكون أكثر دراية بواقع المجتمع وما يتطلبه‬
‫من قوانين‪ ..‬كما يحق للملك االعتراض على القوانين التي يصنعها البرلمان‬
‫(حيث للملك حق التصديق)‪ ،‬ولكنه عادة ال يمارس حق االعتراض احتراما منه‬
‫للديمقراطية حيث إنه غير مسئول وال يحاسب‪.‬‬

‫وفي المقابل‪ ،‬فمن صالحيات البرلمان التصديق على المعاهدات التي‬


‫تبرمها الوزارة مع الخارج‪ ،‬كما يختص بإعالن الحرب‪ ،‬ويقر الميزانية العامة‬
‫للدولة‪.‬‬

‫البرلمان في التصويت‬ ‫أما فيما يتعلق بتبادل التأثير‪ ،‬فإنه يتمثل في حق‬
‫على منح الثقة للحكومة التي يتوجب عليها التمتع باألغلبية البرلمانية لتتمكن من‬
‫الحكم‪ ،‬ويؤدي عدم تصويت األغلبية على منح الثقة إلى إسقاط الحكومة‪ .‬كما‬
‫يمكن للبرلمان إثارة ملتمس الرقابة الذي يؤدي التصويت عليه باألغلبية إلى‬
‫إسقاط الحكومة أيضا‪.‬‬

‫في المقابل يحق للمؤسسة التنفيذية حل البرلمان وذلك بأحد أسلوبين‪ :‬أولهما‬
‫أن تطلب الوزارة من الملك إصدار قرار بحل البرلمان وتحديدا مجلس العموم‪،‬‬
‫وهذا هو الحل الوزاري‪ ،‬أما ثانيهما‪ ،‬فهو الحل الرئاسي‪ ،‬ويكون عندما يرى‬
‫الملك استحالة التعاون بين الوزارة والبرلمان‪ ،‬فيقوم من تلقاء نفسه بإصدار‬
‫مرسوم ملكي بحل البرلمان تمهيدا إلجراء انتخابات جديدة‪ ،‬على أن صالحية‬
‫الملك هذه في حل البرلمان تبقى نظرية فقط في راهن الحياة السياسية البريطانية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظام الرئاسي‬

‫باعتباره كذلك أحد النظم الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬يقوم النظام الرئاسي على‬
‫ثالثة مبادئ رئيسية للتنظيم السياسي هي الشرعية (نظام دستوري)‪ ،‬وسيادة األمة‬
‫(نظام نيابي)‪ ،‬وفصل السلطات الذي يعتبر أكثر جمودا وعمقا من نظيره في‬
‫النظام البرلماني‪ .‬وفيما يلي نظرة موجزة على تنظيم السلطات الدستورية وطبيعة‬
‫العالقات فيما بينها في النموذج الرئاسي األمريكي‪:‬‬

‫المؤسسة التشريعية‬ ‫‪-1‬‬

‫تتمثل المؤسسة التشريعية األمريكية في الكونجرس وهو يتكون من‬


‫مجلسين هما‪:‬‬

‫‪ -‬مجلس الشيوخ‪ :‬وهو مجلس ديمقراطي إذ يعين أعضاؤه باالنتخاب‪،‬‬


‫ويمثل المجلس الواليات الداخلة في االتحاد الفيدرالي األمريكي بنسبة شيخين ‪(2‬‬
‫)‪ Sénateurs‬لكل والية مهما كانت درجة أهميتها وعدد سكانها‪.‬‬
‫‪ -‬مجلس النواب‪ :‬وهو مجلس ديمقراطي أيضا يعين أعضاؤه باالنتخاب‪،‬‬
‫ويمثل وحدة الشعب األمريكي‪ ،‬لذلك فهو منبثق عن إرادة الشعب باعتباره وحدة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫ويقوم الكونغرس بمجلسيه على الوظيفة التشريعية ‪ ،‬كما يؤدي رقابة جدية‬
‫على السلطة التنفيذية التي تعرف في الواليات المتحدة باسم "اإلدارة"‪ ،‬على أن‬
‫الكونغرس ال يمكنه بأي حال أن يسقط الحكومة أو اإلدارة عبر تقرير مسؤوليتها‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫السياسية (مسألة الثقة وملتمس الرقابة)‪ ،‬كما ال يمكن للسلطة التنفيذية أن تقوم‬
‫بحل الكونغرس‪.‬‬

‫المؤسسة التنفيذية‬ ‫‪-2‬‬

‫وتتمثل في الرئيس وحده‪ ،‬حيث ال يوجد كيان مستقل يسمى وزارة (ال يوجد‬
‫منصب رئيس الوزراء)‪ ،‬ولكن للرئيس أن يعين مساعدين له في الشئون المختلفة‬
‫(مثل الخارجية‪ ،‬العدل‪ ،‬الداخلية‪ ،‬الدفاع ‪ ...‬إلخ)‪ ،‬وهو يعينهم ويقيلهم بنفسه‬
‫ووقتما أراد وهم مسئولون أمامه‪.‬‬

‫ووظيفة الرئيس نيابية حيث إنه منتخب من األمة وبالتالي فهو مسئول‬
‫سياسيا أمامها وحدها‪ ،‬وغير مسئول سياسيا أمام الكونجرس‪ ،‬وإن كان يسأل‬
‫أمامه جنائيا أي في حال ارتكاب الرئيس جريمة مخلة بالشرف ‪ ،‬أو في حال‬
‫الخيانة العظمى‪ ،‬إلخ‪ ،‬وهو ما يعرف بمسطرة "االتهام الجنائي للرئيس‬
‫)‪.(Impeachment‬‬

‫‪ -3‬طبيعة العالقة القانونية بين الرئيس والكونغرس‬

‫إن األصل في هذه العالقة هو قيامها على فكرة االستقالل بمعنى استقالل‬
‫الكونغرس بالوظيفة التشريعية والرئيس بالوظيفة التنفيذية‪ ،‬ولكن هناك استثناءات‬
‫على هذا األصل اقتضاها حسن سير النظام األمريكي‪ ،‬وتتمثل أبرز هذه‬
‫االستثناءات فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬للرئيس بعض االختصاصات التشريعية تتمثل في‪ :‬حق الرئيس في‬


‫(االعتراض التوقيفي" على القوانين التي يصوت عليها الكونغرس‪ ،‬بحيث إذا‬
‫مارس الرئيس هذا الحق بصدد قانون ما أقره الكونغرس‪ ،‬يعاد القانون إلى ذاك‬
‫األخير ليعيد قراءته‪ ،‬وسيكون عليه هذه المرة أن يقره بأغلبية الثلثين‪ ،‬وإال أصبح‬
‫القانون كأن لم يكن‪ .‬إلى جانب ذلك‪ ،‬يمكن للرئيس أن يقترح القوانين على‬
‫الكونغرس‪ ،‬ولكن بشكل غير مباشر عن طريق أصدقائه وزمالئه في الحزب من‬
‫أعضاء الكونغرس‪ ،‬أو عبر الخطابات التي يلقيها أمام الكونغرس‪ ،‬والتي كثيرا ما‬
‫تكون تعبيرا عن المطالب التشريعية للرئيس‪.‬‬
‫‪ -‬في المقابل‪ ،‬يحتاج الرئيس إلى الكونغرس من أجل أن يتمكن من ممارسة‬
‫اختصاصاته التنفيذية‪ :‬فإبرام المعاهدات واالتفاقيات الدولية يتطلب‪ ،‬في أحايين‬
‫كثيرة‪ ،‬مصادقة مجلس الشيوخ‪ ،‬كذلك األمر بالنسبة العتماد السفراء في الخارج‬
‫وفي تعيين كبار الموظفين في الدولة كالوزراء (كتاب الدولة) ومديري الوكاالت‬
‫الفدرالية وقضاة المحكمة الفدرالية العليا‪ ،‬كما يتطلب إعالن الحرب وأحيانا‬
‫إرسال القوات األمريكية إلى الخارج لمدد قد تطول‪ ،‬إضافة إلى اعتماد الميزانية‬
‫العامة للدولة‪ ،‬موافقة الكونغرس‪.‬‬

‫إلى جانب النظامين البرلماني والرئاسي‪ ،‬ظهر توجه لدى الكثير من الدول‬
‫نحو الدمج بين النظامين‪ ،‬واتباع ما يعرف بالنظام الدستوري المختلط‪ .‬ويتميز هذا‬
‫النظام بوجود آليات المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان وقابلية هذا األخير‬
‫للحل‪ ،‬تماما كما هو الحال في النظام البرلماني‪ .‬بيد أن ما يميز النظام المختلط هو‬
‫وجود رئيس دولة قوي عادة ما يكون منتخبا بشكل مباشر من طرف الشعب‪ ،‬له‬
‫اختصاصات تنفيذية واسعة ال شرفية فقط‪ ،‬وهو بذلك يتقاسم السلطة التنفيذية مع‬
‫الحكومة‪ .‬إن وجود هذا الرئيس ذي االختصاصات المعتبرة‪ ،‬يمثل خاصية مأخوذة‬
‫عن النظام الرئاسي‪.‬‬

‫ويوجد هذا النظام المختلط في كثير من دول العالم‪ ،‬على رأسها فرنسا التي‬
‫تعد أول من طبق هذا النظام‪ ،‬وتبعتها دول أخرى مثل دول من أوروبا الشرقية‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫بعد أفول النظام االشتراكي‪ ،‬ومصر وتونس‪ ،‬ونظم ملكية مثل المغرب واألردن‪،‬‬
‫وعديد من الدول اإلفريقية‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬الفاعلون السياسيون‬
‫إلى جانب الدولة كشخص معنوي يضم مجموع المؤسسات والهياكل‬
‫الرسمية المجسدة للسلطة ومجموع التفاعالت التي تهم تلك الهياكل في عالقاتها‬
‫بالمجتمع وبالمجموعة الدولية بمختلف مكوناتها‪ ،‬يمكن الحديث عن مجموعة من‬
‫الفاعلين السياسيين اآلخرين الذين يرتبطون بشكل من األشكال‪ ،‬بعالقات السلطة‬
‫وبردود أفعالها‪ .‬ومن أبرز هؤالء الفاعلين‪ :‬األحزاب السياسية وجماعات المصالح‬
‫أو التنظيمات الضاغطة‪ ،‬والرأي العام والمجتمع المدني‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫‪ .I‬األحزاب السياسية‬
‫تبلورت األحزاب كظاهرة سياسية عبر عقود طويلة لتصبح في الوقت‬
‫الراهن ركيزة للعمل السياسي في مختلف النظم الديمقراطية منها أو غير‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ولتؤدي وظائف تنظيمية وتأطيرية جوهرية وضرورية‪ ،‬مبدية في‬
‫ذات الوقت خصائص وتجليات متباينة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬النشأة والتطور والمفهوم‬

‫تعبر األحزاب السياسية كما يدل على ذلك اسمها‪ ،‬عن توجهات معينة‬
‫للقناعات السياسية التي يشترك فيها مجموعة ن األفراد‪ ،‬على أن الحزب كمؤسسة‬
‫أضحت دارجة الوجود في المجتمعات العصرية تجمع في مفهومها بين عناصر‬
‫مختلفة يتعارف عليها ‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬علماء السياسة‪.‬‬

‫‪ -1‬نشأة األحزاب السياسية وتطورها‬

‫بدأت نشأة األحزاب السياسية بشكل أولي منذ نحو قرنين من الزمان‪،‬‬
‫ولكنها لم تتطور وتلعب دورا ً مهما إال منذ حوالي قرن‪ .‬وقد تباينت أسباب‬
‫ودواعي النشأة‪ .‬لكن األحزاب بشكل عام كانت إحدى أهم آليات المشاركة‬
‫السياسية‪ ،‬ومن أهم أدوات التنشئة السياسية في المجتمعات‪ ،‬بالرغم مما قيل عنها‬
‫في بداية النشأة من أنها ستكون أداة لالنقسام وللفساد السياسي‪ ،‬وأنها ستفتح الباب‬
‫عمليا ً أمام التدخل األجنبي‪ ،‬وستكون مصدرا ً لعدم االستقرار السياسي وانعدام‬
‫الكفاءة اإلدارية‪.‬‬

‫يرى الكثير من الباحثين أن تعبير األحزاب السياسية ال يطعن على أي‬


‫تنظيم سياسي يدعي ذلك؛ بل وضع بعضهم شروطا ً أساسية لها مثل عالم السياسة‬
‫الشهير "صمويل هنتنغتون"‪ ،‬الذي وضع" أربعة شروط في هذا الشأن هي‪،‬‬
‫التكيف‪ ،‬واالستقالل‪ ،‬والتماسك‪ ،‬والتشعب التنظيمي‪.‬‬

‫لكن على الرغم من ذلك‪ ،‬فإن األحزاب السياسية التي ينطبق عليها مثل هذه‬
‫الشروط لم تنشأ نشأة واحدة‪ ،‬بل نشأت بأشكال وألسباب مختلفة‪ ،‬أهمها خمسة‪:‬‬

‫أ‪ -‬ارتباط ظهور األحزاب السياسية بالبرلمانات‪ ،‬ووظائفها في النظم‬


‫السياسية المختلفة‪ .‬إذ أنه مع وجود البرلمانات ظهرت الكتل النيابية‪ ،‬التي كانت‬
‫النواة لبزوغ األحزاب‪ ،‬حيث أصبح هناك تعاون بين أعضاء البرلمانات‬
‫المتشابهين في األفكار واإليديولوجيات أو المصالح‪ ،‬ومع مرور الوقت تلمس‬
‫هؤالء حتمية العمل المشترك‪ .‬وقد ازداد هذا اإلدراك مع تعاظم دور البرلمانات‬
‫في النظم السياسية‪ ،‬إلى الحد الذي بدأ نشاط تلك الكتل البرلمانية يظهر خارج‬
‫البرلمانات من أجل التأثير في الرأي العام‪.‬‬
‫ب‪ -‬ارتباط ظهور األحزاب السياسية بالتجارب االنتخابية في العديد من‬
‫بلدان العالم‪ ،‬وهي التجارب التي بدأت مع سيادة مبدأ االقتراع العام‪ ،‬عوضا ً عن‬
‫مقاعد الوراثة ومقاعد النبالء‪.‬‬
‫ج‪ -‬ظهور منظمات الشباب والجمعيات الفكرية والهيئات الدينية والنقابات‪،‬‬
‫وقد سعى بعض هذه المؤسسات لتنظيم نفسها بشكل أكبر من كونها جماعات‬
‫مصالح تحقق الخدمة ألعضائها‪ .‬ولعل أبرز األمثلة على ذلك حزب العمال‬
‫البريطاني‪ ،‬الذي نشأ بداية في كنف نقابات العمال‪.‬‬
‫د‪ -‬ارتباط نشأة األحزاب السياسية (في بعض األحيان وليس دائماً) بوجود‬
‫أزمات التنمية السياسية ‪ .‬فأزمات مثل الشرعية والمشاركة واالندماج أدت إلى‬
‫نشأة العديد من األحزاب السياسية‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫هـ‪ -‬ظهور األحزاب السياسية كنتيجة لقيام بعض الجماعات لتنظيم نفسها‬
‫لمواجهة االستعمار والتحرر من نير االحتالل األجنبي‪ ،‬وهو األمر الذي يمكن‬
‫تلمسه على وجه الخصوص في الجيل األول من األحزاب السياسية التي ظهرت‬
‫في بعض بلدان العالم الثالث‪.‬‬

‫تعريف األحزاب السياسية‬ ‫‪-2‬‬

‫كأي مفهوم من مفاهيم العلوم االجتماعية‪ ،‬تتعدد تعريفات األحزاب‬


‫السياسية‪ ،‬على أنه ومن واقع النظر لهذه التعريفات‪ ،‬يمكن اإلشارة إلى أن الحزب‬
‫السياسي هو‪" :‬اتحاد بين مجموعة من األفراد‪ ،‬بغرض العمل معا ً لتحقيق مصلحة‬
‫عامة معينة‪ ،‬وفقا ً لمبادئ خاصة متفقين عليها‪ .‬وللحزب هيكل تنظيمي يجمع قادته‬
‫وأعضاءه‪ ،‬وله جهاز إداري معاون‪ ،‬ويسعى الحزب إلى توسيع دائرة أنصاره‬
‫بين أفراد الشعب‪،‬كمايعتبر ايضا على انه تنظيم دائم على المستويين الوطني‬
‫والمحلي‪ ،‬يسعى للحصول على مساندة شعبية بهدف الوصول إلى السلطة‬
‫وممارستها من اجل تنفيذ سياسة محددة‪.‬‬

‫وقد اعتمد العديد من الباحثين على ثالثة جوانب في تحديد مفهوم االحزاب‬
‫السياسية وهي الجانب التنظيمي الجانب االيديولوجي والجانب الوظيفي‪.‬‬

‫‪ -‬الجانب التنظيمي‪ :‬يعرف مريس دوفيرجي الحزب السياسي من خالل‬


‫اعتماده على االخذ بالمدلول التنظيمي اذ ان الحزب هو جماعات متناثرة عبر‬
‫اقليم الدولة كاللجان الحزبية والمندوبيات واقسام الحزب والتجمعات المحية‬
‫كل هذه الجماعات يربط فيما بينها الرباط التنظيمي الذي يقوم على اجهزة‬
‫الحزب المختلفة وهذا االرتباط فيما بين الجماعات يقوم على اساس تدرجي‬
‫هرمي‬
‫‪ -‬المدلول االيديولوجي‪:‬ويركز على المبادئ واالهداف التي يقوم عليها‬
‫الحزب وتعريفه هنا يعتمد على مبادئه وأهدافه‪.‬‬

‫‪-‬المدلول الوظيفي ينظر الى الحزب السياسي انه يقوم بجملة من الوظائف‬
‫التي يؤديها ولعل أهم وظيفة تتمثل في تولي الحكم وممارسته‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫تنظيم وتأطير المواطنين ودمجهم في الحياة السياسية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬وظائف األحزاب السياسية‬

‫من أسس تقييم الحزب السياسي‪ ،‬مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة‬
‫المنوطة باألحزاب‪ ،‬والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية‪ .‬وهي تتضمن‬
‫سواء كان حزبا ً في السلطة أو المعارضة‪ ،‬خمس وظائف أساسية هي التعبئة‪،‬‬
‫ودعم الشرعية‪ ،‬والتجنيد السياسي‪ ،‬والتنمية‪ ،‬واالندماج الوطني‪ .‬والمعروف أن‬
‫تلك الوظائف يقوم بها الحزب في ظل البيئة التي ينشأ فيها والتي يعبر من خاللها‬
‫عن جملة م ن المصالح في المجتمع ‪ ،‬وهو في هذا الشأن يسعى إلى تمثيل تلك‬
‫المصالح في البيئة الخارجية‪ ،‬األمر الذي يعرف في أدبيات النظم السياسية بتجميع‬
‫المصالح والتعبير عن المصالح‪.‬‬

‫‪ -1‬وظيفة التعبئة‬
‫تعني التعبئة حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي‪ ،‬من قبل‬
‫المواطنين‪ .‬وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها‪ ،‬وظيفة أحادية االتجاه‪ ،‬بمعنى أنها تتم‬
‫من قبل النظام السياسي للمواطنين‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وتلعب األحزاب في ذلك‪ ،‬دور‬
‫الوسيط‪.‬‬

‫وبالرغم من أن البعض يربط بين وظيفة التعبئة وشكل النظام السياسي‪ ،‬من‬
‫حيث كونه ديمقراطيا أو شموليا أو سلطويا‪ ،‬إال أن االتجاه العام هو قيام النظم‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫السياسية الديمقراطية أيضا ً بأداء تلك الوظيفة‪ .‬غاية ما هنالك‪ ،‬أن النظم السياسية‬
‫في الدول النامية‪ ،‬تتطلع وهي في مرحلة التنمية االقتصادية والسياسية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬إلى قيام األحزاب بلعب دور فاعل لحشد التأييد لسياستيها الداخلية‬
‫والخارجية‪.‬‬

‫وتختلف طبيعة وظيفة التعبئة التي تقوم بها األحزاب من نظام سياسي آلخر‬
‫في النظم التعددية المقيدة‪ ،‬كما أنها تختلف داخل نفس النظام السياسي المقيد وفقا‬
‫لطبيعة المرحلة التي يمر بها‪ ،‬متأثرا دون شك بالبيئة الداخلية والخارجية المحيطة‬
‫به‪ .‬والنظم السياسية تسعى دائما لتجديد سياساتها‪ ،‬نتيجة لطبائع األمور التي تتسم‬
‫بالتبدل المستمر لألفكار واإليديولوجيات‪ .‬وهذا التغير بشكل عام‪ ،‬وأيا كان سببه‪،‬‬
‫يحمل قيما ومبادئ‪ ،‬تسعى النظم السياسية القائمة إلى ترسيخها‪ ،‬عبر تبادل‬
‫الحوار الديمقراطي المفتوح بين الحكومة والمواطنين إذا كانت نظما ً ديمقراطية‪،‬‬
‫وتسعى إليصالها عبر وسائل غرس القيم السياسية في النظم السياسية الشمولية‬
‫والسلطوية‪ ،‬فيما يعرف بعملية التثقيف السياسي ‪ .‬وفي جميع األحوال‪ ،‬تلعب‬
‫األحزاب دورا مهما ً في أداء هذه الوظيفة‪.‬‬

‫‪ - 2‬وظيفة دعم الشرعية‬

‫تعرف الشرعية بأنها‪ ،‬مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي‪،‬‬
‫وخضوعهم له طواعية‪ ،‬العتقادهم بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة ‪ .‬ويعتبر‬
‫اإلنجاز والفاعلية والدين والكارزما والتقاليد واإليديولوجية‪ ،‬ضمن المصادر‬
‫الرئيسية للشرعية في النظم السياسية المختلفة‪ .‬على أن الديمقراطية تعد المصدر‬
‫األقوى للشرعية في النظم السياسية في عالم اليوم‪.‬‬
‫وتوجد العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعية‪ .‬وتلعب األحزاب‬
‫وغيرها من المؤسسات دورا بارزا في هذا المضمار‪ .‬وتتميز األحزاب عن تلك‬
‫الوسائل‪ ،‬بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية‪ ،‬بل أنها في النظم السياسية‬
‫ا لمقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وإيديولوجياتها هي نفسها‬
‫مصدرا للشرعية‪.‬‬

‫ويفترض الحديث عن عالقة األحزاب بالشرعية الديمقراطية‪ ،‬أن تتضمن‬


‫األحزاب هياكل منتخبة من بين كل أعضائها‪ ،‬وتستمد األحزاب الحاكمة شرعيتها‬
‫من تلك االنتخابات ومن تداول السلطة داخلها‪ ،‬ربما قبل االنتخابات العامة التي‬
‫تأتي بها إلى السلطة‪ ،‬إضافة إلى تطلعها باستمرار إلى التنظيم الجيد ‪ ،‬ووجود‬
‫دورة للمعلومات داخلها‪.‬‬

‫‪ - 3‬وظيفة التجنيد السياسي‪:‬‬

‫يعرف التجنيد السياسي بأنه عملية إسناد األدوار السياسية ألفراد جدد‪.‬‬
‫وتختلف النظم السياسية في وسائل التجنيد السياسي للنخبة‪ ،‬فالنظم التقليدية‬
‫واألوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكل عام على معيار المحسوبية أو‬
‫الوراثة‪..‬الخ‪ .‬أما في النظم التعددية‪ ،‬فيكون هناك آليات محددة للتجنيد‪ .‬ويفترض‬
‫أن تكون األحزاب في هذه النظم أحد وسائل التجنيد السياسي‪ ،‬وهي تؤدي تلك‬
‫الوظيفة ليس فقط بالنسبة ألعضائها بل وأيضا بالنسبة للعموم‪.‬‬

‫فمنخالل المناقشات الحزبية‪ ،‬واالنتخابات داخل هياكل وأبنية األحزاب‪،‬‬


‫والتدريب على ممارسة التفاعل الداخلي‪ ،‬وبين األحزاب بعضها البعض‪،‬‬
‫واالنغماس في اللجان والمؤتمرات الحزبية‪ ،‬تتم المساهمة في توزيع األدوار‬
‫القيادية على األعضاء‪ ،‬ومن ثم تتم عملية التجنيد بشكل غير مباشر‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫‪ -4‬الوظيفة التنموية‪:‬‬

‫تتمثل تلك الوظيفة في قيام األحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع‪،‬‬


‫األمر الذي يدعم العملية الديمقراطية‪ ،‬واالتجاه نحو اإلصالح السياسي والتحول‬
‫الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة‪.‬‬

‫وتؤدي األحزاب دورا هاما في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثالً في‬
‫مؤسسات عديدة كالنقابات المهنية والعمالية‪ ،‬وتقديم الخدمات بشكل مباشر‬
‫للمواطنين من خالل المساهمة في حل مشكالتهم‪ .‬ناهيك عن قيام األحزاب بلعب‬
‫دور مؤثر في التفاعل السياسي داخل البرلمانات‪ ،‬خاصة في عمليتي التشريع‬
‫والرقابة‪.‬‬

‫‪–5‬وظيفةاالندماج الوطني‪:‬‬

‫تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية‪ ،‬حيث تبرز‬
‫المشكالت القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان‪ ،‬حيث‬
‫تحاول األحزاب تأطير تلك المشكالت في ضوء التوجهات الوطنية العامة بغية‬
‫ترسيخ وتعزيز التكاثف والتضامن الوطني بعيدا عن المرامي الخاصة‪ ،‬مع‬
‫الدعوة الحترام القانين وتكريس مبادئ احترام حقوق اإلنسان فردية كانت أم‬
‫جماعية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬النظم الحزبية‬

‫تختلف النظم الحزبية باختالف شكل النظام السياسي‪ ،‬والمعروف أن هناك‬


‫ثالثة أشكال رئيسية من النظم السياسية‪ ،‬هي النظام الديمقراطي‪ ،‬والنظام‬
‫الشمولي‪ ،‬والنظام التسلطي‪ .‬وهناك عدة تصنيفات للنظم الحزبية‪ ،‬لكن أكثرها‬
‫شيوعا ً هي النظم الحزبية التنافسية وتلك غير التنافسية‪.‬‬

‫ومن أبرز النظم الحزبية التنافسية‪ ،‬نظم التعددية الحزبية ونظم الحزبين‬
‫ونظم الحزب المسيطر‪.‬‬

‫ففيما يتعلق بنظم التعددية الحزبية‪ ،‬فيوجد عدد من األحزاب السياسية‬


‫المتفاوتة في حضورها وقوتها‪ ،‬وضمن هذه الفئة يوجد نظام التعددية الحزبية التام‬
‫أو الكامل المتميز بحضور عدد كبير من األحزاب الصغيرة المتباينة في توجهاتها‬
‫والمتمسكة باستقالليتها‪ ،‬ونظام التعددية الحزبية المعتدل الذي يميزه جنوح‬
‫األحزاب نحو االئتالف واالندماج مبدية قدرا من التجانس واالرتباط برؤى أكثر‬
‫شموال للمصلحة العامة الوطنية‪.‬‬

‫أما نظام الحزبين‪ ،‬ففيه نظام الحزبين الناقص حيث يتواجد فيه حزبان‬
‫كبيران غالبا ما يكونا محور التنافس السياسي إلى جانب عدد من األحزاب‬
‫الصغيرة التي تعبر عن مصالح أو قطاعات معينة‪ ،‬وهي كثيرا ما تحاول إثبات‬
‫وجودها في السلطة من خالل تحالفها مع أحد الحزبين الكبيرين في حالة وصوله‬
‫للسلطة‪ .،‬أما نظام الحزبين التام فيسيطر فيه حزبان كبيران بشكل شبه تام على‬
‫المسرح السياسي دون دور يذكر لقوى سياسية أخرى‪ ،‬حيث يتعاقبان على الحكم‬
‫بحسب نتائج االنتخابات‪.‬‬

‫أما نظام الحزب المسيطر‪ ،‬فعادة ما يتميز بوجود عدد من األحزاب يسيطر‬
‫عليها حزب وحيد يتسم بالقوة والهيمنة شبه التامة على مؤسسات الدولة‬
‫والسلطات العامة فيها‪ ،‬وقد يشرك الحزب المسيطر معه أحزابا أخرى صغيرة‬
‫تدور في فلكه وال يترك بذلك فرصا حقيقية لألحزاب األخرى للوصول إلى‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫السلطة‪ .‬وتتفاوت درجات سيطرة الحزب المسيطر وتصنف نظمه بذلك إلى نظام‬
‫الحزب المسيطر المعتدل ونظام الحزب شديد السيطرة‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن‬
‫القوة التي يفرضها حزب كبير على األحزاب األخرى في النظم الديمقراطية قد‬
‫تحول النظام الحزبي إلى نظام الحزب المسيطر الذي قد يمكن تحوله‪ ،‬في حالة‬
‫دوام تلك السيطرة‪ ،‬إلى نظام حزبي غير تنافسي كنظام الحزب الواحد‪.‬‬

‫أما النظم الحزبية غير التنافسية‪ ،‬فتتجسد باألساس فيما يعرف بنظام الحزب‬
‫الواحد‪ ،‬ويتصف النظام الحزبي بالالتنافسية مع انتفاء أي منافسة ولو نظرية بين‬
‫أحزاب سياسية‪ ،‬إما لوجود حزب واحد‪ ،‬أو لوجود حزب واحد إلى جانب أحزاب‬
‫شكلية تخضع لقيادته في إطار " جبهة وطنية " ليس مسموحا ألي منها بالخروج‬
‫عنها ‪ .‬وقد اكتسب تصنيف الحزب الواحد أهميته منذ الثورة البلشفية في روسيا‬
‫عام ‪ ،1917‬حيث أقامت تلك الثورة حزبا ممثال لطبقة العمال والفالحين انتشر‬
‫نموذجه بعد ذلك‪ ،‬تحت مسميات مختلفة‪ ،‬في كافة أرجاء أوروبا الشرقية‪ ،‬وتبنته‬
‫الكثير من دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية‪.‬‬

‫على أنه يمكن التمييز في نظام الحزب الواحد بين نظم شمولية تحكمها‬
‫اإليديولوجيا والمرجعيات الفكرية وتعرف قدرا هاما من المأسسة ساعية إلى‬
‫تحقيق المصالح الوطنية وفق لتلك القناعات‪ ،‬وبين نظم حزبية تسلطية غالبا ما‬
‫تسعى لتكريس سلطتها بالسيطرة على الدولة والمجتمع‪ ،‬وهي كثيرا ما تعتمد على‬
‫الشخصية الكارزمية للحاكم واضعة إياه موضع التمجيد والتقديس‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬ينحو النظام السياسي نحو الدكتاتورية والتسلط‪.‬‬
‫الجماعات الضاغطة والمجتمع المدني‬ ‫‪.II‬‬

‫إلى جانب األحزاب السياسية التي تعتبر بمثابة جمعيات سياسية ذات‬
‫مرجعية فكرية معينة وبرامج ترتبط بممارسة السلطة‪ ،‬توجد أشكال أخرى‬
‫لمشاركة األفراد في المجال السياسي وهي تتمثل في التنظيمات الخاصة التي تتبع‬
‫أسلوب الضغط على السلطات السياسية للتأثير على مواقفها بغية تحقيق مصالح‬
‫أو مطالب معينة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف الجماعات الضاغطة‬

‫إن مشاركة األفراد والجماعات في العمل السياسي ال تقتصر بالضرورة‬


‫على األحزاب السياسية بل يمكن لهؤالء إما تنظيم أنفسهم في أطار تنظيمي يمكن‬
‫لهم من خالله تحقيق المصالح واألهداف المرغوب التوصل إليها من خالل هذه‬
‫المشاركة‪ ،‬أو أنها تبقى محافظة على وضعها كتجمع بدون تنظيم ولكن بشرط أن‬
‫يرتبط وضعها بديمومة وجودها وممارسة ضغطها بشكل دائم‪.‬‬

‫والفرق بين هذه التنظيمات واألحزاب السياسية يكمن في أن القائمين على‬


‫هذه التنظيمات ال يهدفون إلى الوصول إلى السلطة بل إلى التأثير عليها بشكل‬
‫فعلي من خالل ما يملكونه من مصادر التأثير المادية والمعنوية وحتى العددية‪.‬‬
‫وال يتحدد دورها في التأثير على السلطة فقط بل‪ ،‬وأيضا على األحزاب السياسية‬
‫المشتركة في السلطة‪ ،‬بهدف عرقلة مشاريع قوانين تتعارض ومصالحها أو‬
‫بضغطها على األحزاب الغير موجودة في السلطة بتبني مواقفها قبل االنتخابات‪.‬‬

‫بمعنى أخر أن المجموعات الضاغطة تتمتع باستقالليتها الذاتية في التحرك‬


‫وتعتبر هذه االستقاللية الشرط الرئيسي للتعرف عليها‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫إنشاء األحزاب لمجموعات وهيئات ذات صفة مهنية –‬ ‫وعليه فان‬


‫نقابةأوحركةأوجمعية–يرادمنهاالتأثيرعلىالرأيالعامأوالتأثير على شريحة اجتماعية‬
‫معينة‪ ،‬ال يجعل من هذه المؤسسة جماعة ضاغطة لكونها تخضع بشكل مباشر أو‬
‫غير مباشر إلى قرارات الحزب وتعاليمه‪ ،‬بل واألكثر من ذلك أنها ستعتبر تنظيما‬
‫تابعا للحزب‪.‬‬

‫ولكن إذا عبرت النقابة أو أي تنظيم مهني عن وجوده المستقل ومارس‬


‫ضغوطه على المشرع أو السلطة التنفيذية وعلى األحزاب ذاتها‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫يمكن االعتراف بأنها تشكل مجموعة ضاغطة‪،‬وعليه يمكن القول في هذه الحالة‬
‫بان هذه التنظيمات تشكل مؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬وهي تختلف فيما بينها من‬
‫زاوية درجة تنظيمها واستقالليتها ومجال نشاطاتها وفعالياتها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أشكال التنظيمات الضاغطة وأوجه نشاطها‬

‫أن شرعية وجود هذه التنظيمات تختلف من نظام سياسي إلى أخر وذلك‬
‫تبعا للفلسفة السياسية التي يحملها النظام إضافة إلى تاريخه السياسي‪.‬‬

‫ففي األنظمة التي تؤمن بالليبرالية السياسية واالقتصادية كفلسفة إلدارة‬


‫المجتمع والدولة يمكن مالحظة الوجود والنشاط الهام لتنظيمات المجتمع المدني‬
‫والمنظمات الضاغطة‪ .‬فمثال فإن تمتع المنظمات الضاغطة في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية بشرعية وجودها هو وليد للظروف السياسية لهذا البلد الذي توجد فيه‬
‫كل إمكانيات االنتظام في جماعات تتبنى موقف خاصة وتدافع هنها وتضغط من‬
‫أجلها على مؤسسات وأجهزة السلطة أو المرشحين لها‪ .‬على أن األمر في ذلك‬
‫يختلف بعض الشيء في المجتمعات األوروبية حيث يتم االعتراف بوجود بعض‬
‫أنواع الجماعات الضاغطة دون أن تتخذ لنفسها ذلك المسمى كما هو الحال في‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬حيث يتم االقرار لها بالوجود كمجموعات ضغط "‪.Lobbies‬أما‬
‫في معظم الدول األخرى فيتم االعتراف بوجود النقابات العمالية والمهنية وكذا‪،‬‬
‫جمعيات المجتمع المدني بمختلف أنواعها‪ ،‬وإن كانت هذه األخيرة‪ ،‬عمليا‪ ،‬تتبنى‬
‫أساليب الضغط لتحقيق أهدافها‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويتوقف تحرك السياسي للمجموعات الضاغطة على عدة عناصر‪:‬‬

‫أ‪ -‬طبيعة مصالحها الخاصة وطبيعة تنظيمها‪ ،‬بمعنى ما إذا كانت تدافع عن‬
‫مصالح اقتصادية أو ذات طبيعة عامة‪ ،‬حتى ولو كانت خاصة‪ ،‬أو أنها تدافع عن‬
‫مبادئ معينة‪ .‬وأما من ناحية التنظيم فاألمر يتعلق بطريقة اختيارها أو تجنيد‬
‫المؤيدين لها وانفتاحها على اآلخرين‪ .‬وعليه فان اختالف طبيعة المصالح يفترض‬
‫أن معالجة إشباع كل واحدة منها يختلف من واحدة لألخرى سواء كان ذلك من‬
‫زاوية المطالبة بها أو في أسلوب مواجهة مواقف السلطة ضدها وفي طريقة تعبئة‬
‫الناس من حولها‪.‬‬
‫ب‪ -‬يتوقف تحركها على العوامل الخارجية التي تسمح لها بالعمل‬
‫والتحرك‪ ،‬وهذه العوامل هي‪ :‬نظام األحزاب ومؤسسات الدولة وقواعد اللعبة‬
‫السياسية‪.‬‬

‫ففيما يخص نظام األحزاب‪ ،‬وكما يبدو للمرء‪ ،‬فإن األحزاب السياسية‬
‫والمجموعات الضاغطة تتشابه في كونها تكوينات تمثل مصالح معينة تضمنها‬
‫في برامج محددة لتطرح أما على الناخبين إلقناعهم بها كما هو الحال مع‬
‫األحزاب‪ ،‬أو تبرمجها للدفاع عنها أمام السلطات السياسية كحالة المجموعات‬
‫الضاغطة ‪ .‬وكنتيجة فان العالقات فيما بينها تتنوع بين التنافس والتعاون‬
‫والتحالف‪ ،‬إال أن طبيعة وعمق وتمظهر تلك العالقات تبقى رهينة بطبيعة اللعبة‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

‫السياسية والنظام السياسي والثقافة السياسية السائدة في المجتمع‪ .‬بل أن ذلك يؤثر‬
‫على مدى الوجود الفعلي لجماعات أو تنظيمات مستقلة للمجتمع المدني من عدمه‪.‬‬

‫من جانب آخر‪ ،‬يعتمد نجاح المجموعات الضاغطة في عملها في كسب‬


‫التأييد على خبرتها في المناورة وتوطيد العالقات مع من يملك سلطة القرار أو‬
‫يساهم في صناعته‪ .‬وتقوم استراتيجية كسب الشعبية على قاعدتين‪ :‬فأما أن تتم من‬
‫خالل تزويد من يملك حق إصدار القرار أو من يشارك فيه بالدعم المادي‬
‫المباشر‪ ،‬أو أن تتم من خالل الدعم غير المباشر مثل دعم الحمالت االنتخابية‬
‫مثال‪ .‬كما يعتمد النجاح كذلك على مدى قدرة تلك الجماعات على ممارسة الضغط‬
‫الفعلي باستغالل تأييد شريحة مهمة من الرأي العام لمطالبها وقضاياها بحيث‬
‫يمكن استخدامه في الدعاية وفي التحرك عبر وسائل اإلعالم الجماهيرية‬
‫والمظاهرات على سبيل المثال‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة أخيرا إلى أن العالم أضحى يشهد تزايدا ملحوظا في أعداد‬
‫ومجاالت نشاط التنظيمات االجتماعية والسياسية بسبب تأثيرات تيارات العولمة‬
‫وثورة المعلومات التي سمحت لألفراد والمجموعات بسبل التواصل السريع‬
‫والفعال مما سمح لها بتعميق التنسيق وتبادل الخبرات واألفكار بغية تعميق‬
‫تأثيرها تحقيقا لمبادئها ومصالحها‪ ،‬على أن هذا التزايد فرض على مالكي القرار‬
‫تحديات كبرى تنطوي على صعوبات في الموازنة بين المصالح والمطالب‬
‫المتناقضة أحيانا‪.‬‬

‫ومن بين أهم خصائص هذه الحركات االجتماعية الجديدة ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إنها ال تنتمي إلى طبقة معينة وليس لها جذور طبقي‪.‬‬


‫‪ -‬إنها تتصف في غالبيتها بأنها متعددة األفكار أي ليس هناك فكرة واحدة‬
‫تسيطر على الحركة وذلك بسبب تعددية جذورها الطبقية‬
‫‪ -‬هناك تقسيم واضح بين العمل الجماعي والعمل الفردي حيث توجد‬
‫سيطرة جماعية في قرارات التحرك‬
‫‪ -‬تنوع الحركات حيث ليس هناك حركة واحدة مسيطرة على الساحة‬
‫السياسية بل هناك تعددية التنظيمات‪.‬‬
‫‪ -‬تعبير كل هذه الحركات عن شكوكها اتجاه النظام الديمقراطي القائم وذلك‬
‫لعجزه عن االستجابة للحاجيات الجديدة داخل المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬أغلب هذه الحركات يقوم عملها على الالمركزية‪.‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‪ /‬محاضرات‬

You might also like