Professional Documents
Culture Documents
50464676
50464676
محاضرات
دجنبر 2015
المدخل إلى علم السياسة
مطبوع جامعي
إعداد :د .لؤي عبد الفتاح
لطلبة السداسي األول/مسلك القانون
طبع :مكتبة الطالب
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
المحتويات
((
التعريف بعلم السياسة وبيان مجاالته
7 -Iتطور علم السياسة ومفهومه
أوال :نشأة علم السياسة
ثانيا :تطور علم السياسة .................. ................................
ثالثا:مدى ملمية علم السياسة ........... ................................
-IIمجاالت علم السياسة
أوال :بين السياسة وعلم السياسة .....................................
ثانيا :مواضيع علم السياسة ومجاالته
ثالثا :القوة السياسية كمفهوم مركزي في علم السياسة
الـــدولـــة ......................... ................................ ................................
-Iتعريف الدولة وتفسيرات نشوئها
أوال :الدولة ،وظائفها وأساسها القانوني .........................
ثانيا :األساس القانوني للدولة ........... ................................
-IIنشأة الدولة ومسألة شرعيتها
االجتماعي ........... ................................ أوال :نظريات العقد
ثانيا:النظرية الماركسية .................... ................................
ثالثا :النظرية الشرعية العقالنية .......................................
(
المنتظم السياسي والنظم السياسية ...................................
-Iالمنتظم أو النسق السياسي .......................... ................................
أوال :نموذج دافيد إيستون .................. ................................
ثانيا :نموذج كارل دوتش .................. ................................
-IIحول النظم السياسية والدستورية ............. ................................
أوال :النظام البرلماني .......................... ................................
الرئاسي ........................... ................................ ثانيا :النظام
الفاعلون السياسيون
-Iاألحزاب السياسية ....................................... ................................
أوال :النشأة والتطور والمفهوم .........................................
ثانيا :وظائف األحزاب السياسية .......................................
ثالثا :النظم الحزبية ............................ ................................
-IIالجماعات الضاغطة والمجتمع المدني
أوال :تعريف الجماعات الضاغطة
ثانيا :أشكال التنظيمات الضاغطة وأوجه نشاطها
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
تقديم
ال شك في أن دراسة ما يتعلق بالسياسة وممارستها وتفاعالتها المختلفة،
باإلضافة إلى أهم المفاهيم المرتبطة بها من مثل الدولة والسلطة والحكم والدستور
والحرية والديمقراطية والعولمة وغيرها من المفاهيم المتعددة والمعبرة عن
الظاهرة السياسية ،يشكل أحد أبرز عناصر المعرفة بالنسبة لطلبة الحقوق .وإذا
كان من غير الممكن عمليا تناول الكثير من تلك المواضيع في إطار مادة المدخل
إلى علم السياسة المقررة لطلبة الفصل األول من السنة األولى العتبارات عدة ،قد
يكون من أهمها عنصر الزمن ،باإلضافة إلى الطبيعة النظرية للمواضيع التقديمية
لعلم السياسة ،فإننا نحاول من خالل هذه الدروس وغيرها مما أدرج في
المحاضرات ،تناول بعض األفكار والموضوعات التي من شأنها أن تشكل معرفة
تمهيدية للطلبة في مجال علم السياسة انطالقا من التعريف به وبمجاالته
ومواضيعه ،وصوال إلى شرح مبسط لبعض المفاهيم والمؤسسات االجتماعية
التي تحمل أهمية مركزية بالنسبة للظاهرة السياسية مثل الدولة والنسق السياسي
ومفهوم النظم السياسية ،باإلضافة إلى األحزاب السياسية والتنظيمات الضاغطة
والمجتمع المدني وفكرة الديمقراطية وظاهرة العولمة...
إن التعرف على بعض تلك المفاهيم عبر مادة المدخل إلى علم السياسة
وفق ما تسمح به المدارك األولية للطلبة الذين يبدؤون مشوارهم الدراسي في
كليات الحقوق ،سيوفر لهم بال شك ،أرضية مناسبة الكتساب المقدرة على فهم
الكثير من المصطلحات والتعابير والظواهر والمؤسسات واألحداث ،ذات المغزى
القانوني والسياسي واالجتماعي ،والتي من المفترض بهم مصادفتها من خالل
مختلف مراحل دراستهم ،على أساس أن تتوفر لديهم الرغبة والطموح لتوسيع
مداركهم عبر القراءة واالطالع وتتبع األحداث والتحاليل والدراسات القانونية
سرة ومتوفرة بفضل ما تتيحه ثورة
والسياسية ،والتي أضحت اليوم مي ّ
التكنولوجيات الرقمية.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
الفصل األول
التعريف بعلم السياسة وبيان مجاالته
على أن تقبل علم السياسة كعلم مستقل طرح وال زال يطرح إشكالية الحدود
التي تفصل هذا العلم عن السياسة ذاتها ،وعن ما يوصف ب" السياسي" (Le
) ،politiqueوكذا عن باقي الحقول المعرفية األخرى كالقانون والتاريخ وعلم
االجتماع والفلسفة والعالقات الدولية ،وكذا عن مدى تداخله وتكامله مع تلك
المجاالت المعرفية.
تطور علم السياسة ومفهومه -I
يعتبر علم السياسة علما حديث النشأة برغم أن دراسة الظواهر السياسية قد
ظهرت بشكل من األشكال منذ عهود ما قبل التاريخ في كتابات الفالسفة
والمفكرين الذين تطرقوا لشؤون الدولة والسلطة .ومع بداية تبلور وتطور المناهج
العلمية في الدراسات السياسية ،اتخذ علم السياسة موقعا له بين العلوم االجتماعية
منتجا مفاهيمه وآلياته العلمية الخاصة به( )1ومحدثا الفرق بين السياسة كممارسة
وبين العلوم السياسية الهادفة إلى دراسة وتحليل الظواهر السياسية على اختالفها
إن االهتمام الشديد بفهم الموضوع السياسي ليس حديثا .ففي العصور
القديمة و منذ المدرسة السفسطائية ،وأفالطون وأرسطو ..وضع المفكرون القدماء
السياسة في مركز اهتمامهم .حيث عرف أرسطو( 348ـ322قبل الميالد) اإلنسان
بأنه حيوان سياسي .ومن بعد أرسطو وحتى أيامنا هذه تعددت اإلنتاجات الفكرية
والكتابات التي عالجت مواضيع وتفاعالت السياسة بشكل تحليلي علمي مرورا
بمرحلة تمتع العلوم السياسية باالستقاللية عن العلوم األخرى وإن تداخلت
وتفاعلت معها بأشكال مختلفة.
( )1كفرع يدرس في الجامعات ,ظهر علم السياسة ألول مرة في الواليات المتحدة ,في جامعة
كولومبيا حيث تم تعيين فرنسيس ليبر عام 1857كأول أستاذ لتاريخ علم السياسة .وفي عام
1880تم تشكيل المدرسة األولى لعلم السياسة في كولومبيا .وكان السؤال األساسي الذي
يطرح نفسه ما هو هدف علم السياسة الذي يميزه عن أهداف العلوم االجتماعية األخرى؟.
حيث كان الرأي السائد حتى نهاية القرن التاسع عشر ،يذهب إلى أن هذا الفرع ال يمكنه أن
يكون غير م لتقى تقاطع علوم أخرى هي التاريخ ,االقتصاد ,علم أصول البشر ,علم النفس
االجتماعي ,علم االجتماع ,القانون العام الخ..وهل األمر متعلق بعلوم سياسية أم بعلم
السياسة؟ .وعملت المدرسة األنكلوسكسونية على دمج علم السياسة في السوسيولوجا
السياسية مما حصر عمل الباحث فيه بدراسة التشكيالت والنظم االجتماعية.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
شروط أساسية كان توافرها 3 Pierreعن Favre وقد تحدث بيير فافر
ضروريا لظهور علم السياسةبأوروبا وبفرنسا على وجه الخصوص:
أ-وجود قدر كاف من االستقاللية تحققت بـ :
-حدوث االنفصال بين االقتصاد والسياسة عام .1776
-االنفصال عن علم األخالق ابتداء من القرن الثامن عشر ،عندما ترك
الدين نفسه يبتعد عن السياسة باتجاه الحقوق ،وبشكل خاص منذ ميكيافلي.
-التفريق بين الدولة والمجتمع المدني بفضل هيجل وبفضل االنقسامات في
المجتمع.
ب -ظهور إدارة حديثة ونمو المالك اإلداري في الدولة مما نتج عنه تطور
القانون اإلداري وعلم السياسة في الوقت نفسه.
ج -اللجوء إلى أسلوب االنتخابات العامة ،ابتداء من عام ،1848واتساع
المشاركات السياسية وتعميم المناقشات السياسية(.)2
وخاصة بعد انفتاحهما على علم االجتماع السياسي والعلوم اإلدارية ،وبأنه غير
قابل للتطور إال إذا قام الحقوقيون بتدريسه .فان بوتمي Boutmyكان يعتبر العلوم
السياسية مبنية على علم التاريخ وليس على الحقوق .وال يمكن تدريسها بفعالية
انطالقا من العلوم القانونية.
شهد علم السياسة تطورات عدة سواء على مستوى مجاالته ومواضيعه أم
على مستوى مناهجه وأدواته التحليلية التي ساهمت بقدر كبير في تكريس تطوره
كعلم قائم بذاته.
()2عام 1872أنشأ بوتمي Boutmyالمدرسة الحرة للعلوم السياسية .وقد عملت هذه المدرسة على
التخصص في إعداد المسابقات األساسية .وأصبحت أداة إعداد وتوظيف النخب في الدولة
وفي المشاريع الكبرى .وقد تميزت عن كليات الحقوق والعلوم االجتماعية.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
حدود مفهوم " المواطنة " وتبعاتها .ولعل الملفت للنظر أن هذا المفهوم ظل
مرتبطا ً بعلم السياسة حتى وقت قريب.
ولقد ظل هذا هو حال علم السياسة حتى بداية القرن العشرين ،ولعل المتغير
الوحيد الذي يمكن مالحظته على مسار هذا العلم أبان تلك الحقبة ،هو االتجاه إلى
المنحى الدستوري المفتقر إلى وضوح في األسلوب التحليلي في المعالجة،
وبالتالي فلقد ظلت الفجوة قائمة بين الواقع السياسي للدولة ونظامها الدستوري.
خالل فترة ما بين الحربين العالميتين شهد علم السياسة ثالثة من أهم
التطورات النوعية في مسيرته :فمن جهة ،وبدال من التركيز على الجوانب
الهيكلية والقانونية للمؤسسات السياسية اتجهت الجهود نحو وضع أسس علمية
()3
جديدة لمسار هذا العلم تنطلق من تقرير حقيقة أن هذا العلم يتعامل مع اإلنسان
بكل ما فطر عليه من ميول ونزعات وأهواء وطبيعة متقلبة .ولذلك فقد كان من
الطبيعي جدا ً أن يزداد ارتباط هذا العلم بعلوم النفس ،واالنتروبولوجيا،
واالجتماع ،واالقتصاد ،واألساليب الكمية وغيرها من أفرع العلوم االجتماعية
األخرى ذات الصلة.
)(3شكلت كتابات تشارلز ميريام ،وهارولد السويل ،وكابلن ،وستيوارت مل أبرز تجليات هذا
التوجه.
أما التطور الثالث فقد تمثل في ظهور مفهوم التعددية Pluralismeالذي نادى
بوجوب توجيه اهتمام البحث في هذا العلم إلى المؤسسات ذات التأثير في الحقل
السياسي ،والتي تشارك السلطة السياسية في الوظائف السياسية العامة كاألحزاب
السياسية وجماعات الضغط والمصالح وإلى دور األفراد والنخبة وغيرهم من
الوحدات السياسية األخرى.
في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية شهد علم السياسة جملة من
التطورات المهمة والتي فرضتها طبيعة المستجدات السياسية التي ظهرت على
الساحة الدولية .فلقد كان لظهور المعسكر الشيوعي بإيديولوجيته المختلفة عن
الرأسمالية وما تبع ذلك من حرب باردة بين الطرفين ،ثم ظهور وحدات دولية
جديدة على المسرح الدولي كنتيجة لنيل كثير من ما سمي الحقا ً بدول " العالم
الثالث " الستقاللها ،ثم قيام حركة دول عدم االنحياز وبروز قضية التنمية كقضية
محورية مهمة ذات أبعاد داخلية ودولية تأثيرا ً فاعالً على مسار هذا العلم مما شكل
له تحوال نوعيا مميزا.
فمن ناحية التسمية ،فقد تقرر في اجتماع دار اليونسكو الذي عقد في باريس
عام ،1948تسمية هذا الحقل من حقول المعرفة اإلنسانية "بعلم السياسة" ليحل
محل المسمى القديم "العلوم السياسية" حيث حددت له أربع من الفروع الرئيسية
وهي النظرية السياسية ،والمؤسسات الحكومية ،واألحزاب والفئات والرأي العام،
والعالقات الدولية.
ثم جاء تعريف دافيد إيستون لعلم السياسة بأنه " التوزيع السلطوي للقيم في
المجتمع " لينقل حدود هذا العلم إلى كل عمل فردي أو جماعي يتعلق بسير
العملية السياسية أو بتفاعالت المنتظم السياسي .
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
من الناحية المنهجية ،ظهر الخالف جليا بين منهجين مختلفين لدراسة
الظاهرة السياسية .ففي الوقت الذي ظل فيه المنهج التقليدي يتعامل مع الظاهرة
السياسية من خالل الربط الواضح بين القيم والحقائق منطلقا ً من فرضية سكون
الظاهرة السياسية ،ظهر المذهب السلوكي كواحد من أهم المناهج الفاعلة التي
أخذت على عاتقها مهمة تحويل هذا الحقل إلى علم متحرر من القيم مركزا على
السلوك الفعلي للظاهرة السياسية برمتها انطالقا ً من حقيقة أن الفرد هو وحدة
التحليل األساسية.
وتعرف السلوكية بأنها " البحث المنظم عن تعميمات أو قوانين عامة عن
طريق صياغة النظريات التجريبية والتحليل التقني وإثباتها من أجل تحقيق ذلك
الغرض " لذا فإن هذا المذهب يرتكز على قاعدتين متالزمتين هما صياغة
المفاهيم والفرضيات بطريقة منظمة وما يسمى بطرق البحث االمبريقية
(التجريبية) .
في الوقت ذاته ،صاحب ظهور هذا المذهب تبني الكثير من المصطلحات
التي أصبحت تمثل جزءا ً أساسيا ً من هذا الحقل من حقول المعرفة وأوجبت حتمية
التداخل فيما بينه وبين العلوم االجتماعية األخرى.
ثالثا :مدى علمية علم السياسة.
بناء على كل ما سبق يثور تساؤل مهم فحواه ،ترى هل علم السياسة علم
بالمعنى األكاديمي المتعارف عليه علمياً؟ ولإلجابة على هذا التساؤل يجدر أن
نحدد أوالً ،ما المقصود بالعلم؟.
يعرف العلم بأنه الفهم المنظم للحقائق المادية الثابتة ومعادالتها وتفاعالتها
ومتغيراتها الناجمة عن مراقبة مظاهرها وبواطنها واستقراء تفاصيلها وجزئياتها
وإجراء التجارب عليها واختبارها الستخراج حقائق جديدة حسب قواعد معينة
مختصة .لذا فإن العلوم الطبيعية تتميز بمجموعة صفات أهمها وجود اتفاق عام
بين المهتمين بدراستها على طبيعة المشاكل والقضايا التي تشكل أساس هذه
العلوم ،وكذلك االتفاق على جملة المفاهيم وطرق البحث لدراسة هذه القضايا
والتي تشكل في الوقت ذاته اإلطار المعرفي للعلم.
وعليه فإن استخدام لمفهوم علم السياسة من خالل المنظور السابق البد وأن
يعني بأن علم السياسة هو ذلك العلم المختص بتفاعالت ومعادالت الحقائق
والمواد تفاعالً إذا تساوت معه كل األشياء يؤدي إلى نتيجة متوقعة ومعروفة سلفا ً
أو جديدة .وهو أمر يشكل أكثر من عالمة استفهام.
من هنا نستطيع القول بأنه ال يمكن إعطاء إجابة قاطعة بشأن الحديث عن
مدى علمية "علم السياسة" ،بقدر ما نستطيع الحديث عن مدى اقترابه أو ابتعاده
عن مفهوم وخصائص العلم.
فالثورة العلمية التي ظهرت في علم السياسة ال يمكن النظر إليها إال من
خالل عجز اإلطار المعرفي الحاضر عن حل القضايا المعاصرة ،وبالتالي دفع
عملية التحول من إطار معرفي ألخر في محاولة لتحريك علم السياسة من الحالة
الوصفية المجردة إلى إطار معرفي أكثر قوة وثبات واقتراب من مفهوم العلم.
نخلص من هذا إلى أن الحديث عن مدى علمية علم السياسة هو سؤال ال
يمكن تقديم إجابة قطعية بشأنه على اإلطالق بقدر الحديث عن اقتراب أو ابتعاد
علم السياسة كمفهوم وممارسة .فعلم السياسة شأنه كشأن الكثير من العلوم
االجتماعية كاالقتصاد وعلم النفس واالجتماع وعلم األجناس ال يمكن أن يصل في
درجة علميته للمواد الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا وغيرها.4
-4أنظر :سويم العزي ،دراسات في علم السياسة ،دار إثراء للنشر والتوزيع ،عمان .2009على الرابط:
http://khaward.ae/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-
%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9
-IIمجاالت علم السياسة
ال بد قبل التطرق ألبرز مجاالت علم السياسة ،من توضيح الفرق بين
السياسة كممارسة أو كمجال اهتمام من لدن السياسيين أو األفراد العاديين ،وبين
علم السياسة الهادف إلى دراسة الظواهر السياسية بالمنظور العلمي الذي يفترض
التجرد والموضوعية.
إن كل ما يدور على ألسنة الناس ،حكاما أو محكومين ،يمكن وضعه في
مجال السياس ة والتي تنطوي في حيثياتها تلك المعطيات المجانية التي يتناقلها
الناس والتي ال تستند في غالبيتها على التحليل العلمي بل تبني جل تصوراتها
على المعطيات المبسطة الفاقدة لكل بعد فكري مثال حالة التحليالت المقدمة من
قبل الصحفيين والسياسيين الذين تبنوا السياسة كمورد رزق .ولكون أن معطيات
هؤالء تنحصر في قضايا اجتماعية أو حوادث اجتماعية ولو كانت لها عالقة مع
السياسة فهي تبقى في جوهرها تعبيرا عن حوادث وقضايا اجتماعية لسبب تغليب
صراعاتهم المصالح الضيقة الشخصية على المصالح العامة .وعليه فإن
وتعاونهم يمكن وضعها في مجال العمل السياسي (. )5
)(5
Denquin Jean-Marie .Introduction à la science politique .Hachette .2eédition .2007.P.19
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
ويعود سبب التأكيد على هذه الخصوصية إلى أن منطق السلطة أو تلك
التنظيمات دائما ما يكون مرتبطا بالمصالح الضيقة مما يفسد من عملية المقارنة
ألن هذه السلطة أو التنظيمات تجبر من ينتمي إليها على االلتزام بمنطقها لتحقيق
أهداف معينة .ولهذا السبب نرى أن تخلف علم السياسة في بعض مناطق العالم
يعود بالدرجة األولى إلى غياب هذه االستقاللية التي تتعارض مع معطيات
السلطة والتنظيمات السياسية القائمة وتجرد عنهم حيادية عملهم وتسلبهم حرية
االنتقاد التي تعتبر األرضية األساسية للوصول إلى معرفة الحقيقة.
على ما تقدم ،وضعت تعريفات عدة لعلم السياسة :فقد عرفته جامعة
كولومبيا بأنه (علم دراسة الحكومات والمؤسسات والسلوك والممارسة
السياسيين) ،بمعنى أن علم السياسة يهتم بدراسة عملية الحكم والمؤسسات
السياسية بنوعيها من مؤسسات رسمية (المؤسستان التشريعية والتنفيذية)
وتنظيمات غير رسمية مثل األحزاب وجماعات الضغط والرأي العام ، .كما يعنى
عمليات التصويت في االنتخابات بدراسة النشاطات السياسية لألفراد مثل
وغيرها.
بعض المعاجم الفرنسية عرفت علم السياسة بأنه علم دراسة حكم
المجتمعات اإلنسانية أي علم حكم الدول .أما العالم األمريكي دافيد إيستون فقد
عرفه بأنه العلم الذي يهتم بدراسة التوزيع السلطوي اإللزامي للقيم في المجتمع .
بمعنى أن علم السياسة يتركز اهتمامه على دراسة الدور المحوري للسلطة
السياسية في الحفاظ على قيم المجتمع وإنفاذ القوانين باستخدام أدوات القوة
واإلكراه إذا اقتضى األمر في مواجهة الخارجين على هذه القيم والقوانين.
وقد عرف علم السياسة كذلك بأنه علم السلطة ،ويركز أصحاب هذا
التعريف على السلطة السياسية باعتبارها الظاهرة السياسية األم المتمثلة في
"احتكار الحاكمين ألدوات اإلكراه المادي المصحوب بتصور أفراد الشعب له
على أنه احتكار خير وشرعي يستهدف تحقيق األمن واالستقرار والسالم داخل
المجتمع .فالسلطة هي قوة شرعية خيرة" .ويوجد تعريف لعلم السياسة بكونه :علم
دراسة الظواهر السياسية بمنهج علمي تجريبي .والمقصود بالظواهر السياسية هو
كل ما يدور في عالم السياسة(الواقع السياسي) من نشاطات وأحداث ذات صلة
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
بشئون السلطة والحكم ،أما المنهج العلمي التجريبي فيستهدف ببساطة تقديم تفسير
للواقع السياسي (عالم السياسة _ الظواهر السياسية) ،كما هو قائم دون تحيز
لوجهات نظر معينة بما فيها وجهة نظر الباحث نفسه.
إ ن مجال علم السياسة مجال معقد لكونه يرتبط بحياة المجتمع سواء كان
المجتمع مجتمعا بدائيا أو متطورا .ويرجع هذا التعقيد إلى كون أن علم السياسة
يبحث في ماهية القوة التي تأخذ لها صورة السلطة والتي يفترض وجودها البحث
في كيفية عملها وتصرفها واألرضية االجتماعية االقتصادية والثقافية التي تستند
عليها .إن الغرض من وراء هذا البحث هو الوصول إلى معرفة تطور مفهوم
القوة التي يتفرد المجتمع اإلنساني بوضع القواعد لتنظيم ممارستها وإضفاء الصفة
الثقافية عليها كمحاولة إلقناع أعضاءه بقبولها .فلكون أن نشاطات اإلنسانية تتميز
ديمومة بصفتي التصارع –صراعالمصالح -والتعاونمناجل المحافظة على
المجتمع -فان فكرة التنظيم وفكرة اإلقناع تعتبران الحجر األساسي لتطور علم
السياسة ألنهما يشكالن وجهي السياسة التي تدفع إلى المزيد من الجهد للتجديد
من وسائلها لكون أن نشاطات اإلنسان في تغير مستمر والصراعات الناتجة عنها
تفرض مزيدا من التنظيم ومزيدا من محاوالت اإلبداع الفكري لترسيخ فكرة
اإلقناع بزيادة درجات التعاون البشري داخل المجتمع اإلنساني.
كما يبحث علم السياسة أيضا في سلوكية القائمين بالعمل السياسي ودراسة
شخصيتهم ودوافع أعمالهم وتصرفاتهم.
إن القول بأن علم السياسة يبحث في حياة المجتمع السياسية الداخلية منها
والخارجية بسبب وجود سلطات سياسية يعني تحديد استخدام معطياته فقط بهذا
المعنى وهذا ما يقلص من مجاالت التي يمكن لهذا العلم بحثها .فقصر مفهوم
السياسة فقط على وجود السلطات يعني التزام معطياته بتحليل ودراسة النظام كما
هو قائم وذلك بإخراج كل ما يحيط بهذا النظام من إشكاليات وتنظيمات وقوى
سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية لكون أن نشاطاتها تفتقد إلى صفة القرارات
الجماعية.
يتشكل منها المجتمع المدني لمعرفة مكوناتها والكيفية التي تتم فيها فكرة توزيع
مصادر القوة .وعليه فانه يمكن تحديد مجال السياسة)بكل ما يتعلق في المجال
الداخلي وكذلك المجاالت الدولية والعالمية.
وعليه فإن القوة السياسية تعني تلك القوة االجتماعية التي ترتبط أو تتبلور
فقط في نطاق الدولة والسلطة الن هذه األخيرة وجدت من اجل تنظيم العالقات
بين األفراد والتأثير على سلوكهم وذلك من خالل السلطات التشريعية والتنفيذية
والقضائية.
وال يعني تعريف القوة بهذا المجال عدم تواجدها في مجاالت أخرى،
فعالقات المجموعات ذات المصالح في تحقيق أهدافها سواء كان ذلك في عالقتها
مع السلطة أو في عالقتها مع بعضها البعض يمكن أن توصف بأن هذه
المجموعات تملك القوة مادامت تملك قدرة التأثير على التغيير من مسيرة األحداث
لهدف تحقيق مصالحها .وعليه فإن القوة السياسية تعبر عن عالقة اجتماعية وليس
وبعبارة أخرى ،أن منطق القوة يعني تلك العالقات التبعية التي تنشأ نتيجة
التفاوت بالمستويات بين مالك لعوامل مادية ومعنوية وأخر خاضع لها ،تلك
العوامل التي يمكن أن تأخذ لها ثالث أشكال:
-تقييد حرية شخص مقابل شخص أخر أو مجموعة مقابل مجموعة أو دولة
مقابل دولة كالقرارات الدولية المتخذة ضد دولة ما أو شخصية سياسية معينة.
-عالقات القوة هي أيضا عالقات تبادل المنافع بين مجموعتين تختلفان من
كالعالقات السياسية واالقتصادية بين عالم زاوية طبيعة كل واحدة منهما،
الجنوب والشمال.
-سلطة اإلقناع :ويراد بها استخدام القوة الالمادية بممارسة التأثير على
رغبات المتأثر ومتطلباته واختياراته من اجل التغيير من سلوكيته لتصبح مطابقة
مع رغبات صاحب التأثير مثل محاولة السلطة إقناع المضربين على العمل أو
المهددين باللجوء إليه بعدم اللجوء إلى هذا األسلوب في فترة معينة.
-سلطة التعويض أو اإلغراء :ويقصد بها قدرة مالك التأثير على ضمان
تغيير سلوك الخاضع من خالل تقديمه للمغريات المادية والمعنوية لضمان
استمرار خضوعه مثال على ذلك ،تقديم المساعدات الدولية لغرض ضمان وقوف
دولة ما -الخاضعة -مع الدولة المانحة للمساعدات ،االقتصادية منها أو
العسكرية.
وكما يبدو واضحا ،فإنه ال يمكن فصل هذه الطرق الواحدة عن األخرى
ألن إبعاد أي واحدة منها يعني فقدان القوة لقدرتها على التأثير .أما آليات الوصول
إلى ذلك فإنها تقوم على أساس نفسي يتحدد بدوافع قبول أو رفض فرد أو
مجموعة وحتى دول لهذه السلطات الثالث .ومن بين أهم هذه الميكانيزمات
المستخدمة لزيادة حجم التأثير أو استمراره :آلية التالعب بالمعطيات والمشاعر
والتي تعني إخفاء األهداف والنوايا الحقيقية المحفزة لصاحب التأثير ،وذلك
باستغالل األحاسيس األكثر بدائية لدى اإلنسان مثل مشاعر الخوف والقلق الناتجة
عن عمليات الدعاية الهادفة إلى التأثير على صورة اآلخر ،مما يدفعه ،سواء أكان
فردا أو تنظيما أو حتى دولة ،إلى االنصياع لرغبات صانع تلك الصورة.
الفصل الثاني :الدولة
شكلت الدولة إبان عقود الموضوع األساسي لعلم السياسة كنتيجة منطقية
لكونها تشكل أسمى أشكال التجمع اإلنساني المنظم ،وإذ اختلفت اآلراء والنظريات
الخاصة بنشوء وتطور الدولة ،وتباينت بين التفسيرات العلمية والتبريرات القائمة
على االفتراض ،إال أن الدولة ظلت تمثل ،بعناصرها ومؤسساتها وبسلطتها
السياسية واحتكامها على أدوات القمع "المشروعة" ،وبتفاعالتها داخليا
وخارجيا ...محور التفاعل السياسي وبالتالي ،العامل المركزي في معظم
الدراسات السياسية وعلم السياسة ،سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
-1تعريف الدولة.
يمكن تعريف الدولة بأنها ذلك الكيان المتواجد على جزء من االرض يعيش
- –شعب دائم بشكل األفراد من مجموعة فوقها
،تربطهمروابطمتداخلةلهاعمقفيالتاريخ،تنظمهاقواعدقانونيةتوصإلليهااألفرادفيمابين
هممنخاللذلكالتقاسمالمشتركللعيشسويةوالذيأنتجثقافةمعينةتتفردبخصوصيتها.
إن هذه العالقات هي في أساس قيام تلك الهيئات التي أنيط بها صالحية حل
الصراعات وتنظيم المجتمع السياسي والتي عرفت باسم الحكومة وهيئاتها
اإلدارية.
ومن اجل أن تأخذ هذه الدولة صفتها القانونية فالبد من االعتراف بها دوليا
بأنها دولة لها سيادة على ارض وعلى شعب يمتلك حكومة بسلطاتها الحقيقية
بحيث تكون هذه السلطات ممثلة للشعب.
-2وظائف الدولة
يتجلى مفهوم الدولة أيضا من خالل الوظائف التي تقوم بها ،فباإلضافة
إلى كونها تقوم من خالل سلطاتها على تنظيم المجتمع بوضع القواعد القانونية
فلديها أيضا وظائف سياسية تتمثل في (المحافظة على األمن ،توفير الموارد –
عنطريقالضرائب–وضعالقواعد لفض الخالفات وتخصيص الموارد لصرفها على
اإلقليم الذي تمارس عليه صالحياتها القانونية).
وللتمكن من القيام بهذه الوظائف فإنها -أي الدولة -تستند بشكل أساسي
ومن خالل مكوناتها السياسية –سلطاتتشريعيةوتنفيذيةوقضائية–على (القوة -
-من خالل المراسيم الماديةضدمواطنيهاإذادعتالضرورةلذلك ،على اإلقناع
والقانون –على التأثير –بالرأي منخالاللدعايةالسياسية-وعلىالتباداللمصلحي-
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
تعزيز نمو االقتصاد رفع من مستوى المعيشة لللحصول على قبول المواطنين
ودعمهم ورضاهم.
هناك عدة اتجاهات تذهب لتقديم تفسير لدور العوامل المختلفة وآلياتها في
تشييد أساس تكوين الدولة .فثمة من يفسر نشوء الدولة الوطنية بعوامل اقتصادية،
وثمة من يربط تلك األسس بالمعطيات والخصوصيات الثقافية ،وسنكتفي في هذا
المقام بالتركيز على األسس القانونية للدولة والتي تبنتها المدرسة القانونية
المفسرة لقيام الدولة الوطنية(.)7
وتنطلق هذه المدرسة من أهمية القانون في تكوين الدولة .فبالنسبة لها أن
الدولة هي تعبير عن وحدة شعب ما على ارض معينة يمتلك هيئة سياسية قائمة
على قواعد القانون وتمتلك هذه الهيئة وحدها سلطة الزجر والقمع.
وعليه فالدولة ال تكون إال دولة قانون وال يمكن فصلها عن القانون .فالدولة
بدون قانون ليست بدولة ألن غياب قواعد التنظيم القانوني الذي يعكس النظام
)(7 Bélanger André-J .Lemieux Vincent .Introduction à l’analyse politique .Presses de
l’Université de Montréal.1996.p.146
الجماعي ،حيث يتم على ضوئه تحديد سلوك األفراد أعضاء المجتمع السياسي،
يعني فقدان وجود هذا النظام الجماعي،وكنتيجة فقدان الشعب المتواجد على إقليم
معين لوحدته .لذلك فإذا كان أساس وجود الدولة هو القانون ،فال يمكن تصور قيام
"التنظيم" الذي يشكل أساس وجود المجتمع ،مع غياب القانون ،ألن مع غيابه
تنتهي الدولة كفكرة وكوجود .وهذا القانون ال يمكن أن يوجد خارج الدولة ألنه ال
يمكن الحصول على شرعية قانون ما إذا لم يكن هناك شعب وهيئة سياسية على
ارض ما .فدولة القانون هي تلك الدولة التي تستند شرعيتها على موافقة أفراد
الشعب على القواعد القانونية التي تضعها الهيئات السياسية المنظمة للمجتمع
السياسي لكونه –أي–الشعب -صاحبالسيادةالفعلية.
أن قبول األفراد بالقواعد القانونية هذه يعبر عن خضوعهم لقواعد التنظيم
الذي ارتضوا وجوده بشكل طوعي وإرادي حيث يعكس هذا التنظيم حالة
المساومة بين المصالح المتعارضة والتعاون المصلحي بين األفراد والمجموعات
وبشكل عقالني وعلى أساس اختصاصي(.)8
أن التأكيد على أن القانون يشكل أساس الدولة يعني إعطاء هذه األخيرة
شخصية أخالقية وكيانا مجردا ،وهي وجدت بهدف وضع حد للتفرد الشخصي
للقائمين على السلطة واحتكارهم لها .بعبارة أخرى أن (الحكام لم يعودوا يتكلمون
باسمهم الخاص كما هي الحال في األنظمة التقليدية بل باسم السلطة المجردة
الدولة والتي باسمها يضع ممثلو السلطة القواعد بمعنى القانون واألحكام
والقرارات - ...ويعني هذا –فصاللسلطةعنحاملها –.وكنتيجة–الحكام يمضون
والدولة باقية) (.)9
)(8 cf. Kelsen Hans.La démocratie, sa nature, sa valeur .Paris .Economica .1988
)(9
Bélanger André-J .Lemieux Vincent. Op.cit.p.147
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
إن فكرة إطالقية سيادية الدولة التي ظلت سائدة منذ بروز الدولة على
المسرح السياسي الدولي ودعمت بقواعد القانون الدولي الذي ينص على أن
الدولة هي وحدها المالكة للسيادة وال يمكن التدخل في شؤونها الداخلية ،هذه
اإلطالقية بدأت مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تفقد
أهمية هيمنتها لتحل بدلها فكرة نسبية هذه السيادة وذلك بفعل عاملين:
تنطلق هذه النظرية من فكرة الحاجة إلى وجود الدولة التي تمثل نتيجة
لتعاقد األفراد فيما بينهم بشكل علني أو ضمني وتكمن وراء هذه الحاجة رغبة
هؤالء األفراد إضفاء التنظيم على حياتهم المشتركة .ويمكن التمييز هنا بين ثالث
اتجاهات:
حسب هذه النظرية ،تقوم الدولة نتيجة لرغبة األفراد في ضمان األمن
والحاجة إلى الحماية ضد الفوضى وقانون الغاب الذي يكمن سببها في طبيعة
اإلنسان الميال نحو العنف مهما كانت وضعية هذا اإلنسان ،أي ،و بعبارة أخرى
يكمن دافع الخوف من استمرار العنف أو التخوف من اندالعه ،وراء قبول
األفراد بكيان الدولة وسلطاتها – مانحا إياها شرعية وجودها لكونها الكيان القادر
على ردع العنف والمحافظة على بقاء اإلنسانية.
و بمعنى أخر فإن وضع الثقة في هذا الكيان (الدولة) هو لخدمة مصالح
األفراد لكونها تملك السلطة المطلقة المطلوبة للمحافظة على السلم االجتماعي.
إذن إنها شرعية مرتبطة بفائدة وجود سلطة الدولة وليس لتمجيد هذه السلطة الن
هذه األخيرة محكومة بقواعد القانون الطبيعي هادفة بالدرجة األولى إلى المحافظة
بكل الوسائل المتاحة على السلم االجتماعي واألمن.
ولضمان ذلك ،فإن تعاقد األفراد وبشكل إرادي فيما بينهم وليس فيما بينهم
واألمير في التخلي عن حقوقهم وتحويلها إلى الدولة التي يجسدها األمير ،يمثل
أنجع وسيلة لضمان هذه الحقوق .ولكن هذا التخلي ليس تخليا مطلقا ،فشرعية
الدولة المتمثلة باألمير تبقى محددة بعقالنية هذا األخير في وضع حدود بين
المصلحة العامة ومصالحه الخاصة.
يرى لوك أن حاجة األفراد إلى قيام الدولة قد تعود إلى رغبتهم في قيام هذا
الكيان لضمان حرياتهم ضد تعسف مالكي القوة .فبالنسبة له أن الطبيعة البشرية
في أساسها طبيعة مسالمة وان اإلنسان في أساس كل عمل له قيمة وليست الطبيعة
وراء ذلك .فكل القوانين التي يضعها اإلنسان لنفسه ووجود الحكام والشرطة ،كل
هذه األشياء واألفعال غير موجودة في الطبيعة ،بل هي من صنع اإلنسان أوجدت
لخدمة مصالحه ،وان السلطة في جوهرها هي سلطة الحرية التي تهدف إلى
تحقيق سعادة اإلنسان.
ويعني ذلك أن جذور شرعية الدولة تجد سبب وجودها في حاجة األفراد
الذين ولدوا أحرارا لحماية حريتهم وملكيتهم الخاصة ضد ممارسات السلطة
التعسفية لمالكي القوة .وألجل تحقيق تلك الحاجة ،فهم تنازلوا عن حقهم الطبيعي
وتعاقدوا فيما بينهم على العيش معا وإعطاء المجتمع المدني حق تعين حاكم يقوم
بوظيفة حل النزعات .وكنتيجة لهذه الحرية فان السلطة التي وجدت البد أن تكون
سلطة عدل ووظيفة الحكومة هي للحكم وليس إلدارة المجتمع والقيام بالتشريع.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
أما وظيفة األمير فهي لمتابعة الخير العام .فال يمكن له أن يجمع السلطة التنفيذية
والتشريعية بيده الن كل احتكاريه للسلطة يعني الدخول في تناقض مع قواعد العقد
الذي أقيم على أساسه المجتمع في احترام إرادة األغلبية وقرارها.
تعود جذور شرعية الدولة إلى رغبة األفراد في إقامة هذا الكيان كتعبير
عن إرادتهم الجماعية .فبالنسبة لروسو أن اإلنسان ولد حرا وتنازل عن هذه
الحرية لصالح "العموم" الذي يعكس اإلرادة المشتركة لجميع أعضاء المجتمع في
العيش سويا ،ممثلة بالهيئة السياسية والتي يطلق عليها أعضاء هذا المجتمع اسم
الدولة .بمعنى أخر أن الدولة تجد شرعية وجودها من خالل التقاسم المشترك
ألفراد مجتمع ما للمصالح المشتركة بتفضيل المصالح العامة على الخاصة في
تنظيم المجتمع من خالل تقاسم السلطات حيث تعتبر إرادتهم المشتركة مصدرا
للقانون ألنها تمثل سيادتهم التي ال تعلوها سيادة أخرى .
وللتعبير عن هذه السيادة فان فكرة التفويض تترجم عمليا بكونها تلك
اإلرادة الجماعية في حكم المواطنين أنفسهم بأنفسهم من خالل ممثليهم المنتخبين
عندما يفوض هؤالء بالتكلم عنهم لوضع القوانين وصنع السياسة كتعبير عن
اإلرادة الجماعية .
وكما هو مالحظ أن كل هذه اآلراء بنيت على منطلقات ذاتية وتفتقد لألساس
الموضوعي ،فمثال تعكس فكرة هوبس فترة والدة الليبرالية وصراعها مع النظام
اإلقطاعي وتخوفه من الفوضى السياسية التي قادت به إلى تفضيل مركزية
السلطة على تقاسمها مع إطراف أخرى .في حين أن فكرة لوك تعكس قوة
البرجوازية الصاعدة ومطالبتها بتقسيم السلطة السياسية والتي تظهر بشكل واضح
نضج تفكيرها مع فكرة روسو في خلق ودعم النظام الديمقراطي(.)10
ثانيا:النظرية الماركسية
وحسب النظرية الماركسية ،فإنه ال شرعية للدولة إال عندما تكون الطبقة
البروليتارية هي المسيطرة على السلطة .وهذه الشرعية هي شرعية مرحلية ،الن
)(10
Bélanger André-J .Lemieux Vincent .Introduction à l’analyse politique .Presses de
l’Université de Montréal.1996.p.150et s
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
إن النقد الذي يمكن أن يوجه لهذه النظرية هو طوبائية الفكرة في تأكيدها
على قدرة حكم الطبقة البروليتارية كطليعة ثورية قادرة على تغيير من طبيعة
الدولة .فمن اجل أن تكون الطبقة قادرة على تحقيق التغييرات الجوهرية داخل
المجتمع يجب عليها أن تكون مستقلة عن كل الطبقات األخرى .في حين وما ظهر
مع الواقع ،فأن حاجة هذه الطبقة للمجموعة المثقفة –ومهماأعطيلهامنتسمية-
مناجلتنويرهاوتقويةشعورهاالطبقي ،جعلها من الناحية النظرية والعملية مجموعة
تابعة لهذه األخيرة ،لكون أن هذه المجموعة هي خالقة الفكرة
في الواقع أن حاجة الطبقة العمالية للمجموعة المثقفة ال يعني فقط تبعيتها
لها وإنما أيضا عدم قدرتها على قيادة التغيير لكون أن عملية التغيير ستكون
تعبيرا عن اعتبارات ومعطيات وأفكار من يملك المعرفة وليس من يكون في
محل التبعية .وبالتالي فإن المجموعة المثقفة باعتبارها مالكة المعرفة ستكون قابلة
للتحول إلى طبقة تستقل بالسلطة واالمتيازات وإن اعتبرت الشريحة العضوية
للطبقة العاملة(.)12
( )11يقول انجلز بهذا الخصوص" :عندما تحل إدارة األشياء وقيادة العمليات اإلنتاجية محل
إدارة حكومة األفراد ،فالدولة ال يقضى عليها وإنما ستذبل " ومع ذبولهاتنتهي فكرة
شرعيتها .مشار إليه في :سويم العزي ،مرجع سابق .ص68 .
)(12
Cf. Braud Philippe .Histoire des idées politiques de gauche .cours de science politique .4
année .Faculté de droit .Rennes .p.30
ثالثا :النظرية الشرعية العقالنية
بحثت هذه النظرية قيام وشرعية الدولة من خالل شعور األفراد والفاعلين
االجتماعيين بضرورة وجودها.ففكرة الخضوع للدولة لم تولد من فكرة تملكها
لسلطة احتكار استخدام القوة وإنما من خالل حاجة المجتمع العقالنية للتنظيم
ولضمان الحماية القانونية للنشاطات االقتصادية وحماية الملكية الخاصة.
وفي هذه الحالة تصبح الدولة ضامنة لهذاالتأسيس بما تملك من قدرة على
)اإلقناع والفرض ،وذلك حسب رأي ماكس فيبر .)13(WeberMax
)(13
Weber Max .économie et société .Paris pocket .1995. P .68
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
كخالصة ،يمكن القول أن فكرة شرعية الدولة ،تبقى قضية أخالقية وقانونية
بطريقة ممارسة القائمين على سلطة الدولة لكونها تتعلق فهي أخالقية
للصالحيات المنوطة بهم وبفلسفتهم السياسية التي تعبر عن نظرتهم وتصورهم
لتنظيم حياة المجتمع .وهي قانونية ألن على ضوئها تتحدد مجاالت نشاطات
الدولة التي يضع الدستور حدودها برسم ما هو شرعي وما وغير شرعي في
إطار المعايير المتفق عليها مسبقا .أن هذه الحدود هي التي تمنح القائمين على
إدارة سلطة الدولة االستمرارية في مواقعهم السياسية.
السياسي المنتظم الفصل الثالث:
والنظم السياسية
قد يكون من المفيد ،من أجل تيسير استيعاب مفهوم الدولة والسلطة
السياسية وطبيعة التفاعالت التي تقيمانها في إطار اإلقليم الجغرافي للدولة
وخارجه ،إلقاء بعض الضوء على مفهوم المنتظم أو النسق السياسي كمنظور
عرف الكثير من الزخم واالستخدام في دراسات علم السياسة .على أن المنتظم
السياسي كمفهوم مجرد يحاول شرح نمط التفاعالت السلطوية يرتبط أيضا بأهمية
توضيح طبيعة النظام السياسي أو النظام الدستوري في الدولة ،بحكم كون هذا
األخير يطرح جملة من اآلليات التي تسير وفقها المؤسسات السياسية في الدولة
والسلطات العامة فيها ،إلى جانب منظومة العالقات وتبادل التأثيرات فيما بينها،
ال سيما من منظور المبدأ الشهير الذي من شأنه أن يحقق التوازنات المطلوبة التي
تضمن ،بشكل من األشكال ،حسن سيرها ،وهو المتمثل في مبدأ الفصل بين
السلطات.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
مجموع التفاعالت التي من خاللها تتم عملية التوزيع السلطوي للقيم ويشكل ذلك
نظاما للتصرفات ينتمي إلى محيط معين ويتلق تأثيراته ،ويملك القدرة على
االستجابة لتلك التأثيرات .ولكي يبقى ،يجب أن يكون هذا النسقم قادرا على رد
الفعل).(Réaction
ويشبه إيستون المنتظم السياسي بعلبة سوداء متجنبا الخوض فيها ،وهي
(Intraوهوالذي ينتمي آليه )sociétal ترتبط بعالقات مع محيط مجتمعي داخلي
ويقع على عاتق المنتظم مهمة تنظيم مطالب المحيط وتصفيتها من خالل
إقامة التوازن بين المصالح ،وتصنيف األولويات ،ويستطيع النظام السياسي من
خالل سلطات الدولة المختلفة وأجهزتها البيروقراطية أن يستبق مسألة التعبير عن
المطالب ،عن طريق محاولة تقدير التطورات التي ستضع النظام أمام ضرورة
اتخاذرد فعل معين ،يحدث ذلك في إطار تغذية ذاتية بالمطالب (Auto
) alimentationفالسلطات السياسية تغذي النسق بطلباتها الخاصة.
وفي مواجهة كثافة طلبات المحيط ،سيكون على النظام السياسي أن يدعم
قنوات تدفق المعلومات بواسطة دعم هياكله بالخبراء وتطوير مؤسساته
البيروقراطية أو أن يلجأ إلى معالجة تلك المطالب بطرق تؤدي إلى تقليصها
ليتمكن من تجنب الحمولة الزائدة )(Surchargeالتي من شأنها أن تشكل خطرا
عليه وعلى استمرارية قيامه بدوره بالشكل الطبيعي والعادي.
إن الدور المنوط بالمنتظم السياسي ألي دولة -كما يبدو -هو أن يفرض
إرادته على اإلرادات الخاصة ويحولها إلى خدمة لمصالح المجتمع عامة .وأن
)(15
Roger Gerard SHWARTZENBERG, op.cit, pp. 94 - 95
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
يقف في درجة التهديدات الداخلية والخارجية التي تتربص بالمجتمع وبه هو نفسه.
وألجل تحقيق ذلك .هو بحاجة أن يستعلم عن كل شيء يدور في محيطه وفقا لما
يملكه من قدرات ذاتية.
وبترجمة دقيقة لمصطلحات ايستون ،يمكن القول بأن مطالب المحيط هي
في حقيقة األمر .مجموعة من المعلومات التي يجب أن يقوم بمعالجتها بشكل ما
وبنظرة شمولية لألمور متوخيا في ذلك تحقيق مجموعة من األهداف من خالل
مخرجات النظام .وهي أهداف تصب إجماال في مصلحة النظام ومحيطه الداخلي
وذلك من قبيل :حماية مؤسسات المجتمع ،الحفاظ على اليم العامة ،الحفاظ على
المكتسبات وتطويرها ،العمل من أجل تكريس وتعزيز التضامن الوطني الخ.
لقد شبه األلماني كارل دوتش) (K. DEUTSHالمنتظم السياسي بنظم القيادة
والتحكم لآلالت الميكانيكية وللجهاز العصبي البشري ،التي تعمل وفق دائرة
مغلقة تعتمد على مبدأ التغذية العكسية) (Rétroactionبالمعلومات فالحكومات
تبحث عن تحقيق أهداف للسياسة الداخلية أو الخارجية ،وهي بحاجة إلى
(Fluxحول وضعها المعلومات)d’information االسترشاد بسيل أو تيار من
الخاص من تلك األهداف( ،)16والمسافة التي تفصلها عن تحقيقها .آخذة بعين
االعتبار النتائج الحقيقية للخطوات المتخذة ألجل االقتراب من تلك األهداف.
)(16
k. DEUTSH, Cité par, R.G.SHWARTZEMBERG,op. cit ,p125.
الوزن- :(Poid) :وزن المعلومة التي يتلقاها النظام حول التغيرات المحيطة
والتي عليه مواجهتها ،والذي سيبين حجم المشكل المطلوب معالجته.
هذه العوامل األربعة تتكاثف فيما بينها وتتفاعل .وعلى ذلك يعتمد نجاح
المنتظم السياسي في تحقيق أهدافه باتخاذ القرارات المناسبة والفعالة.
( )17يعطي كارل دوتش كمثال على ذلك التأخير ،كونه الجزء من الزمن الذي يمضي بين تلقي
المعلومة عن وضع طائرة معادية واللحظة التي توجه فيها المدافع المضادة للطيران إلى
الموقع المحدد بهدف إسقاطها .أنظر :المرجع السابق ،ص .126
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
الجديدة .أما القيم) (Valeursفهي التي تصنع الحدود التي على أساسها يتم اختيار
األفضل من بين اإلمكانيات المتاحة .وفي مرحلة الحقة ،تقوم األجهزة المنفذة
) )Exécuteursللقرارات بجمع المعلومات حول آثار القرارات ،وإرسالها إلى
األجهزة المستقبلة في إطار نظام للتغذية العكسية.
تحقيق أهدافه.
()18ذلك أنه ليست المعلومات وحدها هي التي تحدد تلك الفاعلية أو القدرة على مواجهة
متطلبات المحيط ،فالقرارات تحكمها عوامل متعددة تتعلق بكفاءة هياكل الدولة وبصانع
القرار الذي تعلق به المعلومات التي عليها تعتمد القرارات الرشيدة.
.IIالنظام السياسي والدستوري
تختلف النظم السياسية في مدى كونها ديمقراطية أو غير ذلك ،حيث توجد
نظم ديمقراطية ليبرالية تهتم بنوع من التكريس الفعلي لمبدأ الفص بين السلطات،
كما وجدت في بلدان أوروبا الشرقية ودول أخرى ما عرف بالديمقراطيات
الشعبية التي تعتمد على تقنية االنتخابات تحت سيطرة الحزب الواحد ذي
اإليديولوجيا االشتراكية أو الشيوعية ،وحيث ال وجود حقيقيا للفصل بين السلطات
العامة .إلى ذلك يمكن إيجاد نظم ديكتاتورية أو شبه ديكتاتورية ،ونظم أوتوقراطية
تعتمد المصدر الديني للسلطة وفق نظرية التفويض اإللهي ،ونظم شمولية أو
توتاليتارية من أمثلتها الدول االشتراكية السابقة .هذه النظم إلى جانب النظام
الديمقراطي الليبرالي تمثل نظما دستورية إذا ما نظرنا إلى طبيعة تنظيم السلطات
داخل الدولة وإلى أشكال التفاعل فيما بينها ،وفي هذا المقام ،سنقتصر على إعطاء
لمحة موجزة عن النظم الدستورية األكثر شيوعا ،والمتبعة أساسا في الدول ذات
التوجه الديمقراطي الليبرالي.
( )19من النظم الدستورية البرلمانية يمكن ذكر :جمهورية ألمانيا االتحادية ،إيطاليا ،المملكة
اإلسبانية ،اليونان الدول االسكندنافية ،امبراطورية اليابان ،الهند ،باكستان ،وشكليا لبنان
والعراق...
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
الدستورية ،حيث تنبثق الحكومة ورئيسها ،المالكة الحقيقية للسلطة التنفيذية ،عن
االنتخابات العامة وما تفرزه من نتائج .وفيما يلي نظرة موجزة على النظام
البرلماني البريطاني ،األكثر شهرة بين النظم البرلمانية.
-1المؤسسة التشريعية
-مجلس اللوردات :وهو مجلس األصل فيه أنه أوتوقراطي يعين أعضاؤه
بالوراثة من بين طبقة النبالء ،وأحيانا يصدر الملك قرارا بمنح عضوية المجلس
لبعض الشخصيات التي تقدم خدمات جليلة لبريطانيا .كذلك فقد بُدأ خالل السنوات
األخيرة انتخاب جانب من أعضاء المجلس من طرف نظرائهم الذين يحصلون
على صفة اللورد بالوراثة .ويشار إلى أن هذا المجلس نشأ تاريخيا على إثر
صراع بين الملك وطبقة البارونات.
-مجلس العموم :وهو مجلس ديمقراطي يعين أعضاؤه باالنتخاب ،وقد
نشأ تاريخيا ليمثل عامة الشعب ،على إثر صراع بين الملك والطبقة البرجوازية
المنتمية إلى العامة.
ويقوم البرلمان البريطاني بمجلسيه على الوظيفة التشريعية ،كما يقوم كذلك
بمهمة مراقبة الحكومة ويمكنه إثارة مسؤوليتها السياسية مما قد ينجم عنه إقالتها.
-2المؤسسة التنفيذية
-الملك :وهو يسود وال يحكم ،حيث ال يمارس وظيفة تنفيذية فعلية استنادا
إلى كونه ال يحاسب وال يُسأل ،ألن ذاته مصونة ارتباطا بقولة العصور الوسطي
أن الملك يمثل تعبيرا عن إرادة الرب وبالتالي فهو ال يخطئ ،وبما أنه ال يخطئ
وال يحاسب فال يمارس وظيفة تنفيذية فعلية احتراما لقواعد الديمقراطية .وإذا أراد
الملك أن يتخذ إجراء تنفيذيا ما فعليه أن يحصل على توقيع أحد الوزراء ،بحيث
يكون هذا الوزير مسئوال في حالة الخطأ.
-الوزارة ) :(Cabinetوهي تتكون من الوزير األول ومجموعة من
الوزراء ،وتهيمن فعليا على الوظيفة التنفيذية ،وبالتالي فهي مسئولة تضامنيا
وفرديا أمام البرلمان.
كما -يحق للوزير حضور جلسات البرلمان (والمناقشة دون تصويت) حتى
وإن لم يكن عضوا في البرلمان ،وذلك على اعتبار الوزارة مسئولة تضامنيا
وفرديا أمام البرلمان.
أما التعاون الوظيفي ،فبموجبه يحق للوزارة اقتراح القوانين على البرلمان،
حيث إن الوزارة كمؤسسة تنفيذية قد تكون أكثر دراية بواقع المجتمع وما يتطلبه
من قوانين ..كما يحق للملك االعتراض على القوانين التي يصنعها البرلمان
(حيث للملك حق التصديق) ،ولكنه عادة ال يمارس حق االعتراض احتراما منه
للديمقراطية حيث إنه غير مسئول وال يحاسب.
البرلمان في التصويت أما فيما يتعلق بتبادل التأثير ،فإنه يتمثل في حق
على منح الثقة للحكومة التي يتوجب عليها التمتع باألغلبية البرلمانية لتتمكن من
الحكم ،ويؤدي عدم تصويت األغلبية على منح الثقة إلى إسقاط الحكومة .كما
يمكن للبرلمان إثارة ملتمس الرقابة الذي يؤدي التصويت عليه باألغلبية إلى
إسقاط الحكومة أيضا.
في المقابل يحق للمؤسسة التنفيذية حل البرلمان وذلك بأحد أسلوبين :أولهما
أن تطلب الوزارة من الملك إصدار قرار بحل البرلمان وتحديدا مجلس العموم،
وهذا هو الحل الوزاري ،أما ثانيهما ،فهو الحل الرئاسي ،ويكون عندما يرى
الملك استحالة التعاون بين الوزارة والبرلمان ،فيقوم من تلقاء نفسه بإصدار
مرسوم ملكي بحل البرلمان تمهيدا إلجراء انتخابات جديدة ،على أن صالحية
الملك هذه في حل البرلمان تبقى نظرية فقط في راهن الحياة السياسية البريطانية.
باعتباره كذلك أحد النظم الديمقراطية الليبرالية ،يقوم النظام الرئاسي على
ثالثة مبادئ رئيسية للتنظيم السياسي هي الشرعية (نظام دستوري) ،وسيادة األمة
(نظام نيابي) ،وفصل السلطات الذي يعتبر أكثر جمودا وعمقا من نظيره في
النظام البرلماني .وفيما يلي نظرة موجزة على تنظيم السلطات الدستورية وطبيعة
العالقات فيما بينها في النموذج الرئاسي األمريكي:
ويقوم الكونغرس بمجلسيه على الوظيفة التشريعية ،كما يؤدي رقابة جدية
على السلطة التنفيذية التي تعرف في الواليات المتحدة باسم "اإلدارة" ،على أن
الكونغرس ال يمكنه بأي حال أن يسقط الحكومة أو اإلدارة عبر تقرير مسؤوليتها
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
السياسية (مسألة الثقة وملتمس الرقابة) ،كما ال يمكن للسلطة التنفيذية أن تقوم
بحل الكونغرس.
وتتمثل في الرئيس وحده ،حيث ال يوجد كيان مستقل يسمى وزارة (ال يوجد
منصب رئيس الوزراء) ،ولكن للرئيس أن يعين مساعدين له في الشئون المختلفة
(مثل الخارجية ،العدل ،الداخلية ،الدفاع ...إلخ) ،وهو يعينهم ويقيلهم بنفسه
ووقتما أراد وهم مسئولون أمامه.
ووظيفة الرئيس نيابية حيث إنه منتخب من األمة وبالتالي فهو مسئول
سياسيا أمامها وحدها ،وغير مسئول سياسيا أمام الكونجرس ،وإن كان يسأل
أمامه جنائيا أي في حال ارتكاب الرئيس جريمة مخلة بالشرف ،أو في حال
الخيانة العظمى ،إلخ ،وهو ما يعرف بمسطرة "االتهام الجنائي للرئيس
).(Impeachment
إن األصل في هذه العالقة هو قيامها على فكرة االستقالل بمعنى استقالل
الكونغرس بالوظيفة التشريعية والرئيس بالوظيفة التنفيذية ،ولكن هناك استثناءات
على هذا األصل اقتضاها حسن سير النظام األمريكي ،وتتمثل أبرز هذه
االستثناءات فيما يلي:
إلى جانب النظامين البرلماني والرئاسي ،ظهر توجه لدى الكثير من الدول
نحو الدمج بين النظامين ،واتباع ما يعرف بالنظام الدستوري المختلط .ويتميز هذا
النظام بوجود آليات المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان وقابلية هذا األخير
للحل ،تماما كما هو الحال في النظام البرلماني .بيد أن ما يميز النظام المختلط هو
وجود رئيس دولة قوي عادة ما يكون منتخبا بشكل مباشر من طرف الشعب ،له
اختصاصات تنفيذية واسعة ال شرفية فقط ،وهو بذلك يتقاسم السلطة التنفيذية مع
الحكومة .إن وجود هذا الرئيس ذي االختصاصات المعتبرة ،يمثل خاصية مأخوذة
عن النظام الرئاسي.
ويوجد هذا النظام المختلط في كثير من دول العالم ،على رأسها فرنسا التي
تعد أول من طبق هذا النظام ،وتبعتها دول أخرى مثل دول من أوروبا الشرقية
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
بعد أفول النظام االشتراكي ،ومصر وتونس ،ونظم ملكية مثل المغرب واألردن،
وعديد من الدول اإلفريقية.
الفصل الرابع:الفاعلون السياسيون
إلى جانب الدولة كشخص معنوي يضم مجموع المؤسسات والهياكل
الرسمية المجسدة للسلطة ومجموع التفاعالت التي تهم تلك الهياكل في عالقاتها
بالمجتمع وبالمجموعة الدولية بمختلف مكوناتها ،يمكن الحديث عن مجموعة من
الفاعلين السياسيين اآلخرين الذين يرتبطون بشكل من األشكال ،بعالقات السلطة
وبردود أفعالها .ومن أبرز هؤالء الفاعلين :األحزاب السياسية وجماعات المصالح
أو التنظيمات الضاغطة ،والرأي العام والمجتمع المدني.
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
.Iاألحزاب السياسية
تبلورت األحزاب كظاهرة سياسية عبر عقود طويلة لتصبح في الوقت
الراهن ركيزة للعمل السياسي في مختلف النظم الديمقراطية منها أو غير
الديمقراطية ،ولتؤدي وظائف تنظيمية وتأطيرية جوهرية وضرورية ،مبدية في
ذات الوقت خصائص وتجليات متباينة.
تعبر األحزاب السياسية كما يدل على ذلك اسمها ،عن توجهات معينة
للقناعات السياسية التي يشترك فيها مجموعة ن األفراد ،على أن الحزب كمؤسسة
أضحت دارجة الوجود في المجتمعات العصرية تجمع في مفهومها بين عناصر
مختلفة يتعارف عليها ،بشكل من األشكال ،علماء السياسة.
بدأت نشأة األحزاب السياسية بشكل أولي منذ نحو قرنين من الزمان،
ولكنها لم تتطور وتلعب دورا ً مهما إال منذ حوالي قرن .وقد تباينت أسباب
ودواعي النشأة .لكن األحزاب بشكل عام كانت إحدى أهم آليات المشاركة
السياسية ،ومن أهم أدوات التنشئة السياسية في المجتمعات ،بالرغم مما قيل عنها
في بداية النشأة من أنها ستكون أداة لالنقسام وللفساد السياسي ،وأنها ستفتح الباب
عمليا ً أمام التدخل األجنبي ،وستكون مصدرا ً لعدم االستقرار السياسي وانعدام
الكفاءة اإلدارية.
لكن على الرغم من ذلك ،فإن األحزاب السياسية التي ينطبق عليها مثل هذه
الشروط لم تنشأ نشأة واحدة ،بل نشأت بأشكال وألسباب مختلفة ،أهمها خمسة:
هـ -ظهور األحزاب السياسية كنتيجة لقيام بعض الجماعات لتنظيم نفسها
لمواجهة االستعمار والتحرر من نير االحتالل األجنبي ،وهو األمر الذي يمكن
تلمسه على وجه الخصوص في الجيل األول من األحزاب السياسية التي ظهرت
في بعض بلدان العالم الثالث.
وقد اعتمد العديد من الباحثين على ثالثة جوانب في تحديد مفهوم االحزاب
السياسية وهي الجانب التنظيمي الجانب االيديولوجي والجانب الوظيفي.
-المدلول الوظيفي ينظر الى الحزب السياسي انه يقوم بجملة من الوظائف
التي يؤديها ولعل أهم وظيفة تتمثل في تولي الحكم وممارسته ،باإلضافة إلى
تنظيم وتأطير المواطنين ودمجهم في الحياة السياسية.
من أسس تقييم الحزب السياسي ،مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة
المنوطة باألحزاب ،والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية .وهي تتضمن
سواء كان حزبا ً في السلطة أو المعارضة ،خمس وظائف أساسية هي التعبئة،
ودعم الشرعية ،والتجنيد السياسي ،والتنمية ،واالندماج الوطني .والمعروف أن
تلك الوظائف يقوم بها الحزب في ظل البيئة التي ينشأ فيها والتي يعبر من خاللها
عن جملة م ن المصالح في المجتمع ،وهو في هذا الشأن يسعى إلى تمثيل تلك
المصالح في البيئة الخارجية ،األمر الذي يعرف في أدبيات النظم السياسية بتجميع
المصالح والتعبير عن المصالح.
-1وظيفة التعبئة
تعني التعبئة حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي ،من قبل
المواطنين .وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها ،وظيفة أحادية االتجاه ،بمعنى أنها تتم
من قبل النظام السياسي للمواطنين ،وليس العكس ،وتلعب األحزاب في ذلك ،دور
الوسيط.
وبالرغم من أن البعض يربط بين وظيفة التعبئة وشكل النظام السياسي ،من
حيث كونه ديمقراطيا أو شموليا أو سلطويا ،إال أن االتجاه العام هو قيام النظم
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
السياسية الديمقراطية أيضا ً بأداء تلك الوظيفة .غاية ما هنالك ،أن النظم السياسية
في الدول النامية ،تتطلع وهي في مرحلة التنمية االقتصادية والسياسية
واالجتماعية ،إلى قيام األحزاب بلعب دور فاعل لحشد التأييد لسياستيها الداخلية
والخارجية.
وتختلف طبيعة وظيفة التعبئة التي تقوم بها األحزاب من نظام سياسي آلخر
في النظم التعددية المقيدة ،كما أنها تختلف داخل نفس النظام السياسي المقيد وفقا
لطبيعة المرحلة التي يمر بها ،متأثرا دون شك بالبيئة الداخلية والخارجية المحيطة
به .والنظم السياسية تسعى دائما لتجديد سياساتها ،نتيجة لطبائع األمور التي تتسم
بالتبدل المستمر لألفكار واإليديولوجيات .وهذا التغير بشكل عام ،وأيا كان سببه،
يحمل قيما ومبادئ ،تسعى النظم السياسية القائمة إلى ترسيخها ،عبر تبادل
الحوار الديمقراطي المفتوح بين الحكومة والمواطنين إذا كانت نظما ً ديمقراطية،
وتسعى إليصالها عبر وسائل غرس القيم السياسية في النظم السياسية الشمولية
والسلطوية ،فيما يعرف بعملية التثقيف السياسي .وفي جميع األحوال ،تلعب
األحزاب دورا مهما ً في أداء هذه الوظيفة.
تعرف الشرعية بأنها ،مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي،
وخضوعهم له طواعية ،العتقادهم بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة .ويعتبر
اإلنجاز والفاعلية والدين والكارزما والتقاليد واإليديولوجية ،ضمن المصادر
الرئيسية للشرعية في النظم السياسية المختلفة .على أن الديمقراطية تعد المصدر
األقوى للشرعية في النظم السياسية في عالم اليوم.
وتوجد العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعية .وتلعب األحزاب
وغيرها من المؤسسات دورا بارزا في هذا المضمار .وتتميز األحزاب عن تلك
الوسائل ،بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية ،بل أنها في النظم السياسية
ا لمقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وإيديولوجياتها هي نفسها
مصدرا للشرعية.
يعرف التجنيد السياسي بأنه عملية إسناد األدوار السياسية ألفراد جدد.
وتختلف النظم السياسية في وسائل التجنيد السياسي للنخبة ،فالنظم التقليدية
واألوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكل عام على معيار المحسوبية أو
الوراثة..الخ .أما في النظم التعددية ،فيكون هناك آليات محددة للتجنيد .ويفترض
أن تكون األحزاب في هذه النظم أحد وسائل التجنيد السياسي ،وهي تؤدي تلك
الوظيفة ليس فقط بالنسبة ألعضائها بل وأيضا بالنسبة للعموم.
-4الوظيفة التنموية:
وتؤدي األحزاب دورا هاما في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثالً في
مؤسسات عديدة كالنقابات المهنية والعمالية ،وتقديم الخدمات بشكل مباشر
للمواطنين من خالل المساهمة في حل مشكالتهم .ناهيك عن قيام األحزاب بلعب
دور مؤثر في التفاعل السياسي داخل البرلمانات ،خاصة في عمليتي التشريع
والرقابة.
–5وظيفةاالندماج الوطني:
تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية ،حيث تبرز
المشكالت القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان ،حيث
تحاول األحزاب تأطير تلك المشكالت في ضوء التوجهات الوطنية العامة بغية
ترسيخ وتعزيز التكاثف والتضامن الوطني بعيدا عن المرامي الخاصة ،مع
الدعوة الحترام القانين وتكريس مبادئ احترام حقوق اإلنسان فردية كانت أم
جماعية.
ومن أبرز النظم الحزبية التنافسية ،نظم التعددية الحزبية ونظم الحزبين
ونظم الحزب المسيطر.
أما نظام الحزبين ،ففيه نظام الحزبين الناقص حيث يتواجد فيه حزبان
كبيران غالبا ما يكونا محور التنافس السياسي إلى جانب عدد من األحزاب
الصغيرة التي تعبر عن مصالح أو قطاعات معينة ،وهي كثيرا ما تحاول إثبات
وجودها في السلطة من خالل تحالفها مع أحد الحزبين الكبيرين في حالة وصوله
للسلطة .،أما نظام الحزبين التام فيسيطر فيه حزبان كبيران بشكل شبه تام على
المسرح السياسي دون دور يذكر لقوى سياسية أخرى ،حيث يتعاقبان على الحكم
بحسب نتائج االنتخابات.
أما نظام الحزب المسيطر ،فعادة ما يتميز بوجود عدد من األحزاب يسيطر
عليها حزب وحيد يتسم بالقوة والهيمنة شبه التامة على مؤسسات الدولة
والسلطات العامة فيها ،وقد يشرك الحزب المسيطر معه أحزابا أخرى صغيرة
تدور في فلكه وال يترك بذلك فرصا حقيقية لألحزاب األخرى للوصول إلى
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
السلطة .وتتفاوت درجات سيطرة الحزب المسيطر وتصنف نظمه بذلك إلى نظام
الحزب المسيطر المعتدل ونظام الحزب شديد السيطرة .وتجدر اإلشارة إلى أن
القوة التي يفرضها حزب كبير على األحزاب األخرى في النظم الديمقراطية قد
تحول النظام الحزبي إلى نظام الحزب المسيطر الذي قد يمكن تحوله ،في حالة
دوام تلك السيطرة ،إلى نظام حزبي غير تنافسي كنظام الحزب الواحد.
أما النظم الحزبية غير التنافسية ،فتتجسد باألساس فيما يعرف بنظام الحزب
الواحد ،ويتصف النظام الحزبي بالالتنافسية مع انتفاء أي منافسة ولو نظرية بين
أحزاب سياسية ،إما لوجود حزب واحد ،أو لوجود حزب واحد إلى جانب أحزاب
شكلية تخضع لقيادته في إطار " جبهة وطنية " ليس مسموحا ألي منها بالخروج
عنها .وقد اكتسب تصنيف الحزب الواحد أهميته منذ الثورة البلشفية في روسيا
عام ،1917حيث أقامت تلك الثورة حزبا ممثال لطبقة العمال والفالحين انتشر
نموذجه بعد ذلك ،تحت مسميات مختلفة ،في كافة أرجاء أوروبا الشرقية ،وتبنته
الكثير من دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية.
على أنه يمكن التمييز في نظام الحزب الواحد بين نظم شمولية تحكمها
اإليديولوجيا والمرجعيات الفكرية وتعرف قدرا هاما من المأسسة ساعية إلى
تحقيق المصالح الوطنية وفق لتلك القناعات ،وبين نظم حزبية تسلطية غالبا ما
تسعى لتكريس سلطتها بالسيطرة على الدولة والمجتمع ،وهي كثيرا ما تعتمد على
الشخصية الكارزمية للحاكم واضعة إياه موضع التمجيد والتقديس ،وفي هذه
الحالة ،ينحو النظام السياسي نحو الدكتاتورية والتسلط.
الجماعات الضاغطة والمجتمع المدني .II
إلى جانب األحزاب السياسية التي تعتبر بمثابة جمعيات سياسية ذات
مرجعية فكرية معينة وبرامج ترتبط بممارسة السلطة ،توجد أشكال أخرى
لمشاركة األفراد في المجال السياسي وهي تتمثل في التنظيمات الخاصة التي تتبع
أسلوب الضغط على السلطات السياسية للتأثير على مواقفها بغية تحقيق مصالح
أو مطالب معينة.
أن شرعية وجود هذه التنظيمات تختلف من نظام سياسي إلى أخر وذلك
تبعا للفلسفة السياسية التي يحملها النظام إضافة إلى تاريخه السياسي.
أ -طبيعة مصالحها الخاصة وطبيعة تنظيمها ،بمعنى ما إذا كانت تدافع عن
مصالح اقتصادية أو ذات طبيعة عامة ،حتى ولو كانت خاصة ،أو أنها تدافع عن
مبادئ معينة .وأما من ناحية التنظيم فاألمر يتعلق بطريقة اختيارها أو تجنيد
المؤيدين لها وانفتاحها على اآلخرين .وعليه فان اختالف طبيعة المصالح يفترض
أن معالجة إشباع كل واحدة منها يختلف من واحدة لألخرى سواء كان ذلك من
زاوية المطالبة بها أو في أسلوب مواجهة مواقف السلطة ضدها وفي طريقة تعبئة
الناس من حولها.
ب -يتوقف تحركها على العوامل الخارجية التي تسمح لها بالعمل
والتحرك ،وهذه العوامل هي :نظام األحزاب ومؤسسات الدولة وقواعد اللعبة
السياسية.
ففيما يخص نظام األحزاب ،وكما يبدو للمرء ،فإن األحزاب السياسية
والمجموعات الضاغطة تتشابه في كونها تكوينات تمثل مصالح معينة تضمنها
في برامج محددة لتطرح أما على الناخبين إلقناعهم بها كما هو الحال مع
األحزاب ،أو تبرمجها للدفاع عنها أمام السلطات السياسية كحالة المجموعات
الضاغطة .وكنتيجة فان العالقات فيما بينها تتنوع بين التنافس والتعاون
والتحالف ،إال أن طبيعة وعمق وتمظهر تلك العالقات تبقى رهينة بطبيعة اللعبة
المدخل إلى علم السياسة /محاضرات
السياسية والنظام السياسي والثقافة السياسية السائدة في المجتمع .بل أن ذلك يؤثر
على مدى الوجود الفعلي لجماعات أو تنظيمات مستقلة للمجتمع المدني من عدمه.
تجدر اإلشارة أخيرا إلى أن العالم أضحى يشهد تزايدا ملحوظا في أعداد
ومجاالت نشاط التنظيمات االجتماعية والسياسية بسبب تأثيرات تيارات العولمة
وثورة المعلومات التي سمحت لألفراد والمجموعات بسبل التواصل السريع
والفعال مما سمح لها بتعميق التنسيق وتبادل الخبرات واألفكار بغية تعميق
تأثيرها تحقيقا لمبادئها ومصالحها ،على أن هذا التزايد فرض على مالكي القرار
تحديات كبرى تنطوي على صعوبات في الموازنة بين المصالح والمطالب
المتناقضة أحيانا.