Professional Documents
Culture Documents
زوربا اليوناني PDF
زوربا اليوناني PDF
com
زورﺑﺎ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﻲ
ﻧﯿﻜﻮس ﻛﺎزﻧﺘﺰاﻛﯿﺲ
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﺘﻘﯿﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻓﺄ " ﺑﯿﺮﯾﻪ " ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻮﺟﻬﺎ ﻷﺧﺬ اﻟﻘﺎرب إﻟﻰ " ﻛﺮﯾﺖ " ،ﻛﺎﻧﺖ أول ﻣﺮة ﻛﺎن اﻟﺼﺒﺎح ﻋﻠﻰ
وﺷﻚ أن ﯾﻨﺒﻠﺞ ،و اﻟﺴﻤﺎء ﺗﻤﻄﺮ ،و ﻛﺎن رذاذ اﻟﻤﻮج ﯾﺼﻞ إﻟﻰ زﺟﺎج اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ أﺑﻮاﺑﻪ اﻟﺰﺟﺎﺟﯿﺔ
ﻣﻐﻠﻘﺔ ،و ﻛﺎن اﻟﻄﻘﺲ ﺑﺎردا ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ،و ﻗﺪ ﻋﺒﻖ اﻟﺠﻮ داﺧﻞ اﻟﻤﻘﻬﻰ ﺑﺄﻧﻔﺎس رواده .
و ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺧﻤﺴﺔ أو ﺳﺘﺔ ﯾﺠﻠﺴﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻘﻬﻰ ﻣﻨﺬ اﻟﻠﯿﻞ اﻟﻔﺎﺋﺖ ،و ﻗﺪ اﻟﺘﻔﻮا ﻟﺒﺎﺳﻬﻢ اﻟﻘﺎﺗﻢ اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ وﺑﺮ
اﻟﻤﺎﻋﺰ ﯾﺸﺮﺑﻮن اﻟﻘﻬﻮة و ﯾﺪﺧﻨﻮن و ﯾﻨﻈﺮون إﻟﻰ زﺟﺎج اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﻌﺎﺑﻖ و إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻬﺎﺋﺞ اﻟﻬﺎدر ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ،و
ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﻤﺎك ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺪ اﻟﺘﺠﺄت إﻟﻰ اﻷﻋﻤﺎق ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﻫﺪوء اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺎء ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺒﺤﺎرة و
اﻟﺼﯿﺎدون ﯾﻨﺘﻈﺮون ﺑﺪورﻫﻢ أﯾﻀﺎ ﻫﺪوء اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻌﺪ
اﻷﺳﻤﺎك إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺎء ﻟﺘﺄﻛﻞ اﻟﻄﻌﻢ.
و ﻓﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ و وﻟﺪ ﻣﻨﻪ ﻋﺎﻣﻞ ﻗﺼﯿﺮ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،أﺳﻤﺮ اﻟﻠﻮن ،ﻋﺎري اﻟﺮأس ،ﺣﺎﻓﻲ اﻟﻘﺪﻣﯿﻦ و ﻗﺪ ﺻﺒﻎ
ﺑﺎﻷوﺳﺎخ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ رأﺳﻪ إﻟﻰ أﺧﻤﺺ ﻗﺪﻣﯿﻪ.
-ﻫﺎي ! ﻛﻮﺳﺘﺎﻧﺪي ! ﻛﯿﻒ ﻫﻲ اﻷﻣﻮر ﻣﻌﻚ ؟
ﻫﺘﻒ ﺑﺤﺎر ﻋﺠﻮز ﯾﺮﺗﺪي ﺳﺘﺮة زرﻗﺎء ،و أﺟﺎﺑﻪ اﻟﻤﺪﻋﻮ ﻛﻮﺳﺘﺎﻧﺪي ﺑﻌﺪ أن ﺑﺼﻖ ﻋﻠﻰ اﻷرض:
-ﻣﺎذا ﺗﻌﺘﻘﺪ ؟ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح إﻟﻰ اﻟﺒﺎر و ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺻﺒﺎح اﻟﺨﯿﺮ أﯾﻬﺎ اﻟﺒﺎر و ﻣﺴﺎء اﻟﺨﯿﺮ أﯾﻬﺎ اﻟﻤﻨﺰل !
ﻫﺬه ﻫﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﺘﻲ أﻋﯿﺸﻬﺎ اﻵن ،ﻓﻠﯿﺲ ﻟﺪي ﻣﻦ ﻋﻤﻞ أﻋﻤﻠﻪ.
و ﺿﺤﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻀﻮر ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺷﺘﻢ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،و ﻫﻢ ﯾﻬﺰون ﺑﺮؤوﺳﻬﻢ:
-ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ ﺳﺠﻦٌ ﻣﺆﺑﺪ ،ﻧﻌﻢ إﻧﻪ ﺳﺠﻦٌ ﻣﺆﺑﺪ ،ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻠﻌﻨﺔ.
و دﻟﻒ ﻋﺒﺮ زﺟﺎج اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﻮﺳﺦ ﺷﻌﺎعٌ أزرق ،و ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﯾﺪي و اﻷﻧﻮف و ﺟﺒﺎه اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ ،ﺛﻢ ﺗﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻟﺒﺎر و
أﺿﺎء اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت اﻟﻔﺎرﻏﺔ ،و ﺧﻔﺖ اﻟﻀﻮء اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ،و ﺗﻤﻄﺄ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻧﺼﻒ ﻧﺎﺋﻢ ،و ﻣﺴﺪ ﯾﺪﯾﻪ
ﺑﺤﺮﻛﺔ ﻣﺘﻜﺎﺳﻠﺔ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺴﺘﻘﺒﻞ ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر اﻟﺠﺪﯾﺪ ،و ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﻗﺎل اﻟﺒﺤﺎر اﻟﻌﺠﻮز ﻣﺘﻨﻬﺪاً:
-ﺗﺮى ﻣﺎذا ﺟﺮى ﻟﻠﻜﺎﺑﺘﻦ ﻟﯿﻤﻮﻧﻲ ؟ ﻛﺎن اﷲ ﻓﻲ ﻋﻮﻧﻪ!
و ﻧﻈﺮ ﺑﻐﻀﺐ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺛﻢ ﺻﺎح:
-ﻟﻌﻨﻚ اﷲ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ أﺛﯿﻢ ﻣﺨﺮب ﻟﻠﺒﯿﻮت!
ﺛﻢ ﻋﺾ ﻋﻠﻰ ﺷﺎرﺑﻪ اﻟﺮﻣﺎدي.
ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻓﻲ زاوﯾﺔ اﻟﻤﻘﻬﻰ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺒﺮد ،و ﻃﻠﺒﺖ ﻛﺄﺳﺎ ﺛﺎﻧﯿﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮاب ،و ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻨﻌﺎس ﻟﻜﻨﻲ ﻗﺎوﻣﺖ
اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻮم و اﻟﺘﻌﺐ ،و ﺟﻠﺴﺖ أﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺰﺟﺎج إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻓﺄ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﯾﻀﺞ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ و ﺑﺼﻔﺎرات اﻟﺒﻮاﺧﺮ
،و ﺑﺼﯿﺎح ﺳﺎﺋﻘﻲ اﻟﻌﺮﺑﺎت.
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﻋﺎﻟﻘﺘﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺑﺎﺧﺮة ﺳﻮداء ﻛﺒﯿﺮة ،ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻐﻤﻮرة ﺑﻈﻼم اﻟﻠﯿﻞ اﻟﻘﺎﺗﻢ ،و ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﺎء
ﺗﻤﻄﺮ ،و ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﺧﯿﻮط اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻨﻬﻤﺮ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﻮﺣﻞ.
ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺒﺎﺧﺮة اﻟﺴﻮداء ،و ﺗﺠﺴﺪت ﻛﺂﺑﺔ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،و دﻓﻌﺖ اﻷﻣﻄﺎر ﺑﺼﻮرة وﺟﻪ ﺻﺪﯾﻘﻲ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،ﻫﻞ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ؟ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ آﺧﺮ ؟ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ؟ ﻣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﯿﻦ ﻧﺰﻟﺖ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻓﺄ ﺑﺎﻟﺬات ﻷﻗﻮل ﻟﻪ وداﻋﺎً ؟ ﻟﻘﺪ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻤﻄﺮة ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،أﯾﻀﺎ ،و ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة ﻛﺎن ﻗﻠﺒﻲ ﻣﺜﻘﻼ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﺷﺄﻧﻪ اﻟﯿﻮم.
ﻛﻢ ﻫﻲ ﻣﺆﻟﻤﺔ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻔﺮاق اﻟﺒﻄﯿﺌﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﺮاق اﻷﺻﺪﻗﺎء اﻟﻌﻈﺎم ! ،ﻓﺎﻷﻓﻀﻞ اﻻﻧﻘﻄﺎع دﻓﻌﺔ واﺣﺪة ،و اﻟﻌﻮدة
إﻟﻰ اﻟﻮﺣﺪة – اﻟﺠﻮ اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ ﻟﻠﺮﺟﻞ ،و ﻟﻜﻦ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﻤﻤﻄﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ ﺗﺮك ﺻﺪﯾﻘﻲ ) و ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ
ﻟﻤﺎذا ،ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،و ﻟﻜﻦ ﻟﻸﺳﻒ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻷوان ( ،ﻟﻘﺪ ﺻﻌﺪت ﻣﻌﻪ إﻟﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺮﻛﺐ و دﺧﻠﺖُ إﻟﻰ
ﻣﻘﺼﻮرﺗﻪ اﻟﻤﻸى ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ،ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ راﻏﺒﺎ ﻓﻲ أن أدون ﻣﻼﻣﺤﻪ ﻓﻲ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ،ﻋﯿﻨﯿﻪ اﻟﻤﻀﯿﺌﺘﯿﻦ
ﺑﺎﻷزرق ،وﺟﻬﻪ اﻟﻔﻨﻲ ،و ﻣﻼﻣﺤﻪ اﻟﺬﻛﯿﺔ ،و ﻓﻮق ﻛﻞ ذﻟﻚ ﯾﺪﯾﻪ اﻻرﺗﺴﻘﺮاﻃﯿﺘﯿﻦ و أﺻﺎﺑﻌﻬﻤﺎ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ اﻟﻨﺤﯿﻠﺔ .
و ﺣﯿﻦ ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ و أﻧﺎ أﺣﺪق ﺑﻪ ﺑﺸﻮق ،و ﻧﻈﺮ إﻟﻲ و ﻗﺪ ارﺗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺗﻠﻚ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺴﺎﺧﺮة اﻟﺘﻲ ﯾﻠﺠﺄ إﻟﯿﻬﺎ
ﺣﯿﻦ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺨﻔﻲ اﻧﻔﻌﺎﻟﻪ ،و ﻓﻬﻢ ! ،ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎ ﺳﺎﺧﺮاً:
-إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ؟
-ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺈﻟﻰ ﻣﺘﻰ ؟
-إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺎدة ﻣﻀﻎ اﻟﻮرق و اﻟﺘﻠﻮث ﺑﺎﻟﺤﺒﺮ ؟ ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺄتِ ﻣﻌﻲ ﺑﻌﯿﺪا ﻓﻲ اﻟﻘﻮﻗﺎز ﻫﻨﺎك اﻷﻟﻮف ﻣﻦ
أﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ ﻋﻈﯿﻢ ،ﺗﻌﺎل ﻟﻨﻨﻘﺬﻫﻢ.
ﺛﻢ راح ﯾﻀﺤﻚ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﻬﺰأ ﻣﻦ ﻧﺒﻠﻪ ،ﻗﺎل:
-رﺑﻤﺎ ،ﻟﻦ ﻧﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ،و ﻟﻜﻦ أﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﻆ " إن اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻓﻲ ﺗﺨﻠﯿﺺ ﻧﻔﺴﻚ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪة
اﻵﺧﺮﯾﻦ " ؟ ﺣﺴﻨﺎ ،أﯾﻬﺎ اﻟﻤﻌﻠﻢ ،إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ،و أﻧﺖ ﻣﻤﺘﺎز إﻟﻘﺎء اﻟﻤﻮاﻋﻆ ،ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺄتِ ﻣﻌﻲ ؟!
و ﻟﻢ أﺟﺒﻪ ،و ﻓﻜﺮت ﺑﺄراﺿﻲ اﻟﺸﺮق اﻟﺴﺎﺣﺮة ،و أم اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻌﺠﻮز ،و ﺻﺮاخ ﺑﺮوﻣﯿﺜﯿﻮس اﻟﻤﺴﻤﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﺨﻮر ،
و ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺼﺨﻮر ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎن ﻋِﺮﻗﻨﺎ ﻣﺴﻤﺮاً ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻨﺎدي و ﯾﺼﺮخ !! ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻨﺎدي ﻃﺎﻟﺒﺎ اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ﻣﻦ
أﺑﻨﺎﺋﻪ ،و ﻛﻨﺖ أﺳﻤﻊ اﻟﻨﺪاء ﻛﺄن اﻷﻟﻢ ﻫﻮ ﺣﻠﻢ و اﻟﺤﯿﺎة ﻫﻲ ﻣﺄﺳﺎة ﻣﺤﯿﻘﺔ ،ﯾﺜﺒﺖ ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻦ ﯾﺄﺧﺬ ﺣﺼﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ
ﻣﺴﺮح اﻟﺤﯿﺎة.
و ﺑﺪون أن ﯾﻨﺘﻈﺮ ﺟﻮاﺑﺎ ﻣﻨﻲ ،ﻧﻬﺾ ﺻﺪﯾﻘﻲ ،و ﺻﻔﺮت اﻟﺒﺎﺧﺮة ﻣﻌﻠﻨﺔ ﻋﻦ اﻹﻗﻼع ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ و ﻣﺪّ ﯾﺪه إﻟﻲّ ،
ﻣﺤﺎوﻻ إﺧﻔﺎء اﻧﻔﻌﺎﻟﻪ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ اﻟﺴﺎﺧﺮة ،ﺛﻢ ﻗﺎل:
-إﻟﻰ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ،ﯾﺎ ﻋﺚّ اﻟﻜﺘﺐ!
و ارﺗﺠﻒ ﺻﻮﺗﻪ ،و ﻗﺪ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﻃﻔﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺮﻗﯿﻘﺔ ،و
اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ ،ﺗﺒﺪو ﻟﻪ ﺿﻌﻔﺎ ﻻ ﯾﺠﻮز ﻟﻠﺮﺟﻞ أن ﯾﺄﺧﺬ ﺑﻬﺎ ،ﻧﺤﻦ ،اﻟﺬﯾﻦ ﻛﻨﺎ ﻣﻮﻟﻌﯿﻦ ﺑﺒﻌﻀﻨﺎ أﺷﺪ اﻟﻮﻟﻊ ،ﻟﻢ
ﻧﺘﺒﺎدل أﯾﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻌﻄﻒ و اﻟﻤﺤﺒﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻣﺜﻠﻨﺎ و ﺧﺪﺷﻨﺎ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻗﻄﻂ ﻣﺘﻮﺣﺸﺔ.
ﻫﻮ :اﻟﺬﻛﻲ ،اﻟﺴﺎﺧﺮ ،اﻟﻤﺘﻤﺪن ،و أﻧﺎ :اﻟﻬﻤﺠﻲ ! ،ﻟﻘﺪ ﺗﻤﺮن ﻋﻠﻰ ﺿﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ و إﺧﻔﺎء ﻛﻞ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎر
اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﻧﻔﺠﺮ ﺑﻀﺤﻜﺘﻲ اﻟﻮﺣﺸﯿﺔ اﻟﺒﻠﻬﺎء.
ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺣﺎول دوﻣﺎ أن أﺧﻔﻲ اﻧﻔﻌﺎﻟﻲ و ﻋﻮاﻃﻔﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ ،ﻟﻜﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ،ﻻ ،ﻟﯿﺲ اﻟﺨﺠﻞ ﺑﺎﻟﺬات ،و
ﻟﻜﻦ ﺳﻮء اﻟﺘﺼﺮف ،و أﻣﺴﻜﺖ ﺑﯿﺪه و ﻟﻢ أﻗﻮ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻛﻬﺎ ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻲّ ﻣﻨﺪﻫﺸﺎ:
-ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﻨﻔﻌﻞٌ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﺪ ؟!
و أﺟﺒﺘﻪ ﺑﻬﺪوء:
-ﻧﻌﻢ.
ﻟﻤﺎذا ؟ و ﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻗﻠﻨﺎ اﻵن ؟ أﻟﻢ ﻧﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ ؟ ﻣﺎذا ﯾﻘﻮل اﻷﺣﺒﺎء اﻟﯿﺎﺑﺎﻧﯿﻮن " ﻓﻮدوﺷﯿﻦ " ! ،اﻟﻮﺟﻪ
ﻗﻨﺎعٌ ﯾﺒﺘﺴﻢ ،و ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﯾﺪور ﻫﺬا اﻟﻘﻨﺎع ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻨﺎ!
-ﻧﻌﻢ.
أﺟﺒﺘﻪ ﻣﺤﺎوﻻ ﺟﺎﻫﺪا أن ﻻ أورط ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻌﺒﺎرات ﻃﻮﯾﻠﺔ ،و ﻟﻢ أﻛﻦ واﺛﻘﺎ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺿﺒﻂ ﺻﻮﺗﻲ.
و دوى ﺻﻮت ﺻﻔﺎرة اﻟﺒﺎﺧﺮة ،ﻣﻌﻠﻨﺎ ﻃﺮد اﻟﺰوار ﻣﻦ ﻏﺮف اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﯾﻦ ،ﻛﺎن اﻟﻤﻄﺮ ﯾﻨﻬﻤﺮ ﺧﻔﯿﻔﺎ ،و ﻛﺎن اﻟﻬﻮاء
ﻋﺎﺑﻘﺎ ﺑﻜﻠﻤﺎت اﻟﻮداع اﻟﺮﻗﯿﻘﺔ ،اﻟﻘﺒﻼت اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ،اﻟﺘﺄوﻫﺎت و اﻟﺘﻮﺻﯿﺎت اﻟﻼﻫﺜﺔ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ ،و ﺗﻬﺎﻓﺖ اﻷﻣﻬﺎت ﻋﻠﻰ
اﻷﺑﻨﺎء ،و اﻟﺰوﺟﺎت ﻋﻠﻰ اﻷزواج ،و اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﺻﺪﻗﺎء ،ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺳﯿﻔﺎرﻗﻮﻧﻬﻢ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،ﻛﺄن ﻫﺬا اﻟﻔﺮق ﯾﻌﻨﻲ
"اﻟﻔﺮاق اﻟﻜﺒﯿﺮ " ،و اﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﺼﻔﺎرة ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺟﺮاس اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ،ﻓﺎرﺗﻌﺪت!
-اﺳﻤﻊ ،ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﺘﺸﺎﺋﻢ ؟
-ﻧﻌﻢ.
-ﻫﻞ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻬﺬه اﻟﻬﻮاﺟﺲ ؟
و أﺟﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ:
-ﻛﻼ.
-إذن ؟
و ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ " إذن " ﻓﻠﻢ أﻛﻦ أؤﻣﻦ ﺑﻬﺎ ،و ﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ ﺧﺎﺋﻔﺎ..
و رﻣﺶ ﺻﺪﯾﻘﻲ ﺑﺠﻔﻮﻧﻪ ﻣﺮﺗﯿﻦ أو ﺛﻼﺛﺎً ،و ﺣﺪّق ﺑﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻟﻘﺪ ﻓﻬﻢ أﻧﻲ ﻣﻨﻔﻌﻞ و ﺣﺰﯾﻦ ،ﻓﺘﺮدد ﻓﻲ إﺧﻔﺎء
اﺿﻄﺮاﺑﻪ ﺑﺎﻟﺴﺨﺮﯾﺔ و اﻟﻀﺤﻚ ،و ﻗﺎل:
-ﺣﺴﻨﺎً ! أﻋﻄﻨﻲ ﯾﺪك ،إذا ﻗﺪر ﻷﺣﺪﻧﺎ أن ﯾﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت ..و ﺗﻮﻗﻒ ،ﻛﺄﻧﻪ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ،ﻧﺤﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﻨﺎ
ﻧﻬﺰأ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﺰوات اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ ﻟﺴﻨﻮاتٍ ﺧﻠﺖ !! ،و ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻣﺤﺎوﻻ أن أﺣﺬر:
-ﺣﺴﻨﺎ ؟!
-ﻟﻨﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻟﻌﺒﺔ ،إذا ﻗﺪر ﻷﺣﺪﻧﺎ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت ،ﻓﻠﯿﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻵﺧﺮ ﺑﺸﺪة ﻟﺪرﺟﺔ أن ﯾﻨﺒﻬﻪ ﺣﯿﺜﻤﺎ ﻛﺎن ..ﻫﻞ
اﺗﻔﻘﻨﺎ ؟!
ﻗﺎل ذﻟﻚ ﻣﺤﺎوﻻ أن ﯾﻀﺤﻚ ﻟﻜﻦ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺟﻤﺪت ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ.
-اﺗﻔﻘﻨﺎ.
و أﺿﺎف ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻣﺴﺮﻋﺎ ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ أﻓﺼﺢ ﻋﻦ ﻋﻮاﻃﻔﻪ:
-ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ ،أﻧﻲ ﻻ أؤﻣﻦ إﻃﻼﻗﺎ ﺑﻌﻠﻢ ﻗﺮاءة اﻷﻓﻜﺎر ،و ﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ..
ﻃﻤﺄﻧﺘﻪ ﻣﺘﻤﺘﻤﺎً:
-ﻻ ﺑﺄس ،و ﻟﯿﻜﻦ..
-ﺣﺴﻦٌ ﺟﺪاً ،و اﻵن ﻟﻨﺪع اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ،اﺗﻔﻘﻨﺎ ؟
-اﺗﻔﻘﻨﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﻛﻠﻤﺎﺗﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮة ،و ﺗﺼﺎﻓﺤﻨﺎ ﺑﺤﺮارة ،و ﻣﺸﯿﺖ ﻣﺴﺮﻋﺎ دون أن أﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ ،ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖُ ﻣﻄﺎرداً ،و
ﺷﻌﺮتُ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ إﻟﻘﺎء ﻧﻈﺮةٍ أﺧﯿﺮةٍ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﯾﻘﻲ ،ﻟﻜﻨﻲ ﺗﻤﺎﻟﻜﺖُ ﻧﻔﺴﻲ و ﻗﻠﺖ " ﻻ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ ! ﺗﻘﺪّم ! " .
***
ﻛﺎن اﻟﻀﻮء ﯾﻨﺘﺸﺮ روﯾﺪا روﯾﺪاً ،و اﻟﺼﺒﺎﺣﺎن ﯾﺒﺪوان ﻣﺘﺪاﺧﻼن ،و ﻇﻬﺮ ﻟﻲ وﺟﻪ ﺻﺪﯾﻘﻲ واﺿﺤﺎ اﻵن ،اﻟﺬي ﺑﻘﻲ
ﻟﻤﺪة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻄﺮ ،و ﯾﺒﺪو ﺣﺰﯾﻨﺎ ﺳﺎﻛﻨﺎً ..و اﻧﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب و دﺧﻞ رﺟﻞٌ ﻗﺼﯿﺮ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﻣﻘﻮّس اﻟﺴﺎﻗﯿﻦ ،ذو
ﺷﺎربٍ ﻣﺘﺪلٍ ،و ﺗﻌﺎﻟﺖ أﺻﻮاتٌ ﻓﺮِﺣﺔ:
-أﻫﻼً ،ﻛﺎﺑﺘﻦ ﻟﯿﻤﻮﻧﻲ!
و اﻧﺘﺸﺮ اﻟﻀﻮء ،و أﺧﺬ اﻟﻜﺎﺑﺖ ﻣﺴﺒﺤﺘﻪ و راح ﯾﻄﻘﻄﻖ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺼﺒﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻧﺰوﯾﺖُ أﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪي ﻣﺤﺎوﻻ أن أﺳﺘﻌﯿﺪ
ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺬوب ﻣﺒﺘﻌﺪةً ﻋﻨﻲ ،ﻟﻮ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ أن أﻋﯿﺶ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ اﻟﺬي ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ
ﺣﯿﻦ ﻗﺎل ﺻﺪﯾﻘﻲ " ﻋﺚ اﻟﻜﺘﺐ " ! ،و ﺗﺬﻛﺮت أن ﻛﻞ اﻟﻘﺮف ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﯿﺎﻫﺎ ﻗﺪ ﺗﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ،
ﻛﯿﻒ ﺗﻤﻜّﻨﺖُ أﻧﺎ ،اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺣﺐ اﻟﺤﯿﺎة ،أن أدﻓﻦ رأﺳﻲ ﺑﯿﻦ أﻛﺪاس اﻟﻜﺘﺐ و اﻷوراق اﻟﻤﻠﻄﺨﺔ ﺑﺎﻟﺤﺒﺮ ! ﻟﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ
ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﯾﻮم اﻟﻔﺮاق ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮؤﯾﺎ ﺑﻮﺿﻮحٍ أﻛﺒﺮ ،و ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ،و اﻵن ﺑﻌﺪ أن ﻋﻠﻤﺖ اﺳﻢ
ﺣﺰﻧﻲ ﻣﺼﺪر ﺷﻘﺎﺋﻲ ﻓﺒﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ،و ﻟﻢ ﺗﻌﺪ أﺣﺰاﻧﻲ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺴﺪت و أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺤﻤﻞ
اﺳﻤﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ أﺻﺒﺢ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ ﻣﻘﺎرﻋﺘﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔٍ أﻛﺒﺮ.
ﻟﻘﺪ أﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻠﻲ و دﺧﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻲ ،و ﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖُ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﺠﺔ ﻷﺗﺮك اﻟﻮرق و اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ و أﺣﯿﺎ ﺣﯿﺎة
أﻛﺜﺮ ﻣﻐﺎﻣﺮة و ﺣﺮﻛﺔ ،ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺴﺘﺎءً ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺸﺮة اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﻣﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺳﻤﻲ ،و ﻗﺪ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻲ
اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻣﻨﺬ ﺷﻬﺮ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺄﺟﺮت ﻣﻨﺠﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﺰﯾﺮة ﻛﺮﯾﺖ ﻣﻮاﺟﻬﺎ ﻟﺒﺤﺮ ﻟﯿﺒﯿﺎ ،و ﺳﺄذﻫﺐ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺠﻢ
اﻟﻘﺪﯾﻢ ﻷﻋﯿﺶ ﻣﻊ رﺟﺎل ﺑﺴﻄﺎء ،ﻋﻤﺎل ،ﻓﻼﺣﯿﻦ ،ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ﺟﻨﺲ " ﻋﺚ اﻟﻜﺘﺐ" .
و أﻋﺪدتُ اﻟﻌﺪة ﻟﻠﺴﻔﺮ ،ﻛﺄن ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺗﺨﻔﻲ وراءﻫﺎ ﻣﻌﺎنٍ ﻛﺜﯿﺮة ،ﻓﻘﺪ ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻣﻨﻬﺠﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ،و
ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ " ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﯿﻮم ،ﻟﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪت اﻟﻈﻞ و ﻛﻨﺖ ﻣﻜﺘﻔﯿﺔ ﺑﻪ ،و اﻵن ﺳﺄﻗﻮدك إﻟﻰ اﻟﺠﺴﻢ" .
و ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﯿﺖ أﺧﯿﺮا ،و ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺳﻔﺮي ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻗﻠﺐ أوراﻗﻲ ،ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ ﺑﻌﺪ ،و أﺧﺬﺗﻬﺎ ﺑﯿﺪٍ
ﻣﺸﺪودة ،ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻛﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻲ ،رﻏﺒﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﺟﺎﻣﺤﺔ ،رﻏﺒﺔ أﺷﻌﺮ ﺑﻬﺎ ﺗﺘﺂﻛﻞ ﻓﻲ أﺣﺸﺎﺋﻲ
ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻤﻮ و ﺗﻨﻀﺞ و ﺗﺮﻓﺴﻨﻲ ﻓﻲ ﺻﺪري ﺗﻄﻠﺐ أن ﺗﺨﺮج إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد ،و اﻵن ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ أن
أﻃﺮﺣﻬﺎ ،ﻟﻢ أﻋﺪ أﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻟﻘﺪ ﻓﺎت اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻬﺬا اﻹﺟﻬﺎض اﻟﻨﻔﺴﻲ.
و ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺴﻜﺎ ﺑﺎﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﺗﻠﻚ ،ﻇﻬﺮ أﻣﺎﻣﻲ وﺟﻪ ﺻﺪﯾﻘﻲ اﻟﺴﺎﺧﺮ ﻓﻘﻠﺖ ﺑﺼﻮتٍ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺑﻌﺪ أن ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻟﻢ
اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ " :ﺳﺂﺧﺬﻫﺎ ﻣﻌﻲ ،ﺳﺂﺧﺬﻫﺎ ،ﻻ ﺗﻀﺤﻚ !! " ،و ﻟﻔﻔﺖُ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ و ﺣﻤﻠﺘﻬﺎ.
و ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺴﻤﻌﻲ ﺻﻮت اﻟﻜﺎﺑﺘﻦ ﻟﯿﻤﻮﻧﻲ ،وﻗﻮرا ﻗﺎﺳﯿﺎ ،و أﺻﻐﯿﺖ إﻟﻰ ﺣﺪﯾﺜﻪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻦ اﻟﻌﻔﺎرﯾﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻘﺖ
ﺻﺎري ﻣﺮﻛﺒﻪ أﺛﻨﺎء اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ و راﺣﺖ ﺗﻠﺤﺴﻪ:
-ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺰﺟﺔ ،و ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﺣﯿﻦ ﯾﻠﻤﺴﻬﺎ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨﺎر ﺗﺤﺮق ﯾﺪﯾﻪ ،ﻟﻘﺪ ﻣﻠﺴﺖ ﺷﺎرﺑﻲ و ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم
و أﻧﺎ أﺷﻊ ﻛﺎﻟﻌﻔﺮﯾﺖ ،و ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ،ﻟﻘﺪ ﻃﻐﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺒﻲ و أﻏﺮق ﺷﺤﻨﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ و ﺑﺪأ ﻣﺮﻛﺒﻲ ﯾﻤﯿﻞ ﻓﻲ ﻫﺬه
اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﺗﺮﻓﻖ اﷲ اﻟﻌﻈﯿﻢ و رأف ﺑﻲ و أرﺳﻞ ﺻﺎﻋﻘﺔ ﺣﻄﻤﺖ أﺧﺸﺎب اﻷﺑﻮاب و اﻧﺰﻟﻖ اﻟﻔﺤﻢ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،و ﺧﻒ
وزن اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﺣﻤﻮﻟﺘﻪ و ﻋﺎد إﻟﻰ وﺿﻌﻪ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،و ﺑﺬﻟﻚ أﻧﻘﺬتُ ﻧﻔﺴﻲ.
و ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺻﻐﻲ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﻮﻟﻪ اﻟﺒﺤﺎر اﻟﻌﺠﻮز ،ﺷﻌﺮتُ ﺑﺎﻻﻧﺰﻋﺎج ﻓﺠﺄة ﻓﺮﻓﻌﺖُ رأﺳﻲ ،ﻟﺴﺖ أﻋﻠﻢ ﻛﯿﻒ ،
ﻟﻜﻨﻲ ﺷﻌﺮت أن ﻋﯿﻨﯿﻦ اﺛﻨﺘﯿﻦ ﺗﺤﺪﻗﺎن ﺑﺠﻤﺠﻤﺔ رأﺳﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ،و اﻟﺘﻔﺖّ ﻣﺴﺮﻋﺎً ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺒﺎب اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ ،و ﻗﺪ
وﻣﻀﺖ ﻓﻲ رأﺳﻲ ﻓﻜﺮة ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ :ﺳﺄرى ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ! ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖُ ﻣﻬﯿﺄ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻤﻌﺠﺰة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ،
ﻓﻘﺪ رأﯾﺖُ رﺟﻼ ﻏﺮﯾﺒﺎ ﯾﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﺳﺘﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎ ،ﻃﻮﯾﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﻧﺤﯿﻒ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻋﯿﻨﺎه ﺟﺎﺣﻈﺘﺎن ،و ﻗﺪ أﻟﺼﻖ ﺑﺄﻧﻔﻪ
ﻋﻠﻰ زﺟﺎج اﻟﺒﺎب و ﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲّ ،و ﻛﺎن ﯾﺤﻤﻞ ﺻﺮّة ﺻﻐﯿﺮة ﺗﺤﺖ ذراﻋﻪ.
و ﻗﺪ أﺛﺎرﻧﻲ ﻓﯿﻪ ﻧﻈﺮﺗﻪ اﻟﻤﺘﺸﻮﻗﺔ ،و ﻋﯿﻨﺎه اﻟﺤﺎدﺗﺎن اﻟﻤﺘﻮﻗﺪﺗﺎن ،أو ﻫﻜﺬا ﺑﺪﺗﺎ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ،و ﻣﺎ إن ﺗﻘﺎﺑﻠﺖ
ﻧﻈﺮاﺗﻨﺎ ،و ﺗﺄﻛﺪ أﻧﻨﻲ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﺑﻘﻮة و اﻧﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﺎراً ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺎوﻻت ﺑﺨﻄﻰ
ﺳﺮﯾﻌﺔ ،و ﺗﻘﺪم ﻧﺤﻮي ووﻗﻒ ﻗﺮب ﻃﺎوﻟﺘﻲ ﺛﻢ ﻗﺎل:
-ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﺴﺎﻓﺮ ؟ و إﻟﻰ أﯾﻦ ؟
-ﻣﺴﺎﻓﺮ إﻟﻰ ﻛﺮﯾﺖ ،و ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ﺗﺴﺄل ؟
-ﻫﻞ ﺗﺄﺧﺬﻧﻲ ﻣﻌﻚ ؟
و ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ،ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺪوده ﻣﺠﻮﻓﺔ ،و ﻓﻜﻪ ﺻﻠﺐٌ ﻗﺎسٍ ،و وﺟﻨﺘﺎه ﻧﺎﺗﺌﺘﺎن ،و ﺷﻌﺮه اﻟﺮﻣﺎدي ﻣﺠﻌﺪ و
ﻋﯿﻨﺎه ﻣﺘﻮﻗﺪﺗﺎن.
-ﻟﻤﺎذا ؟ و ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﻚ ؟
و ﻫﺰ ﺑﻜﺘﻔﯿﻪ و ﻗﺎل:
-ﻟﻤﺎذا ،ﻟﻤﺎذا ؟ أﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻤﺮء أن ﯾﻔﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎ دون ﻟﻤﺎذا ؟ ﻟﻼﺷﻲء ،ﻷن اﻟﻤﺮء ﯾﺮﯾﺪ ذﻟﻚ ! ﺧﺬﻧﻲ ﻣﻌﻚ ﻛﻄﺒﺎخ
ﻣﺜﻼ ،إن ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ أن أﻃﺒﺦ ﺣﺴﺎءً ﻟﻢ ﺗﺬق ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻚ.
و رﺣﺖُ أﺣﺪق ﺑﻪ و أﻧﺎ أﺿﺤﻚ ،ﻓﻘﺪ أﻋﺠﺒﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻠﻮق ﻛﻤﺎ أﻋﺠﺒﻨﻲ اﻟﺤﺴﺎء ،ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ إﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﺛﻤﺔ ﺿﺮر
ﻓﻲ أن آﺧﺬه ﻣﻌﻲ ،ﻓﯿﺒﺪو أﻧﻪ ﻗﺪ ﺟﺎب اﻟﺒﺤﺎر ﻃﻮﯾﻼً ،ﻓﻬﻮ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﻨﺪﺑﺎد اﻟﺒﺤﺮي ..و ﻗﺪ أﻋﺠﺒﻨﻲ!
ﻗﺎل ﻟﻲ و ﻫﻮ ﯾﻬﺰ ﺑﺮأﺳﻪ اﻟﻀﺨﻢ :
-و ﺑﻤﺎذا ﺗﻔﻜﺮ ؟ ﻫﻞ ﺗﻮازي اﻷﻣﺮ ﺑﻨﻔﺴﻚ ؟ ﻫﯿﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻋﺘﻤﺪ و ﻗﺮر ﻟﻨﻔﺴﻚ..
-اﺟﻠﺲ اﻵن و ﺧﺬ ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮاب.
-ﺣﺴﻨﺎً ،و ﻟﻜﻦ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ " اﻟﺮوم " ﯾﻨﻔﻌﻨﻲ أﻛﺜﺮ.
و ﺳﺄﻟﺘﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﺎول ﻛﺄس اﻟﺮوم و راح ﯾﺘﺬوﻗﻪ ﺑﻬﺪوء:
-ﻣﺎ ﻧﻮع اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﺗﺘﻘﻨﻪ ؟
-ﻛﻞ اﻷﻧﻮاع ،ﺑﺎﻷرﺟﻞ و اﻷﯾﺪي و اﻟﺮأس ،ﺟﻤﯿﻌﻬﻢ!
-أﯾﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ؟
-ﻓﻲ ﻣﻨﺠﻢ ،ﻓﺄﻧﺎ ﺧﺒﯿﺮٌ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ ﺧﺒﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎدن ،أﻧﺎ أﻋﺮف ﻛﯿﻒ أﺟﺪ اﻟﻌﺮوق ،أﺣﻔﺮ اﻷﻧﻔﺎق ،
و أﻫﺒﻂ إﻟﻰ اﻟﺤﻔﺮ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ دون أن أﺧﺎف ،ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﻤﻞ ﺟﯿﺪا ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ رﺋﯿﺴﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺎل ،و ﻛﻨﺖ ﻻ أﺷﻜﻮ ﻣﻦ
ﺷﻲء ،و ﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻲ ،ﻓﯿﻮم اﻟﺴﺒﺖ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺟﺎء ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺠﻢ ﻟﯿﻔﺘﺶ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻤﺎل ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﺑﻪ
و أوﺳﻌﺘﻪ ﺿﺮﺑﺎ ..ﻫﻜﺬا ،دون أن أﻛﻮن ﺳﻜﺮاﻧﺎً.
-و ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ؟ و ﻣﺎذا ﻓﻌﻞ ﻟﻚ ؟
-ﻟﻲ ؟ ﻻ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ أراه ﻓﯿﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ﻗﺪ وزع ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ أﯾﻀﺎً.
-ﺣﺴﻨﺎ ؟
-أوه ،ﻣﺎﻟﻚ ﺗﺠﻠﺲ ﻫﻜﺬا و ﺗﻄﺮح اﻷﺳﺌﻠﺔ ؟ ﻟﻘﺪ ﺧﻄﺮ ﻟﻲ ذﻟﻚ ،ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ،ﺗﻌﻠﻢ ﻗﺼﺔ زوﺟﺔ اﻟﻄﺤﺎن ؟
ﺣﺴﻨﺎ ،ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻨﻚ ﺗﻌﻠﻢ اﻹﻣﻼء ﻣﻦ ﻣﺆﺧﺮﺗﻬﺎ ،ﻣﺆﺧﺮة زوﺟﺔ اﻟﻄﺤﺎن ،ﻓﻬﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ.
ﻓﻨﻈﺮتُ إﻟﻰ رﻓﯿﻘﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﺑﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم ،ﻓﻘﺪ أﻋﺠﺒﻨﻲ ﺗﺤﻠﯿﻠﻪ ﻟﻸﻣﻮر ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ ،ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻪ :
-و ﻣﺎذا ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺻﺮﺗﻚ ﻫﺬه ؟ ﻃﻌﺎم ؟ ﻣﻼﺑﺲ ؟ أم ﻣﻌﺪات ؟
و رﻓﻊ ﺻﺪﯾﻘﻲ ﺑﻜﺘﻔﯿﻪ و ﺿﺤﻚ:
-إﻧﻚ ﺗﺒﺪو ﻛﺜﯿﺮ اﻟﺘﻌﻠﻖ ،أرﺟﻮ اﻟﻤﻌﺬرة ﻟﻬﺬا.
و ﺿﺮب ﻋﻠﻰ ﺻﺮﺗﻪ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻪ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ و ﻗﺎل:
-ﻛﻼ ،إﻧﻬﺎ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري.
-اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ؟ و ﻫﻞ ﺗﻌﺰف ﻋﻠﯿﻬﺎ ؟
-ﻧﻌﻢ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻮن ﻣﻔﻠﺴﺎً أذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻧﺎت ﺛﻢ أﻋﺰف ﻋﻠﯿﻬﺎ و أﻧﺸﺪ ﺑﻌﺾ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﻤﻘﺪوﻧﯿﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،ﺛﻢ أﺑﺪأ
ﺑﺠﻤﻊ اﻟﻨﻘﻮد ﻣﻦ اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ﻓﻲ ﻗﺒﻌﺘﻲ ،ﻓﺘﻤﺘﻠﺊ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺑﺎﻟﺪراﻫﻢ.
-ﻣﺎ اﺳﻤﻚ ؟
-اﻟﻜﺴﯿﺲ زورﺑﺎ ،و ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﯾﺪﻋﻮﻧﻨﻲ " ﻣﺠﺮﻓﺔ اﻟﻔﺌﺮان " ﻷﻧﻨﻲ ﻃﻮﯾﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ وﺟﻤﺠﻤﺘﻲ ﻣﺴﻄﺤﺔ و
ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻜﻌﻜﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻨﻲ أدﻋﻰ " ﻣﻀﯿّﻊ اﻟﻮﻗﺖ " ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺑﯿﻊ اﻟﺒﺰر اﻟﻤﺤﻤﺺ ﻓﻲ وﻗﺖٍ ﻣﻦ اﻷوﻗﺎت ،و ﻫﻢ
ﯾﺪﻋﻮﻧﻨﻲ أﯾﻀﺎ " اﻟﻤﻌﻔﻦ " ﻷﻧﻨﻲ أﺳﺒﺐ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ أﯾﻨﻤﺎ ﺣﻠﻠﺖ ،ﻛﻞ ﺷﻲء ﯾﺬﻫﺐ ﻟﻠﻜﻼب ،و ﻟﻲ أﯾﻀﺎ أﺳﻤﺎء أﺧﺮى ،و
ﻟﻜﻨﻲ ﺳﺄدﻋﻬﺎ ﻟﻔﺮﺻﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ .
-و ﻛﯿﻒ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ؟
-ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ،ﻓﺴﻤﻌﺖ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ إﺣﺪى اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﻘﺮوﯾﺔ ،ﻫﻨﺎك ﻋﻨﺪ ﻗﺪم ﺟﺒﻞ أوﻟﯿﻤﺐ ،
ﻓﺒﻬﺮت ﻟﺘﻮي ﺣﯿﻦ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﻐﻢ ،و ﺑﻘﯿﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم دون ﻃﻌﺎم ،و ﺳﺄﻟﻨﻲ واﻟﺪي رﺣﻤﻪ اﷲ " ﻣﺎذا ﺟﺮى ﻟﻚ ؟ " ،
ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻪ أﻧﻨﻲ أرﯾﺪ أن أﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ،ﻓﻘﺎل ﻟﻲ " أﻻ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻚ ؟ ﻫﻞ أﻧﺖ ﻏﺠﺮي ؟ ﻫﻞ ﺗﺮﯾﺪ أن
ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﺎزف ؟ " ﻓﺄﺟﺒﺘﻪ " ﻧﻌﻢ ،أﻧﺎ أرﯾﺪ أن أﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري " و ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ادﺧﺮتُ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮوش
ﻟﻜﻲ أﺗﺰوج ﺣﯿﻦ ﯾﺤﯿﻦ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻻ أزال ﻓﺘﯿﺎ و دم اﻟﺸﺒﺎب ﻻ ﯾﺰال ﯾﺠﺮي ﺣﺎرا ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ ،و أرﯾﺪ اﻟﺰواج ،
أﻧﺎ اﻟﻐﺒﻲ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ! و ﻫﻜﺬا دﻓﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ادﺧﺮﺗﻪ ﻧﻢ ﻣﺎل ﺛﻤﻨﺎ ﻟﺸﺮاء اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ،و ﻫﺮﺑﺖ إﻟﻰ ﺳﺎﻟﻮﻧﯿﻚ ﺣﯿﺚ ﻗﺎﺑﻠﺖ
رﺟﻼً ﺗﺮﻛﯿﺎ ﯾﺪﻋﻰ رﺳﺘﺐ أﻓﻨﺪي ،و ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻢٌ ﻣﺎﻫﺮ ﻟﻠﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ،ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻪ " إﻧﻨﻲ أرﯾﺪ أن أﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﺰف
ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري " ﻓﻘﺎل " ﺣﺴﻨﺎ ،و ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا أﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻋﻠﻰ أﻗﺪاﻣﻲ ﻫﻜﺬا ؟ "
-ﻷﻧﻲ ﻻ أﻣﻠﻚ ﻣﺎﻻً ﻷدﻓﻌﻪ ﻟﻚ.
-و أﻧﺖ ﻣﻐﺮم ﺑﺎﻟﺴﺎﻧﺘﻮري إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ؟
-ﻧﻌﻢ.
-ﺣﺴﻨﺎ ،ﯾﻤﻜﻨﻚ اﻟﺒﻘﺎء ﯾﺎ وﻟﺪي ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﺴﺖُ ﺑﺤﺎﺟﺔٍ إﻟﻰ ﻣﺎﻟﻚ.
و ﺑﻘﯿﺖُ ﻋﻨﺪه ﺳﻨﺔ أﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﺰف ،و ﻫﻮ ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻣﺎت اﻵن ،رﺣﻤﻪ اﷲ ،و إذا ﻛﺎن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﺴﻤﺢ ﺑﺪﺧﻮل
اﻟﻜﻼب إﻟﻰ ﺟﻨﺎﺗﻪ ،ﻓﻠﻌﻠﻪ ﯾﻔﺘﺢ أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺔ ﻟﺮﺳﺘﺐ أﻓﻨﺪي ،و ﻣﻨﺬ أن ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ
رﺟﻼ آﺧﺮ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺰن ،أو ﺣﯿﻦ أﻛﻮن ﻣﻔﻠﺴﺎ ،أﻋﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﻓﺄﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة و اﻻﻧﺸﺮاح ،و
ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﺰف ﻻ أﺳﻤﻊ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮﻧﻪ ﻟﻲ ،و إذا ﺳﻤﻌﺖ ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﻜﻼم ،وﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ ﻓﺄﻧﺎ ﻻ
أﺳﺘﻄﯿﻊ" ...
-و ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ،زورﺑﺎ ؟
-أوه ،أﻻ ﺗﺮى ؟ إﻧﻪ اﻟﻬﻮس اﻟﻤﺤﻤﻮم ،ﻧﻌﻢ إﻧﻪ اﻟﻬﻮس.
و ﻓﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﻤﻘﻬﻰ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ و ﺳﻤﻌﺖ ﻫﺪﯾﺮ اﻟﺒﺤﺮ ،و ﻛﺎﻧﺖ أﯾﺪﯾﻨﺎ و أرﺟﻠﻨﺎ ﻣﺘﺠﻤﺪة ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺼﻘﯿﻊ ،ﻓﺎﻧﺰوﯾﺖ أﻛﺜﺮ
إﻟﻰ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺪاﻓﺊ و ﺗﻠﻔﻌﺖ ﺑﺎﻟﻤﻌﻄﻒ و ﻧﻌﻤﺖ ﺑﺪفء اﻟﻤﻜﺎن ،و ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ " إﻟﻰ أﯾﻦ ﺳﺄذﻫﺐ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻓﻲ أﺣﺴﻦ
ﺣﺎلٍ ﻫﻨﺎ ،ﻟﯿﺖ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﺪوم ﺳﻨﯿﻦ ﻃﻮﯾﻠﺔ " ،و ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻐﺮﯾﺐ أﻣﺎﻣﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺤﺪق ﺑﻲ و ﻗﻠﺖ
ﻟﻪ:
-ﺣﺴﻨﺎ ؟ اﺳﺘﻤﺮ.
و ﻫﺰ زورﺑﺎ ﺑﻜﺘﻔﯿﻪ و ﻗﺎل:
-دﻋﻚ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻫﻞ ﺗﻌﻄﯿﻨﻲ ﺳﯿﺠﺎرة ؟
و ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻪ ﺳﯿﺠﺎرة ،ﺗﻨﺎوﻟﻬﺎ و أﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﯿﺒﻪ ﻗﺪاﺣﺔ و ﻓﺘﯿﻠﺔ و أﺷﻌﻞ اﻟﺴﯿﺠﺎرة ﺛﻢ أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺑﺴﺮور و ارﺗﯿﺎح
،و ﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﺘﺰوج ؟
و أﺟﺎﺑﻨﻲ ﻏﺎﺿﺒﺎً:
-أﻟﺴﺖُ رﺟﻼً ؟ أﻟﺴﺖُ رﺟﻼً ؟ أﻋﻨﻲ أﻋﻤﻰ ،ﺷﺄﻧﻲ ﺷﺄن اﻟﺠﻤﯿﻊ ،ﻟﻘﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻔﺦ و ﺗﺰوﺟﺖ ،و
أﺻﺒﺤﺖ رب ﻋﺎﺋﻠﺔ ،و ﺑﻨﯿﺖ ﺑﯿﺘﺎ ،و أﺻﺒﺢ ﻋﻨﺪي أﻃﻔﺎل و ﻣﺸﺎﻛﻞ ،و ﻟﻜﻦ ﺷﻜﺮا ﻟﻠﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري..
-و ﻫﻞ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﺰف ﻟﺘﻨﺴﻰ ﻫﻤﻮﻣﻚ ؟
-اﺳﻤﻊ ،إﻧﻲ أرى أﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ أﯾﺔ آﻟﺔ ﻣﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ ﺗﻜﻤﻦ ﻛﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻚ ،اﻟﺰوﺟﺔ ،اﻷوﻻد ،
ﻣﺎ اﻟﺬي ﺳﺘﺄﻛﻠﻪ ؟ ﻛﯿﻒ ﻧﺪﺑﺮ أﻣﺮ اﻟﻤﻠﺒﺲ ؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺳﯿﺤﻞ ﺑﻨﺎ ؟ ﯾﺎ ﻟﻠﺠﺤﯿﻢ ،ﻛﻼ ،ﻟﻜﻲ ﺗﻌﺰف اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﯾﺠﺐ أن
ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺟﯿﺪة ،ﯾﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﺻﺎﻓﯿﺎً ،ﻓﺈذا ﻣﺎ رددت زوﺟﺘﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﻌﺰف ؟ و إذا ﻛﺎن أوﻻدك
ﺟﺎﺋﻌﯿﻦ ﯾﺼﺮﺧﻮن ،ﺣﺎول ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ أن ﺗﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ،ﻓﻌﻘﻠﻚ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ،ﻻ ﻋﻨﺪ أﺷﯿﺎء
أﺧﺮى ،ﻫﻞ ﻓﻬﻤﺖ ؟!
ﻧﻌﻢ ،ﻓﻬﻤﺖ ،إن زورﺑﺎ ﻫﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻧﺸﺪه ﻣﻨﺬ ﻣﺪة ﻃﻮﯾﻠﺔ دون أن أﺟﺪه ،ﻗﻠﺐ ﺣﻲ ،و ﻓﻢٌ ﺿﺨﻢ ﺷﺮه ،و
ﻧﻔﺲ ﻛﺒﯿﺮة ﻗﺎﺳﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻛﻬﺎ اﻷﯾﺎم.
إن ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻔﻦ و اﻟﺤﺐ و اﻟﻄﻬﺎرة و اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ،ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ أﻇﻬﺮﺗﻬﺎ ﻟﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮه
ﺑﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﺎﻣﻞ.
و ﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﯾﺪﯾﻪ اﻟﺘﯿﻦ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﺎن اﻹﻣﺴﺎك ﺑﺎﻟﻤﻌﻮل و اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ،ﯾﺪان ﻣﺘﺤﺠﺮﺗﺎن ،ﻣﺸﻘﻘﺘﺎن ،ﻣﺸﻮﻫﺘﺎن ،و
ﺑﺎﻋﺘﻨﺎءٍ ﺑﺎﻟﻎ ،ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺗﺨﻠﻌﺎن ﺛﯿﺎب اﻣﺮأة ،ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺼﺮة و ﺳﺤﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري اﻟﺬي ﺻﻘﻠﺘﻪ اﻟﺴﻨﻮن ،ﻣﻊ ﺣﺰﻣﺔ
ﻣﻦ اﻷوﺗﺎر ،ﻣﻀﺮﺑﺎ ﺑﺎﻟﻨﺤﺎس و اﻟﻌﺎج ﻣﻊ ﺷﺮاﺑﺔ ﺣﻤﺮاء ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺮ ،ﺛﻢ راﺣﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺻﺎﺑﻊ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ﺗﺪاﻋﺒﻪ ﺑﻌﻄﻒ
ﻛﺄﻧﻪ أﯾﺪٍ ﺗﺪاﻋﺐ وﺟﻪ اﻣﺮأة ،ﺛﻢ أﻋﺎدت وﺿﻌﻪ و ﻟﻔﺘﻪ ﺑﺎﻋﺘﻨﺎء ﺑﺎﻟﻎ ﻛﺄﻧﻪ ﺟﺴﺪٌ ﻣﺤﺒﻮب ﺧﺎﻓﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺮد.
-ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري اﻟﻌﺰﯾﺰ.
ﺗﻤﺘﻢ ذﻟﻚ و ﻫﻮ ﯾﻀﻊ اﻟﺼﺮة ﺑﺎﻋﺘﻨﺎءٍ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﺳﻲ ،و ﻛﺎن اﻟﺒﺤﺎرة ﯾﻘﺮﻋﻮن اﻟﻜﺆوس و ﯾﻀﺤﻜﻮن ،و رﺑﺖ اﻟﺒﺤﺎر
اﻟﻌﺠﻮز ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ اﻟﻜﺎﺑﺘﻦ ﻟﯿﻤﻮﻧﻲ و ﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
-ﻗﻞ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﯾﺎ ﻛﺎﺑﺘﻦ ،أﻟﺴﺖ ﺧﺎﺋﻔﺎ ؟ إن اﷲ أﻋﻠﻢ ﺑﻌﺪد اﻟﺸﻤﻮع اﻟﺘﻲ ﻧﺬرﺗﻬﺎ ﻟﻠﻘﺪﯾﺲ ﻧﯿﻘﻮﻻ.
و ﻗﻄّﺐ اﻟﻜﺎﺑﺘﻦ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ اﻟﻀﺨﻤﯿﻦ:
-أﻗﺴﻢ ﻟﻜﻢ ،إﻧﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ رأﯾﺖ اﻟﻤﻮت ﯾﻘﺘﺮب ﻣﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﻜﺮ ﺑﺎﻟﻘﺪﯾﺴﺔ اﻟﻌﺬراء ،وﻻ ﺑﺎﻟﻘﺪﯾﺲ ﻧﯿﻘﻮﻻ ،ﺑﻞ اﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮ
ﺳﺎﻻﻣﯿﺲ ،و ﻓﻜﺮت ﺑﺰوﺟﺘﻲ و ﺻﺤﺖ " آه ،ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ! ﻟﻮ أﻧﻨﻲ اﻵن ﻣﻌﻚِ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش "
و اﻧﻔﺠﺮ اﻟﺒﺤﺎرة ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻚ ،و ﺷﺎرﻛﻬﻢ اﻟﻜﺎﺑﺖ ﻟﯿﻤﻮﻧﻲ اﻟﻀﺤﻚ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة.
-ﯾﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،إن اﻟﺮﺟﻞ ﺣﯿﻮان ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺷﺒﺢ اﻟﻤﻮت ﻣﺨﯿﻤﺎ ﻓﻮق رأﺳﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎره ﻣﻨﺸﻐﻠﺔ ﻫﻨﺎك ،ﻻ ﻓﻲ أي
ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ،ﺗﺒﺎً ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﯿﻮان!
و ﺻﻔﻖ اﻟﻜﺎﺑﺘﻦ و ﻃﻠﺐ دورا آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮاب ﻟﺮﻓﺎﻗﻪ ،ﻛﺎن زورﺑﺎ ﯾﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ اﻟﺤﻮار ﺑﺄذﻧﯿﻦ ﻛﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ،و اﻟﺘﻔﺖ
إﻟﯿﻬﻢ ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ:
-ﻣﺎ ﻫﺬا ؟ ﻣﺎذا ﯾﻘﻮل ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ؟
و ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻬﻢ ﻓﺠﺄة ،و ﻫﺘﻒ ﺑﺈﻋﺠﺎب:
-ﺑﺮاﻓﻮ ،ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ،إن ﻫﺆﻻء اﻟﺒﺤﺎرة ﯾﻌﺮﻓﻮن اﻟﺴﺮ ،و أﻏﻠﺐ اﻟﻈﻦ ﻷﻧﻬﻢ ﻣﻌﺮﺿﯿﻦ ﻟﯿﻼ ﻧﻬﺎرا ﻟﻠﻤﻮت.
و أﺷﺎر ﺑﻘﺒﻀﺘﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء و ﻗﺎل:
-ﺣﺴﻨﺎً ،إن ﻫﺬه ﻣﺴﺄﻟﺔ أﺧﺮى ،و ﻟﻨﻌﺪ اﻵن إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻨﺎ ،ﻫﻞ ﺳﺄﺑﻘﻰ أم ﻻ ؟ ﻗﺮر ﺑﺴﺮﻋﺔ.
-أﻧﺎ ﻣﻮاﻓﻖ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،ﺗﻌﺎل ﻣﻌﻲ إﻟﻰ ﻛﺮﯾﺖ ،ﻓﻠﺪي ﻓﺤﻤﺎ ﻫﻨﺎك ،و ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﻌﻤﺎل ،و ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺳﺘﺘﻤﺪد
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل ،ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪي ﻻ زوﺟﺔ وﻻ أﻃﻔﺎل وﻻ ﻛﻼب ،ﺳﻨﺄﻛﻞ و ﻧﺸﺮب ﻣﻌﺎ ،و ﺳﺘﻌﺰف أﻧﺖ ﻋﻠﻰ
اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري.
-ﻫﺬا إذا ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﺰاج ﺧﺎص ﻟﻠﻌﺰف ،ﻫﻞ ﺗﺴﻤﺢ ؟ ﺳﺄﻋﻤﻞ ﻟﻚ أي ﺷﻲء ﺗﺮﯾﺪه ،ﻓﺄﻧﺎ رﺟﻠﻚ اﻟﻤﻄﯿﻊ ﻫﻨﺎك ،و ﻟﻜﻦ
اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ..ﻓﻬﺬا ﺷﻲءٌ آﺧﺮ ،إﻧﻪ ﺣﯿﻮان وﺣﺸﻲ ،و ﻫﻮ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﯾﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﻠﻌﺰف ﻓﺴﺄﻋﺰف ،
و رﺑﻤﺎ أﻧﺤﻨﻲ أﯾﻀﺎ ،و ﺳﺄرﻗﺺ " اﻟﺰﯾﺒﺎﻛﯿﻜﻮ " و " اﻟﻬﺎﺳﺎﺑﯿﻜﻮ " و " اﻟﺒﻨﺘﻮزاﻟﻲ " و ﻟﻜﻦ دﻋﻨﻲ أﺧﺒﺮك ﻣﻨﺬ اﻵن
،ﯾﺠﺐ أن أﻛﻮن ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﺬﻟﻚ ،ﻟﻨﻔﻬﻢ ذﻟﻚ ﺑﻮﺿﻮح ،و إذا أرﻏﻤﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﺴﯿﻨﺘﻬﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء اﻵن ،ﻓﺄﻧﺎ ﺑﻤﺎ
ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬه اﻷﻣﻮر ..رﺟﻞ.
-رﺟﻞ ؟ ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ؟
-أﻋﻨﻲ ..ﺣﺮاً.
و ﻃﻠﺒﺖ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوم ﻓﺄﺿﺎف زورﺑﺎ ﻃﺎﻟﺒﺎ ﻛﺄﺳﺎ آﺧﺮ أﯾﻀﺎً ،و ﻗﺮﻋﻨﺎ اﻟﻜﺆوس ،و ﻛﺎن اﻟﺼﺒﺎح ﻗﺪ أﺷﺮق ،و
ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺻﻔﺎرة اﻟﻤﺮﻛﺐ ,و أﺷﺎر اﻟﺤﻤﺎل اﻟﺬي ﻧﻘﻞ ﺣﻘﺎﺋﺒﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻛﺐ ،و ﻗﻠﺖ و أﻧﺎ أﻧﻬﺾ:
-ﺗﻌﺎل ،ﻟﻨﺬﻫﺐ ..و ﻟﯿﻜﻦ اﷲ ﻣﻌﻨﺎ.
-اﷲ و اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻣﻌﺎً.
أﺿﺎف زورﺑﺎ ،ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ و اﻟﺘﻘﻂ ﺻﺮﺗﻪ و وﺿﻌﻬﺎ ﺗﺤﺖ ذراﻋﻪ و ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب و ﺳﺒﻘﻨﻲ ﺑﺎﻟﺨﺮوج.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻰ
اﻟﺒﺤﺮ ،و ﻃﺮاوة اﻟﺨﺮﯾﻒ ،و اﻟﺠﺰر اﻟﺴﺎﺑﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻮر ،و اﻟﻤﻄﺮ اﻟﻨﺎﻋﻢ اﻟﺬي أﺿﻔﻰ ﺣﺠﺎﺑﺎ ﺷﻔﺎﻓﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮي
اﻷﺑﺪي ﻟﺠﺰر اﻟﯿﻮﻧﺎن ،ﻛﻢ ﻫﻮ ﺳﻌﯿﺪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﯾﻤﺨﺮ ﻋﺒﺎب ﺑﺤﺮ إﯾﺠﻪ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻪ.
ﻛﻢ ﻫﻲ ﻋﺪﯾﺪة ﻣﺴﺮات ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻧﺴﺎء ،و ﻓﻮاﻛﻪ ،و آراء ،و ﻟﻜﻦ أن ﺗﺸﻖ ﻋﺒﺎب ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻬﺎدئ و ﻓﻲ ﻓﺼﻞ
اﻟﺨﺮﯾﻒ ﻟﻬﻲ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻸ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻧﻌﯿﻢ اﻟﻔﺮدوس ،ﻓﻬﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن
ﯾﻨﺘﻘﻞ ﻓﯿﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﺑﻬﺪوء و ﺳﻬﻮﻟﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ إﻟﻰ اﻟﺨﯿﺎل ..إﻧﻬﺎ اﻟﻤﻌﺠﺰة ﺑﺎﻟﺬات!
و ﻋﻨﺪ اﻟﻈﻬﺮ اﻧﻘﻄﻊ اﻟﻤﻄﺮ ،و ﺑﺪدت اﻟﺸﻤﺲ ﺣﺠﺐ اﻟﻐﯿﻮم ،و أﻃﻠﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻧﺎﻋﻤﺔ ﻟﺘﺪاﻋﺐ ﺑﺄﺷﻌﺘﻬﺎ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻤﺎء
اﻟﺤﺒﯿﺒﺔ ،و ﺗﺮﻛﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺠﺰة اﻟﺨﺎﻟﺪة اﻟﺘﻲ اﻧﻘﺸﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﻓﻖ اﻟﺒﻌﯿﺪ.
و ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺮﻛﺐ ،ﻛﺎﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ،اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ اﻷذﻛﯿﺎء ،ذوو اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻤﺸﻌﺔ و اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﻦ ﻓﻦ اﻟﻤﺴﺎوﻣﺔ
اﻟﻄﻮﯾﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺘﺎﻓﻬﺔ ،و ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﺗﺄﺧﺬ ﺑﻚ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﻃﺮﻓﯿﻪ و ﺗﻐﺮﻗﻪ
ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺛﻢ ﺗﻬﺰه ﺟﯿﺪا ﻟﺘﻐﺴﻞ ﻋﻨﻪ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﯿﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ أوﺳﺨﺘﻪ ،رﺟﺎل ،ﻓﺌﺮان ،و ﻗﻤﻞ .ﺛﻢ ﺗﻌﻮﻣﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ
ﺑﻌﺪ أن ﯾﺼﺒﺢ ﻧﻈﯿﻔﺎً ﻓﺎرﻏﺎً.
و ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﺗﻤﻨﻌﻨﻲ ،ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺑﻮذﯾﺔ ،ﺑﺎردة ﻛﺎﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ ،ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻟﯿﺴﺖ
ﻧﺤﻮ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﯿﺎة ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺠﻬﺎدﻫﺎ ،و ﺻﺮاﺧﻬﺎ ،و ﻧﻮاﺣﻬﺎ ،و آﻣﺎﻟﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮى أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻟﯿﺲ
إﻻ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻹﻇﻬﺎر اﻷﺷﺒﺎح ﻣﻦ اﻟﻌﺪم ،ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ،و ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻨﺠﻢ اﻟﻔﺤﻤﻲ ،و ﻧﺤﻮ ﻣﺨﻄﻮﻃﺘﻲ اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ
ﻋﻦ ﺑﻮذا ،و ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﻠﯿﻂ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر و اﻟﻈﻼل اﻟﺬي ﯾﺰﻋﺞ ﺻﻔﺎء اﻟﺠﻮ.
و ﻛﻨﺖ أﺧﺘﻠﺲ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ زورﺑﺎ اﻟﻤﻨﻬﻚ ،اﻟﺸﺎﺣﺐ اﻟﻮﺟﻪ ،و ﻗﺪ ﻗﺒﻊ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ
اﻟﺤﺒﺎل ﻋﻨﺪ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻤﺮﻛﺐ ،ﻛﺎن ﯾﺸﻢ ﻟﯿﻤﻮﻧﺔ و ﯾﺼﻐﻲ إﻟﻰ ﺻﺮاخ اﻟﺮﻛﺎب و ﺷﺠﺎرﻫﻢ ﺑﺄذﻧﯿﻪ اﻟﻜﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ﺛﻢ ﯾﻬﺰ ﺑﺮأﺳﻪ
اﻟﻀﺨﻢ و ﯾﺒﺼﻖ و ﯾﺘﻤﺘﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻫﺆﻻء اﻟﺤﻄﺎم ،أﻻ ﯾﺨﺠﻠﻮن ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ؟
-ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ) ﺣﻄﺎم ( ﯾﺎ زورﺑﺎ ؟
-ﻛﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﻤﻠﻮك ،اﻟﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﯿﺎت ،اﻟﻨﻮاب ،اﻟﻤﺮاﺋﯿﻦ!
إن اﻟﺤﻮادث ﻟﻢ ﺗﻜﻮن ﻟﺰورﺑﺎ ﺳﻮى أﻣﻮر ﻗﺪﯾﻤﺔ ،ﻓﻬﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻗﺪ اﺑﺘﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ ،و ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﻛﺎن اﻟﺘﻠﻐﺮاف ،و اﻟﺒﻮاﺧﺮ ،
و اﻟﻤﺮاﻛﺐ ،اﻷﺧﻼق اﻟﺴﺎﺋﺪة ،و اﻟﺪﯾﻦ ،ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻛﺎﻟﺒﻨﺎدق اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ اﻟﺼﺪﺋﺔ ،ﻓﺘﻔﻜﯿﺮه ﻗﺪ ﺗﻘﺪم ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺗﺠﺎوزت
ﺗﻘﺪم اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺒﺎل ﺗﺘﺸﻘﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮاري ،و اﻟﺸﻮاﻃﺊ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮاﻗﺺ ،و اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﺴﺎﻓﺮات أﺻﺒﺤﺖ وﺟﻮﻫﻬﻦ أﻛﺜﺮ
اﺻﻔﺮارا ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻤﻮﻧﺔ ،ﻟﻘﺪ أﻟﻘﯿﻦ ﺑﺄﺳﻠﺤﺘﻬﻦ ،اﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ و اﻟﻤﺸﺪات و دﺑﺎﺑﯿﺲ اﻟﺸﻌﺮ و اﻷﻣﺸﺎط ،و ﺷﺤﺒﺖ
ﺷﻔﺎﻫﻬﻦ و أﻇﺎﻓﺮﻫﻦ ﺑﺪأت ﺗﺘﺤﻮل أﻟﻮاﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻷزرق ،و ﺑﺪأت ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ اﻟﺮﯾﺶ اﻟﻤﺴﺘﻌﺎر و اﻟﺸﺮاﺋﻂ اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ و
اﻟﺠﻔﻮن اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻨﺎﻇﺮ إﻟﯿﻬﻦ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎل ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﺮف و اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﺘﻘﯿﺆ.
و ﺷﺤﺐ وﺟﻪ زورﺑﺎ ﺑﺪوره و اﺻﻔﺮ ﻟﻮﻧﻪ ﺛﻢ اﺧﻀﺮ ،و ﺧﻔﺘﺖ ﻋﯿﻨﺎه اﻟﻤﺘﻘﺪﺗﺎن و ﻟﻢ ﯾﻌﺪ إﻟﻰ ﺗﺄﻟﻘﻪ اﻷول إﻻ ﻓﻲ
اﻟﻤﺴﺎء ،ﺣﯿﻦ أﺷﺎر إﻟﻲّ ﻟﯿﺮﯾﻨﻲ درﻓﯿﻠﯿﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺘﻘﺎﻓﺰان و ﯾﺴﺎﺑﻘﺎن اﻟﻤﺮﻛﺐ ،و ﺻﺎح:
-دراﻓﯿﻞ!
و ﻻﺣﻈﺖ ﻷول ﻣﺮة أن ﻧﺼﻒ إﺑﻬﺎم ﯾﺪه اﻟﯿﺴﺮى ﻣﻘﻄﻮع ،ﻓﺎرﺗﻌﺪتُ و ﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﺎذا ﺟﺮى ﻹﺻﺒﻌﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ؟
و أﺟﺎﺑﻨﻲ و ﻗﺪ ﺑﺪا ﻋﻠﯿﻪ اﻻﺳﺘﯿﺎء ﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺪراﻓﯿﻞ:
-ﻻ ﺷﻲء!
-ﻫﻞ ﻗﻄﻌﺘﻪ ﺑﺂﻟﺔ ﺣﺎدة ؟
-و ﻣﺎ ﺷﺄن اﻵﻟﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮع ؟ ﻛﻼ ﻓﻘﺪ ﻗﻄﻌﺘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻲ.
-ﺑﻨﻔﺴﻚ ،و ﻟﻤﺎذا ؟
-أﻧﺖ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﻚ اﻟﻔﻬﻢ ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﻟﻘﺪ ﺳﺒﻖ و أﺧﺒﺮﺗﻚ أﻧﻨﻲ ﻗﻤﺖ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﻋﺪﯾﺪة ،و ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﺮات ﻋﻤﻠﺖ ﻓﻲ
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻔﺨﺎر ،و ﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺠﻨﻮن ،ﻫﻞ ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺘﺼﻮر ﻣﺎذا ﯾﻌﻨﻲ أن ﺗﺄﺧﺬ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﯿﻦ و
ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ ؟ ﻗﺮر! ﺛﻢ ﺗﺪوّر اﻟﺪوﻻب و ﯾﺪور اﻟﻄﯿﻦ ﻣﻌﻪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﺑﻨﻔﺴﻚ " ﺳﺄﺻﻨﻊ ﺟﺮة ،أﺻﻨﻊ ﺻﺤﻨﺎ ،
ﺳﺄﺻﻨﻊ ﻗﻨﺪﯾﻼ ،و اﻟﺸﯿﻄﺎن ﯾﻌﻠﻢ ﻣﺎذا أﯾﻀﺎً " ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻚ رﺟﻼً :اﻟﺤﺮﯾﺔ!
ﻟﻘﺪ ﻧﺴﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،و ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻘﻀﻢ اﻟﻠﯿﻤﻮﻧﺔ ،و ﻋﺎد اﻟﺼﻔﺎء إﻟﻰ ﻋﯿﻮﻧﻪ..
-ﺣﺴﻨﺎ ،و ﻟﻜﻦ إﺻﺒﻌﻚ ؟
-ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﻋﺠﻨﻲ ،و ﺗﻘﻒ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﻋﻤﻠﻲ ،و ﺗﻔﺴﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺸﺎرﯾﻌﻲ ،و ﻓﻲ ذات ﻣﺮة أﻣﺴﻜﺖ ﺑﻔﺄس ﺻﻐﯿﺮة..
-أﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻷﻟﻢ ؟
-ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﻟﻢ ؟ ﻫﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ أﻧﻲ ﺟﺬع ﺷﺠﺮة ؟ إﻧﻨﻲ إﻧﺴﺎن ،ﻟﻘﺪ ﺗﺄﻟﻤﺖ و ﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻒ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ
ﻓﻘﻄﻌﺘﻬﺎ!
و ﻫﺪأ اﻟﺒﺤﺮ ﻗﻠﯿﻼ ﻋﻨﺪ ﻏﯿﺎب اﻟﺸﻤﺲ و اﻧﻘﺸﺎع اﻟﻐﯿﻮم ،ﻓﺪﺑﺖ ﻧﺠﻤﺔ اﻟﻤﺴﺎء ﻻﻣﻌﺔ ﺑﺮاﻗﺔ ،و أﻟﻘﯿﺖ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ
و رﺣﺖ أﻓﻜﺮ ..ﻛﯿﻒ ﻧﺤﺐ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ؟ ﺛﻢ ﻧﺄﺧﺬ ﻓﺄﺳﺎ و ﻧﻘﻄﻊ ﺛﻢ ﻧﺘﺄﻟﻢ ،ﻟﻜﻨﻲ أﺧﻔﯿﺖ اﺿﻄﺮاﺑﻲ و أردﻓﺖ ﻗﺎﺋﻼ
ﻣﺤﺎوﻻ اﻻﺑﺘﺴﺎم:
-إﻧﻬﺎ ﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﺳﯿﺌﺔ ﯾﺎ زورﺑﺎ ! إﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﺎﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺬﻫﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل ﻋﻦ ﻧﺎﺳﻚ رأى اﻣﺮأة ﻗﺪ أزﻋﺠﺘﻪ ﺟﺴﺪﯾﺎ ،
ﻓﺘﻨﺎول ﻓﺄﺳﺎً..
و ﺻﺎح زورﺑﺎ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎً:
-ﻛﻢ ﻫﻮ أﺣﻤﻖ ،ﯾﻘﻄﻊ ﻫﺬا ! و ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ﻻ ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻋﻘﺒﺔ!
-ﻛﯿﻒ ؟ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻋﻘﺒﺔ ﻛﺒﯿﺮة.
-أﻣﺎم ﻣﺎذا ؟
-أﻣﺎم وﻟﻮﺟﻚ أﺑﻮاب اﻟﺴﻤﺎء!
و ﺣﺪﺟﻨﻲ زورﺑﺎ ﺑﻨﻈﺮة ﺳﺎﺧﺮة و ﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
-إﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻨﻚ اﻋﺘﺒﺎره ﻣﻔﺘﺎح اﻟﺴﻤﺎء!
ﺛﻢ رﻓﻊ رأﺳﻪ و ﺣﺪق ﺑﻲ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ ﻣﻌﺮﻓﺔ رأﯾﻲ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،و ﺑﻤﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء ،و اﻟﻨﺴﺎء و اﻟﻨﺴﺎك ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ
ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺷﻲء ﻓﻬﺰ رأﺳﻪ اﻟﻀﺨﻢ و اﺳﺘﻄﺮد:
-إن اﻟﺨﺼﯿﺎن ﻻ ﯾﺪﺧﻠﻮن اﻟﺴﻤﺎء.
وﻻذ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ إﻟﻰ ﻣﻘﺼﻮرﺗﻲ و أﺧﺬت ﻛﺘﺎﺑﺎً و أﺧﺬت أﻗﺮأ..
و ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖُ ﻣﺒﻜﺮاً ،و ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻋﻦ ﯾﻤﯿﻨﻨﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻜﺒﯿﺮة اﻟﻤﺰﻫﻮة
اﻟﻤﺘﻮﺣﺸﺔ ،و اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻮردﯾﺔ اﻟﺸﺎﺣﺒﺔ ﺗﺒﺪو ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﺒﺎب ﺷﻤﺲ اﻟﺨﺮﯾﻒ ،و ﻣﻦ ﺣﻮل اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻛﺎن
اﻟﺒﺤﺮ اﻷزرق ﻣﺎ ﯾﺰال ﺛﺎﺋﺮا ﻣﻬﺘﺎﺟﺎً.
و ﻛﺎن زورﺑﺎ اﻟﻤﻠﺘﺤﻒ ﺑﻐﻄﺎﺋﻪ اﻟﺮﻣﺎدي ﯾﻨﻈﺮ ﻣﺤﺪﻗﺎ إﻟﻰ ﺟﺰﯾﺮة ﻛﺮﯾﺖ ،و ﻋﯿﻮﻧﻪ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻬﻞ و ﺗﺘﺒﻊ
اﻟﺸﺎﻃﺊ و ﺗﺘﻔﺤﺼﻪ ،ﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ ﺟﻤﯿﻊ ﻫﺬه اﻷراﺿﻲ و اﻟﺒﺤﺎر ﻣﺮات ﺳﺎﺑﻘﺔ و ﻫﻮ ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﺮؤﯾﺘﻬﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ ،و دﻧﻮت
ﻣﻨﻪ واﺿﻌﺎ ﯾﺪي ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼً:
-زورﺑﺎ ،أﻋﺘﺪ أﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻓﯿﻬﺎ إﻟﻰ ﻛﺮﯾﺖ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺤﺪق ﺑﻬﺎ ﻛﺄﻧﻚ ﺻﺪﯾﻖ ﻗﺪﯾﻢ.
و ﺗﺜﺎءب زورﺑﺎ ،ﻛﺄﻧﻪ ﺿﺠﺮ ،و ﺷﻌﺮت أﻧﻪ ﻻ ﯾﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻵن ،ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖُ و ﻗﻠﺖ ﻟﻪ:
-إن اﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﻀﺠﺮك ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ؟
-ﻟﯿﺲ ﻫﺬا ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻜﻼم ﺻﻌﺐ.
-ﺻﻌﺐ ؟ و ﻟﻤﺎذا ؟!
و ﻟﻢ ﯾﺠﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،و أﺟﺎل ﺑﻨﻈﺮه إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻟﻘﺪ ﻧﺎم ﻟﯿﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺮﻛﺐ و ﻛﺎن ﺷﻌﺮه
اﻟﺮﻣﺎدي اﻟﻤﺠﻌﺪ ﯾﻘﻄﺮ ﺑﺎﻟﻨﺪى ،و ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﺸﺮﻗﺔ ﺗﻀﻲء اﻟﺘﺠﺎﻋﯿﺪ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ و رﻗﺒﺘﻪ ،و ﺣﺮك ﺷﻔﺘﯿﻪ أﺧﯿﺮا
و ﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
-ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح أﺟﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ ﻓﻤﻲ ،ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻛﺒﯿﺮة ،اﻋﺬرﻧﻲ.
و ﻣﺮة أﺧﺮى راح ﻓﻲ ﺻﻤﺖٍ ﻋﻤﯿﻖ و ﻋﺎد ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻛﺮﯾﺖ .و رن ﺟﺮس ﻃﻌﺎم اﻹﻓﻄﺎر ،و ﻇﻬﺮت اﻟﻮﺟﻮه ﻣﻦ
اﻟﻤﻘﺼﻮرات ،ﻧﺴﺎء ﻣﺘﺮﻧﺤﺎت و ﺷﻌﻮرﻫﻦ ﻣﺘﺪﻟﯿﺔ ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻬﻦ رواﺋﺢ اﻟﻘﻲء اﻟﻤﻤﺰوج ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﯿﺎ ،و أﻋﯿﻨﻬﻦ
ﻣﺬﻋﻮرة ﺑﻠﻬﺎء .و ﻛﺎن زورﺑﺎ ﯾﺠﻠﺲ أﻣﺎﻣﻲ و ﻫﻮ ﯾﺸﺮب ﻓﻨﺠﺎن اﻟﻘﻬﻮة و ﯾﻐﻤﺲ ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺘﻲ ﻣﺴﺤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺰﺑﺪة و
اﻟﻌﺴﻞ ،ﺛﻢ ﯾﺄﻛﻠﻬﺎ ،و أﺷﺮق وﺟﻬﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ و اﻃﻤﺄن ﻗﻠﯿﻼ و ﺑﺪا ﻓﻤﻪ ﻛﺄﻧﻪ أﺻﺒﺢ ﻣﺮﻧﺎ ،ﺛﻢ أﺷﻌﻞ ﺳﯿﺠﺎرة و راح
ﯾﺴﺘﻨﺸﻖ أﻧﻔﺎﺳﺎ و ﻫﻮ ﻋﻠﻰ أﺷﺪ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﻠﺬذ ،و ﻻﺣﻈﺖ أﻧﻪ أﺻﺒﺢ ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ و ﻣﻦ ﺛﻢ راح ﯾﻘﻮل:
-ﻫﻞ ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ آﺗﻲ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﻛﺮﯾﺖ ؟
ﺛﻢ أﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻗﻠﯿﻼ ،ﺛﻢ راح ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ اﺑﺮا اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻤﺘﺪا وراءﻧﺎ ،و اﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼً:
-ﻛﻼ إﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻔﻲ ﻋﺎم 1896أﺻﺒﺤﺖ رﺟﻼ ﻧﺎﺿﺠﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﻛﺎن ﺷﺎرﺑﻲ و ﺷﻌﺮي ﻻ ﯾﺰاﻻن ﺑﻠﻮﻧﯿﻬﻤﺎ
اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﯿﻦ و ﻛﻨﺖ ﻻ أزال ﻓﻲ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﻌﻤﺮ ،و ﻛﻨﺖ ﺣﯿﻦ أﺳﻜﺮ أﻟﺘﻬﻢ اﻟﻤﻘﺒﻼت أوﻻ ﺛﻢ اﻟﻄﻌﺎم ،ﻧﻌﻢ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ إﻟﻰ
أﻗﺼﻰ ﺣﺪود اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ،ﻟﻜﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﺗﺪﺧﻞ أﯾﻀﺎ ﻓﻘﺪ ﻧﺸﺒﺖ اﻟﺜﻮرة ﻓﻲ ﻛﺮﯾﺖ .ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم ﻛﻨﺖ ﺑﺎﺋﻌﺎ ﺟﻮاﻻ ،و
ﻛﻨﺖ أﺑﯿﻊ اﻟﺨﻀﺮاوات ﻣﺘﻨﻘﻼ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺔ إﻟﻰ ﻗﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺪوﻧﯿﺎ و ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺎل ﻛﻨﺖ أﺳﺘﺒﺪل ﻣﺎ أﺑﯿﻌﻪ ﺑﺎﻟﺠﺒﻨﺔ و
اﻟﺼﻮف و اﻟﺰﺑﺪة و اﻷراﻧﺐ و اﻟﺬرة ،ﺛﻢ أﻋﻮد و أﺑﯿﻊ ﻫﺬه اﻷﺷﯿﺎء و أﻛﺴﺐ رﺑﺤﺎ ﻣﻀﺎﻋﻔﺎً ،ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻗﺮﯾﺔ أﺣﻠﻬﺎ ﻟﯿﻼ
،أﻋﻠﻢ أﯾﻦ أﻧﺎم ،ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻗﺮﯾﺔ ﻛﻨﺖ أﺟﺪ ﻗﻠﺐ أرﻣﻠﺔ رﺣﯿﻤﺔ ﻋﻄﻮف ،و ﻛﻨﺖ أﻗﺪم ﻟﻬﺎ ﻣﺸﻄﺎ أو ﻣﻜﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻄﺎن أو
وﺷﺎﺣﺎً ،أﺳﻮد اﻟﻠﻮن ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺮﺣﻮم ! و أﻧﺎم ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ! و ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﯾﻜﻠﻔﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮاً ..ﻛﻼ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻜﻠﻔﻨﻲ
ﻛﺜﯿﺮا ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،و ﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻟﻘﺪ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺸﯿﻄﺎن و ﻫﺒﺖ ﻛﺮﯾﺖ ﻟﺘﺤﻤﻞ اﻟﺴﻼح ،و ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﺘﺬﻫﺐ
ﺑﻤﺼﯿﺮﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﺤﯿﻢ ! أﻻ ﺗﻘﺪر ﻫﺬه اﻟﻜﺮﯾﺖ اﻟﻠﻌﯿﻨﺔ أن ﺗﺘﺮﻛﻨﺎ ﺑﺴﻼم ؟ ﺛﻢ وﺿﻌﺖ ﺟﺎﻧﺒﺎ أﻣﺸﺎﻃﻲ و ﺣﻤﻠﺖ ﺑﻨﺪﻗﯿﺘﻲ و
ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم ﻟﻠﺜﻮار ﻓﻲ ﻛﺮﯾﺖ.
و ﺻﻤﺖ زورﺑﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺧﻠﯿﺞ ﻣﺴﺘﺪﯾﺮ رﻣﻠﻲ ،و ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻣﻮاج ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺑﻬﺪوء دون أن ﺗﺘﻜﺴﺮ ،ﺗﺎرﻛﺔ
ﺧﯿﻄﺎ رﻓﯿﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﺑﺪ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﺸﺎﻃﺊ ،و اﻧﻘﺸﻌﺖ اﻟﻐﯿﻮم و ﺗﺄﻟﻘﺖ اﻟﺸﻤﺲ و ﻻﺣﺖ أﻃﺮاف اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺑﻮﺿﻮح ،و
اﻟﺘﻔﺖ زورﺑﺎ ﻧﺤﻮي و ﺣﺪﺟﻨﻲ ﺑﻨﻈﺮة ﺳﺎﺧﺮة:
-و اﻵن ،أﻋﺘﻘﺪ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ أﻧﻚ ﺗﺘﺼﻮر ﺑﺄﻧﻲ ﺳﺄﺧﺒﺮك ﻛﻢ رأﺳﺎ ﺗﺮﻛﯿﺎ ﻗﻄﻌﺖ و ﻛﻢ أذﻧﺎ ﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﺤﻮل ،
ﻓﻬﺬه ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ﻓﻲ ﻛﺮﯾﺖ ،ﺣﺴﻨﺎ ..و ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻦ أﻓﻌﻞ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺣﺐ أن أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻷﻧﻲ أﺧﺠﻞ ﻣﻨﻪ ،ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﻮن ؟ و
اﻟﯿﻮم ﺑﻌﺪ أن أﺻﺒﺢ ﻋﻘﻠﻲ راﺟﺤﺎ ﺻﺮت أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﺎﺋﻼ :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﻮن اﻟﺬي ﺗﻤﻠﻜﻨﺎ ﻟﻜﻲ ﻧﻠﻘﻲ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ ﻋﻠﻰ رﺟﻞ
آﺧﺮ ﻟﻢ ﯾﺆذﻧﺎ ﺑﺸﻲء ﺛﻢ ﻧﻌﻀﻪ و ﻧﻘﻄﻊ أﻧﻔﻘﻪ و ﻧﻤﺰق أذﻧﯿﻪ ،و ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ اﻟﻌﻈﯿﻢ أن ﯾﺴﺎﻋﺪﻧﺎ !
ﻓﻬﻞ ﻫﺬا ﯾﻌﻨﻲ أﻧﻨﺎ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ أن ﯾﺬﻫﺐ ﻣﻌﻨﺎ ﻟﯿﻘﻄﻊ آذان اﻟﺒﺸﺮ و أﻧﻮﻓﻬﻢ ؟ و ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻛﺎن دﻣﻲ ﻻ
ﯾﺰال ﺣﺎرا ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ ،و ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ اﻟﻮﻗﻮف و اﻟﺘﺴﺎؤل و اﻟﺘﻔﺤﺺ ،إذ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮء ﻟﻜﻲ ﯾﻔﻜﺮ ﺑﺪﻗﺔ و
ﻋﺪل أن ﯾﻜﻮن ﻫﺎدﺋﺎ ﻣﺴﻨﺎً دون أﺳﻨﺎن ! ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﻤﺮء ﻋﺠﻮزا ﻻ أﺳﻨﺎن ﻟﻪ ،ﻓﺒﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ اﻟﻘﻮل ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ "
ﻟﻌﻨﻜﻢ اﷲ أﯾﻬﺎ اﻷوﻻد ،ﻓﻤﻦ اﻟﻌﯿﺐ أن ﺗﻌﻀﻮا " و ﻟﻜﻦ ﺣﯿﻦ ﺗﻜﻮن ﻟﻪ أﺳﻨﺎﻧﻲ اﻻﺛﻨﯿﻦ و اﻟﺜﻼﺛﯿﻦ ..ﯾﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن
ﻣﺘﻮﺣﺸﺎ ﻛﺎﻟﺤﯿﻮان ..ﻧﻌﻢ ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﻛﺎﻟﺤﯿﻮان اﻟﻤﻔﺘﺮس آﻛﻞ ﻟﺤﻮم اﻟﺒﺸﺮ.
و ﻫﺰ رأﺳﻪ ﺛﻢ ﻗﺎل:
-و ﻫﻮ ﯾﺄﻛﻞ اﻟﺨﺮاف أﯾﻀﺎً ،و اﻟﺪﺟﺎج و اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ ،و ﻟﻜﻨﻪ إذا ﻟﻢ ﯾﺄﻛﻞ ﻟﺤﻢ اﻟﺒﺸﺮ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻌﺪﺗﻪ ﺧﺎوﯾﺔ ،ﻛﻼ ..إن
ﻣﻌﺪﺗﻪ ﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ،و اﻵن ﻣﺎ ﻟﺪﯾﻚ ﻣﻦ أﻗﻮال ؟!
و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻟﺠﻮاب ،ﺑﻞ أﻛﻤﻞ ﻗﻮﻟﻪ و ﻫﻮ ﯾﺤﺪق ﺑﻲ:
-ﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻘﻮل ،ﻓﻜﻤﺎ أرى ،إن ﺳﯿﺎدﺗﻚ ﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع ﻣﻄﻠﻘﺎً ،و ﻟﻢ ﺗﻘﺘﻞ أﺑﺪا ،و ﻟﻢ ﺗﺴﺮق و ﻟﻢ ﺗﺰنِ ،
ﻣﺎذا ﺗﻌﺮف ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ؟ إن ﻋﻘﻠﻚ ﺑﺮيء ،و ﺟﻠﺪك ﻟﻢ ﯾﺮ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ.
ﻗﺎل ﺟﻤﻠﺘﻪ اﻷﺧﯿﺮة ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻘﺎر ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﯾﺪي اﻟﻨﺎﻋﻤﺘﯿﻦ و وﺟﻬﻲ اﻟﺸﺎﺣﺐ و ﺣﯿﺎﺗﻲ
اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ ﻟﻄﺨﺎت اﻟﺪم و اﻟﻮﺣﻞ ،ﺛﻢ ﻗﺎل و ﻫﻮ ﯾﻤﺴﺢ ﺑﯿﺪه اﻟﺨﺸﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎوﻟﺔ:
-ﺣﺴﻨﺎ ،ﺣﺴﻨﺎ ،ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺎ أود أن أﺳﺄﻟﻚ إﯾﺎه ﻓﻼ ﺑﺪ أﻧﻚ ﻗﺮأت ﻣﺌﺎت اﻟﻜﺘﺐ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺗﻌﺮف اﻟﺠﻮاب.
-ﻫﯿﺎ ،ﻗﻞ ﻟﻲ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،ﻣﺎ ﻫﻮ ؟
-إن ﻫﻨﺎ ﺛﻤﺔ ﻣﻌﺠﺰة ﺗﺤﺪث ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﻣﻌﺠﺰة ﻣﻀﺤﻜﺔ ﺗﺤﯿﺮﻧﻲ ،إن ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ،ﻫﺬه اﻟﺨﺪع اﻟﻘﺬرة و
اﻟﺴﺮﻗﺎت و اﻟﻤﺬاﺑﺢ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻮم ﺑﻬﺎ – ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻮار – ﻛﻞ ﻫﺬه ﺟﺎءت ﺑﺎﻷﻣﯿﺮ ﺟﻮرج إﻟﻰ ﻛﺮﯾﺖ ،اﻟﺤﺮﯾﺔ!
ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﻣﻠﺆﻫﻤﺎ اﻟﺪﻫﺸﺔ:
-إﻧﻬﺎ أﺣﺠﯿﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﻓﺈذا أردﻧﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺬر ﯾﺠﺐ أن ﻧﻘﻮم ﺑﻬﺬه اﻟﺠﺮاﺋﻢ ،و ﻫﺬه
اﻟﺨﺪع اﻟﻘﺬرة ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ؟ أﻗﻮل ،إذا أﺧﺒﺮﺗﻚ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺠﺮاﺋﻢ اﻟﻤﺮﯾﻌﺔ
ﻟﻮﻗﻒ ﺷﻌﺮ رأﺳﻚ ! و ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻛﻞ ذﻟﻚ ؟ اﻟﺤﺮﯾﺔ ! ﻓﺒﺪﻻ أن ﯾﺰﯾﻠﻨﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺼﺎﻋﻘﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه ﯾﻤﻨﺤﻨﺎ
اﻟﺤﺮﯾﺔ ! إﻧﻲ ﻻ أﻓﻬﻢ ﺣﻘﺎً..
و ﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﻌﻮن ﻣﻨﻲ ،و ﻗﺪ ﻻﺣﻈﺖ أن ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻗﺪ ﺷﻐﻠﺘﻪ و آﻟﻤﺘﻪ و ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻛﺸﻒ ﺳﺮﻫﺎ ،
ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﺑﻘﻠﻖ:
-ﻫﻞ ﻓﻬﻤﺖ ؟!
ﻣﺎذا أﻓﻬﻢ ! و ﻣﺎذا أﻗﻮل ﻟﻪ ؟ ﻓﺈﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻧﺪﻋﻮه إﻟﻬﺎ ﻏﯿﺮ ﻣﻮﺟﻮد ،أو أن ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺘﻲ ﻧﺪﻋﻮﻫﺎ ﺟﺮاﺋﻢ و
اﻏﺘﯿﺎﻻت ﺿﺮورﯾﺔ ﻟﻠﻜﻔﺎح ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،و ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺟﺪ ﻟﻪ ﻃﺮﯾﻘﺔ أﺳﻬﻞ ﻷﺷﺮح ﻟﻪ اﻷﻣﺮ.
-ﻛﯿﻒ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺰﻫﺮة أن ﺗﻨﻤﻮ و ﺗﻌﯿﺶ وﺳﻂ اﻟﺴﻤﺎد و اﻟﻘﺬارة ؟ اﻓﺘﺮض ﯾﺎ زورﺑﺎ ﻟﻨﻔﺴﻚ أن ﻫﺬه اﻷﻗﺬار ﻫﻲ
اﻹﻧﺴﺎن و أن اﻟﺰﻫﺮة ﻫﻲ اﻟﺤﺮﯾﺔ.
-و ﻟﻜﻦ اﻟﺒﺬرة ؟
ﺻﺎح زورﺑﺎ و ﻫﻮ ﯾﻀﺮب اﻟﻄﺎوﻟﺔ ﺑﻘﺒﻀﺔ ﯾﺪه و ﯾﻘﻮل:
-ﻟﻜﻲ ﺗﻨﺒﺖ اﻟﺰﻫﺮة ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺑﺬرة ،ﻣﻦ ﻫﻮ اﻟﺬي وﺿﻊ ﺑﺬرة ﻛﻬﺬه ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻨﺎ ؟ و ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﻨﺒﺖ اﻟﺒﺬرة ﻫﺬه
زﻫﻮر ﻟﻄﯿﻔﺔ ﺷﺮﯾﻔﺔ ؟ ﻟﻤﺎذا ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺪم و اﻷوﺳﺎخ ؟
ﻓﻬﺰزت رأﺳﻲ ﻗﺎﺋﻼ :
-ﻻ أﻋﻠﻢ
-و ﻣﻦ ﯾﻌﻠﻢ ؟
-ﻻ أﺣﺪ.
و ﺻﺎح زورﺑﺎ ﻓﻲ ﯾﺄس:
-إذا ﻣﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻲ أن أﻓﻌﻞ ﺑﺎﻟﻘﻮارب و اﻟﻤﺤﺮﻛﺎت و رﺑﻄﺎت اﻟﻌﻨﻖ ؟!
و ﺗﻤﻠﻤﻞ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﺘﺴﻮن اﻟﻘﻬﻮة ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة ﻣﺠﺎورة و رﻫﻔﻮا آذاﻧﻬﻢ ﻟﺴﻤﺎع ﻣﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ ،و
اﺷﻤﺄز ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻣﻨﻬﻢ و ﻗﺎل ﻟﻲ ﺑﺼﻮتٍ ﺧﻔﯿﺾ:
-ﻟﻨﻐﯿﺮ اﻟﻤﻮﺿﻮع ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻄﯿﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﯿﻪ ﯾﺪي ﻣﻦ ﻛﺮاﺳﻲ أو ﻗﻨﺎدﯾﻞ أو ﺣﺘﻰ
ﺿﺮب رأﺳﻲ ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ ،و ﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا ؟ ﻓﺴﺄﺿﻄﺮ إﻟﻰ دﻓﻊ ﺛﻤﻦ ﻣﺎ ﺣﻄﻤﺘﻪ ،ﺛﻢ أﺿﻄﺮ ﻟﻠﺬﻫﺎب إﻟﻰ
اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻟﯿﺮﺑﻂ ﻟﻲ رأﺳﻲ ،ﻓﻬﺬا أﺳﻮأ ﺑﻜﺜﯿﺮ ،ﻓﺴﯿﻨﻈﺮ إﻟﻲ ﻣﻦ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺴﻤﺎء و ﯾﻨﻔﺠﺮ ﺑﺎﻟﻀﺤﻚ.
و ﺣﺮك ﯾﺪه ﻓﺠﺄة ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ذﺑﺎﺑﺔ ﻣﺰﻋﺠﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎل:
-ﻻ ﺑﺄس ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ أردت أن أﻗﻮﻟﻪ ﻟﻚ ﻫﻮ :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءت اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ اﻟﻤﻠﻜﯿﺔ و ﻫﻲ ﻣﺰداﻧﺔ ﺑﺎﻷﻋﻼم و اﺑﺘﺪأ إﻃﻼق
اﻟﻤﺪاﻓﻊ ،و ﺣﯿﻦ وﺿﻊ اﻷﻣﯿﺮ رﺟﻠﻪ ﻋﻠﻰ أرض ﻛﺮﯾﺖ ..ﻫﻞ ﺳﺒﻖ ﻟﻚ أن رأﯾﺖ ﺷﻌﺒﺎ ﺑﺄﺳﺮه ﯾﺼﺒﺢ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎ ﻷﻧﻪ رأى
ﺣﺮﯾﺘﻪ ؟ ﻛﻼ ؟ آه ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،إذن ﻓﻘﺪ ﺧﻠﻘﺖ أﻋﻤﻰ ،و ﺳﺘﻤﻮت أﻋﻤﻰ ،ﻓﺈذا ﻗﺪر ﻟﻲ أن أﻋﯿﺶ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ
أن ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﻟﺤﻢ ﺣﯿﺔ ،ﻓﻠﻦ أﻧﺴﻰ ﻣﺎ رأﯾﺘﻪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ! و إذا ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻗﺪر ﻟﻪ أن ﯾﺨﺘﺎر
ﺟﻨﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺣﺴﺐ ذوﻗﻪ – و ﻫﺬا ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﻧﻜﻮﻧﻪ ،ﻓﻬﺬا ﻣﺎ أدﻋﻮه ﺟﻨﺔ – ﺳﺄﻗﻮل ﻟﻺﻟﻪ اﻟﻌﻈﯿﻢ " ﯾﺎ إﻟﻬﻲ ،
ﻟﺘﻜﻦ ﺟﻨﺘﻲ ﺟﺰﯾﺮة ﻛﺮﯾﺖ اﻟﻤﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻷﻋﻼم و اﻟﺰﯾﻨﺎت ،و دع ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ وﻃﺄت ﺑﻬﺎ أﻗﺪام اﻷﻣﯿﺮ ﺟﻮرج أرض
ﻛﺮﯾﺖ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻗﺮوﻧﺎ ﻃﻮﯾﻠﺔ ! ﻓﻬﺬا ﯾﻜﻔﻲ "
و ﻋﺎد زورﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﺼﻤﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى ،و رﻓﻊ ﺷﺎرﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻣﻸ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد و ﺷﺮﺑﻬﺎ دﻓﻌﺔ واﺣﺪة:
-ﻣﺎذا ﺟﺮى ﻓﻲ ﻛﺮﯾﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،أﺧﺒﺮﻧﻲ!
و ﻗﺎل ﻟﻲ ﻣﻨﺰﻋﺠﺎً:
-ﻫﻞ ﺳﻨﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎرات اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ؟ أﻧﻈﺮ ،أﻗﻮل و أﻛﺮر ﻟﻚ أن ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻏﺎﻣﺾ ﺟﺪا و اﻹﻧﺴﺎن ﻟﯿﺲ إﻻ وﺣﺶ
ﻛﺎﺳﺮ.
وﺣﺶٌ ﻋﻈﯿﻢٌ و إﻟﻪ ،ﺣﺎرس أﺳﻮد ﺛﺎﺋﺮ ،ﺟﺎء ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﻣﻘﺪوﻧﯿﺎ ،اﺳﻤﻪ ﯾﻮرﻏﺎ و ﻛﺎن ﯾﺪﻋﻮﻧﻪ " اﻟﻤﺠﺮم " ﺧﻨﺰﯾﺮ
ﺷﺮس ،و ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻢ ..ﻟﻘﺪ ﺑﻜﻰ ،و ﻗﻠﺖ ﻟﻪ و ﻋﯿﻮﻧﻲ ﺗﺘﺮﻗﺮق ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ " ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﻲ أﯾﻬﺎ اﻟﻜﻠﺐ ؟ ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﻲ أﯾﻬﺎ
اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ ؟ " و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﺠﺐ ،ﻟﻢ ﯾﻜﺐ ،ﺑﻞ أﻟﻘﻰ ﺑﯿﺪﯾﻪ ﺣﻮل ﻋﻨﻘﻲ و راح ﯾﺒﻜﻲ ﻛﺎﻷﻃﻔﺎل ،ﺛﻢ ﺗﻨﺎول ﻣﺤﻔﻈﺘﻪ و
وﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮه ﺑﻌﺪ أن أﻓﺮغ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺬﻫﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻬﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك ﺛﻢ ﻣﻸ ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﻄﻊ و أﻟﻘﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ
اﻟﻬﻮاء ،أرأﯾﺖ ..أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺤﺮﯾﺔ !
و ﻧﻬﻀﺖ إﻟﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻷﺳﺘﻨﺸﻖ ﻫﻮاء اﻟﺒﺤﺮ " ..ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺤﺮﯾﺔ " ﻓﻜﺮت ﺑﻨﻔﺴﻲ ،ﺗﻬﻮى ﺛﻢ ﺗﺠﻤﻊ ﻗﻄﻌﺎ ﻣﻦ
اﻟﺬﻫﺐ ،و ﻓﺠﺄة ﺗﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﻓﺘﺘﻤﺴﻚ ﺑﻜﻨﺰك و ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻪ أدراج اﻟﺮﯾﺎح ﻟﺘﺤﺮر ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ و
ﺗﺄﺧﺬ ﺑﻌﺎﻃﻔﺔ أﺳﻤﻰ ،أﻟﯿﺴﺖ ﻫﺬه ﻫﻲ ﻧﻮﻋﺎ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ؟ ﻟﺘﻀﺤﻲ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻓﻜﺮة ﻣﻌﯿﻨﺔ ،ﻣﻦ أﺟﻞ ﻋﺮق
ﻣﺎ ،ﷲ ؟ أم أن ﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻊ اﻟﺮﻣﺰ ﻃﺎل ﺣﺒﻞ اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ؟ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﯾﻤﻜﻨﻨﺎ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع و اﻟﻠﻬﻮ ﻓﻲ أرﺟﺎء أوﺳﻊ و ﻧﻤﻮت دون
أن ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﺤﺒﻞ ،ﻫﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻧﺪﻋﻮه اﻟﺤﺮﯾﺔ ؟!
و ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻐﯿﺐ ﺷﺎرﻓﻨﺎ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﺮﻣﻠﻲ و رأﯾﻨﺎ أﺧﯿﺮا اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﺼﺎﻓﯿﺔ و أﺷﺠﺎر اﻟﺨﺮﻧﻮب و اﻟﺘﯿﻦ ،و اﻟﺘﻞ
اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻷﺟﺮد اﻟﺬي ﯾﺸﺒﻪ وﺟﻪ اﻣﺮأة ﺗﺴﺘﺮﯾﺢ ،و ﺗﺤﺖ ذﻗﻨﻬﺎ و ﺣﻮل رﻗﺒﺘﻬﺎ ﺗﻤﺮ ﻋﺮوق اﻟﻔﺤﻢ اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ .
ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﻤﺎت اﻟﺮﯾﺢ اﻟﺨﺮﯾﻔﯿﺔ ﺗﻬﺐ ،و اﻟﻐﯿﻮم اﻟﻤﺘﻘﻄﻌﺔ ﺗﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﺘﻐﻠﻖ اﻷرض ﺑﺎﻟﻈﻼل ،و ﻏﯿﻮم أﺧﺮى ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻨﻈﺮ و ﺗﻬﺪد اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﺠﺒﺖ وراءﻫﺎ ،و وﺟﻪ اﻷرض ﯾﻀﻲء و ﯾﻈﻠﻢ ﻛﻮﺟﻪ ﺣﻲ ﻣﻨﺰﻋﺞ.
و ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﻞ و ﻧﻈﺮت ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺣﺪة ﻣﺠﺴﻤﺔ أﻣﺎﻣﻲ ،وﺣﺪة ﻣﻤﯿﺘﺔ و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺪﻫﺸﺔ ،ﻛﺎﻟﺼﺤﺮاء ،و
ﺑﺮزت أﻏﻨﯿﺔ اﻟﺒﻮذﯾﯿﻦ ﻣﻦ اﻷرض و ﺗﻠﻤﺴﺖ ﻃﺮﯾﻘﻬﺎ إﻟﻰ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻲ " ﻣﺘﻰ ﺳﺄﻧﺰوي ﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪة أﺧﯿﺮا ،ﻟﻮﺣﺪي ،
دون رﻓﺎق ،و ﺑﺪون ﻓﺮح أو ﺑﺪون ﺣﺰن ،و ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﻣﻘﺪس أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻟﯿﺲ إﻻ ﺣﻠﻤﺎ ؟ ﻣﺘﻰ ،و ﻓﻲ أﺳﻤﺎﻟﻲ اﻟﺒﺎﻟﯿﺔ
– دون رﻏﺒﺎت – ﺳﺄﻧﺰوي ﻣﻜﺘﻔﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل ؟ و ﻣﺘﻰ ،و أﻧﺎ ﻣﺘﺒﯿﻦ أن ﺟﺴﺪي ﻟﯿﺲ إﻻ ﻣﺮﺿﺎ و ﺟﺮﯾﻤﺔ ،و ﺣﯿﺎة و
ﻣﻮت ،ﺣﺮا دون ﺧﻮف و ﺑﺴﻌﺎدة ،ﺳﺄﻋﺘﺰل إﻟﻰ اﻟﻐﺎﺑﺎت ؟ ﻣﺘﻰ ؟ ﻣﺘﻰ ؟ آآه ..ﻣﺘﻰ ؟"
و ﺗﻘﺪم زورﺑﺎ ﻧﺤﻮي و ﻫﻮ ﯾﺤﻤﻞ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﺗﺤﺖ ذراﻋﯿﻪ ،ﺑﺨﻄﻰ ﻗﻠﻘﺔ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺤﺎوﻻ إﺧﻔﺎء ﻗﻠﻘﻲ:
-ﻫﻨﺎك ﻣﻨﺎﺟﻢ ﻟﻠﻔﺤﻢ!
و دون أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ أﺷﺮت أﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﻬﺰة ﻣﻦ رأﺳﻪ..
-ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﻬﺬا ﻟﯿﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺬﻟﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﯾﺠﺐ أن ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺣﯿﻦ ﺗﻘﻒ اﻷرض ،إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻤﻮج و ﻟﯿﺄﺧﺬﻫﺎ
اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ﻛﻈﻬﺮ اﻟﻤﺮﻛﺐ ،ﺗﻌﺎل ..ﻟﻨﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
و ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺗﻘﺪم ﺑﺨﻄﻰ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﺤﺎوﻻ إﻧﻘﺎذ وﺟﻬﻪ ،و ﺗﺮاﻛﺾ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﺒﯿﺔ اﻷﺷﻘﯿﺎء ﻟﯿﺤﻤﻼ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ ،و
ﻓﻲ اﻟﻜﻮخ ،ﺣﯿﺚ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺠﻤﺮك ،ﺟﻠﺲ أﺣﺪ اﻟﻤﻮﻇﻔﯿﻦ ﯾﺪﺧﻦ ) اﻟﺤُﻘﺔ ( و ﺣﺪﺟﻨﺎ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻪ ﺑﻨﻈﺮات ﺛﺎﻗﺒﺔ ،ﺛﻢ أﻟﻘﻰ
ﻧﻈﺮة ﺳﺮﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ و ﺗﺤﺮك ﻗﻠﯿﻼ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ اﻟﻮﻗﻮف ﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ أن ذﻟﻚ ﺳﯿﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻘﺔ ،و
اﻛﺘﻔﻰ ﺑﺄن أﺷﺎر إﻟﯿﻨﺎ ﻗﺎﺋﻼً " أﻫﻼ ﺑﻜﻢ " ،و ﺗﻘﺪم أﺣﺪ اﻟﺼﺒﯿﺔ و ﻗﺎل ﻟﻲ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﺳﺎﺧﺮة:
-إﻧﻪ ﻟﯿﺲ ﻛﺮﯾﺘﯿﺎ ،إﻧﻪ ﺷﯿﻄﺎن ﺑﻠﯿﺪ.
-أﻟﯿﺲ اﻟﻜﺮﯾﺘﯿﯿﻦ ﺷﯿﺎﻃﯿﻦ ﺑﻠﺪاء ؟
ﻓﻘﺎل اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮ:
-إﻧﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻧﻌﻢ ،إﻧﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ..و ﻟﻜﻦ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.
-ﻫﻞ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺑﻌﯿﺪة ؟
-ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻃﻠﻘﺔ ﺑﻨﺪﻗﯿﺔ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ،أﻧﻈﺮ ،وراء اﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻮادي ،إﻧﻬﺎ ﻗﺮﯾﺔ ﺟﻤﯿﻠﺔ ،ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﺗﺤﻮي اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ
ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺷﺠﺮ ﺧﺮﻧﻮب ،ﻟﻮﺑﯿﺎء ،زﯾﺖ ،ﻧﺒﯿﺬ ،و ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل ﻧﺒﺖ اﻟﺨﯿﺎر ﻣﺒﻜﺮا ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺒﻄﯿﺦ ،إن ﻫﻮاء
أﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﻫﻮ اﻟﺬي ﯾﻨﻀﺠﻬﺎ ﺑﺎﻛﺮاً ،ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻧﻤﺖ ﺑﺄﺣﺪ اﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺴﻤﻊ ﺻﻮت ﻃﻘﻄﻘﺘﻬﺎ و ﻫﻲ ﺗﻨﻀﺞ و ﺗﻜﺒﺮ.
ﻛﺎن زورﺑﺎ ﯾﺘﻘﺪﻣﻨﺎ و رأﺳﻪ ﻣﺎ ﯾﺰال ﻣﺘﺮﻧﺤﺎ ،ﻓﺼﺤﺖ ﺑﻪ ﻗﺎﺋﻼً:
-ارﻓﻊ رأﺳﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،ﻟﻘﺪ اﺟﺘﺰﻧﺎ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻵن ،و ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ داعٍ ﻟﻠﺨﻮف.
و ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻣﺴﺮﻋﯿﻦ ،و ﻛﺎﻧﺖ اﻷرض ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﺮﻣﺎل و اﻟﺼﺪف ،و ﻫﻨﺎ و ﻫﻨﺎك ﻧﺠﺪ ﺑﻌﺾ أﺷﺠﺎر اﻟﺘﯿﻦ ،ﻛﺎن اﻟﺠﻮ
ﺛﻘﯿﻼ ،و اﻟﻐﯿﻮم ﺗﺘﺠﻤﻊ و ﺗﻘﺘﺮب و اﻟﺮﯾﺢ ﺗﻬﺪأ ،و اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﺠﺮة ﺗﯿﻦ ﺿﺨﻤﺔ ،ﻓﺘﻮﻗﻒ أﺣﺪ اﻟﻮﻟﺪﯾﻦ و أﺷﺎر إﻟﻰ
اﻟﺸﺠﺮة و ﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
-ﻫﺬه ﺷﺠﺮة اﻟﺘﯿﻦ ﺧﺎﺻﺔ ﺳﯿﺪﺗﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة.
و ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﻜﻠﻤﺘﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻜﻞ ﺷﺠﺮة أو ﺻﺨﺮة ﻓﻲ أرض ﻛﺮﯾﺖ ﻗﺼﺔ ﻣﺤﺰﻧﺔ:
-و ﻟﻤﺎذا ﺗﺪﻋﻰ ﻛﺬﻟﻚ ؟
-ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،أﯾﺎم أﺟﺪادﻧﺎ ،وﻗﻌﺖ إﺣﺪى اﻟﺒﻨﺎت ﻣﻦ اﻷﻋﯿﺎن ﻓﻲ ﻏﺮام أﺣﺪ اﻟﺮﻋﺎة اﻟﺸﺒﺎب ،ﻟﻜﻦ واﻟﺪﻫﺎ ﻟﻢ
ﯾﻜﻦ ﻣﻮاﻓﻘﺎ ،و راﺣﺖ اﻻﺑﻨﺔ ﺗﺒﻜﻲ و ﺗﺼﺮخ و ﺗﺮﺟﻮ واﻟﺪﻫﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻠﯿﻦ ،و ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﯾﺎم اﺧﺘﻔﻰ اﻟﺸﺎﺑﺎن و ﻇﻠﻮا
ﯾﺒﺤﺜﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﯾﻮﻣﺎ ،و ﯾﻮﻣﯿﻦ ،و ﺛﻼﺛﺔ ،و أﺳﺒﻮﻋﺎ ،و ﻟﻜﻦ دون ﺟﺪوى ،و أﺧﯿﺮا ﻓﺎﺣﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﻔﻮﻧﺔ ﻓﺘﺘﺒﻌﻮﻫﺎ
ﻓﻮﺟﺪوا اﻟﻌﺎﺷﻘﯿﻦ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة اﻟﺘﯿﻦ ،ﻣﺘﻌﺎﻧﻘﯿﻦ ﻣﺘﻌﻔﻨﯿﻦ ،ﻫﻞ ﺗﻔﻬﻢ ؟ ﻟﻘﺪ ﻋﺜﺮوا ﻋﻠﯿﻬﻤﺎ ﺑﺴﺒﺐ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﻔﻮﻧﺔ.
و اﻧﻔﺠﺮ اﻟﺼﺒﻲ ﺑﻀﺤﻜﺔ ﻣﺠﻠﺠﻠﺔ ،و ﺗﻨﺎﻫﺖ إﻟﻰ أﺳﻤﺎﻋﻨﺎ ﺿﻮﺿﺎء اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻟﺒﻌﯿﺪة ،و ﺳﻤﻌﻨﺎ أﺻﻮات ﻧﺒﺎح اﻟﻜﻼب و
ﺻﯿﺎح اﻟﻨﺴﻮة و اﻟﺪﯾﻮك ،و ﺷﻤﻤﻨﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﻨﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﺪور اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﻌﺮق ﯾﻘﻄﺮ ﻣﻨﻬﺎ..
-ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
و ﻣﺎ إن اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻠﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺣﺘﻰ ﻻﺣﺖ ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة و ﺑﻨﺎت ﻟﻨﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﺴﻠﻖ ﺳﻔﺢ اﻟﻮادي ،ﻛﺎﻧﺖ
اﻟﺒﯿﻮت اﻟﺼﻐﯿﺮة ﻣﺘﺠﻤﻠﺔ ،ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ ،ﻧﻮاﻓﺬﻫﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺑﻘﻊ ﺳﻮدا ،ﻓﺎﻟﺒﯿﻮت ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺒﻨﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﺲ اﻷﺑﯿﺾ اﻟﻨﺎﺻﺢ و
اﻟﺤﺠﺎرة ،و ﻟﺤﻘﺖ ﺑﺰورﺑﺎ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ:
-ﻻ ﺗﻨﺲ ،ﯾﺎ زورﺑﺎ ،أن ﺗﺘﺼﺮف ﺑﻠﯿﺎﻗﺔ ﻓﻘﺪ دﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻵن ،و ﻟﻨﺘﺼﺮف ﻛﺮﺟﺎل اﻷﻋﻤﺎل ،ﻓﺄﻧﺎ اﻟﻤﺪﯾﺮ و أﻧﺖ
ﻧﺎﻇﺮ اﻟﻌﻤﺎل ،إن اﻟﻜﺮﯾﺘﯿﯿﻦ ﻻ ﯾﺄﺧﺬون اﻷﻣﻮر ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻓﻤﺎ أن ﺗﻘﻊ أﻋﯿﻨﻬﻢ ﻋﻠﯿﻚ ﺣﺘﻰ ﯾﺒﺤﺜﻮا ﻋﻦ ﺷﻲء ﻇﺎﻫﺮ ﺑﻚ و
ﯾﻄﻠﻘﻮا ﻋﻠﯿﻚ ﻟﻘﺒﺎ ﻣﻌﯿﻨﺎ ،ﺣﯿﺚ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﻚ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺐ ،و ﺳﺘﺠﺮي ﻛﺎﻟﻜﻠﺐ اﻟﺬي ﻟﺤﻘﺖ ﺑﺬﯾﻠﻪ
ﻣﻘﻼة.
و أﻣﺴﻚ زورﺑﺎ ﺑﺸﺎرﺑﻪ و ﻏﺎب ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻣﻼت ،و أﺧﯿﺮا ﻗﺎل:
-اﺳﻤﻊ ،أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك أرﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻓﻼ ﻟﺰوم ﻟﻠﺨﻮف ،و إذا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ..
و ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ و ﻣﺎ إن دﺧﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻣﻨﺎ اﻣﺮأة ﻓﻘﯿﺮة ﺑﺄﺳﻤﺎل ﺑﺎﻟﯿﺔ و ﻣﺪت ﯾﺪﻫﺎ ﻧﺤﻮﻧﺎ ،و ﻻﺣﻈﺖ أن
ﻟﻬﺎ ﺷﺎرﺑﺎ أﺳﻮد ،و ﺻﺎﺣﺖ ﺑﺰورﺑﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻌﺮﻓﻪ:
-ﻣﺮﺣﻰ ﯾﺎ أخ ،ﻫﻞ ﻟﻚ روح أﯾﻬﺎ اﻷخ ؟
و ﺗﻮﻗﻒ زورﺑﺎ و أﺟﺎﺑﻬﺎ:
-ﻧﻌﻢ ﻟﺪي.
-إذاً أﻋﻄﻨﻲ ﺧﻤﺲ درﺧﻤﺎت.
و ﻧﻔﺤﻬﺎ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﻗﺎﺋﻼ " ﺧﺬي " ،اﻓﺘﺮت ﺷﻔﺘﺎﻫﺎ ﻋﻦ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺣﺮﯾﺮﯾﺔ ،و أﺿﺎف زورﺑﺎ ﻗﺎﺋﻼ:
-إن اﻟﺤﯿﺎة ﻫﻨﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻏﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻇﻦ ،أن اﻟﺮوح ﺗﺴﺎوي ﺧﻤﺴﺔ درﺧﻤﺎت.
و اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻧﺤﻮ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻓﺮأﯾﻨﺎ ﻣﻘﻬﻰ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺧﻠﻪ " ﻣﻘﻬﻰ اﻟﺤﺸﻤﺔ ،و دﻛﺎن اﻟﻠﺤﺎم" .
-و ﻟﻤﺎذا ﺗﻀﺤﻚ ؟!
ﺳﺄﻟﻨﻲ زورﺑﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ وﻗﺘﺎً ﻷﺟﯿﺒﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺪﻛﺎن ﻫﺬا ﺧﻤﺴﺔ أو ﺳﺘﺔ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ
ﯾﺮﺗﺪون ﺳﺮاوﯾﻞ زرق ﻟﻬﺎ أﺣﺰﻣﺔ ﺣﻤﺮاء و ﺻﺎﺣﻮا ﺑﻨﺎ:
-أﻫﻼ ﺑﺎﻷﺻﺪﻗﺎء ! ﺗﻔﻀﻠﻮا ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل و ﺧﺬوا ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮق ،إﻧﻪ ﻻ ﯾﺰال ﺣﺎرا ﻣﻦ اﻟﻘﺪور.
و ﻟﻌﻖ زورﺑﺎ ﻟﺴﺎﻧﻪ و ﻗﺎل:
-ﻣﺎ رأﯾﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟ ﻫﻞ ﻧﺸﺮب ﻛﺄﺳﺎ ؟
و ﺷﺮﺑﻨﺎ ﻛﺄﺳﺎ أﺣﺮق أﻣﻌﺎءﻧﺎ ،و ﻗﺪم إﻟﯿﻨﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻬﻰ /اﻟﻠﺤﺎم ،و ﻫﻮ رﺟﻞ ﻋﺠﻮز ﺟﻠﯿﻞ ،ﻛﺮﺳﯿﯿﻦ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ
ﻣﻜﺎن ﻧﺄوي إﻟﯿﻪ و ﺻﺎح أﺣﺪﻫﻢ:
-اذﻫﺒﺎ إﻟﻰ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ.
و ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺑﺪﻫﺸﺔ:
-ﻫﻞ ﻫﻲ ﻓﺮﻧﺴﺔ ؟
ﻟﻘﺪ ﺟﺎءت ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻻ ﯾﻌﻠﻢ إﻻ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻣﺎ ﻫﻮ ،ﻟﻘﺪ ﻃﺎﻓﺖ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷرﺟﺎء ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺮت ﻫﻨﺎ و أﺳﺴﺖ ﻓﻨﺪﻗﺎ ﺻﻐﯿﺮا.
و ﻗﺎل أﺣﺪ اﻷوﻻد:
-و ﻫﻲ ﺗﺒﯿﻊ اﻟﺤﻠﻮى أﯾﻀﺎً!
ﺛﻢ أﺿﺎف أﺣﺪﻫﻢ:
-و ﻫﻲ ﺗﺘﺰﯾﻦ و ﺗﺼﺒﻎ وﺟﻬﻬﺎ أﯾﻀﺎ ،و ﺗﻀﻊ ﺷﺮﯾﻄﺔ ﺣﻮل ﻋﻨﻘﻬﺎ ،و ﻟﺪﯾﻬﺎ ﺑﺒﻐﺎء.
و ﻫﺘﻒ زورﺑﺎ:
-و ﻫﻞ ﻫﻲ أرﻣﻠﺔ ؟
و ﻗﺎل ﻟﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻬﻰ:
-ﻛﻢ ﻫﻮ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎرى ﻫﻨﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﺼﺪﯾﻖ ؟ إﻧﻬﺎ أرﻣﻠﺔ ﻟﻌﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻷزواج ،ﻫﻞ ﻓﻬﻤﺖ ﻣﺎ أﻗﺼﺪ ؟
-ﻧﻌﻢ ﻓﻬﻤﺖ.
أﺟﺎب زورﺑﺎ و ﻫﻮ ﯾﻠﻌﻖ ﺷﻔﺘﯿﻪ.
-و ﯾﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻚ أرﻣﻼ
-اﻧﺘﺒﻪ أﯾﻬﺎ اﻟﺼﺪﯾﻖ!
ﺻﺎح أﺣﺪ اﻟﺮﺟﺎل و ﺿﺤﻚ اﻵﺧﺮون ،و ﺗﻘﺪم ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻬﻰ ﺣﺎﻣﻼ ﺻﯿﻨﯿﺔ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﺨﺒﺰ و اﻟﺠﺒﻦ و ﻫﺘﻒ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻫﯿﺎ ،دﻋﻮﻫﻤﺎ و ﺷﺄﻧﻬﻤﺎ ،و ﺳﻮف أﺳﺘﻀﯿﻔﻬﻤﺎ ﻋﻨﺪي.
-ﻛﻼ ،أﻧﺎ ﺳﺄﺳﺘﻀﯿﻔﻬﻤﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪي أﻃﻔﺎل و ﺑﯿﺘﻲ ﻛﺒﯿﺮ.
و أﺟﺎب ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻬﻰ و ﻫﻮ ﯾﻨﺤﻨﻲ ﻓﻮق اﻟﺮﺟﻞ و ﯾﻘﻮل:
-أرﺟﻮ اﻟﻤﻌﺬرة ،أﯾﻬﺎ اﻟﻌﻢ اﻧﺎﻧﯿﻮﺳﺘﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ ﺳﺒﻘﺘﻚ ﺑﺎﻟﻜﻼم.
-إذن ﺧﺬ اﻵﺧﺮ ،و ﺳﺂﺧﺬ أﻧﺎ اﻟﻌﺠﻮز.
و ﺻﺎح زورﺑﺎ ﻏﺎﺿﺒﺎً :
-أي ﻋﺠﻮز ؟!!
و ﻗﻠﺖ ﻟﻪ و أﻧﺎ أﻫﺪئ ﻣﻦ روﻋﻪ
-ﻟﻦ ﻧﻔﺘﺮق ،و ﺳﻨﺬﻫﺐ ﻟﻌﻨﺪ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻣﺮأة ﺑﺪﯾﻨﺔ ﻗﺼﯿﺮة اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺑﺎﻫﺖ اﻟﻠﻮن ،ﺗﺘﻠﻮى ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺘﻬﺎ ،ﻣﺎدة ذراﻋﯿﻬﺎ ،و ﻋﻠﻰ ذﻗﻨﻬﺎ ﺧﺎل ﺗﺘﺪﻟﻰ
ﻣﻨﻪ ﺷﻌﯿﺮات ﻃﻮﯾﻠﺔ ،و ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻂ ﺣﻮل ﻋﻨﻘﻬﺎ ﺷﺮﯾﻄﺔ ﺣﻤﺮاء ،و ﺧﺪودﻫﺎ اﻟﻤﺠﻌﺪة ﻣﺼﺒﻮﻏﺔ ﺑﻠﻮن ﺑﻨﻔﺴﺠﻲ ،و
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻨﺎ ﻣﺮﺣﺒﺔ:
-أﻫﻼ ،أﻫﻼ و ﺳﻬﻼ.
و أﺟﺒﺘﻬﺎ ﺑﺒﺸﺎﺷﺔ و أﻧﺎ أﻗﺒﻞ ﯾﺪﻫﺎ:
-ﻛﻢ أﻧﺎ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻚ ﯾﺎ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ،إﻧﺎ ﻧﺮﯾﺪ ﺳﺮﯾﺮﯾﻦ ﯾﺎ ﺳﯿﺪﺗﻲ ..دون ﻗﻤﻞ.
-أوه ،ﺑﺪون ﻗﻤﻞ ؟ ﻻ أﻋﺘﻘﺪ ذﻟﻚ ،ﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق.
و ﺗﻘﺪﻣﺘﻨﺎ و ﻫﻲ ﺗﺮﻓﺲ اﻟﺤﺠﺎرة ﺑﻘﺪﻣﻬﺎ اﻟﻘﺼﯿﺮة اﻟﻤﻜﺘﻨﺰة ،و ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺲ ﺟﻮارﺑﺎ زرﻗﺎء و ﺿﺨﻤﺔ و ﺗﻨﺘﻌﻞ ﺣﺬاءﯾﻦ
ﻣﺸﻘﻮﻗﯿﻦ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻋﻘﺪة ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺮ و ﻟﺤﻖ ﺑﻬﺎ زورﺑﺎ و ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺗﻜﺎد ﺗﺄﻛﻼﻧﻬﺎ!
-أﻧﻈﺮ ،أﻧﻈﺮ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ،ﻛﯿﻒ ﺗﺘﻠﻮى ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺘﻬﺎ ﻛﺎﻟﻨﻌﺠﺔ ذات اﻹﻟﯿﺔ اﻟﻤﺸﺤﻤﺔ.
و ﻋﺾ زورﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎرﺑﻪ ﺑﻌﺼﺒﯿﺔ و ﻋﯿﻨﺎه ﻣﺴﻤﺮﺗﺎن ﻋﻠﻰ أرداف اﻟﺴﯿﺪة و ﻗﺎل:
-ﻫﻤﻢ ،إن ﻫﺬه اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻸى ﺑﺎﻟﻌﻬﺮ..
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻛﺎن ﻓﻨﺪق ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺻﻒ ﻣﻦ أﻛﻮاخ اﻟﺤﻤﺎم اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺟﻤﻌﺖ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ .أﻣﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﻜﺎﻧﺖ
دﻛﺎﻧﺎ ﻟﺒﯿﻊ اﻟﺤﻠﻮﯾﺎت ,و اﻟﺴﻜﺎﯾﺮ ,واﻟﻔﺴﺘﻖ ﻋﺒﯿﺪ ,واﻟﺸﻤﻮع ,واﻟﻌﻠﻜﺔ ,وأرﺑﻊ ﻏﺮف – أو أﻛﻮاخ – ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ ﺗﺄﻟﻔﺖ
ﻣﻨﻬﺎ ﻏﺮف اﻟﻨﻮم .وﻓﻲ اﻟﺨﻠﻒ ﻛﺎن اﻟﻤﻄﺒﺦ ,وﻏﺮف اﻟﻐﺴﯿﻞ ,و ﻗﻦ اﻟﺪﺟﺎج واﻷراﻧﺐ .وﻛﺎن ﻋﯿﺪان اﻟﻘﺼﺐ اﻟﻜﺜﯿﻔﺔ
ﻣﻐﺮوﺳﺔ ﺣﻮل اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﺮﻣﻞ اﻟﻨﺎﻋﻢ .وﻛﺎﻧﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺤﺮ ﺗﻌﺒﻖ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ رواﺋﺢ ) اﻟﺒﺮاز و اﻟﺒﻮل ( .
ﻟﻜﻦ اﻟﺮاﺋﺤﺔ ﺗﺘﻐﯿﺮ ﺣﯿﻦ ﺗﻤﺮ ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ ﺑﯿﻦ وﻗﺖ وآﺧﺮ ,وﻛﺄن اﺣﺪﻫﻢ اﻓﺮغ ﻃﺸﺘﺎ ﻟﻠﺤﻼق ﺗﺤﺖ أﻧﻔﻚ.
وﻣﺎ إن ﺟﻬﺰت ﻟﻨﺎ اﻟﻐﺮف واﻟﺴﺮاﺋﺮ ﺣﺘﻰ اﻧﻄﺮﺣﻨﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ دون ﺣﺮاك وﻟﻢ ﻧﺴﺘﯿﻘﻆ إﻻ ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ.
ﻛﺎن اﻟﯿﻮم اﻷﺣﺪ واﻟﻌﻤﺎل ﺳﯿﺼﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﻐﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﯿﺒﺪأوا اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﻤﺎم اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﺮك ﻟﻲ
ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻷﻗﻮم ﺑﺠﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﺬي ﺳﺎﻗﺘﻨﻲ إﻟﯿﻪ اﻷﻗﺪار .ﻛﺎن اﻟﻔﺠﺮ ﯾﻜﺎد ﯾﻠﻮح ﺣﯿﻦ ﺧﺮﺟﺖ .ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻓﻲ
ﺳﺒﯿﻠﻲ ﻣﺎرا ,ﺑﺎﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ ,ﻣﺘﺘﺒﻌﺎ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺒﺤﺮ ,ﻣﺘﻌﺮﻓﺎ إﻟﻰ اﻷرض واﻟﻬﻮاء.
وﺻﻌﺪت إﻟﻰ ﺗﻠﻪ ﻣﺠﺎورة ,وأﺟﻠﺖ ﻧﻈﺮي إﻟﻰ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺼﺨﻮر اﻟﻐﺮاﻧﯿﺘﯿﺔ واﻟﻜﻠﺴﯿﺔ اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ ,وأﺷﺠﺎر اﻟﺨﺮوب
اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ,وأﺷﺠﺎر اﻟﺰﯾﺘﻮن اﻟﻔﻀﯿﺔ وأﺷﺠﺎر اﻟﺘﯿﻦ واﻟﺪواﻟﻲ .د
ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻈﺮ ,ﻛﻤﺎ ﺑﺪا ﻟﻲ ,ﺷﺒﯿﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺜﺮ اﻟﺠﯿﺪ ,اﻟﻤﺼﻮغ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ,ﺑﺴﯿﻄﺎ ,ﺧﺎﻟﯿﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﺧﺎرف اﻟﻤﺼﻄﻨﻌﺔ ,
ﻗﻮﯾﺎ ,ﺻﺎرﻣﺎ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻌﺒﺮا ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎﻫﻮ ﺿﺮوري ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺳﻬﻠﺔ .اﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﺒﺎﻫﯿﺎ وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﺼﻨﻌﺎ ,ﻓﻬﻮ
ﯾﻨﻄﻖ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ ﺻﺎرﻣﺔ .ﻟﻜﻦ اﻟﻠﯿﻮﻧﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺒﺪﯾﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل أﺷﺠﺎر اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل واﻟﻠﯿﻤﻮن اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻌﻄﺮ اﻟﻬﻮاء ﺑﺮاﺋﺤﺘﻬﺎ اﻟﺬﻛﯿﺔ .وﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ﻛﺎن اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺨﺎﻟﺪ ﯾﺒﺪو ﻛﺎﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻨﻔﺬ.
-ﻛﺮﯾﺖ .ﻛﺮﯾﺖ
ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻤﺘﻤﺎ ﻟﻨﻔﺴﻲ وﻗﻠﺒﻲ ﯾﻨﺒﺾ ﺑﺎﻟﺒﻬﺠﺔ!!!
وﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﺘﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮ ,ورﺣﺖ اﻣﺸﻲ ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ .ﻓﺮأﯾﺖ ﺻﺒﺎﯾﺎ ﺻﻐﺎر ﯾﺴﺮن ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻬﻦ إﻟﻰ اﻟﺪﯾﺮ
ﻟﺴﻤﺎع اﻟﻘﺪاس ﻋﻨﺪ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ.
وﻣﺎ إن ﻇﻬﺮت ﻟﻬﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﯿﺮ ,وأﺻﺒﻦ ﺑﺮﻋﺐ ﺷﺪﯾﺪ ,وﺗﺸﺒﺜﻦ ﺑﺒﻌﻀﻬﻦ اﻟﺒﻌﺾ ,وﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن
رؤﯾﺔ رﺟﻞ ﻏﺮﯾﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﯿﻔﻬﻦ ,ﻓﻌﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﻘﺮاﺻﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮون اﻟﻐﺎﺑﺮة ﯾﻘﻤﻦ ﺑﻐﺰوات
ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ ,وﯾﺨﻄﻔﻮن اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل ,وﯾﺮﺑﻄﻮﻧﻬﻦ ﺑﺄﺣﺰﻣﺘﻬﻢ اﻟﺰرﻗﺎء اﻟﻐﻠﯿﻈﺔ وﯾﻠﻘﻮن ﺑﻬﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ وﯾﺒﯿﻌﻮﻫﻦ
ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ,واﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ,وﺑﯿﺮوت.
ورﺣﺖ اﻧﻈﺮ إﻟﯿﻬﻦ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻜﺎﺗﻔﻦ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻦ اﻟﺒﻌﺾ وﺳﺮن ﻛﺎﻟﻄﻮد اﻟﻤﺮﺻﻮص ,واﻗﺘﺮﺑﻦ ﻣﻨﻲ وأﺿﺎءت
وﺟﻮﻫﻬﻦ ﺑﺎﻻﻃﻤﺌﻨﺎن وﺗﺎﺑﻌﻦ ﻣﺴﯿﺮﻫﻦ ﺑﻌﺪ أن أﻟﻘﯿﺖ ﻋﻠﯿﻬﻦ ﺗﺤﯿﺔ اﻟﺼﺒﺎح.
وأﺷﺮﻗﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻦ ﺳﻤﺎء ﺻﺎﻓﯿﺔ ,وﺟﻠﺴﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺨﻮر أﺗﺄﻣﻞ اﻟﺒﺤﺮ أﻣﺎﻣﻲ .وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻘﻮة ﺗﺪب ﻓﻲ ﺟﺴﺪي .
ورﺣﺖ أﺟﻮل ﺑﻤﺨﯿﻠﺘﻲ ﻛﺎﻟﻤﻮج اﻟﻬﺎدر أﻣﺎﻣﻲ ﻣﻄﺎوﻋﺎ ﺧﺎﺿﻌﺎ دون ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻨﻐﻤﺎت اﻟﺒﺤﺮ.
وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﻧﻘﺒﺎض ,واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻗﻲ أﺻﻮات ﻣﺘﻀﺮﻋﺔ .وﻋﻠﻤﺖ اﻟﺬي ﯾﺪﻋﻮﻧﻲ .ﻓﺄﯾﻨﻤﺎ أﻛﻮن ﺑﻤﻔﺮدي ﻛﻨﺖ
اﺷﻌﺮ ﺑﺜﻤﺔ ﻧﺪاءات ﺗﻄﻠﺒﻨﻲ ,واﻟﻤﺨﺎوف ﺗﻨﺘﺎﺑﻨﻲ ...وﻓﺠﺄة ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت رﻓﯿﻘﻲ زورﺑﺎ ﯾﻨﺎدﯾﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ,ﻓﺎﺳﺘﺪرت
ﻷﺟﺪه ﻣﻨﺘﺼﺒﺎ وﻫﻮ ﯾﻀﺤﻚ وﯾﻘﻮل:
-ﻟﻘﺪ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻚ ﻣﻨﺬ ﺳﺎﻋﺎت ,وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻚ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﺒﺄ ؟
وﻟﻢ اﺟﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺎؤﻟﻪ ,اﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﻘﺪ ﻣﻀﻰ ﻧﺼﻒ اﻟﯿﻮم ,واﻟﺪﺟﺎﺟﺔ اﻟﻤﻄﺒﻮﺧﺔ ﻗﺪ ﻧﻀﺠﺖ ,وﺳﺘﺬوب اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ.
-ﻧﻌﻢ اﻋﺮف ذﻟﻚ ,وﻟﻜﻨﻲ ﻻ اﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع.
-ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع !! وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺄﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح ,إن ﻓﻲ ﺟﺴﺪا روﺣﺎ ,وﯾﺠﺐ أن ﺗﺸﻔﻖ ﻋﻠﯿﻬﺎ ,أﻋﻄﻬﺎ ﺷﯿﺌﺎ
ﻟﺘﺄﻛﻠﻪ ,أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,أﻋﻄﻬﺎ ﺷﻲء ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﻄﻌﻤﻬﺎ ﺗﺮﻛﺘﻚ ﻓﻲ ﻧﺼﻒ اﻟﻄﺮﯾﻖ.
ﻟﻘﺪ اﺣﺘﻘﺮت ﻣﻠﺬات اﻟﺠﺴﺪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ ,وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨﺎ ﻷﻛﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺨﻔﺎء ,ﻛﺄﻧﻲ أﻗﻮم ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺨﺠﻞ ,وﻗﻠﺖ ﻟﺰورﺑﺎ
ﻛﻲ ﻻ ﯾﺜﺮﺛﺮ.
-ﺣﺴﻨﺎ ,ﺳﺂت.
وذﻫﺒﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻣﺮت اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻄﻮال ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺨﻮر وﻛﻤﺎ ﺗﻤﺮ اﻟﺴﺎﻋﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺸﺎق ﻛﺎﻟﺒﺮق اﻟﺨﺎﻃﻒ .
وﺳﺄﻟﻨﻲ زورﺑﺎ ﻣﺘﺮددا:
-ﻫﻞ ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻜﺮ ﺑﺎﻟﻤﻨﺠﻢ ؟
-وﻫﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻓﻜﺮ ﺑﺴﻮاه ؟ ﻓﻔﻲ اﻟﻐﺪ ﺳﻨﺒﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ,ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺠﺐ أن أﻗﻮم ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت.
-وﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﺘﯿﺠﺔ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت ؟
-ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ اﺷﻬﺮ ﯾﺠﺐ أن ﻧﺴﺘﺨﺮج ﻋﺸﺮة أﻃﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ ﻟﻨﻐﻄﻲ ﻣﺼﺎرﯾﻔﻨﺎ.
وﻧﻈﺮ إﻟﻲ زورﺑﺎ ﺑﺸﻮق وﻗﺎل:
-وﻣﺎ أﺧﺬك إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻟﺘﻘﻮم ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت ,ﺑﺤﻖ اﻟﺸﯿﻄﺎن ؟ أرﺟﻮ اﻟﻤﻌﺬرة أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻟﺴﺆاﻟﻲ ﻫﺬا ,وﻟﻜﻨﻲ ﻻ
اﻓﻬﻢ ,ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ اﺿﻄﺮ إﻟﻰ ﻣﻘﺎرﻋﺔ اﻷرﻗﺎم ,اﺷﻌﺮ ﺑﺎﻧﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن اﺣﺸﺮ ﻧﻔﺲ ﻓﻲ ﺟﻮف اﻷرض ﻛﻲ ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ
ﻣﺸﺎﻫﺪة اﺣﺪ ,ﻓﺈذا رﻓﻌﺖ ﻧﻈﺮي ورأﯾﺖ اﻟﺒﺤﺮ ,أو ﺷﺠﺮة ,أو اﻣﺮأة ,ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺠﻮز ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺗﻄﯿﺮ ﺟﻤﯿﻊ ﻫﺬه
اﻷرﻗﺎم وﺳﺄﺿﻄﺮ إﻟﻰ ﻣﻄﺎردﺗﻬﺎ.
-وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻏﻠﻄﺘﻚ أﻧﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ ,ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺘﺬﻛﯿﺮ.
-رﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ,أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,ﻓﻬﺬا ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﺗﻚ ﻟﻸﻣﻮر .ﻓﻬﻨﺎك ﺣﺎﻻت ﻻ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﺳﻠﯿﻤﺎن
اﻟﺤﻜﯿﻢ ....اﺳﻤﻊ ,ﻓﻔﻲ ذات ﯾﻮم ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺎرا ﻓﻲ ﻗﺮﯾﺔ ﺻﻐﯿﺮة ,رأﯾﺖ رﺟﻼ ﻋﺠﻮزا ﯾﺒﻠﻎ اﻟﺘﺴﻌﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﯾﺰرع
ﺷﺠﺮ اﻟﻠﻮز ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ " :ﻫﻞ ﺗﺰرع أﺷﺠﺮة ﻟﻮز ﯾﺎ ﺟﺪي ؟ " واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻲ وﻗﺎل " :ﯾﺎ ﺑﻨﻲ ,أﻧﺎ اﻋﻤﻞ ﻛﺄﻧﻲ ﻟﻦ أﻣﻮت
أﺑﺪا ,واﻋﻤﻞ ﻛﺄﻧﻲ ﺳﺄﻣﻮت ﻓﻲ أي ﻟﺤﻈﺔ " .واﻵن ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮاب ,أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟
وﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﻧﻈﺮة اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ وﻗﺎل:
-واﻵن ,ﻟﻘﺪ أﺣﺮﺟﺘﻚ !!
وﺑﻘﯿﺖ ﻣﻠﺘﺰﻣﺎ اﻟﺼﻤﺖ ,ﻓﻬﻨﺎك ﻣﻤﺮان ﻣﺘﺴﺎوﯾﺎن ﻗﺪ ﯾﺆدﯾﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻤﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ,أن ﺗﻌﻤﻞ ﻛﺄن اﻟﻤﻮت ﻏﯿﺮ ﻣﻮﺟﻮد ,و أن
ﺗﻌﻤﻞ ﻣﺘﻮﻗﻌﺎ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ أﯾﺔ ﻟﺤﻈﺔ ,ﻫﻤﺎ أﻣﺮان رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﯿﻦ ,وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻧﻲ زورﺑﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﻟﻢ اﺳﺘﻄﻊ
اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﯿﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮ .وﻗﺎل ﻟﻲ زورﺑﺎ ﻫﺎزﺋﺎ:
-ﺣﺴﻨﺎ ! ﻻ ﺑﺄس .ﻻ ﺗﻐﻀﺐ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻓﻠﻦ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻤﺠﺎدﻟﺔ وﻟﻨﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ أﺷﯿﺎء أﺧﺮى .ﻓﺎﻧﺎ اﻵن أﻓﻜﺮ ﺑﺎﻟﺪﺟﺎﺟﺔ
و اﻷرز .ﻟﻨﺄﻛﻞ اﻵن .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺮ ,ﻓﻠﻜﻞ ﺷﻲء وﻗﺘﻪ اﻟﻤﺤﺪد .اﻵن أﻣﺎﻣﻨﺎ اﻷرز ,ﻓﻠﻨﻔﻜﺮ ﺑﻪ ,وﻏﺪا ﺳﯿﻜﻮن اﻟﻤﻨﺠﻢ
أﻣﺎﻣﻨﺎ وﺳﻨﻔﻜﺮ ﺑﺄﻣﺮه أﯾﻀﺎ .
وﻋﻨﺪ اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﻤﺠﺎور رأﯾﻨﺎ ﺷﯿﺨﺎ ﯾﺒﺪو ﻋﻠﯿﻪ اﻷﺳﻰ ﯾﻘﻒ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ .اﻧﻪ ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ ﻛﺒﯿﺮ رﺟﺎل اﻟﻘﺮﯾﺔ اﻟﺬي أﺟﺮﻧﺎ
اﻟﻤﻨﺠﻢ ,ﻟﻘﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ إﻟﻰ ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ ﻟﯿﺄﺧﺬﻧﺎ إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻪ وﻗﺎل ﻟﻨﺎ:
-اﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎر أن ﺗﻈﻼ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺪق ,ﻛﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﻮﺟﺪ رﺟﺎل ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ!
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺘﺄﺛﺮا ,وﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺰﻧﺔ ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ﻣﻊ ﻣﺮﻛﺰه اﻟﻤﺤﺘﺮم ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ رﻓﻀﻨﺎ ﻃﻠﺒﻪ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻻﺳﺘﯿﺎء
ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﻠﺢ .وﻗﺎل ﻟﻨﺎ وﻫﻮ ﯾﻐﺎدر اﻟﻔﻨﺪق :
-ﻟﻘﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﻮاﺟﺒﻲ واﻧﺘﻢ أﺣﺮار.
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ أرﺳﻞ ﻟﻨﺎ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ ,وﺳﻠﻪ ﻓﻮاﻛﻪ ,وﺟﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﺮق ,وﻗﺪ ﻗﺎل ﻟﻨﺎ اﻟﺨﺎدم اﻟﺬي اﺣﻀﺮﻫﺎ:
-ﻣﻊ ﺗﻤﻨﯿﺎت اﻟﻜﺎﺑﺘﻦ ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ .إﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻛﺜﯿﺮة ,ﻛﺬﻟﻚ أوﺻﺎﻧﻲ أن أﺧﺒﺮﻛﻤﺎ ,ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺴﻦ!
واﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻨﻪ واﻟﻘﯿﻨﺎ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺤﯿﺔ ,وأﺟﺎﺑﻨﺎ واﺿﻌﺎ ﯾﺪه ﻋﻠﻰ ﺻﺪره:
-أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻜﻤﺎ ﺣﯿﺎة ﻃﻮﯾﻠﺔ.
وﺗﻤﺘﻢ زورﺑﺎ ﻣﻌﻠﻘﺎ:
-اﻧﻪ ﻻ ﯾﺤﺐ ﻛﺜﺮة اﻟﻜﻼم ,وﯾﺒﺪو ﺑﻮﻗﻔﺘﻪ ﻛﺎﻟﻘﻀﯿﺐ اﻟﻌﺠﻮز.
-ﻟﻜﻨﻪ ﻓﺨﻮر ﺑﻨﻔﺴﻪ ,اﻧﻪ ﯾﻌﺠﺒﻨﻲ.
وﻣﺎ إن رأﺗﻨﺎ ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ ,ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺣﺖ ﻣﺮﺗﺒﻜﺔ وﻫﺮوﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺒﺦ ,وأﺳﺮع زورﺑﺎ إﻟﻰ وﺿﻊ اﻟﻄﺎوﻟﺔ ﻋﻠﻰ
اﻟﺸﺮﻓﺔ ﺗﺤﺖ ﻇﻞ اﻟﺪاﻟﯿﺔ ,وﺟﺎء ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ وﻗﻄﻌﻪ ﻗﻄﻌﺎ ﺻﻐﯿﺮة ,واﺣﻀﺮ اﻟﻨﺒﯿﺬ ,ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ إﻋﺪاد
اﻟﻄﺎوﻟﺔ ﻟﺜﻼﺛﺔ أﺷﺨﺎص وﻗﺎل:
-ﻫﻞ رأﯾﺖ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟
-ﻧﻌﻢ رأﯾﺖ أﯾﻬﺎ اﻟﻔﺎﺳﻖ!
-إن اﻟﻄﯿﻮر اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺸﻮاء ! وﺧﺬﻫﺎ ﻧﺼﯿﺤﺔ ﻣﻨﻲ!!
وراح ﯾﺪﻣﺪم ﺑﺄﻏﺎﻧﻲ اﻟﺤﺐ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ وﻫﻮ ﯾﻬﺮع ﻣﺘﻤﻤﺎ ﺗﺠﻬﯿﺰ اﻟﻤﺎﺋﺪة.
-ﻫﻜﺬا ﯾﺠﺐ أن ﻧﻌﯿﺶ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,ﯾﺠﺐ أن ﻧﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻜﻞ دﻗﯿﻘﺔ ﻧﻌﯿﺸﻬﺎ ,إﻧﻲ اﻋﻤﻞ أﺷﯿﺎء ﻛﺄﻧﻲ ﺳﺄﻣﻮت ﺑﻌﺪ دﻗﯿﻘﺔ .
وأﻧﺎ أﺳﺮع ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻲ ﻻ ﯾﺪرﻛﻨﻲ اﻟﻤﻮت ﻗﺒﻞ أن اﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﻔﻮر.
وﺳﻤﻊ ﺻﻮت ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ " :إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة" .
وﻗﺪﻣﺖ إﻟﯿﻨﺎ اﻟﻘﺪر ,ﺛﻢ وﻗﻔﺖ ﻣﺸﺪوﻫﺔ ,ﻓﻘﺪ رأت اﻟﺼﺤﻮن ﺛﻼﺛﺔ ,ورﻣﻘﻬﺎ زورﺑﺎ وﻗﺪ ﻋﻼ وﺟﻬﻬﺎ اﻻﺣﻤﺮار اﻟﺸﺪﯾﺪ
وﻟﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮﺗﺎن.
وﻫﻤﺲ زورﺑﺎ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﻘﺪ ﺑﺪأت ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮارة ﺗﺪب ﻓﯿﻬﺎ .
ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﯿﺎﻗﺔ واﻷدب:
-ﯾﺎ ﺟﻨﯿﺔ اﻷﻣﻮاج اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ,ﻟﻘﺪ ﻏﺮﻗﺖ ﺳﻔﯿﻨﺘﻨﺎ وأﻟﻘﻰ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻚ .أرﺟﻮ أن ﺗﺸﺮﻓﯿﻨﺎ ,ﯾﺎ ﻋﺮوﺳﺔ اﻟﺒﺤﺮ
اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ,وﺗﺸﺎرﻛﯿﻨﺎ اﻟﻄﻌﺎم.
وﻓﺘﺤﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺠﻮز ذراﻋﯿﻬﺎ وﺿﻤﺘﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﺻﺪرﻫﺎ ,ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻀﻤﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻻﺛﻨﯿﻦ إﻟﯿﻬﺎ ,ﺛﻢ ﺗﻤﺎﯾﻠﺖ ﺑﻌﻈﻤﺔ
وﻻﻣﺴﺖ زورﺑﺎ وﻻﻣﺴﺘﻨﻲ وأﺳﺮﻋﺖ ﻋﺎﺋﺪة إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ,وﻇﻬﺮت ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺗﺮﺗﺪي أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﯾﻬﺎ ﻣﻦ ﺛﯿﺎب :ﻓﺴﺘﺎﻧﺎ
ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪر ,وﺿﻌﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪر وردة ﻣﺘﺄﻟﻘﺔ !! وأﺣﻀﺮت ﻣﻌﻬﺎ ﻗﻔﺺ اﻟﺒﺒﻐﺎء اﻟﺬي ﻋﻠﻘﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﺼﻦ
اﻟﺪاﻟﯿﺔ أﻣﺎﻣﻨﺎ .وﺑﻌﺪ أن أﺟﻠﺴﻨﺎﻫﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ ,رﺣﻨﺎ ﻧﻠﺘﻬﻢ اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺘﻬﺎﻣﺎ ,دون أن ﻧﻨﺒﺲ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺤﯿﻮان
داﺧﻠﻨﺎ ﯾﺄﻛﻞ وﯾﺘﻐﺪى وﯾﺸﺮب اﻟﺨﻤﺮ ,واﻟﻄﻌﺎم اﻟﺬي ﻧﺰوده ﯾﺘﺤﻮل ﺑﺴﺮﻋﺔ إﻟﻰ دم ,واﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﯾﺒﺪو أﺟﻤﻞ ,
واﻟﺴﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻄﻨﺎ ﺑﺪأت ﺗﺒﺪو اﺻﻐﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ واﻟﺘﺠﺎﻋﯿﺪ ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ ﺑﺪأت ﺗﺰول وﺗﻤﺤﻰ ....وﻛﺎن اﻟﺒﺒﻐﺎء
اﻟﻤﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺮة ,ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﻛﺄﻧﻪ رﺟﻞ ﻏﺮﯾﺐ ﻗﺪ ﺳﺤﺮه ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻈﺮ...
وﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎ زورﺑﺎ ﺗﺪور ﻓﻲ ﻣﺤﺠﺮﯾﻬﻤﺎ ,ﺛﻢ ﻓﺘﺢ ذراﻋﯿﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻌﺎﻧﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺛﻢ ﺻﺎح ﺑﻲ ﻣﺪﻫﻮﺷﺎ.
-ﻣﺎذا ﺟﺮى ,أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟ ﻓﻤﺎ إن ﻧﺸﺮب ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ ﺣﺘﻰ ﯾﺒﺪو اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﺻﻮاﺑﻪ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﺤﯿﺎة ﻛﻠﻬﺎ
ﺧﻤﺮ وﻧﺒﯿﺬ .ﻗﻞ ﻟﻲ ,ﺑﺸﺮﻓﻚ ,ﻫﻞ ﻫﺬه ﻋﻨﺎﻗﯿﺪ ﻣﺘﺪﻟﯿﺔ ﻓﻮق رؤوﺳﻨﺎ ؟ أو ﻫﻲ ﻣﻼﺋﻜﺔ ؟ ﻻ اﻋﻠﻢ .أم ﺗﺮى ﻟﯿﺴﺖ ﺷﯿﺌﺎ
ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ,وﻻ ﺷﻲء ﻣﻮﺟﻮد ,ﻻ اﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ,وﻻ ﻋﺮوﺳﺔ اﻟﺒﺤﺮ ,وﻻ ﻛﺮﯾﺖ ! ﻗﻞ ﻟﻲ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,ﺗﻜﻠﻢ ﻛﻲ ﻻ أﻓﻘﺪ
ﻋﻘﻠﻲ....
وﻻﺣﻈﺖ أن زورﺑﺎ ﺑﺪأ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻔﺮح .ﻟﻘﺪ ﺷﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ,و راح ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ .ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻪ
ﺗﻐﺘﺼﺒﻬﺎ ,وﺗﺼﻌﺪان إﻟﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ وﺗﺪﺧﻼن إﻟﻰ ﺻﺪرﻫﺎ اﻟﻤﻨﺘﻔﺦ وﺗﺘﺤﺴﺴﺎﻧﻪ وﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﯾﺪان .وﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎ اﻟﺴﯿﺪة
اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺗﻠﻤﻌﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﺮور ,ﻓﻘﺪ ﺑﺪأت ﺗﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻌﺪ أن أﻓﺮﻏﺖ ﻋﺪة ﻛﺆوس ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ .وﺑﺪا ﻛﺄن ﺷﯿﻄﺎن اﻟﺨﻤﺮ ﻗﺪ
رﺟﻊ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻮراء إﻟﻰ أﯾﺎم اﻟﺼﺒﺎ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ .وﻧﻬﻀﺖ وﻗﺪ ﻋﺎد إﻟﯿﻬﺎ ﻟﻄﻔﻬﺎ وﺑﺸﺎﺷﺘﻬﺎ ورﻏﺒﺘﻬﺎ ,ﺛﻢ أﻏﻠﻘﺖ ﺑﺎب
اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻛﻲ ﺗﻤﻨﻊ اﻷﻋﯿﻦ اﻟﻔﻀﻮﻟﯿﺔ ﻣﻦ رؤﯾﺘﻨﺎ وأﺷﻌﻠﺖ ﺳﯿﺠﺎرة وراﺣﺖ ﺗﻨﻔﺚ دﺧﺎﻧﻬﺎ ﺑﻬﺪوء واﺳﺘﻤﺘﺎع.
ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻛﻬﺬه ﺗﻨﻔﺘﺢ أﺑﻮاب اﻟﻤﺮأة ﺟﻤﯿﻌﻬﺎ .وﯾﺴﺘﺮﯾﺢ ﺣﺮاﺳﻬﺎ ,واﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﯿﺒﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﻗﻮﯾﺔ ﻛﻘﻮة اﻟﺬﻫﺐ أو اﻟﺤﺐ .
وﻫﻜﺬا أﺷﻌﻠﺖ ﻏﻠﯿﻮﻧﻲ وﻗﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﯿﺒﺔ:
-ﻣﺪام ﻫﻮراﻧﺘﺲ ,أﻧﺖ ﺗﺬﻛﺮﯾﻨﻲ ﺑﺴﺎرة ﺑﺮﻧﻬﺎرت ....ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻐﯿﺮة ,ﻟﻢ أﻛﻦ ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ اﻧﺘﻈﺮ رؤﯾﺔ أﻧﺎﻗﺔ ,ﻛﻬﺬه
ﻋﻈﻤﺔ ,ﻛﻬﺬه ,ﻟﯿﺎﻗﺔ ﻛﻬﺬه ,وﺟﻤﺎﻻ ﻛﻬﺬا اﻟﺠﻤﺎل .ﻣﺎ ﻫﺬا ) اﻟﺸﻜﺴﺒﯿﺮ) .
-ﺷﻜﺴﺒﯿﺮ ؟ أي ﺷﻜﺴﺒﯿﺮ ؟
-اﻟﺬي أرﺳﻠﻚ إﻟﻰ ﻫﻨﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺘﻮﺣﺸﯿﻦ.
وﻃﺎرت ﺑﺘﻔﻜﯿﺮﻫﺎ إﻟﻰ أﯾﺎم اﻟﻐﻨﺎء واﻟﻤﺴﺮح ,وﺟﺎﻟﺖ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﻫﻲ واﻟﻤﺴﺎرح ﻣﻦ ﺑﺎرﯾﺲ إﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ,وﻋﻠﻰ ﻃﻮل
ﺷﻮاﻃﺊ اﻷﻧﺎﺿﻮل ,وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺬﻛﺮت ﻓﺠﺄة :ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ,وﻓﻲ ﻣﺴﺮح ﻛﺒﯿﺮ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺜﺮﯾﺎت ,واﻟﻤﻘﺎﻋﺪ
اﻟﻔﺨﻤﺔ ,واﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ,واﻟﻈﻬﻮر ﻋﺎرﯾﺔ ,واﻟﻌﻄﻮر ,واﻷزﻫﺎر ,وﻓﺠﺄة ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﺴﺘﺎرة ,وﻇﻬﺮ رﺟﻞ اﺳﻮد
ﻣﺨﯿﻒ.....
-أي ﺷﻜﺴﺒﯿﺮ ؟
وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﻜﺒﺮﯾﺎء ,ﻓﻘﺪ ﺗﺬﻛﺮت.
-ﻫﻞ ﻫﺬا اﻟﺬي ﯾﺪﻋﻮﻧﻪ أﯾﻀﺎ ﻋﻄﯿﻞ ؟
-ﻫﺬا ﻫﻮ .أي ﺷﻜﺴﺒﯿﺮ إذن أﻟﻘﻰ ﺑﻚ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺼﺨﻮر اﻟﻮﺣﺸﯿﺔ ,أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺰﻫﺮة اﻟﺒﯿﻀﺎء ؟
وﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻬﺎ ,وﻛﺎﻧﺖ اﻷﺑﻮاب ﻣﻐﻠﻘﺔ ,واﻟﺒﺒﻐﺎء ﻧﺎﺋﻤﺔ ,واﻷراﻧﺐ ﺗﺘﺒﺎدل اﻟﺤﺐ ,وﻛﻨﺎ ﻟﻮﺣﺪﻧﺎ ,وراﺣﺖ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻨﺎ
ﻗﻠﺒﻬﺎ ,وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻔﺘﺢ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺻﻨﺪوﻗﺎ ﻋﺘﯿﻘﺎ ,ﻣﻤﻠﻮءا ﺑﺎﻟﻄﯿﺐ ,وأوراق اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺼﻔﺮاء واﻟﺜﯿﺎب اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ .
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻔﻆ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﺎﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ,وراﺣﺖ ﺗﺨﻠﻂ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ,وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺗﻤﻜﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﻮﺿﻮح .وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن
ﻛﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ إﺧﻔﺎء ﺿﺤﻜﺎﺗﻨﺎ ,وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﻛﻨﺎ ﻧﻨﻔﺠﺮ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ,ﻋﻠﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﺷﺮﺑﻨﺎ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ.
-ﺣﺴﻨﺎ إن اﻟﺴﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﺮون إﻟﯿﻬﺎ اﻵن ,ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻐﻨﯿﺔ ﺑﺴﯿﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻧﺎت ,ﻛﻼ ,ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻨﺎﻧﺔ ﺷﻬﯿﺮة وﻛﻨﺖ
ارﺗﺪي ﺛﯿﺎﺑﺎ داﺧﻠﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺮ اﻟﺨﺎﻟﺺ .وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺐ....
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺒﻠﺞ اﻟﺼﺒﺎح اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻷرى زورﺑﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻨﺪ ﻃﺮف اﻟﺴﺮﯾﺮ ﯾﺪﺧﻦ وﻫﻮ ﻏﺎرق ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣﻼت ,
وﻋﯿﻨﺎه ﻣﺴﻤﺮﺗﺎن ﻋﻠﻰ زﺟﺎج اﻟﻨﺎﻓﺬة...
وﺗﺬﻛﺮت أﻧﻲ ﺗﺮﻛﺘﻬﻤﺎ ﻟﻮﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﯿﻠﺔ اﻟﺒﺎرﺣﺔ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ:
-إﻧﻲ ذاﻫﺐ ,ﯾﺎ زورﺑﺎ ,ﺗﻤﺘﻊ ﺟﯿﺪا ,وﺗﺸﺠﻊ....
وﻗﺪ ﻗﺎل ﻟﻲ:
-إﻟﻰ اﻟﻠﻘﺎء أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,اﺗﺮﻛﻨﺎ ﻧﺮﺗﺐ اﻷﻣﺮ ﺟﯿﺪا.
وﻗﺪ ﺑﺪا ﻟﻲ أﻧﻬﻤﺎ رﺗﺒﺎ اﻷﻣﺮ ﺟﯿﺪا ,ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ أﺻﻮاﺗﺎ ﻣﻜﺘﻮﻣﺔ ,وﺗﻬﺰﻫﺰات ﻓﻲ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻤﺠﺎورة .وﺑﻌﺪ
ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ دﺧﻞ زورﺑﺎ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻨﺎ ﻋﺎري اﻟﻘﺪﻣﯿﻦ واﻧﻄﺮح ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻬﺪوء ﻛﻲ ﻻ ﯾﻮﻗﻈﻨﻲ...
وﻟﻜﻨﻪ اﻵن ,ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ ,ﯾﺒﺪو ﺷﺎردا ,وﻋﯿﻨﺎه ﺗﻀﯿﻊ ﺑﻌﯿﺪا ,وﻛﺎن ﻻ ﯾﺰال ﻏﺎرﻗﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة اﻟﻠﯿﻞ اﻟﻔﺎﺋﺖ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎ
ﺑﻬﺪوء إﻟﻰ ﺷﻌﺎع اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﺘﺪاﺧﻞ ﻣﻦ زﺟﺎج اﻟﻨﺎﻓﺬة.
وﺑﺪأت اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺗﻔﯿﻖ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻬﺎ ,وﺑﺪأت اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺗﺪب ﻓﻲ اﻷزﻗﺔ ﻣﻤﺘﺰﺟﺔ ﺑﺄﺻﻮات اﻟﺪﯾﻮك واﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ ,واﻟﺤﻤﯿﺮ ,
واﻟﻨﺎس .وﺧﻄﺮ ﻟﻲ أن اﻗﻔﺰ ﻣﻦ ﺳﺮﯾﺮي واﺻﺮخ " :ﻫﯿﺎ ﯾﺎ زورﺑﺎ ﻓﻠﺪﯾﻨﺎ ﻋﻤﻼ اﻟﯿﻮم " ﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ اﺷﻌﺮ أﻧﺎ اﻵﺧﺮ
ﺑﺴﻌﺎدة ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺴﻼم ﻫﻜﺬا دون ﺣﺮاك ﻣﻨﺘﻈﺮا ﺗﺴﺮب اﻟﻔﺠﺮ اﻟﺮاﺋﻊ ,ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺴﺎﺣﺮة ﺗﺒﺪو اﻟﺤﯿﺎة ,
ﺧﻔﯿﻔﺔ ﻛﺎﻟﻐﺒﺎر ,وﺗﺒﺪو اﻷرض ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺢ ﻛﺎﻟﻐﯿﻮم اﻟﻤﺘﻤﻮﺟﺔ اﻟﻄﺮﯾﺔ...
وﻧﻈﺮت إﻟﻰ زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﺪﺧﻦ ,ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺪﺧﯿﻦ أﻧﺎ اﻵﺧﺮ ,ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ ﻏﻠﯿﻮﻧﻲ .وﺣﺪﻗﺖ ﺑﻪ ﻣﻨﻔﻌﻼ .اﻧﻪ
ﻏﻠﯿﻮن إﻧﻜﻠﯿﺰي اﻟﺼﻨﻊ ,ﻛﺎن ﺻﺪﯾﻘﻲ اﻟﻘﺪﯾﻢ ﻗﺪ أﻫﺪاﻧﻲ إﯾﺎه ,وﺗﺬﻛﺮت ﻗﻮﻟﻪ ﺣﯿﻦ ﻣﻨﺤﻨﻲ ﻫﺪﯾﺘﻪ ﺗﻠﻚ :ﺧﺬ ﻫﺬا
اﻟﻐﻠﯿﻮن ,واﺗﺮك اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻦ ﻧﺼﻔﻬﺎ وﺗﺮﻣﯿﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻣﺮأة ﻋﺎﻫﺮة ,ﺗﺰوج اﻟﻐﻠﯿﻮن ,ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻟﻤﺮأة
اﻟﻮﻓﯿﺔ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻚ ,ﺳﺘﺠﺪه دوﻣﺎ ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرك ﻓﺘﺸﻌﻠﻪ وﺗﺠﻠﺲ ﺗﺘﺄﻣﻞ دﺧﺎﻧﻪ اﻟﺼﺎﻋﺪ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ,ﺛﻢ
ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ....
ﻻ زﻟﺖ اذﻛﺮ إن اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﻇﻬﺮا ,وﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﺣﺪ ﻣﺘﺎﺣﻒ ﺑﺮﻟﯿﻦ ,ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﺻﺪﯾﻘﻲ ﯾﻮدع ﻟﻮﺣﺘﻪ اﻟﻌﺰﯾﺰة ) اﻟﻤﺤﺎرب (
ﻟﻠﺮﺳﺎم راﻣﺒﺮاﻧﺪت ,وﻧﻈﺮ ﺻﺪﯾﻘﻲ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﺘﺄﻣﻼ اﻟﻤﺤﺎرب اﻟﺤﺎﻗﺪ اﻟﯿﺎﺋﺲ .وﻗﺎل " :إذا ﻣﺎ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﺎم
ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺑﻌﻤﻞ ﺟﺪﯾﺮ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ,ﻓﺴﺄﻛﻮن ﻣﺪﯾﻨﺎ ﺑﻪ ﻟﻪ" !!
ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺔ اﻟﻤﺘﺤﻒ ,ﻧﻘﻒ ﻗﺮد ﻋﺎﻣﻮد ,وأﻣﺎﻣﻨﺎ ﺗﻤﺜﺎل ﻣﻦ اﻟﺒﺮوﻧﺰ ﻟﻔﺎرﺳﺔ ﻋﺎرﯾﺔ ﺗﻤﺘﻄﻲ ﺣﺼﺎﻧﺎ ﺑﺮﯾﺎ ﻣﺘﻮﺣﺸﺎ .
وﻏﻂ ﻋﺼﻔﻮر ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺘﻤﺜﺎل واﻟﺘﻔﺖ ﺻﻮﺑﻨﺎ وﻫﺰ ﺑﺬﻧﺒﻪ وأﻃﻠﻖ ﻟﺤﻨﺎ ﻫﺎزﺋﺎ ﺛﻢ ﻃﺎر ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻪ .وارﺗﻌﺪت وأﻧﺎ اﻧﻈﺮ
إﻟﻰ ﺻﺪﯾﻘﻲ وﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻫﻞ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻌﺼﻔﻮر ؟ ﻟﻘﺪ ﺧﻠﺖ اﻧﻪ ﻗﺎل ﻟﻨﺎ ﺷﯿﺌﺎ ,ﺛﻢ ﻃﺎر ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻪ.
واﺑﺘﺴﻢ ﺻﺪﯾﻘﻲ وأﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻨﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ) :اﻧﻪ ﻋﺼﻔﻮر ,دﻋﻪ ﯾﻐﻨﻲ ,اﻧﻪ ﻋﺼﻔﻮر ,دﻋﻪ ﯾﺘﻜﻠﻢ )
ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ ,ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻨﺪ ﻃﻠﻮع اﻟﻔﺠﺮ ,ﻋﻨﺪ ﺷﺎﻃﺊ ﻛﺮﯾﺖ ﻫﺬه اﻟﺬﻛﺮى ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ
اﻟﺤﺰﯾﻦ ﻟﺘﻤﻸ ﻋﻘﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺮارة ؟
ووﺿﻌﺖ ﻗﻠﯿﻼ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﻎ ﻓﻲ ﻏﻠﯿﻮﻧﻲ وأﺷﻌﻠﺘﻪ .إن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻪ ﻣﻌﺎن ﺧﻔﯿﺔ .اﻟﺮﺟﺎل .اﻟﺤﯿﻮاﻧﺎت .
اﻟﺸﺠﺮ .اﻟﻨﺠﻮم ,إﻧﻬﺎ ﺗﺒﺪو ﻛﺎﻟﺮﻣﻮز اﻟﻬﯿﺮوﻏﻠﯿﻔﯿﺔ ﻟﻤﻦ ﺑﺪأ ﻓﻲ ﺣﻞ رﻣﻮزﻫﺎ ﻟﯿﻜﺘﺸﻒ ﺧﻔﺎﯾﺎﻫﺎ ....ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮاﻫﺎ ﻓﺈﻧﻚ
ﻻ ﺗﻔﻘﻪ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ,ﻓﺘﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ رﺟﺎل اﻗﺤﺎح ,وﺣﯿﻮاﻧﺎت ,وأﺷﺠﺎر ,وﻧﺠﻮم ,وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺮور اﻟﺴﻨﯿﻦ وﺑﻌﺪ ﻓﻮات
اﻷوان ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ...
ورﺣﺖ أﺗﺎﺑﻊ اﻟﺪﺧﺎن اﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﻠﯿﻮن ,وﻛﺎﻧﺖ روﺣﻲ ﺗﻨﺪﻣﺞ ﺑﻬﺬا اﻟﺪﺧﺎن ,وﺗﺘﻼﺷﻰ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻘﺎت اﻟﺰرق
اﻟﻤﻜﻮﻧﺔ .وﻣﺮ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ,ﻛﻨﺖ اﺷﻌﺮ ,دون اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻖ ,وﺑﺘﺄﻛﯿﺪ ﻻ ﯾﻮﺻﻒ ,ﺑﺤﻘﯿﻘﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻧﺒﺜﺎﻗﻪ
وزواﻟﻪ.
وأﻃﻠﻘﺖ زﻓﺮة ﻫﺎدﺋﺔ أﯾﻘﻈﺘﻨﻲ ﻣﻦ أﻓﻜﺎري اﻟﺸﺎردة ,ﻓﻨﻈﺮت إﻟﻰ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻲ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻜﻮخ اﻟﺨﺸﺒﻲ اﻟﻔﻘﯿﺮ ,وﻫﺬه
اﻟﻤﺮآة اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﺘﺪﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ واﻟﻤﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺷﻌﺎع اﻟﺸﻤﺲ ,ﻓﺒﺪت ﺗﻘﺪح ﺑﺎﻟﺸﺮر .وﻛﺎن زورﺑﺎ ﻻ ﯾﺰال
ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﯾﺪﺧﻦ ﺑﻬﺪوء ﻣﺪﯾﺮا ﻟﻲ ﻇﻬﺮه.
وﻣﺮت أﺣﺪاث اﻷﻣﺲ ﺑﻤﺨﯿﻠﺘﻲ ,راﺋﺤﺔ اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ واﻟﻜﻮﻟﻮﻧﯿﺎ ,واﻟﻤﺴﻚ واﻟﺒﺒﻐﺎء اﻟﺬي ﺑﺪا ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﺑﺒﻐﺎء
ﯾﻀﺮب ﻗﻔﺼﻪ ﺑﺠﻨﺎﺣﻪ ﻣﻨﺎدﯾﺎ ﺣﺒﯿﺒﺎ ﻗﺪﯾﻤﺎ ,وﺳﻔﯿﻨﺔ ﻗﺪﯾﻤﺔ ,ﻻ ﺗﺰال اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ﻟﺘﻘﺺ أﻗﺎﺻﯿﺺ
اﻟﺤﺮب واﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ....
واﺳﺘﺪار زورﺑﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﺻﻮت زﻓﺮﺗﻲ ,وﺗﻤﺘﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﻘﺪ أﺳﺄﻧﺎ اﻟﺘﺼﺮف ,ﻟﻘﺪ أﺳﺄﻧﺎ اﻟﺘﺼﺮف أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ .ﻟﻘﺪ ﺿﺤﻜﺖ ,وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻠﺖ أﻧﺎ ,وﻗﺪ رأﺗﻨﺎ ﻫﻲ ,وﻫﺬه
اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺎدرﺗﻨﺎ ﺑﻬﺎ دون أن ﺗﻨﺒﺲ ﺑﻜﻠﻤﺔ رﻗﯿﻘﺔ واﺣﺪة .ﯾﺎ ﻟﻠﻌﺎر اﻟﻠﻌﯿﻦ ! إن ﻫﺬا ﻟﯿﺲ ﺗﻬﺬﯾﺒﺎ ,أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ .
وﻫﺬه ﻟﯿﺴﺖ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﺣﺴﻨﺔ ﻟﻠﺘﺼﺮف ,اﺳﻤﺢ ﻟﻲ أن أﻗﻮل ﻟﻚ .إﻧﻬﺎ اﻣﺮأة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل .أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ ؟ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﺿﻌﯿﻔﺔ
ﺧﺎﺋﻔﺔ .وﻗﺪ ﻋﻤﻠﺖ ﺟﯿﺪا ﺣﯿﻦ ﺑﻘﯿﺖ ﻷﻋﺰﯾﻬﺎ.
-وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﻘﻮﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ؟ وﻫﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ ﺑﻜﻞ ﺟﺪﯾﺔ إن ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻟﻬﻦ ﺷﻲء ﺳﻮى ﻫﺬا ؟
-ﻧﻌﻢ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,ﻓﻠﯿﺲ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻟﻬﻦ ﺷﻲء آﺧﺮ .أﺻﻎ إﻟﻲ اﻵن ....ﻟﻘﺪ رأﯾﺖ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﺷﯿﺎء ,وﻋﻤﻠﺖ ﻓﻲ ﻛﻞ
ﺷﻲء ...إن اﻟﻤﺮأة ﻟﯿﺲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﺎ .إﻧﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮق ﺿﻌﯿﻒ ﻣﺸﺎﻛﺲ .وإذا ﻟﻢ ﺗﻘﻞ ﻟﻬﺎ اﻧﻚ ﺗﺤﺒﻬﺎ
وﺗﺮﯾﺪﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء .ورﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻻ ﺗﺮﯾﺪك إﻃﻼﻗﺎ ,ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﺗﺤﺘﻘﺮك ورﺑﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﻟﻚ ﻛﻼ ,ﻓﻬﺬه
ﻣﺴﺄﻟﺔ أﺧﺮى ﻟﻜﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺮوﻧﻬﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺸﺘﻬﻮﻧﻬﺎ ,ﻓﻬﺬه ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪه ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺔ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ,ﻟﺬﻟﻚ
ﻓﺎﻷﺟﺪر أن ﺗﺤﺎول إرﺿﺎءﻫﺎ .ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺜﻼ ,ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺟﺪة ﺗﺒﻠﻎ اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ .إن ﻗﺼﺘﻬﺎ ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ .وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺴﻜﻦ ﻗﺮﯾﺒﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ﻓﺘﺎة ﺻﺒﯿﺔ ﻧﻀﺮة ﻛﺎﻟﻮردة ,واﺳﻤﻬﺎ ﻛﺮﯾﺴﺘﺎﻟﻮ .وﻓﻲ ﻛﻞ ﯾﻮم ﺳﺒﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎء ,ﻛﻨﺎ ﻧﺤﻦ
اﻟﺸﺒﺎب ﻧﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻧﺔ ﻟﻨﺤﺘﺴﻲ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ وﻧﻨﺘﺸﻲ ﺑﻪ ,ﺛﻢ ﻧﻀﻊ ﺿﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻖ وراء أذﻧﻨﺎ وﯾﺄﺧﺬ اﺑﻦ ﻋﻤﻲ
ﻗﯿﺜﺎرﺗﻪ وﻧﺬﻫﺐ ﻟﻠﺘﻨﺰه .ﯾﺎ ﻟﻠﺤﺐ ﯾﺎ ﻟﻠﻌﺎﻃﻔﺔ ....ﻛﻨﺎ ﻧﺨﻮر ﻛﺎﻟﺒﻘﺮ وﻛﻨﺎ ﻧﺮﯾﺪﻫﺎ وﻛﻞ ﯾﻢ ﺳﺒﺖ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﻮﺟﻪ ﻟﻬﺎ ﻣﺮة واﺣﺪة
ﻟﯿﻘﻊ اﺧﺘﯿﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻰ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ .ﺣﺴﻨﺎ ...ﻫﻞ ﺗﺼﺪق ﻫﺬا أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟ ﯾﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻟﻐﺰ ؟ إن ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء ﺟﺮﺣﺎ ﻻ ﯾﻠﺘﺌﻢ
ﺑﺎﻟﻤﺮة .ﻛﻞ اﻟﺠﺮوح ﺗﺸﻔﻰ إﻻ ﻫﺬا .ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻛﺜﯿﺮا ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺒﻚ ...اﻧﻪ ﻻ ﯾﻠﺘﺌﻢ أﺑﺪا .ﻟﻤﺎذا ...ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ
اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﻦ ؟ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﺠﺮح ﻻ ﯾﺰال ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ.
إذن ﻛﻞ ﺳﺒﺖ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﻤﺘﺼﺎﺑﯿﺔ ﺗﺠﺮ أﺷﯿﺎءﻫﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻨﺎﻓﺬة .وﺗﺘﻨﺎول ﻣﺮآﺗﻬﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة وﺗﺤﺎول ﺗﺴﺮﯾﺢ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ
ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ وﺗﻨﺸﺮه ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻗﺘﯿﻦ ﻓﻮق ﺟﻤﺠﻤﺘﻬﺎ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺨﺘﻠﺲ ﻧﻈﺮات ﺳﺮﯾﻌﺔ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ان ﯾﺸﺎﻫﺪﻫﺎ اﺣﺪ ,
وان اﻗﺘﺮب اﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ,ﺗﻨﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﻮراء ﻟﺘﺴﺘﻜﯿﻦ ﺑﻬﺪوء وﺗﺪﻋﻲ اﻟﻨﻮم .وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻨﻮم ؟ ﻓﺈﻧﻬﺎ
ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر اﻟﻨﺰﻫﺔ وﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ...ﻫﻞ ﺗﺮى اﻵن ﻫﺬا اﻟﻠﻐﺰ اﻟﻤﺠﻬﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﺮأة أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟ إن ﻫﺬا
ﯾﺸﺪﻧﻲ اﻵن ﻟﻠﺒﻜﺎء .أﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺗﺎﻓﻬﺎ .وﻟﻢ اﻓﻬﻢ ﻫﺬا .وﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺪﻓﻌﻨﻲ ﻟﻠﺴﺨﺮﯾﺔ ,ﻓﻲ اﺣﺪ اﻷﯾﺎم
ﻏﻀﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ ,ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺑﺨﻨﻲ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ اﺟﺮي ﺧﻠﻒ اﻟﻔﺘﯿﺎت .ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺻﺤﺖ ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ دون ﻣﻮارﺑﺔ وﺑﻜﻞ
ﺻﺮاﻣﺔ !! ﻟﻤﺎذا ﺗﺪﻟﻜﯿﻦ ﺷﻔﺘﯿﻚ ﺑﻮرق اﻟﺠﻮز ﻛﻞ ﺳﺒﺖ .وﺗﺴﺮﺣﯿﻦ ﺷﻌﺮك .أﺗﻈﻨﯿﻦ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻧﺘﻨﺰه ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ؟ إﻧﻨﺎ ﻧﺄﺗﻲ
ﻣﻦ أﺟﻞ ﻛﺮﯾﺴﺘﺎﻟﻮ .أﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﻠﺴﺖ إﻻ ﺟﯿﻔﺔ ﻧﺘﻨﺔ .
ﻫﻞ ﺗﺼﺪق أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻘﻂ ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻤﺮأة .دﻣﻌﺘﺎن دﻓﻘﺘﺎ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ ﺟﺪﯾﺘﻲ .اﻧﻜﻤﺸﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ
ﻛﻠﺒﺔ ,وراﺣﺖ ذﻗﻨﻬﺎ ﺗﺮﺗﺠﻒ .وﺻﺤﺖ " ﻛﺮﯾﺴﺘﺎﻟﻮ " واﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻟﻜﻲ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ أن ﺗﺴﻤﻌﻨﻲ ﺑﻮﺿﻮح " :
ﻛﺮﯾﺴﺘﺎﻟﻮ " ...إن اﻟﺸﺒﺎب ﺣﯿﻮاﻧﺎت ﻗﺎﺳﯿﺔ ,إﻧﻬﻢ ﻟﯿﺴﻮ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ .ﻻ ﯾﻔﻬﻤﻮن ﺷﯿﺌﺎ.
ﻋﻨﺪﻫﺎ رﻓﻌﺖ ﺟﺪﺗﻲ ذراﻋﯿﻬﺎ اﻟﻨﺤﯿﻠﺘﯿﻦ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻤﺎر وﺻﺎﺣﺖ " ﻋﻠﯿﻚ اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﻗﻠﺒﻲ " وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﺪأت
ﺻﺤﺘﻬﺎ ﺗﺘﻼﺷﻲ وﺗﺘﺪﻫﻮر ,وﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮﯾﻦ ﻛﺎن ﯾﻮﻣﻬﺎ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﯾﻘﺘﺮب .وﺑﺪت أﯾﺎﻣﻬﺎ ﻣﻌﺪودة .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻀﺮ
ﺷﺎﻫﺪﺗﻨﻲ .ﻓﺸﻬﻘﺖ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺣﺸﺮة وﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﻤﺴﻜﻨﻲ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ " ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻧﺖ ﻣﻦ أﻧﻬﻰ ﺣﯿﺎﺗﻲ .ﻓﻠﯿﻠﻌﻨﻚ اﷲ
ﯾﺎ اﻟﻜﺴﯿﺲ وﯾﺠﻌﻠﻚ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﯿﺘﻪ أﻧﺎ"
واﺑﺘﺴﻢ زورﺑﺎ وﺗﺎﺑﻊ :
-آه .إن ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﻗﺪ أﺻﺎﺑﺖ ﻫﺪﻓﻬﺎ.
وراح ﯾﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺣﺎل ﺷﺎرﺑﻪ وﺗﺎﺑﻊ ﻗﺎﺋﻼ:
-إﻧﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺴﺘﯿﻦ اﻵن ,وﻟﻮ ﻋﺸﺖ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺌﺔ ﻓﻠﻦ أﺗﻘﺎﻋﺪ ,ﻓﺴﺄﻇﻞ اﺣﻤﻞ اﻟﻤﺮآة اﻟﺼﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﺟﯿﺒﻲ ,
وﺳﺄﺑﻘﻰ اﺟﺮي ﺧﻠﻒ اﻟﻨﺴﺎء.
واﺑﺘﺴﻢ ﺛﺎﻧﯿﺔ ,ورﻣﻰ ﺳﯿﺠﺎرﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ,وﻣﺪ ذراﻋﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﻲ أﺧﻄﺎء ﻏﯿﺮ ﻫﺬه ﻛﺜﯿﺮة ,إﻻ أﻧﻬﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻲ.
وﻗﻔﺰ ﻣﻦ ﺳﺮﯾﺮه وﺻﺎح:
-ﻟﻘﺪ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﯿﻪ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ اﻟﯿﻮم .ﯾﺠﺐ أن ﻧﺴﺘﻐﻞ اﻟﯿﻮم.
وارﺗﺪى ﺛﯿﺎﺑﻪ وﺣﺬاﺋﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻟﻤﺢ اﻟﺒﺼﺮ وﺧﺮج.
وﺑﺮأس ﻣﺤﻨﻲ ,رﺣﺖ اﺳﺘﻌﯿﺪ ﻛﻠﻤﺎت زورﺑﺎ ,وﻓﺠﺄة ﻟﻤﻌﺖ ﻓﻲ رأﺳﻲ ,ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﻟﺜﻠﻮج ,ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض
ﻷﻋﻤﺎل " رودان " وﺗﻮﻗﻔﺖ ﻷﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﯾﺪ ﺑﺮوﻧﺰﯾﺔ ﺿﺨﻤﺔ " ﯾﺪ اﷲ " ﻛﺎﻧﺖ اﻟﯿﺪ ﻧﺼﻒ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ .وﻓﻲ ﻧﺼﻒ اﻟﺮاﺣﺔ
ﻛﺎن ﯾﻮﺟﺪ رﺟﻞ واﻣﺮأة ﻣﺘﻌﺎﻧﻘﺎن ﯾﻜﺎﻓﺤﺎن.
ﺟﺎءت ﻓﺘﺎة واﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻨﻲ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو ﻏﯿﺮ ﻣﺴﺘﻜﯿﻨﺔ وﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ,وراﺣﺖ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﻨﺎق اﻷﺑﺪي ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﻞ و
اﻟﻤﺮأة .ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺤﯿﻠﺔ ,أﻧﯿﻘﺔ ,وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺷﻌﺮا أﺷﻘﺮ ﻛﺜﯿﻔﺎ .وذﻗﻨﺎ ﻗﺎﺳﯿﺔ وﺷﻔﺎه ﻧﺎﻋﻤﺔ ﻛﺎن ﺑﺎدﯾﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﺘﺼﻤﯿﻢ
واﻟﺮﺟﻮﻟﺔ .ﻛﺎن ﻓﻲ ﻃﺒﯿﻌﺘﻲ ﻋﺪم اﻟﺒﺪء ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ .وﻟﻜﻦ ﻻ ادري ﻣﺎ اﻟﺬي دﻓﻌﻨﻲ ﻷن أﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮﻫﺎ وأﺳﺄﻟﻬﺎ:
-ﺑﻤﺎذا ﺗﻔﻜﺮﯾﻦ ؟
ﻓﺘﻤﺘﻤﺖ ﺑﺴﺮﻋﺔ ؟
-آه ...ﻟﻮ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﻬﺮب!!!
-وأﯾﻦ ﻧﺬﻫﺐ ,ﻓﯿﺪ اﷲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن .ﻓﻼ ﯾﻮﺟﺪ أي ﻣﻬﺮب .ﻫﻞ أﻧﺖ أﺳﻔﺔ ؟
-ﻛﻼ ....ﻓﺎﻟﺤﺐ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻛﺒﺮ ﻣﺘﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد .ﻫﺬا ﻣﻤﻜﻦ .إﻧﻤﺎ اﻵن ﻓﺄرى ﺗﻠﻚ اﻟﯿﺪ اﻟﺒﺮوﻧﺰﯾﺔ .ﻓﺄﻓﻜﺮ ﺑﺎﻟﻬﺮب
-أﺗﻔﻀﻠﯿﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ ؟
-أﺟﻞ.
-وﻟﻜﻦ ﻟﻨﻔﺘﺮض ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻄﯿﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﯿﺪ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﺎ أﺣﺮار .ﻟﻨﻔﺘﺮض ﺑﺄن ﻛﻠﻤﺔ " اﷲ " ﻟﯿﺲ ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺘﻲ
ﺗﻤﻨﺤﻪ ﻟﻪ اﻟﺠﻤﺎﻫﯿﺮ.
ﻧﻈﺮت إﻟﻲ ﺑﻘﻠﻖ وﺑﺪت ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ رﻣﺎدﯾﺘﺎن ,وﺷﻔﺘﺎﻫﺎ ﺟﺎﻓﺘﯿﻦ ﻣﺮﺗﯿﻦ.
-ﻟﻢ أﻓﻬﻢ..
ﻗﺎﻟﺖ واﺑﺘﻌﺪت ﺑﺴﺮﻋﺔ.
اﺧﺘﻔﺖ ,وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ أﻓﻜﺮ ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ . .وﻟﻜﻦ ﻻﺑﺪ وأﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ داﺧﻠﻲ ,واﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻃﺊ
اﻟﻤﻬﺠﻮر ﻇﻬﺮت ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺷﺎﺣﺒﺔ ﻧﺤﯿﻠﺔ ,ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﻛﯿﺎﻧﻲ.
ﻧﻌﻢ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺗﻌﺮﻓﻲ ﻏﯿﺮ ﻻﺋﻘﺎ ,ﻛﺎن زورﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ,ﻓﺎﻟﯿﺪ اﻟﺒﺮوﻧﺰﯾﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺔ ,ﻓﺎﻻﺗﺼﺎل اﻷول ﻗﺪ ﺗﻢ .وﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻠﻄﯿﻔﺔ ﻗﺪ ﺗﺒﻮدﻟﺖ وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎ ,أن ﻧﺘﻌﺎﻧﻖ وﻧﺘﺤﺪ ﺑﻬﺪوء ودون إزﻋﺎج ﻓﻲ ﯾﺪ اﷲ .إﻻ أﻧﻨﻲ
ﻗﻔﺰت ﻓﺠﺄة ﻣﻦ اﻷرض ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻤﺎء .ﻓﺎرﺗﻌﺸﺖ اﻟﻔﺘﺎة وﻫﺮﺑﺖ.
ﻛﺎن اﻟﺪﯾﻚ اﻟﻌﺠﻮز ﯾﺼﯿﺢ ﻓﻲ ﺑﺎﺣﺔ ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻟﺴﯿﺪة ﻫﻮراﻧﺘﺲ ,وأﻧﻮار اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺗﺰﺣﻒ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﺼﻐﯿﺮة .واﻧﺤﺪرت ﻣﻦ اﻟﻔﺮاش .ﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ ﺑﺪأوا ﯾﻐﺪون ﺣﺎﻣﻠﯿﻦ ﻣﻌﺎوﻟﻬﻢ وﻣﺠﺎرﻓﻬﻢ ,وراح ﯾﺘﻨﺎﻫﻰ ﻟﻤﺴﺎﻣﻌﻲ
ﺻﻮت زورﺑﺎ ﯾﺼﺪر اﻷواﻣﺮ .ﻓﻘﺪ اﻧﻐﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ .إذ أن اﻹﻧﺴﺎن ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﺄﻣﺮ ,
وﯾﺤﺐ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ.
ﻣﺪدت رأﺳﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة اﻟﺼﻐﯿﺮة وﺷﺎﻫﺪﺗﻪ واﻗﻔﺎ ﻫﻨﺎك ,ﻛﺄﻧﻪ ﻋﻤﻼق ﺑﯿﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﻨﺤﯿﻔﯿﻦ ,اﻟﻘﺴﺎة ,
اﻟﺴﻤﺮ .ﻛﺎﻧﺖ ﯾﺪه ﻣﻤﺪودة ﺑﻘﺴﻮة وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﻣﺨﺘﺼﺮة وﻓﻲ ﺻﻠﺐ اﻟﻤﻮﺿﻮع.
وﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ اﻣﺴﻚ ﺑﻌﻨﻖ ﻓﺘﻰ ﺻﻐﯿﺮ ﻛﺎن ﯾﺘﻘﺪم ﻣﺘﻤﺘﻤﺎ ﺑﺼﻮت ﺧﻔﯿﺾ ,ﻓﺼﺎح زورﺑﺎ:
-ﻫﻞ ﻋﻨﺪك ﺷﻲء ﻟﺘﻘﻮﻟﻪ ؟ ﻫﯿﺎ ﻗﻠﻪ ﺑﺴﺮﻋﺔ وﺑﺼﻮت ﻋﺎل ,ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺣﺐ اﻟﺪﻣﺪﻣﺔ ,ﯾﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﻠﻌﻤﻞ و إﻻ
ﻋﺪ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻧﺔ .
ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻇﻬﺮت اﻟﺴﯿﺪة ﻫﻮراﻧﺘﺲ ,ﺑﺸﻌﺮ ﻣﺸﻌﺚ ,وﺧﺪﯾﻦ ﻏﺎﺋﺮﯾﻦ ,ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻀﻊ أي ﻣﺴﺤﻮق ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺮﺗﺪي ﺛﻮﺑﺎ ﻃﻮﯾﻼ ﻗﺬرا ,وﺗﻨﺘﻌﻞ زوﺟﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺬﯾﺔ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ اﻟﻤﻬﺘﺮﺋﺔ .وﺳﻌﻠﺖ ﺳﻌﺎﻻ ﻗﺎﺳﯿﺎ ﻛﺴﻌﺎل ﻣﻐﻨﯿﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ,
ﻛﺄﻧﻪ ﻧﻬﯿﻖ ﺣﻤﺎر ,ﺗﻮﻗﻔﺖ وﻧﻈﺮت ﻧﺤﻮ زورﺑﺎ ﺑﻜﻞ ﻓﺨﺮ وﻛﺒﺮﯾﺎء ,وﻣﻀﺖ ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ ,ﻓﺴﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ,ﻣﺘﻰ ﯾﻠﺤﻈﻬﺎ ,
وﻣﺮت ﺑﻘﺮﺑﻪ ,ﺗﻬﺰ وﺗﺤﺮك ردﻓﯿﻬﺎ ﺑﺈﺛﺎرة ﻣﺼﻄﻨﻌﺔ ,أﻛﻤﺎﻣﻬﺎ اﻟﻮﺳﺨﺔ ﻛﺎدت ﺗﻠﻤﺴﻪ ,إﻻ اﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺘﺤﻤﻞ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﻨﻈﺮ
إﻟﯿﻬﺎ ,وأﺧﺬ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﺒﺰ اﻟﺸﻌﯿﺮ وﻗﺒﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﯾﺘﻮن وﺻﺎح ﺑﺎﻟﻌﻤﺎل:
-اﻵن أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل .ﺑﺎﺳﻢ اﷲ ,ارﺳﻤﻮا ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ.
وﺳﺎر ﺑﻌﯿﺪا ﯾﺘﻘﺪم اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺨﻂ ﻃﻮﯾﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﺒﺎل .ﻟﻦ أﺻﻒ ﻫﻨﺎ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺠﻢ ...ﻓﻬﺬا ﯾﺤﺘﺎج ﻟﺼﺒﺮ ﻃﻮﯾﻞ ,وأﻧﺎ
ﯾﻨﻘﺼﻨﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﻪ ,ﻗﺮب اﻟﺒﺤﯿﺮة ﺑﻨﯿﻨﺎ ﻛﻮﺧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺐ واﻟﺨﯿﺰران وﺑﻘﺎﯾﺎ ﺻﻔﺎﺋﺢ اﻟﺒﻨﺰﯾﻦ ,ﻛﺎن زورﺑﺎ ﯾﺴﺘﯿﻘﻆ ﻋﻨﺪ
اﻟﻔﺠﺮ ,وﯾﺘﻨﺎول ﻣﻌﻮﻟﻪ ,وﯾﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ اﻟﻌﻤﺎل ,وﯾﻔﺘﺢ ﻧﻔﻘﺎ ﺟﺪﯾﺪا ,وﯾﻜﺘﺸﻒ ﻋﺮﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ وﯾﺮﻗﺺ
ﻣﻦ اﻟﻔﺮح .إﻻ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﯾﻮﻣﯿﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ ﯾﺘﻮه ﻋﻦ اﻟﻌﺮق ﻓﯿﺼﯿﺢ وﯾﺮﻣﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﯾﺮﻓﻊ رﺟﻠﯿﻪ وﯾﻠﻮح ﺑﻬﻤﺎ
ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻤﺎء ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺴﺨﺮ أو ﯾﻬﺰأ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء.
ﻛﺎن ﯾﻌﻤﻞ ﺑﻜﻞ إﺧﻼص .وﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻷول ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻋﺒﺮ ﯾﺪي ﻟﯿﺴﺘﻠﻤﻬﺎ ﻫﻮ ﺑﻜﻞ ﺷﺠﺎﻋﺔ ,ﻛﺎن ﻋﻤﻠﻪ
ﻫﻮ أن ﯾﺘﺨﺬ اﻟﻘﺮار وان ﯾﻀﻌﻪ ﻗﯿﺪ اﻟﺘﻨﻔﯿﺬ ,وﻛﺎن ﻋﻠﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻌﻮاﻗﺐ .إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﺘﺪاﺑﯿﺮ ﻧﺎﺳﺒﺘﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻷﻧﻨﻲ ﺷﻌﺮت
ﺑﺄن ﻫﺬه اﻟﺸﻬﻮر ﺳﺘﻜﻮن أﺳﻌﺪ أﯾﺎم ﺣﯿﺎﺗﻲ
وﺑﺎﻋﺘﺒﺎر ﻛﻞ ﻫﺬا ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻨﻲ أﺷﺘﺮي ﺳﻌﺎدﺗﻲ ﺑﺜﻤﻦ زﻫﯿﺪ...
ﻛﺎن ﺟﺪي ,واﻟﺪ أﻣﻲ ,اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺴﻜﻦ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻗﺮى ﺟﺰﯾﺮة ﻛﺮﯾﺖ ,اﻋﺘﺎد أن ﯾﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ ﻓﺎﻧﻮﺳﻪ ﻟﯿﺪور ﻓﻲ
ﺷﻮارع اﻟﻔﺮﯾﺔ ,ﻋﻠﻪ ﯾﺼﺎدف أﺣﺪ اﻟﻐﺮﺑﺎء .ﻓﯿﺼﻄﺤﺒﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻟﯿﻘﺪم ﻟﻪ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ,وﻣﻦ ﺛﻢ ﯾﺠﻠﺲ ﻓﻮق
أرﯾﻜﺘﻪ اﻟﻤﻌﺘﺎدة وﯾﺸﻌﻞ ﻏﻠﯿﻮﻧﻪ اﻟﺘﺮﻛﻲ ,وﯾﻠﺘﻒ ﻧﺤﻮ ﺿﯿﻔﻪ ,اﻟﺬي ﺣﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻜﻲ ﯾﺮد ﻟﻪ اﻟﻀﯿﺎﻓﺔ ,وﯾﻘﻮا ﺑﻠﻬﺠﺔ
واﺛﻘﺔ ﻗﺎﺳﯿﺔ:
-ﻫﯿﺎ ...ﺗﻜﻠﻢ...
-أﺗﻜﻠﻢ ....ﻋﻦ ﻣﺎذا أﯾﻬﺎ اﻷب ﻣﻮﺳﺘﻮﯾﻮرﺟﻲ ؟
-ﻣﺎذا ﺗﻜﻮن ؟؟ ﻣﻦ ﺗﻜﻮن ؟؟ ﻣﻦ أﯾﻦ أﻧﺖ ؟؟ ﻋﻦ اﻟﻤﺪن واﻟﻘﺮى اﻟﺘﻲ زرﺗﻬﺎ ؟؟ ﻛﻞ ﺷﻲء ,ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻫﯿﺎ
ﺗﻜﻠﻢ.
وﯾﺒﺪأ اﻟﻀﯿﻒ ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ دون ﻫﺪف ,ﻟﯿﺨﻠﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ واﻷﺳﺎﻃﯿﺮ ,ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﺟﺪي ﺟﺎﻟﺴﺎ ﺑﻬﺪوء ﻓﻮق أرﯾﻜﺘﻪ
ﯾﺪﺧﻦ ﻏﻠﯿﻮﻧﻪ ,ﯾﺼﻐﻲ ﻟﻀﯿﻔﻪ ﺑﻜﻞ ﺟﻮارﺣﺔ وﻣﺘﺎﺑﻌﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﺳﻔﺎره .وإن أﺣﺐ اﻟﻀﯿﻒ ,ﻓﺴﻮف ﯾﻘﻮل ﻟﻪ:
-ﺳﻮف ﺗﺒﻘﻰ ﯾﻮم ﻏﺪ أﯾﻀﺎ ,ﺳﻮف ﻟﻦ ﺗﺮﺣﻞ ,ﻓﻘﺪ ﺑﻘﻲ ﻋﻨﺪك أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ﻟﺘﻘﺼﻬﺎ ﻋﻠﻲ.
ﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﺟﺪي ﻗﺮﯾﺘﻪ أﺑﺪا ,ﺣﺘﻰ إﻟﻲ ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ أو ﻛﺎﻧﯿﺎ ) ﻟﻤﺎذا أذﻫﺐ ﻟﻬﻨﺎك ( ﻛﺎن ﯾﻘﻮل إن ﺑﻌﺾ أﻫﺎﻟﻲ ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ وﻛﺎﻧﯿﺎ ,
ﯾﻤﺮون ﻣﻦ ﻫﻨﺎ .وﻫﻜﺬا ﻓﻜﺎﻧﺪﯾﺎ وﻛﺎﻧﯿﺎ ﯾﺄﺗﻮن إﻟﻲ .إذن ﻟﻤﺎذا أذﻫﺐ أﻧﺎ إﻟﯿﻬﻢ ؟ !!!
وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ اﺗﺒﻊ أﻧﺎ ﻋﺎدة ﺟﺪي .أﻧﺎ أﯾﻀﺎ ﻗﺪ وﺟﺪت ﺿﯿﻔﻲ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻪ ﻣﻊ ﻗﻨﺪﯾﻠﻲ .وﺳﻮف ﻟﻦ
أدﻋﻪ ﯾﺮﺣﻞ .ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﻮ ﯾﻜﻠﻔﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮ ﻋﺸﺎء ,إﻻ أﻧﻪ ﯾﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ﻫﺬا ,ﻛﻞ ﻣﺴﺎء اﻧﺘﻈﺮ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ,و
أﺟﻠﺴﻪ أﻣﺎﻣﻲ وﻧﻠﺘﻬﻢ ﻃﻌﺎﻣﻨﺎ .وﺣﯿﻦ ﯾﺤﯿﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﯿﺮد ﻟﻲ اﻟﻀﯿﺎﻓﺔ أﻗﻮل ﻟﻪ " ﺗﻜﻠﻢ " وأدﺧﻦ ﻏﻠﯿﻮﻧﻲ وأﺻﻐﻲ .ﻫﺬا
اﻟﻀﯿﻒ ﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﺮه وﺧﺒﺮ اﻟﺮوح اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ .وأﻧﺎ ﻻ آﻣﻞ أﺑﺪا اﻹﺻﻐﺎء إﻟﯿﻪ.
-ﺗﻜﻠﻢ ﯾﺎ زورﺑﺎ .....ﺗﻜﻠﻢ
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺒﺪأ ﺣﺪﯾﺜﻪ ﺗﺒﺪو أﻣﺎم ﻧﺎﻇﺮي " ﻣﺎﺳﯿﺪوﻧﯿﺎ " ﺣﯿﺚ ﺗﻤﺘﺪ ﻓﻲ اﻟﻔﺴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﯿﻦ زورﺑﺎ وﺑﯿﻨﻲ ,ﺑﺠﺒﺎﻟﻬﺎ وﻏﺎﺑﺎﺗﻬﺎ
و ﺳﯿﻮﻟﻬﺎ وﺛﻮارﻫﺎ .وﻧﺴﺎءﻫﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﻤﻠﻮن ﺑﺠﺪ ورﺟﺎﻟﻬﺎ ذوو اﻷﺟﺴﺎم اﻟﻀﺨﻤﺔ .وأﯾﻀﺎ ﺟﺒﻞ آﺗﻮس ﺑﺄﺑﺮﺷﯿﺎﺗﻪ
اﻟﻮاﺣﺪ واﻟﻌﺸﺮون وﻣﺼﺎﻧﻊ اﻷﺳﻠﺤﺔ ,وﺳﻜﺎﻧﻪ اﻟﻌﺎﻃﻠﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻨﻬﻲ زورﺑﺎ ﺣﺪﯾﺜﻪ ﻋﻦ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﯾﻬﺰ
رأﺳﻪ وﯾﻐﺮق ﺑﺎﻟﻀﺤﻚ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﯿﺤﻔﻈﻚ اﷲ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﻦ ﻣﺆﺧﺮات اﻟﺒﻐﺎل وﻣﻘﺪﻣﺎت اﻟﺮﻫﺒﺎن.
ﻛﻞ ﯾﻮم ﯾﺄﺧﺬﻧﻲ زورﺑﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﯿﻮﻧﺎن ,ﺑﻠﻐﺎرﯾﺎ واﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ .ﻓﺄﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﻲ ...وأرى .ﻛﺎن ﻗﺪ ﺟﺎل ﻛﻞ ﺳﻬﻮل اﻟﺒﻘﺎن
وﻋﺎﯾﻨﻬﺎ ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ اﻟﺼﻐﯿﺮﺗﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻛﺎن ﯾﻔﺘﺤﻬﻤﺎ ﺑﺪﻫﺸﺔ وﺗﻌﺠﺐ ,أﺷﯿﺎء اﻋﺘﺪﻧﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ ,ﺗﻤﺮ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻃﺔ .
وﻓﺠﺄة ﺗﻘﻔﺰ أﻣﺎم زورﺑﺎ ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻣﺮدة ﻣﺨﯿﻔﯿﻦ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺸﺎﻫﺪ اﻣﺮأة ﺗﻤﺮ أﻣﺎﻣﻨﺎ ,ﯾﺘﻮﻗﻒ ﺑﺬﻫﻮل وﯾﺘﺴﺎءل:
-ﯾﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻠﻐﺰ اﻟﻤﺤﯿﺮ ! ﻣﺎ ﺳﺮ اﻟﻤﺮأة ....ﻟﻤﺎذا ﺗﺪﯾﺮ رؤوﺳﻨﺎ .؟ ﻫﯿﺎ أﺧﺒﺮﻧﻲ ..أﻧﺎ أﺳﺄﻟﻚ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا ؟؟؟
اﻧﻪ ﯾﺴﺘﺠﻮﺑﻨﻲ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ,وﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺬﻫﻮل ,ﻛﻠﻤﺎ ﻟﻤﺢ رﺟﻼ ,ﺷﺠﺮة ﻓﻲ أوﺟﻬﺎ أو ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد .إن
زورﺑﺎ ﯾﺮى ﯾﻮﻣﯿﺎ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﺷﯿﺎء وﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮاﻫﺎ ﻷول ﻣﺮة.
ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻛﻨﺎ ﺟﺎﻟﺴﯿﻦ ﻗﺮب اﻟﻜﻮخ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺐ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺮ ,واﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻣﻬﻤﺎ ﯾﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻷﺣﻤﺮ ,أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ اﺧﺒﺮﻧﻲ . ,أﻏﺼﺎن ﻗﺪﯾﻤﺔ ﺗﻨﺒﺖ أﻏﺼﺎن .وﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺾ
اﻟﺤﺼﺮم اﻟﺤﺎﻣﺾ ﯾﺘﺪﻟﻰ ﻓﯿﻬﺎ .وﯾﻤﺮ اﻟﻮﻗﺖ وﺗﻨﻀﺞ ﺗﺤﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ,وﯾﺼﺒﺢ ﺑﺤﻼوة اﻟﻌﺴﻞ .ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻧﺪﻋﻮه
ﻋﻨﺒﺎ .وﻧﺪوﺳﻬﻢ ﺑﺄرﺟﻠﻨﺎ وﻧﻘﻄﺮ ﻋﺼﯿﺮﻫﺎ وﻧﻀﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺮاﻣﯿﻞ ﺧﺸﺒﯿﺔ .ﻓﯿﺨﺘﻤﻮرن ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎءﻫﻢ .وﻧﻔﺘﺤﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﺪ
اﻟﻘﺪﯾﺲ ﯾﻮﺣﻨﺎ اﻟﺴﻜﯿﺮ وﻧﺠﺪﻫﻢ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﻮا ﻧﺒﯿﺬا .إﻧﻬﺎ ﻣﻌﺠﺰة .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺸﺮب ﻫﺬا اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻷﺣﻤﺮ وﯾﻨﺘﻔﺦ دﻣﺎﻏﻚ ,
وﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄن روﺣﻚ ﺗﻜﺒﺮ ,ﺗﻜﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﯿﻜﻞ اﻟﻌﻈﻤﻲ اﻟﻘﺪﯾﻢ ,وﺗﺘﺤﺪى اﷲ ﻟﻠﻘﺘﺎل ,اﺧﺒﺮﻧﻲ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻛﯿﻒ ﯾﺘﻢ ﻛﻞ
ﻫﺬا.
ﻟﻢ اﺟﺐ ﺷﻌﺮت وأﻧﺎ أﺻﻐﻲ ﻟﺰورﺑﺎ ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﯾﺘﻜﺸﻒ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ :ﻛﻞ اﻷﯾﺎم اﻟﻘﺎﺳﯿﺔ ﻗﺪ ﻋﺎدت ﻟﻬﺎ ﺣﯿﻮﯾﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي اﷲ .اﻟﻤﺎء ,اﻟﻨﺴﻮة ,اﻟﻨﺠﻮم واﻟﺨﺒﺰ ,ﻛﻠﻬﺎ ﻋﺎدت اﻟﻤﺤﯿﺮ واﻟﺪواﻣﺔ
اﻹﻟﻬﯿﺔ ﻋﺎدت ﻟﺘﺪور ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ.
ﻟﻬﺬا ,ﻛﻨﺖ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ,أﺗﻤﺪد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﻰء ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر زورﺑﺎ .ﻓﺄراه ﯾﺨﺮج ﺑﻘﻮة ﻣﻦ ﺑﻄﻦ اﻷرض ﺑﺠﺴﺪه اﻟﻤﻠﻲء
ﺑﺎﻟﻮﺣﻞ واﻷﻗﺬار وﺧﻄﻮاﺗﻪ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ,ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺷﺎﻫﺪ ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﯿﺠﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﯿﻮم ,ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ
ﺳﯿﺮه ,ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎب رأﺳﻪ ﻋﺎﻟﯿﺎ أو اﻧﺨﻔﺎﺿﻪ وﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎت ﯾﺪﯾﻪ اﻟﻤﺘﺄرﺟﺤﺘﺎن.
أول اﻷﻣﺮ ﻛﻨﺖ أراﻓﻘﻪ ﻷراﻗﺐ اﻟﻌﻤﺎل ,ﻛﻨﺖ أﺟﻬﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻣﺠﺮى ﺣﯿﺎﺗﻲ ,ﻷﺷﻐﻞ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺣﯿﺎة
ﻋﻤﻠﯿﻪ ,ﻷﻋﺮف وأﺣﺐ اﻟﻤﺎدﯾﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ,ﻷﺧﺘﺒﺮ واﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻤﺘﻌﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻈﺮﺗﻬﺎ ﻃﻮﯾﻼ ﻻ ﻣﺠﺮد
ﻛﻠﻤﺎت اﻗﺮأﻫﺎ أو أﻛﺘﺒﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﻊ رﺟﺎل ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة.
ورﺳﻤﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺮوﻣﺎﻧﺘﯿﻜﯿﺔ ,ﻓﯿﻤﺎ ﻟﻮ ﻧﺠﺢ ﻣﺸﺮوع اﻟﺘﻨﻘﯿﺐ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﻢ .ﺳﻮف اﻧﻈﻢ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت
اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺣﯿﺚ ﻧﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء .وﺣﯿﺚ ﺳﻨﺄﻛﻞ ﺟﻤﯿﻌﻨﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻄﻌﺎم ,وﻧﺮﺗﺪي ﻧﻔﺲ اﻟﻠﺒﺎس ﻛﺄﻧﻨﺎ أﺧﻮة ,
وﺧﻠﻘﺖ ﻓﻲ رأﺳﻲ أﻣﺮا دﯾﻨﯿﺎ ﺟﺪﯾﺪا ,ﻧﻮاة ﻟﺤﯿﺎة ﺟﺪﯾﺪة.
وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﻗﺮرت ﺑﻌﺪ أن أﻓﺎﺗﺢ زورﺑﺎ ﺑﻤﺸﺮوﻋﻲ ,ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻨﺰﻋﺞ ﻣﻦ ذﻫﺎﺑﻲ وﻣﺠﯿﺌﻲ ﺑﯿﻦ ﺻﻔﻮف اﻟﻌﻤﺎل .
اﺳﺄل وأﺗﺪﺧﻞ ,وداﺋﻤﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﻤﺎل .ﻋﻨﺪﻫﺎ ﯾﻘﻠﺐ زورﺑﺎ ﺷﻔﺘﯿﻪ ﻗﺎﺋﻼ :
-أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ أﻟﻦ ﺗﺬﻫﺐ ﻓﻲ ﻧﺰﻫﺔ ﺑﻌﯿﺪا ﻣﻦ ﻫﻨﺎ .أﻻ ﺗﺮى اﻟﺸﻤﺲ واﻟﺒﺤﺮ ﻫﻨﺎك ؟
ﻓﻲ ﺑﺎدىء اﻷﻣﺮ ﻛﻨﺖ أﺻﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻘﺎء وأﺑﻘﻰ ,ﻛﻨﺖ أﺳﺄل وأﺛﺮﺛﺮ ,أردت أن اﻋﻠﻢ ﻗﺼﺔ ﺣﯿﺎة ﻛﻞ رﺟﻞ .ﻛﻢ ﻣﻦ اﻷوﻻد
ﻟﺪﯾﻬﻢ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻌﯿﻠﻮﻫﻢ وأﺧﻮات ﻟﯿﺰوﺟﻮﻫﻢ وأﻗﺮﺑﺎء ﻟﯿﺲ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﯿﻦ .ﺑﻤﺎذا ﯾﻬﻤﺘﻮن ,واﻷﻣﺮاض وﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﻠﻘﻬﻢ.
-ﻻ ﺗﻐﻮص ﻫﻜﺬا ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﺣﯿﺎﺗﻬﻢ .أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,ﺳﻮف ﺗﻨﺪﻓﻊ ﻧﺤﻮﻫﻢ ﺑﻘﻠﺒﻚ اﻟﺮﻗﯿﻖ ,وﺳﻮف ﺗﺤﺒﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﺠﺐ
ﻟﻤﺼﻠﺤﺘﻚ وﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ ,وﻣﻬﻤﺎ ﺳﻮف ﯾﻔﻌﻠﻮن ﺳﺘﺨﻠﻖ ﻟﻬﻢ اﻷﻋﺬار .ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻠﺘﺴﺎﻋﺪﻧﺎ اﻵﻟﻬﺔ ,ﻓﺴﻮف ﯾﻬﻤﻠﻮن
ﻋﻤﻠﻬﻢ ,وﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﻪ ﺑﺄي ﻃﺮﯾﻘﺔ ﯾﺮﯾﺪوﻧﻬﺎ ,وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻓﻠﯿﺴﺎﻋﺪﻧﺎ اﷲ أﯾﻀﺎ .ﯾﺠﺐ أن ﺗﺪرك ﻫﺬا ﺟﯿﺪا ,ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن
اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻗﺎﺳﯿﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺳﯿﺤﺘﺮﻣﻮﻧﻪ اﻟﻌﻤﺎل وﯾﻌﻤﻠﻮن ﺑﺠﺪ ,وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻧﺎﻋﻤﺎ ﯾﺘﺮﻛﻮن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﯿﻪ وﯾﻤﻀﻮن وﻗﺘﺎ
ﻃﯿﺒﺎ ,ﻫﻞ ﺗﻔﻬﻢ ﻫﺬا ؟
ﻓﻲ إﺣﺪى اﻷﻣﺴﯿﺎت ,ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎﺋﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ,رﻣﻰ ﺑﻤﻌﻮﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻈﻞ وﺻﺎح ﻗﺎﺋﻼ ﺑﻌﺪ أن ﻧﻔﺬ ﺻﺒﺮه:
-اﻧﻈﺮ ﻫﻨﺎ ,ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺪﺧﻞ ,ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ اﺑﻨﻲ ﻓﯿﻬﺎ أﻧﺖ ﺗﻬﺪم ﻛﻞ ﺷﻲء ...واﻵن ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻛﻨﺖ
ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻨﻪ اﻟﯿﻮم ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل ؟ اﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ وﻫﺮاء ؟ ﻫﻞ أﻧﺖ واﻋﻆ أو رأﺳﻤﺎﻟﻲ ؟ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻘﺮر...
وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن اﺧﺘﺎر ؟ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺣﺎول ﺟﻬﺪي أن اﺟﻤﻊ ﺑﯿﻦ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺸﯿﺌﯿﻦ .ﻷﺟﺪ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ ﻫﺬﯾﻦ
اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﯿﻦ و ﻷﻧﺠﺢ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ اﻷرض وﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎوات ,ﻛﺎن ﻫﺬا ﯾﺘﻌﺎﻣﻞ داﺧﻠﻲ ﻣﻨﺬ
ﺳﻨﻮات ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺬ اﻷﯾﺎم اﻷوﻟﻰ ﻟﻄﻔﻮﻟﺘﻲ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻻ أزال ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ .ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﻈﻤﺖ ﻣﻊ اﻗﺮب أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ
ﺟﻤﻌﯿﺔ ﺳﺮﯾﺔ ﺗﺪﻋﻰ " اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻮدي " ﻫﺬا ﻛﺎن اﻻﺳﻢ اﻟﺬي أﻃﻠﻘﻨﺎه ﻋﻠﯿﻬﺎ .وداﺧﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﻲ اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ أﻗﺴﻤﻨﺎ
اﻟﯿﻤﯿﻦ ﻟﻨﻜﺮس ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﻣﻦ اﺟﻞ ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻈﻠﻢ .دﻣﻮع ﻏﺰﯾﺮة اﻧﻬﻤﺮت ﻓﻮق وﺟﻮﻫﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻗﺴﻤﻨﺎ اﻟﯿﻤﯿﻦ و أﯾﺪﯾﻨﺎ ﻓﻮق
ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ
ﻣﺒﺎدىء ﺻﺒﯿﺎﻧﯿﺔ ! وﻟﻜﻦ ﯾﺎ ﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﯾﺴﺨﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺴﻤﻌﻬﺎ ,وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪت ﻣﺎ ﺻﺎر إﻟﯿﻪ أﻋﻀﺎء ﻫﺬه
اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ,ﻣﻦ أﻃﺒﺎء ﻣﺪﻋﻮن ,وﻣﺤﺎﻣﻮن ﻏﺸﺎﺷﻮن ,وأﺻﺤﺎب ﻣﺤﻼت ,ﺳﯿﺎﺳﯿﻮن دﺟﺎﻟﻮن وﺻﺤﻔﯿﻮن ﺧﻮﻧﺔ .
ﻏﺎص ﻗﻠﺒﻲ ,إن ﻣﻨﺎخ ﻫﺬه اﻷرض ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﺟﻠﻒ وﻗﺎس ,واﺛﻤﻦ اﻟﺒﺬور ﻻ ﺗﻨﻤﻮ وﺗﺨﺘﻔﻲ ﺗﺤﺖ اﻷرض وﺑﯿﻦ اﻟﺸﻮك
واﻟﻘﺮاص .أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أرى ﺑﻜﻞ وﺿﻮح اﻟﯿﻮم ,ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﻔﺴﻲ ,ﻟﻢ أﺻﺒﺢ ﻣﻌﻘﻮﻻ ﺑﻌﺪ ,وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺘﻤﺠﺪ اﺳﻢ اﻟﺮب ,
اﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻻ أزال ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻷﻗﻮم ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮات اﻟﺪون ﻛﯿﺸﻮﺗﯿﺔ.
ﻛﻨﺎ أﯾﺎم اﻵﺣﺎد ﻧﺤﻀﺮ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﻜﻞ ﻋﻨﺎﯾﺔ وﻛﺄﻧﻨﺎ ﺷﺎﺑﯿﻦ ﯾﺤﻀﺮان ﻧﻔﺴﯿﻬﻤﺎ ﻟﻠﺰواج ,وﻧﺤﻠﻖ وﻧﺮﺗﺪي ﻗﻤﺼﺎﻧﺎ ﺑﯿﻀﺎء ,
وﻧﺘﻮﺟﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ﻟﺮؤﯾﺔ اﻟﺴﯿﺪة ﻫﻮراﻧﺘﺲ ,ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﯾﻮم أﺣﺪ ﺗﺬﺑﺢ ﻟﻨﺎ ﻃﯿﺮا ,وﻛﻨﺎ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﯿﺎن ﻧﺠﻠﺲ ﺛﻼﺛﺘﻨﺎ ﻟﻨﺄﻛﻞ
وﻧﺸﺮب ,وﺗﻤﺘﺪ ﯾﺪ زورﺑﺎ إﻟﻰ ﺻﺪر اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻤﻀﯿﺎف ﻟﯿﻤﺘﻠﻜﻪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﻞ اﻟﻠﯿﻞ ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﺷﺎﻃﺌﻨﺎ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﯿﺎة
ﺗﺒﺪو ﺑﺴﯿﻄﺔ وﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﻨﻮاﯾﺎ اﻟﺤﺴﻨﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﺎﻟﺴﯿﺪة ﻫﻮراﻧﺘﺲ.
وذات أﺣﺪ وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻋﺎﺋﺪﯾﻦ ﻣﻦ وﻟﯿﻤﺘﻨﺎ اﻟﻤﻤﺘﻌﺔ ,ﻗﺮرت أن اﺧﺒﺮ زورﺑﺎ ﺑﻤﺸﺎرﯾﻌﻲ .أﺻﻐﻰ إﻟﻲ ﻣﺠﺒﺮا ﻧﻔﺴﻪ ,
وﺿﺎﻏﻄﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻟﯿﻜﻮن ﺻﺒﻮرا ﻛﻔﺎﯾﺔ .إﻻ اﻧﻪ ﻣﻦ وﻗﺖ ﻷﺧﺮ ﻛﺎن ﯾﻬﺰ رأﺳﻪ اﻟﻀﺨﻢ ﺑﻐﻀﺐ ﻇﺎﻫﺮ ...ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ اﻷوﻟﻰ
ﺟﻌﻠﺘﻪ ﯾﺼﺤﻮ ﻣﻦ ﺳﻜﺮه ...وﻃﺮدت اﻟﺨﻤﺮة ﻣﻦ رأﺳﻪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻬﯿﺖ ﻧﺰع ﺑﻌﺼﺒﯿﺔ ﺷﻌﺮة أو ﺷﻌﺮﺗﯿﻦ ﻣﻦ ﺷﺎرﺑﻪ
وﻗﺎل :
-اﻋﺬرﻧﻲ ﻟﻤﺎ ﺳﺄﻗﻮﻟﻪ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ,و ﻟﻜﻦ ﻻ أﻋﺘﻘﺪ أن ﻋﻘﻠﻚ ﻗﺪ اﻛﺘﻤﻞ ﺑﻌﺪ .ﻛﻢ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ؟
-ﺧﻤﺴﺔ وﺛﻼﺛﻮن ﺳﻨﺔ .
-إذا ﻓﻬﻮ ﻟﻦ ﯾﻜﺘﻤﻞ أﺑﺪا.
واﻧﻔﺠﺮ ﻣﻘﻬﻘﻬﺎ ,وﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻲ ﻟﺴﻌﺖ .وﺻﺤﺖ ﺑﻪ :
-أﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ؟
-واﻵن ﻻ ﺗﻨﺪﻓﻊ ﻏﺎﺿﺒﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ! ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أؤﻣﻦ ﺑﺄي ﺷﻲء ,ﻓﻠﻮ ﻛﻨﺖ أؤﻣﻦ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﻷﻣﻨﺖ ﺑﺎﷲ و ﻟﻜﻨﺖ أﻣﻨﺖ
ﺑﺎﻟﺸﯿﻄﺎن أﯾﻀﺎ ,وﻫﺬه ﻫﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺣﯿﺚ ﺗﺨﺘﻠﻂ اﻷﺷﯿﺎء وﺗﺴﺒﺐ ﻟﻲ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻘﯿﺪ .
وﺧﯿﻢ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺼﻤﺖ ,واﻧﺘﺰع ﻗﺒﻌﺘﻪ وﺣﻚ رأﺳﻪ ﺑﻘﻮة وﺷﺪ ﺷﺎرﺑﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻨﺘﺰﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ .ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻘﻮل
ﺷﯿﺌﺎ ,إﻻ أﻧﻪ ﻣﻨﻊ ﻧﻔﺴﻪ وﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﻣﻦ زاوﯾﺔ ﻋﯿﻨﻪ ,وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﺛﺎﻧﯿﺔ وﻗﺮر أن ﯾﺘﻜﻠﻢ .وﺻﺎح ﺿﺎرﺑﺎ اﻷرض
ﺑﻌﺼﺎه ﺑﻘﺴﻮة:
-اﻹﻧﺴﺎن ﻟﯿﺲ إﻻ ﺑﻬﯿﻤﺔ .ﺑﻬﯿﻤﺔ ﻛﺒﯿﺮة .إﻻ أن ﺳﻌﺎدﺗﻚ ﻻ ﺗﺪرك ﻫﺬا أﺑﺪا .إذ ﯾﺒﺪو ﺑﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﺎن ﺳﻬﻼ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ
ﻟﻚ .اﺳﺄﻟﻨﻲ أﻧﺎ ﻓﺄﺟﯿﺒﻚ ﺑﺄﻧﻪ ﺑﻬﯿﻤﺔ ﻓﺈن ﻛﻨﺖ ﻗﺎﺳﯿﺎ ﻣﻌﻪ ﺳﻮف ﯾﺨﺎﻓﻚ وﯾﺤﺘﺮﻣﻚ .وان ﻛﻨﺖ ﻟﻄﯿﻔﺎ ﻣﻌﻪ ﻓﺴﻮف ﯾﻨﺘﺰع
ﻋﯿﻮﻧﻚ .اﺣﻔﻆ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻨﻬﻢ ,ﻻ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺮﺟﺎل أﻗﻮﯾﺎء ﻫﻜﺬا .ﻻ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﯿﻨﻬﻢ وﺗﻘﻮل ﻟﻬﻢ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻛﻠﻨﺎ ﻣﺘﺴﺎوون .
وان ﻟﻨﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﺤﻘﻮق ,و إﻻ ﺳﻮف ﯾﺪوﺳﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻗﻚ أﻧﺖ .ﺳﻮف ﯾﺴﺮﻗﻮن ﺧﺒﺰك وﯾﺘﺮﻛﻮﻧﻚ ﺗﻤﻮت ﻣﻦ اﻟﺠﻮع ,
اﺣﻔﻆ ﻣﺮﻛﺰك أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺨﯿﺮ اﻟﺬي أﺗﻤﻨﺎه ﻟﻚ.
-وﻟﻜﻦ أﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺸﻲء ؟
-ﻛﻼ ﻻ أؤﻣﻦ ﺑﺸﻲء ﺑﺎﻟﻤﺮة .ﻛﻢ ﻣﺮة ﯾﺠﺐ أن أﻛﺮر ﻫﺬا .ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أؤﻣﻦ ﺑﺄي ﺷﻲء أو ﺑﺄي ﺷﺨﺺ .ﺑﻞ ﺑﺰورﺑﺎ وﺣﺪه ,
ﻟﯿﺲ ﻷن زورﺑﺎ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻏﯿﺮه ,ﻛﻼ ﻓﻬﻮ ﺑﻬﯿﻤﺔ ﻛﻐﯿﺮه .وﻟﻜﻦ ﻷن زورﺑﺎ ﻫﻮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺘﻲ ,
واﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي أﻋﺮﻓﻪ .أﻣﺎ اﻟﺒﺎﻗﻮن ﻓﻜﻠﻬﻢ أﺷﺒﺎح ,ﻓﺎﻧﺎ أرى ﺑﻬﺎﺗﯿﻦ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ,واﺳﻤﻊ ﺑﻬﺎﺗﯿﻦ اﻷذﻧﯿﻦ ,واﻫﻀﻢ ﺑﻬﺬه
اﻟﻤﻌﺪة .ﻛﻞ اﻟﺒﺎﻗﻮن أﺷﺒﺎح أﻗﻮل ﻟﻚ ,ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﻮت ,ﻓﺴﻮف ﯾﻤﻮت ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻌﻲ .ﻛﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺰورﺑﻲ ﺳﻮف ﯾﻐﻮص
ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎق.
ﻓﻘﻠﺖ ﺳﺎﺧﺮا:
-ﯾﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ أﻧﺎﻧﯿﺔ! .
-ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ ﻣﻌﻬﺎ ﺷﻲء .آﻛﻞ ﻓﺎﺻﻮﻟﯿﺎء ﻓﺄﺗﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﻔﺎﺻﻮﻟﯿﺎء ,أﻧﺎ زورﺑﺎ ﻓﺄﺗﺤﺪث ﻋﻦ زورﺑﺎ.
ﻟﻢ اﻗﻞ ﺷﯿﺌﺎ .ﻛﻠﻤﺎت زورﺑﺎ ﻟﺴﻌﺘﻨﻲ ﻛﺎﻟﺴﻮط .ﻟﻘﺪ أدﻫﺸﺘﻨﻲ ﻗﻮﺗﻪ ,ﻻﺣﺘﻘﺎره اﻟﺮﺟﺎل إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ,وﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ
رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﯿﺶ واﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﻬﻢ ,أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﯿﺠﺐ إﻣﺎ أن أﺻﺒﺢ ﻧﺎﺳﻜﺎ ,أو أزﺧﺮف رؤوس اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺮﯾﺶ ﻣﺰﯾﻒ ﺣﺘﻰ
أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺗﺤﻤﻠﻬﻢ.
اﻟﺘﻔﺖ زورﺑﺎ ﻧﺤﻮي ,وﺗﺤﺖ ﺿﻮء اﻟﻨﺠﻮم اﺳﺘﻄﻌﺖ أن أرى ﺿﺤﻜﺔ زورﺑﺎ ﺣﺘﻰ أذﻧﯿﻪ.
-ﻫﻞ أزﻋﺠﺘﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺋﯿﺲ ؟
ﻗﺎل ﻓﺠﺄة ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ .ﻧﻈﺮ إﻟﻲ زورﺑﺎ ﺑﻌﻄﻒ وﻗﻠﻖ ,ﻟﻢ اﺟﺐ ,ﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﻋﻘﻠﻲ ﯾﻮاﻓﻖ زورﺑﺎ إﻻ أن
ﻗﻠﺒﻲ راح ﯾﻘﺎوم ,ﯾﺮﯾﺪ اﻻﻧﻄﻼق واﻟﻬﺮوب ﻣﻦ اﻟﺒﻬﯿﻤﺔ ,وﻟﯿﺴﯿﺮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻪ اﻟﺨﺎص .ﻗﻠﺖ:
-ﻻ اﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨﻌﺎس ﻫﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ,اذﻫﺐ أﻧﺖ ﻟﺘﻨﺎم.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺠﻮم ﺗﻠﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ,واﻟﺒﺤﺮ ﻛﺎن ﯾﺠﻌﻞ اﻷﺻﺪاف ﺗﺘﻸﻷ.
وﻟﻤﻌﺖ إﺣﺪى اﻷﺻﺪاف وأﺿﺎءت ﺗﺤﺖ ﻣﻨﺎرﺗﻬﺎ اﻟﺼﺪﻓﯿﺔ ,ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﻗﻄﺮ اﻟﻨﺪى ﯾﻘﻄﺮ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻠﯿﻞ اﻟﺪاﻛﻦ.
ﺗﻤﺪدت ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻲ ,ﻣﺄﺧﻮذ ﺑﺎﻟﺴﻜﻮن ,دون أن أﻓﻜﺮ ﺑﺄي ﺷﻲء ,ﻛﻨﺖ وﺣﯿﺪا ﺑﯿﻦ اﻟﻠﯿﻞ واﻟﺒﺤﺮ ,ﻛﺎن ﻋﻘﻠﻲ ﻛﺄﻧﻪ
ﺻﺪﻓﺔ أﺿﺎءت ﻣﻨﺎرﺗﻬﺎ واﺳﺘﻘﺮت ﻋﻠﻰ ارض اﻟﺸﺎﻃﻰء اﻟﺪاﻛﻨﺔ وراﺣﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺠﻮم ﺗﺴﺎﻓﺮ وﺗﺪور ,واﻟﺴﺎﻋﺎت ﺗﻤﺮ ,وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻬﻀﺖ ,ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻗﺮرت ,دون أن اﻋﻠﻢ ,اﻟﺨﻄﺔ اﻟﻤﺰدوﺟﺔ اﻟﺘﻲ
ﯾﺠﺐ أن اﺗﺒﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻃﻰء :
أن اﻫﺮب ﻣﻦ ﺑﻮذا .واﺧﻠﺺ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ وأﺣﺮر ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ اﻟﻐﯿﺮ ﻣﺠﺪ.
أن أﻗﻮم ﺑﺎﺗﺼﺎﻻت ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل واﺑﺘﺪأ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ .
وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ " رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻔﺖ اﻷوان ﺑﻌﺪ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
ﻗﺎل اﻟﺼﺒﻲ:
-ان اﻟﻌﻢ اﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ﯾﺤﯿﯿﻜﻤﺎ وﯾﺪﻋﻮﻛﻤﺎ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﻐﺪاء ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻪ ،وﺳﺘﻌﺪ ﻟﻜﻤﺎ زوﺟﺘﻪ اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺎروﻟﯿﺎ ﻃﻌﺎﻣﺎ ﺧﺎﺻﺎ .ﺛﻢ
ان اﻟﯿﻮم ﻫﻮ ﻋﯿﺪ ﻣﯿﻼد ﺣﻔﯿﺪﻫﻤﺎ )ﻣﯿﻨﺎس( وﯾﻤﻜﻨﻜﻤﺎ أن ﺗﻬﻨﺌﺎه وﺗﺘﻤﻨﯿﺎ ﻟﻪ اﻟﺴﻌﺎدة وﻃﻮل اﻟﻌﻤﺮ.
ان ﻣﻦ ﺑﻮاﻋﺚ اﻟﺴﺮور ﺣﻘﺎ أن ﺗﺪﺧﻞ ﺑﯿﺖ ﻓﻼح ﻛﺮﯾﺘﻲ وﺗﺮى ﻧﻈﺎﻣﻪ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪي .اﻟﻤﺪﻓﺄة واﻟﻤﺼﺒﺎح اﻟﺰﯾﺘﻲ واﻻواﻧﻲ
اﻟﺨﺰﻓﯿﺔ واﻟﻤﻘﺎﻋﺪ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ وﻣﺎﺋﺪة اﻟﻄﻌﺎم واﻧﺎء اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻓﻲ ﻛﻮة اﻟﺠﺪار ،وﺣﺰم اﻟﺜﻮم واﻟﺮﻣﺎن واﻟﺘﻮاﺑﻞ
اﻟﻤﺘﺪﻟﯿﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺪة اﻟﺴﻘﻒ ،ﺛﻢ اﻟﻤﺼﻄﺒﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ اﻟﻐﺮﻓﺔ وﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟﻔﺮاش وﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ اﻻﯾﻘﻮﻧﺎت اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ،
وﺻﻮرة ﻟﻠﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء.
واﻟﺒﯿﺖ ﺑﻬﺬا اﻷﺛﺎث ﯾﺒﺪو ﻋﺎرﯾﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﯾﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﺘﺎﺟﻪ اﻻﻧﺴﺎن وﻣﺎ أﻗﻞ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺘﺎﺟﻬﺎ اﻻﻧﺴﺎن
ﻓﻌﻼ!
وﻛﺎن اﻟﯿﻮم راﺋﻌﺎ ،وﯾﺰﯾﺪ ﻣﻦ روﻋﺘﻪ رﻗﺔ ﺷﻤﺲ اﻟﺨﺮﯾﻒ ..ﻓﺠﻠﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﺻﻐﯿﺮة أﻣﺎم اﻟﺒﯿﺖ ،ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة زﯾﺘﻮن
ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻟﺜﻤﺎر ..وﻛﺎن اﻟﺒﺤﺮ ﯾﺘﺄﻟﻖ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ وﯾﺒﺪو ﻫﺎدﺋﺎ ﺳﺎﻛﻨﺎ .ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﺴﺤﺐ ﺗﻤﺮ ﻓﻮق ﻗﺮص اﻟﺸﻤﺲ ﺑﯿﻦ وﻗﺖ
وآﺧﺮ ،ﻓﺘﻜﺘﺌﺐ اﻷرض ﺗﺎرة وﺗﺒﺘﻬﺞ ﺗﺎرة أﺧﺮى.
وﺗﻨﺎول ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺨﺎﻟﺪة اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ ،ﻣﺤﺼﻮل اﻟﻘﻤﺢ واﻟﻜﺮوم واﻻﻣﻄﺎر .وﻛﺎن رب اﻟﺪار ﺛﻘﯿﻞ اﻟﺴﻤﻊ
ﻓﺎﺿﻄﺮرﻧﺎ أن ﻧﺮﻓﻊ أﺻﻮاﺗﻨﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﺼﯿﺎح..
ﻛﺎﻧﺖ ﺣﯿﺎة اﻟﻌﻢ أﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ﻗﺪ ﺳﺎرت ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﻫﺎدئ ﻣﺴﺘﻘﯿﻢ ،ﻛﺤﯿﺎة ﺷﺠﺮة ﻓﻲ واد أﻣﯿﻦ ،ﻓﻘﺪ وﻟﺪ وﺗﺮﻋﺮع وﺗﺰوج
ورزق ﺑﺄوﻻد واﻣﺘﺪ ﺑﻪ اﻟﻌﻤﺮ ﺣﺘﻰ رأى أﺣﻔﺎده ..ﺻﺤﯿﺢ أن ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻔﺎد ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮا ..وﻟﻜﻦ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ
اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ اﺳﺘﻤﺮار اﻷﺳﺮة.
وﺗﺤﺪث اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﻦ اﻷﯾﺎم اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ وﻋﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺘﺮﻛﻲ ،واﻟﻤﻌﺠﺰات اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم ﻷن اﻟﻨﺴﺎء ﻛﻦ
ﻣﺆﻣﻨﺎت ﯾﺨﺸﯿﻦ اﷲ ..ﻗﺎل:
-ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻮﻟﺪي ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻌﺠﺰة ،وﺳﺘﺪﻫﺸﻮن ﻣﺘﻰ ذﻛﺮت ﻟﻜﻢ ﻛﯿﻒ وﻟﺪت ،ﻧﻌﻢ .ﺳﺘﺪﻫﺸﻮن وﺳﺘﺮﺳﻤﻮن ﻋﻼﻣﺔ
اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪورﻛﻢ وﺳﺘﺬﻫﺒﻮن إﻟﻰ دﯾﺮ اﻟﻌﺬراء ﻣﺮﯾﻢ وﺗﻮﻗﺪون اﻟﺸﻤﻮع ﻟﻬﺎ.
ورﺳﻢ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ،وﻣﻀﻰ ﯾﺴﺮد ﻗﺼﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻫﺎدئ ﻗﺎل:
-ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ اﻣﺮأة ﺗﺮﻛﯿﺔ ﺛﺮﯾﺔ ،وﻗﺪ ﺣﻤﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺮأة وﺣﺎن ﻣﻮﻋﺪ اﻟﻮﺿﻊ ،ﻓﻨﻘﻠﻮﻫﺎ إﻟﻰ
ﻓﺮاﺷﻬﺎ ﺣﯿﺚ ﻗﻀﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﺑﻠﯿﺎﻟﯿﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﺌﻦ وﺗﺼﺮخ وﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻀﻊ ﻃﻔﻠﻬﺎ .وﺣﯿﻨﺌﺬ ﻧﺼﺤﺘﻬﺎ اﺣﺪى
ﺻﺪﯾﻘﺎﺗﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺎﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء ،ﻓﺼﺎﺣﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ :ﻟﻤﺎذا؟ اﻧﻨﻲ أوﺛﺮ اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻨﺠﺎد ﺑﻬﺎ.
واﺳﺘﻤﺮت اﻻﻻم وزادت ﺣﺪﺗﻬﺎ ،وﻣﺮ ﯾﻮم آﺧﺮ ،واﻟﻤﺮأة ﻻ ﺗﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺼﯿﺎح ..ﻓﻤﺎ اﻟﻌﻤﻞ؟
وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ اﻟﻤﺮأة اﺣﺘﻤﺎل اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﻻم ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺑﻜﻞ ﻗﻮﺗﻬﺎ:
-ﯾﺎ ﻣﺮﯾﻢ اﻟﻌﺬراء!! ﯾﺎ ﻣﺮﯾﻢ اﻟﻌﺬراء..
وﻟﻜﻦ اﻻﻟﻢ ﻟﻢ ﯾﻨﻘﻄﻊ ،واﻟﻄﻔﻞ ﻟﻢ ﯾﻮﻟﺪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺼﺪﯾﻘﺔ:
-رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺬراء ﻻ ﺗﻔﻬﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ..
ﻓﺼﺎﺣﺖ اﻟﻤﺮأة:
-ﯾﺎ ﻋﺬراء اﻟﺮوم! ﯾﺎ ﻋﺬراء اﻟﺮوم!
وزادت آﻻﻣﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﺼﺪﯾﻘﺔ:
-ﻟﻌﻠﻚ ﺗﻨﺎدﯾﻬﺎ ﺑﻐﯿﺮ اﺳﻤﻬﺎ ،وﻟﻬﺬا ﻟﻢ ﺗﺨﻒ ﻟﻨﺠﺪﺗﻚ.
ﻓﺼﺎﺣﺖ اﻟﻤﺮأة:
-أﯾﺘﻬﺎ اﻟﻌﺬراء اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ!
وﺟﺎء اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر..
ﺣﺪث ذﻟﻚ ﻓﻲ ﯾﻮم أﺣﺪ ،وﻓﻲ ﯾﻮم اﻷﺣﺪ اﻟﺘﺎﻟﻲ ،أﺣﺴﺖ أﻣﻲ ﺑﺂﻻم اﻟﻮﺿﻊ .وراﺣﺖ ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺎﻟﻌﺬراء اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ
وﻟﻜﻦ دون ﺟﺪوى .وﻛﺎن أﺑﻲ ﯾﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار وﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺄﻛﻞ أو ﯾﺸﺮب ﺑﺴﺒﺐ ﺻﺮاخ أﻣﻲ
وآﻻﻣﻬﺎ..
واﻧﻘﻀﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم دون أن ﺗﺨﻒ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء إﻟﻰ ﻧﺠﺪة أﻣﻲ ،وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺮاﺑﻊ ،ﺿﺎق أﺑﻲ ذرﻋﺎ ﻓﺤﻤﻞ ﻓﺄﺳﻪ
وﻣﻀﻰ إﻟﻰ دﯾﺮ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء وﻫﻮ ﯾﺘﻤﯿﺰ ﻏﻀﺒﺎ ،وﻫﻨﺎك أﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب وراءه ووﻗﻒ أﻣﺎم ﺗﻤﺜﺎل اﻟﻌﺬراء اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ
وﺻﺎح :اﺻﻐﻲ إﻟﻲ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﻌﺬراء ،أﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ زوﺟﺘﻲ ﺟﯿﺪا ﻓﻠﻄﺎﻟﻤﺎ ﺣﻤﻠﺖ إﻟﯿﻚ اﻟﺰﯾﻨﺔ واﻟﺸﻤﻮع ..إﻧﻬﺎ ﺗﺘﺄﻟﻢ
وﺗﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﻚ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم أﻓﻠﻢ ﺗﺴﻤﻌﯿﻬﺎ؟ ﻻ ﺑﺪ أﻧﻚ أﺻﺒﺖ ﺑﺎﻟﺼﻤﻢ ،اذا اﺳﺘﻨﺠﺪت ﺑﻚ اﺣﺪى اﻟﺴﺎﻗﻄﺎت اﻟﺘﺮﻛﯿﺎت ﻓﺎﻧﻚ
ﺗﺴﺮﻋﯿﻦ إﻟﻰ ﻧﺠﺪﺗﻬﺎ ،أﻣﺎ زوﺟﺘﻲ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ﻓﺎﻧﻚ ﺗﺼﻤﯿﻦ اذﻧﯿﻚ وﻻ ﺗﺴﻤﻌﯿﻨﻬﺎ!! ﻟﻮﻻ أﻧﻚ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء ﻻﻟﻘﯿﺖ ﻋﻠﯿﻚ
درﺳﺎً ﺑﻬﺬه اﻟﻔﺄس..
وأوﻻﻫﺎ ﻇﻬﺮه ،وﻫﻢ ﺑﺎﻻﻧﺼﺮاف..
وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺒﺎب ،ﺳﻤﻊ ﻓﺮﻗﻌﺔ ﺧﻔﯿﻔﺔ ﺻﺎدرة ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﺸﻤﺎل ..ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺘﻤﺜﺎل ﯾﻮﺷﻚ ان ﯾﺸﻄﺮ ..
واﻟﺸﺎﺋﻊ ﻋﻨﺪﻧﺎ ان اﻟﺘﻤﺜﺎل ﯾﺤﺪث ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﺷﻚ ﻣﻌﺠﺰة أن ﺗﻘﻊ ..ﻓﺪار أﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﯿﻪ ،ورﻛﻊ ﻋﻠﻰ
رﻛﺒﺘﯿﻪ وﻫﺘﻒ :ﻟﻘﺪ أﺧﻄﺄت أﯾﺘﻬﺎ اﻟﻌﺬراء اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﻗﻠﺖ أﺷﯿﺎء ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ أن أﻗﻮﻟﻬﺎ ﻓﻤﻌﺬرة..
وﻣﺎ أن وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺒﺄ اﻟﺴﻌﯿﺪ..
ﻗﺎل ﻟﻪ ﻗﺎﺋﻼ :أﻃﺎل اﷲ ﻋﻤﺮك ﯾﺎ ﻗﺴﻄﻨﺪي ،ﻟﻘﺪ وﺿﻌﺖ زوﺟﺘﻚ وﻟﺪا..
وﻗﺪ ﻛﻨﺖ اﻧﺎ ذﻟﻚ اﻟﻮﻟﺪ ،وﻟﻜﻨﻲ وﻟﺪت وﻓﻲ أذﻧﻲ ﺻﻤﻢ ،ﻻن أﺑﻲ وﺻﻒ اﻟﻌﺬراء ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﻤﺎء .وﻟﻌﻠﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ،ﺻﺒﺮا،
ﺳﺄﺻﯿﺐ وﻟﺪك ﺑﺎﻟﺼﻤﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﻔﺮ.
ورﺳﻢ اﻟﻌﻢ أﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ﻣﺮة أﺧﺮى واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-ﺷﻜﺮا ﷲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء ﺿﺮﯾﺮا أو ﻣﻌﺘﻮﻫﺎ ،أو أدﺑﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻌﻞ
ﺑﻲ ﻣﺎ ﻫﻮ أﺳﻮأ ﻣﻦ ذﻟﻚ – ﺣﻔﻈﻨﺎ اﷲ – ﻓﺘﺠﻌﻠﻨﻲ ﻓﺘﺎة..
ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أرﻓﻊ ﻗﺪح اﻟﻨﺒﯿﺬ:
-ﻧﺨﺐ ﺻﺤﺘﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﻌﻢ أﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ..اﺳﺄل اﷲ أن ﯾﻤﺪ ﻓﻲ ﻋﻤﺮك ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻎ اﻟﻤﺎﺋﺔ وﺗﺮى أﺣﻔﺎد أﺣﻔﺎدك.
ﻓﺎﺣﺘﺴﻰ اﻟﺸﯿﺦ ﻗﺪﺣﻪ وﻣﺴﺢ ﺷﺎرﺑﻪ وﻗﺎل:
-ﻛﻼ ﯾﺎ وﻟﺪي ..اﻧﻚ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ..ﻟﻘﺪ رأﯾﺖ أﺣﻔﺎدي ،وﻫﺬا ﯾﻜﻔﻲ ..ان ﺳﺎﻋﺘﻲ ﺗﻘﺘﺮب ،وﻣﺎ ﻋﺎد ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ أن
أﻟﺪ ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻷﺑﻨﺎء ،رﻏﻢ ﺷﺪة رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﺎ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺤﯿﺎة اذن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻲ؟
وﻣﻼ اﻻﻗﺪاح ﻣﺮة أﺧﺮى ،واﺧﺮج ﻣﻦ ﺣﺰاﻣﻪ ﺗﯿﻨﺎ ﻣﺠﻔﻔﺎ اﻗﺘﺴﻤﻪ ﻣﻌﻨﺎ واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﻻ:
-ﻟﻘﺪ ﻧﺰﻟﺖ ﻻوﻻدي ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻣﻠﻚ ،وﻧﺤﻦ اﻵن ﻓﻘﺮاء وﻟﻜﻦ ﻻ أﺷﻜﻮ وﻻ أﺗﺬﻣﺮ.
وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ أﺑﻠﺖ زوﺟﺘﻪ ﻣﺎروﻟﯿﺎ وﺑﯿﺪﻫﺎ اﻧﺎء ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﻨﺒﯿﺬ وﺻﻔﺤﺔ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻃﻌﺎم ﻣﻦ ﺧﺼﻰ اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ ..ﻓﻮﺿﻌﺖ
اﻟﺸﺮاب واﻟﻄﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة وﻇﻠﺖ واﻗﻔﺔ ﻣﻌﻘﻮدة اﻟﯿﺪﯾﻦ ﻣﻨﻜﺴﺔ اﻟﺮأس.
وأﻧﻔﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻫﺬا اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ اﻟﺘﻲ ﺧﺼﯿﺖ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺼﺮخ ﻓﻲ اﻟﺤﻈﯿﺮة اﻟﻤﺠﺎورة وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ
اﻟﺮﻓﺾ.
وﻧﻈﺮ إﻟﻲ زورﺑﺎ ﻣﻦ رﻛﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ واﺑﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﺧﺒﺚ وﻗﺎل:
-ﻫﺬا أﺷﻬﻰ ﻃﺒﻖ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻪ.
وﺿﺤﻚ أﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ اﻟﻌﺠﻮز وﻗﺎل:
-ﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ..ﺗﺬوﻗﻪ وﺳﻮف ﺗﺮى ..ﻋﻨﺪﻣﺎ زار اﻷﻣﯿﺮ ﺟﻮرج اﻟﺪﯾﺮ ،أﻗﺎم اﻟﺮﻫﺒﺎن ﻣﺄدﺑﺔ ﺗﻜﺮﯾﻤﺎ ﻟﻪ وﻗﺪﻣﻮا
اﻟﻠﺤﻮم ﻟﺠﻤﯿﻊ اﻟﻤﺪﻋﻮﯾﻦ ،أﻣﺎ اﻷﻣﯿﺮ ﻓﻘﺪ وﺿﻌﻮا أﻣﺎﻣﻪ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺤﺴﺎء ،وﺗﻨﺎول اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻠﻌﻘﺔ وراح ﯾﺠﺮك
اﻟﺤﺴﺎء ،وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺳﺄل ﻓﻲ دﻫﺸﺔ :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺬي أراه ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺎء؟ ﻓﺎﺻﻮﻟﯿﺎ..
ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ رﺋﯿﺲ اﻟﺮﻫﺒﺎن:
-ﺗﺬوﻗﻬﺎ ﯾﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ .وﺳﻨﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ.
ﻓﺘﻨﺎول اﻷﻣﯿﺮ ﻣﻠﻌﻘﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ وﺛﺎﻟﺜﺔ ﺣﺘﻰ أﺗﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﺎء ﺛﻢ ﻟﻌﻖ ﺷﻔﺘﯿﻪ وﻗﺎل:
-ﯾﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺎﺻﻮﻟﯿﺎ ﺷﻬﯿﺔ!
ﻗﺎل رﺋﯿﺲ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﺿﺎﺣﻜﺎ:
-اﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻓﺎﺻﻮﻟﯿﺎ ﯾﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ ..ﻟﻘﺪ ﺧﺼﯿﻨﺎ ﻛﻞ دﯾﻮك اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ..
وﻗﻬﻘﻪ اﻟﺸﯿﺦ ﺿﺎﺣﻜﺎ ،وﺗﻨﺎول ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ وﻗﺎل:
-ﻫﺬا ﻃﺒﻖ ﺧﻠﯿﻖ ﺑﺎﻻﻣﺮاء ..اﻓﺘﺢ ﻓﻤﻚ..
ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻓﻤﻲ ..ﻓﺪس ﻓﯿﻪ اﻟﻘﻄﻌﺔ ،ﺛﻢ ﻣﻸ اﻷﻗﺪاح ،وﺷﺮﺑﻨﺎ ﻧﺨﺐ ﺣﻔﯿﺪه اﻟﺬي ﯾﺤﺘﻔﻞ ﺑﻌﯿﺪ ﻣﯿﻼده.
ﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪ أن ﯾﻜﻮن ﻋﻠﯿﻪ ﺣﻔﯿﺪك أﯾﻬﺎ اﻟﻌﻢ أﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ؟ أﻧﺒﺌﻨﺎ ﻟﻜﻲ ﻧﺒﺘﻬﻞ إﻟﻰ اﷲ أن ﯾﺤﻘﻖ ﺗﻤﻨﯿﺎﺗﻚ ﻟﻪ.
-وﻣﺎذا أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻪ ﯾﺎ وﻟﺪي؟ ﻛﻞ ﻣﺎ أرﺟﻮه ﻟﻪ ان ﯾﺴﻠﻚ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻢ وﯾﺼﺒﺢ رﺟﻼ ﻃﯿﺒﺎ ورب ﻋﺎﺋﻠﺔ ..وان ﯾﺘﺰوج
وﯾﺮزق اوﻻدا وأﺣﻔﺎدا ..وأن ﯾﻜﻮن ﻟﻪ وﻟﺪ ﯾﺸﺒﻬﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﯾﻘﻮل ﻋﺠﺎﺋﺰ اﻟﻘﺮﯾﺔ :ﻣﺎ أﺷﺒﻬﻪ ﺑﺄﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ اﻟﻌﺠﻮز ..رﺣﻤﻪ
اﷲ ..ﻟﻘﺪ ﻛﺎن رﺟﻼ ﻃﯿﺒﺎ!
ﺛﻢ ﺻﺎح ﺑﺎﻣﺮأﺗﻪ دون أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ:
-ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ ﯾﺎ ﻣﺎروﻟﯿﺎ..
وﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻢ ﻋﺒﺎرﺗﻪ ،ﻓﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺤﻈﯿﺮة ﺑﻌﻨﻒ واﻧﺪﻓﻊ أﺣﺪ اﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وﻫﻮ ﯾﺼﺮخ ﺑﺼﻮت ﻣﻨﻜﺮ..
ﻓﻨﻈﺮ زورﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ ﻣﺸﻔﻘﺎ وﻗﺎل:
-ان اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ ﯾﺘﺄﻟﻢ..
ﻓﻀﺤﻚ اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ وﻗﺎل:
-اﻧﻪ ﯾﺘﺄﻟﻢ ﻃﺒﻌﺎ ..ﻫﺐ اﻧﻬﻢ ﻓﻌﻠﻮا ﺑﻚ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮه ﺑﻪ ..أﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺄﻟﻢ؟
ﻓﺘﺤﺮك زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪه ﺑﻘﻠﻖ وﻏﻤﻐﻢ ﻓﻲ ﻫﻠﻊ:
-ﻗﻄﻊ ﻟﺴﺎﻧﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﻌﺠﻮز اﻷﺻﻢ..
ووﺛﺐ اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ أﻣﺎﻣﻨﺎ ،وﻧﻈﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ ﻓﻘﺎل اﻟﺸﯿﺦ:
-ﻻ ﻋﺠﺐ .ﻓﻬﻮ ﯾﻌﻠﻢ أﻧﺎ ﻧﺄﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﻪ.
وﻏﺎدرﻧﺎ ﺑﯿﺖ اﻟﺸﯿﺦ ﺣﻮل اﻟﻐﺴﻖ ،وﻛﺎن زورﺑﺎ ﻣﺮﺣﺎ راﻏﺒﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ..ﻗﺎل:
-ﻓﯿﻢ ﻛﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﺑﺎﻻﻣﺲ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻮل أﻧﻚ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻔﺘﺢ ﻋﯿﻮن اﻟﻨﺎس ،ﺣﺴﻨﺎ .اذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻌﻢ اﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ
واﻓﺘﺢ ﻟﻪ ﻋﯿﯿﻨﻪ .ﻟﻌﻠﻚ رأﯾﺖ ﻛﯿﻒ وﻗﻔﺖ زوﺟﺘﻪ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اواﻣﺮه ،ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻒ اﻟﻜﻠﺐ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻟﻘﻤﺔ ﺗﻠﻘﻰ ﺑﻬﺎ
اﻟﯿﻪ ..اذﻫﺐ اﻟﯿﻪ وﻗﻞ ﻟﻪ ان ﻟﻠﻤﺮأة ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻟﻠﺮﺟﻞ ،وان ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻮة أن ﯾﺄﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ ﺑﯿﻨﻤﺎ
اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ ﯾﺼﺮخ أﻣﺎﻣﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ! ﻗﻞ ﻟﻪ ذﻟﻚ ﺛﻢ اﻧﺒﺌﻨﻲ ﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻔﯿﺪ ﻫﻮ أو زوﺟﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﺳﻔﺎف؟ ﻟﻦ
ﺗﻜﻮن اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ اﻻ ﺗﻌﻜﯿﺮ ﺻﻔﺎء اﻻﺳﺮة ،واﺛﺎرة اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ ،واﻏﺮاء اﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ﺑﺄن ﺗﺼﺒﺢ دﯾﻜﺎ ..ﻛﻼ ﯾﺎ ﺳﯿﺪ ،دع ﻫﺆﻻء
اﻟﻨﺎس وﺷﺄﻧﻬﻢ ،وﻻ ﺗﺤﺎول أن ﺗﻔﺘﺢ ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ..وﻫﺐ أﻧﻬﻢ ﻓﺘﺤﻮا ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ﻓﻤﺎذا ﺳﯿﺮون؟ اﻟﺒﺆس ..وﻻ ﺷﻲء ﻏﯿﺮ
اﻟﺒﺆس ..دع ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ﻣﻐﻤﻀﺔ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..ودﻋﻬﻢ ﯾﺤﻠﻤﻮن وﯾﺄﻣﻠﻮن..
وﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺔ .وﺣﻚ رأﺳﻪ.
ﻛﺎن ﯾﻔﻜﺮ.
ﻗﺎل:
-اﻟﻠﻬﻢ اﻻ..
-اﻻ ﻣﺎذا؟ ..ﺗﻠﻜﻢ.
-اﻟﻠﻬﻢ اﻻ اذا ﺟﻌﻠﺘﻬﻢ ﯾﻔﺘﺤﻮن ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻈﻼم اﻟﺬي ﯾﻌﯿﺸﻮن ﻓﯿﻪ .ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ذﻟﻚ؟
-ﻻ أﻋﻠﻢ ..ﻛﻨﺖ اﻋﺮف اﻧﻬﻢ اذا ﻓﺘﺤﻮا ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ﻓﺴﻮف ﺗﺪﻣﺮ أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻦ ﺑﻨﺎؤه ﻓﻮق
اﻻﻧﻘﺎض ،ﻻ أﺣﺪ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻌﺮف ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﯿﻘﯿﻦ.
ان اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﯾﻢ ﻗﺎﺋﻢ وواﺿﺢ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ،وﻧﺤﻦ ﻧﻌﯿﺶ ﻓﯿﻪ وﻧﻨﺎﺿﻞ ﻣﻌﻪ .أﻣﺎ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻮﻟﺪ ﺑﻌﺪ ،اﻧﻪ ﻋﺎﻟﻢ
ﺷﻔﺎف ﻏﯿﺮ ﻣﻨﻈﻮر ﻛﺎﻟﻀﻮء اﻟﺬي ﺗﻨﺴﺞ ﻣﻨﻪ اﻷﺣﻼم ..اﻧﻪ ﺳﺤﺎﺑﺔ ﺗﺘﻘﺎذﻓﻬﺎ أرﯾﺎح ﻋﻨﯿﻔﺔ ..ﻣﻦ اﻟﺤﺐ واﻟﺒﻐﺾ
واﻟﺨﯿﺎﻻت ..ان أﻋﻈﻢ اﻻﻧﺒﯿﺎء ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻬﺐ اﻟﻨﺎس أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﻈﺎم ﻟﻠﺤﯿﺎة ،وﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﻈﺎم ﻏﺎﻣﻀﺎ زادت أﻫﻤﯿﺔ
اﻟﻨﺒﻲ وﻋﻈﻢ ﺷﺄﻧﻪ.
وﻧﻈﺮ زورﺑﺎ إﻟﻲ وﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺳﺎﺧﺮة ﺿﺎﯾﻘﺘﻨﻲ .أﺟﺒﺘﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻲ أن أدﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ أﻓﻀﻞ.
-ﻫﻞ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ذﻟﻚ ﺣﻘﺎ؟ وﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ؟
-ﻻ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أوﺿﺢ ..اﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻔﻬﻤﻨﻲ.
-ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ اﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻋﺎﻟﻤﺎ أﻓﻀﻞ ..اﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻼﻫﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻮﻫﻢ ﯾﺎ ﺳﯿﺪ ..واذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻗﺎل ﻟﻚ اﻧﻨﻲ
رﺟﻞ ﺳﺎذج ﻓﻘﺪ أﺧﻄﺄ ..رﺑﻤﺎ ﻻ أﻛﻮن ﻗﺪ ﺗﻠﻘﯿﺖ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﻢ اﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ..وﻟﻜﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺟﺎﻫﻼ ﻣﺜﻠﻪ..
ﻓﺎذا ﻛﻨﺖ ﻻ أﻓﻬﻤﻚ ،وﻫﺬا ﻣﺒﻠﻎ ذﻛﺎﺋﻲ ،ﻓﻤﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻤﻦ ﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ؟ أﻟﯿﺲ ﻟﺪﯾﻚ اﻻ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ
اﻟﻈﻼم ﻟﺘﻈﻬﺮﻫﻢ ﻋﻠﯿﻪ؟ ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﺣﺘﻰ اﻵن ﻛﯿﻒ ﯾﻌﯿﺸﻮن ..وﻟﺪﯾﻬﻢ أوﻻد وأﺣﻔﺎد ..واﺑﺘﻼﻫﻢ اﷲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻰ واﻟﺼﻤﻢ
ﻓﻘﺎﻟﻮا :اﻟﺤﻤﺪ ﷲ . .ﻟﻘﺪ أﻟﻔﻮا اﻟﻔﻘﺮ واﻃﻤﺄﻧﻮا إﻟﯿﻪ ،ﻓﺪﻋﻬﻢ وﺷﺄﻧﻬﻢ ،وﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻬﻢ ﺷﯿﺌﺎ..
ﻓﺼﻤﺖ
وﻣﺮرﻧﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺤﺪﯾﻘﺔ اﻻرﻣﻠﺔ ،ﻓﺘﻮﻗﻒ زورﺑﺎ ﻗﻠﯿﻼ وﺗﻨﻬﺪ وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﺷﯿﺌﺎ..
وﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺪ أﻣﻄﺮت ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ راﺋﺤﺔ اﻷرض ﺗﻤﻸ اﻟﻬﻮاء..
وﻓﻜﺮت ..
ان ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﯾﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ..وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺮ ﺑﻜﻞ أﻧﻮاع اﻟﺘﺠﺎرب ..ﻓﺘﻔﺘﺢ ﻋﻘﻠﻪ ،وﻛﺒﺮ ﻗﻠﺒﻪ ،دون أن ﯾﻔﻘﺪ ذرة
واﺣﺪة ﻣﻦ ﺟﺮأﺗﻪ اﻟﺒﺪاﺋﯿﺔ .وﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻟﻨﺎ ﻣﻌﻘﺪة ﻣﺴﺘﻌﺼﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻞ ،ﯾﺠﺴﻤﻬﺎ ﻫﻮ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺑﻀﺮﺑﺔ
ﺳﯿﻒ ..وﻣﻦ اﻟﻌﺴﯿﺮ أن ﯾﺨﻄﺊ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻫﺪﻓﻪ ،ﻷن ﻗﺪﻣﯿﻪ ﺛﺎﺑﺘﺘﺎن ﻓﻲ اﻷرض ﺗﺤﺖ ﺛﻘﻞ ﺟﺴﻤﻪ ،ان ﺑﻌﺾ
اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﺗﻌﺒﺪ اﻟﺜﻌﺒﺎن ﻷﻧﻪ ﯾﻠﻤﺲ اﻻرض ﺑﻜﻞ ﺟﺴﻤﻪ ،ﻓﻬﻮ اذن ﻋﻠﯿﻢ ﺑﻜﻞ اﺳﺮار اﻷرض ..اﻧﻪ
ﯾﻌﺮف ﻫﺬه اﻻﺳﺮار ﺑﺒﻄﻨﻪ وذﯾﻠﻪ ورأﺳﻪ .ﻷﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل داﺋﻢ ووﺛﯿﻖ ﺑﺄﻣﻨﺎ اﻷرض ،وﻛﻞ ﻫﺬا ﺻﺤﯿﺢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ
زورﺑﺎ ..أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺎﻧﻨﺎ ﻣﺠﺮد ﻃﯿﻮر ﻏﺒﯿﺔ ﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس
ﻛﺎن اﻟﻤﻄﺮ ﯾﺘﺴﺎﻗﻂ ﻓﻲ ﻫﺪوء وﺳﻜﻮن ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺷﻌﻞ زورﺑﺎ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻗﺪ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻨﻄﻠﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ .وﻗﺪ ﻗﻀﯿﺖ
اﻟﻨﻬﺎر ﻛﻠﻪ ﻗﺎﺑﻌﺎ أﻣﺎم اﻟﻨﺎر ،ﻓﻠﻢ أﺗﻨﺎول ﻃﻌﺎﻣﺎ وﻟﻢ أﺑﺮح ﻣﻜﺎﻧﻲ واﻧﺼﺮﻓﺖ ﺑﻜﻞ ﺣﻮاﺳﻲ إﻟﻰ اﻻﺻﻐﺎء إﻟﻰ أول أﻣﻄﺎر
اﻟﻤﻮﺳﻢ.
ﻛﺎن ﻋﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﺧﻤﻮل وراﺣﺔ ،وﻟﻜﻦ أذﻧﻲ اﻟﻤﺮﻫﻘﺘﯿﻦ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺴﻤﻌﺎن أﺑﺴﻂ ﺣﺮﻛﺔ ﻟﻸرض وﻫﻲ ﺗﺘﻔﺘﺢ وﻟﻸﻣﻄﺎر وﻫﻲ
ﺗﺴﻘﻂ وﻟﻠﺒﺬور وﻫﻲ ﺗﻨﻤﻮ وﺗﺘﻀﺨﻢ ..ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻷرض واﻟﺴﻤﺎء ﺗﺘﻼﻗﺤﺎن ﻛﻤﺎ ﻓﻲ دﺑﻲ اﻟﺨﻠﯿﻘﺔ وﻛﻤﺎ ﯾﺘﻼﻗﺢ
اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة وﯾﻨﺠﺒﺎن أﻃﻔﺎﻻ ..واﺳﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮ ﯾﺰأر ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ زﺋﯿﺮ اﻟﻮﺣﻮش وﯾﺨﺮج ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻟﯿﻄﻔﺊ ﻇﻤﺄه.
ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪا وأﻋﺮف ذﻟﻚ..
ان اﻻﻧﺴﺎن ﻗﻠﻤﺎ ﯾﺤﺲ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة وﻫﻮ ﯾﻤﺎرﺳﻬﺎ ،ﻓﺎذا ﻣﺎ اﻧﺘﻬﺖ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ورﺟﻊ ﺑﺒﺼﺮه إﻟﯿﻬﺎ ،أﺣﺲ ﻓﺠﺄة ،وﺑﺸﻲء ﻣﻦ
اﻟﺪﻫﺸﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ..ﺑﺮوﻋﺔ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ.
وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻻﻣﻄﺎر ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻤﺴﺎء وﺻﻔﺎ اﻟﺠﻮ وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺠﻮع وﺳﻌﺪت ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻌﻮر ،وأﺧﺬت ارﺗﻘﺐ ﻋﻮدة زورﺑﺎ ﻟﻜﻲ
ﯾﺸﻌﻞ اﻟﻨﺎر وﯾﻄﻬﻮ اﻟﻄﻌﺎم ﻛﻤﺎ اﻋﺘﺎد أن ﯾﻔﻌﻞ ﻛﻞ ﯾﻮم.
وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﻗﺎل زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﻀﻊ اﻟﻮﻋﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎر:
-ﻫﺬا ﺷﻲء آﺧﺮ ﻻﻏﻨﺎء ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻋﻨﻪ ،ﻻ ﻏﻨﺎء ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة ﻟﻌﻨﻬﺎ اﷲ ،وﻻ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم..
ﻛﺎن ﺗﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻤﻘﻔﺮ ﻣﺘﻌﺔ ﻟﻢ ﯾﺴﺒﻖ ﻟﻲ أن ﺷﻌﺮت ﺑﻬﺎ .وﻛﺎن زورﺑﺎ ﯾﻮﻗﺪ اﻟﻨﺎر ﺑﯿﻦ ﺣﺠﺮﯾﻦ ﻛﻞ
ﻣﺴﺎء وﯾﻄﻬﻮ اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﺎذا ﻓﺮغ ﻣﻦ ﻃﻬﻮه أﻛﻠﻨﺎ وﺷﺮﺑﻨﺎ وﺗﺠﺎذﺑﻨﺎ أﻃﺮاف اﻟﺤﺪﯾﺚ ،وﻗﺪ أدرﻛﺖ أﺧﯿﺮا أن ﺗﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم
ﻋﻤﻞ روﺣﻲ وان اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺨﺒﺰ واﻟﻨﺒﯿﺬ ﻫﻲ اﻟﺨﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ اﻟﻌﻘﻞ.
وﻛﺎن زورﺑﺎ ﺣﯿﻦ ﯾﻌﻮد ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺸﺎق ،وﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻨﺎول ﻃﻌﺎﻣﻪ ،وﺷﺮاﺑﻪ ،ﯾﺒﺪو ﻣﺘﺒﻠﺪا زاﻫﺪا ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أن
ﯾﻤﻸ ﻣﻌﺪﺗﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺪب اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺄﻟﻖ ﻋﯿﻨﺎه ،وﺗﺘﺠﻠﻰ ذاﻛﺮﺗﻪ ،وﯾﺮﻗﺺ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻗﺪ ﻧﺒﺘﺖ ﻟﻘﺪﻣﯿﻪ أﺟﻨﺤﺔ.
ﻛﺎن ﯾﻘﻮل:
-ﻗﻞ ﻟﻲ ﻣﺎذا ﺗﺼﻨﻊ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﺄﻛﻠﻪ؟ أﻗﻞ ﻟﻚ ﻣﻦ أﻧﺖ ،ان ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﯾﺤﻮﻟﻮن اﻟﻄﻌﺎم إﻟﻰ دﻫﻦ وﺳﻤﺎد ،وﺑﻌﻀﻬﻢ
ﯾﺤﻮﻟﻮﻧﻪ إﻟﻰ ﻋﻤﻞ وﻣﺮح ،وﻃﺎﺋﻔﺔ أﺧﺮى ﺗﺤﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة ..وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﺮﺟﺎل ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع ،وأﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ أﺳﻮأ
اﻷﻧﻮاع ،وﻟﺴﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ أﻓﻀﻠﻬﺎ ،ان ﻣﺎ آﻛﻠﻪ ﯾﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﻤﻞ وﻣﺮح ،ﻓﺄﻧﺎ اذن وﺳﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﻮﻋﯿﻦ اﻻﺧﺮﯾﻦ.
ﺛﻢ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲ ﻓﻲ ﺧﺒﺚ وﯾﻀﺤﻚ وﯾﺴﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-أﻣﺎ أﻧﺖ ،ﻓﺎﻧﻨﻲ أﻋﺘﻘﺪ اﻧﻚ ﺗﺒﺬل ﻗﺼﺎرى ﺟﻬﺪك ﻟﺘﺤﻮﯾﻞ ﻣﺎ ﺗﺄﻛﻠﻪ إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة ،وﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﯾﻌﺬﺑﻚ
وﯾﺆرﻗﻚ ،ان ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻟﻚ ﻗﺪ ﺣﺪث ﻟﻠﻐﺮاب ﻗﺒﻠﻚ.
-وﻣﺎذا ﺣﺪث ﻟﻠﻐﺮاب ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
-ﻛﺎن ﯾﻤﺸﻲ ﻣﺸﯿﺔ ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ ﺳﻠﯿﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺸﻲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻐﺮﺑﺎن ،وﻛﻠﻦ ﺧﻄﺮ ﻟﻪ ذات ﯾﻮم أن ﯾﺠﺮب ﻣﺸﯿﺔ اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ وﻣﻨﺬ
ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﺳﺘﺤﺎل ﻋﻠﯿﻪ أن ﯾﺬﻛﺮ ﻣﺸﯿﺘﻪ اﻷوﻟﻰ ،واﺧﺘﻠﻂ ﻋﻠﯿﻪ اﻷﻣﺮ ..ﻓﺄﺻﺒﺢ ﯾﻘﻔﺰ ﻛﻤﺎ ﺗﺮى..
ورﻓﻌﺖ رأﺳﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺧﻄﻰ زورﺑﺎ وﻫﻮ ﻗﺎدم ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺠﻢ ،وﻟﻢ أﻟﺒﺚ أن رأﯾﺘﻪ ﻣﻘﺒﻼ ،وﻫﻮ ﻣﻐﺒﺮ اﻟﻮﺟﻪ،
وﺳﺎﻋﺪاه ﯾﺘﺄرﺟﺤﺎن إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﯿﻪ.
ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻻ ﺣﯿﺎة ﻓﯿﻪ:
-ﻃﺎب ﻣﺴﺎؤك ﯾﺎ ﺳﯿﺪي.
-ﻛﯿﻒ ﻛﺎن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﯿﻮم ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺐ .وﻗﺎل:
-ﺳﺄوﻗﺪ اﻟﻨﺎر وأﻋﺪ اﻟﻄﻌﺎم.
وﺗﻨﺎول ﺑﻌﺾ ﻗﻄﻊ اﻟﺨﺸﺐ ﻣﻦ رﻛﻦ اﻟﻜﻮخ وﺧﺮج ﺑﻬﺎ ،ورﺗﺒﻬﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺠﺮﯾﻦ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ وأﺷﻌﻞ ﻓﯿﻬﺎ ،ﺛﻢ وﺿﻊ
اﻻﻧﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻗﺪ ،ووﺿﻊ ﻓﯿﻪ ﻣﺎء وﺑﺼﻼ وﺑﻌﺾ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ واﻻرز ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺑﺴﻄﺖ اﻟﻐﻄﺎء ﻓﻮق اﻟﻤﺎﺋﺪة .وﻗﻄﻌﺖ
ﺑﻀﻊ ﺷﺮاﺋﺢ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻣﻸت ﻗﺪﺣﯿﻦ ﺑﺎﻟﻨﺒﯿﺬ.
وﺟﺜﺎ زورﺑﺎ أﻣﺎم اﻻﻧﺎء وراح ﯾﺤﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر وﻻ ﯾﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎ.
ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻓﺠﺄة:
-ﻫﻞ ﻟﻚ أوﻻد ﯾﺎ زورﺑﺎ..
-ﻟﻤﺎذا ﺗﺴﺄل؟ ﻟﻲ اﺑﻨﺔ.
-ﻣﺘﺰوﺟﺔ؟
ﻓﻀﺤﻚ.
-ﻟﻤﺎذا ﺗﻀﺤﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
-ﯾﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺳﺆال!! ﻃﺒﻌﺎ ﻣﺘﺰوﺟﺔ .اﻧﻬﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﺑﻠﻬﺎء ..ﻛﻨﺖ أﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﺠﻢ ﻟﻠﻨﺤﺎس ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ )ﺑﺮﺗﻔﯿﺸﺘﺎ( ﺣﯿﻦ
ﺟﺎﺋﺘﻨﻲ ذات ﯾﻮم رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ أﺧﻲ )ﯾﻨﻲ( ..آه ..ﻧﺴﯿﺖ أن أﻗﻮل ﻟﻚ أن ﻟﻲ أﺧﺎ ﻋﺎﻗﻼ ﯾﻘﺮض اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺮﺑﺎ وﯾﺘﺮدد ﻋﻠﻰ
اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻛﻐﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﯿﻦ ..اﻧﻪ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ )ﺳﺎﻟﻮﻧﯿﻚ( وﯾﻌﺪ ﻣﻦ أﻋﻤﺪة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻨﺎك ..ﻛﺘﺐ ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﯾﻘﻮل) :أﺧﻲ
اﻟﻌﺰﯾﺰ اﻟﯿﻜﺴﯿﺲ ..ان اﺑﻨﺘﻚ )ﻓﺮوﺳﻮ( ﻗﺪ ﺿﻠﺖ ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﯿﻞ ..وﻟﻄﺨﺖ اﺳﻢ اﻻﺳﺮة ﺑﺎﻻوﺣﺎل ..ﻓﻘﺪ اﺗﺨﺬت ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ
ﻋﺸﯿﻘﺎ ورزﻗﺖ ﻣﻨﻪ ﺑﻄﻔﻞ ،ﻟﻘﺪ ﺿﺎﻋﺖ ﺳﻤﻌﺘﻨﺎ ،ﺳﺄذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻷﻗﻄﻊ رﻗﺒﺘﻬﺎ).
-وﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
ﻓﻬﺰ ﻛﺘﻔﯿﻪ وأﺟﺎب:
-ﻗﻠﺖ" :ﻫﻜﺬا اﻟﻨﺴﺎء" وﻣﺰﻗﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ.
وﺣﺮك اﻷرز ﻓﻲ اﻟﻘﺪر ،وأﺿﺎف إﻟﯿﻪ ﻗﻠﯿﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺢ ،واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-وﻟﻜﻦ ﺻﺒﺮا ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻤﻊ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﻀﺤﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺔ ..ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮﯾﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ ،ﺗﺴﻠﻤﺖ رﺳﺎﻟﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ أﺧﻲ اﻷﺑﻠﻪ،
ﻗﺎل ﻓﯿﻬﺎ" ،أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻚ اﻟﺼﺤﺔ واﻟﺴﻌﺎدة ﯾﺎ أﺧﻲ اﻟﻌﺰﯾﺰ ،ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺎ ﺷﺮف اﻻﺳﺮة .وﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ اﻻن أن ﺗﺮﻓﻊ رأﺳﻚ
ﻋﺎﻟﯿﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺰوﺟﺖ( ﻓﺮوﺳﻮ( ﻣﻦ ﻋﺸﯿﻘﻬﺎ".
وﻧﻈﺮ زورﺑﺎ إﻟﻲ ﻣﻦ ﻓﻮق ﻛﺘﻔﻪ ،ورأﯾﺖ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﺳﯿﺠﺎرﺗﻪ ان ﻋﯿﻨﯿﻪ ﺗﺘﺄﻟﻘﺎن...
ﺛﻢ ﻫﺰ ﻛﺘﻔﯿﻪ وﻗﺎل ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر ﺷﺪﯾﺪ:
-ﻫﻜﺬا اﻟﺮﺟﺎل!!
ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ ﺑﻌﺪ ﺻﻤﺖ ﻗﺼﯿﺮ:
-ﻣﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻏﯿﺮ أن ﯾﺤﻤﻠﻦ ﻣﻦ أول ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ .وﻣﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻏﯿﺮ أن ﯾﻘﻌﻮا ﻓﻲ اﻟﻔﺦ!!
ورﻓﻊ اﻟﻘﺪر ﻋﻦ اﻟﻨﺎر .وﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺘﻨﺎول ﻋﺸﺎءﻧﺎ ،وﻻﺣﻈﺖ أن زورﺑﺎ ﻣﺴﺘﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ.
ﻛﺎن واﺿﺤﺎ ان ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻬﻤﻪ وﯾﺸﻐﻠﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻧﻈﺮ إﻟﻲ ،وﻓﺘﺢ ﻓﻤﻪ ﻟﯿﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎ ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ ﺻﻤﺘﻪ..
ورأﯾﺖ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻤﺼﺒﺎح اﻟﺰﯾﺘﻲ ،ﻧﻈﺮة اﻟﻘﻠﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻓﻲ ﻋﯿﯿﻨﻪ ،وﻟﻢ أﻃﻖ أن أراه ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻓﻘﻠﺖ:
-اﻧﺖ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻘﻮل ﻟﻲ ﺷﯿﺌﺎ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻓﺘﻜﻠﻢ ..أن اﻟﻜﻼم ﺳﯿﺮﻓﻪ ﻋﻨﻚ.
وﻟﻜﻨﻪ ﻟﺰم اﻟﺼﻤﺖ ،وﺗﻨﺎول ﺣﺼﺎة ﺻﻐﯿﺮة وﻗﺬف ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﺑﻘﻮة.
-دع اﻟﺤﺼﻰ ﯾﺎ زورﺑﺎ وﺗﻜﻠﻢ.
ﻓﻤﻂ رﻗﺒﺘﻪ اﻟﻤﻐﻀﻨﺔ ،وﺳﺄﻟﻨﻲ وﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ.
-ﻫﻞ ﺗﺜﻖ ﺑﻲ؟
-ﻧﻌﻢ ،اﻧﻨﻲ أﺛﻖ ﺑﻚ ..واﻋﺘﻘﺪ أﻧﻚ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﻠﻦ ﺗﺨﻄﺊ ..ﺣﺘﻰ ﻟﻮ أردت أﻧﻚ ﻛﺎﻻﺳﺪ ،او ﻛﺎﻟﺬﺋﺐ ،ﻓﻜﻼﻫﻤﺎ ﻻ ﯾﺘﺼﺮف
ﺗﺼﺮف اﻟﺨﺮوف أو اﻟﺤﻤﺎر ..وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻻ ﯾﺘﻨﻜﺮ ﻟﻄﺒﯿﻌﺘﻪ ..واﻧﺖ زورﺑﺎ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ رأﺳﻚ إﻟﻰ أﺧﻤﺺ ﻗﺪﻣﯿﻚ ..وﻟﻦ ﺗﻜﻮن
اﻻ زورﺑﺎ ،ﻓﺄﻃﺮق ﺑﺮأﺳﻪ وﻗﺎل:
-وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أدري ﻓﻲ أي ﻃﺮﯾﻖ ﻧﺤﻦ ﻧﺴﯿﺮ.
-أﻧﺎ أدري ،ﻓﻼ ﺗﻨﺰﻋﺞ ..ﺑﺤﺴﺒﻚ أن ﺗﻤﻀﻲ ﻗﺪﻣﺎ.
ﻓﺼﺎح:
-ﻗﻞ ذﻟﻚ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﺘﺸﺠﻌﻨﻲ.
-اﻣﺾ ﻗﺪﻣﺎ.
ﻓﻠﻤﻌﺖ ﻋﯿﻨﺎ زورﺑﺎ وﻗﺎل:
-اﻵن أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻧﺒﺌﻚ..
-ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮاودﻧﻲ ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة ﻓﻜﺮة ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ..
-اذن ﻓﺄﻧﻔﺬﻫﺎ.
ﻓﺎﺷﺮأب ﺑﻌﻨﻘﻪ ،وﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﺑﻤﺰﯾﺞ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح واﻟﺤﺰن.
ﻗﺎل:
-ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺑﺼﺮاﺣﺔ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..أﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﻗﺪوﻣﻨﺎ ﻫﻮ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﻢ؟
-ﻛﺎن اﻟﻔﺤﻢ ﻣﺠﺮد ذرﯾﻌﺔ ﯾﺎ زورﺑﺎ ﻟﻜﻲ ﻧﺴﻜﺖ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻔﻀﻮﻟﯿﯿﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻘﺮﯾﺔ ..ﻟﻘﺪ أردت أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻨﺎ ﻛﺮﺟﺎل
أﻋﻤﺎل ﻓﻼ ﯾﻘﺬﻓﻮﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ..ﻫﻞ ﻓﻬﻤﺖ؟
ﻓﺬﻫﻞ ،وﺣﺎول ﺟﺎﻫﺪا أن ﯾﻔﻬﻢ ،ﺛﻢ أﻟﺠﻤﺘﻪ اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ ،ﻓﻬﻢ ﻋﻠﻲ ،وأﻣﺴﻚ ﺑﻜﺘﻔﻲ وﺻﺎح:
-ﻫﻞ ﺗﺮﻗﺺ؟ ﻫﻞ ﺗﺠﯿﺪ اﻟﺮﻗﺺ؟
-ﻛﻼ.
-ﻛﻼ؟
وأﺣﺲ ﺑﺨﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ،وﺗﺪﻟﻰ ﺳﺎﻋﺪاه ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺒﯿﻪ...
ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ:
-ﺣﺴﻨﺎ اذن ،ﺳﺎرﻗﺺ وﺣﺪي ..أرﺟﻮ أن ﺗﺒﺘﻌﺪ ﻗﻠﯿﻼ ﺣﺘﻰ ﻻ اﺻﻄﺪم ﺑﻚ.
ووﺛﺐ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﻜﻮخ ،وﺧﻠﻊ ﺣﺬاءه ورداءه وﺻﺪاره ،وﻃﻮى ﺳﺮواﻟﻪ ﺣﺘﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ ،وﺷﺮع ﯾﺮﻗﺺ.
ﻛﺎن وﺟﻬﻪ ﻻ ﯾﺰال ﻣﻐﺒﺮا ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻟﻔﺤﻢ ،وﻟﻜﻦ ﺑﯿﺎض ﻋﯿﯿﻨﻪ ﻛﺎن ﯾﺘﺄﻟﻖ...
راح ﯾﺮﻗﺺ ،وﯾﺼﻔﻖ ﺑﯿﺪﯾﻪ ،وﯾﺜﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ،وﯾﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ ،ﺛﻢ ﯾﺜﺐ ﻣﺮة أﺧﺮى راﻓﻌﺎ ﺳﺎﻗﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء،
ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺟﺴﺪه ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎط..
وﻓﺠﺄة ،راح ﯾﺜﺐ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء وﺛﺒﺎت ﻫﺎﺋﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﻣﯿﺲ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ وﯾﻄﯿﺮ..
وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أن ﻓﻲ ﺟﺴﺪه اﻟﻤﺘﻬﺎﻟﻚ روﺣﺎ ﻗﻮﯾﺔ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ ﺷﻬﺒﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء وأن اﻟﺠﺴﺪ ﯾﻬﺘﺰ ﺑﻌﻨﻒ وﯾﻬﻮي
ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻻﻧﻪ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺒﻘﺎء ﻃﻮﯾﻼ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء.
وارﺗﺴﻤﺖ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ ﺻﺮاﻣﺔ ﻣﺰﻋﺠﺔ .وﻛﻒ ﻋﻦ اﻟﺼﯿﺎح وأﻃﺒﻖ اﺳﻨﺎﻧﻪ وﻫﻮ ﯾﺤﺎول اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ﻓﺼﺤﺖ ﺑﻪ:
-ﻛﻔﻰ ﯾﺎ زورﺑﺎ .ﻛﻔﻰ.
وﺧﺸﯿﺖ أن ﯾﻨﻬﺎر ﺟﺴﺪه ،وﯾﺘﺒﺪد ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﻌﻨﯿﻒ اﻟﺬي ﯾﺒﺬﻟﻪ ..وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﺗﺼﻞ إﻟﯿﻪ ﺻﯿﺤﺎﺗﻲ وﻫﻮ
ﯾﺤﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﻛﺎﻟﻄﯿﺮ؟؟
وراﻗﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ وﻫﻮ ﯾﺮﻗﺺ ﻫﺬه اﻟﺮﻗﺼﺔ اﻟﻬﻤﺠﯿﺔ.
ﻛﻨﺖ وأﻧﺎ ﺻﺒﻲ أﻃﻠﻖ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﺨﯿﺎﻟﻲ وأﺳﺮد ﻋﻠﻰ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﺣﻜﺎﯾﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ..اﻧﺘﻬﻰ ﺑﻲ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﺗﺼﺪﯾﻘﻬﺎ
واﻻﻗﺘﻨﺎع ﺑﻬﺎ .ﻓﻠﻘﺪ ﺳﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ اﻟﺼﻐﺎر ذات ﯾﻮم:
-ﻛﯿﻒ ﻣﺎت ﺟﺪك؟
ﻓﺘﻔﺘﻖ ذﻫﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،ﻋﻦ أﺳﻄﻮرة ﻋﺠﯿﺒﺔ ،ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أﻧﺎ ﻧﻔﺴﻲ أن ﺻﺪﻗﺘﻬﺎ.
ﻗﻠﺖ ﻟﻪ:
-ﻛﺎن ﺟﺪي رﺟﻼ ﻣﺘﻘﺪﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ذا ﻟﺤﯿﺔ ﺑﯿﻀﺎء ،وﻗﺪ ﺗﻌﻮد أن ﯾﻨﺘﻌﻞ ﺣﺬاء ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎط ،وﺣﺪث ذات ﯾﻮم أن وﺛﺐ
ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ ﺑﯿﺘﻨﺎ .وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أن ﻣﺴﺖ ﻗﺪﻣﺎه اﻷرض ﺣﺘﻰ ارﺗﻔﻊ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻛﺎﻟﻜﺮة ،وﺗﺠﺎوز ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﯿﺖ،
وﻣﺎ زال ﯾﻬﺒﻂ وﯾﺮﺗﻔﻊ ،وﯾﺰداد ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻛﻞ ﻣﺮة ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻔﻰ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺤﺐ ..ﻫﻜﺬا ﻣﺎت ﺟﺪي.
وﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ ذﻫﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﺑﻌﺪ أن اﺧﺘﺮﻋﺖ ﻫﺬه اﻻﺳﻄﻮرة أﺷﯿﺮ إﻟﻰ ﺻﻮرة اﻟﺴﯿﺪ اﻟﻤﺴﯿﺢ وأﻗﻮل ﻷﺻﺪﻗﺎﺋﻲ:
-اﻧﻈﺮوا ..ﻫﻮ ذا ﺟﺪي ﺑﺤﺬاﺋﻪ اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎط.
ﺗﺬﻛﺮت ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ وأﻧﺎ أرى زورﺑﺎ ﯾﺜﺐ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ،ﻓﺎﺷﻔﻘﺖ أن ﯾﺨﺘﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺤﺐ وﺻﺮﺧﺖ ،ﻣﺮة أﺧﺮى:
-ﻛﻔﻰ ﯾﺎ زورﺑﺎ!! ﻛﻔﻰ!!
واﺳﺘﻘﺮ أﺧﯿﺮا ﻋﻠﻰ اﻷرض وﻫﻮ ﻻﻫﺚ اﻷﻧﻔﺎس ،ووﺟﻬﻪ ﯾﺘﺄﻟﻖ ﺑﺎﻟﻌﺮق واﻟﺴﻌﺎدة وﻗﺪ اﻟﺘﺼﻘﺖ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺮه
ﺑﺠﺒﯿﻨﻪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺎل اﻟﻌﺮق ﻋﻠﻰ ﺧﺪﯾﻪ ﻣﺨﺘﻠﻄﺎ ﺑﺘﺮاب اﻟﻔﺤﻢ..
واﻧﺤﻨﯿﺖ ﻓﻮﻗﻪ ،ﻓﻘﺎل ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ:
-اﻧﻨﻲ اﻵن أﺣﺴﻦ ﺣﺎﻻ ..وأﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﻜﻼم..
وﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ،وﺟﻠﺲ أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ وﻗﺪ أﺷﺮق وﺟﻬﻪ.
ﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﺎذا دﻫﺎك ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻗﺺ ﻛﻤﺎ رﻗﺼﺖ؟
-وﻣﺎذا أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻓﻌﻞ ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ،ﻛﺎد اﻟﻔﺮح أن ﯾﺨﻨﻘﻨﻲ ،وﻛﺎن ﯾﺠﺐ أن أﺟﺪ ﻟﻪ ﻣﺘﻨﻔﺴﺎً..
-ﻋﻦ أي ﻓﺮح ﺗﺘﻜﻠﻢ؟
ﻓﺎﻛﻔﻬﺮ وﺟﻬﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى وﺑﺪأت ﺷﻔﺘﺎه ﺗﺮﺗﺠﻔﺎن.
ﻗﺎل:
-أي ﻓﺮح؟ ﻫﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻟﻲ ﻣﻨﺬ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺎن ﻣﺠﺮد دﺧﺎن ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء؟ ﻟﻌﻠﻚ ﺗﻔﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ .أﻟﻢ ﺗﻘﻞ أﻧﻨﺎ ﻣﺎ ﺟﺌﻨﺎ
ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﻢ ،واﻧﻤﺎ ﻟﻘﻀﺎء اﻟﻮﻗﺖ ،وﺗﻀﻠﯿﻞ أﻫﻞ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺤﺴﺒﻮﻧﻨﺎ ﻣﺠﺎﻧﯿﻦ وﯾﻘﺬﻓﻮﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﻤﺎﻃﻢ؟ واﻧﻨﺎ
ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﻀﺤﻚ وﻧﻠﻬﻮ ﻛﻤﺎ ﻧﺸﺘﻬﻲ ﺣﯿﻦ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺮاﻧﺎ؟ أﻗﺴﻢ ﻟﻚ ان ﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﺎ ﻧﻔﺴﻲ أرﯾﺪه دون أن
أﻋﺮف ..ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻬﺒﺎ ﻣﻮزﻋﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻨﺠﻢ وﺑﯿﻦ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ وﺑﯿﻨﻚ ..ﻓﺎذا ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻔﺄس وأﻫﻮﯾﺖ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ
ﺣﺠﺎرة اﻟﻤﻨﺠﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ان اﻟﻔﺤﻢ ﻫﻮ ﻣﺎ أرﯾﺪ..
ﻓﺎذا اﻧﺘﻬﻰ اﻟﻌﻤﻞ وﺧﻠﻮت إﻟﻰ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﻟﯿﺬﻫﺐ اﻟﻤﻨﺠﻢ وﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺠﻢ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﻄﺎن ..وأﻧﺎ ﻣﻌﻬﻤﺎ.
وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻛﺎد أﺧﻠﻮ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ أﻓﻜﺮ ﻓﯿﻚ ﻓﯿﺬوب ﻗﻠﺒﻲ وأﺣﺲ ﺑﻮﺧﺰ اﻟﻀﻤﯿﺮ وأﺻﯿﺢ ﻋﺎر ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ
زورﺑﺎ أن ﺗﺨﺪع ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ وﺗﺄﻛﻞ أﻣﻮاﻟﻪ.
اﻟﺤﻖ اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف أﯾﻦ أﻧﺎ أو ﻣﺎذا أرﯾﺪ ..ﻛﺎن اﻟﺸﯿﻄﺎن ﯾﺪﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ ﻧﺎﺣﯿﺔ ،واﷲ ﯾﺪﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ ﻧﺎﺣﯿﺔ أﺧﺮى وأﻧﺎ
أﻛﺎد أن أﻧﺸﻄﺮ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ..وﻟﻜﻨﻚ ﻧﻄﻘﺖ اﻻن ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎرك اﷲ ﻓﯿﻚ..
ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ أرى ﺑﻮﺿﻮح ،وﻧﺤﻦ ﻣﺘﻔﻘﺎن ﻛﻢ ﺑﻘﻲ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل؟ أﻋﻄﻨﯿﻪ ..ودﻋﻨﺎ ﻧﺄﺗﻲ ﻋﻠﯿﻪ .
وراح ﯾﺠﻔﻒ ﻋﺮﻗﻪ ،وﯾﺠﯿﻞ اﻟﺒﺼﺮ ﺣﻮﻟﻪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻘﺎﯾﺎ اﻟﻄﻌﺎم ﻻ ﺗﺰال ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺼﻐﯿﺮة ﻓﻘﺎل:
-ﻣﻌﺬرة ..ﻟﻘﺪ ﺟﻌﺖ وﺳﺂﻛﻞ ﻣﺮة أﺧﺮى.
وﺗﻨﺎول ﻛﺴﺮة ﺧﺒﺰ وﺑﺼﻠﺔ وﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﯾﺘﻮن ،وأﻛﻞ ﻓﻲ ﻧﻬﻢ ورﻓﻊ ﻗﺪح اﻟﻨﺒﯿﺬ ﻓﻮق ﻓﻤﻪ ،وأﻓﺮغ اﻟﺸﺮاب ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻪ
دون أن ﯾﻤﺲ اﻟﻘﺪح ﺷﻔﺘﯿﻪ ﺛﻢ ﻏﻤﺰ ﺑﻌﯿﻨﻪ وﻗﺎل:
-ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﻀﺤﻚ؟ ﻟﻤﺎذا ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻲ ﻫﻜﺬا؟ ان ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﺷﯿﻄﺎﻧﺎ ﯾﻮﺳﻮس ﻟﻲ ﻓﺄﻃﯿﻌﻪ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻻﻧﻔﻌﺎل
ﻗﺎل ﻟﻲ :ارﻗﺺ ﻓﺎرﻗﺺ ،وأﺑﺢ أﺣﺴﻦ ﺣﺎﻻ ..وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺎت وﻟﺪي اﻟﺼﻐﯿﺮ دﯾﻤﺘﺮي ،رﻗﺼﺖ أﻣﺎم اﻟﺠﺜﺔ ﻓﻬﺠﻤﻮا ﻋﻠﻲ
ﻟﯿﻤﻨﻌﻮﻧﻲ وﺻﺎﺣﻮا ﻟﻘﺪ ﺟﻦ زورﺑﺎ..
وﻟﻜﻦ ﻟﻮﻻ اﻧﻨﻲ رﻗﺼﺖ ،ﻟﺠﻨﻨﺖ ﺣﺰﻧﺎ وأﺳﻰ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أول أوﻻدي وﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﻓﻌﺰ ﻋﻠﻲ أن أﻓﻘﺪه..
أﺗﺴﻤﻌﻨﻲ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي؟ ..أم ﺗﺮاﻧﻲ أﺗﺤﺪث إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ..
-اﻧﻨﻲ أﺳﻤﻌﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
-وﺣﺪث ﻣﺮة أﺧﺮى ..وﻛﻨﺖ وﻗﺘﺌﺬ ﻓﻲ روﺳﯿﺎ ..ﻧﻌﻢ ..اﻧﻨﻲ ذﻫﺒﺖ أﯾﻀﺎ إﻟﻰ روﺳﯿﺎ ﻷﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻨﺤﺎس ﻫﻨﺎك
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ )ﻧﻔﻮروﺳﯿﺴﻚ( .وﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮوﺳﯿﺔ ﺧﻤﺲ أو ﺳﺖ ﻛﻠﻤﺎت ..أي اﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﯾﻜﻔﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻲ،
ﻣﺜﻞ ﻧﻌﻢ ،ﻻ ،ﺧﺒﺰ ،ﻣﺎء ،أﺣﺒﻚ ،ﺗﻌﺎل ،ﺑﻜﻢ..
وﻫﻨﺎك ﺗﻮﺛﻘﺖ أواﺻﺮ اﻟﺼﺪاﻗﺔ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ رﺟﻞ روﺳﻲ أﺻﯿﻞ ،ﻓﻜﻨﺎ ﻧﺬﻫﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء إﻟﻰ ﺣﺎﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﺣﯿﺚ
ﻧﺸﺮب ﻋﺪدا ﻛﺒﯿﺮا ﻣﻦ زﺟﺎﺟﺎت )اﻟﻔﻮدﻛﺎ( ..وﺣﺪث ذات ﻟﯿﻠﺔ اﻧﻨﺎ ﺷﺮﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺛﻤﻠﻨﺎ ،وأﺣﺴﺴﻨﺎ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ.
وأراد اﻟﺮوﺳﻲ أن ﯾﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﯿﺎﺗﻪ ،وﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻪ ﺧﻼل اﻟﺜﻮرة اﻟﺮوﺳﯿﺔ ،وأردت ﺑﺪوري أن أﺣﺪﺛﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ
وﻋﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﯿﺎﺗﻲ ..ﻓﻠﻘﺪ ﺷﺮﺑﻨﺎ ﻣﻌﺎ وﺛﻤﻠﻨﺎ ،وﻗﺮﺑﺖ اﻟﺨﻤﺮ ﺑﯿﻦ ﻗﻠﺒﯿﻨﺎ ﻓﺄﺻﺒﺤﻨﺎ ﻛﺄﺧﻮﯾﻦ.
وﺗﻢ اﻻﺗﻔﺎق ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺑﺎﻻﺷﺎرة ﻋﻠﻰ أن ﯾﺒﺪأ ﻫﻮ اﻟﻜﻼم ،ﺣﺘﻰ اذا ﻋﺠﺰت ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻪ ﺻﺤﺖ ﺑﻪ )ﻗﻒ )ﻓﯿﻨﻬﺾ واﻗﻔﺎ
وﯾﺮﻗﺺ ،وﯾﻌﺒﺮ ﺑﺎﻟﺮﻗﺺ ﻋﻤﺎ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻘﻮﻟﻪ..
ﻓﻌﻠﺖ ﻣﺜﻠﻪ ،وﻋﺒﺮﻧﺎ ﺑﺄﻗﺪاﻣﻨﺎ وأﯾﺪﯾﻨﺎ وﺑﻄﻮﻧﻨﺎ ،ﻋﻤﺎ ﻋﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻨﺎ وﻛﺎن اﻟﺮوﺳﻲ ﻫﻮ اﻟﺒﺎدئ ﺑﺎﻟﻜﻼم ﻓﺤﺪﺛﻨﻲ
ﻛﯿﻒ ﺣﻤﻞ ﺑﻨﺪﻗﯿﺘﻪ وﻛﯿﻒ اﻣﺘﺪت اﻟﺤﺮب ،وﻛﯿﻒ وﺻﻞ اﻟﻌﺪو إﻟﻰ )ﻧﻮﻓﻮروﺳﯿﺴﻚ ) ،وﻟﻤﺎ ﻋﺠﺰت ﻋﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺣﺪﯾﺜﻪ
ﺻﺤﺖ ﺑﻪ )ﻗﻒ( ﻓﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ووﺛﺐ واﻗﻔﺎ وراح ﯾﺮﻗﺺ ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮن .وراﻗﺒﺖ ﯾﺪﯾﻪ وﻗﺪﻣﯿﻪ وﺻﺪره وﻋﯿﻨﯿﻪ وﻓﻬﻤﺖ
ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻓﻬﻤﺖ ﻛﯿﻒ دﺧﻞ اﻻﻋﺪاء( ﻧﻮﻓﻮروﺳﯿﺴﻚ( واﻋﻤﻠﻮا ﻓﯿﻬﺎ اﻟﺴﻠﺐ وﻛﯿﻒ أﻧﺸﺐ اﻟﻨﺴﺎء أﻇﺎﻓﺮﻫﻦ ﻓﻲ
وﺟﻮﻫﻬﻦ ﺛﻢ ﻓﻲ وﺟﻮه اﻟﺮﺟﺎل ..وأﺧﯿﺮا ﻛﯿﻒ اﺳﺘﺴﻠﻤﻦ وأﻏﻤﻀﻦ ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ﻟﺬة واﺳﺘﻤﺘﺎﻋﺎ ..ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺷﺄن اﻟﻨﺴﺎء
ﺟﻤﯿﻌﺎ..
ﺛﻢ ﺟﺎء دوري ،وﯾﺒﺪو أن ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﺒﺎء ،ﻷﻧﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺪت أﻧﻄﻖ ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت ﺣﺘﻰ ﺻﺎح:
)ﻗﻒ( ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮه ﺑﻔﺮوغ ﺻﺒﺮ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،ﻧﻬﻀﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ وأﺑﻌﺪت اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ واﻟﻤﻮاﻗﺪ وأﺷﺮﻋﺖ
ارﻗﺺ ..أواه ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ..ﻣﺎذا أﺻﺎب اﻟﻨﺎس وﻫﻮى ﺑﻤﺴﺘﻮاﻫﻢ !! ﻟﻘﺪ أﺻﯿﺒﺖ أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﻜﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻻ ﯾﺘﺤﺪﺛﻮن
اﻻ ﺑﺄﻓﻮاﻫﻬﻢ ..وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻻﻓﻮاه أن ﺗﻘﻮل؟ ﻟﯿﺘﻚ رأﯾﺖ ﻛﯿﻒ ﻛﺎن اﻟﺮوﺳﻲ ﯾﺼﻐﻲ إﻟﻰ ﻣﻦ رأﺳﻲ إﻟﻰ ﻗﺪﻣﻲ.
وﻛﯿﻒ ﺗﺎﺑﻊ ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻦ ﺑﺪاﯾﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﻬﺎﯾﺔ!! ﻟﻘﺪ رﻗﺼﺖ ﻟﻪ ﻣﺘﺎﻋﺒﻲ ورﺣﻼﺗﻲ وﻋﺪد زﯾﺠﺎﺗﻲ واﻻﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻣﺎرﺳﺘﻬﺎ ،
وﻛﯿﻒ ﻋﻤﻠﺖ ﺗﺎﺟﺮا ،وﺑﺎﺋﻌﺎ ﺟﺎﺋﻼ ،وﺧﺰاﻓﺎ وﻋﺎزﻓﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري وﺣﺪادا وﻣﻬﺮﺑﺎ ،وﻋﺎﻣﻼ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ،وﻛﯿﻒ
ﺳﺠﻨﺖ ﺛﻢ ﻫﺮﺑﺖ ووﺻﻠﺖ اﻟﻰ روﺳﯿﺎ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﻼدﺗﻪ وﻏﺒﺎﺋﻪ ﻓﻘﺪ ﻓﻬﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﯾﺪاي وﻗﺪﻣﺎي ﺑﻮﺿﻮح ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻜﻠﻢ ﺷﻌﺮ رأﺳﻲ
وﺛﯿﺎﺑﻲ ،واﻟﺨﻨﺠﺮ اﻟﺬي ﯾﺘﺪﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﺰاﻣﻲ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻗﺼﺘﻲ ،أﻗﺒﻞ ﺻﺪﯾﻘﻲ ﯾﻌﺎﻧﻘﻨﻲ ﺛﻢ ﻣﻸﻧﺎ ﻛﺆوﺳﻨﺎ ﺑﺎﻟﻔﻮدﻛﺎ
وﺷﺮﺑﻨﺎ وﺑﻜﯿﻨﺎ وﺿﺤﻜﻨﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺗﻘﺎﺑﻠﻨﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى.
أﺗﻀﺤﻚ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي؟ أﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﻲ؟ ﻟﻌﻠﻚ ﺗﻘﻮل ﻟﻨﻔﺴﻚ اﻻن :ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﺨﺰﻋﺒﻼت اﻟﺘﻲ ﯾﺮوﯾﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﻨﺪﺑﺎد؟ وﻫﻞ ﯾﻤﻜﻦ
ﻻﻧﺴﺎن أن ﯾﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﺮﻗﺺ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻗﺴﻢ ﻟﻚ أن اﻻﻟﻬﺔ واﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ ﻫﻜﺬا ﯾﺘﻜﻠﻤﻮن..
أراك ﺗﻐﺎﻟﺐ اﻟﻨﻌﺎس ،اﻧﻚ اﻧﺴﺎن رﻗﯿﻖ ﺗﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﺸﺎط واﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ،ﻓﺎذﻫﺐ إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻚ وﻏﺪا ﻧﺴﺘﺄﻧﻒ ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ ،ان ﻟﺪي
ﺧﻄﺔ ..ﺧﻄﺔ راﺋﻌﺔ ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﻬﺎ ﻏﺪا ..أﻣﺎ اﻵن ﻓﺎﻧﻨﻲ ﺳﺄدﺧﻦ ﻟﻔﺎﻓﺔ ﺗﺒﻎ أﺧﺮى ،ورﺑﻤﺎ أﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ..
ان ﺟﺴﻤﻲ ﯾﺘﻠﻈﻰ وﯾﺠﺐ أن أﻃﻔﺌﻪ ..ﻃﺎﺑﺖ ﻟﯿﻠﺘﻚ.
وﻗﻀﯿﺖ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ وﻗﺘﺎ ﻃﻮﯾﻼ أﻋﺎﻟﺞ اﻟﻨﻮم وﻻ أﻇﻔﺮ ﺑﻪ؟ ووﺟﺪﺗﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻨﻲ اﺳﺘﻌﺮض ﻣﺎ اﻧﻘﻀﻰ ﻣﻦ أﯾﺎﻣﻲ ..
وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ان ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻗﺪ ذﻫﺒﺖ ﺳﺪى ،ﻓﻠﯿﺘﻨﻲ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻣﺤﻮ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ وﻛﻞ ﻣﺎ رأﯾﺘﻪ
وﺳﻤﻌﺘﻪ ،وان أذﻫﺐ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ زورﺑﺎ ﻷﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺟﺪد اﻟﺤﺮوف اﻻﺑﺠﺪﯾﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻟﻮ اﻧﻨﻲ ﻓﻌﻠﺖ ﻟﺘﻐﯿﺮ ﻣﺠﺮى
ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وﻟﺘﻌﻠﻤﺖ اﻟﺠﺮي واﻟﻮﺛﺐ واﻟﻤﺼﺎرﻋﺔ واﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ورﻛﻮب اﻟﺨﯿﻞ واﻃﻼق اﻟﻨﺎر ،وﻟﺠﻤﻌﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﻘﯿﻀﯿﻦ
اﻟﺨﺎﻟﺪﯾﻦ ..ﻣﺘﻌﺔ اﻟﺮوح وﻣﺘﻌﺔ اﻟﺠﺴﺪ.
وﺣﺎﻧﺖ ﻣﻨﻲ اﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ،ﻓﺮأﯾﺖ زورﺑﺎ ﻗﺎﺑﻌﺎ ﻓﻮق ﺻﺨﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻛﻄﺎﺋﺮ ﻣﻦ ﻃﯿﻮر اﻟﻠﯿﻞ ،وﺣﺴﺪﺗﻪ..
اﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻒ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وﺳﻠﻚ اﻗﻮم اﻟﺴﯿﻞ!
ﻟﻮ أﻧﻪ ﻋﺎش ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺒﺪاﺋﯿﺔ ﻷﺻﺒﺢ زﻋﯿﻢ اﺣﺪى اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ..اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﯾﺘﻘﺪم اﻟﺼﻔﻮف وﯾﺸﻖ اﻟﻄﺮﯾﻖ
ﺑﻔﺄﺳﻪ..أﻣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﺣﺪ اﻟﺬي ﻧﻌﯿﺶ ﻓﯿﻪ ،ﻓﺎﻧﻪ ﯾﺘﻀﻮر ﺣﻮل اﻟﻤﺰارع ﻛﺎﻟﺬﺋﺐ اﻟﺠﺎﺋﻊ..
ورأﯾﺘﻪ ﯾﻨﻬﺾ ﻓﺠﺄة ،وﯾﺨﻠﻊ ﺛﯿﺎﺑﻪ ،وﯾﻘﺬف ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل ،ﺛﻢ ﯾﻠﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ..
وﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺸﺎﺣﺐ ،رأﯾﺖ رأﺳﻪ اﻟﻀﺨﻢ ﯾﻈﻬﺮ وﯾﺨﺘﻔﻲ وﺳﻤﻌﺘﻪ ﯾﻨﺒﺢ ﻛﺎﻟﻜﻠﺐ ﺗﺎرة وﯾﺼﯿﺢ ﻛﺎﻟﺪﯾﻚ ﺗﺎرة
أﺧﺮى..
وﻓﻲ ﻫﺪوء ،ودون أن أﺷﻌﺮ ،ﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ،ﻓﺎﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻓﻲ ﻧﻮم ﻋﻤﯿﻖ ..وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،رأﯾﺖ
زورﺑﺎ واﻗﻔﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﯾﺒﺘﺴﻢ وﯾﻬﻢ ﺑﺄن ﯾﺠﺬب ﻗﺪﻣﻲ ﻟﯿﻮﻗﻈﻨﻲ.
ﻗﺎل :
-اﺳﺘﯿﻘﻆ ودﻋﯿﻦ أﻋﺘﺮف ﻟﻚ ﺑﺨﻄﺘﻲ ..ﻫﻞ أﻧﺖ ﻣﺼﻎ إﻟﻲ؟
-ﻧﻌﻢ.
ﻓﺠﻠﺲ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وراح ﯾﻮﺿﺢ ﻟﻲ ﻛﯿﻒ اﻧﻪ ﺳﯿﻘﯿﻢ ﺳﻠﻜﺎ ﻫﻮاﺋﯿﺎ ﯾﻞ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ واﻟﺸﺎﻃﺊ ،وﺑﻬﺬه
اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﯾﻤﻜﻦ ﻧﻘﻞ اﻻﺧﺸﺎب اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﯿﻬﺎ ﻓﻲ دﻋﻢ ﺟﺪران اﻟﺴﺮادﯾﺐ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻨﻬﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺎل .وﻣﺎ زاد ﻋﻦ
ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ ﺑﯿﻌﻪ ﻻﻋﻤﺎل اﻟﺒﻨﺎء .وﻛﻨﺎ ﻗﺪ ﻗﺮرﻧﺎ اﺳﺘﺌﺠﺎر ﻏﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﺷﺠﺎر اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ ﯾﻤﻠﻜﻬﺎ اﻟﻤﺪﯾﺮ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻋﺠﺰﻧﺎ
ﻋﻦ اﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﻟﻘﻠﺔ اﻟﺒﻐﺎل وﻓﺪاﺣﺔ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﻨﻘﻞ ،وﻟﻬﺬا ﻓﻜﺮ زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﺪ ﺳﻠﻚ ﻫﻮاﺋﻲ ،واﻗﺎﻣﺔ ﺳﻘﺎﻻت ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ
ﺗﻨﻬﺾ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺪة ﺧﺸﺒﯿﺔ وﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ.
ﻗﺎل ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮغ ﻣﻦ ﺷﺮح ﻣﺸﺮوﻋﻪ:
-ﻫﻞ ﺗﻮاﻓﻖ؟
-أواﻓﻖ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
ﻓﺄﺷﻌﻞ اﻟﻤﻮﻗﺪ واﻋﺪ اﻟﻘﻬﻮة واﻟﻘﻰ ﻏﻄﺎء ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ أﺻﺎب ﺑﺎﻟﺒﺮد ،وﻗﺎل ﻗﺒﻞ أن ﯾﻨﺼﺮف:
-ﺳﻨﺸﻖ ﺳﺮداﺑﺎ ﺟﺪﯾﺪة اﻟﯿﻮم ،ﻓﻠﻘﺪ ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ ﻋﺮق ﻓﺤﻢ ﺟﺪﯾﺪ.
وﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻣﺴﻮدات ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻋﻦ )ﺑﻮذا( ،وأﺧﺬت أﺷﻖ اﻟﺴﺮادﯾﺐ ﺑﺪوري ،وﻗﻀﯿﺖ اﻟﻨﻬﺎر ﻛﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ ﻓﺮﻏﺖ
ﻣﻦ ﺗﺪﺑﯿﺞ ﺻﻔﺤﺔ ،أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ.
وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺠﻮع ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺰﺑﯿﺐ واﻟﺨﺒﺰ ،واﻧﺘﻈﺮت ان ﯾﻌﻮد زورﺑﺎ ﻓﯿﻌﻮد ﻣﻌﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺒﻬﺞ اﻟﻘﻠﺐ ..اﻟﻀﺤﻜﺎت
اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ ،واﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻄﯿﺒﺔ واﻟﻄﻌﺎم اﻟﺸﻬﻲ.
وﺟﺎء زورﺑﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء وأﻋﺪ اﻟﻄﻌﺎم ،وأﻛﻠﻨﺎ ..وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻣﺸﻐﻮل اﻟﺒﺎل ،وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺟﺜﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻪ ،وراح ﯾﻐﺮس
ﻗﻄﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﻲ اﻷرض ،ﺛﻢ ﺷﺪ ﺧﯿﻄﺎ ﻓﻮﻗﻬﺎ ،وﺣﺎول أن ﯾﺠﺪ اﻻﻧﺤﺪار اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻨﻬﺎر اﻟﺘﺼﻤﯿﻢ ﻛﻠﻪ.
ﻗﺎل ﻣﻮﺿﺤﺎ:
-اذا ﻛﺎن اﻻﻧﺤﺪار ﺷﺪﯾﺪا ،ﺿﺎع ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﯾﺠﺐ أن ﻧﺠﺪ اﻻﻧﺤﺪار اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ،وﻫﺬا ﯾﺘﻄﻠﺐ ﻣﺨﺎ وﻧﺒﯿﺬا.
ﻓﻘﻠﺖ ﺿﺎﺣﻜﺎ:
-ﻟﺪﯾﻨﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ ،أﻣﺎ اﻟﻤﺦ..
ﻓﺠﻠﺲ ﻟﯿﺴﺘﺮﯾﺢ ،وأﺷﻌﻞ ﻟﻔﺎﻓﺔ ﺗﺒﻎ وﻗﺎل :اﻟﺤﻖ اﻧﻚ ذﻛﻲ ..ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺮد ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻗﺎﺋﻼ:
-اذا ﻧﺠﺢ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ،اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ان ﻧﻨﻘﻞ اﻟﻐﺎﺑﺔ ﻛﻠﻬﺎ ..وان ﻧﻨﺸﺊ ﻣﺼﻨﻌﺎ ﻟﺘﺤﻮﯾﻞ ﺧﺸﺐ اﻻﺷﺠﺎر إﻟﻰ أﻋﻤﺪة واﻟﻮاح
وﺳﻘﺎﻻت وﻏﯿﺮﻫﺎ ،وﺣﯿﻨﺌﺬ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺟﯿﻮﺑﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎل .ﻓﻨﺒﺘﺎع ﺳﻔﯿﻨﺔ ﻧﺪور ﺑﻬﺎ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ.
واﻧﻄﻠﻖ ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻧﺊ اﻟﺒﻌﯿﺪة وﻋﻦ اﻟﻤﺪن واﻻﺿﻮاء واﻟﻌﻤﺎﺋﺮ اﻟﻀﺨﻤﺔ.
ﻗﺎل :
-ﻟﻘﺪ ﺷﺎب رأﺳﻲ ،وﺳﻘﻄﺖ أﺳﻨﺎﻧﻲ ،وﻟﻢ ﺗﺒﻖ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﺴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،أﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﺎﻧﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻓﻲ رﯾﻌﺎن ﺷﺒﺎﺑﻚ وﻟﻦ
ﯾﻀﺮك ان ﺗﺼﺒﺮ ،وﯾﺨﻄﺊ ﻣﻦ ﯾﻘﻮل ان اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ ﺗﺰﯾﺪ اﻻﻧﺴﺎن اﺗﺰاﻧﺎ .وﻛﯿﻒ ﺗﺘﺴﻢ ﺗﺼﺮﻓﺎت اﻻﻧﺴﺎن ﺑﺎﻻﺗﺰان وﻫﻮ
ﯾﺮى اﻟﻤﻮت ﻣﻘﺒﻼ ﻋﻠﯿﻪ؟! أﺗﺮاه ﯾﻤﺪ ﻟﻪ ﻋﻨﻘﺎ وﯾﻘﻮل ﻟﻪ :أرﺟﻮا أن ﺗﻘﻄﻊ ﻋﻨﻘﻲ ﻟﻜﻲ أذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ!! اﻧﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎ اﻣﺘﺪ
ﺑﻲ اﻟﻌﻤﺮ ،ازددت ﺗﻤﺮدا.
وﺗﻨﺎول )اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري( ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪار وراح ﯾﺤﺪﺛﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ:
-ﺗﻌﺎل إﯾﻬﺎ اﻟﺸﯿﻄﺎن ...ﻟﻤﺎذا ﺗﺘﺪﻟﻰ ﻓﻮق اﻟﺠﺪار وﻻ ﺗﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎ؟ دﻋﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﻏﻨﺎءك.
وﻟﻢ أﻛﻦ أﺿﯿﻖ ﻗﻂ ﺑﺎﺳﺮاﻓﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﺎﻵﻟﺔ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﺔ وﺑﻤﺎ ﯾﺒﺪي ﻣﻦ رﻗﺔ ورﻓﻖ ﺣﯿﻦ ﯾﺨﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻼﻓﻬﺎ .ﻛﻤﺎ ﻟﻮ
ﻛﺎن ﯾﺰﯾﻞ ﻗﺸﻮر ﺛﻤﺮة ﻧﺎﺿﺠﺔ ﻣﻦ ﺛﻤﺎر اﻟﺘﯿﻦ ،أو ﻏﻼﻟﺔ رﻗﯿﻘﺔ ﻋﻦ ﺟﺴﺪ اﻣﺮأة ﻓﺎﺗﻨﺔ.
ووﺿﻊ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ واﻧﺤﻨﻰ ﻓﻮﻗﻪ ،وﻟﻤﺲ أوﺗﺎره ﻓﻲ رﻓﻖ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﻮع اﻟﻨﻐﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﯾﺪ
ان ﺗﺮﺳﻠﻬﺎ ،أو ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﺮﺟﻮﻫﺎ أن ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ ﻟﺘﺆﻧﺲ وﺣﺸﺘﻪ ،وﻋﺎﻟﺞ اﺣﺪى اﻷﻏﻨﯿﺎت ،وﻟﻜﻦ اﻻوﺗﺎر ﻟﻢ ﺗﺨﺮد اﻟﻨﻐﻢ
اﻟﻤﻨﺸﻮد ،ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ أﻏﻨﯿﺔ أﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ اﻻوﺗﺎر أﺧﺮﺟﺖ ﺻﻮﺗﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺤﺸﺮﺟﺔ ،ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻐﻨﻲ.
وﺟﻔﻒ زورﺑﺎ اﻟﻌﺮق اﻟﺬي ﺗﺼﺒﺐ ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ ﺟﺒﯿﻨﻪ ،وﻗﺎل وﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﻓﻲ ﺟﺰع:
-اﻧﻪ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻐﻨﻲ.
ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻏﻄﺎﺋﻪ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ ،وأﻋﺎده إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪار ،ﺛﻢ أﻟﻘﻰ ﺑﺒﻌﺾ ﺣﺒﺎت اﻟﻜﺴﺘﻨﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ،وﻣﻸ ﻗﺪﺣﯿﻨﺎ
ﺑﺎﻟﻨﺒﯿﺬ وﻗﺎل:
-ﺛﻤﺔ أﺷﯿﺎء ﻻ أﻓﻬﻤﻬﺎ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ،ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﺗﻔﺴﯿﺮا؟ ﯾﺨﯿﻞ إﻟﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻻﺣﯿﺎن أن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻪ روح :اﻟﺨﺸﺐ واﻟﺤﺠﺎرة ،واﻟﻨﺒﯿﺬ اﻟﺬي ﻧﺸﺮﺑﻪ واﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﺴﯿﺮ ﻋﻠﯿﻬﺎ – أﻋﻨﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء.
ورﻓﻊ ﻗﺪﺣﻪ وﻗﺎل:
-ﻧﺨﺐ ﺻﺤﺘﻚ.
وأﻓﺮغ اﻟﻨﺒﯿﺬ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻪ وﻗﺎل:
-ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻐﻲ ﻋﺠﻮز ،أﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﺒﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ .ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ.
ﻗﺎل:
-اﺻﻎ إﻟﻲ .وﻻ ﺗﻀﺤﻚ ..ﻧﻌﻢ ،ان اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻐﻲ ﻣﺜﻞ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ..وﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ﻋﺠﻮز ،وﻟﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻔﺎﺗﻨﻬﺎ ..اﻧﻬﺎ ﺗﻌﺮف ﻃﺮﯾﻘﺔ
أو ﻃﺮﯾﻘﺘﯿﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﺸﺪك إﻟﯿﻬﺎ ..وﻟﻮ اﻧﻚ أﻃﻔﺄت اﻟﻨﻮر واﺣﺘﻮﯾﺘﻬﺎ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻋﺪﯾﻚ ﻟﺨﯿﻞ إﻟﯿﻚ أﻧﻬﺎ ﺻﺒﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ.
-وﻻ ﺿﺮورة ﻷن ﺗﻘﻮل ﻟﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﺠﺎوزت ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﻨﻀﺞ ،اﻧﻬﺎ اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة ﺑﻄﺮﯾﻘﺘﻬﺎ ،وﻋﺎﺷﺮت اﻻﻣﯿﺮاﻻت
واﻟﺒﺤﺎرة واﻟﺠﻨﻮد واﻟﻔﻼﺣﯿﻦ واﻟﻤﻤﺜﻠﯿﻦ واﻟﻘﺴﺲ واﻟﺮﻫﺒﺎن ورﺟﺎل اﻟﺒﻮﻟﯿﺲ واﻟﻘﻀﺎة واﻻﺳﺎﺗﺬة واﻟﺘﻼﻣﯿﺬ ..وﻟﻜﻦ
ﻣﺎذا ﻓﻲ ذﻟﻚ؟ اﻧﻬﺎ ﺗﻨﺴﻰ ﺑﺴﺮﻋﺔ ،وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ان ﺗﺬﻛﺮ أﺣﺪا ﻣﻦ ﻋﺸﺎﻗﻬﺎ اﻟﻘﺪاﻣﻰ .وﺣﯿﻦ ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻬﺎ ﯾﺤﻤﺮ وﺟﻬﻬﺎ ﺧﺠﻼ
وﺗﻀﻄﺮب ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮى رﺟﻼ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻬﺎ ..ان اﻟﻤﺮأة ﻟﻐﺰ ﻏﺎﻣﺾ ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺳﻘﻄﺖ أﻟﻒ ﻣﺮة ،ﻓﺎﻧﻬﺎ
ﺗﻨﻬﺾ أﻟﻒ ﻣﺮة ﻋﺬراء ..وﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺴﺄل :وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﯾﺤﺪث ذﻟﻚ؟ واﻟﺠﻮاب ﻫﻮ :ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺬﻛﺮ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻷﺿﺎﯾﻘﻪ:
-وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺒﻐﺎء ﺗﺬﻛﺮ ..اﻧﻬﺎ ﺗﺮدد داﺋﻤﺎ اﺳﻤﺎ ﻏﯿﺮ اﺳﻤﻚ ..أﻓﻼ ﯾﺰﻋﺠﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﺣﻠﻘﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ أن ﺗﺴﻤﻊ
اﻟﺒﺒﻐﺎء ﺗﺼﺮخ ﻓﻲ ﻛﺎﻧﺎﻓﺎرو ..ﻛﺎﻧﺎﻓﺎرو؟؟ أﻻ ﺗﺸﻌﺮ وﻗﺘﺌﺬ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ وﺗﺪق ﻋﻨﻘﻬﺎ؟ ﻟﻘﺪ آن ﻟﻚ أن ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ
أن ﺗﺼﯿﺢ زورﺑﺎ ..زورﺑﺎ.
ﻓﺼﺎح وﻫﻮ ﯾﻀﻊ ﯾﺪﯾﻪ ﻋﻠﻰ أذﻧﯿﻪ:
-ﻛﻼم ﻓﺎرغ!! وﻟﻤﺎذا أدق ﻋﻨﻘﻬﺎ؟ اﻧﻨﻲ أﺣﺐ أن أﺳﻤﻌﻬﺎ ﺗﺮدد ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ..ان اﻟﻤﺮأة ﺗﻀﻌﻬﺎ ﻓﻮق ﻓﺮاﺷﻬﺎ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ..
وﻟﻠﺒﺒﻐﺎء اﻟﺨﺒﯿﺜﺔ ﻋﯿﻨﺎن ﺗﺒﺼﺮان ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،ﻓﻼ اﻛﺎد أﺷﺮع ﻓﻲ ﻣﻐﺎزﻟﺔ اﻟﻤﺮأة ﺣﺘﻰ ﺗﺼﯿﺢ اﻟﺒﺒﻐﺎء ..ﻛﺎﻧﺎﻓﺎرو..
ﻛﺎﻧﺎﻓﺎرو..
وأﻗﺴﻢ ﻟﻚ اﻧﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻛﺄن ﻓﻲ ﻗﺪﻣﻲ ﺣﺬاء ﻃﻮﯾﻼ ،وﻛﺄن ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ ﻗﺒﻌﺔ ﻣﺜﻠﺜﺔ اﻻرﻛﺎن ﺗﺰﯾﻨﻬﺎ رﯾﺸﺔ ﺑﯿﻀﺎء،
وﻛﺄن ﻟﻬﺎ ﻟﺤﯿﺔ ﺣﺮﯾﺮﯾﺔ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﻬﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﻄﺮ ..وﯾﺨﯿﻞ إﻟﻲ أن ﻣﺪاﻓﻊ ﺑﺎرﺟﺘﻲ ﺗﺮﺳﻞ آﻻف اﻟﻘﺬاﺋﻒ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ.
وﺿﺤﻚ زورﺑﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﺒﻪ ،واﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﻪ اﻟﯿﺴﺮى ،وﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﺑﺎﻟﯿﻤﻨﻰ وﻗﺎل:
-ﻣﻌﺬرة ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..ﻓﺎﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ﺟﺪي اﻟﯿﻜﺴﯿﺲ رﺣﻤﻪ اﷲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺑﻌﺪ أن ﺑﻠﻎ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﯾﺠﻠﺲ ﻓﻲ
اﻟﻤﺴﺎء أﻣﺎم ﺑﺎب اﻟﺒﯿﺖ ﻟﯿﺮﻗﺐ اﻟﻔﺘﯿﺎت وﻫﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻬﻦ إﻟﻰ اﻟﺒﺌﺮ .وﻛﺎن ﻧﻈﺮه ﻗﺪ ﺿﻌﻒ وأﺻﺒﺢ ﻻ ﯾﺮى ﺑﻮﺿﻮح..
ﻓﺎذا ﻣﺮت ﺑﻪ اﻟﻔﺘﯿﺎت دﻋﺎﻫﻦ إﻟﯿﻪ ،وﺳﺄل اﺣﺪاﻫﻦ ﻣﻦ أﻧﺖ ﯾﺎ ﺑﻨﯿﺔ؟ ﻓﺘﺠﯿﺒﻪ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ :اﻧﺎ ﻛﺴﯿﯿﻨﻮ ،اﺑﻨﺔ ﻣﺴﺘﺮ اﻧﺪوﻧﻲ،
ﻓﯿﻘﻮل ﻟﻬﺎ :أﺣﻘﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ؟ اﻗﺘﺮﺑﻲ ﻣﻨﻲ اذن ودﻋﯿﻨﻲ اﻟﻤﺴﻚ ..ﺗﻌﺎﻟﻲ وﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ.
وﺗﻘﺘﺮب ﻣﻨﻪ اﻟﻔﺘﺎة ،ﻓﯿﺘﺤﺴﺲ وﺟﻬﻬﺎ ﺑﺒﻂ وﻟﺬة ،وﺗﻄﻔﺮ اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻪ.
وﻗﺪ ﺳﺄﻟﺘﻪ ذات ﻣﺴﺎء :ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﻲ ﯾﺎ ﺟﺪي؟
ﻓﺄﺟﺎب:
-وﻛﯿﻒ ﻻ أﺑﻜﻲ ﯾﺎ ﺑﻨﻲ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻘﺒﺮ ،وﺳﺄﺗﺮك وراﺋﻲ ﻛﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت.
وﺗﻨﻬﺪ زورﺑﺎ واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮت ﺣﺪﯾﺚ ﺟﺪي ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ان ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت ﯾﻤﺘﻦ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ذات اﻟﻠﺤﻈﺔ.
وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺎﺟﺮات ﺳﯿﻌﺸﻦ ﺑﻌﺪي ،وﺳﯿﻨﻌﻤﻦ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة ﺑﯿﻦ أﺣﻀﺎن رﺟﺎل آﺧﺮﯾﻦ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﻛﻮن ﻗﺪ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺗﺮاب ﺗﺤﺖ
أﻗﺪاﻣﻬﻦ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
ﺟﻠﺴﻨﺎ ﺻﺎﻣﺘﯿﻦ أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ..وأﺣﺴﺴﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﺄن اﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﺗﻜﻠﻒ اﻻ اﻟﻘﻠﯿﻞ :ﻗﺪح
ﻧﺒﯿﺬ وﻛﺴﺘﻨﺎء ﻣﺸﻮﯾﺔ ،وﻣﻮﻗﺪ ﺣﻘﯿﺮ ،وﺻﻮت ﺗﻼﻃﻢ اﻷﻣﻮاج ..ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺄﻟﻖ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺴﻌﺎدة وﻻ
ﺷﻲء ﻏﯿﺮﻫﺎ ..وﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻜﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄن ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺴﻌﺎدة ،ﻫﻮ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻚ ﻗﻠﺐ راض وﻧﻔﺲ ﻗﺎﻧﻌﺔ.
ﺳﺄﻟﺖ زورﺑﺎ:
-ﻛﻢ ﻣﺮة ﺗﺰوﺟﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﺴﻤﻊ ﺳﺆاﻟﻲ ،وﻟﻌﻠﻪ ﻛﺎن ﻓﻲ واد آﺧﺮ ﻻ ﯾﺼﻞ إﻟﯿﻪ ﺻﻮﺗﻲ ،ﻓﻤﺪدت ﯾﺪي إﻟﯿﻬﻦ وﻟﻤﺴﺘﻪ ﺑﺄﻃﺮاف أﺻﺎﺑﻌﻲ
وﻛﺮرت ﺳﺆاﻟﻲ:
-ﻛﻢ ﻣﺮة ﺗﺰوﺟﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
وﺳﻤﻌﻨﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة وأﻓﺎق ﻣﻦ ذﻫﻮﻟﻪ وأﺟﺎب:
-ﻋﻢ ﺗﺒﺤﺚ اﻵن؟ أو ﺗﻈﻦ أﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ رﺟﻼً؟ ﻟﻘﺪ ﻓﻌﻠﺖ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﻪ ﻏﯿﺮي ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل وارﺗﻜﺒﺖ )اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ اﻟﻜﺒﺮى( ..اﻧﻨﻲ
أﺳﺄل اﻟﻤﺘﺰوﺟﯿﻦ اﻟﻤﻌﺬرة ..وﻟﻜﻨﻲ ﻫﻜﺬا اﺳﻤﻲ اﻟﺰواج ..ﻧﻌﻢ ،ﻟﻘﺪ ارﺗﻜﺒﺖ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ اﻟﻜﺒﺮى وﺗﺰوﺟﺖ.
-وﻛﻢ ﻣﺮة ﺗﺰوﺟﺖ؟
ﻓﺤﻚ زورﺑﺎ رأﺳﻪ ﺑﻘﻮة وﻗﺎل:
-ﻛﻢ ﻣﺮة؟ اﻧﻨﻲ ﺗﺰوﺟﺖ زواﺟﺎ ﺷﺮﯾﻔﺎ ﻣﺮة واﺣﺪة ،وزواﺟﺎ ﻧﺼﻒ ﺷﺮﯾﻒ ﻣﺮﺗﯿﻦ ،وزواﺟﺎ ﻏﯿﺮ ﺷﺮﯾﻒ اﻟﻔﯿﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ
آﻻف ﻣﺮة.
-ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ زﯾﺠﺎﺗﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ان ﻏﺪا اﻻﺣﺪ وﺳﻮف ﻧﺤﻠﻖ ذﻗﻮﻧﻨﺎ وﻧﺮﺗﺪي ﺧﯿﺮ ﺛﯿﺎﺑﻨﺎ وﻧﺬﻫﺐ إﻟﻰ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﺘﺎ ﻟﻨﻘﻀﻲ
وﻗﺘﺎ ﻃﯿﺒﺎ ..واﻵن ﺧﺒﺮﻧﻲ..
-ﻣﺎذا أﻗﻮل ﻟﻚ؟ ﻫﺬه اﻣﻮر ﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ..ان اﻟﺰﯾﺠﺎت اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ ﻻ ﻃﻌﻢ ﻟﻬﺎ ..اﻧﻬﺎ ﻃﺒﻖ ﺧﻠﻮ ﻣﻦ
اﻟﺘﻮاﺑﻞ ،واﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻗﺮﯾﺘﻨﺎ ﯾﻘﻮﻟﻮن" :ان اﻟﻠﺤﻢ اﻟﺸﻬﻲ ،ﻫﻮ اﻟﻠﺤﻢ اﻟﻤﺴﺮوق" وزوﺟﺔ اﻻﻧﺴﺎن ﻟﯿﺴﺖ ﻟﺤﻤﺎ ﻣﺴﺮوﻗﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺰﯾﺠﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ ،ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ان ﯾﺬﻛﺮﻫﺎ اﻻﻧﺴﺎن ،ﻫﻞ ﯾﻤﺴﻚ اﻟﺪﯾﻚ ﺳﺠﻼ؟ وﻟﻤﺎذا؟ اﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻲ
اﺣﺘﻔﻆ ﺑﺨﺼﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﻛﻞ اﻣﺮأة أﺗﺼﻞ ﺑﻬﺎ ..ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻞ ﻣﻘﺼﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض ،وﻛﻨﺖ أذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ واﻟﻤﻘﺺ ﻓﻲ
ﺟﯿﺒﻲ ..ﻓﻨﺤﻦ رﺟﺎل ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ،وﻣﻦ ﯾﺪري ﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻦ ان ﯾﺤﺪث ﻓﻲ أﯾﺔ ﻟﺤﻈﺔ!
وﻫﻜﺬا اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻟﺪي ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ ﺧﺼﻼت اﻟﺸﻌﺮ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻷﺳﻮد واﻷﺷﻘﺮ واﻷﺣﻤﺮ ،وﺑﻌﺾ ﺧﺼﻼت ﺑﯿﻀﺎء.
ﻓﻤﺎذا أﺻﻨﻊ ﺑﻬﺎ؟ ﻟﻘﺪ ﺣﺸﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ وﺳﺎدﺗﻲ وﻛﻨﺖ أﻧﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺳﺎدة ﺷﺘﺎء ،وأﻫﻤﻠﻬﺎ ﺻﯿﻔﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺮ ،إﻟﻰ أن اﻧﺒﻌﺚ
ﻣﻨﻬﺎ راﺋﺤﺔ ﻛﺮﯾﻬﺔ ﻓﺎﺣﺮﻗﺘﻬﺎ.
وﺿﺤﻚ واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻫﺬه اﻟﻮﺳﺎدة ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺠﻞ ﻣﻐﺎﻣﺮاﺗﻲ ،وﻗﺪ ﺿﻘﺖ ﺑﻬﺎ ذرﻋﺎ ﻓﺎﺣﺮﻗﺘﻬﺎ ..وﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ ان ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻟﻲ ﻛﻞ ﻫﺬه
اﻟﺨﺼﻼت ..ووﺟﺪت أﻧﻬﺎ ﺗﺰداد ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ ،ﻓﺘﺨﻠﺼﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺺ.
-وﻣﺎذا ﻋﻦ زﯾﺠﺎﺗﻚ ﻧﺼﻒ اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
ﻓﺘﻨﻬﺪ وأﺟﺎب:
-آه ..ان ﻟﻬﺎ ﺳﺤﺮا ﺧﺎﺻﺎ ..وأوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺴﻼﻓﯿﺎت! أﯾﺔ ﻣﺘﻌﺔ! وأﯾﺔ ﺣﺮﯾﺔ! اﻧﻬﻦ ﻻ ﯾﺴﺄﻟﻨﻚ :أﯾﻦ ﻛﻨﺖ؟ أو ﻟﻤﺎذا
ﺗﺄﺧﺮت؟ أو أﯾﻦ ﻗﻀﯿﺖ ﻟﯿﻠﺘﻚ؟ اﻧﻬﻦ ﻻ ﯾﻠﻘﯿﻦ ﻋﻠﯿﻚ أﺳﺌﻠﺔ ..وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺴﺄﻟﻬﻦ ..ﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﺤﺮﯾﺔ!!
واﺣﺘﺴﻰ ﻗﺪح ﻧﺒﯿﺬ ،وراح ﯾﻤﻀﻎ ﻛﺴﺘﻨﺎءة وﯾﺘﻜﻠﻢ ﻗﺎل:
-ﻛﺎﻧﺖ اﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺗﺪﻋﻰ ﺻﻮﻓﻨﻜﺎ ،واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺗﺪﻋﻰ ﻧﻮﺳﺎ ..وﻗﺪ ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺻﻮﻓﻨﻜﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﯾﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ
(ﻧﻮﻓﻮروﺳﯿﺴﻚ).
ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺷﺘﺎءا ،واﻟﺜﻠﻮج ﺗﻐﻄﻲ اﻷرض ،وﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ اﻟﺬي أﻋﻤﻞ ﻓﻔﯿﻪ ،ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ،ﻷن
اﻟﯿﻮم ﻛﺎن ﯾﻮم اﻟﺴﻮق ،واﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﯾﺘﻮاﻓﺪون ﻣﻦ اﻟﻘﺮى ﻟﻠﺒﯿﻊ واﻟﺸﺮاء ،وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻗﺤﻂ ،واﻟﻨﺎس ﯾﺒﯿﻌﻮن ﻛﻞ
ﻣﺎ ﯾﻤﻠﻜﻮن ﻟﯿﺒﺘﺎﻋﻮا ﺧﺒﺰا.
وﻓﯿﻤﺎ أﻧﺎ أﻃﻮف ﺑﺎﻟﺴﻮق اذ وﻗﻊ ﺑﺼﺮي ﻋﻠﻰ ﻓﻼﺣﺔ ﺷﺎﺑﺔ ﺗﺜﺐ ﻣﻦ ﻋﺮﺑﺘﻬﺎ.
ﻛﺎن ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺳﺘﺔ أﻗﺪام ،وﻟﻬﺎ ﻋﯿﻨﺎن زرﻗﺎوان ﻛﺎﻟﺒﺤﺮ .وﻓﺨﺬان ﻣﻠﯿﺌﺘﺎن ﻛﻔﺨﺬي اﻟﻔﺮس اﻟﻮﻟﻮد.
وﻣﺎ أن رأﯾﺘﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺟﻤﺪت ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ "ﻣﺴﻜﯿﻦ أﻧﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻛﯿﻒ ﺳﯿﻐﻤﺾ ﻟﻚ ﺟﻔﻦ ﺑﻌﺪ أن رأﯾﺖ
ﻓﺎﺗﻨﺔ اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت".
وﺳﺮت ﻓﻲ أﺛﺮﻫﺎ ،دون أن أﻗﻮى ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮﯾﻞ ﺑﺼﺮي ﻋﻨﻬﺎ ..
وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﻟﻤﺎذا ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ أﯾﻬﺎ اﻷﺣﻤﻖ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ! ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﻨﺠﻢ اﻟﺬي ﯾﺠﺐ أن ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﺮادﯾﺒﻪ!
وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻟﻔﺘﺎة ،وﺑﺪأت ﺗﺴﺎوم ،واﺑﺘﺎﻋﺖ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﺣﻤﻠﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﺮﺑﺘﻬﺎ ..وﻋﻨﺪﺋﺬ رأﯾﺖ ذراﻋﯿﻬﺎ ..وأي
ذراﻋﯿﻦ
ﺛﻢ اﺑﺘﺎﻋﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺒﺰ وﺧﻤﺲ ﺳﻤﻜﺎت أو ﺳﺖ وﺳﺄﻟﺖ :ﺑﻜﻢ ﻫﺬا؟ وذﻛﺮ ﻟﻬﺎ اﻟﺒﺎﺋﻊ اﻟﺜﻤﻦ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻌﻬﺎ ﻧﻘﻮد ﻓﻤﺪت
ﯾﺪﻫﺎ إﻟﻰ ﻗﺮﻃﻬﺎ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻟﺘﻘﺪﻣﻪ ﺛﻤﻨﺎ ﻟﻠﺨﺒﺰ واﻟﺴﻤﻜﺎت.
ووﺛﺐ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻲ.
ﻫﻞ أدع اﻣﺮأة ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻗﺮﻃﻬﺎ ..ﻋﻦ ﺣﻠﯿﻬﺎ ..ﻋﻦ ﻋﻄﺮﻫﺎ؟ اذا ﻓﻌﻠﺖ اﻟﻤﺮأة ذﻟﻚ ﻓﻘﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ اﻟﺴﻼم! وﻣﻦ ﯾﺪﻋﻬﺎ
ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﯾﻜﻮن ﻛﻤﻦ ﯾﺠﺮد اﻟﻄﺎووس ﻣﻦ رﯾﺸﻪ ..ﻫﻞ ﯾﻄﺎوﻋﻚ ﻗﻠﺒﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﺘﻒ رﯾﺶ اﻟﻄﺎووس؟.
ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﻛﻼ ..ذﻟﻚ ﻟﻦ ﯾﺤﺪث أﺑﺪا ﻃﺎﻟﻤﺎ زورﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة!!
وﻓﺘﺤﺖ ﻛﯿﺲ ﻧﻘﻮدي ،ودﻓﻌﺖ.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻠﻨﻘﺪ اﻟﺮوﺳﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ أﯾﺔ ﻗﯿﻤﺔ ،وﻛﺎن ﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ أن ﺗﺸﺘﺮي اﻟﻔﺮس ﺑﻤﺎﺋﺔ دراﺧﻤﺔ ﯾﻮﻧﺎﻧﯿﺔ
واﻟﻤﺮأة ﺑﻌﺸﺮة دراﺧﻤﺎت.
دﻓﻌﺖ ﺛﻤﻦ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺴﻤﻚ .ﻓﺘﺤﻮﻟﺖ اﻟﻔﺘﺎة ،وﺻﻌﺪﺗﻨﻲ ﺑﻨﻈﺮة ﻣﻦ رﻛﻦ ﻋﯿﻨﻬﺎ .ﺛﻢ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﯾﺪي ﻟﺘﻘﺒﻠﻬﺎ وﻟﻜﻦ ﺟﺬﺑﺖ
ﯾﺪي ،ﻓﻬﺘﻔﺖ ﺑﺎﻟﺮوﺳﯿﺔ:
-ﺳﺒﺎﺳﯿﺒﺎ ..ﺳﺒﺎﺳﯿﺒﺎ ..أي ﺷﻜﺮا ..ﺷﻜﺮا.
ووﺛﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،وﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻋﻨﺎن اﻟﺠﻮاد ورﻓﻌﺖ ﺳﻮﻃﻬﺎ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
-ﺣﺬار ﯾﺎ زورﺑﺎ ..اﻧﻬﺎ ﺳﺘﻔﻠﺖ ﻣﻦ ﺑﯿﺪ أﺻﺎﺑﻌﻚ.
وﺑﻮﺛﺒﺔ واﺣﺪة ،ﻛﻨﺖ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻘﻞ ﺷﯿﺌﺎ ،ﺑﻞ وﻟﻢ ﺗﻨﻈﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ.
واﻫﻮت ﺑﺴﻮﻃﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻮاد ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺑﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﺔ.
وﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،أدرﻛﺖ اﻧﻨﻲ أرﯾﺪﻫﺎ ..وﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮوﺳﯿﺔ ﺛﻼث ﻛﻠﻤﺎت ..وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ﻻ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ
ﻛﻼم ﻛﺜﯿﺮ ..ﻓﻘﺪ ﺗﻔﺎﻫﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﯿﻮن ،واﻻﯾﺪي واﻟﺴﯿﻘﺎن.
ووﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ وﺗﻮﻗﻔﻨﺎ أﻣﺎم دارﻫﺎ ،ﻓﻔﺘﺤﺖ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺒﺎب ﺑﺪﻓﻌﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﻔﻬﺎ ودﺧﻠﺖ.
وﻋﺎوﻧﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻟﺨﺸﺐ إﻟﻰ ﻓﻨﺎء اﻟﺪار ،وﺣﻤﻠﻨﺎ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺴﻤﻚ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻐﺮﻓﺔ اﻣﺮاة ﻋﺠﻮز ﺗﺠﻠﺲ أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ اﻟﺨﺎﻣﺪ وﺗﺮﺗﺠﻒ ﻣﻦ اﻟﺒﺮد ،وﻛﺎن اﻟﺒﺮد ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻮة ﺑﺤﯿﺚ أﺣﺴﺴﺖ أن
أﻇﺎﻓﺮي ﺳﺘﺴﻘﻂ.
وﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻌﺠﻮز واﺑﺘﺴﻤﺖ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﻔﺘﺎة ﻛﻼﻣﺎ ﻟﻢ أﻓﻬﻤﻪ..
أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ أﺷﻌﻠﺖ اﻟﻨﺎر ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺗﻌﺪ اﻟﻤﺎﺋﺪة.
وأﺣﻀﺮت اﻟﻔﺘﺎة ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻮدﻛﺎ وﺷﺮﺑﻨﺎ ،وأﻋﺪت اﻟﺸﺎي ،وﺟﻠﺴﻨﺎ ﻧﺘﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم ،وأﻋﻄﯿﻨﺎ اﻟﻌﺠﻮز ﻧﺼﯿﺒﻬﺎ ﻣﻨﻪ.
وأﺧﯿﺮا .ﻧﻬﻀﺖ اﻟﻔﺘﺎة إﻟﻰ اﻟﻔﺮاش ﻓﺄﺑﺪﻟﺖ أﻏﻄﯿﺘﻪ ،ﺛﻢ أﺷﻌﻠﺖ ﻣﺼﺒﺎﺣﺎ زﯾﺘﯿﺎ أﻣﺎم ﺗﻤﺜﺎل اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء ،ورﺳﻤﺖ
ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪرﻫﺎ ﺛﻼث ﻣﺮات ،وأوﻣﺄت إﻟﻲ ،ﻓﺠﺜﻮﻧﺎ أﻣﺎ اﻟﻌﺠﻮز ،اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ ﯾﺪﯾﻬﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﯿﻨﺎ وﻏﻤﻐﻤﺖ
ﺑﺒﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت ،وﻟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺎرﻛﻨﺎ ﻓﻬﺘﻔﺖ ﺑﺎﻟﺮوﺳﯿﺔ:
-ﺳﺒﺎﺳﯿﺎ ..ﺳﺒﺎﺳﯿﺎ.
وأﺣﻄﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺴﺎﻋﺪي ،وﺣﻤﻠﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﺮاش.
وﻫﻨﺎ ﺻﻤﺖ زورﺑﺎ ..وأرﺳﻞ ﺑﺼﺮه ﺑﻌﯿﺪا ..إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ:
-ﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎ ﺻﻮﻓﻨﻜﺎ.
وﻻذ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ .ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ:
-وﻣﺎذا ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ.
-ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ﯾﺎ أﺳﺘﺎذي؟ وﻫﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺨﻮض ﻓﯿﻪ؟
ان اﻟﻤﺮأة ﯾﻨﺒﻮع ﻣﺘﺠﺪد ،ﺗﻨﺤﻨﻲ ﻓﻮﻗﻪ ﻓﺘﺮى ﻇﻠﻚ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﻪ ،وﺗﺸﺮب ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻠﻰ ﻋﻈﺎﻣﻚ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﯾﺄﺗﻲ رﺟﻞ آﺧﺮ ﻇﻤﺂن
ﻓﯿﻨﺤﻨﻲ وﯾﺮى ﻇﻠﻪ ،وﯾﺸﺮب ..ﺛﻢ ﯾﺄﺗﻲ ﺛﺎﻟﺚ...
-ﻫﻞ ﻫﺠﺮﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ..
-ﻣﺎذا ﺗﺘﻮﻗﻊ؟ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ اﻧﻬﺎ ﯾﻨﺒﻮع ﻣﺘﺠﺪد ،وﻣﺎ أﻧﺎ اﻻ ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ.
ﻟﻘﺪ ﻣﻜﺜﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮر ..ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت اﻟﻤﻨﺠﻢ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ ذات ﯾﻮم:
-ان ﻟﺪي ﻋﻤﻼ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻧﺠﺎزه ..وﯾﺠﺐ أن أذﻫﺐ.
-اذﻫﺐ اذن ،وﺳﺄﻧﺘﻈﺮك ﺷﻬﺮا ،ﻓﺎذا ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ،أﺻﺒﺢ ﺣﺮة ..وﻛﺬﻟﻚ أﻧﺖ ..ﻓﺎذﻫﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ اﷲ.
-وﻫﻞ ﻋﺪت ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ؟
-ﻣﻌﺬرة اذا ﻗﻠﺖ ﻟﻚ اﻧﻚ ﻏﺒﻲ ،ﻛﯿﻒ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ان أﻋﻮد؟ ﻫﻞ ﺗﺪﻋﻚ اﻟﻨﺴﺎء وﺷﺄﻧﻚ؟ ﻟﻢ ﺗﻤﺾ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم ﻋﻠﻰ رﺣﯿﻠﻲ
ﺣﺘﻰ ﻗﺎﺑﻠﺖ )ﻧﻮﺳﺎ).
-ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ اذن.
-ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ أﺧﺮى ..ﯾﺠﺐ أﻻ ﻧﺨﻠﻂ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ..واﻻن ،دﻋﻨﺎ ﻧﺸﺮب ﻧﺨﺐ ﺻﻮﻓﻨﻜﺎ.
وﺟﺮع ﻗﺪح اﻟﻨﺒﯿﺬ ﺛﻢ اﺳﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﺠﺪار وﻗﺎل:
-ﺣﺴﻨﺎ ،ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﻬﺎ.
وﻣﺴﺢ ﺷﺎرﺑﻪ ،وﺑﺪأ ﻗﺼﺘﻪ ﻋﻦ ﻧﻮﺳﺎ ،ﻗﺎل:
-اﻧﻨﻲ ﻗﺎﺑﻠﺘﻬﺎ أﯾﻀﺎً ﻓﻲ اﺣﺪى اﻟﻘﺮى اﻟﺮوﺳﯿﺔ ..ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﺻﯿﻔﺎ ،واﻟﺤﻘﻮل ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺒﻄﯿﺦ ..وﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ أن ﺗﺄﺧﺬ
ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء دون أن ﯾﺘﻌﺮض ﻟﻚ أﺣﺪ.
ان ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻮﺟﻮد ﺑﻮﻓﺮة ﻓﻲ روﺳﯿﺎ ..ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ أﻛﻮام ،اﻟﺒﻄﯿﺦ واﻟﺴﻤﻚ واﻟﺰﺑﺪ واﻟﻨﺴﺎء ..وﺑﺤﺴﺒﻚ ان ﺗﻤﺪ ﯾﺪك
وﺗﺄﺧﺬ ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ ،ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﺤﺎل ﻫﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن ﻓﺎﻧﻚ اذا ﻟﻤﺴﺖ ﺑﻄﯿﺨﺔ ،اﺧﺬوك إﻟﻰ اﻟﺸﺮﻃﺔ ﺛﻢ اﻟﻰ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ واذا
ﻟﻤﺴﺖ اﻣﺮأة ﻫﺠﻢ ﻋﻠﯿﻚ اﺧﻮﻫﺎ وﺑﯿﺪه ﺳﻜﯿﻦ ..ﻗﺒﺢ اﷲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ اذﻫﺐ إﻟﻰ روﺳﯿﺎ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي وﺳﺘﺠﺪ اﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ان
ﺗﻌﯿﺶ ﻫﻨﺎك ﻛﺎﻻﻣﺮاء.
وﻗﺪ ﺣﺪث أﻧﻨﻲ ﻣﺮرت ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ )ﻛﻮﺑﺎن( ﻓﺮأﯾﺖ اﻣﺮأة ﻓﻲ ﻣﻄﺒﺦ أﺣﺪ اﻟﺒﯿﻮت وأﻋﺠﺒﺘﻨﻲ.
واﻟﻤﺮأة اﻟﺴﻼﻓﯿﺔ ،ﻟﯿﺴﺖ ﻛﺎﻟﻤﺮأة اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ اﻟﻨﺤﯿﻠﺔ اﻟﺠﺸﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﯿﻚ اﻟﺤﺐ ﻗﻄﺮة ﻓﻘﻄﺮة .وﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ
ﺗﻌﻄﯿﻚ ،وﺗﺤﺎول ﺟﺎﻫﺪة أن ﺗﺨﺪﻋﻚ وﺗﺴﺮﻗﻚ ..ان اﻟﻤﺮأة اﻟﺴﻼﻓﯿﺔ ﺗﻮﻓﻲ اﻟﻜﯿﻞ واﻟﻤﯿﺰان وﺗﻌﻄﯿﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﻘﻚ ﻓﻲ
اﻟﻨﻮم واﻟﺤﺐ واﻟﻄﻌﺎم ..اﻧﻬﺎ ﻛﺤﯿﻮان اﻟﺤﻘﻞ ،وﻛﺎﻷرض ﻧﻔﺴﻬﺎ ..ﺗﻌﻄﻲ ﻋﻦ ﻃﯿﺐ ﺧﺎﻃﺮ ..وﺗﻌﻄﻲ ﺑﺴﺨﺎء.
ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ :ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ :ﻧﻮﺳﺎ ..وأﻧﺖ؟
ﻓﻘﻠﺖ :اﻟﯿﻜﺴﯿﺲ..
ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر:
-اﻧﻨﻲ ﻣﻌﺠﺐ ﺑﻚ ﯾﺎ ﻧﻮﺳﺎ.
ﻓﻨﻈﺮت إﻟﻲ ﺑﺎﻣﻌﺎن ،ﻛﻤﺎ ﯾﻨﻈﺮ اﻻﻧﺴﺎن إﻟﻰ اﻟﺤﺼﺎن ﻗﺒﻞ أن ﯾﺸﺘﺮﯾﻪ وﻗﺎﻟﺖ:
-وأﻧﺖ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻚ .ﻓﺄﺳﻨﺎﻧﻚ ﺳﻠﯿﻤﺔ .وﻟﻚ ﺷﺎرب ﻛﺒﯿﺮ ،وﻛﺘﻔﺎن ﻋﺮﯾﻀﺘﺎن ،وﺳﺎﻋﺪان ﻗﻮﯾﺎن ،اﻧﻚ ﺗﻌﺠﺒﻨﻲ.
وﻟﻢ ﻧﻘﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ..ﻓﻘﺪ ﺗﻔﺎﻫﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﻏﻤﻀﺔ ﻋﯿﻦ وﻃﻠﺒﺖ إﻟﻲ أن أزورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء..
ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ:
-ﻫﻞ ﻟﺪﯾﻚ ﻣﻌﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاء؟
-ﻧﻌﻢ ..وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺮ..
-ﻻ ﺑﺄس ..ﯾﺤﺴﻦ ﺑﻚ أن ﺗﺮﺗﺪﯾﻪ ،ﻟﻜﻲ ﺗﺒﺪو أﻧﯿﻘﺎ.
وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،ارﺗﺪﯾﺖ أﻓﻀﻞ ﺛﯿﺎﺑﻲ ،وﺣﻤﻠﺖ ﻋﺼﺎي ذات اﻟﻤﻘﺒﺾ اﻟﻔﻀﻲ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ ﻧﻮﺳﺎ.
ﻛﺎن ﺑﯿﺘﺎ رﯾﻔﯿﺎ ﻛﺒﯿﺮا ﺑﻪ ﺣﻈﺎﺋﺮ ﻟﻼﺑﻘﺎر وﻗﺎﻋﺎت ﻟﻠﺘﻘﻄﯿﺮ ورأﯾﺖ ﻓﻲ ﻓﻨﺎﺋﻪ ﻗﺪرﯾﻦ ﻛﺒﯿﺮﯾﻦ ﻓﻮق ﻣﻮﻗﺪﯾﻦ ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻣﺎ ﻫﺬا؟
ﻓﻘﺎﻟﻮا اﻧﻪ ﻋﺼﯿﺮ اﻟﺒﻄﯿﺦ واﻧﻬﻢ ﯾﺼﻨﻌﻮن ﻣﻨﻪ ﺧﻤﺮا .ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ أرأﯾﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..
اﻧﻬﻢ ﯾﺼﻨﻌﻮن ﺧﻤﺮا ﻣﻦ ﻋﺼﯿﺮ اﻟﺒﻄﯿﺦ! ﺣﻘﺎ ان ﻫﺬه ﻫﻲ اﻷرض اﻟﻤﻮﻋﻮدة ،ﻓﻮداﻋﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻔﻘﺮ ،اﻧﻚ وﻗﻌﺖ واﻗﻔﺎ ﻫﺬه
اﻟﻤﺮة ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻊ اﻟﻔﺄر ﻋﻠﻰ ﻗﺮص ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ.
وارﺗﻘﯿﺖ ﺳﻠﻤﺎ ﺧﺸﺒﯿﺎ ﻛﺒﯿﺮ ،وﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷول ،اﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﻮاﻟﺪي ﻧﻮﺳﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺛﯿﺎﺑﻬﻤﺎ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺮاء وﺳﻌﺔ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻮﻧﻲ ﺑﺎﻷﺣﻀﺎن واﻟﻘﺒﻼت ،وﻗﺎﻻ ﻟﻲ ﻛﻼﻣﺎ ﻛﺜﯿﺮا ﻟﻢ أﻓﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﺣﺮﻓﺎ
واﺣﺪا وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أﻫﻤﯿﺔ ذﻟﻚ ،ﻃﺎﻟﻤﺎ اﻧﻪ ﻛﺎن واﺿﺤﺎ ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺤﻬﻤﺎ اﻧﻬﻤﺎ ﻻ ﯾﻀﻤﺮان ﻟﻲ ﺷﺮا!
ودﺧﻠﺖ ﻗﺎﻋﺔ ﻓﺴﯿﺤﺔ ﻓﻤﺎذا رأﯾﺖ؟ ﻣﻮاﺋﺪ ﺗﺌﻦ ﺗﺤﺖ ﺛﻘﻞ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ،ﻣﻮاﺋﺪ ﻛﺎﻧﻬﺎ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺸﺮاﻋﯿﺔ.
وﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻗﻮﻓﺎ ،اﻻﻗﺎرب واﻻﺻﺪﻗﺎء ،ﻧﺴﺎء ورﺟﺎﻻ ،ﺗﺘﺼﺪرﻫﻢ )ﻧﻮﺳﺎ( ﻓﻲ ﺛﻮب ﺳﻬﺮة ﯾﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺻﺪر ﺑﺎرز
ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻘﺪم اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ،وﺗﻀﻊ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﻣﻨﺪﯾﻼ أﺣﻤﺮ ،وﻗﺪ ﻃﺮز ﻓﻮق ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺷﻌﺎر اﻟﻤﻨﺠﻠﺔ واﻟﻤﻄﺮﻗﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺄﻟﻖ ﺷﺒﺎﺑﺎ وﺟﻤﺎﻻ .ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
-زورﺑﺎ ،أﯾﻬﺎ اﻟﺨﺎﻃﺊ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،ﻫﻞ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺬي ﺳﺘﻀﻤﻪ إﻟﻰ ﺻﺪرك اﻟﻠﯿﻠﺔ! ﻋﻔﺎ اﷲ ﻋﻦ اﺑﻮﯾﻚ اﻟﻠﺬﯾﻦ ﺟﺎءا
ﺑﻚ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ!
واﻧﻘﻀﻀﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم ،وأﻛﻠﻨﺎ ﻛﺎﻟﺨﻨﺎزﯾﺮ وﺷﺮﺑﻨﺎ ﻛﺎﻟﺴﻤﻚ وﻛﺎن واﻟﺪ ﻧﻮﺳﺎ ﯾﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮاري وﯾﺘﻜﻠﻢ دون
أن ﯾﺤﻮل ﻋﯿﻨﯿﻪ ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ ،وﻛﺎﻧﻪ ﯾﻮﺟﻪ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻲ ،أﻣﺎ ﻣﺎذا ﻗﺎل ،ﻓﻬﺬا ﻣﺎ ﯾﻌﻠﻤﻪ اﷲ ..ﻛﻞ ﻣﺎ أﻋﻠﻤﻪ أﻧﻨﻲ ﺗﻌﺒﺖ ﻣﻦ
اﻟﻮﻗﻮف ،ﺧﺎﺻﺎ وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺛﻤﻼ ،ﻓﺠﻠﺴﺖ .واﻟﺼﻘﺖ رﻛﺒﺘﻲ ﺑﺮﻛﺒﺔ ﻧﻮﺳﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﯾﻤﯿﻦ.
وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أن أﺑﺎﻫﺎ ﻟﻦ ﯾﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم ..إﻟﻰ أن ﺗﺼﺒﺐ اﻟﻌﺮق ﻋﻠﻰ ﺟﺒﯿﻨﻪ ﻓﻬﺠﻢ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻤﺪﻋﻮون ﻟﯿﺴﻜﺘﻮه ،وﻧﺠﺤﻮا
أﺧﯿﺮا ﻓﻲ اﺳﻜﺎﺗﻪ ،وﺣﯿﻨﺌﺬ اوﻣﺄت إﻟﻲ وﻗﺎﻟﺖ:
-اﻵن ﺟﺎء دورك ..ﯾﺠﺐ أن ﺗﺘﻜﻠﻢ.
ﻓﻨﻬﻀﺖ واﻗﻔﺎ ،واﻟﻘﯿﺖ ﺧﻄﺎﺑﺎ ﻧﺼﻔﻪ ﺑﺎﻟﺮوﺳﯿﺔ ،وﻧﺼﻔﻪ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ،وﻻ أدري ﻣﺎذا ﻗﻠﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ اذﻛﺮ ﻓﻘﻂ اﻧﻨﻲ ﺧﺘﻤﺖ
ﺧﻄﺎﺑﻲ ﺑﺎﺣﺪى اﻻﻏﻨﯿﺎت اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ وﻣﺎ ان ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ أﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻋﺪي ﻧﻮﺳﺎ وﻗﺒﻠﺘﻬﺎ.
وﺻﻤﺖ زورﺑﺎ ﻟﺤﻈﺔ وﺗﻨﻬﺪ واﺳﺘﻄﺮد:
-وﻗﻀﯿﻨﺎ ﻣﻌﺎ ﺳﺘﺔ ﺷﻬﻮر ،وﻛﻞ ﻣﺎ أرﺟﻮه اﻻ ﯾﻤﺤﻮ اﷲ ذﻛﺮى ﻫﺬه اﻟﺸﻬﻮر اﻟﺴﺘﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ..
وأﻏﻤﺾ ﻋﯿﻨﯿﻪ ،وﻇﻬﺮ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﺄﺛﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه أول ﻣﺮة أراه ﻓﯿﻬﺎ وﻗﺪ ﻫﺰﺗﻪ اﺣﺪى اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت اﻟﺒﻌﯿﺪة..
ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ:
-ﻫﻞ أﺣﺒﺒﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ..
ﻓﻔﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ وﻗﺎل:
-اﻧﻚ ﻣﺎ زﻟﺖ ﺷﺎﺑﺎ ،وﻟﻦ ﺗﻔﻬﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺸﺘﻌﻞ رأﺳﻚ ﺷﯿﺒﺎ ﻣﺜﻠﻲ ،ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﺨﺎﻟﺪ.
-أي ﻣﻮﺿﻮع ﺧﺎﻟﺪ؟
-ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻨﺴﺎء ﻃﺒﻌﺎ ،ﻛﻢ ﻣﺮة ﯾﺠﺐ أن أﻗﻮل ﻟﻚ ان اﻟﻤﺮأة ﻟﻐﺰ ﺧﺎﻟﺪ.
-وﻣﺎذا ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ ﻧﻮﺳﺎ؟
ﻓﺄﺟﺎب وﻫﻮ ﯾﺮﺳﻞ ﺑﺼﺮه إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ:
-ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ذات ﻣﺴﺎء ﻓﻠﻢ أﺟﺪﻫﺎ ،وﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن دون ﺟﺪوى .ﺛﻢ ﻋﻠﻤﺖ ان ﺟﻨﺪﯾﺎ وﺳﯿﻤﺎ ﻗﺪم أﺧﯿﺮا
إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ واﻧﻬﺎ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻌﻪ ..وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أن اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ وان ﻗﻠﺒﻲ ﻗﺪ اﻧﺴﺤﻖ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺸﻘﻲ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن
اﻟﺘﺄم ،وﻟﻌﻠﻚ رأﯾﺖ أﺷﺮﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ وﻣﺎ ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻦ رﻗﻊ ﺣﻤﺮاء وﺻﻔﺮاء وﺳﻮداء ﻻ ﺗﻤﺰﻗﻬﺎ اﻟﻌﻮاﺻﻒ واﻻﻋﺎﺻﯿﺮ ،ان
ﻗﻠﺒﻲ ﻛﻬﺬه اﻻﺷﺮﻋﺔ ،ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺜﻘﻮب واﻟﺮﻗﻊ ..وﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﺨﺸﻰ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻨﻪ..
-أﻟﻢ ﺗﻨﻘﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺳﺎ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
-وﻟﻤﺎذا؟ ان اﻟﻤﺮأة ﻣﺨﻠﻮق ﻏﯿﺮ ﻣﻔﻬﻮم ،وﻗﺪ اﺳﺎءت إﻟﯿﻬﺎ اﻟﺸﺮاﺋﻊ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ واﻟﺪﻧﯿﻮﯾﺔ ،وﻟﻮ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﺑﯿﺪي ،ﻟﻤﺎ
اﺧﻀﻌﺖ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ،ان اﻟﺮﺟﻞ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺎ ﯾﻔﺮض ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ ﻗﯿﻮد ،أﻣﺎ اﻟﻤﺮأة ﻓﻤﺨﻠﻮق
ﺿﻌﯿﻒ ﻻ ﺣﻮل ﻟﻪ وﻻ ﻗﻮة..
دﻋﻨﺎ ﻧﺸﺮب ﻧﺨﺐ ﻧﻮﺳﺎ ،وﻧﺨﺐ اﻟﻤﺮأة ..وﻟﻨﺴﺄل اﷲ أن ﯾﻬﺒﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ
ﺑﺪأ اﻟﻨﻬﺎر ﯾﺰداد ﻗﺼﺮاً ،واﻟﻀﻮء ﯾﺰداد ﺧﻔﻮﺗﺎً ،واﻟﻘﻠﻮب ﺗﻀﻄﺮب ﻗﻠﻘﺎً ﻛﻠﻤﺎ أﻗﺒﻞ اﻟﻤﺴﺎء ،وﺑﺪأ ﯾﺨﺎﻣﺮﻧﺎ ذﻟﻚ اﻟﻬﻠﻊ
اﻟﻔﻄﺮي اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﻼﻓﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﻬﻮر اﻟﺸﺘﺎء ﻛﻠﻤﺎ رأوا اﻟﺸﻤﺲ ﺗﻌﺠﻞ ﺑﺎﻟﻐﺮوب ﯾﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ،وﻟﻌﻠﻬﻢ
ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﻮﻟﻮن ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﯾﺄس) ،ﻏﺪا ﺳﺘﺬﻫﺐ اﻟﺸﻤﺲ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ( ﺛﻢ ﯾﻘﻀﻮن اﻟﻠﯿﻞ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﺎل وﻫﻮ ﯾﺮﺗﺠﻔﻮن ﺧﻮﻓﺎ
وﺟﺰﻋﺎ.
وﻛﺎن ﺷﻌﻮر زورﺑﺎ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ أﻋﻤﻖ وأﻛﺜﺮ ﺑﺪاﺋﯿﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﻮري وﻟﻜﻲ ﯾﻬﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر ،ﻛﺎن ﯾﻘﻀﻲ ﻓﻲ ﺳﺮادﯾﺐ
اﻟﻤﻨﺠﻢ أﻃﻮل وﻗﺖ ﻣﻤﻜﻦ ﻓﻼ ﯾﻐﺎدرﻫﺎ اﻻ اذا ﺗﺄﻟﻘﺖ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء.
وﻛﺎن ﻗﺪ وﻗﻊ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﺴﺮادﯾﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻮع ﺟﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ .ﻧﻮع ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎد ﻏﻨﻲ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺤﺮارﯾﺔ ،وﺳﺮه ذﻟﻚ
وأﺛﻠﺞ ﺻﺪره ..ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻘﻠﻪ ﯾﻄﻮر أرﺑﺎﺣﻨﺎ ﺗﻄﻮﯾﺮاً ﻋﺠﯿﺒﺎً وﯾﺤﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ رﺣﻼت وﻧﺴﺎء وﻣﻐﺎﻣﺮات ﺟﺪﯾﺪة..
ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮ ﺑﻔﺮوغ ﺻﺒﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻟﻨﺎ ﻓﯿﻪ ﺛﺮوة ﺿﺨﻤﺔ ،وﺗﺼﺒﺢ أﺟﻨﺤﺘﻪ – ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﯾﺴﻤﻲ اﻟﻨﻘﻮد –
ﻛﺒﯿﺮة ..ﻟﻜﻲ ﯾﻄﯿﺮ وﯾﺤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ..وﻟﻬﺬا ﻛﺎن ﯾﻘﻀﻲ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﺧﺘﺒﺎر أﻧﻤﻮذﺟﻪ اﻟﻤﺼﻐﺮ ﻟﻠﺴﻠﻚ
اﻟﻬﻮاﺋﻲ ،ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻻﻧﺤﺪار اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﺘﺤﺮك ﺟﺬوع اﻻﺷﺠﺎر ﺑﺒﻂء ﻣﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ.
وﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﯾﺎم ،ﺗﻨﺎول ورﻗﺔ ﻛﺒﯿﺮة وﺑﻌﺾ اﻷﻗﻼم اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ ..ورﺳﻢ اﻟﺠﺒﻞ واﻟﻐﺎﺑﺔ ،وﺟﺬوع اﻻﺷﺠﺎر اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺴﻠﻚ
اﻟﻬﻮاﺋﻲ وﻫﻲ ﺗﻨﺤﺪر ،وﺟﻌﻞ ﻟﻜﻞ ﺟﺬع ﺟﻨﺎﺣﯿﻦ ،ﺛﻢ رﺳﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﺼﻐﯿﺮ زوارق ﺳﻮداء وﺑﺤﺎرة ﯾﺮﺗﺪون ﺛﯿﺎﺑﺎً
ﺧﻀﺮاء ﻛﺎﻟﺒﺒﻐﺎوات ،ووﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺰوارق ﻛﺘﻼ ﺻﻔﺮاء ﻣﻦ ﺟﺬوع اﻟﺸﺠﺮ ،ورﺳﻢ راﻫﺒﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ارﻛﺎن اﻟﻮرﻗﺔ
اﻷرﺑﻌﺔ وﻛﺘﺐ أﻣﺎم ﻓﻢ ﻛﻞ راﻫﺐ ﺑﺤﺮوف ﺳﻮداء ﻛﺒﯿﺮة :ﺗﺒﺎرك اﻟﺨﺎﻟﻖ وﻣﺎ ﺧﻠﻖ.
وﻻﺣﻈﺖ ﺧﻼل اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة أن زورﺑﺎ ﯾﺸﻌﻞ اﻟﻤﻮﻗﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وﯾﻌﺪ اﻟﻄﻌﺎم وﯾﺘﻨﺎول ﻋﺸﺎءه ﺑﺴﺮﻋﺔن ﺛﻢ ﯾﻨﻄﻠﻖ إﻟﻰ
اﻟﻘﺮﯾﺔ ،وﯾﻌﻮد ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة زاﺋﻎ اﻟﺒﺼﺮ ﻣﻘﻄﺐ اﻟﺠﺒﯿﻦ ،ﻓﺎذا ﺳﺄﻟﺘﻪ :أﯾﻦ ﻛﻨﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟ أﺟﺎب:
-دﻋﻨﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
وﯾﻐﯿﺮ ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﯾﺚ.
وﻓﻲ اﺣﺪى اﻻﻣﺴﯿﺎت ،ﻛﺎن اﻟﻤﻄﺮ ﯾﻬﻄﻞ ﻣﺪارا ،وﻧﺤﻦ أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ ﻧﺘﺪﻓﺄ وﻧﺸﻮي ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺴﺘﻨﺎء ،ﺣﯿﻦ ﺗﺤﻮل زورﺑﺎ
إﻟﻲ ،وراح ﯾﺠﺤﺪﻧﻲ ﺑﻨﻈﺮة ﻓﺎﺣﺼﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﺤﺎول اﻣﺎﻃﺔ اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻦ ﻟﻐﺰ ﻋﻮﯾﺺ .وﯾﺒﺪو أن اﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ
أرﻫﻘﺘﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﻗﺎل:
-ﻟﯿﺘﻨﻲ أﻋﺮف ﻣﺎذا ﯾﺤﺒﺒﻨﻲ إﻟﯿﻚ ..ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺄذﻧﻲ وﺗﻠﻘﻲ ﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج؟ اﻧﻨﻲ ﺳﺄﻓﺴﺪ أﻋﻤﺎﻟﻚ وأﺟﻠﺐ ﻋﻠﯿﻚ
اﻟﺪﻣﺎر ،ﻓﺎﻟﻖ ﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج واﻧﻔﺾ ﯾﺪك ﻣﻨﻲ.
ﻓﺄﺟﺒﺘﻪ:
-أﻧﺎ أﺣﺒﻚ ،وﻫﺬا ﯾﻜﻔﻲ.
-وﻟﻜﻦ أﻻ ﺗﺮى أن ﻋﻘﻠﻲ ﻟﯿﺲ ﻟﻪ اﻟﻮزن اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ؟ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﺛﻘﻞ أو أﺧﻒ وزﻧﺎً ﻣﻤﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻟﻪ اﻟﻮزن
اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ،ﺳﺄﻗﻮل ﻟﻚ اﻻن ﺷﯿﺌﺎ أرﺟﻮ أن ﺗﻔﻬﻤﻪ ،اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺮف ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻃﻌﻤﺎً ﻃﯿﻠﺔ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة ﺑﺴﺒﺐ اﻷرﻣﻠﺔ..
وأرﺟﻮك أﻻ ﺗﺴﻲء ﻓﻬﻤﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أرﯾﺪﻫﺎ ﻟﻨﻔﺴﻲ وﻟﻦ أﻣﺴﻬﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﻃﺮازﻫﺎ ..وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أرﯾﺪ أن ﯾﺨﺴﺮﻫﺎ
اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻻ أرﯾﺪ أن ﺗﻨﺎم وﺣﺪﻫﺎ .ﻓﺬﻟﻚ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺼﻮاب.
اﻧﻨﻲ أﻃﻮف ﺑﺤﺪﯾﻘﺘﻬﺎ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ وﻫﺬا ﺳﺮ رﺣﻠﺘﻲ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ﻓﻬﻞ ﺗﻌﺮف ﻟﻤﺎذا؟
-ﻛﻲ أرى ﻣﺎ اذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻨﺎم ﻣﻌﻬﺎ ،ﻟﯿﺮﺗﺎح ﺑﺎﻟﻲ وﺗﻄﻤﺌﻦ ﻧﻔﺴﻲ.
ﻓﻀﺤﻜﺖ.
ﻗﺎل :
-ﻻ ﺗﻀﺤﻚ .اذا ﻧﺎﻣﺖ اﻣﺮأة وﺣﺪﻫﺎ ﻓﺎﻟﺬﻧﺐ ذﻧﺒﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺮﺟﺎل وﺳﻮف ﻧﺤﺎﺳﺐ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﯾﻮم اﻟﺪﯾﻨﻮﻧﺔ.
وﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺛﻢ ﺳﺄل ﻓﺠﺄة:
ﻫﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻌﻮد اﻻﻧﺴﺎن إﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻌﺪ أن ﯾﻤﻮت؟
-ﻻ أﻇﻦ ذﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
-وذﻟﻚ ﻫﻮ رأﯾﻲ ،وﻟﻜﻦ اذا ﻗﺪر ﻟﻼﻧﺴﺎن أن ﯾﻌﻮد ،ﻓﺄﻛﺒﺮ اﻟﻈﻦ أن أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺨﻠﻔﻮا ﻋﻦ وﻇﺎﺋﻔﻬﻢ ﻛﺮﺟﺎل وﻧﺴﺎء
ﺳﻮف ﯾﻌﻮدون إﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺑﻐﺎل ..وﻣﻦ ﯾﺪري ،ﻓﻠﻌﻞ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺒﻐﺎل اﻟﺘﻲ ﻧﺮاﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻫﻲ اﻟﺮﺟﺎل
واﻟﻨﺴﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺨﻠﻮا ﻋﻦ واﺟﺒﺎﺗﻬﻢ ،وﻟﻬﺬا ﻧﺮاﻫﻢ داﺋﻤﺎ ﯾﺮﻓﺴﻮن ..ﻓﻤﺎ رأﯾﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ؟
ﻓﺄﺟﺒﺖ ﺿﺎﺣﻜﺎ:
-رأﯾﻲ أن ﻋﻘﻠﻚ أﻗﻞ وزﻧﺎ ﻣﻤﺎ ﯾﺠﺐ ..ﻫﻠﻢ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﯾﺎ زورﺑﺎ.
-ﻣﻌﺬرة ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻋﺰف اﻟﻠﯿﻠﺔ ..واذا ﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﺳﺮﻓﺖ ﻓﻲ أﺣﺎدﯾﺜﻲ اﻟﺴﺨﯿﻔﺔ ﻓﻬﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﻟﻤﺎذا؟ ﻷﻧﻨﻲ أﺣﻤﻞ
ﻫﻤﻮم اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺴﺮداب اﻟﺠﺪﯾﺪ ..وﻫﺄﻧﺘﺬا ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري.
وأﺧﺮج اﻟﻜﺴﺘﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﻮﻗﺪ ،وﻣﻸ اﻟﻘﺪﺣﯿﻦ ﺑﺎﻟﻌﺮق.
ﻗﻠﺖ :
-أﺳﺄل اﷲ أن ﯾﺮﺟﺢ ﻛﻔﺔ اﻟﻤﯿﺰان اﻟﯿﻤﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ اﻟﯿﺴﺮى.
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ:
-ﺑﻞ ﻟﺘﺮﺟﺢ اﻟﻜﻔﺔ اﻟﯿﺴﺮى ..ان رﺟﺤﺎن اﻟﯿﻤﻨﻰ ﻟﻢ ﯾﻔﺪﻧﺎ ﺷﯿﺌﺎً ﺣﺘﻰ اﻵن.
واﻓﺮغ اﻟﺸﺮاب ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻪ وﻗﺎل.
-ﺳﺄﺣﺘﺎج ﻏﺪا إﻟﻰ ﻛﻞ ذرة ﻣﻦ ﻗﻮاي ﻷﻧﺎﺿﻞ آﻻف اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ ..ﻃﺎب ﻣﺴﺎؤك.
وﺧﺮج زورﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻊ أول ﺧﯿﻮط اﻟﻔﺠﺮ.
وﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ ﺷﻘﻮا اﻟﺴﺮداب اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻓﺘﺴﺮب اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺟﺪراﻧﻪ وﺳﻘﻔﻪ ووﺟﺪ اﻟﺮﺟﺎل أﻧﻔﺴﻬﻢ ﯾﺨﻮﺿﻮن ﻓﻲ أوﺣﺎل
ﺳﻮداء ،ﻓﺄﺣﻀﺮ زورﺑﺎ ﺑﻌﺾ ﺟﻮع اﻷﺷﺠﺎر ﻟﺪﻋﻢ ﺟﺪران اﻟﺴﺮداب وﺳﻘﻔﻪ.
وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻗﻠﻘﺎ ،ﻓﻘﺪ أﺣﺲ ﺑﻐﺮﯾﺰﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﯾﺼﯿﺐ اﻟﺴﺮداب ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺴﺮداب ﺟﺰءا ﻣﻦ ﺟﺴﺪه،
ﺑﺄن ﺟﺬوع اﻷﺷﺠﺎر وﺷﺮاﺋﺢ اﻟﺨﺸﺐ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة ﻛﻤﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ،وﺳﻤﻊ ﻗﺮﻗﻌﺔ ﺧﻔﯿﻔﺔ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﻌﻬﺎ اذن أﺧﻰ،
ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺄن ﺳﻘﻒ اﻟﺴﺮداب ﯾﺌﻦ ﻣﻦ ﺛﻘﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﻤﻞ .
وﺛﻤﺔ ﺷﻲء آﺧﺮ أﺷﺎع اﻟﻘﻠﻖ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ زورﺑﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﻛﺎد ﯾﻬﻢ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﺴﺮداب ﺣﺘﻰ ﻣﺮ ﺑﻪ ﻗﺲ اﻟﻘﺮﯾﺔ،
اﻷب ﺳﺘﯿﻔﺎﻧﻮس ،ﻣﻤﺘﻄﯿﺎ ﺑﻐﻠﺘﻪ ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻪ إﻟﻰ راﻫﺒﺔ ﺗﺤﺘﻀﺮ ،وﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺤﻆ أن زورﺑﺎ وﺟﺪ ﻣﺘﺴﻌﺎ ﻣﻦ
اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻜﻲ ﯾﺒﺼﻖ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺛﻼث ﻣﺮات ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﺤﺪث إﻟﯿﻪ اﻟﻘﺲ.
ﻗﺎل رداً ﻋﻠﻰ ﺗﺤﯿﺔ اﻟﻘﺲ:
-ﻃﺎب ﯾﻮﻣﻚ أﯾﻬﺎ اﻷب.
ﺛﻢ أردف ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ:
-وﻟﺘﻬﺒﻂ ﻟﻌﻨﺘﻚ ﻋﻠﻰ.
وﻇﻦ أﻧﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ وﻗﻰ اﻟﺴﺮداب اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻣﻦ ﺷﺮ اﻟﻘﺲ وﺣﺴﺪه.
وﻛﺎن ﺟﻮ اﻟﺴﺮداب ﻣﺜﻘﻼً ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻔﺤﻢ واﻻﺳﯿﺘﯿﻠﯿﻦ ،وﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ ﺑﺪوا ﻓﻌﻼ ﻓﻲ دﻋﻢ اﻟﺴﻘﻒ وﺗﻘﻮﯾﺘﻪ ﺑﺎﻻﻋﻤﺪة
اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻪ ،ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻋﻠﯿﻬﻢ زورﺑﺎ ﺗﺤﯿﺔ اﻟﺼﺒﺎح ﺛﻢ ﺷﻤﺮ ﻋﻦ ﺳﺎﻋﺪﯾﻪ ،وﺑﺪأ اﻟﻌﻤﻞ.
وأﺧﺬ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻤﺎل ﻓﻲ ﺗﺤﻄﯿﻢ ﻛﺘﻞ اﻟﻔﺤﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺷﺮع اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ وﺿﻌﻪ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﺎت ﺗﻤﻬﯿﺪا ﻟﻨﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج.
وﻓﺠﺄة ،وﻗﻒ زورﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وأﻣﺮ اﻟﻌﻤﺎل أن ﯾﺤﺬوا ﺣﺬوه وأرﻫﻒ أذﻧﯿﻪ.
وﻛﻤﺎ ﯾﻔﻨﻲ اﻟﻔﺎرس ﻓﻲ ﺟﻮاده ،واﻟﺮﺑﺎن ﻓﻲ ﺳﻔﯿﻨﺘﻪ ،ﻛﺬﻟﻚ أﺻﺒﺢ زورﺑﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺠﻢ ،ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻜﻞ ﺗﺸﻌﺐ ﻓﯿﻪ ﻛﻤﺎ
ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻨﺒﺾ ﻛﻞ ﺷﺮﯾﺎن ﻓﻲ ﺟﺴﺪه .
ﻓﺒﻌﺪ أن أرﻫﻒ أذﻧﯿﻪ اﻟﻜﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ،أرﺳﻞ ﺑﺼﺮه إﻟﻰ ﺟﻮف اﻟﺴﺮداب.
وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ ..ﻓﻘﺪ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﺠﺄة وأﻧﺎ ﻣﺘﻮﺟﺲ ،وﻛﺄن ﯾﺪا ﺧﻔﯿﺔ ﺗﺪﻓﻌﻨﻲ ،ﻓﺎرﺗﺪﯾﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ ﻋﻠﻰ
ﻋﺠﻞ ،وأﺳﺮﻋﺖ ﺑﺎﻟﺨﺮوج دون أن أﻋﻠﻢ ﻟﻤﺎذا أﺳﺮع .أو إﻟﻰ أﯾﻦ أذﻫﺐ ،وﻟﻜﻦ ﻗﺪﻣﺎي ﺣﻤﻠﺘﺎﻧﻲ دون ﺗﺮدد ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ
إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺠﻢ ووﺻﻠﺖ إﻟﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻓﯿﻬﺎ زورﺑﺎ ﯾﺼﯿﺦ اﻟﺴﻤﻊ وﯾﻨﻈﺮ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ.
ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ:
-ﻻ ﺷﻲء ..ﻇﻨﻨﺖ ان ..وﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺄس ..إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﯾﺎ رﺟﺎل.
ودار ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﯿﻪ ورآﻧﻲ وﻗﻠﺐ ﺷﻔﺘﻪ..
-ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﺒﻜﺮ؟
واﻗﺘﺮب ﻣﻨﻲ واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ ﻓﻲ ﻫﻤﺲ:
-ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺬﻫﺐ ﻟﺘﺴﺘﻨﺸﻖ ﺑﻌﺾ اﻟﻬﻮاء اﻟﻨﻘﻲ؟ ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﯾﻮم آﺧﺮ.
-ﻣﺎذا ﺣﺪث ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
-ﻻ ﺷﻲء ،ﻟﻘﺪ ﺗﺨﯿﻠﺖ أﺷﯿﺎء ..وﻟﻌﻞ اﻟﺴﺒﺐ أن أول اﻧﺴﺎن وﻗﻊ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺼﺮي اﻟﯿﻮم ﻛﺎن ﻗﺴﺎ ..اذﻫﺐ.
-اذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺧﻄﺮ ..أﻓﻼ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﺎر أن أذﻫﺐ؟
-ﻧﻌﻢ.
-أﺗﺮﺣﻞ أﻧﺖ؟
-ﻛﻼ.
-اذن؟
-ان ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻔﻌﻠﻪ زورﺑﺎ ﺷﻲء ..وﻣﺎ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﻔﻌﻠﻪ اﻵﺧﺮون ﺷﻲ آﺧﺮ ..وﻟﻜﻦ اذا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺎر أن ﺗﺮﺣﻞ،
ﻓﺎﺑﻖ ..ﻓﻬﺬه ﺟﻨﺎزﺗﻚ.
وﺗﻨﺎول ﻣﻌﻮﻻ ،وﻧﻬﺾ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻊ ﻗﺪﻣﯿﻪ ﻟﯿﺪق ﻣﺴﻤﺎرا ﻓﻲ اﻟﺴﻘﻒ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺣﻤﻠﺖ ﻣﺼﺒﺎﺣﺎ وﺧﻀﺖ ﻓﻲ اﻟﻮﺣﻞ ﻷﻟﻘﻲ
ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻞ اﻟﻔﺤﻢ اﻟﻼﻣﻌﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻏﺎﺑﺎت ﺷﺎﺳﻌﺔ اﺑﺘﻠﻌﺘﻬﺎ اﻷرض ﻣﻨﺬ ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﺴﻨﯿﻦ وأﺣﺎﻟﺖ أﺧﺸﺎﺑﻬﺎ ﻓﺤﻤﺎ ..ﺛﻢ ﺟﺎء زورﺑﺎ و..
وأﻋﺪت اﻟﻤﺼﺒﺎح إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﺠﺪار ووﻗﻔﺖ أرﻗﺐ زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﻌﻤﻞ.
ﻛﺎن ﻣﻨﺼﺮﻓﺎ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻪ ..ﻣﺴﺘﻐﺮﻗﺎ ﻓﯿﻪ ﺑﻜﻞ ﺣﻮاﺳﻪ ..ﻓﻬﻮ ﻻ ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ أي ﺷﻲء آﺧﺮ ..وﻫﻮ واﻷرض واﻟﻤﻌﻮل واﻟﻔﺤﻢ
ﺷﻲ واﺣﺪ ،وﻗﺪ اﺗﺤﺪ ﻣﻊ اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ واﻟﻤﺴﺎﻣﯿﺮ ﻓﻲ ﻧﻀﺎل ﺿﺪ ﺷﺮاﺋﺢ اﻟﺨﺸﺐ ﻟﯿﻘﻮم اﻟﺴﻘﻒ اﻟﻤﻨﺒﻌﺞ ..وﻫﻮ ﯾﻌﺎﻟﺞ ﺟﺪار
اﻟﺠﺒﻞ ﻟﯿﺨﺮج اﻟﻔﺤﻢ ﺑﺎﻟﻘﻮة ﺗﺎرة وﺑﺎﻟﺤﯿﻠﺔ ﺗﺎرة أﺧﺮى ،وﯾﻀﺮب ﺑﻤﻌﻮﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﺿﻊ اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺘﻐﻠﺐ
ﻋﻠﯿﻬﺎ ..وﯾﺼﺪر ﻓﻲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﻦ اﺣﺴﺎس ﻏﺮﯾﺰي ﻻ ﯾﺨﻄﺊ أﺑﺪا.
رأﯾﺘﻪ وﻗﺪ اﻛﺘﺴﻰ ﺑﺎﻟﻮﺣﻞ واﻟﺘﺮاب اﻷﺳﻮد ،ﻓﻠﻢ ﯾﺒﻖ ﻇﺎﻫﺮا ﻣﻨﻪ إﻻ ﺑﯿﺎض ﻋﯿﻨﯿﻪ ،وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻟﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﺘﻤﻮﯾﻪ
وﺗﻨﻜﺮ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻛﺘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﻏﺮﯾﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﺮة ﻣﻨﻪ ،واﻻﻧﻘﻀﺎض ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ ﻋﻘﺮ داره.
وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﻛﺘﻤﺎن اﻋﺠﺎﺑﻲ ﻓﻬﺘﻔﺖ:
-أﺣﺴﻨﺖ ﺻﻨﻌﺎ ﯾﺎ زورﺑﺎ..
وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﺤﺎول أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲ أو ﯾﺤﺪﺛﻨﻲ ،وﻛﯿﻒ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ان ﯾﺘﺤﺪث إﻟﻲ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ ،أﯾﺆﺛﺮ اﻟﻘﻠﻢ
واﻟﻮرق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻮل واﻟﻔﺄس؟
وﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﺳﺎﻋﺘﻲ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻌﺎﺷﺮة ﻓﻘﻠﺖ:
-ﻟﻘﺪ ﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﺮاﺣﺔ أﯾﻬﺎ اﻷﺻﺪﻗﺎء.
وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،أﻟﻘﻰ اﻟﻌﻤﺎل ﺑﺄدواﺗﻬﻢ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻷرﻛﺎن .وﺟﻔﻔﻮا اﻟﻌﺮق اﻟﻤﺘﺼﺒﺐ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ،وﺗﺄﻫﺒﻮا ﻟﻤﻐﺎدرة
اﻟﺴﺮداب.
وﻛﺎن زورﺑﺎ ﻻ ﯾﺰال ﻣﺴﺘﻐﺮﻗﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻠﻢ ﯾﺴﻤﻌﻨﻲ ..وﻟﻮ ﺳﻤﻌﻨﻲ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﺮك ﻗﯿﺪ أﻧﻤﻠﺔ.
وﻓﺠﺄة ،أرﻫﻒ زورﺑﺎ أذﻧﯿﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ دﻻﺋﻞ اﻟﻘﻠﻖ.
ﻓﻘﻠﺖ أﺣﺪث اﻟﻌﻤﺎل :ﺻﺒﺮا ﻟﺤﻈﺔ ..رﯾﺜﻤﺎ أﻗﺪم ﻟﻜﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ.
ﻓﺪار اﻟﻌﻤﺎل ﺑﻲ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬت أﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺟﯿﻮﺑﻲ ﻋﻦ ﻋﻠﺒﺔ اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ.
وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻛﻒ زورﺑﺎ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻪ وأﻟﺼﻖ أذﻧﻪ ﺑﺠﺪار اﻟﺴﺮداب ،ورأﯾﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻤﺼﺒﺎح ﯾﻔﻐﺮ ﻓﺎه دﻫﺸﺔ..
ﻓﺼﺤﺖ ﺑﻪ:
-ﻣﺎذا ﻫﻨﺎﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
وﻗﺒﻞ أن ﯾﺠﯿﺐ ،ﺣﺪﺛﺖ ﻓﺮﻗﻌﺔ ﻓﻮق رؤوﺳﻨﺎ ﻓﺼﺎح زورﺑﺎ ﺑﺼﻮت أﺟﺶ:
-اﺧﺮﺟﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎ ..اﺧﺮﺟﻮا.
ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻧﻌﺪو ﻧﺤﻮ ﻓﻮﻫﺔ اﻟﺴﺮداب ،وﻣﺎ ﻛﺪﻧﺎ ﻧﺘﺠﺎوز اﻟﺴﻘﺎﻟﺔ اﻻوﻟﻰ ﺣﺘﻰ دوت ﻓﺮﻗﻌﺔ أﺧﺮى ﻓﻮق رؤوﺳﻨﺎ.
وﻛﺎن زورﺑﺎ ﻗﺪ ﺣﻤﻞ ﺟﺬع ﺷﺠﺮة ﺿﺨﻢ ،وراح ﯾﺤﺎول أن ﯾﺴﻨﺪ ﺑﻪ اﻟﺴﻘﻒ اﻟﻤﺘﺪاﻋﻲ ،وﻟﻮ ﻧﺠﺢ ﻻﺗﺎح ﻟﻨﺎ ﺑﻀﻊ ﺛﻮان ﻗﺪ
ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻓﯿﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮار.
وﺻﺎح زورﺑﺎ ﻣﺮة اﺧﺮى:
-اﺧﺮﺟﻮا.
وﻟﻜﻦ ﺻﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة ﻛﺎن ﺧﺎﻓﺘﺎ ﻣﺨﺘﻨﻘﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﺻﺎدر ﻣﻦ ﺑﻄﻦ اﻻرض.
وﺑﺎﻟﺠﺒﻦ اﻟﺬي ﯾﺼﯿﺐ اﻟﻨﺎس ﻋﺎدة ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﺨﻄﺮ .اﻧﺪﻓﻌﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻧﺤﻮ ﻓﻮﻫﺔ اﻟﺴﺮداب ،وﻗﺪ ﻧﺴﯿﻨﺎ زورﺑﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ.
وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﺛﻮان ،وﻋﺪت ادراﺟﻲ إﻟﻰ اﻟﺴﺮداب وأﺧﺬت اﺻﯿﺢ:
-زورﺑﺎ ..زورﺑﺎ.
ﺗﻮﻫﻤﺖ أﻧﻨﻲ أﺻﯿﺢ ،ﺛﻢ أدرﻛﺖ أن اﻟﺨﻮف ﻗﺪ ﺧﻨﻘﻨﻲ ،وأن ﺻﻮﺗﻲ ﻟﻢ ﯾﻐﺎدر ﺣﻨﺠﺮﺗﻲ وأﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ،ﻓﻮﺛﺒﺖ ﻧﺤﻮ
زورﺑﺎ وﻣﺪدت ﻟﻪ ﯾﺪي.
وﻛﺎن ﻗﺪ ﻓﺮغ ﻟﺘﻮه ﻣﻦ دﻋﻢ اﻟﺴﻘﻒ وﺑﺪأ ﯾﻌﺪو ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻠﻨﺠﺎة ﻓﺎﺻﻄﺪم ﺑﻲ ،وأﺣﺎط ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺴﺎﻋﺪﯾﻪ .
وﺻﺎح زورﺑﺎ:
-ﯾﺠﺐ أن ﻧﺨﺮج ..اﺧﺮج..
واﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻧﻌﺪو ﺑﺄﻗﺼﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﻮﻫﺔ .وﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻋﻨﺪﻫﺎ واﻟﺮﻋﺐ ﯾﻤﻸ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ.
وﻣﺎ أن رأﯾﻨﺎ ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر ،ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻓﺮﻗﻌﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ،أﺷﺒﻪ ﺑﺼﻮت ﺷﺠﺮة ﺗﻨﻜﺴﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ .اﻋﻘﺒﻬﺎ دوي ﻛﻘﺼﻒ
اﻟﺮﻋﺪ ﻫﺰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ ..واﻧﻬﺎر اﻟﺴﺮداب.
وﻫﺘﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل وﻫﻢ ﯾﺮﺳﻤﻮن ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪورﻫﻢ:
-ﯾﺎ اﻟﻬﻲ.
ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺎح زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ:
-أرى أﻧﻜﻢ ﺗﺮﻛﺘﻢ ﻣﻌﺎوﻟﻜﻢ ﻫﻨﺎك.
ﻓﺼﻤﺖ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺻﺎح زورﺑﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ:
-ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬوا اﻷدوات ﻣﻌﻜﻢ؟
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ:
-ﻟﯿﺲ ﻫﺬا وﻗﺖ اﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻰ اﻷدوات ﯾﺎ زورﺑﺎ ،دﻋﻨﺎ ﻧﺤﻤﺪ اﷲ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺮﺟﺎل ﻧﺠﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ..ﺷﻜﺮا ﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ اﻧﻨﺎ
ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻧﺪﯾﻦ ﺑﺤﯿﺎﺗﻨﺎ ﻟﻚ.
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ:
-ان ﻣﺎ ﺣﺪث ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع .
وﺗﻨﺎول ﺣﻘﯿﺒﺔ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻓﻮق ﺻﺨﺮة ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺠﻢ ﻓﻔﺘﺤﻬﺎ ،وأﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺒﺰا وزﯾﺘﻮﻧﺎ وﺑﺼﻼ ،وﻗﻠﯿﻼ ﻣﻦ
اﻟﻨﺒﯿﺬ .
وﻗﺎل وﻓﻤﻪ ﻣﻤﻠﻮء ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم:
-ﻫﻠﻤﻮا ﯾﺎ رﺟﺎل ..دﻋﻮﻧﺎ ﻧﺄﻛﻞ.
وراح ﯾﺄﻛﻞ ﺑﻨﻬﻢ ،دون أن ﯾﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ ،ﺛﻢ رﻓﻊ اﻧﺎء اﻟﻨﺒﯿﺬ إﻟﻰ ﻓﻤﻪ ،وﺷﺮب ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﻪ.
وأﻓﺮغ روع اﻟﻌﻤﺎل ،واﺳﺘﺮدوا ﺷﺠﺎﻋﺘﻬﻢ ورﺑﺎﻃﺔ ﺟﺄﺷﻬﻢ ،ﻓﺤﻤﻠﻮا ﻃﻌﺎﻣﻬﻢ وﺟﻠﺴﻮا ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺣﻮل زورﺑﺎن
وراﺣﻮا ﯾﺄﻛﻠﻮن دون أن ﯾﺤﻮﻟﻮا اﺑﺼﺎرﻫﻢ ﻋﻨﻪ.
ﻛﺎن ﺑﻮدﻫﻢ أن ﯾﻠﻘﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﻪ ..وان ﯾﻘﺒﻠﻮا ﯾﺪﯾﻪ ..وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺮف ﺑﯿﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺸﺪة وﻏﺮاﺑﺔ اﻷﻃﻮار ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺮؤ
أﺣﺪﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻮ ﻣﻨﻪ.
وأﺧﯿﺮا ﺟﻤﯿﻊ ﻣﯿﺸﯿﻞ – أﻛﺒﺮ اﻟﻌﻤﺎل ﺳﻨﺎ – أﻃﺮاف ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﻗﺎل ﻣﺤﺪﺛﺎ زورﺑﺎ:
-ﻟﻮﻻك ﻷﺻﺒﺢ أوﻻدﻧﺎ اﻵن أﯾﺘﺎﻣﺎً أﯾﻬﺎ اﻟﺴﯿﺪ اﻟﯿﻜﺴﯿﺲ.
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ واﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ ﻓﻤﻪ:
-ﺻﻪ.
وﻟﻢ ﯾﺠﺮؤ أﺣﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻼم.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﺷﺮ
ﻣﻦ اذن ﺧﻠﻖ ﻫﺬه اﻟﻤﺘﺎﻫﺔ ،ﻫﺬا اﻟﺼﺮح اﻟﺬي ﯾﻤﺜﻞ اﻟﻐﻄﺮﺳﺔ واﻟﻘﺤﺔ ،ﻫﺬا اﻟﺤﻘﻞ اﻟﺬي ﯾﻨﺒﺖ آﻻف اﻟﺨﺪع ،ﻫﺬا اﻟﺒﺎب
اﻟﺬي ﯾﺆدي إﻟﻰ اﻟﺠﺤﯿﻢ ،ﻫﺬه اﻟﺴﻠﺔ اﻟﻤﻠﯿﺔ ﺑﺎﻟﺪﻫﺎء ،ﻫﺬا اﻟﺴﻢ اﻟﺬي ﻟﻪ ﻣﺬاق اﻟﻌﺴﻞ ،ﻫﺬه اﻷﺻﻔﺎد اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻞ اﻟﺒﺸﺮ
ﺑﺎﻷرض اﻟﻤﺮأة.
وﻓﻲ ﺑﻂء وﺻﻤﺖ ،أﺧﺬت أﺳﺠﻞ ﻫﺬه اﻷﻏﻨﯿﺔ اﻟﺒﻮذﯾﺔ وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻷﻏﻨﯿﺔ وأﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﻫﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺎوﯾﺬ اﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ ﺑﻬﺎ أن أﻃﺮد ﻣﻦ ذﻫﻨﻲ ﺻﻮرة ﻣﻐﺮﯾﺔ ﻻﻣﺮأة ﻣﺜﯿﺮة ،ﻗﺪ ﺑﻠﻞ
ﻣﺎء اﻟﻤﻄﺮ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﻓﺄﻟﺼﻘﻪ ﺑﺠﺴﺪﻫﺎ وأﺑﺮز ﻣﻔﺎﺗﻨﻬﺎ ...اﻣﺮأة ﻇﻠﺖ ﺗﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺎﻟﻲ وﺗﺘﻬﺎدي أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﺟﯿﺌﺔ وذﻫﺎﺑﺎ ﻟﯿﻠﺔ
ﺑﻌﺪ ﻟﯿﻠﺔ ،ﻃﯿﻠﺔ اﻟﺸﺘﺎء.
واﻟﻮاﻗﻊ ،اﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺣﺎدث اﻧﻬﯿﺎر اﻟﺴﺮداب اﻟﺬي ﻛﺎد ﯾﻮدي ﺑﺤﯿﺎﺗﻲ ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻻرﻣﻠﺔ ﻓﻲ دﻣﻲ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻋﻮﻧﻲ ﻛﻤﺎ
ﺗﻔﻌﻞ اﻧﺎث اﻟﺤﯿﻮان وﺗﻘﻮل ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺎح وﻋﺘﺎب:
-ﺗﻌﺎل ..ﺗﻌﺎل ..ان اﻟﺤﯿﺎة ﺗﻤﺮ ﻛﻮﻣﻀﺔ اﻟﺒﺮق .ﻓﺘﻌﺎل ﻗﺒﻞ ﻓﻮات اﻻوان..
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻸ اﻟﺠﻮ ﺣﻮﻟﻲ ﻓﻲ وﺣﺪﺗﻲ ،وﺗﻤﺮ أﻣﺎﻣﻲ ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ،ﻟﺘﻐﺮﯾﻨﻲ ﺑﻤﻔﺎﺗﻦ ﺟﺴﺪﻫﺎ ،وﻛﻨﺖ أﻗﺎوم اﻻﻏﺮاء ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر
ﺑﻘﻮة ارادﺗﻲ وﯾﻘﻈﺔ ﻋﻘﻠﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أن ﯾﻘﺒﻞ اﻟﻠﯿﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻬﺎر ارادﺗﻲ ،وﯾﻠﻘﻲ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﻼﺣﻪ ،وﺗﻔﺘﺢ اﻻﺑﻮاب ..وﺗﺪﺧﻞ
اﻻرﻣﻠﺔ.
وﻫﻜﺬا ﻛﻨﺖ أﺳﺘﯿﻘﻆ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﺧﺎﺋﺮ اﻟﻘﻮى ﻣﻐﻠﻮﺑﺎ ﻋﻠﻰ أﻣﺮي ،ﻟﻜﻲ أﺑﺪأ اﻟﻨﻀﺎل ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ..وﻛﻨﺖ أﻗﻮل ﻟﻨﻔﺴﻲ :اﻧﻨﻲ
ﻟﺴﺖ وﺣﺪي ،ﻓﻬﻨﺎك ﻗﻮة أﺧﺮى ﺗﺨﻮض اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻣﻌﻲ ..ﻫﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر ..ﻫﺬا اﻟﻀﻮء ﯾﻨﺘﺼﺮ ﺗﺎرة وﯾﻬﺰﻣﻪ ﻇﻼم
اﻟﻠﯿﻞ ﺗﺎرة أﺧﺮى ..وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﯾﯿﺄس ..وأﻧﺎ أﻧﺎﺿﻞ وآﻣﻞ ﻣﻊ ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر.
وﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن زورﺑﺎ ﻗﺪ ﻻﺣﻆ ﺑﺬﻛﺎﺋﻪ اﻟﻔﻄﺮي أي ﺷﯿﻄﺎن ﻛﻨﺖ أﻧﺎﺿﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﻟﻲ ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻋﯿﺪ اﻟﻤﯿﻼد:
-ﻓﯿﻢ ﺗﻔﻜﺮ؟ اﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﻋﻬﺪﺗﻚ.
ﻓﺘﻈﺎﻫﺮت ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻌﻪ وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﯾﺘﺮاﺟﻊ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ.
ﻗﺎل:
-اﻧﻚ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ﻣﻘﺘﺒﻞ اﻟﻌﻤﺮ..
ﺛﻢ أردف ﻓﻲ ﻏﻀﺐ وﻣﺮارة:
-اﻧﻚ ﺷﺎب ﻗﻮي اﻟﺒﺄس ﺗﺄﻛﻞ ﺟﯿﺪا وﺗﺸﺮب ﺟﯿﺪان وﺗﺴﺘﻨﺸﻖ ﻫﻮاء ﻧﻘﯿﺎ ،وﺗﺨﺘﺰن ﻗﻮة ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻓﻤﺎذا ﺗﺼﻨﻊ ﺑﻬﺎ؟ اﻧﻚ ﺗﻨﺎم
وﺣﺪك ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ ،وﻫﺬا ﺿﺎر ﺑﻤﻦ ﻛﺎن ﻣﺜﻠﻚ ..ﻓﺎذﻫﺐ إﻟﯿﻬﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ وﻻ ﺗﻀﯿﻊ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﺴﯿﻂ ،ﻓﻼ
ﺗﻌﻘﺪ اﻷﻣﻮر..
ﻓﺄﺧﺬت اﺻﻐﻲ إﻟﯿﻪ ،وأﻗﻠﺐ ﺻﻔﺤﺎت ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻋﻦ ﺑﻮذا وأﺻﻔﺮ ﺑﻔﻤﻲ ﻻﺧﻔﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮي.
وﻻﺣﻆ زورﺑﺎ أﻧﻲ ﻻ أرﯾﺪ اﻻﺟﺎﺑﺔ ﻓﺼﺎح:
-اﻟﻠﯿﻠﺔ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻫﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻋﯿﺪ اﻟﻤﯿﻼد ،ﻓﺄﺳﺮع إﻟﯿﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻐﺎدر ﺑﯿﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺿﺠﺮ:
-ﻛﻔﻰ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ان ﻟﻜﻞ اﻧﺴﺎن ﻣﯿﻮﻟﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ..واﻻﻧﺴﺎن ﻛﺎﻟﺸﺠﺮة .ﻓﻬﻞ ﺗﺸﺎﺟﺮت ﻣﻊ ﺷﺠﺮة ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﻻﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺜﻤﺮ؟
ﺑﺤﺴﺒﻨﺎ ﻫﺬا اﻵن ..ﻟﻘﺪ ﻛﺎد اﻟﻠﯿﻞ ان ﯾﻨﺘﺼﻒ ﻓﻬﻠﻢ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ.
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ ﻓﻲ ﯾﺄس وﻫﻮ ﯾﻀﻊ ﻗﺒﻌﺘﻪ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ:
-ﺣﺴﻨﺎ اذن ،ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ..
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺻﺎﻓﯿﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ واﻟﻨﺠﻮم ﺗﺒﺪو ﻛﺒﯿﺮة ﻣﺘﺪﻟﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻛﻜﺮات ﻣﻦ ﻧﺎر ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﺪا اﻟﻠﯿﻞ ﻛﻮﺣﺶ أﺳﻮد ﻛﺒﯿﺮ
ﯾﺠﺜﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﺸﺎﻃﺊ.
وازدﺣﻤﺖ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ اﻟﺪاﻓﺌﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮوﯾﯿﻦ ،ﻓﻮﻗﻒ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ أﻣﺎم اﻟﻨﺴﺎء ،وﻋﻘﺪ اﻟﺠﻤﯿﻊ أﯾﺪﯾﻬﻢ ﻓﻮق ﺻﺪورﻫﻢ..
ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬ اﻷب ﺳﺘﯿﻔﺎﻧﻮس ﺑﻘﺎﻣﺘﻪ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ،وﺛﻮﺑﻪ اﻟﻤﻮﺷﻰ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ،ووﺟﻬﻪ اﻟﺸﺎﺣﺐ ﺑﻌﺪ ﺻﯿﺎم أرﺑﻌﯿﻦ ﯾﻮﻣﺎ .ﯾﺮوح
وﯾﻐﺪو ﺑﺨﻄﻰ واﺳﻌﺔ ،وﯾﺘﺮﻧﻢ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﻪ ،وﺑﺴﺮﻋﺔ ،ﻟﻜﻲ ﯾﻌﻮد ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻪ ،ﺣﯿﺚ ﺗﻨﺘﻈﺮه ﻣﺎﺋﺪة ﻣﺜﻘﻠﺔ
ﺑﺎﻟﺤﺴﺎء واﻟﺸﻮاء وﺳﺎﺋﺮ اﻻﻃﻌﻤﺔ اﻟﺸﻬﯿﺔ..
وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻘﻞ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ان اﻟﻨﻮر وﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻟﻤﺎ ﻧﺸﺄت اﻻﺳﻄﻮرة وﻣﻸت اﻟﺪﻧﯿﺎ ..وﻟﻤﺮ اﻟﺤﺎدث ﻛﺄﯾﺔ
ﻇﺎﻫﺮة ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ ﻋﺎدﯾﺔ ،دون أن ﯾﻠﻬﺐ اﻻﺧﯿﻠﺔ ..وﻟﻜﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي وﻟﺪ ﻓﻲ ﺻﻤﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎء أﺻﺒﺢ ﻃﻔﻼ ،واﻟﻄﻔﻞ أﺻﺒﺢ
اﻟﻬﺎ داﻧﺖ ﻟﻪ اﻟﻨﻔﻮس واﻻرواح ﻋﺸﺮﯾﻦ ﻗﺮﻧﺎ.
وﻏﺎدرﻧﺎ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ إﻟﻰ ﻓﻨﺪق ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﻣﺎﺋﺪة ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﺗﺮﺗﺪي ﻏﻼﻟﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ذات ﻟﻮن ﺑﺎﻫﺖ وﻗﺪ ﻋﻘﺪت ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺧﻠﻒ رأﺳﻬﺎ ،وأﺣﺎﻃﺖ ﻋﻨﻘﻬﺎ اﻟﻤﺠﻌﺪ
ﺑﺸﺮﯾﻂ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﯾﺮ اﻷﺻﻔﺮ ،وﺿﻤﺨﺖ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺳﺨﺎء ﺑﻌﻄﺮ زﻫﻮر اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل.
وأﺟﺎل زورﺑﺎ اﻟﺒﺼﺮ ﺣﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﻫﻤﺲ ﻓﻲ اذﻧﻲ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﻜﻦ اﻟﻈﻦ أن اﻟﻌﺠﻮز ﻟﻦ ﺗﻄﻠﻖ ﺳﺮاﺣﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ..
وﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻓﺠﺮا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻏﺎدرﺗﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺪع اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺪاﻓﺊ ،وﺳﺮت ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ.
ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪا ،وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ان ﯾﻌﯿﺶ اﻻﻧﺴﺎن ﺑﻼ ﻣﻄﺎﻣﻊ وﯾﻌﻤﻞ وﯾﻜﺪ ﻛﺄن ﻟﻪ أﻟﻒ ﻣﻄﻤﻊ
وان ﯾﺤﺐ اﻟﻨﺎس وﯾﻌﻤﻞ ﻟﺨﯿﺮﻫﻢ دون أن ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﯿﻬﻢ وان ﯾﺄﻛﻞ وﯾﺸﺮب وﯾﺸﺘﺮك ﻓﻲ أﻋﯿﺎد اﻟﻤﯿﻼد دون أن
ﯾﺘﻮرط ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ او ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻔﺨﺎخ ..وان ﯾﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ واﻟﻨﺠﻮم ﻓﻮﻗﻪ ،واﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ ﯾﻤﯿﻨﻪ واﻷرض إﻟﻰ
ﯾﺴﺎره وأن ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺄن اﻟﺤﯿﺎة ﻗﺪ اﻧﺠﺰت ﻣﻌﺠﺰﺗﻬﺎ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﺼﺎرت ﻗﺼﺔ ﻣﻦ وﺣﻲ اﻟﺨﯿﺎل.
وﻣﺮت اﻷﯾﺎم ،وﺣﺎوﻟﺖ أن اﺻﻄﻨﻊ اﻟﻤﺮح ،رﻏﻢ اﻟﺤﺰن اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻲ ..ﻓﻘﺪ أزال أﺳﺒﻮع اﻻﻋﯿﺎد
اﻟﻐﺎﺑﺮ ﻋﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت .ذﻛﺮﯾﺎت ﻋﻦ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ﺑﻌﯿﺪة ،وأﻧﺎس أﺣﺒﺒﺘﻬﻢ ..وراﻋﻨﻲ ﺻﺪق اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﻘﻮل :ان ﻗﻠﺐ اﻻﻧﺴﺎن ﺣﻔﺮة ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺪم ،واوﻟﺌﻚ اﻻﺣﺒﺎب اﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﯾﻠﻘﻮن ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺤﻔﺮة وﯾﻨﻬﻠﻮن
ﻣﻦ اﻟﺪم ،وﻫﻜﺬا ﯾﻌﻮدون إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة وﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﺣﺒﻜﻢ ﻟﻬﻢ ﻋﻈﯿﻤﺎ زادت اﻟﻜﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺘﻬﻠﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ دﻣﻚ.
وﻓﻲ ﺻﺒﺎح اول ﯾﻮم ﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﺠﺪﯾﺪ .ﻓﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻋﻠﻰ زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﺪق رﻣﺎﻧﺔ ﺑﺒﺎب اﻟﻜﻮخ..
واﻧﺸﻘﺖ اﻟﺮﻣﺎﻧﺔ وﺗﻨﺎﺛﺮت ﺑﺬورﻫﺎ ﻛﺤﺒﺎت اﻟﯿﺎﻗﻮت اﻟﺼﺎﻓﻲ اﻻدﯾﻢ ،وﺳﻘﻂ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮاش ..ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ ﺑﻀﻊ ﺣﺒﺎت
وأﻛﻠﺘﻬﺎ وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻧﺘﻌﺎش.
ﻗﺎل زورﺑﺎ:
ﻋﺎم ﺳﻌﯿﺪ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ..ارﺟﻮ أن ﯾﺰﺧﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﺛﻢ اﻏﺘﺴﻞ وارﺗﺪى ﺛﯿﺎﺑﻪ وﻣﻌﻄﻔﻪ اﻟﺮوﺳﻲ وﻓﺘﻞ ﺷﺎرﺑﯿﻪ.
-ﺳﺄذﻫﺐ اﻻن إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﺑﺼﻔﺘﻲ ﻣﻤﺜﻼ ﻟﻠﺸﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻐﻞ اﻟﻤﻨﺠﻢ ،ﻓﻠﯿﺲ ﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﻤﻞ ان ﯾﻈﻦ اﻟﻘﺮوﯾﻮن
اﻧﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ اﻻﺣﺮار ..ان ذﻟﻚ ﻟﻦ ﯾﻜﻠﻔﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻧﻪ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﻘﻀﺎء اﻟﻮﻗﺖ.
ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ ﻓﻮﻗﻲ وﻗﺎل وﻫﻮ ﯾﻐﻤﺰ ﺑﻌﯿﻨﻪ:
-وﻣﻦ ﯾﺪري ..ﻓﺮﺑﻤﺎ اﺟﺪ اﻻرﻣﻠﺔ ﻫﻨﺎك.
وﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺧﻄﺎه وﻫﻮ ﯾﺒﺘﻌﺪ ،وﻋﺎودﻧﻲ اﻻﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة ،ﻓﻨﻬﻀﺖ وارﺗﺪﯾﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ ،وﺧﺮﺟﺖ اﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ.
وﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﺻﺎﻓﯿﺎ ،واﻟﻬﻮا ﺑﺎردا ﻓﺴﺮت ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ وأﻧﺎ أﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻲ :ﺗﺮى ﻣﻦ ﺳﯿﻜﻮن اول اﻧﺴﺎن اﻟﺘﻘﻲ
ﺑﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﯿﻮم اﻻول ﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﺠﺪﯾﺪ؟ آﻣﻞ أن ﯾﻜﻮن ﻃﻔﻼ ﯾﺤﻤﻞ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻪ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﺪاﯾﺎ ،أو ﺷﯿﺨﺎ أﺷﯿﺐ اﻟﺸﻌﺮ،
ﯾﺮﺗﺪي ﻗﻤﯿﺼﻪ اﻻﺑﯿﺾ اﻟﻤﺰرﻛﺶ ،وﯾﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﻛﺒﺮ وﺧﯿﻼء ﻷﻧﻪ أدى واﺟﺒﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ.
وﻓﺠﺄة أﺣﺴﺴﺖ ﺑﯿﺪاي ﺗﺮﺗﺠﻔﺎن ..ﻓﻘﺪ راﯾﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ﺑﺨﺼﺮﻫﺎ اﻟﻨﺤﯿﻞ وﺟﺴﻤﻬﺎ اﻟﻤﺜﯿﺮ ،وﻣﺮﺗﺪﯾﺔ ﺛﻮﺑﺎ أﺣﻤﺮ ،وﻋﻠﻰ
رأﺳﻬﺎ ﻣﻨﺪﯾﻞ أﺳﻮدن وﻫﻲ ﺗﺴﯿﺮ ﺑﺨﻄﻰ ﻧﺸﯿﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺴﺎب ف رﺷﺎﻗﺔ اﻟﻔﻬﺪ اﻻﺳﻮد.
ووددت ﻟﻮ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﻔﺮار..
أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺄن ﻫﺬا اﻟﻮﺣﺶ ﻟﻦ ﯾﻌﺮف اﻟﺮﺣﻤﺔ اذا ﻏﻀﺐ ،وأن أﻓﻀﻞ وﺳﯿﻠﺔ ﻻﺗﻘﺎء ﺧﻄﺮه ..ﻫﻲ اﻟﻔﺮار ..وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ؟
ﻛﺎﻧﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ﺗﻘﺘﺮب ﺑﺴﺮﻋﺔ ،واﻟﺤﺼﻰ ﯾﺼﻄﻚ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﯿﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺟﯿﺸﺎ ﺑﺮﻣﺘﻪ ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻮﻗﻪ.
وأﺑﺼﺮت ﺑﻲ وﻫﺰت رأﺳﻬﺎ – ﻓﺎﻧﺰﻟﻖ اﻟﻤﻨﺪﯾﻞ وﻇﻬﺮ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﺳﻮد ﻻﻣﻌﺎ ﻛﺨﺎﻓﯿﺔ اﻟﻐﺮاب.
وأﻟﻘﺖ إﻟﻲ ﻧﻈﺮة ﻣﻐﺮﯾﺔ واﺑﺘﺴﻤﺖ ..وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ﻋﺬوﺑﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ.
وﺑﺴﺮﻋﺔ اﻋﺎدت وﺿﻊ ﻣﻨﺪﯾﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ وﻛﺄﻧﻤﺎ اﺧﺠﻠﻬﺎ ان أرى ﺳﺮا ﻣﻦ أﺧﺺ أﺳﺮار اﻟﻤﺮأة ،وﻫﻮ ﺷﻌﺮﻫﺎ..
وأردت ان اﺗﺤﺪث اﻟﯿﻬﺎ ،واﺗﻤﻨﻰ ﻟﻬﺎ ﻋﺎﻣﺎ ﺳﻌﯿﺪا ،وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﺣﺘﺒﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ﻛﻤﺎ اﺣﺘﺒﺴﺖ ﯾﻮم اﻧﻬﺎر اﻟﺴﺮداب
وﻛﺎﻧﺖ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ.
وﻋﺒﺚ اﻟﻨﺴﯿﻢ ﺑﺎﻋﻮاد اﻟﻨﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﺤﺪﯾﻘﺘﻬﺎ ،وﺳﻘﻄﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﺛﻤﺎر اﻟﻠﯿﻤﻮن واﻟﺒﺮﺗﻘﺎل .وازدﻫﺮت
اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﺪت ﻛﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ.
وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺮ وﻣﺪت ﯾﺪﻫﺎ ،وﻓﺘﺤﺖ ﺑﺎب اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وﻣﺮرت ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﺎﻧﺜﻨﺖ وﻧﻈﺮت إﻟﻲ.
وﺗﺮﻛﺖ اﻟﺒﺎب ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ ،وﺳﺎرت ﺑﯿﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل ،وﻫﻲ ﺗﻬﺰ ردﻓﯿﻬﺎ.
أي رﺟﻞ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ،ﻛﺎﻧﺖ ﯾﺠﺐ ان ﯾﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب ،وﯾﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ.
أو أن ﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻔﻌﻠﻪ ﺟﺪي ..وﻣﺎ أرﺟﻮه أن ﯾﻔﻌﻠﻪ ﺣﻔﯿﺪي .أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺟﻤﺪت ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻻزن اﻻﻣﻮر واﻓﻜﺮ.
ﺛﻢ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﺑﻤﺮارة وﺗﻤﺘﻤﺖ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻗﺪ اﺗﺼﺮف ﺧﯿﺮا ﻣﻦ ذﻟﻚ اذا ﻗﺪر ﻟﻲ ان أﻋﯿﺶ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ آﺧﺮ.
وأﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺒﺮد ،وﻣﺮت ﺑﺠﺴﺪي رﻋﺪة .وﻋﺒﺜﺎ ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻃﺮد اﻻرﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﯿﻠﺘﻲ ،وأن أﻧﺴﻰ ﺣﺮﻛﺔ ردﻓﯿﻬﺎ،
واﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻬﺎ وﻋﯿﻨﯿﻬﺎ وﺻﺪرﻫﺎ.
ﻛﻠﻬﺎ ﻇﻠﺖ ﻣﺎﺛﻠﺔ أﻣﺎﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﺷﻌﺮت ﺑﺄﻧﻨﻲ اﺧﺘﻨﻖ.
وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻻﺷﺠﺎر ﻗﺪ اورﻗﺖ ﺑﻌﺪ ،وﻟﻜﻦ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﻤﺎء اﻟﺤﯿﺎة ،ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺤﺲ ﺑﺄن وراء ﻛﻞ ﻧﺘﻮء ورﻗﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺠﺰة اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻜﺒﺮى ﺗﺘﺤﻔﺰ ﺳﺮا ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،ﻟﯿﻼ وﻧﻬﺎر ،وﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺮﺑﯿﻊ ..ﻟﻜﻲ ﺗﻔﺠﺮ اﻟﺰﻫﻮر واﻟﺜﻤﺎر ﻣﻦ
اﻟﺨﺸﺐ اﻟﺠﺎف.
وﺗﺮﻛﺖ اﻟﻄﺮﯾﻖ وﺟﻠﺴﺖ ﺗﺤﺖ اﺣﺪى اﻻﺷﺠﺎر .وﻟﻢ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء وأﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ ﺗﺤﺖ ﺷﺠﺮة
ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ..إﻟﻰ أن ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗﺎ ﯾﻘﻮل ﻓﺠﺄة:
-ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ ﻫﻨﺎ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي .اﻧﻨﻲ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻨﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وﻗﺪ اﻧﺘﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎر او ﻛﺎد ..أﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺠﻮع؟ أم ﻟﻌﻠﻚ ﻧﺴﯿﺖ
اﻟﺨﺮوف اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﯾﻨﺘﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﺮن؟؟ ان راﺋﺤﺔ اﻟﺸﻮاء ﺗﺜﯿﺮ ﻟﻌﺎﺑﻲ! ﻓﻬﻠﻢ ﺑﻨﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺟﺎت اﻟﺮﺟﻞ اﻻﺳﺎﺳﯿﺔ ،اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب واﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﻗﺺ ،ﻻ ﺗﺒﺎرح ذﻫﻨﻪ اﺑﺪا.
وﻛﺎن ﯾﻠﻮح ﻓﻲ ﯾﺪه ﺑﺤﺰﻣﺔ ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻮرق اﻷﺣﻤﺮ وﻣﺤﺰوﻣﺔ ﺑﺨﯿﻂ ذﻫﺒﻲ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ وأﻧﺎ أﺑﺘﺴﻢ:
-أﻫﺬه ﻫﺪﯾﺔ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة؟
ﻓﻀﺤﻚ ﻟﯿﺨﻔﻲ ﺗﺄﺛﺮه ،وأﺟﺎب:
-أﻧﺎ اردت أﻻ أدع ﻟﻠﻤﺮأة اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ﺳﺒﯿﻼ ﻟﻠﺸﻜﻮى ..وﺣﺘﻰ ﺗﺬﻛﺮ ﻋﺼﺮﻫﺎ اﻟﺬﻫﺒﻲ اﻟﺬي ﻣﻀﻰ .أﻟﯿﺴﺖ اﻣﺮأة ،أﻟﯿﺲ
ﻣﻦ ﺷﯿﻢ اﻟﻤﺮأة اﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺼﯿﺮﻫﺎ..
-ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ..
وﻋﻨﺪﻣﺎ دﻧﻮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﯾﺔ ،اﻗﺘﺮب زورﺑﺎ ﻣﻨﻲ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ:
-ﻟﻘﺪ رأﯾﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي .ﻛﻨﺖ واﻗﻔﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻒ اﻷول ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺿﺎءت اﻻﯾﻘﻮﻧﺎت ﻓﺠﺄة ،وﺗﺄﻟﻖ اﻟﻨﻮر ﻓﻲ ﻛﻞ
ﻣﻜﺎن ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ،ﻣﺎذا ﺣﺪث؟ ﻫﻞ دﺧﻠﺖ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ؟
وﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ،واذا ﺑﻲ أرى اﻻرﻣﻠﺔ.
ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أوﺳﻊ اﻟﺨﻄﻰ.
-ﺑﺤﺴﺒﻚ ﻫﺬا ﯾﺎ زورﺑﺎ ..وﻛﻔﻰ.
وﻟﻜﻨﻪ أﺳﺮع وراﺋﻲ وﻣﻀﻰ ﯾﻘﻮل:
-ﻟﻘﺪ رأﯾﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ ..ورأﯾﺖ اﻟﺨﺎل ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻫﺎ ،ﻓﻄﺎر ﻟﺒﻲ .
وﻫﺬا اﻟﺨﺎل ﯾﺎ ﺳﯿﺪي !! اﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻐﺰ ﻣﻦ اﻻﻟﻐﺎز اﻟﻌﻮﯾﺼﺔ .
ﺗﻜﻮن اﻟﺒﺸﺮة ﻟﯿﻨﺔ وﻧﺎﻋﻤﺔ ،ﺛﻢ ﻓﺠﺄة ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﻧﻘﻄﺔ ﺳﻮداء ،ﺗﺼﺒﺢ ﺧﺎﻻ ﯾﺬﻫﺐ ﺑﺼﻮاﺑﻚ ..ﻣﺎذا ﺗﻘﻮل اﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﯾﺎ
ﺳﯿﺪي؟
-ﻟﺘﺬﻫﺐ اﻟﻜﺘﺐ إﻟﻰ اﻟﺸﯿﻄﺎن.
ﻓﻀﺤﻚ زورﺑﺎ وﺻﺎح:
-ﻫﺬا ﻛﻼم ﺟﻤﯿﻞ ..اﻵن ﺑﺪأت ﺗﻔﻬﻢ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪام ﻫﻮرﯾﺘﺶ ﻗﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻃﻬﻮ اﻟﺤﻤﻞ ووﻗﻔﺖ ﺑﺎﻟﺒﺎب ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻟﻌﻬﺪ ﺑﻬﺎ ،ﺗﺤﯿﻂ ﻋﻨﻘﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺸﺮﯾﻂ اﻻﺻﻔﺮ اﻟﻤﻘﯿﺖ ،وﺗﻀﻊ ،ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ وﺷﻔﺘﯿﻬﺎ اﻛﺪاﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ
واﻟﺪﻫﻮن ،وﺗﺤﺮص ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ ان ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺷﯿﺌﺎ ﯾﺜﯿﺮ اﻻﺷﻤﺌﺰاز..
وأﺑﺼﺮت اﻟﻤﺮأة ﺑﻨﺎ ﻓﺒﺪا اﻟﺴﺮور ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻛﻠﻪ ورﻗﺼﺖ ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺠﺮﯾﻬﻤﺎ واﺳﺘﻘﺮﺗﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎرب زورﺑﺎ.
وأﻏﻠﻖ زورﺑﺎ اﻟﺒﺎب ،واﺣﺘﻮى اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻋﺪﯾﻪ وﻫﻮ ﯾﺼﯿﺢ:
-ﻋﺎم ﺳﻌﯿﺪ ﯾﺎ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ..اﻧﻈﺮي ﻣﺎذا أﺣﻀﺮت ﻟﻚ!!
وﻣﺎ ان أﻃﻠﻘﻬﺎ زورﺑﺎ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻄﻔﺖ اﻟﺤﺰﻣﺔ وﻓﻀﺘﻬﺎ واﻓﻠﺘﺖ ﻣﻦ ﻓﻤﻬﺎ ﺻﯿﺤﺔ ﻓﺮح.
ﻓﺎﻧﺤﻨﯿﺖ اﻟﻰ اﻻﻣﺎم ﻻرى اﻟﻬﺪﯾﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﺳﻤﯿﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻮرق اﻟﻜﺮﺗﻮن ..رﺳﻢ ﻋﻠﯿﻬﺎ زورﺑﺎ ﺑﺎﻻﻟﻮان ارﺑﻊ ﺑﻮارج ﺿﺨﻤﺔ ﺗﺮﻓﺮف ﻋﻠﯿﻬﺎ
اﻻﻋﻼم.
وﻓﻮق اﻻﻣﻮاج ،ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻮارج اﻻرﺑﻊ ،ﺻﻮرة اﻣﺮأة ﯾﺘﻄﺎﯾﺮ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ..واﻟﻤﺮأة ﺗﺸﺒﻪ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ﺑﻜﻞ
ﻗﺴﻤﺎت وﺟﻬﻬﺎ وﺟﺴﻤﻬﺎ ،وﺑﺎﻟﺸﺮﯾﻂ اﻻﺻﻔﺮ اﻟﺬي ﯾﺤﯿﻂ ﻋﻨﻘﻬﺎ ،وﻗﺪ اﻣﺴﻜﺖ ﺑﺰﻣﺎم ارﺑﻌﺔ ﺧﯿﻮط ﺛﺒﺘﺖ اﻃﺮاﻓﻬﺎ ﺑﺎرﺑﻊ
ﺑﻮارج ﺗﺮﻓﺮف ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻻﻋﻼم اﻻﻧﺠﻠﯿﺰﯾﺔ واﻟﺮوﺳﯿﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ واﻻﯾﻄﺎﻟﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﺮزت ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ ارﻛﺎن اﻟﻠﻮﺣﺔ ارﺑﻊ
ﻟﺤﻰ ،ﺳﻮداء وﺷﻘﺮاء وﺣﻤﺮاء وﺷﻬﺒﺎء.
وﻓﻬﻤﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺼﻮرة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر وﺻﺎﺣﺖ وﻫﻲ ﺗﺸﯿﺮ ﺑﺎﺻﺒﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻠﻮﺣﺔ:
-ﻫﺄﻧﺬا.
وﺗﻨﻬﺪت ،وﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺨﯿﻼء:
-ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺎ ﻗﻮة ﻋﻈﻤﻰ.
ورﻓﻌﺖ ﻣﺮآة ﺻﻐﯿﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﺒﺘﺔ ﺑﺎﻟﺠﺪار ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻗﻔﺺ اﻟﺒﺒﻐﺎء ،ووﺿﻌﺖ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ.
وﻛﺎن زورﺑﺎ ﻗﺪ ﺗﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺒﺦ .ﻓﺠﺎء ﺑﺎﻟﺤﻤﻞ اﻟﻤﺸﻮي وزﺟﺎﺟﺔ ﻧﺒﯿﺬ ،وﻣﻸ اﻷﻗﺪاح ﺛﻢ ﺻﻔﻖ ﺑﯿﺪﯾﻪ وﺻﺎح:
-إﻟﻰ اﻟﻄﻌﺎم.
ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ واﺳﺘﻄﺮد:
-اﻟﻤﻌﺪة أوﻻ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﻬﺘﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﺪاﻫﺎ .وﻟﻜﻦ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﻋﻜﺮت اﻟﺠﻮ ﺑﺘﻨﻬﺪاﺗﻬﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﯾﺔ ﻛﻞ ﻋﺎم ﺟﺪﯾﺪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﯾﻮم اﻟﺪﯾﻨﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﯿﻬﺎ ..وﻛﻠﻤﺎ اﻧﺼﺮم ﻋﺎم ،ﻧﻈﺮت وراءﻫﺎ ،واﺳﺘﻌﺮﺿﺖ
ﻣﺎﺿﯿﻬﺎ ،وﺑﻌﺜﺖ ﻣﻦ ﻗﯿﻮد ذاﻛﺮﺗﻬﺎ ..ذﻛﺮﯾﺎت ﻣﺪن ﻛﺒﺮى ،وﻣﻼﺑﺲ ﺣﺮﯾﺮﯾﺔ ،وزﺟﺎﺟﺎت ﺷﻤﺒﺎﻧﯿﺎ ..وذﻛﺮﯾﺎت ﻣﺪن
ﻛﺒﺮى ،وﻣﻼﺑﺲ ﺣﺮﯾﺮﯾﺔ ،وزﺟﺎﺟﺎت ﺷﻤﺒﺎﻧﯿﺎ ،وﻟﺤﻰ ﻣﻌﻄﺮة.
ﻏﻤﻐﻤﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
-ﻻ رﻏﺒﺔ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم.
وﻧﻬﻀﺖ اﻟﻰ اﻟﻤﻮﻗﺪ ﻓﺮﻛﻌﺖ اﻣﺎﻣﻪ .وراﺣﺖ ﺗﺤﺮك اﻟﻨﺎر ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ زورﺑﺎ ﻣﺘﺮددا ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺗﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم
اﻟﺸﻬﻲ دون ان ﯾﻌﺒﺄ ﺑﻬﺎ ،أو ﻣﻮاﺳﺎﺗﻬﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻃﯿﺒﺔ ﺗﺮد ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺑﻬﺠﺘﻬﺎ وﻗﺎﺑﻠﯿﺘﻬﺎ ﻟﻠﻄﻌﺎم .واﺗﺨﺬ ﻗﺮاره آﺧﺮ اﻷﻣﺮ ﻓﺤﺜﺎ
ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﺎ وﻗﺎل ﯾﻼﻃﻔﻬﺎ:
-اذا ﻟﻢ ﺗﺄﻛﻠﻲ ﯾﺎ ﺳﺎﺣﺮﺗﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻧﺘﻬﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻓﺮﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﺤﻤﻞ اﻟﻮدﯾﻊ ،واﻟﺘﻬﻤﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﻄﻌﺔ ﻣﻨﻪ.
ودس ﻓﻲ ﻓﻤﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ ،ﺛﻢ أﺣﺎﻃﻬﺎ ﺑﺴﺎﻋﺪﯾﻪ واﻧﻬﻀﻬﺎ وأﺟﻠﺴﻬﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ.
وﻣﺴﺤﺖ اﻟﻤﺮأة ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ اﻟﺤﻤﺮاوﯾﻦ ﺑﻈﺎﻫﺮ ﯾﺪﻫﺎ وأﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم.
وﻗﺎل زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﺮﻓﻊ ﻗﺪﺣﻪ:
-ﻧﺨﺐ ﺻﺤﺘﻚ ﯾﺎ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ..اﺳﺄل اﷲ أن ﯾﻬﺒﻚ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﻨﺎن اﻟﺠﺪﯾﺪة ..وأن ﯾﻤﻸ ﺣﺎﺟﺒﯿﻚ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ
اﻟﻜﺜﯿﻒ ،وان ﯾﻬﺪﯾﻚ إﻟﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﺮﯾﻂ اﻟﻤﺰﻋﺞ اﻟﺬي ﺗﺤﯿﻄﯿﻦ ﺑﻪ ﻋﻨﻘﻚ ،وأن ﺗﻘﻮم ﻓﻲ ﻛﺮﯾﺖ ﺛﻮرة ﺟﺪﯾﺪة
ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮد اﻟﯿﻚ ﺑﻮارﺟﻚ اﻻرﺑﻊ ،وﻣﻊ ﻛﻞ ﺑﺎرﺟﺔ اﻣﯿﺮال ﺑﻠﺤﯿﺔ ﻣﻌﻄﺮة ،وان ﺗﺴﺒﺤﻲ ﻓﻮق ﻗﻤﻢ اﻻﻣﻮاج ﻣﺮة أﺧﺮى
وﯾﺮﺗﻔﻊ ﺻﻮﺗﻚ اﻟﻌﺬب ..وان ﺗﺘﺤﻄﻢ اﻟﺒﻮارج ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻟﺼﺨﺮﺗﯿﻦ اﻟﺒﺎرزﺗﯿﻦ.
ﻗﺎل ذﻟﻚ وﻣﺪ ﯾﺪه اﻟﻀﺨﻤﺔ إﻟﻰ ﺻﺪرﻫﺎ اﻟﻤﺘﺮﻫﻞ ،ﻓﺘﻨﻬﺪت اﻟﻤﺮأة وﻗﺎﻟﺖ:
-ﻫﻞ ﯾﻤﻜﻦ ان ﯾﺤﺪث ذﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،ان اﻟﺸﺒﺎب اذا ذﻫﺐ ﻻ ﯾﻌﻮد..
-اﺻﻎ إﻟﻲ ﯾﺎ ﺻﻐﯿﺮﺗﻲ ،ﻷﺣﺪﺛﻚ ﻋﻦ اﻟﻬﺪﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻗﺪﻣﻬﺎ اﻟﯿﻚ ..ﻟﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﻃﺒﯿﺐ ﺟﺪﯾﺪ ﯾﻘﻮم ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﻌﺠﺰات ..اﻧﻪ
ﯾﻌﻄﯿﻚ ﺟﺮﻋﺔ ﻣﻦ دواء ﻓﺘﻌﻮدﯾﻦ إﻟﻰ ﺳﻦ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ،او اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ أﺳﻮأ ﺗﻘﺪﯾﺮ ..ﻻ ﺗﺒﻚ اﯾﺘﻬﺎ اﻟﻌﺰﯾﺰة،
ﻓﻘﺪ ارﺳﻠﺖ إﻟﻰ أوروﺑﺎ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﻫﺬا اﻟﺪواء.
ﻓﺒﻬﺘﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ ،وأﺣﺎﻃﺖ ﻋﻨﻖ زورﺑﺎ ﺑﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ،وﻗﺎﻟﺖ وﻫﻲ ﺗﺤﺘﻚ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﻬﺮة.
-ﺷﻜﺮا ﻟﻚ أﻟﻒ ﺷﻜﺮ ..اذا ﻛﺎن اﻟﺪواء ﺳﺎﺋﻼ ﻓﺎﻃﻠﺐ ﻣﻞء زﺟﺎﺟﺔ ﻛﺒﯿﺮة ،واذا ﻛﺎن ﻣﺴﺤﻮﻗﺎ..
-واذا ﻛﺎن ﻣﺴﺤﻮﻗﺎ ﻓﺴﺄﻃﻠﺐ ﻣﻞء زﻛﯿﺒﺔ.
وﺟﻠﺴﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ زورﺑﺎ واﻟﻘﺖ ﺑﺮأﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ وﺗﻨﻬﺪت.
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺳﺮﻓﺖ ﻓﻲ اﻟﺸﺮاب وﺛﻤﻠﺖ.
وﺳﺄﻟﻬﺎ زورﺑﺎ:
-ﻓﯿﻢ ﺗﻔﻜﺮﯾﻦ ﯾﺎ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺘﻲ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ؟
-ﻓﻲ اﻻﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ وﺑﯿﺮوت واﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ..ﻓﻲ اﻻﺗﺮاك واﻟﺸﻮارب اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ واﻟﻄﺮاﺑﯿﺶ اﻟﺤﻤﺮاء.
وﺗﻨﻬﺪت ﻣﺮة أﺧﺮى ،وازاﻟﺖ اﻟﻐﺒﺎر ﻋﻦ ذﻛﺮﯾﺎﺗﻬﺎ ..ﻗﺎﻟﺖ:
-ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻲ ﺑﻚ ﯾﻘﻀﻲ ﺳﻬﺮة ﻋﻨﺪي ،ﻛﺎن اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﻮن ﯾﻌﺰﻓﻮن ﻓﻲ ﻓﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ وﻛﺎن ﻋﻠﻲ ﺑﻚ ﯾﻠﻘﻲ اﻟﯿﻬﻢ ﺣﻔﻨﺎت
ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻟﯿﻌﺰﻓﻮا ﺣﺘﻰ اﻟﻔﺠﺮ ..وﻛﺎن ﺟﯿﺮاﻧﻲ ﯾﺴﻤﻌﻮن اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ وﯾﺘﻤﯿﺰون ﻏﯿﻈﺎ وﯾﻘﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﺣﺴﺪ :أن ﻋﻠﻲ ﺑﻚ
ﻋﻨﺪﻫﺎ.
وﻓﻲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﺎﺷﺎ ﯾﺴﻤﺢ ﻟﻲ ﺑﻤﻐﺎدرة ﺑﯿﺘﻪ ﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﺠﻤﻌﺔ ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ان ﯾﺮاﻧﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻫﻮ
ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻪ اﻟﻰ ﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﺠﻤﻌﺔ ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ان ﯾﺮاﻧﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻫﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻪ اﻟﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﯿﺒﻬﺮه ﺟﻤﺎﻟﻲ وﯾﺨﺘﻄﻔﻨﻲ..
وﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ ﺧﺮج إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،أﻣﺮ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻻﻏﻮاث ﺑﻤﻼزﻣﺔ ﺑﺎﺑﻲ ،ﻟﯿﻤﻨﻌﻮا أي رﺟﻞ ﻣﻦ دﺧﻮل ﻏﺮﻓﺘﻲ..
آه ..ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم ..ﻣﺎ ﻛﺎن أﺟﻤﻠﻬﺎ!!
وﺗﻀﺎﯾﻖ زورﺑﺎ وﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻤﺮأة ﺑﺄن أﺟﻠﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌﺪ ﺑﺠﻮاره ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻗﻄﺘﺎن ﺗﻤﻮءان وﺗﺘﺸﺎﺟﺮان ﻓﻲ
اﻟﺨﺎرج ﻓﺘﻨﺎول زورﺑﺎ ﻋﺼﺎه واﻧﻄﻠﻖ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ،ﻓﺼﺤﺖ ﺑﻪ ﺿﺎﺣﻜﺎ:
-ﻣﻦ ﺳﺘﻀﺮب ﺑﻌﺼﺎك ﯾﺎ زورﺑﺎ :ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﺎﺷﺎ؟
-ﺑﻞ ﺳﺄﺿﺮب اﻟﻘﻄﺘﯿﻦ اﻟﻠﻌﯿﻨﺘﯿﻦ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻻ ﺗﺘﺮﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﻼم.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء زورﺑﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ﺗﻐﻂ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻬﺎ وﺗﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﺸﺮق واﻟﺸﻮارب واﻟﺒﻮارج ﻓﻨﻈﺮ اﻟﯿﻬﺎ زورﺑﺎ
ﺑﺎﺣﺘﻘﺎر وﻗﺎل:
-ﻟﻘﺪ ﻧﺎﻣﺖ اﻟﻔﺎﺟﺮة.
-اﻇﻦ ذﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ﺑﺎﺷﺎ ..وﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺤﻠﻢ اﻵن ﺑﺎﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻌﻘﺎر اﻟﺠﺪﯾﺪ ..وﻋﺎدت إﻟﻰ ﺳﻦ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ.
ﻗﺒﺤﻬﺎ اﷲ ﻣﻦ ﺑﻘﺮة ﻗﺬرة!! اﻧﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ ﻛﯿﻒ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻬﺎ!! ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ.
وﺧﺮﺟﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻬﻮاء اﻟﺒﺎرد وإﻟﻰ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﻤﻀﻲء ..وﺳﺎد اﻟﺼﻤﺖ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎت إﻟﻰ أن ﻗﺎل زورﺑﺎ:
-رﺣﻢ اﷲ ﺟﺪي ..ﻗﺎل ﻟﻲ ،اﺣﺬر اﻟﻤﺮأة ﻓﺎﻧﻬﺎ ﺷﯿﻄﺎن ،واذا ﻟﻤﺴﺘﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻟﻤﺴﺖ اﻟﺸﯿﻄﺎن ..ﻟﻘﺪ ﺳﺮﻗﺖ ﺗﻔﺎﺣﺘﯿﻦ ﻣﻦ
ﺟﻨﺎت ﻋﺪن وأﺧﻔﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺪرﻫﺎ ،وﻫﻲ اﻻن ﺗﺨﺘﺎل ﺑﻬﻤﺎ ،وﻣﻦ أﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻘﺪ ﻫﻠﻚ.
وﻣﺮرﻧﺎ ﺑﺤﺪﯾﻘﺔ اﻻرﻣﻠﺔ ،ﻓﺘﻮﻗﻒ زورﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺮ ..وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻤﺮ واﻟﻄﻌﺎم اﻟﺠﯿﺪ وﻧﻮر اﻟﻘﻤﺮ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﺪ ﻟﻌﺒﺖ ﺑﺮأﺳﻪ،
ﻓﺎﺷﺮأب ﺑﻌﻨﻘﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وﻗﺎل ﺑﺼﻮت أﺟﺶ:
-وﻫﻨﺎ ﺷﯿﻄﺎن آﺧﺮ.
وﻛﺎن اﻟﻔﺠﺮ ﻗﺪ ﺑﺰغ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ،ﻓﺎﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻲ واﻧﺎ ﻣﺘﻌﺐ ﻣﻨﻬﻮك اﻟﻘﻮى ،اﻣﺎ زورﺑﺎ ﻓﻘﺪ اﻏﺘﺴﻞ
واﺷﻌﻞ اﻟﻤﻮﻗﺪ وﺻﻨﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻬﻮة ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﺠﻮار اﻟﺒﺎب وراح ﯾﺪﺧﻦ ﻓﻲ ﻫﺪوء .وﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ دون
أن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﺤﺮﻛﺔ.
وﺗﺎﻣﻠﺘﻪ وﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻘﻤﺮ ﻛﺄﻧﻪ ﺻﻨﻢ ،واﻋﺠﺒﺖ ﺑﺎﻟﻤﺮوﻧﺔ واﻟﺒﺴﺎﻃﺔ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﯾﺘﺄﻗﻠﻢ ﺑﻬﻤﺎ ،وﺑﺎﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﺘﻲ
ﯾﺘﻮاءم ﺑﻬﺎ ﺟﺴﺪه وروﺣﻪ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء وﺧﺒﺰ وﻣﺎء وﻟﺤﻢ ،ﻟﯿﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺷﻲء اﺳﻤﻪ زورﺑﺎ.
واﻟﻮاﻗﻊ ،اﻧﻨﻲ ﻟﻢ ار ﻗﻂ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ اﻟﻮدي ﺑﯿﻦ اﻧﺴﺎن واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﯾﺤﯿﻂ ﺑﻪ.
وﻣﺎل ﻗﺮص اﻟﻘﻤﺮ وﺷﺤﺐ ﻟﻮﻧﻪ ،وﻫﺪأ اﻟﺒﺤﺮ وﺳﻜﻨﺖ اﻣﻮاﺟﻪ ،واﻟﻘﻰ زورﺑﺎ ﻟﻔﺎﻓﺔ اﻟﺘﺒﻎ ،وﺗﻨﺎول ﻗﻔﺼﺎ واﺧﺮج ﻣﻨﻪ
ﺣﺒﻼ وﻗﻄﻌﺎ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،ﺛﻢ أﺷﻌﻞ اﻟﻤﺼﺒﺎح اﻟﺰﯾﺘﻲ وراح ﯾﻘﻮم ﺑﺘﺠﺎرﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻧﻤﻮذج ﻣﺼﻐﺮ ﻟﻠﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ.
وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ اﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﻘﻮم ﺑﻌﻤﻠﯿﺎت ﺣﺴﺎﺑﯿﺔ ﻣﻌﻘﺪة ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﺤﻚ رأﺳﻪ ﺣﯿﻨﺎ وﯾﺴﺐ وﯾﺸﺘﻢ ﺣﯿﻨﺎ آﺧﺮ.
وﻓﺠﺄة ﺿﺎق ذرﻋﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،ﻓﺮﻛﻞ اﻻﻧﻤﻮذج وارﺳﻞ اﺟﺰاءه ﺗﺘﻄﺎﯾﺮ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء.
وﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ﻓﻨﻤﺖ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﺎن زورﺑﺎ ﻗﺪ اﻧﺼﺮف وﻛﺎن اﻟﺒﺮد ﺷﺪﯾﺪا ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻲ رﻏﺒﺔ
إﻟﻰ ﻣﻐﺎدرة اﻟﻔﺮاش ﻓﻘﺮرت أن أﻗﻀﻲ وﻗﺘﻲ ﻣﻊ اﻟﻜﺘﺐ.
وﻟﻢ ﯾﻌﺪ زورﺑﺎ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،وﻛﺎن ﻣﺸﺮق اﻟﻮﺟﻪ ،وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أﻧﻪ وﺟﺪ ﺣﻼ ﻻﺣﺪى اﻟﻤﺸﻜﻼت ..ﻓﺎﻧﺘﻈﺮت ﻻﻋﺮف ﻣﺎ
ﻋﻨﺪه..
وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﺪأت أﺿﯿﻖ ﺑﻪ ،وﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم دﻋﻮﺗﻪ إﻟﻲ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ:
-ﻟﻘﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻧﻘﻮدﻧﺎ ﯾﺎ زورﺑﺎ أو ﻛﺎدت ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻋﻤﻠﻪ ،ﻓﻌﺠﻞ ﺑﻪ .اﻧﺸﺊ ذﻟﻚ اﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ،ﻓﺎذا ﻓﺸﻠﻨﺎ
ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺠﻢ ،أﻣﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻔﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ .إﻧﻤﺎ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻌﺠﻞ واﻻ أﻓﻠﺴﻨﺎ.
ﻓﺤﻚ رأﺳﻪ وﻗﺎل:
-ﺗﻘﻮل ان ﻧﻘﻮدﻧﺎ ﻓﺮﻏﺖ؟ ﻫﺬا ﻟﻦ ﯾﺆﺳﻒ ﻟﻪ.
-ﻧﻌﻢ ﯾﺎ زورﺑﺎ ﻟﻘﺪ اﺑﺘﻠﻊ اﻟﻤﻨﺠﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،وأﻛﻠﻨﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،ﻓﺎﻓﻌﻞ ﺷﯿﺎً ،ﻛﯿﻒ اﻧﺘﻬﺖ ﺗﺠﺎرﺑﻚ؟ أﻟﻢ ﺗﻮﻓﻖ ﺑﻌﺪ؟.
ﻓﺄﻃﺮق ﺑﺮأﺳﻪ وﻟﻢ ﯾﺠﺐ ،وﺑﺪا ﻋﻠﻲ اﻟﺨﺠﻞ ،وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺻﺎح ﻓﻲ ﻏﻀﺐ:
-ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﺤﺪر اﻟﻠﻌﯿﻦ!! ﺳﻮف أﻇﻔﺮ ﺑﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﻠﻔﻨﻲ اﻷﻣﺮ.
وﻫﺎ ﻫﻮ ﻗﺪ أﻗﺒﻞ اﻵن ﺑﻮﺟﻪ ﻣﺸﺮق ،وﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻋﺮﯾﻀﺔ ..ﺻﺎح:
-ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺤﺖ وﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺰاوﯾﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﯿﺮﺗﻨﻲ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ.
-اذن ﻓﻌﺠﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﯾﺎ زورﺑﺎ ﻟﻤﺎذا ﺗﻨﺘﻈﺮ؟
-ﯾﺠﺐ أن أذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻏﺪا ﺻﺒﺎﺣﺎ ﻟﺸﺮاء أﺳﻼك اﻟﺼﻠﺐ واﻟﻄﻨﺎﺑﯿﺮ واﻟﻤﺴﺎﻣﯿﺮ واﻻدوات اﻟﻀﺮورﯾﺔ وﺳﺄﻋﻮد
ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺴﺮﻋﺔ.
وأﺷﻌﻞ اﻟﻤﻮﻗﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وأﻋﺪ ﻃﻌﺎﻣﺎ وأﻛﻠﻨﺎ ﺑﺸﻬﯿﺔ ﺟﯿﺪة.
وﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،راﻓﻘﺖ زورﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ودار ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺣﺪﯾﺚ ﺟﺮى ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺠﻢ.
وﻓﯿﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻬﺒﻂ ﻣﻨﺤﺪرا ،ﺿﺮب زورﺑﺎ ﺑﻘﺪﻣﻪ ﺣﺠﺮا ،ﻓﺘﺪﺣﺮج اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺤﺪر ،ووﻗﻒ زورﺑﺎ ﻣﺒﻬﻮﺗﺎ ،وﻛﺄﻧﻪ ﯾﺮى
ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻪ واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻲ وﻗﺎل:
-ﻫﻞ رأﯾﺖ؟ ان اﻟﺤﯿﺎة ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺎرة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺤﺪرات..
ﻓﻠﻢ أﺟﺒﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﺑﺴﺮور وﺑﻬﺠﺔ ،وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
-ﻫﻜﺬا ﯾﻨﻈﺮ ﻛﺒﺎر اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ إﻟﻰ اﻷﺷﯿﺎء ﻛﺄﻧﻬﻢ ﯾﺮوﻧﻬﺎ ﻷول ﻣﺮة ..واﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻬﻢ ﻻ ﯾﺮوﻧﻪ وإﻧﻤﺎ ﯾﺨﻠﻘﻮﻧﻪ.
وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ زورﺑﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻻﻧﺴﺎن اﻷول ،ﻣﺠﺮد ﻣﺸﻬﺪ ﻛﺒﯿﺮ راﺋﻊ ،ﻓﺎﻟﻨﺠﻮم ﺗﺘﺄﻟﻖ ﻓﻮق رأﺳﻪ،
وأﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ ﺗﻨﻜﺴﺮ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﯿﻪ ،وﻫﻮ ﯾﻌﯿﺶ ﻣﻊ اﻷرض واﻟﻤﺎء واﻟﺤﯿﻮان واﷲ ..دون أن ﯾﻔﺴﺪ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻟﻌﻘﯿﻢ
ﻣﺘﻌﺔ اﻟﺤﯿﺎة.
وﻋﻠﻤﺖ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ﺑﺎﻣﺮ ﺳﻔﺮ زورﺑﺎ ،ووﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﺑﺒﺎب ﺑﯿﺘﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺒﻐﻞ اﻟﺬي ﺳﯿﻤﺘﻄﯿﻪ زورﺑﺎ
ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ.
ووﺛﺐ زورﺑﺎ إﻟﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺒﻐﻞ وأﻣﺴﻚ ﺑﻘﯿﺎدة ،واﻗﺘﺮﺑﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﻓﻲ ﺣﯿﺎء ووﺿﻌﺖ ﯾﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪر اﻟﺒﻐﻞ،
وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻤﻨﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﯿﻞ.
ووﻗﻔﺖ اﻟﻤﺮأة ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻊ ﻗﺪﻣﯿﻬﺎ وﻫﻤﺴﺖ:
-زورﺑﺎ ..زورﺑﺎ.
وﻟﻜﻦ زورﺑﺎ أﺷﺎح ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻮﺟﻬﻪ .ﻛﺎن ﯾﻜﺮه ﺳﻤﺎع ﺳﺨﻒ اﻟﻌﺸﺎق ﻋﻠﻰ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟﻄﺮﯾﻖ.
ورأت اﻟﻤﺮأة اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺮﻫﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ارﺗﺴﻤﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ،ﻓﺬﻋﺮت ..وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻇﻠﺖ ﻣﻤﺴﻜﺔ ﺑﺼﺪر اﻟﺒﻐﻞ ،وﻋﯿﻨﺎﻫﺎ ﺗﺘﻄﻠﻌﺎن
إﻟﻰ زورﺑﺎ ﻓﻲ ﺿﺮاﻋﺔ.
وﺻﺎح زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ:
-ﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ؟
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺘﻮﺳﻠﺔ:
-زورﺑﺎ ..ﻻ ﺗﻨﺴﻨﻲ ﯾﺎ زورﺑﺎ .وﻛﻦ ﻛﺮﯾﻤﺎ.
ﻓﻬﺰ ﻋﻨﺎن اﻟﺒﻐﻞ وﻟﻢ ﯾﺠﺐ ..واﻧﻄﻠﻖ ﺑﻪ اﻟﺒﻐﻞ ﻓﺼﺤﺖ:
-أرﺟﻮ ﻟﻚ اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﯾﺎ زورﺑﺎ .ﻋﺪ ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﻻ أﻛﺜﺮ ..ﻫﻞ ﺳﻤﻌﺘﻨﻲ؟
ﻓﺘﺤﻮل إﻟﻰ اﻟﻮراء وﻟﻮح ﻟﻨﺎ ﺑﯿﺪه ،ﻓﺒﻜﺖ اﻟﻤﺮأة ،ورﺳﻤﺖ اﻟﺪﻣﻮع ﺧﻄﻮﻃﺎ وﺳﻂ اﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ واﻷﺻﺒﺎغ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻄﻲ
وﺟﻬﻬﺎ.
وﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ،ﺗﻮارى زورﺑﺎ ﺑﯿﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﺰﯾﺘﻮن ،ﻓﻨﻈﺮت ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻛﻤﻦ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻓﺮاغ.
ﻟﻘﺪ اﻗﻔﺮت دﻧﯿﺎﻫﺎ ﺑﻌﺪ رﺣﯿﻞ زورﺑﺎ.
وﻟﻢ أﻋﺪ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺤﺰن ووﺣﺸﺔ واﻧﻤﺎ ﺳﺮت ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ.
وﻗﺒﻞ أن أﺧﻄﻮ ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ،ﺳﻤﻌﺖ دﻗﺎت اﻟﻄﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻌﻠﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻮزع اﻟﺒﺮﯾﺪ وﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ..ورأﯾﺖ اﻟﺮﺟﻞ
ﯾﻠﻮح ﻟﻲ ﺑﯿﺪه ،ﻓﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وأﻋﻄﺎﻧﻲ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻒ واﻟﻤﺠﻼت ورﺳﺎﻟﺘﯿﻦ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر أودﻋﺖ
اﺣﺪى اﻟﺮﺳﺎﻟﺘﯿﻦ ﺟﯿﺒﻲ ﻷﻗﺮأﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺪأة اﻟﻠﯿﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻛﺎﺗﺒﻬﺎ ،وأردت أن ﯾﻄﻮل ﺷﻮﻗﻲ إﻟﻰ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن
أﻓﻀﻬﺎ.
وﻛﺬﻟﻚ ﻋﺮﻓﺖ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ ﺧﻄﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻼﻓﻬﺎ ،وﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﺒﺮﯾﺪ اﻟﻌﺠﯿﺐ اﻟﺬي ﺗﺤﻤﻠﻪ.
ﻛﺎن ﻣﻦ زﻣﻼﺋﻲ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،وﯾﺪﻋﻰ ﻛﺮاﯾﺎﻧﯿﺲ وﻛﺎن ﯾﻘﯿﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﺟﺒﻠﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ
)ﻃﻨﺠﺎﻧﯿﻘﺎ).
وﻗﺪ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﺷﺎﺑﺎ أﺳﻮد اﻟﺒﺸﺮة ﻋﺼﺒﻲ اﻟﻤﺰاج ،ﯾﺼﯿﺢ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﺘﻜﻠﻢ ،وﯾﺘﺸﺎﺟﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﻨﺎﻗﺶ.
ﻛﺎن أﺳﺘﺎذاً ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻼﻫﻮت وراﻫﺒﺎ ،وﻗﺪ ﻓﻮﺟﺊ ذات ﯾﻮم وﻫﻮ ﯾﻘﺒﻞ اﺣﺪى ﺗﻠﻤﯿﺬاﺗﻪ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﺤﻘﻮل ،ﻓﺨﻠﻊ ﻣﺴﻮح
اﻟﺮﻫﺒﻨﺔ ورﺣﻞ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ إﻟﻰ اﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﺣﯿﺚ أﻧﺸﺄ ﻣﺼﻨﻌﺎ ﻟﻠﺤﺒﺎل ،وﺟﻤﻊ ﺛﺮوة ﻃﺎﺋﻠﺔ.
وﻛﺎن ﯾﻜﺘﺐ إﻟﻲ ﺑﯿﻦ وﻗﺖ وآﺧﺮ ،ﻟﯿﺪﻋﻮﻧﻲ إﻟﻰ ﻗﻀﺎء ﺑﻀﻌﺔ ﺷﻬﻮر ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻓﺮﯾﻘﯿﺎ.
ﺟﻠﺴﺖ ﻓﻮق ﺣﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وﻓﻀﻀﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،وﻗﺮأت ﻓﯿﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
"ﻣﺘﻰ ﺳﺘﺤﺰم أﻣﺮك وﺗﺄﺗﻲ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻚ أﯾﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي اﺳﺘﻌﺒﺪﺗﻪ ﺟﺒﺎل اﻟﯿﻮﻧﺎن وﺷﻮاﻃﺌﻬﺎ؟ أﻛﺒﺮ اﻟﻈﻦ أﻧﻚ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ
ﻋﺸﺎق اﻟﺤﺎﻧﺎت واﻟﻤﻘﺎﻫﻲ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﻤﻮاﻃﻨﯿﻦ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ!!
"ﻫﺬا ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ،وﻻ ﻋﻤﻞ ﻋﻨﺪي ،وأﻧﺎ أﻛﺘﺐ إﻟﯿﻚ ﻣﻦ ﺿﯿﻌﺘﻲ واﻟﺸﻤﺲ ﻛﺎﻻﺗﻮن ،واﻻﻣﻄﺎر ﻟﻢ ﺗﻬﻄﻞ ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ
ﺷﻬﻮر ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬﻄﻞ ﻓﻲ اﺑﺮﯾﻞ وﻣﺎﯾﻮ وﯾﻮﻧﯿﺔ ،ﺗﺼﺒﺢ ﻛﺎﻟﻄﻮﻓﺎن.
ﯾﻮﺟﺪ ﻫﻨﺎ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ،اﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻛﺎﻟﺤﺸﺮات ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺧﺘﻠﻂ ﺑﻬﻢ ﻓﻬﻢ ﯾﺜﯿﺮون اﺷﻤﺌﺰازي وﻗﺪ ﺟﻠﺒﻮا
ﻣﻌﻬﻢ اﻟﺠﺬام واﻟﻘﻤﺎر واﻟﺠﻬﻞ وﺳﺎﺋﺮ اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ.
اﻧﻨﻲ أﻛﺮه اﻻوروﺑﯿﯿﻦ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻟﺠﺄت إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺠﺒﺎل ،وﻟﻜﻨﻲ أﻛﺮه اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﺷﻌﺐ آﺧﺮ ،وﻟﻦ أﻋﻮد إﻟﻰ
اﻟﯿﻮﻧﺎن ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ وﻗﺪ ﺷﯿﺪت ﻗﺒﺮي ﻫﻨﺎ أﻣﺎم ﺑﯿﺘﻲ وﻧﻘﺸﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﺤﺮوف ﻛﺒﯿﺮة )ﻫﻨﺎ ﯾﺮﻗﺪ ﯾﻮﻧﺎﻧﻲ ﯾﻜﺮه
اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ).
أﻧﺎ ﻻ أﻋﺮف ﻣﻠﻬﺎة ﻏﯿﺮ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﺄﻧﺎ أﻛﺪ وأﻛﺪح وأﻧﺎﺿﻞ اﻷرض واﻟﺮﯾﺢ واﻟﻤﻄﺮ واﻟﻌﻤﺎل واﻧﻔﻖ أﻣﻮاﻟﻲ ﻛﻤﺎ أرﯾﺪ ،ﻷﻧﻨﻲ
أﺳﺘﻌﺒﺪ اﻟﻤﺎل واﻟﻤﺎل ﻻ ﯾﺴﺘﻌﺒﺪﻧﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﻟﻠﻌﻤﻞ وأﻓﺨﺮ ﺑﺬﻟﻚ ،اﻧﻨﻲ أﺷﺘﻐﻞ ﺑﺘﺠﺎرة اﻷﺧﺸﺎب ،وﻗﺪ أﻧﺸﺄت ﻣﺼﻨﻌﺎ
ﻟﻠﺤﺒﺎل وﺳﺄﺷﺮع ﻓﻲ زراﻋﺔ اﻟﻘﻄﻦ.
ﻣﺘﻰ ﺳﺘﺄﺗﯿﻦ ،ﻟﻨﺘﺴﻠﻖ ﻣﻌﺎ ﻫﺬه اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻨﻘﯿﺔ اﻟﻌﺬراء؟
ﻟﻘﺪ رزﻗﺖ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻣﻦ اﻣﺮأة ﺳﻮداء وﻟﻜﻦ اﻷم أﻫﺪرت ﺷﺮﻓﻲ ﻓﻲ وﺿﺢ اﻟﻨﻬﺎر وﺗﺤﺖ ﻛﻞ ﺷﺠﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻄﺮدﺗﻬﺎ.
واﻟﻄﻔﻠﺔ اﻵن ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ وﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ اﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﯾﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺐ اﻟﯿﻮﻧﺎن وأﻫﻠﻬﺎ.
وﻫﻲ ﺗﺸﺒﻬﻨﻲ وﻟﻜﻦ أﻧﻔﻬﺎ ﻣﻔﺮﻃﺢ ﻛﺄﻧﻒ أﻣﻬﺎ ،وأﻧﺎ أﺣﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺐ ﻛﻠﺒﺎ أو ﻗﻄﺎ.
ﺗﻌﺎل وﺗﺰوج ﻣﻦ اﻣﺮأة زﻧﺠﯿﺔ ﻟﺘﺮزق ﻣﻨﻬﺎ وﻟﺪا ﻧﺰوﺟﻪ ﻣﻦ اﺑﻨﺘﻲ ..ﻟﻤﺠﺮد اﻟﻠﻬﻮ..
وﺗﻤﻠﻜﺘﻨﻲ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ اﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﻻ ﻷﻧﻨﻲ أﻓﺘﻘﺪ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺠﺪﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺮﯾﺖ ،واﻧﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺻﺒﻮ داﺋﻤﺎ إﻟﻰ
زﯾﺎرة أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺒﻞ أن أﻣﻮت.
وﻋﺪﻟﺖ ﻋﻦ ﺗﺴﻠﻖ اﻟﺠﺒﻞ ،وﺳﺮت ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ﻟﻜﻲ أﻧﻌﻢ ﺑﻘﺮاءة اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ.
وﻫﻨﺎك أﺷﻌﻠﺖ ﻧﺎرا وأﻋﺪدت ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎي وﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﻌﺴﻞ ﺛﻢ ﺧﻠﻌﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ وﺗﻤﺪدت ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻲ
وﻓﻀﻀﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ وﻗﺮأت ﻓﯿﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
اﺳﺘﺎذي وﺻﺪﯾﻘﻲ...
اﻧﻨﻲ أﺿﻄﻠﻊ ﻫﻨﺎ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﯿﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ واﻟﺨﻄﻮرة ،ﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻧﻘﺎذ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﯿﻮن ﯾﻮﻧﺎﻧﻲ ﻓﻲ
ﺟﻨﻮب روﺳﯿﺎ واﻟﻘﻮﻗﺎز !وأﻛﺜﺮﻫﻢ ﯾﺘﺤﺪﺛﻮن ﺑﺎﻟﺘﺮﻛﯿﺔ أو اﻟﺮوﺳﯿﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﺑﺎﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ.
اﻧﻬﻢ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺷﻌﺒﻨﺎ ،وﺑﺤﺴﺒﻚ ان ﺗﺮى ﻋﯿﻮﻧﻬﻢ اﻟﻼﻣﻌﺔ وﺑﺴﻤﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺎﻛﺮة ،ورؤوﺳﻬﻢ اﻟﻤﺮﻓﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻛﺒﺮﯾﺎء وﺻﻠﻒ
وان ﺗﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﻛﺎﻓﺤﻮا وﻧﺎﺿﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺳﺎدوا اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﺻﺎر ﻟﻬﻢ ﻋﯿﺪ وﺧﺪم ،ﻟﻜﻲ ﺗﺪرك اﻧﻬﻢ ﺣﻘﺎ أﺣﻔﺎد ﺑﻄﻠﻨﺎ اﻟﻌﻈﯿﻢ
)اودﯾﺴﯿﻮس( وان ﻣﻦ واﺟﺒﻨﺎ أن ﻧﺤﺒﻬﻢ وﻧﻘﺎﺗﻞ ﻣﻦ اﺟﻠﻬﻢ وﻻ ﻧﺪﻋﻢ ﯾﻬﻠﻜﻮن..
ﻟﻘﺪ ﻓﻘﺪوا ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻠﻜﻮن ،وﻫﻢ اﻟﯿﻮم ﺟﯿﺎع ﻋﺮاة ،ﯾﻄﺎردﻫﻢ اﻟﺮوس ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ ،واﻻﻛﺮاد ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ أﺧﺮى ،وآﻻف
اﻟﻼﺟﺌﯿﻦ ﯾﻔﺪون ﻣﻦ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻟﻼﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺪن ﺟﻮرﺟﯿﺎ وارﻣﯿﻨﯿﺎ .وﻟﯿﺲ ﺛﻤﺔ ﻃﻌﺎم او دواء أو ﻏﻄﺎء..
وآﻻف آﺧﺮون ﯾﻘﻔﻮن ﺑﺎﻟﻤﻮاﻧﺊ وﯾﻨﻈﺮون إﻟﻰ اﻷﻓﻖ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ،ﻟﻌﻠﻬﻢ ﯾﺮون ﺳﻔﯿﻨﺔ ﯾﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ﺗﻌﻮد ﺑﻬﻢ إﻟﻰ أرض اﻟﻮﻃﻦ .
إن ﻫﺬا اﻟﺠﺰء اﻟﻌﺰﯾﺰ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﻨﺎ ﯾﻌﯿﺶ ﻓﻲ ذﻋﺮ وﻫﻠﻊ ،واذا ﺗﺮﻛﻨﺎه ﻟﻤﺼﯿﺮه ﻓﺴﻮف ﯾﻬﻠﻚ ،وﻟﻜﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ
اﻟﺤﺐ واﻟﻔﻬﻢ واﻟﺤﻤﺎﺳﺔ واﻟﺒﺬل واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻟﺴﻠﯿﻢ ﻟﻜﻲ ﻧﻨﻘﺬه وﻧﻌﯿﺪه ﺳﺎﻟﻤﺎ إﻟﻰ ﺑﻠﺪﻧﺎ اﻟﺤﺮ اﻟﺬي ﻫﻮ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻛﻞ اﺑﻦ
ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ.
اﻧﻨﻲ أذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻘﺮى واﻟﻤﺪن ﻷﺟﻤﻊ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ﻣﻌﺎً ،ﻛﻤﺎ أﻛﺘﺐ اﻟﺘﻘﺮﯾﺮات وأرﺳﻞ اﻟﺒﺮﻗﯿﺎت إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻓﻲ أﺛﯿﻨﺎ
ﻟﻜﻲ ﯾﺒﻌﺜﻮا إﻟﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﺴﻔﻦ واﻟﻄﻌﺎم واﻟﺜﯿﺎب واﻷدوﯾﺔ ،واذا ﻛﺎن اﻟﻨﻀﺎل ﻓﻲ ﺣﻤﺎﺳﺔ واﺻﺮار ﯾﺠﻠﺐ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ اﻟﺴﻌﺎدة،
ﻓﺄﻧﺎ اذن ﺟﺪ ﺳﻌﯿﺪ.
اﻧﺖ اﻵن ﻗﺎﺑﻊ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ )ﻛﺮﯾﺖ( ﺗﻨﺼﺖ إﻟﻰ أﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ وﺗﺼﻐﻲ إﻟﻰ ﻧﻐﻤﺎت( اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري( ﻷن ﻟﺪﯾﻚ ﻣﺘﺴﻌﺎ ﻣﻦ
اﻟﻮﻗﺖ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﺎﻧﻨﻲ ﻓﻲ دواﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻨﺸﺎط وأﻧﺎ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﺬﻟﻚ.
ان اﻟﻌﻤﻞ ،واﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ ،ﯾﺎ أﺳﺘﺎذي اﻟﺨﺎﻣﻞ ،ﻫﻮ ﺻﺨﺮة اﻟﻨﺠﺎة ﻟﻤﻦ ﻛﺎن ﻣﺜﻠﻨﺎ.
اﻧﺎ اﻵن ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ )ﻛﺎرس( ،وﻗﺪ ﺟﺌﺖ إﻟﯿﻬﺎ أﺟﻤﻊ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة وﺣﺪث ﻓﻲ ﯾﻮم وﺻﻮﻟﻲ أن أﺧﺘﻄﻒ
اﻻﻛﺮاد ﻣﻌﻠﻤﺎ وﻗﺴﺎ ﻣﻦ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ودﻗﻮا ﺣﺪوة ﺣﺼﺎن ﻓﻲ ﻗﺪم ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ان دب اﻟﺬﻋﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب
رؤﺳﺎء اﻟﺠﺎﻟﯿﺔ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ﻓﻠﺠﺌﻮا إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي أﻗﯿﻢ ﻓﯿﻪ..
ان دوي ﻣﺪاﻓﻊ اﻻﻛﺮاد ﯾﺰداد اﻗﺘﺮاﺑﺎ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ وﻋﯿﻮن اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ اﻻﻧﺴﺎن اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي
ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻧﻘﺎذﻫﻢ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﯿﺘﻲ اﻟﺮﺣﯿﻞ إﻟﻰ )ﺗﻔﻠﯿﺲ( ﻏﺪا ،وﻟﻜﻨﻲ وﺟﺪت ان ﻣﻦ اﻟﻌﺎر ان أرﺟﻞ ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﺨﻄﺮ ﯾﺪﻧﻮ ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﻲ .
وﻻ أﻗﻮل ﻟﻚ اﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺧﺎﺋﻔﺎ ،اﻟﻮاﻗﻊ اﻧﻲ ﺧﺎﺋﻒ وﻟﻜﻨﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ.
ﺗﺮى ﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻞ ﻣﺤﺎرب )رﻣﺒﺮان( ﻟﻮ أﻧﻪ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﺮﻛﺰي؟
أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﯾﺒﻘﻰ ،وﻟﺬﻟﻚ ﺳﺄﺑﻘﻰ واذا دﺧﻞ اﻻﻛﺮاد اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺤﻘﻖ اﻧﻨﻲ ﺳﺄﻛﻮن أول اﻧﺴﺎن ﯾﺪق ﺣﺪوة ﺣﺼﺎن ﻓﻲ
ﻗﺪﻣﻪ ..ﻓﻬﻞ ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻚ ﯾﻮﻣﺎ ﯾﺎ أﺳﺘﺎذي ان ﻫﺬا ﺳﯿﻜﻮن ﻣﺼﯿﺮ ﺗﻠﻤﯿﺬك؟
ﻟﻘﺪ ﻗﺮرﻧﺎ ..ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺣﺎدة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ،ان ﯾﺠﺘﻤﻊ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﻮن اﻟﻠﯿﻠﺔ ،وأن ﯾﺠﻤﻌﻮا
ﻧﺴﺎءﻫﻢ وأﻃﻔﺎﻟﻬﻢ وﺑﻐﺎﻟﻬﻢ وﺟﯿﺎدﻫﻢ اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ..
وﺳﻮف أﻛﻮن اﻧﺎ اﻟﻜﺒﺶ اﻟﺬي ﯾﺘﻘﺪم اﻟﻘﻄﯿﻊ ﻋﺒﺮ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﻮدﯾﺎن.
ﺳﺘﻜﻮن ﻫﺠﺮة ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﻬﺠﺮة ﺑﻨﻲ اﺳﺮاﺋﯿﻞ وﺳﺄﻛﻮن أﻧﺎ( ﻣﻮﺳﻰ( ﻫﺆﻻء اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﯾﻦ ودﻟﯿﻠﻬﻢ إﻟﻰ اﻷرض
اﻟﻤﻮﻋﻮدة.
أرﺟﻮ أﯾﻬﺎ اﻟﺼﺪﯾﻖ واﻷﺳﺘﺎذ أن ﺗﺼﻠﻚ ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻻﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻷﺧﯿﺮة.
اﻧﻨﻲ ﻻ أؤﻣﻦ ﺑﺎﻟﻘﻮى اﻟﺨﻔﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮس اﻟﻨﺎس ،واﻧﻤﺎ أؤﻣﻦ ﺑﺎﻟﻘﻮى اﻟﻐﺎﺷﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﺮب ﯾﻤﯿﻨﺎ وﯾﺴﺎرا ﺑﻼ ﺣﻘﺪ
وﺑﻐﯿﺮ ﻗﺼﺪ ،ﻟﺘﻘﺘﻞ ﻣﻦ ﯾﻮﻗﻌﻪ ﺳﻮء ﺣﻈﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻬﺎ.
ﻋﻠﻰ اﻧﻨﻲ اذا وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت ،ﻓﺴﻮف أﺗﺼﻞ ﺑﻚ أﯾﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ ،ﻟﻜﻲ اﻧﺬرك ﻛﻤﺎ اﺗﻔﻘﻨﺎ.
ﻣﺮت ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم وأرﺑﻌﺔ وﺧﻤﺴﺔ وﻟﻤﺎ ﯾﻌﺪ زورﺑﺎ ،وﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺴﺎدس ﺗﻠﻘﯿﺖ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ )ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ( ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺑﻀﻊ
ﺻﻔﺤﺎت ﻣﻦ ورق ﻋﺎدي ﻣﻌﻄﺮ وﻓﻲ رﻛﻦ ﻛﻞ ورﻗﺔ ﺻﻮرة ﻗﻠﺐ ﯾﺨﺘﺮﻗﻪ ﺳﻬﻢ.
وﯾﺒﺪو أن زورﺑﺎ ﺗﻌﻮد أن ﯾﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻔﺄس ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻔﺤﺎت ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺜﻘﻮب وﺑﻘﻊ اﻟﺤﺒﺮ.
وﻓﯿﻤﺎ ﯾﻠﻲ ﻣﻀﻤﻮن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺼﺤﯿﺢ أﺧﻄﺎﺋﻬﺎ اﻟﻬﺠﺎﺋﯿﺔ واﻟﻠﻐﻮﯾﺔ:
"ﻋﺰﯾﺰي اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ،
ﯾﺴﺮﻧﻲ أن أﺗﻨﺎول اﻟﻘﻠﻢ ﻷﻛﺘﺐ إﻟﯿﻚ ﻣﺴﺘﻔﺴﺮاً ﻋﻦ ﺻﺤﺘﻚ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻔﻲ ﺧﯿﺮ ﺣﺎل واﻟﺤﻤﺪ ﷲ .
ﻟﻘﺪ أدرﻛﺖ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﻲء إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻷﻛﻮن ﺣﺼﺎﻧﺎ أو ﺛﻮرا ،ﻓﺎﻟﺤﯿﻮاﻧﺎت وﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻛﻞ
ﻟﺘﻌﯿﺶ ،وﻟﻜﻲ ﺗﻨﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺔ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ أﺧﻠﻖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﻤﻼً ﻟﯿﻼ ﻧﻬﺎرا ،وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ أﺿﺤﻲ ﺑﻤﺼﺪر رزﻗﻲ ﻣﻦ
أﺟﻞ ﻓﻜﺮة ،ﻷﻧﻲ أﻋﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ اﻟﻘﺎﺋﻞ "ﻋﺼﻔﻮر ﻧﺤﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺴﺮ ،أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺑﺒﻐﺎء ﺳﻤﯿﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻔﺺ".
ان ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﯾﻔﺨﺮون ﺑﻮﻃﻨﯿﺘﻬﻢ دون أن ﺗﻜﻠﻔﻬﻢ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﺷﯿﺎً ،أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﺴﺖ وﻃﻨﯿﺎ ،وﻟﻦ أﻛﻮن ،ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻜﺎﻟﯿﻒ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ.
وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﯾﻔﻜﺮون ﻃﻮﯾﻼً ،وﯾﻌﺼﺮون أذﻫﺎﻧﻬﻢ أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ،ﻓﺎﻟﺨﺒﺮ اﻟﻄﯿﺐ ﻻ ﯾﺴﺮﻧﻲ،
واﻟﺨﺒﺮ اﻟﺴﻲء ﻻ ﯾﺤﺰﻧﻨﻲ ،وﺳﯿﺎن ﻋﻨﺪي ان ﯾﺴﺘﻮﻟﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،أو ﯾﺴﺘﻮﻟﻲ اﻻﺗﺮاك ﻋﻠﻰ أﺛﯿﻨﺎ.
اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﻬﻤﻨﻲ ،ﻫﻮ ﻫﻞ أﻧﺎ ﺣﻲ أو ﻣﯿﺖ؟
وﻋﻠﻰ ذﻛﺮ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻤﻮت ،أود أن أﺣﺪﺛﻚ ﻋﻦ أﻣﺮ ﯾﺰﻋﺠﻨﻲ وﯾﻘﺾ ﻣﻀﺠﻌﻲ ،وأﻋﻨﻲ ﺑﻪ اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ.
ان اﻟﻤﻮت ﻻ ﯾﻬﻤﻨﻲ ،ﻓﺎﻟﺤﯿﺎة ﺷﻤﻌﺔ ﺗﻄﻔﺌﻬﺎ ﻟﻔﺤﺔ ﻫﻮاء ..أﻣﺎ اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ ﻓﺎﻧﻬﺎ ﻋﺎر وﻓﻀﯿﺤﺔ وﻟﻬﺬا أﺑﺬل ﻗﺼﺎرى
ﺟﻬﺪي ﻷﻣﻨﻊ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻛﺒﺮت.
اﻧﻨﻲ أرﻗﺺ ،ﻓﯿﺆﻟﻤﻨﻲ ﻇﻬﺮي ،وﻟﻜﻨﻲ أواﺻﻞ اﻟﺮﻗﺺ وأﺷﺮب ،ﻓﺘﺪور اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﻲ وﻟﻜﻲ أﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺗﻨﺎول اﻟﺸﺮاب ﻛﻤﺎ
ﯾﻔﻌﻞ اﻵﺧﺮون ..وأﻧﺎ أﻟﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ وأﺻﺎب ﺑﺎﻟﺒﺮد ،وﻟﻜﻨﻲ أﻏﺎﻟﺐ اﻟﺴﻌﺎل ،ﺣﺘﻰ ﻻ أﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﻀﻌﻒ
واﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ ..ﻫﻞ ﺗﺬﻛﺮ اﻧﻚ ﺳﻤﻌﺘﻨﻲ ﻣﺮة أﺳﻌﻞ؟ ..أﺑﺪا..
وأﻧﺎ ﻻ أﺧﺠﻞ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس ﻓﺤﺴﺐ ،وإﻧﻤﺎ أﺧﺠﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أﻣﺎم ﻧﻔﺴﻲ ﻛﺬﻟﻚ ..أﺧﺠﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ أﻣﺎم
زورﺑﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﯾﺎ أﺳﺘﺎذي؟
ان ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﺷﯿﻄﺎﻧﺎ اﺳﻤﯿﻪ زورﺑﺎ ،وزورﺑﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻻ ﯾﺤﺐ اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ ،وﻟﻢ ﺗﺘﻘﺪم ﺑﻪ اﻟﺴﻦ ،وﻟﻦ ﺗﺘﻘﺪم ..أﻣﺎ
زورﺑﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﻘﺪ ﺿﻤﺮ ﺟﺴﺪه وﺷﺎب ﺷﻌﺮ رأﺳﻪ وﺳﻘﻄﺖ أﺳﻨﺎﻧﻪ وأﺣﺪﺛﺖ اﻷﯾﺎم ﺷﻘﻮﻗﺎ ﻋﻤﯿﻘﺔ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ.
وﻟﻜﻦ إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﯿﺴﺘﻤﺮ اﻟﺼﺮاع ﺑﯿﻦ ﻫﺬﯾﻦ اﻟﺰرﺑﯿﯿﻦ؟ وأﯾﻬﻤﺎ ﺳﯿﻈﻔﺮ ﺑﺼﺎﺣﺒﻪ؟ اذا ﻣﺖ ﻋﺎﺟﻼ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺨﯿﺮ ﻛﻠﻪ ،أﻣﺎ
اذا اﻣﺘﺪ ﺑﻲ اﻷﺟﻞ ﻃﻮﯾﻼ ﻓﺴﯿﺄﺗﻲ ﯾﻮم أﺧﺴﺮ ﻓﯿﻪ اﻟﺤﺮﯾﺔ واﻟﻜﺮاﻣﺔ..
ﺳﺘﻄﻠﺐ إﻟﻰ اﺑﻨﺘﻲ واﺑﻨﻲ أن أﺣﻤﻞ ذرارﯾﻬﻤﺎ ،أوﻟﺌﻚ اﻟﺸﯿﺎﻃﯿﻦ اﻟﺼﻐﺎر ،وأن أﺳﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘﻬﻢ ..وأﻧﻈﻒ ﻗﺬارﺗﻬﻢ..
وﻣﻦ اﻟﻤﺤﻘﻖ اﻧﻚ ﺳﺘﻤﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺎر ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ وﻟﺬﻟﻚ أرﺟﻮ أن ﺗﺼﻐﻲ إﻟﻲ ..وأن ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻨﺼﯿﺤﺘﻲ ..دﻋﻨﺎ ﻧﺬﻫﺐ
إﻟﻰ اﻟﺠﺒﺎل ﻟﻨﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺟﻤﻬﺎ اﻟﻔﺤﻢ واﻟﺤﺪﯾﺪ واﻟﻨﺤﺎس ﻓﺎذا ﻧﺠﺤﻨﺎ وأﺑﺤﻨﺎ ﻣﻦ ذوي اﻟﺜﺮاء اﺣﺘﺮﻣﻨﺎ اﻻﻗﺎرب وﻟﻌﻖ
اﻻﺻﺪﻗﺎء أﺣﺬﯾﺘﻨﺎ ورﻓﻊ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻗﺒﻌﺎﺗﻬﻢ ﻟﻨﺎ ..أﻣﺎ اذا ﻟﻢ ﻧﻨﺠﺢ ،ﻓﻬﻨﺎك ذﺋﺎب ووﺣﻮش ﯾﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺘﻜﻔﻞ ﺑﻨﺎ ،ﻓﻤﺎ ﺧﻠﻖ
اﷲ اﻟﻮﺣﻮش اﻻ ﻟﺘﺄﻛﻞ أﻣﺜﺎﻟﻨﺎ ،وﺗﺠﻨﺒﻬﻢ ﻣﺬﻟﺔ اﻟﻔﻘﺮ وﺿﯿﺎع اﻟﻜﺮاﻣﺔ.
وﻫﻨﺎ رﺳﻢ زورﺑﺎ ﺻﻮرة ﻟﺮﺟﻞ ﻃﻮﯾﻞ ﻧﺤﯿﻞ ﯾﻠﻮذ ﺑﺎﺣﺪى اﻻﺷﺠﺎر ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺳﺒﻌﺔ ذﺋﺎب ﺗﻄﺎرده وﺗﺠﺪ ﻓﻲ اﺛﺮه وﻛﺘﺐ ﺗﺤﺖ
اﻟﺼﻮرة ﺑﺤﺮوف ﻛﺒﯿﺮة( :زورﺑﺎ واﻟﺨﻄﺎﯾﺎ اﻟﺴﺒﻊ).
ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﯾﻘﻮل:
ﺳﺄﻗﺺ ﻋﻠﯿﻢ اﻵن ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻲ ﻓﻲ( ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ( ﻷﻧﻨﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﺼﺎﺋﺤﻚ اﻧﻚ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻲ ﺳﻨﺎ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،وﻟﻜﻨﻚ ﻗﺮأت
ﻛﺘﺐ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،وأﺻﺒﺤﺖ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ – وﻣﻌﺬرة ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ – ﻣﻦ اﻟﻄﺮاز اﻟﻘﺪﯾﻢ..
"أﻧﺎ أﻋﺘﻘﺪ أن ﻟﻜﻞ اﻧﺴﺎن راﺋﺤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ..واﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻼﺣﻆ ذﻟﻚ ﻷن رواﺋﺤﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﯾﻤﺘﺰج ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ،ﻓﯿﺘﻌﺬر ﻋﻠﯿﻨﺎ
ﺗﻤﯿﯿﺰﻫﺎ ورد ﻛﻞ راﺋﺤﺔ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ..
ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﻫﻮ ان ﻫﺬه اﻟﺮواﺋﺢ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺗﺆﻟﻒ راﺋﺤﺔ واﺣﺪة ﺧﺒﯿﺜﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﯿﻬﺎ( اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ( وﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس
ﯾﺤﺒﻮن ﻫﺬه اﻟﺮاﺋﺤﺔ وﯾﺸﻤﻮﻧﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻄﺮا ،أﻣﺎ اﻧﺎ ﻓﺎﻧﻬﺎ ﺗﺜﯿﺮ اﺷﻤﺌﺰازي.
ﺑﯿﺪ ان ﻟﻠﻨﺴﺎء اﻧﻮﻓﺎ ﻛﺄﻧﻮف اﻟﻜﻼب ،ﯾﻤﯿﺰون ﺑﻬﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﯾﺮﻏﺐ ﻓﯿﻬﻦ ..وﻟﻌﻞ ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ اﻧﻨﻲ ﻣﺎ
أﻛﺎد أﺿﻊ ﻗﺪﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺷﯿﺨﻮﺧﺘﻲ ودﻣﺎﻣﺘﻲ ،ورﺛﺎﺛﺔ ﺛﯿﺎﺑﻲ ،ﺣﺘﻰ أﺟﺪ اﻣﺮأة أو اﻣﺮأﺗﯿﻦ
ﺗﻄﺎرداﻧﻨﻲ وﺗﻘﻄﻌﺎن ﻋﻠﻲ اﻟﺴﺒﯿﻞ.
ﺻﻔﻮة اﻟﻘﻮل :اﻧﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ )ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ( ﻓﻲ اﻟﻐﺴﻖ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻐﻠﻘﺔ ،ﻓﻘﺼﺪت إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﺤﺎﻧﺎت،
ﺣﯿﺚ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﻌﺎم وﻋﻠﻔﺖ اﻟﺒﻐﻞ ،ﺛﻢ ﺧﻄﺮ ﻟﻲ أن أﺗﺠﻮل ﻗﻠﯿﻼ ﻓﻲ ﺷﻮارع اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف أﺣﺪا ﻓﯿﻬﺎ،
وﻻ أﺣﺪ ﻓﯿﻬﺎ ﯾﻌﺮﻓﻨﻲ ،ﻛﻨﺖ ﺣﺮا أﺻﻔﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ واﺿﺤﻚ وأﺗﺤﺪث إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ..وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺎﺑﯿﺢ اﻟﺸﻮارع ﻗﺪ
اﺿﯿﺌﺖ ..واﻟﻄﺮق ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ..وراﺋﺤﺔ اﻟﻌﻄﻮر واﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺸﻮاء ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﻛﻢ
ﺑﻘﻲ ﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺄﯾﺎﻣﻚ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ؟
وﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ أﺟﺘﺎز اﻟﻤﯿﺪان اﻟﻜﺒﯿﺮ ،وﻻ ﺷﻚ أﻧﻚ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻓﺴﻤﻌﺖ ﺻﯿﺤﺎت وﻧﻐﻤﺎت ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ راﻗﺼﺔ ،ﻓﺄرﻫﻔﺖ
اذﻧﻲ ﺟﯿﺪا ﻷﺗﺒﯿﻦ ﻣﺼﺪرﻫﺎ ﻓﺎذا اﻟﻤﺼﺪر أﺣﺪ اﻟﻜﺒﺎرﯾﻬﺎت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ..وﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺸﺪه ،ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻟﻜﺒﺎرﯾﻪ وﺟﻠﺴﺖ أﻣﺎم
اﺣﺪى اﻟﻤﻮاﺋﺪ ..ورأﯾﺖ اﻣﺮأة ﺑﺪﯾﻨﻪ ﺗﺮﻗﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺮح ،وﺗﺮﻓﻊ ذﯾﻠﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻟﻖ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻻ وﻃﻠﺒﺖ ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ
اﻟﺠﻌﺔ ،وﻣﺎ ﻫﻲ اﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻠﺖ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﺳﻤﺮاء ﺻﻐﯿﺮة ﺧﻔﯿﻔﺔ اﻟﻈﻞ ﻓﺠﻠﺴﺖ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ وﻗﺎﻟﺖ وﻫﻲ ﺗﻀﺤﻚ:
-أﺗﺴﻤﺢ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﯾﺎ ﺟﺪي؟
ﻓﺼﻌﺪ اﻟﺪم إﻟﻰ رأﺳﻲ ،ووددت ﻟﻮ ادق ﻋﻨﻘﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻤﺎﻟﻜﺖ ﻧﻔﺴﻲ ودﻋﻮت اﻟﺨﺎدم وﻃﻠﺒﺖ إﻟﯿﻪ أن ﯾﺤﻀﺮ زﺟﺎﺟﺘﯿﻦ
ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺒﺎﻧﯿﺎ.
وﻣﻌﺬرة ﯾﺎ ﺳﯿﺪي اذا ﻛﻨﺖ ﻗﺪ اﻧﻔﻘﺖ ﺑﻌﺾ ﻣﺎﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ اﻻﻫﺎﻧﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﯾﺪة ،وﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ أن أﻧﻘﺬ ﺷﺮﻓﻨﺎ ،ﺷﺮﻓﻚ
وﺷﺮﻓﻲ ،وان أرﻏﻢ ﻫﺬه اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﺴﺘﻬﺘﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻛﻮع ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﻨﺎ ،وأﻧﺎ واﺛﻖ أﻧﻚ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻟﺘﺘﺨﻠﻰ ﻋﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ
ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺪﻗﯿﻖ.
وأﺣﻀﺮ اﻟﺨﺎدم اﻟﺸﻤﺒﺎﻧﯿﺎ ،وﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺒﺎﻧﯿﺎ ،ﺛﻢ ﻣﺮ رﺟﻞ ﯾﺒﯿﻊ اﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ ،ﻓﺎﺷﺘﺮﯾﺖ اﻟﺴﻠﺔ ﻛﻠﻬﺎ ،واﻓﺮﻏﺘﻬﺎ ﻓﻲ
ﺣﺠﺮ اﻟﺘﺎﻓﻬﺔ اﻟﻌﺎﺑﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮأت ﻋﻠﻰ اﻫﺎﻧﺘﻨﺎ..
وﺷﺮﺑﻨﺎ ،وأﺳﺮﻓﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮاب ،وأﻗﺴﻢ ﻟﻚ اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺣﺎول ﻣﻐﺎزﻟﺘﻬﺎ ..ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺷﺎﺑﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻐﺎزﻟﺔ ﻫﻲ اﻟﺨﻄﻮة
اﻷوﻟﻰ ،أﻣﺎ اﻵن ﺑﻌﺪ أن ﻛﺒﺮت ،ﻓﺎن أول ﺷﻲ أﻓﻌﻠﻪ ﻫﻮ أن أﻧﻔﻖ ،وأﻧﻔﻖ ﺑﺒﺬخ وﺳﺨﺎء ..واﻟﻨﺴﺎء ﯾﻌﺠﺒﻬﻦ ذﻟﻚ ،ﻗﺪ
ﺗﻜﻮن ﻣﻘﻮس اﻟﻈﻬﺮ وﻗﺬرا ،وﺣﻄﺎﻣﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﻦ ﯾﺘﻨﺎﺳﯿﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا ..وﻻ ﯾﺮﯾﻦ اﻻ اﻟﯿﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮج اﻟﻨﻘﻮد وﺗﺒﻌﺜﺮﻫﺎ ﺑﻐﯿﺮ
ﺣﺴﺎب.
وﻫﻜﺬا اﻧﻔﻘﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺔ ﺛﺮوة – ﺑﺎرك اﷲ ﻓﯿﻚ ورد ﻋﻠﯿﻚ اﻣﻮاﻟﻚ اﺿﻌﺎﻓﺎ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ – وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ،ان ازدادت
اﻟﻔﺘﺎة ﻗﺮﺑﺎ ﻣﻨﻲ ،وأﻟﺼﻘﺖ رﻛﺒﺘﻬﺎ ﺑﻌﻈﺎﻣﻲ اﻟﻨﺨﺮة ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻈﺎﻫﺮت ﺑﺎﻟﺒﺮود وﻗﻠﺔ اﻻﻛﺘﺮاث ،رﻏﻢ اﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ
أﺗﻠﻈﻰ..
وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﻟﻠﻌﺐ ﺑﻌﻘﻮل اﻟﻨﺴﺎء ،ان ﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻻﻋﺮاض ﻋﻨﻬﻦ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻧﺖ ﺗﺘﺤﺮق ﺷﻮﻗﺎ اﻟﯿﻬﻦ ..ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ ﻟﻚ
ان ﺗﻌﺮف ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺗﻔﯿﺪك اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اذا وﺟﺪت ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ.
واﻧﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ ،وﺷﺮع اﻟﺨﺪم ﻓﻲ اﻃﻔﺎء اﻻﻧﻮار وﻏﻠﻖ اﻻﺑﻮاب ،ﻓﺎﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺟﯿﺒﻲ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ اوراق اﻟﻨﻘﺪ ذات اﻻﻟﻒ
دراﺧﻤﺔ ودﻓﻌﺖ اﻟﺤﺴﺎب وأﻋﻄﯿﺖ اﻟﺨﺪم ﻣﻨﺤﺔ ﺳﺨﯿﺔ ،وﺣﯿﻨﺬ ﺗﻌﻠﻘﺖ اﻟﻔﺘﺎة ﺑﺴﺎﻋﺪي وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ وﻫﻲ ﺗﺮﻣﻘﻨﻲ ﺑﻨﻈﺮة
اﻏﺮاء:
-ﻣﺎ اﺳﻤﻚ؟
-اﻟﺠﺪ.
ﻓﻘﺮﺻﺘﻨﻲ اﻟﻔﺎﺟﺮة ﻗﺮﺻﺔ آﻟﻤﺘﻨﻲ وﻫﻤﺴﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ:
-ﺗﻌﺎل ﻣﻌﻲ.
ﻓﻀﻐﻄﺖ ﯾﺪﻫﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺑﯿﻦ ﯾﺪي وﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ:
-أﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪﯾﻨﻪ؟ ﻫﻠﻤﻲ اذن.
وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻇﻬﺮا.
وأﺟﻠﺖ اﻟﺒﺼﺮ ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﺎذا ﺑﻲ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐﯿﺮة أﻧﯿﻘﺔ ،ﺑﻬﺎ ﻣﻘﺎﻋﺪ وﺛﯿﺮة ،وزﺟﺎﺟﺎت ﻋﻄﺮ ﻣﺘﻌﺪدة اﻻﻟﻮان ،وﻣﺮاﯾﺎ ﻣﻦ
ﺟﻤﯿﻊ اﻻﺣﺠﺎم ،وﻣﻼﺑﺲ أﻧﯿﻘﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﺪران ،وﺣﺸﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر ﻟﺒﺤﺎرة وﺿﺒﺎط ،وﻧﺴﺎء ﻋﺎرﯾﺎت.
ووﺟﺪت إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش اﻟﻮﺛﯿﺮ ،ﺻﺎﺣﺒﺘﻨﺎ اﻟﺴﻤﺮاء اﻟﻠﻌﻮب ،ﻓﺄﻏﻤﻀﺖ ﻋﯿﻨﻲ وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
-ﻟﻘﺪ دﺧﻠﺖ اﻟﺠﻨﺔ وأﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻫﺬا ﻣﻜﺎن ﺟﻤﯿﻞ وﯾﺠﺐ أﻻ ﺗﺒﺮﺣﻪ.
وأﺣﺴﺐ اﻧﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ذات ﻣﺮة ﯾﺎ اﺳﺘﺎذي ان ﻟﻜﻞ اﻧﺴﺎن ﺟﻨﺘﻪ اﻟﻤﻔﻀﻠﺔ ،ﻓﺎﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﯿﻚ ﺧﺰاﻧﺔ زاﺧﺮة ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ
وﻋﺪد ﻻ ﯾﺤﺼﻰ ﻣﻦ زﺟﺎﺟﺎت اﻟﺤﺒﺮ ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺮاﻣﯿﻞ ﻣﻦ ﻧﺒﯿﺬ وﻋﺮق وروم ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ﺻﻨﺎدﯾﻖ
ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد ..اﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻲ ﻓﻬﺬه ﺟﻨﺘﻲ :ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻌﻄﺮة ،وﻣﻼﺑﺲ ذات اﻟﻮان ﻣﺮﺣﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﺪران،
وﻓﺮاش ﻛﺒﯿﺮ وﺛﯿﺮ ..واﻣﺮأة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ.
ان اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﺨﻄﯿﺌﺔ ﻫﻮ ﻧﺼﻒ اﻟﺘﻮﺑﺔ ،واﻋﺘﺮف ﻟﻚ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺑﺮح اﻟﻔﺮاش ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ..إﻟﻰ أﯾﻦ أذﻫﺐ؟ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ
ﻣﺮﺗﺎﺣﺎ ﺣﯿﺚ أﻧﺎ.
وأرﺳﻠﺖ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﻃﻌﺎم ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻓﯿﺎر واﻟﺴﻤﻚ وﻋﺼﯿﺮ اﻟﻠﯿﻤﻮن واﻟﻘﻄﺎﺋﻒ.
وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،ارﺗﺪﯾﺖ ﺛﯿﺎﺑﻲ ،وﺧﺮﺟﺖ ﻣﺘﺄﺑﻄﺎ ذراع ﺻﺎﺣﺒﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻜﺒﺎرﯾﻪ.
وﻻ أﻃﯿﻞ ﻋﻠﯿﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ ..اﻧﻨﻲ ﻣﺎزﻟﺖ اﺗﺒﻊ ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻨﺰﻋﺞ ..ﻓﺎﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﺲ اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ اوﻓﺪﺗﻨﻲ ﻓﯿﻬﺎ،
وﻟﺴﻮف أﺷﺘﺮي اﻻﺳﻼك واﻻدوات اﻻﺧﺮى ..ان ﺗﺄﺧﯿﺮ ﯾﻮم أو أﺳﺒﻮع أو ﺷﻬﺮ ﻟﻦ ﯾﺆﺛﺮ ﻛﺜﯿﺮا ،وﻣﻦ ﻣﺼﻠﺤﺘﻚ ان
أﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﯾﺼﻔﻮ ذﻫﻨﻲ ﻓﻼ أﺧﺪع ﻓﻲ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ أو اﻷﺳﻌﺎر ..ﻓﺼﺒﺮا وﺛﻖ ﺑﻲ وﻻ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻲ..
ﻓﺎﻟﻤﻐﺎﻣﺮات ﺗﻔﯿﺪﻧﻲ ،وﻗﺪ ردﺗﻨﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة إﻟﻰ ﺷﺒﺎﺑﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻻﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻨﺒﺖ ﻟﻲ أﺳﻨﺎن ﺟﺪﯾﺪة وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة اﻧﻈﺮ
إﻟﻰ اﻟﻤﺮآة وأﻋﺠﺐ ﻛﯿﻒ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﺮد ﺷﻌﺮ رأﺳﻲ ﻟﻮﻧﻪ اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ ،وﯾﺼﺒﺢ أﺳﻮد ﻛﻄﻼء اﻷﺣﺬﯾﺔ.
وﻟﻌﻠﻚ ﺗﺴﺄل ﻟﻤﺎذا أﻛﺘﺐ اﻟﯿﻚ ﻛﻞ ﻫﺬا؟ واﻟﻮاﻗﻊ ..اﻧﻚ ﻟﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻘﺲ اﻟﺬي ﯾﺘﻠﻘﻰ اﻻﻋﺘﺮاف ..وأﻧﺎ ﻻ أﺳﺘﺤﻲ ﻣﻦ
اﻻﻋﺘﺮاف ﻟﻚ ﺑﺬﻧﻮﺑﻲ وآﺛﺎﻣﻲ ..ﻫﻞ ﺗﻌﺮف ﻟﻤﺎذا؟ ﻷﻧﻲ ﻋﻬﺪﺗﻚ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻻ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻤﺎ أﻓﻌﻞ ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ﺧﻄﺄ أم
ﺻﻮاﺑﺎ ..وﻫﺬا ﻣﺎ ﯾﺤﻔﺰﻧﻲ ﻷن أﻗﻮل ﻟﻚ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻓﺎﺻﻎ اﻟﻲ.
ﻛﺎن أﻣﺲ ﻋﯿﺪ أﺣﺪ اﻟﻘﺪﯾﺴﯿﻦ ﻓﻲ ﻗﺮﯾﺔ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ )ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ( ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻲ ﻟﻮﻻ ،وﻫﺬا اﺳﻢ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺴﻤﺮاء:
-ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ ﯾﺎ ﺟﺪي ..دﻋﻨﺎ ﻧﺸﻬﺪ ﺣﻔﻼت اﻟﻌﯿﺪ.
ﻓﺄﺟﺒﺘﻬﺎ:
-اذﻫﺒﻲ أﻧﺖ أﯾﺘﻬﺎ اﻟﺠﺪة اﻟﺼﻐﯿﺮة.
-وﻟﻜﻨﻲ أرﯾﺪ اﻟﺬﻫﺎب ﻣﻌﻚ.
-وأﻧﺎ ﻻ أرﯾﺪ اﻟﺬﻫﺎب ،ﻷﻧﻲ ﻻ أﺣﺐ اﻟﻘﺪﯾﺴﯿﻦ ..اذﻫﺒﻲ وﺣﺪك.
-ﺣﺴﻨﺎ ..ﻟﻦ أذﻫﺐ اذن.
ﻓﻨﻈﺮت إﻟﯿﻬﺎ ﻣﺒﻬﻮﺗﺎ.
-وﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺬﻫﺒﯿﻦ؟
-اذا ﺟﺌﺖ ﻣﻌﻲ ذﻫﺒﺖ واﻻ ﻓﻼ..
-وﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ..أﻟﯿﺴﺖ ﻟﻚ ﻛﻞ اﻟﺤﺮﯾﺔ؟
-ﻛﻼ.
-أﻻ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺣﺮة؟
-ﻛﻼ ..ﻻ أرﯾﺪ..
وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ ﺟﯿﺪا وﺻﺤﺖ ﺑﻬﺎ:
-أﻻ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺣﺮة؟
-ﻛﻼ ..ﻻ أرﯾﺪ أن أﻛﻮن ﺣﺮة.
ﺳﯿﺪي ،اﻧﻨﻲ أﻛﺘﺐ إﻟﯿﻚ ﻫﺬا ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺔ )ﻟﻮﻻ( ﻋﻠﻰ ورق )ﻟﻮﻻ( ..وأﻧﺎ أﻋﺘﻘﺪ أن اﻻدﻣﯿﯿﻦ وﺣﺪﻫﻢ ﻫﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺮﯾﺪون
اﻟﺤﺮﯾﺔ ..وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻻ ﯾﺮوﻧﻬﺎ ..ﻓﺘﺮى ﻫﻞ ﻫﻦ ادﻣﯿﺎت؟
أرﺟﻮ أن ﺗﻜﺘﺐ إﻟﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺴﺮﻋﺔ.
(اﻟﯿﻜﺴﯿﺲ زورﺑﺎ)
ﻣﺎ أن ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺗﻼوة رﺳﺎﻟﺔ زورﺑﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺠﺎذﺑﺘﻨﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻮاﻣﻞ ،ﻓﻠﻢ أدر ﻫﻞ أﻏﻀﺐ ،أم أﺿﺤﻚ ،أم أﻋﺠﺐ ﺑﻬﺬا
اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺪاﺋﻲ اﻟﺬي ﺣﻄﻢ ﻏﻼف اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻌﻨﺎﺻﺮه اﻟﺜﻼﺛﺔ ،اﻟﻤﻨﻄﻖ واﻷﺧﻼق واﻷﻣﺎﻧﺔ ،ووﺻﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ اﻟﻠﺒﺎب.
ﻛﺎن ﯾﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻏﻨﺎء ﻋﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ اﻻ ﻓﻀﯿﻠﺔ واﺣﺪة ﻗﻠﻘﺔ ﺧﻄﺮة ﺗﻠﺢ ﻋﻠﯿﻪ
ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار وﺗﺪﻓﻌﻪ ،داﺋﻤﺎ إﻟﻰ آﺧﺮ اﻟﺤﺪود وإﻟﻰ اﻟﻬﻮة.
ﻏﻤﻐﻤﺖ أﻗﻮل:
-ﺑﺎرك اﷲ ﻓﻲ زورﺑﺎ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺠﺴﺪ ﺟﻤﯿﻊ اﻵراء واﻟﺨﻮاﻃﺮ اﻟﻤﺠﺮدة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﻞ ﻓﻲ داﺧﻠﻲ ..ﻓﯿﻤﻨﺤﻬﺎ ﻫﯿﻜﻼ ﺣﯿﺎ
داﻓﺌﺎ ..وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻫﻨﺎ ،ﺗﻀﻄﺮب آراﺋﻲ وﺧﻮاﻃﺮي ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ..
وﺗﻨﺎوﻟﺖ ورﻗﺔ وﻗﻠﻤﺎ ،وﻛﺘﺒﺖ ﻫﺬه اﻟﺒﺮﻗﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺜﺖ ﺑﻬﺎ إﻟﯿﻪ:
" -ﻋﺪ ﻓﻮرا".
ﺑﻌﺪ ﻇﻬﺮ ﯾﻮم اﻟﺴﺒﺖ ،وﻫﻮ اﻟﯿﻮم اﻷول ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻣﺎرس ،ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺒﺤﺮ وﺑﯿﺪي ﻛﺘﺎب
اﻗﺮأه ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻓﺠﺄة وﻗﻊ أﻗﺪام ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﻰ .ﻓﺮﻓﻌﺖ ﻋﯿﻨﻲ ،ورأﯾﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺠﻮز ﻣﻘﺒﻠﺔ ﺗﺘﺪﺣﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻻﻫﺜﺔ اﻻﻧﻔﺎس ﺑﺎدﯾﺔ اﻟﻘﻠﻖ ،وﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر:
-أﻟﻢ ﺗﺼﻠﻚ رﺳﺎﻟﺔ؟
ﻓﻨﻬﻀﺖ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ ،وأﺟﺒﯿﻬﺎ ﺿﺎﺣﻜﺎ:
-ﻧﻌﻢ ،وﻫﻮ ﯾﺒﻌﺚ اﻟﯿﻚ ﺑﺘﺤﯿﺘﻪ ،وﯾﻘﻮل اﻧﻪ ﯾﻔﻜﺮ ﻓﯿﻚ ﻟﯿﻞ ﻧﻬﺎر ،وﻻ ﯾﻄﯿﺐ ﻟﻪ ﻃﻌﺎم أو ﺷﺮاب ،وان اﻟﻔﺮاق ﯾﺸﻖ ﻋﻠﯿﻪ.
ﻓﺼﺎﺣﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻌﺴﺔ وﻫﻲ ﺗﻠﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ:
-أﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﻮﻟﻪ؟
وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﺳﻒ ﻟﻬﺎ ،وأﺧﺮﺟﺖ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﯿﺒﻲ ،وﺗﻈﺎﻫﺮت ﺑﺎﻧﻨﻲ أﻗﺮأﻫﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺜﺮت ﺑﺎﻟﻜﻼم ،ﺗﻈﺎﻫﺮت ﺑﺄن اﻟﺨﻂ
ﻣﻀﻄﺮب وﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻗﺮاءﺗﻪ:
وﺗﻠﻮت ﻋﻠﯿﻬﺎ:
"ذﻫﺒﺖ أﻣﺲ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ اﻟﺮﺧﯿﺼﺔ ﻷﺗﻨﺎول ﻏﺬاﺋﻲ وﻛﻨﺖ ﺟﺎﺋﻌﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻣﺎ ﻛﺪت أدﺧﻞ اﻟﻤﻄﻌﻢ ﺣﺘﻰ وﻗﻊ ﺑﺼﺮي
ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺎة ﻓﺎﺗﻨﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻠﻜﺔ ﺟﻤﺎل .وﻣﻦ ﻋﺠﺐ اﻧﻬﺎ ﺗﺸﺒﻪ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﺑﺪأت اﻟﺪﻣﻮع ﺗﻨﻬﻤﺮ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻲ،
وﻟﻢ أﻗﻮ ﻋﻠﻰ اﺑﺘﻼع اﻟﻄﻌﺎم ﻓﺘﺮﻛﺘﻪ دون أن أﺗﻨﺎول ﻣﻨﻪ ﺷﯿﺌﺎً .وﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﺮي أﻧﻨﻲ ﻗﺼﺪت ﻓﻮرا إﻟﻰ ﻛﻨﯿﺴﺔ اﻟﻘﺪﯾﺲ
ﻣﯿﻨﺎس ،وﻫﻨﺎك أﺷﻌﻠﺖ ﺷﻤﻌﺔ ،وﺟﺜﻮت ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ واﺑﺘﻬﻠﺖ إﻟﻰ اﷲ ﻗﺎﺋﻼً اﻟﻠﻬﻢ اﺑﻌﺚ إﻟﻲ ﺑﻨﺒﺄ ﻋﻦ اﻟﻤﻼك اﻟﺬي أﺣﺒﻪ،
واﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ أن ﺗﺘﻼﻗﻰ أﺟﻨﺤﺘﻨﺎ ﻓﻲ أﻗﺮب وﻗﺖ.
وﻫﻨﺎ أﺷﺮق وﺟﻪ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ واﻧﻔﺠﺮت ﺿﺎﺣﻜﺔ ،ﻓﺘﻮﻗﻔﺖ ﻋﻦ اﻟﻜﻼم وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻟﻜﻲ اﻛﺘﺴﺐ ﻓﺴﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ اﺧﺘﺮع ﻓﯿﻬﺎ
ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻷﻛﺎذﯾﺐ:
-ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻀﺤﻚ ﯾﺎ ﺳﯿﺪﺗﻲ؟ ﻛﻨﺖ أﻇﻨﻚ ﺳﺘﺒﻜﯿﻦ ﺗﺄﺛﺮا.
-آه ..ﻟﻮ ﻋﻠﻤﺖ.
-ﻣﺎذا؟
-اﻻﺟﻨﺤﺔ!! ﻟﻘﺪ اﻋﺘﺎد اﻟﻮﻏﺪ ﻓﻲ ﺧﻠﻮﺗﻨﺎ أن ﯾﺴﻤﻲ أﻗﺪاﻣﻨﺎ أﺟﻨﺤﺔ ..وﻫﺎ ﻫﻮ ﯾﻘﻮل :اﻟﻠﻬﻢ اﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ أن ﺗﺘﻼﻗﻰ أﺟﻨﺤﺘﻨﺎ
ﻓﻲ أﻗﺮب وﻗﺖ ..ﻫﺎ ..ﻫﺎ ..ﻫﺎ..
-اﺳﺘﻤﻌﻲ إﻟﻰ ﻣﺎﯾﻠﻲ وﺳﻮف ﺗﺪﻫﺸﯿﻦ.
وﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻘﺮاءة :ﻣﺮرت اﻟﯿﻮم ﺑﺤﺎﻧﻮت ﺣﻼق ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ ﻋﻄﺮة ..ﻓﺘﺬﻛﺮت ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر
وﺑﻜﯿﺖ ..أواه ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..اﻧﻨﻲ اﻛﺎد أﺟﻦ ..ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﻓﺮاﻗﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ اﻟﻤﺮأة وﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ دﻻﺋﻞ اﻟﺴﻌﺎدة وﻗﺎﻟﺖ:
-أﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﺷﯿﺌﺎً آﺧﺮ؟
-وﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﯾﺎ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ..ان اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻫﻨﺎك ..اﻧﻈﺮي ..ارﺑﻊ ﺻﻔﺤﺎت ﻓﻲ رﻛﻦ ﻛﻞ ﺻﻔﺤﺔ
ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻮرة ﻗﻠﺐ.
-أﻫﺬا ﻛﻞ ﺷﻲء!
ورأﯾﺖ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﺮاﻫﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲ ﺣﯿﻮان ﻓﻲ ﻣﺄزق ﻓﺄﺧﺬﺗﻨﻲ اﻟﺸﻔﻘﺔ وﻗﻠﺖ:
-اﻧﻪ ﯾﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﯿﻢ ﻣﻦ اﻻﻫﻤﯿﺔ وﻟﺬﻟﻚ اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﻪ ﻟﻠﻨﻬﺎﯾﺔ.
-ﻣﺎ ﻫﻮ؟
-ﯾﻘﻮل اﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻌﻮد ،ﺳﯿﺠﺜﻮ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ أﻣﺎﻣﻚ وﯾﺘﻮﺳﻞ إﻟﯿﻚ واﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ ان ﺗﻘﺒﻠﯿﻪ زوﺟﺎ ..اﻧﻪ ﯾﺮﯾﺪ أن
ﯾﺠﻌﻞ ﻣﻨﻚ زوﺟﺘﻪ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ زورﺑﺎ .ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻔﺘﺮﻗﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺑﺪا.
وﻫﻨﺎ اﻣﺘﻸت ﻋﯿﻨﺎﻫﺎ ﺣﻘﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ..دﻣﻮع اﻟﻔﺮح ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻻﻣﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ راودﺗﻬﺎ ﻃﻮل ﺣﯿﺎﺗﻬﺎ ..وﻫﻲ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﻨﻮم
ﻓﻲ ﻓﺮاش ﺷﺮﻋﻲ ..وﻻ ﺷﻲء أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻠﻬﺠﺔ ﺳﯿﺪة ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺗﺘﻨﺎزل ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل:
-ﺣﺴﻨﺎ ،ﻗﺒﻠﺖ ،اﻧﻤﺎ أرﺟﻮك ان ﺗﻜﺘﺐ إﻟﯿﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮﯾﺔ زﻫﻮر ﺑﺮﺗﻘﺎل ﻟﺜﻮب اﻟﺰﻓﺎف ،وﯾﺠﺴﻦ ﺑﻪ ان ﯾﺸﺘﺮﯾﻬﺎ
ﻣﻦ )ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ( ..ﻗﻞ ﻟﻪ ﻛﺬﻟﻚ ان ﯾﺸﺘﺮي ﺷﻤﻌﺘﯿﻦ ﻛﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ،وﺷﺮﯾﻄﺎ أﺣﻤﺮ ،وﻻ ﺑﺄس ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺤﻠﻮى ..وﻋﻠﯿﻪ ﻛﺬﻟﻚ ان
ﯾﺸﺘﺮي ﺛﻮب اﻟﺰﻓﺎف وﺟﻮاري ﺣﺮﯾﺮﯾﺔ ..وﺣﺬاء ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺗﺎن اﻻﺑﯿﺾ ..ﻗﻞ ﻟﻪ ان ﻟﺪﯾﻨﺎ اﻏﻄﯿﺔ ﻟﻠﻔﺮاش واﻧﻪ ﻻ ﺿﺮورة
ﻟﺮاء اﻏﻄﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة.
وﻫﻜﺬا ﺑﺪأت ﺑﺎﺻﺪار اﻻواﻣﺮ ،واﻋﺪاد ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺎت ،زﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ﺻﺒﯿﺎ ﺗﺄﻣﺮه ﺑﺄن ﯾﺸﺘﺮي ﻫﺬا وذاك ﻓﯿﻄﯿﻊ.
واﻋﺘﺪﻟﺖ ﻓﻲ رﻗﻔﺘﻬﺎ ،وﺑﺪت ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻫﯿﺒﺔ اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺘﺰوﺟﺔ اﻟﻜﺮﯾﻤﺔ.
ﻗﺎﻟﺖ:
-أرﯾﺪ أن أﺳﺄﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎ ﻫﺎﻣﺎ..
-ﺗﻜﻠﻤﻲ ﯾﺎ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ..اﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻚ.
-أﻧﺎ وزورﺑﺎ ﻧﺤﺒﻚ وﻧﺤﺘﺮﻣﻚ ،ﻓﺎﻧﻚ رﺟﻞ ﻛﺮﯾﻢ وﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﻣﻌﺮة ﻟﻨﺎ ،ﻓﻬﻞ ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ ان ﺗﻜﻮن ﺷﺎﻫﺪ اﻟﺰواج؟
-ﯾﺸﺮﻓﻨﻲ ان اﻛﻮن ﺷﺎﻫﺪ اﻟﺰواج ﯾﺎ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ.
-ﺣﺴﻨﺎ ،ﻃﺎب ﻣﺴﺎؤك ،ارﺟﻮ ان ﯾﻌﺠﻞ ﺑﺎﻟﻌﻮدة اﻟﯿﻨﺎ.
ورأﯾﺘﻬﺎ ﺗﺒﺘﻌﺪ ،وﺗﺨﺘﺎل ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺘﻬﺎ وﺗﺘﻤﺎﯾﻞ ﻛﻔﺘﺎة ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺸﻲ ﺑﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺔ ،وﺣﺬاؤﻫﺎ ﯾﺘﺮك ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل أﺛﺮا ﻋﻤﯿﻘﺎ..
وﻣﺎ ﻛﺎدت ﺗﺘﻮارى ﻋﻦ ﻋﯿﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺖ ﺟﻠﺒﺔ ﺷﺪﯾﺪة وﺻﺮاﺧﺎ ﯾﺸﻖ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﺟﻨﺎزة،
ﻓﺘﺴﻠﻘﺖ اﺣﺪى اﻻﺷﺠﺎر ،وﻧﻈﺮت ﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﻣﺼﺪر اﻟﺼﺮاخ ،ورأﯾﺖ ﺑﻌﺾ رﺟﺎل اﻟﻘﺮﯾﺔ وﻧﺴﺎﺋﻬﺎ ﯾﻌﺪون ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ
إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ واﻟﻜﻼب ﺗﻌﻮي وراءﻫﻢ ،ﻛﺬﻟﻚ رأﯾﺖ ﺛﻼﺛﺔ رﺟﺎل ﯾﻤﺘﻄﻮن اﻟﺠﯿﺎد وﯾﺴﺒﻘﻮن أﻫﻞ اﻟﻘﺮﯾﺔ وﻓﻲ اﺛﺮﻫﻢ ﺳﺤﺐ
ﻛﺜﯿﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺒﺎر.
ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
-ﻻ ﺑﺪ ان ﺣﺎدﺛﺎ وﻗﻊ.
واﻧﻄﻠﻘﺖ اﻋﺪو ﻧﺤﻮ اﻟﺨﻠﯿﺞ.
وﻓﺠﺄة رأﯾﺖ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ﻣﻘﺒﻠﺔ ﻧﺤﻮي وﻫﻲ ﺗﻠﻬﺚ ،وﺗﺒﻜﻲ وﺗﺼﯿﺢ:
وﺗﻌﺜﺮت وﻛﺎدت ان ﺗﺴﻘﻂ ،ﻓﺄﻣﺴﻜﺖ ﺑﻬﺎ ،وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ:
-ﻣﺎذا ﺣﺪث ..وﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﯿﻦ؟
-اﻧﻨﻲ ﺧﺎﺋﻔﺔ.
-ﻣﻢ؟
-ﻣﻦ اﻟﻤﻮت.
وﻻ ﺑﺪ اﻧﻬﺎ ﺷﻤﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء وأردت أن أﺳﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺮ ﻣﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻣﺘﻨﻌﺖ وﻗﺎﻣﺖ
وﺻﺎﺣﺖ:
-ﻛﻼ ..ﻛﻼ ..ﻻ أرﯾﺪ.
وﺟﺮت ﻧﻔﺴﻬﺎ إﻟﻰ اﺣﺪى اﺷﺠﺎر اﻟﺰﯾﺘﻮن ،وﺟﻠﺴﺖ ﺗﺤﺘﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﺮﺗﺠﻒ..
ﻗﻠﺖ:
-اذﻫﺐ اﻧﺖ ،وﺳﺄﻧﺘﻈﺮك ﻫﻨﺎ..
ﻓﺄﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ ،وﻛﺎن اﻟﺼﺮاخ واﻟﻨﺤﯿﺐ ووﻟﻮﻟﺔ اﻟﻨﺎدﺑﺎت ﯾﺰداد وﺿﻮﺣﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺪﻣﺖ ،ورأﯾﺖ ﻣﯿﻤﯿﻜﻮ ﯾﻤﻀﻲ
ﻣﺴﺮﻋﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻲ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﺎذا ﺣﺪث ﯾﺎ ﻣﯿﻤﯿﻜﻮ؟
ﻓﺼﺎح دون ان ﯾﺘﻮﻗﻒ:
-ﻟﻘﺪ اﻏﺮق ﻧﻔﺴﻪ.
-ﻣﻦ؟
-ﺑﺎﻓﯿﻞ ،اﺑﻦ ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ.
-ﻟﻤﺎذا؟
-اﻻرﻣﻠﺔ..
وﻟﻢ ﯾﺰد ..وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻠﻤﺔ دوت ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء واوﻣﺄت ﺿﻤﻨﺎ إﻟﻰ ﺟﺴﺪ اﻻرﻣﻠﺔ وﺧﻄﻮرة ﻓﺘﻨﺘﻪ.
ووﺻﻠﺖ اﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ ،ووﺟﺪت ﻫﻨﺎك ﺟﻤﯿﻊ أﻫﻞ اﻟﻘﺮﯾﺔ .اﻟﺮﺟﺎل ﺣﺎﺳﺮوا اﻟﺮؤوس ﺻﺎﻣﺘﻮن ،واﻟﻨﺴﺎء ﯾﻤﺰﻗﻦ ﺷﻌﻮرﻫﻦ
وﯾﻮﻟﻮﻟﻦ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻒ ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ ﺑﻼ ﺣﺮاك اﻣﺎم ﺟﺜﺔ ﻣﻨﺘﻔﺨﺔ ﻣﺴﺠﺎة ﻓﻮق رﻣﺎل اﻟﺸﺎﻃﺊ.
ﻛﺎن اﻟﺸﯿﺦ ﯾﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ﺑﺎﺣﺪى ﯾﺪﯾﻪ ،وﯾﻤﺴﻚ ﺑﯿﺪه اﻻﺧﺮى ﻟﺤﯿﺘﻪ اﻟﺒﯿﻀﺎء.
وﺻﺎح ﻓﺠﺄة ﺻﻮت ﺛﺎﻗﺐ:
-ﻟﻌﻨﺔ اﷲ ﻋﻠﯿﻚ اﯾﺘﻬﺎ اﻷرﻣﻠﺔ ..وﺳﻮف ﺗﺪﻓﻌﯿﻦ ﺛﻤﻦ ﻫﺬا.
ووﺛﺒﺖ اﻣﺮأة وﻗﻔﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺟﺎل وﺻﺎﺣﺖ:
-أﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ رﺟﻞ ﯾﻠﻘﯿﻬﺎ ارﺿﺎ وﯾﺬﺑﺤﻬﺎ ذﺑﺢ اﻟﺸﺎة؟ ﺗﺒﺎ ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﺟﺒﻨﺎء!!
وﺑﺼﻘﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﺎل ،اﻟﺬﯾﻦ راﺣﻮا ﯾﻨﻈﺮون اﻟﯿﻬﺎ وﻻ ﯾﻨﻄﻘﻮن.
وأﺧﯿﺮا اﺟﺎﺑﻬﺎ ﻛﻮﻧﺪوﻣﺎﻧﻮﻟﯿﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻘﻬﻰ ﺑﻘﻮﻟﻪ:
-ﻻ ﺗﺤﻘﺮﯾﻨﺎ ﯾﺎ ﻛﺎﺗﺮﯾﻨﺎ ..ﻻ ﺗﺤﻘﺮﯾﻨﺎ اﯾﺘﻬﺎ اﻟﻤﻌﺘﻮﻫﺔ ﻓﻼ ﯾﺰال ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ رﺟﺎل وﺳﻮف ﺗﺮﯾﻦ.
وﻟﻤﺎ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺼﺤﺖ ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻋﺎر ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎ ..ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة ﻟﺘﺴﺄل ﻋﻤﺎ ﺣﺪث؟ وﻣﺎ ﺣﺪث ﻛﺎن ﻣﻘﺪرا ..أﻓﻼ ﺗﺨﺸﻮن اﷲ؟
وﻟﻜﻦ اﺣﺪا ﻟﻢ ﯾﺠﺐ.
واﻧﺤﻨﻰ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ،اﺑﻦ ﻋﻢ اﻟﻐﺮﯾﻖ ،وﺣﻤﻞ اﻟﺠﺜﺔ ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻋﺪﯾﻪ ،وﺳﺎر ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ،وﺗﺒﻌﺘﻪ اﻟﻨﺴﺎء وﻫﻦ
ﯾﺼﺮﺧﻦ وﯾﺨﺪﺷﻦ وﺟﻮﻫﻬﻦ وﯾﻤﺰﻗﻦ ﺷﻌﺮﻫﻦ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ اﻟﻤﻮﻛﺐ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ.
واﺧﯿﺮا اﺧﺘﻔﻰ اﻟﻤﻮﻛﺐ ﻓﻲ اﻟﻐﺴﻘﻦ وﺳﺎد اﻟﺼﻤﺖ واﻟﺴﻜﻮن ..ﻓﻨﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ووﺟﺪﺗﻨﻲ وﺣﯿﺪا..
وﻓﻜﺮت وﻟﻢ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻣﻦ اﻻﻋﺠﺎب ﺑﺎوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﺟﺮﻓﺘﻬﻢ دواﻣﺔ اﻻﻻم اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻘﺮﯾﺔ ..ﻫﻮرﺗﻨﺲ وزورﺑﺎ
واﻻرﻣﻠﺔ وﺑﺎﻓﻠﻲ اﻟﺬي أﻟﻘﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ ﻟﯿﻐﺮق اﺣﺰاﻧﻪ ،وﻛﺎﺗﺮﯾﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺣﻀﺖ رﺟﺎل اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ذﺑﺢ
اﻻرﻣﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺬﺑﺢ اﻟﺸﺎة ،وﻣﺎﻓﺮ اﻧﺪوﻧﻲ اﻟﺬي رﻓﺾ ﺑﺎﺑﺎء ان ﯾﺒﻜﻲ ،او ﺣﺘﻰ ان ﯾﺘﺤﺪث اﻣﺎم اﻵﺧﺮﯾﻦ.
اﻧﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻏﻀﺐ وﻟﻢ ﯾﻐﻞ اﻟﺪم ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ ..ﺑﻞ وﻟﻢ أﺣﺐ ﻗﻂ ﺑﻘﻮة وﻟﻢ أﻛﺮه ﺑﻘﻮة ..اﻧﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي اردت
ﺗﺼﻔﯿﺔ اﻷﻣﺮ ﺑﺴﻼم وﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻦ ،ﻓﺎﻟﻘﯿﺖ اﻟﺘﺒﻌﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪر.
وﺣﺎﻧﺖ ﻣﻨﻲ اﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ،ﻓﺮأﯾﺖ اﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ﻻ ﯾﺰال ﻫﻨﺎك ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة ﺑﺠﻮار اﻟﺸﺎﻃﺊ ،وﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﻓﻄﻨﺖ اﻟﯿﻪ ﺑﻌﺪ
رﺣﯿﻞ اﻟﻤﻮﻛﺐ.
ﻛﺎن ﯾﺴﻨﺪ ذﻗﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎه ،وﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻨﺎدﯾﺘﻪ وﻟﻢ ﯾﺴﻤﻌﻨﻲ ﻓﺬﻫﺒﺖ إﻟﯿﻪ ،ورآﻧﻲ ،وﻫﺰ رأﯾﻪ وﻏﻤﻐﻢ ﻗﺎﺋﻼ:
-وا أﺳﻔﺎه ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻔﺘﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﻫﺪرت ..ﻣﺴﻜﯿﻦ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب ،ﻟﻢ ﯾﺤﺘﻤﻞ اﺣﺰاﻧﻪ ﻓﺄﻟﻘﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ وﻏﺮق..
وﻫﻜﺬا ﻧﺠﺎ.
-ﻧﺠﺎ؟ ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ؟
-ﻧﻌﻢ ﯾﺎ ﺑﻨﻲ ..اﻧﻪ ﻧﺠﺎ ..ﻣﺎذا ﻛﺎن ﺑﻮﺳﻌﻪ ان ﯾﻔﻌﻞ ﺑﺤﯿﺎﺗﻪ ﻟﻮ اﻧﻪ ﺗﺰوج اﻻرﻣﻠﺔ ،ﻟﺤﺪﺛﺖ ﺧﻼﻓﺎت وﻣﻌﺎرك ،ورﺑﻤﺎ ﺣﺪث
ﻋﺪوان ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮض ،وﺗﻠﻮﯾﺚ ﻟﻠﺸﺮف ،ان اﻻرﻣﻠﺔ اﻣﺮأة ﻣﺜﯿﺮة وﻓﺎﺟﺮة ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى رﺟﻼ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺘﻬﯿﻪ.
واذا ﻟﻢ ﯾﺘﺰوﺟﻬﺎ ﻗﻀﻰ ﺣﯿﺎﺗﻪ ﺣﺰﯾﻨﺎ ﻣﻌﺬﺑﺎ ..ﻓﻤﻮﻗﻔﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ﻛﺎن ﻛﻤﻮﻗﻒ رﺟﻞ ﯾﻘﻒ ﺑﯿﻦ ﻫﻮﺗﯿﻦ اﺣﺪاﻫﻤﺎ اﻣﺎﻣﻪ،
واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ وراءه.
-ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻫﻜﺬا اﯾﻬﺎ اﻟﻌﻢ اﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ ،اﻧﻚ ﺗﻮﻗﻊ اﻟﯿﺄس ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻣﻦ ﯾﺴﻤﻌﻚ.
-ﻻ ﺗﺠﺰع ﯾﺎ وﻟﺪي ،ﻓﻠﯿﺲ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺴﻤﻌﻨﻲ ﺳﻮاك ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺳﻤﻌﻮﻧﻲ ،ﻫﻞ ﺗﻈﻨﻬﻢ ﯾﺼﺪﻗﻮﻧﻨﻲ؟ ..اﺻﻎ اﻟﻲ ..ﻫﻞ ﻓﻲ
ﻫﺬه اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﻫﻮ أﺳﻌﺪ ﻣﻨﻲ؟ اﻧﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﺣﻘﻼ ﻛﺒﯿﺮا وﻋﺪدا ﺿﺨﻤﺎ ﻣﻦ اﺷﺠﺎر اﻟﺰﯾﺘﻮن واﻟﻌﻨﺐ ،واﻣﻠﻚ ﺑﯿﺘﺎ ذا ﻃﺎﺑﻘﯿﻦ
وﻟﻲ زوﺟﺔ ﻛﺮﯾﻤﺔ ودﯾﻌﺔ ﻟﻢ ﺗﺮﻓﻊ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ﻓﻲ وﺟﻬﻲ ﻗﻂ ،وﻗﺪ رزﻗﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﺑﻨﺎء ﻋﺪﯾﺪﯾﻦ ،اﺻﺒﺤﻮا ﺑﺪورﻫﻢ آﺑﺎء
ﻛﺮاﻣﺎ ..وﻟﯿﺲ ﻫﻨﺎك ﻣﺎ أﺷﻜﻮ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻤﺎذا أرﯾﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ! وﻣﻊ ﻫﺬا ﻓﺎﻧﻨﻲ ﻟﻮ ﺑﺪات ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻓﻠﻦ اﺗﺮدد ﻓﻲ
وﺿﻊ ﺣﺠﺮ ﺣﻮل ﻋﻨﻘﻲ واﻟﻘﺎء ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﺎﻓﻠﻲ ..ان اﻟﺤﯿﺎة ﺷﺎﻗﺔ ﯾﺎ وﻟﺪي ..ﻟﻌﻨﺔ اﷲ ﻋﻠﯿﻬﺎ.
-وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﯾﻨﻘﺼﻚ اﯾﻬﺎ اﻟﻌﻢ اﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ؟ وﻣﻢ ﺗﺸﻜﻮ؟
-ﻻ ﯾﻨﻘﺼﻨﻲ ﺷﻲء ..وﻟﻜﻦ اذﻫﺐ ،وﺳﻞ ﻗﻠﻮب اﻟﺮﺟﺎل وﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺔ ،وﻧﻈﺮ اﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﻈﻠﻢ وﺻﺎح:
-اﻧﻚ أﺣﺴﻨﺖ ﺻﻨﻌﺎ ﯾﺎ ﺑﺎﻓﻠﻲ ..دع اﻟﻨﺴﺎء ﯾﺼﺮﺧﻦ وﯾﻮﻟﻮﻟﻦ ...ﻓﻬﻦ ﻧﺴﺎء ﺑﻼ ﻋﻘﻞ ..ﻟﻘﺪ ﻧﺠﻮت اﻻن ﯾﺎ ﺑﺎﻓﻠﻲ واﺑﻮك
ﯾﻌﻠﻢ ذﻟﻚ .وﻟﻬﺬا ﻟﻢ ﯾﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ.
وﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،ﺛﻢ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺬي ﻟﻔﻪ اﻟﻈﻼم وﻗﺎل:
-ﻟﻘﺪ ﻫﺒﻂ اﻟﻠﯿﻞ وﯾﺤﺴﻦ ﺑﻲ ان اﻋﻮد.
وﺻﻤﺖ ﻓﺠﺄة ،وﺑﺪا ﻋﻠﯿﻪ ﻛﺎﻧﻪ ﻧﺪم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎل واﻧﻪ ﻗﺪ اﻓﺸﻰ ﺳﺮا ﻋﻈﯿﻤﺎ وﯾﺮﯾﺪ اﻵن ان ﯾﺘﺮاﺟﻊ ..ﻓﺎﻟﻘﻰ ﺑﯿﺪه ﻋﻠﻰ
ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎل:
-اﻧﻚ ﻻ ﺗﺰال ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻼ ﺗﻘﻢ وزﻧﺎ ﻟﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﻪ اﻟﻌﺠﻮز ،وﻟﻮ ﻋﻤﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻜﻼم اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ﻟﺨﺮﺑﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ.
اذا ﻗﺎﺑﻠﺘﻚ ارﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﻼ ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ ..ﺗﺰوج ،واﻧﺠﺐ اﻃﻔﺎﻻ .وﻻ ﺗﺘﺮدد ..اﻧﻤﺎ ﺧﻠﻘﺖ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ ﻟﻠﺸﺒﺎب.
ووﺻﻠﺖ اﻟﻰ اﻟﻜﻮخ واوﻗﺪت ﻧﺎرا واﻋﺪدت ﻗﺪﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎي .ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻌﺒﺎ وﺟﺎﺋﻌﺎ ،ﻓﺄﻛﻠﺖ ﺑﻨﻬﻢ ،وارﺿﯿﺖ ﻏﺮاﺋﺰي
اﻟﺤﯿﻮاﻧﯿﺔ.
وﻓﺠﺎة ،رأﯾﺖ ﻣﯿﻤﯿﻜﻮ ﯾﻄﻞ ﺑﺮأﺳﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة وﯾﺒﺘﺴﻢ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺮ.
ﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﺎذا ﺟﺎء ﺑﻚ ﯾﺎ ﻣﯿﻤﻜﻮ؟
-ﻟﻘﺪ أﺣﻀﺮت ﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻻرﻣﻠﺔ ..ﺳﻠﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺒﺮﺗﻘﺎل ،ﻗﺎﻟﺖ اﻧﻬﺎ اﺧﺮ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﺜﻤﺎر ﻓﻲ ﺣﺪﯾﻘﺘﻬﺎ.
ﻓﻬﺘﻔﺖ واﻧﺎ ﻣﺒﻬﻮت:
-ﺗﻘﻮل ﻣﻦ اﻻرﻣﻠﺔ؟ وﻟﻤﺎذا ﺑﻌﺜﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻲ؟
-ﻣﻦ اﺟﻞ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﺗﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮوﯾﯿﻦ ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم ..ﻫﻜﺬا ﻗﺎﻟﺖ.
-أﯾﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﻃﯿﺒﺔ؟
-وﻛﯿﻒ أﻋﻠﻢ؟ اﻧﻨﻲ اﻧﻘﻞ اﻟﯿﻚ ﻋﺒﺎراﺗﻬﺎ ..وﻻ ﺷﻲء ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ.
واﻓﺮغ اﻟﺴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش واﻣﺘﻸت اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل.
-ﻗﻞ ﻟﻬﺎ اﻧﻨﻲ اﺷﻜﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﺟﻞ ﻫﺬه اﻟﻬﺪﯾﺔ ،واﻧﻨﻲ اﻧﺼﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﺬر ،وأﻻ ﺗﺬﻫﺐ اﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻈﺮوف ..ﻫﻞ ﺳﻤﻌﺖ؟ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﻬﺎ ان ﺗﻠﺰم ﺑﯿﺘﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ رﯾﺜﻤﺎ ﺗﻬﺪأ اﻟﻨﻔﻮس وﯾﻨﺴﻰ اﻟﻨﺎس ﻫﺬا اﻟﺤﺎدث اﻟﻤﺆﻟﻢ..
ﻫﻞ ﻓﻬﻤﺘﻨﻲ ﯾﺎ ﻣﯿﻤﯿﻜﻮ؟
-ﻫﻞ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ؟
-ﻧﻌﻢ ..وﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ ان ﺗﺬﻫﺐ اﻻن.
ﻓﻐﻤﺰ ﻣﯿﻤﯿﻜﻮ ﺑﻌﯿﻨﻪ وﺳﺄل ﻣﺮة أﺧﺮى:
-ﻫﻞ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪ؟
-اذﻫﺐ ﻋﻨﻲ.
ﻓﺎﻧﺼﺮف وﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺑﺮﺗﻘﺎﻟﺔ وأزﻟﺖ ﻗﺮﺗﻬﺎ ..ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻠﻮة ﻛﺎﻟﻌﺴﻞ.
وﺗﻤﺪدت ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ واﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ،ورأﯾﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺮى اﻟﻨﺎﺋﻢ اﻧﻨﻲ اﺗﺠﻮل ﻓﻲ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﺑﺮﺗﻘﺎل ،واﻧﻨﻲ ﻓﻼح ﻓﻲ
اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ..واﻧﻨﻲ اﻣﺸﻲ ﺑﯿﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل واﺻﻔﺮ ﺑﻔﻤﻲ واﻧﺘﻈﺮ ..ﻓﻤﻦ ﻛﻨﺖ اﻧﺘﻈﺮ؟ ﻻ أﻋﻠﻢ.
وﻟﻜﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻛﺎن ﯾﻔﯿﺾ ﺑﺎﻟﻔﺮح..
ﻓﻔﺘﻠﺖ ﺷﺎرﺑﻲ ،وﻗﻀﯿﺖ اﻟﻠﯿﻞ ﻛﻠﻪ اﻧﺼﺖ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ وﻫﻮ ﯾﺘﻨﻬﺪ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻨﻬﺪ اﻣﺮأة وراء ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ
ﻋﺪت ﻓﻲ ﻣﺴﺎء أﺣﺪ اﻷﯾﺎم ﻣﻦ ﺟﻮﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ وﻣﺎ ﻛﺪت أدﻧﻮ ﻣﻦ اﻟﻜﻮخ ﺣﺘﻰ رأﯾﺖ اﻟﻨﻮر ﯾﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺗﻪ ،
ﻓﺄدرﻛﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،واﻟﺴﻌﺎدة ﺗﻤﻸ ﺟﻮاﻧﺤﻲ ..ان زورﺑﺎ ﻗﺪ ﻋﺎد أﺧﯿﺮا.
وﻫﻤﻤﺖ ﺑﺄن أﻋﺪو إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ وﻟﻜﻨﻲ أﻣﺴﻜﺖ وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﯾﺠﺐ أن أﺧﻔﻲ ﺳﺮوري ،وأﺗﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻀﯿﻖ ،وأﺗﺤﺪث
إﻟﯿﻪ ﻓﻲ ﺷﺪه وﻗﺴﻮة ،ﻓﻘﺪ أرﺳﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻓﺒﺪد ﻧﻘﻮدي ،وﻋﺎش ﻣﻊ اﺣﺪى اﻟﺴﺎﻗﻄﺎت ،وﻫﺎ ﻫﻮ ﯾﻌﻮد ﺑﻌﺪ
اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﯾﻮﻣﺎ ..ﯾﺠﺐ أن أﺗﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻐﻀﺐ ..ﯾﺠﺐ.
وﺣﺎوﻟﺖ ﺟﺎﻫﺪا أن أﻏﻀﺐ ،وﻗﻄﺒﺖ ﺣﺎﺟﺒﻲ ...وأﻃﺒﻘﺖ ﯾﺪي ،وﺣﺎوﻟﺖ أن اﻓﻌﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻐﺎﺿﺐ،
وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أوﻓﻖ ..وﻛﻠﻤﺎ دﻧﻮت ﻣﻦ اﻟﻜﻮخ ،ﺗﻀﺎﻋﻒ ﺷﻌﻮري ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة.
وﺗﺴﻠﻠﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ،وأﻃﻠﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺮأﯾﺖ زورﺑﺎ ﺟﺎﺛﯿﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ أﻣﺎم اﻟﻤﻮﻗﺪ ،وﻫﻮ ﯾﻌﺪ اﻟﻘﻬﻮة:
وذاب ﻗﻠﺒﻲ ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻲ وﺻﺤﺖ:
-زورﺑﺎ.
وﺑﺄﺳﺮع ﻣﻦ ﻟﻤﺢ اﻟﺒﺼﺮ ،ﻛﺎن زورﺑﺎ واﻗﻔﺎ ﺣﺎﻓﻲ اﻟﻘﺪﻣﯿﻦ أﻣﺎم اﻟﻜﻮخ وﻋﯿﻨﺎه ﺗﻔﺘﺸﺎن ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،وﻣﺎ ان ﺗﺒﯿﻦ
وﺟﻬﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﺴﻂ ﺳﺎﻋﺪﯾﻪ ﻟﯿﻌﺎﻧﻘﻨﻲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد ﻓﺎرﺧﺎﻫﻤﺎ وﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺮدد:
-ﯾﺴﺮﻧﻲ أن أراك.
ﻓﺤﺎوﻟﺖ أن أرﻓﻊ ﺻﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ وﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﺳﺎﺧﺮا:
-ﯾﺴﺮﻧﻲ أن أرى أﻧﻚ ﺗﻔﻀﻠﺖ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ..ﻻ ﺗﺪن ﻣﻨﻲ ان راﺋﺤﺔ اﻟﺼﺎﺑﻮن اﻟﻤﻌﻄﺮ ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻚ.
-آه ،ﻟﯿﺘﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﯿﻒ ﺣﻜﻜﺖ ﺟﺴﺪي ﺑﺎﻟﺮﻣﻞ ،ﻟﻜﻲ أﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻠﻌﯿﻨﺔ ..وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺳﺘﺰول ﻣﻊ اﻟﻮﻗﺖ
ﻋﺎﺟﻼ او آﺟﻼ ..وﻫﺬه ﻟﯿﺴﺖ أوﻟﻰ ﺗﺠﺎرﺑﻲ ﻣﻊ اﻟﺼﺎﺑﻮن اﻟﻤﻌﻄﺮ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ وأﻧﺎ أﻗﻬﻘﻪ ﺿﺎﺣﻜﺎ:
-ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ ﻧﺪﺧﻞ.
ودﺧﻠﻨﺎ اﻟﻜﻮخ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﻪ رواﺋﺢ اﻟﻌﻄﺮ واﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ واﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﻬﺘﻔﺖ وأﻧﺎ أﺷﯿﺮ إﻟﻰ ﺻﻨﺪوق ﻣﻠﻲء
ﺑﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﺴﯿﺪات واﻟﺠﻮارب وﻗﻄﻊ اﻟﺼﺎﺑﻮن وزﺟﺎﺟﺎت اﻟﻌﻄﺮ:
-ﻣﺎ ﻛﻞ ﻫﺬا ﺑﺤﻖ اﻟﺴﻤﺎء!!
-ﻫﺪاﯾﺎ..
-ﻫﺪاﯾﺎ؟
-ﻧﻌﻢ ،ﻫﺪاﯾﺎ ﻟﺒﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ،ﻓﺄرﺟﻮ أﻻ ﺗﻐﻀﺐ ..ان ﻋﯿﺪ اﻟﻔﺼﺢ ﯾﻘﺘﺮب ..وﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ اﻣﺮأة ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻠﻢ..
ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺤﺎوﻻ ﻛﺘﻤﺎن اﻟﻀﺤﻚ:
-وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺤﻀﺮ ﻟﻬﺎ أﻫﻢ ﺷﻲء..
-ﻣﺎذا؟
-ﻣﺎذا ..ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ؟ أﻧﺎ ﻻ أﻓﻬﻤﻚ..
وﻫﻨﺎ ﻗﺼﺼﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﻛﯿﻒ ﺧﺪﻋﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻤﺪﻟﻬﺔ ،ﻓﺤﻚ زورﺑﺎ رأﺳﻪ ﺑﺸﺪة وﻗﺎل:
-ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺠﺐ أن ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..اﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ان ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎﺑﺔ ..ان اﻟﻨﺴﺎء ﺿﻌﯿﻔﺎت ورﻗﯿﻘﺎت ﻛﻤﺎ
ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻣﺮارا ..اﻧﻬﻦ أﺷﺒﻪ ﺑﺄواﻧﻲ اﻟﺨﺰف ..وﯾﺠﺐ أن ﯾﻌﺎﻣﻠﻦ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ ورﻓﻖ..
ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ..وﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﺳﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻻوان.
ﻗﻠﺖ ﻻﻏﯿﺮ ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﯾﺚ:
-واﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ؟ واﻻدوات؟
-ﻟﻘﺪ أﺣﻀﺮت ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻼ ﺗﻨﺰﻋﺞ.
ﻗﺎل ذﻟﻚ وﻣﻸ ﻗﺪﺣﻲ ﺑﺎﻟﻘﻬﻮة وﻗﺪم ﻟﻲ ﺑﻌﺾ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﻠﻮى ﻣﻤﺎ أﺣﻀﺮه ﻣﻌﻪ:.
وﻗﺎل:
-ﻻ ﺗﻈﻦ أﻧﻨﻲ ﻧﺴﯿﺘﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﺑﺼﻨﺪوق ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﺤﻠﻮى ..اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﺲ أﺣﺪا ،ﺣﺘﻰ اﻟﺒﺒﻐﺎء اﺣﻀﺮت ﻟﻬﺎ
ﺣﻘﯿﺒﺔ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﻔﻮل اﻟﺴﻮداﻧﻲ.
وﻛﺎن ﯾﺤﺘﺴﻲ اﻟﻘﻬﻮة وﯾﺪﺧﻦ وﯾﺮﻗﺒﻨﻲ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﻛﻌﯿﻨﻲ اﻟﺜﻌﺒﺎن.
ﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻫﻞ ﺣﻠﻠﺖ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﯿﺮﺗﻚ اﯾﻬﺎ اﻟﻮﻏﺪ اﻟﻌﺠﻮز.
-أﯾﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي؟
-ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﺎ اذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأة ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ آدﻣﯿﺎ أم ﻻ.
ﻓﺄﺟﺎب وﻫﻮ ﯾﻠﻮح ﺑﯿﺪه:
-آه ..ﻃﺒﻌﺎ ..ان اﻟﻤﺮأة ﻣﺨﻠﻮق آدﻣﻲ ﻣﺜﻠﻨﺎ ..ﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﻚ ..ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ اﻧﻬﺎ أﺳﻮأ ﻣﻨﺎ ..اﻧﻬﺎ ﺗﺮى ﻧﻘﻮدك
ﻓﺘﻔﻘﺪ ﺻﻮاﺑﻬﺎ ..وﺗﻨﺰل ﻟﻢ ﻋﻦ ﺣﺮﯾﺘﻬﺎ وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ان ﺗﻔﺮغ ﻧﻘﻮدك ..ان اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻌﺮوف وﻻ ﺿﺮورة ﻟﻠﺘﻜﺮار.
ﺛﻢ ﻧﻬﺾ واﻗﻔﺎ واﻟﻘﻰ ﺑﺴﯿﺠﺎرة ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة اﻟﻜﻮخ وﻗﺎل:
-دﻋﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﺣﺪﯾﺜﺎ ﺟﺎدا ..ﻟﻘﺪ أﺣﻀﺮﻧﺎ اﻟﺴﻠﻚ واﻻدوات ..وآن ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﻌﺎﻗﺪ ﻣﻊ اﻟﺪﯾﺮ ﺑﺸﺄن اﻟﻐﺎﺑﺔ ..اﻧﻤﺎ
ﯾﺠﺐ أن ﯾﺘﻢ اﻟﺘﻌﺎﻗﺪ ﻗﺒﻞ اﻗﺎﻣﺔ اﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻐﺎﻟﻮا ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﻢ ..ﻫﻞ ﻓﻬﻤﺘﻨﻲ؟ ﯾﺠﺐ أن ﻧﺒﺪأ اﻟﻌﻤﻞ،
ﻓﺎﻟﻮﻗﺖ ﯾﻤﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ،وﺑﺤﺴﺒﻨﺎ ﻣﺎ أﺿﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺎل ﻓﻲ رﺣﻠﺔ )ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ( ان اﻟﺸﯿﻄﺎن.
وﺻﻤﺖ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻻﺳﻒ ﻟﻪ..
ﻛﺎن أﺷﺒﻪ ﺑﻄﻔﻞ ارﺗﻜﺐ ﺣﻤﺎﻗﺔ وﻟﻢ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﻌﺎﻟﺞ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﺮاح ﯾﺮﺗﺠﻒ.
وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﻋﺎر ﻋﻠﯿﻚ ان ﺗﺪع رﺟﻼ ﻛﻬﺬا ﯾﺮﺗﺠﻒ ﺧﻮﻓﺎ ..اﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ زورﺑﺎ آﺧﺮ.
ﺻﺤﺖ ﺑﻪ:
-دﻋﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﯾﺎ زورﺑﺎ ﻓﻼ ﺷﺄن ﻟﻨﺎ ﺑﻪ ..ان ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻛﺎن ،ﻓﺎﻧﺲ ﻣﺎ ﺣﺪث ..وﺗﻨﺎول اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري.
ﻓﻮﺛﺐ ﻧﺤﻮ اﻟﺠﺪار ﻟﯿﺘﻨﺎول اﻻﻟﺔ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎ ﻛﺎد ﯾﻀﻊ ﯾﺪه ﻋﻠﯿﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺖ وﻗﻊ ﺧﻄﻰ ﺛﻘﯿﻠﺔ ﻓﻲ
اﻟﺨﺎرج ،ﻓﺠﻤﺪ زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ،ورﻓﻊ ﺣﺎﺟﺒﯿﻪ ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ:
-ﯾﺎ ﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ..ﻟﻘﺪ اﺷﺘﻤﺖ اﻟﻜﻠﺒﺔ اﻟﻌﺠﻮز راﺋﺤﺔ زورﺑﺎ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﻓﺠﺎءت ﺗﻄﻠﺒﻪ.
ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أﻧﻬﺾ واﻗﻔﺎ:
-ﻻ أرﯾﺪ ان ﯾﻜﻮن ﻟﻲ ﺷﺄن ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع ..ﺳﺄﻗﻀﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺴﻢ اﻻﻣﺮ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻻ
ﺗﻨﺲ اﻧﻚ وﻋﺪﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺰواج ،ﺣﺬار ان ﺗﻜﺬﺑﻨﻲ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
ﻓﺘﻨﻬﺪ وﻗﺎل:
-أﻻ ﺗﻜﻔﻲ اﻟﺰﯾﺠﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺣﺘﻰ اﺗﺰوج ﻣﺮة أﺧﺮى؟
واﻗﺘﺮﺑﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﺼﺎﺑﻮن اﻟﻤﻌﻄﺮ ﻓﻘﻠﺖ:
-ﺗﺸﺠﻊ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
وﺗﺴﻠﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ
ارﺗﺪى زورﺑﺎ ﺛﯿﺎﺑﻪ وﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻟﯿﺮﻗﺐ ﻣﻘﺪم ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ.
ﻛﻨﺎ ﻗﺪ أﻋﺪدﻧﺎ ﻟﻬﺎ – ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﺠﺪ واﻟﻔﻜﺎﻫﺔ -ﻣﺄدﺑﺔ ﻋﺸﺎء ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء اﻟﻄﻠﻖ ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﯿﺪ اﻟﻔﺼﺢ ،وأﻗﻤﻨﺎ ﻣﻦ
ﻏﺼﻮن اﻻﺷﺠﺎر ﻗﻮس ﻧﺼﺮ ﻟﺘﻤﺮ ﺗﺤﺘﻪ ،وزﯾﻨﺎ اﻟﻘﻮس ﺑﺄﻋﻼم اﻟﺪول اﻻرﺑﻊ اﻟﻜﺒﺮى ،اﻧﺠﻠﺘﺮا وﻓﺮﻧﺴﺎ واﯾﻄﺎﻟﯿﺎ
وروﺳﯿﺎ.
وﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﺪﯾﻨﺎ ﻣﺪاﻓﻊ ﻛﻤﺪاﻓﻊ اﻟﺒﻮارج ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻌﺮﻧﺎ ﺑﻨﺪﻗﺘﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮوﯾﯿﻦ ،واﺗﻔﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ،ﻋﻨﺪ
ﻗﺪوﻣﻬﺎ – ﺑﻮاﺑﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﻠﻘﺎت وﻛﺎن اﻟﻬﺪف ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﻠﻪ – أن ﻧﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻤﻮﺣﺶ اﻟﻤﻬﺠﻮر
ﻟﻤﺤﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺪﻫﺎ اﻟﻘﺪﯾﻢ.
أﻣﺎ اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﻜﺎن ﯾﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺣﻠﻢ ﻣﺸﻮي ،وﻋﺪد ﻻ ﯾﺤﺼﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺾ اﻟﻤﻠﻮن.
ﻗﺎل زورﺑﺎ ﻣﺘﺒﺮﻣﺎً:
-ﻟﻤﺎذا ﺗﺄﺧﺮت ﻫﺬه اﻟﺒﻘﺮة اﻟﻌﺠﻮز.
ﻓﺄﺟﺒﺘﻪ:
-اﻧﻬﺎ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﺣﺘﻤﺎ ..دﻋﻨﺎ ﻧﺪﺧﻦ ﻟﻔﺎﻓﺔ ﺗﺒﻎ رﯾﺜﻤﺎ ﺗﺤﻀﺮ.
ﻓﻘﺎل وﻫﻮ ﯾﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻧﻈﺮة أﺧﯿﺮة:
-أرى ﺻﺒﯿﺎً ﻗﺎدﻣﺎ ﻧﺤﻮﻧﺎ.
ﻗﺎل ذﻟﻚ وﺧﻒ ﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﺼﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وﻧﻬﺾ اﻟﺼﺒﻲ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻊ ﻗﺪﻣﯿﻪ وﻫﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻪ ﻛﻼﻣﺎً
ﻓﺼﺎح زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻏﻀﺐ:
-ﻣﺮﯾﻀﺔ!! ﺗﻘﻮل أﻧﻬﺎ ﻣﺮﯾﻀﺔ؟ اذن ﻓﺎﻏﺮب ﻋﻦ وﺟﻬﻲ ﻗﺒﻞ أن أﺿﺮﺑﻚ.
واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻲ وﻗﺎل:
-ﺳﺄذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻷرى ﻣﺎذا أﺻﺎب اﻟﺒﻘﺮة اﻟﻌﺠﻮز .ﻟﻦ أﻏﯿﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ..أﻋﻄﻨﻲ ﺑﯿﻀﺘﯿﻦ
ﻷﻗﺪﻣﻬﻤﺎ إﻟﯿﻬﺎ.
ووﺿﻊ اﻟﺒﯿﻀﺘﯿﻦ ﻓﻲ ﺟﯿﺒﻪ ..واﻧﻄﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
وﻛﺎن اﻟﻨﺴﯿﻢ ﻋﻠﯿﻼً ،واﻟﺒﺤﺮ ﻣﻀﻄﺮﺑﺎ ..ﻓﺎﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل اﻧﺘﻈﺎراً ﻟﻌﻮدة زورﺑﺎ..
وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ،رأﯾﺘﻪ ﻣﻘﺒﻼً وﻫﻮ ﯾﻔﺘﻞ ﺷﺎرﺑﯿﻪ ،وﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ دﻻﺋﻞ اﻟﺮﺿﻰ.
ﻗﺎل:
-ﻟﻘﺪ أﺻﯿﺒﺖ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ﺑﺒﺮد ﻗﺪ ﯾﻠﺰﻣﻬﺎ اﻟﻔﺮاش ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم ،ﻗﺎﻟﺖ اﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮدد ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻃﯿﻠﺔ اﻻﺳﺒﻮع
اﻷﺧﯿﺮ ﻟﺘﺼﻠﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ ،وﯾﺒﺪو اﻧﻬﺎ أﺻﯿﺒﺖ ﺑﺎﻟﺒﺮد ﺧﻼل ذﻟﻚ ،ﺑﯿﺪ أﻧﻨﻲ دﻟﻜﺖ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺟﯿﺪا ﺑﺎﻟﻜﯿﺮوﺳﯿﻦ
وﺟﺮﻋﺘﻬﺎ ﻛﺄﺳﺎً ﻣﻦ اﻟﺮوم.
وﺟﻠﺴﻨﺎ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم ،ورﻓﻊ زورﺑﺎ ﻗﺪﺣﻪ ﻗﺎﺋﻼً:
ﻟﻨﺸﺮب ﻧﺨﺐ ﺻﺤﺘﻬﺎ ..وﻟﻨﺴﺄل اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻻ ﯾﻘﺒﺾ روﺣﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﯾﻠﺔ أﺧﺮى.
وأﻛﻠﻨﺎ وﺷﺮﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،وﺣﻤﻞ إﻟﯿﻨﺎ اﻟﻨﺴﯿﻢ ﺻﻮت ﻗﺮع اﻟﻄﺒﻮل ﻓﺼﺎح زورﺑﺎ:
-اﻧﻬﻢ ﯾﺮﻗﺼﻮن ﻓﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻓﻬﻠﻢ ﺑﻨﺎ ﻧﺮﻗﺺ ﻣﻌﻬﻢ..
-ﻟﯿﺴﺖ ﻟﻲ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﻗﺺ ..اذﻫﺐ اﻧﺖ وارﻗﺺ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ.
-ﻟﯿﺖ ﻟﻲ ﺷﺒﺎﺑﻚ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ..اذن ﻻﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ رأﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺮ واﻟﻌﻤﻞ واﻟﺤﺐ.
وﺗﻨﺎول ﻋﺼﺎه وﻗﺒﻌﺘﻪ وﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﻣﺸﻔﻘﺎً وﺗﺤﺮﻛﺖ ﺷﻔﺘﺎه ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻀﯿﻒ ﺷﯿﺌﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ
ﯾﺘﻜﻠﻢ ،وﺳﺎر ﻣﺮﻓﻮع اﻟﺮأس ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
وﺷﯿﻌﺘﻪ ﺑﺒﺼﺮي ﺣﺘﻰ ﺗﻮارى ،وﻣﺎ ﻛﺪت أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ وﺣﯿﺪاً ﺣﺘﻰ ﻧﻬﻀﺖ واﻗﻔﺎً.
ﻟﻤﺎذا؟
وﻟﻜﻲ أذﻫﺐ إﻟﻰ أﯾﻦ؟
ﻻ أﻋﻠﻢ..
ان ﻋﻘﻠﻲ ﻟﻢ ﯾﺘﺨﺬ ﻗﺮاراً ،وﻗﺪ ﺗﺤﺮك ﺟﺴﺪي ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎ ،دون أن ﯾﺴﺘﻄﻠﻊ رأﯾﻲ.
وﺳﺮت ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺑﺨﻄﻰ ﺳﺮﯾﻌﺔ ﺣﺎزﻣﺔ ..وﺗﻮﻗﻔﺖ ﻣﺮة أو ﻣﺮﺗﯿﻦ ﻻﻣﻸ رﺋﺘﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﯿﻢ اﻟﺮﺑﯿﻊ.
وﻣﺮرت ﺑﻤﻮﺟﺔ ﻣﻦ ﻋﺒﯿﺮ زﻫﻮر اﻟﻠﯿﻤﻮن واﻟﺒﺮﺗﻘﺎل ﺛﻢ وﺟﺪﺗﻨﻲ اﺗﻮﻗﻒ ﻓﺠﺄة ..ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي
أﻗﺼﺪه.
وﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻲ ،ﻓﺎذا أﻧﺎ واﻗﻒ أﻣﺎم ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻻرﻣﻠﺔ.
وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أﻧﻨﻲ أﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗﺎً ﻧﺴﺎﺋﯿﺎ ﺧﺎﻓﺘﺎً ﯾﺘﺮﻧﻢ ،ﻓﻨﻈﺮت ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﻮر اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ ،ورأﯾﺖ ﺗﺤﺖ اﺣﺪى أﺷﺠﺎر
اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل اﻣﺮأة ذات ﺻﺪر ﻛﺒﯿﺮ ﺑﺎرز ﺗﻘﻄﻊ اﻻﻏﺼﺎن وﺗﻐﻨﻲ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ.
واﺳﺘﻄﻌﺖ أن أرى ﻓﻲ اﻟﻐﺴﻖ اﺳﺘﺪارة ﻧﻬﺪﯾﻬﺎ اﻟﻌﺎرﯾﯿﻦ اﻟﻤﻄﻠﯿﻦ ﻣﻦ ﺛﻮﺑﻬﺎ اﻻﺳﻮد.
ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ،
-اﻧﻬﺎ ﺣﯿﻮان ﻣﻔﺘﺮس ،وﻫﻲ ﺗﻌﻠﻢ ذﻟﻚ ﺟﯿﺪا ..وﻻ ﺗﺮى ﻓﻲ اﻟﺮﺟﺎل اﻻ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت ﺗﺎﻓﻬﺔ ﻣﻐﺮورة ﻻ ﺣﻮل ﻟﻬﺎ وﻻ
ﻗﻮة.
ﺗﺮى ﻫﻞ أﺣﺴﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ﺑﻨﻈﺮاﺗﻲ؟
ذﻟﻚ اﻧﻬﺎ ﻛﻔﺖ ﻓﺠﺄة ﻋﻦ اﻟﻐﻨﺎء وأﺟﺎﻟﺖ اﻟﺒﺼﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ.
واﻟﺘﻘﺖ ﻋﯿﻮﻧﻨﺎ ،وﺷﻌﺮت ﺑﺎﻧﻬﯿﺎر ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ رأﯾﺖ ﻧﻤﺮة ﻣﻔﺘﺮﺳﺔ ﺑﯿﻦ اﻻﺷﺠﺎر.
وأرﺧﺖ اﻟﻤﺮأة ﻣﻨﺪﯾﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪرﻫﺎ ،وأﻛﻔﻬﺮ وﺟﻬﻬﺎ وﺻﺎﺣﺐ ﺑﺼﻮت ﻣﺨﺘﻨﻖ:
-ﻣﻦ ﻫﻨﺎ؟
وﻛﺪت أﻟﻮذ ﺑﺎﻟﻔﺮار ..وﻟﻜﻨﻲ ﺗﺬﻛﺮت ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻲ زورﺑﺎ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﯿﺮﻧﻲ ﺑﻪ وأﺟﺒﺖ:
-أﻧﺎ دﻋﯿﻨﻲ أدﺧﻞ.
وﻣﺎ ﻛﺪت أﻧﻄﻖ ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ اﻟﺬﻫﺮ وﻫﻤﻤﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﺎﻟﻔﺮار ..وﻟﻜﻨﻲ ﺗﻤﺎﺳﻜﺖ رﻏﻢ ﺷﻌﻮري
ﺑﺎﻟﺤﺮج واﻟﺨﺠﻞ.
-ﻣﻦ ﺗﻜﻮن؟
وﺧﻄﺖ ﺧﻄﻮة إﻟﻰ اﻻﻣﺎم ﻓﻲ ﺣﺬر ،وﺣﻤﻠﻘﺖ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،ﺛﻢ ﺧﻄﺖ ﺧﻄﻮة ﺛﺎﻧﯿﺔ.
وﻓﺠﺄة أﺷﺮق وﺟﻬﻬﺎ ،وﺑﻠﻠﺖ ﺷﻔﺘﯿﻬﺎ ﺑﻠﺴﺎﻧﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﺑﺼﻮت رﻗﯿﻖ:
-ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺠﻢ!
وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻓﻲ ﺣﺬر ﺗﻘﺪم اﻟﻤﺘﺤﻔﺰ ﻟﻠﻮﺛﻮب وﺳﺄﻟﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى:
-اﻧﺖ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺠﻢ؟
-ﻧﻌﻢ.
-ﺗﻌﺎل.
ﻛﺎن اﻟﻮﻗﺖ ﻓﺠﺮاً ،وﻗﺪ ﺟﻠﺲ زورﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ أﻣﺎم اﻟﻜﻮخ وراح ﯾﺪﺧﻦ وﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ.
ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ،وﻣﺎ أن رآﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺻﻌﺪﻧﻲ ﺑﻌﯿﻨﯿﻪ وأﺧﺬ ﻧﻔﺴﺎً ﻃﻮﯾﻼ ﻣﻦ أﻧﻔﻪ واﻧﺒﺴﻄﺖ أﺳﺎرﯾﺮ وﺟﻬﻪ.
ﻟﻘﺪ ﺷﻢ راﺋﺤﺔ اﻻرﻣﻠﺔ.
وﻧﻬﺾ واﻗﻔﺎ ﺑﺒﻂء ،وﺑﺴﻂ ﺳﺎﻋﺪﯾﻪ وﻣﻨﻲ إﻟﻰ ﺻﺪره وﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
-دﻋﻨﻲ أﺑﺎرﻛﻚ.
وأوﯾﺖ إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻲ وأﻣﻀﺖ ﻋﯿﻨﻲ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺣﺮﻛﺔ اﻻﻣﻮاج اﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ..وﺧﯿﻞ ﻟﻲ أﻧﻨﻲ أﻋﻠﻮ وأﻫﺒﻂ
ﻣﻌﻬﺎ ..إﻟﻰ أن ﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ﻓﻨﻤﺖ ﻧﻮﻣﺎً ﻋﻤﯿﻘﺎً ﻫﺎدﺋﺎً.
واﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﺣﻮل اﻟﻈﻬﺮ وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺮﺿﻰ ،ﻛﺎﻟﺤﯿﻮان ﺣﯿﻦ ﯾﺘﻤﺪد ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻌﺪ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻃﺎرد
ﻓﺮﯾﺴﺘﻪ واﻟﺘﻬﻤﻬﺎ.
وأﺧﺬت أﺳﺘﻌﺮض أﺣﺪاث اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،وأﺣﺎول أن اﻋﯿﺸﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺎل ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ،ﺣﯿﻦ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺠﺴﻢ ﯾﺤﺠﺐ
اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻨﻲ ،ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻋﯿﻨﻲ ،ورأﯾﺖ زورﺑﺎ واﻗﻔﺎ ﺑﺎﻟﺒﺎب ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲ وﯾﺒﺘﺴﻢ.
ﻗﺎل ﻓﻲ رﻓﻖ ،وﺑﺤﻨﺎن اﻻم ﻋﻠﻰ وﻟﺪﻫﺎ:
-ﻻ ﺗﻨﻬﺾ ..ﻓﺎﻟﯿﻮم ﯾﻮم ﻋﻄﻠﺔ وﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻚ أن ﺗﻨﺎم ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ.
ﻓﺎﻋﺘﺪﻟﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎً ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش وأﺟﺒﺖ:
-ﻟﻘﺪ ﻧﻤﺖ ﺑﻤﺎ ﻓﯿﻪ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ.
-ﺣﺴﻨﺎً ،ﺳﺄﻋﺪ ﻟﻚ ﻟﺒﻀﺔ ﺗﺮد ﻋﻠﯿﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻮة.
ﻓﻠﻢ أﺟﺐ وأﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،واﻟﻘﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺑﯿﻦ أﻣﻮاﺟﻪ ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻷﺟﻒ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ.
ﻛﺎن ﻋﻄﺮ زﻫﺮ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل اﻟﺬي ﺗﻀﻤﺦ ﺑﻪ ﻧﺴﺎء ﻛﺮﯾﺖ ﺷﻌﺮﻫﻦ ﻻ ﯾﺰال ﻋﺎﻟﻘﺎً ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻲ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ ﻛﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺰﻫﺮ ﻟﺘﺤﻤﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎء اﻟﯿﻮم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﻘﺮوﯾﻮن ﻓﻲ
ﺷﻐﻞ ﺑﺎﻟﺮﻗﺺ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان..
وﻟﺤﻖ ﺑﻲ زورﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ وﺣﻤﻞ إﻟﻲ اﻟﺒﯿﻀﺔ وﺑﻌﺾ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺒﺮﺗﻘﺎل.
ﻛﺎن ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة وﻫﻮ ﯾﺮﻋﺎﻧﻲ ﺑﺤﺪب اﻷم ﻋﻠﻰ وﺣﯿﺪﻫﺎ اﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب.
ﻗﺎل وﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲ ﺑﺤﻨﺎن.
-ﺳﺄذﻫﺐ اﻵن ﻻﻗﺎﻣﺔ ﺑﻌﺾ أﺑﺮاج اﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ.
ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ ﻃﻌﺎﻣﻲ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ وﺷﻌﺮت ﺑﺴﻌﺎدة ﻻ ﻋﻬﺪ ﻟﻲ ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ،ﺣﯿﺚ ﺣﺰﻣﺖ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻋﻦ
)ﺑﻮذا( ،وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ.
وﻓﺠﺄة ،دﺧﻠﺖ اﻟﻜﻮخ ﻓﺘﺎة ﺻﻐﯿﺮة ﻋﺎرﯾﺔ اﻟﻘﺪﻣﯿﻦ ﺗﺮﺗﺪي ﺛﻮﺑﺎ أﺻﻔﺮ وﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﯾﺪﻫﺎ ﺑﯿﻀﺔ ﺣﻤﺮاء .وﻧﻈﺮت إﻟﻲ
اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻲ ﻫﻠﻊ ،وﻟﻜﻨﻲ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﺸﺠﻌﺎ وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ:
-ﻫﻞ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﺷﯿﺌﺎً؟
ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ وﻫﻲ ﺗﻠﻬﺚ:
-ﻟﻘﺪ أرﺳﻠﺘﻨﻲ اﻟﺴﯿﺪة ﻷﻃﻠﺐ اﻟﯿﻚ أن ﺗﺬﻫﺐ إﻟﯿﻬﺎ ﻫﻞ أﻧﺖ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﯾﺴﻤﻮﻧﻪ زورﺑﺎ؟
-ﺣﺴﻨﺎ ،ﺳﺄذﻫﺐ إﻟﯿﻬﺎ.
ووﺿﻌﺖ ﻓﻲ ﯾﺪﻫﺎ ﺑﯿﻀﺔ أﺧﺮى ..ﻓﺄﺧﺬﺗﻬﺎ واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﻌﺪو .وﺧﺮﺟﺖ ﻋﻠﻰ اﻷﺛﺮ ،وﻗﺼﺪت إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ..وﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻀﻮﺿﺎء واﻟﺼﺨﺐ ﯾﺰدادان وﺿﻮﺣﺎً ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﺖ ،ﻓﺎﺧﺘﻠﻄﺖ ﻧﻐﻤﺎت اﻟﻘﯿﺜﺎرة ﺑﻘﺮع اﻟﻄﺒﻮل ودوي اﻟﺮﺻﺎص
وﺻﯿﺤﺎت اﻟﻤﺮح ،وﻟﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﯿﺪان رأﯾﺖ ﻓﺘﯿﺎن اﻟﻘﺮﯾﺔ وﻓﺘﯿﺎﺗﻬﺎ ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﺗﺤﺖ اﺷﺠﺎر اﻟﺤﻮر وأﺧﺬوا
ﯾﺮﻗﺼﻮن اﻟﺮﻗﺼﺎت اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﻠﺲ اﻟﺸﯿﻮخ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﺎﻻﺷﺠﺎر ،واﺳﻨﺪوا ذﻗﻮﻧﻬﻢ
إﻟﻰ ﻣﻘﺎﺑﺾ ﻋﺼﯿﻬﻢ .ووﻗﻔﺖ ﻋﺠﺎﺋﺰ اﻟﻨﺴﺎء وراﺋﻬﻢ وراح اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﺮﻗﺒﻮن اﻟﺮاﻗﺼﯿﻦ واﻟﺮاﻗﺼﺎت.
ووﻗﻒ ﻓﺎﻧﻮرﯾﻮ ،ﻋﺎزف اﻟﻘﯿﺜﺎرة اﻟﺒﺎرع ،وﺳﻂ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﺮﻗﺺ ،وﺧﻠﻒ أذﻧﻪ وردة ﺣﻤﺮاء ،وراح ﯾﺤﺮك اﻟﻤﺮﻗﺺ
وﯾﺸﺠﻲ اﻟﺮاﻗﺼﯿﻦ ﺑﻤﺎ ﯾﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﻧﻐﻤﺎت ﻗﯿﺜﺎرﺗﻪ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺮرت ﺑﺤﻠﻘﺔ اﻟﺮﻗﺺ ،ﺗﺤﻮل إﻟﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب وﻫﺘﻔﻮا:
-أﻻ ﺗﺸﺘﺮك ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﻗﺺ.
وﻟﻜﻨﻲ اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻬﻢ ،وﻣﻀﯿﺖ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ ،ووﺟﺪت اﻟﻤﺮأة ﻣﻤﺪة ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻬﺎ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،وﻫﻮ
آﺧﺮ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻻﺛﺎث اﻟﺜﻤﯿﻦ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺴﻨﯿﻦ ..وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻌﻞ ﺑﺸﺪة ،وﻗﺪ اﺣﻤﺮت
وﺟﻨﺘﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﯿﺮ اﻟﺤﻤﻰ.
وﻣﺎ أن وﻗﻊ ﺑﺼﺮﻫﺎ ﻋﻠﻲ ،ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺌﻦ وﺗﺘﻮﺟﻊ.
وﻗﺎﻟﺖ:
-زورﺑﺎ! أﯾﻦ زورﺑﺎ:
اﻧﻪ أﺻﯿﺐ ﺑﻮﻋﻜﺔ ﻣﻨﺬ رآك ﻃﺮﯾﺤﺔ اﻟﻔﺮاش ..ان ﺻﻮرﺗﻚ أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻪ داﺋﻤﺎ ..وﻫﻮ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ وﻻ ﯾﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺄوه.
ﻓﺄﻏﻤﻀﺖ اﻟﻐﺎﻧﯿﺔ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة وﻏﻤﻐﻤﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ.
-زدﻧﻲ ﺣﺪﯾﺜﺎ ﻋﻨﻪ.
-ﻟﻘﺪ أرﺳﻠﻨﻲ إﻟﯿﻚ ﻷﺳﺄﻟﻚ ﻋﻤﺎ اذا ﻛﻨﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺷﻲء..
وﻟﻜﻲ أﻗﻮل ﻟﻚ أﻧﻪ ﺳﯿﺄﺗﻲ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻚ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺎء رﻏﻢ ﺗﻮﻋﻜﻪ ..وﯾﺒﺪو أﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻄﯿﻖ ﻓﺮاﻗﻚ.
-ﺗﻜﻠﻢ ..ﺗﻜﻠﻢ ..أرﺟﻮك.
-وﻗﺪ ﺗﺴﻠﻢ ﺑﺮﻗﯿﺔ ﻣﻦ أﺛﯿﻨﺎ ﺗﻘﻮل أن ﺛﻮب اﻟﺰﻓﺎف ﻗﺪ ﺗﻢ اﻋﺪاده ،وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ زﻫﻮر اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل .وﻗﺪ أرﺳﻠﺖ ﺟﻤﯿﻌﺎ
ﺑﻄﺮﯾﻖ اﻟﺒﺤﺮ ،وﺳﺘﺼﻞ ﻗﺮﯾﺒﺎ ..وﻣﻌﻬﺎ اﻟﺸﻤﻮع اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻜﺒﯿﺮة واﻟﺸﺮاﺋﻂ اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ اﻟﺤﻤﺮاء..
-ﺗﻜﻠﻢ ..اﻣﺾ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺜﻚ..
وﻗﻬﺮﺗﻬﺎ اﻟﺤﻤﻰ ،ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﻬﺬي..
وﻛﺎﻧﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﻨﺸﺎدر واﻟﻌﺮق وﻣﺎء اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﯿﺎ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﺑﺮاﺋﺤﺔ ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﺪﺟﺎج واﻻراﻧﺐ ﻓﻲ
ﻓﻨﺎء اﻟﻔﻨﺪق ،ﻓﻨﻬﻀﺖ وﺗﺴﻠﻠﺖ اﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ..واﻟﺘﻘﯿﺖ ﻋﻨﺪ ﺧﺮوﺟﻲ ﺑﻤﯿﻤﯿﻜﻮ ،وﻛﺎن ﯾﺮﺗﺪي ﻗﻤﯿﺼﺎ ﺟﺪﯾﺪا وﺣﺬاء
وﯾﻀﻊ ﺧﻠﻒ أذﻧﻪ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ:
-ﻣﯿﻤﯿﻜﻮ ..أﺳﺮع إﻟﻰ ﻗﺮﯾﺔ ﻛﺎﻟﻮ واﺳﺘﺪع ﻃﺒﯿﺒﺎً.
وﻗﺒﻞ أن أﻛﻤﻞ ﻋﺒﺎرﺗﻲ ،ﻛﺎن اﻟﻔﺘﻰ ﻗﺪ ﺧﻠﻊ ﺣﺬاءه ووﺿﻌﻪ ﺗﺤﺖ اﺑﻄﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺘﻠﻒ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ.
ﻗﻠﺖ ﻟﻪ:
-اﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻄﺒﯿﺐ وأﺑﻠﻐﻪ ﺗﺤﯿﺘﻲ وﻗﻞ ﻟﻪ ان ﯾﻤﺘﻄﻲ ﻓﺮﺳﻪ وﯾﺤﻀﺮ ﻓﻮرا ..ﻗﻞ ﻟﻪ ان اﻟﺴﯿﺪة ﻣﺮﯾﻀﺔ ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ
وان ﺣﯿﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ ﻻ ﺗﻨﺲ أن ﺗﻘﻮل ﻟﻪ ذﻟﻚ واﻵن ،اذﻫﺐ..
-ﻓﻮرا..
وﺑﺼﻖ ﻓﻲ ﻛﻔﯿﻪ ،،وﺻﻔﻖ ﺑﻬﻤﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﯾﺘﺤﺮك ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﺼﺤﺖ ﺑﻪ
-اذﻫﺐ..
وﻟﻜﻨﻪ ﻟﺰم ﻣﻜﺎﻧﻪ ،وﻏﻤﺰ ﺑﻌﯿﻨﻪ وﻗﺎل وﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻪ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﺎﻛﺮة:
-ﺳﯿﺪي ..ﻟﻘﺪ أﻫﺪاك ﺑﻌﻀﻬﻢ زﺟﺎﺟﺔ ﻣﻦ ﻋﻄﺮ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل ﻓﺤﻤﻠﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﻛﻮﺧﻚ.
ﻓﺘﺮﯾﺚ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻨﺘﻈﺮاً أن أﺳﺄﻟﻪ ﻋﻤﻦ أرﺳﻞ اﻟﻬﺪﯾﺔ وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ،ﻓﻘﺎل:
-أﻻ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻌﺮف ﻣﻦ أرﺳﻠﻬﺎ؟ ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﯿﺪة اﻧﻬﺎ أرﺳﻠﺘﻬﺎ اﻟﯿﻚ ﻟﺘﺠﻌﻞ راﺋﺤﺔ ﺷﻌﺮك ﻃﯿﺒﺔ.
-اذﻫﺐ ..واﺳﺮع ..واﻗﻔﻞ ﻓﻤﻚ.
ﻓﻀﺤﻚ وﺑﺼﻖ ﻓﻲ ﯾﺪه ﻣﺮة أﺧﺮى ،وأﻃﻠﻖ ﺳﺎﻗﯿﻪ ﻟﻠﺮﯾﺢ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ
ﻋﻨﺪﻣﺎ رﺣﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﯿﺪان اﻟﻘﺮﯾﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ رﻗﺼﺔ ﻋﯿﺪ اﻟﻔﺼﺢ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﺔ ﺗﺤﺖ أﺷﺠﺎر اﻟﺒﻠﻮط ﻓﻲ ﻋﻨﻔﻮاﻧﻬﺎ ،وﯾﺘﺰﻋﻤﻬﺎ
ﺷﺎب وﺳﯿﻢ ﻃﻮﯾﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ أﺳﻤﺮ اﻟﺒﺸﺮة ﻟﻢ ﺗﺼﻞ اﻟﻤﻮﺳﻰ ﻗﻂ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬي ﻧﺒﺖ ﻓﻲ وﺟﻬﻪ..
ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺮق واﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻄﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء وﯾﺮﻧﻮ ﺑﻨﻈﺮاﺗﻪ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻖ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺘﯿﺎت وﺗﺘﺄﻟﻖ ﻋﯿﻨﺎه اﻟﺴﻮداوان ﻓﻲ
وﺟﻪ ﻟﻮﺣﺘﻪ اﻟﺸﻤﺲ.
وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻛﻠﻔﺖ اﺣﺪى ﻧﺴﺎء اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺑﺮﻋﺎﯾﺔ ﻣﺪام ﻫﻮرﺗﻨﺲ واﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﻬﺎ ،وﺟﺌﺖ ﺧﺼﯿﺼﺎ ﻟﺸﻬﻮد رﻗﺼﺎت ﻛﺮﯾﺖ
اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﺔ..
ﻓﺠﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﻌﺪ اﻟﺨﺸﺒﻲ ﺑﺠﻮار اﻟﻌﻢ أﻧﺎﺟﻨﻮﺳﺘﻲ وﺳﺄﻟﺘﻪ:
-ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﯾﺘﺰﻋﻢ اﻟﺮﻗﺺ؟
ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻋﺠﺎب:
-اﻧﻪ ﻛﺎﻟﻤﻼك ..اﺳﻤﻪ ﺳﯿﻔﺎﻛﺎس وﻫﻮ راﻋﻲ ﻏﻨﻢ ﯾﻘﻀﻲ اﻟﻌﺎم ﻛﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ وﻻ ﯾﺎﺗﻲ إﻻ ﻓﻲ ﻋﯿﺪ اﻟﻔﺼﺢ ﻟﯿﺮى
اﻟﻨﺎس وﯾﺮﻗﺺ.
وﺗﻨﻬﺪ واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼ:
-ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ ﻟﻔﺘﺤﺖ اﻟﻘﺴﻄﻨﯿﻄﯿﻨﯿﺔ ﺑﺤﺪ اﻟﺴﯿﻒ.
وﺻﺎح اﻟﺸﺎب وﻫﻮ ﯾﺪور ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎﻟﺪواﻣﺔ وﯾﺤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﻛﺎﻟﻄﯿﺮ:
-اﻋﺰف ﯾﺎ ﻓﺎﻧﻮرﯾﻮ ..اﻋﺰف ﺣﺘﻰ ﯾﻤﻮت ﻣﻼك اﻟﻤﻮت ﻧﻔﺴﻪ..
ﻣﻨﺬ آﻻف اﻟﺴﻨﯿﻦ ،واﻟﻔﺘﯿﺎن واﻟﻔﺘﯿﺎت ﯾﺮﻗﺼﻮن ﻓﻲ اﻟﺮﺑﯿﻊ ﺗﺤﺖ اﺷﺠﺎر اﻟﺤﻮر واﻟﺒﻠﻮط واﻟﺴﻨﺪﯾﺎن ..وﺳﻮف
ﯾﺮﻗﺼﻮن ﻋﺪة آﻻف أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺴﻨﯿﻦ ،ﺑﻮﺟﻮه ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ..
وﺗﺘﻐﯿﺮ اﻟﻮﺟﻮه ،وﺗﻨﻬﺎر ،وﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻷرض ،وﻟﻜﻦ وﺟﻮﻫﺎً أﺧﺮى ﺗﻈﻬﺮ وﺗﺤﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ..
راﻗﺺ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻻ ﯾﺘﺮك اﻟﺤﻠﺒﺔ.
ان ﻟﻪ أﻟﻒ وﺟﻪ ..وأﻟﻒ ﻗﻨﺎع ..وﻫﻮ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ..ﺧﺎﻟﺪ ﻻ ﯾﻤﻮت أﺑﺪاً.
ورﻓﻊ اﻟﺸﺎب اﻻﺳﻤﺮ ﯾﺪه إﻟﻰ وﺟﻬﻪ ﻟﯿﻔﺘﻞ ﺷﺎرﺑﻪ ..وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﻟﻪ ﺷﺎرب.
ﺻﺎح ﻣﺮة أﺧﺮى:
-اﻋﺰف ﯾﺎ ﻓﺎﻧﻮرﯾﻮ ..اﻋﺰف..
وﻟﻌﺒﺖ أﺻﺎﺑﻊ ﻓﺎﻧﻮرﯾﻮ ﻋﻠﻰ اﻻوﺗﺎر واﺳﺘﺠﺎﺑﺖ اﻟﻘﯿﺜﺎرة ﻟﻠﻤﺴﺎﺗﻪ ،ووﺛﺐ اﻟﺸﺎب وﺛﺒﺔ ﻗﻮﯾﺔ ،وﺻﻔﻖ ﺑﻘﺪﻣﯿﻪ ﺛﻼث
ﻣﺮات ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ..ﻓﺼﺎح اﻟﻔﺘﯿﺎن:
-ﺑﺮاﻓﻮ ﺳﯿﻔﺎﻛﺎس.
وأﺳﻠﺒﺖ اﻟﻔﺘﯿﺎت أﻫﺪاﺑﻬﻦ ﻓﻲ ﺣﯿﺎء وﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎب ﻟﻢ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ..ﻛﺎن ﯾﺮﻗﺺ وﻋﯿﻨﺎه ﺗﻨﻈﺮان إﻟﻰ
اﻷرض..
وﺗﻮﻗﻒ اﻟﺮﻗﺺ ﻓﺠﺄة ،ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺪﻓﻊ اﻧﺪروﻟﯿﻮ إﻟﻰ اﻟﻤﯿﺪان وﻫﻮ ﯾﺼﯿﺢ:
-اﻻرﻣﻠﺔ ..اﻻرﻣﻠﺔ ..
وﻛﺎن ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ،ﺷﺮﻃﻲ اﻟﻘﺮﯾﺔ ،واﺑﻦ ﻋﻢ اﻟﺸﺎب اﻟﺬي اﻧﺘﺤﺮ ،أول ﻣﻦ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺤﻠﺒﺔ ﻟﯿﺴﺮع إﻟﻰ اﻧﺪروﻟﯿﻮ.
واﻣﺴﻚ اﻟﺮاﻗﺼﻮن ﻋﻦ اﻟﺮﻗﺺ ،وﺻﻌﺪ اﻟﺪم إﻟﻰ اﻟﺮوس ،وﺗﺮك اﻟﺸﯿﻮخ ﻣﻘﺎﻋﺪﻫﻢ ،ووﺿﻊ ﻓﺎﻧﻮرﯾﻮ ﻗﯿﺜﺎرﺗﻪ ﻓﻲ
ﺣﺠﺮة ..وﺻﺎﺣﺖ أﺻﻮات ﯾﺘﻤﯿﺰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻏﯿﻈﺎً وﻏﻀﺒﺎً:
-أﯾﻦ ﻫﻲ ﯾﺎ اﻧﺪروﻟﯿﻮ ..أﯾﻦ ﻫﻲ؟
-ﻓﻲ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ..ﻟﻘﺪ دﺧﻠﺖ إﻟﯿﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻮ واﻟﻠﺤﻈﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ زﻫﺮ اﻟﻠﯿﻤﻮن واﻟﺒﺮﺗﻘﺎل.
ﻓﺼﺎح ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس:
-ﻫﻠﻤﻮا ﺑﻨﺎ..
وﺗﻘﺪم اﻟﺼﻔﻮف ،واﻧﺪﻓﻊ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻧﺤﻮ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻛﺎﻟﺴﯿﻞ اﻟﺠﺎرف.
وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ .ﻇﻬﺮت اﻻرﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﻣﻨﺪﯾﻞ أﺳﻮد ،ورﺳﻤﺖ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ
ﺻﺪرﻫﺎ..
وﻋﻠﻰ اﻷﺛﺮ؛ ارﺗﻔﻌﺖ أﺻﻮات ﺗﺼﯿﺢ:
-اﻟﺘﻌﺴﺔ اﻟﻔﺎﺟﺮة ..اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ .ﻛﯿﻒ وﺟﺪت اﻟﺠﺮأة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻀﻮر ..ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺑﻬﺎ ..ﻟﻘﺪ ﺟﻠﺒﺖ اﻟﻌﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
وﺗﺒﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ..اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺘﻘﺪم اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻧﺤﻮ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﺬﻓﻬﺎ آﺧﺮون ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﺬ
واﻻﺳﻄﺢ..
وأﺻﺎب ﺣﺠﺮ ﻛﺘﻔﻬﺎ ﻓﺼﺮﺧﺖ ،وﻏﻄﺖ وﺟﻬﻬﺎ ﺑﯿﺪﯾﻬﺎ ،ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﻗﺪ اﺳﺘﻞ ﺳﻜﯿﻨﻪ.
وﺗﺮاﺟﻌﺖ اﻻرﻣﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻮراء وﻫﻲ ﺗﺼﺮخ ﻓﻲ ﻫﻠﻊ – واﻧﺤﻨﺖ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ﻟﺘﺤﻤﻲ وﺟﻬﻬﺎ ،ﺛﻢ دارت ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﯿﻬﺎ
وأﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻟﺘﺤﺘﻤﻲ ﺑﻬﺎ وﻟﻜﻦ ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ ﻛﺎن واﻗﻔﺎً ﻛﺎﻟﻄﻮد ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ وﻗﺪ ﺑﺴﻂ ﯾﺪﯾﻪ
ﯾﻤﯿﻨﺎً وﯾﺴﺎراً ﻟﯿﺴﺪ اﻟﺒﺎب ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ.
ووﺛﺒﺖ اﻻرﻣﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﯿﺴﺎر ،وﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﺸﺠﺮة اﻟﺴﺮو اﻟﻀﺨﻤﺔ ،اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ أﻣﺎم اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ..
وﻣﺮق ﺣﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء وأﺻﺎب رأﺳﻬﺎ وﻣﺰق ﻣﻨﺪﯾﻠﻬﺎ ..ﻓﺎﻧﺴﺪل ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﻬﺎ.
وﺻﺮﺧﺖ اﻻرﻣﻠﺔ وﻫﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮة:
-أﻧﺎﺷﺪﻛﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ ..ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ..
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﺎت اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻗﺪ اﺻﻄﻔﻔﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان ورﺣﻦ ﯾﻨﺸﺒﻦ أﺳﻨﺎﻧﻬﻦ ﻓﻲ أﻃﺮاف ﻣﻨﺎدﯾﻠﻬﻦ اﻟﺒﯿﻀﺎء ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺻﺎﺣﺖ
اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺪران اﻟﺒﯿﻮت:
-اﻗﺘﻠﻮﻫﺎ ..اﻗﺘﻠﻮﻫﺎ ..
وﺗﻘﺪم ﺷﺎﺑﺎن ،ﻋﻠﯿﻬﺎ ،ﻓﺘﻤﺰق ﺛﻮﺑﻬﺎ وﺑﺮز ﺻﺪرﻫﺎ أﺑﯿﺾ ﻛﺎﻟﺮﺧﺎم..
وﺑﺪأ اﻟﺪم ﯾﻨﺰف ﻣﻦ رأﺳﻬﺎ وﯾﺴﯿﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ وﻋﻨﻘﻬﺎ ﺻﺎﺣﺖ وﻫﻲ ﺗﻠﻬﺚ:
-ﺑﺤﻖ اﻟﻤﺴﯿﺢ ..ﺑﺤﻖ اﻟﻤﺴﯿﺢ..
وأﺛﺎر ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺪﻣﺎء واﻟﺼﺪر اﻻﺑﯿﺾ اﻟﻔﺎﺗﻦ ﺷﺒﺎب اﻟﻘﺮﯾﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺳﻜﺎﻛﯿﻨﻬﻢ ﻣﻦ أﺣﺰﻣﺘﻬﻢ ،وﻛﻠﻦ
ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ ﺻﺎح ﺑﻬﻢ:
-ﻗﻔﻮا ..اﻧﻬﺎ ﻟﻲ..
وﻛﺎن ﻻ ﯾﺰال واﻗﻔﺎً ﺑﺒﺎب اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ،وﻗﺪ رﻓﻊ ﯾﺪه ﻓﻮق رأﺳﻪ ،ﻓﺘﻮﻗﻒ اﻟﺸﺒﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر.
واﺳﺘﻄﺮد ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ ﻗﺎﺋﻼً ﺑﺼﻮت ﻋﻤﯿﻖ:
-ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ..ان دم اﺑﻦ ﻋﻤﻚ ﯾﻨﺎدﯾﻚ ..ﻓﺪﻋﻪ ﯾﻨﺎم ﻓﻲ ﺳﻼم.
وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﺴﻠﻘﺖ أﺣﺪ اﻟﺠﺪران ﻻﺷﻬﺪ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ،ﻓﻮﺛﺒﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ،واﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ وارﺗﻄﻤﺖ ﻗﺪﻣﺎي
ﺑﺤﺠﺮ ﻓﺴﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض.
واﺗﻔﻖ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ :أن ﻛﺎن ﺳﯿﻔﺎﻛﺎس ﯾﻤﺮ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻲ ،ﻓﺄﻣﺴﻚ ﺑﯿﺎﻗﺘﻲ ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺴﻚ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻘﻄﺔ ﻣﻦ ﻋﻨﻘﻬﺎ
واﻧﻬﻀﻨﻲ وﻗﺎل:
-ﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻟﯿﺲ ﻷﻣﺜﺎﻟﻚ ..ﻓﺎﺑﺘﻌﺪ..
-اﻻ ﺗﺄﺧﺬك ﺷﻔﻘﺔ ﯾﺎ ﺳﯿﻔﺎﻛﺎس :رﺣﻤﺔ ﺑﻬﺎ..
ﻓﻀﺤﻚ اﻟﺮاﻋﻲ ﻓﻲ وﺟﻬﻲ وﺻﺎح:
-ﻫﻞ أﻧﺎ اﻣﺮأة ﻟﺘﻄﺎﻟﺒﻨﻲ أن أﻛﻮن ﺷﻔﻮﻗﺎً؟ أﻧﺎ رﺟﻞ.
وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ..ﻛﺎن ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻤﻌﻤﻌﺔ.
وﺗﺒﻌﺘﻪ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ ،وﻟﻜﻦ أﻧﻔﺎﺳﻲ ﺗﻘﻄﻌﺖ ،وﻟﻢ أﺳﺘﻄﯿﻊ اﻟﻠﺤﺎق ﺑﻪ..
وﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻗﺪ داروا ﺑﺎﻻرﻣﻠﺔ وﺣﺎﺻﺮوﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﺳﺎد ﺻﻤﺖ رﻫﯿﺐ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺴﻤﻊ ﻓﯿﻪ ﺳﻮى ﺗﺮدد
اﻧﻔﺎس اﻟﻀﺤﯿﺔ.
ورﺳﻢ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺲ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ،وﺗﻘﺪم إﻟﻰ اﻻﻣﺎم ورﻓﻊ اﻟﺴﻜﯿﻦ ﻓﻲ ﯾﺪه ،ﻓﺎرﺗﻔﻌﺖ ﺻﯿﺤﺎت اﻟﻔﺮح
ﻣﻦ أﻓﻮاه اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻮق اﻟﺠﺪران ورﻓﻌﺖ اﻟﻔﺘﯿﺎت ﻣﻨﺎدﯾﻠﻬﻦ وﺣﺠﺒﻦ ﺑﻬﺎ وﺟﻮﻫﻬﻦ.
ورﻓﻌﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ﻋﯿﻨﯿﻬﺎ ،ورأت اﻟﺴﻜﯿﻦ ﻓﻮق رأﺳﻬﺎ ﻓﺼﺮﺧﺖ ﻓﻲ ﻫﻠﻊ وﺗﻬﺎﻟﻜﺖ ﺗﺤﺖ ﺟﺬع اﻟﺸﺠﺮة وﻏﺎص
رأﺳﻬﺎ ﺑﯿﻦ ﻛﺘﻔﯿﻬﺎ ،واﻧﺴﺪل ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض.
ورﺳﻢ ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره ﺑﺪوره وﺻﺎح:
-اﻧﻨﻲ أﻃﺎﻟﺐ ﺑﻌﺪاﻟﺔ اﻟﺴﻤﺎء..
وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﻦ وراﺋﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺻﻮﺗﺎً ﻋﺎﻟﯿﺎً ﯾﺼﯿﺢ:
-اﻏﻤﺪوا أﺳﻠﺤﺘﻜﻢ أﯾﻬﺎ اﻟﻘﺘﻠﺔ.
ﻓﻨﻈﺮ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻓﻲ ذﻫﻮل ،ورﻓﻊ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس رأﺳﻪ ،ورأى زورﺑﺎ واﻗﻔﺎً أﻣﺎﻣﻪ ﯾﻠﻮح ﺑﯿﺪﯾﻪ ..وﯾﺼﯿﺢ:
-أﻻ ﺗﺨﺠﻠﻮن ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻜﻢ؟ أي اﻟﺮﺟﺎل أﻧﺘﻢ؟ ﻗﺮﯾﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻟﺘﻘﺘﻞ اﻣﺮأة وﺣﯿﺪة؟ اﻧﻜﻢ ﻟﺘﺠﻠﺒﻮن اﻟﻌﺎر ﻋﻠﻰ ﻛﺮﯾﺖ
ﻛﻠﻬﺎ!!
ﻓﺼﺎح ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ:
-ﻻ ﺷﺄن ﻟﻚ ﺑﻬﺬا ﯾﺎ زورﺑﺎ .ﻫﺬا ﺷﺄﻧﻨﺎ ﻓﻼ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﺛﻢ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﺑﻦ أﺧﯿﻪ وﻗﺎل:
-ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ..اﺿﺮب ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ واﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء.
ﻓﺄﻣﺴﻚ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﺑﺎﻻرﻣﻠﺔ وﻃﺮﺣﻬﺎ ارﺿﺎً ورﻛﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﻬﺎ ،ورﻓﻊ اﻟﺴﻜﯿﻦ.
وﻟﻜﻦ زورﺑﺎ اﻧﻘﺾ ﻋﻠﯿﻪ .وأﻣﺴﻚ ﺑﺬراﻋﻪ ..وﺣﺎول ﺑﯿﺪه اﻟﺘﻲ ﻟﻔﻬﺎ ﺑﻤﻨﺪﯾﻞ أن ﯾﻨﺘﺰع اﻟﺴﻜﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ
ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس.
واﻧﺘﻬﺰت اﻻرﻣﻠﺔ ﻫﺬه اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻓﻨﻬﻀﺖ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻬﺎ وﻧﻈﺮت ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻋﻦ ﺛﻐﺮة ﺗﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ..وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺮوﯾﯿﻦ
ﺿﻤﻮا ﺻﻔﻮﻓﻬﻢ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ .ﺣﺘﻰ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﻔﻮن ﻓﻮق اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ ﻣﺎ ان رأوﻫﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ
ﻣﻨﻔﺬ ﺣﺘﻰ وﺛﺒﻮا إﻟﻰ اﻷرض وﺳﺪوا اﻟﺜﻐﺮات.
وﻓﻲ ﻫﺬه اﻻﺛﻨﺎء ،ﻛﺎن زورﺑﺎ ﯾﻨﺎﺿﻞ ﺑﺨﻔﺔ وﻋﺰم وﺻﻼﺑﺔ ..ﻓﺄﺧﺬت أرﻗﺒﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖٍ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺎب
اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ..
واﺣﺘﻘﻦ وﺟﻪ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﻏﻀﺒﺎً ،وﺗﻘﺪم ﺳﯿﻔﺎﻛﺎس ،وﻣﻌﻪ ﻋﻤﻼق آﺧﺮ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻪ .وﻟﻜﻦ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس أوﻗﻔﻬﻤﺎ
ﺑﻨﻈﺮة ﺻﺎرﻣﺔ وﺻﺎح:
-اﺑﺘﻌﺪا ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺘﻘﺪم أﺣﺪ.
وﻫﺎﺟﻢ زورﺑﺎ ﺑﻮﺣﺸﯿﺔ ،وﻧﻄﺤﻪ ﺑﺮأﺳﻪ ﻛﺎﻟﺜﻮر ،وﻋﺾ زورﺑﺎ ﺷﻔﺘﻪ ،وﻟﻢ ﯾﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ..
ﻛﺎن ﻣﻤﺴﻜﺎ ﺑﺴﺎﻋﺪ ﻏﺮﯾﻤﻪ ﺑﺄﺻﺎﺑﻊ ﻛﺎﻟﻜﻼﺑﺔ .ﺑﯿﻨﻤﺎ راح ﯾﺘﺤﺮك ﯾﻤﯿﻨﺎً وﯾﺴﺎراً ﻟﯿﺘﺠﻨﺐ رأس ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس.
وﺟﻦ ﺟﻨﻮن ﻫﺬا اﻻﺧﯿﺮ ،وأﻟﻘﻰ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ زورﺑﺎ وﺗﻨﺎول أذﻧﻪ ﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻪ ،وﻋﻀﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻗﻮﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﺰﻗﻬﺎ ،واﻧﻔﺠﺮ
اﻟﺪم ﻣﻨﻬﺎ..
ﻓﺼﺮﺧﺖ:
-زورﺑﺎ..
وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻻﻧﻘﺬه ،وﻟﻜﻨﻪ ﺻﺎح:
-اﺑﺘﻌﺪ ﯾﺎ أﺳﺘﺎذ ..اﺑﺘﻌﺪ..
وﺟﻤﻊ ﻗﺒﻀﺔ ﯾﺪه ،وﺳﺪد ﺿﺮﺑﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﺠﺰء اﻻﺳﻔﻞ ﻣﻦ ﺑﻈﻦ ﻏﺮﯾﻤﻪ ،ﻓﺎﻓﻠﺖ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس اﻻذن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ
أﺳﻨﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،واﺣﺘﻘﻦ وﺟﻬﻪ اﺣﺘﻘﺎﻧﺎً ﺷﺪﯾﺪاً.
ودﻓﻌﻪ زورﺑﺎ ﺑﯿﺪه ﻓﺄﻟﻘﺎه أرﺿﺎً واﻧﺘﺰع اﻟﺴﻜﯿﻦ ﻣﻦ ﯾﺪه ..وﻗﺬف ﺑﻬﺎ ﺑﻌﯿﺪاً ﻓﻮق ﺳﻮر اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ.
ﺛﻢ ﺗﻨﺎول ﻣﻨﺪﯾﻠﻪ ،وأوﻗﻒ ﺑﻪ ﺳﯿﻞ اﻟﺪم اﻟﻤﺘﺪﻓﻖ ﻣﻦ أذﻧﻪ ..وﻣﺴﺢ اﻟﻌﺮق اﻟﻤﺘﺼﺒﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ .وأﺟﺎل اﻟﺒﺼﺮ
ﺣﻮﻟﻪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﺣﻤﺮاوﯾﻦ ﻣﻨﺘﻔﺨﺘﯿﻦ..
ﺻﺎح ﺑﺎﻻرﻣﻠﺔ ﻗﺎﺋﻼً:
-اﻧﻬﻀﻲ ..وﺗﻌﺎﻟﻲ ﻣﻌﻲ..
ﻓﻨﻬﻀﺖ اﻻرﻣﻠﺔ ،واﺳﺘﺠﻤﻌﺖ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮة ﻟﺘﻨﺠﻮ ﺑﺤﯿﺎﺗﻬﺎ ..وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ اﻧﻘﺾ ﻋﻠﯿﻬﺎ
ﻣﺎﻓﺮاﻧﺪوﻧﻲ اﻟﺸﯿﺦ ﻛﺎﻟﺼﻘﺮ ،وﻟﻄﻤﻬﺎ ﻓﺄﻟﻘﺎﻫﺎ أرﺿﺎً ،وﻟﻒ ﺷﻌﺮﻫﺎ اﻻﺳﻮد اﻟﻄﻮﯾﻞ ﺣﻮل ﺳﺎﻋﺪه ،وﺑﻀﺮﺑﺔ واﺣﺪة
ﻣﻦ ﺳﻜﯿﻨﻪ ﻓﺼﻞ راﺳﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﺴﺪﻫﺎ.
وﺻﺎح وﻫﻮ ﯾﻠﻘﻲ ﺑﺮأس ﺿﺤﯿﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ..
-اﻧﻨﻲ اﺗﺤﻤﻞ ﻣﺴﺌﻮﻟﯿﺔ ﻫﺬا اﻻﺛﻢ..
ورﺳﻢ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪره..
وﻧﻈﺮ زورﺑﺎ ﺧﻠﻔﻪ ورأى اﻟﻤﻨﻈﺮ اﻟﺮﯾﺐ ﻓﺄﻣﺴﻚ ﺑﺸﺎرﺑﻪ وراح ﯾﻨﺘﻒ ﺷﻌﺮاﺗﻪ ﺑﻘﻮة وﻋﻨﻒ..
وﻟﺤﻘﺖ ﺑﻪ وﺗﺄﺑﻄﺖ ﺳﺎﻋﺪه ..ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻲ ،ورأﯾﺖ دﻣﻌﺘﯿﻦ ﻛﺒﯿﺮﺗﯿﻦ ﺗﺘﻌﻠﻘﺎن ﺑﺄﻫﺪاﺑﻪ.
ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻣﺨﺘﻨﻖ.
ﻫﻠﻢ ﺑﻨﺎ..
وﻟﻢ ﯾﺘﻨﺎول زورﺑﺎ ﻃﻌﺎﻣﺎ او ﺷﺮاﺑﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻗﺎل:
-ان ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ﻏﺼﺔ وﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﺑﺘﻠﻊ ﺷﯿﺌﺎ.
وﻏﺴﻞ أذﻧﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد ،وﻋﺼﺒﻬﺎ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻗﻤﺎش ﺑﻠﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮق.
أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺪدت ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻜﻮخ ،وﺟﻌﻠﺖ وﺟﻬﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﺪار وأﻃﻠﻘﺖ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﺪﻣﻮﻋﻲ..
ﻟﻢ أﻛﻦ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء .اﻧﻤﺎ ﺑﻜﯿﺖ ﻛﻤﺎ ﯾﺒﻜﻲ ﻃﻔﻞ ﻏﻠﺒﻪ اﻟﺤﺰن واﻻﺳﻰ..
وﻓﺠﺄة ﺑﺪأ زورﺑﺎ ﯾﻔﻜﺮ ﺑﺼﻮت ﻣﺴﻤﻮع ..ﺻﺎح،
-ان ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺧﻄﺄ وﻇﻠﻢ ..ﻟﻤﺎذا ﯾﻤﻮت اﻟﺸﺒﺎب وﯾﺒﻘﻰ اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ اﻟﻤﺤﻄﻤﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة!
ﻟﻤﺎذا ﯾﻤﻮت اﻷﻃﻔﺎل؟ ﻛﺎن ﻟﻲ ﻣﺮة اﺑﻦ اﺳﻤﻪ دﯾﻤﺘﺮي ..وﻗﺪ ﻓﻘﺪﺗﻪ وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه وذﻟﻚ ،ﻣﺎ ﻟﻦ
أﻏﻔﺮه ﻟﻠﺴﻤﺎء.
وﺿﺮب اﻻرض ﺑﻘﺒﻀﺔ ﯾﺪه ..ﻓﺎﻧﺘﻜﺄ ﺟﺮح أذﻧﻪ ،وﺳﺎل ﻣﻨﻪ اﻟﺪم ﻗﻠﺖ ﻟﻪ:
-ﺻﺒﺮاً ﯾﺎ زورﺑﺎ .ﺳﺄﻏﺴﻞ ﻟﻚ اﻟﺠﺮح وأﺿﻤﺪه..
وﻏﺴﻠﺖ اﻟﺠﺮح ﺑﺎﻟﻌﺮق .وﺑﻠﻠﺖ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻦ ﺑﻤﺎ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل اﻟﺬي ﺑﻌﺜﺖ ﺑﻪ اﻻرﻣﻠﺔ إﻟﻲ وﻋﺼﺒﺖ اﻻذن .ﻓﻬﺘﻒ
زورﺑﺎ:
-آه ..اﻧﻲ أﺷﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل ..وأﺷﻌﺮ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻻرﻣﻠﺔ ..وﺗﻨﻬﺪ واﺳﺘﻄﺮد ﻗﺎﺋﻼً:
-ﻛﻢ ﺳﻨﺔ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻤﺮ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺘﺞ اﻻرض ﺟﺴﺪاً ﻓﺎﺗﻨﺎ ﻛﺠﺴﺪﻫﺎ!! ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻬﺎ وأﻗﻮل :ﻟﯿﺘﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ
ﻣﻦ ﻋﻤﺮي .وﻟﯿﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺗﻘﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻓﻼ ﯾﺒﻘﻰ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺳﻮاي أﻧﺎ وﻫﺬه اﻟﻤﺮأة ﻓﺄوﻟﺪﻫﺎ
أوﻻداً .ﯾﻤﻠﺌﻮن ﺳﻄﺢ اﻷرض.
واﻣﺘﻸت ﻋﯿﻨﺎه ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع وﻗﺎل:
-اﻧﻨﻲ ﻻ أﻃﯿﻖ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺎدث ..ﯾﺠﺐ أن أرﻗﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﺛﻼث أو أرﺑﻊ ﻣﺮات ﻫﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﻬﺪأ ﻧﻔﺴﻲ
وأﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻧﺎم.
واﻧﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ،وﺗﻮارى ﻓﻲ اﻟﻈﻼم..
أﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺪدت ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ واﻃﻔﺄت اﻟﻤﺼﺒﺎح ،وﺑﺪأت ﺑﻄﺮﯾﻘﺘﻲ اﻟﻼاﻧﺴﺎﻧﯿﺔ أن أﻧﻘﻞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ
اﻟﺘﺠﺮﯾﺪ ..وان أرﺑﻄﻬﺎ ﺑﻨﻮاﻣﯿﺲ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ وﺷﺮاﺋﻊ اﻟﺤﯿﺎة ﺣﺘﻰ وﻟﺖ إﻟﻰ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻣﺰﻋﺠﺔ ،ﻫﻲ ان ﻣﺎ ﺣﺪث ﻛﺎن
ﺿﺮورﯾﺎ ﺑﻞ اﻧﻪ ﻟﻠﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم وﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﺪوﺛﻪ.
وﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ﻓﻨﻤﺖ ،وﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺰورﺑﺎ ﺣﯿﻦ ﻋﺎد أو ﺣﯿﻦ ﺧﺮج ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ رأﯾﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ
اﻟﺠﺒﻞ ﯾﺼﯿﺢ وﯾﺼﺮخ ﻓﻲ وﺟﻮه اﻟﻌﻤﺎل ..ﻻ ﺷﻲء ﯾﻌﺠﺒﻪ ﻣﻤﺎ ﯾﻔﻌﻠﻮن ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﻓﺼﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻨﻬﻢ ،وﺗﻨﺎول ﻣﻌﻮﻻً
وراح ﯾﻀﺮب ﺑﻪ اﻻرض ﻟﯿﻤﻬﺪ ﻻﻗﺎﻣﺔ أﺣﺪ أﻋﻤﺪة اﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ.
ﺛﻢ ﺻﻌﺪ إﻟﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ،وﺗﺤﺪث إﻟﻰ اﻟﺤﻄﺎﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﻘﻄﻊ اﻻﺧﺸﺎب ..وﺛﺎر ﻋﻠﯿﻬﻢ ﺛﻮرة ﻋﺎرﻣﺔ.
وﻋﺎد ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ﻣﺘﻌﺒﺎ ﻣﻨﻬﻮك اﻟﻘﻮى وﺟﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﻻ ﯾﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ ،واذا ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻌﻦ اﻟﻔﺤﻢ واﻟﺨﺸﺐ
واﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ.
وﻫﻤﻤﺖ ﻣﺮة أن اﺗﺤﺪث ﻋﻦ اﻻرﻣﻠﺔ وﻟﻜﻨﻪ وﺿﻊ ﯾﺪه اﻟﻐﻠﯿﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻤﻲ وﺻﺎح:
-ﺻﻪ ..
ﻓﺼﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﯿﺎء.
وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ :ﻫﻮذا رﺟﻞ ﺑﻜﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ..رﺟﻞ ﯾﺒﻜﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺰن وﯾﻀﺤﻚ دون أن ﯾﺪع ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ أو
اﻟﻤﻨﻄﻖ ﺳﺒﯿﻼ إﻟﻰ اﻓﺴﺎد ﻣﺮﺣﻪ.
وﻣﺮت ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،ﻗﻀﺎﻫﺎ زورﺑﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﻣﺘﻮاﺻﻞ ،دون ﺗﻮﻗﻒ ﻣﻦ اﺟﻞ ﻃﻌﺎم أو
ﺷﺮاب.
وذات ﻣﺴﺎء ،ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ان ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻃﺮﯾﺤﺔ اﻟﻔﺮاش ،وان اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻟﻢ ﯾﺬﻫﺐ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻬﺎ واﻧﻬﺎ ﺗﺮدد اﺳﻤﻪ داﺋﻤﺎ
ﻓﻲ ﻫﺬﯾﺎﻧﻬﺎ ﻓﻘﺎل:
-ﺣﺴﻨﺎ..
وﺧﺮج ﻣﺒﻜﺮا ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،وذﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ وﻋﺎد ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ:
-ﻫﻞ رأﯾﺘﻬﺎ؟ ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻬﺎ..
ﻓﺄﺟﺎب:
-ﻟﯿﺲ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻲء ..اﻧﻬﺎ ﺳﺘﻤﻮت.
واﻧﻄﻠﻖ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻪ وﻋﺎد ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء وﻟﻚ ﯾﺄﻛﻞ ،وﺗﻨﺎول ﻋﺼﺎه وﺧﺮج ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ:
-اذﻫﺐ أﻧﺖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ!
-ﻛﻼ ..ﺳﺎﺗﺮﯾﺾ ﻗﻠﯿﻼً.
وﺳﺎر ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ ﺑﺨﻄﻰ ﺳﺮﯾﻌﺔ ﺣﺎزﻣﺔ.
وﻛﻨﺖ ﻣﺘﻌﺒﺎ ﻓﻌﺪت إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻲ ،وﻃﻔﻘﺖ أﺳﺘﻌﺮض ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ واﻟﺤﺪﯾﺜﺔ .وﻃﺎﻓﺖ أﻓﻜﺎري ﺑﺄﺷﯿﺎء
ﻛﺜﯿﺮة وﻋﺎدت إﻟﻰ زورﺑﺎ ..وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
" اذا اﻟﺘﻘﻰ زورﺑﺎ ﺑﻤﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ،ﻓﺴﻮف ﯾﻠﻘﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻼق اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠﯿﻪ ..ﻟﻘﺪ ﻗﯿﻞ ﻟﻲ اﻧﻪ ﻟﻢ ﯾﺒﺮح ﺑﯿﺘﻪ
ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة ﺧﺠﻼ ﻣﻦ اﻟﻬﺰﯾﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ زورﺑﺎ ..واﻧﻪ ﻻ ﯾﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻧﻪ ﺳﻮف ﯾﻤﺰق
زورﺑﺎ ﺑﺄﺳﺒﺎﻧﻪ ﺑﻤﺠﺮد ان ﯾﻘﻊ ﺑﺼﺮه ﻋﻠﯿﻪ ..وﻗﺎل ﻟﻲ اﺣﺪ اﻟﻌﻤﺎل أﻧﻪ رآه ﯾﻄﻮف ﺣﻮل اﻟﻜﻮخ ﺗﺤﺖ ﺟﻨﺢ اﻟﻈﻼم
وﻫﻮ ﻣﺪﺟﺞ ﺑﺎﻟﺴﻼح.
ﻻ ﺷﻚ اﻧﻬﻤﺎ اذا اﻟﺘﻘﯿﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻓﺴﻮف ﺗﻘﻊ ﺟﺮﯾﻤﺔ ﻗﺘﻞ.
ووﺛﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاش وأﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ ﺛﯿﺎﺑﻲ ﻓﺎرﺗﺪﯾﺘﻬﺎ واﻧﻄﻠﻘﺖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ.
وﻛﺎن اﻟﻠﯿﻞ ﻫﺎدﺋﺎ ﺳﺎﻛﻨﺎ واﻟﺠﻮ ﯾﺰﺧﺮ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ اﻟﺒﺮي ..ووﻗﻊ ﺑﺼﺮي ﻋﻠﻰ زورﺑﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ،وﻛﺎن ﯾﻤﺸﻲ
ﺑﺒﻂء ﻣﯿﺔ اﻟﻤﺘﻌﺐ اﻟﻤﻜﺪود .وﯾﺘﻮﻗﻒ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﯿﻨﺔ واﻟﻔﯿﻨﺔ ،وﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﺠﻮم وﯾﺼﯿﺦ اﻟﺴﻤﻊ ،ﺛﻢ ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ
اﻟﺴﯿﺮ وﻫﻮ ﯾﺪق اﻻرض ﺑﻌﺼﺎه..
واﻗﺘﺮب ﻣﻦ ﺣﺪﯾﻘﺔ اﻻرﻣﻠﺔ ،واﻧﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻓﻮق أﺣﺪ أﺷﺠﺎر اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ .ﺻﻮت ﺑﻠﺒﻞ ﯾﻐﺮد ﺑﻨﻐﻤﺎت أﺻﻔﻰ ﻣﻦ ﻣﺎء
اﻟﯿﻨﺎﺑﯿﻊ ..واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺒﻠﺒﻞ ﯾﻐﺮد ﺗﻐﺮﯾﺪاً ﺟﻤﯿﻼً ﯾﺄﺧﺬ ﺑﺎﻷﻟﺒﺎب ﻓﺘﻮﻗﻒ زورﺑﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺮ وﻗﺪ أﺧﺬ ﺑﻌﺬوﺑﺔ اﻟﺘﻐﺮﯾﺪ.
وﻓﺠﺎة اﻧﻔﺮﺟﺖ أﻋﻮاد ﺳﻮر اﻟﺤﺪﯾﻘﺔ وﻫﺪر ﺻﻮت ﻏﺎﺿﺐ:
-أﻫﺬا أﻧﺖ أﯾﻬﺎ اﻷﺣﻤﻖ اﻟﻌﺠﻮز؟ ..ﻟﻘﺪ وﺟﺪﺗﻚ اﺧﯿﺮاً.
ﻓﻌﺮﻓﺖ اﻟﻮت ،وﺟﻤﺪ اﻟﺪم ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ..
وﺗﻘﺪم زورﺑﺎ راﻓﻌﺎً ﻋﺼﺎه..
ﻛﻨﺖ أرى ﻋﻠﻰ ﺿﻮء اﻟﻨﺠﻮم ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ.
ووﺛﺐ ﺑﯿﻦ اﻻﻋﻮاد ﻋﻤﻼق ﺿﺨﻢ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻓﻤﺪ زورﺑﺎ ﻋﻨﻘﻪ وﺻﺎح:
-ﻣﻦ أﻧﺖ؟
-أﻧﺎ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس.
-اﻣﺾ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻚ.
-ﻟﻤﺎذا أذﻟﻠﺘﻨﻲ ،وﺟﻠﺒﺖ ﻟﻲ اﻟﻌﺎر.
-اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﻠﺐ ﻟﻚ اﻟﻌﺎر ﯾﺎ ﻣﻮﻧﻮﻻﻛﺎس .ﻓﺎﻣﺾ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﻚ ..ﺻﺤﯿﺢ أﻧﻚ ﺷﺎب ﺿﺨﻢ ﻗﻮي ..وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻆ ﻟﻢ
ﯾﻜﻦ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻚ ،واﻟﺤﻆ أﻋﻤﻰ ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻠﻢ.
ﻓﻘﺎل ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس وﻫﻮ ﯾﻌﺾ ﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻪ:
-ﺣﻆ أو ﻻ ﺣﻆ ..اﻋﻤﻰ أو ﻏﯿﺮ أﻋﻤﻰ ..ﯾﺠﺐ أن أﻣﺤﻮ اﻟﻌﺎر ..وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬات ..ﻫﻞ ﻣﻌﻚ ﺳﻜﯿﻦ.
-ﻛﻼ ..ﻣﻌﻲ ﻋﺼﺎ.
-اذﻫﺐ واﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﻜﯿﻦ ،وﺳﺄﻧﺘﻈﺮك ﻫﻨﺎ ..اذﻫﺐ.
وﻟﻜﻦ زورﺑﺎ ﻟﻢ ﯾﺘﺤﺮك ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﺼﺎح ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﺳﺎﺧﺮاً:
-أﺧﺎﺋﻒ أﻧﺖ؟ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ اذﻫﺐ.
-وﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻦ؟! .اﻧﻨﻲ أذﻛﺮ ﻣﺎ ﺣﺪث أﻣﺎم اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ..ﻛﺎن ﻣﻌﻚ ﺳﻜﯿﻦ وﻗﺘﺌﺬ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻌﻲ ﺷﻲء ..
وﻣﻊ ذﻟﻚ اﻧﺘﺼﺮت ﻓﺰﻣﺠﺮ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﻓﻲ ﻏﻀﺐ:
-أﺗﺤﺎول اﺛﺎرﺗﻲ؟ ﻟﻘﺪ اﺣﺘﺮت أﺳﻮأ اﻻوﻗﺎت ﻟﺴﺨﺮﯾﺘﻚ..
ﻫﻞ ﻧﺴﯿﺖ أﻧﻨﻲ ﻣﺴﻠﺢ واﻧﺖ أﻋﺰل؟ اﺑﺤﺚ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻋﻦ ﺳﻜﯿﻦ أﯾﻬﺎ اﻟﻤﻘﺪوﻧﻲ اﻟﻘﺬر ،وﺳﻨﺮى ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﯾﻨﺎ اﻷﻓﻀﻞ.
ﻓﺮﻓﻊ زورﺑﺎ ﯾﺪه وأﻟﻘﻰ ﺑﺎﻟﻌﺼﺎ ،وﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮت ﺳﻘﻮﻃﻬﺎ ﺑﯿﻦ اﻻﻋﻮاد.
وﺻﺎح زورﺑﺎ:
-اﻟﻖ ﺑﺎﻟﺴﻜﯿﻦ.
وﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﺴﻠﻠﺖ ﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ،ﻓﺮأﯾﺖ ﻧﻞ اﻟﺴﻜﯿﻦ ﯾﺘﺄﻟﻖ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﻨﺠﻮم ﻗﺒﻞ أن ﯾﻐﯿﺐ ﺑﯿﻦ أﻋﻮاد اﻟﻐﺎب..
وﺑﺼﻖ زورﺑﺎ ﻓﻲ ﯾﺪه وﺻﺎح وﻫﻮ ﯾﺜﺐ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء:
-ﺗﻌﺎل..
وﻟﻜﻨﻲ وﺛﺒﺖ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻠﺘﺤﻤﺎ ..وﺻﺤﺖ ﺑﻬﻤﺎ:
-ﻗﻔﺎ ..اﻧﺖ ﯾﺎ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ..وأﻧﺖ ﯾﺎ زورﺑﺎ ﺗﻌﺎﻟﯿﺎ ..ﻫﺬا ﻋﺎر ﻋﻠﯿﻜﻤﺎ.
ﻓﺘﻘﺪم اﻟﻐﺮﯾﻤﺎن ﻣﻨﻲ وﻫﻤﺎ ﯾﺴﯿﺮان ﻓﻲ ﺑﻂء ،ﻓﺘﻨﺎوﻟﺖ اﻟﯿﺪ اﻟﯿﻤﻨﻰ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ .وﻗﻠﺖ:
-ﺗﺼﺎﻓﺤﺎ ..ﻛﻼﻛﻤﺎ ﻃﯿﺐ اﻟﻘﻠﺐ ،وﻛﻼﻛﻤﺎ ﺷﺠﺎع ..وﯾﺠﺐ أن ﺗﺼﻠﺤﺎ ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻜﻤﺎ.
ﻓﻘﺎل ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس وﻫﻮ ﯾﺤﺎول أن ﯾﺠﺬب ﯾﺪه!
-ﻟﻘﺪ أﻫﺎﻧﻨﻲ.
ﻓﻘﻠﺖ:
-ﻻ أﺣﺪ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻫﺎﻧﺘﻚ ﺑﻬﺬه اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ..اﻟﻘﺮﯾﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻌﺮف اﻧﻚ رﺟﻞ ﺷﺠﺎع ،ﻓﺎﻧﺲ ﻣﺎ ﺣﺪث أﻣﺎم اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻓﻲ
ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﻨﺤﻮﺳﺔ ..ان ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻛﺎن ..وﻻ ﺗﻨﺲ أن زورﺑﺎ ﻏﺮﯾﺐ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﯾﺮة .اﻧﻪ ﻣﻘﺪوﻧﻲ،
وﻋﺎر ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻜﺮﯾﺘﯿﻮن ان ﻧﺮﻓﻊ أﯾﺪﯾﻨﺎ ﺿﺪ ﺿﯿﻒ ﺑﻠﺪﻧﺎ ..ﺗﻌﺎل أﻋﻄﻨﻲ ﯾﺪك ..ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ ..وﻫﻠﻢ
ﻣﻌﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ﻟﻨﺪﻋﻢ ﺻﺪاﻗﺘﻨﺎ ﺑﻜﺄس ﻧﺒﯿﺬ وﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺷﻮاء.
واﺣﻄﺖ ﺧﺼﺮه ﺑﺴﺎﻋﺪي واﻧﺘﺤﯿﺖ ﺑﻪ ﺟﺎﻧﺒﺎ وﻫﻤﺴﺖ ﻓﻲ أذﻧﻪ:
-ﻻ ﺗﻨﺲ أﻧﻪ رﺟﻞ ﻣﺘﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ،وﻋﺎر ﻋﻠﻰ ﺷﺎب ﻗﻮي ﻣﺜﻠﻚ ان ﯾﻬﺎﺟﻢ رﺟﻼً ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺳﻨﻪ.
ﻓﻼن ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﻗﻠﯿﻼ وﻗﺎل:
-ﺣﺴﻨﺎ ..اﻛﺮاﻣﺎً ﻟﻚ ﻓﻘﻂ.
ﻓﺪﻧﺎ ﻣﻦ زورﺑﺎ وﺑﺴﻂ ﻟﻪ ﯾﺪه وﻫﻮ ﯾﻘﻮل:
-ﺗﻌﺎل أﯾﻬﺎ اﻟﺼﺪﯾﻖ ،ﻟﻘﺪ اﻧﺘﻬﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ..اﻋﻄﻨﻲ ﯾﺪك..
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ:
-اﻧﺖ أﻛﻠﺖ أذﻧﻲ ..وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻫﺎك ﯾﺪي.
وﺷﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻵﺧﺮ ﺑﻘﻮة وﻋﻨﻒ ﺣﺘﻰ ﺧﻔﺖ أن ﯾﺘﻼﺣﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ..
وﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ،ﺳﺮت ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ وﻗﻠﺖ ﻷﻏﯿﺮ ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﯾﺚ:
-ﺳﯿﻜﻮن اﻟﻤﺤﺼﻮل وﻓﯿﺮاً ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﻓﯿﻤﺎ أﻋﺘﻘﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻫﻄﻠﺖ أﻣﻄﺎر ﻏﺰﯾﺮة..
ﻓﻠﻢ ﯾﺠﯿﺒﺎ ،وأدرﻛﺖ أﻧﻪ ﻻ ﯾﺰال ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻮﻏﺮ ﺻﺪر ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ،ووﺿﻌﺖ ﻛﻞ أﻣﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺮ ﻟﻌﻠﻬﺎ أن
ﺗﺼﻠﺢ ﺑﯿﻨﻬﻤﺎ.
وﺟﻠﺴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ أﻣﺎم اﻟﻜﻮخ ،وأﺣﻀﺮ زورﺑﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺪاح وﺑﻌﺾ اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ أرﻓﻊ ﻗﺪﺣﻲ:
-ﻧﺨﺐ ﺻﺤﺘﻚ ﯾﺎ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ..ﻧﺨﺐ ﺻﺤﺘﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
ﻓﺴﻜﺐ ﻣﺎﻧﻮﻻﻛﺎس ﺑﻀﻊ ﻗﻄﺮات ﻣﻦ ﻧﺒﯿﺬ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﻗﺎل ﺑﺼﻮت رﺻﯿﻦ
-ﯾﺴﯿﻞ دﻣﻲ ﻛﻬﺬا اﻟﻨﺒﯿﺬ اذا أﻧﺎ رﻓﻌﺖ ﯾﺪي ﻓﻲ وﺟﻬﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ.
ﻓﺤﺬا زورﺑﺎ ﺣﺬوه ،وﺳﻜﺐ ﻗﻄﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﻗﺎل:
-ﯾﺴﯿﻞ دﻣﻲ ﻛﻬﺬا اﻟﻨﺒﯿﺬ اذا ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﻧﺴﯿﺖ ﻓﻌﻼ ﻛﯿﻒ ﻗﻀﻤﺖ أذﻧﻲ.
ﻛﺎن اﻟﯿﻮم اﻷول ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻣﺎﯾﻮ ،ﻣﻦ اﻷﯾﺎم اﻟﺨﺎﻟﺪة اﻟﺘﻲ ﻟﻦ أﻧﺴﺎﻫﺎ ﻣﺎ ﺣﯿﯿﺖ..
ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ..ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻌﺪا ﻟﻠﺒﺪء ﻓﻲ اﺳﺘﻐﻼل أﺧﺸﺎب اﻟﻐﺎﺑﺔ .ﻻ ﻋﻤﺪة ﻗﺎﺋﻤﺔ ،واﻟﺴﻠﻚ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ﯾﻠﻤﻊ ﺗﺤﺖ
أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،وﺟﺬوع اﻷﺷﺠﺎر ﻣﻜﺪﺳﺔ ﻓﻮق ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﻻﺷﺎرة ﺑﺒﺪء اﻟﻌﻤﻞ ،وراﯾﺔ ﯾﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ﺗﺨﻔﻖ ﻓﻮق
اﻟﺠﺒﻞ ،وأﺧﺮى ﺗﺨﻔﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﺬي ﺳﯿﺘﻠﻘﻰ ﺟﺬوع اﻟﺸﺠﺮ ﺗﻤﻬﯿﺪاً ﻟﺸﺤﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﻦ ،وأﻣﺎم اﻟﻜﻮخ
ﺑﺮﻣﯿﻞ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﻨﺒﯿﺬ ،وﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ﻋﺎﻣﻞ ﯾﺸﻮي ﺧﺮوﻓﺎ ﺳﻤﯿﻨﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﻪ ان ﯾﻘﺪم اﻟﻄﻌﺎم
واﻟﺸﺮاب ﻟﻠﻤﺪﻋﻮﯾﻦ .ﻋﻘﺐ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺘﺪﺷﯿﻦ اﻟﻤﺸﺮوع واﻓﺘﺘﺎﺣﻪ.
واﻟﻮاﻗﻊ أن زورﺑﺎ أﻋﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ..ﺣﺘﻰ اﻟﺒﺒﻐﺎء ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻧﺼﯿﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﺣﺘﻔﺎل ،ﻓﻘﺪ وﺿﻊ زورﺑﺎ ﻗﻔﺼﻬﺎ ﻋﻠﻰ
ﺻﺨﺮة ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ أول ﻋﻤﻮد.
وارﺗﺪى زورﺑﺎ أﻓﻀﻞ ﺛﯿﺎﺑﻪ ،وراح ﯾﺴﺘﻘﺒﻞ اﻋﯿﺎن اﻟﻘﺮﯾﺔ وﻛﺒﺮاءﻫﺎ ،وﯾﻮﺿﺢ ﻟﻬﻢ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﻂ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ،وﻛﯿﻒ
ﺳﯿﻌﻢ اﻟﺨﯿﺮ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻠﻤﺸﺮوع.
ﻗﺎل:
-اﻧﻪ ﻋﻤﻞ ﻫﻨﺪﺳﻲ ﻓﺬ ،أﻫﻢ ﻣﺎ ﻓﯿﻪ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻻﻧﺤﺪار اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﺨﻂ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ،وﻗﺪ ﻗﻀﯿﺖ ﻋﺪة ﺷﻬﻮر ﻓﻲ
اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻀﻠﺔ وﻟﻜﻦ دون ﺟﺪوى ..واﯾﻘﻨﺖ آﺧﺮ اﻷﻣﺮ أن اﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻟﻦ ﺗﺤﻞ اﻻ ﺑﻌﻮن ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ.
وذات ﻟﯿﻠﺔ ،ﺣﺪﺛﺖ اﻟﻤﻌﺠﺰة..
ﻓﻘﺪ رأﯾﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺮى اﻟﻨﺎﺋﻢ ﺳﯿﺪة ﻣﺘﺸﺤﺔ ﺑﺎﻟﺴﻮاد ..ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﯾﺪﻫﺎ اﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻟﻠﺨﻂ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ﻓﻲ ﺣﺠﻢ اﻟﻜﻒ..
ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ:
-اﺻﻎ إﻟﻲ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،أﻧﺎ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء ،وﻗﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﺑﺘﺼﻤﯿﻢ اﻟﻤﺸﺮوع ..ﻫﻮ ذا ﺣﺴﺎب اﻟﻤﻨﺤﺪر اﻟﺬي ﺗﺒﺤﺚ
ﻋﻨﻪ ..وﻫﺎ ﻫﻲ ﺑﺮﻛﺘﻲ..
واﺧﺘﻔﺖ.
ﻓﺎﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻣﺬﻋﻮراً ،وأﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺧﺘﺒﺮ ﻓﯿﻪ اﻧﻤﻮذﺟﻲ ﻟﻠﻤﺸﺮوع ..ورأﯾﺖ اﻟﻤﻌﺠﺰة ..ﻛﺎن
اﻟﺴﻠﻚ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻓﻲ اﻟﺰاوﯾﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ..وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺨﻮر ،ﻣﻤﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ان ﯾﺪ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء ﻗﺪ
ﻟﻤﺴﺘﻪ.
وﻫﻢ ﻛﻮﻧﺪوﻣﺎﻧﻮﻟﯿﻮ ﺑﺄن ﯾﻔﺘﺢ ﻓﻤﻪ ﻟﯿﻠﻘﻲ ﺳﺆاﻻً ،وﻟﻜﻨﻪ رأى ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﯾﻤﺘﻄﻮن ﺟﯿﺎدﻫﻢ وﯾﻬﺒﻄﻮن ﻋﻠﻰ
ﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞ ،وراﻫﺒﺎً ﺳﺎدﺳﺎً ﯾﺘﻘﺪﻣﻬﻢ ﺣﺎﻣﻼً ﺻﻠﯿﺒﺎً ﺿﺨﻤﺎً ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ.
وﺷﺮع اﻟﺮﻫﺒﺎن ﯾﺪورون ﺑﺎﻻﻋﻤﺪة وﯾﺮﺗﻠﻮن وﯾﻄﻠﻘﻮن اﻟﺒﺨﻮر ﺑﯿﻨﻤﺎ وﻗﻒ ﺣﺸﺪ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺮوﯾﯿﻦ ﯾﻨﻈﺮون ﻓﻲ
ﺧﺸﻮع وﯾﻨﺘﻈﺮون.
وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺮر أن ﺗﺠﺮي اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺟﺬوع ،ﺗﯿﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻤﻘﺪس ،اﻻب واﻻﺑﻦ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس.
ووﺛﺐ زورﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻮد اﻻول وﺟﺬب ﺣﺒﻼً ،ﻓﺎرﺗﻔﻌﺖ اﻟﺮاﯾﺔ إﻟﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﻌﻤﻮد ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﻫﻲ اﻻﺷﺎرة اﻟﻤﺘﻔﻖ
ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﺎل ﻓﻮق ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﻻرﺳﺎل اﻟﺠﺬع اﻷول.
وﺗﺤﻮﻟﺖ اﻻﻧﻈﺎر ﺟﻤﯿﻌﺎ إﻟﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ وﻫﺘﻒ أﺣﺪ اﻟﺮﻫﺒﺎن:
-ﺑﺎﺳﻢ اﻷب.
وﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ وﺻﻒ ﻣﺎ ﺣﺪث ..ﻓﻘﺪ ﻧﺰﻟﺖ اﻟﻜﺎرﺛﺔ ﻛﺎﻟﺼﺎﻋﻘﺔ ..وﻛﺪﻧﺎ ﻻ ﻧﺠﺪ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﻠﻨﺠﺎة ﺑﺎﻧﻔﺴﻨﺎ ..ﻓﻘﺪ
ﺗﺮﻧﺢ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻛﻠﻪ ..واﻧﺤﺪر ﺟﺬع اﻟﺸﺠﺮة ﻛﺸﯿﻄﺎن ﻫﺎﺋﻞ ﻣﺘﻤﺮد .ﻓﺎﻧﺒﻌﺚ ﻣﻨﻪ اﻟﺸﺮر ،وﺗﻄﺎﯾﺮت أﺟﺰاء ﻣﻨﻪ
ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ..وﻟﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻰ اﻷرض ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﺛﻮان ،ﻛﺎن ﻣﺠﺮد ﻛﺘﻠﺔ ﺧﺒﯿﺔ ﻣﺤﺘﺮﻗﺔ..
ودب اﻟﺬﻋﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺮﻫﺒﺎن ،وراﺣﻮا ﯾﺮﺳﻤﻮن ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺪورﻫﻢ وﯾﺘﻤﺘﻤﻮن..
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ:
-ﻫﻜﺬا ﯾﺤﺪث داﺋﻤﺎ ﻓﻲ أول ﺗﺠﺮﺑﺔ ..وﻟﻜﻨﻲ واﺛﻖ ﻣﻦ ان اﻟﺠﻬﺎز ﺳﯿﻜﻮن أﻛﺜﺮ اﻧﺘﻈﺎﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ.
ورﻓﻊ اﻟﺮاﯾﺔ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ وﻫﺘﻒ أﻛﺒﺮ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﺳﻨﺎً!
-ﺑﺎﺳﻢ اﻻﺑﻦ..
واﻧﺤﺪر اﻟﺠﺬع اﻟﺜﺎﻧﻲ ..وﻫﺠﻢ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻛﺎﻟﻮﺣﺶ ،ﻷﻧﻪ ﺗﻌﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ودار ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ وﺳﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻖ.
-وﻋﺾ زورﺑﺎ ﺷﺎرﺑﻪ وﻗﺎل:
-ﯾﺎ ﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ..ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺤﺪر اﻟﻠﻌﯿﻦ ﻟﯿﺲ ﻛﻤﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن .
ورﻓﻊ اﻟﺮاﯾﺔ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ:
وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة ،أﺳﺮع اﻟﺮﻫﺒﺎن ﺑﺎﻻﺣﺘﻤﺎء ورا ﺑﻐﺎﻟﻬﻢ ،وﺻﺎح ﻛﺒﯿﺮﻫﻢ؟
-ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮوح اﻟﻤﻘﺪس.
وﻛﺎن اﻟﺠﺬع اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺿﺨﻤﺎً ﺟﺪاً ،وﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﺿﻮﺿﺎء ﺷﺪﯾﺪة ﻓﺼﺎح زورﺑﺎ وﻫﻮ
ﯾﻌﺪو:
-اﻧﺒﻄﺤﻮا ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﺤﻖ اﻟﺴﻤﺎء.
ﻓﺄﻟﻘﻰ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﺑﺎﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،واﻃﻠﻖ اﻟﻘﺮوﯾﻮن ﺳﯿﻘﺎﻧﻬﻢ ﻟﻠﺮﯾﺢ.
وﻛﺎن ﺟﺬع اﻟﺸﺠﺮة ﻗﺪ وﺛﺐ وﺛﺒﺔ واﺣﺪة.
وﺳﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﺗﺪﺣﺮج وﻏﺎص ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺒﻞ أن ﻧﺪرك ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺎ ﺣﺪث.
واﻫﺘﺰت اﻻﻋﻤﺪة اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻮم اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺑﺸﺪة ،وﻣﺎل ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺧﻄﺮة..
وﺻﺎح زورﺑﺎ:
-ﻻ ﺗﻨﺰﻋﺠﻮا .أﻧﺎ واﺛﻖ ان اﻟﺠﻬﺎز ﺳﯿﻌﻤﻞ اﻻن ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ،ﻓﻠﻨﺠﺬب ﻣﺮة راﺑﻌﺔ.
ورﻓﻊ اﻟﺮاﯾﺔ وﺻﺎح اﻟﺮاﻫﺐ وﻫﻮ ﯾﻌﺪو ﻧﺤﻮ اﻟﺼﺨﻮر:
-ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺴﯿﺪة اﻟﻌﺬراء..
واﻧﺤﺪر اﻟﺠﺬع اﻟﺮاﺑﻊ ﺑﻘﻮة ﺛﻢ دار ﺣﻮل ﻧﻔﺴﻪ ،وﺳﻤﻊ اﻟﻘﻮم دوﯾﺎً ﺷﺪﯾﺪاً ،وﺳﻘﻄﺖ اﻻﻋﻤﺪة ﺟﻤﯿﻌﺎً .واﻧﻬﺎر اﻟﺒﻨﺎء
اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﺔ ﻋﯿﻦ..
وأﺻﺎب ﺷﻈﯿﺔ ﻣﺘﻄﺎﯾﺮة أﺣﺪ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﻓﺠﺮﺣﺖ ﻓﺨﺬه وﻣﺮت أﺧﺮى ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻋﯿﻦ راﻫﺐ آﺧﺮ..
وﺗﻮارى اﻟﻘﺮوﯾﻮن ﻋﻦ اﻷﺑﺼﺎر ،وﺣﻤﻞ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﺻﻠﯿﺒﻬﻢ اﻟﺨﺸﺒﻲ وﺟﻤﻌﻮا ﺑﻐﺎﻟﻬﻢ ..وﺑﺪأوا ﯾﺘﻘﻬﻘﻬﺮون ﻓﻲ ﻏﯿﺮ
ﻧﻈﺎم..
ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺸﺮف ﻋﻠﻰ ﺷﻲ اﻟﺨﺮوف ﺗﻮﻻه اﻟﺬﻋﺮ وﻻذ ﺑﺎﻟﻔﺮار ..وﺗﺮك اﻟﺨﺮوف ﻃﻌﻤﺔ ﻟﻠﻨﯿﺮان..
ﺻﺎح زورﺑﺎ ﻓﻲ ﺟﺰع:
-اﻟﺨﺮوف ﯾﺤﺘﺮق.
وﺧﻒ ﻻﻧﻘﺎذه ،ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ.
وﻛﺎن اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻗﺪ اﻗﻔﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ ،ﻓﻨﻈﺮ إﻟﻲ زورﺑﺎ ﻓﻲ ﺗﺮدد ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﻛﺎن وﻗﻊ اﻟﻜﺎرﺛﺔ ﻋﻠﻲ ،وﻻ ﻛﯿﻒ
ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة.
وﺗﻨﺎول اﻟﺴﻜﯿﻦ وﻗﻄﻊ ﺷﺮﯾﺤﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ اﻟﺨﺮوف وﺗﺬوﻗﻬﺎ وﻗﺎل:
-ﻫﻜﺬا ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن اﻟﺸﻮاء .ﻫﻞ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻄﻌﺔ؟
-اﻧﻨﻲ ﺟﺎﺋﻊ ..ﻫﺎت اﻟﺨﺒﺰ واﻟﻨﺒﯿﺬ ودﻋﻨﺎ ﻧﺄﻛﻞ..
وأﻛﻠﻨﺎ ﺣﺘﻰ أﺗﯿﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوف ،وﺷﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﺬ اﻟﻜﺮﯾﺘﻲ اﻟﺠﯿﺪ ﺣﺘﻰ ارﺗﻮﯾﻨﺎ وﺗﺮﻧﺤﺖ اﻻرض ﺗﺤﺖ أﻗﺪاﻣﻨﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ
ﺳﻔﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﻤﺤﯿﻂ ،وﺑﺪت ﻟﻨﺎ اﻟﺤﯿﺎة أﻗﻞ ﺛﻘﻼً وأوﻓﺮ ﺑﻬﺠﺔ.
وﻧﻬﻀﺖ واﻗﻔﺎً وﺻﺤﺖ ﺑﺰورﺑﺎ:
-زورﺑﺎ ..ﻋﻠﻤﻨﻲ ﻛﯿﻒ أرﻗﺺ.
ﻓﻮﺛﺐ واﻗﻔﺎً وﻗﺪ أﺷﺮق وﺟﻬﻪ وﻫﺘﻒ ﻗﺎﺋﻼً:
-أﺗﺮﯾﺪ ﺣﻘﺎً أن ﺗﺮﻗﺺ؟ ﻫﺬا اﺣﺴﻦ ..ﺗﻌﺎل..
-ﻟﻘﺪ ﺗﻐﯿﺮت ﺣﯿﺎﺗﻲ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻫﻠﻢ.
ﻓﺨﻠﻊ ﺣﺬاءه وﻗﺎل:
-اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻗﺪﻣﻲ ..اﻧﻈﺮ.
وﻣﺲ اﻷرض ﺑﺄﺻﺎﺑﻊ ﻗﺪﻣﻪ ﺑﺨﻔﺔ ،ﺛﻢ ﺧﻄﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪم اﻻﺧﺮى إﻟﻰ اﻻﻣﺎم ..وﻛﺮر ﻫﺎﺗﯿﻦ اﻟﺤﺮﻛﺘﯿﻦ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺣﺘﻰ
اﺧﺘﻠﻄﺘﺎ ،ورددت اﻻرض ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻘﺪﻣﯿﻦ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻃﺒﻠﺔ.
وأﻟﻘﻰ زورﺑﺎ ﺑﯿﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ وﻗﺎل:
-ﻫﻠﻢ ،ﺳﻨﺮﻗﺺ ﻣﻌﺎً..
وراح ﯾﺪرﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺺ وﯾﺼﺤﺢ أﺧﻄﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﺻﺒﺮ وأﻧﺎة ودﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺠﻌﺖ ،وأﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄن ﻗﻠﺒﻲ ﻗﺪ ﻧﺒﺖ
ﻟﻪ ﺟﻨﺎﺣﺎن ﻛﺎﻟﻄﯿﺮ..
-ﺑﺮاﻓﻮ ..أﻧﺖ أﻋﺠﻮﺑﺔ..
وراح ﯾﺼﻔﻖ ﺑﯿﺪﯾﻪ ﻟﯿﻨﻈﻢ ﺧﻄﻮاﺗﻲ وﺣﺮﻛﺔ ﻗﺪﻣﻲ ..وﯾﺼﯿﺢ:
-ﺑﺮاﻓﻮ ..إﻟﻰ اﻟﺠﺤﯿﻢ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ واﻻوراق ..إﻟﻰ اﻟﺠﺤﯿﻢ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺟﻢ واﻻرﺑﺎح ..ﻫﺄﻧﺘﺬا ﯾﺎ ﺑﻨﻲ ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻟﻐﺘﻲ..
وﺳﻮف ﻧﺮوي ﻟﺒﻌﻀﻨﺎ أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة.
وﺟﻌﻞ ﯾﺜﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﻰ ﺑﻘﺪﻣﯿﻪ اﻟﻌﺎرﯾﺘﯿﻦ وﯾﺼﻔﻖ ﺑﯿﺪﯾﻪ.
ﻗﺎل:
-ﻋﻨﺪي أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة أرﯾﺪ ان أﻗﻮﻟﻬﺎ ﻟﻚ ،اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺣﺐ أﺣﺪاً ﻛﻤﺎ أﺣﺒﺒﺘﻚ ..وﻫﻨﺎك ﻣﺌﺎت اﻷﺷﯿﺎء أود أن أﻗﻮﻟﻬﺎ
ﻟﻚ وﻟﻜﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻻ ﯾﺴﻌﻔﻨﻲ وﻟﺬﻟﻚ ﺳﺄرﻗﺼﻬﺎ ﻟﻚ ..اﻧﻈﺮ.
ووﺛﺐ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء وﺗﺤﻮل ﺳﺎﻋﺪاه وﺳﺎﻗﺎه إﻟﻰ أﺟﻨﺤﺔ..
وﺑﺪا ،واﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ وراﺋﻪ ،أﺷﺒﻪ ﺑﻤﻼك ﻋﺠﻮز ﻣﺘﻤﺮد.
ﻛﺎن ﻛﻤﻦ ﯾﺼﯿﺢ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺴﻤﺎء :ﻣﺎذا ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﯿﻦ أن ﺗﻔﻌﻠﻲ ﺑﻲ ﯾﺎ ﺳﻤﺎء ..ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﯿﻌﯿﻨﻪ ﻫﻮ أن ﺗﻘﺘﻠﯿﻨﻲ..
اﻗﺘﻠﯿﻨﻲ اذن ﻓﻠﺴﺖ أﺑﺎﻟﻲ ..ﻟﻘﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻣﺎ ارﯾﺪ ﻗﻮﻟﻪ ..ورﻗﺼﺖ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ أن أرﻗﺺ..
وﺣﯿﻦ ﺷﻬﺪت زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﺮﻗﺺ ،أدرﻛﺖ ﻷول ﻣﺮة ﻣﺪى اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺬي ﯾﺒﺬﻟﻪ اﻻﻧﺴﺎن ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﻠﻪ ،وأﻋﺠﺒﺖ
ﺑﺼﺒﺮ زورﺑﺎ وﺧﻔﺘﻪ واﻋﺪاده ﺑﻨﻔﺴﻪ.
واﺳﺘﯿﻘﻈﺖ ﻣﺒﻜﺮاً ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ وﺳﺮت ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﯾﺔ..
ﻛﺎن ﻗﻠﺒﻲ ﯾﺜﺐ ﺑﯿﻦ ﺿﻠﻮﻋﻲ ..وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺴﻌﺎدة ﻟﻢ ﯾﺴﺒﻖ أن ﺷﻌﺮت ﺑﻤﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﺎدة ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﯾﺔ ..ﻟﯿﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﺒﺮرﻫﺎ ..ﺑﻞ ﺿﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺒﺮرﻫﺎ ..ﻓﻠﻘﺪ ﻓﻘﺪت ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﺛﺮوﺗﻲ،
ورﺟﺎﻟﻲ ،وﻋﺮﺑﺎﺗﻲ واﻟﺨﻂ اﻟﻬﻮاﺋﻲ ..واﻧﺸﺄت ﻣﯿﻨﺎءاً ﺻﻐﯿﺮاً ﻻ أﻣﻠﻚ اﻵن ﻣﺎ أﺷﺤﻨﻪ ﻣﻨﻬﺎ..
وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻓﻘﺪت ﻓﯿﻪ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﻏﻤﺮ ﻗﻠﺒﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ﺑﺎﻟﺨﻼص..
اﻧﻬﺎ ﻟﻤﺘﻌﺔ أﯾﺔ ﻣﺘﻌﺔ ،ان ﯾﺨﺘﺒﺮ اﻻﻧﺴﺎن ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﻣﺪى ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﺣﺘﻤﺎل ﺣﯿﻦ ﺗﺴﻮء أﻣﻮره وﺗﺘﻘﻄﻊ ﺑﻪ
اﻻﺳﺒﺎب!!
وﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﻜﻮخ ﺣﻮل اﻟﻈﻬﺮ وأﻧﺎ ﻣﺘﻌﺐ ﻣﻨﻬﻮك اﻟﻘﻮى ..وﻟﻜﻦ راﺿﻲ اﻟﻨﻔﺲ.
واﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاﺷﻲ ،وﻏﻠﺒﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎس ﻓﻨﻤﺖ ،ورأﯾﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺮى اﻟﻨﺎﺋﻢ أﻧﻨﻲ أﺳﯿﺮ وﺣﺪي ﻓﻲ أﺣﺪ ﺷﻮارع أﺛﯿﻨﺎ..
وان اﻟﺸﻮارع ﻣﻘﻔﺮة ،واﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ ﻣﻐﻠﻘﺔ ..وﺑﯿﻨﻤﺎ أﻧﺎ أﻣﺮ ﺑﻜﻨﯿﺴﺔ )ﻛﺎﺑﺬﯾﻜﺎرﯾﺎ( ،اذا ﺑﻲ أﻟﺘﻘﻲ ﺑﺼﺪﯾﻘﻲ
ﺳﺘﺎﻓﺮﯾﺪاﻛﻲ ،اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﻮﻗﺎز ..ﻓﺴﺄﻟﻨﻲ ﺑﺄﻧﻔﺎس ﻻﻫﺜﺔ:
-ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬه اﻷﯾﺎم ..اﻧﻨﻲ ﻟﻢ أرك ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ..ﻗﺎﺑﻠﻨﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻟﻨﺘﺠﺎذب أﻃﺮاف اﻟﺤﺪﯾﺚ.
-أﯾﻦ؟
-ﻓﻲ ﻣﻘﻬﻰ )ﻧﺎﻓﻮرة اﻟﺠﻨﺔ(.
-ﺣﺴﻨﺎ ..ﺳﺄذﻫﺐ إﻟﻰ ﻫﻨﺎك..
ﻓﻘﺎل ﻋﺎﺗﺒﺎً:
-أﻧﺖ ﺗﻘﻮل ذﻟﻚ وﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺬﻫﺐ.
-ﺑﻞ ﺳﺄذﻫﺐ ..وﻫﺎك ﯾﺪي..
وأﻣﺴﻚ ﺑﯿﺪي ..وﻫﺎﻟﻨﻲ أن ﺷﻌﺮت ﺑﺄن ﯾﺪه ﺑﺎردة ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ ..ﻓﻨﻬﻀﺖ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ ﻣﺬﻋﻮرا ..واﺗﺠﻬﺖ ﺑﺒﺼﺮي ﻧﺤﻮ
اﻟﺸﺮق ..ﻧﺤﻮ اﻟﻘﻮﻗﺎز ..ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن ﺻﺪﯾﻘﻲ ﻫﻨﺎك ﻓﻲ ﺧﻄﺮ.
اﻧﺘﻬﻰ ﻛﻞ ﺷﻲ ..وﺟﻤﻊ زورﺑﺎ اﻻﺳﻼك واﻻدوات واﻟﻌﺮﺑﺎت واﻻﺧﺸﺎب وﻗﻄﻊ اﻟﺤﺪﯾﺪ ﻓﻲ ﻛﻮﻣﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻋﻠﻰ
اﻟﺸﺎﻃﺊ اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﺸﺤﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﺣﺪى اﻟﺴﻔﻦ.
ﻗﻠﺖ:
-اﻧﻨﻲ اﻗﺪم ﻛﻞ ﻫﺬه اﻻﺷﯿﺎء ﻫﺪﯾﺔ ﻟﻚ ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻓﺨﺬﻫﺎ ،وأﺗﻤﻨﻰ ﻟﻚ ﺣﻈﺎ ﺳﻌﯿﺪا..
ﻓﺎﺑﺘﻠﻊ زورﺑﺎ ﻟﻌﺎﺑﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻛﻤﻦ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻪ ﻏﺼﺔ وﻏﻤﻐﻢ ﻗﺎﺋﻼً:
-ﻫﻞ ﺳﻨﻔﺘﺮق؟ إﻟﻰ أﯾﻦ ﺳﺘﺬﻫﺐ؟
-رﺑﻤﺎ ذﻫﺒﺖ إﻟﻰ أﺛﯿﻨﺎ ..ﻫﻨﺎك ﻛﺘﺐ ﯾﺠﺐ أن أﻗﺮأﻫﺎ وأﺧﺮى ﯾﺠﺐ أن أﻛﺘﺒﻬﺎ.
-أﻟﻢ ﺗﺘﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ أﺷﯿﺎء أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ؟
-ﺑﻞ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﯾﺎ زورﺑﺎ ،واﻟﻔﻀﻞ ﻟﻚ.
-وﻣﺎذا ﺳﺄﻓﻌﻞ ﺑﺪوﻧﻚ؟
-ﻻ ﺗﺤﺰن ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﻓﺴﻮف ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى.
وﺟﻠﺲ زورﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻻرض ،وأﺳﻨﺪ ﻇﻬﺮه إﻟﻰ ﺟﺪار اﻟﻜﻮخ ،وراح ﯾﺸﺮب اﻟﻜﺄس ﺗﻠﻮ اﻟﻜﺄس ..دون أن ﯾﻨﻄﻖ
ﺑﻜﻠﻤﺔ.
ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ:
-ﯾﺠﺐ أن أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻪ ﺟﯿﺪا ..ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻄﺒﻊ ﺻﻮرﺗﻪ ﻓﻲ ذﻫﻨﻲ ..ﻷﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺑﺪاً ..أﺑﺪاً.
ووددت أن أﻟﻘﻲ ﺑﺮأﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ وأﺑﻜﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ ﺧﺠﻠﺖ ،ﺛﻢ ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺿﺤﻚ ﻷﺧﻔﻲ ﺗﺄﺛﺮي واﻧﻔﻌﺎﻟﻲ ،ﻓﻔﺸﻠﺖ..
وأﺣﺴﺴﺖ ﺑﻐﺼﺔ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ.
ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻪ وﻫﻮ ﯾﻤﻂ ﻋﻨﻘﻪ اﻟﻄﻮﯾﻞ اﻟﻤﻐﻀﻲ ﻛﺄﻋﻨﺎق اﻟﻄﯿﻮر اﻟﺠﺎرﺣﺔ ﻟﯿﺸﺮب ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،وﻋﺠﺒﺖ ﻟﻠﺤﯿﺎة! أن
اﻟﻨﺎس ﯾﺘﻘﺎﺑﻠﻮن وﯾﻔﺘﺮﻗﻮن ،وﯾﺤﺎول اﻻﻧﺴﺎن ان ﯾﺤﺘﻔﻆ ﻓﻲ ذﻫﻨﻪ ﺑﺼﻮرة ﻟﻮﺟﻪ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي أﺣﺒﻪ ،أو ﻟﺤﺮﻛﺔ
ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﻪ ..ﺛﻢ ﺗﻤﻀﻲ اﻷﯾﺎم واﻟﺴﻨﯿﻦ ﻓﺎذا ﻫﻮ ﻻ ﯾﺬﻛﺮ ﺣﺘﻰ ﻟﻮن ﻋﯿﻨﯿﻪ..
واﺳﺘﻤﺮ زورﺑﺎ ﯾﺸﺮب ﻓﻲ ﺻﻤﺖ ،دون أن ﯾﺒﺪي ﺣﺮاﻛﺎً وﺧﯿﻞ إﻟﻲ أﻧﻪ ﯾﻨﺼﺖ إﻟﻰ وﻗﻊ أﻗﺪام ﺗﻘﺘﺮب ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،أو
أﻗﺪام ﺗﻨﺴﺤﺐ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﻛﯿﺎﻧﻪ.
-ﻓﯿﻢ ﺗﻔﻜﺮ ﯾﺎ زورﺑﺎ؟
-ﻓﯿﻢ أﻓﻜﺮ؟ اﻧﻨﻲ ﻻ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻻ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ اﻻﻃﻼق.
-اذن ﻓﺎﻋﺰف ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري..
-أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ان اﻟﻌﺰف ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﯾﺘﻄﻠﺐ اﻟﺒﻬﺠﺔ واﻟﻤﺮح واﻟﻘﻠﺐ اﻟﺴﻌﯿﺪ؟ ﻗﺪ أﺳﺘﻄﯿﻊ أن أﻋﺰف ﺑﻌﺪ
ﺷﻬﺮ أو ﺷﻬﺮﯾﻦ ،وﯾﻮﻣﺌﺬ ﺳﻮف أﻋﺰف ﻗﺼﺔ ﺷﺨﺼﯿﻦ اﻓﺘﺮﻗﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ.
ﻓﺼﺤﺖ ﻓﻲ ذﻋﺮ:
-إﻟﻰ اﻷﺑﺪ!!
واﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻨﻲ ﻫﻤﺴﺖ ﺑﻬﺎﺗﯿﻦ اﻟﻜﻠﻤﺘﯿﻦ ﻟﻨﻔﺴﻲ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ أن ﯾﻘﺎﻻ ﺑﺼﻮت ﻣﺴﻤﻮع..
ﻓﻘﺎل زورﺑﺎ وﻫﻮ ﯾﺒﺘﻠﻊ ﻟﻌﺎﺑﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ:
-ﻧﻌﻢ ..إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ..ان ﻣﺎ ذﻛﺮﺗﻪ اﻵن ﻋﻦ اﺣﺘﻤﺎل ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﺎ ،ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﯾﻘﺎل ﻻﻧﺴﺎن ﻣﺮﯾﺾ
ﻟﺘﺸﺠﯿﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻤﺎل آﻻﻣﻪ ..وأﻧﺎ ﻻ أﻗﻮل ﻫﺬا اﻟﻜﻼم وﻻ ارﯾﺪه ..ﻫﻞ ﻧﺤﻦ ﺿﻌﺎف ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء ﻟﻜﻲ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﻰ
ﻋﺒﺎرات اﻟﺘﺸﺠﯿﻊ واﻟﻤﻮاﺳﺎة؟ ﻧﻌﻢ ..اﻧﺎ ﺳﻨﻔﺘﺮق ..إﻟﻰ اﻷﺑﺪ..
وﺻﻤﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺛﻢ اﺳﺘﻄﺮد:
-ﻟﻘﺪ آن ﻟﻚ أن ﺗﺄوي إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻚ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ..اذ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﺮ اذا ﺷﺌﺖ أن ﺗﺴﺘﻘﻞ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ إﻟﻰ
ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ ..ﻃﺎﺑﺖ ﻟﯿﻠﺘﻚ..
-ﻟﯿﺴﺖ ﺑﻲ اﻟﺮﻏﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻌﺎس ﯾﺎ زورﺑﺎ ..ﺳﺄﺑﻘﻰ ﻣﻌﻚ ..ﻓﻬﺬه ﻟﯿﻠﺘﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻌﺎً..
-وﻟﻬﺬا ﯾﺠﺐ أن ﯾﻨﺘﻬﻲ اﻷﻣﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ..ﻃﺎﺑﺖ ﻟﯿﻠﺘﻚ.
وﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ دون أن ﯾﻠﻘﻲ وراءه ﺑﻨﻈﺮة واﺣﺪة وﻫﻨﺎك ﺗﻤﺪد ﻓﻮق اﻟﺤﺼﻰ وأدار وﺟﻬﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ.
وﻟﻢ أره ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺑﺪاً ..ﻓﻘﺪ رﺣﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﺮ ..دون أن ﯾﻘﻊ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﺼﺮي ..ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ أﺧﺘﺒﺄ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ
ﻟﯿﺮﻗﺒﻨﻲ ﺣﯿﻦ أرﺣﻞ ..ﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﻀﻄﺮ إﻟﻰ ﺗﺒﺎدل ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻮداع اﻟﻤﺆﻟﻤﺔ واﻟﺘﻠﻮﯾﺢ ﺑﺎﻻﯾﺪي واﻟﻤﻨﺎدﯾﻞ..
ﻛﺎن ﻓﺮاﻗﻨﺎ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻛﺎﻟﺴﯿﻒ.
وﻓﻲ ﻛﺎﻧﺪﯾﺎ ﺗﺴﻠﻤﺖ ﺑﺮﻗﯿﺔ أرﺳﻠﺖ رﻋﺪة ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﯿﻬﺎ..
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺳﻄﺮاً واﺣﺪاً:
" -ﺳﺘﺎﻓﺮﯾﺪاﻛﻲ أﺻﯿﺐ ﺑﺎﻟﺘﻬﺎب رﺋﻮي وﺗﻮﻓﻲ أﻣﺲ".
وﻣﺮت ﺧﻤﺴﺔ أﻋﻮام.
ﺧﻤﺴﺔ أﻋﻮام ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻣﻀﻨﯿﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻵﻻم واﻻﻫﻮال ،ﺗﻐﯿﺮت ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﺤﺪود ،ﻓﺎﺗﺴﻌﺖ دول واﻧﻜﻤﺸﺖ دول أﺧﺮى.
وﻫﻠﻚ ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﻨﺎس.
وﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺜﻼث اﻷوﻟﻰ ،ﺗﻠﻘﯿﺖ ﺑﻀﻊ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﻣﻦ زورﺑﺎ ..ﻗﺎل ﻓﻲ اﺣﺪاﻫﺎ أﻧﻪ وﺻﻞ إﻟﻰ دﯾﺮ ﻣﻮﻧﺖ اﺗﻮس،
واﻧﻪ ﻻ أﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻫﻨﺎك) ،ﻷن رﻫﺒﺎن اﻟﺪﯾﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺨﻞ واﻟﺘﻘﺘﯿﺮ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺴﻠﺨﻮن ﺑﺮاﻏﯿﺜﻬﻢ( وﻗﺎل
ﻓﻲ ﺑﻄﺎﻗﺘﻪ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،اﻧﻪ ﺗﻌﺐ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ اﻟﺒﺒﻐﺎء ﻣﻌﻪ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﯾﺬﻫﺐ إﻟﯿﻪ ..واﻧﻪ اﻫﺪاﻫﺎ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﺮﻫﺒﺎن
وأﺳﺘﺤﻠﻔﻪ أن ﯾﻌﻠﻤﻬﺎ اﻟﺼﻼة".
وﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻧﻪ ﻻ ﯾﺰال ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ،واﻧﻪ ﯾﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺟﻢ روﻣﺎﻧﯿﺎ وﯾﺄﻛﻞ ﻋﺼﯿﺪة اﻟﺬرة وﯾﺸﺮب
اﻟﻔﻮدﻛﺎ ..وﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣﯿﻦ ﺑﻌﺚ إﻟﻲ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺳﯿﺒﯿﺮﯾﺎ ﯾﻘﻮل ﻓﯿﻬﺎ:
" اﻟﺒﺮد ﻫﻨﺎ ﻣﺨﯿﻒ ،وﻟﺬﻟﻚ اﺿﻄﺮرت إﻟﻰ اﻟﺰواج ،واذا ﻗﻠﺒﺖ ﻫﺬه اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ ،ﻃﺎﻟﻌﻚ وﺟﻪ زوﺟﺘﻲ ،اﻧﻬﺎ ﻣﺘﻀﺨﻤﺔ
ﻗﻠﯿﻼ ..واﻟﺴﺒﺐ اﻧﻬﺎ ﺳﺘﻀﻊ زورﺑﺎ ﺻﻐﯿﺮا ..اﻧﻨﻲ أﻗﻒ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ﻣﺮﺗﺪﯾﺎ اﻟﺜﻮب اﻟﺬي اﻫﺪﯾﺘﻨﻲ إﯾﺎه ..أﻣﺎ ﺧﺎﺗﻢ
اﻟﺰواج اﻟﺬي ﻓﻲ اﺻﺒﻌﻲ ﻓﺎﻧﻪ ﺧﺎﺗﻢ ﺑﻮﺑﻮﻟﯿﻨﺎ اﻟﻤﺴﻜﯿﻨﺔ..
اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﺗﺪﻋﻰ ﻟﯿﻮﺑﺎ ،وﻣﻌﻄﻒ اﻟﻔﺮاء اﻟﺬي أرﺗﺪﯾﻪ ﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺑﺎﺋﻨﺔ )دوﻃﺔ( زوﺟﺘﻲ .وﻗﺪ أﺣﻀﺮت ﻟﻲ
زوﺟﺘﻲ ﻓﺮﺳﺎً وﺳﺒﻌﺔ ﺧﻨﺎزﯾﺮ وﻃﻔﻠﯿﻦ ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ اﻻول..
اﻧﻨﻲ أﻋﯿﺶ ﻛﺎﻟﺒﺎﺷﻮات ..ﻓﻘﺪ وﺟﺪت ﻣﻨﺠﻢ ﻧﺤﺎس ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﺠﺒﺎل ،ﻛﻤﺎ وﺟﺪت رأﺳﻤﺎﻟﯿﺎ ﻟﺘﻤﻮﯾﻠﻪ..
واﻧﻘﻄﻌﺖ أﻧﺒﺎء زورﺑﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،إﻟﻰ أن وردت ﻟﻲ أﺧﯿﺮاً رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺔ ﺳﻜﻮﯾﻠﻲ ﻓﻲ ﺳﯿﺒﯿﺮﯾﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ
اﻻﻟﻤﺎﻧﯿﺔ ﺑﺨﻂ ﻻ أﻋﺮﻓﻪ وﻗﺪ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ:
" أﻛﺘﺐ إﻟﯿﻚ ،أﻧﺎ ﻧﺎﻇﺮ ﻣﺪرﺳﺔ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﯾﺔ ،ﻟﻜﻲ أﻧﻬﻲ اﻟﯿﻚ ﻧﺒﺄ وﻓﺎة اﻟﯿﻜﺴﯿﺲ زورﺑﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻨﺠﻢ ﻧﺤﺎس ﻫﻨﺎ
اﻟﺬي ﺗﻮﻓﺎه اﷲ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺎء ﯾﻮم اﻻﺣﺪ اﻟﻤﺎﺿﻲ.
" وﻗﺪ دﻋﺎﻧﻲ اﻟﻔﻘﯿﺪ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ ،وﻗﺎل ﻟﻲ :اﺻﻎ إﻟﻲ أﯾﻬﺎ اﻟﻨﺎﻇﺮ ..ان ﻟﻲ ﺻﺪﯾﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن ﻓﻤﺘﻰ ﻣﺖ ،ﻓﺎﻛﺘﺐ إﻟﯿﻪ
وﻗﻞ ﻟﻪ اﻧﻨﻲ اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﺠﻤﯿﻊ ﺣﻮاﺳﻲ ﺣﺘﻰ آﺧﺮ ﻟﺤﻈﺔ ..واﻧﻨﻲ ﻏﯿﺮ آﺳﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻓﻌﻠﺘﻪ ..واﻧﻨﻲ أرﺟﻮا ﻟﻪ أن
ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﺻﻮاﺑﻪ..
" وأﺻﻎ أﯾﻀﺎً أﯾﻬﺎ اﻟﻨﺎﻇﺮ ..اذا ﺟﺎء ﻗﺲ ﻟﻠﺼﻼة ﻋﻠﻰ ﺟﺜﻤﺎﻧﻲ ﻓﺎﻃﺮده ،وﺑﺴﺮﻋﺔ ،وﻗﻞ ﻟﻪ اﻧﻨﻲ أرﯾﺪ ﻟﻌﻨﺎﺗﻪ ﻻ
ﺻﻠﻮاﺗﻪ..
ﻟﻘﺪ ﻓﻌﻠﺖ أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ..وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻓﻌﻠﻪ ،ان اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺘﻲ ﯾﺠﺐ
أن ﯾﻌﯿﺸﻮا أﻟﻒ ﻋﺎم ﻃﺎب ﻣﺴﺎؤك.
ﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ،وﻗﺪ ﺟﻠﺲ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻪ .ﺛﻢ ﺣﺎول اﻟﻨﻬﻮض .ﻓﺄﺳﺮﻋﻨﺎ إﻟﯿﻪ ،أﻧﺎ وزوﺟﺘﻪ ،وﺑﻌﺾ
اﻟﺠﯿﺮان ،ﻟﻜﻲ ﻧﻤﻨﻌﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻧﺤﺎﻧﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺑﺨﺸﻮﻧﺔ ووﺛﺐ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاش وﺳﺎر إﻟﻰ اﻟﻨﺎﻓﺬة ،وﺗﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ،وأرﺳﻞ
ﺑﺼﺮه إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ..وﻓﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﻪ وﺟﻌﻞ ﯾﻀﺤﻚ..
وﻣﺎت وﻫﻮ واﻗﻒ أﻣﺎم اﻟﻨﺎﻓﺬة وأﻇﺎﻓﺮه ﻣﻐﺮوﺳﺔ ﻓﻲ اﻃﺎرﻫﺎ..
وﻗﺪ ﻃﻠﺒﺖ إﻟﻲ زوﺟﺘﻪ ) ﻟﯿﻮﺑﺎ( أن أﻛﺘﺐ إﻟﯿﻚ وأﺑﻠﻐﻚ ﺗﺤﯿﺘﻬﺎ وأﻗﻮل ﻟﻚ أن اﻟﻔﻘﯿﺪ ﻛﺎن ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻨﻚ ﻛﺜﯿﺮا واﻧﻪ
أوﺻﻰ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﻟﻜﻲ ﺗﺬﻛﺮه ﺑﻪ.
"واﻻرﻣﻠﺔ ﺗﺮﺟﻮك اذا ﻣﺮرت ﺑﻬﺬه اﻟﻘﺮﯾﺔ ان ﺗﻨﺰل ﻓﻲ ﺿﯿﺎﻓﺘﻬﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺴﺎﻧﺘﻮري ﻣﻌﻚ ﻋﻨﺪ رﺣﯿﻠﻚ".
ﺗﻤﺖ