السيرة النبوية في دائرة المعارف

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 81

‫السيرة النبوية في دائرة المعارف‬

‫البريطانية‬
‫كتُب تحت مادة‬‫دراسة تحليلية لما ُ‬
‫"محمد‪ :‬النبي ورسالتُه"‬

‫د‪ .‬وليد بن بليهش العمري‬



1
‫المقدمة‬
‫الحمممد للممه رب العممالمين‪ ،‬الممذي بعممث رسمموله‬
‫للناس كافة بالحق وإمام مممبين‪ ،‬والصمملةا والسمملم‬
‫علممى أشممرف النأبيمماء والمرسمملين وقائممد الغممر‬
‫المحجلين محمد المأمور بأن يصدع بالقول ‪     ‬‬
‫‪]                     ‬ي ونأس‪ ،[104:‬صمملوات‬
‫ربي وسلمه عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه‬
‫إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫فآخر ما كان يدور في خلدي أن تجد طعونأات‬
‫عرف عنها أن‬ ‫المستشرقين طريقها إلى موسوعة ُ‬
‫أول سماتها العلم والمعرفة‪ ،‬وهي الموسوعة‬
‫البريطانأية ذات الصيت والشهرةا؛ لتميلها ميل ً‬
‫عظيما ً عن خط الرصانأة العلمية الذي رسمته‬
‫لنفسها منذ أول صدورها‪ ،‬وعندما عكفت على‬
‫قراءةا ما كتب فيها تحت موضوع "السلم" هالني‬
‫ما ساد الموضوع من انأحراف عن المنهج العلمي‬
‫السليم‪ ،‬والتحامل المغرض والرغبة الجارفة في‬
‫المساس بكل ما يعده المسلمون مقدسًا‪.‬‬
‫ول عجب في هذا الستغراب‪ ،‬فالموسوعة‬
‫البريطانأية هي أكثر الموسوعات العالمية العامة‬
‫شعبية وأوفرها سمعة من حيث الدقة ولسيما أنأها‬
‫تختار كتابها من أشهر المتخصصين ذوي الرأي‬
‫والكلمة المسموعة‪ ،‬ويشتهر عنها اعتمادها لغة‬
‫تربط مادتها باهتمامات القارئ الغربي ومنظومته‬
‫المعرفية‪ ،‬وتحلل الحقائق من منظور عقلي‬
‫موضوعي يميل إليه الفكر العلمي التحليلي‪.‬‬
‫ويرى بعض المستشرقين أن هذه هي منهجية‬
‫العلم المتبعة في الوساط العلمية الغربية‪ ،‬ويقول‬
‫‪2‬‬
‫رودي بارت بهذا الصدد إن المستشرقين‪":‬يطبقون‬
‫على السلم وتاريخه وعلى المؤلفات التي‬
‫يشتغلون بها المعيار النقدي‪ ،‬الذي يطبقونأه على‬
‫تاريخ الفكر عندهم")‪.(1‬‬
‫ورغم هذا تبدى لي جليا ً أن الهدف الول الذي‬
‫تسعى إليه الموسوعة في مادةا "محمد‪ :‬النبي‬
‫ورسالته"‪ ،‬التي أدرسها في هذا البحث‪ ،‬هو حشد‬
‫كل ما يمكن من شبهات وافتراءات وسوقها في‬
‫خطوط فكرية عامة يلتفت إليها القارئ الذي قد‬
‫يأخذ بما فيها باسم العلم والمعرفة؛ ليعملوا بذلك‬
‫‪-‬سواء عمدا أو عن غير عمد ‪ -‬على إدامة غرض‬
‫)‪(2‬‬
‫الستشراق الول وهو صد الناس عن السلم ؛‬
‫لينكصوا على أعقابهم خاسرين‪.‬‬
‫ومن هنا جاءت فكرةا هذا البحث‪ ،‬لكشف ستار‬
‫هذه الطعونأات وإبانأتها على حقيقتها بعون الله‪،‬‬
‫وتبيين ما فيها من انأحراف عن الموضوعية‬
‫والرصانأة العلمية‪ ،‬وتنبيه القارئ عليها‪.‬‬
‫وأبدأ هذا البحث بخلفية عن الموسوعة‬
‫البريطانأية أعرض فيها باختصار تاريخ الموسوعة‬
‫وبعض الرقام؛ ثم أمضي في استعراض السياسة‬
‫التحريرية للموسوعة التي أقصد من هذا البحث‬
‫بيان فشلها في تحقيق الحياد والموضوعية عندما‬
‫يخص المر السلم‪ ،‬وإن كانأت الموسوعة تؤكد‬
‫على هذا المنهج‪ .‬بعد ذلك نأأتي إلى المادةا قيد‬
‫البحث وهي مادةا "محمد‪ :‬النبي ورسالته"؛ لكشف‬

‫‪ ()1‬رودي بارت‪ ،‬الدراسات السلمية والعربية في الجامعات اللمانأية‪،‬‬


‫ص ‪.10‬‬
‫‪ ()2‬عبدالعظيم الديب‪" ،‬المنهج عند المستشرقين"‪ ،‬ص ‪.339 – 338‬‬

‫‪3‬‬
‫ميل الموسوعة إلى الخذ بآراء كبار رواد الفكر‬
‫الستشراقي المعاصر حول تاريخ الرسالة‬
‫المحمدية‪ ،‬وهي آراء نأعلم أنأها مليئة بالباطيل‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أولً‪ :‬الموسوعة البريطانأية‪ :‬تاريخ وأرقام‬
‫صدرت الموسوعة البريطانأية أول ما صدرت‬
‫عام ‪1768‬م‪ ،‬عندما أخرج ثلثة نأاشرين‬
‫أسكتلنديين كتابا ً معرفيا ً شامل ً وأسموه‬
‫‪ Encyclopedia Britannica‬أو الموسوعة‬
‫البريطانأية؛ ليكون بذلك أول الموسوعات باللغة‬
‫النأجليزية المستمرةا حتى اليوم‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت‬
‫خرج منها خمس عشرةا طبعة‪ ،‬وتعد ّ الموسوعة‬
‫البريطانأية أكبر الموسوعات المكتوبة بالنأجليزية‬
‫وأوفرها شهرةا‪ ،‬إذ تنتشر في الوقت الراهن)‪ (1‬في‬
‫القارات كافة وهي أشملها وأفضلها توثيقا ً‬
‫للمعلومة؛ إذ حرصت منذ بدايتها الولى على جذب‬
‫أشهر العلماء‪ ،‬وكتب فيها عدد ممن حصلوا على‬
‫جائزةا نأوبل بفروعها المختلفة‪.‬‬
‫وكانأت قد طبعت لول مرةا في إدنأبرةا بأسكتلندا‬
‫في ثلثة أجزاء تتألف من ‪2659‬صفحة‪ ،‬صدرت‬
‫كاملة عام ‪1771‬م‪ ،‬ثم طبعت بعد ذلك خمس‬
‫عشرةا طبعة صدرت الطبعة ما قبل الخيرةا من‬
‫شيكاغو بأمريكا بعدما نأقلت ملكيتها إلى وليام‬

‫‪ ()1‬كان المسلمون كعادتهم سباقين في تدوين كتب يمكن إطلق اسم‬


‫موسوعات عليها‪ ،‬وذلك منذ القرن الرابع الهجري )العاشر الميلدي(‬
‫ومنها "الفهرست" لبن النديم و"إحصاء العلوم" للفارابي‪ .‬ولم تبدأ‬
‫عناية الوروبيين بتأليف دوائر المعارف إل في القرن الثامن عشر‬
‫الميلدي ونأتج عن هذه العناية موسوعات تبلغ كل منها ما يزيد عن ‪100‬‬
‫مجلد مثل دائرةا المعارف الفرنأسية الكبرى التي بلغ عدد مجلداتها ‪166‬‬
‫بالضافة إلى أربعين أطلسا وخارطة‪ ،‬ودائرةا دي لنأدر ‪de Lander‬‬
‫النأجليزية التي تشمل ‪ 132‬مجلدا‪ ،‬وقد صدرت أجزاؤها تباعا منذ عام‬
‫‪ 1829‬حتى سنة ‪1846‬م‪) .‬محمد جمال الدين‪" ،‬الشبهات المزعومة‬
‫حول القرآن الكريم في دائرتي المعارف السلمية والبريطانأية"‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫– ‪ ،(5‬وتأتي بعدها في المرتبة من حيث الحجم الموسوعة المريكية‬
‫‪.The Encyclopedia Americana‬‬

‫‪5‬‬
‫بنتون عام ‪1941‬م الذي وّرثها مؤسسة بنتون‪،‬‬
‫م التصال‬ ‫خلها قس َ‬ ‫وهي مؤسسة خيرية يدعم د ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫الجماهيري في جامعة شيكاغو ‪.‬‬
‫وصدرت الطبعة الخامسة عشرةا والخيرةا عام‬
‫‪1952‬م وروجعت عام ‪1985‬م‪ ،‬وهي ل تزال‬
‫تراجع سنويًا‪ .‬ووصلت مبيعات الموسوعة‬
‫البريطانأية ذروتها عام ‪1990‬م إذ حققت مبلغا ً‬
‫قدره ‪ 650‬مليون دولر)‪.(2‬‬
‫وتقع الموسوعة اليوم في ثلثين مجلدا موزعة‬
‫في ثلثة أجزاء‪ Propaedia (1) :‬وهو عرض شامل‬
‫لمحتويات الموسوعة في جزء واحد‪(2) ،‬‬
‫‪ Micropaedia‬أو الموسوعة المصغرةا وهي ذات‬
‫مداخل مختصرةا تقع في اثنى عشر جزءًا‪ ،‬كتب‬
‫على كعب كل جزء عبارةا "مرجع متأت"‪(3) ،‬‬
‫‪ Macropaedia‬أو الموسوعة الشاملة وفيها يكتب عن‬
‫موضوعات عامة ومهمة كالسلم‪ ،‬وتطور‬
‫البشرية‪ ،‬بإسهاب‪ ،‬يكتبها علماء ومؤلفون مبرزون‪،‬‬
‫وتقع في سبعة عشر جزءا‪ ،‬كتب على كعب كل‬
‫جزء عبارةا "المعرفة بعمق"‪.‬‬
‫ومنذ ظهور الحاسوب كانأت الموسوعة‬
‫البريطانأية سباقة للستفادةا من الفرص التي‬
‫تمنحها هذه التقنية الحديثة‪ ،‬فصدرت الموسوعة‬
‫بالضافة إلى النسخة الورقية على أسطوانأات‬
‫ليزر‪ ،‬شاملة لكل ما حوته النسخة الورقية‪ ،‬إضافة‬
‫إلى آلف الصور والوسائط المتعددةا‪ ،‬كما شملت‬
‫السطوانأات معجم ماريام وبستر‪ ،‬وموسوعة أمم‬
‫العالم التي تحوي معلومات إحصائية‪.‬‬
‫‪ ()1‬إفانأز وورستر ‪.Order Blown to Bits‬‬
‫‪ ()2‬إفانأز وورستر ‪.Order Blown to Bits‬‬

‫‪6‬‬
‫ولم تغفل الموسوعة البريطانأية أهمية الشبكة‬
‫العالمية حيث ُنأشرت كاملة على النأترنأت‪ ،‬ويتحتم‬
‫دفع اشتراك لمن يريد أن يتعمق ويقرأ المقالت‬
‫كاملة‪ ،‬أما إمكان البحث ومطالعة الن َّبذ المقتضبة‬
‫فمجانأًا‪ .‬وموقع الموسوعة ‪ www.eb.com‬البريطانأية‬
‫كما هو في شكله الحالي يعد من أقوى مواقع جمع‬
‫المعلومات العامة على النأترنأت‪ ،‬فبمجرد إدخال‬
‫كلمات‪ ،‬مثل‪ encyclopaedia :‬أي موسوعة‪ ،‬أو‬
‫‪ information‬و ‪ background‬أي معلومات خلفية عن‬
‫موضوع‪ ،‬سرعان ما تظهر الموسوعة البريطانأية‬
‫ضمن أول النتائج‪.‬‬
‫ويشترك العديد من الجامعات العالمية‬
‫والمدارس في الموقع لتوفر خدمة البحث به مجانأا ً‬
‫للطلبة الذين يريدون أن يكتبوا مقالة حول موضوع‬
‫ما‪ ،‬بالضافة إلى آلف الصور والشكال التوضيحية‬
‫والوصلت العديدةا التي تم اختيارها بعناية من قبل‬
‫محرري الموسوعة‪ ،‬وتفاعلها مع القضايا ذات‬
‫الهتمام الواسع‪ ،‬بإفراد صفحات تحوي معلومات‬
‫موسعة ‪ -‬تتعلق بتاريخ القضية وآراء المحللين‬
‫حولها ‪ -‬يثق أساتذةا الجامعات ومعلمو المدارس‬
‫بقيمة المعلومة التي توفرها الموسوعة التي‬
‫حققت بها شهرتها الواسعة عبر أكثر من مئتي عام‬
‫من النأتشار‪.‬‬

‫أ‪ -‬السياسة التُحريرية للموسوعة‬


‫البريطانية‬
‫ل شك أن مما ضمن هذا الستمرار والحضور‬
‫القوي للموسوعة البريطانأية هي السياسة‬
‫‪7‬‬
‫التحريرية التي انأتهجتها منذ أول ظهور لها‪ ،‬ويلخص‬
‫توم بانأيلس سياسة الموسوعة التحريرية كما يلي‪:‬‬
‫"هدفنا هو عرض جميع مجالت المعرفة‬
‫النأسانأية متخذين موقفا ً عالميا ً شاملً‪ ،‬أي أنأنا‬
‫نأشمل الثقافات النأسانأية الكبرى كلها دون محاباةا‬
‫لثقافة بعينها‪ .‬فنحن نأسعى بجد ّ لنكون متوازنأين‬
‫في طرحنا على قدر يتوافق مع الطبع البشري‪،‬‬
‫وسعيا ً في هذا التجاه نأقدم جميع الموضوعات‪،‬‬
‫وبالنسبة للموضوعات التي يدور حولها الجدال‬
‫ويختلف عليها العلماء فإنأنا نأستنفد جهدنأا في‬
‫تلخيص جميع نأقاط الجدال لقرائنا عوضا ً من‬
‫النأحياز إلى رأي دون آخر‪.‬‬
‫ويتم مراجعة وتقويم جميع موادنأا دوريا ً لتحديثها‬
‫وتصحيحها ولمعرفة ما إذا كانأت متوافقة مع آخر ما‬
‫توصل إليه العلم‪ ،‬وتساعد شبكة من المستشارين‬
‫العلميين تنتشر في جميع أنأحاء العالم محرري‬
‫الموسوعة في هذه المراجعات‪ ،‬وتعاد كتابة المادةا‬
‫إذا دعا المر لذلك‪ ،‬وإذا كان حجم التصحيحات‬
‫كبيرا قد نأكلف أحدا بكتابة مادةا جديدةا كليا")‪.(1‬‬
‫إذا ً فسياسة الموسوعة التحريرية هي الحيادية‬
‫والشمولية والمراجعة والمتابعة المستمرةا‪ ،‬ولكن‬
‫إذا ما أردنأا التجرد من هذا الرأي الصادر عن مدير‬
‫العلقات العامة في الموسوعة فإنأه يمكن التعرف‬
‫على كثير من معالم السياسة التحريرية‬
‫للموسوعة البريطانأية من خلل قراءةا متأنأية‬
‫‪ ()1‬توم بانأيلس‪ ،‬مدير التصالت ]العلقات العامة[ في الموسوعة‬
‫البريطانأية‪ ،‬في اتصال شخصي جرى بيننا عن طريق البريد اللكترونأي‪،‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬يونأيو ‪.2003‬‬

‫‪8‬‬
‫لسطورها‪ .‬ول حاجة للباحث لن يذهب بعيدا ً في‬
‫ن يريد قراءةا‬‫م ْ‬‫البحث لكي يستشفها‪ ،‬وبخاصة َ‬
‫مادةا ما من مواد الموسوعة قراءةا نأقدية‪ ،‬خلف‬
‫ذلك الذي يريد الطلع لمجرد المعرفة‪ ،‬ويمكن‬
‫توزيع سياسة الموسوعة على محورين عامين‬
‫تنطوي تحتهما عدةا عوامل‪.‬‬
‫أول‪ :‬اختُيار المعلومة بدقة‪ ،‬وانأتخاب صفوةا‬
‫من الكتاب المتخصصين‪ .‬فعند تصفح مجلدات‬
‫الموسوعة الموسعة يجد القارئ ملحقا بكل‬
‫موضوع بحث قائمة ببليوجرافية موزعة حسب‬
‫مواد الموضوع‪ ،‬مثل تندرج تحت موضوع "السلم"‬
‫المواد‪" :‬السلم" و "محمد" و "القرآن" و‬
‫"الحديث" و "اللهوت والفلسفة" و"الصوفية‬
‫السلمية" و "القانأون السلمي" و "الساطير‬
‫والخرافات السلمية"‪ ،‬وتذّيل كل مادةا بثبت‬
‫بأسماء المراجع والمصادر المهمة التي أخذت منها‬
‫المادةا المكتوبة في الموسوعة ويمكن البحث فيها‬
‫للستزادةا عن الموضوع‪ ،‬وبالطلع على هذه‬
‫ما أن يتأكد من‬ ‫القوائم يمكن لمختص في مجال ّ‬
‫أن الكتابات التي ُرجع إليها معتمدةا في مجال‬
‫تخصصها ولها قيمتها العلمية‪ ،‬وهي قد اختيرت من‬
‫قبل أكاديمي بارز في مجاله‪ ،‬أو كاتب حاصل على‬
‫أعلى الجوائز العالمية كما ذكر آنأفا‪ ،‬وعادةا ما يتخذ‬
‫القارئ من هذه المصادر أول ما يرجع إليه للتوسع‬
‫في بحثه‪.‬‬
‫ولكن عندما نأقرأ القوائم الملحقة بموضوع‬
‫السلم نأجد أنأها كلها كتابات مستشرقين معروفين‬

‫‪9‬‬
‫من أمثال نأودلكه ووات وآربري‪ ،‬وأن الزاوية التي‬
‫تناول منها ك ُّتاب المواد‪ ،‬أو وجهوا من قبل فريق‬
‫التحرير إلى تناول الموضوع منها‪ ،‬زاوية مجحفة‬
‫في حق السلم وتاريخه‪ .‬وسنتابع هذه السياسة‬
‫التحريرية عن كثب في تحليل مادةا "محمد‪ :‬النبي‬
‫ورسالته"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الموضوعية‪ ،‬وهي بناء المعلومة على‬
‫الحقائق وتجريدها من الرأي والرؤية الشخصية‬
‫للباحث‪ .‬ويكاد يكون هناك إجماع عام في الدوائر‬
‫العلمية‪ - ،‬خاصة بعد الزدهار الكبير الذي تشهده‬
‫النمزعة النسبية في الجامعات الغربية‪ ،‬التي ترى‬
‫عدم إطلق الحقائق وبخاصة فيما يتعلق بوقائع‬
‫التاريخ)‪ -(1‬على أن الموضوعية شيء نأسبي‪ ،‬ورغم‬
‫أن الموسوعة البريطانأية تبدو للقارئ غير‬
‫المتمرس ‪ -‬الذي يبحث عن معلومات خلفية ‪ -‬ذات‬
‫صبغة موضوعية حول موضوع ما‪ ،‬إل أن غطاء‬
‫الموضوعية ينكشف سريعا أمام من هو على علم‬
‫بالموضوع المطروح وبخاصة فيما يتعلق‬
‫بطروحاتها عن السلم‪ ،‬وذلك من خلل اختيار‬
‫مراجع تكشف لنا الدراسات الستشراقية‬
‫السلمية أنأها عمد في هذا المجال‪ ،‬وأنأها شكلت‬
‫النظرةا الغربية وربما العالمية التشكيكية غير‬
‫المستساغة للسلم‪ ،‬وهي وإن كانأت تبدو أعمال ً‬
‫علمية رصينة تستحق الرجوع إليها واقتباس‬
‫طروحاتها‪ ،‬إل أنأها أحادية النظرةا تفتقر إلى العلمية‬
‫والموضوعية ويعوزها كثير من النأصاف‪.‬‬
‫ومما يزيد من فرص قبول مادةا الموسوعة‬
‫‪ ()1‬السؤال الذي يطرح هو‪ :‬من يكتب التاريخ؟‬

‫‪10‬‬
‫والتأثر ببعض أفكارها اللغة التُي كتُبت بها تلك‬
‫المواد‪ ،‬فهي رغم أنأها قد صيغت بلغة يرى العقل‬
‫الغربي أنأها هي لغة العلم والموضوعية بعينها‪ ،‬تبدو‬
‫كأنأها ل تعطي تقريرا ً نأهائيا ً ورأيا ً حاسما ً بل قلما‬
‫يجد القارئ فرصة كافية لكي ينفك من تأثيرها‬
‫القوي وآرائها شبه النهائية‪ ،‬كما أنأه ربما يعجز معها‬
‫عن تكوين رأيه الخاص عن الموضوع المطروح‪،‬‬
‫وبالرغم من هذا فمحصلة ما يكتب عن الموضوع‬
‫وآرائه هي التي قد يخرج بها القارئ الذي يرى أنأها‬
‫هي بعينها رأي أهل العلم الذين يستحقون ثقته‬
‫بهم‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن ملمح هذه اللغة ما يظهر جليا طريقتهم‬
‫في النقاش والجدال التي تهدف إلى إقناع القارئ‬
‫بوجهة نأظر الكاتب‪ ،‬وهذه الطريقة تختلف بين‬
‫الثقافات‪ ،‬ولسيما الثقافتين العربية والنأجليزية‬
‫الغربية‪ .‬وهناك أسلوبان أساسيان لطريقة‬
‫النقاش)‪ (1‬وهي‪ (1) :‬الجدال المستُمر )‪through-‬‬
‫قضِ )‪counter-‬‬
‫‪ (argumentation‬والجدال المنا ِ‬
‫‪ ،(argumentation‬ووفقا ً للسلوب الول يطرح‬
‫المجادل رأيا ً ويستمر في دعمه حتى النهاية‪.‬‬
‫ويرى كثير من منظري التصال بين الثقافات أن‬
‫أسلوب الجدل المستمر هو السلوب السائد في‬
‫الكتابات العربية‪ ،‬ولكن هذه النظرةا بدأت تتغير‬
‫نأتيجة لتأثير حركة الترجمة الواسعة التي تشهدها‬
‫الثقافة العربية‪.‬‬
‫أما الجدال المناقض فيعمد بداية إلى ذكر الرأي‬

‫‪ ()1‬باسل حاتم وإيان ميسون‪ ،The Translator as Communicator ،‬ص‬


‫‪.127-126‬‬

‫‪11‬‬
‫المخالف ربما بشيء من التقدير ثم دحض هذا‬
‫الرأي بهدوء وتقديم الدلئل المنطقية على موقف‬
‫المجادل‪ ،‬وعادةا ما يقدم المجادل بهذا السلوب‬
‫تنازل ً مراوغا ً )‪ (false concession‬أو اعترافا ً بوجاهة‬
‫الرأي الخر؛ لكي يوحي للقارئ بأنأه فهم الرأي‬
‫الخر‪ ،‬ولكن بعد تفكير عميق وبحث واستقراء‬
‫للواقع وصل إلى نأتيجة مخالفة‪ ،‬وهذا السلوب هو‬
‫المتبع غالبا ً في الوساط العلمية الغربية‪،‬‬
‫والموسوعة البريطانأية ل تشذ عن طوق هذه اللغة‬
‫العلمية‪ ،‬فتحت العنوان الفرعي "الشخصية‬
‫والنأجازات" الذي كتب عن نأبي الرحمة نأبينا محمد‬
‫‪ ‬تبدأ الموسوعة بالتي‪:‬‬
‫"ورغم الجحاف في حقه كثيرا ً من قبل علماء‬
‫أوربا القرون الوسطى‬
‫‪ -‬الذين ل تزال آراؤهم تحتفظ ببعض التأثير ‪-‬‬
‫أصبحت النظرةا لمحمد أكثر موضوعية في القرن‬
‫التاسع عشر فبعض الدلة ضده‪ ،‬مثل تواطئه في‬
‫بعض الغتيالت وإقراره اغتيال بعض رجال قبيلة‬
‫يهودية‪ ،‬أمور تاريخية ل يمكن تكذيبها"‪.‬‬
‫فالموسوعة بعد أن تورد تنازل ً مراوغا ً يرهف‬
‫إليه سمع القارئ تذكر من الجحاف ما قالت إنأه‬
‫شيء ل يحتفظ إل بقليل من التأثير في الوقت‬
‫الراهن‪.‬‬
‫ومن مظاهر هذه اللغة العلمية أيضا ً اعتماد لغة‬
‫التُحاشي ‪ ،((hedging‬وهي لغة يحاول بها الكاتب‬
‫تحاشي التصريح بالحقائق‪ ,‬وإعطاء انأطباٍع بعدم‬
‫الوضوح والتأكد‪ ،‬وتوظف هذه اللغة بالعتماد على‬

‫‪12‬‬
‫وسائل عدةا منها صيغة المبني للمجهول مثل‪:‬‬
‫ُيقال‪ ،‬وُيعتقد‪ ،‬والقارئ ل يعرف من الذي يقول أو‬
‫يعتقد أهو الكاتب نأفسه أم أحد العلماء‬
‫المتخصصين؟ وعبارات مثل‪ :‬يبدو وربما‪ ،‬وصفات‬
‫وتقديرات مثل‪ :‬قليل‪ ،‬إلى حد بعيد‪ ،‬بشكل ما‪،‬‬
‫وخلفها‪ .‬ورغم أن هذه اللغة هي اللغة السائدةا في‬
‫المراكز الكاديمية الغربية إذ تعد حجر زاوية في أي‬
‫أطروحة دراسات عليا يراد أن يكتب لها تجاوز‬
‫مضّعف‬ ‫المناقشة بنجاح‪ ،‬إل أن مجرد ذكر القول ال ُ‬
‫جحه على غيره دون التزام بما فيه من فكر‪،‬‬ ‫ُير ّ‬
‫ومن مزايا لغة التحاشي أيضا ً جعلها الكاتب يبدو‬
‫أقل تسرعا ً وأكثر روية في قراءةا معطيات الواقع‪،‬‬
‫وكذلك إعطاؤها انأطباعا ً بالتشكيك في الموضوع‬
‫المطروح‪ ،‬وكل هذا يعتمد على الحالة الخاصة‬
‫معرض الحديث وهذا ما سنناقشه في الموضوع‬
‫التالي‪.‬‬
‫وبالضافة إلى هذا تتميز لغة الموسوعة‬
‫البريطانأية بالسهولة والسلسة في صياغة الفكرةا‬
‫في عبارات يسهل تحليلها في ذهن القارئ وفهمها‪،‬‬
‫بغض النظر عن مستواه الثقافي‪ ،‬فهي تستخدم‬
‫الكلمات المتداولة وتتحاشى اللفاظ الغريبة‬
‫والمتخصصة‪ ،‬وتتميز جمل مواد الموسوعة بالقصر‬
‫إذ تشكل في جملتها وحدات معنوية ))‪semantic‬‬
‫‪ chunks‬مما يجعل القارئ ينخرط في القراءةا ويتتبع‬
‫الفكار المطروحة دون تشويش‪.‬‬
‫وهناك عدةا وسائل لغوية أخرى توظفها‬
‫الموسوعة في توجيه ذهن القارئ للخروج بقراءةا‬

‫‪13‬‬
‫معينة سنناقشها حين ورودها في الموضوع التالي‪.‬‬

‫ب‪ -‬مادة محمد في الموسوعة‬


‫البريطانية‬
‫تقع مادةا "محمد‪ :‬النبي ورسالته" في الجزء ‪22‬‬
‫من الموسوعة‪ ،‬في القسم الموسع تحت مدخل‬
‫"محمد ودين السلم" تحت موضوع "السلم"‪،‬‬
‫وكتبت المادةا في الصفحات من ‪ 1‬إلى ‪ 5‬وهي‬
‫صفحات من القطع الكبير كتبت فيها المادةا‬
‫بالحرف الصغير في عمودين‪ ،‬وعند سؤالي عن‬
‫كاتب المادةا رد ّ توم بانأيلس مدير العلقات العامة‬
‫بالموسوعة‪:‬‬
‫‪ -‬الكاتب الساس لمادةا محمد هو وليام‬
‫مونأتقمري وات‪ ،‬أستاذ الدراسات العربية‬
‫والسلمية بجامعة أدنأبرةا بين عامي ‪-1964‬‬
‫‪ ،1979‬مؤلف‪" :‬محمد‪ :‬نأبي ورجل دولة"؛ "مفكر‬
‫مسلم‪ :‬دراسة للغزالي"؛ والمحرر المشرف على‬
‫"دراسات إسلمية" ‪ .Islamic Surveys‬ولكن حياةا‬
‫محمد وتركته التي تم التعرض لها أيضا في مقالتنا‬
‫الطويلة ساهم فيها عدد من العلماء منهم‪:‬‬
‫فضل الرحمن‪ ،‬أستاذ الفلسفة السلمية‬
‫بجامعة شيكاغو بين عامي ‪1988-1969‬م‪،‬‬
‫ومؤلف "السلم والخرون"‪ .‬ومحسن س‪ .‬مهدي‪،‬‬
‫أستاذ اللغة العربية بجامعة هارفارد ومؤلف‬
‫"فلسفة التاريخ عند ابن خلدون"‪ ،‬وآن ماري‬
‫شيميل‪ ،‬أستاذةا سابقة للثقافة السلمية‪-‬الهندية‬

‫‪14‬‬
‫)‪(1‬‬
‫و"الخط‬ ‫بجامعة هارفارد‪ ،‬ولها "جناح جبريل"‬
‫السلمي" وغيرهما‪.‬‬
‫وأوردت الموسوعة قائمة بالمراجع والمصادر‬
‫التي استقت منها ما كتب في الموسوعة وهذه‬
‫ترجمتها‪:‬‬
‫‪ -‬محمد‪ .‬أعمال مرجعية‪ :‬و‪ .‬مونأتقمري وات‬
‫"محمد في مكة" )‪1953‬م( و"محمد في المدينة"‬
‫)‪ ،156‬وأعيد طبعه في ‪1977‬م(‪ ،‬وهما معالجة‬
‫شاملة اختصرا في "محمد‪ :‬نأبي ورجل دولة" )‬
‫‪1961‬م وأعيد إصداره في ‪1974‬م( بواسطة‬
‫المؤلف؛ فرانأتس بول "حياةا محمد" الطبعة الثالثة‬
‫وهو ترجمة ألمانأية لعمل نأشر بالدنأمركية عام‬
‫‪1903‬م ول يزال يعد ّ موثوقا ً به؛ تور أنأدريه‬
‫"محمد‪ :‬الرجل وعقيدته" ترجمة ثيوفل منسل )‬
‫‪1936‬م‪ ،‬وأعيد طبعه في ‪1971‬م( ويهتم‬
‫بالجوانأب الدينية؛ ابن هشام "حياةا محمد‪ :‬ترجمة‬
‫سيرةا رسول الله لبن إسحق" ]ترجمة الفريد‬
‫جّيوم[ )‪1955‬م وأعيد إصداره في ‪1967‬م( وهي‬
‫السيرةا العربية الكثر أهمية؛ نأابيا أبوت "عائشة‪:‬‬
‫محبوبة محمد" )‪1942‬م وأعيد طبعه في‬
‫‪1937‬م( وهو عمل علمي رصين؛ جون باقوت‬
‫كلوب "حياةا محمد وزمانأه" )‪1970‬م( وهو عمل‬
‫ذو شعبية واسعة بني على معرفة المؤلف بالحياةا‬
‫العربية‪.‬‬
‫المصادر الرئيسة‪ :‬القرآن بطبيعة الحال يحتوي‬
‫على مواد أساسية معاصرةا عن محمد‪ ،‬ولكن من‬
‫الصعب تقويمها دون معرفة تاريخية أوسع‪.‬‬
‫)( "جناح جبريل"‪ ،‬عنوان ديوان للشاعر الباكستانأي محمد إقبال‪ ،‬وآن‬ ‫‪1‬‬

‫ماري شيميل قامت بترجمة الديوان إلى النأجليزية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المجموعات الكبيرةا للحاديث‪ ،‬أو ما يروى حول ما‬
‫قاله محمد وما فعله‪ ،‬يثار حولها جدل تاريخي‪،‬‬
‫وخلفا ً لهذا فهي نأادرا ً ما تعطي شيئا ً ذا بال عن‬
‫حياةا محمد‪ .‬والمصادر الرئيسة ذات القيمة‬
‫التاريخية هي السير المبكرةا )من القرنأين الثامن‬
‫والتاسع( وبخاصة سيرةا ابن هشام‪ ،‬كما صاغها ابن‬
‫إسحق ومغازي الواقدي‪ ،‬مع المواد المكملة التي‬
‫سجلها زميله ابن سعد‪ ،‬وهذا يحتوي على مواد عن‬
‫الصحابة وعن علقة الرسول بهم وعمله معهم‪.‬‬
‫وحفظت بعض الوثائق مع عهد محمد في السير‬
‫المبكرةا‪ ،‬وأهمها ما يطلق عليه ميثاق المدينة‪ .‬وهو‬
‫مدون في ترجمة جّيوم لسيرةا ابن إسحاق‬
‫المذكورةا آنأفا ً والوثائق الخرى موجودةا في كتاب‬
‫وات "محمد في المدينة"‪.‬‬
‫وبقراءةا سريعة فيما كتب تحت مادةا "محمد‪:‬‬
‫النبي ورسالته" يظهر اعتماد محرري الموسوعة‬
‫المطلق على كتابات المستشرقين وبخاصة آراء‬
‫مونأتقمري وات‪ ،‬وهذا أمر سيلقي ظلله على‬
‫الطروحات الواردةا في المادةا خاصة إذا أخذنأا في‬
‫الحسبان أن الستشراق هو وليد حركة الجدل‬
‫التنصيري ضد السلم ونأبيه‪ ،‬وأن ميلده ونأشأته‬
‫في حضن اللهوت النصرانأي واليديولوجية‬
‫الغربية‪ ،‬قد أخضع مناهج المستشرقين لتلك‬
‫اليديولوجية مما أدى إلى فساد قواعد البحث‬
‫العلمي‪ ،‬والتغاضي عن المنهجية العلمية‪ ،‬وقلب‬
‫أصول البحث العلمي رأسا ً على عقب‪ ،‬ووضع‬

‫‪16‬‬
‫الفتراضات السابقة التي توجه عملية البحث)‪،(1‬‬
‫وهذا ما سنحاول الوقوف عليه في المحور التي‪.‬‬

‫ثانأيا‪ :‬منهج مونأتقمري وات في دراسة السيرةا‬


‫النبوية‬
‫كتب وات في مقدمة كتابه ‪Muhammad at Mecca‬‬
‫أي "محمد في مكة" تعريفا ً بمنهجه الذي اتبعه في‬
‫دراسة السيرةا النبوية‪ ،‬وأوضح أن دراسته موجهة‬
‫أساسا إلى المؤرخين‪ ،‬وأنأه حاول التزام الحياد في‬
‫القضايا الخلفية‪ ،‬ويحاول وات طمأنأة المسلمين‬
‫إلى أنأه قد حاول‪ ،‬مع التزامه بقواعد البحث‬
‫التاريخي الغربية‪ ،‬أل يقول شيئا ً يقتضي رد مبدأ‬
‫من مبادئ السلم الساسية‪ ،‬ورغم هذا الدعاء‬
‫يرسم الستاذ عبدالله محمد النعيم)‪ (2‬ملمح منهج‬
‫صله وفقا ً للنقاط التالية‪:‬‬
‫وات ويف ّ‬
‫القفز إلى نأتيجة مفادها أن النبي ‪ ‬تأثر بالبيئة‬
‫من حوله وبأفكار ورقة بن نأوفل والمسيحية‬
‫واليهودية‪ ،‬وحاول وات جهده إظهار مواطن يزعم‬
‫أنأه انأعكس فيها تأثر الرسول ‪ ‬بما حوله على‬
‫السلم؛ ليثبت أنأه جاء به من تلقاء نأفسه‪.‬‬
‫يلقي وات بظلل المنهج العلمانأي التشكيكي‬
‫الذي ل يؤمن بالغيب ول بالمعجزات على السيرةا‬
‫النبوية‪ ،‬فهو ينكر حدوث أي شيء خارق للعادةا‬
‫مثل حادثة شق صدره ‪ ‬وحدوث الوحي وغيرها من‬
‫الثار الثابتة عن النبي ‪ ،‬حيث يقول بشأنأها‪" :‬إن‬
‫‪ ()1‬محمد خليفة حسن‪ ،‬أزمة الستشراق الحديث والمعاصر‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫و عبدالعظيم الديب‪" ،‬المنهج عند المستشرقين"‪.‬‬

‫‪ ()2‬عبدالله محمد النعيم‪ ،‬الستشراق في السيرةا النبوية‪ ،‬ص ‪.47 – 38‬‬

‫‪17‬‬
‫هناك العديد من القصص ذات الطابع الديني يكاد‬
‫قن أنأها ليست حقيقة من وجهة نأظر‬ ‫يكون من المتي ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫المؤرخ العلمانأي الواقعية" ‪.‬‬
‫يعمد وات إلى المنهج المادي‪ ،‬ويذكر أن المؤرخ‬
‫أكثر إدراكا للعوامل المادية الكامنة وراء التاريخ‪،‬‬
‫وبأن مؤرخ منتصف القرن العشرين سيثير أسئلة‬
‫كثيرةا عن الجذور القتصادية والجتماعية‬
‫والسياسة للحركة التي بدأها محمد‪ ،‬من غير أن‬
‫يهمل أو يقلل من شأن الجوانأب العقدية)‪ ،(2‬ولذا‬
‫نأراه يعزو ظهور الدعوةا إلى الحالة الجتماعية‬
‫والقتصادية التي سادت في مجتمعه ‪ ،‬ويفسر‬
‫الغزوات السلمية من هذا المنطلق‪.‬‬
‫يسقط وات الرؤية الغربية المعاصرةا على‬
‫أحداث السيرةا‪ ،‬فنراه يطبق نأظرية تدرج تطور‬
‫الديان أيا ً كانأت على الدين السلمي حيث يتحدث‬
‫عن توحيد غامض في بداية الدين السلمي ويتدرج‬
‫ليصل إلى ما نأعرفه اليوم‪.‬‬
‫التشدد في اتباع منهج القصاء واعتماد الضعيف‬
‫والشاذ‪ ،‬حيث يسرف وات في نأفي الروايات‬
‫السلمية إذ ل تكاد رواية إسلمية تنجو من تضعيفه‬
‫وغّ واضح لقصاء هذه الرواية أو‬ ‫لها دون إعطاء مس ّ‬
‫تلك‪ ،‬ونأراه في المقابل يعتمد روايات ضعيفة‬
‫وشاذةا تحمل في طياتها التشكيك في دوافع وقائع‬
‫السيرةا وأهدافها؛ ليبين أنأه موضوعي يعمد إلى‬
‫المنطق دون اليمان‪.‬‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ، Muhammad at Mecca،‬ص ‪.33‬‬


‫‪ ()2‬مونأتقمري وات‪ ، Muhammad at Mecca،‬ص ‪.33‬‬

‫‪18‬‬
‫الكثار من منهج البناء والهدم‪ ،‬حيث ل تخلو‬
‫بعض جوانأب السيرةا من الثناء في كتابات وات‬
‫الذي سرعان ما يتبعه نأقدًا‪ ،‬فمثل ً نأراه يسهب في‬
‫الحديث عن حكمة النبي ‪ ‬ليقول إن من له مثل‬
‫هذه الحكمة لم يكن ليدعو قيصر الروم وكسرى‬
‫فارس للدخول في السلم ليلفت انأتباههم بذلك‬
‫إلى الخطر الذي يشكله على ملكهم)‪.(1‬‬
‫ولكي تكتمل الصورةا عن منهج وات‪ ،‬فيجدر بنا‬
‫الحديث عن المصادر التي اعتمد عليها في دراسته‬
‫للسيرةا النبوية‪ ،‬حيث رجع إلى مصادر موثوقة مثل‬
‫ابن هشام والطبري والواقدي وابن سعد‪ ،‬فأخذ‬
‫منها ما اخذ ورد منها ما رد وشكك في كثير من‬
‫الروايات الواردةا فيها‪ ،‬وكذلك رجع إلى دراسات‬
‫غلةا المستشرقين من أمثال ب‪ .‬ه‪ .‬لمانأس‬
‫وجوزيف شاخت وليون كاتيانأي ورتشارد بي‬
‫وتيودور نأودلكه وبروكلمان‪ ،‬ويصل به التأثر‬
‫ببعضهم إلى القول‪" :‬إن مخالفة قولد زيهر ليست‬
‫بالمر السهل")‪.(2‬‬
‫وبما أن الموسوعة البريطانأية استكتبت وات‬
‫ليشارك فيها بمادةا "محمد‪ :‬النبي ورسالته"‪،‬‬
‫فليس من الغريب أن يؤثر منهجه فيما كتب في‬
‫المادةا وأن تعكس كثيرا من آرائه‪ ،‬وهذا ما‬
‫سنحاول الوقوف عليه في المحور التي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قراءةا مادةا "محمد‪ :‬النبي ورسالته"‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Medina ،‬ص ‪.42 - 41‬‬


‫‪ ()2‬مونأتقمري وات‪ ، Muhammad at Mecca،‬ص ‪.82‬‬

‫‪19‬‬
‫‪Muhammad: the‬‬ ‫كتبت المادةا تحت العنوان التالي‬
‫‪ Prophet and his message‬أي " محمد‪ :‬النبي ورسالته"‪،‬‬
‫ومن يعرف تاريخ تهجئة اسم نأبينا الكريم عبر تاريخ‬
‫الستشراق يرى أن هذه التهجئة تسامت عن‬
‫التحيز البائن الذي اتصفت به كتابات المستشرقين‬
‫في الشطر الول الطويل من تاريخ الستشراق‪،‬‬
‫فإنأها حّرفت عمدا ً في العصور الوروبية الوسطى‬
‫إلى ‪ Mohound‬التي كان من بين معانأيها الشيطان‬
‫وأمير الظلم)‪ ،(1‬وكتبت تارةا ‪ Mohomet‬وتارةا‬
‫‪ Mahomet‬كما في كتاب فولتير الموغل في‬
‫الجحاف ‪ Mahomet‬أو "محمد" الذي نأشر عام‬
‫‪ ،1742‬وفي الترجمة الفرنأسية الولى للقرآن‬
‫الكريم التي أخذت عنها الترجمة النأجليزية الولى‪،‬‬
‫وهي تهجئة تحاكي النطق التركي للكلمة – وإن‬
‫كانأت محرفة عنها –‪ ،‬ول غرو فأوروبا كانأت تعد ّ‬
‫الخطر العثمانأي الزاحف وخطر السلم أو‬
‫المحمدية ‪ Mahometanism‬كما أطلقوا هذا اللفظ‬
‫على الدين احتقارا ً)‪ ،(2‬وهذا التحامل يظهر جليا ً‬
‫على غلف أول ترجمة فرنأسية‪-‬إنأجليزية لمعانأي‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬حيث كتب إن هذه الترجمة أعدت‬
‫"لرضاء كل من عنده الرغبة في معرفة زيف‬
‫التراك"‪ ،‬بل وإنأه حتى الطبعة الحادية عشرةا من‬
‫الموسوعة البريطانأية التي تعد طبعة كلسيكية‪،‬‬
‫‪()1‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.xi‬‬
‫‪ ()2‬يناقش الدكتور جان جبور تطور نأظرةا الغرب للمسلمين من أعمال‬
‫بارزةا كشفت عن مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها هذه النظرةا‬
‫عبر تاريخ لقاء الحضارتين في كتابه‪ :‬النظرةا إلى الخر في الخطاب‬
‫الغربي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وأكثر طبعات الموسوعة شهرةا كتب فيها اسم نأبينا‬
‫الكريم وفق التهجئة ‪ Mahomet‬وكيلت فيها الكاذيب‬
‫كيلً‪ .‬ومن يعرف هذا التاريخ يرى بأن تهجئة اسم‬
‫نأبينا الكريم في هذه المادةا سليمة تتسامى عن‬
‫تلك الكاذيب واضحة التعسف والخطأ‪.‬‬
‫ولكن هذه هي مزية الدراسات الستشراقية‬
‫منذ النصف الثانأي من القرن التاسع عشر وتحديدا ً‬
‫عام ‪1840‬م‪ ،‬عندما ألقى رجل الدين النأجليزي‬
‫توماس كارليل سلسلة محاضرات بعنوان "عندما‬
‫يكون البطل نأبيا‪":‬محمد والسلم"؛ إذ شكلت‬
‫نأقطة تحول في الفكر الستشراقي حيث كشف‬
‫فيها كثيرا ً من الحقائق التي تتعلق بالرسول ‪‬‬
‫والسلم‪.‬‬
‫والحقيقة هي أن النصف الثانأي من القرن‬
‫التاسع عشر شهد نأظرةا جديدةا إلى السلم ونأبيه‪،‬‬
‫ذلك أن عصر التنوير الوروبي كان من جوانأب‬
‫عديدةا متحررا ً من النمزعة اللهوتية المعادية‬
‫للسلم‪ ،‬التي شجعتها الكنيسة في أوروبا‪ ،‬إل أن‬
‫النظرةا الجديدةا لم تأت خالية من التحيز والتحريف‬
‫والتشويه المعهود‪ ،‬حيث أصبح المستشرقون‬
‫يميلون إلى "صدق الرسول" ولكن قالوا بأن‬
‫الوحي الذي تلقاه كان من حديث النفس ومن‬
‫الحيل النفسية التي خدع بها نأفسه ليجابه محيطه‬
‫الجتماعي الذي ساءه جدا ً)‪.(1‬‬
‫ويرى الدكتور عبدالعظيم الديب واقع‬
‫الستشراق الحديث ليس فيه موضوعية ول‬
‫‪ ()1‬محمد مهر علي‪ ،and the Orientalists Sirat al-Nabî  ،‬ص ‪.viii‬‬

‫‪21‬‬
‫منهجية ول استقامة "وإنأما كان هذا التغير أو‬
‫التطور في الساليب ضرورةا أملتها الظروف‬
‫وواقع الحال‪ ،‬وكان لبد من تغيير الساليب لتتلءم‬
‫وتتواءم مع المواطن الوروبي المسيحي نأفسه –‬
‫المخاطب أصل ً بالدراسات الستشراقية – فحيثما‬
‫كان العصر عصر أمية وجهالة وهمجية كان يكفيهم‬
‫أن يكتبوا لهم سبا ً وشتما ً في السلم ورسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم وفي المسلمين‪،‬‬
‫حتى يقبحوه ويشوهوه في أعينهم وينفروهم منه‪.‬‬
‫وأما مع التطور والستنارةا ومعرفة هؤلء‬
‫الوروبيين بالمسلمين والسلم‪ ،‬نأتيجة للحتكاك‬
‫في القتال والتجارةا والنأتقال فكان لبد من أن‬
‫يغير هؤلء أساليبهم‪ ،‬حتى تنطلي على عقول‬
‫الجيال الجديدةا‪ ،‬وكان تغيير الساليب يتلءم‬
‫ويتواءم مع درجة معرفة هؤلء عن السلم‬
‫والمسلمين")‪.(1‬‬
‫وإذا ما جمعنا الفكار والراء المعروضة في‬
‫مادةا محمد في الموسوعة البريطانأية وربطنا بين‬
‫أجزائها فإنأنا نأخرج بتصور عام عن القضايا الرئيسة‬
‫التي تركز عليها‪ ،‬والشبه والطعونأات التي تسوقها‪.‬‬
‫وقد اجتهدت في استخلص هذه القضايا الكلية‬
‫وأدرجت تحت كل واحدةا منها ما يتصل بها مما ورد‬
‫في المادةا‪ ،‬وأود أن أؤكد هنا المور التالية‪:‬‬
‫أول‪ :‬أهمية رجوع القارئ إلى المادةا وقراءتها؛‬
‫ما كتب في المادةا‪ ،‬إذ إن‬ ‫ون انأطباعا ً عاما ً ع ّ‬
‫ليك ّ‬
‫المثلة المستشهد بها مأخوذةا من ذلك السياق‪.‬‬
‫‪ ()1‬عبدالعظيم الديب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.346‬‬

‫‪22‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬أنأي ركزت في مناقشتي هنا على‬
‫القضايا والطعونأات الساسية التي تعد أفكارا ً‬
‫مركزية في الفكر الستشراقي المعاصر والتي‬
‫تكشف تعسفهم في التفسير والستنتاج والخروج‬
‫بالنتائج قبل تحليل الحقائق‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬أن بعض الراء المطروحة في المادةا أهم‬
‫من بعضها الخر والتركيز عليها يكون أكبر في‬
‫المادةا‪ ،‬ولكن يظهر جليا ً ترابط هذه الراء وقيامها‬
‫على القاعدةا نأفسها وسيرها في اتجاه واحد‪ ،‬أي‬
‫أن نأتائجها تعزز الفكرةا نأفسها التي يخرج بها قارئ‬
‫المادةا عن رسول السلم ‪ ‬ول يناقض بعضها‬
‫بعضًا‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬إذا كانأت آراء مونأتقمري وات والشبه‬
‫التي يثيرها ‪ -‬وهو الكاتب الساس لمادةا "محمد‪:‬‬
‫النبي ورسالته" التي أتناولها تحليل ً في هذا البحث‬
‫‪-‬ذات علقة توضيحية بما ورد في الموسوعة وتفيد‬
‫في فهم الشبه المذكورةا‪ -‬أذكر آراءه وفقا لما‬
‫تقتضيه هذه الحاجة؛ لن ما يظهر في الموسوعة ل‬
‫يعدو كونأه رأس جبل الجليد الكامن تحت الماء‪ ،‬إذ‬
‫إن الشبه التي تعرضها الموسوعة تناقش بشكل‬
‫أوسع في كتابات وات‪ ،‬ونأحتاج في مواضع إلى‬
‫تنبيه القارئ لهذا الخطر‪.‬‬
‫جْلوا ً للبس أقوم بالرد‬‫خامسا ً‪ :‬إظهارا ً للحق و َ‬
‫ل على حدةا؛ متسلحا ً في ذلك‬ ‫على هذه الشبه ك ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫بردود عدد من الباحثين المسلمين الذين درسوا‬
‫‪ ()1‬ومن الكتابات التي نأاقشت آراء مونأتقمري وات خاصة وغيره من‬
‫المستشرقين‪:‬‬
‫‪ -1‬محمد مهر علي‪.Sirat al-Nabi  and the Orientalists ،‬‬

‫‪23‬‬
‫ي به‪ ،‬والله‬
‫هذه الراء‪ ،‬ومضيفا إليها ما فتح الله عل ّ‬
‫نأسأل التوفيق والسداد‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬نأظرا لتداخل الشبه وانأطلقها من‬
‫السياق التفسيري نأفسه لحداث السيرةا النبوية‪،‬‬
‫فإن الردود عليها تكون في مواضع مترابطة فيما‬
‫بينها‪ ،‬وعلى القارئ أخذ السياق العام للشبهة والرد‬
‫في الحسبان‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬على القارئ ملحظة أن القتباسات‬
‫المأخوذةا من الموسوعة تبدأ بالعلمة ● في متن‬
‫البحث‪ ،‬وأورد الصل في الحواشي‪.‬‬

‫الشبهة الولى‪ :‬التشكيك في المصادر العربية‬


‫ويورد د‪ .‬فاروق عمر فوزي قول تور أنأدريه وهو‬
‫يشكك في الثقة بالمعلومات التي وصلتنا عن‬
‫محمد ‪ ‬قائلً‪" :‬ل نأعرف بالضبط متى ولد محمد؟‬
‫وأكثر ما جاءنأا عن حياته الولى معلومات‬
‫أسطورية" )ص ‪ ،(51‬وتعليقا ً على هذا يقول د‪.‬‬
‫فاروق عمر فوزي‪" :‬وهكذا يفاجئ المؤرخ‬
‫المتخصص بتاريخ السلم‪ ...‬وبعد كل التقدم الذي‬
‫حصل في تحقيق ونأشر المخطوطات العربية وفي‬
‫طريق البحث العلمي في التاريخ وفي تفسير‬
‫التاريخ وفلسفته‪ ،‬يفاجئ المؤرخ بفرضيات‬

‫عبدالله محمد النعيم‪ ،‬الستشراق في السيرةا النبوية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬


‫عبدالرحمن أحمد سالم‪" ،‬قراءةا نأقدية في كتابات مونأتقمري‬ ‫‪-3‬‬
‫وات في السيرةا النبوية"‪.‬‬
‫جعفر شيخ إدريس‪" ،‬منهج مونأتقمري واط في دراسة نأبوةا‬ ‫‪-4‬‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫عماد الدين خليل‪" ،‬المستشرقون والسيرةا النبوية‪ :‬بحث مقارن‬ ‫‪-5‬‬
‫في منهج المستشرق البريطانأي المعاصر مونأتقمري وات"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وتفاسير تعود به إلى تصورات المبشرين‬
‫)‪(1‬‬
‫المتطرفين في العصور الوسطى" ‪.‬‬
‫ويجد هذا المنهج السقيم طريقه إلى الموسوعة‬
‫في عدةا أماكن ويظهر التشكيك في أمور نأعدها‬
‫من المسلمات‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬محمد )السم كامل‪ ،‬أبو القاسم محمد بن‬
‫عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم( ولد في مكة‬
‫سنة ‪570‬م تقريباً بعد موت والده عبدالله)‪.(2‬‬
‫‪ ‬وفي حوالي ‪595‬م في إحدى هذه الرحلت‬
‫كان مسؤول ً عن تجارةا امرأةا ثرية وهي خديجة من‬
‫بني أسد‪ ،‬وبهرها لدرجة أنأها عرضت عليه الزواج‪.‬‬
‫ويقال إنأها كانأت في الربعين‪ ،‬ولكنها ولدت لمحمد‬
‫على القل ولدين ماتا صغيرين وأربع بنات‬
‫)‪(3‬‬
‫وأشهرهن فاطمة زوجة ابن عم محمد‪ ،‬علي ‪.‬‬
‫يقول وات‪" :‬بولغ كثيرا في عمر خديجة‪ ،‬وتذكر‬
‫المصادر أسماء سبعة أطفال ولدت لمحمد‪ ،‬ولو‬
‫كان المر كما يذكر ابن سعد أنأها أنأجبتهم على‬
‫فترات منتظمة‪ ،‬مما يجعل عمرها ثمانأية وأربعين‬
‫قبل ولدةا الطفل الخير‪ ،‬وهذا ليس أمرا ً مستحيل‬
‫ولكنه من الغرابة بمكان بحيث يستحق الشارةا‬
‫‪ ()1‬فاروق عمر فوزي‪ ،‬الستشراق والتاريخ السلمي‪ ،‬ص ‪.52-51‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() Muhammad: in full Abu al-Qasim Muhammad ibn 'Abd Allah ibn 'Abd al-‬‬
‫‪Muttalib ibn Hashim born c. 570 , Mecca, after the death of his father, 'Abd‬‬
‫‪Allah.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪() About 595 , on such a journey, he was in charge of the‬‬
‫‪merchandise of a rich woman, Khadijah of the clan of Asad, and‬‬
‫‪so impressed her that she offered marriage. She is said to have‬‬
‫‪been about 40 , but she bore Muhammad at least two sons, who‬‬
‫‪died young, and four daughters, of whom the best known was‬‬
‫‪Fatimah, the wife of Muhammad's cousin 'Ali‬‬

‫‪25‬‬
‫إليه‪ ،‬أنأه أمر يمكن اعتباره معجزةا")‪.(1‬‬
‫ورغم اعتراف وات بأن ولدةا المرأةا في سن‬
‫الثامنة والربعين "ليس أمرا ً مستحيل" إل أنأه يلقي‬
‫بظلل من الشك على هذا الحتمال‪ ،‬ويقول‪ :‬بأنأه‬
‫معجزةا‪ ،‬وهذا ما يعرف بالتنازل المراوغّ أو بمنهج‬
‫البناء والهدم)‪ ،(2‬وهو ليس إل تلعبا ً باللفاظ‬
‫وتدليسا ً كلميًا‪ ،‬فكم من امرأةا ولدت بعد‬
‫الخمسين‪ ،‬فإن كانأت هذه "معجزةا" في رأي وات‬
‫فهي معجزةا ل تستحق كثيرا من الهتمام‪.‬‬
‫‪ ‬ويقال‪ :‬إن المكيين خططوا لقتل محمد قبل‬
‫أن يرحل)‪.(3‬‬
‫‪ ‬يستبعد وات محاولة اغتيال الرسول ‪ ‬التي‬
‫تعرض لها قبيل هجرته التي حيكت في دار الندوةا‪،‬‬
‫إذ يقول "ليس هناك شك في أن هذا الجتماع قد‬
‫عقد‪ ،‬وأن الحاضرين أدركوا أن محمدا ً يهيئ‬
‫مشاريع معادية لهم‪ ،‬كما يقول ابن إسحق‪ ،‬وتوضح‬
‫الحوادث التي وقعت فيما بعد أن النية لم تنعقد‬
‫على قتل محمد‪...‬؛ لن التفاق على ذلك لم يكن‬
‫بالجماع‪ ،‬ولربما كان قرب وقوع الخطر هو الذي‬
‫عجل برحيل محمد‪ ،‬ومن الصعب التأكد من طبيعة‬
‫الخطر الذي كان يهدد محمدا وأتباعه‪ ،‬فلقد‬
‫أضيفت أشياء كثيرةا على قصة الهجرةا‪ ،‬حتى إن‬
‫المصادر الولى نأفسها لم تخل من الضافات‪ ،‬ول‬
‫جم في مكة بعد‬ ‫يستبعد أن يكون محمد قد ُر ِ‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Mecca ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ ()2‬عبدالله محمد النعيم‪ ،‬الستشراق في السيرةا النبوية‪.47 – 45 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪() The Meccans are said to have plotted to kill Muhammad before he‬‬
‫‪could leave.‬‬

‫‪26‬‬
‫الجتماع")‪.(1‬‬
‫يثير كلم وات هذا تساؤلت أكثر مما يجيب‬
‫عنها‪ :‬إذا كان يقطع جازما أن الجتماع قد عقد‪،‬‬
‫فلماذا عقد هذا الجتماع؟ ثم لماذا يستبعد مشروع‬
‫الغتيال‪ ،‬بحجة أن هذا ل يتم في اجتماع؟ أل يتم‬
‫اتفاق كهذا في اجتماع للمل من أهل مكة؟ لقد‬
‫أخبرنأا العزيز الحكيم بما تم فعل في هذا الجتماع‬
‫في قوله‪]                 :‬النأفال‪ ،[30 :‬وإذا‬
‫كان يعترف بأن هناك خطرا ً يهدد محمدا ً ‪ ‬وأتباعه‪،‬‬
‫فما هو هذا الخطر؟ ولماذا ل يكون الخطر هو‬
‫محاولة الغتيال؟ وكيف يفترض احتمال رجم‬
‫محمد ‪ ‬دون دليل؟ أو يشكك وات في المصادر‬
‫الولى بحجة أنأها "لم تخل من الضافات" ثم يأتي‬
‫باحتمال ل نأعرف من أين أتى به؛ ليوهم القارئ بأنأه‬
‫لم شتات ما َبعثر‪.‬‬
‫الشبهة الثانأية‪ :‬التشكيك في نأزول الوحي‬
‫يزعم المستشرقون أن الوحي إنأما هو‬
‫استشعار داخلي ولكنه صادق‪ ،‬فهم ل يشككون‬
‫بصدق شعور النبي ‪ ‬بالنبوةا‪ ،‬ولكنهم يظنون إنأما‬
‫هو استشعار داخلي وقناعة ذاتية دون أن يكون‬
‫هناك شيء خارجي اسمه الوحي)‪ ،(2‬وأن كلمة‬
‫"الوحي" ل تعني تلقي النص من الله سبحانأه‬
‫وتعالى بل تعني اقتراحا ً أو إشارةا ‪ suggestion‬أو‬
‫تكلم ذهني ‪.intellectual locution‬‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.273‬‬


‫‪ ()2‬أكرم ضياء العمري‪" ،‬موقف الستشراق من السنة والسيرةا‬
‫النبوية"‪ ،‬ص ‪.60‬‬

‫‪27‬‬
‫م بينما كان يتدبر في أمور‬610 ‫ وفي حوالي‬
‫كهذه تراءى لمحمد مخلوق ذو أبهة )قيل فيما بعد‬
‫ "أنأت‬:‫إنأه الملك جبريل( وسمع صوتا يقول له‬
‫ وشكلت هذه بداية مهنته رسول ً من‬."‫رسول الله‬
‫ ومن وقت‬.‫الله )]بالعربية[ رسول الله( أو نأبيًا‬
،"‫ حتى موته "وحيًا‬،‫ على فترات متتابعة‬،‫لخر تلقى‬
‫أي رسائل كلمية اعتقد أنأها أتت مباشرةا من‬
‫ وأحيانأا ً بقيت هذه في ذاكرةا محمد وأصحابه‬.‫الرب‬
‫م جمعت وكتبت‬650 ‫ وفي حوالي‬.‫وأحيانأا ً كتبت‬
‫ كتاب السلم المقدس( في‬Koran ‫في القرآن )أو‬
‫ ويؤمن ]يعتقد[ المسلمون‬.‫الصيغة التي بين أيدينا‬
‫بأن القرآن وحي إلهي كتب من كلم الرب‬
.(1)‫نأفسه‬
‫ونألحظ في هذا القتباس الذي تفوح منه رائحة‬
‫التشكيك أن كلمة "وحي" حصرت بين فاصلتين‬
‫ وهذه سنة‬.‫كنت‬ ّ ‫معقوفتين قبلها ومثلها بعدها أي ر‬
‫متبعة في كتابات من يشككون في الوحي ممن‬
‫ذكرنأا آنأفا يقصد بها التشكيك فيما بين الفواصل‬

1
() About 610 , as he reflected on such matters, Muhammad had a vision of a
majestic being (later identified with the angel Gabriel) and heard a voice saying
to him, “You are the Messenger of God.” This marked the beginning of his
career as messenger (or apostle) of God (rasul Allah ), or Prophet (nabi ). From
this time, at frequent intervals until his death, he received “revelations” — that
is, verbal messages that he believed came directly from God. Sometimes these
were kept in memory by Muhammad and his followers, and sometimes they
were written down. About 650 they were collected and written in the Qur’an
(or Koran, the sacred scriptures of Islam), in the form that has endured.
Muslims believe the Qur’an is divine revelation, written in the words of God
himself.

28
‫وتأكيده دون سواه في السياق الذي يرد فيه)‪.(1‬‬
‫ويخرج وات بهذه النتيجة من خلل تأثره بأقوال‬
‫سابقيه وبفهمهم الخاطئ لمعنى كلمة وحي‪ ،‬فهم‬
‫يقصرون معناه على حديث النفس للنفس‬
‫ويزعمون بأن مصدره هو "اللوعي الجماعي‪،‬‬
‫الذي هو مصدر كل وحي ديني")‪ ،(2‬وعمل ً بمنهجهم‬
‫في اختلق النتائج ولي أعناق الوقائع التاريخية‬
‫وتقطيع أوصالها للتوافق مع هذه النتائج‪ ،‬أّولوا آي‬
‫الكتاب وبخاصة اليات ‪ 12-1‬من سورةا النجم‪،‬‬
‫واليات ‪ 28-22‬من سورةا التكوير‪ ،‬التي تتحدث‬
‫عن إلقاء الوحي إلى رسول الله ‪ ‬ولقائه جبريل‬
‫عليه السلم‪ ،‬حيث يقول وات‪ :‬إن عدم ذكر اسم‬
‫الملك يشكك في رؤية الرسول ‪ ‬له! ثم بعد ذلك‬
‫يناقش باستفاضة أن كلمة "أوحى" تعني "اقترح"‪،‬‬
‫ويستقرئ الروايات السلمية في ضوء هذا الزعم‪.‬‬
‫وإذا كان وات يرى هذا فما باله بقوله تعالى‪  :‬‬
‫‪]   ‬الدخان‪ ،[3:‬وقوله تعالى‪]      :‬القدر‪ ،[1:‬وقوله‬
‫تعالى‪]             :‬البقرةا‪ ،[185 :‬فهل كلمة‬
‫أنأزل تعني اقترح أيضا؟‬
‫وماذا سيقول وات وغيره من المستشرقين في‬
‫آيات العجاز التي تشهد يوما بعد يوم أن القرآن‬
‫ليس من عند رسول أمي عاش قبل ألف وأربعمائة‬
‫سنة‪ ،‬فهل من حديث النفس للنفس أن ينمزل الله‬
‫سبحانأه وتعالى وصفا ً دقيقا ً لمراحل نأمو الجنين لم‬
‫‪ ()1‬لمناقشة مستفيضة لفكرةا "التركين" ‪ bracketing‬ووظائفها المختلفة‬
‫انأظر‪ :‬وليد بليهش العمري‪،Social Semiotics for Translation Studies ،‬‬
‫ص ‪.101 -97‬‬
‫‪ ()2‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Medina ،‬ص ‪.325‬‬

‫‪29‬‬
‫تهتد إلى مثل دقته البشرية بكل ما أوتيت من أنأواع‬
‫المعارف إل في القرن التاسع عشر؟‬
‫وما رأي وات في المظاهر الحسية ‪-‬التي ذكرتها‬
‫الروايات المتواترةا المنقولة عمن عاصروه ‪ -‬من‬
‫صد جبينه عرقا ً في اليوم الشديد البرد‪ ،‬ومن‬
‫تف ّ‬
‫ثقله الشديد الذي ل يحتمله بشر عادي أثناء نأزول‬
‫الوحي عليه ‪‬؟ ومن ذلك ما رواه البخاري عن زيد‬
‫بن ثابت ‪ ‬عندما كان فخذه تحت فخذ رسول الله ‪‬‬
‫ونأزل الوحي عليه وهم على حالهم تلك فوجد زيد‬
‫ض فخذه‪ ،‬وهل‬ ‫ما وجد من الشدةا حتى خاف أن ت َُر ّ‬
‫هذه المظاهر الحسية أيضا من حديث النفس‬
‫للنفس؟‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬التفسير المادي لوقائع السيرةا‬


‫يرى وات أن النمو التجاري وتدفق الثروةا كان‬
‫لهما أثر سلبي على قيم الرحمة والكرم في‬
‫المجتمع المكي مما انأعكس على تصدع اللحمة‬
‫القبلية‪ ،‬وكانأت الحاجة ملحة للموافقة بين الزدهار‬
‫المادي والنظام الخلقي الروحي البدائي الذي‬
‫كان سائدا في المجتمع‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف تصور‬
‫محمد ‪ ‬حل ّ دينيا ً للمشكلت القتصادية‬
‫والجتماعية الجديدةا‪ ،‬ولذا يقول إن‪" :‬إعلن الدين‬
‫الجديد جاء ردا ً على مرض العصر الذي سببه‬
‫التطور الذي انأتقل بالمجتمع المكي من حياةا‬
‫البداوةا إلى اقتصاد حضري")‪.(1‬‬
‫وتجد هذه الراء طريقها إلى الموسوعة في‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Mecca ،‬ص ‪.24-16‬‬

‫‪30‬‬
‫الموضوع الفرعي التالي‪:‬‬
‫‪ ‬الدعوة النبوية والنشاطات الدينية‬
‫المبكرة‪ .‬يبدو أن محمدا ً كان يمر بمرحلة من‬
‫المزاج التأملي ويقال‪ :‬إنأه تبنى عادةا قضاء الليالي‬
‫في فترات متفرقة في غار في جبل في مكة‪.‬‬
‫ولشك في أن الفقر والنوازل في حياته المبكرةا‬
‫جعلته مدركا ً للتوترات في المجتمع المكي‪ .‬فمكة‬
‫التي تقطنها قبيلة قريش التي ينتمي إليها بنو‬
‫هاشم كانأت مركزا ً تجاريا ً بنيت حول ملذ محرم‬
‫وهو الكعبة التي ضمنت أمن من يأتون للتجارةا في‬
‫السواق‪ .‬وفي أواخر القرن السادس نأشطت‬
‫التجارةا بقوافل الجمال بين اليمن ومنطقة البحر‬
‫المتوسط )غزةا ودمشق(‪ ،‬وجلبت البضائع من‬
‫الهند وإثيوبيا إلى البحر المتوسط‪ ،‬وفرض كبار‬
‫تجار مكة احتكارا ً على هذه التجارةا‪ .‬ولهذا كانأت‬
‫مكة مزدهرةا ولكن أغلب الثروةا كانأت في يد أقلية‪.‬‬
‫ونأتيجة لهذا تصدعت اللحمة القبلية فقد سعى‬
‫التجار وراء مصالحهم الشخصية وأهملوا واجباتهم‬
‫التقليدية نأحو من هم أقل حظوظًا‪ .‬وفي حوالي‬
‫سنة ‪610‬م بينما كان يتدبر في أمور كهذه تراءى‬
‫لمحمد مخلوق ذو أبهة )قيل فيما بعد إنأه الملك‬
‫جبريل( وسمع صوتا يقول له‪" :‬أنأت رسول الله"‪.‬‬
‫وشكلت هذه بداية مهنته رسول ً من الله‬

‫‪31‬‬
.(1)ً ‫)]بالعربية[ رسول الله( أو نأبيا‬
‫نأحن ل نأنكر وجود بعض أفراد في قريش‬
‫ واستحوذ‬،‫استأثروا برؤوس الموال دون غيرهم‬
‫عليهم الجشع حتى صاغوا من واقع مجتمعهم‬
‫ومعاملتهم المعيشية ما صاغوا وفقا ً لما تقتضيه‬
‫ وأن المجتمع المكي كان فيه‬,‫المصالح القتصادية‬
‫ في‬ ‫ إل أن اختزال رسالة محمد‬،‫من الدنأايا ما فيه‬
‫برنأامج ضيق للصلح القتصادي والجتماعي‬
‫ والقفز‬،‫لضمان حق المستضعفين في توزيع الثروةا‬
‫ تفسير تلفيقي للمور يقوم على‬،‫إلى هذه النتيجة‬
‫فرضية أن هذا الدين مختلق وأن الوحي أتى من‬
،‫داخل النبي وهو أمر رددنأا عليه في الشبهة الثانأية‬
‫وإثبات أن الوحي من عند الله سبحانأه وتعالى هو‬
.‫ لم يأت به من تلقاء نأفسه‬ ً ‫إثبات أن محمدا‬
:‫ فمنهمما‬،‫إن أسباب إعلن الدين الجديد معروفممة‬
‫[؛ وقول الحق سبحانأه‬6 :‫]يس‬        :‫قوله تعالى‬
1
() Prophetic call and early religious activity: Muhammad appears to have
been of a reflective turn of mind and is said to have adopted the habit of
occasionally spending nights in a hill cave near Mecca. The poverty and
misfortunes of his early life doubtless made him aware of tensions in Meccan
society. Mecca, inhabited by the tribe of Quraysh (Koreish), to which the
Hashim clan belonged, was a mercantile centre formed around a sanctuary, the
Ka'bah (Kaaba), which assured the safety of those who came to trade at the
fairs. In the later 6th century there was extensive trade by camel caravan
between the Yemen and the Mediterranean region (Gaza and Damascus),
bringing goods from India and Ethiopia to the Mediterranean; and the great
merchants of Mecca had obtained monopoly control of this trade. Mecca was
thus prosperous, but most of the wealth was in a few hands. Tribal solidarity
was breaking up; merchants pursued individual interests and disregarded their
traditional duties to the unfortunate. About 610 , as he reflected on such
matters, Muhammad had a vision of a majestic being (later identified with the
angel Gabriel) and heard a voice saying to him, “You are the Messenger of
God.” This marked the beginning of his career as messenger (or apostle) of
God (rasul Allah), or Prophet (nabi).

32
‫وتعممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممالى‪:‬‬
‫‪]            ‬السجدةا‪ ،[3 :‬ويقول ابن كثير‪" :‬بعث‬
‫الله محمدا ً ‪ ‬في حين فترةا ممن الرسمل وطمموس‬
‫من السممبل‪ ،‬وقممد اشممتدت الحاجممة إليممه‪ ،‬فقممد كممان‬
‫العمرب متمسمكين بمدين إبراهيممم الخليممل‪ ،‬فبممدلوه‬
‫وغيروه واستبدلوا بالتوحيممد شممركا وبمماليقين شممكًا‪،‬‬
‫وابتممدعوا أشممياء لممم يممأذن اللممه بهمما‪ ...‬فبعممث اللممه‬
‫محمممدا ً بشممرع عظيممم شممامل كامممل فممي الهدايممة‬
‫والبيان لكل ما يحتاج إليه الناس من أمممر معاشممهم‬
‫ومعادهم")‪.(1‬‬

‫الشبهة الرابعة‪ :‬دعوى تأثر السلم بالبيئة‬


‫الوثنية‬
‫يتحدث وات عن بداية السلم بتوحيد غامض لم‬
‫يتضح إل فيما بعد‪ ،‬ويقول إن‪" :‬الجزاء القدم في‬
‫القرآن ل تحتوي على أي هجوم على الوثنية‪ ،‬بل‬
‫كانأت تقول بوجود توحيد غامض )‪(vague monotheism‬‬
‫عند أتباع محمد‪ ،‬ثم أخذ اللحاح يشتد على وجود‬
‫إله واحد مع اشتداد النقد لعبادةا الصنام")‪،(2‬‬
‫ويدعي أن التوحيد‪" :‬لم يكن في الصل واضح‬
‫المعالم وبخاصة لم ُيبت في أمر اعتبار الكائنات‬
‫القل أهمية ]الصنام[ ل تتفق معه تماما ً)‪ ،(3‬ويقول‬
‫وات بتدرج تطور التوحيد‪.‬‬
‫واستقراء وات هنا ليس إل إسقاطا ً للنظرةا‬

‫‪ ()1‬ابن كثير‪ ،‬السيرةا النبوية‪.1/478 ،‬‬


‫‪ ()2‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Mecca ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ ()3‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.104‬‬

‫‪33‬‬
‫الغربية فيما يتعلق بتطور الديان على وقائع‬
‫الدعوةا المحمدية‪ ،‬وإيهاما ً بأن الرسول لم يكن‬
‫يدرك حقيقة أبعاد دعوته ‪ ‬وما يدعو إليه‪.‬‬
‫وإذا كان القرآن لم يحاول مهاجمة الوثنية علممى‬
‫حد زعمه فماذا عن سورةا "الكافرون"‪ ،‬وماذا تعني‬
‫اليات‪]                      :‬ص‪[5-4 :‬؛‪    ‬‬
‫‪]         ‬النأبياء‪ ،[36 :‬أليس فيها دليل على وقوع‬
‫خلف بيمممن محممممد ‪ ‬والمشمممركين حمممول مفهممموم‬
‫التوحيد ووجوب عبادةا الله وحده دون إشممراك‪ ،‬ثممم‬
‫ماذا عن سورةا الخلص‪ ،‬وما فيها من تكريس لهمذا‬
‫المفهوم ونأفي مطلق للشرك؟‬
‫لقد كانأت الفكرةا الجوهرية للدعوةا السلمية‬
‫منذ البداية هي عقيدةا التوحيد وهي عقيدةا لم تنشأ‬
‫تدريجيًا‪ ،‬فالرسول ‪ ‬أصر في أوائل الرسالة على‬
‫"ل إله إل الله" وقريش تساومه)‪.(1‬‬
‫والتصديق بهذه النظرةا المنحرفة يظهر في‬
‫الموسوعة في مواضع منها‪:‬‬
‫واعتقد بعضهم أن الله "إله أعلى" يفوق اللهة‬
‫القل مكانأة)‪.(2‬‬
‫ولم يلبث أن جمع حوله أصدقاء متعاطفين قبلوا‬
‫دعواه بأنأه نأبي وصحبوه في العبادات والصلوات‬
‫الجامعة‪ .‬ونأتجت هذه عن فعل سجود يلمسون فيه‬
‫الرض بجباههم اعترافا ً بعظمة الرب ‪ -‬ل يزال هذا‬

‫‪ ()1‬ابن كثير‪ ،‬السيرةا النبوية‪ ،‬ص ‪.124‬‬


‫‪2‬‬
‫‪() Some men regarded Allah as a “high god” who stood above lesser‬‬
‫‪deities.‬‬

‫‪34‬‬
‫العمل عظيما ً في العبادةا السلمية)‪.(1‬‬
‫وتنعكس هذه النظرةا المنحرفة أيضا ً في تأكيد‬
‫أهمية الكعبة؛ لكونأها معلما ً وثنيا ً مقدسا ً مما جعلها‬
‫عظيمة في السلم‪:‬‬
‫جح أنأهم أحيانأا ً تعبدوا معا ً في الكعبة وهي‬‫وُير ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫مكان عبادةا لعبدةا الصنام من العرب ‪.‬‬
‫وُتؤكد سور القرآن المبكرةا الموحاةا إلى محمد‬
‫خيرية وقوةا الرب كما ترى في الطبيعة وفي‬
‫رفاهية المكيين وتدعو هؤلء إلى المتنان إلى "رب‬
‫الكعبة"‪ ،‬الذي عرف على أنأه الرب)‪.(3‬‬
‫وُيقترح في بعض الحيان أن السبب الرئيس‬
‫وراء المعارضة هو خوف التجار من أن الدين‬
‫الجديد لن يعترف بالكعبة مكانأا ً مقدسًا‪ ،‬ولكن هذا‬
‫القتراح بعيد عن الواقع‪ .‬لقد كان هناك بالتأكيد‬
‫هجوم على الصنام ظهر في القرآن‪ ،‬وبدأ السلم‬
‫ُينتقد لتمسكه بأنأه "ل إله إل الله"‪ ،‬ولكن لم يكن‬
‫م على الكعبة‪ ،‬والصنام المذكورةا كان‬ ‫هناك هجو ٌ‬

‫‪1‬‬
‫‪() Soon he gathered some sympathetic friends who accepted his‬‬
‫‪claim to be a prophet and joined him in common worship and‬‬
‫‪prayers. These culminated in an act of prostration in which they‬‬
‫‪touched the ground with their foreheads in acknowledgment of‬‬
‫‪God's majesty—still a cardinal act in Islamic worship.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() It is probable that they sometimes worshipped together in the‬‬
‫‪Ka’bah, a sanctuary of the Arab pagans.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪() The earliest passages of the Qur’an revealed to Muhammad‬‬
‫‪emphasize the goodness and power of God as seen in nature and‬‬
‫‪in the prosperity of the Meccans and call on the latter to be‬‬
‫‪grateful and to worship “the Lord of the Ka’bah,” who is thus‬‬
‫‪identified with God.‬‬

‫‪35‬‬
‫لها معابدها الرئيسة في أماكن أخرى)‪.(1‬‬
‫في صيف عام ‪621‬م أعلن اثنا عشر رجل ً من‬
‫المدينة خلل زيارتهم لمكة من أجل الحج السنوي‬
‫إلى الكعبة )التي كانأت لم تزل معبدا ً وثنيًا(‬
‫إسلمهم سرا ً وعادوا للدعاية له في المدينة)‪.(2‬‬
‫والتاريخ يشهد أن الكعبة كممانأت معلممما ً توحيممديا ً‬
‫رفع قواعدها إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما‬
‫السلم قال تعالى‪                        :‬‬
‫‪]         ‬البقرةا‪ ،[128-127 :‬وأن قريشا ً كانأت‬
‫تفتخممر بممدين أبيهمما إبراهيممم‪ ،‬وإنأممما كممانأت الكعبممة‬
‫مقدسممة عنممد العممرب خلل فممترةا الوثنيممة لعلمهممم‬
‫بقداستها من عند الله سبحانأه وتعالى‪ ،‬ولممم ينكممروا‬
‫وجوده وإنأما أتوا بالصنام في الكعبة وحولهمما؛ جهل ً‬
‫منهممم وتلبيسمما ً للشمميطان عليهممم تقربمما ً للممه بهمما‬
‫وتشفعا ً عنده ‪]        ‬الزمر‪.[3:‬‬
‫ولكن يظهر أن الموسوعة ومن ورائها وات‪،‬‬
‫وهو من درس تاريخ العرب قبل السلم‪ ،‬لم يلفت‬
‫نأظر القارئ إلى هذه الحقيقة التاريخية الكبيرةا‬
‫ليجّزئ تاريخ مكة ويبدأه من عصر الجاهلية ومن‬
‫‪1‬‬
‫‪() It is sometimes suggested that the main reason for opposition‬‬
‫‪was the merchants’ fear that the new religion would destroy the‬‬
‫‪recognition of the Ka’bah as a sanctuary, but this is unlikely.‬‬
‫‪Certainly attacks on idols appeared in the Qur'an, and Islam began‬‬
‫‪to be characterized by the insistence that “there is no god but‬‬
‫‪God” (Allah), but no attack was made on the Ka’bah, and the‬‬
‫‪idols mentioned had their chief shrines elsewhere.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() In the summer of 621 , 12 men from Medina, visiting Mecca‬‬
‫‪for the annual pilgrimage to the Ka’bah (still a pagan shrine),‬‬
‫‪secretly professed themselves Muslims to Muhammad and went‬‬
‫‪back to make propaganda for him at Medina.‬‬

‫‪36‬‬
‫ثم يبين أن هذه هي الركيزةا والرضية الثقافية التي‬
‫قام عليها السلم‪ ،‬وهذه مبالغة في بتر أطراف‬
‫التاريخ لينساق عاجزا ً في الطريق التي أرادوا‪ ،‬إنأما‬
‫دعوةا محمد ‪ ‬أتت لتطهير هذا البيت من الوثان‬
‫والشرك للطائفين والعاكفين والركع السجود من‬
‫جديد)‪.(1‬‬

‫الشبهة الخامسة‪ :‬دعوى خصوصية السلم‬


‫للعرب‬
‫يذكر وات ما يفيد أن الدعوةا المحمدية كانأت‬
‫خاصة بقريش والعرب‪" :‬اعتبر محمد نأفسه أول‬
‫المر مرسل ً إلى قومه من القرشيين‪ ،‬ثم أخذ شيئا‬
‫فشيئا ً وبدرجات ل تبدو بوضوح في القرآن يتراءى‬
‫له هدف أوسع لرسالته")‪ ،(2‬ويزيد‪" :‬نأحن نأعتقد بأن‬
‫محمدا ً بعد عودته من الطائف أخذ يدعو أفراد‬
‫القبائل البدوية للدخول في السلم‪ ،‬وأن وراء هذا‬
‫النشاط فكرةا غامضة عن توحيد العرب جميعًا")‪.(3‬‬
‫جانأب وات الصواب لنأه تجاهل الروايات‬
‫السلمية‪ ،‬التي أوضحت مراحل تطور الدعوةا‬
‫وهي‪" :‬النبوةا‪ ،‬ثم إنأذار عشيرته القربين‪ ،‬ثم إنأذار‬
‫قومه‪ ،‬وهم القرشيون‪ ،‬ثم إنأذار قوم ما أتاهم من‬
‫نأذير وهم العرب قاطبة‪ ،‬والمرتبة الخامسة إنأذار‬
‫جميع من بلغته الدعوةا من الجن والنأس إلى يوم‬
‫القيامة")‪ ،(4‬وهي مراتب ذكرت بوضوح تام في‬
‫‪ () 1‬سأنأبه على لفظ ) الدعاية = ‪ ( Propaganda‬الوارد في نأهاية هذه‬
‫الشبهة في ص ‪.63‬‬
‫‪ ()2‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Mecca ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ ()3‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ ()4‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪.1/20 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫وات‪]    :‬الشعراء‪[214 :‬؛ ‪ ‬‬ ‫القرآن خلفا ً لما يزعم‬
‫‪]     ‬الشورى‪[7 :‬؛ وعالمية الدعوةا تظهر جليا في‬
‫الي‪]              :‬سبأ‪[28 :‬؛ ‪]      ‬النأبياء‪:‬‬
‫‪[107‬؛ وغيرها من السور المكية الدالة على عالمية‬
‫الرسالة المحمدية)‪ ،(1‬فعالمية الدعوةا إذا كانأت‬
‫ي أل تتضح حقيقة‬ ‫موجودةا منذ البداية وأمر ب َد َه ِ ّ‬
‫كن الله لدينه في‬ ‫معاشة على الواقع إل بعد أن م ّ‬
‫الرض‪ ،‬فل يعقل أن يدعو محمد ‪ ‬كسرى للسلم‬
‫قبل أن يدعو أعمامه‪.‬‬
‫وتعكس الموسوعة هذه الراء الفاسدةا في‬
‫مواضع‪:‬‬
‫‪ ...‬وظن بالرؤية العظيمة الولى وتلقيه‬
‫وض لنقلها إلى مواطنيه ولغيرهم‬ ‫للرسائل أنأه ف ّ‬
‫من العرب)‪.(2‬‬
‫‪ ...‬وبدل من تقديم التنازلت لليهود بغية‬
‫الحصول على اعترافهم بنبوته‪ ،‬أكد خصوصية‬
‫الصفة العربية للدين السلمي)‪.(3‬‬
‫ون اتحادا ً للقبائل العربية الذي‬ ‫وفي حياته ك ّ‬
‫هزم المبراطوريتين الرومية والفارسية في أقل‬
‫من عشرين عاما ً بعد موته واستولى على‬
‫مساحات وتطورت فيما بعد إلى المبراطورية‬
‫‪ ()1‬انأظر اليات‪ :‬النأعام‪ ،90 :‬يوسف‪104 :‬؛ الفرقان‪ ،1 :‬القلم‪،52 :‬‬
‫التكوير‪.27 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() … [he came to] believe that by the first great vision and by‬‬
‫‪the receipt of the messages he was commissioned to‬‬
‫‪communicate them to his fellow citizens and other Arabs.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪() … instead of making concessions to the Jews in the hope of‬‬
‫‪gaining recognition of his prophethood, he asserted the‬‬
‫‪specifically Arabian character of the Islamic religion.‬‬

‫‪38‬‬
‫العربية أو السلمية‪ .‬وجعل من السلم أساسا‬
‫لوحدةا العرب)‪.(1‬‬

‫الشبهة السادسة‪ :‬دعوى أن نأبوغّ الرسول السياسي‬


‫وهمته العالية ساعدا على نأشر دينه أكثر من كونأه نأبيا ً‬
‫مؤيدا ً‬
‫ادعى المستشرقون أن الرسول ‪ ‬كان شخصا ً‬
‫طموحا ً نأزع إلى السلطة‪ ،‬فهم يقولون إنأه منذ‬
‫حداثة سنه أعد للدور الذي تبوأه لحقًا‪ .‬ويلمح إلى‬
‫هذا وات في كتابه "محمد‪ :‬نأبي ورجل دولة" بل‬
‫ويجعله أساسا ً يستند إليه في تفسيره لكثير من‬
‫وقائع السيرةا‪ ،‬ويعزو له النجاح الباهر الذي حققته‬
‫الرسالة المحمدية‪.‬‬
‫ولشك في أن الرسول ‪ ‬هو أكمل الناس في‬
‫كل شيء‪ ،‬ومن بين ذلك توقد الذهن وسداد الرأي‪،‬‬
‫ولكن من المبالغة بمكان أن نأعزو نأجاح الرسالة‬
‫المحمدية الباهر إلى شخص الرسول ‪ ‬ونأغفل‬
‫التأييد واللهام اللهي‪ ،‬ومن جموح الفكر أن نأسرح‬
‫به بعيدا ً ونأضفي بعدا ً ماديا ً صرفا ً على وقائع‬
‫السيرةا ومن ثم نأعود عليها ونأقرؤها من وجهة نأظر‬
‫أحادية‪ ،‬كل هذا من أجل أن نأرد المور كلها إلى‬
‫منطلق زائف وهو أن هذا الدين هو من عند محمد‬
‫وليس من عند الله‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪() In his lifetime he created a federation of Arab tribes, which, in‬‬
‫‪less than 20 years after his death, defeated the Byzantine and‬‬
‫‪Persian empires, occupied a vast territory from Libya to Persia,‬‬
‫‪and then developed into the Arab, or Islamic, Empire. He made‬‬
‫‪the religion of Islam the basis of Arab unity.‬‬

‫‪39‬‬
‫فإذا كان محمد ‪ ‬مجرد رجل سياسة نأابغ طموح‬
‫لماذا لم يظهر كل هذا الطموح إل بعد انأقضاء‬
‫أربعين عاما ً من عمره‪ ،‬أوليس الطموح والنمزوع‬
‫إلى السلطة تظهران في ريعان الشباب؟ وهو‬
‫الذي لم يذكر لنا أحد أنأه تبوأ منصبا ً قياديا ً في‬
‫قريش قط‪ .‬بل إنأه لحكمة أرادها علم الغيوب‬
‫سبحانأه وتعالى انأتهج خطا هادئا ً بين رعي الغنام‬
‫والتجارةا والتحنث‪ ،‬يقول الله سبحانأه وتعالى‬
‫واصفا ً حال نأبيه الكريم في بداية دعوته ‪       ‬‬
‫‪]    ‬الفرقان‪ ،[41 :‬ترى هل كانأت قريش لتسخر‬
‫منه ‪ ‬لو علمت أنأه كان فيه نأزوع للسلطة ورغبة‬
‫في قيادتها وخبروا ذلك فيه وعاصروه‪ ،‬نأعم كان‬
‫في محمد ‪ ‬طاقات كامنة ما كانأت لتتفجر إل بعد‬
‫أن اصطفاه رب العالمين سبحانأه وتعالى بالرسالة‬
‫وآزره بتأييده مما أدى إلى ظهورها على أكثر من‬
‫صعيد وموقف‪ ،‬يقول تعالى‪           :‬‬
‫‪]‬القصص‪.[86 :‬‬
‫ومن المواضع التي تلمح إلى هذا المنطق في‬
‫الموسوعة‪ ،‬التالي‪:‬‬
‫وانأسلخ مع كبير ضباطه دون أن يحسوا به‪،‬‬
‫وسلك طرقا ً غير مطروقة‪ ،‬ووصل بسلم إلى‬
‫المدينة في يوم ‪ 24‬سبتمبر عام ‪622‬م)‪.(1‬‬
‫ف أبي بكر هنا بم "كبير الضباط" لم يأت‬ ‫‪ ‬وص ُ‬
‫عفو الخاطر‪ ،‬بل يرى وات أن الرسول ‪ ‬هاجر إلى‬
‫المدينة بعدما هاجر عدد كبير من المسلمين إليها‬
‫ليوفروا له الحماية عند قدومه إليها من‬

‫‪1‬‬
‫‪() With his chief lieutenant he slipped away unperceived, used‬‬
‫‪unfrequented paths, and reached Medina safely on September 24 ,‬‬
‫‪622‬‬

‫‪40‬‬
.(1)‫ ويقللوا من اعتماده على المدنأيين‬،‫العتداءات‬
‫ أضعف ]نأصر المسلمين ببدر[ أخطر‬
‫معارضيه هناك المنافق أو المسلم لسانأا عبدالله‬
‫ وبقية‬.‫بن أبي الذي تحالف مع اليهود المحليين‬
،‫المترددين من العرب ربما أسلموا في ذلك الوقت‬
‫ وفي الوقت‬.‫ولهذا عزز نأصر بدر من قوةا محمد‬
‫نأفسه استخدم علقات الزواج ليزيد من ترابط‬
.(2)‫المهاجرين‬
‫ وب ُْعد نأظر محمد كرجل‬.‫ الفوز بالمكيين‬
.‫دولة بدا جليا في السياسات التي تبناها بعد ذلك‬
‫وهو قام‬-‫كان بوسعه التقدم للقضاء على المكيين‬
‫ ولكن‬-‫بالفعل بممارسة الضغط القتصادي عليهم‬
‫غرضه الرئيس كان الفوز باتباعهم السلم‬
.(3)‫طواعية‬
‫ توحيد جزيرة‬:‫ السنوات الخيرة‬
‫ منذ الهجرةا بدأ محمد في تأليف أحلف‬.‫العرب‬
‫ وفي بداية المر ربما كانأت هذه‬.‫مع القبائل البدوية‬

‫ ص‬،Sirat al-Nabi  and the Orientalists ،‫)( انأظر محمد مهر علي‬1
.923-921
2
() This weakened his most serious opponent there, the “hypocrite”
(munafiq), or nominal Muslim, 'Abd Allah ibn Ubayy, who was
allied with the local Jews. The remaining waverers among the
Arabs probably became Muslims about this time. Thus the victory
of Badr greatly strengthened Muhammad. At the same time he
was using marriage relationships to bring greater cohesion to the
emigrants.
3
() The winning of the Meccans: Muhammad’s farsightedness as
a statesman is manifest in the policies he next adopted. He might
have proceeded to crush the Meccans, and he indeed put
economic pressure on them; but his main aim was to gain their
willing adherence to Islam.

41
‫معاهدات عدم اعتداء‪ ،‬ولكن عندما أصبح قويا ً بقدر‬
‫كاف بدأ بعرض حمايته عليهم شريطة أن تصبح‬
‫القبيلة مسلمة)‪.(1‬‬
‫‪ ‬واستفاد محمد من هزيمة إمبراطورية فارس‬
‫من قبل المبراطورية الرومية )النصرانأية( )‪-627‬‬
‫‪628‬م(؛ لن القليات في اليمن وفي أماكن على‬
‫الخليج العربي ‪-‬التي كانأت معتمدةا على الدعم‬
‫الفارسي ضد المبراطورية الرومانأية‪ -‬وجهت‬
‫أنأظارها تلقاء محمد)‪.(2‬‬
‫وكل هذه استنتاجات من كاتب المادةا‪ ،‬ول دليل‬
‫عليها من واقع أو تاريخ‪.‬‬
‫الشبهة السابعة‪ :‬التشكيك في طبيعة علقة‬
‫الرسول مع النأصار‬
‫لمونأتقمري وات آراء كثيرةا حول حقيقة العلقة‬
‫بين الرسول ‪ ‬والنأصار)‪ ،(3‬ولكن ما ينعكس منها‬
‫على الموسوعة هو اليحاء بأن النأصار حين قبلوا‬
‫محمدا رسول‪ ،‬وحين نأظموا مجيئه إلى المدينة لم‬
‫يعترفوا له صراحة بحقه في أن يحكم بينهم‪ ،‬وأن‬
‫محمدا ً ]‪ [‬اكتفى بأن ينظر إليه على أنأه رسول‪،‬‬
‫ولم يطالب بأي امتياز آخر‪ ،‬وأن الطاعة لم تكن‬
‫‪1‬‬
‫‪() The closing years: the unification of Arabia: Ever since the‬‬
‫‪hijrah, Muhammad had been forming alliances with nomadic‬‬
‫‪tribes. At first these were probably nonaggression pacts, but, when‬‬
‫‪he was strong enough to offer protection, he made it a condition‬‬
‫‪of alliance that the tribe should become Muslim.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() Muhammad benefitted from the defeat of the Persian Empire by‬‬
‫‪the Byzantine (Christian) Empire ( 627  628 ), for, in the Yemen‬‬
‫‪and in places on the Persian Gulf, minorities that had relied on‬‬
‫‪Persian support against Byzantium now turned to Muhammad‬‬
‫‪instead.‬‬
‫‪ ()3‬مونأقمري وات‪ ،Muhammad at Medina ،‬ص ‪.238 - 228‬‬

‫‪42‬‬
‫واجبة صراحة في الصحيفة التي عرفت فيما بعد‬
‫بدستور المدينة‪.‬‬
‫هذا ادعاء زائف غير مدعوم بالوقائع ل يلبث أن‬
‫ينقشع أمام حقائق التاريخ‪ ،‬فإذا ما رجعنا إلى البنود‬
‫الستة لبيعة العقبة الولى بين النأصار والرسول ‪‬‬
‫وجدنأا من بينها ما ينص على الطاعة للرسول ‪‬‬
‫دون حصر الطاعة في أي إطار سواء أكان دينيا أم‬
‫سياسيا‪ ،‬فهي طاعة مطلقة‪ ،‬وكذلك أكدت بيعة‬
‫العقبة الثانأية هذا‪ ،‬وزادت النصرةا التامة في جميع‬
‫الظروف‪ ،‬فكيف يسوغّ الزعم بأن النأصار لم‬
‫يدينوا للرسول ‪ ‬سياسيا ً إذا كانأت الطاعة غير‬
‫المشروطة بندا ً ثابتا ً في البيعتين؟ وماذا تعني‬
‫"الطاعة التامة" في نأظر وات؟)‪ (1‬وشدةا إعجاب‬
‫النأصار بشخصية الرسول ‪ ‬وتصورهم لمكانأته‬
‫القيادية تظهر في قولهم له عندما دعاهم إلى‬
‫السلم‪" :‬إنأا قد تركنا قومنا ول قوم بينهم من‬
‫العداوةا والشر ما بينهم‪ ،‬وعسى الله أن يجمعهم‬
‫بك‪ ،‬وسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك‪ ،‬ونأعرض‬
‫عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين‪ ،‬فإن‬
‫يجمعهم الله عليك‪ ،‬فل رجل أعز منك")‪.(2‬‬
‫ولم تتأثر شخصية القائد عند وضع صحيفة‬
‫المدينة والتفاق عليها فهي تنص على أن‪" :‬ما كان‬
‫بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار ُيخاف‬
‫فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول‬

‫‪ ()1‬تاريخ الطبري‪.363 – 2/356 ،‬‬


‫‪ ()2‬الطبري‪ ،‬المرجع السابق‪.2/354 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫الله")‪ ،(1‬فالخلفات الجسيمة التي يخشى من‬
‫فسادها على المجتمع ترد إلى شخص واحد‪ ،‬أل‬
‫يعني هذا أن هذا الشخص الذي يرجعون إليه في‬
‫أمورهم هو قائد "أهل هذه الصحيفة" الذين هم‬
‫أهل المدينة كافة؟‬
‫وقبيل غزوةا بدر أتى رد سعد بن معاذ ‪ ‬يؤكد‬
‫ولء النأصار للرسول ‪ ‬إذ قال على المل‪" :‬قد آمنا‬
‫بك وصدقناك وشهدنأا أن ما جئت به هو الحق‪،‬‬
‫وأعطيناك على ذلك مواثيقنا وعهودنأا على السمع‬
‫والطاعة فامض بنا يا رسول الله لما أردت فنحن‬
‫معك‪ ،‬والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا‬
‫البحر فخضته لخضناه معك‪ ،‬ما تخلف منا رجل‬
‫واحد‪ ،‬وما نأكره أن تلقى بنا عدونأا غدًا‪ ،‬إنأا لصبر في‬
‫الحرب‪ ،‬صدق في اللقاء‪ ،‬لعل الله أن يريك ما تقر‬
‫به عينك‪ ،‬فسر بنا على بركة الله")‪ ،(2‬أوليس هذا‬
‫بيانأا ً بتسليم مقاليد السلطة للرسول ‪ ‬من أحد‬
‫سادات النأصار تكلم فيه باسمهم جميعا ً على‬
‫رؤوس الشهاد؟‬
‫ثم ماذا يعني أن يجيش الرسول ‪ ‬الجيوش‬
‫ويرسل السرايا ويعين عليها القادةا والمراء‪ ،‬أل‬
‫يعد ّ هذا تعريفا ً عمليا ً للقائد؟‬
‫ويجد هذا الرأي طريقه إلى الموسوعة‬
‫البريطانأية كما يظهر جليا ً فيما يأتي‪:‬‬
‫وحفظت وثيقة تعرف بميثاق المدينة‪ ...‬ولكن‬
‫منصوصاتها العامة هي إلى مدى بعيد ما اتفق عليه‬
‫‪ ()1‬الطبري‪ ،‬المرجع السابق‪.123 – 1/122 ،‬‬
‫‪ ()2‬ابن هشام‪ ،‬سيرةا النبي‪.254 – 2/253 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫ وبصيغتها تؤلف الوثيقة‬.‫محمد ومسلمو المدينة‬
‫حلفا ً على غرار ما عرفه العرب بين تسع‬
‫ إضافة إلى‬،‫ ثمانأي قبائل عربية‬- ‫مجموعات‬
‫ ولم يعط محمد سلطة خاصة عدا‬.‫مهاجري مكة‬
"‫أن الديباجة تقول إن التفاق تم بين "النبي محمد‬
‫ وتنص على أن‬،‫والمسلمين الذين يقطنون المدينة‬
.‫الخلفات الحادةا يجب أن يرجعوا فيها إليه‬
،‫ورفضت الجماعات اليهودية العتراف بمحمد نأبيًا‬
‫ويظهرون في الوثيقة تابعين لحلفهم مع القبائل‬
‫ ولخمسة أعوام على القل لم يكن لمحمد‬.‫العربية‬
‫ ولكن في‬،‫سلطة مباشرةا على القبائل العربية‬
‫أواخر سني عمره أضفى عليه مجد نأجاحاته‬
.(1)‫العسكرية ما يشبه السلطة الشمولية‬

1
() A document has been preserved known as the Constitution of
Medina … but its main provisions are almost certainly those
originally agreed upon between Muhammad and the Muslims of
Medina. In form the document creates a confederation on
traditional Arab lines among nine groups-eight Arab clans and the
emigrants from Mecca. Muhammad is given no special position of
authority, except that the preamble speaks of the agreement as
made between “Muhammad the prophet” and the Muslims now
resident in Medina, and it is stated that serious disputes are to be
referred to him. The Jewish groups had refused to acknowledge
Muhammad as prophet and in the document appear in a secondary
character as attached to various Arab clans. For at least five years,
Muhammad had no direct authority over members of other clans,
but, in the closing years of his life, the prestige of his military
successes gave him almost autocratic power.

45
‫الشبهة الثامنة‪ :‬دعوى اضطهاد الرسول لليهود‬
‫الفاعلين في المجتمع المدنأي‬
‫يرى وات أن الرسول ‪ ‬بعد هجرته إلى المدينة‬
‫كان حريصا ً على أن يظفر بتأييد اليهود‪ ،‬حتى ل‬
‫ينهار البنيان الفكري الذي قامت عليه رسالته‪ ،‬فقد‬
‫كان يؤكد في البداية أن رسالته متطابقة مع‬
‫الرسالت السابقة‪ ،‬ومن هنا كان مستعدا ً لن‬
‫يسمح لليهود بالبقاء على دينهم إذا اعترفوا به نأبيا ً‬
‫كأنأبيائهم‪ ،‬فلما أصر اليهود على موقفهم من عدم‬
‫العتراف بنبوته وأخذوا يبرزون الفروق بين‬
‫اليهودية والسلم هاجمهم الرسول واتهمهم‬
‫بالتحريف وادعى أنأه على دين إبراهيم)‪.(1‬‬
‫وخطممأ وات ‪-‬وغيممره مممن المستشممرقين وعلممى‬
‫رأسهم بروكلمان)‪ -(2‬السمماس يتمثممل فممي نأظرتهممم‬
‫القاصممرةا إلممى الديممان‪ ،‬فهممم يدرسممونأها علممى أنأهمما‬
‫منفصلة عن بعضها‪ ،‬وهذا في حد ذاته مممن الخطمماء‬
‫المنهجية؛ ذلك لن الديان السممماوية مصممدرها فممي‬
‫الصممل واحممد وهممي رغممم ممما اعممترى اليهوديممة‬
‫والمسيحية من تحريف تلتقي في عدد من تعاليمها‪،‬‬
‫ويقول الحق سبحانأه وتعالى‪             :‬‬
‫]الشورى‪ ،[13 :‬فكل ما جاء به الرسل من عند الله فهو‬
‫متحممد المصممدر‪ ،‬ونأبينمما الكريممم عنممدما اختمماره اللممه‬
‫سبحانأه وتعالى لتبليغ الرسالة الخاتمممة جمماء بالممدين‬
‫الصحيح وهو ما دعا إليه مممن سممبقوه مممن الرسممل‪،‬‬
‫يقول تعالى‪                          :‬‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Medina ،‬ص ‪.304 – 303‬‬


‫‪ ()2‬كارل بروكلمان‪ ، History of the Islamic People ،‬ص ‪.36-22‬‬

‫‪46‬‬
‫]الصف‪ ،[6 :‬فإذا كان هناك قدر ممما مممن التلقممي بيممن‬
‫رسالة محمد ‪ ‬وما دان به اليهود في المدينممة فهممذا‬
‫ليس لنأه ‪ ‬تأثر به أو سرق أفكارهم‪ ،‬إضافة إلى أن‬
‫هذا القدر من التلقي كان ضئيل ً جدا ً ول يحتمل كل‬
‫هذا التضخيم من المستشرقين‪ ،‬فأهل الكتاب حممتى‬
‫في عهممد الرسممول ‪ ‬كممانأوا بعيممدين جممدا ً عممن جممادةا‬
‫الدين الحق‪ ،‬يقول تعالى‪                    :‬‬
‫‪]  ‬النس اء‪ .[51:‬وهن اك بممون شاسممع بيممن أن يكممون‬
‫القرآن ‪]         ‬المائ دةا‪ [48 :‬وأن تكون الرسممالة‬
‫الممتي نأممزل بهمما مطابقممة تماممما لرسممالت النأبيمماء‬
‫السممابقين‪ ،‬وإل فممما الفائممدةا مممن إرسممال رسممول‬
‫برسالة جديدةا؟‪.‬‬
‫وأما فيما يخص قول وات بأن الرسول أيقن من‬
‫عدم اتباع اليهود له وهمماجمهم واتهمهممم بممالتحريف‬
‫وادعى أنأه على دين إبراهيم‪ ،‬فهو كلم مممردود؛ لن‬
‫الرسول ‪ ،‬وإن كان حريصا ً على أن يممدخل النمماس‬
‫كافة في هذا الدين‪ ،‬يهودا ً كانأوا أم غير ذلك‪ ،‬إل أنأممه‬
‫لم يجبر اليهود على الدخول في السلم‪ ،‬وهممذا هممو‬
‫موقف السلم من أهمل الكتماب خاصمة‪ ،‬ول مجمال‬
‫لزعم وات من أن الرسول الكريم ‪ ‬ادعى أنأه على‬
‫دين إبراهيم بعد أن أخذ اليهود يبرزون الفروق بيممن‬
‫اليهودية والسمملم‪ ،‬فممالمعروف أن القممرآن المكممي‬
‫أشار بوضوح إلى ارتباط الرسول ‪ ‬بملة إبراهيممم‪ ،‬‬
‫‪]            ‬النأعام‪ ،[161 :‬وقوله سبحانأه‪     :‬‬
‫‪]   ‬النحل‪ ،[123 :‬ولم يكن هناك احتكاك بين محمد ‪‬‬
‫واليهمممود قبمممل هجرتمممه إلمممى المدينمممة بممماعتراف‬

‫‪47‬‬
‫المستشرقين أنأفسهم‪ ،‬هممذا بالضممافة إلممى إشممارةا‬
‫المممولى عممز وجممل فممي كتممابه الكريممم إلممى ارتبمماط‬
‫الرسالة المحمدية برسالت الرسل من قبلممه بمممن‬
‫فيهم موسى وعيسى عليهما السلم قبل أن يحاول‬
‫عليه الصلةا والسلم كسب اليهود إلممى جممانأبه كممما‬
‫يدعي وات‪ ،‬ومن ذلك الية الكريمة ‪           ‬‬
‫‪]            ‬الشورى‪ ،[13 :‬والية ‪           ‬‬
‫‪]  ‬الحق اف‪ .[30 :‬ولعله يتضح مممن هممذا عممدم وجممود‬
‫دليل وراء الزعممم بممأن الرسممول ‪ ‬أعلممن فممي بدايممة‬
‫عهده في المدينة أن السلم متطابق مممع اليهوديممة‬
‫ليكسممب اعممتراف اليهممود بنبمموته‪ ،‬فلممما أعرضمموا‬
‫هاجمهم واتهمهم بالتحريف وادعممى أنأممه علممى ديممن‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫ويتناول وات تطور العلقة بين اليهود والرسول‬
‫‪ ‬وبين قبائل اليهود الرئيسة في المدينة‪ ،‬فيذكر أن‬
‫الرسول بدأ بإجلء بني قينقاع؛ لن هذه القبيلة‬
‫كانأت أضعف الثلثة ولم يكن لها حلفاء أقوياء من‬
‫بين النأصار ممن كان يستند الرسول إلى تأييدهم‬
‫على عكس ما كان عليه الوضع بالنسبة للقبيلتين‬
‫الخريين‪ ،‬فقد كانأتا متحالفتين مع بعض بطون‬
‫)‪(1‬‬
‫الوس القوية التي كانأت تمثل سندا للرسول ‪. ‬‬
‫ويضيف وات سببين آخرين وراء القرار الذي اتخذه‬
‫الرسول ‪ ‬بإجلء يهود بني قينقاع من المدينة‪ :‬إما‬
‫رفضهم النأدماج في المجتمع المسلم؛ وإما رغبة‬
‫في إفساح المجال أمام المهاجرين ليسيطروا على‬
‫سوق المدينة بعد أن كانأت هذه السيطرةا حكرا ً‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.196 -194‬‬

‫‪48‬‬
‫على يهود بني قينقاع‪.‬‬
‫والرد على هذا الدعاء الباطل يبدأ بالقول بأن‬
‫بني قينقاع كانأوا هم فعل ً تجار المدينة وقادتها‬
‫القتصاديين حتى إن سوق المدينة كان يسمى‬
‫بسوق قينقاع‪ ،‬ولكنهم بطروا معيشتهم‪ ،‬وطاش‬
‫أمرهم في أكثر من اتجاه‪ ،‬أولً‪ :‬تجاه ربهم إذ قال‬
‫كبراؤهم قول ً إدا ً وسمع الله قولهم ‪           ‬‬
‫‪]‬آل عمران‪ ،[181 :‬تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا‪،‬‬
‫وإذ ْ تجرؤوا على ربهم فليس من الغريب أن‬
‫يتجرؤوا على دولة السلم في المجتمع المدنأي‬
‫ثانأيا‪ ،‬قد أظهروا أمارات كثيرةا لتحديهم للسلطة‬
‫السلمية في المدينة والكيد لها والتربص بها‪ ،‬ول‬
‫)‪(1‬‬
‫أدل على ذلك من الحادثة التي ذكرها ابن هشام ‪:‬‬
‫" كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله ‪ ‬دعاهم‬
‫في سوق قينقاع‪ ،‬ثم قال‪" :‬يا معشر يهود احذروا‬
‫من الله مثل ما أنأزل بقريش من النقمة وأسلموا‪،‬‬
‫فإنأكم قد عرفتم أنأي نأبي مرسل‪ ،‬تجدون ذلك في‬
‫كتابكم وعهد الله إليكم‪ ،‬قالوا‪" :‬يا محمد إنأك ترى‬
‫أنأا كقومك‪ ،‬ول يغرنأك أنأك لقيت قوما ً ل علم لهم‬
‫بالحرب‪ ،‬فأصبت منهم فرصة‪ ،‬أما والله لو حاربتنا‬
‫لتعلمن أنأا نأحن خير الناس"‪ ،‬والسياق التاريخي‬
‫الذي وقعت فيه هذه الحادثة هو أنأها حدثت بعيد‬
‫غزوةا بدر أي في حال قوةا المسلمين التامة‬
‫وتمكنهم من أمرهم وأمر مدينتهم تماما‪ ،‬وبنو‬
‫قينقاع لم يأخذوا في ردهم هذا العتبار ولم يميلوا‬
‫مع الريح ولكنهم لكونأهم إلى قوتهم‪ ،‬حيث كانأوا‬
‫يشتغلون بصناعة السلح وعندهم الكثير منه‪ ،‬ردوا‬
‫‪ ()1‬ابن هشام‪ ،‬سيرةا النبي‪.11/51 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬على دعوةا الرسول ‪ ‬لهم بالحسنى وعمله بأمر‬
‫ربه بأن يبلغ ما أنأزل إليه ‪ -‬بتحد صارخ لسلطته‬
‫وأظهروا ما تضمره صدورهم من العداء‪ ،‬أليس في‬
‫هذا المستشرق وات وغيره إعلن حرب صريح من‬
‫طرف واحد؟‬
‫وثالثًا‪ :‬القشة التي قصمت ظهر البعير هي‬
‫حادثة النأصارية التي يرويها ابن هشام)‪" :(1‬أن‬
‫امرأةا من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق‬
‫قينقاع‪ ،‬وجلست إلى صائغ فجعلوا يراودونأها على‬
‫كشف وجهها‪ ،‬فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها‬
‫فعقده على ظهرها‪ ،‬فلما قامت انأكشفت سوءتها‪،‬‬
‫فضحكوا منها فصاحت‪ ،‬فوثب رجل من المسلمين‬
‫على الصائغ فقتله‪ ،‬وكان يهوديا ً وشدت اليهود على‬
‫المسلم فقتلوه‪ ،‬فاستصرخ أهل المسلم‬
‫المسلمين فغضب المسلمون على اليهود فوقع‬
‫الشر بينهم وبين بني قينقاع"‪ ،‬وهذا استفزاز بّين‬
‫لحمية العرب وانأتهاك لحرمة عرض امرأةا مسلمة‪،‬‬
‫حق على السلطان حمايته‪ ،‬ولكن المستشرق‬
‫الغربي يسقط واقعه الذي يعيش فيه ويصدر‬
‫الحكام وفق معطياته على أنأاس يبعدون عنه كل‬
‫البعد زمانأا ً ومكانأا ً وثقافة‪ ،‬حيث يدعي وات أن‬
‫الرسول ‪ ‬هاجم قبيلة بني قينقاع اليهودية بعد أن‬
‫أدت خصومة تافهة لموت مسلم)‪ ،(2‬ولكن في واقع‬
‫المر يعد هذا نأقضا للعهد)‪ (3‬الذي بين بني قينقاع‬
‫ي أي ّ‬
‫جل ِ َ‬
‫والرسول ‪ ،‬وكان من الطبعي أن ي ُ ْ‬
‫‪ ()1‬ابن هشام‪ ،‬سيرةا النبي‪.11/51 ،‬‬
‫‪ ()2‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Medina ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ ()3‬انأظر‪ :‬البيهقي‪ ،‬دلئل النبوةا‪.2/411 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫سلطان حازم طغمة باغية كهذه‪ ،‬ومع كل هذا فقد‬
‫تركهم محمد ‪ ‬واسع النأاةا وراسخ الوطأةا لعبدالله‬
‫بن أبي حليفهم من العرب‪ ،‬فخرجوا من المدينة‬
‫ولحقوا بأذرعات الشام)‪.(1‬‬
‫وأما قول وات بأن الرسول ‪ ‬أجلى بنممي قينقمماع‬
‫ليفسح المجممال أمممام المهمماجرين ليسمميطروا علممى‬
‫سوق المدينة‪ ،‬فيمكن الرد عليه بممالقول إن الثممابت‬
‫أن منافذ الرزق لم تسد أمام المهاجرين منذ بدايممة‬
‫حياتهم إلى المدينة‪ ،‬فقممد شمماركوهم إخمموانأهم فممي‬
‫الدين شطر أموالهم وآثروهم بالغالي والنفيس عن‬
‫طيممب خمماطر‪ ،‬وأنأممزل اللممه سممبحانأه وتعممالى فيهممم‬
‫قوله‪                               :‬‬
‫‪]‬الحش ر‪ ،[9 :‬فمممن أبعممد المممور احتمممال ً أن يقممدم‬
‫الرسممول ‪ ‬علممى خطمموةا خطيممرةا كهممذه لمجممرد أن‬
‫يفسح المجال لتجارةا المهاجرين‪.‬‬
‫وما كان من أمر إجلء بني قريظة فإنأهم على‬
‫الرغم من عقدهم معاهدةا مع الرسول ‪ ،‬فقد‬
‫تآمروا مع الجبهة المكية الغطفانأية في غزوةا‬
‫الحزاب موهنين بذلك الجبهة الداخلية للمجتمع‬
‫المدنأي وغادرين بالمسلمين من وراء ظهورهم‪،‬‬
‫وهي بذلك لم تساعد المسلمين كما تقضي‬
‫المعاهدةا ولم تبق على الحياد بل كانأت تهديدا‬
‫خطيرا للرسول وأصحابه‪ ،‬مما استدعى ما حل بهم‬
‫من حكم حليفهم في الجاهلية سعد بن معاذ ‪.‬‬
‫وعندما يأتي وات للحديث عن غزو الرسول ‪‬‬
‫لخيبر سنة ‪ 7‬هم يذكر وات سببا ً محتملً‪ ،‬إضافة إلى‬
‫‪ ()1‬ابن القيم‪ ،‬زاد المعاد‪.2/71 ،‬‬

‫‪51‬‬
‫تأليب يهود خيبر للعرب وهو سبب ل ينكره وات‪،‬‬
‫وهو أن الرسول ‪ ‬أراد الحصول على بعض الغنائم‬
‫التي يعوض بها أصحابه عن خيبة آمالهم في‬
‫الحديبية قبل ذلك ببضعة أسابيع)‪.(1‬‬
‫رغم اعتراف وات بأن محاولت يهود خيبر تأليب‬
‫العرب على المسلمين في المدينة كانأت سببا ً‬
‫أساسا ً وراء غزو الرسول ‪ ‬لهم‪ ،‬فإنأه يضيف سببا ً‬
‫آخر جديرا بالمناقشة‪ ،‬وهو كما يزعم أن رغبة‬
‫الرسول ‪ ‬في حيازةا بعض الغنائم ليرضي أصحابه‪،‬‬
‫الذين خابت توقعاتهم بعد صلح الحديبية‪ ،‬دفعته‬
‫لهذه الغزوةا‪ ،‬وللدكتور عبدالرحمن سالم)‪ (2‬رد‬
‫رزين على هذه الفرية نأستحسنه‪ ،‬ومفاده‪ :‬أن وات‬
‫لم يحدد تماما ماذا قصد بخيبة المل‪ ،‬فإن كان‬
‫المقصود أن الذين صحبوا الرسول ‪ ‬إلى الحديبية‬
‫كانأوا يتوقعون دخول مكة والفوز بالغنائم فإن هذا‬
‫افتراض فارق الحقيقة؛ لن الثابت أن رسول الله ‪‬‬
‫لم يخرج إلى مكة محاربا ً بل معتمرًا‪ ،‬وقد ساق‬
‫معه الهدي وأحرم بنية العمرةا "ليأمن الناس من‬
‫حربه وليعلم الناس أنأه إنأما خرج زائرا ً لهذا البيت‬
‫ومعظما ً له")‪ (3‬فعلم يتوقع من صحبوه أن يدخلوا‬
‫مكة محاربين وأن يفوزوا بالغنائم‪ ،‬فل احتمال إذا ً‬
‫لخيبة توقعاتهم‪ ،‬وأما إذا كان المقصود أنأهم كانأوا‬
‫يتوقعون دخول مكة والتيان بالعمرةا فإن خيبة‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad: Prophet and Statesman ،‬ص ‪– 217‬‬
‫‪.218‬‬
‫‪ ()2‬عبدالرحمن أحمد سالم‪" ،‬قراءةا نأقدية في كتابات مونأتجمري وات‬
‫في السيرةا النبوية"‪ ،‬ص ‪.139-138‬‬
‫‪ ()3‬ابن هشام‪ ،‬سيرةا النبي‪.3/356 ،‬‬

‫‪52‬‬
‫توقعاتهم من هذه الناحية أمر ل سبيل إلى تعويضه‬
‫بفتح خيبر والحصول على الغنائم‪.‬‬
‫وحقيقة الدافع وراء غزوةا خيبر تكمن في‬
‫المؤامرات التي حاكها اليهود من وراء جدر خيبر‬
‫وحصونأها المحصنة‪ ،‬فهم الذين ألبوا الحزاب وقد‬
‫يعاودون الكرةا وهم دائمو التربص بالمسلمين‪،‬‬
‫فلبني النضير ثارات مع المسلمين ولقد كانأت خيبر‬
‫في حالة رخاء تمكنها من تمويل أي حركة معارضة‬
‫للدولة السلمية‪.‬‬
‫هذا هو السبب الحقيقي الوجيه الذي حمل‬
‫الرسول ‪ ‬من أجله على خيبر‪ ،‬وليس كما يدعي‬
‫وات كما تذكر الموسوعة من أن الغزوةا نأشأت‬
‫رغبة من محمد ‪ ‬في ثواب أصحابه على انأسحابهم‬
‫المنظم من الحديبية وانأصياعهم التام لمره‪.‬‬
‫‪ ‬وتقريبا في الوقت نأفسه طرأ تغير على‬
‫سياسة محمد العامة في جوانأب مهمة‪ .‬أحدها كان‬
‫"النأفصال عن اليهود"؛ وبدل ً من تقديم التنازلت‬
‫لليهود بغية الحصول على اعترافهم بنبوته‪ ،‬أكد‬
‫خصوصية الصفة العربية للدين السلمي‪ .‬وحتى‬
‫ذلك الوقت توجه محمد إلى القدس بالصلةا ولكن‬
‫أمره وحي بالتوجه إلى مكة)‪.(1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪() About the same time there was a change in Muhammad’s‬‬
‫‪general policy in important respects. One aspect was the “break‬‬
‫‪with Jews”; instead of making concessions to the Jews in the hope‬‬
‫‪of gaining recognition of his prophethood, he asserted the‬‬
‫‪specifically Arabian character of the Islamic religion. Hitherto the‬‬
‫‪Muslims had faced Jerusalem in prayer, but a revelation now bade‬‬
‫‪them face Mecca.‬‬

‫‪53‬‬
‫وكانأت الزراعة قد طورت من قبل عدةا قبائل‬ ‫‪‬‬
‫يهودية استقروا بين ظهرانأي العرب أصحاب البلد‬
‫الصليين ورغم ذلك حازوا أفضل الراضي)‪.(1‬‬
‫‪ ‬وكان المهاجرون )الرجال الذين قدموا من‬
‫مكة( في بداية المر ضيوفا ً على إخوانأهم‬
‫المسلمين في المدينة‪ .‬ولكن لم يكن محمد ليقبل‬
‫أن يستمر هذا الوضع لمدةا غير معلومة‪ ،‬ومارس‬
‫قليل من المهاجرين التجارةا في السوق المحلية‬
‫التي تديرها قبيلة يهودية)‪.(2‬‬
‫‪ ‬إضافة إلى هذا جعل من الضطرابات‬
‫البسيطة عذرا ً لطرد القبيلة اليهودية التي كانأت‬
‫تدير السوق)‪.(3‬‬
‫‪ ‬وطردت قبيلة يهودية أخرى من المدينة)‪.(4‬‬
‫وبعد حصار المدينة هاجم محمد قبيلة ]بني[‬ ‫‪‬‬
‫قريظة اليهودية‪ ،‬ربما لنأهم كانأوا يحرضون ضده‪.‬‬
‫وعندما استسلموا أعدم الرجال كلهم‪ ،‬وبيع النساء‬

‫‪1‬‬
‫‪)( Agriculture had been developed by several Jewish clans, who‬‬
‫‪had settled among the original Arabs, and they still had the best‬‬
‫‪lands.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) (The emigrants (muhajirun, the men from Mecca) were at first‬‬
‫‪guests of brother Muslims in Medina, but Muhammad cannot‬‬
‫‪have contemplated this situation continuing indefinitely.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪) ( He also made a minor disturbance an excuse for expelling‬‬
‫‪the Jewish clan, which ran the market.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪)( And another Jewish clan was expelled from Medina.‬‬

‫‪54‬‬
‫والطفال عبيدا ً)‪.(1‬‬
‫‪ ‬وليثيبهم على هذا التصرف المنظم قاد محمد‬
‫بعد شهرين القوةا نأفسها في هجوم على خيبر‬
‫الواحة اليهودية‪ ،‬واستسلمت بعد حصار ولكن‬
‫اليهود سمح لهم بالبقاء شريطة أن يرسلوا نأصف‬
‫محصول التمر إلى المدينة)‪.(2‬‬

‫الشبهة التاسعة‪ :‬حمل غزوات الرسول ‪  ‬‬


‫‪         ‬‬
‫‪‬‬
‫ل يرى وات سوى البعد المادي النفعي الذي‬
‫ة فيه الوسيلة(( في غزوات رسول الله ‪‬‬ ‫))تبرر الغاي ُ‬
‫ويقدم عدةا آراء بهذا الصدد‪ ،‬تنعكس في طروحاتها‬
‫على الموسوعة‪:‬‬
‫أ‪ -‬كان الهدف من الغارات المبكرةا التي شنها‬
‫الرسول ]‪ [‬على قوافل المكيين التجارية هو‬
‫التماس مصدر رزق للمهاجرين الذين كانأوا في‬
‫ضيافة النأصار‪ ،‬فلم يرد الرسول للمهاجرين أن‬
‫يعيشوا ضيوفا دائمين على النأصار‪ ،‬ولم يتوقع‬
‫منهم أن يشتغلوا بالزراعة ليكونأوا قادرين على‬

‫‪1‬‬
‫‪)( After the siege of Medina, Muhammad attacked the Jewish‬‬
‫‪clan of Qurayzah, which had probably been intriguing against‬‬
‫‪him. When they surrendered, the men were all executed and the‬‬
‫‪women and children sold as slaves.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) ( Partly to reward this orderly conduct, Muhammad two months‬‬
‫‪later led the same force against the Jewish oasis of Khaybar, north‬‬
‫‪of Medina. After a siege it submitted, but the Jews were allowed‬‬
‫‪to remain on condition of sending half of the date harvest to‬‬
‫‪Medina.‬‬

‫‪55‬‬
‫الشتغال بالتجارةا‪ ،‬فكان نأهب قوافل المكيين‬
‫التجارية هو السلوب المثل للحصول على مورد‬
‫رزق لهم)‪.(1‬‬
‫ل نأجد سببا ً مقنعا ً وراء ادعاء وات بأن الغارات‬
‫التي شنها الرسول ‪ ‬على قوافل المكيين التجارية‬
‫بعد هجرته إلى المدينة بقليل كان الهدف منها‬
‫إيجاد مورد رزق للمهاجرين‪ ،‬فلقد كان المهاجرون‬
‫قادرين على التماس مصادر أخرى للرزق بطرق‬
‫أكثر أمنا ً وأيسر سبلً‪ ،‬فلم يكن هناك ما يمنعهم‬
‫من ممارسة التجارةا أنأى شاؤوا‪ ،‬ولم يكن هناك ما‬
‫يمنعهم من تعلم حرفة نأافعة تدر عليهم الرزق‪،‬‬
‫فهل يعقل لوات أن يدعي أن أبواب الرزق السهلة‬
‫المتاحة في حاضرةا تجارية كالمدينة كانأت موصدةا‬
‫أمام المهاجرين‪ ،‬ولم يجدوا إل باب نأهب قوافل‬
‫المكيين على ما في ذلك من تكبد الصعاب‬
‫ومجابهة المخاطر؟‬
‫أممما الغممزوات والسمرايا قبمل بممدر فلمم يبممدأ بهمما‬
‫المسلمون إل بعد إذن إلهممي بالقتممال يوضممح سممببه‬
‫ويشد من أزرهم بتأييممده ‪]           ‬الح ج‪،[39 :‬‬
‫وأنأممزل سممبحانأه وتعممالى هممذه اليممة ضمممن آيممات‬
‫أرشدتهم إلى أن هذا الذن إنأما هو لدحض الباطممل‪،‬‬
‫وتمكين دين الله في الرض وإقامة شعائره فيها ‪ ‬‬
‫‪]             ‬الحج‪ ،[41 :‬وكان من المناسب أن‬
‫يبسط المسلمون سمميطرتهم علممى طريممق قريممش‬
‫التجارية الممتي تمممر بهممم إلممى الشممام وقريممش هممي‬
‫عدوهم الول والشد تربصا ً بهم وظلما ً لهممم‪ ،‬وفممي‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬

‫‪56‬‬
‫هذا إضعاف للعدو وقطع للشرايين القتصادية عنه‪،‬‬
‫ولقد كانأت أشد الضربات قسوةا على المكيين تلممك‬
‫التي تعرقل طريق تجارتهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬يفسر وات غزوات الرسول ‪ ‬بأنأها تمثل‬
‫انأعكاسا ً طبيعيا ً للحياةا الصحراوية العربية التي‬
‫كانأت الغارات فيها لونأا ً من ألوان الرياضة وليست‬
‫شكل ً من أشكال الحرب)‪ ،(1‬وهذا يفسر كلمة ‪razzia‬‬
‫التي تسرف الموسوعة في استخدامها عندما‬
‫تتكلم عن غزوات الرسول‪ ،‬وهي تعني‪" :‬غارةا‬
‫عسكرية تخريبية")‪.(2‬‬
‫ول يمكننممما أيضممما ً أن نأقبمممل الزعمممم بمممأن همممذه‬
‫الغممزوات والسممرايا كممانأت انأعكاسمما ً طبيعيمما ً لحيمماةا‬
‫الصحراء العربية الممتي مثممل فيهمما النشمماط القتممالي‬
‫لونأا ً من ألوان الرياضة القومية‪ ،‬إن هممذا الزعممم لممو‬
‫صح فيما يتعلق بحياةا العرب فممي الجاهليممة فممإنأه ل‬
‫يمكن أن يصح فيما يتعلق بالحياةا فممي ظممل الدولممة‬
‫السلمية‪ ،‬وذلك أن السلم لم ينظممر للقتممال علممى‬
‫أنأه متعة وتسمملية ‪                       ‬‬
‫‪]  ‬البق رةا‪ ،[216 :‬هذا هممو فممرض الجهمماد‪ ،‬يممبين اللممه‬
‫م امتحممن المسمملمين بممه‬ ‫ممم ّ‬
‫سبحانأه وتعالى أن هممذا ِ‬
‫وجعله طريقا ً موصل ً إلى الجنة‪ ،‬ولكن القممول بممأن‬
‫العرب كانأت تغزو وُتغير للتسلية‪ ،‬فهذا ما ينممم عممن‬
‫جهل عميممق بخصممائص النفممس البشممرية‪ ،‬ونأزوعهمما‬
‫إلى الركون إلى السلم وطلبها السلمة‪.‬‬
‫‪ ‬وكان المهاجرون )الرجال الذين قدموا من‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ ()2‬معجم‪.The World Book Dictionary :‬‬

‫‪57‬‬
‫مكة( في بداية المر ضيوفا ً على إخوانأهم‬
‫المسلمين في المدينة‪ .‬ولكن لم يكن محمدا ً ليقبل‬
‫أن يستمر هذا الوضع لمدةا غير معلومة‪ .‬ومارس‬
‫قليل من المهاجرين التجارةا في السوق المحلية‬
‫التي تديرها قبيلة يهودية‪ .‬وقام الخرون بالطريقة‬
‫العربية المعروفة وبموافقة محمد بغزوات أمل ً‬
‫بقطع طريق القوافل المكية المتجهة بمحاذاةا‬
‫المدينة في طريقها إلى سوريا‪ .‬وقاد محمد بنفسه‬
‫ثلثا ً من هذه الغزوات في ‪623‬م)‪.(1‬‬
‫ج‪ -‬يرى وات أن اتساع دائرةا المجتمع السلمي‬
‫في الجزيرةا العربية أدى إلى انأتقال النشاط‬
‫القتالي السلمي من مفهوم الغارةا إلى مفهوم‬
‫الجهاد‪ ،‬ذلك أن الغارةا تمثل نأشاطا قتاليا ً تقوم به‬
‫قبيلة ضد أخرى‪ ،‬أما الجهاد فهو عمل يقوم به‬
‫مجتمع ديني ضد غير المنتمين إليه‪ ،‬ومن هنا كان‬
‫اعتناق أي جماعة أو قبيلة للسلم موجبا ً لوقف‬
‫القتال ضدها‪ .‬فعندما انأتشر السلم انأتشارا ً واسعا ً‬
‫بين القبائل العربية تضاءلت فرصة الجهاد‬
‫الداخلي‪ ،‬وكان لبد من تهيئة فرصة الجهاد‬
‫الخارجي حتى يمكن إيجاد متنفس لطاقات العرب‬
‫القتالية التي كان لبد أن تفصح عن نأفسها بشكل‬
‫‪1‬‬
‫‪)( The emigrants (muhajirun, the men from Mecca) were at first‬‬
‫‪guests of brother Muslims in Medina, but Muhammad cannot‬‬
‫‪have contemplated this situation continuing indefinitely. A few‬‬
‫‪emigrants carried on trade in the local market run by a Jewish‬‬
‫‪clan. Others, with the approval of Muhammad, set out in normal‬‬
‫‪Arab fashion on razzias (ghazawat, “raids”) in the hope of‬‬
‫‪intercepting Meccan caravans passing near Medina on their way‬‬
‫‪to Syria. Muhammad himself led three such razzias in 623 .‬‬

‫‪58‬‬
‫أو بآخر‪ ،‬ويرى وات أن الصبغة الدينية للجهاد هي‬
‫التي قامت بدورها الكبير في التنفيس عن تلك‬
‫الطاقات مما أتاح للمسلمين في أقل من قرن من‬
‫الزمان أن ينشئوا إمبراطوريتهم الواسعة)‪.(1‬‬
‫في ضوء ما ذكرنأا ينتفي الزعم بانأتقال النشاط‬
‫القتالي السلمي من مفهوم الغارةا إلى الجهاد‬
‫نأتيجة اتساع دائرةا المجتمع السلمي في الجزيرةا‬
‫العربية‪ ،‬ذلك أن القتال دفعا ً للذى ودرءا للكيد‬
‫وانأتصارا ً للنفس ليس غارةا قبلية‪ ،‬بل هو جهاد‬
‫يصيب بمعانأيه عين الحقيقة‪ ،‬وهو ما اتسم به‬
‫النشاط القتالي السلمي منذ فجره المبكر في‬
‫المدينة‪.‬‬
‫وغممزوات المسمملمين جمماءت امتثممال ً لمممر اللممه‬
‫سبحانأه وتعممالى ‪                          ‬‬
‫‪]   ‬التوبة‪ ،[29 :‬وتوجهت الحملت العسكرية لخارج‬
‫جزيرةا العرب بعد ضمها تحت لواء التوحيد ل ليجاد‬
‫متنفممس لطاقممات العممرب حممتى ل يعممودوا للقتتممال‬
‫فيما بينهم‪ ،‬وإنأما بقصد تبليغ الدعوةا التي كلفوا بها‪.‬‬
‫‪ ‬وكان قد أدرك أنأه إذا أصبح العرب مسلمين‬
‫فسيكون من المحتم توجيه الطاقة الناتجة عن‬
‫غزواتهم لبعضهم إلى الخارج‪ .‬فغزو المسلم‬
‫للمسلم أمر غير مقبول البتة)‪.(2‬‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad: Prophet and Statesman ،‬ص ‪-108‬‬


‫‪.109‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() He had already realized that, insofar as the Arabs became‬‬
‫‪Muslims, it would be necessary to direct outward the energies‬‬
‫‪expended on razzias against one another.‬‬

‫‪59‬‬
‫د‪ -‬كان الهدف من السرية التي وجهها الرسول‬
‫‪ ‬إلى نأخلة في رجب في السنة الثانأية للهجرةا‬
‫بقيادةا عبدالله بن جحش هو الستيلء على إحدى‬
‫قوافل المكيين التجارية‪ ،‬وهذه هي السرية التي‬
‫أريق فيها أول دم في تاريخ العلقات بين‬
‫المسلمين والمشركين بعد الهجرةا‪ .‬وكان الرسول‬
‫‪ ،‬في تقدير وات‪ ،‬يعلم أن هذه السرية قد يترتب‬
‫عليها قتال في الشهر الحرام وهو رجب‪ ،‬وكان‬
‫موافقا ً على القتال لو حدث‪ ،‬وحدث القتال فعل ً‬
‫وأسفر عن قتل أحد المشركين‪ ،‬وهنا فوجئ‬
‫الرسول بما لم يكن يتوقعه من ردود أفعال حادةا‬
‫من قبل المسلمين في المدينة‪ ،‬فدفعه ذلك إلى أن‬
‫يتظاهر‪ ،‬كما يدعي وات‪ ،‬أنأه لم يكن موافقا على‬
‫ما حدث‪ ،‬ورفض توزيع الغنائم‪ ،‬وأن يأخذ نأصيبه‬
‫منها‪.‬‬
‫وعرض وات لحداث سرية نأخلة يحتاج إلى‬
‫مراجعة جذرية‪ ،‬إذ يزعم بأن الرسول ‪ ‬كان يعلم‬
‫أن هذه السرية قد يترتب عليها قتال في شهر‬
‫حرام‪ ،‬وهو رجب‪ ،‬وكان موافقا ً على ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫زعم ل يستند إلى برهان تاريخي‪ ،‬فإذا رجعنا إلى‬
‫نأص الكتاب الذي سلمه الرسول ‪ ‬لعبدالله بن‬
‫جحش ‪ ‬وفقا ً لما يرويه الطبري وابن هشام نأجد‬
‫أن فيه أمرا ً بالستطلع فقط‪ ،‬ولم يفوضهم‬
‫بالقتال‪" :‬إذا نأظرت في كتابي هذا فسر حتى‬
‫صد بها قريشا ً‬ ‫تنمزل نأخلة بين مكة والطائف‪ ،‬فتر ّ‬
‫وتعّلم أخبارهم")‪ ،(1‬والترصد هنا معناه الترقب كما‬
‫‪ ()1‬ابن هشام‪ ،‬سيرةا النبي‪2/239 ،‬؛ وتاريخ الطبري‪.2/411 ،‬‬

‫‪60‬‬
‫ن ما حدث كان‬ ‫يتضح تماما ً من السياق‪ ،‬والحقيقة أ ّ‬
‫سوء تقدير نأاجم من اجتهاد شخصي‪ ،‬والرسول ‪‬‬
‫لم يسمح لهم بذلك وأنأكر عليهم ما فعلوا ومنع‬
‫التصرف في العير والسيرين‪.‬‬
‫ووجممد المشممركون فيممما حممدث فرصممة لتهممام‬
‫المسمملمين بممأنأهم قممد أحّلمموا ممما حرمممت العهممود‬
‫والمواثيق العربية‪ ،‬وكثر القيممل والقممال‪ ،‬حممتى نأممزل‬
‫وحي حاسم لهذه القاويل ‪                 ‬‬
‫‪]           ‬البق رةا‪ ،[217 :‬ومصممرح بممأن هممذه‬
‫الضجة التي افتعلها المشركون ل مسمماغّ لهمما‪ ،‬فممإن‬
‫الحرمات المقدسة قممد انأتهكممت كلهمما فممي محاربممة‬
‫السمملم واضممطهاد أهلممه‪ ،‬ألممم يكممن المسمملمون‬
‫ب أممموالهم‬ ‫سممل ْ ُ‬
‫مقيمين بالبلد الحممرام‪ ،‬حيممن تقممرر َ‬
‫وقتل نأبيهم؟ فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها‬
‫فجأةا‪ ،‬فأصبح انأتهاكها معرةا وشناعة؟‬
‫‪ ‬وأخيرا في يناير من عام ‪624‬م أرسلت‬
‫مجموعة صغيرةا من الرجال شرقا ً بأوامر صارمة‬
‫تخبرهم بالتجاه إلى نأخلة بالقرب من مكة‬
‫ومهاجمة القافلة القادمة من اليمن‪ .‬وقاموا بهذه‬
‫المهمة بنجاح وبفعلهم هذا نأقضوا العراف العربية‬
‫عن الحرمة‪ ،‬ومن ثم نأبهوا المكيين على خطورةا‬
‫تهديد محمد)‪.(1‬‬
‫هم‪ -‬يرى وات أن بحث الرسول ‪ ‬عن أساس‬
‫‪1‬‬
‫‪() At last, in January 624 , a small band of men was sent eastward with sealed‬‬
‫‪orders telling them to proceed to Nakhlah, near Mecca, and attack a caravan‬‬
‫‪from Yemen. This they did successfully, and in doing so they violated pagan‬‬
‫‪ideas of sanctity—thereby making the Meccans aware of the seriousness of the‬‬
‫‪threat from Muhammad.‬‬

‫‪61‬‬
‫اقتصادي متين لدولته كان من بين السباب التي‬
‫أدت إلى تطلعه للغزو الخارجي‪ ،‬وفي نأظر وات ل‬
‫تمثل غزوةا تبوك )‪ 9‬هم( مجرد ختام لغزوات‬
‫الرسول ‪ ‬بل هي بالحرى مقدمة حقيقية لحروب‬
‫التوسع التي بدأت بعدها بقليل‪ ،‬فقد كانأت الغزوةا‬
‫أضخم غزوات الرسول على الطلق)‪.(1‬‬
‫وهذا الزعم ل يقوم على أساس تاريخي‪ ،‬فمن‬
‫يقرأ في حملت الرسول ‪ ‬على طريق الشام‬
‫يدرك أنأها كانأت في الساس ردا لعدوان أو درءا ً‬
‫لتهديد‪ ،‬فغزوةا دومة الجندل في السنة الخامسة‬
‫للهجرةا لم يكن لها سبب سوى أن العرب‬
‫المقيمين بدومة الجندل كانأوا مصدر تهديد للمدينة‬
‫وللتجار الذين كانأوا يترددون بين المدينة والشام‪،‬‬
‫بل إن الواقدي يذكر في مغازيه أن هؤلء العرب‬
‫موا بغزو المدينة)‪ ،(2‬وعندما نأزل‬
‫تجمعوا وهَ ّ‬
‫الرسول ‪ ‬ومن معه من المسلمين بساحتهم ولوا‬
‫مدبرين‪ ،‬فهذه إذا ً غزوةا ذات غرض محدد لم‬
‫تتجاوزه‪ ،‬ولم تكن غايتها بكل تأكيد إحراز مكاسب‬
‫اقتصادية‪.‬‬
‫والذي يصدق على غزوةا دومة الجندل يصدق‬
‫على سرية مؤتة في السنة الثامنة للهجرةا‪ ،‬وهذه‬
‫السرية خرجت نأتيجة استفزازات متكررةا كان‬
‫يقوم بها العرب المتحالفون مع الروم في شمال‬
‫الجزيرةا‪ ،‬وبخاصة الغساسنة الذين قتلوا الحارث‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad: Prophet and Statesman ،‬ص ‪-218‬‬


‫‪.219‬‬
‫‪ ()2‬المغازي للواقدي‪.1/403 ،‬‬

‫‪62‬‬
‫بن عمير الزدي مبعوث رسول الله ‪ ‬إلى كبير‬
‫بصرى‪ ،‬ورغم ما أبلى المسلمون في هذه الغزوةا‬
‫من بلء حسن‪ ،‬إل أنأهم اضطروا للنأسحاب أمام‬
‫الحشود الهائلة من الروم وأحلفهم‪ ،‬ويصعب على‬
‫المرء أن يتصور أن الرسول ‪ ‬أرسل جيشا ً قوامه‬
‫ثلثة آلف مقاتل ليجابهوا مائتي ألف مقاتل من‬
‫أجل أي مكسب مادي‪ ،‬ولكن كان انأتصارا ً لدم‬
‫مسلم ولدولة السلم التي قتل سفيرها وُأعلن‬
‫عليها الحرب وفرضت عنوةا)‪.(1‬‬
‫وأما غزوةا تبوك‪" ،‬غزوةا الُعسرةا" التي يقول‬
‫وات محاجًا‪ :‬إنأها رائدةا الهجوم على سوريا‬
‫المزدهرةا اقتصاديا‪ ،‬فقد أعد لها الصادق المصدوق‬
‫محمد ‪ ‬في ظروف بالغة القسوةا من شدةا الحر‬
‫وقلة الزاد‪ ،‬وهي غزوةا فرضت على المسلمين‬
‫فرضًا‪ ،‬إذ لم يكن القيصر ليصرف نأظره عما كان‬
‫لمعركة مؤتة من وقع طيب في نأفوس القبائل‬
‫العربية‪ ،‬وبدأت بعض القبائل المتاخمة لحدوده في‬
‫الستقلل عنه وإرسال الوفود إلى رسول الله ‪،‬‬
‫مما جعله يعد العدةا لمعركة حاسمة مع المسلمين‪،‬‬
‫ولما سمع رسول الله ‪ ‬بالخبر حشد المسلمين في‬
‫جيش على حال كما ذكرنأا وخرج بهم لمجابهة‬
‫الخطر المحدق بالدولة الناشئة‪ ،‬ولما لم يجد أحدا ً‬
‫في المكان الموصوف عاد بجيشه قافل ً إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وحتى في هذه الغزوةا‪ ،‬التي يهول وات‬
‫من أمر أبعادها وتبعاتها‪ ،‬لم تكن بدافع الهجوم بل‬
‫الدفاع‪ ،‬ولم يجن منها رسول الله ‪ ‬أي مكسب‬
‫‪ ()1‬تاريخ الطبري‪ 3/101 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مادي‪.‬‬
‫‪ ‬ومن الجدير ملحظة أن أكبر غزواته‪ ،‬عدا‬
‫طلعاته على المكيين‪ ،‬كانأت على امتداد الطريق‬
‫إلى سوريا التي تبعتها الجيوش العربية بعد موته‪.‬‬
‫ومما لشك فيه أنأه أدرك أن المهارات الدارية‬
‫لتجار مكة ستكون ذات فائدةا لي توسع لدولته‬
‫الفتية)‪.(1‬‬
‫‪ ‬الزحف على حدود سوريا‪ .‬حدثت أعظم‬
‫غزوات محمد في نأهاية سنة ‪630‬م عندما‬
‫اصطحب ثلثين ألف رجل في رحلة استغرقت‬
‫شهرا نأحو الحد السوري‪ .‬وبهذه الحملة كان محمد‬
‫رائدا ً للهجوم على سوريا ودخل في اتفاقات‬
‫أصبحت نأماذج لترتيبات المعاهدات مع الشعوب‬
‫المهزومة)‪.(2‬‬

‫الشبهة العاشرةا‪ :‬التشكيك في مقدار اضطهاد‬


‫مشركي مكة للمسلمين‬
‫يعطي وات قدرا ً ضئيل ً من الهمية للضطهاد‬
‫الذي تعرض له المسلمون في مكة مما دفعهم إلى‬
‫‪1‬‬
‫‪() It is noteworthy that his largest razzias, apart from the expeditions against‬‬
‫‪the Meccans, were along the route to Syria followed by the Arab armies after‬‬
‫‪his death. He doubtless realized that the administrative skill of the Meccan‬‬
‫‪merchants would be required for any expansion of his embryonic state.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪() March to the Syrian border: The greatest of all of Muhammad’s razzias‬‬
‫‪occurred at the end of 630 , when he took 30.000 men on a month’s‬‬
‫‪journey to the Syrian border. In this campaign he pioneered the invasion of‬‬
‫‪Syria and made agreements that became models for treaty arrangements with‬‬
‫‪captured peoples.‬‬

‫‪64‬‬
‫الهجرةا‪ ،‬ويرى بأن المسلمين قاموا باختلق هذه‬
‫الروايات في وقت لحق رغبة في تضخيم‬
‫التضحيات التي قام بها المسلمون)‪.(1‬‬
‫ومن الطبعي أن ُيضطهد النذر وأصحاب‬
‫الرسالت ومناصروهم في مجتمعاتهم وأن يضيق‬
‫عليهم الخناق‪]             ،‬يس‪،[30 :‬‬
‫والمعارضة القرشية جاءت على القدر الذي جاءت‬
‫عليه من القوةا بسبب أن هذه الرسالة التي خرجت‬
‫بين ظهرانأيهم تحدت جميع ما آمنوا به من لدن‬
‫آبائهم الولين وما تعودوا عليه من طريقة عيش‬
‫وإدارةا شؤونأهم الحياتية‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول ابن هشام إن الرسممول‬
‫‪" :‬لما بدأ يدعو للسلم لم يبعممد منممه قممومه‪ ،‬ولممم‬
‫يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها‪ ،‬فلما فعمل ذلمك‬
‫أعظموه ونأاكروه وأجمعوا خلفممه وعممداوته إل مممن‬
‫عصم الله بالسلم‪ ،‬وهم قليل مسممتخفون"‪     ،‬‬
‫‪]                             ‬ص‪،[6-4 :‬‬
‫ومشوا إلى الرسول ‪ ‬وساوموه قائلين‪" :‬يا محمممد‬
‫إنأا قد بعثنا إليك لنكلمك‪ ،‬وإنأا والله ل نأعلم رجل من‬
‫العممرب أدخممل علممى قممومه مثممل ممما أدخلممت علممى‬
‫قومك‪ ،‬لقد شتمت البمماء‪ ،‬وعبممت الممدين‪ ،‬وشممتمت‬
‫اللهة‪ ،‬وسفهت الحلم‪ ،‬وفرقممت الجماعممة‪ ...‬فممإن‬
‫كنت جئت بهذا الحديث تطلب مال ً جمعنما لممك مممن‬
‫أموالنا حتى تكون أكثرنأا مالً‪ ،‬وإن كنت إنأما تطلممب‬
‫الشرف فينا‪ ،‬فنحن نأسودك علينمما‪ ،‬وإن كنممت تريممد‬
‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad at Mecca ،‬ص ‪.146-145‬‬
‫‪ ()2‬ابن هشام‪ ،‬سيرةا النبي‪.276 – 1/275 ،‬‬

‫‪65‬‬
‫ملكا ً ملكناك علينا‪ ،‬وإن كان هممذا الممذي يأتيممك رئيمما ً‬
‫بذلنا أموالنا في طلممب الطممب حممتى نأبرئممك منممه أو‬
‫نأعذر فيمك‪ ،‬فقممال لهمم رسممول اللممه ‪" :‬م ا بممي ممما‬
‫تقولون‪ ،‬ولكن الله بعثني إليكم رسممولً‪ "...‬فقممالوا‪:‬‬
‫وإنأا والله ل نأتركك وممما بممالغت منمما حمتى نأهلكمك أو‬
‫تهلكنا")‪ ،(1‬فما بممال وات يممثير الشممبه حممول تضممخيم‬
‫الحقائق‪ ،‬وهذه قريش تضع أغلى ما تملك بين يدي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لمر الهجرةا إلى الحبشة فلما كان‬
‫أن استورى أمر الدعوةا غضب المشركون فأخذوا‬
‫من أسلم مع الرسول بالشدةا والقسوةا "‪...‬فكانأت‬
‫فتنة شديدةا الزلزال على من اتبع رسول الله ‪ ‬من‬
‫أهل السلم‪ ،‬فافتتن من افتتن‪ ،‬وعصم الله منهم‬
‫من شاء‪ ،‬فلما ُفعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول‬
‫الله ‪ ‬أن يخرجوا إلى أرض الحبشة‪ ...‬فذهب إليها‬
‫عامتهم لما قهروا بمكة وخاف عليهم الفتن‪ ،‬ومكث‬
‫هو فلم يبرح")‪ ،(2‬فمن الواضح من هذا العرض‬
‫الذي ل تكاد مصادرنأا تختلف عليه أن المسلمين‬
‫الذين هاجروا بأنأفسهم ودينهم من اضطهاد‬
‫مشركي مكة‪ ،‬وكان ذلك استجابة لمر الرسول ‪‬‬
‫الذي اختار البقاء‪ ،‬ولكن الموسوعة تذكر دافعا ً‬
‫ماديا ً وراء الهجرةا إلى الحبشة وهو الشتغال‬
‫بالتجارةا أو ضمان دعم عسكري‪.‬‬
‫‪ ‬ويصعب تقويم طبيعة ومقدار اضطهاد‬

‫‪ ()1‬ابن هشام‪ ،‬المرجع السابق‪.317 – 1/315 ،‬‬


‫‪ ()2‬تاريخ الطبري‪.329 – 2/328 ،‬‬

‫‪66‬‬
‫ فقد كان هناك قليل من‬.‫المسلمين في مكة‬
‫العنف الجسدي وكان ذلك غالب الوقت من قبل‬
‫ وعانأى محمد من مضايقات صغيرةا مثل‬.‫العائلة‬
‫ إن هذا الضطهاد‬:‫ ويقال‬.‫وضع النفايات خارج داره‬
‫أدى إلى هجرةا بعض المسلمين إلى أثيوبيا حوالي‬
‫م ولكنهم ربما كانأوا يبحثون عن فرص‬615 ‫عام‬
‫ وبقي بعضهم‬.‫للتجارةا أو دعم عسكري لمحمد‬
‫م وذلك لمدةا طويلة بعد أن دانأت‬628 ‫حتى عام‬
‫ ومهما كانأت طبيعة هذا‬.‫المور لمحمد في المدينة‬
.(1)‫الضطهاد فقد أوغرت صدور المسلمين بسببه‬
،‫ ومورس ضغط تجاري على مؤيدي محمد‬
‫وفي بعض العائلت كان هناك اضطهاد بسيط‬
.(2)‫لفرادها الصغار الذين اتبعوه‬
‫وهناك قضايا أخرى تعرضت لها الموسوعة‬
‫تفضح بجلء عدم التزام الموسوعة ومن وراءها‬
‫ب العلمي الرصين الذي تزعم اتباعه مما‬ َ ‫السلو‬
‫يكشف عن الوجه القبيح للموسوعة دون حجاب‬
‫ ومن المثلة على هذا التهجم الصريح‬،‫اللغة العلمية‬
1
() It is difficult to assess the nature and extent of the persecution of the
Muslims in Mecca. There was little physical violence, and that almost always
within the family. Muhammad suffered from minor annoyances, such as having
filth deposited outside his door. The persecution is said to have led to the
emigration of some of the Muslims to Ethiopia about 615 , but they may have
been seeking opportunities for trade or military support for Muhammad. Some
remained until 628 , long after Muhammad was established in Medina.
Whatever the nature of the persecution, the Muslims were very bitter about it.

2
)( Commercial pressure was brought to bear on Muhammad’s supporters, and
in some families there was mild persecution of junior members who followed
him.

67
‫على الرسول الكريم ‪ ،‬واستخدام لغة مغرضة‬
‫مثل‪ :‬كلمة ‪ propaganda‬التي تعني "دعاية" وبخاصة‬
‫دعاية كاذبة لفكر جماعة ذات طابع سياسي تحوم‬
‫حول نأشاطاتها الشكوك‪ ،‬وذلك عند الحديث عن‬
‫من أسلم من أهل المدينة في بيعة العقبة الولى‬
‫والذين قالت عنهم الموسوعة أنأهم عادوا بعد‬
‫البيعة ليشيعوا "دعاية" محمد ‪ ‬في المدينة؛‬
‫واستخدام كلمة ‪ razzia‬وتكرارها عند الحديث عن‬
‫غزوات الرسول ‪ ،‬وهي كلمة إنأجليزية أتت إليها‬
‫عن طريق الفرنأسية التي أخذتها بدورها عن كلمة‬
‫"غزوةا" العربية‪ ،‬ولكنه في استخدامها النأجليزي‬
‫الحالي أشبه ما تكون بكلمة "غارةا"‪ ،‬ويفسر وات‬
‫بأن "الغارات" التي شنها المسلمون‪" :‬تمثل‬
‫انأعكاسا ً طبيعيا ً للحياةا العربية التي كانأت الغارات‬
‫فيها لونأا ً من الرياضة وليست شكل ً من أشكال‬
‫الحرب")‪ ،(1‬ليعني بذلك أن النهب هو السلوب‬
‫المثل للحصول على مورد رزق)‪(2‬؛ واستخدام‬
‫كلمة ‪ showdown‬عند الحديث عن محاولة الرسول ‪‬‬
‫اللحاق بالمشركين بعد أن وّلوا هاربين من أرض‬
‫معركة أحد‪ ،‬والكلمة فيها كثير من السخرية وتعني‬
‫تظاهرا ً بفعل الشيء يداخله التمثيل والكذب‪،‬‬
‫والموسوعة تقول إن الرسول الكريم ‪ ‬قام بتمثيل‬
‫أنأه أراد اللحاق بالمكيين‪ ،‬وذلك للعتقاد السائد عند‬
‫المستشرقين بأن معركة أحد كانأت نأصرا ً للمكيين‪.‬‬

‫‪ ()1‬مونأتقمري وات‪ ،Muhammad: Prophet and Statesman ،‬ص ‪.105‬‬


‫‪ ()2‬عبدالرحمن أحمد سالم‪" ،‬قراءةا نأقدية في كتابات مونأتقمري وات‬
‫في السيرةا النبوية"‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪68‬‬
‫الخاتمة‬
‫يظهر جليا ً من هذه الدراسة عوار منهجية‬
‫الموسوعة التي اتبعتها في كتابة مادةا "محمد‪:‬‬
‫النبي ورسالته" وأن لغة التحاشي والجدال‬
‫المناقض‪ ،‬والتعريفات والتركين التي يعترف بها‬
‫ة للرصانأة العلمية والتي وظفتها‬ ‫الغرب لغ ً‬
‫الموسوعة بدقة في كتابة المادةا قيد البحث‪،‬‬
‫ليست إل صياغة قريبة من الذائقة الغربية‬
‫المعاصرةا‪ ،‬وحجابا ً ل يلبث أن ينكشف ويبرز من‬
‫ج التشكيك والتفسير المادي‬ ‫ورائه مناه ُ‬
‫مها على الفكر‬‫والميكافيلية التي ط ُب ِعَ وس ُ‬
‫الستشراقي المعاصر‪ ،‬وفي هذا البحث حاولت‬
‫كشف هذه العلقة‪.‬‬
‫وهذه العلقة ل تتجلى للقارئ الغربي غير‬
‫المتخصص الذي تستهدفه الموسوعة قبل أي‬
‫شخص آخر؛ ويورد الدكتور مصطفى السباعي‬
‫ضمن أهم وسائل المستشرقين لتحقيق أهدافهم‬
‫ونأشر أفكارهم إعداد الموسوعات المتخصصة)‪،(1‬‬
‫وهم أول من يستكتب في الموسوعات العامة‬
‫الغربية فيما يخص العرب والمسلمين وكل ما له‬
‫صلة بهم‪ ،‬وذلك لعتقاد القائمين على هذه‬
‫الموسوعات الموضوعية والحياد في هؤلء من‬
‫جهة‪ ،‬ولجهلهم بحقيقة السلم وجوهره من جهة أو‬
‫لرغبتهم الخاصة في التعرض للسلم وأهله‪.‬‬
‫وتاريخ الموسوعة البريطانأية ذات الصيت‬
‫‪ ()1‬مصطفى السباعي‪ ،‬الستشراق والمستشرقون‪ ،‬ص ‪.28 -26‬‬

‫‪69‬‬
‫والسمعة والتي تزود القراء بالمعلومات بشتى‬
‫الوسائل )ورقية‪ ،‬أسطوانأات ليزرية‪ ،‬الشبكة‬
‫العالمية( وفي شتى الشكال )موسوعات معمقة‪،‬‬
‫ومختصرةا‪ ،‬وموسوعات للطفال‪ ،‬وكتب تصدر عن‬
‫الموسوعة في موضوعات محددةا‪ ،‬وبلغات‬
‫مختلفة( لم يكن دائما مذيل ً بالثناء والذكر الجميل‪،‬‬
‫وبخاصة الطبعة الرابعة عشرةا التي درسها جوزيف‬
‫مككيب ‪ Joseph McCabe‬في كتابه المعنون بم‬
‫"أكاذيب وأباطيل الموسوعة البريطانأية" مقارنأة‬
‫مع الطبعة الحادية عشرةا‪ ،‬وكشف مككيب فيه عن‬
‫أن الطبعة الرابعة عشرةا حررت بإشراف اتحاد‬
‫وستمنستر الكاثوليكي الذي نأشر في تقريره‬
‫السنوي عام ‪1928‬م ما يلي‪" :‬لقد تمت مراجعة‬
‫الموسوعة البريطانأية أخذا ً في العتبار الحد من‬
‫المور المتحفظ عليها من وجهة النظر الكاثوليكية‪،‬‬
‫وإضافة ما هو صحيح وموضوعي‪ ،‬ولقد تمت‬
‫دراسة الجزاء الثمانأية والعشرين كلها‪ ،‬وتمت‬
‫الشارةا إلى المواضع المتحفظ عليها وذكرت‬
‫أسباب حذفها أو تعديلها‪ ،‬وهناك أسباب وجيهة‬
‫لملنا في أن يجد القراء هذه الطبعة أكثر صوابا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫وموضوعية بكثير من سابقاتها"!‬
‫ورغم إعلن التحاد أنأه لم يتدخل في كتابة‬
‫طبعة الموسوعة الرابعة عشرةا الذي أصدره بعد‬
‫قي بها التقرير)‪ ،(2‬يورد مككيب‬ ‫ردةا الفعل التي ت ُل ُ ّ‬
‫‪ ()1‬الفقرةا الثانأية‪ ،‬ص ‪ 18‬من تقرير اللجنة الفرعية لليقظة والحتراز‬
‫‪ vigilance sub-committee‬من التقرير السنوي الحادي والعشرين لتحاد‬
‫وستمنستر الكاثوليكي‪.‬‬
‫‪ ()2‬جريدةا ‪ ،London Times‬الصفحة الولى‪ ،‬بتاريخ ‪ 9‬أغسطس ‪1929‬م‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫في كتابه الذي خصصه للرد لكشف بطلن هذا‬
‫العلن أمثلة كثيرةا جدا على تدخل التحاد‬
‫الكاثوليكي في تحرير الموسوعة‪ ،‬وبخاصة في‬
‫المقالت التي كتب في آخرها الحرف ‪ ،x‬أي‬
‫مجهول اختصارا ً لسم المؤلف‪ ،‬بل حتى إن مادةا‬
‫"محمد" التي كتبت في اثنتي عشرةا صفحة في‬
‫الطبعة الحادية عشرةا)‪ (1‬اخُتزلت في ثلث‬
‫صفحات فقط‪ ،‬ويقول مككيب‪ :‬إن سبب هذا هو‬
‫ضمان مبيعات أكثر للموسوعة!‬
‫سّلموا‬
‫وإذا كان القائمون على الموسوعة َ‬
‫قيادها لمجموعة ضغط ذات أهداف إيديولوجية‬
‫ضيقة من أجل صياغتها بما يتوافق مع أغراضها من‬
‫أجل المال‪ ،‬فل نأستغرب إذا ً أن تكون الموسوعة‬
‫موافقة ومداهنة للفكر العام المستقر عن السلم‬
‫الذي صاغته كتابات المستشرقين)‪ (2‬ونأشاط‬
‫وسائل العلم المعادية للسلم‪.‬‬
‫وإذا عرفنا أن الموسوعة قامت بمراجعة ‪٪35‬‬
‫من موادها)‪ (3‬خلل العامين الماضيين‪ ،‬نأوصي بتبني‬
‫هذه الندوةا الرد على الموسوعة ومناقشتها لبيان‬
‫الخطاء الفاضحة التي وقعت فيها فيما يخص‬
‫السلم‪ ،‬وبخاصة الفتراء العظيم على نأبي الرحمة‬
‫‪ ()1‬قمت بمراجعة مادةا "محمد" ‪ Mahomet‬في الطبعة الحادية عشرةا‬
‫فرى‪ ،‬بل كما‬
‫التي صدرت عام ‪1911‬م ووجدتها مليئة بالباطيل وال ِ‬
‫يظهر من تهجئة اسم نأبينا الكريم في هذه المادةا هي تنتمي أكثر ما‬
‫يكون الى الفكر الستشراقي الذي ساد في العصور الوسطى‪ ،‬والموقع‬
‫لمن أراد الرجوع إليه هو‪:‬‬
‫‪http:// 1911 encyclopedia.org‬‬
‫‪ ()2‬يذكر الدكتور أكرم ضياء الُعمري )مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ (56 -55‬أنأه ما‬
‫بين عامي ‪1950 -1800‬م ُنأشر ستون ألف كتاب عن السلم‪ ،‬أي‬
‫بمعدل أكثر من كتاب كل يوم! هذا بالضافة إلى المجلت والمؤتمرات‬
‫وبرامج وسائل العلم المختلفة‪.‬‬
‫‪ ()3‬كتالوج الموسوعة البريطانأية لعام ‪2004‬م‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪71‬‬
‫نأبينا محمد عليه أفضل الصلةا وأتم التسليم‪،‬‬
‫والشبهات والطعونأات الكثيرةا التي ساقتها‬
‫الموسوعة تحت مادةا "القرآن")‪.(1‬‬
‫وآخر دعوانأا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫‪ ()1‬قام د‪ .‬فضل حسن عباس بتفنيد الشبهات الكثيرةا التي ذكرتها‬


‫الموسوعة فيما يخص محكم التنمزيل في كتابه‪ :‬قضايا قرآنأية في‬
‫الموسوعة البريطانأية نأقد مطاعن ورد ّ شبهات‪ ،‬دار البشير عمان‪،‬‬
‫‪1989‬م‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫المراجع‬
‫‪ -1‬المراجع العربية‪:‬‬
‫أزمة الستُشراق الحديث والمعاصر‪ ،‬محمد‬
‫حسن خليفة‪) ،‬إصدار( عمادةا البحث العلمي‬
‫بجامعة المام محمد بن سعود السلمية‪،‬‬
‫الرياض‪1421 :‬هم‪.‬‬
‫الستُشراق في السيرة النبوية‪ ،‬عبدالله‬
‫محمد المين النعيم‪ :،‬دراسة تاريخية لراء‬
‫وات‪-‬بروكلمان‪-‬فلهاوزن مقارنة‬
‫بالرؤية السلمية‪ ،‬المعهد العالمي للفكر‬
‫السلمي‪ ،‬فرجينيا‪ 1417 :‬هم‪.‬‬
‫الستُشراق والتُاريخ السلمي‪ ،‬فاروق عمر‬
‫فوزي‪ ،‬الهلية‪ ،‬الردن‪1409 :‬هم‪.‬‬
‫الستُشراق والمستُشرقون‪ :‬مالهم وما‬
‫عليهم‪ ،‬مصطفى السباعي‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي‪ ،‬بيروت‪ 1405 :‬هم‪.‬‬
‫تاريخ الرسل والملوك )المشهور بتاريخ‬
‫الطبري(‪ ،‬الطبري )أبو جعفر محمد ابن جرير(‪،‬‬
‫تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫القاهرةا‪1979 :‬م‪.‬‬
‫دائرة المعارف السلمية الستُشراقية‪:‬‬
‫أضاليل وأباطيل‪ ،‬إبراهيم عوض‪ ،‬مكتبة البلد‬
‫المين‪ ،‬مصر‪1419 :‬هم‪.‬‬
‫الدراسات السلمية والعربية في‬
‫الجامعات اللمانية‪ ،‬رودي بارت‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫مصطفى ماهر‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرةا‪:‬‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫دلئل النبوة‪ ،‬البيهقي )أحمد بن الحسين(‪،‬‬
‫‪73‬‬
‫تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان‪ ،‬المكتبة‬
‫السلفية‪ ،‬المدينة المنورةا‪1989 :‬م‪.‬‬
‫زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬ابن القيم‬
‫)أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي(‪ ،‬دار‬
‫الباز‪ ،‬المدينة المنورةا‪.‬‬
‫السيرة النبوية‪ ،‬ابن كثير )أبو الفداء الحافظ‬
‫إسماعيل بن عمر(‪ ،‬تحقيق أحمد أبو ملحم‬
‫وآخرين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1985 :‬م‪.‬‬
‫سيرة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)المشهورةا بسيرةا ابن هشام(‪ ،‬ابن هشام )أبو‬
‫محمد عبدالملك بن هشام(‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬دار الهداية‪.‬‬
‫الشبهات المزعومة حول القرآن الكريم‬
‫في دائرتي المعارف السلمية‬
‫والبريطانية‪ ،‬محمد السعيد جمال الدين‪.،‬‬
‫بحث قدم في ندوة عناية المملكة العربية‬
‫السعودية بالقرآن الكريم وعلومه‪،‬‬
‫المنعقدةا في الفترةا مابين ‪ 6 – 3‬رجب ‪1421‬‬
‫هم‪ ،‬بإشراف مجمع خادم الحرمين الشريفين‬
‫لطباعة المصحف الشريف‪.‬‬
‫قراءة نقدية في كتُابات مونتُقمري وات‬
‫في السيرة النبوية‪ ،‬عبدالرحمن أحمد‬
‫سالم‪ ،‬مجلة المسلم المعاصر‪ ،‬السنة‬
‫الحادية والعشرون‪ ،‬العدد ‪ ،82‬رجب‪-‬شعبان‪-‬‬
‫رمضان ‪ 1417‬هم‪ ،‬ص ‪.161-86‬‬
‫كتُاب المغازي )المشهور بمغازي الواقدي(‪،‬‬
‫الواقدي )محمد بن عمر(‪ ،‬تحقيق مارسدن‬
‫جوزنأز‪ ،‬مؤسسة العلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫‪1966‬م‪.‬‬
‫المستُشرقون والسيرة النبوية‪ ،‬عماد الدين‬
‫خليل‪ :،‬بحث مقارن في منهج المستشرق‬
‫البريطانأي المعاصر مونأتقمري وات"‪ ،‬بحث‬
‫منشور في الجزء الول من كتاب مناهج‬
‫المستُشرقين في الدراسات العربية‬
‫والسلمية‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول‬
‫الخليج العربي‪1405 :‬هم‪ ،‬ص ‪.201 – 113‬‬
‫مناهج المستُشرقين في الدراسات‬
‫العربية والسلمية‪ ،‬عماد الدين خليل‬
‫)محرر(‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‬
‫العربي‪1405 :‬هم‪.‬‬
‫منهج الستُشراق في دراسة السلما‪ ،‬أنأور‬
‫الجندي‪ ،‬مجلة منار السلما‪ ،‬السنة الخامسة‬
‫عشرةا‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬رمضان ‪ 1410‬هم‪ ،‬ص‬
‫‪.86-82‬‬
‫المنهج عند المستُشرقين‪ ،‬عبدالعظيم الديب‪،‬‬
‫حولية كلية الشريعة والدراسات‬
‫السلمية )بجامعة قطر(‪ ،‬العدد السابع‪:‬‬
‫‪1409‬ه‪ ،‬ص ‪.374-335‬‬
‫منهج مونتُقمري واط في دراسة نبوة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬جعفر شيخ‬
‫إدريس‪ ،‬بحث منشور في الجزء الول من كتاب‬
‫مناهج المستُشرقين في الدراسات‬
‫العربية والسلمية‪ ،‬مكتب التربية العربي‬
‫لدول الخليج العربي‪1405 :‬هم‪.247 – 205 ،‬‬
‫موقف الستُشراق من السنة والسيرة‬

‫‪75‬‬
‫النبوية‪ ،‬أكرم ضياء الُعمري‪ ،‬مجلة المسلم‬
‫المعاصر‪ ،‬السنة التاسعة عشرةا‪ ،‬العددان ‪-75‬‬
‫‪ ،76‬ص ‪.77-53‬‬
‫النظرة إلى الخر في الخطاب الغربي‪،‬‬
‫جان جبور‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬لندن‪2001 :‬م‪.‬‬
‫الوجيز في علم الستُشراق‪ ،‬سعدون محمود‬
‫الساموك‪ ،‬دار المناهج‪ ،‬الردن‪1423 :‬ه‪.‬‬

‫‪76‬‬
:‫ المراجع الجنبية‬-2
Al-Amri, Waleed B. (2002) Social Semiotics for
Translation Studies: Applications of a Proposed Social
Semiotic Model in the Analysis of a Corpus of Hard News
Reports from Arab and British Newspapers. (An
.unpublished PhD thesis) UMIST
Brocklmann, C. (1964) History of the Islamic Peoples.
.London
Evans, P. & Wurster T. (2000). Order Blown to Bits:
How the New Economics of Information Transforms
.Strategy. Hardvard: Harvard Business School Press
.Grimme, H. (1892) Mohammed. Munster
Hatim, B. & Mason, I. (1997). The Translator as
.Communicator. London: Routledge
Margoliouth, D.S. ([1905] 1985) Mohammed and the
.Rise of Islam. Ram Swarup: London
McCabe, J. (1996) The Lies and Fallacies of the
Encyclopedia Brittanica: How Powerful and Shameless
Clerical Forces Castrated a Famous Work of Reference.
.The Book Tree
Mohar Ali, M. (1997). Sîrat al-Nabî  and the
Orientalists. Madinah: King Fahd Qur’an Printing
.Complex
.The World Book Dictionary
Watt M. (1960 [1953]). Muhammad at Mecca. Oxford:
.Clarendon Press
Watt M. (1961). Muhammad: Prophet and Statesman.
.Oxford: Oxford University Press
Watt M. (1966). Muhammad at Medina. Oxford:
.Clarendon Press
‫فهرس الموضوعات‬
2.................................................................................................‫المقدمة‬
5............................................... ‫ تاريخ وأرقام‬:‫ الموسوعة البريطانأية‬:ً‫أول‬
7...................................... ‫ السياسة التحريرية للموسوعة البريطانأية‬-‫أ‬
14........................................‫ مادةا محمد في الموسوعة البريطانأية‬-‫ب‬

77
17.......................... ‫ منهج مونأتقمري وات في دراسة السيرةا النبوية‬:‫ثانأيا‬
19............................................."‫ النبي ورسالته‬:‫ قراءةا مادةا "محمد‬:‫ثالثا‬
24......................................‫ التشكيك في المصادر العربية‬:‫الشبهة الولى‬
27............................................‫ التشكيك في نأزول الوحي‬:‫الشبهة الثانأية‬
30.....................................‫ التفسير المادي لوقائع السيرةا‬:‫الشبهة الثالثة‬
Prophetic call and early religious activity: Muhammad ()
appears to have been of a reflective turn of mind and is said to
have adopted the habit of occasionally spending nights in a hill
cave near Mecca. The poverty and misfortunes of his early life
doubtless made him aware of tensions in Meccan society.
Mecca, inhabited by the tribe of Quraysh (Koreish), to which
the Hashim clan belonged, was a mercantile centre formed
around a sanctuary, the Ka'bah (Kaaba), which assured the
safety of those who came to trade at the fairs. In the later 6th
century there was extensive trade by camel caravan between the
Yemen and the Mediterranean region (Gaza and Damascus),
bringing goods from India and Ethiopia to the Mediterranean;
and the great merchants of Mecca had obtained monopoly
control of this trade. Mecca was thus prosperous, but most of
the wealth was in a few hands. Tribal solidarity was breaking
up; merchants pursued individual interests and disregarded their
traditional duties to the unfortunate. About, as he reflected on
such matters, Muhammad had a vision of a majestic being (later
identified with the angel Gabriel) and heard a voice saying to
him, “You are the Messenger of God.” This marked the
beginning of his career as messenger (or apostle) of God (rasul
32.................................................... Allah), or Prophet (nabi).
33.................................‫ دعوى تأثر السلم بالبيئة الوثنية‬:‫الشبهة الرابعة‬
37...............................‫ دعوى خصوصية السلم للعرب‬:‫الشبهة الخامسة‬
‫ دعوى أن نأبوغّ الرسول السياسي وهمته العالية‬:‫الشبهة السادسة‬
39.....................................ً ‫ساعدا على نأشر دينه أكثر من كونأه نأبيا ً مؤيدا‬
42..........‫ التشكيك في طبيعة علقة الرسول مع النأصار‬:‫الشبهة السابعة‬
‫ دعوى اضطهاد الرسول لليهود الفاعلين في المجتمع‬:‫الشبهة الثامنة‬
46.................................................................................................‫المدنأي‬
. .‫صرف‬ ِ ‫ على وجه مادي نأفعي‬ ‫ حمل غزوات الرسول‬:‫الشبهة التاسعة‬
55

78
March to the Syrian border: The greatest of all of ()
Muhammad’s razzias occurred at the end of, when he took men
on a month’s journey to the Syrian border. In this campaign he
pioneered the invasion of Syria and made agreements that
. .became models for treaty arrangements with captured peoples.
64
..‫ التشكيك في مقدار اضطهاد مشركي مكة للمسلمين‬:‫الشبهة العاشرةا‬
64
Commercial pressure was brought to bear on Muhammad’s )(
supporters, and in some families there was mild persecution of
67..................................... junior members who followed him.
69................................................................................................ ‫الخاتمة‬
73............................................................................................... ‫المراجع‬
73.......................................................................... :‫ المراجع العربية‬-1
77......................................................................... :‫ المراجع الجنبية‬-2
77.............................................................................‫فهرس الموضوعات‬

79

You might also like