Hukm Tab3ia

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 53

‫قال محمد سالمي‬

‫وهذا رد من أبي مريم على ما كتبت لم أستطع لحد اآلن مراجعته‪:‬‬

‫الكتابة التي باالزرق لمحمد سالمي ‪-‬‬ ‫‪-‬‬

‫باسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫هذه تعليقات على الفصل األخير من كتاب (أصول اإلختالف في مسائل العقيدة) حول التسلسل في التكفير‪.‬‬
‫التعليقات باللون األزرق‬

‫مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر‬

‫مقدمة‬
‫وبعد ما سبق يظهر في غاية البعد والبطالن مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر‪ ,‬وجعلها من أصل الدين وتكفير من يخالف فيها‪.‬‬
‫وهذا يؤدي إلى التكفير بالتسلسل إلى األبد ضرورة‬
‫إذا كان التسلسل في تكفير من لم يكفّر الكافر باطال فإن هذا يستلزم إبطال التكفير مطلقا‪ ،‬كما يقول الكثير من المشركين اليوم الذين‬
‫ال يقبلون تكفير فاعل الكفر حتى تكفير اليهود والنصارى‪ ،‬واستداللهم أوضح وأقرب إلى المنطق ممن يكفّر األول فقط أو الثاني فقط‪،‬‬
‫وكالمهم أحسم للمسألة فتنتفي من جذورها‪ ،‬أما من يكفّر الثاني وال يعتبر تكفير الثالث من أصل الدين فهو كمن يوقفها عند الخامس أو‬
‫غيره‪.‬‬
‫وإذا ثبت أن تكفير من لم يكفّر الكافر من أصل الدين فمحاولة إيقاف اطراد هذه القاعدة عند رقم معين تكلفا بحجة عدم الوقوع في‬
‫ورطة التسلسل المزعوم كل ذلك باطل‪ ،‬وليس بطالن من أوقفها عند رقم بأولى من بطالن من أوقفها عند اآلخر‪.‬‬
‫قال أ بو مريم ‪ :‬يجب أن نعرف المقصود بالسلسلة حتى نعرف حكمها فالسلسة المقصود بها وجود ناقض من نواقض اإلسالم‬
‫بحيث إذا وجد هذا الناقض انتفى اإلسالم ثم يترتب عليه بعد ذلك تكفير من لم يكفر المشرك ثم تكفير من لم يكفر من لم يكفر المشرك‬
‫إلى ما ال نهاية فال تالزم بين تكف ير من وقع فيما ينقض اإلسالم و بين التسلسل ألن األصل في قاعدة من لم يكفر الكافر هو أن يكون‬
‫الكافر وقع فيما ينقض اإلسالم و صورة هذا الناقض لم تشتبه على من لم يكفره مع صحة أصله أن كل من نقض إسالمه ال يكون‬
‫مسلما فال يلزم عندما نقول أن الثاني ال يكفر فقولنا ذلك ألن الناقض الذي وقع فيه ناقض يشتبه على بعض الناس بينما من يقول أن‬
‫من عبد غير هللا يكون مسلما هذا يدل على جهله بأصل دين اإلسالم ألنه ال يعتقد أن البراءة من الشرك و الكبر من حقيقة اإلسالم بينما‬
‫إذا كفر من عبد غير هللا فإنه يعتقد أن اإلسالم ال يصح إال بالبرا ءة من الشرك فاجتنب الشرك و حكم على من لم يجتنب الشرك بأنه‬
‫مشرك لكن أخطأ فيمن لم يكفر المشرك ‪.‬‬
‫فالمسلم الواجب عليه أن يعتقد أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و الكبر و كل صور تدل على الجهل بهذا ال يصح إسالم‬
‫من جهل ذلك لكن الصور التي تدل على الجهل بهذ ا األصل كثيرة فليس كل الصور مجمع عليها مع اإليمان بذلك جملة مثال ترك الصالة‬
‫حتى يموت الرجل أو يسجن و يأبى أن يصلي هذا ناقض من نواقض اإلسالم قد يخطئ المسلم عند تحقيق المناط فيظن أن هذه الصورة‬
‫ال تدخل في الكبر المنافي لإلسالم و ال يدل هذا على جهله بأن الكبر ينافي اإلسالم و كذلك من يعتقد أن من لم يكفر الكافر كافر و هو‬
‫يكفر كل من ثبت عنده كفره و يعتقد ذلك جملة و تفصيال فيما ثبت عنده لكنه تصور أن من لم يكفر الكافر و هذا ناقض من نواقض‬
‫اإلسالم قد يكون المرء مسلما و ال يكفر حتى تقام عليه الحجة مع اعتقاده أنه من لم يكفر الكافر كافر لكن صورة هذه القاعدة تختلف‬
‫من صورة ألخرى بحسب ظهور الصورة التي تدل عليها و خفائها و هذا ال يخص فقط هذا الناقض بل حتى الشرك هناك صورة‬
‫صريحة تدل على الشرك و هناك صورة غير صريحة و يختلف أهل العلم في الصور بعضهم يرى أنها شرك أكبر و بعضهم يرى أنها‬
‫بدعة و من هذا الباب لبس الصليب فإن تعظيم الصليب ال شك أنه كفر و ال يختلف المسلمون أن من يعظم المعبودات الباطلة أنه كافر‬
‫لكن يختلف العلماء في لبس الصليب هل يدل على تعظيم الصليب أم ال يدل على ذلك ؟‬
‫و هل هناك صور يلبس المسلم الصليب و ال يكون معظما له أم ال ؟‬
‫و هذه المسألة تدخل في مسألة تحقيق المناط فال يلزم من الخطأ في صورة من صور األصل جهل األصل فالعالم يجتهد في إلحاق‬
‫الصورة باألصل فقد يخطئ و قد يصيب و متى ما علم أنه أخطأ في األصل قيل أنه جهل األصل و هذا يعم كل مسألة شرعية سواء ما‬
‫تعلق بأصل دين اإلسالم أ و دون ذلك فقد يخطئ العلماء مثال في صورة هل هي بدعة أم ال ؟‬
‫مع إقرارهم بحرمة البدعة و أن من ابتدع في دين هللا مبتدع و اعتقادهم أن المبتدع و إن كان ليس بسني لكنه مسلم لكن قد‬
‫يخطئون في بعض الصور هل هي بدع أم ال ؟‬
‫و كذلك مسألة الفسق يجمعون أن الفسق حرام و أن م ن وقع في الفسق فاسق من جهة الحقيقة و إن كانوا يختلفون في األسماء‬
‫كاختالف أهل السنة مع الجهمية و األشعرية و الكرامية لكن يختلفون في بعض الصور هل تدل على الفسق أم ال ؟‬
‫كما سيتبين في هذا المبحث‪ .‬قد تكلمت على األمر في رسالة "اإلسالم بأدلته من القرآن والسنة" فأنصح أن تراجع أيضا‪ .‬ولو ال أن‬
‫بعض الناس يصرون على مثل هذا الضالل لما تكلمت عليه‪ ,‬ألنها معقدة جدا‪ ,‬ومجرد هذا يكفي دليال واضحا على بطالنها لمن سلم عقله‬
‫وفطرته‪.‬‬
‫التعقيد إن وجد ينفي وجودها بين المسلمين أصال‪ ،‬فإن وجدت مع تعقيدها ال بد أن يكون لها حكم‪ ،‬وال يستطيع أحد أن يقول أن‬
‫تعقيدها يعني أن أهلها مسلمون ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬مقصود أبو حمزة أن هذه المسألة معقدة أي غير واضحة و تخفى من جهة التصور على كبار العقالء و إذا كان‬
‫هذا متحقق في هذه الصورة يدل على أنها ليست من أصل دين اإلسالم ألن أصل دين اإلسالم هو أظهر أمر عقال و فطرة و تصوره هو‬
‫أسهل التصورات عند كل عاقل لك ن مسألة السلسلة بإقرار من يقول بالسلسلة يصعب تصور وجودها في الثالث و الرابع فما كان‬
‫يصعب وجوده في الواقع كيف يجعل من أصل دين اإلسالم و هو أصال مجرد خيال ال واقع له ‪.‬‬
‫كفر‪ .‬فإن مثل هذا كفر عند جميع من‬ ‫ويالحظ أن المسألة ليست هي هل فِ ْع ُل َمن لم يكفِّر المتوقّ َ‬
‫ِف عن تكفير بعض المشركين ٌ‬
‫اتضحت له حقائق العقيدة‪,‬‬
‫إذا كنا نتفق في أن عدم تكفير المشركين كفر‪ ،‬وأن عدم تكفير الشخص الذي ال يكفّر المشركين كفر أيضا‪ ،‬فما الذي بقي من‬
‫الخالف؟‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الخالف أنكم تجعلون الخطأ في صور المسائل خطأ أصل دين اإلسالم و يا ليتكم توقفون هذا عند من لم يكفر من لم‬
‫يكفر المشركين بل تعدون ذلك إلى كل حلقة في السلسلة فهناك فرق بين اعتقاد كفر المشركين فمثل هذا ال يختلف فيه المسلمون لكن‬
‫قد يختلفون في صوره و هذا هو الخالف بيننا و بينكم نحن نقول أن صورة من لم يكفر من لم يكفر المشركين ال تدل صراحة على‬
‫الجهل باألصل كما في التوقف عن المشرك لذا ال نكفر من جهلها حتى تقام عليه الحجة بينما من لم يكفر المشرك فإنه ضرورة إذا كان‬
‫يعتقد اعتقادا عاما بإسالم المشرك أنه ال يعتقد أن ال إله إال هللا ال بد فيها من البراءة من الشرك و الكبر ‪.‬‬
‫و الخطأ األعظم ه و سريان هذا الحكم على كل حلقة بالسلسلة مع أنه كل عاقل يدرك أن كلما بعد المرء عن الحقيقة ضعف تصوره‬
‫لها سواء تصور من جهة الرؤية البصرية أم من جهة الرؤية القلبية فهل يعقل أن يقال أن من لم يكفر رجل بلغه رقمه في السلسلة‬
‫مليون حاله كحال من لم يكفر من عبد غير هللا فلو تصورنا هذا جيدا لعلمنا بطالن السلسلة من غير تعب كثير ‪.‬‬
‫ألن من صحح إسالم من لم يكفر المشرك خالف القرآن والسنة في عدة مواضع بينة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬من اعتقد بإسالم الكافر خالف الكتاب والسنة‪ ،‬لكن كفره غير متعلق بمعرفة نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬فتكفير الكافر متعلق‬
‫بمعرفة حكم الكفر‪ ،‬أي أنه متعلق بالدخول في اإلسالم‪ ،‬وال يعرف بالتدرج كالشرائع التفصيلية‪.‬‬
‫فلم يكن المسلمون يجهلون تكفير النصارى قبل أن ينزل قول هللا تعالى‪( :‬لقد كفر الذين قالوا إن هللا ثالث ثالثة)‪ ،‬فلم تنزل إلعالم‬
‫المسلمين بخروجهم من اإلسالم ‪.‬‬

‫قال أبو مريم ‪ :‬كالم أ بو حمزة ليس عن تكفير الكافر فهذه المسألة من جهة األصل متفق عليها أنه من لم يكفر الكافر كافر لكن‬
‫كالم أبو حمزة في إسالم من لم يكفر الكافر فهو يكفر الكافر لكن ال يكفر من ال يكفره فكل األدلة من الكتاب و السنة تدل على وجوب‬
‫تكفير الكفار و هو محقق لهذا الواجب فه و يكفر الكافر لكنه ال يكفر من ال يكفر الكافر فخطأه في ظنه أن هذا الناقض ال يكفر من وقع‬
‫فيه إال بعد قيام الحجة مع تحقيقه للواجب و هو تكفير الكفار ‪.‬‬

‫فكالم أبو حمزة في واد و الرد في واد آخر و نحن نختلف معهم في هذه المسألة هم يعتقدون أنها من أصل دين اإلسالم و نحن‬
‫نعتقد اإلسالم ال يصح إال بالبراءة من المشركين و تكفيرهم لكن من حقق البراءة من المشركين و كفرهم لكن لم يكفر من لم يكفر‬
‫المشركين إال بعد قيام الح جة طالبناهم بالدليل من الكتاب و السنة على أن فعله يناقض أصل دين اإلسالم و دائما يكون ردودهم كالمية‬
‫ال شرعية من أعظم األدلة على ذلك هذا الرد و غيره فيذكرون األدلة التي نتفق عليها و هي وجوب البراءة من المشركين و تكفيرهم و‬
‫هذا ال نختلف عليه لكن نطالبهم بأدلة خاصة في صورة السلسلة و لم نجد جوابا إلى اآلن ‪.‬‬

‫فمن ال يكفر اليهود و النصارى و المشركين منتسبين لإلسالم و غير منتسبين ليس مسلم و هذا ما دل عليه العقل و النقل لكن‬
‫ما زاد على ذلك ما هو الدليل على أنه ينقض اإلسالم ‪.‬‬

‫لكن المسألة التي نحن فيها هي هل يستحيل إسالم مثل هذا‪ ,‬أي هل يكون ممن ال يتصور عذره البتة‪.‬‬
‫إذا كان كفرا فهو وسائر أفعال وعقائد الكفر سواء‪ ،‬فلم أفهم معنى اإلستحالة هنا‪ ،‬وال عذر في الكفر في غير اإلكراه‪.‬‬
‫وإيراد هذه المسألة ليست من باب أنها مختلف فيها‪ ,‬فإنا ال نعلم عالما واحدا في التاريخ قال بأن من لم يكفر من لم يكفر الكافر‬
‫يستحيل إسالمه على كل حال‪.‬‬
‫ولم نسمع أيضا عالما مسلما واحدا في التاريخ قال أن من لم يكفّر من لم يكفّر الكافر مسلم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬كالمه هذا حجة عليه فإذا أنت لم تسمع أنه هناك من يقول بأنه مسلم و تقر كالم أبو حمزة أنه ليس هناك قال أنه‬
‫كافر فكيف إذا تجعله من نواقض اإلسالم و األصل براءة الذمة فإذا ثبت أنه يعبد هللا و يجتنب من عبد غير هللا فبأي دليل تحكم بأنه‬
‫مشرك فمسألة تجعلها من أصل دين اإلسالم و تكفر مخالفك فيها و ال تعرف من يقول بها من المسلمين كيف تكون من أصل دين‬
‫اإلسالم مع أن علماء الم سلمين تكلموا عن أمور دقيقة جدا بل تكلموا عن افتراضات و بحثوا لها أحكام في دين هللا فكيف في مسألة من‬
‫أصل دين اإلسالم ال يتكلم أهل العلم عليها و ال يذكرونها ‪.‬‬
‫مع أن هذا القول غير صحيح فمسألة السلسلة من اعتقادات المعتزلة و ذكرها العلماء و أنكروها في كتبهم كالملطي في كتابه الرد‬
‫على أهل البدع و بين أن اعتقاد المسلمين جميعا المعتزلة و غيرهم تكفير من لم يكفر الكافر لكن أنكر عليهم التسلسل في التكفير و‬
‫كذلك أنكر عليهم التسلسل في التفسيق ‪.‬‬
‫و ذكر هذا كذلك األشعري في كتابه مقاالت اإلسالميين و البغدادي في الفرق بين الفرق و قد نقلت هذه المواضع في أكثر من‬
‫رسالة و نسبوا هذه المسألة إلى المعتزلة و لم ينسبوها إلى أهل السنة و الجماعة فدل على أن قولهم لم يقل أحد أن من لم يكفر من لم‬
‫يكفر الكافر مسلم غير صحيح فقد ذكر أهل العلم ذلك و جعلوا هذا القول قول مبتدع باطل ‪.‬‬
‫وأبعد من ذلك بكثير وفي غاية البطالن من يقول بفلسفة التكفير بالتسلسل إلى األبد‪ .‬لكن إيراد مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر‬
‫لبيان أنه حتى لو فرض أن المسألة يختلف فيها فإن غاية ما تكون أنها من مسائل االختالف‪ ,‬ال يجوز تكفير المخالف فيها‪ ,‬وأن من كفر‬
‫فيها فإنه قد غال في الدين‪ .‬ثم يتبين من ذلك أن غلو من طرد هذا المنهج في سلسلة ال نهاية لها أولى وأشد‪.‬‬
‫الحاصل أنكم تقولون أن من لم يكفر الكافر يكفر وال يصح اإلختالف فيه‪ ،‬ومن لم يكفّر هذا الذي ال يصح اإلختالف فيه فهو مسلم‪،‬‬
‫فيمكن أن يختلف فيه بين المسلمين دون تكفير‪ ،‬وهنا يظهر التناقض جليا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت أنه ال تناقض أبدا ألن مسألة من لم يكفر الكافر مسألة مجمع عليها لكن الخالف و الخطأ يقع في صورها ال‬
‫في أصلها و من صورها الخطأ في تكفير من لم يكفر المشرك فهو ناقض من النواقض التي قد يخطئ المسلم فيها كما يخطئ في غيرها‬
‫‪.‬‬
‫وفيما يلي رقمت الحجج الرئيسة على هذه الفلسفة كما يظهر في الفهرس‪.‬‬

‫وصف السلسلة‬
‫تصوير أمر السلسلة ال بد منه لتصور المسألة ومعرفة واقعها‪ ,‬ولوال ذلك لتركت ذكر هذه الفلسفة المذمومة‪.‬‬

‫مثال يبين حقيقة السلسلة‬


‫• لو كان هناك مشرك‪ ,‬وزيد تارك للشرك‪ ,‬إال أنه ال يتبرأ من هذا المشرك‪ ,‬فزيد هو الثاني عندهم‪.‬‬
‫وعندكم أيضا هو كافر‪.‬‬
‫وعمرو يعرفهما ويكفر المشرك (األول) ألنه يدعو ميتا‪ .‬لكن عمراً يقول "ال يتبين لي أن زيدا مشرك‪ ,‬وكيف يكون مشركا مع أنه‬
‫ال يعبد إال هللا ولم يشرك به شيئا؟" فعمرو هو الثالث عندهم وهو مثل العابد للصنم أو الداعي للميت (األول) تماما‪.‬‬
‫إذا كان زيد مثل عابد الصنم ألنه لم يكفّره ‪ ،‬فكيف ال يكون كافرا من لم يك ّفر زيدا؟ وكيف تتصور أن عمرا مسلم وهو ال يؤمن‬
‫بقاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر)؟ بل جعلها نافلة ومسألة خالفية ‪ ،‬ثم بعد ذلك تعتبره مسلما ‪ ،‬بينما كان الواجب أن يتفق المسلمون في‬
‫كفر الكافر‪ ،‬فال يكون هناك زيد أبدا‪ ،‬فإن كان فهو كافر ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬مسألة تكفير عابد الصنم شيء و من لم يكفره شيء آخر لكن تكفير من لم يكفر عابد الصنم سببه ما يلزم منه‬
‫الجهل بأن البراءة من الشرك من حقيقة ال إله إال هللا فهو الزم من لوازم ال إله إال هللا و قد بينت هذا في أكثر من رسالة في الرد على‬
‫السلسلة و نقلت كالم العلماء في بيان أن هذا الزم ضروري ال أنه من حقيقة الشرك ‪.‬‬
‫األمر اآلخر يجب أن تكون االصطالحات واضحة فمسألة يقال أنها خالفية شيء و مسألة أنها اتفاقية لكن يعتقد أنه ال يكفر‬
‫مخالفها إال بعد قيام الحجة شيء آخر و كالمنا فيمن يعتقد أنها كفر لكن من يخالف يكفر بعد قيام الحجة ‪.‬‬
‫األمر األخر من نتكلم عنه يعتقد بمسألة من لم يكفر الكافر كافر لذا يكفر المشرك و يعتقد أنه ليس بمسلم لكن أخطأ كما ذكرنا في‬
‫أكثر من موضع في تكفير من لم يكفر المشرك ال في تكفير المشرك فهو يعتقد من جهة الجملة بتكفير من لم يكفر الكفار و لو ثبت عنده‬
‫أن هذه الصورة تنقض اإلسالم أدخلها في األصل العام الذي يعتقده ‪.‬‬
‫فيأتي إسماعيل مثال وهو الرابع ويكفر المشرك‪ ,‬بل ويكفر زيدا (الثاني) أيضا‪ ,‬ألنه لم يتبرأ من المشرك‪ ,‬إال أنه ال يفهم لماذا يكون‬
‫عمراً كافرا مع أنه ترك الشرك وتبرأ من المشرك (األول)‪ .‬فإسماعيل عندهم كافر مع أنه ترك الشرك وكفَّر المشرك (األول)‪ ,‬بل وكفَّر‬
‫زيداً الذي هو الثاني أيضا ألنه ف ِهم حقيقةَ كفره الذي هو عدم البراءة من المشرك الصريح‪ .‬فهو تارك للشرك بل وتبرأ من المشرك بل‬
‫وتبرأ ممن لم يتبرأ من المشرك‪ ,‬لكنه عندهم الرابع وهو كافر مثل األول‪.‬‬
‫إذا كان الناس مسلمين فلن يكون فيهم أمثال زيد‪ ،‬فهم يتفقون تماما في كفر الكافر األول‪ ،‬فضال عن أن يكون فيهم أمثال عمرو فضال‬
‫سولت ألحد نفسه عدم تكفير الكافر اتفقوا في ردته‪ ،‬ولهذا لن يكون بينهم أمثال عمرو‪ ،‬فالمشكلة بدأت من زيد‪.‬‬
‫عن أمثال إسماعيل‪ ،‬فإن ّ‬
‫والكفر هنا ليس درجات ومراتب‪ ،‬ففعل الكفر وعدم تكفير فاعل الكفر سواء‪ ،‬وكذلك من يأتي بعدهما إن ُوجد‪.‬‬
‫الخطأ يقع عندما تفترضون أن هناك مسلما طبق القاعدة ثم هو يعتبرها نافلة‪ ،‬فهو أشبه بمن ترك الشرك ثم يعتبر تركه نافلة‪ ،‬ال‬
‫أصال للدين يكفر مخالفه‪.‬‬
‫إذا كان إسماعيل يؤمن بأن من لم يكفّر الكافر ليس مسلما فال بد أن يعتبر من لم يؤمن بهذه القاعدة كافرا وهو عمرو‪ ،‬فكيف يقول‪:‬‬
‫ال أدري لماذا يكفر عمرو؟ فإن قال ذلك فهذا يعني أنه لم يؤمن بها كأمر الزم لتحقق التوحيد وإنما اعتبرها نافلة‪ ،‬فهو غير مسلم‪.‬‬
‫وإذا كان إسماعيل ـ الذي هو صورة منك ـ قد تصور الواقعة جيدا وحكم فيها فال يصح أن نعتبره مسلما بحجة تعقيدها‪ ،‬فهو لم يؤتَ‬
‫من عدم تصور المسألة وإنما من مخالفة في حكم الكافر‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬معنى النافلة عند أهل العلم أي األمر المستحب و من ال يكفر من ال يكفر المشرك ال يقول أنه نافلة إنما يقول أنه‬
‫واجب بل و يقول هو كفر لكنه ال يكفر المعين إال بعد قيام الحجة فيجعله من باب الكفر الذي يكفر صاحبه بعد قيام الحجة فهناك فرق‬
‫بين النافلة و بين الواجب الذي يكفر مخالفه بعد قيام الحجة ‪.‬‬
‫بينت سابقا أنه ليس هناك مسلم يعتقد أن الكافر يصح اإلسالم من دون تكفيره بل ال يصح اإلسالم إال بتكفير الكفار و لكن الخالف‬
‫في مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر هل فعله ينقض اإلسالم قبل قيام الحجة أم بعد قيامها مع اعتقاد من قال بأنه يكفر بعد قيام‬
‫الحجة أنه كل من ثبت أنه كافر ال يصح اإلسالم إال بتكفيره و البراءة منه لذا عمال بهذه القاعدة تجده يكفر من عبد غير هللا فهو كافر‬
‫عنده فخرج من قاعدة من لم يكفر الكافر فهو يكفر الكافر و كل ما ثبت عنده أنه وقع في الكفر يكفره و يتبرأ منه لكنه اعتقد أن من لم‬
‫يكفر من لم يكفر الكافر فعله يكون نقضا لإلسالم بعد قيام الحجة ‪.‬‬
‫والثاني والثالثَ إال أني ال أعلم لماذا ي ْكفُر إسماعي ُل الراب ُع‪ .‬خالص‪ ,‬يُلحق‬
‫َ‬ ‫فيأتي اآلن مثال ياسر وهو الخامس فيقول أنا أكفِّر ّ‬
‫األو َل‬
‫بهم‪ .‬وكذا عند المائة‪.‬‬
‫لن يقول هذا‪ ،‬ألن الشيء الذي كفر به زيد هو نفسه الذي كفر به عمرو‪ ،‬وهو نفسه الذي كفر به إسماعيل‪ ،‬فكيف يفرق بين هذا ومن‬
‫قبله؟ بل كيف نجاريه في تناقضه ونقره عليه؟ فهو أشبه بمن كفّر عابد هذا الصنم ويقول‪ :‬ال أعلم لماذا يكفر عابد الصنم اآلخر‪.‬‬
‫بل هل يمكن أن يحصل مثل هذا من بشر عاقل؟ فإن حصل فهو تعنت منه وهو يتحمل مسؤوليته‪ ،‬ألنه أبطل قاعدة من لم يكفر‬
‫الكافر فهو كافر‪ ،‬التي بسببها كفّر عمرا‪.‬‬
‫فأنت تكفّر زيدا ألنه لم يؤمن بقاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر)‪ ،‬ثم تعتبر عمرا مسلما وهو لم يؤمن بأن هذه القاعدة من أصل‬
‫الدين‪ ،‬عندها يمكنك أن تقول فيمن بعده مثل ذلك ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬كل عاقل يدرك الفرق بين فعل الشرك و بين فعل تكفير من لم يكفر المشرك و بين فعل من لم يكفر من لم يكفر‬
‫المشرك فمن يقول أنهما بمرتبة واحدة هذا أولى أن يراجع عقله قبل أن يراجع دينه ‪.‬‬
‫فهناك فرق بين صور الفعل الواحد و بين صور األفعال الم ختلفة فصور الشرك كثيرة فهناك عبادة الصنم مثال من يفرق بين عابد‬
‫صنم و عابد صنم آخر ال شك أنه ال يكون مسلما بل ال فرق بين عبادة طاغوت عن عبادة طاغوت آخر سواء صنم أم غيره فكل ما ثبت‬
‫أنه عبد غير هللا ال يكون مسلما و من حكم بإسالمه مع علمه بأنه يعبد غير هللا ال يكون مسلما لكن هناك فرق بين حقيقة عبادة‬
‫الطاغوت و حقيقة تكفير من يعبد الطاغوت و أهل العلم عند ذكرهم للنواقض يفرقون بين ناقض عبادة غير هللا و هو الشرك و بين‬
‫تكفير الكفار فكل ناقض له حقيقة و إن كان يجمعهما جنس واحد و هو نقض اإلسالم لكن النواقض من جهة الحقيقة تختلف ظهورا و‬
‫خفاء لذا من جهة الجنس تجد هناك نواقض مختلف فيها و نواقض قد يخطئ المسلم بها فال يكفر في خطأه حتى يبين له أنه هذه‬
‫الصورة تدخل في نقض اإلسالم ‪.‬‬
‫و قد بينت أكثر من مرة نحن نتكلم عن مسلم يعتقد من جهة اإلجمال بتكفير الكفار لكن من جهة التفصيل هناك نواقض يكفر بها‬
‫بعض العلماء و يتوقف فيها أخرون فالمتوقف إذا كان مجتهدا مستفرغا وسعه و أخطأ في تحقيقه لمناط هذا الناقض ال يكفر حتى تقام‬
‫عليه الحجة مع صحة اعتقاده أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و المشركين فيجتنب الشرك و المشركين ‪.‬‬
‫فناقض البراءة من المشركين و تكفيرهم يدخل في لوازم ال إله إال هللا ال في حقيقة ال إله إال هللا فالبراءة من الشرك تدخل في‬
‫ستَ ْل َز َم ُم َو َاالةَ‬‫اّلل َو َرسُو ِل ِه ثَابِتًا ا ْ‬
‫ب ُحب َ ِ‬ ‫حقيقة ال إله إال هللا و قد نقلت كالم العلماء في عدة رسائل قال ابن تيمية ( فَ ِإذَا كَانَ فِي ا ْلقَ ْل ِ‬
‫اّلل َو َرسُولَهُ َولَ ْو كَانُوا آبَا َءهُ ْم أَ ْو أَ ْبنَا َءهُ ْم أَ ْو‬ ‫أَ ْو ِليَائِ ِه َو ُمعَادَاةَ أَ ْعدَائِ ِه { َال تَ ِجدُ قَ ْو ًما يُ ْؤمِ نُونَ ِب َ ِ‬
‫اّلل َوا ْلي َْو ِم ْاآلخِ ِر يُ َوادونَ َم ْن حَادَ َ َ‬
‫وري ‪. ) .‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اّلل َوالنَبِي ِ َو َما أن ِز َل إل ْي ِه َما اتَ َخذوهُ ْم أ ْو ِليَا َء } ف َهذا التَالزُ ُم أ ْمر ض َُر ِ‬ ‫ِيرتَ ُه ْم } { َولَ ْو كَانُوا يُ ْؤمِ نُونَ بِ َ ِ‬ ‫عش َ‬ ‫إخ َوانَ ُه ْم أَ ْو َ‬‫ْ‬

‫قال الشيخ سليمان بن عبد هللا ( المسألة السادسة‪ :‬في المواالة والمعاداة‪ ،‬هل هي من معنى ال إله إال هللا‪ ،‬أو من‬
‫لوازمها؟‬
‫الجواب‪ :‬أن يقال‪ :‬هللا أعلم‪ ،‬لكن بحسب المسلم أن يعلم‪ :‬أن هللا افترض عليه عداوة المشركين‪ ،‬وعدم مواالتهم‪ ،‬وأوجب عليه‬
‫محبة المؤمنين ومواالتهم‪ ،‬وأخبر أن ذلك من شروط اإليمان‪ ،‬ونفى اإليمان عمن يواد من حاد هللا ورسوله‪ ،‬ولو كانوا آباءهم أو‬
‫أبناءهم‪ ،‬أو إخوانهم أو عشيرتهم‪ .‬وأما كون ذلك من معنى ال إله إال هللا أو لوازمها‪ ،‬فلم يكلفنا هللا بالبحث عن ذلك‪ ،‬إنما كلفنا‬
‫بمعرفة أن هللا فرض ذلك وأوجبه‪ ،‬وأوجب العمل به‪ ،‬فهذا هو الفرض والحتم الذي ال شك فيه‪ ،‬ومن عرف أن ذلك من معناها‪ ،‬أو‬
‫من الزمها فهو حسن‪ ،‬وزيادة خير‪ ،‬ومن لم يعرفه فلم يكلف بمعرفته‪ ،‬ال سيما إذا كان الجدال والمنازعة فيه‪ ،‬مما يفضي إلى شر‬
‫واختالف‪ ،‬ووقوع فرقة بين المؤمنين‪ ،‬الذين قاموا بواجبات اإليمان‪ ،‬وجاهدوا في هللا‪ ،‬وعادوا المشركين‪ ،‬ووالوا المسلمين‪،‬‬
‫فالسكوت عن ذلك متعين‪ ،‬وهذا ما ظهر‬
‫لي‪ ،‬على أن االختالف قريب من جهة المعنى‪ ،‬وهللا أعلم ‪. ) .‬‬

‫و مسألة تكفير من لم يكفر من لم يكفر الكافر تكفير بالزم الالزم ال تكفير بالزم الحقيقة بمحبة هللا و بغض الطاغوت‬
‫يستلزم ضرورة محبة أولياء هللا و عدهم أولياء هلل تعالى بغض الطاغوت يستلزم عدهم أولياء للطاغوت و بغضهم لكن تكفير من‬
‫اجتنب عبادة الطاغوت و اجتنب أولياءه تكفير بالزم الالزم ال بالالزم و من تصور هذا جيدا إذا مشى على طريقة السلسلة يعرف‬
‫أن التكفير بالسلسلة تكفير بلوازم اللوازم مما يدل على بطالن السل سلة فكلما بعد الالزم عن الحقيقة دل على ضعف الالزم و ليس‬
‫كل الزم يكفر به المخالف إنما يكون التكفير بالالزم الضروري الذي يدل على الجهل بالحقيقة و من اجتنب الشرك و كفر المشركين‬
‫تحقق فيه حقيقة ال إله إال هللا بتحقق اجتنابه لعبادة غير هللا و اجتنابه لعباد الطاغوت فالحقيقة و الالزم الضروري تحقق فيه لكن‬
‫ما زاد على ذلك و هو الزم الالزم و إن كان يقر به لكن هو ينفي أنه الحقيقة منتفية عنده و يتبرأ كذلك من الزمها الضروري و هو‬
‫تكفير المشركين فهو يكفر المشركين ‪.‬‬

‫فحقائق هذه المسائل يحتاجها المسلم عند التفصيل فقد يذكر العلماء أن من لم يكفر المشركين كافر من جهة األصل و‬
‫هذا صحيح لكن عند التفصيل يفرق العلماء بين حقيقة ال إله إال هللا و بين مقتضياتها الضرورية ‪.‬‬

‫ويدعون أن جميع هؤالء ما فهموا أصل الدين مع أنهم فهموا من الشهادة أن هذا الدين هو ترك الشرك وأن من لم يترك الشرك ليس‬
‫ع لى دينهم‪ .‬فدعواهم هي أن كل عضو في السلسلة إلى األبد ال يعلم معنى الشهادة‪ ,‬فهو فاقد لشرط العلم من شروط ال إله إال هللا‪,‬‬
‫هذا الكالم يعني أن المسلمين يعتقدون أن من لم يترك الشرك ليس على دينهم وكفى‪ ،‬وال يلزمهم ذلك‪ ،‬فإن خرج واحد من صفهم‬
‫(زيد) وقال‪ :‬من لم يترك الشرك فهو مسلم‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬هذا مرتد‪ ،‬وقال البعض‪ :‬هذا مسلم‪ ،‬وهم في ك ّل مسلمون‪ ،‬فهل سمعت أن‬
‫المسلمين اختلفوا في شيء كهذا؟ هذا يعني عندك أن قاعدة ( من لم يكفّر الكافر) نافلة غير الزمة لتحقيق اإلسالم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت أن هناك فرق بين النافلة و بين الو اجب و أن من ال يكفر من ال يكفر المشركين إنما هو محقق الجتناب‬
‫الشرك و المشركين لكنه يظن أن من اجتنب الشرك و لم يكفر المشرك ال يكفر حتى تقام عليه الحجة ‪.‬‬
‫فأصل دين اإلسالم الذي ال يصح اإلسالم إال به أن يجتنب المسلم الشرك و يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون أخا له في اإلسالم فما‬
‫زاد على هذا أورد هذا الرجل إيرادا فقط من غير ذكر أدلة فعليه أن يسوق دليله ال أن يسوق مثاال يريد أن يوهم الناس أن هذا‬
‫مجمع عليه بين المسلمين مع أن العلماء ذكروا أن ما زاد على تكفير الكفار من الشك في الثالث و ما زاد على ذلك ليس من‬
‫اعتقادات أهل السنة سواء أصاب من نقل هذا أم أخطأ فإن المسألة عندهم ليست من أصل دين اإلسالم إنما األصل عندهم اجتناب‬
‫الشرك و اعتقاد أنه من لم يجتنب الشرك كافر و هو تكفير الكفار قال الملطي ( فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة‬
‫فالقول في الشاك والشاك في الشاك ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة ال اختالف بينهم أن من شك في كافر‬
‫فهو كافر ألن الشاك في الكفر ال إيمان له ألنه ال يعرف كفرا من إيمان فليس بين األمة كلها المعتزلة ومن دونهم خالف أن الشاك‬
‫في الكافر كافر ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى األبد إلى ما ال نهاية له كلهم‬
‫كفار وسبيلهم سبيل الشاك األول وقال معتزلة البصرة الشاك األول كافر ألنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك‬
‫ليس بكافر بل هو فاسق ألنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم ال فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك األول‬
‫وكذلك عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما ال نهاية له كلهم فساق إال الشاك األول فإنه كافر وقولهم أحسن من قول‬
‫أهل بغداد وتقول معتزلة بغداد ) ‪.‬‬

‫فهذا النقل يدل على أنهم يعتقدون بإسالم من اجتنب الشرك و كفر الكفار إذا كان يعتقد من جهة اإلجمال بتكفير الكفار بل‬
‫جعل بعضهم السلسلة من بدع المعتزلة فكيف يقول هل سمعتم أن المسلمين اختلفوا في ذلك ‪.‬‬

‫و الملطي رحمه هللا يذكر أن معتزلة بغداد يكفرون معتزلة البصرة ال ألن معتزلة البصرة يخالفون المعتزلة في أصولهم‬
‫إنما يكفرونهم ألنهم يعتقدون بفسق الشاك في الشاك ال كفره فيعتقد معتزلة بغداد أنه يكفر و أن من ال يقول بقولهم يكفر حتى لو‬
‫كان يعتقد التفسيق ال التكفير هذا هو السبب الذي يكفر به معتزلة بغداد معتزلة البصرة ال لسبب آخر كما يأول بعضهم كالم الملطي‬
‫أن المعت زلة سبب خطأهم ألنه أجروا السلسلة على أصولهم الباطلة فلو كان خطأهم إجراء السلسلة على أصولهم الباطلة فلكان‬
‫اإلنكار عليهم في أصولهم الباطلة ال في إجراء السلسلة كما هو صريح كالم الملطي ‪.‬‬

‫ومن لم يؤمن بالسلسلة فإنه يجعل منها‪ ,‬ألنه كما يزعمون ال يعلم معنى الشهادة‪.‬‬
‫ال نقول‪ :‬يؤمن بالسلسلة أو ال يؤمن بها‪ ،‬فاإليمان بها يعني اإليمان بوجودها حتما‪ ،‬ونحن ال نريد أن توجد أصال‪ ،‬وإنما الصواب هو‬
‫اإليمان بكفر من فيها متى ُوجد‪.‬‬
‫ومشكلك كما هو مشكل كل أعضاء السلسلة هو أنكم تطبقون القاعدة المذكورة ثم توقفون تطبيقها دون سبب وال مبرر وال حجة‪ ،‬مع‬
‫أن من كفّر هذا يكفّر من بعده ألنه ترك تكفير كافر‪.‬‬
‫أما معنى الشهادة فال ينتفي بعدم تكفير الكافر‪ ،‬وإنما ينتفي الزم من لوازمها التي تنتفي الشهادة بانتفائها‪ ،‬وهو تكفير الكافر‪ ،‬وانتفاء‬
‫المعنى أو الالزم سواء في الحقيقة‪ ،‬فكالهما يبطلها وكالهما كفر‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هذا ما نعتقده تكفير من لم يحقق الشهادة كأن ينفى معناها فيعبد غير هللا أو ينفي الزمها الضروري بأن يحكم‬
‫بإسالم من عبد غير هللا فهذه حقيقة الشهادة و هذا ما نكفر به لكن كالمنا مع من يكفر بالزم الالزم و نحن نقول بأن ال يجوز التكفير‬
‫بالزم الالز م إال بعد قيام الحجة فقد يعتقد من حقق الالزم و هو أنه اعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون مسلما لكنه قال من أخطأ في هذا‬
‫فظن أنه ليس بناقص لإلسالم إال بعد قيام الحجة فخطأه في تصور هذا الناقض فهو كما ذكرنا محقق للمعنى و الالزم ‪.‬‬

‫تصوير تعليلِهم كف َر أعضا ِء السلسل ِة بعدم معرفة معنى الشهادة‬


‫ُ‬ ‫مثال‪:‬‬
‫هذا المثال يبين كيف يعللون كفر جميع أعضاء السلسلة بزعم أنهم ال يعلمون معنى الشهادة‪ .‬ويجب أن نكتفي بتصوير األمر في مثال‬
‫من يسمونه الرابع في السلسة‪ ,‬وحتى هنا كاد العقل ينكسر‪ ,‬فكيف بما فوق ذلك؟‬
‫يقول الرابع‪ :‬إن إسماعيل (الراب ع) ال يعلم معنى الشهادة ألنه لو علمه لعلم أن عمرا (الثالث) ال يعلم معنى الشهادة‪ .‬وذلك ألن عمرا‬
‫يعرف زيدا (الثاني) ولو علم عمرو (الثالث) معنى الشهادة لعلم أن زيدا (الثاني) ال يعلم معنى الشهادة‪ .‬وزيد (الثاني) ال يعلم معنى‬
‫الشهادة ألنه لو علمه لعلم أن المشرك (األول) ليس على دينه‪.‬‬
‫فيقولون عمرو (الثالث) ال بد أنه قد تدبر وعلم وتفكر جيدا وأدرك أن زيدا (الثاني) لو يعلم معنى الشهادة لما حكم للمشرك (األول)‬
‫باإلسالم‪ .‬بل وإسماعيل (الرابع) يعلم ذلك كلَّه وال بد أنه أدرك أن عمرا (الثالث) ال بد أن يعلم أن زيدا (الثاني) ال بد أن يعلم أن المشرك‬
‫(األول) ليس على دينه‪.‬‬
‫فيجب على إسماعيل (الرابع) عندهم أن يقول‪" :‬عمرو (الثالث) ال بد أنه قد تدبر أن زيدا (الثاني) لو علم معنى الشهادة لما حكم‬
‫للمشرك باإلسالم‪ .‬ولما علم عمرو (الثالث) ذلك قطعا – هذه دعواهم أن كل بشر يتصور هذا قطعا‪ ,‬دون دليل واحد على ذلك منهم – كان‬
‫جاهال لمعنى الشهادة مثل زيد (الثاني)‪ ".‬وإسماعيل (الرابع) ال بد أنه قد تصور ك َّل ذلك وقد أدرك أن عمرا (الثالث) ال بد أنه قد أدرك أن‬
‫زيدا (الثاني) لو علم الشهادة لعلم أن المشرك (األول) ليس على دينه‪ ,‬وأن عمرا (الثالث) ال يعلم ذلك فأنه بالتالي ال يعلم الشهادة مثل زيد‬
‫(الثاني)‪ .‬فإن لم يدرك إسماعيل (الرابع) ذلك فإنه مشرك ألنه ال يعلم معنى الشهادة‪.‬‬
‫فما ظن القارئ لو لعبنا هذا بالخامس‪ .‬ال بد أن يحترق عقل كل عاقل‪ .‬ووهللا من زعم أنه أدرك ما سبق من الكالم في الرابع دون إي‬
‫مفتر على هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪ .‬ومن زعم أنه من أصل دين‬
‫إشكال فهو من أعظم الكذابين‪ .‬ومن زعم أن هذا من دين هللا فإنه ٍ‬
‫اإلسالم فافتراءه أعظم‪.‬‬
‫هذا التعقيد كله يدل على أن هذه األرقام غير موجودة في الواقع ال على أن أهلها مسلمون إن وجدوا ‪.‬‬
‫فالسلسلة طويلة إذن ومعقدة جدا‪ ،‬فبيّن لي كيف لهذا الرقم البعيد ـ وليكن هو الرقم سبعة أو تسعمائة وخمسة وأربعون أو ما بعد‬
‫المليون ـ أن يقول أن الرقم الذي قبله مسلم بينما كل األرقام التي قبله كفار؟ بأي منطق هذا؟ إن كان مجنونا أو متالعبا فهل يجب أن‬
‫نجاريه في جنونه أو تالعبه؟ فالعلة التي يكفّر بها تلك األرقام لم تنتف في الرقم الذي يقول بإسالمه ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هذا االفتراض ال شك أنه ال حقيقة له لكن يجوز افتراض المستحيل سواء مستحيل عقال كقوله تعالى {قُ ْل إِن كَانَ‬
‫ع َملُكَ َولَتَكُونَنَ‬ ‫ِلرحْ َم ِن َولَد فَأَنَا أَ َو ُل ا ْل َعا ِب ِدينَ }الزخرف‪ 81‬أو مستحيل قدرا { َولَقَ ْد أُوحِ َي ِإلَيْكَ َو ِإلَى الَ ِذينَ مِ ْن قَ ْب ِلكَ لَئ ِْن أَش َْركْتَ لَيَحْ َب َ‬
‫طنَ َ‬ ‫ل َ‬
‫مِ نَ ا ْل َخاس ِِرينَ }الزمر‪. 65‬‬
‫فهذا المثال ذكره من باب أن هذه السلسلة ال حقيقة لها و ما ال حقيقة له خيال و الشرع إنما متعلقه بالمقدور سواء مقدور بالعقل‬
‫ِف اّللُ نَ ْفسا ً ِإالَ‬
‫أو بالفعل فما ال يمكن إدراكه عقال ال يدخل في التكليف و ما ال يقدر عليه فعال ال يدخل في التكليف قال تعالى {الَ يُكَل ُ‬
‫َ‬
‫ع َلى الَ ِذينَ مِ ن ق ْب ِلنَا‬ ‫طأْنَا َربَنَا َوالَ تَحْ مِ ْل َ‬
‫علَ ْينَا إِصْراً َك َما حَ َم ْلتَهُ َ‬ ‫سبَتْ َربَنَا الَ ت ُ َؤاخِ ْذنَا إِن نَسِينَا أَ ْو أَ ْخ َ‬
‫علَ ْيهَا َما ا ْكتَ َ‬ ‫سعَهَا لَهَا َما َك َ‬
‫سبَتْ َو َ‬ ‫ُو ْ‬
‫ْ‬
‫على الق ْو ِم الكَاف ِِر }البقرة‪. 286‬‬
‫ينَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عنا َواغف ِْر لنا َو ْارح َْمنا أنتَ َم ْوالنا فانص ُْرنا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َربَنَا َوال تح َِملنا َما ال طاقة لنا ِب ِه َواع ُ‬
‫ْف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫مثال‪ :‬تصوير بدعتهم كما تكون في التطبيق على الواقع‬


‫لو جلس رجل في غرفة مع أصحاب السلسلة ودخل عليهم ياسر فيسلِّم الرجل على ياسر يقولون‪" :‬كيف تسلِّم على ياسر؟ إنه كافر!"‬
‫فلو قال‪" :‬لماذا‪ ,‬ما رأيت منه شركا قط؟" يقولون‪" :‬إنه لم يتبرأ من المشركين‪ ".‬يقول الرجل‪" :‬من هو المشرك الذي لم يتبرأ ياسر منه؟"‬
‫يقولون‪" :‬إنه لم يتبرأ من إسماعيل‪ ".‬يقول‪" :‬لكن إسماعيل ليس مشركا‪ ,‬ال أعلم منه أنه وقع في الشرك‪ ".‬يقولون‪" :‬بلى إنه لم يتبرأ من‬
‫المشركين‪ ".‬يقول‪" :‬من هو المشرك الذي لم يتبرأ منه إسماعيل؟" يقولون‪" :‬إنه لم يتبرأ من عمرو!" يقول‪" :‬طيب‪ ,‬لكني أعلم عمرا أيضا‬
‫وال أعلم منه شركا‪ ".‬يقولون‪" :‬نعم لكنه لم يتبرأ من المشركين!" يقول‪" :‬من المشرك الذي لم يتبرأ منه؟" يقولون‪" :‬إنه لم يتبرأ من زيد‪,‬‬
‫وزيد لم يتبرأ من أحد عباد القبور!"‬
‫كان عليك أن تضيف إلى الحوار (يقول‪ :‬لكني أعرف زيدا أيضا وال أعلم عنه شركا‪ ،‬فيقولون له‪ :‬إن زيدا لم يكفّر الكافر)‪ ،‬وإن كنت‬
‫ترى أن تعليلهم هنا منطقي وصحيح‪ ،‬فما وجه الخلل فيمن بعده؟‬
‫عمرو‪ ،‬وأنت مثل أي رقم في السلسلة‪ ،‬وما الفرق بين هذا الرقم والذي بعده؟ ال أحد‬
‫ليس هناك خلل‪ ،‬فما يصح في زيد يصح في ٍ‬
‫يدري‪ ،‬حتى من يقول بكفر هذا وإسالم من بعده‪.‬‬
‫التعقيد والتناقض ـ لو ركزنا ـ موجود حتى في الدرجة الثانية (زيد)‪ ،‬فالمسلمون يستهجنونه‪ ،‬فيقولون له ‪ :‬كيف تؤمن أن هذا كفر‬
‫وصاحبه مسلم؟ ولذلك لم يكن المسلمون بحاجة إلى نصوص تبين أن من فعل الكفر كافر لكي يؤمنوا بذلك‪.‬‬
‫السلسلة إذا حدثت تبدأ من الكافر األول ثم زيد ثم من يليه‪ ،‬وال تبدأ من الحلقة البعيدة لتنزل إلى األولى‪ ،‬فمن المفروض أن جميع‬
‫المسلمين يكونون قد عرفوا حال الحلقة األولى حتى يقال إن من خالف في حكمها يكفر‪ ،‬وبعدها من المفروض أنهم يعرفون حال هذا‬
‫سولت له نفسه إدخال كافر في مسمى المسلمين ال بد أن يكون‬
‫المخالف حتى يقال أن من خالف في حكمه هو أيضا يكفر‪ ،‬وهكذا كل من ّ‬
‫له حكم الكفر‪ ،‬والعيب فيه ال فيمن اعتقد بكفره ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الكالم عن سلسلة مسلمة لكن أحدهم في السلسلة لم يكفر من قبله فتصور أنه يكون حكمه حكم من فعل الشرك‬
‫فهذا هو الذي يجب أن يكون مدار البحث فهو يقر أن هناك معنى و هناك الزم فالمعنى هو اجتناب الشرك و الالزم هو اجتناب‬
‫المشركين و هناك الزم لهذا الالزم و هناك الزم لهذا الالزم إلى ما النهاية فهل يعقل أن الالزم األول حكمه حكم الالزم األول بل حكمه‬
‫حكم معنى ال إله إال هللا فالكالم هنا ليس في صور لحقيقة واحدة إنما حقائق مختلفة متالزمة فال يعني جهل بعض اللوازم أن يكون‬
‫جاهال بجميع اللوازم و ال يعني كذلك أنه جاهال بحقيقة اإلسالم ‪.‬‬
‫ال شك أن إدخال كافر باإلسالم كفر من جهة الجملة لكن كالمنا في صورة معينة قد يقع الخالف فيها فيظن المسلم أنه ال تكون‬
‫ناقضا إال بعد قيام الحجة و يقول آخرون أنها تكون ناقضا قبل قيام الحجة فلو ثبت بالنص و اإلجماع أنها ناقضا قبل قيام الحجة هذا‬
‫النص و اإلجماع قد يخفى على بعض الناس فيظن أنه يكون ناقض بعد قيام الحجة مع علمه أنه ال بد من البراءة من المشرك و يحقق‬
‫البراءة منه لكنه ال يتبرأ ممن لم يتبرأ منه ‪.‬‬
‫فالناس ال تستهجن تكفير عابد غير هللا بينما لو قلت لهم حقيقة السلسلة و تصوروها جيدا يستبعدون تكفير من كان آخر السلسلة‬
‫ألنه يصعب تصور تكفيره ‪.‬‬
‫فتبين أن عابد القبر هو األول‪ ,‬وزيد هو الثاني‪ ,‬وعمرو هو الثالث‪ ,‬وإسماعيل هو الرابع‪ ,‬وياسر هو الخامس‪ .‬وهذا الرجل في مثالنا‬
‫إن لم يتصور عند الجملة األخيرة مباشرة أن جميع أعضاء السلسلة كفار ألنهم ال يعلمون معنى الشهادة فإنه كافر مثلهم وهو السادس في‬
‫السلسلة! فهل يسلم عاقل بهذا؟‬
‫قبولك بوجود هذه الجلسة وحيثياتها وتسليمك بأن أهلها قد تصوروا تفاصيلها ينقض قولك بأن العقل ال يقبلها ألن عقلك قد قبلها‪ ،‬وما‬
‫لم يقبله هو حكم هذه التفاصيل‪ ،‬وال ريب أن الحكم يتبع الواقع‪ ،‬فالحكم يدور مع علته ثبوتا وانتفاء‪ ،‬فهما متالزمان‪ ،‬فإن كان الواقع معقدا‬
‫وقد وقع رغم تعقيده فالحكم يتبعه في كل ذلك‪ ،‬وكما يسلّم العاقل بوجود شيء يسلم بحكمه‪ ،‬وال يصح القول أن مثل هذا غير موجود‬
‫وحكمه إن وجد يتحول إلى نقيضه ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬العاقل قد يتصور العدم و وجوده لكنه غير موجود فتصور العدم شيء و وجوده شيء فهناك كثير من القصص‬
‫الخيالية و المخلو قات الغريبة كما يصورها البعض لكن ال توجد في الخارج و ال توجد إال في الذهن فال يعني تصور ذلك ذهنا وجودها‬
‫في الواقع فالمقصود ما يقبل العقل وجوده في الواقع ال وجوده في الذهن فأبو حمزة يفترض افتراضات ذهنية حتى يبين بطالن‬
‫السلسلة لكن تصور هذه السلسلة في الواقع إلى ما ال نهاية أمر خيالي لذا هو باطل و لو قلنا لمن يقول بالسلسلة هل تستطيع أن تثبت‬
‫لي واقعة أنت ادركتها أو غيرك أدركها عن مشرك لم يكفره الكافر إلى مليون شخص فإن قال نعم كان كاذبا و إن قال ال ال أستطيع ذلك‬
‫قيل إذا لم تفترض على من توقف مثال في رقم مليون أنه لم يكفر الكفار ألنه لم يكفر رقم مليون مع أن هذا مستحيل تصوره ‪.‬‬
‫وتركه وع ِلم‬
‫كلهم كفار ال يعرفون أصل الدين وال يفهمون معنى الشهادة‪ ,‬مع أن منهم من يعلم معنى الشهادة تماما‪ ,‬فيعلم قبح الشرك َ‬
‫أن المشرك ليس على دينه فتبرأ منه‪ ,‬لكن لعدم تصور السلسلة فإنه كافر ال يعرف الدين‪ .‬وذلك ألن السلسلة نفسها هي الدين عند أصحاب‬
‫السلسلة كما سيتبين بوضوح‪.‬‬
‫فعندهم على هذا الرجل أن يقول فورا ياسر هذا من أعظم الكافرين وهو مثل المشرك العابد لغير هللا‪ ,‬لم يكفر بالطاغوت‪ ,‬بل عبد‬
‫الطاغوت‪ .‬وعليه أن يعلم ذلك ويتابعه ويدركه ويكفِّر ك َّل من سبقه ويتيقن من كفره‪ ,‬ألنه إن لم يفهم ذلك وتوقف ولو لحظة واحدة فإنه ال‬
‫يعرف أصل الدين ولم يفهم معنى الشهادة ولم يحقق شرط العلم من شروط ال إله إال هللا!‬
‫عدم تصور هذه السلسلة وعدم السماع بها أصال ليس كفرا‪ ،‬ومن قال ذلك فإنه يكفّر أكثر المسلمين من زمن الصحابة الذين لم تذكر‬
‫بينهم إطالقا‪ ،‬فحتى لو حدث مثل هذا الغلو من البعض فهذا ال يعني أن نعتبر َمن وقع في الكفر الموجود في هذه السلسلة مسلما‪ ،‬فهذا أشبه‬
‫بمن جعل تكفير المسلمين بالمعصية مبررا لترك تكفير الكفار‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬القول بأن هذه السلسلة لم تذكر عند الصحا بة إطالقا مع اعتقاد أنها من أصل دين اإلسالم فيه تناقض ظاهر كيف‬
‫تكون من أصل دين اإلسالم و علمها الصحابة و مع ذلك لم يبينوها للناس بل لم يبينها النبي صلى هللا عليه و سلم ألنه لو بينها نقلها‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم فلما لم تذكر عن الصحابة إطالقا يعني أن النبي صلى هللا عليه و سلم لم يذكره و ما لم يذكره النبي صلى‬
‫هللا عليه و سلم و ال الصحابة كيف يكون من دين اإلسالم فضال أن يكون من اصل دين اإلسالم ‪.‬‬
‫فاليوم نحن نختلف معهم في هذه السلسلة فنحن نقول أنها بدعة و الدليل أنها لم تذكر عن النبي صلى هللا عليه و سلم و الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم و هذا بإقرارهم و هم يقولون هي من أصل دين اإلسالم كيف نقبل منهم أنها من أصل دين اإلسالم و هي لم تذكر عن‬
‫النبي صلى هللا عليه و سلم و ال الصحابة و كيف يمكننا أن ندعو الناس إليها أبمجرد أن نقول هي من أصل دين اإلسالم أم نقول لهم‬
‫ثبت بالكتاب و السنة و أقوال الصحابة أن السلسلة من أصل دين اإلسالم فال بد عند الدعوة أن يكون عندنا نصوص نقنع الناس و ال بد‬
‫كذلك أن يكون هناك نصوص نلزم بها المخالف ‪.‬‬
‫فالقول بأن هذا كفر ال يكون بمجرد الرأي فال بد أن يكون هناك نص يدل على أنه كفر فاهلل تعالى بعث األنبياء كلهم و لنفترض أنه‬
‫لم يأمرهم بنفي الشرك و ال البراءة منه و لم يرد ذلك عن نبي من األنبياء هل تجرؤ أحد و يقول أنه محرم و هذا من باب االفتراض‬
‫لكن ال يمكننا أن ندعو الناس و ليس عندنا نصوص تؤيد ذلك و ال عندنا نصوص نلزم فيها المخالف فكل ما كان من دين اإلسالم سواء‬
‫من أصله أو فروعه ال بد أن يكون بينه األنبياء فإن كان من شرع نبينا فال بد أن يكون بينه و إال ال يكون من شرعنا حتى النوازل فإنه‬
‫ال بد أن يكون نصوص الكتاب و السنة العامة تدل عليها فكيف و نحن مسألتنا هي أصل دين اإلسالم فكيف هذه المسألة لم تطرق عند‬
‫الصحابة و م ع ذلك من أصل دين اإلسالم فإن لم تطرق عندهم إذا لم يتعلموها و إذا تعلموها فال بد أن تكون طرقت عندهم و إذا طرقت‬
‫عندهم ال بد أن يكون قد تكلموا فيها و ذكروها بينهم و علم بعضهم بعضهم هذه المسألة ‪.‬‬
‫هل يمكن لعاقل أن يقول بهذا؟‬
‫بل الحق أن هذا كله فلسفة ملعونة جدا‪,‬‬
‫إن كانت هذه السلسلة فلسفة ملعونة فهذا يعني عدم وجودها على أرض الواقع‪ ،‬وكونها كذلك ليس دليال أيضا على أن أهلها مسلمون‬
‫‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ال أعرف كيف يكون أمر غير موجود على الواقع و مع ذلك يكون كافر من لم يعتقده فإذا كان ال واقع له ال يذكر ال‬
‫في الكتاب و ال السنة و ال يطرق عند الصحابة إذا ال يعلمه المسلمون و ما ال يعلمه المسلمون ليس من دين هللا و جهله ال يضر‬
‫في اإلسالم فكيف يكون من جهل هذه السلسلة ال يكون مسلما مع أنه ال واقع لها البتة و لم تطرق عند الصحابة ‪.‬‬
‫ولو التزم اإلنسان بالكتاب والسنة فال إشكال عنده البتة‪ .‬فاهلل بكالمه قد بين التوحيد أتم البيان‪ .‬فالواضح جدا أن المرء إذا تبرأ من‬
‫الشرك فإنه قد حقق أصل الدين ثم ينظر هل هو ناقض ذلك األصل بقول أو فعل مكفر ال يمكن أن يعذر فيه‪ .‬ثم إن تبرأ ممن يفعل الشرك‬
‫يظهر بذلك أنه فهم دينه حقيقة وعمل به‪.‬‬
‫فثبت أن ما يسمون ه الثالث والرابع وغيره من السلسلة فإن هذا أمره ليس من أصل الدين بل ينظر هل وقع في كفر‪ ,‬ثم ينظر هل‬
‫يمكن عذره في ذلك‪ ,‬فإن كان مثله ال يعذر وقامت عليه الحجة فإنه كافر‪ .‬فإن علم أن هللا تعالى حكم بكفر نوع من البشر وأنه يستحيل‬
‫إسالمه ثم يرى هذا متحققا في رجل معين وتوقف في تكفيره فإنه كافر مثله‪ ,‬ال ألن له رقما معينا في سلسلة بدعية‪ ,‬بل ألنه لم يكفّر َمن‬
‫كفّره هللا‪.‬‬
‫وينظر هل يصدق عليه قولهم إنه يجهل معنى الشهادة‪ ,‬فإن صدق فإنه مشرك جاهل لدين اإلسالم‪ ,‬ال ألن له رقما معينا في عقولهم‪,‬‬
‫بل ألن كل من جهل اإلسالم ال يحققه‪ ,‬كما ال يخفى على عاقل‪.‬‬
‫ما معنى الكالم عن بلوغ الحجة هنا؟ بأي دليل نقول أن عدم تكفير الكافر األول يكفر صاحبه دون نظر لقيام الحجة أو عدمه‪ ،‬بينما‬
‫من ال يكفّر زيدا ومن بعده نوجب قيام الحجة عليه قبل أن يكفر‪ ،‬رغم أن مناط الكفر بينهما واحد‪ ،‬وهو عدم تكفير الكافر‪.‬‬
‫القضية ليست قضية أرقام‪ ،‬لكنكم حولتموها إلى أرقام بتفريقكم بين زيد وعمرو‪ ،‬فحتى تكفير زيد يُعدّ فلسفة وفق هذا المنطق‪ ،‬فزيد‬
‫تخف درجات الكفر فيمن بعده‪ ،‬فكلهم لم يكفّروا الكافر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عضو من هذه السلسلة‪ ،‬وال‬
‫من ترك الشرك وك ّفر المشرك ال يعتقد في إسالم أي عضو من السلسلة‪ ،‬حتى وإن لم يسمع بقاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) ما‬
‫دامت متقررة عنده‪ ،‬فلم يبين النبي صلى هللا عليه وسلم للصحابة وجوب تكفير الكافر فضال عن تكفير من لم يكفّره‪ ،‬وإنما فهموها‬
‫كبديهية‪ ،‬على أن من لم يدخل في هذا الدين فهو كافر لم يختلفوا في كفره‪.‬‬
‫ولم يتكلم الصحابة عن حالة زيد ومع ذلك وجب علينا أن نتكلم عنه ألنه حدث أن ُوجد أمثاله‪ ،‬وال يصح القول أنه لو كان كافرا حقا‬
‫لتكلموا عنه‪ ،‬كذلك َمن بعده متى ُوجدوا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الخطأ في ضبط أصل دين اإلسالم هو الذي أودى بهذا المسكين إلى هذه المعمعة فمسألة تكفير من لم يكفر الكافر‬
‫قاعدة عامة يدخل فيها مسائل تنقض اإلسالم قبل قيام الحجة كالشرك و هي المسألة التي من جهلها ال يكون مسلما أو ما دل على الكبر‬
‫على عبادة هللا فهاتان المسألتان من حقيقة ال إله إال هللا فكالمنا في تكفير من لم يكفر المشرك أي يعتقد أنه من عبد غير هللا أو استكبر‬
‫على عبادة غير هللا يكون أخا له في اإلسالم فهذا جهل بحقيقة ال إله إال هللا لكن ما زاد على ذلك بينت أنه يدخل في لوازم اللوازم و‬
‫ليست صور لحقيقة واحدة إنما حقائق مختلفة لها لوازم مثال مسألة القول بخلق القرآن بعضهم يرى أنه كفر قبل قيام الحجة و بعضهم‬
‫يرى أنه ال يكفر إال بعد قيام الحجة فضرورة من اعتقد أنها تناقض اإلسالم يعتقد أنه من قال بهذا القول كافر و لكن ال يلزم من ذلك أنه‬
‫يكفر من لم يكفره ألنه من توقف فيه ال أنه يعتقد أنه فعله يناقض اإلسالم و حكم بإسالمه إنما يعتقد أن فعله ال يكون نقضا لإلسالم إال‬
‫بعد قيام الحجة و يرى أن الحجة إلى اآلن لم تقم عليه فهو مسلم عنده مع اعتقاده إجماال أن من لم يكفر الكفار كافر فالخطأ في تصور‬
‫فعل معين شيء و ال يلزم الخطأ في تصوره للفعل ضرورة عندما يتوقف في تكفير من فعل الفعل أنه ال يعتقد بكفر الكفار ‪.‬‬
‫فمن اجتنب الشرك و ا جتنب المشركين حقق المطلوب منه في ال إله إال هللا و ال يلزم الكفر من أخطأ في بعض النواقض إذا ظن‬
‫ناقضا ما ليس بناقض كقول الخوارج في الكبائر فإنهم يكفر المسلمين لظنهم أنهم فعلوا الشرك و هذا في حقيقته يناقض اعتقاد مواالة‬
‫المسلمين فكما أنه يجب البراءة من المشرك ين و تكفيرهم كذلك يجب مواالة المسلمين و محبتهم و مع ذلك الخوارج ال يكفرون عند‬
‫الكثير من أهل العلم ألنهم اعتقدوا ناقضا ما ليس بناقض فال يكفرون حتى يبين لهم بالنصوص أن مات ظنوه ناقضا ليس بناقض‬
‫بنصوص الكتاب و السنة و كذلك من ظن الناقض ليس بناقض فترتب على هذا األمر ضرورة الحكم بإسالم بعض المشركين فمثل هذا ال‬
‫يكفر حتى نبين له بنصوص الكتاب و السنة خطأه و ال نقول له هذه المسألة لم تطرق في عصر الصحابة فإنها و ال شك يطالبنا‬
‫بالنصوص ألنه لو كان ناقضا ال بد أن تكون هناك نصوص صريحة صحيحة تدل على أنه ناقض خفت عليه و إال ال نستطيع إلزامه ‪.‬‬
‫ال أعرف كيف فهموا المسألة بديهة و لم يبينها النبي صلى هللا عليه و سلم فالبراءة من الشرك أظهر في العقل و الفطرة من‬
‫تكفير المشركين و مع ذلك بينه النبي صلى هللا عليه و صرح به و أظهره للمشركين حتى يدخلوا اإلسالم فكيف بين له ما هو أظهر‬
‫بديهة و كتم عنهم ما هو أخفى منه ‪.‬‬
‫أما قوله أن النبي صلى هللا عليه و سلم لم يبين لهم تكفير من لم يكفر المشرك فهذا قول من ال يعرف نصوص الكتاب و السنة‬
‫فحقيقة تكفير المشركين تعرف من حقيقة ال إله إال هللا فإن معنى ال إله إال هللا أنها أصل دين اإلسالم و أنها تتضمن البراءة من الشرك‬
‫و الكبر أي أن البراءة من الشرك و الكبر هي أصل دين اإلسالم ففهم المسلمون أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و الكبر‬
‫فحكموا على عبد غير هللا بالشرك و حكموا على من استكبر على عبادة هللا بالكبر و نصوص الكتاب و السنة و اإلجماع كثيرة في كفر‬
‫من تولى المشركين و أنه ال يكون مؤمنا و من أعظم التولي اعتقاد أنه من عبد غير هللا أخا لك في اإلسالم فمدار المسألة في تكفير من‬
‫لم يحقق البراءة من الشرك و الكبر لكن ما زاد على ذلك هم يقرون أن الصحابة لم يطرق عندهم فعليهم أن يذكروا لنا بأي دليل‬
‫اعتقدوا أنه من أصل دين اإلسالم فإن كان دليال عقليا فما كان من أصل دين اإلسالم بل من دين اإلسالم و شرائعه ال بد أن يكون النبي‬
‫صلى هللا عليه و سلم ذكره فال يكفي مجرد العقل مع عدم وجود ما يدل عليه من الشرك فعدم وجود ما يدل عليه من الشرع دليل على‬
‫أنه ليس من الشرع و إن كان دليال شرعيا فعليهم أن يذكروا النصوص القطعية بذلك ‪.‬‬

‫‪ -1‬العالقة بين مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر والتكفير بالتسلسل‬


‫فمن جعل هذه المسألة من أصل الدين ويستحيل عنده عذر أحد فيها بأنه أخطأ في تصور األمر وتدبره‪ ,‬يلزمه أن يكفر في سلسلة إلى‬
‫األبد‪ ,‬ألن علة الكفر تتكرر دائما في خيال أصحاب السلسلة‪,‬‬
‫ولماذا لم يلزم من تكفير زيد أن تكفّر إلى األبد؟ بل تكفير عابد القبر الذي هو قبل زيد يؤدي إلى ذلك‪ ،‬وهذا هو استدالل عامة‬
‫المشركين اليوم‪ ،‬أن من كفّر الكافر يلزمه أن يكفّر في سلسلة إلى األبد‪ ،‬مع أنهم يكفّرون األمم األخرى ولم يفكروا في أنه تلزمهم السلسلة‪،‬‬
‫فاإلستدالل بعدم الوقوع في السلسلة لو صح للزم نفي التكفير مطلقا من الدين‪ ،‬سواء قبل الحجة أو بعدها‪ ،‬فهذا اإلستدالل غير منطقي البتة‬
‫‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬عجيب هذه الحجة أن عامة المشركين يعتقدون أن تكفير عابد القبر يلزم منه التسلسل و مع ذلك لم يذكر لنا نصا‬
‫عن أمة اإلسالم في السلسلة ‪.‬‬
‫فنفي التسلسل ال يقتضي نفي التكفير ألن الكالم معلق بفعل معين من ثبت فيه انتفى اإلسالم عنه و من علم أنه ثبت فيه هذا الفعل‬
‫و حكم بإسالمه مع علمه بثبوته دل على جهله بأن هذا الفعل ينفي اإلسالم فهو معلق بفعل واحد بينما التسلسل معلق بأفعال كثيرة جدا‬
‫فتكفير من لم يكفر المشركين عندنا متعلق بداللته بالجهل بحقيقة ال إله إال هللا أما التكفير بالتسلسل متعلق بجهل اللوازم و لوازم‬
‫اللوازم إلى ما ال نهاية ال بجهل الحقيقة ‪.‬‬
‫وهم ال يعذرون أحدا من أعضاء السلسلة بالخطأ وعدم تصو ر الحقيقة‪ ,‬كما ال يعذرون في هذه المسألة‪ .‬ولذلك يسوون بين جميع‬
‫أعضاء السلسلة مهما بعدوا عن المشرك األول الوحيد الذي فعل الشرك في السلسلة‪ .‬ولهذا التالزم يكون الرد على المسألتين في موضع‬
‫واحد‪.‬‬
‫المشكلة أنك تفرق بين كفر زيد وكفر عمرو دون سبب واضح‪ ،‬ما السبب الذي جعل تكفير زيد من أصل الدين وتكفير عمرو دون‬
‫ذلك؟ إن كان عدم التصور والتعقيد فالتصور والفهم واجب قبل الحكم‪ ،‬ألن الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪ ،‬وهذا يندرج فيه كل حكم‬
‫وليس تكفير عمرو فقط‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا سبب الفرق بين كفر زيد و عمرو و هو أن زيد كفره سببه أنه قوله يقتضي الجهل بحقيقة اإلسالم‬
‫بينما عمرو كفره سببه الجهل بمقتضى المقتضى ال سببه الجهل بحقيقة ال إله إال هللا و ال مقتضى ال إله إال هللا ‪.‬‬

‫تلبيس منهم‪ :‬إيهامهم أنهم ال يقولون بسلسلة إلى األبد‬


‫لما أدرك أصحاب السلسلة أن الناس ال يقبلون أن تكون سلسلة فلسفية في دين هللا فضال عن كون اإليمان بها واجبا على كل مسلم‬
‫ليصح إسالمه‪ ,‬لبسوا األمر على من يريدون دعوته‪ .‬فإنهم ال يذكرون له إال مسألة من يسمونه الثالث‪ ,‬لكنهم يسكتون تماما عن السلسلة‪.‬‬
‫حتى إذا قبل السامع أن مسألة الثالث من أصل الدين فإذا هم يناقشونه في الرابع وهكذا حتى يكشفوا له حقيقة دعوتهم‪.‬‬
‫بل منهم من ينكر علينا أننا ن وضح للناس أنهم يقولون بسلسلة إلى األبد‪ .‬فيقولون إن السلسلة ال تتجاوز في الحقيقة إال بعض األفراد‪,‬‬
‫فلذلك ال دخل لرقم الما ئة أو المليون كما نذكره نحن عنهم‪ ,‬ويشتكون أن هذا كذب عليهم منا‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬الناس ال يقبلون السلسلة ألنها غير معقولة‪ ،‬فكيف يجوز اإلختالف في زيد الذي لم يكفّر الكافر‪ ،‬وهكذا تقف السلسلة‪ ،‬فما دمنا‬
‫مسلمين يجب أن نتفق على أمر كهذا ألنه من أصل الدين‪ ،‬فالناس بكل بساطة ال يقبلون بإسالم من لم يفرق بين المسلم والكافر‪ ،‬ولذلك ال‬
‫داعي لدعوتهم لتكفير عمرو‪ ،‬وإنما بمجرد معرفتهم بأن تكفير الكافر من أصل الدين يكفّرون من خالفه‪ ،‬ومن خالف في تكفير عمرو دون‬
‫زيد مع أن علة كفرهما سواء فهذا قد أبطل وجوب تكفير الكافر‪.‬‬
‫الذي يؤمن بالسلسلة هو من ابتدع حدا للسلسلة فهو العضو األخير فيها يقول بأن كل من قبل الحلقة التي قبله كفار‪ ،‬أو كلهم مسلمون‬
‫بعد زيد‪ ،‬أما الذين كفروهم جميعا فهؤالء ليسوا من أصحابها‪ ،‬حتى وإن التزموا عن جهل بهذا الوصف‪ ،‬لكن المعنى عندهم صحيح وإن‬
‫وقع شطط منهم بعدم القدرة على اإلستدالل‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل تؤمن بالسلسلة؟ وهو كالم أجوف يدل على سذاجة ما‪ ،‬فالمشكلة ليست في‬
‫وجودها‪ ،‬فحتى الصحابة لم يسمعوا بها‪ ،‬ولكن‪ :‬هل تؤمنون بصحة تسلسل قاعدة (من لم يكفر) أم بانقطاعها عند حد معين؟‬
‫وفي الواقع أنتم أيضا لم تنجوا من السلسلة ألنكم تؤمنون بكفر زيد طبقا لقاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر)‪ ،‬فإذا كانت الحلقة‬
‫الواحدة ال تسمى سلسلة فإن من يضيف إليها حلقة أخرى يكون قد صنع سلسلة من حلقتين ألن الحلقة الثانية تسلسلت منها فهي تسحبها‪.‬‬
‫وسواء قلتم أن عمرو ومن بعده مسلمون على حق في عدم تكفير زيد ألنه ال يجوز تكفيرهم‪ ،‬أو أنه مسلم مخطىء أو جاهل ال يكفر‬
‫إال بعد إقامة الحجة‪ ،‬فأنتم أهل السلسلة‪.‬‬
‫المشكل أنكم لم تجدوا حدا يمكن تبريره إليقاف السلسلة‪ ،‬وإنما بحجة عدم التسلسل تركتم تكفير الثالث‪ ،‬ولو كانت هذه حجة لوجب‬
‫ترك التكفير مطلقا‪ ،‬ففرضتم وجود السلسلة حتما وأبطلتم القاعدة بها ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الخالف معهم في إثبات أن السلسلة من الدين فضال ع لى أنها من أصل الدين و دعوى أنها من أصل الدين ليس‬
‫بدليل فالدعوى ال تصلح دليال و اإليمان بقاعدة من لم يكفر الكافر قاعدة مجمع عليها بين المسلمون لكن الخالف في صورها ال في‬
‫حقيقتها ألن من لم يؤمن بتكفير الكفار يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون مسلما و قد بينت ف ي تعليقات سابقة أن هذا القول يدل على‬
‫الجهل بال إله إال هللا لكن الخطأ الذي نتكلم عنه ليس في اعتقاد هذه القاعدة إنما في اعتقاد صورة من الصورة يظن المسلم أنها ال‬
‫تدخل في هذه األصل فمثل هذا هو الذي نعذره و بينت سابقا كذلك أن الخطأ في تصور ناقض من نواقض اإلسالم إن كان هناك نقص‬
‫في التصور ال يكفر المسلم حتى تقام عليه الحجة و هذه المسألة تدخل في تحقيق مناط األنواع بحيث نوع المسألة يحقق المجتهد هل‬
‫يدخل في األصل الذي يؤمن به أم ال ؟‬
‫والجواب على هذا التلبيس أنه مردود مطلقا وذلك من وجوه‬
‫• لو آمن المرء بالسلسلة لكن يقطعها عند العاشر فال يكفره‪ ,‬هل هو عندهم مسلم؟ ليس مسلما قطعا‪ .‬بل هو كافر وكفره مقطوع به‬
‫وكل من لم يكفره فهو كافر‪ .‬وكذا لو قطعها عند العشرين أو الثالثين‪ .‬فال بد من أن يصبروا على إلزامنا لهم بأنهم يفرضون على الناس‬
‫تكفير المليون‪ .‬بل نحن ال نكتفي بالمليون أبدا ب ل نريد منهم أن يلتزموا بتكفير األعضاء إلى األبد‪ .‬وإن أنكروا ذلك نقول لهم أنتم كفار على‬
‫مذهبكم أنتم‪ .‬وإن أقروا وقطعوا السلسلة نقول لهم أبطلتم جميع السلسلة وحللتم جميع حباتها‪ ,‬ألنه ال دليل يفرق بين العاشر والعشرين وال‬
‫بين عضوين من السلسلة‪ ,‬فإن قطعتموها عند ا لعشرين فكيف تنكرون على من يقطعها عند الثالثين ويكفركم بناء على ذلك؟ أو على من‬
‫يقطعها عند الخامس عشر وتكفرونه بناء على ذلك؟‬
‫• إذا لم يعذر الثالث بعدم تصور المسألة فلماذا يعذر العشرون؟ ال دليل لديهم يثبت أن كل ثالث أو رابع يتصور المسألة قطعا كما‬
‫يزعمون ذلك‪ ,‬مع أن العشرين ال يتصورها‪.‬‬
‫وإذا لم يعذر الثاني فكيف يعذر الثالث ؟ وإن كنتم تقرون بأنه ال دليل يفرق بين أي رقم ومن بعده فكيف فرقتم بين زيد وعمرو؟ وما‬
‫دليلكم على قطع السلسلة عند زيد؟ ما الفرق بينكم وبين من قطعها عند العشرين ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت في تعليقات سابقة سبب التكفير في من لم يكفر المشرك و فيما زاد على ذلك فال يحتاج إلى زيادة تعليق ‪.‬‬
‫• ولذلك يصرحون بالسلسلة إلى األبد‪ ,‬كما قال واحد منهم‪" :‬ال فرق بين الرقم الثالث والرقم الرابع والرقم الخامس‪ ,‬ومن زعم ذلك‬
‫يجب عليه أن يأتي بدليل على تفريقه‪ ...‬من زعم هنا شي ئا آخر يجب عليه أن يأتي بدليل أن التكفير بالتسلسل ال يطبق عند رقم معين"‬
‫وكذلك تراهم يكتبون أن التكفير بالتسلسل "يطبق على الرقم ‪ "...3 ,2 ,1‬فما معنى النقاط بعد األرقام إال أن يطول إلى األبد كما‬
‫يقررونه؟‬
‫فهل لهم عقول أن يتناقضوا مثل هذا التناقض‪ .‬يزعمون أن من قطع السلسلة عند أي رقم يحتاج إلى دليل‪ ,‬وأن هذا الدليل معدوم‪,‬‬
‫وأن من لم يؤمن بذلك كافر‪,‬‬
‫ثم إذا قيل عنهم إنهم يلزمون الناس بسلسلة إلى الما ئة واأللف بل إلى األبد يشتكون بأن المخالف كذب عليهم‪ .‬عجيب أمرهم‪ .‬فقولهم‬
‫جد واضح‪ ,‬من لم يكفّر بالتسلسل إلى األبد فإنه كافر ألنه لم يفهم أصل الدين ولم يكفر بالطاغوت‪ ,‬ال يمكن لهم أن يردوا هذا عن أنفسهم‬
‫أبدا‪ ,‬فالسلسلة هي أصل الدين عندهم ومن لم يؤمن بها فهو كافر‪.‬‬
‫ما دليل من قال أن زيدا كافر ثم ترك تكفير الكافر عمرو؟ فزيد وعمرو هما اللذان أنشآ السلسلة وليس من كفّرهما‪ ،‬وكذا سائر من‬
‫جاء بعدهما‪ ،‬فهؤالء هم الذين ابتدعوا السلسلة‪ ،‬أما من يكفّر الكافر ومن ال يكفّره وال يفرق بين هذا وذاك فهو يطبق حكم هللا على من‬
‫ترك تكفير الكافر‪.‬‬
‫وفي الحقيقة إذا آمنا بكفر الكافر سيمتنع وجود عمرو وحتى زيد‪ ،‬أما أهل الهوى الذين يريدون أن يتنطعوا‪ ،‬فيكفرون كافرا دون‬
‫ّ‬
‫التنزل معهم في تناقضاتهم‪.‬‬ ‫كافر‪ ،‬ويضعون حدودا لقاعدة تكفير الكافر‪ ،‬فدينهم يلغي بعضه بعضا‪ ،‬وليس مطلوبا منا‬
‫فإذا بلغ بالناس الهوى إلى وضع حدود مبتدعة لتكفير الكافر فإنهم قد صنعوا سلسلة تطول أو تقصر‪ ،‬وبالتالي فالحكم ال يتأخر عنهم‪.‬‬
‫ثم إنه إذا كانت هذه السلسلة الزمة فإنها تلزم كل من يكفّر غيره‪ ،‬وال تلزم من تكلم عن السلسلة فقط‪ ،‬وحتى من يقول بوجوب قيام‬
‫الحجة قبل التكفير في مخالفة أصل الد ين يلزمه التسلسل‪ ،‬فهل عدم ذكره للتسلسل يعني أنه معفى منه ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬لم أفهم وجه الحجة في هذا الكالم فالكالم غير مرتب إما لعي في التفكير أو لعي في التعبير أو في كليهما ‪.‬‬
‫فالسلسلة غير الزمة حتى لمن قال بأنه ال بد من إقامة الحجة ألن السلسلة كما ذكرت ح قائق مختلفة و أصلها الشرك و الكبر فمن‬
‫تحقق فيه يكون مشركا و وجب على من علم منه ذلك أن يكفره لكن إذا طالت السلسلة ال تكون من شرع هللا فضال أن يكون المسلم‬
‫مأمور بالعمل بها ألنه ال وجود لها إال في الخيال و ما كان في الخيال ال يلزم المسلم شرعا إنما يلزمه ما يقدر عليه قوال و عمال أما ما‬
‫ال يستطع عقله أو العمل به غير مكلف به ‪.‬‬

‫حقيقة السلسلة أن تكفير كل عضو منها أصل جديد للدين‬


‫هذا حقيقة قولهم وإن لم يشعروا بذلك‪ .‬وإن شئت قل إن لإليمان باهلل والكفر بالطاغوت عندهم شروطا ال نهاية لها‪ ,‬ال يتحقق الدين‬
‫ألحد إال لمن آمن بها جميعا‪ ,‬وال يكون ذلك إال باإليمان بالسلسلة إلى األبد‪ .‬فهم جعلوا لدين اإلسالم أصوال كثيرة جدا‪ ,‬بعدد من كان في‬
‫السلسلة‪ .‬فمن لم يكفر العضو العشرين كافر‪ ,‬حتى إن كفّر جميع من قبله في السلسلة‪ .‬فال بد من تكفير كل عضو ضرورة لتحقيق معنى ال‬
‫إله إال هللا عندهم‪.‬‬
‫كل من داخل السلسلة يضمهم مباشرة أصل واحد وحكم واحد هو (من لم يكفّر الكافر فهو كافر)‪ ،‬بينما أنتم تقرون بهذا األصل ثم‬
‫تهدمونه من بعد على أنه أصل آخر‪ ،‬ومن هدم هذا األصل في أي حلقة فليس من أهله‪ ،‬وكيف يحتاج حكم كل عضو من السلسلة إلى أصل‬
‫جديد ودليل جديد على كفره وعلة حكم كل عضو منهم واحدة وهي اإلعتقاد بإسالم من لم يكفّر الكافر ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬أنواع الكفر كثيرة جدا و ليست كلها صورة واحدة فليس صورة الشرك كصورة ترك الصالة فمن كفر من لم يكفر‬
‫المشرك هذه صورة و من لم يك فر من لم يكفره هذه صورته ليس أنه توقف بكفر المشرك ألنه يحكم بأن المشرك ال يكون مسلما لكنه‬
‫يتوقف فيمن لم يكفر المشرك فالعلة إذا مختلفة ال واحدة و إال للزم تكفير من لم يكفر تارك الصالة أو تكفير من لم يكفر مانع الزكاة أو‬
‫تكفير من لم يكفر في المسائل المختلف في ها أو فيما أخطأ فيه المسلم فظنه ليس من النواقض و هو في حقيقته ناقض و هذا ال يلزم‬
‫تكفيره إذا كان مجتهدا مخطئا و لم تقم عليه الحجة فعلة التكفير بالشرك غير علة التكفير بتكفير من لم يكفر الكفار غير علة فلو سألنا‬
‫عاقل هل من لم يكفر من لم يكفر المشرك يعتقد بتكفير المشرك أم ال ؟‬
‫فإنه سيجيبك بأنه يكفر المشرك و إذا سألته لم ما هو سبب كفره فإنه سيقول لك ألنه لم يكفر من لم يكفر المشرك لذا فرق العلماء‬
‫كما ذكرت في مواضع أخرى بين ناقض تكفير الكافر و بين ناقض الشرك و بين ناقض التولي و مظاهرة المشركين فكل ناقض له‬
‫حقيقة تدل عليه و له لوازم تلزم هذا الناقض و هذه اللوازم منها ما هو بعيد في التصور و منها ما هو قريب فإذا أخطأ المسلم في‬
‫صورة هل تدخل في ناقض من لم يكفر الكفار فهو كافر ال يعني أنه يعتقد اعتقادا مجمال أن قاعدة من لم يكفر الكافر غير صحيحة كما‬
‫أن من أخطأ في صورة من صو ر الشرك لظنه عدم تحقق حقيقة الشرك فيها ال يعني أنه يعتقد أنه الشرك جائز أو أنه ال ينقض اإلسالم‬
‫‪.‬‬
‫وكذلك من جهة الكفر بالطاغوت‪ .‬الكفر بالطاغوت ال يتحقق على زعمهم إال بتكفير كل عضو إلى األبد‪ .‬فلو توقف واحد منهم عند‬
‫الرقم األلف يكفرونه ومناط كفره أنه لم يكفر بالطاغوت‪ .‬فتكفير رقم األلف وتكفير رقم المليون من الكفر بالطاغوت‪ ,‬وكذلك سائر أعضاء‬
‫السلسلة بال استثناء‪ ,‬ومن توقف في كفر واحد منهم فهو كافر ويصير بذلك العضو الذي بعده في السلسلة‪.‬‬
‫مادمت تقر بأن زيدا لم يكفر بالطاغوت ألنه لم يكفّر الكافر فإن نفس العلة موجودة فيمن بعده‪ ،‬فما الدليل على اإلستثناء‪ ،‬ومن أراد‬
‫أن يستثني خوفا من التورط في هذه السلسلة عليه أن يبطل التكفير مطلقا سواء تكفير زيد أو عمرو‪ ،‬فالسلسلة إنما أنشأها من يتوقف عند‬
‫حد معين ال من يكفّر الكل ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬معنى هذا الكالم تكرر كثيرا و رددت عليه أكثر من مرة فال حاجة لتكرار الرد فمن أراد الرد عليه يرجع إلى‬
‫التعليقات السابقة ‪.‬‬

‫وهذا اإللزام حجة عليهم‬


‫فيلزمهم ضرورة على مذهبهم أن يطردوا سلسلتهم إلى األبد‪ .‬فمن التزم ذلك منهم فهل يحتاج إلى بيان أن اإليمان بسلسلة إلى األبد‬
‫ليست من أصل دين اإلسالم الذي دعا إليه جميع األنبياء عليهم السالم؟‬
‫وإن أقروا أن هذا أغبى من أن يكون من دين هللا فضال عن أن يكون من أصله نقول لهم‪:‬‬
‫‪ -‬أين تنقطع السلسلة إذاً عندهم؟ ال يمكن لهم أن يحددوا هذا‪.‬‬
‫‪ -‬ولو زعموا أنه يمكم لهم تحديده نسألهم‪ :‬أين دليلكم على أنها تنقطع عند رقم كذا دون رقم كذا؟ وهذا الدليل المزعوم هل هو من‬
‫الشرع أم من العقل؟‬
‫‪ -‬فإن زعموا بأنه من الشرع نطالبهم به من الكتاب والسنة‪ .‬بل نريد فقط قول عالم واحد معتبر جعل هذا ضابطا في مسألة التكفير‬
‫بالسلسلة‪.‬‬
‫‪ -‬وإن زعموا بأنه من العقل فإن التكفير وخاصة دعوى استحالة إسالم المرء ال يعرف بالعقل بل بالشرع‪.‬‬

‫العصمة في الوحي ال في غيره‬


‫قال أبو مريم "فالذي يجعل شيئا من دينه فضال عن أصل دينه ال بد أن يكون عنده دليل نقلي على أصله‪ .‬فإذا كان ليس عنده دليل‬
‫نقلي هذا ال يجوز جعله من دين هللا فضال عن جعله من أصل دين اإلسالم‪ .‬فإن هللا تعالى جعل العصمة بالوحي ولم يجعل في غيره‬
‫ص َراطٍ ُّم ْستَق ٍِيم} الزخرف ‪ 43‬فمن جعل العصمة في غير الوحي فإنه ليس على صراط‬ ‫عصمة {فَا ْست َْم ِسكْ بِالَّذِي أُوحِ َي إِلَيْكَ إِنَّكَ َعلَى ِ‬
‫علَى هَـؤُالء َون ََّز ْلنَا‬ ‫علَ ْي ِهم ِّم ْن أَنفُ ِس ِه ْم َو ِجئْنَا بِكَ َ‬
‫ش ِهيداً َ‬ ‫ث فِي كُ ِّل أُ َّم ٍة َ‬
‫ش ِهيداً َ‬ ‫{ويَ ْو َم نَ ْبعَ ُ‬
‫مستقيم‪ .‬وكل ما كان من دين هللا فقد بينه هللا وفصله َ‬
‫َاب تِ ْبيَانا ً ِلّكُ ِّل ش َْيءٍ َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى ل ِْل ُم ْسلِمِ ينَ } النحل ‪ .89‬وكل ما لم يأت بالكتاب والسنة فليس من دين هللا حتى لو كان‬ ‫علَيْكَ ْال ِكت َ‬
‫َ‬
‫العقل ال يمنعه‪ ,‬فليس كل ما كان معقوال مشروعا أي جاء الشرع باألمر به‪ ,‬ولكن كل ما كان مشروعا كان معقوال‪ .‬والسلسلة أصحابها ال‬
‫يجعلون الشرع جاء بها فقط‪ ,‬بل يجعلون اإلسالم ال يصح إال بها‪".‬‬
‫يلزم الدليل على التمييز بين حالة زيد وحالة عمرو‪ ،‬حتى نبحث عن دليل خاص بحالة عمرو وحده‪ ،‬فإن لم يكن هناك دليل على‬
‫التمييز بينهما فهما سواء وال يحتاج حكم عمرو إلى دليل ‪.‬‬

‫زيادة بيان أن أهم شيء في الدين أبينه وأظهره في القرآن والسنة‬


‫ال بد أن يعلم أنه ال يجوز بتاتا أن يقال في شيء إنه من أصل الدين وال يمكن اإلسالم إال به إال بدليل واضح صريح ال شك فيه وال‬
‫ريب‪ ,‬بل ال بد أن يكون هذا الدليل من أوضح ما ورد في الدين كله‪ ,‬وأن يتكرر كثيرا‪ ,‬ألنه يثبت أعظم مقاصد هذا الدين بحيث يفهمه كل‬
‫ذكي وبليد ما دام مكلفا‪ .‬وجاء بيان ذلك في رسالة "اإلسالم بأدلته من القرآن والسنة" فليراجع هناك أيضا‪.‬‬

‫ال بد من دليل الشرع‪ ,‬أما العقل المجرد فال يثبت مثل هذا في شيء‬

‫اشتراط التكرار ليكون األمر من أصل الدين يلزمه الدليل‪ ،‬ونحن نعلم أن اإلسالم ثبت للصحابة قبل أن تنزل آيات القرآن‬
‫مفصلة وقبل أن يسمعوها‪ ،‬فلم يتلقوا أصل الدين بالتدرج‪ ،‬ثم ما يقال في زيد الذي كفّرتموه يقال في عمرو‪ ،‬فهل احتاج‬
‫الصحابة إلى دليل على حكم زيد في القرآن فضال عن أن يتكرر ؟ ‪.‬‬

‫الدليل على المدعي‬


‫هؤالء يظنون أنه يمكن في دين هللا أن تدعي أي شيء دون أن تثبته بدليل‪ .‬بل هم يدعون أن السلسلة من حقيقة معنى ال إله إال هللا‬
‫وأن السلسلة بذلك أهم شيء في هذا الدين دون أي دليل من الشرع‪ .‬فإنهم ظنوا أنه يكفي أن يكون األمر في عقولهم هكذا فصار مقطوعا‬
‫به يلزم جميع البشر‪.‬‬
‫واألعجب أنهم يأتون بعد أن أثبتوا لهذا الدين أصال ال دليل عليه بتاتا‪ ,‬أن كل من أراد أن يبطل سلسلتهم يحتاج إلى دليل‪ .‬فأي جهل‬
‫هذا؟ بل ال حاجة إلى أي دليل من قبلنا‪ ,‬فهل يجب علينا أن نبطل شيئا لم يثبت بدليل أصال؟‬
‫أما في دين هللا يكون األمر على خالف ما يتخيلون‪ ,‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫ارى ت ِْلكَ أَ َمانِيُّ ُه ْم قُلْ هَاتُوا ب ُْرهَانَكُ ْم إِ ْن كُ ْنت ُ ْم َ‬


‫صا ِدقِينَ (‪ )111‬البقرة‬ ‫ص َ‬‫َوقَالُوا لَ ْن يَ ْد ُخ َل ْال َجنَّةَ إِ َّال َم ْن كَانَ هُودًا أَ ْو نَ َ‬
‫ِي َو ِذ ْك ُر َم ْن قَ ْبلِي بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم َال يَ ْعلَ ُمونَ ْال َح َّق فَ ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ (‪ )24‬األنبياء‬
‫أَ ِم اتَّ َخذُوا مِ ْن دُونِ ِه آَ ِل َهةً قُلْ هَاتُوا ب ُْرهَانَكُ ْم َهذَا ِذ ْك ُر َم ْن َمع َ‬
‫اَّلل قُلْ هَات ُوا ب ُْرهَانَكُ ْم ِإ ْن كُ ْنت ُ ْم َ‬
‫صا ِدقِينَ (‪ )64‬النمل‬ ‫أَ ْم َم ْن َي ْبدَأ ُ ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُعِيدُهُ َو َم ْن َي ْر ُزقُكُ ْم مِ نَ الس ََّماءِ َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض أَئِلَهٌ َم َع َّ ِ‬
‫• أوجب هللا على من ادعى أمرا أن يثبت دعواه بالدليل‬
‫• أسقط هللا دعوى من ال دليل له‬
‫• صورة اآلية أن أهل الكتاب ادعوا أمرا في دين هللا‪ .‬فلزمهم الدليل من هللا على أن دعواهم هي مراد هللا تعالى‪.‬‬
‫• أي كل من ادعى على هللا شيئا فعليه أن يثبته بالدليل من القرآن والسنة‪ .‬فإن أتى به ينظر هل هو يدل على مراده أم ال‪ .‬فإن دل‬
‫عليه ثبت ما ادعاه‪ .‬وإال كان باطال وافتراء على هللا وقوال على هللا بال علم‪.‬‬
‫• الصادق هو من أثبت دعواه بدليل صحيح‬
‫• الكاذب هو من يدعي ما ال دليل عليه‬
‫َب ِد َما ُء قَ ْو ٍم َوأَ ْم َوالُ ُه ْم"‬
‫اس بِدَع َْواهُ ْم لذَه َ‬ ‫سلَّ َم لَ ْو يُ ْع َ‬
‫طى النَّ ُ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َّاس "قَا َل َرسُو ُل َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫عب ٍ‬‫ع ْن اب ِْن َ‬
‫وفي الصحيحين َ‬
‫فلو كان األمر كما يتوهمون أن مجرد الدعوى كافية في إثبات األمر الدعى كل واحد ما يريد وألمكن لنا أن ندعي أكثر من أصحاب‬
‫السلسلة‪ .‬فيل زمهم أن يأتوا باألدلة الصريحة على ادعاءاتهم العريضة‪ .‬وهذه األدلة ال بد أن تكون مقطوعا بها مجمعا عليه من أصرح‬
‫وأبين النصوص في الدين ومن أكثرها تكررا‪ .‬وذلك أن ما يدعونه ليس أمرا يتعلق بالوضوء أو المسواك‪ ,‬بل هو أصل الدين ومعنى ال إله‬
‫إال هللا‪ .‬لكن الحقيقة أنهم ال دليل لديه م‪ ,‬ويتبين مما يأتي أن األدلة كلها عليهم‪ ,‬ألن هللا تعالى بين معنى ال إله إال هللا أتم البيان وكذلك فعل‬
‫رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬وكذلك فعل العلماء من بعده‪ ,‬وال أحد منهم ذكر أمر السلسلة عند بيانه‪.‬‬
‫كال الطرفين ملزم بتقديم الدليل‪ ،‬فالبينة على تكفير من في السلسلة متى وجدوا هي البينة على تكفير من لم يكفّر الكافر ال غير‪ ،‬وهي‬
‫البينة على كفر زيد‪ ،‬فما هي البينة على إسالم من بعده؟ لكنك تطالب بدليل على كفر كل واحد بعده وإال فهم مسلمون عندك‪ ،‬بينما هناك‬
‫علة كفر واحدة تضمهم جميعا ‪.‬‬
‫• دعوى أن جميع أعضاء السلسلة المتوهمة يجهلون معنى ال إله إال هللا وال يكفرون بالطاغوت‪ ,‬مع أنهم يحققون البراءة من الشرك‬
‫والمشركين علما وعمال‪.‬‬
‫من يكفّر الكافر ثم يعتبر المخالفين في حكمه مسلمين قد ناقض نفسه وجعل القاعدة نافلة‪ ،‬وهذا لم يكفر بالطاغوت ولم يحقق البراءة‬
‫من المشركين ‪.‬‬
‫• دعواهم أن مخالفهم يقول إن من لم يعلم معنى الشهادة يمكن أن يكون مسلما‬
‫المخالف يقول أن من لم يعلم بلوازم الشهادة يمكن أن يكون مسلما‪.‬‬
‫• دعواهم أن مخالفهم يقول إن من ال يفرق بين دين اإلسالم ودين الشرك يمكن أن يكون مسلما‬
‫المخالف يقول أن من لم يفرق بين المسلم والكافر يمكن أن يكون مسلما ‪.‬‬
‫دعاوى أصحاب السلسلة‬
‫• يدعون أن السلسلة من الدين‪.‬‬
‫• إذا قيل لهم إن السلسلة ال ذكر لها مرة في جميع نصوص الدين يفرون إلى ادعاء أن السلسلة من معنى ال إله إال هللا‪ .‬فالسلسلة‬
‫حسب زعمهم هذا مذكورة عدة مرات في القرآن وعرفها جميع الصحابة وجميع المسلمين عامة‪.‬‬
‫جميع المسلمين عرفوا أن الكافر على غير دينهم‪ ،‬فإن خالف في هذا مسلم اعتبروه مرتدا‪ ،‬ولم يكن الصحابة بحاجة ألن يذكر لهم‬
‫هذا مرة وال عدة مرات ‪.‬‬
‫والحقيقة أن أكثر الناس بل أكثر الذين يخوضون في هذه المسألة وينتسبون إلى دين السلسلة المقدسة عندهم ال يفقهون هذه المسألة‬
‫في شيء وال يتصورونها تصورا صحيحا‪ ,‬فكيف إذاً يكفِّرون من لم يفهمها مثلهم‪ ,‬وكيف يجعلون فهمهم الذي يجري في عقولهم دليال‬
‫قاطعا في دين هللا يلزم جميع البشر؟ كيف وقد أتعبوا أنفسهم وتعبوا أشد التعب في تصور ذلك‪ ,‬ثم يلتبس عليهم كل يوم من جديد ألن‬
‫عقولهم ال تتحمل ذلك فيتناقشون على الدوام مناقشات جديدة طويلة جدا يصعب متابعتها على كل إنسان حتى إن كان عبقريا ومن أعلم‬
‫العلماء‪.‬‬
‫إذا صح وجود تعقيد في المسألة فما تفترضه أنت أشد تعقيدا‪ ،‬وهو أن يؤمن أحد بقاعدة ( من لم يكفّر الكافر) ثم هو يكفّر كافرا دون‬
‫آخر‪ ،‬وهما يشتركان في نفس العلة‪ ،‬فل ّما اعتقد فيه غيره أنه كافر طبقا ً لنفس القاعدة قلت‪ :‬هذا تعقيد‪ ،‬فهل البساطة تعني أن نقول بإسالمه؟‬
‫فلماذا قبلت بهذا التعقيد ولم تقبل الحكم عليه ؟ ‪.‬‬
‫‪ -2‬السلسلة معقدة جدا ودين اإلسالم سهل جدا فهي نقيض دين اإلسالم من هذه الجهة‬
‫إن كل من حاول فهم هذه الفلسفة يكاد عقله ينكسر من التفكير المعقد‪ .‬وهذا معناه جزما أنها ال يمكن أن تكون مما يلزم كل إنسان‬
‫على اختالف ذكاءهم وبالدتهم‪ .‬وعلم ضرورة من اإلسالم أن أبسط الناس دخلوا هذا الدين دون أي شيء من التفكير المعقد‪ ,‬ال بهذه‬
‫الفلسفة وال بما يشبهها من بعيد‪ .‬ولو زعم أحد أن كل من دخل دين اإلسالم في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم فهم هذه الفلسفة وقدر على‬
‫تصورها والحكم عليها فإنه في غاية المكابرة‪ ,‬فالصحابة وكذلك العلماء من بعدهم ال يخرجون عن كونهم بشرا‪ ,‬وليس معهودا عند البشر‬
‫أن كل واحد منهم يفهم مث ل هذه األمور المعقدة جدا عند السماع األول‪ ,‬هذا مستحيل عادة عند البشر مما يعلمه كل واحد منهم من نفسه‬
‫وغيره ضرورة‪ .‬وهذا دليل من الواقع المحسوس‪ ,‬ومن أنكر ذلك فإنه كذاب مكذب لما يعلمه من نفسه ضرورة‪.‬‬
‫المسلمون يؤمنون أن تكفير الكافر من أصل الدين‪ ،‬وبهذا فقط تنقطع السلسلة‪ ،‬ألنهم ال يعتبرون هذا التكفير نافلة من النوافل‪ ،‬وإنما‬
‫هو ركن من أركان الكفر بالطاغوت‪ ،‬واألمر واضح للغاية‪ ،‬فمن فهم هذا ال يخفى عليه أمر من ترك تكفير الكافر‪ ،‬ولذلك لن يكون هناك‬
‫زيد وال عمرو وال فلسفة معقدة‪ ،‬وإنما المتفلسف هو من يضع حدا لتكفير الكافر بال حجة‪ ،‬أما أن نفرض األمر الواقع رغم تناقضه‬
‫وتعقيده ونطلب ممن يحكم عليه أن يتنازل فهذا غير مقبول‬
‫يحكم بإسالمه مع علمه بأنه يقع في الشرك‪.‬‬
‫لماذا جعلت زيدا هنا خارج نطاق السلسلة وأضفته لمن فعل الشرك‪ ،‬بينما علة تكفيره هي نفس علة تكفير من بعده إن وجدوا؟‬
‫والمخرج الوحيد من ذلك هو ترك الفلسفة وتسليم كالم رب العالمين بالرجوع إلى الكتاب والسنة‪ .‬فالذي يستحيل إسالمه هو من حكم‬
‫هللا تعالى عليه بذلك‪ ,‬وال يجوز ألحد أن يدعي ذلك إال بدليل واضح من الشرع‪ .‬ولو كفى في ذلك دليل من مجرد العقل ألتى كل ملعون‬
‫وألزمنا بفلسفاته الشيطانية‪.‬‬
‫بعيدا عن العقل والفلسفة أين الدليل الواضح من الشرع على أن زيدا يستحيل إسالمه دون عمرو؟ فهل يجوز ألحد أن يضع حدا‬
‫لتكفير الكافر دون دليل واضح من الشرع؟‬
‫‪ -‬وكذلك إن كان دليلهم من عقولهم فكيف يلزم هذا الذي توصلوا إليه بعقولهم غيرهم؟ فهل عقولهم مقدسة حتى يكون كل ما يقع فيها‬
‫دليل قاطع َمن خالفه كان كافرا على كل حال؟ نعم‪ ,‬وهذا ديدن من قدم العقل على النقل‪.‬‬
‫نفس األسئلة اطرحها على نفسك وعلى من يضع أي حد‪ ،‬فقد قطعتَ السلسلة بعد زيد بدون حجة شرعية وال عقلية ولم تلتزم بما‬
‫تلزمهم به‪ ،‬فما الفرق بينك وبين من يقطعها بعده؟ القضية ليست قضية قطع السلسلة الوهمية وووضع حدود لها‪ ،‬وإنما هي قضية إبطال‬
‫لقاعدة ( من لم يكفّر الكافر) ‪.‬‬

‫فلو فرض أنهم يقرون بأن أي شخص في السلسلة ال يكفر تنقطع جميع سلسلتهم وتنفتح حبات عقدها‪,‬‬
‫ولو أقررت بأن أي شخص في السلسلة ال يكفر فإن زيدا مسلم أيضا حتى تنقطع السلسلة من جذورها وفق هذا المنطق‪.‬‬
‫ألن كل معين في السلسلة ال يختلف عن اآلخر‪ ,‬وعلة تكفيره عند أصحاب السلسلة هي نفسها في كل عضو‪.‬‬
‫إذا كانت علة التكفير هي نفسها في كل عضو فال بد أن تلتزم بها‪ ،‬وإال فبين ما الذي يفرق بين هذا ومن قبله‪.‬‬
‫وهو كغيره لم يفعل الشرك ولم يحكم بإسالم المشركين إال المشرك األول والذي يحكم بإسالمه مع علمه بأنه يقع في الشرك‪.‬‬
‫لماذا جعلت زيدا هنا خارج نطاق السلسلة وأضف ته لمن فعل الشرك‪ ،‬بينما علة تكفيره هي نفس علة تكفير من بعده إن وجدوا؟‬
‫والمخرج الوحيد من ذلك هو ترك الفلسفة وتسليم كالم رب العالمين بالرجوع إلى الكتاب والسنة‪ .‬فالذي يستحيل إسالمه هو من حكم‬
‫هللا تعالى عليه بذلك‪ ,‬وال يجوز ألحد أن يدعي ذلك إال بدليل واضح من الشرع‪ .‬ولو كفى في ذلك دليل من مجرد العقل ألتى كل ملعون‬
‫وألزمنا بفلسفاته الشيطانية‪.‬‬
‫بعيدا عن العقل والفلسفة أين الدليل الواضح من الشرع على أن زيدا يستحيل إسالمه دون عمرو؟ فهل يجوز ألحد أن يضع حدا‬
‫لتكفير الكافر دون دليل واضح من الشرع؟‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬يراجع الر دود السابقة ألن الكالم تكرر كثيرا من غير ذكر حجة من الكتاب و السنة فلو كان هناك دليل‬
‫يقطع حجة المنازع لما أكثر الرد بكالم مجرد من الدليل و بمجرد اإللزامات فاإللزامات لو صحت إنما تدل على بطالن قول الخصم و ال‬
‫تدل على صحة اعتقاد صاحب اإللزام فلو كان إلزامه صح يح عليه أن يذكر لنا ما هي النصوص التي تدل على صحة اعتقاده في تكفير‬
‫من لم يكفر الكافر إلى ما ال نهاية ‪.‬‬
‫‪ -2‬السلسلة معقدة جدا ودين اإلسالم سهل جدا فهي نقيض دين اإلسالم من هذه الجهة‬
‫إن كل من حاول فهم هذه الفلسفة يكاد عقله ينكسر من التفكير المعقد‪ .‬وهذا معناه جزما أنها ال يمكن أن تكون مما يلزم كل إنسان‬
‫على اختالف ذكاءهم وبالدتهم‪ .‬وعلم ضرورة من اإلسالم أن أبسط الناس دخلوا هذا الدين دون أي شيء من التفكير المعقد‪ ,‬ال بهذه‬
‫الفلسفة وال بما يشبهها من بعيد‪ .‬ولو زعم أحد أن كل من دخل دين اإلسالم في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم فهم هذه الفلسفة وقدر على‬
‫تصورها والحكم عليها فإنه في غاية المكابرة‪ ,‬فالصحابة وكذلك العلماء من بعدهم ال يخرجون عن كونهم بشرا‪ ,‬وليس معهودا عند البشر‬
‫أن كل واحد منهم يفهم مثل هذه األمور المعقدة جدا عند السماع األول‪ ,‬هذا مستحيل عادة عند البشر مما يعلمه كل واحد منهم من نفسه‬
‫وغيره ضرورة‪ .‬وهذا دليل من الواقع المحسوس‪ ,‬ومن أنكر ذلك فإنه كذاب مكذب لما يعلمه من نفسه ضرورة‪.‬‬
‫المسلمون يؤمنون أن تكفير الكافر من أصل الدين‪ ،‬وبهذا فقط تنقطع السلسلة‪ ،‬ألنهم ال يعتبرون هذا التكفير نافلة من النوافل‪ ،‬وإنما‬
‫هو ركن من أركان ا لكفر بالطاغوت‪ ،‬واألمر واضح للغاية‪ ،‬فمن فهم هذا ال يخفى عليه أمر من ترك تكفير الكافر‪ ،‬ولذلك لن يكون هناك‬
‫زيد وال عمرو وال فلسفة معقدة‪ ،‬وإنما المتفلسف هو من يضع حدا لتكفير الكافر بال حجة‪ ،‬أما أن نفرض األمر الواقع رغم تناقضه‬
‫وتعقيده ونطلب ممن يحكم عليه أن يتنازل فهذا غير مقبول ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬المسلم ال بد أن يعتقد من جهة اإلجمال أن من نقض إسالمه يجب تكفيره و البراءة منه و إال ال يكون مسلما من لم‬
‫يتبرأ منه مع علمه بأنه نقض إسالمه هذا القدر ال يختلف عليه المسلمون سنيهم و بدعيهم لكن كالمنا ليس عن هذا القدر كالمنا عمن‬
‫يعتقد أن من لم يكفر المشرك ال يكفر حتى تقام عليه الحجة هذا خطأه ليس في هذه القاعدة إنما خطأه صورة معينة نحن نعتقد أنها‬
‫تدخل في القاعدة و هو يعتقد أنه ال تدخل في القاعدة إال بعد قيام الحجة فالخالف ليس في أصل القاعدة إنما صورة من صور القاعدة ‪.‬‬
‫و أ هل العلم قد يختلفون كما بينت في تعليقات سابقة في ناقض من النواقض ثم ضرورة يختلفون في تكفير فاعله و ضرورة‬
‫يختلفون في تكفير من لم يكفره لذا ال يكفرون بعضهم بسبب اختالفهم في الناقض ‪.‬‬
‫والحقيقة أن أكثر الناس بل أكثر الذين يخوضون في هذه المسألة وينتسبون إلى دين السلسلة المقدسة عندهم ال يفقهون هذه المسألة‬
‫في شيء وال يتصورونها تصورا صحيحا‪ ,‬فكيف إذاً يكفِّرون من لم يفهمها مثلهم‪ ,‬وكيف يجعلون فهمهم الذي يجري في عقولهم دليال‬
‫قاطعا في دين هللا يلزم جميع البشر؟ كيف وقد أتعبوا أنفسهم وتعبوا أشد التعب في تصور ذلك‪ ,‬ثم يلتبس عليهم كل يوم من جديد ألن‬
‫عقولهم ال تتحمل ذلك فيتناقشون على الدوام مناقشات جديدة طويلة جدا يصعب متابعتها على كل إنسان حتى إن كان عبقريا ومن أعلم‬
‫العلماء‪.‬‬
‫إذا صح وجود تعقيد في المسألة فما تفترضه أنت أشد تعقيدا‪ ،‬وهو أن يؤمن أحد بقاعدة ( من لم يكفّر الكافر) ثم هو يكفّر كافرا دون‬
‫آخر‪ ،‬وهما يشتركان في نفس العلة‪ ،‬فل ّما اعتقد فيه غيره أنه كافر طبقا ً لنفس القاعدة قلت‪ :‬هذا تعقيد‪ ،‬فهل البساطة تعني أن نقول بإسالمه؟‬
‫فلماذا قبلت بهذا التعقيد ولم تقبل الحكم عليه ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا أنه ليس هناك تعقيد أبدا في المسألة ألنه ليس هناك علة مشتركة بل علة التكفير بالشرك غير علة‬
‫التكفير بتكفير من لم يكفر الكافر ‪.‬‬
‫دعاوى أصحاب السلسلة‬
‫• يدعون أن السلسلة من الدين‪.‬‬
‫• إذا قيل لهم إن السلسلة ال ذكر لها مرة في جميع نصوص الدين يفرون إلى ادعاء أن السلسلة من معنى ال إله إال هللا‪ .‬فالسلسلة‬
‫حسب زعمهم هذا مذكورة عدة مرات في القرآن وعرفها جميع الصحابة وجميع المسلمين عامة‪.‬‬
‫جميع المسلمين عرفوا أن الكافر على غير دينهم‪ ،‬فإن خالف في هذا مسلم اعتبروه مرتدا‪ ،‬ولم يكن الصحابة بحاجة ألن يذكر لهم‬
‫هذا مرة وال عدة مرات ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬عرف المسلمو ن أن من عبد غير هللا أو استكبر على عبادة هللا ليس على دينهم ألنه لم يستسلم هلل تعالى أو‬
‫استسلم هلل تعالى و استسلم لغيره فمثل هذا عرفه المسلمون من معرفتهم أن اإلسالم ال يصح إال بنفي الشرك و الكبر بل علمه‬
‫المشركون من دعوة األنبياء إليهم علموا أنه ال يكونون م سلمين إال بالبراءة من دينهم و إال ال يكونون مسلمين لكن المشركين كانوا‬
‫يعتقدون أن دين هللا باطل فلم يدخلوا به فمتى ما دخلو به حكموا على أنفسهم بأنهم كانوا مشركين و حكموا على من كان على دينهم‬
‫أنه مشرك هذا القدر ال بد فيه في اإلسالم و هذا علمه الصحابة من دين النبي صلى هللا عليه و سلم بنصوص الكتاب و السنة لكن ما‬
‫زاد على هذا و هو تكفير من لم يكفر من لم يكفر الكافر كما ثبت نصوص أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و أنه من حكم‬
‫بإسالم المشرك لم يؤمن باهلل عليكم أن تذكروا لنا النصوص من الكتاب و السنة أنها من أصل دين اإلسالم حتى تقطعوا حجتنا و إذا لم‬
‫يكن عندكم نصوص في ذلك ال يجوز لكم جعلها من أصل دين اإلسالم فإن ما كان من دين هللا ال بد أن يكون جاء به النبي صلى هللا‬
‫عليه و سلم ‪.‬‬
‫• دعوى أن جميع أعضاء السلسلة المتوهمة يجهلون معنى ال إله إال هللا وال يكفرون بالطاغوت‪ ,‬مع أنهم يحققون البراءة من الشرك‬
‫والمشركين علما وعمال‪.‬‬
‫من يكفّر الكافر ثم يعتبر المخالفين في حكمه مسلمين قد ناقض نفسه وجعل القاعدة نافلة‪ ،‬وهذا لم يكفر بالطاغوت ولم يحقق البراءة‬
‫من المشركين ‪.‬‬
‫• دعواهم أن مخالفهم يقول إن من لم يعلم معنى الشهادة يمكن أن يكون مسلما‬
‫المخالف يقول أن من لم يعلم بلوازم الشهادة يمكن أن يكون مسلما‪.‬‬
‫• دعواهم أن مخالفهم يقول إن من ال يفرق بين دين اإلسالم ودين الشرك يمكن أن يكون مسلما‬
‫المخالف يقول أن من لم يفرق بين المسلم والكافر يمكن أن يكون مسلما ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬المخالف ال يقول بهذا فهو من جهة الجملة يعتقد أن من نقض إسالمه ال يكون مسلما و يجب تكفيره و يعتقد أن‬
‫من لم يفرق بين اإلسالم و الشرك و بين المسلم و الكافر ال يكون مسلما لكن يتوقف لذا يعتقد أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من‬
‫الشرك و المشركين لكن يظن أن من لم يكفر المشرك إذا كان مجتنبا للشرك ال يكفر إال بعد قيام الحجة أما من يعتقد أنه ال فرق بين‬
‫المسلم و المشرك من جهة اإلجمال هذا ال يكون مسلما ‪.‬‬
‫فالمخالف علم الشهادة و لوازمها فحققها لكن عذر من جهل الالزم ال من جهل الحقيقة مع تحقيقه للشهادة و الالزم فهو حقيقة‬
‫محقق لما يجب عليه من اإلسالم و يعتقد وجوب تكفير المشركين و البراءة منهم لكنه يرى أن من لم يحقق هذا ال يكفر حتى تقام‬
‫الحجة ال أنه يعتقد أنها نافلة أي مستحبة فالنافلة في اصطالح العلماء أي ليست واجبة ‪.‬‬

‫الدليل على المدعي‬


‫هؤالء يظنون أنه يمكن في دين هللا أن تدعي أي شيء دون أن تثبته بدليل‪ .‬بل هم يدعون أن السلسلة من حقيقة معنى ال إله إال هللا‬
‫وأن السلسلة بذلك أهم شيء في هذا الدين دون أي دليل من الشرع‪ .‬فإنهم ظنوا أنه يكفي أن يكون األمر في عقولهم هكذا فصار مقطوعا‬
‫به يلزم جميع البشر‪.‬‬
‫واألعجب أنهم يأتون ب عد أن أثبتوا لهذا الدين أصال ال دليل عليه بتاتا‪ ,‬أن كل من أراد أن يبطل سلسلتهم يحتاج إلى دليل‪ .‬فأي جهل‬
‫هذا؟ بل ال حاجة إلى أي دليل من قبلنا‪ ,‬فهل يجب علينا أن نبطل شيئا لم يثبت بدليل أصال؟‬
‫أما في دين هللا يكون األمر على خالف ما يتخيلون‪ ,‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫ارى ت ِْلكَ أَ َما ِنيُّ ُه ْم قُلْ هَاتُوا ب ُْرهَانَكُ ْم ِإ ْن كُ ْنت ُ ْم َ‬


‫صا ِدقِينَ (‪ )111‬البقرة‬ ‫ص َ‬‫َوقَالُوا لَ ْن َي ْد ُخ َل ْال َجنَّةَ ِإ َّال َم ْن كَانَ هُودًا أَ ْو نَ َ‬
‫ِي َو ِذ ْك ُر َم ْن قَ ْبلِي بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم َال يَ ْعلَ ُمونَ ْال َح َّق فَ ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ (‪ )24‬األنبياء‬
‫أَ ِم اتَّ َخذُوا مِ ْن دُونِ ِه آَ ِل َهةً قُلْ هَاتُوا ب ُْرهَانَكُ ْم َهذَا ِذ ْك ُر َم ْن َمع َ‬
‫اَّلل قُلْ هَات ُوا ب ُْرهَانَكُ ْم ِإ ْن كُ ْنت ُ ْم َ‬
‫صا ِدقِينَ (‪ )64‬النمل‬ ‫أَ ْم َم ْن يَ ْبدَأ ُ ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُعِيدُهُ َو َم ْن يَ ْر ُزقُكُ ْم مِ نَ الس ََّماءِ َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض أَئِلَهٌ َم َع َّ ِ‬
‫• أوجب هللا على من ادعى أمرا أن يثبت دعواه بالدليل‬
‫• أسقط هللا دعوى من ال دليل له‬
‫• صورة اآلية أن أهل الكتاب ادعوا أمرا في دين هللا‪ .‬فلزمهم الدليل من هللا على أن دعواهم هي مراد هللا تعالى‪.‬‬
‫• أي كل من ادعى على هللا شيئا فعليه أن يثبته بالدليل من القرآن والسنة‪ .‬فإن أتى به ينظر هل هو يدل على مراده أم ال‪ .‬فإن دل‬
‫عليه ثبت ما ادعاه‪ .‬وإال كان باطال وافتراء على هللا وقوال على هللا بال علم‪.‬‬
‫• الصادق هو من أثبت دعواه بدليل صحيح‬
‫• الكاذب هو من يدعي ما ال دليل عليه‬
‫َب ِد َما ُء قَ ْو ٍم َوأَ ْم َوالُ ُه ْم"‬
‫اس بِدَع َْواهُ ْم لذَه َ‬ ‫سلَّ َم لَ ْو يُ ْع َ‬
‫طى النَّ ُ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َّاس "قَا َل َرسُو ُل َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫عب ٍ‬‫ع ْن اب ِْن َ‬
‫وفي الصحيحين َ‬
‫فلو كان األمر كما يتوهمون أن مجرد الدعوى كافية في إثبات األمر الدعى كل واحد ما يريد وألمكن لنا أن ندعي أكثر من أصحاب‬
‫السلسل ة‪ .‬فيلزمهم أن يأتوا باألدلة الصريحة على ادعاءاتهم العريضة‪ .‬وهذه األدلة ال بد أن تكون مقطوعا بها مجمعا عليه من أصرح‬
‫وأبين النصوص في الدين ومن أكثرها تكررا‪ .‬وذلك أن ما يدعونه ليس أمرا يتعلق بالوضوء أو المسواك‪ ,‬بل هو أصل الدين ومعنى ال إله‬
‫إال هللا‪ .‬لكن الحقيقة أنهم ال دليل لديه م‪ ,‬ويتبين مما يأتي أن األدلة كلها عليهم‪ ,‬ألن هللا تعالى بين معنى ال إله إال هللا أتم البيان وكذلك فعل‬
‫رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬وكذلك فعل العلماء من بعده‪ ,‬وال أحد منهم ذكر أمر السلسلة عند بيانه‪.‬‬
‫كال الطرفين ملزم بتقديم الدليل‪ ،‬فالبينة على تكفير من في السلسلة متى وجدوا هي البينة على تكفير من لم يكفّر الكافر ال غير‪ ،‬وهي‬
‫البينة على كفر زيد‪ ،‬فما هي البينة على إسالم من بعده؟ لكنك تطالب بدليل على كفر كل واحد بعده وإال فهم مسلمون عندك‪ ،‬بينما هناك‬
‫علة كفر واحدة تضمهم جميعا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا الفرق بالعلل في هذه المسائل و أن كل واحدة لها علة مختلفة فهناك حقيقة و هناك الزم لها و هناك‬
‫الزم لالزم إلى ما ال نهاية فالحقيقة شيء و الالزم شيء آخر و هكذا فال تجعل كل هذه صور واحدة لحقيقة واحدة إنما هي حقائق‬
‫مختلفة لذا أهل العلم يذكرون مسألة التكفير بالمآل و اللوازم و لو كانت اللوازم حقيقة هي من جنس الحقيقة أو تدل ضرورة على‬
‫الجهل بالحقيقة لكان التكفير بالالزم مسألة ال يختلف عليها المسلمون فالتوقف في تكفير من لم يكفر الكافر ال يلزم منه جهل حقيقة ال‬
‫إله إال هللا إنما يلزم منه عدم تكفير المشركين لكن هذا الالزم من لم يكفر من لم يكفر المشركين ال يلتزمه فهو يقول لنا أنا أكفر‬
‫المشركين و أتبرأ منهم فإذا كان نفى التزامه بهذا الالزم ال يكون الزما له و ال يقال أنه ال يكفر المشركين و نحن نعلم أنه يكفر‬
‫المشركين و يتبرأ منه فالمسألة تدخل في التكفير باللوازم فقد سئل شيخ اإلسالم كما في الفتاوى (‪:)20-217‬‬
‫هل الزم المذهب مذهب أم ال؟‬
‫فأجاب‪ ( :‬أما قول السائل هل الزم المذهب مذهب أم ليس بمذهب فالصواب أن مذهب اإلنسان ليس بمذهب له‪ ،‬إذا لم يلتزمه فإنه إذا‬
‫كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذباً عليه‪ ،‬بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال‪ ،‬غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها‬
‫من قبل الكفر والمحال مما هو أكثر‪ ،‬فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه ال يلتزمها‪ ،‬لكن لم يعلم أنها تلزمه‪ .‬ولو كان الزم المذهب‬
‫مذهبا ً للزم تكفير كل من قال عن االستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ل يس بحقيقة‪ ،‬فإن الزم هذا القول يقتضي أن ال يكون شيء‬
‫من أسمائه أو صفاته حقيقة‪ ،‬وكل من لم يثبت بين االسمين قدراً مشتركا ً لزم أال يكون شيء من اإليمان باهلل ومعرفته واإلقرار به‬
‫إيماناً‪ ،‬فإنه ما من شيء يثبته القلب‪ ،‬إال ويقال فيه نظير ما يقال في اآلخر‪ ،‬والزم قول هؤالء يستلزم قول غالة المالحدة المعطلين‪،‬‬
‫الذين هم أكفر من اليهود والنصارى‪ ،‬لكن نعلم أن كثيراً ممن ينفي ذلك ال يعلم لوازم قوله ) ‪.‬‬
‫حرره شيخ اإلسالم رحمه هللا تعالى في القواعد النورانية (ص ‪ )128‬فقال‪( :‬الزم قول اإلنسان‬ ‫وأحسن شيء في هذا الباب ما َ‬
‫نوعان‪ ،‬أحدهم ا‪ :‬الزم قوله الحق‪ ،‬فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه‪ ،‬فإن الزم الحق حق‪ .‬ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه ال‬
‫يمتنع من التزامه بعد ظهوره‪ ،‬وكثيراً ما يضيفه الناس إلى مذهب األئمة من هذا الباب‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الزم قوله الذي ليس بحق‪ ،‬فهذا ال يجب التزامه؛ إذ أكثر ما ف يه أنه قد تناقض‪ ،‬وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير‬
‫النبيين‪ ،‬ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له‪ ،‬فقد يضاف إليه‪ ،‬وإال فال يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم‬
‫يلتزمه؛ لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد ذلك القول وال يلزم هذا التفصيل في اختالف الناس في الزم المذهب هل هو مذهب‬
‫أو ليس بمذهب‪ ،‬هو أجود من إطالق أحدهما‪ ،‬فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله‪ ،‬وما ال يرضاه فليس قوله‪،‬‬
‫وإن كان متناقضاً‪ ،‬وهو الفرق بين الالزم الذي يجب التزامه مع لزوم الالزم الذي يجب ترك الملزوم للزومه‪ ،‬فإذا عرف هذا‪ ،‬عرف‬
‫الفرق بين الواجب من المقاالت والواقع منها‪ ،‬وهذا متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها‪.‬‬
‫فأما إذا نفى هو اللزوم لم يجز أن يضاف إليه الالزم بحال‪ ،‬وإال ألضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي صلى هللا عليه وسلم قاله‪،‬‬
‫لكونه ملتزما ً لرسالته‪ ،‬فلما لم يضف إليه ما نفاه عن الرسول‪ ،‬وإن كان الزما ً له ظهر الفرق بين الالزم الذي لم ينفه والالزم الذي نفاه‪،‬‬
‫وال يلزم من كونه نصا على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه؛ ألنه قد يكون عن اجتهادَيْن في وقتين)‪.‬‬
‫فمن لم يكفر من لم يكفر المشركين يلزم من قوله عدم تكفير المشركين لكنه ال يلتزم هذا بل يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون‬
‫مسلما و يصرح بهذا فال يجوز تكفيره بمجرد الزم قوله حتى يبين له أن هذا الزما له فإن اقيمت عليه الحجة و كشفت عنه الشبهة و‬
‫أصر بعد ذلك يكفر ‪.‬‬
‫فلو كانت اللوازم من جنس الحقيقة لما أورد العلماء هذه المسألة أي مسألة هل الزم المذهب مذهب ؟‬
‫فيكون كل الزم حكمه حكم الحقيقة جنسا و قدرا و حكما فال حاجة لذكر هذه المسألة أصال لكن العلماء يفرقون بين القول و بين‬
‫الزم و يفرقون بين الالزم و بين الزم الالزم ‪.‬‬

‫زيادة بيان أن أهم شيء في الدين أبينه وأظهره في القرآن والسنة‬


‫ال بد أن يعلم أنه ال يجوز بتاتا أن يقال في شيء إنه من أصل الدين وال يمكن اإلسالم إال به إال بدليل واضح صريح ال شك فيه وال‬
‫ريب‪ ,‬بل ال بد أن يكون هذا الدليل من أوضح ما ورد في الدين كله‪ ,‬وأن يتكرر كثيرا‪ ,‬ألنه يثبت أعظم مقاصد هذا الدين بحيث يفهمه كل‬
‫ذكي وبليد ما دام مكلفا‪ .‬وجاء بيان ذلك في رسالة "اإلسالم بأدلته من القرآن والسنة" فليراجع هناك أيضا‪.‬‬
‫ال بد من دليل الشرع‪ ,‬أما العقل المجرد فال يثبت مثل هذا في شيء‬

‫اشتراط التكرار ليكون األمر من أصل الدين يلزمه الدليل‪ ،‬ونحن نعلم أن اإلسالم ثبت للصحابة قبل أن تنزل آيات القرآن‬
‫مفصلة وقبل أن يسمعوها‪ ،‬فلم يتلقوا أصل الدين بالتدرج‪ ،‬ثم ما يقال في زيد الذي كفّرتموه يقال في عمرو‪ ،‬فهل احتاج‬
‫الصحابة إلى دليل على حكم زيد في القرآن فضال عن أن يتكرر ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬مسألة أصل دين اإلسالم و هو وجوب اجتناب الشرك و اجتناب الكبر هذا أمر عقلي فطري قبل أن يكون شرعي‬
‫لكن لما كان هذا األمر أصل دين اإلسالم اهتم به األنبياء أشد اإلهتمام فبينوه أوضح بيان و كرروا الدعوة إليه لذا تكرر في كتاب‬
‫هللا تعالى بيان التوحيد سواء في المرحلة المكية أو المدنية و تكرر كذلك في دعوة األنبياء إلى أقوامهم فالمقصود هو أنه لو كانت‬
‫السلسلة تدخل في أصل دين اإلسالم لكانت نصوصها قطعية ظاهرة كثيرة منتشرة في كتاب هللا لكن قبول التوحيد ال يشترط فيه‬
‫تكرر النصوص فبمجرد نص واحد يبلغ المسلم و يؤمن به يلزمه اإلسالم فهناك فرق بين تكرر النصوص في أمر من أمور الدين‬
‫مما يدل على أهميته و بين قبول المستمع لهذا األمر فقبوله ال يشترط أنه يعلم أنه تكرر فعليه بمجرد بلوغه أي نص من النصوص‬
‫أن يؤمن به ‪.‬‬

‫أما مسألة التفريق بين زيد و عمرو بينت الفرق بينهما و سبب تكفير زيد و أنه يلزم منه الجهل بحقيقة اإلسالم بينما تكفير عمرو‬
‫ال يلزم منه ذلك ‪.‬‬

‫العصمة في الوحي ال في غيره‬


‫قال أبو مريم "فالذي يجعل شيئا من دينه فضال عن أصل دينه ال بد أن يكون عنده دليل نقلي على أصله‪ .‬فإذا كان ليس عنده دليل‬
‫نقلي هذا ال يجوز جعله من دين هللا فضال عن جعله من أصل دين اإلسالم‪ .‬فإن هللا تعالى جعل العصمة بالوحي ولم يجعل في غيره‬
‫ص َراطٍ ُّم ْستَق ٍِيم} الزخرف ‪ 43‬فمن جعل العصمة في غير الوحي فإنه ليس على صراط‬ ‫عصمة {فَا ْست َْم ِسكْ بِالَّذِي أُوحِ َي ِإلَيْكَ ِإنَّكَ َعلَى ِ‬
‫علَى هَـؤُالء َون ََّز ْلنَا‬ ‫علَ ْي ِهم ِّم ْن أَنفُ ِس ِه ْم َو ِجئْنَا بِكَ َ‬
‫ش ِهيداً َ‬ ‫ث فِي كُ ِّل أُ َّم ٍة َ‬
‫ش ِهيداً َ‬ ‫{ويَ ْو َم نَ ْبعَ ُ‬
‫مستقيم‪ .‬وكل ما كان من دين هللا فقد بينه هللا وفصله َ‬
‫َاب تِ ْبيَانا ً ِلّكُ ِّل ش َْيءٍ َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى ل ِْل ُم ْسلِمِ ينَ } النحل ‪ .89‬وكل ما لم يأت بالكتاب والسنة فليس من دين هللا حتى لو كان‬ ‫علَيْكَ ْال ِكت َ‬
‫َ‬
‫العقل ال يمنعه‪ ,‬فليس كل ما كان معقوال مشروعا أي جاء الشرع باألمر به‪ ,‬ولكن كل ما كان مشروعا كان معقوال‪ .‬والسلسلة أصحابها ال‬
‫يجعلون الشرع جاء بها فقط‪ ,‬بل يجعلون اإلسالم ال يصح إال بها‪".‬‬
‫يلزم الدليل على التمييز بين حالة زيد وحالة عمرو‪ ،‬حتى نبحث عن دليل خاص بحالة عمرو وحده‪ ،‬فإن لم يكن هناك دليل على‬
‫التمييز بينهما فهما سواء وال يحتاج حكم عمرو إلى دليل ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هذا القول يلزم من يعتقد أن علة تكفيرهما واحدة فالتفريق هنا تحكم فعلى المفرق الدليل أما من يعتقد أن العلة‬
‫مختلفة أن تكفير زيد من باب الجهل بحقيقة اإلسالم و تكفير عمرو إنما من باب جهل الزم الالزم من أدخل الالزم في الحقيقة هو الذي‬
‫يطالب بالدليل أن الالزم من الحقيقة حتى تكفير المشركين في حقيقته ال يدخل في الحقيقة و إن اختلف العلماء من جهة االصطالح هل‬
‫يدخل في الحقيقة لكنهم يتفقون على تكفير من لم يكفر المشركين لكنهم يختلفون في االصطالح لكن بعضهم يقول أن هذا أن من لم‬
‫يكفر المشركين يلزم منه الزما ضروريا الجهل بحقيقة أن اإلسالم ال يصح إال بالبراءة من الشرك فهناك فرق بين وجوب البراءة من‬
‫الشرك و بين وجوب البراءة من المشرك فعلى المسلم أن يعتقد أن البراءة من الشرك واجبة و عليه كذلك أن يعتقد أنها من حقيقة ال‬
‫إله إال هللا و من لم يكفر المشركين نعلم بعدم تكفيره للمشركين حتى لو اعتقد وجوب البراءة من الشرك أنه ال يعتقد أن البراءة من‬
‫الشرك من حقيقة ال إله إال هللا ألنه يحكم بإسالم من لم يتبرأ من الشرك فهذه هي العلة في تكفير من لم يكفر المشركين أما علة تكفير‬
‫من لم يكفر من لم يكفر المشركين علة أخرى ليست هي البراءة من الشرك فهو يعتقد وجوب البراءة من الشرك فيجتنب الشرك و‬
‫يعتقد أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك فيحكم بأنه من أشرك ال يكون مسلما أي يعتقد وجوب تكفير المشركين لكنه ظن أن‬
‫اإلسالم يصح مع عدم تكفير المشركين مع اعتقاده أنه كفر لكنه ال يكفر المخالف إال بعد قيام الحجة فخطأ ليس من باب الخطأ في حقيقة‬
‫اإلسالم أنما خطأه من جهة الجهل بأن يصح اإلسالم مع عدم وجود المقتضى و الالزم فالعلة أخرى و ليست هي األولى ‪.‬‬

‫اإللزامات العقلية وحدها ال تصلح دليال في الدين ومثال تحريم الخمر‬


‫قال أبو مريم "األمر الثاني ال يجوز أن تجعل اإللزامات العقلية مجردها دليال على نسبة شيء إلى الدين‪ ,‬ألنه إذا كان من دين هللا ال‬
‫بد أن يكون الرسل قد جاؤوا به‪ ,‬فإذا لم يأتوا به ال يكون من دين هللا‪ .‬مثال حرمة الخمر‪ ,‬كان الناس في الجاهلية يدركون ضررها‬
‫ومفاسدها‪ ,‬وكثير من الناس يجتنبون الخمر في الجاهلية‪ ,‬ومع ذلك لم تصبح محرمة شرعا إال في المدينة عند نزول قوله تعالى {يَا أَيُّ َها‬
‫ان فَاجْ تَنِبُوهُ لَعَلَّكُ ْم ت ُ ْف ِلحُونَ } المائدة ‪.90‬‬
‫ط ِ‬‫ش ْي َ‬
‫ع َم ِل ال َّ‬
‫س ِّم ْن َ‬ ‫الَّذِينَ آ َمنُواْ إِنَّ َما ْالخ َْم ُر َو ْال َم ْي ِس ُر َواألَن َ‬
‫صابُ َواأل َ ْزالَ ُم ِرجْ ٌ‬
‫ف‬ ‫{والَ تَقُولُواْ ِل َما ت ِ‬
‫َص ُ‬ ‫فلو ادعى أحدهم قبل نزول التحريم أن هللا حرم الخمر‪ ,‬وهو يعلم أن هللا لم يحرمها‪ ,‬مفتريا على هللا فهو كافر َ‬
‫اَّلل ْال َكذ َ‬
‫ِب الَ يُ ْف ِلحُونَ } النحل ‪.116‬‬ ‫ِب إِ َّن الَّذِينَ يَ ْفت َُرونَ َ‬
‫علَى ّ ِ‬ ‫اَّلل ْال َكذ َ‬ ‫ال ٌل َوهَـذَا َح َرا ٌم ِلّتَ ْفت َُرواْ َ‬
‫علَى ّ ِ‬ ‫أَ ْل ِسنَتُكُ ُم ْال َكذ َ‬
‫ِب هَـذَا َح َ‬
‫مع أن العقل ال يحيل تحريمها بل يوجب تحريمها‪ ,‬ألن ضررها أعظم من مصلحتها‪ ,‬ومع ذلك ال يجوز أن يقال بأن هللا حرمها من‬
‫غير وجود دليل من الكتاب والسنة يدل على التحريم‪ .‬فإذا كان أصحاب السلسلة يعتقدون أن السلسلة توافق العقل ال يجوز لهم نسبتها إلى‬
‫دين اإلسالم إال بدليل وإال كانوا مفترين على هللا‪.‬‬
‫فكيف وأصحاب مسألة السلسلة يجعلون سلسلتهم من أصل دين اإلسالم ولم يأت نص واحد يجعل السلسلة من أصل دين اإلسالم بل‬
‫بمجرد اإللزام العقلي‪ ,‬بل الحق أن بطالن السلسلة يعرف كذلك بدليل العقل‪".‬‬
‫العقل يدل على أن السلسلة ال تقع من المسلمين إال من اتبع هواه‪ ،‬فال زيد وال غيره‪ ،‬ألنهم يؤمنون بأن فاعل الكفر كافر وانتهى‬
‫األمر‪ ،‬فأين في الكتاب والسنة وأين في العقل أن من اعتقد بإسالم من لم يكفّر الكافر مسلم ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ال يختلف المسلمون أن من وقع في الكفر و ثبت أنه وقع في الكفر أنه كافر و كذلك ال يختلفون في تكفير من لم‬
‫يكفر الكافر لكن الخطأ ال يقع في هذه الصورة إنما يقع الخطأ كما بينت أكثر من مرة في مسألة الخطأ في تصور بعض النواقض فيلزم‬
‫منها ضرورة عدم تكفير الكافر و عدم تكفير من لم يكفره فمن اجتنب الشرك و كفر المشركين خرج من ناقض من لم يكفر المشركين‬
‫ألنه ثبت أنه يكفر المشركين و كذلك يكفر كل من ثبت عنده أنه كافر فهو يكفر الكفار ال أنه ال يكفر الكفار لذا إذا سألته من سب هللا‬
‫مسلم أم كافر يقول لك كافر و إذا قلت له من عبد غير هللا كافر أم مسلم يقول لك كافر لكن خطأه من جهة تصور ناقض من النواقض‬
‫فاعتقد أن هذا الناقض ال يكون ناقضا إال بعد قيام الحجة كالجهل بوجوب الصالة مثال من جهل وجوب الصالة ال يكفر إال بعد قيام الحجة‬
‫هو ظن أن مسألة تكفير المشركين من هذا الجنس و جنس النواقض مثله مثل غيره من األحكام الشرعية منه ما هو مجمع عليه و منه‬
‫ما هو مختلف فيه و ما مجمع عليه قد يخطئ المسلم في تصوره فال يكفر حتى تقام عليه الحجة ‪.‬‬

‫ومِث ُله إضافة نواقض أخرى لإليمان‬


‫وكذلك في المقابل ال يمكن أن يقال في أي شيء بأنه مناقض ألصل الدين بحيث ال يتحقق معه إسالم أبدا إال بمثل هذا الدليل‪.‬‬
‫فإذا ثبت أن المرء إذا ترك جميع الشرك األكبر وتبرأ من جميع من َيعلَم منه أنه قد وقع في الشرك الصريح‪ ,‬ال يجوز أن يقال عنه‬
‫بأنه مع ذلك لم يحقق التوحيد وأن هناك شيئا من التوحيد ولوازمه لم يأت به وأنه مشرك‪ ,‬مع أنه تبرأ من الشرك وأهله‪ ,‬إال بمثل هذا‬
‫الدليل‪.‬‬
‫كيف يمكن أن يتبرأ من المشركين وهو يعتبر قاعدة (من لم يكفّر الكافر ) غير الزمة لتحقق التوحيد ؟ وكيف يمكن أن يقول أن فاعل‬
‫الشرك كافر ومن خالفني فيه فهو مسلم ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬تكلمت في تعليقات سابقة أكثر من مرة في التفريق بين اعتقاد حقيقة اإلسالم و بين اعتقاد لوازمه و الفرق بينهما‬
‫في الحقيقة و الحكم ‪.‬‬
‫فما لم يأت على ذلك بمثل هذا الدليل الواضح فإنه زعم أن هذا األمر يستحيل اإلسالم إال بتحققه دون دليل‪ ,‬وهذا افتراء على هللا‬
‫ودينه‪ .‬فما لم يأت هذا الدليل الواضح من الشرع ال يجوز أبدا أن يقال هذا األمر يستحيل اإلسالم دونه‪ ,‬ألن ذلك زيادة على أصل الدين بال‬
‫دليل‪ ,‬وهو الحكم على من قد يكون مسلما بأنه يستحيل إسالمه‪ ,‬وهذا ظاهر البطالن‪ .‬فتبين ما نريده هنا وأهمية المطالبة بمثل هذا الدليل‬
‫عند من يزعم ذلك‪ .‬وهؤالء يدعون أن من لم يؤمن بالسلسلة كافر وإن حقق التوحيد كما وصفه هللا تعالى في كتابه‪ ,‬ويدعون أنه لم يكفر‬
‫بالطاغوت‪.‬‬
‫الرسُو َل َوأ ُ ْولِي األ َ ْم ِر مِ ن ُك ْم َفإِن تَنَازَ ْعت ُ ْم فِي ش َْيءٍ ف َُردُّوهُ إِلَى‬ ‫فنحن ننازعهم إلى الكتاب والسنة {يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ أَطِ يعُواْ ّ َ‬
‫اَّلل َوأَطِ يعُواْ َّ‬
‫سنُ تَأْ ِويالً} النساء ‪ . 59‬بل نطالبهم بقول واحد لعالم معتبر يدل على أن هذه‬ ‫اَّللِ َو ْاليَ ْو ِم اآلخِ ِر ذَلِكَ َخي ٌْر َوأَحْ َ‬
‫الرسُو ِل إِن كُنت ُ ْم تُؤْ مِ نُونَ بِ ّ‬
‫اَّللِ َو َّ‬
‫ّ‬
‫السلسلة من دين هللا فضال عن أنها من أصل دين اإلسالم‪ .‬ولو قلنا بأنها من دين اإلسالم لما كفاهم هذا‪ ,‬بل لكفرونا ألنهم يعتقدون بأنها من‬
‫أصل دين اإلسالم‪ .‬فال يكفيهم حتى نقول إنها من أصل دين اإلسالم وإال ال يصح لنا إسالم‪ ,‬وإلى اآلن لم يثبتوا لنا أنها من دين اإلسالم‬
‫فضال عن أنها أصل دين اإلسالم‪.‬‬
‫ال وجود للسلسلة في القرآن والسنة وكالم السلف والخلف‬
‫هذه السلسلة ال وجود لها في مصادر هذا الدين‪ .‬ال يمكن أن تكون من دين هللا وال ذكر لها في الكتاب وال في السنة وال عند السلف‬
‫من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والعلماء المتقدمين والعلماء المتأخرين‪ ,‬وهذا طعن ظاهر في حكمة هللا‪ .‬فال بد من أن تكون باطلة‪.‬‬
‫بل من عرف هذا الدين وتدبر هذه الحجة وحدها لحظة يجزم جزما ويجب عليه وجوبا أن يعلم أنه مستحيل أن تكون من دين هللا وأنه أكثر‬
‫استحالة أن تكون مما وجب على كل مسلم ليصح إسالمه‪.‬‬
‫ال يمكن أن السلف وجميع أهل العلم علموها ولم يتكلم بها واحد منهم‬
‫قد سبق دعواهم أن السلسلة من معنى ال إله إال هللا وسيأتي الرد المفصل على ذلك‪ .‬ومنه ادعاءهم أن جميع المسلمين وعلى رأسهم‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم عرفوا السلسلة واستيقنوا بها‪ .‬فإن قيل لهم لماذا ال أحد من الصحابة تكلم في ذلك يقولون لم تكن هناك حاجة‬
‫لكن علموه‪ .‬فبزعمهم لو سئل أحد الصحابة كيف بمن لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر الكافر‪ ,‬يقول فورا‪ :‬إذا سألتني هكذا‬
‫فالجواب "إنه كافر‪ .‬بل ومن شك في كفره كافر‪ ,‬بل ومن شك في كفر الشاك في هذا السادس كافر إلى ما ال نهاية إلى األبد‪ .‬ومن شك في‬
‫ذلك كافر بل كل واحد منا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة مستيقنين بهذا!!!"‬
‫وعندكم أنه لو سئل أحد الصحابة عن رقم في السلسلة لقال‪ :‬هو مسلم بينما من قبله كافر‪ ،‬غير أن السؤال خاطىء‪ ،‬وهذا الصحابي‬
‫لن يفهم هذا السؤال ألنه لم يتقرر في ذهنه ما حدث ق بله كمقدمة ينطلق منها‪ ،‬فاألولى أن نسأله‪ :‬ما هو حكم أبي جهل؟ فإن قال‪ :‬هو كافر‪،‬‬
‫نسأله‪ :‬ما حكم فالن الذي يعتقد بإيمان أبي جهل باهلل مع علمه بعقيدته؟ فإن قال‪ :‬هو كافر‪ ،‬نسأله‪ :‬ما حكم من يخالفك في هذا األخير؟‬
‫وهكذا ننتظر متى نسمع منه كلمة (مسلم)‪.‬‬
‫مع العلم أن السؤال ينبغي أن يكون تطبيقيا مثل األسماء التي افترضتها أنت‪ :‬زيد وعمرو وما بعدهما‪ ،‬ألن السؤال اإلفتراضي ال‬
‫تصور حقيقة المعنى‪ ،‬فكل ما في األمر أن المسلمين قديما لم يقع بينهم الخالف في تكفير الكافر فضال عن‬
‫ّ‬ ‫يجاب عنه عادة ممن لم يستطع‬
‫تكفير من لم يكفّره لكونه معلوما بالبداهة ولذلك لم يتكلموا عنه‪ ،‬فلما وقع اآلن ال بد من الحكم عليه ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ال شك أنه لم يقع بينهم أنه من عبد غير هللا أو استكبر على عبادة غير هللا ال يكون مسلما و كذلك لم يقع الخالف‬
‫بينهم في أن من لم يكفر من ثبت كفره أنه كافر لكن عدم وجود الخالف ال يعني أنه يكفرون فيمن أخطأ في بعض الصور لهذه المسائل‬
‫المجمع عليه فليس كل ما أجمع عليه يكون جاهله كافرا فكثير من ضروريات الدين جهلها يعذر فيه الجاهل و المتأول و ال يكفر حتى‬
‫تقام عليه الحجة و ال يعني أن كل مسألة قيل أنها من ضروريات اإلسالم أنه يكفر جاهلها فالقول بالضروري نسبي فما كان ضروريا قد‬
‫ال يكون ضررويا عند آخر لعدم بلوغ الدليل عليه بل قد ال يعلمه ‪.‬‬
‫فما كان من أصل دين اإلسالم ال بد أن يتصوره المسلم و إن جهل بعض صوره ألنه ال يصح اإلسالم إال به فالصحابة لو كانت‬
‫السلسلة من حقيقة اإلسالم ال بد أنهم تصوروها من جهة اإلجمال و لو تصوروها و أنها من أصل دين اإلسالم ال بد أنهم بينوها لغيرهم‬
‫حتى يدخل المرء اإلسالم إال بها و لو كانت من أصل دين اإلسالم ال بد أن يكون النبي صلى هللا عليه و سلم بينها لهم حتى يدخلوا‬
‫اإلسالم لكن نجد أن هذا غير موجود ال لف ظا و ال معنى و عدم وجوده يدل على عدم تصوره و عدم تصوره يدل على أنه ليس من‬
‫اإلسالم فضال أنه من أصل دين اإلسالم و نحن نتكلم هنا عن السلسلة أما البراءة من الشرك و المشركين فعندنا نصوص من الكتاب و‬
‫السنة و اإلجماع تدل على أن اإلسالم ال يتحقق إال بالبراءة من الشرك و المشركين فمن حقق هذا األصل كان مسلما و من أخطأ مع‬
‫تحقيقه للبراءة من الشرك و المشركين في تكفير من لم يكفر المشركين ال يقال أنه لم يكفر المشركين بل هو يعتقد أن من عبد غير هللا‬
‫ليس بمسلم ‪.‬‬
‫فاهلل أكبر‪ ,‬يا له من افتراء فلسفي عجيب‪ .‬ثم يقولون إنهم براء من ال فلسفة ألن األمر مجرد فهم الشهادة‪ .‬فانظر كيف يركبهم الشيطان‬
‫كما يشاء‪ .‬ثم يرموننا نحن بالفلسفة لقولنا من برئ من الشرك وأهله فإنه قد حقق التوحيد وعمل بالزمه وهو مسلم وما يزيد على ذلك‬
‫يحتاج إلى إقامة الحجة بإجماع المسلمين! سبحان من أعمى قلوبهم‪.‬‬
‫إذا أردت اإلستدالل باإلجماع فعليك اإلتيان بإجماع المسلمين على نفس المسألة‪ ،‬ال على العموميات ثم تُدرج ما اختلفنا فيه في‬
‫إطارها على أنهم أجمعوا عليها أيضا‪ ،‬مع أن هذا اإلدراج خاطىء‪ ،‬فأنت أخرجت ّأوال تكفير من لم يكفّر الكافر من لوازم التوحيد‪ ،‬ثم قلت‬
‫أن من حقق التوحيد ولوازمه فهو مسلم‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ما يدل على تحقيق اإلسالم هو البراءة من المشرك و تكفيره و عدم تحقيقه أي الحكم بإسالم المشرك يدل على‬
‫الجهل بأن البراءة من الشرك من حقيقة ال إله إال هللا هذا هو القدر الذي يصح به اإلسالم فالمطلوب هو تحقيق البراءة من المشركين و‬
‫تكفيره م أما كفر من لم يكفر من لم يكفر المشركين هذا من لوازم اللوازم ال من اللوازم فإخراجه ال يدل على اعتقاد أن اإلسالم يتحقق‬
‫مع وجود الشرك إنما يدل على القول أن اإلسالم يتحقق مع عدم تكفير المشركين فهذا خطأ في الزم الالزم ‪.‬‬
‫والرد على ذلك هو عين رد أهل العلم على من زعم من أهل البدعة قديما أن النبي صلى هللا عليه وسلم والصحابة رضي هللا عنهم‬
‫عرفوا الدين بقواعد الفلسفة وأنهم تأولوا الصفات لكن لم يتكلم به أحد منهم قط‪ .‬وقد أوردت بعضا من كالم أهل العلم في ذلك في رسالة‬
‫"اإلسالم بأدلته" فليراجع هناك‪.‬‬
‫لو كان كل ما لم يذكره الصحابة باطال لما صح للتابعين أن يقولوا‪( :‬من لم يكفّر الكافر فهو كافر)‪ ،‬فهذا لم يُسمع قبلهم‪ ،‬ال ألنه بدعة‪،‬‬
‫وإنما ُوجد في ذلك الحين فقط من ال يكفّر الكافر‪ ،‬خاصة ممن ارتد من المسلمين‪ ،‬فوجب بيان ذلك‪ ،‬ولما عرفنا اإلسالم ببساطته لم نحتج‬
‫لذكر السلسلة‪ ،‬لكن لما أحدِثت عرفنا أن أهلها كفار‪.‬‬
‫فلما رحنا اليوم نبحث عن اإلسالم وجدنا أن من لم يكفّر الكافر فهو كافر‪ ،‬مما يقتضي أن ال نختلف كمسلمين في هذا الذي لم يكفّر‬
‫الكافر‪ ،‬فقد أحدث بعضنا القول بإمكانية الخالف في هذا األخير بين المسلمين‪ ،‬فوجب البيان بأن القاعدة تنطبق عليه أيضا‪.‬‬
‫فالبالغ يكون بقدر الحاجة‪ ،‬والزيادة عنها تنطع ممقوت‪ ،‬فما دامت ال توجد شبهة ومخالفة لتكفير الكافر األول لم نحتج لذكره‪ ،‬لكن‬
‫لما احتجنا لذكر تكفير زيد وجب ذلك البيان لوقوع المخالفة فيه‪ ،‬ولما وقعت المخالفة فيمن بعده وجب بيان ذلك ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هناك فرق بين االصطالح و الحقيقة فحقيقة قاعدة من لم يكفر الكفار من جهة الجملة موجودة ليست فقط في دين‬
‫النبي صلى هللا عليه و سلم بل في دين جميع األنبياء لكن قد يحتاج المسلم إلى بيان هذه الحقيقة باصطالح يفهمه أهل العصر فعدم‬
‫وجود هذا االصطالح في عصر الصحابة ال يعني عدم ذكرهم لهذه الحقيقة باصطالح آخر فهذه القاعدة معناها موجود و كذلك كل‬
‫اصطالح حادث يدل على حقيقة شرعية ثابتة إنما هو تعبير حادث عن حقيقة شرعية موجودة لكن نحن كالمنا في الدليل على معنى‬
‫السلسلة من الكتاب و السنة و أقوال الصحابة فنحن هذا ما نطالب به بنصوص تدل على معنى التسلسل من كالم الصحابة بل من قول‬
‫عالم واحد معتبر عن أهل السنة و الجماعة أنه قال بالسلسلة و نحن نقلنا عن بعض العلماء أنهم يذكرون السلسلة و لكنهم ينسبونها‬
‫إلى أهل البدع ال إلى أهل السنة و الجماعة فيلزم أن هؤالء العلماء كفار ألن هم يعتقدون أنها بدعة و مع ذلك لم يكفرهم أحد من أهل‬
‫العلم بنسبتهم هذه السلسلة ألهل البدع ‪.‬‬

‫شبهة‪ :‬الديمقراطية ليست مذكورة في القرآن كذلك‬


‫هذه شبهة حمقاء‪ .‬يقولون "إن الديمقراطية ليست مذكورة في القرآن كذلك‪ ,‬ومع ذلك يكون الكفر بها من أصل الدين‪ .‬فكذلك‬
‫السلسلة‪".‬‬
‫مثل هذا الجهل يسمع عن كثير من الزنادقة كالرافضة الذين يريدون أن يثبتوا اإلمامة أصال لدينهم المصطنع المختلق‪ .‬فمن ادعى‬
‫أصال جديدا لدين اإلسالم ثم يُلزَ م بأن أصله المقدس ال وجود له في القرآن البتة فإنه قد انكسر وانتهى أمره مطلقا‪ .‬فإن أصر على ضالله‬
‫ال يبقى إال حجج األطفال والمجانين وأن يذلوا أنفسهم كما أذل أصحاب السلسلة أنفسهم هنا‪.‬‬
‫هذه الشبهة يردها كل جاهل بعد تدبر قليل‪ .‬فالعبرة بالحقائق ال باألسماء‪ .‬فحقيقة الديمقراطية هي الشرك بالتشريع من دون هللا‪.‬‬
‫فالشعب هو الحاكم والمشرع من دون هللا‪ .‬وهذه الحقيقة مذكورة في القرآن كثيرا جدا وبأنواع من البيان‪ .‬فلو جاء أي واحد وسمى هذا‬
‫الشرك باسم جديد ليس معهودا عند أحد من البشر‪ ,‬هل نقول عندئذ بأن الشرك الذي يدل عليه هذا االسم ال يوجد في القرآن ألن االسم ليس‬
‫مذكورا فيه؟‬
‫وكما ذكر سابقا فنحن ال نريد من أصحاب السلسلة نصا فيه ذكر اسم السلسلة بل نطالبهم بدليل يثبت معنى السلسلة من الكتاب والسنة‬
‫بل من كالم السلف أو الخلف‪ ,‬وهم عاجزون عن ذلك‪.‬‬
‫إذا آمنتم بقاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر) دون أن تحتاجوا لوجود هذا اللفظ في القرآن‪ ،‬فهذه القاعدة هي الدليل على تكفير من‬
‫في السلسلة‪ ،‬فهي قاعدة مطردة أوقفتم مفعولها عند حد معين دون دليل‪ ،‬واألصل في القواعد اإلطراد‪ ،‬فإذا آمنتم أن زيدا كافر فكيف أجزتم‬
‫إسالم من لم يكفّره؟ وإذا كان زيد كافرا قبل إقامة الحجة فكيف أوجبتم إقامة الحجة على من لم يكفّر زيدا الكافر؟ وما هي الحجة التي‬
‫تريدون إقامتها على عمرو؟ أليست الحجة هي نفس القاعدة التي يعلمها هو ألنه طبقها في عابد القبر ولم يطبقها في زيد؟ فليس هناك دليل‬
‫في الكتاب والسنة على وجوب تكفير أي رقم في السلسلة إال الدليل على هذه القاعدة‪ ،‬ففكروا في هذا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا الفرق بين زيد و عمرو و أن قاعدة من لم يكفر الكفار تطبيقها يختلف بحسب اختالف النواقض و أن‬
‫النواقض قد يخطئ المسلم في آحادها فال يكفر حتى تقام عليه الحجة ‪.‬‬
‫‪ -3‬السلسلة ليست من معنى ال إله إال هللا قطعا‪ ,‬ال لغةً وال شرعا ً وال عقالً‬
‫أهم دعوى هؤالء المبت دعة أن السلسلة من معنى ال إله إال هللا‪ ,‬ومن معنى الكفر بالطاغوت‪ .‬ويزعمون أن السلف والخلف لم يتكلم‬
‫أحد منهم قط بها ألنها عندهم في درجة من الوضوح ال يحتاج معه إلى الكالم! نقول لهم هذه الحجة هي عينها الدعوى التي نختلف معهم‬
‫فيها‪ ,‬فال بد من وجود دليل منصوص على أنها تدخل في اإليمان باهلل والكفر بالطاغوت‪.‬‬
‫لكن الذي في كتاب هللا هو خالف دعواهم‪ .‬يوجد في القرآن بيان معنى التوحيد واإليمان باهلل وبيان معنى الطاغوت والكفر به‪ .‬فجاء‬
‫كل ذلك مفسرا واضحا في كتاب هللا متكررا كثيرا‪ .‬وكذلك العلماء بينوا هذه األلفاظ ولم يذكر أحد منهم أن السلسلة من معانيها‪ ,‬بل كالمهم‬
‫واضح في خالف ذلك‪ ,‬بل منهم من ذكر السلسلة عن المعتزلة عند وصف ضالالتهم‪.‬‬
‫فاهلل تعالى ذكر في كتابه الكفر بالطاغوت وصفة الكفر بالطاغوت‪ ,‬ولم يرد دليل واحد على أن تكفير من لم يكفر الكافر إلى ما ال‬
‫نهاية من الكفر بالطاغوت‪ .‬فا لطاغوت شرعا هو المعبود من دون هللا‪ ,‬وهذا مجمع عليه بين أهل العلم‪ ,‬ولم يقل أحد منهم إن تكفير من لم‬
‫يكفر الكافر إلى ما ال نهاية من الكفر بالطاغوت‪.‬‬
‫وأيضا لم يرد دليل واحد على تكفير زيد فضال عن تكراره فلماذا كفّرتموه؟ وما يقال عن زيد يقال عمن بعده‪.‬‬
‫ووجد حكم يندرج تحته يدل على أنه كافر‪ ،‬دون وجود استثناء له بالذات‪ ،‬فما‬
‫ومادام ال يوجد دليل واحد على أن من بعده مسلم‪ُ ،‬‬
‫دليلكم على استثنائه ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬عجيب القول أنه لم يرد دليل واحد على كفر زيد و نصوص الكتاب و السنة و إجماع المسلمين يدل داللة قطعية‬
‫على أن من ل م يتبرأ ممن عبد غير هللا أو يتكبر على عبادة هللا ال يكون مسلما و قد نقلت النصوص في رسائل أخرى في الرد على من‬
‫يقول أنه يصح اإلسالم مع اعتقاد عدم تكفير المشركين و أنه يصح اإلسالم بمجرد البراءة من الشرك ‪.‬‬
‫و العجب هو يعتقد بقاعدة من لم يكفر الكافر بإطالق غير م عقول و مع ذلك ليس عنده دليل واحد على صحة هذه القاعدة فكيف‬
‫اعتقد أنها من دين هللا فضال أنها من أصل دين اإلسالم و هو ليس عنده دليل واحد فأي دين هذا الذي تعتقده دينا و ليس عندك دليل‬
‫واحد على صحته من كتاب هللا و سنة النبي صلى هللا عليه و سلم و ال من قول صاحب واحد فهل دين هللا يؤخذ من األهواء و العقول‬
‫من غير منقول فما ظنه الناس أنه من دين هللا و ليس هناك منقول يدل عليه هذا ليس من دين هللا فعدم وجود المنقول يدل على أنه‬
‫ليس من دين هللا حتى لو استحسنته العقول ‪.‬‬
‫و لو فرض صحة اعتقاده و أنه ال دليل عليه نقول له لو أرد ت دعوة الناس إلى هذه السلسلة كيف تقنعهم بأنها من دين هللا و لو‬
‫خالفك مخالف أنها ليست من دين هللا كيف تثبت له أنها من دين هللا و ليس عندك نص و هو يطالبك عند التنازع بالرجوع إلى الكتاب و‬
‫السنة و أن هللا تعالى لم يجعل لنا التنازع إلى غير الكتاب و السنة عند ال تنازع ‪.‬‬

‫حتى المشركون فهموا معنى الشهادة لكن ال أحد منهم فهم السلسلة منه‬

‫هل اعتقد المشركون الذين بلغتهم دعوة التوحيد أن من خالفها مسلم؟ وإن لم يحدث ذلك واعتقدوا أنه غير مسلم مثلهم‪،‬‬
‫فهل اعتقدوا أن من خالف في ذلك مسلم ؟‬

‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا الفرق بين أنه يعتقد أن من لم يحقق البراءة من الشرك و الكبر يكون مسلما أنه من اعتقد‬
‫هذا ال يكون مسلما ألنه ال أنه المشرك و المستكبر يكون أخا له في اإلسالم فهذا جهل بحقيقة ال إله إال هللا و فرق بين من‬
‫اعتقد أن من لم يحقق البراءة من الشرك و الكبر ال يكون مسلما لكن من ال يكفر من ال يكفر المشركين ال يكفر حتى تقام‬
‫عليه الحجة فالمشرك فهم من دين اإلسالم أنه ال يكون مسلما إال باجتناب للشرك و أنه لو دخل اإلسالم ال بد أن يحكم على‬
‫من لم يحتنب الشرك بالشرك لكنه ال يشترط أنه يفهم أن من لم يكفر المشرك يكون مشركا مع اجتنابه للشرك ‪.‬‬
‫قال أبو مريم‪" :‬سبق أن حقيقة السلسلة أن تكون أصول كثيرة جدا لدين اإلسالم‪ ,‬من لم يحققها جميعا ال يكون مسلما‪.‬‬
‫هذا وهم من األوهام‪ ،‬وإنما هناك أصل واحد وهو وجوب تكفير الكافر لتحقيق اإلسالم ابتداء ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا أن هي حقائق مختلفة ال حقيقة واحدة و لو قيل له هل حقيقة تكفير المشرك هي حقيقة اجتناب الشرك‬
‫ال يمكنه أن يقول أنهما حقيقة واحدة ألنه ال يشترط من لم يكفر المشرك يقع في الشرك فقد يكفر المشرك و يعبد هللا و كذلك من اجتنب‬
‫الشرك و كفر المش رك لكنه ال يكفر من ال يكفر المشرك ال يلزم قوله هذا أنه يعبد غير هللا أو أنه ال يكفر المشرك فهو يجتنب الشرك و‬
‫يكفر المشرك فيدل هذا صراحة أنها حقائق مختلفة و إذا اختلفت حقائقها اختلفت أحكامها ضرورة ‪.‬‬
‫واألنبياء لم يأتوا إال بأصل واحد وهذا األصل فهمه المسلمون والمشركون‪:‬‬
‫اَّلل َوحْ دَهُ َونَذَ َر َما كَانَ يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا فَأْتِنَا بِ َما تَ ِعدُنَا إِن كُنتَ مِ نَ ال َّ‬
‫صا ِدقِينَ } األعراف‪70 :‬‬ ‫{قَالُواْ أَ ِجئْتَنَا ِلنَ ْعبُدَ ّ َ‬
‫ع ْن قَ ْولِكَ َو َما نَحْ نُ َلكَ ِب ُمؤْ مِ نِينَ } هود‪53 :‬‬ ‫{يَا هُودُ َما ِجئْتَنَا ِببَ ِيّنَ ٍة َو َما نَحْ نُ ِبتَاْ ِرك ْ‬
‫ِي آ ِل َهتِنَا َ‬
‫صا ِل ُح قَ ْد كُ ْنتَ فِ ْينَا َم ْر ُج ًّوا قَ ْب َل َهذَا أَتَ ْن َهانَا أَ ْن نَّ ْعبُدَ َما يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا} هود‪62 :‬‬
‫{يَا َ‬
‫صالَتُكَ تَأْ ُم ُركَ أَ ْن نَتْ ُركَ َما يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا أَ ْو أَ ْن نَ ْفعَ َل فِي أَ ْم َوا ِلنَا َما نَشَا ُء} هود‪87 :‬‬
‫{أَ َ‬
‫ِين}‬
‫سيَ ْهد ِ‬ ‫ولما دعا إبراهيم عليه السالم قومه إلى البراءة من عبادة غير هللا وقال لهم { ِإنَّنِي بَ َراْ ٌء ِّم َّما تَ ْعبُدُونَ ‪ِ .‬إالَّ الَّذِي فَ َ‬
‫ط َرنِي فَإِنَّهُ َ‬
‫الزخرف‪27-26 :‬‬
‫قال له أبوه {أَ َراغِبٌ أَ ْنتَ َع ْن آ ِل َهتِي َيا ِإب َْراهِي ُم لَئ ِْن لَّ ْم تَ ْنتَ ِه أل َ ْر ُج َمنَّكَ َوا ْه ُج ْرنِي َم ِليًّا} مريم‪46 :‬‬
‫ص ُروا أَ ِل َهتِكُ ْم إِ ْن كُ ْنت ُ ْم فَا ِعلِينَ } األنبياء‪67 :‬‬
‫وقال قومه { َح ِ ّرقُوهُ َوا ْن ُ‬
‫{أَ َجعَ َل اآل ِل َهةَ إِ َلها ً َواحِ داً إِ َّن َهذَا َلش َْي ٌء عُ َجابٌ } ص‪5 :‬‬

‫ب ُم ْشت َِركُونَ ‪ِ .‬إنَّا َكذَلِكَ نَ ْف َع ُل ِباْل ُمجْ ِرمِ ينَ ‪ِ .‬إنَّ ُه ْم كَانُوا ِإذَا قِي َل لَ ُه ْم الَ ِإلَ َه ِإالَّ هللاُ َي ْستَ ْك ِب ُرونَ ‪َ .‬و َيقُولُونَ أَئِنَّا لَت َ‬
‫َاركُوا‬ ‫{فَإِنَّ ُه ْم َي ْو َمئِ ٍذ فِي اْل َعذَا ِ‬
‫ون} الصافات‪36-33 :‬‬ ‫أَ ِل َهتِنَا ِلشَا ِع ٍر َمجْ نُ ٍ‬
‫علَى آ ِل َه ِتكُ ْم ِإ َّن َهذَا لَش َْي ٌء ي َُرادٌ} ص‪6-5 :‬‬ ‫طلَقَ ْال َمأل ُ مِ ْن ُه ْم أَ ِن ْامشُوا َوا ْ‬
‫ص ِب ُروا َ‬ ‫{أَ َج َع َل اْآل ِل َهةَ ِإ َلها ً َواحِ داً ِإ َّن َهذَا َلش َْي ٌء ُ‬
‫ع َجابٌ ‪َ .‬وا ْن َ‬

‫فالمشركون جميعا فهموا ما فهمه المسلمون من أن حقيقة ال إله إال هللا التي يدعوا إليها األنبياء هي البراءة من الشرك وإخالص‬
‫العبادة هلل تعالى‪ ,‬لكنهم كانوا يظنون أن هذا الدين باطل‪ ,‬وكان هذا حال جهالهم‪ ,‬وكان منهم من يعرف أنه حق ولكن ال يريد أن يلتزم به‬
‫كحال أبي طالب عم النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ففي صحيح البخاري عن ابن المسيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أن أبا طالب لما حضرته الوفاة ‪ ،‬دخل عليه النبي صلى هللا عليه وسلم وعنده أبو‬
‫جهل ‪ ،‬فقال ‪ " :‬أي عم ‪ ،‬قل ال إله إال هللا ‪ ،‬كلمة أحاج لك بها عند هللا " فقال أبو جهل وعبد هللا بن أبي أمية ‪ :‬يا أبا طالب ‪ ،‬ترغب عن‬
‫ملة عبد المطلب ‪ ،‬فلم يزاال يكلمانه ‪ ،‬حتى قال آخر شيء كلمهم به ‪ :‬على ملة عبد المطلب ‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ألستغفرن‬
‫لك ‪ ،‬ما لم أنه عنه " فنزلت ‪ :‬ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب‬
‫الجحيم‪ .‬ونزلت‪ :‬إنك ال تهدي من أحببت‪.‬‬
‫فأبو جهل وعبد هللا بن أبي أمية عرفا أن النبي صلى هللا عليه وسلم يريد من أبي طالب اجتناب عبادة غير هللا وإخالص العبادة هلل‬
‫تعالى بمجرد سماع كلمة ال إله إال هللا‪ ,‬لذا قاال "ترغب عن ملة عبد المطلب"‪ .‬ولم يقل أحد من المشركين والمسلمين إن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم كان يأمرهم بتكفير من لم يكفر الكافر إلى ما ال نهاية‪ ,‬ألن كلمة "ال إله إال هللا" ال تدل لغة على المعنى الذي يدعيه أصحاب‬
‫السلسلة وال تدل عليه شرعا‪".‬‬

‫ال يطالب بها عند أول اإلسالم فليست من أصل الدين‬


‫• كيف تكون من أصل الدين واإلنسان ال يطالب بها عندما يدخل هذا الدين‪ ,‬بل قد يغفل عنها سنوات بل طيلة حياته‪ ,‬ال يفكر فيها‬
‫لحظة‪ ,‬بل واقع عامة المسلمين منذ بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم أنهم لم يعلموا عن أي سلسلة حتى دخلوا قبورهم‪ .‬فكيف تستوي هي‬
‫وما فهمه سائر المسلمين من الشهادة وما فهمه العلماء منذ أكثر من ألف سنة منها وما بينوه في كتبهم؟‬
‫فما كان من أصل دين اإلسال م ال بد أن يفهمه أقل الناس ذكاء في بداءة إسالمه‪ ,‬وال بد أن النبي صلى هللا عليه وسلم علمهم ذلك عند‬
‫أول إسالمهم لو كان كما يزعمون‪ ,‬ولم يفعل قطعا‪.‬‬
‫َأولم تتفكروا في أنه صلى هللا عليه وسلم لم ي ْدعُهم إلى تكفير عابد الصنم‪ ،‬فهل هذا يعني بطالنه؟ وهل ُوجد من يخالف في ذلك؟ وإذا‬
‫لم يكونوا بحاجة إلى ذلك ألنه متقرر عندهم بكل بساطة‪ ،‬فكيف يحتاجون إلى ما هو أبعد منه ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هذا الكالم كالم جاهل كالم من لم يفهم نصوص الكتاب و السنة فتكفير المشركين المقصود به اعتقاد أنهم ليسوا‬
‫على ديني و هذا أمر يعلمه كل مسلم نصوص الكتاب و السنة مشحونة به كذلك النصوص التي تدل على أنه ال يكون المرء مؤمنا إال‬
‫بالبراءة من الكفار و أن من واالهم ال يكون مؤمنا كل هذه نصوص تدل على هذه القاعدة لكن الجهل بالنصوص و عدم فهمها هو الذي‬
‫يودي ببعض الناس إلى الكالم بغير علم و نسبة النقص و العيب هلل تعالى و رسوله صلى هللا عليه و سلم ‪.‬‬
‫بل ما فهمه كل المسلمين في أول إسالمهم دون كثير من التفكير هو ما يجب أن يفهمه كل مكلف ذكي وبليد من الشهادة وهو أن‬
‫اإلسالم ترك الشرك وأن من لم يفعل ذلك ليس على دين اإلسالم‪ .‬و َمن ف ِهم ذلك أصحابُ السلسلة يخرجونه من اإلسالم ألنه حتى اآلن لم‬
‫يحقق أصل الدين عندهم‪ ,‬ألنه حتى اآلن ال يعرف استحالة إسالم من لم يؤمن بالسلسلة‪ .‬مع أنه قد حقق ما وجب عليه فطرة وعقال وشرعا‬
‫ليكون مسلما‪.‬‬
‫إذا تركنا الشرك وآمنا بأن فاعله ليس على ديننا‪ ،‬وآمنا بأن هذا من أصل الدين الذي من خالفه لم يكن على ديننا‪ ،‬ثم جاء زيد وهو‬
‫مسلم أصال وقال‪ :‬أنا أعتبر المشرك على اإلسالم‪ ،‬فهل يصح أن نترك ما اتفقنا على أنه من أصل الدين؟ ألم نؤمن مسبقا بأن تكفير‬
‫المشرك من أصل الدين؟ فكيف يجيز بعضنا إسالم زيد الذي ترك تكفير المشرك؟‬
‫هذا ما يفهمه الذكي والبليد من أصل الدين‪ ،‬وال يمكنه أن يفكر في أنه لم يدخل في اإلسالم حتى اعتقد في كفر الكفار بينما من خالفه‬
‫في هذا فهو مسلم أيضا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬اتفقنا أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و المشركين لكن تكفير من لم يكفر من لم يكفر المشركين من أين‬
‫لك أنها من أصل دين اإلسالم فالواجب هو البراءة من الشرك و حقيقة البراءة من المشركين هي الجهل بأن البراءة من الشرك من‬
‫حقيقة ال إله إال هللا فمن لم يتبرأ من المشركين يعتقد أن اإلسالم يتحقق مع وجود الشرك لذا حكمنا بأنه ليس بمسلم لكنه إذا اعتقد أنه‬
‫ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك ثم حقق الزم هذه األصل و تبرأ ممن لم يتبرأ من الشرك هذا حقق ال إله إال هللا ببراءته من‬
‫الشرك و الكبر ‪.‬‬
‫فنحن سواء قلنا أن تكفير المشرك من أصل دين اإلسالم أو من لوازمه فإننا نعرف يقينا أنه تكفير المشرك ليس هو اجتناب‬
‫الشرك و نعلم كذلك أن تكفير المشرك من لوازم حق يقة ال إله إال هللا فالخالف في االصطالح شيء و االختالف في الحقيقة شيء آخر و‬
‫االختالف في االصطالح ال يعني ضرورة االختالف في الحقيقة و الحكم متعلق بالمعاني ال بالمباني فنحن عندما نقول أنه ال يصح‬
‫اإلسالم إال بالبراءة من المشركين كالم صحيح يعني أن من حكم بإسالم من عبد غير هللا و هو يعلم أنه يعبد غير هللا هذا جاهل بحقيقة‬
‫البراءة من الشرك فهذه الصورة غير صورة تكفير من لم يكفر من لم يكفر المشرك فمن كفر المشرك لكنه لم يكفر من لم يكفر المشرك‬
‫هذا عالم بحقيقة ال إله إال هللا ألنه اجتنب الشرك و اجتنب المشركين ‪.‬‬

‫معنى ال إله إال هللا كما هو حقيقة من الكتاب والسنة وكما شرحها العلماء‬
‫الذي تدل عليه بإجماع أهل العلم هو التزام عبادة هللا تعالى والبراءة من عبادة غيره‪ ,‬وقد جاءت مفسرة في كتاب هللا كثيرا‪ ,‬كما‬
‫سيأتي ذكر ذلك عند النقل عن بعض أهل العلم‪.‬‬

‫السلسلة ليست من معنى الكفر بالطاغوت‬


‫إذا قال فالن إني أكفر بكل الطواغيت بأن أترك عبادتهم وأكفرهم‪ .‬فنسألهم هل هو كفر بالطاغوت؟ فإن قالوا ال فإنهم جهال ال‬
‫يعرفون معنى الكفر بالطاغوت‪ ,‬فعليهم بالرجوع إلى اللغة ونص القرآن ليفهموا ذلك‪ ,‬وأن ينظروا في كالم المفسرين فإن كلهم فهموا أن‬
‫ذلك هو الكفر بالطاغوت‪.‬‬
‫وإن قالوا نعم فقد وصفوا عندئذ معنى الكفر بالطاغوت وحدَّه وهو الذي يفهم من النفي في شهادة أن ال إله إال هللا‪.‬‬
‫ثم يقول هذا الرجل وأكفر كل من لم يتبرأ من الطاغوت مثلي وكل من عبده من دون هللا‪ .‬وبذلك يظهر أنه فهم معنى الشهادة وأنه‬
‫عمل بما فهم منها‪ .‬فال شك أنه محقق للكفر بالطاغوت‪ ,‬عالم به وبما يلزم منه ضرورةً‪ ,‬عام ٌل به‪ .‬وهذا متفق عليه‪ ,‬فإن فهموا ذلك علموا‬
‫معنى الكفر بالطاغوت‪.‬‬
‫فنقول لهم إذا توقف هذا اآلن في تكفير من لم يخرج بعض المشركين عن دينه ألسباب ذكرناها‪ ,‬نسألهم‪ :‬هل هو اآلن لم يحقق الكفر‬
‫بالطاغوت ؟ فإن قالوا نعم هو لم يحقق الكفر بالطاغوت‪ ,‬قلنا قد ناقضوا قولهم وتعريفهم للكفر بالطاغوت‪ ,‬ألنه حقق بالضبط ما زعموا من‬
‫قبل أنه الكفر بالطاغوت‪ ,‬واآلن زا دوا على هذا شيئا جديدا‪ ,‬فتناقضوا وال بد‪ .‬فكيف بمن جعل من الكفر بالطاغوت تكفير جميع المشركين‬
‫الوهميين في سلسلة وهمية إلى األبد الوهمي؟‬
‫هذا اإلنسان الذي ك ّفر المشركين هل يعتبر تكفيرهم نافلة أم هو من أصل الدين؟ فإن كان يعتبره نافلة فهذا ليس بمسلم‪ ،‬وإن كان من‬
‫أقر به من قبل ال َمن يحكم عليه بالكفر ‪.‬‬
‫أصل الدين فالبد أن يؤمن بكفر َمن خالفه فيه‪ ،‬فالواقع أنه هو الذي تناقض وهدم ما ّ‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ذكرت أكثر من مرة إيراد اصطالح النافلة هنا لمن علم اصطالح العلماء يعني أنه ال يعتقد أنه واجب فإطالقه هنا‬
‫غلط ألننا نتكلم عمن يكفر المشركين و يتبرأ منهم لكنه يعتقد أن من أخطأ في هذه المسألة ال يكفر إال بعد قيام الحجة فهو يعتقد أنه‬
‫واجب و أن من تركه يكفر لكن من تركه ال يكفر حتى تقام عليه الحجة فخطأه فجعله جعله ناقضا بعد قيام الحجة ال في جعله ليس‬
‫بواجب ‪.‬‬
‫و قد بينت في تعليقات سابقة أن الخطأ في ناقض من نواقض اإلسالم جنس يقع فيه المسلم في الخطأ كما أنه يقع الخطأ في أن‬
‫هذه بدعة أم ال ؟‬
‫و يقع الخطأ أن هذه كبيرة أم ال ؟‬
‫و ال يكفر المسلم في هذا الخطأ إال بعد قيام الحجة فهناك فرق بين من يعتقد أن ال يصح اإلسالم إال باجتناب نواقضه من جهة‬
‫األصل و أن من لم يجتنب النواقض ال يكون مسلما لكن يخطأ في ناقض من النواقض فيظنه ليس ناقضا و بين من يعتقد أن اإلسالم‬
‫يتحقق مع وجود نواقضه فمن يقول أن من لم يجتنب النواقض يكون مسلما لمجرد أنه ينتسب لإلسالم هذا ال يكون مسلما ‪.‬‬

‫شرح ابن تيمية معنى الشهادة‬


‫ومعنى ال إله إال هللا قد بينه عامة أهل العلم على مر التاريخ‪ ,‬فهذا ال يخص أحدا منهم دون غيره وإن كان بيان بعضهم أحسن من‬
‫بيان اآلخرين وأكثر مفصال‪ .‬ولذلك يكتفى هنا بنقول قليلة وكل من شم رائحة الكتب التي فيها بيان ذلك يمكن أن يزيد عليها نقوال كثيرة‪.‬‬
‫اإلس َْال ِم‬‫ضدُّ ْ ِ‬ ‫ش ِْركِ ِ‬ ‫مِن ْال ِكب ِْر َوال ّ‬
‫َّلل َو ِلغَي ِْر ِه فَقَدْ أ َ ْش َركَ َو ُكلٌّ ْ‬ ‫َّلل فَقَدْ ا ْست َ ْكبَ َر َو َم ْن ا ْست َ ْسلَ َم ِ َّ ِ‬
‫قال شيخ اإلسالم "فَ َم ْن لَ ْم يَ ْست َ ْس ِل ْم ِ َّ ِ‬
‫ضدُّ ال ّش ِْركِ َو ْال ِكب ِْر‪َ .‬ويُ ْست َ ْع َم ُل َال ِز ًما َو ُمت َ َع ِدّيًا َك َما قَا َل ت َ َعالَى ‪ { :‬إ ْذ قَا َل لَهُ َربُّهُ أ َ ْس ِل ْم قَا َل أَ ْسلَ ْمتُ ل َِربّ ِ ْال َعالَمِ ينَ } َوقَالَ‬ ‫اإلس َْال ُم ِ‬‫َو ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عل ْي ِه ْم َو َال ُه ْم يَحْ زَ نُونَ } َوأ ْمثا ُل ذَلِكَ فِي الق ْر ِ‬
‫آن‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّلل َوه َُو ُمحْ سِ نٌ فَلهُ أجْ ُرهُ ِع ْندَ َربِّ ِه َو َال خ َْو ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تَعَالى ‪ { :‬بَلى َم ْن أ ْسل َم َوجْ َههُ ِ َّ ِ‬ ‫َ‬
‫َكث ٌ‬
‫ِير‪.‬‬
‫اإلس َْال ُم ْال َعا ُّم‬ ‫اَّلل َوحْ دَهُ َوت َْركَ ِعبَادَةِ َما س َِواهُ َوه َُو ْ ِ‬ ‫ض ِّمنَةٌ ِعبَادَة َ َّ ِ‬ ‫ِي ُمت َ َ‬ ‫َّلل } َوه َ‬ ‫ش َهادَة َ أ َ ْن َال إ َلهَ َّإال ا َّ ُ‬ ‫اإلس َْال ِم { َ‬ ‫س ِْ‬ ‫َو ِل َهذَا َكانَ َرأْ ُ‬
‫اإلس َْال ِم دِينًا فَلَ ْن يُ ْقبَ َل مِ ْنهُ َوه َُو فِي ْاآلخِ َرةِ‬ ‫غي َْر ْ ِ‬ ‫مِن ْاأل َ َّولِينَ واآلخرين دِينًا س َِواهُ َك َما قَا َل تَعَالَى ‪َ { :‬و َم ْن يَ ْبت َغِ َ‬ ‫اَّلل ْ‬ ‫الَّذِي َال يَ ْقبَ ُل َّ ُ‬
‫يز ْال َحكِي ُم } { إنَّ‬ ‫ُ‬
‫اَّلل أَنَّهُ َال إلَهَ َّإال ه َُو َو ْال َم َالئِكَةُ َوأولُو ْالع ِْل ِم قَائِ ًما ِب ْال ِقسْطِ َال إلَهَ َّإال ه َُو ْال َع ِز ُ‬ ‫ش ِهدَ َّ ُ‬ ‫َاسِرينَ } َوقَالَ ت َ َعالَى ‪َ { :‬‬ ‫مِنَ ْالخ ِ‬
‫وم َو ْاأل َ ْع َما ِل َوأَنَّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ور البَاطِ نَة مِن العُل ِ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِين فِي ال َحقِيق ِة ه َُو األ ُم ُ‬ ‫ْ‬ ‫ص َل الدّ ِ‬ ‫َ‬ ‫نَّ‬ ‫َ‬ ‫نُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اإلسْال ُم }‪َ .‬و َهذا الذِي ذك َْرنَاهُ مِ َّما يُبَيِّ أ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الدِّينَ ِع ْندَ َّ ِ‬
‫اَّلل ِ‬
‫‪1‬‬
‫ظاه َِرة َ َال ت َ ْنفَ ُع بِدُونِ َها‪".‬‬ ‫ْاأل َ ْع َما َل ال َّ‬
‫شرح عبد الرحمن بن حسن معنى الشهادة‬

‫قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ "ومعنى ال إله إال هللا ‪ ،‬أي ‪ :‬ال معبود حق إال هللا ‪ ،‬قال هللا تعالى‪{ :‬ذَلِكَ بِأَنَّ َّ َ‬
‫اَّلل‬
‫ير} سورة الحج آية ‪ 62 :‬وقال جل ذكره‪{:‬لَهُ دَع َْوة ُ ْال َح ّ ِ‬
‫ق‬ ‫ي ْال َكبِ ُ‬
‫اَّلل ه َُو ْالعَ ِل ُّ‬
‫ه َُو ْال َح ُّق َوأَنَّ َما يَدْعُونَ مِ ْن دُونِ ِه ه َُو ْالبَاطِ ُل َوأَنَّ َّ َ‬
‫عا ُء ْالكَاف ِِرينَ ِإالَّ فِي‬
‫يءٍ ِإالَّ َكبَاسِطِ َكفَّ ْي ِه ِإلَى ْال َماءِ ِليَ ْبلُ َغ فَاهُ َو َما ه َُو ِببَا ِل ِغ ِه َو َما دُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوالَّذِينَ يَدْعُونَ ْ‬
‫مِن دُونِ ِه ال يَ ْست َِجيبُونَ لَ ُه ْم ِب َ‬
‫ضال ٍل} سورة الرعد آية ‪14 :‬‬ ‫َ‬
‫تعالى‪{:‬وإِذْ‬
‫َ‬ ‫فدلت هذه الكلمة العظيمة مطابقة‪ ،‬على إخالص العبادة بجميع أفرادها هلل تعالى‪ ،‬ونفي كل معبود سواه‪ ،‬قال هللا‬
‫ع ِق ِبهِ} سورة الزخرف آية ‪:‬‬ ‫ِين َو َج َعلَ َها َك ِل َمةً َباقِ َيةً فِي َ‬ ‫قَا َل ِإب َْراهِي ُم أل َ ِبي ِه َوقَ ْومِ ِه ِإنَّنِي َب َرا ٌء مِ َّما ت َ ْعبُدُونَ ِإالَّ الَّذِي فَ َ‬
‫ط َرنِي فَإِنَّهُ َ‬
‫س َي ْهد ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ 28-26‬أي‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬فأرجع ضمير هذه الكلمة‪ ،‬إلى ما سبق من مدلولها‪ ،‬وهو قوله‪{ :‬إِنَّنِي بَ َرا ٌء مِ َّما ت َ ْعبُدُونَ إِال الذِي‬
‫ط َرنِي} سورة الزخرف آية ‪27-26 :‬‬ ‫فَ َ‬
‫تعالى‪{:‬و َما‬
‫َ‬ ‫وهذا هو الذي خلق هللا الخلق ألجله‪ ،‬وافترضه على عباده‪ ،‬وأرسل الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب لبيانه وتقريره‪ ،‬قال‬
‫ضى َربُّكَ أَالَّ ت َ ْعبُدُوا ِإالَّ ِإيَّاهُ} سورة اإلسراء آية ‪:‬‬ ‫{وقَ َ‬ ‫ُون} سورة الذاريات آية ‪ 56 :‬وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫س ِإالَّ ِليَ ْعبُد ِ‬‫َخلَ ْقتُ ْال ِجنَّ َواألِ ْن َ‬
‫ُون} سورة األنبياء آية ‪ 25 :‬وقال‬ ‫ُول إِالَّ نُوحِ ي إِلَ ْي ِه أَنَّهُ ال إِلَهَ إِالَّ أَنَا فَا ْعبُد ِ‬ ‫مِن َرس ٍ‬ ‫مِن قَ ْبلِكَ ْ‬ ‫س ْلنَا ْ‬ ‫{و َما أ َ ْر َ‬ ‫‪ 23‬اآلية وقال تعالى‪َ :‬‬
‫ِير} سورة هود آية ‪2-1 :‬‬ ‫ش‬ ‫ب‬
‫ٌ َ َ ٌ‬ ‫و‬ ‫ِير‬‫ذ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ْ مِ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫اَّلل‬
‫ِ َّ َ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ال‬‫إ‬ ‫ُوا‬ ‫د‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ير‬ ‫ب‬
‫َ ٍ ِ ٍ‬‫خ‬‫َ‬ ‫ِيم‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ُن‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫َّ ِ ّ مِ‬ ‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫تعالى‪{ :‬الر ِكتَابٌ أُحْ ِك َم َ‬
‫ي‬ ‫آ‬ ‫ْ‬
‫ت‬
‫علِي ٌم} سورة البقرة‬
‫سمِ ي ٌع َ‬ ‫ام لَ َها َو َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ص َ‬ ‫سكَ بِ ْالعُ ْر َوةِ ْال ُوثْقَى ال ا ْن ِف َ‬ ‫اَّللِ فَقَ ِد ا ْست َْم َ‬ ‫ت َويُؤْ ْ‬
‫مِن بِ َّ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بِال َّ‬
‫آية ‪ 256 :‬والطاغوت‪ :‬كل ما تجاوز به العبد حده‪ ،‬من معبود أو متبوع أو مطاع‪ ،‬فمن تحقق بمدلول هذه الكلمة العظيمة ‪ ،‬من‬
‫إخالص العبادة هلل تعالى ‪ ،‬والبراءة من عبادة ما سواه‪ ،‬بالجنان واألركان‪ ،‬وعمل بما اقتضته من فرائض اإلسالم واإليمان‪،‬‬
‫كان معصوم الدم والمال‪ ،‬ومن ال‪ ،‬فال‪".‬‬
‫وقال رحمه هللا "أما بعد ‪ :‬فاعلموا معشر اإلخوان ‪ ،‬أن هللا تعالى أرسل رسوله محمدا صلى هللا عليه وسلم بالهدى ودين‬
‫الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ‪ ،‬وعرفهم ما خلقوا له من إخالص العبادة هلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وترك عبادة ما‬
‫كانوا يعبدونه من دون هللا ‪ ،‬والرغبة عن عبادة غيره ‪ ،‬والبراءة منها ‪ ،‬والكفر بالطاغوت وهو الشيطان‪ ،‬وما زينه من عبادة‬
‫األوثان ‪.‬‬
‫فدعا قريشا والعرب إلى أن يقولوا ال إله إال هللا‪ ،‬لما دلت عليه من بطالن عبادة كل ما يعبد من دون هللا‪ ،‬وإخالص العبادة‬
‫هلل وحده دون كل ما سواه؛ وهذا هو الت وحيد الذي خلق هللا الخلق ألجله‪ ،‬وأرسل الرسل ألجله‪ ،‬وأنزل الكتب ألجله؛ وهو‬
‫أساس اإليمان واإلسالم ورأسه؛ وهو الدين‬
‫الحق الذي ال يقبل هللا من عبد دينا سواه ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جمموع الفتاوى ‪14 :10‬‬
‫ضى َربُّكَ‬ ‫{وقَ َ‬
‫ُون} سورة الذاريات آية ‪ 56 :‬أي‪ :‬يوحدون‪ ،‬وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ‬
‫األ ْن َ‬‫{و َما َخلَ ْقتُ ْال ِجنَّ َو ْ ِ‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫سانا} سورة اإلسراء آية ‪ ،23 :‬وهذه اآلية تفسر اآلية قبلها‪ ،‬وتبين أن المراد بالعبادة التوحيد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ َوبِ ْال َوا ِلدَي ِْن إِحْ َ‬
‫وأن يكون هللا سبحانه وتعالى هو المعبود وحده دون كل ما سواه؛ والقرآن كله في تقرير هذا التوحيد وبيانه‪ ،‬وبين ذلك قوله‬
‫َّلل أ َ َم َر أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ} سورة يوسف آية ‪.40 :‬‬ ‫تعالى‪{ :‬إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ‬
‫غي ُْرهُ} سورة المؤمنون‬ ‫والرسل عليهم الصالة والسالم افتتحوا دعوتهم لقومهم بهذا التوحيد {أ َ ِن ا ْعبُدُوا َّ َ‬
‫اَّلل َما لَ ُك ْم مِ ْن إِلَ ٍه َ‬
‫اَّلل أ َ ْوثَانا ً‬
‫ُون َّ ِ‬
‫مِن د ِ‬ ‫ِيم ِإذْ قَا َل ِلقَ ْومِ ِه ا ْع ُبدُوا َّ َ‬
‫اَّلل َواتَّقُوهُ ذَ ِل ُك ْم َخي ٌْر لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ ِإنَّ َما ت َ ْع ُبدُونَ ْ‬ ‫{و ِإب َْراه َ‬ ‫آية ‪ .32 :‬وقال تعالى‪َ :‬‬
‫الر ْزقَ َوا ْعبُدُوهُ َوا ْش ُك ُروا لَهُ ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ َو ِإ ْن‬ ‫اَّلل ال يَ ْم ِل ُكونَ لَ ُك ْم ِر ْزقا ً فَا ْبتَغُوا ِع ْندَ َّ ِ‬
‫اَّلل ِ ّ‬ ‫ُون َّ ِ‬ ‫مِن د ِ‬ ‫َوت َْخلُقُونَ ِإ ْفكا ً ِإنَّ الَّذِينَ ت َ ْعبُدُونَ ْ‬
‫الرسُو ِل إِال البَالغ ال ُمبِ } سورة العنكبوت آية ‪18-17-16 :‬‬ ‫ينُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫على َّ‬ ‫َ‬ ‫ب أ ُ َم ٌم ْ‬
‫مِن قَ ْب ِل ُك ْم َو َما َ‬ ‫ت ُ َك ِذّبُوا فَقَدْ َكذَّ َ‬
‫ب أ ُ َم ٌم مِ ْن قَ ْب ِل ُك ْم} سورة العنكبوت آية ‪ 18 :‬يعني قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين‪ ،‬والمؤتفكات وهم‬ ‫قوله‪{ :‬فَقَدْ َكذَّ َ‬
‫ت‬‫اَّلل َومِ ْن ُه ْم َم ْن َحقَّ ْ‬
‫غوتَ فَمِ ْن ُه ْم َم ْن َهدَى َّ ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫{ولَقَدْ َب َعثْنَا فِي ُك ِّل أ ُ َّم ٍة َرسُوالً أ َ ِن ا ْعبُدُوا َّ َ‬
‫اَّلل َواجْ ت َ ِنبُوا ال َّ‬ ‫قوم لوط‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ :‬‬
‫علَ ْي ِه الضَّاللَةُ} سورة النحل آية ‪. 36 :‬‬ ‫َ‬
‫وكل رسول يدعو قومه إلى أن يخلعوا عبادة ما كانوا يعبدونه من دون هللا ‪ ،‬ويخلصوا أعمالهم كلها عن األصنام واألوثان‬
‫ص ُرونَ } سورة يس آية ‪،74 :‬‬ ‫اَّلل آ ِل َهةً لَ َعلَّ ُه ْم ُي ْن َ‬
‫ُون َّ ِ‬ ‫{وات َّ َخذُوا ْ‬
‫مِن د ِ‬ ‫التي اتخذوها‪ ،‬وجعلوها أندادا هلل بعبادتهم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫مِن ِإلَ ٍه‬ ‫عا ٍد أخَا ُه ْم هُودا ً قَا َل يَا قَ ْو ِم ا ْعبُدُوا ا َّ َ‬
‫َّلل َما لَ ُك ْم ْ‬ ‫َ‬ ‫{و ِإلَى َ‬
‫وهذا هو معنى ال إله إال هللا‪ ،‬ال يشك في هذا مسلم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫غي ُْرهُ} سورة األعراف آية ‪. 65 :‬‬
‫َ‬
‫فأجابوه بقولهم‪{ :‬قَالُوا يَا هُودُ َما ِجئْتَنَا بِبَيِّنَ ٍة َو َما نَحْ نُ بِت َِاركِي آ ِل َهتِنَا َع ْن قَ ْولِكَ َو َما نَحْ نُ لَكَ بِ ُمؤْ مِ نِينَ إِ ْن نَقُو ُل إِ َّال ا ْعت ََراكَ‬
‫ون} سورة هود آية ‪:‬‬ ‫ظِر ِ‬ ‫اَّلل َوا ْش َهدُوا أَنِّي بَ ِري ٌء مِ َّما تُ ْش ِر ُكونَ ْ‬
‫مِن دُونِ ِه فَكِيدُونِي َجمِ يعا ً ث ُ َّم ال ت ُ ْن ُ‬ ‫ض آ ِل َهتِنَا ِبسُوءٍ قَا َل ِإنِّي أ ُ ْش ِهدُ َّ َ‬
‫بَ ْع ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ ،55-54-53‬وهذا هو المنفي في كلمة اإلخالص {إنِي بَ ِري ٌء مِ َّما تش ِركونَ مِن دُونِهِ} سورة هود آية‪ ،55-54 :‬كما قال تعالى‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َكف َْرنَا ِب ُك ْم َو َبدَا َب ْينَنَا َو َب ْينَ ُك ُم ْال َعد ََاوة ُ‬
‫ُون َّ ِ‬ ‫مخبرا عن جميع رسله‪ ،‬أنهم قالوا لقومهم‪ِ { :‬إنَّا ب َُرآ ُء مِ ْن ُك ْم َومِ َّما ت َ ْعبُدُونَ ْ‬
‫مِن د ِ‬
‫اَّلل َوحْ دَهُ} سورة الممتحنة آية ‪. 4 :‬‬ ‫ضا ُء أَبَدا ً َحتَّى تُؤْ مِ نُوا بِ َّ ِ‬ ‫َو ْالبَ ْغ َ‬
‫واإلي مان باهلل وحده‪ ،‬هو البراءة مما كانوا يعبدونه من األصنام واألوثان‪ ،‬وإخالص العبادة هلل وحده؛ ال يرتاب في هذا‬
‫مسلم‪ .‬فمن شك في أن هذا هو معنى ال إله إال هللا‪ ،‬فليس معه من اإلسالم ما يزن حبة خردل‪ .‬والقرآن أفصح عن معنى ال إله‬
‫إال هللا‪ ،‬في آيات كثيرة يطول الكتاب بذكرها‪".‬‬
‫قال أبو مريم‪" :‬فمن كان عربيا فصيحا بلغه القرآن وحفظه من أوله إلى آخره وتدبر في آياته وفهمها جميعا من أول الكتاب إلى آخره‬
‫فإنه ال يفهم منه أبدا أن األنبياء كانوا يدعون للسلسلة‪ ,‬وال أن األنبياء كانوا يأمرون الناس باعتقاد السلسلة‪.‬‬
‫من كان عاقال وإن ل م يكن عربيا فصيحا فإنه يدرك بالضرورة أن من خالفه في تعريف المسلم ليس بمسلم‪ ،‬كما يفهم تماما أن من هو‬
‫خارج البيت فليس بداخله‪ ،‬ويعتقد أن كل ما يتضمنه أصل الدين ال يمكن أن يكون مسألة خالفية بين المسلمين‪ ،‬وإن كان هناك خالف فهو‬
‫خالف بين المسلمين والكفار‪.‬‬

‫فآية ال ممتحنة بينت كفر عابدي غير هللا‪ ،‬وإن كنتم تعتقدون أنها تتضمن تكفير زيد بما أنه خالف في أصل الدين‪ ،‬فهي تتضمن أيضا‬
‫تكفير عمرو ومن بعدهما‪ ،‬ما دمتم ترون أن هذا التكفير من أصل الدين‪ ،‬وإن كنتم ترون أن الدليل القطعي هو الكالم المباشر الصريح‬
‫على تكفير عمرو و َمن يلي ه فليس هناك دليل بهذه الصفة على تكفير زيد‪ ،‬فلماذا آمنتم بكفره؟‬

‫إن إيمان األنبياء جميعا بكون عبادة غير هللا كفرا باهلل هي الدليل على كفر من يقول أنها إسالم‪ ،‬وإيمان األنبياء جميعا في كون‬
‫المشركين على غير دينهم كبديهية ال يجادل فيها عاقل‪ ،‬هو الدليل على تكفير من يقول بإسالم هؤالء الكفار‪ ،‬دون حاجة إلى دليل مباشر‬
‫على كفر من لم يكفّرهم‪ ،‬وال يختلف حكم هذا األخير عمن يقول بإسالمه‪.‬‬

‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا الفرق بين جعل من حقق الشرك مسلما و بين جعل من حقق البراءة من الشرك‬
‫و المشركين لكنه لم يكفر عمرو أنه حقق اإلسالم فالخطأ كما بينت سابقا يقع في جعل تكفير المشركين صورة‬
‫واحدة فمن عبد غير هللا كمن اجتنب عبادة غير هللا لكنه لم يكفر من عبد غير هللا و من كفر من عبد غير هللا كمن‬
‫لم يكفر من لمن يكفر من عبد غير هللا ‪.‬‬

‫فإيمان األنبياء في جعل من عبد غير هللا ليس على دينهم ال شك أنها بديهة ال نخالف فيها لكن كالمنا ليس‬
‫فيمن عبد غير هللا كالمنا فيمن اجتنب عبادة غير هللا و اجتنب المشركين فكيف يدخل هذا في مسألة اعتقاد أن من‬
‫عبد غير هللا ال يكون مسلما هو يعتقد هذا لذا يجتنب الشرك و يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون مسلما لكن ال‬
‫أخطأ في تكفير من لم يكفر المشرك ال أنه أخطأ تكفير المشرك فهو أخطأ في الزم مسألة من لم يكفر المشركين ال‬
‫في حقيقة من لم يكفر ال مشركين ‪.‬‬
‫فغاية ما يفهمه طالب الحق أن هللا تعالى أمر الناس بإخالص العبادة هلل تعالى والبراءة من عبادة غير هللا‪ .‬فهذا هو أصل اإلسالم‪.‬‬
‫ومنه يعلم ضرورة أن من فعل الشرك ليس على دين المسلمين‪.‬‬
‫إذا كان يعلم بالضرورة أن من فعل الشرك ليس على دين المسلمين‪ ،‬فكيف يعتقد بإسالم من خالفه في هذا؟ إال إذا كنتم تعتقدون أن‬
‫تكفيره لفاعل الشرك ال يندرج في أصل الدين‪.‬‬
‫إذا كنتم مسلمين فستتفقون على كفر الكافر ما دام لكم نفس الع قيدة وهي الرصيد الذي يملكه المسلمون جميعا‪،‬‬
‫وما دام هذا الموقف الذي تقفونه من أصل الدين فإن من يخالف فيه قد نقض أصل الدين‪ ،‬فال بد أن تتفقوا‬
‫يالضرورة على كفر هذا الثاني‪ ،‬فهذا أيضا من أصل الدين وال شيء يدل على خروجه عنه‪ ،‬فإن خالف في هذا أحد‬
‫فقد خرج عن أصل الدين‪ ،‬فال يعقل أن يكون تكفيره من أصل الدين بينما اإلعتقاد بإسالمه مجرد خطأ اجتهادي‪.‬‬

‫قال أبو مريم ‪ :‬تكرر ال رد على هذه المسألة في أكثر من تعليق فنفس التعليق يكرر بمجرد دعوى عقلية و‬
‫لم يذكر دليل على هذه الدعوى ال من الكتاب و ال من السنة و ال من قول صاحب واحد فهناك قدر نتفق عليه و‬
‫هناك قدر نختلف فيه فالواجب على المخالف أن يأتي بنص صريح صحيح على ما نختلف فيه حتى تك ون الحجة‬
‫معه و نحن يكفينا عدم النص في عدم االعتقاد ألنه إذا لم نعلم نصا ال يجوز لنا االعتقاد خاص و أن هذه المسألة‬
‫كما يقولون من أصل دين اإلسالم فعليهم أن يذكروا لنا نصوصا قطعية تدل على أنها من أصل دين اإلسالم ال‬
‫بمجرد الالزم العقلي مع أنه حتى الالزم العقلي الذي يذكرونه باطل ‪.‬‬

‫س ِل ِه َو َلهُ َخ َلقَ ْالخ َْلقَ َوه َُو َحقُّهُ‬ ‫اَّلل الَّذِي بَعَ َ‬
‫ث بِ ِه َجمِ ي َع ُر ُ‬ ‫"و َهذَا ه َُو الت َّ ْوحِ يدُ الَّذِي ه َُو أ َ ْ‬
‫ص ُل ْ ِ‬
‫اإلس َْال ِم وه َُو ِدينُ َّ ِ‬ ‫قال شيخ اإلسالم َ‬
‫عةُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اَّلل بِ ِه َو َرسُولهُ َوه َُو الطا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْيئًا َو َال بُدَّ َم َع ذَلِكَ أ ْن يَ ُكونَ العَ َم ُل َ‬
‫صا ِلحًا ؛ َوه َُو َما أ َم َر َّ ُ‬ ‫علَى ِعبَا ِد ِه ‪ :‬أَ ْن يَ ْعبُدُوهُ َ‬
‫وال يُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َ‬ ‫َ‬
‫عة" "‬‫ٌ‬ ‫صالِحٍ َ‬
‫طا َ‬ ‫ع َم ٍل َ‬ ‫صا ِل ٌح َو ُك ُّل َ‬
‫ع َملٌ َ‬ ‫ع ٍة َ‬ ‫طا َ‬ ‫فَ ُك ُّل َ‬
‫‪ -4‬في تقرير أن المواالة ليست شركا لذاتها‬

‫ضبط معاني أهم األلفاظ في الدين‬


‫أكثر الناس اليوم عندهم نقص شديد في تصور المعاني الصحيحة أللفاظ الشرع والحقائق التي وراءها‪ .‬وكلما كانت األلفاظ أهم في‬
‫الدين كان الجهل بحقيقتها أشد أثرا‪ .‬وكلما خاض المرء في أمور الدين مع الجهل بهذه األلفاظ واستعملها في تقريرات عقله أتى بمصائب‪.‬‬
‫ومن هؤالء أصحاب السلسلة فيحسن بيان أهم هذه األلفاظ باختصار‪.‬‬
‫اإليمان باهلل هو توحيده أي إفراده بجميع ما يختص به علما وعمال وال يكون ذلك إال بعبادته وحده‪ .‬والكفر بالطاغوت هو ترك‬
‫عبادته وجحده وتكفيره‪ .‬وقد مر الكالم على حقيقة الشرك‪.‬‬
‫هذا كله مفهوم هذه األلفاظ في اللغة والشرع‪ .‬ومن عرف التفاسير علم أن العلماء بينوها هكذا تماما‪ ,‬وكالمهم في ذلك كثير جدا وقد‬
‫سبق بعض منه‪.‬‬

‫المواالة ليست شركا لذاتها لكن الشرك يقع فيها من جهة أخرى‬
‫لو جاء مشرك إلى أحد المسلمين وقال له‪ :‬من قتل الميتة؟ فقال المسلم‪ :‬هللا‪ .‬قال‪ :‬كيف يكون ما قتله هللا محرما في دينكم‪ ,‬وما قتله‬
‫اإلنسان بيده الحقيرة حالل؟ فلو أحلّ المسلم الميتة‪ ,‬بعد أن علم بتحريمها فإنه مشرك‪ .‬ولكن حقيقة شركه ليست أنه يعبد الميتة‪ .‬وكذلك ليس‬
‫أك ُل اللحم المحرم شركا وعبادة مصروفة لغير هللا‪ .‬بل شركه من جهة أنه استحل الميتة‪ ,‬وهذا كفر‪ .‬وإنه فعل هذا الكفر بأمر من غير هللا‬
‫فصار مشركا ألنه أطاع غير هللا تعالى في هذا الكفر‪ .‬ولو أكل مجرد األكل دون أن يعتقد حل الميتة لكان مسلما عاصيا‪ .‬فإنه أشرك‬
‫الشيطان باهلل لما أطاعه في تحليل الحرام‪ ,‬وهذا يسمى شرك الطاعة‪.‬‬
‫وقد يمكن أن يكون سبب هذا الشرك محبته لهذا المطا ع فأشركه في المحبة وأنه فعله محبة لغير هذا المطاع فكان هو المعبود وهكذا‪.‬‬
‫وهذا هو المراد بأنه ليس فعل المواالة المجرد شرك‪.‬‬
‫والمراد هو أن شركه ليس ظاهرا كشرك من يسجد لألصنام اختيارا‪ .‬فإنه ال يعبد الميتة وال من أمر بأكلها ظاهرا‪ .‬بل هذا الرجل رد‬
‫خبر هللا تعالى أو رد حكمه بعد مجيئه إليه‪ .‬والمراد برد الخبر أن يكذبه وال يقر أنه من عند هللا مع ثبوته عنده‪ .‬وردّ حكم هللا هو أن‬
‫يستكبر عن قبوله مع إقراره أنه من عند هللا تعالى ككفر إبليس‪.‬‬
‫ويالحظ أيضا أن من استحل هذه الميتة جهال منه بتحريمها فال شيء عليه‪ .‬وكذلك من رأى شخصا استحل الميتة ولم يكفره ألن هذا‬
‫المتوقف لم يعلم بتحريم الميتة أو ألنه ظن أن مستحل الميتة لم يعلم بتحريمها فال شيء على هذا المتوقف‪.‬‬
‫وهذا كله مبين في القرآن بوضوح‪ ,‬وهذا المثال مروي فيما يتعلق باآلية التالية‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وقال الطبراني‪ :‬حدثنا علي بن المبارك‪ ،‬حدثنا زيد بن المبارك‪ ،‬حدثنا موسى بن عبد العزيز‪ ،‬حدثنا الحكم‬
‫علَ ْي ِه } أرسلت فارس إلى قريش‪ :‬أن‬ ‫بن أبان‪ ،‬عن ِع ْك ِرمة‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت { َوال ت َأ ْ ُكلُوا مِ َّما لَ ْم يُذْك َِر ا ْس ُم َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬
‫ع َّز وجل‪ ،‬بشمشير من ذهب ‪ -‬يعني الميتة ‪-‬‬ ‫خاصموا محمدًا وقولوا له‪َ :‬ك َما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حالل‪ ،‬وما ذبح هللا‪َ ،‬‬
‫شيَاطِ ينَ لَيُوحُونَ ِإلَى أ َ ْو ِل َيا ِئ ِه ْم ِل ُي َجا ِدلُو ُك ْم } قال‪ :‬الشياطين من فارس‪ ،‬وأوليائهم [من]‬
‫فهو حرام‪ .‬فنزلت هذه اآلية‪َ { :‬و ِإنَّ ال َّ‬
‫قريش‬
‫وقال أبو داود‪ :‬حدثنا محمد بن كثير‪ ،‬أخبرنا إسرائيل‪ ،‬حدثنا سِماك‪ ،‬عن ِع ْك ِرمة‪ ،‬عن ابن عباس في قوله‪َ { :‬وإِنَّ‬
‫شيَاطِ ينَ لَيُوحُونَ ِإلَى أ َ ْو ِل َيائِ ِه ْم } يقولون‪ :‬ما ذبح هللا فال تأكلوه‪ .‬وما ذبحتم أنتم فكلوه‪ ،‬فأنزل هللا‪َ { :‬وال ت َأ ْ ُكلُوا مِ َّما لَ ْم يُذْك َِر ا ْس ُم‬ ‫ال َّ‬
‫َ‬
‫عل ْي ِه }‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬
‫ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم‪ ،‬عن عمرو بن عبد هللا‪ ،‬عن وكيع‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬به ‪ .‬وهذا إسناد صحيح‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير من طرق متعددة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وليس فيه ذكر اليهود‪ ،‬فهذا هو المحفوظ ‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن ج َُريْج‪ :‬قال عمرو بن دينار‪ ،‬عن عكرمة‪ :‬إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم‪ ،‬وكاتبتهم فارس‪ ،‬وكتب‬
‫فارس إلى مشركي قريش‪ :‬أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر هللا‪ ،‬فما ذبح هللا بسكين من ذهب فال يأكله محمد‬
‫وأصحابه ‪-‬للميتة وما ذبحوه هم يأكلون‪ .‬فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فوقع في‬
‫شيَاطِ ينَ لَيُوحُونَ [إِلَى أ َ ْو ِليَائِ ِه ْم ِليُ َجا ِدلُو ُك ْم َوإِ ْن أ َ َ‬
‫ط ْعت ُ ُمو ُه ْم‬ ‫ْق َوإِنَّ ال َّ‬ ‫أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء‪ ،‬فأنزل هللا‪َ { :‬وإِنَّهُ لَ ِفس ٌ‬
‫ورا }‬ ‫ُ‬
‫ف ْ ِ ُ ً‬
‫ر‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ض ُز ْخ ُر َ‬ ‫ض ُه ْم ِإلَى َب ْع ٍ‬
‫ِإنَّ ُك ْم لَ ُم ْش ِر ُكونَ ] } ونزلت‪ { :‬يُوحِ ي َب ْع ُ‬
‫سدِّي في تفسير هذه اآلية‪ :‬إن المشركين قالوا للمؤمنين‪ :‬كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة هللا‪ ،‬وما ذبح هللا فال‬ ‫وقال ال ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تأكلونه‪ ،‬وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال هللا‪َ { :‬وإِ ْن أط ْعت ُ ُمو ُه ْم } فأكلتم الميتة { إِنَّ ُك ْم ل ُم ْش ِر ُكونَ }‬
‫وهكذا قاله مجاهد‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وغير واحد من علماء السلف‪ ،‬رحمهم هللا‪.‬‬
‫ط ْعت ُ ُمو ُه ْم ِإ َّن ُك ْم َل ُم ْش ِر ُكونَ } أي‪ :‬حيث عدلتم عن أمر هللا لكم وشرعه إلى قول غيره‪ ،‬فقدمتم عليه‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬و ِإ ْن أ َ َ‬
‫اَّللِ [ َو ْال َمسِي َح ابْنَ َم ْريَ َم َو َما أُمِ ُروا إِال ِليَ ْعبُدُوا‬
‫ُون َّ‬ ‫ار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم أ َ ْربَابًا ْ‬
‫مِن د ِ‬ ‫غيره فهذا هو الشرك‪ ،‬كما قال تعالى‪ { :‬ات َّ َخذُوا أَحْ بَ َ‬
‫ع َّما يُ ْش ِر ُكونَ ] } [التوبة ‪.]31 :‬‬ ‫س ْب َحانَهُ َ‬‫ِإلَ ًها َواحِ دًا ال ِإلَهَ ِإال ه َُو ُ‬
‫وقد روى الترمذي في تفسيرها‪ ،‬عن عدي بن حاتم أنه قال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ما عبدوهم‪ ،‬فقال‪" :‬بل إنهم أحلوا لهم الحرام‬
‫وحرموا عليهم الحالل‪ ،‬فاتبعوهم‪ ،‬فذلك عبادتهم إياهم""‬
‫عدَكُ ْم‬ ‫ض َي ْاأل َ ْم ُر ِإ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َو َ‬ ‫طانُ لَ َّما قُ ِ‬
‫ش ْي َ‬
‫"و َقا َل ال َّ‬
‫أشركتمون من قبل" كما قال تعالى َ‬ ‫ِ‬ ‫ولذلك قال الشيطان يوم القيامة "إني كفرت بما‬
‫ص ِرخِ كُ ْم َو َما‬ ‫َ‬
‫سكُ ْم َما أنَا ِب ُم ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ع ْوتُكُ ْم فَا ْستَ َج ْبت ُ ْم لِي ف ََال تَلو ُمونِي َولو ُموا أ ْنفُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ان إِال أ ْن دَ َ‬‫ط ٍ‬ ‫ْ‬
‫علَ ْيكُ ْم مِ ْن سُل َ‬
‫ِي َ‬‫ع ْدتُكُ ْم فَأ َ ْخلَ ْفتُكُ ْم َو َما كَانَ ل َ‬ ‫َو ْعدَ ْال َح ّ ِ‬
‫ق َو َو َ‬
‫عذَابٌ أَلِي ٌم (‪ ")22‬إبراهيم‪ .‬وعبادة الشيطان وإشراكه في هذه اآلية‬ ‫ون مِ ْن قَ ْب ُل إِ َّن َّ‬
‫الظالِمِ ينَ لَ ُه ْم َ‬ ‫ص ِرخِ َّي إِنِّي َكف َْرتُ بِ َما أَ ْش َر ْكت ُ ُم ِ‬ ‫أَ ْنت ُ ْم بِ ُم ْ‬
‫وغيرها إنما هو هذا النوع من الشرك‪ ,‬ألن الشيطان ال يعبد عموما إال بالطاعة ال بالسجود له ودعاءه وغير ذلك‪.‬‬
‫فحتى من لم يعبد هللا مطلقا بل وأنكر وجوده ويدعي أنه ال يعبد شيئا بتاتا ألنه يستكبر عن ذلك‪ ,‬فهذا مشرك عابد لغير هللا‪ .‬فإنه لم‬
‫العظيم إال طاعةً واستجابة للشيطان الذي سول له هذا الكفر ولظلمات الكبر في نفسه الفاسدة األمارة بأعظم السوء‪ .‬فشاء‬
‫َ‬ ‫الكفر‬
‫َ‬ ‫يكفُ ْر هذا‬
‫هللا أال يخرج إن سان أبدا عن كونه عابدا‪ ,‬فإما يكون عابدا هلل مخلصا له الدين‪ ,‬أو يكون مشركا عابدا لغيره‪ .‬فكل البشر في أول أمرهم على‬
‫اإلسالم‪ ,‬حتى تأتيهم الشياطين وتأمرهم بالكفر‪:‬‬
‫طبَتِ ِه أ َ َال ِإنَّ َربِّي‬ ‫سلَّ َم قَالَ ذَاتَ يَ ْو ٍم فِي ُخ ْ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ي ِ "أَنَّ َرسُو َل َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ار ْال ُم َجا ِش ِع ّ‬ ‫اض ب ِْن حِ َم ٍ‬ ‫أخرج مسلم َع ْن ِعيَ ِ‬
‫ع ْبدًا َح َال ٌل َو ِإنِّي َخلَ ْقتُ ِع َبادِي ُحنَفَا َء ُكلَّ ُه ْم َو ِإنَّ ُه ْم أَتَتْ ُه ْم ال َّ‬
‫شيَاطِ ينُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ح‬‫ن‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫َ ٍ َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫لُّ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫مِي‬ ‫و‬‫ع ِلّ َم ُك ْم َما َج ِه ْلت ُ ْم َّ َ َ َ ْ‬
‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫مِ‬ ‫أ َ َم َرنِي أ َ ْن أ ُ َ‬
‫ض‬ ‫ظ َر إِلَى أ َ ْه ِل ْاأل َ ْر ِ‬ ‫اَّلل نَ َ‬ ‫علَ ْي ِه ْم َما أَحْ لَ ْلتُ لَ ُه ْم َوأ َ َم َرتْ ُه ْم أ َ ْن يُ ْش ِر ُكوا بِي َما لَ ْم أ ُ ْن ِز ْل بِ ِه س ُْل َ‬
‫طانًا َوإِنَّ َّ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ع ْن دِينِ ِه ْم َو َح َّر َم ْ‬‫فَاجْ ت َالَتْ ُه ْم َ‬
‫ب‪"...‬‬ ‫مِن أ َ ْه ِل ْال ِكت َا ِ‬
‫ع َج َم ُه ْم ِإ َّال بَقَايَا ْ‬ ‫فَ َمقَت َ ُه ْم َ‬
‫ع َربَ ُه ْم َو َ‬
‫ع ْنهُ‪:‬‬
‫اَّللُ َ‬ ‫وفي البخاري عن أَبي ه َُري َْرةَ َر ِ‬
‫ض َي َّ‬
‫سانِ ِه َك َما‬ ‫ص َرانِ ِه أ َ ْو يُ َم ِ ّج َ‬
‫ِط َرةِ فَأ َ َب َواهُ يُ َه ّ ِودَانِ ِه أ َ ْو يُنَ ِ ّ‬
‫ع َلى ْالف ْ‬
‫سلَّ َم َما مِ ْن َم ْولُو ٍد ِإ َّال يُولَدُ َ‬
‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ي َ‬ ‫" َكانَ يُ َحدّ ُ‬
‫ِث قَا َل النَّ ِب ُّ‬
‫َ‬
‫عل ْي َها‬ ‫اس َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل التِي فَط َر النَّ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫عنهُ فِط َرة َ َّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫ي َّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عا َء ث َّم يَقو ُل أبُو ه َُري َْرة َ َر ِ‬ ‫ت ُ ْنت َ ُج ْالبَ ِهي َمةُ بَ ِهي َمة َج ْمعَا َء ه َْل تحِ سُّونَ فِي َها مِ ْن َج ْد َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ْاآليَةَ"‬

‫معنى الكفر وهو رد الحق وعدم قبوله بعد مجيئه‬


‫َ‬ ‫هذا مفهوم اللغة‪ .‬قال ابن منظور "ال ُك ْف ُر‪ :‬جُحود النعمة وهو ِ‬
‫ضدُّ الشكر وقوله تعالى "إِنَّا بِ ُك ٍّل كَاف ُِرونَ " أ ْ‬
‫ي جاحدون و َكف ََر‬
‫ست َرها وكافَ َره َحقَّه‪َ :‬ج َحدَه ورجل ُم َكفَّر مجحود النعمة مع إِحسانه ورجل‬ ‫نَ ْع َمةَ هللا‪ :‬يَ ْكفُرها ُكفُورا ً و ُك ْفرانا ً و َكفَر بها‪َ :‬ج َحدَها و َ‬
‫طى على قلبه"‬‫ستْر وقيل ألَنه ُمغَ ًّ‬
‫كافر‪ :‬جاحد أل َ ْنعُ ِم هللا مشت ٌَّق من ال َّ‬
‫فالشرك عبادة مصروفة لغير هللا‪ .‬أما الكفر فهو رد ما جاء به الرسول عن هللا تعالى‪ ,‬كائنا ما كان‪ ,‬وكذلك كل فعل حكم هللا تعالى‬
‫ع إلى اإلسالم فرده بعد ذلك‬
‫عليه بأنه كفر يخرج من الملة‪ .‬وحكم الكفر ال يتحقق إال بعد مجيء الرسالة‪ ,‬ومعنى ذلك في الدنيا أن من لم يد َ‬
‫أنه ال يقاتل‪ ,‬ومعناه في اآلخرة أن من لم يعلم رسالة أي نبي فردها بعد ذلك أن هللا تعالى ال يعذبه حتى يبعث إليه رسوال‪ ,‬كما قال تعالى‬
‫وال (‪ ") 15‬اإلسراء‪ .‬وسيبعث إليه رسول في عرصات القيامة ويختبر هناك ليظهر إيمانه أو كفره على‬ ‫"و َما كُنَّا ُمعَ ِذّبِينَ َحتَّى نَ ْبعَثَ َرسُ ً‬
‫َ‬
‫القول المختار الذي جاءت به أخبار السنة‪.‬‬
‫وبهذا ينكشف خطأ من يريد أن يدافع عن المشركين بقوله "تقولون من أشرك ال يعذر‪ .‬لكن العلماء عذروا أيضا من كفر‪ .‬فكيف‬
‫تفرقون بين األمرين"‪ .‬وهل عذر عالم قط إنسانا كفر باهلل تعالى؟ فإذا وقع الكفر حقيقة يكون كافرا وإذا وقع الشرك يكون مشركا‪ .‬لكن‬
‫هؤالء لم يفقهوا الحقائق المذكورة في هذا الباب وال يعرفون معاني أهم األلفاظ التي أتى بها الشرع‪ .‬فلم يدركوا أن ما يسمى بموانع‬
‫التكفير إنما هو مانع من وقوع الكفر‪ ,‬ال من تكفيره بعد وقوع الكفر‪ .‬فمن قال الكفر في النوم فقوله كعدمه وال يقال هنا إنه كفر باهلل‪ ,‬لكنه‬
‫يعذر! بل يقال إن الكفر لم يقع أصال ألن قوله هذا ال يعتد به شرعا‪.‬‬
‫فتبين أن حكم الكفر الدنيوي واألخروي منفي عن المش رك الجاهل‪ ,‬وقد سبق بيان أن كثيرا من أهل العلم نفوا الكفر ومقصودهم هذا‬
‫المعنى‪ ,‬أي نفي التعذيب عنه في الدنيا واآلخرة‪ .‬أما غير ذلك من الكفر فإنه واقع قبل الرسالة وبعدها‪ .‬ألن الكفر هو ضد اإليمان‪ ,‬فخلو‬
‫ير (‪ ")2‬التغابن‪ .‬وقد ثبت في السنة‬ ‫ص ٌ‬ ‫القلب من اإليمان كفر‪ ,‬كما قال تعالى "ه َُو الَّذِي َخلَقَكُ ْم فَمِ ْنكُ ْم كَاف ٌِر َومِ ْنكُ ْم ُمؤْ مِ ٌن َو َّ‬
‫اَّللُ بِ َما تَ ْع َملُونَ بَ ِ‬
‫الصحيحة أنه ال يدخل الجنة إال نفس مسلمة‪ ,‬فال بد أن يحقق المرء أصل اإليمان واإلسالم ليكون من المسلمين‪ .‬فمن جهل معنى الشهادة‬
‫فإنه كافر من هذه الجهة قب ل الرسالة وبعدها‪ .‬ومن تبين له معنى الشهادة ولم يعمل بها لغرض من أغراض الدنيا فإنه كافر من هذه الجهة‬
‫ألن العمل بمعنى الشهادة بعد أن تبين له هذا المعنى من أصل اإليمان وعدمه كفر‪ .‬فمن لم يتبرأ من المشركين فإنه كافر قبل الرسالة‬
‫وبعدها‪ ,‬إما ألنه لم يعلم معنى الشهادة والجهل بها كفر بغض النظر عن حكم هذا الكفر في الدنيا واآلخرة هل يقع أم هناك ما يمنع من‬
‫اَّلل َال َي ْهدِي ْالق َْو َم ْالكَاف ِِرينَ (‪ ")107‬النحل‪.‬‬
‫اآلخِ َرةِ َوأَ َّن َّ َ‬‫علَى ْ َ‬ ‫وقوعه‪ .‬أو ألنه علم معنى الشهادة لكنه ممن "ا ْستَ َحبُّوا ْال َح َياةَ الدُّ ْن َيا َ‬
‫ولذلك نجد العالم الواحد ينفي الكفر قبل الرسالة في موضع يتكلم فيه عن التعذيب أي يريد بذلك أن حكم الكفر وهو التعذيب منفي‬
‫عنه‪ .‬وفي موضع آخر يتكلم على الكفر عامة في ثبته بوضوح‪ .‬فلسنا أول من توصل إلى هذا وفهمه من اللغة والكتاب والسنة‪ .‬بل هو فهم‬
‫أهل العلم سواء بسواء‪:‬‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا "قوله‪" :‬وال يخلو من مات في الفترة من أن يكون كافرا أو غير كافر فإن كان كافرا فإن هللا حرم‬
‫الجنة على الكافرين وإن كان معذورا بأنه لم يأته رسول فكيف يؤمر باقتحام النار؟"‪ .‬جوابه من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يقال‪ :‬هؤالء ال يحكم لهم بكفر وال إيمان فإن الكفر هو جحود ما جاء به الرسول فشرط تحققه بلوغ الرسالة‬
‫واإليمان هو تصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر وهذا أيضا مشروط ببلوغ الرسالة وال يلزم من انتفاء أحدهما وجود‬
‫اآلخر إال بعد قيام سببه‪ .‬فلما لم يكن هؤالء في الدنيا كفارا وال مؤمنين كان لهم في اآلخرة حكم آخر غير حكم الفريقين‪ .‬فإن‬
‫قيل‪ :‬فأنتم تحكمون لهم بأحكام الكفار في الدنيا من التوارث والوالية والمناكحة‪ .‬قيل‪ :‬إنما نحكم لهم بذلك في أحكام الدنيا ال في‬
‫الثواب والعقاب كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬سلمنا أنهم كفار لكن انتفاء العذاب عنهم النتفاء شرطه وهو قيام الحجة عليهم فإن هللا تعالى ال يعذب إال من‬
‫‪2‬‬
‫قامت عليه حجته‪".‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميّة رحمه هللا "وال ريب أن الكفر متعلق بالرسالة فتكذيب الرسول كفر وبغضه وسبه وعداوته مع‬
‫‪3‬‬
‫العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان"‬
‫‪4‬‬
‫وقال "فإن حكم الكفر ال يكون إال بعد بلوغ الرسالة‪".‬‬
‫فقد رأينا هنا نفي الشيخين للكفر في هذا المقام‪ .‬وفي النصوص التالية إثبات الكفر قبل الرسالة‪:‬‬
‫ِض إي َمانًا‬ ‫َّلل إي َما ًنا َو ْال َج ْه ُل بِ ِه ُك ْف ًرا َو َكانَ ْالعَ َملُ بِ ْالف ََرائ ِ‬ ‫"ولَ َّما َكانَ ْالع ِْل ُم بِا َ َّ ِ‬ ‫نقل ابن تيمية عن محمد بن نصر المروزي قوله‪َ :‬‬
‫اَّلل‬
‫صلى َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َرسُولهُ َ‬ ‫َ‬
‫َّلل أ َّو َل َما بَعَث َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫سل َم قدْ أق ُّروا بِا َّ ِ‬ ‫َ‬
‫عل ْي ِه َو َ‬ ‫اَّلل َ‬‫صلى َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫اب َرسُو ِل َّ ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ص َح َ‬ ‫ْس بِ ُك ْف ِر ِألَنَّ أ َ ْ‬‫َو ْال َج ْه ُل بِ َها قَ ْب َل نُ ُزو ِل َها لَي َ‬
‫ِض فَ َكانَ‬ ‫علَ ْي ِه ْم ْالف ََرائ َ‬ ‫علَ ْي ِه ْم بَ ْعدَ ذَلِكَ فَلَ ْم يَ ُك ْن َج ْهلُ ُه ْم بِذَلِكَ ُك ْف ًرا ث ُ َّم أ َ ْنزَ َل َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫ت َ‬ ‫ِض الَّتِي ا ُ ْفت ُ ِر َ‬
‫ض ْ‬ ‫سلَّ َم إلَ ْي ِه ْم َولَ ْم يَ ْعلَ ُموا ْالف ََرائ َ‬
‫علَ ْي ِه َو َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫اَّلل َما كانَ بِ َج ْه ِل َها كَاف ًِرا َوبَ ْعدَ‬ ‫ْ‬
‫ت َخبَ ٌر مِ ن َّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ؛ َول ْو ل ْم يَأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫اره ْم بِ َها َوال ِقيَا ُم بِ َها إي َمانا َوإِن َما يَكف ُر َمن َج َحدَهَا ِلتكذِيبِ ِه َخبَ َر َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫إ ْق َر ُ‬
‫‪5‬‬
‫َم ِجيءِ ْال َخبَ ِر َم ْن لَ ْم يَ ْس َم ْع بِ ْال َخبَ ِر مِ ْن ْال ُم ْسلِمِ ينَ لَ ْم يَ ُك ْن بِ َج ْه ِل َها كَاف ًِرا‪َ .‬و ْال َج ْه ُل بِا َ ََّّللِ فِي ُك ِّل َحا ٍل ُك ْف ٌر قَ ْب َل ْال َخبَ ِر َوبَ ْعدَ ْال َخبَ ِر‪".‬‬
‫قال ابن القيم "األصل الثاني أن العذاب يستحق بسببين أحدهما اإلعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها‬
‫الثاني العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها فاألول كفر إعراض والثاني كفر عناد وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة‬
‫‪6‬‬
‫وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى هللا التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل"‬

‫ليس كل كفر شركا لذاته‪ ,‬لكن مع كل كفر شرك‬


‫هللا تعالى فرق بين لفظ الكفر ولفظ الشرك وال بد أن فعَلَه لفائدة وهي عظيمة وإن جهلها بعض البشر‪ ,‬وإن جهلها بعض أهل العلم‪.‬‬
‫والفرق واضح ويجزم به من تدبر‪.‬‬
‫لكن لما جاء الكفر ومعه الشرك دائما‪ ,‬وكل كافر ال بد أن يكون مشركا ليس مخلصا هلل‪ ,‬التبس هذا على بعض من أهل العلم فظنوا‬
‫أن الكفر والشرك شيء واحد ال فرق بينهما البتة‪ .‬وهذا خطأ ظاهر إذ حقيقة الكفر غير حقيقة الشرك ولذلك فرق هللا بين االسمين‪ ,‬وهللا‬
‫يبن اإلنسان عليه بدعا وأفكارا فاسدة ونظريات فلسفية‪ ,‬عندئذ يصبح‬
‫تعالى ال يفعل ذلك إال لحكمة‪ .‬وهذا الخطأ يسير في الحقيقة ما لم ِ‬
‫خطأ كبيرا‪.‬‬
‫وهذا يحدث كثيرا في األلفاظ المختلفة التي يجتمع معناها غالبا في شيء واحد‪ .‬ومثال آخر اإلسالم واإليمان‪ .‬فال إيمان لمن ال إسالم‬
‫له وال إسالم لمن ال إيمان له كما قال بعض السلف‪ .‬فالمسلم الحق ال بد أن يكون فيه األمران معا‪ ,‬ومع ذلك ليس اإليمان هو اإلسالم‪ .‬فظن‬

‫‪2‬‬
‫أحكام أهل الذمة ‪111/2‬‬
‫‪3‬‬
‫منهاج السنة ‪251 :5‬‬
‫‪4‬‬
‫جمموع الفتاوى ‪501 :28‬‬
‫‪5‬‬
‫جمموع الفتاوى ‪325 :7‬‬
‫‪6‬‬
‫طريق اهلجرتني يف "فصل يف مراتب املكلفني يف الدار اآلخرة"‬
‫بعض أهل العلم أن اإلسالم واإليمان شيء واحد ال خالف بينهما البتة‪ .‬وهذا خطأ ظاهر لمن تدبر‪ ,‬وإن كان يسيرا ما لم يستعمله مبتدع‬
‫لبدعته‪ ,‬بل الحق هو الموافق لحكمة هللا تعالى الذي فرق بينهما‪ .‬وليس هذا محل تفصيله‪.‬‬
‫فتبين أن تولي المشرك ليس شركا من حيث هو‪ ,‬بل هللا تعالى وصف هذا الفعل بالكفر ونفى اإليمان في القرآن عمن يفعله‪.‬‬
‫ومن علم معنى الشهادة فرق ض رورة بين المسلم والمشرك‪ .‬فإذا جعل المشرك مسلما مع العلم بأنه يعبد غير هللا فإنه ال يخرج عن‬
‫أحد أمرين‪ .‬إما أنه يجهل ما يطلبه هللا منه أي يجهل معنى الشهادة‪ ,‬وإما أنه يعلم ذلك لكنه ال يعمل به ألنه يجعل المشرك مسلما مع علمه‬
‫بأنه على دين آخر‪ ,‬وكالهم كفر‪.‬‬
‫لكنك تعتقد بإسالم من يخالفك في هذا ويعتبره مسلما ‪.‬‬
‫وهذا الكفر من فعله إنما فعله ألنه قدم شيئا ما من الدنيا على الدين‪ ,‬فإما أنه أعرض عن الدين بداية‪ ,‬أو أن هللا تعالى أعطاه هذا العلم‬
‫لكن استحب شيئا آخر عليه ولم يعمل به‪ ,‬وهذا هو الشرك الذي وقع فيه‪ ,‬وهو شرك الطاعة والمحبة‪.‬‬
‫وأكثر الناس ال يعرفون هذه التفاصيل وهذه الحقائق‪ ,‬فقد يلتبس عليهم حكم من لم يكفر بعض المشركين‪ ,‬ولم يتدبر ما تقرر هنا‪,‬‬
‫فظن أن العذر يدخل في هذه المسألة ألنه لم يذل ولم يخضع لغير هللا ظاهرا‪ ,‬وكل ذلك ألنه لم يفكر في المسألة ولم يتصور حقيقتها أصال‪.‬‬
‫وح تى الذي يترك تكفير فاعل الشرك ربما لم يفكر في المسألة ولم يتدبر ما تقرر فيها ولم يتصور حقيقتها‪ ،‬فبأي منطق فرقت بين‬
‫من ترك تكفير عابد الصنم ومن ترك تكفير من يعتقد بإسالمه؟ هذا يعني أنك أجزت أن يعتقد المسلم أن تكفير عابد الصنم ليس من الكفر‬
‫بالطاغوت وهو مع ذلك مسلم‪ ،‬فإذا كان يلتبس على المسلم حكم من لم يكفّر بعض المشركين فإنه يلتبس عليه تكفير هؤالء المشركين‬
‫أنفسهم‪ ،‬فما دام ال يرى تكفيرهم من أصل الدين فإنه يمكن أن يتركه هو أيضا‪ ،‬أليس صاحبه مسلما؟ وأنت تكفّره دون صاحبه وهو يعتبره‬
‫أخاه في الدين‪.‬‬
‫وال أدري لماذا خصصت بعض المشركين دون البعض اآلخر؟ وهل هناك فرق بين البعض والكل؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬القول بتخصيص بعض المشركين نريد أن نسأله ما هو الشرك الذي فعله من لم يكفر المشركين و ما هي حقيقة‬
‫الشرك في الشرع فحقيقة الشرك جعل هلل شريك في العبادة و من اجتنب الشرك و لم يكفر المشركين ال يقال أنه فعل الشرك ألنه حتى‬
‫لما يذكر العلماء يقولون لم يكفر المشركين و لو كان مشركا يفترض أن يقال هو مشرك ال أنه لم يكفر المشركين فسبب كفره ليس هو‬
‫الشرك و إال كان مشركا من غير إدخاله في قاعدة من لم يكفر المشركين فتخصيصه عن المشرك ألن صورة من لم يكفر المشركين‬
‫غير صورة الشرك و من حقق اجتناب الشرك و اجتناب المشركين لكن لم يكفر من لم يكفر المشرك ال يقال أنه فعل الشرك ألنه اجتنب‬
‫الشرك و إال كان مشركا فال حاجة عندها لذكر القاعدة و ألصبحت صورة واحدة فقط هي صورة الشرك فيقال أنه كافر ألنه فعل الشرك‬
‫ال أنه لم يكفر المشركين أو أنه لم يكفر من لم يكفر المشركين و هذا يدل كذلك على ما أصلته سابقا أنها صور حقائقها تختلف فتختلف‬
‫أحكامها باختالف هذه الحقائق و كذلك تختلف لوازمها باختالف هذه الحقائق ‪.‬‬
‫أما اللوازم التي ذكرها فإنه غير الزمة ألن ظهور الحقيقة غير ظهور الالزم و ظهور الزم الالزم غير ظهور الالزم و هذا يدركه‬
‫كل عاقل فال يلزم من جهل الزم الالزم جهل الالزم و ال يلزم من جهل الالزم جهل الحقيقة و هذا التسلسل العكسي الخطأ فيه هو من‬
‫جنس الخطأ في التسلسل الطردي في تكفير من لم يكفر الكافر إلى ما ال نهاية فالتسلسل الطردي أنه يلزم أن من لم يكفر الكافر من‬
‫جنس واحد كذلك التسلسل العكسي عندهم أن الخطأ في تكفير من في السلسلة إذا كان معذور من لم يكفره يلزم منه العذر في حقيقة ال‬
‫إله إال هللا و كما ذكر في كال التسلسلين ال يلزم ألن ظهور الحقائق يختلف عقال و شرعا و ال يلزم أننا إذا عذرنا في صورة نعذر في‬
‫صورة أخرى ‪.‬‬
‫ُتصور‬
‫فهذا يحتاج إلى أن تقام عليه الحجة‪ .‬وذلك على سبيلين‪ .‬األول أن يبين له أن هذا األمر يلزم من الشهادة ضرورة‪ ,‬بحيث ال ي َّ‬
‫َمن علم دين اإلسالم وهو مع ذلك ال يستطيع التفريق بين المسلم والمشرك الصريح‪ .‬وهذا االحتجاج هو م ن جهة العقل والتفكير والتدبر‬
‫التدبر وليس منصوصا فيها‪ .‬السبيل الثاني أن تقام‬
‫ِ‬ ‫لما يلزم من منصوص الشهادة‪ ,‬فإنه ال بد أن يف ِ ّكر ليُ ِ‬
‫دركَ هذا ألنه ي ُف َهم من الشهادة بعدَ‬
‫عليه الحجة باألدلة الكثيرة المبينة لهذا األمر من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫من أين أتيت بأن ما يلزم من الشهادة ضرورة ال يصح تكفير تاركه إال بعد أن تقام عليه الحجة؟ فاألمر يُدرك بإدراك مدلول الشهادة‪،‬‬
‫وال يحتاج لنصوص‪ ،‬وإال لكان حكمه ال يلزم إال من بلغته النصوص‪ ،‬فمن عرف التوحيد ليكون مسلما عرف أن من خالفه غير مسلم‬
‫مثلما كان هو‪ ،‬وعرف أن نفي اإلسالم عن المخالف ليس مجرد نافلة‪ ،‬وإنما هو الزم للتوحيد‪ ،‬وإال لبقي على ما كان عليه مادام مسلما‬
‫دون إسالم‪.‬‬
‫فمن خالف في ذلك قد ترك لوازم التوحيد التي ينتفي التوحيد بانتفائها‪ ،‬فأن نكون مسلمين جميعا وبعضنا ينظر إلى المشركين على‬
‫صل ذلك لكي يقتنع به‪.‬‬
‫أنهم مسلمون فهذا غير معقول عنده‪ ،‬وال يحتاج إلى اآليات التي تف ّ‬
‫فإن لم يعتقد بهذا فلم يدخل في اإلسالم ومن اعتبر هذا مسلما فلم يدرك معنى اإلسالم‪ ،‬أو علمه ولم يعمل به‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬كالمنا ليس فيمن اعتقد من عبد غير هللا يكون أخا له في اإلسالم هذا ال يكون مسلما عندنا كالمنا فيمن اعتقد أنه‬
‫من عبد هللا ال يكون أخا في اإلسالم لكن أخطأ في تكفير من لم يكفر المشرك لكن لو اعتقد أن المسلم يكون مسلما مع عبادته لغير هللا‬
‫يدخل في الجهل بحقيقة اإلسالم حتى لو اجتنب الشرك ‪.‬‬
‫وكال األمرين قد يغفل عنهما المسلم في حاالت‪ .‬فقد يغفل عن كون المتوقف في بعض المشركين إما يعلم معنى الشهادة ولم يعمل‬
‫بها‪ ,‬وإما يجهله حقيقة فال يصح إسالمه بداية‪ .‬أي قد يغفل من ينظر إليه عن أنه يعلم معنى الشهادة‪ .‬ومن تدبر ما جاء في هذه الرسالة من‬
‫أمثلة لألخطاء التي وقعت ألكابر أهل العلم فإنه يجزم أن المرء قد يخطئ وال يتصور مسألة من لم يكفر المشركين في بعض الحاالت‬
‫تصورا صحيحا‪.‬‬
‫ال أدري ما هي الحاالت التي يغفل فيها المسلم عن هذا‪ ،‬فمتى علم عمرو بأن زيدا ترك تكفير عابد الصنم لم يبق له عذر في اإلعتقاد‬
‫بإسالمه‪ ،‬وما يمكن أن تجده من أعذار كاإلكراه وعدم القصد وعدم فهم الواقعة تجد مثلها عند زيد في اعتقاده بإسالم عابد الصنم‪ ،‬بل نجد‬
‫هذه األعذار الشرعية عند فاعل الكفر نفسه‪ ،‬وإن كانت أعذارا باطلة كالعذر بالجهل والزهد فهي باطلة عندهما جميعا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الخطأ في توصيف حقيقة اإلسالم عندها نستطيع أن نفرق فيما يعذر فيه المسلم و ما ال يعذر فالواجب هو اجتناب‬
‫الشرك و الكبر و اعتقاد أن هذا هو اإلسالم الفارق بين المسلم و الكافر فكل صورة تدل على جهل هذا األصل ينتفي اإلسالم بوجودها و‬
‫من هذه الصور الحكم بإسالم من المشرك و المتكبر فإنه يدل على الجهل بأن البراءة من الشرك و الكبر من حقيقة اإلسالم لكن من‬
‫حقق البراءة من المشركين و المتكبرين دل على علمه و عمله بهذا األصل و خطأه ليس في هذا األصل خطأه في ظنه أن من لم يحقق‬
‫البراءة من المشركين و المتكبرين يكون مسلما إن كان جاهال أو متأوال ‪.‬‬
‫فليس ذلك بأبعد ممن قال بأن من أصر على ترك الصالة مع السجن والقتل ليس بمستكبر وأنه لم يقبل حكم هللا تعالى في إيجابه‬
‫الصالة عليه‪.‬‬
‫وليس بأبعد ممن يقول عن اللقيط بأنه كان مسلما دون أي عالمة لإلسالم الحتمال أنه ولد من كتم إيمانه‪ ,‬أو ما هو أبعد من ذلك من‬
‫الحكم باإلسالم لمن كانت عليه عالمات الكفر فحسب ألنه في دار اإلسالم ‪ .‬وكغير ذلك مما ذكر في هذا الكتاب أو لم يذكر فيه‪ .‬أما‬
‫أصحاب السلسلة فهذا ال يمكن عندهم قطعا‪ ,‬والدليل القاطع على عدم إمكان وقوع الخطأ في مثل هذا وأن جميع البشر يتصورون هذا‬
‫فورا كما يزعمون هو عقولهم المجردة‪.‬‬
‫للتذكير فأنتم لم تتركوا تكفير عمرو ألنه لم يتصور الواقعة وإنما تعذرونه بالجهل‪ ،‬ألنكم تعتقدون أن المسلم يمكن أن يجهل هذا‪،‬‬
‫رغم أنه كفّر عابد الصنم واعتبر تكفيره من أصل الدين ومع ذلك يجهل أن زيدا الذي لم يحقق ما حققه هو مسلما‪ ،‬مع أنه تصور حاله‬
‫وفهم ه‪ ،‬وعدم تصور الواقعة عذر شرعي في حق زيد وفي حق عمرو سواء‪ ،‬فلماذا فرقتم بينهماؤ ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬تكرر التعليق على مسألة التفريق بين زيد و عمرو أكثر من مرة و أن سبب التفريق هو الجهل بما تدل عليه ال إله‬
‫إال هللا و بين عدم الجهل بذلك ‪.‬‬
‫وفلسفتهم في ذلك كما جا ء في المثال في أول الرسالة‪ :‬الثاني ال يعلم معنى الشهادة ألنه لو علمها لعلم أن المشرك األول ليس على‬
‫دينه‪ .‬والثالث ال يمكن أن يعلم معنى الشهادة كذلك مثله تماما‪ .‬نسألهم‪ :‬لماذا؟ يقولون‪ :‬ألنه ال بد أن يعلم أن الثاني ال يعلم معنى الشهادة‬
‫ألنه يعلم أن الثاني لو علم معنى الشهادة لعلم أن األول ليس على دينه!!!‬
‫والمسألة ليست بالضرورة مسألة جهل بالشهادة‪ ،‬فقد يكون اإليمان بإسالم الكافر لهوى أو شهوة ما‪ ،‬والمسألة متعلقة بلوازم الشهادة‬
‫التي تنتفي بانتفائها‪ ،‬وأصل الدين يقوم على معنى الشهادة ولوازمها‪ ،‬فمن ترك شيئا من ذلك انتفى إسالمه ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الحكم بإسالم الكافر يدل على الجهل بالشهادة ألن الشهادة نفي و إثبات فالنفي ينفي الشرك و ينفي المشركين و‬
‫اإلثبات يثبت عبادة هللا و يثبت إسالم من عبد هللا تعالى فمسألة تكفير المشركين و المتكبرين تدل عليه الشهادة ‪.‬‬
‫و هو يقر بأن المسأ لة من لوازم ال إله إال هللا و نحن بينا أن تكفير المشركين من لوازم الوقوع في الشرك فإن من وقع في الشرك‬
‫ال بد من تكفيره و البراءة منه كما أن من حقق اإلسالم ال بد من الحكم بإسالمه و مواالته فمن حكم بإسالم من عبد غير هللا مع علمه‬
‫بأنه يعبد غير هللا ال يكون مسل ما و من حكم بكفر من حقق اإلسالم مع عمله بأنه حقق اإلسالم ال يكون مسلما فتكفير المشركين من‬
‫لوازم ال إله إال هللا أما تكفير من لم يكفر المشركين من لوازم اللوازم ال من الزم الحقيقة ‪.‬‬
‫فكيف يكون المثال مع الرابع والعاشر؟ وهنا ننصحهم بترك مخدرات الفلسفة والرجوع إلى القرآن والسنة‪ ,‬وأن ينظروا من حكم هللا‬
‫ِّ‬
‫وليعظموا كالم‬ ‫تعالى عليه بأنه يستحيل إسالمه‪ ,‬فإن وجدوا هذا في شخص مصرحا به كالشمس في كبد السماء فليقولوا به‪ ,‬وإال فليسكتوا‬
‫ربهم فوق فلسفة عقولهم‪ .‬فهذا واضح‪.‬‬
‫العلم بأن شخصا آخر وهو الثاني يجهل شيئا والتوصل إلى ذلك بأنه لو علم الثاني الشهادة لعلم أن األول ليس على دينه‪ ,‬هذا التفكير‬
‫قد يغفل عنه اإلنسان ألمور كثيرة وقد تكلمت على ذلك في رسالة "اإلسالم بأدلته"‪ .‬وهذا أن من صفات البشر أن يقع له التناقض أحيانا‬
‫وهو ال يشعر‪ ,‬يجرد النظر إلى أمر وتجريد النظر هذا يغلق فكره تماما لما يحيط بهذا األمر من أمور‪ ,‬وإن كان من أبسط األمور لكنه ال‬
‫يراه‪ ,‬ألنه يغفل عن هذا التفكير الذي يحتاج إلدراك حقيقة األمر‪ .‬وهذا يعلمه جميع البشر ضرورة من أنفسهم‪ .‬والشعوب في اللغات‬
‫المختلفة يعبرون عن هذا بأمثال‪ ,‬يقولون فالن أمام عينيه خشبة وفالن ال يرى الغابة من كثرة الشجر‪.‬‬
‫ولذلك نرى بعض أهل العلم في الرد على من يخطئ في مثل هذه الحاالت يقول عن مخالفه إنه جرد النظر إلى قضية كذا وهذا جعله‬
‫صلي ّ‬
‫أن ك َل‬ ‫"إن أَ ْ‬
‫غفل عن ذلك األمر‪ .‬بل لعله يمتنع عن هذا التفكير أول األمر أصال ويطا ِلب بنص صحيح من الكتاب والسنة‪ ,‬ألنه يقول ّ‬
‫عى أنه من أصل دين اإلسالم‪ ,‬فأطالبهم بهذا الدليل‬ ‫ما دل عليه العقل إن كان صحيحا فإن الشرع ال بد أن يدل عليه‪ ,‬خاصة في أمر يُدّ َ‬
‫دون تفكير كثير‪ .‬أما بمجرد العقليات فال أثبت شيئا في الدين هكذا‪ ,‬ولو أثبته هكذا ال آ َمنُ الخطأ في عقلي فأنسب إلى دين هللا ما ليس‬
‫منه"‪ ,‬وأصله هذا صحيح ومن حقه أن يثبت له المخالف األمر المدعى بالدليل من النص‪ .‬فكيف يقال أن من أصل الدين العلم بأن فالنا ال‬
‫بد أن يعلم ألنه لو علم هذا لعلم ذاك؟‬
‫وكذلك األدلة من الشرع قد يجهلها اإلنسان‪ ,‬أو يعرف النصوص لكن يجهل المعنى أو يتأول المعنى بشبهات يظنها أدلة صحيحة من‬
‫هذا الدين‪.‬‬
‫حتى الذي يقول أن حلقات السلسلة مسلمون باستثناء زيد يُعتبر من أصحاب السلسلة وذوي الفلسفة العقيمة‪ ،‬وقد استعمل عقله إلبطال‬
‫حكم صورة من صور الكفار‪ ،‬رغم أن العقل السليم ال يقبل ما يقول به ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬يراجع التعليقات السابقة للتفريق بين صور السلسلة و الرجل يقر أن تكفير المشركين من الزم الشهادة و ضرورة‬
‫كل ما في السلسلة يكون الزما للذي قبله ال أنه الزم الشهادة ضرورة أي الزم لالزم إلى ما ال نهاية و مع ذلك يجعل كل الزم من جنس‬
‫الحقيقة و حكمه حكم الحقيقة و حكم الزم الحقيقة و مثل هذا كما ذكرت ال يقبل عقال و باطل شرعا ‪.‬‬
‫فعلى أصحاب السلسلة أن يتدبروا هذه المعاني جيدا‪ ,‬ألنهم يسوون بين أعضاء سلسلتهم ويجعلونهم مستوين‪ .‬فاألول مشرك ألنه عبد‬
‫الصنم‪ ,‬والثاني عندهم مشرك ألنه تولى المشرك‪ ,‬وهذا عندهم شرك سواء بسواء‪ .‬والمائة مشرك مثل عابد الصنم تماما ألنه لم يتبرأ من‬
‫المشرك قبله‪ .‬وهنا يتبين كذلك أنهم يخطئون في تطبيق قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر‪ ,‬ألنهم يطلقونها على كل حال‪ ,‬وهي ليست على‬
‫إطالقها‪ .‬فأصلها من جهة أن هللا تعالى إذا حكم على الشخص بالكفر ال يجوز ألحد أن يعترض على هللا بعد العلم بحكم هللا فيه‪ .‬فمن أنكر‬
‫حكم هللا بعد ثبوته عنده أو استكبر عن قبوله مع إقراره أنه من عند هللا‪ ,‬فإنه كافر ألنه لم يكفر الكافر‪ .‬لكن من كان الدليل على كفره ال‬
‫يدرك إلى بالتفكر في لوازم األحكام أو بنصوص من الشرع فمن لم يعلم هذا النصوص أو غفل عن داللتها أو تأولها تأويال معتبرا‪ ,‬فإنه‬
‫معذور بهذا الخطأ أو الجهل إن كان مثله يجهل ذلك‪ .‬فلو تدبروا ما جاء في هذا الباب وكانوا صادقين لعلموا أن عندهم نقصا في معرفة‬
‫حقيقة الشرك وأمور أخرى مهمة في الدين قد سبق الكالم عليها‪.‬‬
‫ليكن في علمك أن القول بأن هذه الحلقة صاحبها مسلم و َمن قبله كافر‪ ،‬بينما العلة واحدة‪ ،‬هو أبعد عن التصور عند الناس وأصعب‬
‫على العقل السليم من القول أنهما كافرين‪.‬‬
‫وإن كان ال يشترط العلم بالنصوص في الحلقة األولى فإنه ال دليل على اشتراطه في التي تليها‪ ،‬وإن كان التأويل في حلقة ما معتبرا‬
‫حسب قولك فهو فيما قبلها معتبر أيضا‪ ،‬فمن جهل حكم الكافر فهو مسلم وال يكفر حتى تقوم عليه الحجة‪ ،‬ألن الكفر عندك في قاعدة (من‬
‫لم يكفّر الكافر) هو كفر التكذيب واإلعراض عن النصوص بعد بلوغها‪ ،‬فمن لم تبلغه فهو مسلم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬يراجع التعليقات السابقة و سبب التفريق و سبب العذر في الزم الالزم و عدم العذر في الزم الشهادة ‪.‬‬

‫قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر وخطأهم في إطالقها‬


‫فتقرر أن الحق في أكبر شبهة لديهم أنهم أساؤوا فهم قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر‪ .‬فاألصل في هذه القاعدة هو أنها ال تطلق‬
‫مطلقا في كل األحوال‪ .‬بل األصل أن اإلنسان إذا علم من شخص آخر أنه كافر وأن هللا تعالى حكم عليه بالكفر ال يجوز له أن يرد هذا‬
‫الحكم ولو فعل وردّ هذه النصوص وكذب القرآن أنه يكون كافرا بذلك‪.‬‬
‫لتوه حول تكفير الكافر بحيث ال يكفر إال إذا علمها وردها‪ ،‬أما إذا خالفها‬
‫ما هي النصوص التي عرفها كل صحابي دخل في اإلسالم ّ‬
‫جاهال فهو مسلم؟ فبهذا قد أبطلت تكفير زيد أيضا إذا كان جاهال‪ ،‬بينما المسلم متى علم من شخص أنه على الكفر عرف مباشرة أنه كافر‪،‬‬
‫فالمسلم مهما كان جاهال فإنه يملك الرصيد الذي يميز به بين المسلم والكافر‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬المسلم إذا علم من شخص أنه كافر فلم يكفره ال شك أنه كافر و مثل هذا ال يختلف عليه المسلمون لكن كالمنا في‬
‫ظنه في معرفته أن هذا ناقضا من نواقض اإلسالم فإذا كان يظن أن هذا ليس بناقض فإنه ضرورة يحكم بإسالمه و خطأه في جهله لهذا‬
‫الناقض ال بجهله بحقيقة اإلسالم و جنس الخطأ في هذه المسألة يعذر فيها المخالف إذا كان مثله يجهل و ال حاجة للتمثيل على خالف‬
‫العلماء في بعض صور النواقض و كذلك عذر بعضهم البعض عند الخطأ في هذه المسألة ‪.‬‬
‫من جهة التأصيل ال شك أنه المسلم ال يكون مسلما حتى يكون عنده قدر يحقق فيه اإلسالم و يميز به بين المسلم و المشرك فيحكم‬
‫بإسالم المس لم و يحكم بشرك المشرك لكن هذا القدر قد يخطئ فيه بعض الناس فيدخل فيه ما ليس منه و قد يخطئ فيه بعض الناس‬
‫فيخرج منه ما هو منه و هذا هو الخطأ الذي وقع فيه صاحب التعليق أدخل في أصل دين اإلسالم ما ليس منه و كفر مخالفه لظنه أن‬
‫هذا القدر يدخل في أصل دين اإلسالم بي نما القدر الذر يصح اإلسالم إال به هو اجتناب الشرك و اجتناب المشركين فاجتناب المشركين‬
‫يفهم منه فهمه للقدر الذي علمه من حقيقة اإلسالم فمتى ما حكم بإسالم المشرك دل على عدم فهمه لحقيقة اإلسالم لكن ما زاد على‬
‫ذلك بعد تحقيقه و فهمه للقدر الذي يصح لإلسالم به يعذر فيه الجاهل إن كان مثله يجهل هذا و هذا القدر يفهمه من حقيقة ال إله إال هللا‬
‫‪.‬‬
‫فما ذكره من أصل صحيح أنه ال بد من فهم قدر معين يفرق فيه بين المسلم و المشرك لكن خالفنا معه في هذا القدر فعليه أن‬
‫يذكر لنا ما يدل على أن القدر الذي نخالفه فيها يدخل في حقيقة اإلسال م و إال ال يكون من حقيقة اإلسالم بل و ال من دين اإلسالم إن لم‬
‫يكن عليه دليل ‪.‬‬
‫وقد يكون ذلك الشخص المحكوم عليه كافرا في نفس األمر أي في الحقيقة لكن المرء ال يعلم أن هللا تعالى حكم عليه بالكفر‪ ,‬فإنه‬
‫يتولى في نفس األمر كافرا لكنه ال يعلم كفره‪ ,‬وهو معذور في ع دم علمه بأنه كفر ألنه ال يعرف الدليل‪ .‬بل لو عرف الدليل وتأوله تأويال‬
‫معتبرا محتمال فإنه يعذر بعدم تكفير هذا الكافر‪.‬‬
‫هذا كله هدم صريح مع األسف لقاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر) من أول حلقاتها‪ ،‬فهذا الذي ال يعلم أن هللا حكم بكفر من يفعل‬
‫فعل فالن‪ ،‬كيف يكون مسلما وهو ال يفرق بين اإلسالم والكفر وال يفرق بين المسلم والكافر؟ وكيف تعذره بالجهل وهو ال يعرف أن الكفر‬
‫كفرا؟ فال شك أنه يفعله أيضا وال يرى به بأسا‪ ،‬وبالتالي فعليك أن تعذره إن فعله ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬مجرد نطق كلمة اإلسالم و ما يناقضه من الكفر نعرف أنه ليس هناك أي هدم ألصل دين اإلسالم فاإلسالم هو‬
‫االستسالم هلل تعالى و هو عبادة هللا أي يستسلم هلل تعالى بما أمر هللا تعالى به فمتى ما لم يستسلم هلل تعالى ال يكون مسلما و يكون فعله‬
‫كفر و ما يناقض اإلسالم كذلك الشرك يعبد غير هللا و يعبد هللا فيكون مشركا و الشرك كفر فهذا هو القدر الذي ينافي اإلسالم الكبر و‬
‫الشرك و المستكبر و المشرك كافر فمن علم تحقق هذا القدر في شخص ما ثم حكم بإسالمه هنا يقال جهل حقيقة اإلسالم و يدخل في‬
‫قاعدة من لم يكفر الكفار لكن من حكم بكفر المشرك و المستكبر و حكم بإسالم من نفى الشرك و الكبر ففعله يدل على علمه بهذه‬
‫الحقيقة و العمل بها فيكون مسلما ‪.‬‬
‫فعلى قولهم وجب أن يكفروا كل من توقف في كفر تارك الصالة ألنه مشرك وألن المتوقف فيه يعلم حاله إ ْذ ع ِلم أنه يترك الصالة‬
‫وعلم فعله الذي هو كفر‪ ,‬وكل من لم يتبرأ من المشرك فهو مثله تماما ال فرق بينهما البتة وال يمكن العذر في ذلك بحال عندهم‪.‬‬
‫إذا كان لمسألة تكفير تارك الصالة عالقة بموضوعنا فإنها تُعتبر دليال على إبطال تكفير زيد‪ ،‬فلو قلنا أن تارك الصالة كسال كافر‬
‫فإن حكمه لم يعلمه المسلمون إال بعد النص وهم مسلمون‪ ،‬ولذلك فعلماء السلف الذين كفّروا تارك الصالة لم يكفّروا من خالفهم في ذلك‪،‬‬
‫أما عابد الصنم فلم يأت نص ابتداء يُعلم المسلمين بأنه كافر‪ ،‬وإنما علموه بمقتضى إسالمهم‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هناك فرق بين وجود الحقيقة و بين تصور صورها فمن لم يكفر تارك الصالة يعتقد أن المستكبر على عبادة هللا ال‬
‫يكون مسلما ألنه لو اعتقد أن هناك مستكبر يكون مسلما كان جاهال بحقيقة اإلسالم و كذلك عليه أن يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون‬
‫مسلما فإن اعتقد أن هناك من يعبد غير هللا و يكون مسلما كان جاهال بحقيقة اإلسالم فمن قال‬
‫أن تارك الصالة ال يكون كافرا لظنه أنه لم يتحقق فيه االستكبار و لو هنا ك من ظن في بعض األفعال أنه ليست بعبادة هلل تعالى و‬
‫اشتبهت عليه هذه األفعال ال يكفر حتى تقام عليه الحجة لكن لو ظن أنها عبادة لغير هللا و مع ذلك من تحققت فيه يكون مسلما هذا‬
‫يعتقد أن اإلسالم يتحقق مع وجود عبادة غير هللا فمن حكم بإسالم من عبد غير هللا ال يكون مسلما و ليست هذه مسألتنا إنما مسألتنا‬
‫فيمن حقق البراءة من الشرك و البراءة من المشركين و لكنه حكم بإسالم من لم يتبرأ من المشركين و لم يكفرهم إال بعد قيام الحجة‬
‫فخطأه كما ذكرنا ليس في الجهل بحقيقة اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -5‬جعل كل عضو مثل العابد للصنم مهما بعد عنه باطل عقال‬
‫ال يمكن التسوية بين جميع أعضاء السلسلة‪ .‬وهذا دليل من جهة العقل الصريح يسهل ألبسط العقول‪ .‬فإنهم جعلوا المشرك األول أي‬
‫العابد للصنم والذي ال يعبد غير هللا عبادة ظاهرة لكن لم يتبرأ من بعض المشركين مستوين من كل جهة‪ .‬ثم الثالث الذي ال يتبرأ من هذا‬
‫المتوقف يقولون هو مثل المشرك العابد للصنم سواء بسواء ال فرق بينهم البتة‪ .‬مع أن هذا الثالث ترك الشرك وتبرأ من المشرك العابد‬
‫للصنم وكفّره‪ .‬مع ذلك هو عندهم تماما مثل الساجد للصنم ال فرق بينهما البتة‪ .‬وهكذا في سلسلة ال نهاية لها حتى يكون المائة مشركا‬
‫يستحيل إسالمه وال بد أنه جاهل لحقيقة اإلسالم وهو عندهم مثل المشرك العابد للصنم‪.‬‬
‫فمن كان عاقال ال بد أن يجزم هنا ببطالن هذه السلسلة وال يستريب في بطالنها‪ .‬كيف يمكن عقال أن الشخص المائة واأللف في‬
‫سلسلة متوهمة يكون مثل األول تماما ال فرق بينهما‪ ,‬مع أنه ال يعبد غير هللا‪ ,‬ويكفر كل من عبد غير هللا‪ .‬بل يك ّفر كلُّ عض ٍو قبلَه َمن وقع‬
‫في عبادة ظاهرة لغير هللا‪ .‬فكل السلسلة تتبرأ من الشرك والمشركين إال األول والثاني‪ ,‬فكيف يجعل الكل في حكم األول؟ بل العقل يقطع‬
‫ببطالن ذلك وأن المرء كل ما يبعد عن العابد للصنم فإنه يبعد حكمه عن حكم األول و ضالله عن ضالل األول‪ .‬لكن أصحاب السلسلة‬
‫يوجبون على جميع البشر أن يكفّ روا أعضاء السلسلة إلى األبد‪ ,‬مع أنهم ال بد أن يقروا حتى في خيالهم العجيب أن الشخص كلما بعد عن‬
‫األول كان حكمه أبعد وأخفى ومن توقف في تكفيره أعذر‪ .‬ومع ذلك يفرضون على كل الناس اإليمان بالسلسلة ويكفرون كل من أنكرها‬
‫ولم يؤمن بها إلى األبد‪.‬‬
‫إذا كان حكم الكفر نسبيا فإنه يمكن تقليصه وتمديده‪ ،‬فمعنى هذا أن عابد القبر ال يستوي في الكفر مع زيد الذي يعتقد بإسالمه‪ ،‬وهكذا‬
‫يخف الكفر عند كل حلقة إلى أن يضمحل ويتالشى‪ ،‬بينما نعلم أن الكفر وإن كان درجات بعضها أغلظ من بعض فكلها كفر ينفي اإلسالم‪،‬‬
‫ولسنا مكلفين بقياس درجات الكفر‪ ،‬وإنما نحن مكلفون بتمييز اإلسالم عن الكفر وتمييز المسلم عن الكافر‪.‬‬
‫تخف عليه ال يصح أن يخفى عليه الحكم‪ ،‬فما‬
‫َ‬ ‫تصور الواقعة ولم‬
‫ّ‬ ‫وال شيء يدل على أن العلم بحكم كل حلقة ينقص ويخفى‪ ،‬فمن‬
‫الذي جعل حكم هذه الحلقة ظاهرا له وحكم من بعدها خافيا عنه وعلتهما واحدة؟‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬أحكام المسائل مراتب بحسب داللتها بالشرع و داللتها بالشرع تدل على داللتها بالعقل فليس كل نواقض اإلسالم‬
‫صورة واحدة و ليست كلها ظاهرة بنفس الظهور فهناك كما يقر هذا الرجل الشهادة و هناك لوازمها و معلوم عند كل عاقل أن الالزم‬
‫شيء و الحقيقة شيء آخر فالالزم أخفى من الحقيقة و فهمه ابعد من فهم الحقيقة حتى لو تصور الرجل الواقع لكن قد ال يتصور حكم‬
‫الواقع فالرجل الذي في بادية بعيدة قد يبلغه الصالة بشروطها و أركانها و مستحباتها لكنه لم يبلغه وجوبها فال يقال أنه مع تصور‬
‫حقيقة الصالة الشرعية أنه يلزم من ذلك أنه يعلم وجوبها فقد ال يبلغه أي دليل على الوجوب فال يعتقد فال يكفر مع علمه بحقيقة الصالة‬
‫الشرعية و قد يصلي هلل تعالى ألنه يعلم بأنها عبادة هلل تعالى و مع ذلك ال يعلم وجوبها و مع ذلك هو معذور كذلك من علم وجوب‬
‫تكفير المشركين و اعتقد وجوب ذلك بل اعتقد أنها من الكفر لكن لم يبلغه أنه من لم يكفر المشركين ال يكون مسلما فأخطأ في تصور‬
‫هذا الناقض و مثل هذا الجهل ليس هو نفس الجهل فيحكم بإسالم من عبد غير هللا ألنه إذا تصور أن حقيقة اإلسالم ال إله إال هللا أي‬
‫البراءة من الشرك و الكبر فإنه ضرورة يحكم بأن من استكبر و أشرك ال يكون مسلما كذلك العلم بحرمة الشرك ليس هو العلم بوجوب‬
‫تكفير المستكبر و المشرك فمن اعتقد حرمة الشرك و اجتنبه لكنه لم يكفر المشركين ليس حاله كحال من ظن جواز الشرك فعبد غير‬
‫هللا ألن من جوز الشرك يرى أنه ليس بباطل و من اعتقد حرمته يعتقد أنه باطل ‪.‬‬
‫‪ -6‬كل من قبل التوحيد ف ِهمه حين لم يعلم بالسلسلة‬
‫وهذا مستحيل حسب دعوى هؤالء ‪ .‬إذ لو كان هناك من فهم معنى الشهادة لكنه ال يعلم معنى السلسلة ثبت أن معنى الشهادة ومعنى‬
‫السلسلة شيئان مختلفان يمكن أن يفهم المرء أحدهما دون اآلخر‪ .‬وهذا دليل من صريح العقل ومن الواقع المحسوس‪ .‬فإن جل من قبل‬
‫التوحيد أو نقول كلهم سمعوا معنى الشهادة وتدبروه وفهموه مع أنهم لم يفقهوا السلسلة‪ .‬فهذا يمكن لكل إنسان أن يعرفه من نفسه بيقين‪ .‬فال‬
‫بد له أن يقطع أنه يمكن أن يفهم التوحيد دون السلسلة وهذا دليل قاطع أن التوحيد غير السلسلة‪ .‬فيكفي أن يسأل المرء إذا سأل عن السلسلة‬
‫ألول مرة "هل تعرف معنى الشهادة كما في الكتاب وا لسنة" فسيقول نعم‪ .‬ثم يقال له "هل تعرف معنى السلسلة وحقيقتها وتدبرتها وعرفت‬
‫تفاصيلها وجزمت بصحتها وأيقنت منها وآمنت بها" فسيجيب ال‪ .‬فثبت لهذا الشخص بيقين أنه يعرف معنى الشهادة دون معنى السلسلة‪,‬‬
‫وهذا يبطل دعوى أصحاب السلسلة من أصلها‪ .‬بل أصحاب السلسلة أنفسهم يعلمون ذلك‪ .‬وإن أنكروه وادعوا أنهم يعرفون معنى السلسلة‬
‫منذ أن يعرفوا معنى الشهادة كما هو مفسَّر في الكتاب والسنة فإنهم كذابون‪.‬‬
‫• بل خفي على معظم أصحاب السلسلة أو كلهم في أول إسالمهم أكثر ما سبق بيانه أو كله‪ .‬فإنهم تبرؤوا من الشرك وممن يمارسه‪,‬‬
‫بينما لم يخطر ببالهم ولم يفكروا لحظة في حكم من لم يكفر المشركين فضال عن حكم من لم يكفر من لم يكفر المشركين فضال عن اإليمان‬
‫بالسلسلة ولم يعلموا شيئا عن تفاصيل معنى الشرك وأنواعه وعن شرك الطاعة‪.‬‬
‫األمر الذي ال يفكر فيه المسلم ال يعني أنه يخالف فيه متى عرفه‪ ،‬والغريب أنك تقول أن المسلم ال يفكر بالسلسلة لتفرض عليه أنه‬
‫يقول بإسالم أعضائها مع أنه لم يف ّكر فيهم أصال‪ ،‬وتقول أنه لم يفكر في شرك الطاعة وهذا يعني وفق منطقك أنه يفعله ويعتقد أن فاعله‬
‫مسلم‪ ،‬وما هي تفاصيل معنى الشرك وأنواعه التي يمكن أن يجهلها المسلم عندك؟ وتقول أنه ال يفكر في حكم من لم يكفّر المشركين وهذا‬
‫يعني أنه من الممكن أن يعتقد بإسالمهم مادام لم يعلم بأنه كفر‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هناك فرق بين تصور حقيقته و بين تصور صوره فمن تصور الشرك على الحقيقة فإنه ضرورة يعتقد بأن من‬
‫حققه ال يكون مسلما ألنه استسلم لغير هللا فقد تكون ص ور من صور الشرك لم تطرق في بال المسلم ثم نقله أحد المسلمين صوره من‬
‫الصور ثم تصورها جيدا فإنه ضرورة عندما يجتهد في تحقيق مناط هذه الصورة أنه يحكم أنها شرك أكبر لكن قد يخطئ إذا لم‬
‫يتصورها جيدا فيقول أنها ليست شرك أكبر فخطأه هناك في تحقيق المناط في هذه الصورة ال في جهل حقيقة الشرك ‪.‬‬
‫و هذا الخطأ هو الذي وقع فيه من يحكم بإسالم من لم يكفر المشركين فهو يعتقد أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و ظن‬
‫أنه يصح اإلسالم لمن أخطأ في تكفير من عبد غير هللا و هو يعتقد وجوب الحكم بتكفير المشركين فخطأه ليس من جهة أنه يكون المرء‬
‫مسلما مع وجود الشرك و الكبر لكنه لظنه أن صورة تكفير المشرك ليست من النواقض التي تدل على الجهل بحقيقة اإلسالم ‪.‬‬
‫فبموجب قولهم كانوا مشركين مع أنهم فهموا من الشهادة وجوب البراءة من الشرك وأهله وحققوا ذلك‪ .‬فإن قالوا نعم كنا مشركين‬
‫ألننا لم نؤمن بالسلسلة قلنا لهم‪ ,‬قد أقمتم على أنفسكم حجتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكم تحكمون على أنفسكم بالشرك مع أنكم تبرأتم من الشرك وأهله‬
‫‪ -2‬إنكم إنما تكفرون الناس في سلسلتكم ألنهم لم يعلموا معنى الشهادة بزعمكم‪ ,‬وهاهنا ترون في أنفسكم قطعا أنكم فهمتم من الشهادة‬
‫وجوب البراءة من الشرك ومن المشركين‪ ,‬فقد فعلتم ما يجب عليكم‪ ,‬ومع ذلك لم تسمعوا آنذاك قط عن مسألة الثالث فضال عن السلسلة‪,‬‬
‫بل ربما كنتم تستهزئ ون بهذا عندما سمعتموه أوال‪ .‬وهذا دليل واضح صريح صحيح على أنه يمكن أن يفهم اإلنسان بطالن الشرك‬
‫ووجوب تركه ووجوب البراءة من المشركين وأنهم ليسوا على دينه‪ ,‬مع أنه لم يتفكر في مسألة الثاني والثالث والرابع والسلسلة إلى األبد‪.‬‬
‫ترون ذلك في أنفسكم فال يمكن لكم إنكار ذلك إال مكابرة‪ .‬فثبت بال شك أنه يمكن أن يفهم اإلنسان حكم من وقع في الشرك ومع ذلك‬
‫خفي عليه حكم من لم يتبرأ من بعض المشركين‪ ,‬فيحكم على بعض هؤالء بأنهم مسلمون‪ ,‬غافال عن علة كفرهم‪ ,‬ألنه لم يالحظ أن هؤالء‬
‫بمواالتهم للمشركين ناقضوا الشهادة وتركوا التوحيد‪.‬‬
‫لكنه لم يدرك ذلك ولم يتدبره ولم يفكر فيه ألسباب كثيرة قد ذكرت منها ما يتم به المراد‪ .‬ذلك كله مع أنه فهم في ذلك الوقت أن‬
‫المشرك ليس على دينه لكن لم يعلم حكم من ال يعلم ذلك مثله‪ .‬فلو كان كل أحمق يفهم السلسلة من الشهادة كما يزعمون لما وجد ذلك في‬
‫الواقع‪ ,‬ولكان مستحيال أن أي إنسان يفهم البراءة من الشرك والمشركين من الشهادة ومع ذلك لم يعلم حكم من لم يتبرأ من المشركين مثله‬
‫ولم يدرك استحالة إسالمه‪.‬‬
‫فلما أمك ن ذلك‪ ,‬ونحن نعلم ذلك ضرورة ويعلمه أكثر أصحاب السلسلة أو كلهم ضرورة من أنفسهم‪ ,‬بطل ما يزعمون وثبت أن‬
‫اإلنسان قد يفهم ما وصفه هللا تعالى بأنه أساس هذا الدين وأصله ويكون مسلما وهو ال يعرف السلسلة‪ .‬فثبت بذلك ضرورة أن هذه السلسلة‬
‫ال يمكن أبدا أن تكون من أصل الدين‪ ,‬ألنه يمكن أن يكون المرء مسلما فاهما للشهادة ولِما يلزم منها عامال بذلك دون العلم بالسلسلة‪.‬‬
‫وأصل الدين هو ما ال يتحقق إسالم إال به!‬
‫وكل من القراء يستطيع أن يراقب نفسه وأن يجرب هذا األمر في واقعه هو‪ .‬فإن قلت أيها القارئ‪ :‬ال أدري ما بهذه السلسلة وال‬
‫أفهمه ا‪ ,‬لذلك ال أجزم بها" فاعلم أنك عندهم كافر قطعا ويقينا‪ ,‬ألن اإليمان الجازم بالسلسة الذي ال يعتريه شك شرط في صحة اإليمان لن‬
‫يتحقق إال به‪.‬‬
‫واآلن وأنت بهذا الجواب كافر عند المتسلسلة اسأل نفسك‪ :‬هل فهمت من الشهادة أن معناها البراءة من الشرك وهل فهمت منها أن‬
‫من يفعل الشرك ال يمكن أن يكون على دينك؟‬
‫فإن فهمت ذلك منها‪ ,‬علمت من نفسك قطعا أن اإلنسان قد يفهم تماما معنى الشهادة وال يفقه من هذه السلسلة الباطلة أدنى شيء‪.‬‬
‫بل الحق أن كل من كان فيه إيمان وعقل لم يخرب يجزم ببطالن هذه السلسلة ويلعنها ويبغض أهلها بما فيهم من البدعة‪.‬‬
‫أما من أجاب بأنه يقطع بالسلسلة ويؤمن بها إيمانا جازما‪ ,‬فهذا من رؤوس هذه المتسلسلة‪ ,‬وجزمه هذا زعم كذب منه يكذب به على‬
‫فهم السلسلة كذب وزور‬
‫نفسه قبل أن يكذب به على غيره‪ .‬فإنه لم يفقه من سلسلته أدنى شيء‪ ,‬إال أن عقله انكسر عندها تماما‪ .‬فزعمه َ‬
‫وأكذِّب كل من يدعي فهم حقيقة اإليمان من خالل السلسلة‪.‬‬
‫لو استطعت اإللمام بأن تكفير الكافر من أصل الدين الذي ال يجهله مسلم لتبين لك أن األمر بسيط كل البساطة‪ ،‬فالواقع أن المسلم‬
‫بمجرد دخوله في اإلسالم ال يشترط له أن يفكر بهذه السلسلة حتى في حلقتها األولى‪ ،‬كما ال نفكر نحن في حلقات السلسلة الوهمية التي لم‬
‫نرها على أرض الواقع‪.‬‬
‫هل يجب على المسلم أن يفكر في أن عابد الصنم غير مسلم؟ لكن بمجرد أن تسأله عنه سيجيبك‪ :‬بالطبع هو كافر‪ ،‬فضال عن أن يفكر‬
‫فيمن لم يكفّره‪ ،‬لكنه متقرر في ذهنه أن المسألة ال يصح فيها الخالف‪ ،‬وأن الخالف هنا هو خالف بين المسلمين والكفار‪ ،‬فيستحيل أن‬
‫يعرف اإلسالم وال يفرق بين المسلم والكافر‪ ،‬ويستحيل أن يعتقد بكفر الكافر وفي نفس الوقت ال يرى بأسا في أن يعتقد غيره بإسالمه‪.‬‬
‫كلنا أسلمنا ولم نسمع بأمر هذه السلسلة‪ ،‬لكن بمجرد علمنا بأن هناك من يقول بإسالم أحد أعضائها علمنا بكل بساطة وبحكم إسالمنا‬
‫أنه كافر قد أبطل قاعدة (من لم يكفر الكافر)‪ ،‬ألننا لم نسلم حتى أدركنا أن تكفير الكافر من أصل الدين ال يختلف فيه المسلمون‪.‬‬
‫أنت توجب عليه أن يفهم من الشهادة وجوب ترك الشرك وتكفير فاعليه‪ ،‬ولم تتفطن إلى أن السلسلة تبدأ من هنا‪ ،‬ألنك تعتقد أنه يكفّر‬
‫فاعلي الشرك ويعتقد في نفس الوقت أن تكفيرهم ليس من أصل الدين‪ ،‬ألن زيدا عنده مسلم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬تكلمنا فيما سبق في حقيقة الخطأ في السلسلة و الفرق بين تصور حقيقة اإلسالم و بين الخطأ في تصور بعض ما‬
‫يناقضه ‪.‬‬

‫نقول مهمة لشيخي اإلسالم ابن تيمية وابن القيم كأنهما يتكلمان على أصحاب السلسلة‬
‫وهذه النقول كذلك بيان عام لموضوع هذا الكتاب كله‪ ,‬فإنها تبين كيف أن العالم الناظر في األدلة قد يخطئ في تصور المسائل‬
‫وتنزيلها على الوقائع المعينة‪ .‬وتبين أن مجرد الدعوى ال يمكن إثباتها من جهة العقل دون النقل‪ ,‬وأن هذا منهج أهل البدعة في كل زمان‪,‬‬
‫فإنهم يتخيلون أمورا في عقولهم ثم يدعون أنها قطعية يفهمها كل البشر كما يفهمونها هم‪ ,‬ثم يكفرون الناس بناء على ذلك‪ ,‬وهذا ما وقع‬
‫فيه المتسلسلة سواء بسواء وإليك البيان‪.‬‬

‫سعَادَةِ‬ ‫ق ال َّ‬ ‫ط ِري ِ‬ ‫ي ِ َو َ‬‫الرشَا ِد َو ْالغَ ّ‬


‫ق َو ْالبَاطِ ِل َو ْال ُهدَى َوالض ََّال ِل َو َّ‬ ‫ان " بَيْنَ ْال َح ّ ِ‬ ‫ع " ْالفُ ْرقَ ِ‬ ‫ص ٌل ِج َما ُ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية "فَ ْ‬
‫ص ُل‬ ‫عهُ َوبِ ِه يَحْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سلهُ َوأ ْنزَ َل بِ ِه كتبَهُ ُه َو ال َح َّق الذِي يَ ِجبُ ا ِتبَا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل بِ ِه ُر ُ‬
‫ث َّ ُ‬ ‫شقَ َاوةِ َو ْال َه َالكِ ‪ :‬أ ْن يَجْ عَ َل َما بَعَ َ‬
‫َ‬ ‫ق ال َّ‬ ‫ط ِري ِ‬ ‫َوالنَّ َجاةِ َو َ‬
‫علَ ْي ِه فَإ ِ ْن َوافَقَهُ فَ ُه َو َح ٌّق َوإِ ْن‬ ‫ض َ‬ ‫اس يُ ْع َر ُ‬ ‫سائ ِِر النَّ ِ‬ ‫مِن ك ََال ِم َ‬ ‫صد ٌْق َو َما س َِواهُ ْ‬ ‫ِق بِأَنَّهُ َح ٌّق َو ِ‬ ‫صدّ ُ‬ ‫اإلي َمانُ فَيُ َ‬ ‫ْالفُ ْرقَانُ َو ْال ُهدَى َو ْالع ِْل ُم َو ْ ِ‬
‫ف ُم َرادُهُ َولَك ِْن لَ ْم‬ ‫صاحِ بِ ِه أ َ ْو قَدْ ع ُِر َ‬ ‫ف ُم َرادُ َ‬ ‫خَالَفَهُ فَ ُه َو بَاطِ ٌل َوإِ ْن لَ ْم يَ ْعلَ ْم َه ْل َوافَقَهُ أ َ ْو خَالَفَهُ ِلك َْو ِن ذَلِكَ ْالك ََال ِم ُمجْ َم ًال َال يُ ْع َر ُ‬
‫علَ ْي ِه الدَّلِي ُل َوالنَّافِ ُع مِ ْنهُ َما َجا َء بِ ِه‬ ‫ام َ‬ ‫صدِي ِق ِه أ َ ْو ت َ ْكذِيبِ ِه فَإِنَّهُ ي ُْم ِسكُ فَ َال يَت َ َكلَّ ُم َّإال بِع ِْل ِم‪َ .‬وا ْلع ِْل ُم َما قَ َ‬ ‫الرسُو ُل بِت َ ْ‬ ‫ف ه َْل َجا َء َّ‬ ‫يُ ْع َر ْ‬
‫ور "‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ارةِ‪َ .‬وأ َّما األ ُم ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب َوالفِال َح ِة َوال ِت َج َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ور " دُنيَ ِويَّ ٍة " مِ ث ِل الطِبّ ِ َوالحِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ُول ; لكِن فِي أ ُم ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الرس ِ‬ ‫غي ِْر َّ‬ ‫ْ‬
‫عل َِم مِ ن َ‬ ‫ُ‬
‫الرسُولُ‪َ .‬وقدْ يَكونُ ُ‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫ق بِ َها َوأ َ ْقد َُره ْمُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫غبُ ُه ْم فِي ت ْع ِريفِ الخَل ِ‬ ‫َ‬
‫ق بِ َها َوأ ْر َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الرسُول أ ْعل ُم الخَل ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرسُو ِل ف َّ‬ ‫عن َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف الدِّينِيَّة " ف َه ِذ ِه العِل ُم فِي َها َمأ َخذهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ار ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلل ِهيَّة َوال َمعَ ِ‬ ‫ِْ‬
‫الرسُو ِل إ َّما أَ ْن يَ ُكونَ‬ ‫صودُ َو َم ْن س َِوى َّ‬ ‫اإل َرادَةِ َو َه ِذ ِه الث َّ َالثَةُ بِ َها يَتِ ُّم ْال َمقْ ُ‬ ‫علَى بَيَانِ َها َوت َ ْع ِري ِف َها فَ ُه َو فَ ْوقَ ُك ِّل أ َ َح ٍد فِي ْالع ِْل ِم َو ْالقُد َْرةِ َو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫آخَر َوإِ َّما‬ ‫ض َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع ِل َمه مِن ذلِكَ فل ْم يُبَيِّنه إ َّما ل َِرغبَ ٍة َوإِ َّما ل َِرهبَ ٍة َوإِ َّما ِلغ ََر ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫إرادَة فِي َما َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ساد َوإِ َّما أن ال يَكونَ له َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص أ ْو ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فِي عِلمِ ِه بِ َها نَق ٌ‬
‫‪7‬‬
‫ع َرفَهُ ْال َجنَانُ‪".‬‬ ‫ع َّما َ‬ ‫ْس َب َيانُهُ ْال َب َيانَ َ‬ ‫صا لَي َ‬ ‫أ َ ْن َي ُكونَ َب َيانُهُ نَا ِق ً‬

‫‪7‬‬
‫اجملموع ‪136 :13‬‬
‫ص ُح‬‫غي ِْر ِه ل ِْأل ُ َّم ِة َوأ َ ْف َ‬
‫ص ُح َم ْن َ‬ ‫غي ِْر ِه بِذَلِكَ َوأ َ ْن َ‬
‫اَّلل صلى هللا عليه وسلم أ َ ْع َل ُم َم ْن َ‬ ‫"و َم ْعلُو ٌم ل ِْل ُمؤْ مِ نِينَ ‪ :‬أَنَّ َرسُو َل َّ ِ‬ ‫وقال رحمه هللا َ‬
‫اإل َرادَةِ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ص ُح ُه ْم فَقَدْ اجْ ت َ َم َع فِي َح ِقّ ِه َك َمالُ العِل ِم َوالقُد َْرةِ َو ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ق ل ِْأل َّم ِة َوأ ْف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ص ُح الخَل ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ارة ً َوبَيَانًا بَ ْل ه َُو أ ْعلَ ُم الخَل ِق بِذَلِكَ َوأ ْن َ‬ ‫غي ِْر ِه ِعبَ َ‬ ‫َم ْن َ‬
‫ص عِلمِ ِه َوإِ َّما َم ْن‬‫ْ‬ ‫مِن نَ ْق ِ‬ ‫ص إ َّما ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو َم ْعلُو ٌم أنَّ ال ُمت َ َكل َِم أ ْو الفَا ِع َل إذَا َك ُملَ عِل ُمهُ َوقُد َْرتُهُ َوإِ َرادَتُهُ ‪َ :‬ك ُملَ ك ََال ُمهُ َوفِ ْعلهُ َوإِنَّ َما يَدْ ُخ ُل النَّ ْق ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ين َو ْالغَايَةُ‬ ‫إرادَةِ ْالبَ َالغِ ْال ُمبِ ِ‬ ‫ال َ‬ ‫سولُ ه َُو ْالغَايَةُ فِي َك َما ِل ْالع ِْل ِم َو ْالغَايَةُ فِي َك َم ِ‬ ‫إرادَتِ ِه ْالبَيَانَ ‪َ .‬و َّ‬
‫الر ُ‬ ‫ان ع ِْلمِ ِه َوإِ َّما ِلعَد َِم َ‬ ‫جْز ِه َع ْن بَيَ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مِن أ ْم ِر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫از َم ِة ‪َ :‬ي ِجبُ ُوجُودُ ال ُم َرا ِد ; فَعُل َِم قَطعًا أنَّ َما بَيَّنَهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫اإل َرادَةِ ال َج ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ين ‪َ -‬و َم َع ُوجُو ِد القُد َْرةِ التَّا َّم ِة َو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫علَى البَ َالغِ ال ُمبِ ِ‬ ‫ُ‬
‫فِي قد َْرتِ ِه َ‬
‫وم‪ .‬فَ ُك ُّل َم ْن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫طابِ ٌق ِلعِلمِ ِه َوعِل ُمهُ بِذَلِكَ أ ْك َم ُل العُل ِ‬ ‫ان فَ ُه َو ُم َ‬ ‫ْ‬
‫مِن البَيَ ِ‬ ‫َ‬
‫ان َو َما أ َرادَهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫مِن البَيَ ِ‬‫ص َل بِ ِه ُم َرادُهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫َّلل َواليَ ْو ِم اآلخِ ِر ‪َ :‬ح َ‬ ‫ْ‬ ‫ان بِا َ َّ ِ‬ ‫ِْ‬
‫اإلي َم ِ‬
‫‪8‬‬
‫مِن ْال ُمؤْ مِ نِينَ‪".‬‬ ‫ق مِ ْنهُ ‪ :‬فَ ُه َو مِ ْن ْال ُم ْلحِ دِينَ َال ْ‬ ‫علَى َهدْي ِ ْالخ َْل ِ‬ ‫ص َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫الرسُو ِل أ َ ْعلَ ُم بِ َهذَا مِ ْنهُ أ َ ْو أ َ ْك َم ُل بَيَانًا مِ ْنهُ أ َ ْو أ َ َ‬‫غي َْر َّ‬ ‫ظنَّ أَنَّ َ‬
‫َ‬

‫فليحذر أصحاب التسلسل أن يكونوا من الملحدين الم فترين على هللا ورسوله‪ ,‬وممن ينتقص من النبي صلى هللا عليه وسلم وممن‬
‫يطعن في حكمة هللا تعالى‪ .‬فهم يدعون في أعظم أمور الدين ما لم يرد عليه دليل شرعي بل ما لم يقل به عالم معتبر قط‪ ,‬بل ما يدل العقل‬
‫والشرع على خالفه وبطالنه‪ .‬فهداهم هللا إلى التمسك بالكتاب والسنة وترك بدعتهم آمين‪.‬‬
‫اس‬ ‫علَى النَّ ِ‬ ‫اَّلل َويُو ِردُونَ َ‬ ‫ِط َرة َ َّ ِ‬ ‫ع ْونِيَّ ِة َونَحْ ِو ِه ْم ‪ :‬فَي ُِريدُونَ أ َ ْن يُغَيِّ ُروا ف ْ‬ ‫س ِل كالجهمية ْالف ِْر َ‬ ‫"وأ َ َّما أ َ ْعدَا ُء ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫وقال رحمه هللا َ‬
‫ت ُمجْ َملَ ٍة‬ ‫ُّ‬
‫ض َاللَتِ ِه ْم ت َ َكل ُم ُه ْم بِ َك ِل َما ِ‬ ‫ص ُل َ‬ ‫َ‬
‫سنُ أ ْن ي ُِجيبَ ُه ْم‪َ .‬وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫صودَ ُه ْم بِ َها ; َو َال يَحْ ُ‬ ‫اس َم ْق ُ‬ ‫مِن النَّ ِ‬ ‫ِير ْ‬‫ت َال يَ ْف َه ُم َكث ٌ‬ ‫ت ُم ْشتَبِ َها ٍ‬ ‫ت بِ َك ِل َما ِ‬ ‫شبُ َها ٍ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مِن أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ َكلَ ْفظِ الت َّ َحي ُِّز َوال ِج ْس ِم َوال ِج َه ِة َونَحْ ِو ذَلِكَ ‪ .‬فَ َم ْن َكانَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سنَّ ِة َرسُو ِل ِه ; َو َال قَالَ َها أ َحدٌ ْ‬ ‫ص َل لَ َها فِي ِكت َابِ ِه ; َو َال ُ‬ ‫َ‬
‫; َال أ ْ‬
‫سنَّة َك َما قَالَ ‪َ { :‬وإِذَا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ض َع ْن ك ََالمِ ِه ْم َو َال يَ ْقبَ ْل إ َّال َما َجا َء بِ ِه ال ِكتَابُ َوال ُّ‬ ‫ْ‬
‫ارفًا بِذَلِكَ فَليُ ْع ِر ْ‬ ‫شبُ َهاتِ ِه ْم بَيَّنَ َها َو َم ْن لَ ْم يَ ُك ْن َ‬
‫ع ِ‬ ‫ارفًا بِ َح ِّل ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫صفَاتِ ِه بِ َما‬ ‫َ‬
‫اَّلل َوأ ْس َمائِ ِه َو ِ‬ ‫َّ‬
‫غي ِْر ِه }‪َ .‬و َم ْن يَت َ َكل ُم فِي َّ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫ع ْن ُه ْم َحتَّى يَ ُخوضُوا فِي َحدِي ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫َرأيْتَ الذِينَ يَ ُخوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأع ِْر ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مِن هَؤُ َالءِ يَ ْنسُبُ إلَى أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ َما لَ ْم يَقُولوهُ ;‬ ‫ِير ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل بِالبَاطِ ِل‪َ .‬و َكث ٌ‬ ‫ت َّ ِ‬‫ِضينَ فِي آيَا ِ‬ ‫مِن ْالخَائ ِ‬ ‫سنَّةَ فَ ُه َو ْ‬ ‫َاب َوال ُّ‬ ‫ِف ْال ِكت َ‬ ‫يُخَال ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ت َما ل ْم يَقولوا‪َ .‬ويَقولونَ ِل َم ْن اتَّبَعَ ُه ْم ‪َ :‬هذَا ا ْعتِقَادُ ِ‬
‫اإل َم ِام‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مِن ِاال ْعتِ َقادَا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ِ َوأحْ َمد ب ِْن َح ْنبَ ٍل َو َمالِكٍ َوأبِي َحنِيفَة ‪ْ :‬‬ ‫َ‬ ‫شافِ ِع ّ‬ ‫َ‬
‫فَيَ ْن ِسبُونَ إلى ال َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي ‪ُ :‬حكمِ ي فِي أ ْه ِل الك ََال ِم ‪ :‬أ ْن يُض َْربُوا بِال َج ِري ِد‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ع ْن األئِ َّم ِة تَبَيَّنَ َك ِذبُ ُه ْم‪َ .‬وقَا َل ال َّشافِ ِع ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫طو ِلبُوا بِالنَّق ِل الصَّحِ يحِ َ‬ ‫ي ِ ; فَإِذَا ُ‬ ‫ْالفُ َالنِ ّ‬
‫اضي‬ ‫ُف ْالقَ ِ‬ ‫علَى ْالك ََال ِم‪ .‬قَا َل أَبُو يُوس َ‬ ‫سنَّةَ َوأ َ ْقبَ َل َ‬ ‫اف بِ ِه ْم فِي ْالقَبَائِ ِل َو ْالعَشَائ ِِر َويُقَا َل ‪َ :‬هذَا َجزَ ا ُء َم ْن ت ََركَ ْال ِكت َ‬
‫َاب َوال ُّ‬ ‫ط َ‬ ‫َوالنِّعَا ِل َويُ َ‬
‫عدَ ًما َو ْال ُم َم ِث ّ ُل يَ ْعبُدُ‬ ‫ط ُل يَ ْعبُدُ َ‬ ‫ض ْالعُلَ َماءِ ‪ :‬ا ْل ُمعَ ِ ّ‬ ‫ارتَدَى أَ َحدٌ بِ ْالك ََال ِم فَأ َ ْفلَ َح‪ .‬قَا َل بَ ْع ُ‬ ‫ِين بِ ْالك ََال ِم ت َزَ ْندَقَ ‪ .‬قَا َل أَحْ َمد ‪َ :‬ما ْ‬ ‫ب الدّ ِ‬ ‫طلَ َ‬ ‫‪َ :‬م ْن َ‬
‫طا }‬ ‫س ً‬ ‫ع ْنهُ‪َ .‬وقَدْ قَالَ تَعَالَى ‪َ { :‬و َكذَلِكَ َجعَ ْلنَا ُك ْم أ ُ َّمةً َو َ‬ ‫اَّلل بَيْنَ ْالغَالِي فِي ِه َو ْال َجافِي َ‬ ‫ط ُل أ َ ْع َمى َو ْال ُم َم ِث ّ ُل أ َ ْعشَى ; َو ِدينُ َّ ِ‬ ‫صنَ ًما‪ْ .‬ال ُمعَ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫‪9‬‬
‫َّلل َربّ ِ ْالعَالَمِ ينَ‪".‬‬ ‫َاإلس َْال ِم فِي ْالمِ لَ ِل‪ .‬ا ْنت َ َهى َو ْال َح ْمدُ ِ َّ ِ‬ ‫اإلس َْال ِم ك ْ ِ‬ ‫سنَّةُ فِي ْ ِ‬ ‫َوال ُّ‬
‫فالضالل من أمثال الجهمية الفرعونية يأتون بشيء من كالم أهل العلم ويستشهدون به بعد تحريفه وينسبون هذه المعاني إليهم‪ .‬فكيف‬
‫بأصحاب السلسلة وهم ال يأتون بنقل واحد ألنهم ال يجدون شيئا يؤيد سلسلتهم‪ ,‬ثم يدعون أن جميع العلماء بل جميع المسلمين علموا ذلك‬
‫بل واستيقنوه ألنه مما يدل عليه الشهادة قطعا‪ ,‬إال أنهم لم يتكلم به واحد منهم مرة قط‪ ,‬بل وإن ذكر واحد منهم هذه السلسلة ذمها بأنها‬
‫فلسفة من عقول المعتزلة الخربة‪.‬‬
‫ال تنس أنك مطالب أيضا بذكر الدليل على إسالم من لم يكفّر زيدا‪ ،‬وإن كنت تتخذ من عدم تكلم العلماء عن كفره دليال فأنت مطالب‬
‫أيضا بقول للسابقين عن إسالمه‪ ،‬عندها تعلم أن العلماء لم يتكلموا عن شيء لم يطرأ على بالهم‪ ،‬لكن لما ُوجد من يقول بإسالمه ال بد أن‬
‫نتكلم نحن عن كفره‪ ،‬فهو الذي أنشأ السلسلة وهو صاحبها ال نحن ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ذكرنا األدلة على مسألة البراءة من المشركين و تكفيرهم من جهة األصل ‪.‬‬
‫و أما مسألة السلسلة من يقول بأنها من أصل دين اإلسالم هو مطالب أصالة بالدليل أنها من اصل دين اإلسالم حتى يلزمنا فنحن‬
‫يكفينا عدم الدليل في ع دم االعتقاد فإن كان هو عنده دليل في اعتقاده أنها من أصل دين اإلسالم فعليه أن يذكر لنا ما هو الدليل حتى‬
‫يكون هذا الدليل الزما لنا و لغيرنا و إلى اآلن لم يذكر لنا إال كالما مجردا من الدليل و ذكر لنا أصوال عامة نتفق معه عليها و ال تلزمنا‬
‫و قوله كقول من يقول ي جب عبادة هللا لمن هو يتفق معه على األصل ثم يقول لمخالفه الصالة واجبة ألن عبادة هللا واجبة فيقول له‬
‫مخالفه نعم عبادة هللا واجبة لكن أين الدليل على أن الصالة واجبة حتى أعبد هللا بالصالة فال يأتيه إال باألصل المتفق عليه وجوب عبادة‬
‫هللا فهذا الرجل يقول لنا يجب تكفير الكفار نقول له كالم نتفق معك عليه و يقول من لم يكفر من لم يكفر الكافر كافر ألن تكفير الكفار‬
‫واجب نقول له نعم تكفير الكفار واجب لكن ما هو الدليل على أن من لم يكفر من لم يكفر الكافر كافر حتى نتفق معك على قولك فإن لم‬
‫تأت بالدليل فأنت مفتري على هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫اجملموع ‪30 :5‬‬
‫‪9‬‬
‫اجملموع ‪260 :5‬‬
‫و مع ذلك نحن ذكرنا كالم بعض العلماء في أن السلسلة ليس من دين أهل السنة و إنما من دين المعتزلة المبتدعة و هم لم‬
‫يذكروا لنا نصا واحد من كالم عالم من علماء المسلمين في صحة السلسلة و نقلنا لكالم من ذكر السلسلة يدل على أن السلسلة يعرفها‬
‫العلماء و ال تخفى عليهم حقيقتها و مع ذلك لم ينقل عنهم القول بصحتها ‪.‬‬

‫ض أَنَّهُ َح ٌّق َم ْعلُو ٌم ِب ْال َع ْق ِل ‪ ،‬لَ ْم َي ِجبْ ا ْع ِت َقادُهُ ِب ُم َج َّر ِد ذَلِكَ إ ْذ ُوجُوبُ‬ ‫"ال َوجْ هُ السَّا ِب ُع ‪ :‬أَنَّ َهذَا ْالقَ ْو َل لَ ْو فُ ِر َ‬ ‫وقال رحمه هللا ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ُوب ُكلهُ َال يَثبُتُ إال بِال َّش ْرعِ ‪َ ،‬وأنَّ العَق َل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫س ِل ُمونَ أنَّ ال ُوج َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َازعُونَ فَ ُه ْم يُ َ‬ ‫ْ‬
‫ع بِ َال نِزَ اعٍ‪ .‬أ َّما ال ُمن ِ‬ ‫َ‬ ‫يءٍ ُمعَي ٍَّن َال يَثْبُتُ إال بِال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ا ْعتِقَا ِد َ‬
‫ش ْر ِ‬ ‫ش ْ‬
‫ور ِة ْال َع ْق ِل أ َ ْو‬ ‫ِ َُ َ‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫ُو‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫َ ْ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ِكَ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬
‫َُ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ْ ْ ِ َ ِ‬‫ْ‬
‫ق‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ُوب‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫إنَّ‬ ‫‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ُ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬‫َِ ََ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ئ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫بُ‬ ‫َال ي ِ‬
‫ُوج‬
‫عا َّمة أئِ َّم ِة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ورةِ العَق ِل َو َال بِنَظ ِر ِه ‪َ ،‬و ِل َهذَا اتَّفَقَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض ُر َ‬ ‫ت َال يُ ْعل ُم ُوجُوبُهُ بِ َ‬ ‫َ‬ ‫صفَا ِ‬ ‫سائِ ِل ال ِ ّ‬ ‫َاصي ِل َم َ‬ ‫مِن تَف ِ‬ ‫ظ ِر ِه ‪َ ،‬وا ْعتِقَادُ ك ََال ٍم ُمعَي ٍَّن ْ‬ ‫نَ َ‬
‫اجبًا‬ ‫ب ‪َ ،‬ولَ ْو َكانَ َو ِ‬ ‫ي ْال ُم َعيَّنُ لَ ْم َي ُك ْن ُم ْستَحِ قًّا ل ِْل َعذَا ِ‬ ‫ُول لَ ْم َي ْخطِ ْر ِبقَ ْل ِب ِه َهذَا النَّ ْف ُ‬ ‫الرس ِ‬ ‫علَى أَنَّ َم ْن َماتَ ُمؤْ مِ نًا ِب َما َجا َء ِب ِه َّ‬ ‫اإلس َْال ِم َ‬ ‫ِْ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ق العَذا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سبَبًا ِال ْستِحْ قَا ِ‬ ‫لَ َكانَ ت َْركهُ َ‬ ‫ُ‬
‫ت أ َ ْو مِ ْن أ َ َج ِلّ َها ‪َ ،‬وأَنَّ َم ْن‬ ‫اجبَا ِ‬ ‫ع ُم أَنَّ َم ْع ِرفَةَ َهذَا النَّ ْفي ِ مِ ْن ْال َو ِ‬ ‫ض غَا ِليَ ِة ْال َجهْمِ يَّ ِة مِ ْن ْال ُم ْعت َِزلَ ِة َونَحْ ِو ِه ْم يَ ْز ُ‬ ‫ض أَنَّ بَ ْع َ‬ ‫َوإِ ْن فُ ِر َ‬
‫ص ِة دُونَ‬ ‫علَى الخَا َّ‬ ‫ْ‬ ‫اس يَقُو ُل إنَّ َهذَا ِاال ْعتِقَادَ يَ ِجبُ َ‬ ‫ض النَّ ِ‬ ‫ض أنَّ بَ ْع َ‬ ‫َ‬ ‫ب ‪ ،‬أ ْو ُف ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ص ِة َوال َعا َّم ِة َكانَ ُم ْستَحِ قًّا لِل َعذَا ِ‬ ‫ْ‬ ‫مِن ْالخَا َّ‬ ‫لَ ْم يَ ْعت َ ِقدْهُ ْ‬
‫سل َم ‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫عل ْي ِه َو َ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫صلى َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ي َ‬ ‫ْطِر ِار أ النبِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫نَّ‬ ‫َ‬ ‫ب َهذا ؛ ِألنا نَ ْعل ُم بِ ِاالض َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سادَ الق ْو ِل بِإِي َجا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اإلسْال ِم ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِين ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْطِر ِار مِن د ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْالعَا َّمةِ‪ .‬فَنَحْ نَ ْعل ُم بِ ِاالض َ‬ ‫َ‬ ‫نُ‬
‫ْس ُوجُوبُ َهذَا‬ ‫علَى العَا َّم ِة ‪َ ،‬ولَي َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ِة َو َال َ‬ ‫علَى الخَ ا َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُوجبُوا ا ْعتِقَادَ َهذَا النَّ ْفي ِ ‪َ ،‬ال َ‬ ‫سائ َِر أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ لَ ْم ي ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َحابَةَ َوالتَّابِعِينَ َو َ‬ ‫َوال َّ‬
‫اَّلل } { َوأَنَّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫إال‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫{‬ ‫د‬ ‫ِ ِْ ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ُو‬ ‫ج‬ ‫ِو‬ ‫ل‬
‫ِ ينَ َ َ ٌ ُ‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫َر‬ ‫خ‬ ‫اآل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َّ ِينَ َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫األ‬ ‫ْ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ِْ ِ َ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫اال‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬
‫َ َ‬ ‫ُوب‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ِ ُ‬ ‫نَّ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫د‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ث‬ ‫مِن ْال َ َ ِ ِ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ُور }‪.‬‬ ‫ث َم ْن فِي القُب ِ‬ ‫ْ‬ ‫اَّلل يَ ْبعَ ُ‬ ‫ْب فِي َها َوأنَّ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫عة آتِيَة َال َري َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫السَّا َ‬
‫ع أَقَ َّر‬ ‫ار َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ارعِ ِل َهذَا ِاال ْعتِقَا ِد ‪َ ،‬كانَ دَع َْوى ُوجُوبِ ِه بِ ْالعَ ْق ِل َم ْردُودًا فَإِنَّ ال َّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب ال َّ‬ ‫عدَ ُم إي َجا ِ‬ ‫ْطِر ِار َ‬ ‫َوإِذَا َكانَ َم ْعلُو ًما بِ ِاالض َ‬
‫ظ ْل َم‪َ .‬و ِإذَا َكانَ ُوجُوبُ َهذَا ْالقَ ْو ِل ُم ْنت َ ِفيًا ‪ ،‬لَ ْم َي ُك ْن ِأل َ َح ٍد‬ ‫ِب َوال ُّ‬ ‫صدْقَ َو ْال َعدْ َل ‪َ ،‬و َح َّر َم ْال َكذ َ‬ ‫ب ال ِ ّ‬ ‫ت ْال َع ْق ِليَّة َوأ َ ْو َج َب َها َك َما أ َ ْو َج َ‬ ‫اج َبا ِ‬ ‫ْال َو ِ‬
‫عادَاهُ‪َ .‬و َهذا ال َم ْسلكُ ه َُو‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عل ْي ِه َو َاالهُ َو َم ْن خَالفَهُ فِي ِه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِب ت َِار َكهُ َويَجْ عَلهُ مِحْ نَة ‪َ ،‬م ْن َوافَقَهُ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ع ْن أ ْن يُعَاق َ‬ ‫َ‬ ‫اس ‪ ،‬فَضْال َ‬ ‫ً‬ ‫على النَّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُوجبَهُ َ‬ ‫أ َ ْن ي ِ‬
‫ظ َر ُه ْم قُد ََّام ْال ُخلَفَاءِ‬ ‫ظ َر ُه ْم َم ْن نَا َ‬ ‫اس‪ .‬كَاب ِْن أ َ ِبي د َُاود َوأ َ ْمثَا ِل ِه لَ َّما نَا َ‬ ‫علَى ْال َجهْمِ يَّ ِة ْال ُم ْمتَحِ نِينَ لِلنَّ ِ‬ ‫الر ِدّ َ‬ ‫سلَ َكهُ ْالعُلَ َما ُء فِي َّ‬ ‫أ َ َحدُ َما َ‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫آن ل ْم يَقلهُ النبِ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ق الق ْر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عاقبُوا ت َِار َكهُ ‪َ ،‬وه َُو الق ْو ُل بِخَل ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اس ‪َ ،‬و َ‬ ‫على الن ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ‪ ،‬فإِن ُه ْم بَيَّنوا ل ُه ْم أنَّ الق ْو َل الذِي أ ْو َجبُوهُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َص ِم َوال َواثِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ك َْال ُم ْعت ِ‬
‫علَ ْي ِه َولَ ْو َكانَ‬ ‫عاقَبُوا َ‬ ‫عا َّمتِ ِه ْم ‪َ ،‬و َال أ َم ُروا بِ ِه ‪َ ،‬و َال َ‬ ‫َ‬ ‫ص َحابِ ِه ‪َ ،‬و َال أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ َو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلَّ َم ‪َ -‬و َال أ َحدٌ مِ ْن ُخلَفَائِ ِه َو َال أ ْ‬ ‫َ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫صلَّى َّ ُ‬ ‫َ‬
‫صيبٌ ‪ ،‬ل ْمَ‬ ‫ض أنه ُم ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عقوبَة ت َِاركِي ِه ‪ ،‬ل ْم يَجُز إه َمال ُه ْم ِلذلِكَ ‪َ ،‬وإِ القائِ َل ِل َهذا الق ْو ِل ل ْو ف ِر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫نَّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق إل ْي ِه َو ُ‬ ‫َ‬ ‫عا ُء الخَل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِين الذِي يَ ِجبُ د َ‬ ‫َّ‬ ‫مِن الدّ ِ‬ ‫ْ‬
‫علَ ْي ِه ال ُم ْس ِل ُمونَ ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ص َوابٌ ‪َ ،‬و َهذَا مِ َّما اتَّفَقَ َ‬ ‫َ‬
‫علَى ت َْركِ ُك ِّل قَ ْو ٍل يَ ْعت َ ِقدُ أنَّهُ َ‬ ‫اس َويُعَاقِبَ ُه ْم َ‬ ‫علَى النَّ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ُوج َ‬ ‫يَ ُك ْن لَهُ أ ْن ي ِ‬ ‫َ‬
‫عا َّمتِ ِه ْم َويُعَاقَبُ ت َِار ُكوهُ ه َُو َما بَيَّنَهُ‬ ‫صتِ ِه ْم َو َ‬ ‫علَى ْال ُمؤْ مِ نِينَ خَا َّ‬ ‫امِن ‪َ :‬وه َُو أَنَّ ِاال ْعتِقَادَ الَّذِي يَ ِجبُ َ‬ ‫ض ُح بِ ْال َوجْ ِه الث َّ ِ‬ ‫َوذَلِكَ يَت َّ ِ‬
‫ارقَةً َبيْنَ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ونُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ِينَ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َا‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ع‬
‫ْ‬
‫َ ِ بُ ِ‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ان‬
‫ِ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫اإل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ص‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ان‬
‫ََ ُ ِِ َ َ َ ِ ِ َ ِ ِِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫اإل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪-‬‬ ‫صلَّى َّ ُ َ ِ َ َ َ‬
‫م‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫اَّلل‬ ‫ي َ‬ ‫النَّ ِب ُّ‬
‫ث‬ ‫ْس ُحك ُم َه ِذ ِه َك ُحك ِم آ َحا ِد ال َح َوا ِد ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الرسُو ِل بَيَانُهُ َوت َ ْبلِيغُهُ ‪ ،‬لي َ‬ ‫على َّ‬ ‫َ‬ ‫مِن أ ْعظ ِم َما يَ ِجبُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِي ْ‬ ‫سعَدَاءِ َواأل ْش ِقيَاءِ ‪ ،‬ه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ار َوال ُّ‬ ‫أ َ ْه ِل ال َجنَّ ِة َوالنَّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ور ْال َخ َب ِريَّ ِة الثَّا ِبت َ ِة الَّتِي َال تَت َ َجدَّدُ‬ ‫ِين ل ِْأل ُ ُم ِ‬ ‫صو ِل الدّ ِ‬ ‫ُ‬
‫الرأي ِ إذْ ِاال ْع ِتقَادُ فِي أ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع ْالك ََال ُم فِي َها ِباجْ تِ َها ِد َّ‬ ‫شا َ‬ ‫ُث فِي زَ َمانِ ِه َحتَّى َ‬ ‫الَّتِي لَ ْم تَحْ د ْ‬
‫َ‬
‫سبَبُ ُوجُوبِهِ‪َ .‬ب ْل العِل ُم بِ َها َو ُوجُوبُ ذلِكَ َما‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سبَبُ العِل ِم بِ ِه أ ْو َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت مِ َّما يَحْ دُث َ‬ ‫ُ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫صفَاتِ ِه نَفيًا َوإِثبَاتا ل ْي َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اَّلل َو ِ‬ ‫أَحْ كَا ُم َها ‪ ،‬مِ ثْ ُل أ ْس َماءِ َّ ِ‬ ‫َ‬
‫يِ‪ .‬فَإِنَّ أَ َح َّق‬ ‫اإللَ ِه ّ‬ ‫ور ْ ِ‬ ‫مِن يَ ْنبُوعِ ْال ُهدَى ‪َ ،‬ومِ ْشكَاةِ النُّ ِ‬ ‫مِن ْاآلخ َِرينَ ِل ُق ْر ِب ِه ْم ْ‬ ‫يَ ْشت َِركُ فِي ِه ْاأل َ َّولُونَ َو ْاآلخِ ُرونَ ‪َ ،‬و ْاأل َ َّولُونَ أ َ َح ُّق ِبذَلِكَ ْ‬
‫صو ِليَّة مِن أ ْعظ ِم ال ُهدَى ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫عا َّمتِ ِه ْم ‪َ ،‬و َه ِذ ِه العَقائِدُ األ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص َحابِ ِه َو َ‬ ‫اص أ ْ‬ ‫َ‬ ‫مِن خ ََو ِّ‬ ‫ب ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫الرسُو ُل بِ ْالخِ َ‬ ‫اس بِ ْال ُهدَى ‪ُ ،‬ه ْم الَّذِينَ بَاش ََر ُه ْم َّ‬ ‫النَّ ِ‬
‫فَ ُه ْم بِ َها أ َح ُّق‪.‬‬ ‫َ‬
‫عدَ ُم ُوجُوبِ ِه َم ْعلُو ٌم‬ ‫ف ْاأل ُ َّم ِة ‪َ ،‬كانَ َ‬ ‫سلَ ُ‬ ‫علَ ْي ِه َ‬ ‫سنَّ ِة ‪َ ،‬وفِي َما اتَّفَقَ َ‬ ‫ب َوال ُّ‬ ‫الرسُو ُل مِ ْن ْال ِكت َا ِ‬ ‫فَإِذَا َكانَ ُوجُوبُ ذَلِكَ ُم ْنت َ ِفيًا فِي َما َجا َء بِ ِه َّ‬
‫الرأيِ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َت غَايَتُهُ أ َ ْن يَ ُكونَ مِ َّما يُقَا ُل بِاجْ تِ َها ِد َّ‬ ‫ع ِْل ًما َويَقِينِيًّا ‪َ ،‬وكَان ْ‬
‫آرا َء ُه ْم ‪َ ،‬و ْالقَ ْو ُل ِباجْ ِت َها ِد‬ ‫عقُولَ ُه ْم َو َ‬ ‫ص َحا ُب َها ُ‬ ‫ت ‪ ،‬غَا َيت ُ َها أ َ ْن يُجْ ِهدَ فِي َها أ َ ْ‬ ‫س َّمى ْال َع ْق ِليَّا ِ‬ ‫َوحِ ينَ ِئ ٍذ فَنَقُو ُل إنَّ َه ِذ ِه ْاأل َ ْق َوا َل ا َّلتِي ت ُ َ‬
‫ع بِ ِه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫غي َْر َمقطوعٍ بِ ِه ‪َ ،‬وإِ ْن ا ْعتَقَدَ ه َُو أنَّهُ َمقطو ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِيض ‪ ،‬فَإ ِنَّهُ قَدْ يَ ُكونُ َ‬ ‫ع بِ ِه َال يَحْ تَمِ لُ النَّق َ‬ ‫طو ٌ‬ ‫ي َم ْق ُ‬ ‫ع ْق ِل ٌّ‬ ‫صاحِ بُهُ أَنَّهُ َ‬ ‫الرأْي ِ َوإِ ْن ا ْعتَقَدَ َ‬ ‫َّ‬
‫ع ِب َها فِي ْال َع ْق ِل ‪َ ،‬وت َ ُكونُ ِبخِ َالفِ ذَلِكَ ‪َ ،‬حتَّى إنَّ ْال َواحِ دَ‬ ‫طو ٌ‬ ‫ص َحابُ َها إنَّهُ َم ْق ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬
‫َ ٍ َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫مِن‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ ُْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ُو‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫مِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫نَّ‬ ‫‪ِ ،‬‬
‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫غي َْر‬ ‫ْ‬
‫َارة ً أ ْخ َرى إنَّهُ بَاطِ ٌل‪َ .‬وإِذا ل ْم يَك ْن َمقطوعًا بِ ِه فَقَدْ يَكونُ َمظنُونًا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ع بِ ِه ‪َ ،‬ويَقو ُل فِي ِه ت َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مِ ْن ُه ْم ه َُو الذِي يَقو ُل فِي القَ ْو ِل إنَّهُ َمقطو ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ظنُونَهُ ‪َ ،‬وقَدْ َي ُكونُ َم ْش ُكو ًكا فِي ِه ‪ ،‬فَ َعا َّمةُ َه ِذ ِه ْاأل َ ْق َوا ِل ْال ُمتَنَازَ عِ فِي َها‬ ‫سا ِد أ َ ْو َم ْ‬ ‫وم ْالف ََ‬ ‫طأ ً َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫سا ِد ‪َ ،‬وقَدْ َي ُكونُ َخ َ‬ ‫ص َّح ِة َو ْالفَ َ‬ ‫وم ال ِ ّ‬ ‫َم ْعلُ ِ‬
‫ِيض َها َو ْالقَط ُعْ‬ ‫َ‬
‫عدَ ُم القَطعِ بِ َها بَ ْل ظنُّ َها َوالشَّكُّ فِي َها َوظنُّ نَق ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ع بِ َها ت َ ْعت َ ِو ُرهَا َه ِذ ِه ِاالحْ تِ َماالتُ ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫الَّتِي يَقو ُل قائِل َها إنَّ َها َمقطو ٌ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِيض َها‪.‬‬ ‫ِبنَق ِ‬
‫ع َلى َجمِ يعِ ْال ُمؤْ مِ نِينَ‬ ‫ْس ُك ُّل َما َكانَ َكذَلِكَ يَ ِجبُ َ‬ ‫صاحِ بِ َها ‪َ ،‬ف َلي َ‬ ‫ص َوابٌ ِع ْندَ َ‬ ‫ص َوابًا َم ْع ُلو ًما أ َ َّن َها َ‬ ‫ث ُ َّم غَايَةُ َما يُ َقد َُّر أ َ ْن ت َ ُكونَ َ‬
‫ظاه َِرة ً‬ ‫ع ْق ِليَّةً َ‬ ‫َت َ‬ ‫ِيف بِ ُمو َجبِ َها ِل َجمِ يعِ ْال ُمؤْ مِ نِينَ ‪َ ،‬ولَ ْو كَان ْ‬ ‫ط ُر ُق ْالع ِْل ِم بِذَلِكَ قَدْ ت َ ُكونُ َخ ِفيَّةً ُم ْشتَبِ َهةً ‪ ،‬فَ َال يَ ِجبُ الت َّ ْكل ُ‬ ‫ا ْعتِقَادُهُ ‪ ،‬إذْ ُ‬
‫ب‬‫سا ِ‬ ‫سائ ِِل الحِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِير مِ ْن َم َ‬ ‫علَى ُك ِّل ال ُمؤْ مِ نِينَ ‪ ،‬مِ ث ُل َكث ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اجبًا َ‬ ‫ظ ٍر لَ ْم يَ ِجبْ فِي ُك ِّل َما َكانَ َكذَلِكَ أ ْن يَ ُكونَ ا ْعتِقَادُهُ َو ِ‬ ‫َ‬ ‫َم ْعلُو َمةً بِأَدْنَى نَ َ‬
‫غي ِْر ذَلِكَ ‪.‬‬ ‫طِبّ ِ َو ْال َه ْيئ َ ِة َو َ‬ ‫َوال ّ‬
‫عظِ ي َم ٍة ‪:‬‬ ‫ت َ‬ ‫ث ُمقَ ِدّ َما ٍ‬ ‫فَ َه ِذ ِه ث َ َال ُ‬
‫ش ْرعِ َي ُكونُ َكذَلِكَ ‪.‬‬ ‫ع ِب ِه َم ْع ُلو ٌم ِب ْال َع ْق ِل أ َ ْو ِبال َّ‬ ‫طو ٌ‬ ‫ْس َما ا ْعتَقَدَ قَائِ ُلهُ أَنَّهُ َح ٌّق َم ْق ُ‬ ‫أ َ َحدُهَا ‪ :‬أَنَّهُ لَي َ‬
‫اس‪.‬‬‫علَى َجمِ يعِ النَّ ِ‬ ‫ع بِ ِه ِع ْندَهُ ‪ ،‬يَ ِجبُ ا ْعتِقَادُهُ َ‬ ‫طو ٌ‬ ‫عل َِم ْال َواحِ دُ أَنَّهُ َح ٌّق َم ْق ُ‬ ‫ْس َما َ‬ ‫َوالثَّانِيَةُ ‪ :‬أَنَّهُ لَي َ‬
‫ظ ٍر يَ ِجبُ ا ْعتِقَادُهُ ‪َ ،‬و ِإذَا َكانَ َكذَلِكَ فَغَايَةُ َما يُبَيِّنُ َم ْن ي ِ‬
‫ُوجبُ َه ِذ ِه‬ ‫طوعًا بِ ِه بِأَدْنَى نَ َ‬ ‫ْس َما َكانَ َم ْعلُو ًما َم ْق ُ‬ ‫ِث ‪ :‬أَنَّهُ َلي َ‬ ‫الثَّال ُ‬
‫علَى ْال ُم َكلَّفِينَ َحتَّى َي ْعلَ َم ُوج َ‬
‫ُوب ذَلِكَ‬ ‫ظ ٍر َو ِإذَا َكانَ َم َع َهذَا َال َي ِجبُ ا ْع ِتقَادُ ذَلِكَ َ‬ ‫ي َم ْعلُو ٌم ِبأَدْنَى نَ َ‬ ‫ع ْق ِل ٌّ‬ ‫ع ِب ِه َ‬
‫طو ٌ‬ ‫ت أَنَّ َها َح ٌّق َم ْق ُ‬ ‫ْال َمقَ َاال ِ‬
‫ع‬
‫ار َ‬‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ِب ت َِاركِي ِه ‪َ ،‬حتَّى يُبَيِّنَ أنَّ ال َّ‬ ‫اس َهذَا ِاال ْعتِقَادَ ‪َ ،‬ويُعَاق َ‬ ‫علَى النَّ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ُوج َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ش ْر ِعيَّ ِة التِي يُ ْعلَ ُم بِ َها ال ُوجُوبُ لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ أ ْن ي ِ‬ ‫بِ ْاأل َ ِدلَّ ِة ال َّ‬
‫ْف َو ْاأل َ ْم ُر ِب ْال َع ْك ِس ِع ْندَ َم ْن يُ َب ِيّنُ أَنَّ َما قَالُوهُ‬ ‫ع َلى َهذَا ْال َوجْ ِه ‪َ ،‬و َهذَا مِ َّما لَ ْم َيذْ ُك ُروهُ َو َال َ‬
‫س ِبي َل إلَ ْي ِه ‪ ،‬فَ َكي َ‬ ‫اس َ‬‫علَى النَّ ِ‬ ‫ب ذَلِكَ َ‬ ‫أ َ ْو َج َ‬
‫سلفِ‬ ‫َ‬ ‫سنَّ ِة َوإِجْ َماعِ َ‬
‫ب َوال ُّ‬ ‫ْ‬
‫ِف لِل ِكت َا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ورةِ العَق ِل َونَظ ُرهُ ُمخَال ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ض ُر َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ص ِريحِ ‪َ ،‬ولِلنَّق ِل الصَّحِ يحِ ‪َ ،‬م ْعلو ُم الفَ َ‬
‫سا ِد بِ َ‬ ‫ْ‬
‫ِف لِلعَق ِل ال َّ‬‫ْ‬ ‫طأ ٌ ‪ُ ،‬مخَال ٌ‬ ‫َخ َ‬
‫‪10‬‬
‫ض ِدّهِ‪".‬‬ ‫ب ا ْعتِقَادَ ِ‬ ‫ِيض ِه ‪َ ،‬وأ َ ْو َج َ‬ ‫ع أَ ْخ َب َر ِبنَق ِ‬‫ار َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ْاأل ُ َّم ِة ‪َ ،‬وأَنَّ ال َّ‬
‫فوهللا كأن شيخ اإلسالم ابن تيمية قال هذا عن أصحاب السلسلة أنفسهم‪ ,‬وال عجب إذ علة ضالل كل هؤالء واحدة وهي تعظيم العقل‬
‫على النقل‪ .‬وكأن ابن القيم رحمه هللا قال لهم في وجوههم عن تقرير هذا األمر "فكيف يكون معرفة حسن بعض األفعال وقبحها‬
‫‪11‬‬
‫بالعقل مغنيا عما جاءت به الرسل فظهر أن ما ذكرتموه مجرد تهويل مشحون باألباطيل والحمد هلل"‬
‫تكفير زيد وعمرو يرجع كله لقاعدة واحدة‪ ،‬وهو مقرر بالشرع والعقل‪ ،‬أما تكفير هذا دون هذا فال يرجع إلى شرع وال إلى عقل‪.‬‬
‫والبحث في كالم العلماء عما يشبه مسألتنا يُعدّ إقرارا بأن السابقين ال يمكنهم أن يتكلموا عن شيء لم تقع فيه المخالفة في زمانهم‪،‬‬
‫وبالتالي فهو لم يطرأ على بالهم‪ ،‬فضال عن أن تنسبوا إليهم أنهم يقولون بقولكم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬يراجع التعليقات السابقة في حقيقة السلسلة و التفريق بين الحقيقة و الالزم و الزم الالزم و كذلك ذكرت أن هذه‬
‫المسألة معلومة عندهم ال مجهولة و وقعت المخالفة في عصرهم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم "ولو كانت من دين هللا أو أن اإلسالم ال يصح إال بها لذكرها هللا في كتابه أو ذكرها النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬فيلزم‬
‫من عدم ذكرها إما أنها ليست من دين هللا أو أن النبي صلى هللا عليه وسلم كتم هذا الحق ولم يأمر به وكال القولين كفر‪ .‬فمن نسب إلى هللا‬
‫شيئا لم يأت به دليل من الكتاب والسنة فهو كافر بعد قيام الحجة ومن قال بأن النبي صلى هللا عليه وسلم كتم هذا العلم ولم يبينه لم يؤمن‬
‫بالنبي صلى هللا عليه وسلم‪".‬‬
‫إن قياسكم هذه المسألة على بدعة خلق القرآن قياس باطل‪ ،‬فأصحابها جاؤوا بعقيدة جديدة‪ ،‬مخالفة لما صرحت به النصوص مسبقا‬
‫وترك النبي صلى هللا عليه وسلم الناس عليه واستمروا عليه إلى زمن المعتزلة الذين ظنوا أنهم تفطنوا لما لم يتفطن إليه سائر المسلمين‪،‬‬
‫لذلك يقال لهم‪ :‬هل يمكن أن يسكت النبي صلى هللا عليه وسلم عن دعوة الناس إلى عقيدتكم على فرض أنها صحيحة؟ فهل رضي أن يترك‬
‫الناس كفارا؟‬
‫أما من يقول بتكفير زيد وعمرو ومن بعدهما فليس هناك نصوص قد خالفها تقول بإسالمهم ولن تجدوا أن الصحابة والتابعين كانوا‬
‫يقولون بإسالم عمرو ومن بعده‪ ،‬حتى يقال اآلن‪ :‬لقد جئتم ببدعة كبدعة خلق القرآن‪ ،‬فهل سمعتم أن النبي صلى هللا عليه وسلم ترك الناس‬
‫على اعتقادهم بأن عمرا مسلم وسكت عنه إقرارا؟‬
‫ولتعلموا أنكم أنتم الذين ابتدعتم السلسلة هو أن حقيقتها هي استثناء من قاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر) التي نقر بها جميعا‬
‫وآمن بها الصحابة ومن بعدهم من المسلمين‪ ،‬ولم يخرج عنها أحد إلى أن جئتم أنتم فاستثنيتم منها صورة من صورها وهدمتموها‪ ،‬وقلتم‪:‬‬
‫نحتاج إلى دليل على تكفير كل عضو من السلسلة‪ ،‬والدليل عرفتموه وأقررتم به‪ ،‬فما كفّرتم به زيدا هو الذي تكفّرون به عمرا‪ ،‬وما‬
‫تكفّرون به عمرا هو الذي تكفّرون به من بعده ممن ّ‬
‫سولت له نفسه هذا الكفر‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ذكرت التفريق بين زيد و عمرو و تعليل التكفير و الفرق في التعليل و خالفنا في هذا التعليل هو الذي نطالب الدليل‬
‫عليه فأين الدليل على صحة قولكم ‪.‬‬
‫أما مسألتنا فأنتم تقولون أنها من أصل دين اإلسالم أي ال يصح اإلسالم إال بها فهذا التقرير يجب أن يوجد من غير حاجة لمخالف‬
‫أصال فمسألة مثال البراءة من المشركين و معنى الم شرك هو من عبد غير هللا أو تولي من نقض اإلسالم مع علمه بنقض اإلسالم أو‬
‫تولي من حاد هللا و رسوله هذه أصول متفق عليها لكن خالفنا في هذا الناقض أو المحادة هلل فهناك صور متفق عليها و هناك صور‬
‫مختلف فيها و صور المتفق عليها قد ال يتصورها المسلم جيدا فال يكفر حتى تقام عليه الحجة و يعلم تصورها ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفتاوى الكربى ‪95 :4‬‬
‫‪11‬‬
‫مفتاح دار السعادة ‪118 :2‬‬
‫نصوص أخرى عن القدماء في بطالن السلسلة وذمها‬
‫قال عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق "وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية هللا تعالى باألبصار بال كيف فهو‬
‫كافر والشاك في كفره كافر وكذلك الشاك في الشاك ال إلى نهاية"‬
‫وقال أيضا "وأما المرجئة القدرية كأبي شمر وابن شبيب وغيالن وصالح قبة فقد اختلفوا في اإليمان فقال ابن مبشر‬
‫اإليمان هو المعرفة واإلقرار باهلل تعالى وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه األمة كالصالة والزكاة والصيام والحج وتحريم‬
‫الميتة والدم ولحم الخنزير ووطء المح ارم ونحو ذلك وما عرف بالعقل من عدل اإليمان وتوحيد ونفى التشبيه عند وأراد بالعقل‬
‫قوله بالقدر وأراد بالتوحيد نفيه عن هللا تعالى صفاته األزلية قال كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر والشاك في الشاك أيضا كافر‬
‫ثم كذلك أبدا" انتهى‬

‫ونقل أبو الحسن األشعري في كتابه مقاالت اإلسالميين في باب مقاالت المرجئة "وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن‬
‫أبي شمر أنه كان يقول أن اإليمان هو المعرفة باهلل واإلقرار به وبما جاء من عنده ومعرفة العدل يعني قوله في القدر ما كان‬
‫من ذلك منصوصا ً عليه أو مستخرجا ً بالعقول مما فيه إثبات عدل هللا ونفي التشبيه والتوحيد وكل ذلك إيمان والعلم به إيمان‬
‫والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافر أبدا ً ‪ ،‬والمعرفة ال يقولون أنها إيمان ما لم تضم اإلقرار وإذا وقعا كانا جميعا ً إيمانا"‬
‫وجاء في نفس المصدر أيضا "وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر أنهم يكفرون من رد قولهم في القدر والتوحيد‬
‫ويكفرون الشاك في الشاك" انتهى من كتاب مقاالت اإلسالميين‪.‬‬

‫وفي كتاب التنبيه والرد للملطي قال "فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول في الشاك والشاك في الشاك‬
‫ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة ال اختالف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر ألن الشاك في الكفر ال‬
‫إيمان له ألنه ال يعرف كفرا من إيمان فليس بين األمة كلها المعتزلة ومن دونهم خالف أن الشاك في الكافر كافر ثم زاد‬
‫معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى األبد إلى ما ال نهاية له كلهم كفار وسبيلهم سبيل‬
‫الشاك األول وقال معتزلة البصرة الشاك األول كافر ألنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك ليس بكافر بل‬
‫هو فاسق ألنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم ال فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك األول وكذلك‬
‫عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما ال نهاية له كلهم فساق إال الشاك األول فإنه كافر وقولهم أحسن من قول أهل‬
‫بغداد"‬
‫ليس في هذه النقول إن جاز أصال اإلستدالل بمثلها إبطا ٌل لتكفير أعضاء السلسلة التي نتحدث عنها‪ ،‬فما ابتدعه هؤالء هو‬
‫تكفير من يخالف عقائدهم المبتدعة‪ ،‬ثم تسلسلوا‪ ،‬وليس البدعة في التكفير بالتسلسل إن حدث لو كان مناط الكفر الذي تحدثوا‬
‫عنه صحيحا‪ ،‬ولذلك أنكر عليهم أهل السنة التكفير بذلك فما بالك بتكفير من لم يكفّر بذلك؟ ولهذا قال الملطي أن من توقف في‬
‫الثاني أحسن ممن تسلسل أكثر من ذلك مادام مناط التكفير باطال أصال‪.‬‬
‫فأهل األهواء هؤالء كما ظهر في هذه النقول كانوا يكفّرون من يخالف بدعهم التي يعتبرونها من أصل الدين‪ ،‬ويبنون على ذلك تكفير‬
‫أصحابهم الذين ال يكفّرون عامة المسلمين المخالفين لهم‪ ،‬وما بني على باطل فهو باطل‪ ،‬فلم يختلفوا في تكفير أهل الكتاب وغيرهم من‬
‫الكفار‪ ،‬ولم يختلفوا في تكفير عبدة القبور كما هو الحال في عصرنا‪.‬‬
‫وكذلك الحديث عن تكفير َمن في السلسلة إن لم يحدث خالف في تكفير الكافر حقا في ذلك الزمان ولم يكن هنالك زيد وال عمرو‬
‫يُعتبر تنطعا ممقوتا‪ ،‬لكن يوجد من يقول اليوم أن أهل الكتاب مؤمنون باهلل‪ ،‬ويوجد من يعتبره مسلما‪ ،‬وقد ُو جد المشرك‬
‫األول الذي ي َ عتبر شركه إسالما ويعتبر نفسه مسلما ويعتبره زيد مسلما‪ ،‬ووجد عمرو الذي يك ف ّ ر األول ويعتبر زي دا‬
‫مسلما‪ ،‬و ُو جدتم أنتم الذين تك ف ّ رون الكافر األول والثاني وتعتبرون الثالث مسلما‪ ،‬فهذه عدة حلقات من السلسلة‬
‫موجودة على أرض الواقع‪ ،‬وال بد أن ألهلها حكما‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬توجيه كالم العلماء يكفي في بطالنه مقارنة كالم العلماء بكالم هذا الرجل فالملطي ال يتكلم عن خطأهم في اعتقادهم‬
‫في مسائل أخرى إنما خطأهم في التسلسل لذا ذكر ما هو مجمع عليه و يوافق المعتزلة أهل السنة و بين ما يخالف فيه المعتزلة أهل‬
‫السنة فهناك في هذه المسألة قدر متفق عليه و هو تكفير من لم يكفر الكافر و هناك قدر مختلف فيه و هو تكفير الشاك في الشاك و‬
‫هناك قول آخر للمعتزلة تفسيق الشاك في الشاك فليس الكالم لمن كان منصفا عن اعتقاد المعتزلة في مسائل أخرى إنما في مسألة‬
‫التسلسل ‪.‬‬
‫شبهة‪ :‬مثال لهم فيه شخص يتخيلونه ثم يكذبون علينا أننا ال نكفره‪ ,‬بل نكفر مثله لظهور كفره ال لبدعتهم‬
‫الشبهة‪ :‬يصورون مثاال بأ نه لو أنكر فالن وجود هللا مثال أو انتسب إلى الهندوسية وعبادة البقر‪ ,‬ثم ال يكفره ثان فهو مثله‪ .‬وكل من‬
‫نظر إلى هذا الثاني المتوقف في كفر من أنكر وجود هللا أو تدين بالهندوسية‪ ,‬ال بد أن يعلم أنه كافر وكيف يشك في كفره وهو مسلم‪ ,‬هذا‬
‫مستحيل عذره‪ ,‬ولذلك ال يمكن أن يكون الثالث مسلما‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬األمر هنا وفي جميع الحاالت ال يتعلق بسلسلتهم البدعية‪ ,‬بل يتعلق بظهور األمر وخفاءه‪ .‬فإن من ينتسب إلى الهندوسية ال‬
‫أحد من المسلمين يعتبره مسلما‪ .‬ولذلك لو زعم أحد أنه مسلم ثم يأتي ويؤا خي عباد البقر ال يستريب في كفره مسلم‪ .‬فمن يفعل ذلك اليوم؟‬
‫إسالم الهندوس عباد البقر‪ ,‬هذا إما أن يكون ملحدا كفره أظهر من الشمس‪ ,‬وإما أن يكون مجنونا‪.‬‬
‫َ‬ ‫أين إنسان يدعي اإلسالم لنفسه ومع ذلك‬
‫فاألمر يتعلق بظهور المسألة‪ .‬فإن كانت ظاهرة بحيث ال يتصور أن يغفل إنسان عن إدراك حقيقة هذا األمر فإنه كافر ال يعذر وال يتصور‬
‫له غفلة عن هذا في الواقع‪.‬‬
‫وهذا األمر يتعلق بالواقع‪ .‬فينظر المجتهد في الواقع ليعلم هل يتصور أن هذا يغفل عنه إنسان‪ ,‬أم المسألة على درجة من الظهور‬
‫بحيث ال يدعي هذا أحد مطلقا على وجه األرض لبداهته إال المجنون‪.‬‬
‫وهكذا عند من أنكر وجود هللا تعالى‪ .‬من يقول لهذا إنه مسلم ثم يدعي اإلسالم لنفسه؟ ال أحد إال مجنون أو مستهزئ بالدين أشد‬
‫االستهزاء‪ .‬ومن يشك في كفر أمثاله ؟ بل كفره أظهر من الشمس ألجهل المسلمين‪ ,‬بل الكافرون يجزمون أن هذا مستهزئ بدين اإلسالم‪,‬‬
‫فكل يدرك استهزاءه عند أول لحظة‪.‬‬
‫فال مستمسك ألصحاب السلسلة في هذا مهما تمنوه لدعم بدعتهم‪ ,‬فتكفير مثل هذا بين ألبسط المسلمين‪ ,‬لكن تكفيره لظهور الكفر في‬
‫تلك الحالة‪ ,‬ال لبدعتهم ولزعم أنه جزء من سلسلة‪.‬‬
‫ثم ال بد أن يقال هنا‪ ,‬إ ن هناك تلبيسا آخر لديهم في هذا المثال وهو أنهم ال يريدون أن يثبتوا به كفر ثالث أو رابع وهكذا‪ ,‬بل يريدون‬
‫أن يثبتوا صحة التكفير بالتسلسل‪ .‬وهذا لن يمكن حتى على جهلهم وسوء قصدهم‪ .‬فحتى في هذا المثال ينطبق كل ما قلناه من قبل‪ .‬فلن‬
‫تكون هناك سلسلة تطول‪ ,‬ولن يستوي الخامس والسادس والمائة بمن أنكر وجود هللا أو الهندوسي أو من جعلهما مسلمين استهزاءا بالدين‬
‫أو جنونا منه‪ ,‬إلى غير ذلك من الحجج التي ذكرت في بطالن السلسلة‪ .‬بل إنما هو تلبيس منهم وشبهة‪ .‬يعرضون على الجهال هذا المثال‬
‫الواضح‪ ,‬فعندما يسلِّم الجاهل بقولهم في هذا المثال يلزمونه بالسلسلة وهكذا يريدون أن يتوصلوا إلى نصرة بدعتهم‪.‬‬
‫هنا يبلغ العجب مداه‪ ،‬هل نحن متفقون أم مختلفون؟‬
‫الكفر الذي نتكلم عنه هو الكفر‪ ،‬وال فرق بين كفر وآخر‪ ،‬فالقاعدة تطبق على من يؤمن بإسالم الهندوسي كما تطبق على من يؤمن‬
‫بإسالم العلماني وعابد القبر سواء بسواء‪ ،‬وإذا كنت ترى أن من يؤمن بإسالم الهندوسي يستحيل إسالمه كما يستحيل إسالم من يأتي بعده‪،‬‬
‫فقد دخلت في التكفير بالسلسلة‪ ،‬وال أراك ستتوقف عن تكفير أي عضو منها متى ُوجد‪.‬‬
‫وإن كان كفر هذا الذي ال يكفّر الهندوسي ظاهرا وكفر من لم يكفّره ظاهرا أيضا ويستحيل إسالمهم جميعا‪ ،‬فكيف لو وضعنا مكان‬
‫هذا الهندوسي عابدا للقبر أو متحاكما إلى الطاغوت‪ ،‬هل يصح أن يخفى على مسلم حكم من يخالفه في حلقة من الحلقات؟‬
‫وقد وجد اليوم من يعتبر اليهود والنصارى مؤمنين باهلل يدخلون الجنة إن تمسكوا بشرائع كتابهم‪ ،‬فإن قلت‪ :‬هذا ال يفهم معنى الشهادة‬
‫وسلمت بتكفير أعضاء السلسلة إن وجدوا‪ ،‬ولم يمكنك التوقف في أي حلقة من حلقاتها‪ ،‬فنقول‪ :‬على مثل هذا‬ ‫أصال ويكفر من ال يكفّره ّ‬
‫نتكلم نحن‪.‬‬
‫وسواء ُوجد مسلم يتوقف في أي حلقة من الحلقات أم لم يوجد أم كان نادرا‪ ،‬فالذين يكفّرون حلقات السلسلة كلها‪ ،‬ال يفرضون‬
‫وجودها حتما‪ ،‬بل متى وجد مسلم يكفّر هذه الحلقة ويأبى تكفير من بعدها فهو كافر‪ ،‬وسواء فعل هذا استهزاء أو عنادا أو جنونا أو جهال‬
‫إن صح أن يجهل أو يتأول فهو كافر ترك تكفير الكافر‪ ،‬فإن لم توجد السلسلة فبها ونعمت‪ ،‬لكنكم تبطلون تكفير أهلها مع فرض وجودهم‪.‬‬
‫ال يصح القول أنه لن يكون من يتوقف في أي حلقة‪ ،‬فعلى من تدافعون إذن؟ لقد فرضتم وجود من يتوقف وأنتم حلقة من حلقات‬
‫سولت له نفسه أن يتوقف لشبهة أو شهوة أو‬
‫السلسلة (إسماعيل)‪ ،‬ولم تقبلوا الحكم على ما هو واقع فهمتموه‪ ،‬فالمشكلة ما الذي نحكم به إذا ّ‬
‫عنادا أو استهزاء؟ فال يهمنا السبب ولكن يهمنا الحكم‪.‬‬
‫بمثل هذه الشبهات واإللتواءات صنعتم السلسلة حقيقة ولم تعُد وهمية‪ ،‬ثم تفرضون علينا أن نعتقد بإسالمكم وإال فنحن أهل هذه‬
‫البدعة‪.‬‬
‫لو اتفقنا على تكفير الكافر حقيقة ما كان للسلسلة أن تحدث‪ ،‬فالتكفير ما قاد المسلمين يوما إلى السلسلة‪ ،‬بل عدم التكفير هو الذي‬
‫يحدث السلسلة ‪.‬‬

‫قال أبو مريم ‪ :‬يراجع التعليقات السابقة في حقيقة السلسلة و التفريق بين الحقائق و لوازمها ‪.‬‬
‫‪ -7‬لو فرض صحة قولهم في المسألة النقطعت السلسلة في أولها لكون المسألة مسألة اجتهاد‬
‫بعد كل ما تقرر مما سبق في هذا الكتاب ومسائله ال يبقى أي شك في بطالن السلسلة وغلو القائلين بها‪ .‬فحتى لو افترضنا صحة‬
‫قولهم في مسألة من يسمونه الثالث‪ ,‬ونحن ن خطئهم فيها لعدم الدليل على ذلك بل لألدلة المبطلة له‪ ,‬لكن لو افترضناه تنزال‪ ,‬النقطعت‬
‫سلسلتهم مع ذلك على كل حال‪ .‬ألن المسألة عندئذ غاية ما تكون أنها من مسائل االجتهاد‪ ,‬ويدخل فيها إمكان الخطأ وعدم التصور‬
‫الصحيح من عدة جوانب‪ ,‬فيدخل فيها العذر بال أدنى شك‪ .‬وإن زعمت المتسلسلة أن أدلة عقولهم قاطعة فإن زعمهم هذا في غاية المكابرة‪.‬‬
‫فكيف أمر المتسلسلة إذاً والحقيقة أنهم ال يملكون دليال واحدا‪ ,‬بل األدلة الكثيرة عليهم من جهة العقل والفطرة واللغة والشرع؟‬
‫لحد اآلن لم نجد دليال نقليا وال عقليا على بطالن تكفير من لم يكفّر الكافر في أي حلقة ُوجدت‪ ،‬أما مسألة عدم التصور إن وجدت‬
‫فصاحبها معذور إن لم يتصور مناط الحكم أو الواقعة‪ ،‬وليس معذورا في عدم تصور الحكم إن فهم الواقعة‪ ،‬وهذا ينطبق على الجميع‪،‬‬
‫تصور وفهم الواقعة ولم يحكم عليها بالحكم‬
‫ّ‬ ‫فحتى زيد إن لم يتصور حقيقة كفر الكافر يعذر في ترك تكفيره‪ ،‬لكنكم تهدمون تكفير من‬
‫الصحيح ابتداء من عمرو فقط ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هناك فرق بين تصور النوع و تصور العين فكما أنه يقع الخطأ في تصور العين يقع الخطأ في تصور النوع و‬
‫الكالم في تكفير عمرو الخطأ فيه من جهة الخطأ في النوع فالمسألة التي أخطأ فيها عمرو ال بد من النظر فيها هل جهلها يناقض أصل‬
‫دين اإلسالم أم ال ؟‬
‫فهنا المطالبة بالدليل ال مجرد الدعوى و االحتجاج بأدلة متفق عليها و أصول متفق عليها ‪.‬‬

‫كذبهم علينا وأنه تكفير بالزم القول في غير محله‬


‫هؤالء يدعون أننا نقول بإمكان إسالم من جهل معنى الشهادة‪ .‬وكذلك يدعون أننا نقول بإمكان إسالم من لم يكفر بالطاغوت‪ .‬وهذا‬
‫كذب واضح علينا‪ .‬لكنهم يقولون بأن هذا يلزم من قولنا فيجعلوننا جزئا من سلسلتهم ثم يدعون بناء على ذلك أننا لم نعلم معنى الشهادة‪,‬‬
‫ألن النظرية التي جاءت من الدليل القاطع من عقولهم قالت هذا‪ .‬واألعجب من ذلك أن كثيرا ممن يدعي المشيخة من أصحاب السلسلة‬
‫تعلموا معنى ال إله إال هللا منا‪ ,‬فادعاءهم هذا من أصرح الكذب إن لم يكن جنونا‪.‬‬
‫ال أحد يوحى إليه‪ ،‬ولعلنا كلنا تعلمنا عن مشايخ مثل القرضاوي واأللباني ونحن اآلن نعتبرهم كفارا لم يحققوا اإلسالم وأنهم جاهلون‬
‫بمعنى الشهادة‪ ،‬فال يتكبر اإلنسان عن الحق وإن جاءه من جاهل ‪.‬‬
‫فكيف يكفروننا بأنا ال نكفر من جهل اإلسالم ونحن نقول من جهل اإلسالم فإنه كافر‪ ,‬سواء أكان من سلسلتهم الرقم األول أو الثاني‬
‫أو األلف أو المليون أم كان خارج سلسلتهم المتوهمة أصال‪ ,‬فإنه كافر عندنا وعند جميع المسلمين على كل حال‪ ,‬وال يمكن أن يكون مسلما‬
‫أبدا؟ وهؤالء يعلمون ذلك عنا ثم يكذبون علينا‪ .‬وهو كما قال ابن حزم رحمه هللا‪:‬‬
‫قال ابن حزم "وأما من كفَّر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ ألنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به‪ ،‬وإن لزمه‬
‫‪12‬‬
‫فلم يحصل على غير التناقض فقط‪ ،‬والتناقض ليس كفراً‪ ،‬بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر‪".‬‬
‫ليست المسألة تكفيرا بالمآل‪ ،‬وإنما هو تكفير بحقيقة اإلعتقاد الصريح منك‪ ،‬فأنتم تعتقدون بإسالم من يخالف قاعدة (من لم يكفّر الكافر‬
‫فهو كافر) فيعتبره مسلما ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ال شك أن من يقول بعدم تكفير من لم يكفر المشركين يصرح بها و اعتقاده واضح لكن الكالم ليس في نسبة هذا‬
‫االعتقاد له و وضوحه لكن الكالم هنا فيمن جهل هذا األمر هل يكفر بعد قيام الحجة أم قبلها هذه هي حقيقة الخالف فما نعتقده أن خطأه‬
‫في تطبيق هذه القاعدة ال في جهلها لظنه أن هذا الناقض ال يكون ناق ضا إال بعد قيام الحجة لذا لم يكفر من أخطأ فيه ضرورة لكن يعتقد‬
‫جملة أن من لم يكفر الكافر ال يكون مسلما ‪.‬‬
‫فلو افترضنا وجود االختالف في مسألة من لم يكفر من لم يكفر المشرك ووجود من يقول باستحالة إسالم هذا على كل حال تتصور‪,‬‬
‫فحتى هنا ال تخرج المسألة عن كنوها مخت لفا فيها‪ ,‬ألن األدلة ليست مقطوعا بها في داللتها وألن أنظار البشر وتصوراتهم تختلف اختالفا‬
‫شديدا‪ .‬فغاية األمر أن يقول فالن ال يمكن أن يقع في الوجود ما يسمونه ثالثا وهو يعلم معنى الشهادة‪ ,‬ويقول اآلخر بل هذا يتصور وجوده‬
‫في الواقع ولو كان هذا ال يمكن أن يقع لَدَ َّل الدليل الواضح من الشرع على استحالة إسالمه‪ .‬فحتى في هذه الحالة المفترضة من االختالف‬
‫ال تخرج المسألة عن كونها اختالفا في تنزيل األصل‪ .‬وهذا دليل واضح آخر على انقطاع السلسلة في أولها على كل حال‪.‬‬
‫لو سألت صحابيا عن حالة زيد الذي لم يكفّر الكافر األول ألنكر أن يقول بشر بهذا والتهمه واتهمك بالجنون أو اإلستهزاء‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد ُوجد من بعد أناس مثل زيد في الواقع واقتضى األمر بيانَ حكمهم‪ ،‬واختالف الناس في وجود مثل زيد ال يجعل منه مسلما أو أمرا‬

‫‪12‬‬
‫الفصل ‪294/3‬‬
‫اجتهاديا أو خالفيا عندما يقع‪ ،‬بل الخالف في وجوده كونه مخالفا لبداهة العقول‪ ،‬فقد ال يتصور مسلم أن مسلما آخر يقع في هذا الكفر‬
‫والتناقض البيّن‪ ،‬لكن إن ُوجد ال بد أن يعتقد بكفره ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الرد تم في تعليقات سابقة ال يحتاج إلى الرد هنا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم "فالمقصود هنا بيان أننا نعتقد أنه ثبت بالكتاب والسنة واإلجماع أنه ال يصح ألحد إسالم إال بالبراءة من الشرك‬
‫والمشركين‪ ,‬وأن من لم يتبرأ من الشرك ولم يحكم على المشرك بالخروج من اإلسالم ال يكون مسلما‪ ,‬وهذا األصل هم يتفقون معنا فيه‪,‬‬
‫وهذا عمدتهم في هذه المسألة‪ ,‬وال يجدون دليال غير هذا على مسألتهم في السلسلة‪.‬‬
‫فالخالف إذاً في تنزيل هذا األ صل على األعيان‪ ,‬والتنزيل على األعيان يسمى عند أهل العلم تحقيق المناط‪ ,‬وتحقيق المناط يقع فيه‬
‫الخالف بين أهل العلم‪ .‬فقد يختلف بعض أهل العلم في بعض األعيان أنه مشرك باختالف تصور وجود هذه األعيان ووقوع الشرك منها‬
‫وظهور هذا وخفاءه‪ .‬فالجاهل بحال بعض األعيان والصور مع تحقيقه ألصل دين اإلسالم ال يكون كافرا عند أهل العلم‪ ,‬ألن العالم قد‬
‫يجهل هذه الصور أو لم يتصورها جيدا أو بلغه شيء من هذه الصورة ولم يبلغه البعض اآلخر‪ ,‬فاختلف حكمه باختالف تصوره للقضية‪,‬‬
‫والقاعدة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪ ".‬اهـ‬
‫إن جهل الحال وعدم تحقيق المناط وعدم تصور القضية ال ينطبق على عمرو فقط‪ ،‬فلماذا ال تنفون تكفير زيد بحجة جهل الحال‬‫ّ‬
‫وعدم التصور‪ ،‬وهي تصدُق فيه كما تصدق في عمرو ومن بعده؟ فوفق هذه الحجة حتى زيد ال يستحيل إسالمه في كل األحوال‪ ،‬ولكننا‬
‫في الحقيقة ال نختلف فيمن يجهل الحال‪ ،‬بل نختلف فيمن يعلمه ويتصوره وال يحكم عليه بالحكم الصحيح‪ ،‬وهذا هو الذي تنفون كفره ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت في رد سابق أن الخطأ قد يكون في العين و قد يكون النوع و مسألتنا الخطأ في تحقيق مناط النوع أي ظنه‬
‫أنه هذه الصورة ال تكون نقضا لإلسالم إال بعد قيام الحجة ‪.‬‬
‫ذكر ما كتبه بعض الجهال منهم ليكون مثاال لموضوع هذا الكتاب‬
‫هذا ذكر بعض ما كتبه أحد من يطلب الجاه الرياسة من هؤالء‪ ,‬والمراد من إيراده تبيين جهلهم وأن قولهم يوافق ما قلنا عنهم تماما‪,‬‬
‫وليكون مثاال لموضوع هذا الكتاب كله وكيف يضل كثير من الناس في هذه المسائل اليوم‪ .‬أما الرد عليه فإنه جاء مفصال في ما سبق‪.‬‬
‫• قوله‪" :‬فنحن جازمون بأن التكفير بالتسلسل يصح‪ ,‬بشرط كون كفر األول في السلسلة كفرا في أصل الدين‪ ,‬أو كفرا في غير أصل‬
‫الدين مع عدم عذره ألن الحجة قد أُقيمت عليه‪ .‬فمن لم يكفر األول فهو كافر‪ ,‬ومن لم يكفر الثاني فهو كافر‪ ,‬ومن لم يكفر الثالث فهو كافر‬
‫أيضا‪ ,‬وكذلك الرابع والخامس والسادس إلخ‪ ,‬بشرط علمهم بحال من سبقهم في السلسلة وهذا ال يشك فيه من كان يؤمن باهلل واليوم‬
‫اآلخر‪".‬‬
‫يستفاد من هذا النقل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إنه يظن أن جزمه بالسلسلة يفيد عندنا شيئا‪ .‬فهل بجزمه يلزمنا اإليمان بها؟ بل هي دعوى بال دليل كما سبق‪.‬‬
‫‪ -‬قولهم بالسلسلة إلى األبد وذلك لما كتب "وكذلك الرابع والخامس والسادس إلخ"‪ ,‬فما معنى إلى آخره هنا؟‬
‫الكالم عن سلسلة وهي غير موجودة في واقعة من الوقائع هو تكلف ظاهر‪ ،‬وكالم نظري ال يترتب عنه عمل‪ ،‬لكن إن تحققت حلقة‬
‫من حلقات هذه السلسلة فال بد أن يتحقق حكمها‪ ،‬وأنتم ال تنكرون وجود السلسلة فقط‪ ،‬فلو كان الخالف منحصرا في هذا لما كان فيه حرج‪،‬‬
‫وإنما أنتم تنكرون كفر أهلها حتى وإن ُوجدوا حقا ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬نحن لو افترضنا وجود هذه السلسلة ال نكفر كل من فيها ألن حقائق فعل من في السلسلة تختلف من فعل آلخر و‬
‫ليس كلها نوع واحد و قد بينت في تعليق سابق الفرق بين الحقيقة و لوازمها و لوازم الالزم إلى ما ال نهاية ‪.‬‬
‫‪ -‬من شك في السلسلة ال يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ,‬فاإليمان بالسلسلة هو اإليمان باهلل واليوم اآلخر‪.‬‬
‫من شك في كفر أهل السلسلة فقد آمن بإسالم الكافر فلم يكفر بالطاغوت ولم يؤمن باهلل‪ ،‬حتى وإن آمن بكل عقائد اإلسالم األخرى‪،‬‬
‫ألن اإلسالم كل ال يتجزأ كما هو معلوم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الكالم المجرد من الدليل ال يلزم أحد فأين الدليل على أن السلسلة من دين هللا فضال على أنها من أصل دين اإلسالم‬
‫و أنه ال يؤمن أحد حتى يؤمن بالسلسلة ‪.‬‬

‫‪ -‬أدخل هنا في السلسلة من لم يكفر من قامت عليه الحجة‪ ,‬وهذا ال يصدر إال عن جاهل جهول‪.‬‬
‫قال أبو مريم " فإذا كانت المسألة يعذر فيها بالجهل والتأويل في أصلها‪ ,‬وأقيمت الحجة على األول فإن جميع من بعده في السلسلة ال‬
‫يعذرون بالجهل والتأويل؟ وهذا التناقض ال يقوله إال من هو من أجهل الناس‪ .‬فإذا كان األصل وهو األول الذي تبنى عله السلسلة يعذر‬
‫بالجهل‪ ,‬فمن باب أولى أن يعذر من بعده‪ ,‬ألن سبب كفره أنه لم يكفر األول‪ .‬والثالث لم يكفر الثاني وهلم جرا‪ .‬وكلما بعد عن األصل كان‬
‫أقرب للعذر بالجهل‪ .‬فيجعلون قول كل معين في السلسلة من أصل دين اإلسالم‪".‬‬
‫لو جهل مسلم وجوب الصالة أو تحريم الخمر لكان مسلما‪ ،‬لكن لو قامت عليه الحجة في ذلك وأنكر حكم هللا لكان مرتدا‪ ،‬وإذا عرف‬
‫مسلم آخر حال هذا المرتد ال بد أن يعرف حكمه ابتداء وال يصح أن يجهل هذا‪ ،‬فال يصح أن يجهل مسلم حكم منكر الصالة ومستحل‬
‫الخمر‪ ،‬وال يقال ال بد أن تقام الحجة على هذا المسلم على كفر هؤالء‪ ،‬ألن حكم المستحل والمنكر لشرع هللا ال يمكن أن يجهله مسلم‪ ،‬أما‬
‫حكم الصالة فمن الممكن جهله ولذلك ال يكفر جاهلها إال بعد الحجة واإلنكار‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هناك فرق بين حكم اإلسالم اإلجمالي و بين الحكم التفصيلي فالمسلم ال بد أن يعتقد أن كل من لم يقبل حكم هللا‬
‫سواء باستحالل أو استكبار ال يكون مسلما لكن قد يخطئ المسلم فيظن أن بعض الصور ال تدخل في االستحالل و االستكبار فالمسلم قد‬
‫يجهل حكم الصالة أي هل هي واجبة أم ال ؟‬
‫و هل الخمر حرام أم ال ؟‬
‫و هو في حقيقته ال يرى وجوب الصالة و ال يرى حرمة الخمر و هذا االعتقاد في ذاته كفر لكن لما كان المسلم يمكن أن يجهل هذا‬
‫فم تى ما ثبت أن مثله يجهل هذا ال يكفر حتى تقام عليه الحجة و ال يعني هنا جهله أنه يجهل وجوب اعتقاد ما ثبت وجوبه بالشرع أو‬
‫اعتقاد تحريم ما ثبته حرمته بالشرع ‪.‬‬
‫و هذا ما نتكلم عنه فيجب أن يعتقد المسلم أنه ال يصح اإلسالم إال اعتقاد أنه من ينقض اإلسالم ال يكون مسلما هذا من جهة‬
‫اإلجمال فكل من ثبت أنه نقض إسالمه عليه أن يحكم عليه بأنه ليس بمسلم لكن قد يشكل عليه بعض الصور هل تدخل في هذه األصل‬
‫أم ال ؟‬
‫فمتى كانت الصورة صريحة في جهله هذا األصل حكم بأنه ليس بمسلم كحكمه على من عبد غير هللا مع إقراره بأنه عبد غير هللا‬
‫باإلسال م لكن هناك صور قد تخفى عليه فال يكفر حتى تقام عليه الحجة و تكون من جنس الصالة و الحج و من جنس تحريم الخمر و‬
‫الربا ‪.‬‬
‫• أرادوا أن يبينوا تحت عنوان "البراءة من المشركين شرط لإليمان برب العالمين" أن السلسلة من أصل الدين‪ ,‬ومن فهم ما سبق‬
‫يعلم أن مجرد العنوان يناقض السلسلة والكاتب ال يشعر‪ .‬فقال "وما كان للمسلم أن يقول على من يعبد غير هللا‪ ,‬أو يجحد آيات من كتاب‬
‫هللا‪,‬أو يعتقد صحة األديان األخرى‪ ,‬أن يراه على دينه‪ ,‬بل إن كان يراه على دينه فهو يكذّب أقوال هللا تعالى الصريحة‪ ,‬التي تدل على كفر‬
‫كل من لم يؤمن باهلل وبدينه‪".‬‬
‫وهذا الكالم‪ ,‬وخاصة في هذا السياق‪ ,‬فيه ما فيه من عدم الدقة والخلط والجهل الكبير بألفاظ الشرع‪:‬‬
‫‪ -1‬علل كل ذلك بتكذيب النصوص‪ .‬لكن فرق بين فعل الشرك وتكذيب النصوص؟ فهل هو اآلن مما يسميه بأصل الدين أم ال؟ أما‬
‫تكذيب النصوص فهذا قد يعذر فيه اإلنسان إذا لم تقم عليه الحجة‪.‬‬
‫فما مراده بقوله‪ :‬ما كان لمسلم؟ ال يجوز له‪ ,‬فهو حرام؟ أم هو ما حكم هللا بأنه كُفر؟ أو يستحيل إسالمه على كل حال؟‬
‫‪ -2‬يسوي بين عبادة غير هللا وجحود آيات من كتاب هللا؟ ويسوي بين اعتقاد صحة األديان األخرى وجحود آيات من كتاب هللا؟‬
‫فماذا يريد بالجحود هنا؟ من أنكر آية من كتاب هللا‪ ,‬أنكر وجودها أو ثبوتها وكونها آية ثم العمل بها‪ ,‬فهذا قد يكون معذورا إذا كانت‬
‫هذه اآلية لم تبلغه أو لم تثبت عنده‪ .‬بل قد حدث ذلك ألئمة كبار‪ ,‬أنكروا شيئا مما هو ثابت في القرآن ونقطع بكونه قرآنا اليوم جميعا‪.‬‬
‫فأنكره ألنه عنده لم يثبت ولم يعلم بتواتره‪.‬‬
‫فكيف يسوي بين هذا وذاك ويجعل هذا مما يسميه عنده أصل الدين؟ وأبعد من ذلك من لم يكفره فهذا كفره من أصل الدين عندهم‬
‫أيضا‪ .‬فإذا كان الجاحد لآلية معذورا في حاالت فإن من توقف في كفره أعذر منه‪ .‬بل قد يكون هذا الجاحد كافرا في نفس األمر ألنه رد‬
‫شيئا ثابتا عنده من هذا الدين‪ ,‬ومع ذلك لم يتبين هذا لمن ينظر إليه فيعذره‪.‬‬
‫هذا ال خالف فيه‪ ،‬أن يجهل أحد مثل هذا فال أحد كفّره فضال عن أن يكفّر من لم يكفّره‪ ،‬فالكالم عن الجحود بعد إقامة الحجة ال‬
‫قبلها‪ ،‬ولو رحنا قياسا على ذلك نظهر اإلستثناءات على أنها األصل‪ ،‬فباإلمكان القول أنه ال يستحيل إسالم من اعتقد صحة األديان‬
‫األخرى‪ ،‬فربما جهل حالها وظن مثال أن دين النصارى اليوم ليس فيه شرك باهلل‪ ،‬ومن وجد الوثنيين يصفقون ويرقصون ففعل مثلهم ال‬
‫يكفر إذا لم يعلم أنهم بهذا يتقربون بذلك ألوثانهم عبادة‪ ،‬ومثل ذلك كثير‪ ،‬فال يصح أن نجعل من هذه اإلستثناءات الشجرة التي تغطي الغابة‬
‫‪.‬‬
‫ِيق ا ْل َم َناطِ َوه َُو ‪:‬‬
‫ع َلى تَحْ ق ِ‬ ‫قال أبو مريم ‪ :‬تحقيق المناط يدخل فيه الخطأ في األعيان و الخطأ في الصور قال ابن تيمية ( َك َما اتَفَقُوا َ‬
‫شهَا ِد ش َِهيدَي ِْن‬ ‫ستِ ْقبَا ِل ا ْل َك ْعبَ ِة َوكَأ َ ْم ِر ِه ِبا ْ‬
‫ستِ ْ‬ ‫َان كَأ َ ْم ِر ِه ِبا ْ‬
‫ْض ْاأل َ ْعي ِ‬
‫اع أَ ْو بَع ِ‬ ‫أَ ْن يُعَلِقَ الش َِارعُ ا ْل ُح ْك َم ِب َم ْعنًى كُلِي فَيَ ْنظُ ُر فِي ثُبُوتِ ِه فِي بَع ِ َ‬
‫ْض ْاأل ْن َو ِ‬
‫غي ِْر‬‫ق ؛ َو َ‬ ‫ار ِة َو َكتَ ْف ِري ِق ِه بَ ْينَ ا ْل ِف ْديَ ِة َوال َ‬
‫ط َال ِ‬ ‫ين بِا ْل َك َف َ‬
‫مِ ْن ِرجَا ِلنَا مِ َم ْن نَ ْرضَى مِ ْن الش َهدَاءِ َو َكتَحْ ِريمِ ِه ا ْل َخ ْم َر َوا ْل َم ْيس َِر ؛ َو َكفَ ْر ِض ِه تَحْ لِي َل ا ْليَمِ ِ‬
‫ع ؟ َو َه ْل‬ ‫ي مِ ْن َهذَا النَ ْو ِ‬ ‫َان ‪َ :‬ه ْل ِه َ‬ ‫ْض ْاأل َ ْعي ِ‬ ‫ط َالق ؟ َوفِي َبع ِ‬ ‫ي َخ ْمر َويَمِ ين َو َم ْيسِر َو ِف ْديَة أَ ْو َ‬ ‫اع ‪َ :‬ه ْل ِه َ‬ ‫ظ ُر فِي َبع ِ َ‬
‫ْض ْاأل ْن َو ِ‬ ‫ذَ ِلكَ ‪ .‬فَ َي ْب َقى النَ َ‬
‫علَ ْي ِه بَ ْينَ ا ْل ُم ْ‬
‫سلِمِ ينَ بَ ْل بَ ْينَ‬ ‫ع مِ ْن ِاالجْ تِهَا ِد ُمتَفَق َ‬ ‫عدْل َم ْر ِضي ؟ َونَحْ َو ذَ ِلكَ ؛ فَ ِإنَ َهذَا النَ ْو َ‬ ‫ستَ ْقبِ ُل ا ْل ِق ْبلَ ِة ؟ َو َهذَا الش َْخصُ َ‬‫َهذَا ا ْل ُمصَلِي ُم ْ‬
‫ا ْلعُقَ َالءِ ) ‪.‬‬
‫فمن صح أصله في البراءة من الشرك و المشركين لكن أخطأ في بعض أنواع الشرك أو بعض أعيان الكفار ال يكون بذلك جاهال‬
‫بحقيقة اإلسالم بل هو محقق لإلسالم لكنه جهل بعض صور الشرك و بعض أحكام المشركين و مسألتنا من هذا الباب فمن لم يكفر من‬
‫لم يكفر المشركين يجتنب الشرك و يحكم بكفر المشركين لكنه ظن أن من لم يكفر المشركين ال يكفر حتى تقام عليه الحجة ‪.‬‬
‫ت بأصل دين اإلسالم) كافر‪ ,‬ومن يشك في كفره فهو كافر مثله‪.‬‬
‫قوله "معنى التكفير بالتسلسل‪ :‬فقد ذكرنا أنه من لم يكفر (من لم يأ ِ‬
‫وذلك ال ريب فيه‪ ,‬لكنه الحق المبين"‬
‫هنا بين بنفسه أن أصل الدين شيء وأن من لم يكفر من لم يحقق أصل الدين شيء آخر‪ .‬ففرق هو بنفسه بينهما وهو ال يشعر‪ .‬ثم‬
‫يجعل هذا أصال لدين اإلسالم ويضيفه إلى التوحيد‪ .‬ثم يجعل لكل عضو في السلسلة أصال جديدا لإلسالم ال يصح إسالم أحد إال به‪ .‬هذا‬
‫مفهوم كالمه‪.‬‬
‫من ترك شيئا من أصل الدين سواء عبد غير هللا أو لم يكفّر الكافر فكالهما لم يحقق أصل الدين‪ ،‬وبالتالي فمن لم يكفّرهما فهو كافر‪،‬‬
‫وكل هذا من أصل الدين وال يحتاج إلضافة أصل آخر‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬وجه النزاع أنه يرى أن السلسلة من أصل دين اإلسالم و لو كان الكالم المجرد دليل على صحة قوله انتهى النزاع‬
‫لكن هو يذكر كالم مجرد من غير دليل ثم يريد أن يلزم غيره بهذا الكالم و الدليل على النافي و المثبت قال ابن تيمية ( ولهذا كان‬
‫عامة العلماء على أن النافي للشيء عليه الدليل على ما ينفيه كما أن المثبت للشيء عليه الدليل على ثبوته وحكي عن بعض‬
‫الناس أنه قال النافي ليس عليه دليل وفرق بعضهم بين العقليات والشرعيات فأوجبه في العقليات دون الشرعيات وهؤالء اشتبه‬
‫عليهم النافي بالمانع المطالب فإن من أثبت شيئا فقال له آخر أنا ال أعلم هذا وال أوافقك عليه وال أسلمه لك حتى تأتي بالدليل كان‬
‫هذا مصيبا ولم يكن على هذا المانع المطالب بالدليل دليل وإنما الدليل على المثبت بخالف من نفى ما أثبته غيره فقال له قولك خطأ‬
‫والصواب في نقيض قولك ولم يكن هذا كذا فإن هذا عليه الدليل على نفيه كما على ذلك المثبت الدليل على إثباته وإذا لم يأت واحد‬
‫منهما بدليل كان كالهما بال حجة ولهذا كان من أثبت شيئا أو نفاه وطلب منه الحجة فلم يأت بها كان منقطعا في المناظرة وإذا‬
‫اعترض المعترض عليه بممانعة أو معارضة فأجاب عنها انقطع المعترض عليه وثبت قول األول وإن لم يجب عن المعارضة‬
‫انقطع المستدل إذ كان الدليل الذي يجب اتباعه هو الدليل السالم عن المعارض المقاوم ولو أقام دليال قطعيا فعورض بما ال يفيد‬
‫القطع كان له أن يقول ما ذكرته يفيد العلم والعلم ال يعارضه الظن والبينات ال تعارض بالشبهات التي هي من جنس كالم‬
‫السوفسطائية فهو سبحانه نهى عن الكالم بال علم مطلقا وخص الكالم على هللا بقوله تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر‬
‫منها وما بطن واإلثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا باهلل ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون ‪. ) .....‬‬

‫و نحن موقفنا أقل أحواله المطالب بالدليل على أن السلسلة من أصل دين اإلسالم حتى نعتقدها فضال عن جعلها من أصل دين‬
‫اإلسالم فنحن نعتقد أنه ال يصح اإلسالم من جهة اإلجمال إال بالبراءة من الكفار و أنه ال بد من تكفير الكفار في اإلسالم لكن نزاعنا في‬
‫أن السلسلة تدخل في هذه األصل أم ال ؟ ‪.‬‬
‫فعليهم أن يثبتوا لنا بالدليل على أنه تدخل في هذا األصل و أنه ال يصح اإلسالم إال باعتقاد السلسلة ‪.‬‬
‫قوله "والمفروض أن يكفر المسلم كل من لم يحقق أصل دين اإلسالم‪ ,‬الذي هو التوحيد‪ ,‬أي الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل"‬
‫وهذا واضح في أنهم ال يعرفون معنى ما يتكلمون به‪ .‬فهو بنفسه يقرر ما سبق في هذه الرسالة وما اتفق عليه جميع المسلمين‪ ,‬من أن‬
‫أصل الدين هو التوحيد واإليمان باهلل و الكفر بالطاغوت‪ .‬لكنه يتناقض‪ ,‬فمن حقق التوحيد والكفر بالطاغوت ليس مسلما عنده‪ .‬بل هم‬
‫يقولون ليس مسلما إال من كفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر بالطاغوت‪ ,‬بل مثل هذا ولو طالت السلسلة إلى‬
‫األبد‪ ,‬بل من لم يؤمن بالسلسلة إلى األبد فهو كافر لم يأت بالكفر بالطاغوت‪.‬‬
‫إذا كان التوحيد الذي هو اإليمان باهلل والكفر بالطاغوت ال عالقة له بتكفير الكافر وال ينتفي بانتفائه فلماذا لم تؤمن بإسالم زيد؟ وإن‬
‫كنت تؤمن بكفر زيد وتراه من أصل الدين‪ ،‬فلماذا تؤمن بإسالم من لم يكفّره وهو لم يحقق أصل الدين ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا الفرق بين اعتقاد كفر من لم يحقق اإلسالم و أنه ال يصح اإلسالم إال به و بين صورة السلسلة و أنها‬
‫تدخل في هذا األصل فصورة السلسلة شيء و صورة من لم يكفر الكافر شيء مع أن هذه القاعدة هي الزم لنوع الكفر فليس كل من‬
‫يقع في الكفر من لم يكفر ه كافر فهناك أنواع من الكفر إذا جهلها المسلم ال يكفر فكيف بتكفير فاعلها مع اعتقاد أنها كفر فإيماني بتكفير‬
‫بزيد ألنني أعتقد أنه نقض إسالمه ألنني أؤمن أن زيد لم يكفر الكافر لذا كفرته لكن عمرو أعتقد أنه فعله ال يكون نقضا لإلسالم إال بعد‬
‫قيام الحجة لذا لم أكفر ه فالخطأ هنا ليس في حقيقة أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من المشركين إنما الخطأ في فعل معين هل هو نقض‬
‫لإلسالم قبل قيام الحجة أم بعد قيام الحجة ؟‬
‫و لو فرض أن كل من في السلسلة لم يكفر الكافر بمعنى أن فعل الكفر نقض لإلسالم و هو يعلم ذلك ثم لم يكفره لكفرنا كل من في‬
‫السلسلة لكن حقيقة السلسلة غير واقع حسا و شرعا لذا حكمنا بأنها بدعة ‪.‬‬
‫• قوله "المفروض هو‪ "...‬فاألمر إذا كان مفروضا ليس معنى ذلك أنه أصل الدين‪ ,‬بل ليس معناه أن تركه كفر‪ .‬وهو لم يأت بدليل‬
‫واحد على أن اإليمان بسلسلته وتطبيقها من دين هللا فضال عن أن يكون مفروضا‪ ,‬فكيف يكون من أصل الدين؟‬
‫قوله "فمن لم يكفر نصرانيا أو يهوديا أو عابدا لألصنام فهو كافر مثله‪ ,‬وهذا إجماع علماء اإلسالم بل إجماع األنبياء والمرسلين"‬
‫نعم‪ ,‬هذا ما نقوله وهذا إجماع األمة كما قال‪ ,‬وليس الذي يزعمه هو بأنه أصل الدين بإجماع األمة‪ ,‬بل لم يقل أحد قط أن اإليمان‬
‫بالسلسلة من الدين فضال عن أن يكون من أصله فضال عن أن يكون إجماعا منهم‪.‬‬
‫ونالحظ هنا شيئا في قوله مما سبق تقريره وهو أن المتسلسلة يظنون أن من لم يكفر نصرانيا يصبح نصرانيا مثله من كل جهة‪ ,‬فهذا‬
‫زعمهم‪ ,‬وإن أنكروا هذا فإنهم محجوجون عقال شرعا بما سبق من أنه إن كان هناك فرق بين كل عضو من أعضاء السلسلة فال بد من أن‬
‫تنقص علة الكفر من كل عضو إلى اآلخر‪ ,‬فيكون أمره أخفى بكثير ومن توقف فيه أعذر بكثير‪.‬‬
‫ليس بالضرورة أن يكون من لم يكفّر النصراني نصرانيا مثله‪ ،‬فهذا يستلزم أن يتبع عقيدته بالذات ال أن يقول هو مؤمن باهلل فقط‪،‬‬
‫تخف من عضو إلى‬ ‫ّ‬ ‫يخف عن كفر النصراني‪ ،‬وهكذا من يأتي بعده‪ ،‬ولذلك فعلّة الكفر ال تنقص وال‬‫ّ‬ ‫وكفر من يؤمن بإسالم النصراني ال‬
‫آخر‪ ،‬ألنها واحدة‪ ،‬أما خفاؤها فشيء آخر‪ ،‬وليس خاصا بأعضاء السلسلة وإنما بكل كفر‪ ،‬فإذا خفي عن أحد حا ٌل ما ال يؤاخذ بالخطأ في‬
‫حكمه عليه‪ ،‬لكن ما نراه هو إيهام بالخفاء وجهل الحال بينما أنتم ال تؤمنون بكفره حتى وإن فهم الواقع وتصوره‪ ،‬وإن قلتم نحن نؤمن‬
‫بكفره عندها‪ ،‬فأنتم ممن يكفّر بالسلسلة ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينا في تعليقات سابقة أن أفعال الكفر تختلف من صورة ألخرى و الدليل على ذلك الخالف في بعض النواقض هل‬
‫هي نواقض لإلسالم أم ال ؟‬
‫بل حتى في النواقض المجمع عليها قد يظن بعضهم لعدم تصورها أنها ليست بنواقض لإلسالم و قد يظن أنها نواقض لإلسالم بعد‬
‫قيام الحجة و الخالف في هذا كثير جدا ال يحتاج إلى ذكر و قد أشرت إلى بعض النواقض التي اختلف فيها بعض العلماء فقد تكون هناك‬
‫صورة صريحة تدل على الكفر و قد تكون هناك صورة خفية كما أن الكبائر و ما يدل على الفسق هناك أنواع مجمع عليها و هناك‬
‫أنواع مختلف فيها و كذلك البدعة هناك أنواع مجمع على أنها بدعة بين المسلمين و هناك أنواع مختلف فيها ‪.‬‬
‫قوله "فالشرط الوحيد لإلسالم فهو الكفر بما يُعبد من دون هللا واإليمان باهلل تعالى‪".‬‬
‫صدق وهو مبتدع كاذب على دين هللا ثم علينا‪ .‬وهذا مثل غيره من كالمه حجة عليه‪ .‬فهذا هو الشرط الوحيد حقا‪ ,‬وهو زاد عليه‬
‫وأضاف شروطا أخرى لم يذكرها مسلم عاقل قط من اإليمان بالسلسلة إلى األبد‪ .‬بل هم زادوا في الحقيقة شروطا ال نهاية لها إلى األبد‪.‬‬
‫فتكفير رقم األلف الوهمي شرط لصحة اإليمان‪ ,‬وتكفير الواحد واأللف الوهمي شرط آخر‪ ,‬وكذا تكفير المليون الوهمي‪ ,‬وكذا تكفير‬
‫المشرك الوهمي في األبد‪ .‬والكفر بما يعبد من دون هللا ليس هو الكفر بجميع المشركين في سلسلة وهمية إلى األبد الوهمي‪ .‬واإليمان باهلل‬
‫ليس هو اإليمان بالسلسلة إلى األبد‪ .‬هؤالء عندما يقولون كالما صحيحا ال يفقهون معناه وال يدركون أنهم يتناقضون وأنه حجة عليهم ال‬
‫لهم‪.‬‬
‫إذا كان الكفر بما يُعبد من دون هللا ال يتضمن تكفير عابديه فلماذا كفّرتموهم وكفّرتم زيدا الذي اعتقد بإسالمهم؟ أال ترون أنكم أضفتم‬
‫شروطا أخرى لهذا الشرط الوحيد؟ وإن لم تستطيعوا حذف ما تسمونه بالشروط فإن ما ينطبق على زيد ينطبق على عمرو‪.‬‬
‫نحول الوهم إلى حقيقة نعمل بها ونحكم‬
‫فعال‪ ،‬السلسلة الطويلة الالمتناهية ما هي إال وهم‪ ،‬لكن التوهم ليس كفرا‪ ،‬وإنما الكفر هو أن ّ‬
‫عليها بغير حكم هللا‪ ،‬ف َمن أحدث هذه السلسلة؟ ألستم أنتم الذين تقولون بإسالم من لم يكفّر زيدا؟ ّ‬
‫فحولتموها إلى حقيقة‪ ،‬فكما تناقضتم أنتم‬
‫وكفّرتم الثاني دون الثالث‪ ،‬قد يأتي من يتناقض ويعتبركم مسلمين بينما يكفّر َمن قبلكم‪ ،‬فإن لم يحدث فالحمد هلل ‪ ،‬وإن حدث ذلك فهو كافر‬
‫بمثل ما كفر به سابقوه ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬هو يقر أن السلسلة وهم ال حقيقة لها و مع ذلك يجعلون من ال يعتقدها نقض إسالمه انظر قوله ( ليس بالضرورة‬
‫أن يكون من لم يكفر النصراني نصرانيا مثله‪ ،‬فهذا يستلزم أن يتبع عقيدته بالذات ال أن يقول هو مؤمن باهلل فقط‪ ،‬وكفر من يؤمن‬
‫بإسالم النصراني ال يخف عن كفر النصراني‪ ،‬وهكذا من يأتي بعده‪ ،‬ولذلك فعلة الكفر ال تنقص وال تخف من عضو إلى آخر‪ ،‬ألنها‬
‫واحدة ) ‪.‬‬
‫فكل من في السلسلة فعله ال يختلف عن فعل النصراني من جهة أنه كفر و هذا من يأتي بعده و كل هذا عندهم من أصل دين‬
‫اإلسالم و من الكفر بالطاغوت بحيث من يجهله ال يكون مسلما و قال في موضع آخر ( من ترك شيئا من أصل الدين سواء عبد غير‬
‫هللا أو لم يكفر الكافر فكالهما لم يحقق أصل الدين‪ ،‬وبالتالي فمن لم يكفرهما فهو كافر‪ ،‬وكل هذا من أصل الدين وال يحتاج إلضافة أصل‬
‫آخر ‪. ) .‬‬
‫قوله "نسألكم سؤاال‪ ,‬هل كفر من لم يكفر (الذي يرى النصراني مسلما) بما يُعبد من دون هللا؟ أم يرى اإلسالم والنصرانية سواء‪ ,‬ال‬
‫يفرق بينهما وال يكفر من انتسب إليها؟"‬
‫هذه الجملة العجيبة‪ ,‬مجرد سوقها حجة عليهم لو كانوا عقالء‪ .‬كيف يكون الثالث مثل الثاني مثل األول ال يفرق بين النصرانية‬
‫واإلسالم‪ .‬بل قد يكون أن المتولي للنصراني نفسه أي الثاني الذي يدعي إسالم النصراني يفهم الفرق بين النصرانية واإلسالم تماما‪ ,‬ولكنه‬
‫معاند ال يعمل بعلمه‪ .‬فكيف يَعلم أن علة كفر الثالث هو عدم التفريق بين اإلسالم والنصرانية؟‬
‫ذلك مع شدة غرا بة هذا المثال‪ ,‬فالنصراني نفسه اليوم يعرف الفرق بين النصرانية واإلسالم وال يدعي أنهما واحد‪ .‬فمن يقول بهذا؟‬
‫ال يقول به كافر وال مسلم وال منتسب لإلسالم‪ ,‬إال مجنون أو مستهزئ ال يستريب في كفره أحد من المنتسبين لإلسالم لشدة ظهور كفره‪.‬‬
‫وقد سبق بيانه‪.‬‬
‫قوله "‪ -‬من لم يكفر النصراني فهو على دين غير اإلسالم‪ ,‬وهذا واضح‪ .‬وكل من لم يكفر من كان على دين غير اإلسالم ‪ -‬وهو يعلم‬
‫أنه على ذلك ‪ -‬فهو كافر بإجماع المسلمين‪".‬‬
‫هؤالء أمثلتهم إنما هي تلبيس لألمر‪ .‬فنعم‪ ,‬من لم يكفر النصراني ليس على دين المسلمين‪ ,‬لكن ليس هو مثل النصراني تماما‪ ,‬وال‬
‫هو نصراني‪ ,‬وال ينتسب للنصرانية‪ .‬فهذا تلبيس منهم ليزينوا للناس دعوتهم‪ .‬فيقولون في التالي‪ :‬ومن لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من‬
‫لم يكفر من لم يكفر‪ .....‬من لم يكفر النصراني فهو على دين غير اإلسالم‪ .‬فالرقم المليون عندهم نصراني وهو على غير دين اإلسالم‬
‫ومن لم يكفره فهو نصراني مثله وهو على غير دين اإلسالم! بينما الواقع الذي يقرون به أنه حتى الثاني في مثالهم ليس نصرانيا‪ ,‬إذ ال‬
‫ينتسب للنصرانية وال يؤمن بها‪ ,‬ولو كان ينتسب للنصرانية لكان في مثالهم األو َل ال الثاني‪ .‬فإذا ثبت أن الثاني ليس نصرانيا وال ينتسب‬
‫للنصرانية‪ ,‬فكيف يقال أن الرقم األلف نصراني أو أنه ال يفرق بين اإلسالم والنصرانية‪ ,‬بينما يقرون أن الثالث في مثالهم يكفِّر هذا‬
‫النصراني؟ فهذا مستحيل عقال‪ ,‬وقد سبق تقريره‪.‬‬
‫فنسأل هؤالء الملبسين‪ :‬من قبل أوهمتم أن كل عضو في السلسلة ال يفرق بين النصرانية واإلسالم‪ .‬واآلن وصفتموه بأنه على دين‬
‫غير دين اإلسالم‪ .‬فعلى أي دين هو؟ كيف يسمى هذا الدين؟ أقول لكم اسم هذا الدين غير دين اإلسالم‪ ,‬إنه دين ومن لم يكفر من لم يكفر‬
‫من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر‪ .....‬من لم يكفر النصراني‪.‬‬
‫ولذلك فهو على دين غير دين اإلسالم عندهم‪ ,‬وهذا مقطوع به في نظرهم‪ ,‬وظاهر كالشمس‪ .‬واآلن فانظر االستدالل العبقري‪ :‬فإنه لم‬
‫يكفر من هو ليس على دين اإلسالم‪ ,‬وهذا كفر بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫من لم يكفّر النصراني فهو كافر وال يشترط لذلك أن يقول أن النصرانية واإلسالم شيء واحد‪ ،‬فقد يقول أن هللا سبحانه يتقبل اإلثنين‪،‬‬
‫كما يقول البعض اليوم‪.‬‬
‫وأن يكون اإلنسان كافرا بعدم تكفير الكافر فهو على دين غير دين اإلسالم‪ ،‬مثله مثل من دخل في ملة من الملل المعروفة‬
‫كالنصرانية وغيرها ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينا سابقا أن هناك فروق بين النواقض و ال يعني أن من أخطأ في ناقض يكون ناقضا لإلسالم فمن لم يتصور دين‬
‫النصرانية فدين النصرانية شيء و من لم يكفر النصراني شيء آخر و من لم يكفر من لم يكفر النصراني شيء آخر فليست حقيقة‬
‫واحدة و معلوم عند كل عاقل أن الناقض ال يكون ظهوره كظهور الالزم من جهة الحقيقة و الحكم و ال ظهور الزم الالزم ظهور ما بعده‬
‫إلى ما ال نه اية و هو يعتقدون أنها كلها من جهة الحقيقة واحدة فكلها صريحة في نقض اإلسالم فحكم الفعل عندهم حكم الزمه ‪.‬‬
‫وأي احتجاج هذا أصال‪ ,‬فمن ترك الصالة فهو على دين غير دين اإلسالم‪ ,‬فهل من توقف في تكفيره كافر مقطوع بكفره ألنه لم‬
‫يكفر من كان على غير دين اإلسالم؟ بل هو كالم عام يمكن أن يحتج كل واحد به لدعواه‪ ,‬ال دليل فيه‪ ,‬وفي ما سبق التفاصيل الواردة على‬
‫مثل هذا الكالم العام ‪ ,‬وهذا من سمات جميع أهل البدع المفتونين بالكالم‪ ,‬كما بينه ابن تيمية فيما سبق عنه‪.‬‬
‫ال معنى هنا للكالم عن تكفير تارك الصالة‪ ،‬فمن يقيس عليه يلزمه إبطال تكفير الكافر كله ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ال يلزم ذلك لكن وجه المثال في أن الخطأ قد يكون في بعض األنواع مع صحة األصل ‪.‬‬
‫ت بشرط العلم‪ ,‬الذي هو أول شروط (ال إله إال هللا)‪ ,‬ومن لم يحقق شروطها فيستحيل‬ ‫قوله "الذي لم يكفر النصراني فهو لم يأ ِ‬
‫إسالمه‪ .‬ومن يشك في كفر من لم يحقق شروط (ال إله إال هللا) فهو كافر وال بد‪".‬‬
‫وهذا باطل قد بينت قريبا أن هذه العلة ليس الزما أن تتحقق فيه‪ ,‬فضال عن كل أعضاء السلسلة‪ .‬فالنصراني نفسه قد يحقق شرط‬
‫العلم‪ ,‬إال أنه ال يعمل به ويبقى على كفره‪ .‬فعند البخاري في آخر الكتاب األول بيان أن هرقل عظيم الروم علم الحق وترك العمل به‬
‫إيثارا للدنيا على اآلخرة وبقى على كفره‪ .‬فكيف بمن ليس نصرانيا‪ ,‬ويتولى النصراني‪ ,‬فإنه قد يعلم شروط الشهادة كلها ثم يترك العمل‬
‫بها كلها‪ .‬فبطل تعليلهم وما يدعون أنه حقيقة مستقرة لن تتخلف أبدا عن الوجود‪.‬‬
‫ذلك إضافة إلى أنهم ما زالوا في تلبيسهم بهذا المثال الوحيد لديهم‪ ,‬الذي تكلمت عليه من قبل‪ ,‬وتلبيسهم أن ما يشترطونه هم‬
‫ليس هو شرط العلم فحسب ‪ .‬فإنهم ال يقولون بكفر من لم يحقق شرط العلم‪ ,‬بل يقولون بكفر كل من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من‬
‫لم يكفر‪ .....‬من لم يحقق شرط العلم‪ .‬فزادوا في الحقيقة شروطا للعلم ال نهاية لها‪ .‬فحقيقة مذهبهم الفاسد وما يدَعونه‪ ,‬بينهما فرق‬
‫بسيط كما يرى كل ذي عينين‪ .‬وهذا ا لفرق البسيط كما بين السماء واألرض‪ .‬فشرط العلم هو العلم بال إله إال هللا‪ .‬وشروطهم هي شروط‬
‫متسلسلة من العلم إلى األبد‪ .‬فمن لم يعلم أن الذي قبله لو علم معنى الشهادة لعلم أن الذي قبله لو علم معنى الشهادة لعلم أن الذي قبله‬
‫لو علم الشهادة‪ .....‬لعلم أن الذي قبله لو علم معنى الشهادة لعلم أن الذي قبله مشرك‪ .‬فإن لم يسم هذا كذبا وتلبيسا فما هو؟ بل إنه‬
‫الجنون الناشئ عن عقل عبقري‪.‬‬
‫من لم يحقق شرط العلم بالشهادة وهو العلم باإلسالم فهو كافر جاهل‪ ،‬وكفره لم يأت من عدم تكفيره للكافر‪ ،‬وإنما أتى من عدم‬
‫تحقيقه اإلسالم كله‪ ،‬فمن ح قق اإلسالم بعد العلم طبعا ثم ترك تكفير الكافر عندها تطبق عليه القاعدة وال بد‪ ،‬ألنه اعتقد بإسالم من لم‬
‫يعرف اإلسالم ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينا وجه الخطأ في أكثر من موضع و هو إدخال كل صورة من صور التكفير في القاعدة و هذا ال يلزم فقد يجهل‬
‫المسلم بعض األنواع و ال يكون ممن ال يعرف اإلسالم ‪.‬‬
‫قوله "من لم يكفر النصراني فهو يقول أن الشرك باهلل قد يكون عمال مقبوال عنده تعالى‪ ,‬وال يوجد كفر أوضح من ذلك ‪ -‬فالمسلم‬
‫الذي يجتنب الشرك ويكفر أهله‪".‬‬
‫هؤالء يأتون بمثال واحد بعيد جدا ظهر أنه ال يقع إال من مجنون أو مستهزئ بالمسلمين‪ ,‬وأنه ال يشك في كفره أحد‪ ,‬ثم يستغلون هذا‬
‫المثال ويبنون عليه مائة جهالة ويدَّعون أعجب األمور‪.‬‬
‫فمن لم يكفر النصراني علنا وادعى إسالمه – إذا افترضنا أن هذا يقع من عاقل – نعم‪ ,‬هذا جعل الشرك عمال مقبوال عند هللا‪.‬‬
‫الحظ أنك تعتبر هذا كافرا وإن كنت تتوهم وجوده افتراضا‪ ،‬وال ترى أنه يسعك عدم تكفيره إن ُوجد ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬من لم يكفر من نقض إسالمه من جهة األصل ال نخالف أنه لم يحقق اإلسالم سواء نصراني أم غير نصراني و‬
‫كفره ألنه لم يفرق بين إسالم و كفر لكن كالمنا في بعض الصور التي تدخل في هذه األصل هناك صورة قريبة لهذا األصل كصورة من‬
‫لم يكفر من كان فعله صريح في نقض اإلسالم و هناك صور أبعد كتكفير من لم يكفر من لم يكفر الكافر و هناك الصور تبعد كلما بعدنا‬
‫عن حقيقة الفعل الذي بنينا عليه التكفير ‪.‬‬
‫فأسألهم اآلن إلزاما لهم فقط‪ ,‬ألبين تلبيسا جديدا منهم‪ :‬وماذا بمن لم يكفر من لم يكفر النصراني؟ هل هو أيضا جعل الشرك عمال‬
‫مقبوال؟ كيف وهو يكفر النصراني ويتبرأ منه ومن شركه ويقول ال أحد من النصارى على دين اإلسالم وهم كفار كلهم أجمعون؟ فعلى حد‬
‫قولهم‪ ,‬هذا عندهم مسلم‪ ,‬ألن علة الكفر ال تتحقق فيه‪ .‬فإنهم على هذا كفار وجزء من سلسلتهم‪ .‬بل هي تلبيسات وجهاالت متسلسلة‪.‬‬
‫إذا كان من ال يكفّر النصارى يعتقد أن النصرانية غير مخلة باإلسالم‪ ،‬فإن من لم يكفّره يعتقد أن عدم تكفير أهلها غير مخل‬
‫باإلسالم‪ ،‬حتى وإن كان يرى أن النصرانية مخلة باإلسالم‪ ،‬وهذا تناقض منه وهو حجة عليه ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬تكلمت ساب قا عن الفروق بين النواقض و ظهورها و خفائها و ليست هي حالة واحدة في الداللة على نقض اإلسالم‬
‫سواء من جهة الشرع و من جهة العقل ‪.‬‬
‫وانظر اآلن بعد هذه التلبيسات والجهاالت والخلط العجيب‪ ,‬بعد أن أتوا بمثال واحد غريب واستخرجوا بجهلهم عدة جهاالت‪ ,‬يقول‬
‫"وبذكر كل هذه األدلة والحجج وهلل الحمد قد رددنا ردا كافيا" على شبهاتنا ويسمون هذا "األدلة القاطعة على صحة التكفير بالتسلسل"‪.‬‬
‫فاهلل المستعان‪.‬‬
‫قوله "وشبهة أبي حمزة وغيره هي أن يقولوا‪ :‬إن الثالث في السلسلة وهو من لم يكفر (من لم يكفر النصراني) فهو مسلم إذا علم حال‬
‫الثاني مع عدم تصور حاله فهي ال تحتاج إلى إبطال‪ ,‬بل قائلها نفسه يقول ما هو حجة عليه ال له‪ ,‬فإنه ال يمكن أن يعلم أحد حاال إال وهو‬
‫يتصوره‪".‬‬
‫فأوال‪ :‬هذا تلبيس وكذب علي وعلى غيري‪ ,‬فإنا لم نتكلم في النصراني قط‪,‬‬
‫ال أدري على أي أساس تبني التفريق بين كفر النصراني وغيره‪ ،‬ونحن نتكلم عن الكفر الذي نؤمن جميعا أنه كفر‪ ،‬وأتمنى أن ال‬
‫يكون فينا من يفاضل بين أشكال الكفر‪ ،‬وإال فكالمنا عن السلسلة سواء وجدت أو لم توجد من الترف‪.‬‬
‫نحن نتكلم عن الكفر الذي هو كفر‪ ،‬وبعدها نتكلم عمن ال يكفّر أهله‪ ،‬والحمد هلل أننا نتفق على كفر من يعتقد بإسالم الكافر النصراني‬
‫أو غيره ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الرد على هذا يراجع فيه التعليقات السابقة ‪.‬‬
‫وقد بينت قبل أن هذه األمور تختلف بظهورها‪ ,‬فإذا كان ظاهرا بحيث ال يدعيه إال مجنون‪ ,‬فهذا كافر‪ ,‬وليس كفره ألنه في سلسلتهم‬
‫بل ألننا نعلم من الواقع ومن النظر فيه أنه ال بد أن يتصور ذلك ألن جميع البشر يعلمون هذا‪ ,‬ولذلك ال يدعيه أحد أصال‪ ,‬وهذا سبب‬
‫غرابة مثالهم الذي يبنون عليه دينهم‪.‬‬
‫لم نختلف فيمن لم يتصو ر أمرا ما‪ ،‬فلماذا نستثني النصراني‪ ،‬فكما يكون كفر النصراني ظاهرا ال بد أن يكون كفر غيره ظاهرا‪،‬‬
‫ويمكن أن يخفى حال النصراني على البعض كما يخفى حال غيره ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬الظهور يختلف من ناقض آلخر و من نوع آلخر و ليس كلها صورة واحدة و ال يشترط أن يكون كفر النصراني‬
‫ظاهر و كفر غيره ظاهر فقد يكون نوع الكفر غير ظاهر بل قد يكون مختلف فيه كما هو معروف ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله "فإنه ال يمكن أن يعلم أحد حاال إال وهو يتصوره" هذا الكالم يخرج وهللا عن من هو من أجهل الناس لكن ظن نفسه شيخ‬
‫اإلسالم‪ .‬فإنه لم يفقه أدنى شيء ويتشيخ على الناس‪ .‬وهذا هو من قال عنه العلماء "فذلك هو األحمق فاتركوه"‪ .‬فأي كالم هذا؟ من قرأ‬
‫حرفا واحدا من كالم العلماء في الزم القول والخطأ والغفلة يجزم ببطالنه‪ ,‬ومثل هذا األصل الفاسد هو موضوع هذا الكتاب ومناقشة‬
‫المسائل التي فيه وسبب تأليفه‪ .‬فهذا القول بالضبط هو الذي أوقع عامة أهل البدع في ضاللهم وأوقع أهل الغلو في غلوهم‪ ,‬فإنهم يفترضون‬
‫أمورا في عقولهم ثم يقولون جميع البشر ال بد أن يتصور األمر كما يتصورونه إذا نظر إلى هذه الحالة‪ .‬بل هناك أناس يتركون االستدالل‬
‫والنظر في كثير من األمور أصال وال يشتغلون به‪ ,‬لكنهم ال يكفرون بهذا حتى يأتيهم النص ونبهوا من جهة الرسالة‪ ,‬فعندئذ إذا تركوا‬
‫األمر تترتب العقوبة ويتحقق أثر جهلهم‪ .‬لكن أهل البدعة ال يقبلون ذلك‪ ,‬بل كل من ترك تفكيرهم المقدس فهو كافر‪ ,‬حتى إن أوقف هللا‬
‫تعالى األثر إلى مجيء الرسالة‪.‬‬
‫ف إن كان كل من علم واقع شيء‪ ,‬قد تصوره تماما‪ ,‬بحيث ال يمكن أن يغفل عن حقيقة األمر‪ ,‬فما فائدة كالم أهل العلم في كل هذه‬
‫األبواب؟‬
‫وتصوره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال أدري ما هو الفرق بين العلم بالواقع‬
‫إنما بين أهل العلم كل هذا ألن كل عاقل يعلم ضرورة أن جميع البشر يتصفون بالخطأ والتناقض والغفلة ويقعون بذلك من حين إلى‬
‫آخر في أعجب األخطاء‪ .‬وال يخرجهم هذا الخطأ إلى الكفر ما كانت أصولهم ثابتة سليمة‪.‬‬
‫ما معنى الخطأ والتناقض والغفلة ؟ هل يخطىء ويغفل عن معرفة الواقع أم يخطىء ويغفل عن حكمه؟ فاألول مسلم أما الثاني فال‪،‬‬
‫وهذا األخير هو الذي نختلف فيه وال داعي لخلط األمور ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬بينت سابقا ما نختلف فيه حتى لو علم الواقع و تصوره و أن ما نختلف فيه ال بد فيه من دليل يقطع النزاع و ال‬
‫دليل إلى اآلن إال الكالم المجرد و تنزيل صورة على أصل مجمع عليه بيننا لكن المطلوب هو دليل على أن هذه الصورة تنزل على هذا‬
‫األصل ال مجرد القول أن هذه الصورة تنزل على هذا األصل فالكالم المجرد نستطيع أن نقول أنها ال تنزل على هذا األصل و نحن ال‬
‫نرضى ألنفسنا بمجرد هذا الكالم الزم لكم كذلك عليكم أن تذكروا لنا دليل قاطع أن صورة السلسلة تنزل على أصل من لم يكفر الكفار‬
‫فنحن نخالفكم في صور و نتفق معكم في صور فمن الصور التي نتفق عليها صورة من لم يكفر من يعبد غير هللا و هو يعلم أنه يعبد‬
‫غير هللا و صورة كثيرة أخرى و هناك صور نتفق عليها كتكفير في صور مختلف في أنها كفر أنه ال يكفر المخالف فيها لكن نخالفكم‬
‫في مسائل تجعلون جهلها يناقض أصل دين اإلسالم و التكفير بالزم الالزم و كمسألة السلسلة فعليكم أن تذكروا لنا دليل قاطع يقطع‬
‫النزاع بيننا و بينكم من الكتاب و السنة ال مجرد ذكر اجتهادكم فاجتهادكم ال يلزمنا و ال اجتهادنا يلزمكم ‪.‬‬
‫وهم ال يدَّعون هذا عن عالم واحد بعينه فقط بل عن جميع البشر‪ .‬والجل الساحق من الصحابة أناس كانوا ال يقرؤون وال يكتبون وال‬
‫يحسبون‪ .‬من منهم تصور من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر‪ ...‬؟ من منهم تصور سلسلة إلى األبد؟ ال شك أن الصحابي لو سأله أحد‬
‫أصحاب السلسلة عن ذلك‪ ,‬لرد بجواب مقنع جدا‪ .‬وهو أن يأخذ الخشبة ويضربه على رأسه ضربا مؤلما يثلج صدور المؤمنين‪ .‬هذا دين‬
‫هللا أيها الكذابون‪ ,‬وهذا دين سلفنا‪.‬‬
‫الصحابة لم يتصوروا الكثير من أشكال الكفر التي لم تظهر في عصرهم‪ ،‬ومع ذلك يؤمنون بكفر أهله متى تصوروا حقيقة ما هم‬
‫عليه‪ ،‬وأنتم تخالفون الصحابة ألنكم ال تؤمنون بكفر من تصورتم وجوده‪.‬‬
‫ولم يتصور الصحابة قاعدة من لم يكفّر الكافر فهو كافر ولم ترد على بالهم‪ ،‬لكنها متقررة في أذهانهم بحكم البداهة‪ ،‬وال يصح القول‬
‫أنهم ما داموا لم يتصوروا وقوعها فإنهم يؤمنون بإسالم من لم يكفّر الكافر‪ ،‬هذا عن الحلقة األولى فما بالك بتصور وقوع ما بعدها؟‬
‫ثم إذا كان الصحابة لم يتصوروا وجود زيد الذي لم يكفّر الكافر األول فلماذا كفّرتموه ؟ ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬إذا كانت القاعدة متقررة في أذهانهم حتى لو لم يذكروا صورهم فال بد أن يعبروا عما في أذهانهم بكالم يدل على‬
‫أنه لم يصح إسالمهم إال بإيمانهم بما تقرر في أذهانهم بداهة حتى يعرف الناس أنهم لم يؤمنوا إال بما تقرر في أذهانهم فتصور الحقيقة‬
‫شيء و تصور صور أنواعها شيء و نحن اليوم نختلف في مسألة السلسلة فلعل الصورة لم تطرق في أذهان الصحابة لكن ال بد أن‬
‫يكون هذه الحقيقة متقررة في أذهانهم فأين النقل عن الصحابة الذي يدل على أن هذا متقرر في أذهانهم حتى يلزم فيه المخالف إذا‬
‫خالفنا في هذه المسألة ‪.‬‬
‫نحن ال نختلف بأن الصحابة يفهمون أن كل من ال يصح إسالمه ال يكون مسلما عندهم من جهة اإلجمال لكن خالفنا كما ذكرت‬
‫أكثر من مرة في أنه ال يصح اإلسالم إال باإليمان بالسلسلة و األمر اآلخر في حكم من جهل ناقض من نواقض اإلسالم و ظنه ليس‬
‫بناقض إال بعد قيام الحجة مع اعتقادنا ناقضا و قد بينت أن الخطأ في هذه المسألة من جنس الخطأ في غيرها من المسائل إذا صح‬
‫األصل ‪.‬‬
‫فالشرع هو تعبير عن حقائق دين اإلسالم إما بكليات من غير أسباب لذكرها أو كليات تكون ألسباب فإذا كانت كلية السلسلة متقرر‬
‫في ذهن النبي صلى هللا عليه و سلم و الصحابة رضوان هللا عليهم ال بد أن يكون هذا موجود في الكتاب و السنة و أقوال الصحابة ‪.‬‬
‫قوله "فمن يقول أن الثالث يُعذر بعدم تصور الحال مع علمه به‪ ,‬فنسأله هل يُعذر أيضا من جهل حال الثاني لكن تصوره؟"‬
‫هنا أخطأ الجاهل من كثرة التفكر في هذه البدع‪ ,‬فأصحح له خطأه قبل أن أرد على ضالله‪:‬‬
‫فإنه تكلم مرتين عن الثالث‪ ,‬ألن الثالث والذي لم يتصور حال الثاني شخص واحد‪ .‬فإنه قصد "فمن يقول إن الثالث يعذر بعدم تصور‬
‫الحال مع علمه به‪ ,‬فهل يعذر أيضا الثاني بعدم تصور حال األول مع علمه به" ال بد أن يكون هكذا‪ ,‬ألن المبتدع قال شيئا وكرره تماما‬
‫وهو لم يشعر‪ ,‬وهللا أعلم بحقيقة ما يجري في رأسه والعياذ باهلل من شر ما فيه‪ ...‬إن لم أغفل عن حقيقة كالمه مع قراءتي له إدراكه التام‪.‬‬
‫ب يكذب نفسه وتكبره وتعظيم عقله‪ .‬أما أنا فال أنزه نفسي عن مثل هذا‬ ‫لكنه يكذب علينا أنه بعبقريته يفقه السلسلة إلى األبد‪ .‬يا له من كذ ٍ‬
‫الخطأ‪ ,‬بل أجزم أن مثل ذلك ال بد أن يقع لنا جميعا‪ .‬لكنه هو يلزم جميع الناس بعدم التناقض وتصور كل حال كان من كان وحدث ما‬
‫حدث‪ ,‬بينما يجب علي أن أصحح لفظ بدعه أوال حتى يمكن أن أرد عليه!‬
‫والجواب على ما قصده مر في الكتاب‪ .‬من جعل المشرك العابد للصنم مسلما على دين اإلسالم فإنه إما جاهل بالشهادة‪ ,‬وإما فهم‬
‫الشهادة ولم يعمل بها عنادا‪ .‬وال بد أنه في الحالة األولى تصور حاله تماما ألنه يَنظر إلى من يمارس الشرك مباشرة ويعبد أمامه غير هللا‬
‫عبادة ظاهرة أي هذا الرجل أقر بأن اآلخر فعل الشرك وال ينكر ذلك أصال‪.‬‬
‫ال يكفر بعدم تكفير الكافر حتى يعلم بحقيقة ما هو عليه‪ ،‬وهو العلم بالواقع وتصوره‪ ،‬ومن علم بالواقع وخالف في الحكم عندها يكفر‪،‬‬
‫تصور حال الثاني ولم يكفّره؟ وإن قلت‪ :‬ال أتوقف فيه إذا كان حاله هكذا‪ ،‬فقد عدت‬
‫ّ‬ ‫لكن إذا كنت تؤمن بهذا فلماذا تتوقف في الثالث إذا‬
‫إلى التكفير بالتسلسل‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬مر الكالم في الخطأ في أنواع الكفر و أنها ليست نوع واحد هذا من جهة الشرع و من جهة العقل أي إمكانية‬
‫تصورها بالعقل و الخطأ الثاني هو جعل اللوزام كلها صورة واحدة فالزم الالزم من جهة الوضوح شرعا حكمه حكم حقيقة الفعل ‪.‬‬
‫َّع أي شيء من عقولنا دون إثباته من الكتاب والسنة‪ ,‬كما‬‫وقد علمنا هذا بعقولنا وبجميع الواقع وثانيا بالدليل من الكتاب والسنة‪ .‬فلم ند ِ‬
‫يفعلون هم‪ .‬بل لزمنا إثبات ما يصح في عقولنا‪ ,‬فأثبتناه بعدة أدلة يعرفها كل من بيّن التوحيد من علماء اإلسالم‪ .‬ولزممهم كذلك إثبات ما‬
‫توصلوا إليه بعقولهم فما وجدوا دليال واحدا وكذبوا وافتروا وأصروا على ضاللهم وخالفوا جميع العلماء ووافقوا المبتدعة من المعتزلة‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وآخر هذيانه الذي نقل سابقا هو‪" :‬فنحن جازمون بأن التكفير بالتسلسل يصح‪ ...‬فمن لم يكفر األول فهو كافر‪ ,‬ومن لم يكفر الثاني‬
‫فهو كافر‪ ,‬ومن لم يكفر الثالث فهو كافر أيضا‪ ,‬وكذلك الرابع والخامس والسادس إلخ‪ ,‬بشرط علمهم بحال من سبقهم في السلسلة وهذا ال‬
‫يشك فيه من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ".‬فهداهم هللا آمين‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫بسبب الجهل المنتشر اليوم بحقائق هذا الدين يمكن أن يلتبس األمر على بعض من حسن قصده في بداية األمر‪ .‬ثم ال بد أن يتبين له‬
‫شيئا فشيئا بطالن مثل هذه الفلسفة الخبيثة وأن يجزم باستحالة مثل هذا األمر في دين هللا واستحالة أنه أصله الذي ينبني عليه‪ .‬أما من‬
‫يصر على هذ ه الفلسفة فالعياذ باهلل من أهل البدعة‪ ,‬فهؤالء كل ما تزداد السلسلة طوال يزدادون غباء‪ .‬فكيف يجعلون سلسلة ال نهاية لها‪,‬‬
‫وأنه يجب اإليمان بالسلسلة إلى األبد‪ ,‬وأن هذا أصل الدين ومن لم يؤمن به فإنه مشرك عابد لغير هللا لم يحقق التوحيد ولم يكفر‬
‫بالطاغوت؟ فسبحان من جعل غباءهم بحسب طول السلسلة‪ ,‬ال نهاية له‪ ,‬اللهم جنبني الفالسفة األغبياء من خلقك واجعل بيني وبينهم حصنا‬
‫من حديد‪.‬‬
‫وقوع السلسلة متوقف على ضالل من يترك تكفير الكافر سواء كان األول أو الثاني أو األلف ال على من يكفّره‪ ،‬وإن كان هناك من‬
‫ضالل يجب أن يُنكَر فهو ضالل من يقول أن هذا كافر ومن لم يكفّره فهو مسلم‪ ،‬فهذا هو الذي صنع السلسلة‪ ،‬ومثل هذا هو الذي يستحيل‬
‫أن يكون من دين هللا‪ ،‬أن أعتقد أن هذا كفر باهلل ومن اعتبر أهله مسلمين فهو أخي في هللا‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬من جهة األصل ال شك أنه ال يصح اإلسالم إال باعتقاد أنه من لم يحقق اإلسالم ال يكون مسلما لكن تكلمنا أن الخطأ‬
‫يقع في أنواع الكفر ال في أصله فقد يعتقد المسلم أنه هذا ليس بكفر فيلزم منه عدم تكفير فاعله فال يكفر المسلم إذا كان خطأه يعذر فيه‬
‫فكالمنا ليس عن األصل إنما عن صور جهلها المسلم فلزم منه عدم تكفير الكافر ال أنه لزم منها الجهل باألصل فيكون النزاع في إثبات‬
‫أن هذا الجهل يناقض حقيقة اإلسالم و المطالب هنا ليس الكليات المتفق عليها إنما نصوص تدل على هذا النوع ‪.‬‬
‫لكن نظرا إلى جهل هذا الزمان وفساد الناس فيه ال يتعجب من وجود القائلين بالسلسلة‪ .‬فإن وجد في زمن الصحابة من جعل‬
‫الخلوص من الكبائر شرطا لصحة اإلسالم فزماننا أولى‪ .‬وإن وجد في التاريخ من لعب بفلسفة السلسلة فزماننا أولى‪ .‬ولعل في ظهور مثل‬
‫هذه البدع ما يدل على خير حاصل في هذا الزمان ألنه لو ال انتشار الحق والدعوة إلى التوحيد لما وجد مثل ذلك أصال‪ ,‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫لكننا نرى أنا سا تقدموا نحو اإلسالم ولم يستطيعوا تقبّل كل حقائقه رغم بساطتها‪ ،‬وكان الواقع المنحرف والمتمسح باإلسالم سدا منيعا‬
‫بينهم وبينها ‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬ال شك أن الواقع له تأثير في قبول الناس اإلسالم بل له تأثير في قيام الحجة عليهم لكن إذا كان هذا الجهل‬
‫بالحقائق التي ال يصح اإلسالم إال بها ال يكون من جهل هذه الحقائق مسلما إال بمعرفته بهذه الحقائق و العمل بها أما إن كان الجهل‬
‫بحقائق ال تنافي اإلسالم يكون المرء مسلما إذا كان المسلم مثله يجهل هذه الحقائق ‪.‬‬
‫نسأل هللا أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه‪ ,‬وأن يرينا الباطل باطال ويرزقنا اجتنابه‪ .‬وأن يجنبنا مفاسد علم الكالم وأن يجعلنا من‬
‫المتمسكين بكتابه وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‪ .‬آمين‪ .‬وصلى هللا على نبينا محمد وآله وصحبه ومن واله والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫قال أبو مريم ‪ :‬نسأل هللا أن ينفع بهذا التعليق و أن يجعلها في ميزان حسناتنا و آخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

You might also like