Professional Documents
Culture Documents
Hukm Tab3ia
Hukm Tab3ia
Hukm Tab3ia
مقدمة
وبعد ما سبق يظهر في غاية البعد والبطالن مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر ,وجعلها من أصل الدين وتكفير من يخالف فيها.
وهذا يؤدي إلى التكفير بالتسلسل إلى األبد ضرورة
إذا كان التسلسل في تكفير من لم يكفّر الكافر باطال فإن هذا يستلزم إبطال التكفير مطلقا ،كما يقول الكثير من المشركين اليوم الذين
ال يقبلون تكفير فاعل الكفر حتى تكفير اليهود والنصارى ،واستداللهم أوضح وأقرب إلى المنطق ممن يكفّر األول فقط أو الثاني فقط،
وكالمهم أحسم للمسألة فتنتفي من جذورها ،أما من يكفّر الثاني وال يعتبر تكفير الثالث من أصل الدين فهو كمن يوقفها عند الخامس أو
غيره.
وإذا ثبت أن تكفير من لم يكفّر الكافر من أصل الدين فمحاولة إيقاف اطراد هذه القاعدة عند رقم معين تكلفا بحجة عدم الوقوع في
ورطة التسلسل المزعوم كل ذلك باطل ،وليس بطالن من أوقفها عند رقم بأولى من بطالن من أوقفها عند اآلخر.
قال أ بو مريم :يجب أن نعرف المقصود بالسلسلة حتى نعرف حكمها فالسلسة المقصود بها وجود ناقض من نواقض اإلسالم
بحيث إذا وجد هذا الناقض انتفى اإلسالم ثم يترتب عليه بعد ذلك تكفير من لم يكفر المشرك ثم تكفير من لم يكفر من لم يكفر المشرك
إلى ما ال نهاية فال تالزم بين تكف ير من وقع فيما ينقض اإلسالم و بين التسلسل ألن األصل في قاعدة من لم يكفر الكافر هو أن يكون
الكافر وقع فيما ينقض اإلسالم و صورة هذا الناقض لم تشتبه على من لم يكفره مع صحة أصله أن كل من نقض إسالمه ال يكون
مسلما فال يلزم عندما نقول أن الثاني ال يكفر فقولنا ذلك ألن الناقض الذي وقع فيه ناقض يشتبه على بعض الناس بينما من يقول أن
من عبد غير هللا يكون مسلما هذا يدل على جهله بأصل دين اإلسالم ألنه ال يعتقد أن البراءة من الشرك و الكبر من حقيقة اإلسالم بينما
إذا كفر من عبد غير هللا فإنه يعتقد أن اإلسالم ال يصح إال بالبرا ءة من الشرك فاجتنب الشرك و حكم على من لم يجتنب الشرك بأنه
مشرك لكن أخطأ فيمن لم يكفر المشرك .
فالمسلم الواجب عليه أن يعتقد أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و الكبر و كل صور تدل على الجهل بهذا ال يصح إسالم
من جهل ذلك لكن الصور التي تدل على الجهل بهذ ا األصل كثيرة فليس كل الصور مجمع عليها مع اإليمان بذلك جملة مثال ترك الصالة
حتى يموت الرجل أو يسجن و يأبى أن يصلي هذا ناقض من نواقض اإلسالم قد يخطئ المسلم عند تحقيق المناط فيظن أن هذه الصورة
ال تدخل في الكبر المنافي لإلسالم و ال يدل هذا على جهله بأن الكبر ينافي اإلسالم و كذلك من يعتقد أن من لم يكفر الكافر كافر و هو
يكفر كل من ثبت عنده كفره و يعتقد ذلك جملة و تفصيال فيما ثبت عنده لكنه تصور أن من لم يكفر الكافر و هذا ناقض من نواقض
اإلسالم قد يكون المرء مسلما و ال يكفر حتى تقام عليه الحجة مع اعتقاده أنه من لم يكفر الكافر كافر لكن صورة هذه القاعدة تختلف
من صورة ألخرى بحسب ظهور الصورة التي تدل عليها و خفائها و هذا ال يخص فقط هذا الناقض بل حتى الشرك هناك صورة
صريحة تدل على الشرك و هناك صورة غير صريحة و يختلف أهل العلم في الصور بعضهم يرى أنها شرك أكبر و بعضهم يرى أنها
بدعة و من هذا الباب لبس الصليب فإن تعظيم الصليب ال شك أنه كفر و ال يختلف المسلمون أن من يعظم المعبودات الباطلة أنه كافر
لكن يختلف العلماء في لبس الصليب هل يدل على تعظيم الصليب أم ال يدل على ذلك ؟
و هل هناك صور يلبس المسلم الصليب و ال يكون معظما له أم ال ؟
و هذه المسألة تدخل في مسألة تحقيق المناط فال يلزم من الخطأ في صورة من صور األصل جهل األصل فالعالم يجتهد في إلحاق
الصورة باألصل فقد يخطئ و قد يصيب و متى ما علم أنه أخطأ في األصل قيل أنه جهل األصل و هذا يعم كل مسألة شرعية سواء ما
تعلق بأصل دين اإلسالم أ و دون ذلك فقد يخطئ العلماء مثال في صورة هل هي بدعة أم ال ؟
مع إقرارهم بحرمة البدعة و أن من ابتدع في دين هللا مبتدع و اعتقادهم أن المبتدع و إن كان ليس بسني لكنه مسلم لكن قد
يخطئون في بعض الصور هل هي بدع أم ال ؟
و كذلك مسألة الفسق يجمعون أن الفسق حرام و أن م ن وقع في الفسق فاسق من جهة الحقيقة و إن كانوا يختلفون في األسماء
كاختالف أهل السنة مع الجهمية و األشعرية و الكرامية لكن يختلفون في بعض الصور هل تدل على الفسق أم ال ؟
كما سيتبين في هذا المبحث .قد تكلمت على األمر في رسالة "اإلسالم بأدلته من القرآن والسنة" فأنصح أن تراجع أيضا .ولو ال أن
بعض الناس يصرون على مثل هذا الضالل لما تكلمت عليه ,ألنها معقدة جدا ,ومجرد هذا يكفي دليال واضحا على بطالنها لمن سلم عقله
وفطرته.
التعقيد إن وجد ينفي وجودها بين المسلمين أصال ،فإن وجدت مع تعقيدها ال بد أن يكون لها حكم ،وال يستطيع أحد أن يقول أن
تعقيدها يعني أن أهلها مسلمون .
قال أبو مريم :مقصود أبو حمزة أن هذه المسألة معقدة أي غير واضحة و تخفى من جهة التصور على كبار العقالء و إذا كان
هذا متحقق في هذه الصورة يدل على أنها ليست من أصل دين اإلسالم ألن أصل دين اإلسالم هو أظهر أمر عقال و فطرة و تصوره هو
أسهل التصورات عند كل عاقل لك ن مسألة السلسلة بإقرار من يقول بالسلسلة يصعب تصور وجودها في الثالث و الرابع فما كان
يصعب وجوده في الواقع كيف يجعل من أصل دين اإلسالم و هو أصال مجرد خيال ال واقع له .
كفر .فإن مثل هذا كفر عند جميع من ويالحظ أن المسألة ليست هي هل فِ ْع ُل َمن لم يكفِّر المتوقّ َ
ِف عن تكفير بعض المشركين ٌ
اتضحت له حقائق العقيدة,
إذا كنا نتفق في أن عدم تكفير المشركين كفر ،وأن عدم تكفير الشخص الذي ال يكفّر المشركين كفر أيضا ،فما الذي بقي من
الخالف؟
قال أبو مريم :الخالف أنكم تجعلون الخطأ في صور المسائل خطأ أصل دين اإلسالم و يا ليتكم توقفون هذا عند من لم يكفر من لم
يكفر المشركين بل تعدون ذلك إلى كل حلقة في السلسلة فهناك فرق بين اعتقاد كفر المشركين فمثل هذا ال يختلف فيه المسلمون لكن
قد يختلفون في صوره و هذا هو الخالف بيننا و بينكم نحن نقول أن صورة من لم يكفر من لم يكفر المشركين ال تدل صراحة على
الجهل باألصل كما في التوقف عن المشرك لذا ال نكفر من جهلها حتى تقام عليه الحجة بينما من لم يكفر المشرك فإنه ضرورة إذا كان
يعتقد اعتقادا عاما بإسالم المشرك أنه ال يعتقد أن ال إله إال هللا ال بد فيها من البراءة من الشرك و الكبر .
و الخطأ األعظم ه و سريان هذا الحكم على كل حلقة بالسلسلة مع أنه كل عاقل يدرك أن كلما بعد المرء عن الحقيقة ضعف تصوره
لها سواء تصور من جهة الرؤية البصرية أم من جهة الرؤية القلبية فهل يعقل أن يقال أن من لم يكفر رجل بلغه رقمه في السلسلة
مليون حاله كحال من لم يكفر من عبد غير هللا فلو تصورنا هذا جيدا لعلمنا بطالن السلسلة من غير تعب كثير .
ألن من صحح إسالم من لم يكفر المشرك خالف القرآن والسنة في عدة مواضع بينة.
نعم ،من اعتقد بإسالم الكافر خالف الكتاب والسنة ،لكن كفره غير متعلق بمعرفة نصوص الكتاب والسنة ،فتكفير الكافر متعلق
بمعرفة حكم الكفر ،أي أنه متعلق بالدخول في اإلسالم ،وال يعرف بالتدرج كالشرائع التفصيلية.
فلم يكن المسلمون يجهلون تكفير النصارى قبل أن ينزل قول هللا تعالى( :لقد كفر الذين قالوا إن هللا ثالث ثالثة) ،فلم تنزل إلعالم
المسلمين بخروجهم من اإلسالم .
قال أبو مريم :كالم أ بو حمزة ليس عن تكفير الكافر فهذه المسألة من جهة األصل متفق عليها أنه من لم يكفر الكافر كافر لكن
كالم أبو حمزة في إسالم من لم يكفر الكافر فهو يكفر الكافر لكن ال يكفر من ال يكفره فكل األدلة من الكتاب و السنة تدل على وجوب
تكفير الكفار و هو محقق لهذا الواجب فه و يكفر الكافر لكنه ال يكفر من ال يكفر الكافر فخطأه في ظنه أن هذا الناقض ال يكفر من وقع
فيه إال بعد قيام الحجة مع تحقيقه للواجب و هو تكفير الكفار .
فكالم أبو حمزة في واد و الرد في واد آخر و نحن نختلف معهم في هذه المسألة هم يعتقدون أنها من أصل دين اإلسالم و نحن
نعتقد اإلسالم ال يصح إال بالبراءة من المشركين و تكفيرهم لكن من حقق البراءة من المشركين و كفرهم لكن لم يكفر من لم يكفر
المشركين إال بعد قيام الح جة طالبناهم بالدليل من الكتاب و السنة على أن فعله يناقض أصل دين اإلسالم و دائما يكون ردودهم كالمية
ال شرعية من أعظم األدلة على ذلك هذا الرد و غيره فيذكرون األدلة التي نتفق عليها و هي وجوب البراءة من المشركين و تكفيرهم و
هذا ال نختلف عليه لكن نطالبهم بأدلة خاصة في صورة السلسلة و لم نجد جوابا إلى اآلن .
فمن ال يكفر اليهود و النصارى و المشركين منتسبين لإلسالم و غير منتسبين ليس مسلم و هذا ما دل عليه العقل و النقل لكن
ما زاد على ذلك ما هو الدليل على أنه ينقض اإلسالم .
لكن المسألة التي نحن فيها هي هل يستحيل إسالم مثل هذا ,أي هل يكون ممن ال يتصور عذره البتة.
إذا كان كفرا فهو وسائر أفعال وعقائد الكفر سواء ،فلم أفهم معنى اإلستحالة هنا ،وال عذر في الكفر في غير اإلكراه.
وإيراد هذه المسألة ليست من باب أنها مختلف فيها ,فإنا ال نعلم عالما واحدا في التاريخ قال بأن من لم يكفر من لم يكفر الكافر
يستحيل إسالمه على كل حال.
ولم نسمع أيضا عالما مسلما واحدا في التاريخ قال أن من لم يكفّر من لم يكفّر الكافر مسلم .
قال أبو مريم :كالمه هذا حجة عليه فإذا أنت لم تسمع أنه هناك من يقول بأنه مسلم و تقر كالم أبو حمزة أنه ليس هناك قال أنه
كافر فكيف إذا تجعله من نواقض اإلسالم و األصل براءة الذمة فإذا ثبت أنه يعبد هللا و يجتنب من عبد غير هللا فبأي دليل تحكم بأنه
مشرك فمسألة تجعلها من أصل دين اإلسالم و تكفر مخالفك فيها و ال تعرف من يقول بها من المسلمين كيف تكون من أصل دين
اإلسالم مع أن علماء الم سلمين تكلموا عن أمور دقيقة جدا بل تكلموا عن افتراضات و بحثوا لها أحكام في دين هللا فكيف في مسألة من
أصل دين اإلسالم ال يتكلم أهل العلم عليها و ال يذكرونها .
مع أن هذا القول غير صحيح فمسألة السلسلة من اعتقادات المعتزلة و ذكرها العلماء و أنكروها في كتبهم كالملطي في كتابه الرد
على أهل البدع و بين أن اعتقاد المسلمين جميعا المعتزلة و غيرهم تكفير من لم يكفر الكافر لكن أنكر عليهم التسلسل في التكفير و
كذلك أنكر عليهم التسلسل في التفسيق .
و ذكر هذا كذلك األشعري في كتابه مقاالت اإلسالميين و البغدادي في الفرق بين الفرق و قد نقلت هذه المواضع في أكثر من
رسالة و نسبوا هذه المسألة إلى المعتزلة و لم ينسبوها إلى أهل السنة و الجماعة فدل على أن قولهم لم يقل أحد أن من لم يكفر من لم
يكفر الكافر مسلم غير صحيح فقد ذكر أهل العلم ذلك و جعلوا هذا القول قول مبتدع باطل .
وأبعد من ذلك بكثير وفي غاية البطالن من يقول بفلسفة التكفير بالتسلسل إلى األبد .لكن إيراد مسألة من لم يكفر من لم يكفر الكافر
لبيان أنه حتى لو فرض أن المسألة يختلف فيها فإن غاية ما تكون أنها من مسائل االختالف ,ال يجوز تكفير المخالف فيها ,وأن من كفر
فيها فإنه قد غال في الدين .ثم يتبين من ذلك أن غلو من طرد هذا المنهج في سلسلة ال نهاية لها أولى وأشد.
الحاصل أنكم تقولون أن من لم يكفر الكافر يكفر وال يصح اإلختالف فيه ،ومن لم يكفّر هذا الذي ال يصح اإلختالف فيه فهو مسلم،
فيمكن أن يختلف فيه بين المسلمين دون تكفير ،وهنا يظهر التناقض جليا .
قال أبو مريم :بينت أنه ال تناقض أبدا ألن مسألة من لم يكفر الكافر مسألة مجمع عليها لكن الخالف و الخطأ يقع في صورها ال
في أصلها و من صورها الخطأ في تكفير من لم يكفر المشرك فهو ناقض من النواقض التي قد يخطئ المسلم فيها كما يخطئ في غيرها
.
وفيما يلي رقمت الحجج الرئيسة على هذه الفلسفة كما يظهر في الفهرس.
وصف السلسلة
تصوير أمر السلسلة ال بد منه لتصور المسألة ومعرفة واقعها ,ولوال ذلك لتركت ذكر هذه الفلسفة المذمومة.
قال الشيخ سليمان بن عبد هللا ( المسألة السادسة :في المواالة والمعاداة ،هل هي من معنى ال إله إال هللا ،أو من
لوازمها؟
الجواب :أن يقال :هللا أعلم ،لكن بحسب المسلم أن يعلم :أن هللا افترض عليه عداوة المشركين ،وعدم مواالتهم ،وأوجب عليه
محبة المؤمنين ومواالتهم ،وأخبر أن ذلك من شروط اإليمان ،ونفى اإليمان عمن يواد من حاد هللا ورسوله ،ولو كانوا آباءهم أو
أبناءهم ،أو إخوانهم أو عشيرتهم .وأما كون ذلك من معنى ال إله إال هللا أو لوازمها ،فلم يكلفنا هللا بالبحث عن ذلك ،إنما كلفنا
بمعرفة أن هللا فرض ذلك وأوجبه ،وأوجب العمل به ،فهذا هو الفرض والحتم الذي ال شك فيه ،ومن عرف أن ذلك من معناها ،أو
من الزمها فهو حسن ،وزيادة خير ،ومن لم يعرفه فلم يكلف بمعرفته ،ال سيما إذا كان الجدال والمنازعة فيه ،مما يفضي إلى شر
واختالف ،ووقوع فرقة بين المؤمنين ،الذين قاموا بواجبات اإليمان ،وجاهدوا في هللا ،وعادوا المشركين ،ووالوا المسلمين،
فالسكوت عن ذلك متعين ،وهذا ما ظهر
لي ،على أن االختالف قريب من جهة المعنى ،وهللا أعلم . ) .
و مسألة تكفير من لم يكفر من لم يكفر الكافر تكفير بالزم الالزم ال تكفير بالزم الحقيقة بمحبة هللا و بغض الطاغوت
يستلزم ضرورة محبة أولياء هللا و عدهم أولياء هلل تعالى بغض الطاغوت يستلزم عدهم أولياء للطاغوت و بغضهم لكن تكفير من
اجتنب عبادة الطاغوت و اجتنب أولياءه تكفير بالزم الالزم ال بالالزم و من تصور هذا جيدا إذا مشى على طريقة السلسلة يعرف
أن التكفير بالسلسلة تكفير بلوازم اللوازم مما يدل على بطالن السل سلة فكلما بعد الالزم عن الحقيقة دل على ضعف الالزم و ليس
كل الزم يكفر به المخالف إنما يكون التكفير بالالزم الضروري الذي يدل على الجهل بالحقيقة و من اجتنب الشرك و كفر المشركين
تحقق فيه حقيقة ال إله إال هللا بتحقق اجتنابه لعبادة غير هللا و اجتنابه لعباد الطاغوت فالحقيقة و الالزم الضروري تحقق فيه لكن
ما زاد على ذلك و هو الزم الالزم و إن كان يقر به لكن هو ينفي أنه الحقيقة منتفية عنده و يتبرأ كذلك من الزمها الضروري و هو
تكفير المشركين فهو يكفر المشركين .
فحقائق هذه المسائل يحتاجها المسلم عند التفصيل فقد يذكر العلماء أن من لم يكفر المشركين كافر من جهة األصل و
هذا صحيح لكن عند التفصيل يفرق العلماء بين حقيقة ال إله إال هللا و بين مقتضياتها الضرورية .
ويدعون أن جميع هؤالء ما فهموا أصل الدين مع أنهم فهموا من الشهادة أن هذا الدين هو ترك الشرك وأن من لم يترك الشرك ليس
ع لى دينهم .فدعواهم هي أن كل عضو في السلسلة إلى األبد ال يعلم معنى الشهادة ,فهو فاقد لشرط العلم من شروط ال إله إال هللا,
هذا الكالم يعني أن المسلمين يعتقدون أن من لم يترك الشرك ليس على دينهم وكفى ،وال يلزمهم ذلك ،فإن خرج واحد من صفهم
(زيد) وقال :من لم يترك الشرك فهو مسلم ،قال بعضهم :هذا مرتد ،وقال البعض :هذا مسلم ،وهم في ك ّل مسلمون ،فهل سمعت أن
المسلمين اختلفوا في شيء كهذا؟ هذا يعني عندك أن قاعدة ( من لم يكفّر الكافر) نافلة غير الزمة لتحقيق اإلسالم .
قال أبو مريم :بينت أن هناك فرق بين النافلة و بين الو اجب و أن من ال يكفر من ال يكفر المشركين إنما هو محقق الجتناب
الشرك و المشركين لكنه يظن أن من اجتنب الشرك و لم يكفر المشرك ال يكفر حتى تقام عليه الحجة .
فأصل دين اإلسالم الذي ال يصح اإلسالم إال به أن يجتنب المسلم الشرك و يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون أخا له في اإلسالم فما
زاد على هذا أورد هذا الرجل إيرادا فقط من غير ذكر أدلة فعليه أن يسوق دليله ال أن يسوق مثاال يريد أن يوهم الناس أن هذا
مجمع عليه بين المسلمين مع أن العلماء ذكروا أن ما زاد على تكفير الكفار من الشك في الثالث و ما زاد على ذلك ليس من
اعتقادات أهل السنة سواء أصاب من نقل هذا أم أخطأ فإن المسألة عندهم ليست من أصل دين اإلسالم إنما األصل عندهم اجتناب
الشرك و اعتقاد أنه من لم يجتنب الشرك كافر و هو تكفير الكفار قال الملطي ( فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة
فالقول في الشاك والشاك في الشاك ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة ال اختالف بينهم أن من شك في كافر
فهو كافر ألن الشاك في الكفر ال إيمان له ألنه ال يعرف كفرا من إيمان فليس بين األمة كلها المعتزلة ومن دونهم خالف أن الشاك
في الكافر كافر ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى األبد إلى ما ال نهاية له كلهم
كفار وسبيلهم سبيل الشاك األول وقال معتزلة البصرة الشاك األول كافر ألنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك
ليس بكافر بل هو فاسق ألنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم ال فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك األول
وكذلك عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما ال نهاية له كلهم فساق إال الشاك األول فإنه كافر وقولهم أحسن من قول
أهل بغداد وتقول معتزلة بغداد ) .
فهذا النقل يدل على أنهم يعتقدون بإسالم من اجتنب الشرك و كفر الكفار إذا كان يعتقد من جهة اإلجمال بتكفير الكفار بل
جعل بعضهم السلسلة من بدع المعتزلة فكيف يقول هل سمعتم أن المسلمين اختلفوا في ذلك .
و الملطي رحمه هللا يذكر أن معتزلة بغداد يكفرون معتزلة البصرة ال ألن معتزلة البصرة يخالفون المعتزلة في أصولهم
إنما يكفرونهم ألنهم يعتقدون بفسق الشاك في الشاك ال كفره فيعتقد معتزلة بغداد أنه يكفر و أن من ال يقول بقولهم يكفر حتى لو
كان يعتقد التفسيق ال التكفير هذا هو السبب الذي يكفر به معتزلة بغداد معتزلة البصرة ال لسبب آخر كما يأول بعضهم كالم الملطي
أن المعت زلة سبب خطأهم ألنه أجروا السلسلة على أصولهم الباطلة فلو كان خطأهم إجراء السلسلة على أصولهم الباطلة فلكان
اإلنكار عليهم في أصولهم الباطلة ال في إجراء السلسلة كما هو صريح كالم الملطي .
ومن لم يؤمن بالسلسلة فإنه يجعل منها ,ألنه كما يزعمون ال يعلم معنى الشهادة.
ال نقول :يؤمن بالسلسلة أو ال يؤمن بها ،فاإليمان بها يعني اإليمان بوجودها حتما ،ونحن ال نريد أن توجد أصال ،وإنما الصواب هو
اإليمان بكفر من فيها متى ُوجد.
ومشكلك كما هو مشكل كل أعضاء السلسلة هو أنكم تطبقون القاعدة المذكورة ثم توقفون تطبيقها دون سبب وال مبرر وال حجة ،مع
أن من كفّر هذا يكفّر من بعده ألنه ترك تكفير كافر.
أما معنى الشهادة فال ينتفي بعدم تكفير الكافر ،وإنما ينتفي الزم من لوازمها التي تنتفي الشهادة بانتفائها ،وهو تكفير الكافر ،وانتفاء
المعنى أو الالزم سواء في الحقيقة ،فكالهما يبطلها وكالهما كفر.
قال أبو مريم :هذا ما نعتقده تكفير من لم يحقق الشهادة كأن ينفى معناها فيعبد غير هللا أو ينفي الزمها الضروري بأن يحكم
بإسالم من عبد غير هللا فهذه حقيقة الشهادة و هذا ما نكفر به لكن كالمنا مع من يكفر بالزم الالزم و نحن نقول بأن ال يجوز التكفير
بالزم الالز م إال بعد قيام الحجة فقد يعتقد من حقق الالزم و هو أنه اعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون مسلما لكنه قال من أخطأ في هذا
فظن أنه ليس بناقص لإلسالم إال بعد قيام الحجة فخطأه في تصور هذا الناقض فهو كما ذكرنا محقق للمعنى و الالزم .
ال بد من دليل الشرع ,أما العقل المجرد فال يثبت مثل هذا في شيء
اشتراط التكرار ليكون األمر من أصل الدين يلزمه الدليل ،ونحن نعلم أن اإلسالم ثبت للصحابة قبل أن تنزل آيات القرآن
مفصلة وقبل أن يسمعوها ،فلم يتلقوا أصل الدين بالتدرج ،ثم ما يقال في زيد الذي كفّرتموه يقال في عمرو ،فهل احتاج
الصحابة إلى دليل على حكم زيد في القرآن فضال عن أن يتكرر ؟ .
فلو فرض أنهم يقرون بأن أي شخص في السلسلة ال يكفر تنقطع جميع سلسلتهم وتنفتح حبات عقدها,
ولو أقررت بأن أي شخص في السلسلة ال يكفر فإن زيدا مسلم أيضا حتى تنقطع السلسلة من جذورها وفق هذا المنطق.
ألن كل معين في السلسلة ال يختلف عن اآلخر ,وعلة تكفيره عند أصحاب السلسلة هي نفسها في كل عضو.
إذا كانت علة التكفير هي نفسها في كل عضو فال بد أن تلتزم بها ،وإال فبين ما الذي يفرق بين هذا ومن قبله.
وهو كغيره لم يفعل الشرك ولم يحكم بإسالم المشركين إال المشرك األول والذي يحكم بإسالمه مع علمه بأنه يقع في الشرك.
لماذا جعلت زيدا هنا خارج نطاق السلسلة وأضف ته لمن فعل الشرك ،بينما علة تكفيره هي نفس علة تكفير من بعده إن وجدوا؟
والمخرج الوحيد من ذلك هو ترك الفلسفة وتسليم كالم رب العالمين بالرجوع إلى الكتاب والسنة .فالذي يستحيل إسالمه هو من حكم
هللا تعالى عليه بذلك ,وال يجوز ألحد أن يدعي ذلك إال بدليل واضح من الشرع .ولو كفى في ذلك دليل من مجرد العقل ألتى كل ملعون
وألزمنا بفلسفاته الشيطانية.
بعيدا عن العقل والفلسفة أين الدليل الواضح من الشرع على أن زيدا يستحيل إسالمه دون عمرو؟ فهل يجوز ألحد أن يضع حدا
لتكفير الكافر دون دليل واضح من الشرع؟
قال أبو مريم :يراجع الر دود السابقة ألن الكالم تكرر كثيرا من غير ذكر حجة من الكتاب و السنة فلو كان هناك دليل
يقطع حجة المنازع لما أكثر الرد بكالم مجرد من الدليل و بمجرد اإللزامات فاإللزامات لو صحت إنما تدل على بطالن قول الخصم و ال
تدل على صحة اعتقاد صاحب اإللزام فلو كان إلزامه صح يح عليه أن يذكر لنا ما هي النصوص التي تدل على صحة اعتقاده في تكفير
من لم يكفر الكافر إلى ما ال نهاية .
-2السلسلة معقدة جدا ودين اإلسالم سهل جدا فهي نقيض دين اإلسالم من هذه الجهة
إن كل من حاول فهم هذه الفلسفة يكاد عقله ينكسر من التفكير المعقد .وهذا معناه جزما أنها ال يمكن أن تكون مما يلزم كل إنسان
على اختالف ذكاءهم وبالدتهم .وعلم ضرورة من اإلسالم أن أبسط الناس دخلوا هذا الدين دون أي شيء من التفكير المعقد ,ال بهذه
الفلسفة وال بما يشبهها من بعيد .ولو زعم أحد أن كل من دخل دين اإلسالم في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم فهم هذه الفلسفة وقدر على
تصورها والحكم عليها فإنه في غاية المكابرة ,فالصحابة وكذلك العلماء من بعدهم ال يخرجون عن كونهم بشرا ,وليس معهودا عند البشر
أن كل واحد منهم يفهم مثل هذه األمور المعقدة جدا عند السماع األول ,هذا مستحيل عادة عند البشر مما يعلمه كل واحد منهم من نفسه
وغيره ضرورة .وهذا دليل من الواقع المحسوس ,ومن أنكر ذلك فإنه كذاب مكذب لما يعلمه من نفسه ضرورة.
المسلمون يؤمنون أن تكفير الكافر من أصل الدين ،وبهذا فقط تنقطع السلسلة ،ألنهم ال يعتبرون هذا التكفير نافلة من النوافل ،وإنما
هو ركن من أركان ا لكفر بالطاغوت ،واألمر واضح للغاية ،فمن فهم هذا ال يخفى عليه أمر من ترك تكفير الكافر ،ولذلك لن يكون هناك
زيد وال عمرو وال فلسفة معقدة ،وإنما المتفلسف هو من يضع حدا لتكفير الكافر بال حجة ،أما أن نفرض األمر الواقع رغم تناقضه
وتعقيده ونطلب ممن يحكم عليه أن يتنازل فهذا غير مقبول .
قال أبو مريم :المسلم ال بد أن يعتقد من جهة اإلجمال أن من نقض إسالمه يجب تكفيره و البراءة منه و إال ال يكون مسلما من لم
يتبرأ منه مع علمه بأنه نقض إسالمه هذا القدر ال يختلف عليه المسلمون سنيهم و بدعيهم لكن كالمنا ليس عن هذا القدر كالمنا عمن
يعتقد أن من لم يكفر المشرك ال يكفر حتى تقام عليه الحجة هذا خطأه ليس في هذه القاعدة إنما خطأه صورة معينة نحن نعتقد أنها
تدخل في القاعدة و هو يعتقد أنه ال تدخل في القاعدة إال بعد قيام الحجة فالخالف ليس في أصل القاعدة إنما صورة من صور القاعدة .
و أ هل العلم قد يختلفون كما بينت في تعليقات سابقة في ناقض من النواقض ثم ضرورة يختلفون في تكفير فاعله و ضرورة
يختلفون في تكفير من لم يكفره لذا ال يكفرون بعضهم بسبب اختالفهم في الناقض .
والحقيقة أن أكثر الناس بل أكثر الذين يخوضون في هذه المسألة وينتسبون إلى دين السلسلة المقدسة عندهم ال يفقهون هذه المسألة
في شيء وال يتصورونها تصورا صحيحا ,فكيف إذاً يكفِّرون من لم يفهمها مثلهم ,وكيف يجعلون فهمهم الذي يجري في عقولهم دليال
قاطعا في دين هللا يلزم جميع البشر؟ كيف وقد أتعبوا أنفسهم وتعبوا أشد التعب في تصور ذلك ,ثم يلتبس عليهم كل يوم من جديد ألن
عقولهم ال تتحمل ذلك فيتناقشون على الدوام مناقشات جديدة طويلة جدا يصعب متابعتها على كل إنسان حتى إن كان عبقريا ومن أعلم
العلماء.
إذا صح وجود تعقيد في المسألة فما تفترضه أنت أشد تعقيدا ،وهو أن يؤمن أحد بقاعدة ( من لم يكفّر الكافر) ثم هو يكفّر كافرا دون
آخر ،وهما يشتركان في نفس العلة ،فل ّما اعتقد فيه غيره أنه كافر طبقا ً لنفس القاعدة قلت :هذا تعقيد ،فهل البساطة تعني أن نقول بإسالمه؟
فلماذا قبلت بهذا التعقيد ولم تقبل الحكم عليه ؟ .
قال أبو مريم :بينت سابقا أنه ليس هناك تعقيد أبدا في المسألة ألنه ليس هناك علة مشتركة بل علة التكفير بالشرك غير علة
التكفير بتكفير من لم يكفر الكافر .
دعاوى أصحاب السلسلة
• يدعون أن السلسلة من الدين.
• إذا قيل لهم إن السلسلة ال ذكر لها مرة في جميع نصوص الدين يفرون إلى ادعاء أن السلسلة من معنى ال إله إال هللا .فالسلسلة
حسب زعمهم هذا مذكورة عدة مرات في القرآن وعرفها جميع الصحابة وجميع المسلمين عامة.
جميع المسلمين عرفوا أن الكافر على غير دينهم ،فإن خالف في هذا مسلم اعتبروه مرتدا ،ولم يكن الصحابة بحاجة ألن يذكر لهم
هذا مرة وال عدة مرات .
قال أبو مريم :عرف المسلمو ن أن من عبد غير هللا أو استكبر على عبادة هللا ليس على دينهم ألنه لم يستسلم هلل تعالى أو
استسلم هلل تعالى و استسلم لغيره فمثل هذا عرفه المسلمون من معرفتهم أن اإلسالم ال يصح إال بنفي الشرك و الكبر بل علمه
المشركون من دعوة األنبياء إليهم علموا أنه ال يكونون م سلمين إال بالبراءة من دينهم و إال ال يكونون مسلمين لكن المشركين كانوا
يعتقدون أن دين هللا باطل فلم يدخلوا به فمتى ما دخلو به حكموا على أنفسهم بأنهم كانوا مشركين و حكموا على من كان على دينهم
أنه مشرك هذا القدر ال بد فيه في اإلسالم و هذا علمه الصحابة من دين النبي صلى هللا عليه و سلم بنصوص الكتاب و السنة لكن ما
زاد على هذا و هو تكفير من لم يكفر من لم يكفر الكافر كما ثبت نصوص أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من الشرك و أنه من حكم
بإسالم المشرك لم يؤمن باهلل عليكم أن تذكروا لنا النصوص من الكتاب و السنة أنها من أصل دين اإلسالم حتى تقطعوا حجتنا و إذا لم
يكن عندكم نصوص في ذلك ال يجوز لكم جعلها من أصل دين اإلسالم فإن ما كان من دين هللا ال بد أن يكون جاء به النبي صلى هللا
عليه و سلم .
• دعوى أن جميع أعضاء السلسلة المتوهمة يجهلون معنى ال إله إال هللا وال يكفرون بالطاغوت ,مع أنهم يحققون البراءة من الشرك
والمشركين علما وعمال.
من يكفّر الكافر ثم يعتبر المخالفين في حكمه مسلمين قد ناقض نفسه وجعل القاعدة نافلة ،وهذا لم يكفر بالطاغوت ولم يحقق البراءة
من المشركين .
• دعواهم أن مخالفهم يقول إن من لم يعلم معنى الشهادة يمكن أن يكون مسلما
المخالف يقول أن من لم يعلم بلوازم الشهادة يمكن أن يكون مسلما.
• دعواهم أن مخالفهم يقول إن من ال يفرق بين دين اإلسالم ودين الشرك يمكن أن يكون مسلما
المخالف يقول أن من لم يفرق بين المسلم والكافر يمكن أن يكون مسلما .
قال أبو مريم :المخالف ال يقول بهذا فهو من جهة الجملة يعتقد أن من نقض إسالمه ال يكون مسلما و يجب تكفيره و يعتقد أن
من لم يفرق بين اإلسالم و الشرك و بين المسلم و الكافر ال يكون مسلما لكن يتوقف لذا يعتقد أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من
الشرك و المشركين لكن يظن أن من لم يكفر المشرك إذا كان مجتنبا للشرك ال يكفر إال بعد قيام الحجة أما من يعتقد أنه ال فرق بين
المسلم و المشرك من جهة اإلجمال هذا ال يكون مسلما .
فالمخالف علم الشهادة و لوازمها فحققها لكن عذر من جهل الالزم ال من جهل الحقيقة مع تحقيقه للشهادة و الالزم فهو حقيقة
محقق لما يجب عليه من اإلسالم و يعتقد وجوب تكفير المشركين و البراءة منهم لكنه يرى أن من لم يحقق هذا ال يكفر حتى تقام
الحجة ال أنه يعتقد أنها نافلة أي مستحبة فالنافلة في اصطالح العلماء أي ليست واجبة .
اشتراط التكرار ليكون األمر من أصل الدين يلزمه الدليل ،ونحن نعلم أن اإلسالم ثبت للصحابة قبل أن تنزل آيات القرآن
مفصلة وقبل أن يسمعوها ،فلم يتلقوا أصل الدين بالتدرج ،ثم ما يقال في زيد الذي كفّرتموه يقال في عمرو ،فهل احتاج
الصحابة إلى دليل على حكم زيد في القرآن فضال عن أن يتكرر ؟ .
قال أبو مريم :مسألة أصل دين اإلسالم و هو وجوب اجتناب الشرك و اجتناب الكبر هذا أمر عقلي فطري قبل أن يكون شرعي
لكن لما كان هذا األمر أصل دين اإلسالم اهتم به األنبياء أشد اإلهتمام فبينوه أوضح بيان و كرروا الدعوة إليه لذا تكرر في كتاب
هللا تعالى بيان التوحيد سواء في المرحلة المكية أو المدنية و تكرر كذلك في دعوة األنبياء إلى أقوامهم فالمقصود هو أنه لو كانت
السلسلة تدخل في أصل دين اإلسالم لكانت نصوصها قطعية ظاهرة كثيرة منتشرة في كتاب هللا لكن قبول التوحيد ال يشترط فيه
تكرر النصوص فبمجرد نص واحد يبلغ المسلم و يؤمن به يلزمه اإلسالم فهناك فرق بين تكرر النصوص في أمر من أمور الدين
مما يدل على أهميته و بين قبول المستمع لهذا األمر فقبوله ال يشترط أنه يعلم أنه تكرر فعليه بمجرد بلوغه أي نص من النصوص
أن يؤمن به .
أما مسألة التفريق بين زيد و عمرو بينت الفرق بينهما و سبب تكفير زيد و أنه يلزم منه الجهل بحقيقة اإلسالم بينما تكفير عمرو
ال يلزم منه ذلك .
حتى المشركون فهموا معنى الشهادة لكن ال أحد منهم فهم السلسلة منه
هل اعتقد المشركون الذين بلغتهم دعوة التوحيد أن من خالفها مسلم؟ وإن لم يحدث ذلك واعتقدوا أنه غير مسلم مثلهم،
فهل اعتقدوا أن من خالف في ذلك مسلم ؟
قال أبو مريم :بينت سابقا الفرق بين أنه يعتقد أن من لم يحقق البراءة من الشرك و الكبر يكون مسلما أنه من اعتقد
هذا ال يكون مسلما ألنه ال أنه المشرك و المستكبر يكون أخا له في اإلسالم فهذا جهل بحقيقة ال إله إال هللا و فرق بين من
اعتقد أن من لم يحقق البراءة من الشرك و الكبر ال يكون مسلما لكن من ال يكفر من ال يكفر المشركين ال يكفر حتى تقام
عليه الحجة فالمشرك فهم من دين اإلسالم أنه ال يكون مسلما إال باجتناب للشرك و أنه لو دخل اإلسالم ال بد أن يحكم على
من لم يحتنب الشرك بالشرك لكنه ال يشترط أنه يفهم أن من لم يكفر المشرك يكون مشركا مع اجتنابه للشرك .
قال أبو مريم" :سبق أن حقيقة السلسلة أن تكون أصول كثيرة جدا لدين اإلسالم ,من لم يحققها جميعا ال يكون مسلما.
هذا وهم من األوهام ،وإنما هناك أصل واحد وهو وجوب تكفير الكافر لتحقيق اإلسالم ابتداء .
قال أبو مريم :بينت سابقا أن هي حقائق مختلفة ال حقيقة واحدة و لو قيل له هل حقيقة تكفير المشرك هي حقيقة اجتناب الشرك
ال يمكنه أن يقول أنهما حقيقة واحدة ألنه ال يشترط من لم يكفر المشرك يقع في الشرك فقد يكفر المشرك و يعبد هللا و كذلك من اجتنب
الشرك و كفر المش رك لكنه ال يكفر من ال يكفر المشرك ال يلزم قوله هذا أنه يعبد غير هللا أو أنه ال يكفر المشرك فهو يجتنب الشرك و
يكفر المشرك فيدل هذا صراحة أنها حقائق مختلفة و إذا اختلفت حقائقها اختلفت أحكامها ضرورة .
واألنبياء لم يأتوا إال بأصل واحد وهذا األصل فهمه المسلمون والمشركون:
اَّلل َوحْ دَهُ َونَذَ َر َما كَانَ يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا فَأْتِنَا بِ َما تَ ِعدُنَا إِن كُنتَ مِ نَ ال َّ
صا ِدقِينَ } األعراف70 : {قَالُواْ أَ ِجئْتَنَا ِلنَ ْعبُدَ ّ َ
ع ْن قَ ْولِكَ َو َما نَحْ نُ َلكَ ِب ُمؤْ مِ نِينَ } هود53 : {يَا هُودُ َما ِجئْتَنَا ِببَ ِيّنَ ٍة َو َما نَحْ نُ ِبتَاْ ِرك ْ
ِي آ ِل َهتِنَا َ
صا ِل ُح قَ ْد كُ ْنتَ فِ ْينَا َم ْر ُج ًّوا قَ ْب َل َهذَا أَتَ ْن َهانَا أَ ْن نَّ ْعبُدَ َما يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا} هود62 :
{يَا َ
صالَتُكَ تَأْ ُم ُركَ أَ ْن نَتْ ُركَ َما يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا أَ ْو أَ ْن نَ ْفعَ َل فِي أَ ْم َوا ِلنَا َما نَشَا ُء} هود87 :
{أَ َ
ِين}
سيَ ْهد ِ ولما دعا إبراهيم عليه السالم قومه إلى البراءة من عبادة غير هللا وقال لهم { ِإنَّنِي بَ َراْ ٌء ِّم َّما تَ ْعبُدُونَ ِ .إالَّ الَّذِي فَ َ
ط َرنِي فَإِنَّهُ َ
الزخرف27-26 :
قال له أبوه {أَ َراغِبٌ أَ ْنتَ َع ْن آ ِل َهتِي َيا ِإب َْراهِي ُم لَئ ِْن لَّ ْم تَ ْنتَ ِه أل َ ْر ُج َمنَّكَ َوا ْه ُج ْرنِي َم ِليًّا} مريم46 :
ص ُروا أَ ِل َهتِكُ ْم إِ ْن كُ ْنت ُ ْم فَا ِعلِينَ } األنبياء67 :
وقال قومه { َح ِ ّرقُوهُ َوا ْن ُ
{أَ َجعَ َل اآل ِل َهةَ إِ َلها ً َواحِ داً إِ َّن َهذَا َلش َْي ٌء عُ َجابٌ } ص5 :
ب ُم ْشت َِركُونَ ِ .إنَّا َكذَلِكَ نَ ْف َع ُل ِباْل ُمجْ ِرمِ ينَ ِ .إنَّ ُه ْم كَانُوا ِإذَا قِي َل لَ ُه ْم الَ ِإلَ َه ِإالَّ هللاُ َي ْستَ ْك ِب ُرونَ َ .و َيقُولُونَ أَئِنَّا لَت َ
َاركُوا {فَإِنَّ ُه ْم َي ْو َمئِ ٍذ فِي اْل َعذَا ِ
ون} الصافات36-33 : أَ ِل َهتِنَا ِلشَا ِع ٍر َمجْ نُ ٍ
علَى آ ِل َه ِتكُ ْم ِإ َّن َهذَا لَش َْي ٌء ي َُرادٌ} ص6-5 : طلَقَ ْال َمأل ُ مِ ْن ُه ْم أَ ِن ْامشُوا َوا ْ
ص ِب ُروا َ {أَ َج َع َل اْآل ِل َهةَ ِإ َلها ً َواحِ داً ِإ َّن َهذَا َلش َْي ٌء ُ
ع َجابٌ َ .وا ْن َ
فالمشركون جميعا فهموا ما فهمه المسلمون من أن حقيقة ال إله إال هللا التي يدعوا إليها األنبياء هي البراءة من الشرك وإخالص
العبادة هلل تعالى ,لكنهم كانوا يظنون أن هذا الدين باطل ,وكان هذا حال جهالهم ,وكان منهم من يعرف أنه حق ولكن ال يريد أن يلتزم به
كحال أبي طالب عم النبي صلى هللا عليه وسلم.
ففي صحيح البخاري عن ابن المسيب ،عن أبيه ،أن أبا طالب لما حضرته الوفاة ،دخل عليه النبي صلى هللا عليه وسلم وعنده أبو
جهل ،فقال " :أي عم ،قل ال إله إال هللا ،كلمة أحاج لك بها عند هللا " فقال أبو جهل وعبد هللا بن أبي أمية :يا أبا طالب ،ترغب عن
ملة عبد المطلب ،فلم يزاال يكلمانه ،حتى قال آخر شيء كلمهم به :على ملة عبد المطلب ،فقال النبي صلى هللا عليه وسلم " :ألستغفرن
لك ،ما لم أنه عنه " فنزلت :ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب
الجحيم .ونزلت :إنك ال تهدي من أحببت.
فأبو جهل وعبد هللا بن أبي أمية عرفا أن النبي صلى هللا عليه وسلم يريد من أبي طالب اجتناب عبادة غير هللا وإخالص العبادة هلل
تعالى بمجرد سماع كلمة ال إله إال هللا ,لذا قاال "ترغب عن ملة عبد المطلب" .ولم يقل أحد من المشركين والمسلمين إن النبي صلى هللا
عليه وسلم كان يأمرهم بتكفير من لم يكفر الكافر إلى ما ال نهاية ,ألن كلمة "ال إله إال هللا" ال تدل لغة على المعنى الذي يدعيه أصحاب
السلسلة وال تدل عليه شرعا".
معنى ال إله إال هللا كما هو حقيقة من الكتاب والسنة وكما شرحها العلماء
الذي تدل عليه بإجماع أهل العلم هو التزام عبادة هللا تعالى والبراءة من عبادة غيره ,وقد جاءت مفسرة في كتاب هللا كثيرا ,كما
سيأتي ذكر ذلك عند النقل عن بعض أهل العلم.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ "ومعنى ال إله إال هللا ،أي :ال معبود حق إال هللا ،قال هللا تعالى{ :ذَلِكَ بِأَنَّ َّ َ
اَّلل
ير} سورة الحج آية 62 :وقال جل ذكره{:لَهُ دَع َْوة ُ ْال َح ّ ِ
ق ي ْال َكبِ ُ
اَّلل ه َُو ْالعَ ِل ُّ
ه َُو ْال َح ُّق َوأَنَّ َما يَدْعُونَ مِ ْن دُونِ ِه ه َُو ْالبَاطِ ُل َوأَنَّ َّ َ
عا ُء ْالكَاف ِِرينَ ِإالَّ فِي
يءٍ ِإالَّ َكبَاسِطِ َكفَّ ْي ِه ِإلَى ْال َماءِ ِليَ ْبلُ َغ فَاهُ َو َما ه َُو ِببَا ِل ِغ ِه َو َما دُ َ ش ْ َوالَّذِينَ يَدْعُونَ ْ
مِن دُونِ ِه ال يَ ْست َِجيبُونَ لَ ُه ْم ِب َ
ضال ٍل} سورة الرعد آية 14 : َ
تعالى{:وإِذْ
َ فدلت هذه الكلمة العظيمة مطابقة ،على إخالص العبادة بجميع أفرادها هلل تعالى ،ونفي كل معبود سواه ،قال هللا
ع ِق ِبهِ} سورة الزخرف آية : ِين َو َج َعلَ َها َك ِل َمةً َباقِ َيةً فِي َ قَا َل ِإب َْراهِي ُم أل َ ِبي ِه َوقَ ْومِ ِه ِإنَّنِي َب َرا ٌء مِ َّما ت َ ْعبُدُونَ ِإالَّ الَّذِي فَ َ
ط َرنِي فَإِنَّهُ َ
س َي ْهد ِ
َّ َّ
28-26أي :ال إله إال هللا ،فأرجع ضمير هذه الكلمة ،إلى ما سبق من مدلولها ،وهو قوله{ :إِنَّنِي بَ َرا ٌء مِ َّما ت َ ْعبُدُونَ إِال الذِي
ط َرنِي} سورة الزخرف آية 27-26 : فَ َ
تعالى{:و َما
َ وهذا هو الذي خلق هللا الخلق ألجله ،وافترضه على عباده ،وأرسل الرسل ،وأنزل الكتب لبيانه وتقريره ،قال
ضى َربُّكَ أَالَّ ت َ ْعبُدُوا ِإالَّ ِإيَّاهُ} سورة اإلسراء آية : {وقَ َ ُون} سورة الذاريات آية 56 :وقال تعالىَ : س ِإالَّ ِليَ ْعبُد َِخلَ ْقتُ ْال ِجنَّ َواألِ ْن َ
ُون} سورة األنبياء آية 25 :وقال ُول إِالَّ نُوحِ ي إِلَ ْي ِه أَنَّهُ ال إِلَهَ إِالَّ أَنَا فَا ْعبُد ِ مِن َرس ٍ مِن قَ ْبلِكَ ْ س ْلنَا ْ {و َما أ َ ْر َ 23اآلية وقال تعالىَ :
ِير} سورة هود آية 2-1 : ش ب
ٌ َ َ ٌ و ِيرذ ن
َ ُ ه ْ
ن م
ْ مِ ُ
ك َ ل ِي ن َّ ن إ اَّلل
ِ َّ َ ِ َّ الإ ُوا د ب
ُ ع
ْ َ ت َّ الَ أ ير ب
َ ٍ ِ ٍخَ ِيم ك ح ْ
ُن د َ ل ْ
ن ْ
ت َ ل
َّ ِ ّ مِ ص ُ ف م ُ ث ُ هُ ت ا تعالى{ :الر ِكتَابٌ أُحْ ِك َم َ
ي آ ْ
ت
علِي ٌم} سورة البقرة
سمِ ي ٌع َ ام لَ َها َو َّ ُ
اَّلل َ ص َ سكَ بِ ْالعُ ْر َوةِ ْال ُوثْقَى ال ا ْن ِف َ اَّللِ فَقَ ِد ا ْست َْم َ ت َويُؤْ ْ
مِن بِ َّ غو ِ طا ُ وقال تعالى{ :فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر بِال َّ
آية 256 :والطاغوت :كل ما تجاوز به العبد حده ،من معبود أو متبوع أو مطاع ،فمن تحقق بمدلول هذه الكلمة العظيمة ،من
إخالص العبادة هلل تعالى ،والبراءة من عبادة ما سواه ،بالجنان واألركان ،وعمل بما اقتضته من فرائض اإلسالم واإليمان،
كان معصوم الدم والمال ،ومن ال ،فال".
وقال رحمه هللا "أما بعد :فاعلموا معشر اإلخوان ،أن هللا تعالى أرسل رسوله محمدا صلى هللا عليه وسلم بالهدى ودين
الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ،وعرفهم ما خلقوا له من إخالص العبادة هلل وحده ال شريك له ،وترك عبادة ما
كانوا يعبدونه من دون هللا ،والرغبة عن عبادة غيره ،والبراءة منها ،والكفر بالطاغوت وهو الشيطان ،وما زينه من عبادة
األوثان .
فدعا قريشا والعرب إلى أن يقولوا ال إله إال هللا ،لما دلت عليه من بطالن عبادة كل ما يعبد من دون هللا ،وإخالص العبادة
هلل وحده دون كل ما سواه؛ وهذا هو الت وحيد الذي خلق هللا الخلق ألجله ،وأرسل الرسل ألجله ،وأنزل الكتب ألجله؛ وهو
أساس اإليمان واإلسالم ورأسه؛ وهو الدين
الحق الذي ال يقبل هللا من عبد دينا سواه .
1
جمموع الفتاوى 14 :10
ضى َربُّكَ {وقَ َ
ُون} سورة الذاريات آية 56 :أي :يوحدون ،وقال تعالىَ : س ِإ َّال ِليَ ْعبُد ِ
األ ْن َ{و َما َخلَ ْقتُ ْال ِجنَّ َو ْ ِ قال هللا تعالىَ :
سانا} سورة اإلسراء آية ،23 :وهذه اآلية تفسر اآلية قبلها ،وتبين أن المراد بالعبادة التوحيد، ً أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ َوبِ ْال َوا ِلدَي ِْن إِحْ َ
وأن يكون هللا سبحانه وتعالى هو المعبود وحده دون كل ما سواه؛ والقرآن كله في تقرير هذا التوحيد وبيانه ،وبين ذلك قوله
َّلل أ َ َم َر أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا إِ َّال إِيَّاهُ} سورة يوسف آية .40 : تعالى{ :إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ
غي ُْرهُ} سورة المؤمنون والرسل عليهم الصالة والسالم افتتحوا دعوتهم لقومهم بهذا التوحيد {أ َ ِن ا ْعبُدُوا َّ َ
اَّلل َما لَ ُك ْم مِ ْن إِلَ ٍه َ
اَّلل أ َ ْوثَانا ً
ُون َّ ِ
مِن د ِ ِيم ِإذْ قَا َل ِلقَ ْومِ ِه ا ْع ُبدُوا َّ َ
اَّلل َواتَّقُوهُ ذَ ِل ُك ْم َخي ٌْر لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ ِإنَّ َما ت َ ْع ُبدُونَ ْ {و ِإب َْراه َ آية .32 :وقال تعالىَ :
الر ْزقَ َوا ْعبُدُوهُ َوا ْش ُك ُروا لَهُ ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ َو ِإ ْن اَّلل ال يَ ْم ِل ُكونَ لَ ُك ْم ِر ْزقا ً فَا ْبتَغُوا ِع ْندَ َّ ِ
اَّلل ِ ّ ُون َّ ِ مِن د ِ َوت َْخلُقُونَ ِإ ْفكا ً ِإنَّ الَّذِينَ ت َ ْعبُدُونَ ْ
الرسُو ِل إِال البَالغ ال ُمبِ } سورة العنكبوت آية 18-17-16 : ينُ ْ ُ ْ َّ على َّ َ ب أ ُ َم ٌم ْ
مِن قَ ْب ِل ُك ْم َو َما َ ت ُ َك ِذّبُوا فَقَدْ َكذَّ َ
ب أ ُ َم ٌم مِ ْن قَ ْب ِل ُك ْم} سورة العنكبوت آية 18 :يعني قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين ،والمؤتفكات وهم قوله{ :فَقَدْ َكذَّ َ
تاَّلل َومِ ْن ُه ْم َم ْن َحقَّ ْ
غوتَ فَمِ ْن ُه ْم َم ْن َهدَى َّ ُ طا ُ {ولَقَدْ َب َعثْنَا فِي ُك ِّل أ ُ َّم ٍة َرسُوالً أ َ ِن ا ْعبُدُوا َّ َ
اَّلل َواجْ ت َ ِنبُوا ال َّ قوم لوط ،وقد قال تعالىَ :
علَ ْي ِه الضَّاللَةُ} سورة النحل آية . 36 : َ
وكل رسول يدعو قومه إلى أن يخلعوا عبادة ما كانوا يعبدونه من دون هللا ،ويخلصوا أعمالهم كلها عن األصنام واألوثان
ص ُرونَ } سورة يس آية ،74 : اَّلل آ ِل َهةً لَ َعلَّ ُه ْم ُي ْن َ
ُون َّ ِ {وات َّ َخذُوا ْ
مِن د ِ التي اتخذوها ،وجعلوها أندادا هلل بعبادتهم ،كما قال تعالىَ :
مِن ِإلَ ٍه عا ٍد أخَا ُه ْم هُودا ً قَا َل يَا قَ ْو ِم ا ْعبُدُوا ا َّ َ
َّلل َما لَ ُك ْم ْ َ {و ِإلَى َ
وهذا هو معنى ال إله إال هللا ،ال يشك في هذا مسلم ،كما قال تعالىَ :
غي ُْرهُ} سورة األعراف آية . 65 :
َ
فأجابوه بقولهم{ :قَالُوا يَا هُودُ َما ِجئْتَنَا بِبَيِّنَ ٍة َو َما نَحْ نُ بِت َِاركِي آ ِل َهتِنَا َع ْن قَ ْولِكَ َو َما نَحْ نُ لَكَ بِ ُمؤْ مِ نِينَ إِ ْن نَقُو ُل إِ َّال ا ْعت ََراكَ
ون} سورة هود آية : ظِر ِ اَّلل َوا ْش َهدُوا أَنِّي بَ ِري ٌء مِ َّما تُ ْش ِر ُكونَ ْ
مِن دُونِ ِه فَكِيدُونِي َجمِ يعا ً ث ُ َّم ال ت ُ ْن ُ ض آ ِل َهتِنَا ِبسُوءٍ قَا َل ِإنِّي أ ُ ْش ِهدُ َّ َ
بَ ْع ُ
ْ ُ ْ ُ
،55-54-53وهذا هو المنفي في كلمة اإلخالص {إنِي بَ ِري ٌء مِ َّما تش ِركونَ مِن دُونِهِ} سورة هود آية ،55-54 :كما قال تعالى ّ َ
اَّلل َكف َْرنَا ِب ُك ْم َو َبدَا َب ْينَنَا َو َب ْينَ ُك ُم ْال َعد ََاوة ُ
ُون َّ ِ مخبرا عن جميع رسله ،أنهم قالوا لقومهمِ { :إنَّا ب َُرآ ُء مِ ْن ُك ْم َومِ َّما ت َ ْعبُدُونَ ْ
مِن د ِ
اَّلل َوحْ دَهُ} سورة الممتحنة آية . 4 : ضا ُء أَبَدا ً َحتَّى تُؤْ مِ نُوا بِ َّ ِ َو ْالبَ ْغ َ
واإلي مان باهلل وحده ،هو البراءة مما كانوا يعبدونه من األصنام واألوثان ،وإخالص العبادة هلل وحده؛ ال يرتاب في هذا
مسلم .فمن شك في أن هذا هو معنى ال إله إال هللا ،فليس معه من اإلسالم ما يزن حبة خردل .والقرآن أفصح عن معنى ال إله
إال هللا ،في آيات كثيرة يطول الكتاب بذكرها".
قال أبو مريم" :فمن كان عربيا فصيحا بلغه القرآن وحفظه من أوله إلى آخره وتدبر في آياته وفهمها جميعا من أول الكتاب إلى آخره
فإنه ال يفهم منه أبدا أن األنبياء كانوا يدعون للسلسلة ,وال أن األنبياء كانوا يأمرون الناس باعتقاد السلسلة.
من كان عاقال وإن ل م يكن عربيا فصيحا فإنه يدرك بالضرورة أن من خالفه في تعريف المسلم ليس بمسلم ،كما يفهم تماما أن من هو
خارج البيت فليس بداخله ،ويعتقد أن كل ما يتضمنه أصل الدين ال يمكن أن يكون مسألة خالفية بين المسلمين ،وإن كان هناك خالف فهو
خالف بين المسلمين والكفار.
فآية ال ممتحنة بينت كفر عابدي غير هللا ،وإن كنتم تعتقدون أنها تتضمن تكفير زيد بما أنه خالف في أصل الدين ،فهي تتضمن أيضا
تكفير عمرو ومن بعدهما ،ما دمتم ترون أن هذا التكفير من أصل الدين ،وإن كنتم ترون أن الدليل القطعي هو الكالم المباشر الصريح
على تكفير عمرو و َمن يلي ه فليس هناك دليل بهذه الصفة على تكفير زيد ،فلماذا آمنتم بكفره؟
إن إيمان األنبياء جميعا بكون عبادة غير هللا كفرا باهلل هي الدليل على كفر من يقول أنها إسالم ،وإيمان األنبياء جميعا في كون
المشركين على غير دينهم كبديهية ال يجادل فيها عاقل ،هو الدليل على تكفير من يقول بإسالم هؤالء الكفار ،دون حاجة إلى دليل مباشر
على كفر من لم يكفّرهم ،وال يختلف حكم هذا األخير عمن يقول بإسالمه.
قال أبو مريم :بينت سابقا الفرق بين جعل من حقق الشرك مسلما و بين جعل من حقق البراءة من الشرك
و المشركين لكنه لم يكفر عمرو أنه حقق اإلسالم فالخطأ كما بينت سابقا يقع في جعل تكفير المشركين صورة
واحدة فمن عبد غير هللا كمن اجتنب عبادة غير هللا لكنه لم يكفر من عبد غير هللا و من كفر من عبد غير هللا كمن
لم يكفر من لمن يكفر من عبد غير هللا .
فإيمان األنبياء في جعل من عبد غير هللا ليس على دينهم ال شك أنها بديهة ال نخالف فيها لكن كالمنا ليس
فيمن عبد غير هللا كالمنا فيمن اجتنب عبادة غير هللا و اجتنب المشركين فكيف يدخل هذا في مسألة اعتقاد أن من
عبد غير هللا ال يكون مسلما هو يعتقد هذا لذا يجتنب الشرك و يعتقد أن من عبد غير هللا ال يكون مسلما لكن ال
أخطأ في تكفير من لم يكفر المشرك ال أنه أخطأ تكفير المشرك فهو أخطأ في الزم مسألة من لم يكفر المشركين ال
في حقيقة من لم يكفر ال مشركين .
فغاية ما يفهمه طالب الحق أن هللا تعالى أمر الناس بإخالص العبادة هلل تعالى والبراءة من عبادة غير هللا .فهذا هو أصل اإلسالم.
ومنه يعلم ضرورة أن من فعل الشرك ليس على دين المسلمين.
إذا كان يعلم بالضرورة أن من فعل الشرك ليس على دين المسلمين ،فكيف يعتقد بإسالم من خالفه في هذا؟ إال إذا كنتم تعتقدون أن
تكفيره لفاعل الشرك ال يندرج في أصل الدين.
إذا كنتم مسلمين فستتفقون على كفر الكافر ما دام لكم نفس الع قيدة وهي الرصيد الذي يملكه المسلمون جميعا،
وما دام هذا الموقف الذي تقفونه من أصل الدين فإن من يخالف فيه قد نقض أصل الدين ،فال بد أن تتفقوا
يالضرورة على كفر هذا الثاني ،فهذا أيضا من أصل الدين وال شيء يدل على خروجه عنه ،فإن خالف في هذا أحد
فقد خرج عن أصل الدين ،فال يعقل أن يكون تكفيره من أصل الدين بينما اإلعتقاد بإسالمه مجرد خطأ اجتهادي.
قال أبو مريم :تكرر ال رد على هذه المسألة في أكثر من تعليق فنفس التعليق يكرر بمجرد دعوى عقلية و
لم يذكر دليل على هذه الدعوى ال من الكتاب و ال من السنة و ال من قول صاحب واحد فهناك قدر نتفق عليه و
هناك قدر نختلف فيه فالواجب على المخالف أن يأتي بنص صريح صحيح على ما نختلف فيه حتى تك ون الحجة
معه و نحن يكفينا عدم النص في عدم االعتقاد ألنه إذا لم نعلم نصا ال يجوز لنا االعتقاد خاص و أن هذه المسألة
كما يقولون من أصل دين اإلسالم فعليهم أن يذكروا لنا نصوصا قطعية تدل على أنها من أصل دين اإلسالم ال
بمجرد الالزم العقلي مع أنه حتى الالزم العقلي الذي يذكرونه باطل .
س ِل ِه َو َلهُ َخ َلقَ ْالخ َْلقَ َوه َُو َحقُّهُ اَّلل الَّذِي بَعَ َ
ث بِ ِه َجمِ ي َع ُر ُ "و َهذَا ه َُو الت َّ ْوحِ يدُ الَّذِي ه َُو أ َ ْ
ص ُل ْ ِ
اإلس َْال ِم وه َُو ِدينُ َّ ِ قال شيخ اإلسالم َ
عةُ َّ ُ
اَّلل بِ ِه َو َرسُولهُ َوه َُو الطا َ َ ْ َ
ش ْيئًا َو َال بُدَّ َم َع ذَلِكَ أ ْن يَ ُكونَ العَ َم ُل َ
صا ِلحًا ؛ َوه َُو َما أ َم َر َّ ُ علَى ِعبَا ِد ِه :أَ ْن يَ ْعبُدُوهُ َ
وال يُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َ َ
عة" "ٌ صالِحٍ َ
طا َ ع َم ٍل َ صا ِل ٌح َو ُك ُّل َ
ع َملٌ َ ع ٍة َ طا َ فَ ُك ُّل َ
-4في تقرير أن المواالة ليست شركا لذاتها
المواالة ليست شركا لذاتها لكن الشرك يقع فيها من جهة أخرى
لو جاء مشرك إلى أحد المسلمين وقال له :من قتل الميتة؟ فقال المسلم :هللا .قال :كيف يكون ما قتله هللا محرما في دينكم ,وما قتله
اإلنسان بيده الحقيرة حالل؟ فلو أحلّ المسلم الميتة ,بعد أن علم بتحريمها فإنه مشرك .ولكن حقيقة شركه ليست أنه يعبد الميتة .وكذلك ليس
أك ُل اللحم المحرم شركا وعبادة مصروفة لغير هللا .بل شركه من جهة أنه استحل الميتة ,وهذا كفر .وإنه فعل هذا الكفر بأمر من غير هللا
فصار مشركا ألنه أطاع غير هللا تعالى في هذا الكفر .ولو أكل مجرد األكل دون أن يعتقد حل الميتة لكان مسلما عاصيا .فإنه أشرك
الشيطان باهلل لما أطاعه في تحليل الحرام ,وهذا يسمى شرك الطاعة.
وقد يمكن أن يكون سبب هذا الشرك محبته لهذا المطا ع فأشركه في المحبة وأنه فعله محبة لغير هذا المطاع فكان هو المعبود وهكذا.
وهذا هو المراد بأنه ليس فعل المواالة المجرد شرك.
والمراد هو أن شركه ليس ظاهرا كشرك من يسجد لألصنام اختيارا .فإنه ال يعبد الميتة وال من أمر بأكلها ظاهرا .بل هذا الرجل رد
خبر هللا تعالى أو رد حكمه بعد مجيئه إليه .والمراد برد الخبر أن يكذبه وال يقر أنه من عند هللا مع ثبوته عنده .وردّ حكم هللا هو أن
يستكبر عن قبوله مع إقراره أنه من عند هللا تعالى ككفر إبليس.
ويالحظ أيضا أن من استحل هذه الميتة جهال منه بتحريمها فال شيء عليه .وكذلك من رأى شخصا استحل الميتة ولم يكفره ألن هذا
المتوقف لم يعلم بتحريم الميتة أو ألنه ظن أن مستحل الميتة لم يعلم بتحريمها فال شيء على هذا المتوقف.
وهذا كله مبين في القرآن بوضوح ,وهذا المثال مروي فيما يتعلق باآلية التالية.
قال ابن كثير" :وقال الطبراني :حدثنا علي بن المبارك ،حدثنا زيد بن المبارك ،حدثنا موسى بن عبد العزيز ،حدثنا الحكم
علَ ْي ِه } أرسلت فارس إلى قريش :أن بن أبان ،عن ِع ْك ِرمة ،عن ابن عباس قال :لما نزلت { َوال ت َأ ْ ُكلُوا مِ َّما لَ ْم يُذْك َِر ا ْس ُم َّ ِ
اَّلل َ
ع َّز وجل ،بشمشير من ذهب -يعني الميتة - خاصموا محمدًا وقولوا لهَ :ك َما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حالل ،وما ذبح هللاَ ،
شيَاطِ ينَ لَيُوحُونَ ِإلَى أ َ ْو ِل َيا ِئ ِه ْم ِل ُي َجا ِدلُو ُك ْم } قال :الشياطين من فارس ،وأوليائهم [من]
فهو حرام .فنزلت هذه اآليةَ { :و ِإنَّ ال َّ
قريش
وقال أبو داود :حدثنا محمد بن كثير ،أخبرنا إسرائيل ،حدثنا سِماك ،عن ِع ْك ِرمة ،عن ابن عباس في قولهَ { :وإِنَّ
شيَاطِ ينَ لَيُوحُونَ ِإلَى أ َ ْو ِل َيائِ ِه ْم } يقولون :ما ذبح هللا فال تأكلوه .وما ذبحتم أنتم فكلوه ،فأنزل هللاَ { :وال ت َأ ْ ُكلُوا مِ َّما لَ ْم يُذْك َِر ا ْس ُم ال َّ
َ
عل ْي ِه } َّ ِ
اَّلل َ
ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم ،عن عمرو بن عبد هللا ،عن وكيع ،عن إسرائيل ،به .وهذا إسناد صحيح.
ورواه ابن جرير من طرق متعددة ،عن ابن عباس ،وليس فيه ذكر اليهود ،فهذا هو المحفوظ ،وهللا أعلم.
وقال ابن ج َُريْج :قال عمرو بن دينار ،عن عكرمة :إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم ،وكاتبتهم فارس ،وكتب
فارس إلى مشركي قريش :أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر هللا ،فما ذبح هللا بسكين من ذهب فال يأكله محمد
وأصحابه -للميتة وما ذبحوه هم يأكلون .فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فوقع في
شيَاطِ ينَ لَيُوحُونَ [إِلَى أ َ ْو ِليَائِ ِه ْم ِليُ َجا ِدلُو ُك ْم َوإِ ْن أ َ َ
ط ْعت ُ ُمو ُه ْم ْق َوإِنَّ ال َّ أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ،فأنزل هللاَ { :وإِنَّهُ لَ ِفس ٌ
ورا } ُ
ف ْ ِ ُ ً
ر غ ل و َ ق ْ
ال ض ُز ْخ ُر َ ض ُه ْم ِإلَى َب ْع ٍ
ِإنَّ ُك ْم لَ ُم ْش ِر ُكونَ ] } ونزلت { :يُوحِ ي َب ْع ُ
سدِّي في تفسير هذه اآلية :إن المشركين قالوا للمؤمنين :كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة هللا ،وما ذبح هللا فال وقال ال ُّ
َ َ َ
تأكلونه ،وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال هللاَ { :وإِ ْن أط ْعت ُ ُمو ُه ْم } فأكلتم الميتة { إِنَّ ُك ْم ل ُم ْش ِر ُكونَ }
وهكذا قاله مجاهد ،والضحاك ،وغير واحد من علماء السلف ،رحمهم هللا.
ط ْعت ُ ُمو ُه ْم ِإ َّن ُك ْم َل ُم ْش ِر ُكونَ } أي :حيث عدلتم عن أمر هللا لكم وشرعه إلى قول غيره ،فقدمتم عليه وقوله تعالىَ { :و ِإ ْن أ َ َ
اَّللِ [ َو ْال َمسِي َح ابْنَ َم ْريَ َم َو َما أُمِ ُروا إِال ِليَ ْعبُدُوا
ُون َّ ار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم أ َ ْربَابًا ْ
مِن د ِ غيره فهذا هو الشرك ،كما قال تعالى { :ات َّ َخذُوا أَحْ بَ َ
ع َّما يُ ْش ِر ُكونَ ] } [التوبة .]31 : س ْب َحانَهُ َِإلَ ًها َواحِ دًا ال ِإلَهَ ِإال ه َُو ُ
وقد روى الترمذي في تفسيرها ،عن عدي بن حاتم أنه قال :يا رسول هللا ،ما عبدوهم ،فقال" :بل إنهم أحلوا لهم الحرام
وحرموا عليهم الحالل ،فاتبعوهم ،فذلك عبادتهم إياهم""
عدَكُ ْم ض َي ْاأل َ ْم ُر ِإ َّن َّ َ
اَّلل َو َ طانُ لَ َّما قُ ِ
ش ْي َ
"و َقا َل ال َّ
أشركتمون من قبل" كما قال تعالى َ ِ ولذلك قال الشيطان يوم القيامة "إني كفرت بما
ص ِرخِ كُ ْم َو َما َ
سكُ ْم َما أنَا ِب ُم ْ َ ُ ُ
ع ْوتُكُ ْم فَا ْستَ َج ْبت ُ ْم لِي ف ََال تَلو ُمونِي َولو ُموا أ ْنفُ َ َ َّ
ان إِال أ ْن دَ َط ٍ ْ
علَ ْيكُ ْم مِ ْن سُل َ
ِي َع ْدتُكُ ْم فَأ َ ْخلَ ْفتُكُ ْم َو َما كَانَ ل َ َو ْعدَ ْال َح ّ ِ
ق َو َو َ
عذَابٌ أَلِي ٌم ( ")22إبراهيم .وعبادة الشيطان وإشراكه في هذه اآلية ون مِ ْن قَ ْب ُل إِ َّن َّ
الظالِمِ ينَ لَ ُه ْم َ ص ِرخِ َّي إِنِّي َكف َْرتُ بِ َما أَ ْش َر ْكت ُ ُم ِ أَ ْنت ُ ْم بِ ُم ْ
وغيرها إنما هو هذا النوع من الشرك ,ألن الشيطان ال يعبد عموما إال بالطاعة ال بالسجود له ودعاءه وغير ذلك.
فحتى من لم يعبد هللا مطلقا بل وأنكر وجوده ويدعي أنه ال يعبد شيئا بتاتا ألنه يستكبر عن ذلك ,فهذا مشرك عابد لغير هللا .فإنه لم
العظيم إال طاعةً واستجابة للشيطان الذي سول له هذا الكفر ولظلمات الكبر في نفسه الفاسدة األمارة بأعظم السوء .فشاء
َ الكفر
َ يكفُ ْر هذا
هللا أال يخرج إن سان أبدا عن كونه عابدا ,فإما يكون عابدا هلل مخلصا له الدين ,أو يكون مشركا عابدا لغيره .فكل البشر في أول أمرهم على
اإلسالم ,حتى تأتيهم الشياطين وتأمرهم بالكفر:
طبَتِ ِه أ َ َال ِإنَّ َربِّي سلَّ َم قَالَ ذَاتَ يَ ْو ٍم فِي ُخ ْ علَ ْي ِه َو َ صلَّى َّ ُ
اَّلل َ ي ِ "أَنَّ َرسُو َل َّ ِ
اَّلل َ ار ْال ُم َجا ِش ِع ّ اض ب ِْن حِ َم ٍ أخرج مسلم َع ْن ِعيَ ِ
ع ْبدًا َح َال ٌل َو ِإنِّي َخلَ ْقتُ ِع َبادِي ُحنَفَا َء ُكلَّ ُه ْم َو ِإنَّ ُه ْم أَتَتْ ُه ْم ال َّ
شيَاطِ ينُ َ ُ هُ ت ْ
ل حن
َ ل
َ ٍ َ ا م لُّ ُ
ك ا َ ذ ه
َ مِي وع ِلّ َم ُك ْم َما َج ِه ْلت ُ ْم َّ َ َ َ ْ
ي ِي ن م َّ ل ع ا م مِ أ َ َم َرنِي أ َ ْن أ ُ َ
ض ظ َر إِلَى أ َ ْه ِل ْاأل َ ْر ِ اَّلل نَ َ علَ ْي ِه ْم َما أَحْ لَ ْلتُ لَ ُه ْم َوأ َ َم َرتْ ُه ْم أ َ ْن يُ ْش ِر ُكوا بِي َما لَ ْم أ ُ ْن ِز ْل بِ ِه س ُْل َ
طانًا َوإِنَّ َّ َ ت َ ع ْن دِينِ ِه ْم َو َح َّر َم ْفَاجْ ت َالَتْ ُه ْم َ
ب"... مِن أ َ ْه ِل ْال ِكت َا ِ
ع َج َم ُه ْم ِإ َّال بَقَايَا ْ فَ َمقَت َ ُه ْم َ
ع َربَ ُه ْم َو َ
ع ْنهُ:
اَّللُ َ وفي البخاري عن أَبي ه َُري َْرةَ َر ِ
ض َي َّ
سانِ ِه َك َما ص َرانِ ِه أ َ ْو يُ َم ِ ّج َ
ِط َرةِ فَأ َ َب َواهُ يُ َه ّ ِودَانِ ِه أ َ ْو يُنَ ِ ّ
ع َلى ْالف ْ
سلَّ َم َما مِ ْن َم ْولُو ٍد ِإ َّال يُولَدُ َ
علَ ْي ِه َو َ صلَّى َّ ُ
اَّلل َ ي َ " َكانَ يُ َحدّ ُ
ِث قَا َل النَّ ِب ُّ
َ
عل ْي َها اس َ َ
اَّلل التِي فَط َر النَّ َ َّ ْ
عنهُ فِط َرة َ َّ ِ ْ اَّلل َ ي َّ ُ ض َ َ ُ ُ
عا َء ث َّم يَقو ُل أبُو ه َُري َْرة َ َر ِ ت ُ ْنت َ ُج ْالبَ ِهي َمةُ بَ ِهي َمة َج ْمعَا َء ه َْل تحِ سُّونَ فِي َها مِ ْن َج ْد َ
ُ ً
ْاآليَةَ"
2
أحكام أهل الذمة 111/2
3
منهاج السنة 251 :5
4
جمموع الفتاوى 501 :28
5
جمموع الفتاوى 325 :7
6
طريق اهلجرتني يف "فصل يف مراتب املكلفني يف الدار اآلخرة"
بعض أهل العلم أن اإلسالم واإليمان شيء واحد ال خالف بينهما البتة .وهذا خطأ ظاهر لمن تدبر ,وإن كان يسيرا ما لم يستعمله مبتدع
لبدعته ,بل الحق هو الموافق لحكمة هللا تعالى الذي فرق بينهما .وليس هذا محل تفصيله.
فتبين أن تولي المشرك ليس شركا من حيث هو ,بل هللا تعالى وصف هذا الفعل بالكفر ونفى اإليمان في القرآن عمن يفعله.
ومن علم معنى الشهادة فرق ض رورة بين المسلم والمشرك .فإذا جعل المشرك مسلما مع العلم بأنه يعبد غير هللا فإنه ال يخرج عن
أحد أمرين .إما أنه يجهل ما يطلبه هللا منه أي يجهل معنى الشهادة ,وإما أنه يعلم ذلك لكنه ال يعمل به ألنه يجعل المشرك مسلما مع علمه
بأنه على دين آخر ,وكالهم كفر.
لكنك تعتقد بإسالم من يخالفك في هذا ويعتبره مسلما .
وهذا الكفر من فعله إنما فعله ألنه قدم شيئا ما من الدنيا على الدين ,فإما أنه أعرض عن الدين بداية ,أو أن هللا تعالى أعطاه هذا العلم
لكن استحب شيئا آخر عليه ولم يعمل به ,وهذا هو الشرك الذي وقع فيه ,وهو شرك الطاعة والمحبة.
وأكثر الناس ال يعرفون هذه التفاصيل وهذه الحقائق ,فقد يلتبس عليهم حكم من لم يكفر بعض المشركين ,ولم يتدبر ما تقرر هنا,
فظن أن العذر يدخل في هذه المسألة ألنه لم يذل ولم يخضع لغير هللا ظاهرا ,وكل ذلك ألنه لم يفكر في المسألة ولم يتصور حقيقتها أصال.
وح تى الذي يترك تكفير فاعل الشرك ربما لم يفكر في المسألة ولم يتدبر ما تقرر فيها ولم يتصور حقيقتها ،فبأي منطق فرقت بين
من ترك تكفير عابد الصنم ومن ترك تكفير من يعتقد بإسالمه؟ هذا يعني أنك أجزت أن يعتقد المسلم أن تكفير عابد الصنم ليس من الكفر
بالطاغوت وهو مع ذلك مسلم ،فإذا كان يلتبس على المسلم حكم من لم يكفّر بعض المشركين فإنه يلتبس عليه تكفير هؤالء المشركين
أنفسهم ،فما دام ال يرى تكفيرهم من أصل الدين فإنه يمكن أن يتركه هو أيضا ،أليس صاحبه مسلما؟ وأنت تكفّره دون صاحبه وهو يعتبره
أخاه في الدين.
وال أدري لماذا خصصت بعض المشركين دون البعض اآلخر؟ وهل هناك فرق بين البعض والكل؟ .
قال أبو مريم :القول بتخصيص بعض المشركين نريد أن نسأله ما هو الشرك الذي فعله من لم يكفر المشركين و ما هي حقيقة
الشرك في الشرع فحقيقة الشرك جعل هلل شريك في العبادة و من اجتنب الشرك و لم يكفر المشركين ال يقال أنه فعل الشرك ألنه حتى
لما يذكر العلماء يقولون لم يكفر المشركين و لو كان مشركا يفترض أن يقال هو مشرك ال أنه لم يكفر المشركين فسبب كفره ليس هو
الشرك و إال كان مشركا من غير إدخاله في قاعدة من لم يكفر المشركين فتخصيصه عن المشرك ألن صورة من لم يكفر المشركين
غير صورة الشرك و من حقق اجتناب الشرك و اجتناب المشركين لكن لم يكفر من لم يكفر المشرك ال يقال أنه فعل الشرك ألنه اجتنب
الشرك و إال كان مشركا فال حاجة عندها لذكر القاعدة و ألصبحت صورة واحدة فقط هي صورة الشرك فيقال أنه كافر ألنه فعل الشرك
ال أنه لم يكفر المشركين أو أنه لم يكفر من لم يكفر المشركين و هذا يدل كذلك على ما أصلته سابقا أنها صور حقائقها تختلف فتختلف
أحكامها باختالف هذه الحقائق و كذلك تختلف لوازمها باختالف هذه الحقائق .
أما اللوازم التي ذكرها فإنه غير الزمة ألن ظهور الحقيقة غير ظهور الالزم و ظهور الزم الالزم غير ظهور الالزم و هذا يدركه
كل عاقل فال يلزم من جهل الزم الالزم جهل الالزم و ال يلزم من جهل الالزم جهل الحقيقة و هذا التسلسل العكسي الخطأ فيه هو من
جنس الخطأ في التسلسل الطردي في تكفير من لم يكفر الكافر إلى ما ال نهاية فالتسلسل الطردي أنه يلزم أن من لم يكفر الكافر من
جنس واحد كذلك التسلسل العكسي عندهم أن الخطأ في تكفير من في السلسلة إذا كان معذور من لم يكفره يلزم منه العذر في حقيقة ال
إله إال هللا و كما ذكر في كال التسلسلين ال يلزم ألن ظهور الحقائق يختلف عقال و شرعا و ال يلزم أننا إذا عذرنا في صورة نعذر في
صورة أخرى .
ُتصور
فهذا يحتاج إلى أن تقام عليه الحجة .وذلك على سبيلين .األول أن يبين له أن هذا األمر يلزم من الشهادة ضرورة ,بحيث ال ي َّ
َمن علم دين اإلسالم وهو مع ذلك ال يستطيع التفريق بين المسلم والمشرك الصريح .وهذا االحتجاج هو م ن جهة العقل والتفكير والتدبر
التدبر وليس منصوصا فيها .السبيل الثاني أن تقام
ِ لما يلزم من منصوص الشهادة ,فإنه ال بد أن يف ِ ّكر ليُ ِ
دركَ هذا ألنه ي ُف َهم من الشهادة بعدَ
عليه الحجة باألدلة الكثيرة المبينة لهذا األمر من الكتاب والسنة.
من أين أتيت بأن ما يلزم من الشهادة ضرورة ال يصح تكفير تاركه إال بعد أن تقام عليه الحجة؟ فاألمر يُدرك بإدراك مدلول الشهادة،
وال يحتاج لنصوص ،وإال لكان حكمه ال يلزم إال من بلغته النصوص ،فمن عرف التوحيد ليكون مسلما عرف أن من خالفه غير مسلم
مثلما كان هو ،وعرف أن نفي اإلسالم عن المخالف ليس مجرد نافلة ،وإنما هو الزم للتوحيد ،وإال لبقي على ما كان عليه مادام مسلما
دون إسالم.
فمن خالف في ذلك قد ترك لوازم التوحيد التي ينتفي التوحيد بانتفائها ،فأن نكون مسلمين جميعا وبعضنا ينظر إلى المشركين على
صل ذلك لكي يقتنع به.
أنهم مسلمون فهذا غير معقول عنده ،وال يحتاج إلى اآليات التي تف ّ
فإن لم يعتقد بهذا فلم يدخل في اإلسالم ومن اعتبر هذا مسلما فلم يدرك معنى اإلسالم ،أو علمه ولم يعمل به.
قال أبو مريم :كالمنا ليس فيمن اعتقد من عبد غير هللا يكون أخا له في اإلسالم هذا ال يكون مسلما عندنا كالمنا فيمن اعتقد أنه
من عبد هللا ال يكون أخا في اإلسالم لكن أخطأ في تكفير من لم يكفر المشرك لكن لو اعتقد أن المسلم يكون مسلما مع عبادته لغير هللا
يدخل في الجهل بحقيقة اإلسالم حتى لو اجتنب الشرك .
وكال األمرين قد يغفل عنهما المسلم في حاالت .فقد يغفل عن كون المتوقف في بعض المشركين إما يعلم معنى الشهادة ولم يعمل
بها ,وإما يجهله حقيقة فال يصح إسالمه بداية .أي قد يغفل من ينظر إليه عن أنه يعلم معنى الشهادة .ومن تدبر ما جاء في هذه الرسالة من
أمثلة لألخطاء التي وقعت ألكابر أهل العلم فإنه يجزم أن المرء قد يخطئ وال يتصور مسألة من لم يكفر المشركين في بعض الحاالت
تصورا صحيحا.
ال أدري ما هي الحاالت التي يغفل فيها المسلم عن هذا ،فمتى علم عمرو بأن زيدا ترك تكفير عابد الصنم لم يبق له عذر في اإلعتقاد
بإسالمه ،وما يمكن أن تجده من أعذار كاإلكراه وعدم القصد وعدم فهم الواقعة تجد مثلها عند زيد في اعتقاده بإسالم عابد الصنم ،بل نجد
هذه األعذار الشرعية عند فاعل الكفر نفسه ،وإن كانت أعذارا باطلة كالعذر بالجهل والزهد فهي باطلة عندهما جميعا .
قال أبو مريم :الخطأ في توصيف حقيقة اإلسالم عندها نستطيع أن نفرق فيما يعذر فيه المسلم و ما ال يعذر فالواجب هو اجتناب
الشرك و الكبر و اعتقاد أن هذا هو اإلسالم الفارق بين المسلم و الكافر فكل صورة تدل على جهل هذا األصل ينتفي اإلسالم بوجودها و
من هذه الصور الحكم بإسالم من المشرك و المتكبر فإنه يدل على الجهل بأن البراءة من الشرك و الكبر من حقيقة اإلسالم لكن من
حقق البراءة من المشركين و المتكبرين دل على علمه و عمله بهذا األصل و خطأه ليس في هذا األصل خطأه في ظنه أن من لم يحقق
البراءة من المشركين و المتكبرين يكون مسلما إن كان جاهال أو متأوال .
فليس ذلك بأبعد ممن قال بأن من أصر على ترك الصالة مع السجن والقتل ليس بمستكبر وأنه لم يقبل حكم هللا تعالى في إيجابه
الصالة عليه.
وليس بأبعد ممن يقول عن اللقيط بأنه كان مسلما دون أي عالمة لإلسالم الحتمال أنه ولد من كتم إيمانه ,أو ما هو أبعد من ذلك من
الحكم باإلسالم لمن كانت عليه عالمات الكفر فحسب ألنه في دار اإلسالم .وكغير ذلك مما ذكر في هذا الكتاب أو لم يذكر فيه .أما
أصحاب السلسلة فهذا ال يمكن عندهم قطعا ,والدليل القاطع على عدم إمكان وقوع الخطأ في مثل هذا وأن جميع البشر يتصورون هذا
فورا كما يزعمون هو عقولهم المجردة.
للتذكير فأنتم لم تتركوا تكفير عمرو ألنه لم يتصور الواقعة وإنما تعذرونه بالجهل ،ألنكم تعتقدون أن المسلم يمكن أن يجهل هذا،
رغم أنه كفّر عابد الصنم واعتبر تكفيره من أصل الدين ومع ذلك يجهل أن زيدا الذي لم يحقق ما حققه هو مسلما ،مع أنه تصور حاله
وفهم ه ،وعدم تصور الواقعة عذر شرعي في حق زيد وفي حق عمرو سواء ،فلماذا فرقتم بينهماؤ ؟ .
قال أبو مريم :تكرر التعليق على مسألة التفريق بين زيد و عمرو أكثر من مرة و أن سبب التفريق هو الجهل بما تدل عليه ال إله
إال هللا و بين عدم الجهل بذلك .
وفلسفتهم في ذلك كما جا ء في المثال في أول الرسالة :الثاني ال يعلم معنى الشهادة ألنه لو علمها لعلم أن المشرك األول ليس على
دينه .والثالث ال يمكن أن يعلم معنى الشهادة كذلك مثله تماما .نسألهم :لماذا؟ يقولون :ألنه ال بد أن يعلم أن الثاني ال يعلم معنى الشهادة
ألنه يعلم أن الثاني لو علم معنى الشهادة لعلم أن األول ليس على دينه!!!
والمسألة ليست بالضرورة مسألة جهل بالشهادة ،فقد يكون اإليمان بإسالم الكافر لهوى أو شهوة ما ،والمسألة متعلقة بلوازم الشهادة
التي تنتفي بانتفائها ،وأصل الدين يقوم على معنى الشهادة ولوازمها ،فمن ترك شيئا من ذلك انتفى إسالمه .
قال أبو مريم :الحكم بإسالم الكافر يدل على الجهل بالشهادة ألن الشهادة نفي و إثبات فالنفي ينفي الشرك و ينفي المشركين و
اإلثبات يثبت عبادة هللا و يثبت إسالم من عبد هللا تعالى فمسألة تكفير المشركين و المتكبرين تدل عليه الشهادة .
و هو يقر بأن المسأ لة من لوازم ال إله إال هللا و نحن بينا أن تكفير المشركين من لوازم الوقوع في الشرك فإن من وقع في الشرك
ال بد من تكفيره و البراءة منه كما أن من حقق اإلسالم ال بد من الحكم بإسالمه و مواالته فمن حكم بإسالم من عبد غير هللا مع علمه
بأنه يعبد غير هللا ال يكون مسل ما و من حكم بكفر من حقق اإلسالم مع عمله بأنه حقق اإلسالم ال يكون مسلما فتكفير المشركين من
لوازم ال إله إال هللا أما تكفير من لم يكفر المشركين من لوازم اللوازم ال من الزم الحقيقة .
فكيف يكون المثال مع الرابع والعاشر؟ وهنا ننصحهم بترك مخدرات الفلسفة والرجوع إلى القرآن والسنة ,وأن ينظروا من حكم هللا
ِّ
وليعظموا كالم تعالى عليه بأنه يستحيل إسالمه ,فإن وجدوا هذا في شخص مصرحا به كالشمس في كبد السماء فليقولوا به ,وإال فليسكتوا
ربهم فوق فلسفة عقولهم .فهذا واضح.
العلم بأن شخصا آخر وهو الثاني يجهل شيئا والتوصل إلى ذلك بأنه لو علم الثاني الشهادة لعلم أن األول ليس على دينه ,هذا التفكير
قد يغفل عنه اإلنسان ألمور كثيرة وقد تكلمت على ذلك في رسالة "اإلسالم بأدلته" .وهذا أن من صفات البشر أن يقع له التناقض أحيانا
وهو ال يشعر ,يجرد النظر إلى أمر وتجريد النظر هذا يغلق فكره تماما لما يحيط بهذا األمر من أمور ,وإن كان من أبسط األمور لكنه ال
يراه ,ألنه يغفل عن هذا التفكير الذي يحتاج إلدراك حقيقة األمر .وهذا يعلمه جميع البشر ضرورة من أنفسهم .والشعوب في اللغات
المختلفة يعبرون عن هذا بأمثال ,يقولون فالن أمام عينيه خشبة وفالن ال يرى الغابة من كثرة الشجر.
ولذلك نرى بعض أهل العلم في الرد على من يخطئ في مثل هذه الحاالت يقول عن مخالفه إنه جرد النظر إلى قضية كذا وهذا جعله
صلي ّ
أن ك َل "إن أَ ْ
غفل عن ذلك األمر .بل لعله يمتنع عن هذا التفكير أول األمر أصال ويطا ِلب بنص صحيح من الكتاب والسنة ,ألنه يقول ّ
عى أنه من أصل دين اإلسالم ,فأطالبهم بهذا الدليل ما دل عليه العقل إن كان صحيحا فإن الشرع ال بد أن يدل عليه ,خاصة في أمر يُدّ َ
دون تفكير كثير .أما بمجرد العقليات فال أثبت شيئا في الدين هكذا ,ولو أثبته هكذا ال آ َمنُ الخطأ في عقلي فأنسب إلى دين هللا ما ليس
منه" ,وأصله هذا صحيح ومن حقه أن يثبت له المخالف األمر المدعى بالدليل من النص .فكيف يقال أن من أصل الدين العلم بأن فالنا ال
بد أن يعلم ألنه لو علم هذا لعلم ذاك؟
وكذلك األدلة من الشرع قد يجهلها اإلنسان ,أو يعرف النصوص لكن يجهل المعنى أو يتأول المعنى بشبهات يظنها أدلة صحيحة من
هذا الدين.
حتى الذي يقول أن حلقات السلسلة مسلمون باستثناء زيد يُعتبر من أصحاب السلسلة وذوي الفلسفة العقيمة ،وقد استعمل عقله إلبطال
حكم صورة من صور الكفار ،رغم أن العقل السليم ال يقبل ما يقول به .
قال أبو مريم :يراجع التعليقات السابقة للتفريق بين صور السلسلة و الرجل يقر أن تكفير المشركين من الزم الشهادة و ضرورة
كل ما في السلسلة يكون الزما للذي قبله ال أنه الزم الشهادة ضرورة أي الزم لالزم إلى ما ال نهاية و مع ذلك يجعل كل الزم من جنس
الحقيقة و حكمه حكم الحقيقة و حكم الزم الحقيقة و مثل هذا كما ذكرت ال يقبل عقال و باطل شرعا .
فعلى أصحاب السلسلة أن يتدبروا هذه المعاني جيدا ,ألنهم يسوون بين أعضاء سلسلتهم ويجعلونهم مستوين .فاألول مشرك ألنه عبد
الصنم ,والثاني عندهم مشرك ألنه تولى المشرك ,وهذا عندهم شرك سواء بسواء .والمائة مشرك مثل عابد الصنم تماما ألنه لم يتبرأ من
المشرك قبله .وهنا يتبين كذلك أنهم يخطئون في تطبيق قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر ,ألنهم يطلقونها على كل حال ,وهي ليست على
إطالقها .فأصلها من جهة أن هللا تعالى إذا حكم على الشخص بالكفر ال يجوز ألحد أن يعترض على هللا بعد العلم بحكم هللا فيه .فمن أنكر
حكم هللا بعد ثبوته عنده أو استكبر عن قبوله مع إقراره أنه من عند هللا ,فإنه كافر ألنه لم يكفر الكافر .لكن من كان الدليل على كفره ال
يدرك إلى بالتفكر في لوازم األحكام أو بنصوص من الشرع فمن لم يعلم هذا النصوص أو غفل عن داللتها أو تأولها تأويال معتبرا ,فإنه
معذور بهذا الخطأ أو الجهل إن كان مثله يجهل ذلك .فلو تدبروا ما جاء في هذا الباب وكانوا صادقين لعلموا أن عندهم نقصا في معرفة
حقيقة الشرك وأمور أخرى مهمة في الدين قد سبق الكالم عليها.
ليكن في علمك أن القول بأن هذه الحلقة صاحبها مسلم و َمن قبله كافر ،بينما العلة واحدة ،هو أبعد عن التصور عند الناس وأصعب
على العقل السليم من القول أنهما كافرين.
وإن كان ال يشترط العلم بالنصوص في الحلقة األولى فإنه ال دليل على اشتراطه في التي تليها ،وإن كان التأويل في حلقة ما معتبرا
حسب قولك فهو فيما قبلها معتبر أيضا ،فمن جهل حكم الكافر فهو مسلم وال يكفر حتى تقوم عليه الحجة ،ألن الكفر عندك في قاعدة (من
لم يكفّر الكافر) هو كفر التكذيب واإلعراض عن النصوص بعد بلوغها ،فمن لم تبلغه فهو مسلم .
قال أبو مريم :يراجع التعليقات السابقة و سبب التفريق و سبب العذر في الزم الالزم و عدم العذر في الزم الشهادة .
نقول مهمة لشيخي اإلسالم ابن تيمية وابن القيم كأنهما يتكلمان على أصحاب السلسلة
وهذه النقول كذلك بيان عام لموضوع هذا الكتاب كله ,فإنها تبين كيف أن العالم الناظر في األدلة قد يخطئ في تصور المسائل
وتنزيلها على الوقائع المعينة .وتبين أن مجرد الدعوى ال يمكن إثباتها من جهة العقل دون النقل ,وأن هذا منهج أهل البدعة في كل زمان,
فإنهم يتخيلون أمورا في عقولهم ثم يدعون أنها قطعية يفهمها كل البشر كما يفهمونها هم ,ثم يكفرون الناس بناء على ذلك ,وهذا ما وقع
فيه المتسلسلة سواء بسواء وإليك البيان.
7
اجملموع 136 :13
ص ُحغي ِْر ِه ل ِْأل ُ َّم ِة َوأ َ ْف َ
ص ُح َم ْن َ غي ِْر ِه بِذَلِكَ َوأ َ ْن َ
اَّلل صلى هللا عليه وسلم أ َ ْع َل ُم َم ْن َ "و َم ْعلُو ٌم ل ِْل ُمؤْ مِ نِينَ :أَنَّ َرسُو َل َّ ِ وقال رحمه هللا َ
اإل َرادَةِ. ْ ْ ْ
ص ُح ُه ْم فَقَدْ اجْ ت َ َم َع فِي َح ِقّ ِه َك َمالُ العِل ِم َوالقُد َْرةِ َو ْ ِ َ ُ
ق ل ِْأل َّم ِة َوأ ْف َ ْ ْ
ص ُح الخَل ِ َ ْ ْ َ
ارة ً َوبَيَانًا بَ ْل ه َُو أ ْعلَ ُم الخَل ِق بِذَلِكَ َوأ ْن َ غي ِْر ِه ِعبَ َ َم ْن َ
ص عِلمِ ِه َوإِ َّما َم ْنْ مِن نَ ْق ِ ص إ َّما ْ ْ ْ َ ْ
َو َم ْعلُو ٌم أنَّ ال ُمت َ َكل َِم أ ْو الفَا ِع َل إذَا َك ُملَ عِل ُمهُ َوقُد َْرتُهُ َوإِ َرادَتُهُ َ :ك ُملَ ك ََال ُمهُ َوفِ ْعلهُ َوإِنَّ َما يَدْ ُخ ُل النَّ ْق ُ
ُ ّ َ
ين َو ْالغَايَةُ إرادَةِ ْالبَ َالغِ ْال ُمبِ ِ ال َ سولُ ه َُو ْالغَايَةُ فِي َك َما ِل ْالع ِْل ِم َو ْالغَايَةُ فِي َك َم ِ إرادَتِ ِه ْالبَيَانَ َ .و َّ
الر ُ ان ع ِْلمِ ِه َوإِ َّما ِلعَد َِم َ جْز ِه َع ْن بَيَ ِ ع ِ َ
َ
مِن أ ْم ِر َ ْ ْ
از َم ِة َ :ي ِجبُ ُوجُودُ ال ُم َرا ِد ; فَعُل َِم قَطعًا أنَّ َما بَيَّنَهُ ْ ْ
اإل َرادَةِ ال َج ِ ْ ْ
ين َ -و َم َع ُوجُو ِد القُد َْرةِ التَّا َّم ِة َو ِ ْ ْ
علَى البَ َالغِ ال ُمبِ ِ ُ
فِي قد َْرتِ ِه َ
وم .فَ ُك ُّل َم ْن ُ ْ َ ْ ْ
طابِ ٌق ِلعِلمِ ِه َوعِل ُمهُ بِذَلِكَ أ ْك َم ُل العُل ِ ان فَ ُه َو ُم َ ْ
مِن البَيَ ِ َ
ان َو َما أ َرادَهُ ْ ْ
مِن البَيَ ِص َل بِ ِه ُم َرادُهُ ْ ْ
َّلل َواليَ ْو ِم اآلخِ ِر َ :ح َ ْ ان بِا َ َّ ِ ِْ
اإلي َم ِ
8
مِن ْال ُمؤْ مِ نِينَ". ق مِ ْنهُ :فَ ُه َو مِ ْن ْال ُم ْلحِ دِينَ َال ْ علَى َهدْي ِ ْالخ َْل ِ ص َ حْر ُ الرسُو ِل أ َ ْعلَ ُم بِ َهذَا مِ ْنهُ أ َ ْو أ َ ْك َم ُل بَيَانًا مِ ْنهُ أ َ ْو أ َ َغي َْر َّ ظنَّ أَنَّ َ
َ
فليحذر أصحاب التسلسل أن يكونوا من الملحدين الم فترين على هللا ورسوله ,وممن ينتقص من النبي صلى هللا عليه وسلم وممن
يطعن في حكمة هللا تعالى .فهم يدعون في أعظم أمور الدين ما لم يرد عليه دليل شرعي بل ما لم يقل به عالم معتبر قط ,بل ما يدل العقل
والشرع على خالفه وبطالنه .فهداهم هللا إلى التمسك بالكتاب والسنة وترك بدعتهم آمين.
اس علَى النَّ ِ اَّلل َويُو ِردُونَ َ ِط َرة َ َّ ِ ع ْونِيَّ ِة َونَحْ ِو ِه ْم :فَي ُِريدُونَ أ َ ْن يُغَيِّ ُروا ف ْ س ِل كالجهمية ْالف ِْر َ "وأ َ َّما أ َ ْعدَا ُء ُّ
الر ُ وقال رحمه هللا َ
ت ُمجْ َملَ ٍة ُّ
ض َاللَتِ ِه ْم ت َ َكل ُم ُه ْم بِ َك ِل َما ِ ص ُل َ َ
سنُ أ ْن ي ُِجيبَ ُه ْمَ .وأ ْ َ صودَ ُه ْم بِ َها ; َو َال يَحْ ُ اس َم ْق ُ مِن النَّ ِ ِير ْت َال يَ ْف َه ُم َكث ٌ ت ُم ْشتَبِ َها ٍ ت بِ َك ِل َما ِ شبُ َها ٍ ُ
ْ ْ
مِن أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ َكلَ ْفظِ الت َّ َحي ُِّز َوال ِج ْس ِم َوال ِج َه ِة َونَحْ ِو ذَلِكَ .فَ َم ْن َكانَ ْ َ َ
سنَّ ِة َرسُو ِل ِه ; َو َال قَالَ َها أ َحدٌ ْ ص َل لَ َها فِي ِكت َابِ ِه ; َو َال ُ َ
; َال أ ْ
سنَّة َك َما قَالَ َ { :وإِذَا ُ ْ
ض َع ْن ك ََالمِ ِه ْم َو َال يَ ْقبَ ْل إ َّال َما َجا َء بِ ِه ال ِكتَابُ َوال ُّ ْ
ارفًا بِذَلِكَ فَليُ ْع ِر ْ شبُ َهاتِ ِه ْم بَيَّنَ َها َو َم ْن لَ ْم يَ ُك ْن َ
ع ِ ارفًا بِ َح ِّل ُ ع ِ َ
صفَاتِ ِه بِ َما َ
اَّلل َوأ ْس َمائِ ِه َو ِ َّ
غي ِْر ِه }َ .و َم ْن يَت َ َكل ُم فِي َّ ِ ث َ ع ْن ُه ْم َحتَّى يَ ُخوضُوا فِي َحدِي ٍ ض َ َ
َرأيْتَ الذِينَ يَ ُخوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأع ِْر ْ َّ َ
ُ ْ َ
مِن هَؤُ َالءِ يَ ْنسُبُ إلَى أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ َما لَ ْم يَقُولوهُ ; ِير ْ ْ
اَّلل بِالبَاطِ ِلَ .و َكث ٌ ت َّ ِِضينَ فِي آيَا ِ مِن ْالخَائ ِ سنَّةَ فَ ُه َو ْ َاب َوال ُّ ِف ْال ِكت َ يُخَال ُ
ْ ُ
ت َما ل ْم يَقولواَ .ويَقولونَ ِل َم ْن اتَّبَعَ ُه ْم َ :هذَا ا ْعتِقَادُ ِ
اإل َم ِام ُ ُ ُ َ مِن ِاال ْعتِ َقادَا ِ َ َ
ي ِ َوأحْ َمد ب ِْن َح ْنبَ ٍل َو َمالِكٍ َوأبِي َحنِيفَة ْ : َ شافِ ِع ّ َ
فَيَ ْن ِسبُونَ إلى ال َّ
ْ َ ْ
ي ُ :حكمِ ي فِي أ ْه ِل الك ََال ِم :أ ْن يُض َْربُوا بِال َج ِري ِد َ ْ َ
ع ْن األئِ َّم ِة تَبَيَّنَ َك ِذبُ ُه ْمَ .وقَا َل ال َّشافِ ِع ُّ ْ ْ
طو ِلبُوا بِالنَّق ِل الصَّحِ يحِ َ ي ِ ; فَإِذَا ُ ْالفُ َالنِ ّ
اضي ُف ْالقَ ِ علَى ْالك ََال ِم .قَا َل أَبُو يُوس َ سنَّةَ َوأ َ ْقبَ َل َ اف بِ ِه ْم فِي ْالقَبَائِ ِل َو ْالعَشَائ ِِر َويُقَا َل َ :هذَا َجزَ ا ُء َم ْن ت ََركَ ْال ِكت َ
َاب َوال ُّ ط َ َوالنِّعَا ِل َويُ َ
عدَ ًما َو ْال ُم َم ِث ّ ُل يَ ْعبُدُ ط ُل يَ ْعبُدُ َ ض ْالعُلَ َماءِ :ا ْل ُمعَ ِ ّ ارتَدَى أَ َحدٌ بِ ْالك ََال ِم فَأ َ ْفلَ َح .قَا َل بَ ْع ُ ِين بِ ْالك ََال ِم ت َزَ ْندَقَ .قَا َل أَحْ َمد َ :ما ْ ب الدّ ِ طلَ َ َ :م ْن َ
طا } س ً ع ْنهَُ .وقَدْ قَالَ تَعَالَى َ { :و َكذَلِكَ َجعَ ْلنَا ُك ْم أ ُ َّمةً َو َ اَّلل بَيْنَ ْالغَالِي فِي ِه َو ْال َجافِي َ ط ُل أ َ ْع َمى َو ْال ُم َم ِث ّ ُل أ َ ْعشَى ; َو ِدينُ َّ ِ صنَ ًماْ .ال ُمعَ ِ ّ َ
9
َّلل َربّ ِ ْالعَالَمِ ينَ". َاإلس َْال ِم فِي ْالمِ لَ ِل .ا ْنت َ َهى َو ْال َح ْمدُ ِ َّ ِ اإلس َْال ِم ك ْ ِ سنَّةُ فِي ْ ِ َوال ُّ
فالضالل من أمثال الجهمية الفرعونية يأتون بشيء من كالم أهل العلم ويستشهدون به بعد تحريفه وينسبون هذه المعاني إليهم .فكيف
بأصحاب السلسلة وهم ال يأتون بنقل واحد ألنهم ال يجدون شيئا يؤيد سلسلتهم ,ثم يدعون أن جميع العلماء بل جميع المسلمين علموا ذلك
بل واستيقنوه ألنه مما يدل عليه الشهادة قطعا ,إال أنهم لم يتكلم به واحد منهم مرة قط ,بل وإن ذكر واحد منهم هذه السلسلة ذمها بأنها
فلسفة من عقول المعتزلة الخربة.
ال تنس أنك مطالب أيضا بذكر الدليل على إسالم من لم يكفّر زيدا ،وإن كنت تتخذ من عدم تكلم العلماء عن كفره دليال فأنت مطالب
أيضا بقول للسابقين عن إسالمه ،عندها تعلم أن العلماء لم يتكلموا عن شيء لم يطرأ على بالهم ،لكن لما ُوجد من يقول بإسالمه ال بد أن
نتكلم نحن عن كفره ،فهو الذي أنشأ السلسلة وهو صاحبها ال نحن .
قال أبو مريم :ذكرنا األدلة على مسألة البراءة من المشركين و تكفيرهم من جهة األصل .
و أما مسألة السلسلة من يقول بأنها من أصل دين اإلسالم هو مطالب أصالة بالدليل أنها من اصل دين اإلسالم حتى يلزمنا فنحن
يكفينا عدم الدليل في ع دم االعتقاد فإن كان هو عنده دليل في اعتقاده أنها من أصل دين اإلسالم فعليه أن يذكر لنا ما هو الدليل حتى
يكون هذا الدليل الزما لنا و لغيرنا و إلى اآلن لم يذكر لنا إال كالما مجردا من الدليل و ذكر لنا أصوال عامة نتفق معه عليها و ال تلزمنا
و قوله كقول من يقول ي جب عبادة هللا لمن هو يتفق معه على األصل ثم يقول لمخالفه الصالة واجبة ألن عبادة هللا واجبة فيقول له
مخالفه نعم عبادة هللا واجبة لكن أين الدليل على أن الصالة واجبة حتى أعبد هللا بالصالة فال يأتيه إال باألصل المتفق عليه وجوب عبادة
هللا فهذا الرجل يقول لنا يجب تكفير الكفار نقول له كالم نتفق معك عليه و يقول من لم يكفر من لم يكفر الكافر كافر ألن تكفير الكفار
واجب نقول له نعم تكفير الكفار واجب لكن ما هو الدليل على أن من لم يكفر من لم يكفر الكافر كافر حتى نتفق معك على قولك فإن لم
تأت بالدليل فأنت مفتري على هللا تعالى .
8
اجملموع 30 :5
9
اجملموع 260 :5
و مع ذلك نحن ذكرنا كالم بعض العلماء في أن السلسلة ليس من دين أهل السنة و إنما من دين المعتزلة المبتدعة و هم لم
يذكروا لنا نصا واحد من كالم عالم من علماء المسلمين في صحة السلسلة و نقلنا لكالم من ذكر السلسلة يدل على أن السلسلة يعرفها
العلماء و ال تخفى عليهم حقيقتها و مع ذلك لم ينقل عنهم القول بصحتها .
ض أَنَّهُ َح ٌّق َم ْعلُو ٌم ِب ْال َع ْق ِل ،لَ ْم َي ِجبْ ا ْع ِت َقادُهُ ِب ُم َج َّر ِد ذَلِكَ إ ْذ ُوجُوبُ "ال َوجْ هُ السَّا ِب ُع :أَنَّ َهذَا ْالقَ ْو َل لَ ْو فُ ِر َ وقال رحمه هللا ْ
ْ ْ
ُوب ُكلهُ َال يَثبُتُ إال بِال َّش ْرعِ َ ،وأنَّ العَق َل َ َّ ْ َّ س ِل ُمونَ أنَّ ال ُوج َ ْ َ ّ َازعُونَ فَ ُه ْم يُ َ ْ
ع بِ َال نِزَ اعٍ .أ َّما ال ُمن ِ َ يءٍ ُمعَي ٍَّن َال يَثْبُتُ إال بِال َّ َّ ا ْعتِقَا ِد َ
ش ْر ِ ش ْ
ور ِة ْال َع ْق ِل أ َ ْو ِ َُ َ ر ض ب ُ ه ب
ُ ُو ج و َ ْ ْ ُ م َ ل ع ي
ُ ا م ِي ف ِكَ لَ ذ ل ُ و ُ ق ي
َُ َ و ه َ ف ، ل ْ ْ ِ َ ِْ
ق ع ْ
ال ب م َ ل ع ي
ُ ْ
د َ ق ُوب َ ج و ُ ْ
ال إنَّ : ُ
ل و ُ ق ي
َ َّ َ َ ن ْ م ا م َ أ و ُ. ه َ ف رَِ ََ ع ن ْ إ و ا ً ئ ي
ْ شَ بُ َال ي ِ
ُوج
عا َّمة أئِ َّم ِة َ ُ ورةِ العَق ِل َو َال بِنَظ ِر ِه َ ،و ِل َهذَا اتَّفَقَ َ َ ْ ْ ض ُر َ ت َال يُ ْعل ُم ُوجُوبُهُ بِ َ َ صفَا ِ سائِ ِل ال ِ ّ َاصي ِل َم َ مِن تَف ِ ظ ِر ِه َ ،وا ْعتِقَادُ ك ََال ٍم ُمعَي ٍَّن ْ نَ َ
اجبًا ب َ ،ولَ ْو َكانَ َو ِ ي ْال ُم َعيَّنُ لَ ْم َي ُك ْن ُم ْستَحِ قًّا ل ِْل َعذَا ِ ُول لَ ْم َي ْخطِ ْر ِبقَ ْل ِب ِه َهذَا النَّ ْف ُ الرس ِ علَى أَنَّ َم ْن َماتَ ُمؤْ مِ نًا ِب َما َجا َء ِب ِه َّ اإلس َْال ِم َ ِْ
ب. ق العَذا ِ َ ْ سبَبًا ِال ْستِحْ قَا ِ لَ َكانَ ت َْركهُ َ ُ
ت أ َ ْو مِ ْن أ َ َج ِلّ َها َ ،وأَنَّ َم ْن اجبَا ِ ع ُم أَنَّ َم ْع ِرفَةَ َهذَا النَّ ْفي ِ مِ ْن ْال َو ِ ض غَا ِليَ ِة ْال َجهْمِ يَّ ِة مِ ْن ْال ُم ْعت َِزلَ ِة َونَحْ ِو ِه ْم يَ ْز ُ ض أَنَّ بَ ْع َ َوإِ ْن فُ ِر َ
ص ِة دُونَ علَى الخَا َّ ْ اس يَقُو ُل إنَّ َهذَا ِاال ْعتِقَادَ يَ ِجبُ َ ض النَّ ِ ض أنَّ بَ ْع َ َ ب ،أ ْو ُف ِر َ َ ْ
ص ِة َوال َعا َّم ِة َكانَ ُم ْستَحِ قًّا لِل َعذَا ِ ْ مِن ْالخَا َّ لَ ْم يَ ْعت َ ِقدْهُ ْ
سل َم - َّ عل ْي ِه َو َ َ اَّلل َ صلى َّ ُ َّ ي َ ْطِر ِار أ النبِ َّ َّ نَّ َ ب َهذا ؛ ِألنا نَ ْعل ُم بِ ِاالض َ َ َّ َ َ سادَ الق ْو ِل بِإِي َجا ِ َ ْ اإلسْال ِم ف َ َ َ ِين ِ ْ ْطِر ِار مِن د ِ ْ ْالعَا َّمةِ .فَنَحْ نَ ْعل ُم بِ ِاالض َ َ نُ
ْس ُوجُوبُ َهذَا علَى العَا َّم ِة َ ،ولَي َ ْ ص ِة َو َال َ علَى الخَ ا َّ ْ ُوجبُوا ا ْعتِقَادَ َهذَا النَّ ْفي ِ َ ،ال َ سائ َِر أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ لَ ْم ي ِ ْ َ ص َحابَةَ َوالتَّابِعِينَ َو َ َوال َّ
اَّلل } { َوأَنَّ َّ ُ إال َّ َ ه َ ل إ الَ ُ ه َّ ن َ أ { د ِ ِْ ِ ا َ ق ت ع ا ب ُو ج ِو ل
ِ ينَ َ َ ٌ ُ ء ا و س َر خ اآل ْ و َّ ِينَ َ ل و َ األ ْ ى َ ل عِْ ِ َ د ا َ ق ت ع اال ِ ا َ ذ ه
َ َ ُوب ج و ِ ُ نَّ إ َ ف ، ت ْ د
َ َ َّ د ج َ ت ِي ت َّ ل ا ث مِن ْال َ َ ِ ِ د ا و ح ْ
ُور }. ث َم ْن فِي القُب ِ ْ اَّلل يَ ْبعَ ُ ْب فِي َها َوأنَّ َّ َ َ عة آتِيَة َال َري َ ٌ َ السَّا َ
ع أَقَ َّر ار َ ش ِ ارعِ ِل َهذَا ِاال ْعتِقَا ِد َ ،كانَ دَع َْوى ُوجُوبِ ِه بِ ْالعَ ْق ِل َم ْردُودًا فَإِنَّ ال َّ ش ِ ب ال َّ عدَ ُم إي َجا ِ ْطِر ِار َ َوإِذَا َكانَ َم ْعلُو ًما بِ ِاالض َ
ظ ْل َمَ .و ِإذَا َكانَ ُوجُوبُ َهذَا ْالقَ ْو ِل ُم ْنت َ ِفيًا ،لَ ْم َي ُك ْن ِأل َ َح ٍد ِب َوال ُّ صدْقَ َو ْال َعدْ َل َ ،و َح َّر َم ْال َكذ َ ب ال ِ ّ ت ْال َع ْق ِليَّة َوأ َ ْو َج َب َها َك َما أ َ ْو َج َ اج َبا ِ ْال َو ِ
عادَاهَُ .و َهذا ال َم ْسلكُ ه َُو َ ْ َ عل ْي ِه َو َاالهُ َو َم ْن خَالفَهُ فِي ِه َ َ َ ِب ت َِار َكهُ َويَجْ عَلهُ مِحْ نَة َ ،م ْن َوافَقَهُ َ ً َ ع ْن أ ْن يُعَاق َ َ اس ،فَضْال َ ً على النَّ ِ َ ُوجبَهُ َ أ َ ْن ي ِ
ظ َر ُه ْم قُد ََّام ْال ُخلَفَاءِ ظ َر ُه ْم َم ْن نَا َ اس .كَاب ِْن أ َ ِبي د َُاود َوأ َ ْمثَا ِل ِه لَ َّما نَا َ علَى ْال َجهْمِ يَّ ِة ْال ُم ْمتَحِ نِينَ لِلنَّ ِ الر ِدّ َ سلَ َكهُ ْالعُلَ َما ُء فِي َّ أ َ َحدُ َما َ
ي َّ
آن ل ْم يَقلهُ النبِ ُّ ْ ُ َ ق الق ْر ِ ُ ْ ْ
عاقبُوا ت َِار َكهُ َ ،وه َُو الق ْو ُل بِخَل ِ َ ْ َ اس َ ،و َ على الن ِ َّ َ َ
ق ،فإِن ُه ْم بَيَّنوا ل ُه ْم أنَّ الق ْو َل الذِي أ ْو َجبُوهُ َ َّ َ ْ َ َ ُ َّ َ َص ِم َوال َواثِ ِ ْ ك َْال ُم ْعت ِ
علَ ْي ِه َولَ ْو َكانَ عاقَبُوا َ عا َّمتِ ِه ْم َ ،و َال أ َم ُروا بِ ِه َ ،و َال َ َ ص َحابِ ِه َ ،و َال أئِ َّم ِة ال ُم ْسلِمِ ينَ َو َ ْ َ َ
سلَّ َم َ -و َال أ َحدٌ مِ ْن ُخلَفَائِ ِه َو َال أ ْ َ علَ ْي ِه َو َ اَّلل َ صلَّى َّ ُ َ
صيبٌ ،ل ْمَ ض أنه ُم ِ ُ َّ َ ُ َ َ
عقوبَة ت َِاركِي ِه ،ل ْم يَجُز إه َمال ُه ْم ِلذلِكَ َ ،وإِ القائِ َل ِل َهذا الق ْو ِل ل ْو ف ِر َ ْ َ َ ْ نَّ َ ُ ْ ْ َ ُ ُ ق إل ْي ِه َو ُ َ عا ُء الخَل ِ ْ ْ ُ
ِين الذِي يَ ِجبُ د َ َّ مِن الدّ ِ ْ
علَ ْي ِه ال ُم ْس ِل ُمونَ . ْ ص َوابٌ َ ،و َهذَا مِ َّما اتَّفَقَ َ َ
علَى ت َْركِ ُك ِّل قَ ْو ٍل يَ ْعت َ ِقدُ أنَّهُ َ اس َويُعَاقِبَ ُه ْم َ علَى النَّ ِ ب َ ُوج َ يَ ُك ْن لَهُ أ ْن ي ِ َ
عا َّمتِ ِه ْم َويُعَاقَبُ ت َِار ُكوهُ ه َُو َما بَيَّنَهُ صتِ ِه ْم َو َ علَى ْال ُمؤْ مِ نِينَ خَا َّ امِن َ :وه َُو أَنَّ ِاال ْعتِقَادَ الَّذِي يَ ِجبُ َ ض ُح بِ ْال َوجْ ِه الث َّ ِ َوذَلِكَ يَت َّ ِ
ارقَةً َبيْنَ ِ َ ف ونُ ك ُ َ ت و َ ِينَ ف َّ ل َ
ك م ُ ْ
ال ى َ ل ع َ َا
ه ُ د ا َ ق ت ع
ْ
َ ِ بُ ِ ا ج ي ِي ت َّ ل ا ان
ِ َ ِ م ي اإل ْ ُ
ل و صُ ُ أ ْ
ذ إ ه ب ان
ََ ُ ِِ َ َ َ ِ ِ َ ِ ِِ م ي اإل ْ ب ر م َ أ و ه ب ه ر ب خ ْ َ أ َ ف - صلَّى َّ ُ َ ِ َ َ َ
م َّ ل س و ه يْ َ ل ع اَّلل ي َ النَّ ِب ُّ
ث ْس ُحك ُم َه ِذ ِه َك ُحك ِم آ َحا ِد ال َح َوا ِد ِ ْ ْ ْ َ
الرسُو ِل بَيَانُهُ َوت َ ْبلِيغُهُ ،لي َ على َّ َ مِن أ ْعظ ِم َما يَ ِجبُ َ َ َ ِي ْ سعَدَاءِ َواأل ْش ِقيَاءِ ،ه َ َ ْ ار َوال ُّ أ َ ْه ِل ال َجنَّ ِة َوالنَّ ِ ْ
ور ْال َخ َب ِريَّ ِة الثَّا ِبت َ ِة الَّتِي َال تَت َ َجدَّدُ ِين ل ِْأل ُ ُم ِ صو ِل الدّ ِ ُ
الرأي ِ إذْ ِاال ْع ِتقَادُ فِي أ ُ ْ ع ْالك ََال ُم فِي َها ِباجْ تِ َها ِد َّ شا َ ُث فِي زَ َمانِ ِه َحتَّى َ الَّتِي لَ ْم تَحْ د ْ
َ
سبَبُ ُوجُوبِهَِ .ب ْل العِل ُم بِ َها َو ُوجُوبُ ذلِكَ َما ْ ْ َ
سبَبُ العِل ِم بِ ِه أ ْو َ ْ ْ ت مِ َّما يَحْ دُث َ ُ س ْ َ
صفَاتِ ِه نَفيًا َوإِثبَاتا ل ْي َ ً ْ ْ اَّلل َو ِ أَحْ كَا ُم َها ،مِ ثْ ُل أ ْس َماءِ َّ ِ َ
يِ .فَإِنَّ أَ َح َّق اإللَ ِه ّ ور ْ ِ مِن يَ ْنبُوعِ ْال ُهدَى َ ،ومِ ْشكَاةِ النُّ ِ مِن ْاآلخ َِرينَ ِل ُق ْر ِب ِه ْم ْ يَ ْشت َِركُ فِي ِه ْاأل َ َّولُونَ َو ْاآلخِ ُرونَ َ ،و ْاأل َ َّولُونَ أ َ َح ُّق ِبذَلِكَ ْ
صو ِليَّة مِن أ ْعظ ِم ال ُهدَى ، ْ َ َ ْ ُ ُ ْ
عا َّمتِ ِه ْم َ ،و َه ِذ ِه العَقائِدُ األ ُ َ ْ ص َحابِ ِه َو َ اص أ ْ َ مِن خ ََو ِّ ب ْ طا ِ الرسُو ُل بِ ْالخِ َ اس بِ ْال ُهدَى ُ ،ه ْم الَّذِينَ بَاش ََر ُه ْم َّ النَّ ِ
فَ ُه ْم بِ َها أ َح ُّق. َ
عدَ ُم ُوجُوبِ ِه َم ْعلُو ٌم ف ْاأل ُ َّم ِة َ ،كانَ َ سلَ ُ علَ ْي ِه َ سنَّ ِة َ ،وفِي َما اتَّفَقَ َ ب َوال ُّ الرسُو ُل مِ ْن ْال ِكت َا ِ فَإِذَا َكانَ ُوجُوبُ ذَلِكَ ُم ْنت َ ِفيًا فِي َما َجا َء بِ ِه َّ
الرأيِ. ْ َت غَايَتُهُ أ َ ْن يَ ُكونَ مِ َّما يُقَا ُل بِاجْ تِ َها ِد َّ ع ِْل ًما َويَقِينِيًّا َ ،وكَان ْ
آرا َء ُه ْم َ ،و ْالقَ ْو ُل ِباجْ ِت َها ِد عقُولَ ُه ْم َو َ ص َحا ُب َها ُ ت ،غَا َيت ُ َها أ َ ْن يُجْ ِهدَ فِي َها أ َ ْ س َّمى ْال َع ْق ِليَّا ِ َوحِ ينَ ِئ ٍذ فَنَقُو ُل إنَّ َه ِذ ِه ْاأل َ ْق َوا َل ا َّلتِي ت ُ َ
ع بِ ِه ُ ْ
غي َْر َمقطوعٍ بِ ِه َ ،وإِ ْن ا ْعتَقَدَ ه َُو أنَّهُ َمقطو ٌ َ ُ ْ ِيض ،فَإ ِنَّهُ قَدْ يَ ُكونُ َ ع بِ ِه َال يَحْ تَمِ لُ النَّق َ طو ٌ ي َم ْق ُ ع ْق ِل ٌّ صاحِ بُهُ أَنَّهُ َ الرأْي ِ َوإِ ْن ا ْعتَقَدَ َ َّ
ع ِب َها فِي ْال َع ْق ِل َ ،وت َ ُكونُ ِبخِ َالفِ ذَلِكَ َ ،حتَّى إنَّ ْال َواحِ دَ طو ٌ ص َحابُ َها إنَّهُ َم ْق ُ ْ َ أ ل ُ و ُ ق ي
َ ٍ َ ل ا و ْ
ق َ أ ْ
مِن م ه
َ َ ُْ ن
َ ي
ْ ب ُ د ج ُو ي ا م
ِ َ ر َ ث ْ
ك َ أ ن ْ مِ ا َ ذ ه
َ نَّ ِ ،
إ َ ف
غي َْر ْ
َارة ً أ ْخ َرى إنَّهُ بَاطِ ٌلَ .وإِذا ل ْم يَك ْن َمقطوعًا بِ ِه فَقَدْ يَكونُ َمظنُونًا َ ُ ُ ْ ُ َ َ ُ ع بِ ِه َ ،ويَقو ُل فِي ِه ت َ ُ ُ ْ
مِ ْن ُه ْم ه َُو الذِي يَقو ُل فِي القَ ْو ِل إنَّهُ َمقطو ٌ ْ ُ َّ
ظنُونَهُ َ ،وقَدْ َي ُكونُ َم ْش ُكو ًكا فِي ِه ،فَ َعا َّمةُ َه ِذ ِه ْاأل َ ْق َوا ِل ْال ُمتَنَازَ عِ فِي َها سا ِد أ َ ْو َم ْ وم ْالف ََ طأ ً َ َ ُ ل ع ْ م سا ِد َ ،وقَدْ َي ُكونُ َخ َ ص َّح ِة َو ْالفَ َ وم ال ِ ّ َم ْعلُ ِ
ِيض َها َو ْالقَط ُعْ َ
عدَ ُم القَطعِ بِ َها بَ ْل ظنُّ َها َوالشَّكُّ فِي َها َوظنُّ نَق ِ َ ْ ْ ع بِ َها ت َ ْعت َ ِو ُرهَا َه ِذ ِه ِاالحْ تِ َماالتُ َ ،و َ َ الَّتِي يَقو ُل قائِل َها إنَّ َها َمقطو ٌ
ُ ْ ُ َ ُ
ِيض َها. ِبنَق ِ
ع َلى َجمِ يعِ ْال ُمؤْ مِ نِينَ ْس ُك ُّل َما َكانَ َكذَلِكَ يَ ِجبُ َ صاحِ بِ َها َ ،ف َلي َ ص َوابٌ ِع ْندَ َ ص َوابًا َم ْع ُلو ًما أ َ َّن َها َ ث ُ َّم غَايَةُ َما يُ َقد َُّر أ َ ْن ت َ ُكونَ َ
ظاه َِرة ً ع ْق ِليَّةً َ َت َ ِيف بِ ُمو َجبِ َها ِل َجمِ يعِ ْال ُمؤْ مِ نِينَ َ ،ولَ ْو كَان ْ ط ُر ُق ْالع ِْل ِم بِذَلِكَ قَدْ ت َ ُكونُ َخ ِفيَّةً ُم ْشتَبِ َهةً ،فَ َال يَ ِجبُ الت َّ ْكل ُ ا ْعتِقَادُهُ ،إذْ ُ
بسا ِ سائ ِِل الحِ َ ْ ِير مِ ْن َم َ علَى ُك ِّل ال ُمؤْ مِ نِينَ ،مِ ث ُل َكث ٍ ْ ْ اجبًا َ ظ ٍر لَ ْم يَ ِجبْ فِي ُك ِّل َما َكانَ َكذَلِكَ أ ْن يَ ُكونَ ا ْعتِقَادُهُ َو ِ َ َم ْعلُو َمةً بِأَدْنَى نَ َ
غي ِْر ذَلِكَ . طِبّ ِ َو ْال َه ْيئ َ ِة َو َ َوال ّ
عظِ ي َم ٍة : ت َ ث ُمقَ ِدّ َما ٍ فَ َه ِذ ِه ث َ َال ُ
ش ْرعِ َي ُكونُ َكذَلِكَ . ع ِب ِه َم ْع ُلو ٌم ِب ْال َع ْق ِل أ َ ْو ِبال َّ طو ٌ ْس َما ا ْعتَقَدَ قَائِ ُلهُ أَنَّهُ َح ٌّق َم ْق ُ أ َ َحدُهَا :أَنَّهُ لَي َ
اس.علَى َجمِ يعِ النَّ ِ ع بِ ِه ِع ْندَهُ ،يَ ِجبُ ا ْعتِقَادُهُ َ طو ٌ عل َِم ْال َواحِ دُ أَنَّهُ َح ٌّق َم ْق ُ ْس َما َ َوالثَّانِيَةُ :أَنَّهُ لَي َ
ظ ٍر يَ ِجبُ ا ْعتِقَادُهُ َ ،و ِإذَا َكانَ َكذَلِكَ فَغَايَةُ َما يُبَيِّنُ َم ْن ي ِ
ُوجبُ َه ِذ ِه طوعًا بِ ِه بِأَدْنَى نَ َ ْس َما َكانَ َم ْعلُو ًما َم ْق ُ ِث :أَنَّهُ َلي َ الثَّال ُ
علَى ْال ُم َكلَّفِينَ َحتَّى َي ْعلَ َم ُوج َ
ُوب ذَلِكَ ظ ٍر َو ِإذَا َكانَ َم َع َهذَا َال َي ِجبُ ا ْع ِتقَادُ ذَلِكَ َ ي َم ْعلُو ٌم ِبأَدْنَى نَ َ ع ْق ِل ٌّ ع ِب ِه َ
طو ٌ ت أَنَّ َها َح ٌّق َم ْق ُ ْال َمقَ َاال ِ
ع
ار َش ِ َ
ِب ت َِاركِي ِه َ ،حتَّى يُبَيِّنَ أنَّ ال َّ اس َهذَا ِاال ْعتِقَادَ َ ،ويُعَاق َ علَى النَّ ِ ب َ ُوج َ َ ْ َّ
ش ْر ِعيَّ ِة التِي يُ ْعلَ ُم بِ َها ال ُوجُوبُ لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ أ ْن ي ِ بِ ْاأل َ ِدلَّ ِة ال َّ
ْف َو ْاأل َ ْم ُر ِب ْال َع ْك ِس ِع ْندَ َم ْن يُ َب ِيّنُ أَنَّ َما قَالُوهُ ع َلى َهذَا ْال َوجْ ِه َ ،و َهذَا مِ َّما لَ ْم َيذْ ُك ُروهُ َو َال َ
س ِبي َل إلَ ْي ِه ،فَ َكي َ اس َعلَى النَّ ِ ب ذَلِكَ َ أ َ ْو َج َ
سلفِ َ سنَّ ِة َوإِجْ َماعِ َ
ب َوال ُّ ْ
ِف لِل ِكت َا ِ َ ْ
ورةِ العَق ِل َونَظ ُرهُ ُمخَال ٌ ْ ض ُر َ ْ ُ ْ
ص ِريحِ َ ،ولِلنَّق ِل الصَّحِ يحِ َ ،م ْعلو ُم الفَ َ
سا ِد بِ َ ْ
ِف لِلعَق ِل ال َّْ طأ ٌ ُ ،مخَال ٌ َخ َ
10
ض ِدّهِ". ب ا ْعتِقَادَ ِ ِيض ِه َ ،وأ َ ْو َج َ ع أَ ْخ َب َر ِبنَق ِار َ ش ِ ْاأل ُ َّم ِة َ ،وأَنَّ ال َّ
فوهللا كأن شيخ اإلسالم ابن تيمية قال هذا عن أصحاب السلسلة أنفسهم ,وال عجب إذ علة ضالل كل هؤالء واحدة وهي تعظيم العقل
على النقل .وكأن ابن القيم رحمه هللا قال لهم في وجوههم عن تقرير هذا األمر "فكيف يكون معرفة حسن بعض األفعال وقبحها
11
بالعقل مغنيا عما جاءت به الرسل فظهر أن ما ذكرتموه مجرد تهويل مشحون باألباطيل والحمد هلل"
تكفير زيد وعمرو يرجع كله لقاعدة واحدة ،وهو مقرر بالشرع والعقل ،أما تكفير هذا دون هذا فال يرجع إلى شرع وال إلى عقل.
والبحث في كالم العلماء عما يشبه مسألتنا يُعدّ إقرارا بأن السابقين ال يمكنهم أن يتكلموا عن شيء لم تقع فيه المخالفة في زمانهم،
وبالتالي فهو لم يطرأ على بالهم ،فضال عن أن تنسبوا إليهم أنهم يقولون بقولكم .
قال أبو مريم :يراجع التعليقات السابقة في حقيقة السلسلة و التفريق بين الحقيقة و الالزم و الزم الالزم و كذلك ذكرت أن هذه
المسألة معلومة عندهم ال مجهولة و وقعت المخالفة في عصرهم .
قال أبو مريم "ولو كانت من دين هللا أو أن اإلسالم ال يصح إال بها لذكرها هللا في كتابه أو ذكرها النبي صلى هللا عليه وسلم ,فيلزم
من عدم ذكرها إما أنها ليست من دين هللا أو أن النبي صلى هللا عليه وسلم كتم هذا الحق ولم يأمر به وكال القولين كفر .فمن نسب إلى هللا
شيئا لم يأت به دليل من الكتاب والسنة فهو كافر بعد قيام الحجة ومن قال بأن النبي صلى هللا عليه وسلم كتم هذا العلم ولم يبينه لم يؤمن
بالنبي صلى هللا عليه وسلم".
إن قياسكم هذه المسألة على بدعة خلق القرآن قياس باطل ،فأصحابها جاؤوا بعقيدة جديدة ،مخالفة لما صرحت به النصوص مسبقا
وترك النبي صلى هللا عليه وسلم الناس عليه واستمروا عليه إلى زمن المعتزلة الذين ظنوا أنهم تفطنوا لما لم يتفطن إليه سائر المسلمين،
لذلك يقال لهم :هل يمكن أن يسكت النبي صلى هللا عليه وسلم عن دعوة الناس إلى عقيدتكم على فرض أنها صحيحة؟ فهل رضي أن يترك
الناس كفارا؟
أما من يقول بتكفير زيد وعمرو ومن بعدهما فليس هناك نصوص قد خالفها تقول بإسالمهم ولن تجدوا أن الصحابة والتابعين كانوا
يقولون بإسالم عمرو ومن بعده ،حتى يقال اآلن :لقد جئتم ببدعة كبدعة خلق القرآن ،فهل سمعتم أن النبي صلى هللا عليه وسلم ترك الناس
على اعتقادهم بأن عمرا مسلم وسكت عنه إقرارا؟
ولتعلموا أنكم أنتم الذين ابتدعتم السلسلة هو أن حقيقتها هي استثناء من قاعدة (من لم يكفّر الكافر فهو كافر) التي نقر بها جميعا
وآمن بها الصحابة ومن بعدهم من المسلمين ،ولم يخرج عنها أحد إلى أن جئتم أنتم فاستثنيتم منها صورة من صورها وهدمتموها ،وقلتم:
نحتاج إلى دليل على تكفير كل عضو من السلسلة ،والدليل عرفتموه وأقررتم به ،فما كفّرتم به زيدا هو الذي تكفّرون به عمرا ،وما
تكفّرون به عمرا هو الذي تكفّرون به من بعده ممن ّ
سولت له نفسه هذا الكفر.
قال أبو مريم :ذكرت التفريق بين زيد و عمرو و تعليل التكفير و الفرق في التعليل و خالفنا في هذا التعليل هو الذي نطالب الدليل
عليه فأين الدليل على صحة قولكم .
أما مسألتنا فأنتم تقولون أنها من أصل دين اإلسالم أي ال يصح اإلسالم إال بها فهذا التقرير يجب أن يوجد من غير حاجة لمخالف
أصال فمسألة مثال البراءة من المشركين و معنى الم شرك هو من عبد غير هللا أو تولي من نقض اإلسالم مع علمه بنقض اإلسالم أو
تولي من حاد هللا و رسوله هذه أصول متفق عليها لكن خالفنا في هذا الناقض أو المحادة هلل فهناك صور متفق عليها و هناك صور
مختلف فيها و صور المتفق عليها قد ال يتصورها المسلم جيدا فال يكفر حتى تقام عليه الحجة و يعلم تصورها .
10
الفتاوى الكربى 95 :4
11
مفتاح دار السعادة 118 :2
نصوص أخرى عن القدماء في بطالن السلسلة وذمها
قال عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق "وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية هللا تعالى باألبصار بال كيف فهو
كافر والشاك في كفره كافر وكذلك الشاك في الشاك ال إلى نهاية"
وقال أيضا "وأما المرجئة القدرية كأبي شمر وابن شبيب وغيالن وصالح قبة فقد اختلفوا في اإليمان فقال ابن مبشر
اإليمان هو المعرفة واإلقرار باهلل تعالى وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه األمة كالصالة والزكاة والصيام والحج وتحريم
الميتة والدم ولحم الخنزير ووطء المح ارم ونحو ذلك وما عرف بالعقل من عدل اإليمان وتوحيد ونفى التشبيه عند وأراد بالعقل
قوله بالقدر وأراد بالتوحيد نفيه عن هللا تعالى صفاته األزلية قال كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر والشاك في الشاك أيضا كافر
ثم كذلك أبدا" انتهى
ونقل أبو الحسن األشعري في كتابه مقاالت اإلسالميين في باب مقاالت المرجئة "وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن
أبي شمر أنه كان يقول أن اإليمان هو المعرفة باهلل واإلقرار به وبما جاء من عنده ومعرفة العدل يعني قوله في القدر ما كان
من ذلك منصوصا ً عليه أو مستخرجا ً بالعقول مما فيه إثبات عدل هللا ونفي التشبيه والتوحيد وكل ذلك إيمان والعلم به إيمان
والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافر أبدا ً ،والمعرفة ال يقولون أنها إيمان ما لم تضم اإلقرار وإذا وقعا كانا جميعا ً إيمانا"
وجاء في نفس المصدر أيضا "وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر أنهم يكفرون من رد قولهم في القدر والتوحيد
ويكفرون الشاك في الشاك" انتهى من كتاب مقاالت اإلسالميين.
وفي كتاب التنبيه والرد للملطي قال "فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول في الشاك والشاك في الشاك
ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة ال اختالف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر ألن الشاك في الكفر ال
إيمان له ألنه ال يعرف كفرا من إيمان فليس بين األمة كلها المعتزلة ومن دونهم خالف أن الشاك في الكافر كافر ثم زاد
معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى األبد إلى ما ال نهاية له كلهم كفار وسبيلهم سبيل
الشاك األول وقال معتزلة البصرة الشاك األول كافر ألنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك ليس بكافر بل
هو فاسق ألنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم ال فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك األول وكذلك
عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما ال نهاية له كلهم فساق إال الشاك األول فإنه كافر وقولهم أحسن من قول أهل
بغداد"
ليس في هذه النقول إن جاز أصال اإلستدالل بمثلها إبطا ٌل لتكفير أعضاء السلسلة التي نتحدث عنها ،فما ابتدعه هؤالء هو
تكفير من يخالف عقائدهم المبتدعة ،ثم تسلسلوا ،وليس البدعة في التكفير بالتسلسل إن حدث لو كان مناط الكفر الذي تحدثوا
عنه صحيحا ،ولذلك أنكر عليهم أهل السنة التكفير بذلك فما بالك بتكفير من لم يكفّر بذلك؟ ولهذا قال الملطي أن من توقف في
الثاني أحسن ممن تسلسل أكثر من ذلك مادام مناط التكفير باطال أصال.
فأهل األهواء هؤالء كما ظهر في هذه النقول كانوا يكفّرون من يخالف بدعهم التي يعتبرونها من أصل الدين ،ويبنون على ذلك تكفير
أصحابهم الذين ال يكفّرون عامة المسلمين المخالفين لهم ،وما بني على باطل فهو باطل ،فلم يختلفوا في تكفير أهل الكتاب وغيرهم من
الكفار ،ولم يختلفوا في تكفير عبدة القبور كما هو الحال في عصرنا.
وكذلك الحديث عن تكفير َمن في السلسلة إن لم يحدث خالف في تكفير الكافر حقا في ذلك الزمان ولم يكن هنالك زيد وال عمرو
يُعتبر تنطعا ممقوتا ،لكن يوجد من يقول اليوم أن أهل الكتاب مؤمنون باهلل ،ويوجد من يعتبره مسلما ،وقد ُو جد المشرك
األول الذي ي َ عتبر شركه إسالما ويعتبر نفسه مسلما ويعتبره زيد مسلما ،ووجد عمرو الذي يك ف ّ ر األول ويعتبر زي دا
مسلما ،و ُو جدتم أنتم الذين تك ف ّ رون الكافر األول والثاني وتعتبرون الثالث مسلما ،فهذه عدة حلقات من السلسلة
موجودة على أرض الواقع ،وال بد أن ألهلها حكما.
قال أبو مريم :توجيه كالم العلماء يكفي في بطالنه مقارنة كالم العلماء بكالم هذا الرجل فالملطي ال يتكلم عن خطأهم في اعتقادهم
في مسائل أخرى إنما خطأهم في التسلسل لذا ذكر ما هو مجمع عليه و يوافق المعتزلة أهل السنة و بين ما يخالف فيه المعتزلة أهل
السنة فهناك في هذه المسألة قدر متفق عليه و هو تكفير من لم يكفر الكافر و هناك قدر مختلف فيه و هو تكفير الشاك في الشاك و
هناك قول آخر للمعتزلة تفسيق الشاك في الشاك فليس الكالم لمن كان منصفا عن اعتقاد المعتزلة في مسائل أخرى إنما في مسألة
التسلسل .
شبهة :مثال لهم فيه شخص يتخيلونه ثم يكذبون علينا أننا ال نكفره ,بل نكفر مثله لظهور كفره ال لبدعتهم
الشبهة :يصورون مثاال بأ نه لو أنكر فالن وجود هللا مثال أو انتسب إلى الهندوسية وعبادة البقر ,ثم ال يكفره ثان فهو مثله .وكل من
نظر إلى هذا الثاني المتوقف في كفر من أنكر وجود هللا أو تدين بالهندوسية ,ال بد أن يعلم أنه كافر وكيف يشك في كفره وهو مسلم ,هذا
مستحيل عذره ,ولذلك ال يمكن أن يكون الثالث مسلما.
الجواب :األمر هنا وفي جميع الحاالت ال يتعلق بسلسلتهم البدعية ,بل يتعلق بظهور األمر وخفاءه .فإن من ينتسب إلى الهندوسية ال
أحد من المسلمين يعتبره مسلما .ولذلك لو زعم أحد أنه مسلم ثم يأتي ويؤا خي عباد البقر ال يستريب في كفره مسلم .فمن يفعل ذلك اليوم؟
إسالم الهندوس عباد البقر ,هذا إما أن يكون ملحدا كفره أظهر من الشمس ,وإما أن يكون مجنونا.
َ أين إنسان يدعي اإلسالم لنفسه ومع ذلك
فاألمر يتعلق بظهور المسألة .فإن كانت ظاهرة بحيث ال يتصور أن يغفل إنسان عن إدراك حقيقة هذا األمر فإنه كافر ال يعذر وال يتصور
له غفلة عن هذا في الواقع.
وهذا األمر يتعلق بالواقع .فينظر المجتهد في الواقع ليعلم هل يتصور أن هذا يغفل عنه إنسان ,أم المسألة على درجة من الظهور
بحيث ال يدعي هذا أحد مطلقا على وجه األرض لبداهته إال المجنون.
وهكذا عند من أنكر وجود هللا تعالى .من يقول لهذا إنه مسلم ثم يدعي اإلسالم لنفسه؟ ال أحد إال مجنون أو مستهزئ بالدين أشد
االستهزاء .ومن يشك في كفر أمثاله ؟ بل كفره أظهر من الشمس ألجهل المسلمين ,بل الكافرون يجزمون أن هذا مستهزئ بدين اإلسالم,
فكل يدرك استهزاءه عند أول لحظة.
فال مستمسك ألصحاب السلسلة في هذا مهما تمنوه لدعم بدعتهم ,فتكفير مثل هذا بين ألبسط المسلمين ,لكن تكفيره لظهور الكفر في
تلك الحالة ,ال لبدعتهم ولزعم أنه جزء من سلسلة.
ثم ال بد أن يقال هنا ,إ ن هناك تلبيسا آخر لديهم في هذا المثال وهو أنهم ال يريدون أن يثبتوا به كفر ثالث أو رابع وهكذا ,بل يريدون
أن يثبتوا صحة التكفير بالتسلسل .وهذا لن يمكن حتى على جهلهم وسوء قصدهم .فحتى في هذا المثال ينطبق كل ما قلناه من قبل .فلن
تكون هناك سلسلة تطول ,ولن يستوي الخامس والسادس والمائة بمن أنكر وجود هللا أو الهندوسي أو من جعلهما مسلمين استهزاءا بالدين
أو جنونا منه ,إلى غير ذلك من الحجج التي ذكرت في بطالن السلسلة .بل إنما هو تلبيس منهم وشبهة .يعرضون على الجهال هذا المثال
الواضح ,فعندما يسلِّم الجاهل بقولهم في هذا المثال يلزمونه بالسلسلة وهكذا يريدون أن يتوصلوا إلى نصرة بدعتهم.
هنا يبلغ العجب مداه ،هل نحن متفقون أم مختلفون؟
الكفر الذي نتكلم عنه هو الكفر ،وال فرق بين كفر وآخر ،فالقاعدة تطبق على من يؤمن بإسالم الهندوسي كما تطبق على من يؤمن
بإسالم العلماني وعابد القبر سواء بسواء ،وإذا كنت ترى أن من يؤمن بإسالم الهندوسي يستحيل إسالمه كما يستحيل إسالم من يأتي بعده،
فقد دخلت في التكفير بالسلسلة ،وال أراك ستتوقف عن تكفير أي عضو منها متى ُوجد.
وإن كان كفر هذا الذي ال يكفّر الهندوسي ظاهرا وكفر من لم يكفّره ظاهرا أيضا ويستحيل إسالمهم جميعا ،فكيف لو وضعنا مكان
هذا الهندوسي عابدا للقبر أو متحاكما إلى الطاغوت ،هل يصح أن يخفى على مسلم حكم من يخالفه في حلقة من الحلقات؟
وقد وجد اليوم من يعتبر اليهود والنصارى مؤمنين باهلل يدخلون الجنة إن تمسكوا بشرائع كتابهم ،فإن قلت :هذا ال يفهم معنى الشهادة
وسلمت بتكفير أعضاء السلسلة إن وجدوا ،ولم يمكنك التوقف في أي حلقة من حلقاتها ،فنقول :على مثل هذا أصال ويكفر من ال يكفّره ّ
نتكلم نحن.
وسواء ُوجد مسلم يتوقف في أي حلقة من الحلقات أم لم يوجد أم كان نادرا ،فالذين يكفّرون حلقات السلسلة كلها ،ال يفرضون
وجودها حتما ،بل متى وجد مسلم يكفّر هذه الحلقة ويأبى تكفير من بعدها فهو كافر ،وسواء فعل هذا استهزاء أو عنادا أو جنونا أو جهال
إن صح أن يجهل أو يتأول فهو كافر ترك تكفير الكافر ،فإن لم توجد السلسلة فبها ونعمت ،لكنكم تبطلون تكفير أهلها مع فرض وجودهم.
ال يصح القول أنه لن يكون من يتوقف في أي حلقة ،فعلى من تدافعون إذن؟ لقد فرضتم وجود من يتوقف وأنتم حلقة من حلقات
سولت له نفسه أن يتوقف لشبهة أو شهوة أو
السلسلة (إسماعيل) ،ولم تقبلوا الحكم على ما هو واقع فهمتموه ،فالمشكلة ما الذي نحكم به إذا ّ
عنادا أو استهزاء؟ فال يهمنا السبب ولكن يهمنا الحكم.
بمثل هذه الشبهات واإللتواءات صنعتم السلسلة حقيقة ولم تعُد وهمية ،ثم تفرضون علينا أن نعتقد بإسالمكم وإال فنحن أهل هذه
البدعة.
لو اتفقنا على تكفير الكافر حقيقة ما كان للسلسلة أن تحدث ،فالتكفير ما قاد المسلمين يوما إلى السلسلة ،بل عدم التكفير هو الذي
يحدث السلسلة .
قال أبو مريم :يراجع التعليقات السابقة في حقيقة السلسلة و التفريق بين الحقائق و لوازمها .
-7لو فرض صحة قولهم في المسألة النقطعت السلسلة في أولها لكون المسألة مسألة اجتهاد
بعد كل ما تقرر مما سبق في هذا الكتاب ومسائله ال يبقى أي شك في بطالن السلسلة وغلو القائلين بها .فحتى لو افترضنا صحة
قولهم في مسألة من يسمونه الثالث ,ونحن ن خطئهم فيها لعدم الدليل على ذلك بل لألدلة المبطلة له ,لكن لو افترضناه تنزال ,النقطعت
سلسلتهم مع ذلك على كل حال .ألن المسألة عندئذ غاية ما تكون أنها من مسائل االجتهاد ,ويدخل فيها إمكان الخطأ وعدم التصور
الصحيح من عدة جوانب ,فيدخل فيها العذر بال أدنى شك .وإن زعمت المتسلسلة أن أدلة عقولهم قاطعة فإن زعمهم هذا في غاية المكابرة.
فكيف أمر المتسلسلة إذاً والحقيقة أنهم ال يملكون دليال واحدا ,بل األدلة الكثيرة عليهم من جهة العقل والفطرة واللغة والشرع؟
لحد اآلن لم نجد دليال نقليا وال عقليا على بطالن تكفير من لم يكفّر الكافر في أي حلقة ُوجدت ،أما مسألة عدم التصور إن وجدت
فصاحبها معذور إن لم يتصور مناط الحكم أو الواقعة ،وليس معذورا في عدم تصور الحكم إن فهم الواقعة ،وهذا ينطبق على الجميع،
تصور وفهم الواقعة ولم يحكم عليها بالحكم
ّ فحتى زيد إن لم يتصور حقيقة كفر الكافر يعذر في ترك تكفيره ،لكنكم تهدمون تكفير من
الصحيح ابتداء من عمرو فقط .
قال أبو مريم :هناك فرق بين تصور النوع و تصور العين فكما أنه يقع الخطأ في تصور العين يقع الخطأ في تصور النوع و
الكالم في تكفير عمرو الخطأ فيه من جهة الخطأ في النوع فالمسألة التي أخطأ فيها عمرو ال بد من النظر فيها هل جهلها يناقض أصل
دين اإلسالم أم ال ؟
فهنا المطالبة بالدليل ال مجرد الدعوى و االحتجاج بأدلة متفق عليها و أصول متفق عليها .
12
الفصل 294/3
اجتهاديا أو خالفيا عندما يقع ،بل الخالف في وجوده كونه مخالفا لبداهة العقول ،فقد ال يتصور مسلم أن مسلما آخر يقع في هذا الكفر
والتناقض البيّن ،لكن إن ُوجد ال بد أن يعتقد بكفره .
قال أبو مريم :الرد تم في تعليقات سابقة ال يحتاج إلى الرد هنا .
قال أبو مريم "فالمقصود هنا بيان أننا نعتقد أنه ثبت بالكتاب والسنة واإلجماع أنه ال يصح ألحد إسالم إال بالبراءة من الشرك
والمشركين ,وأن من لم يتبرأ من الشرك ولم يحكم على المشرك بالخروج من اإلسالم ال يكون مسلما ,وهذا األصل هم يتفقون معنا فيه,
وهذا عمدتهم في هذه المسألة ,وال يجدون دليال غير هذا على مسألتهم في السلسلة.
فالخالف إذاً في تنزيل هذا األ صل على األعيان ,والتنزيل على األعيان يسمى عند أهل العلم تحقيق المناط ,وتحقيق المناط يقع فيه
الخالف بين أهل العلم .فقد يختلف بعض أهل العلم في بعض األعيان أنه مشرك باختالف تصور وجود هذه األعيان ووقوع الشرك منها
وظهور هذا وخفاءه .فالجاهل بحال بعض األعيان والصور مع تحقيقه ألصل دين اإلسالم ال يكون كافرا عند أهل العلم ,ألن العالم قد
يجهل هذه الصور أو لم يتصورها جيدا أو بلغه شيء من هذه الصورة ولم يبلغه البعض اآلخر ,فاختلف حكمه باختالف تصوره للقضية,
والقاعدة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ".اهـ
إن جهل الحال وعدم تحقيق المناط وعدم تصور القضية ال ينطبق على عمرو فقط ،فلماذا ال تنفون تكفير زيد بحجة جهل الحالّ
وعدم التصور ،وهي تصدُق فيه كما تصدق في عمرو ومن بعده؟ فوفق هذه الحجة حتى زيد ال يستحيل إسالمه في كل األحوال ،ولكننا
في الحقيقة ال نختلف فيمن يجهل الحال ،بل نختلف فيمن يعلمه ويتصوره وال يحكم عليه بالحكم الصحيح ،وهذا هو الذي تنفون كفره .
قال أبو مريم :بينت في رد سابق أن الخطأ قد يكون في العين و قد يكون النوع و مسألتنا الخطأ في تحقيق مناط النوع أي ظنه
أنه هذه الصورة ال تكون نقضا لإلسالم إال بعد قيام الحجة .
ذكر ما كتبه بعض الجهال منهم ليكون مثاال لموضوع هذا الكتاب
هذا ذكر بعض ما كتبه أحد من يطلب الجاه الرياسة من هؤالء ,والمراد من إيراده تبيين جهلهم وأن قولهم يوافق ما قلنا عنهم تماما,
وليكون مثاال لموضوع هذا الكتاب كله وكيف يضل كثير من الناس في هذه المسائل اليوم .أما الرد عليه فإنه جاء مفصال في ما سبق.
• قوله" :فنحن جازمون بأن التكفير بالتسلسل يصح ,بشرط كون كفر األول في السلسلة كفرا في أصل الدين ,أو كفرا في غير أصل
الدين مع عدم عذره ألن الحجة قد أُقيمت عليه .فمن لم يكفر األول فهو كافر ,ومن لم يكفر الثاني فهو كافر ,ومن لم يكفر الثالث فهو كافر
أيضا ,وكذلك الرابع والخامس والسادس إلخ ,بشرط علمهم بحال من سبقهم في السلسلة وهذا ال يشك فيه من كان يؤمن باهلل واليوم
اآلخر".
يستفاد من هذا النقل ما يلي:
-إنه يظن أن جزمه بالسلسلة يفيد عندنا شيئا .فهل بجزمه يلزمنا اإليمان بها؟ بل هي دعوى بال دليل كما سبق.
-قولهم بالسلسلة إلى األبد وذلك لما كتب "وكذلك الرابع والخامس والسادس إلخ" ,فما معنى إلى آخره هنا؟
الكالم عن سلسلة وهي غير موجودة في واقعة من الوقائع هو تكلف ظاهر ،وكالم نظري ال يترتب عنه عمل ،لكن إن تحققت حلقة
من حلقات هذه السلسلة فال بد أن يتحقق حكمها ،وأنتم ال تنكرون وجود السلسلة فقط ،فلو كان الخالف منحصرا في هذا لما كان فيه حرج،
وإنما أنتم تنكرون كفر أهلها حتى وإن ُوجدوا حقا .
قال أبو مريم :نحن لو افترضنا وجود هذه السلسلة ال نكفر كل من فيها ألن حقائق فعل من في السلسلة تختلف من فعل آلخر و
ليس كلها نوع واحد و قد بينت في تعليق سابق الفرق بين الحقيقة و لوازمها و لوازم الالزم إلى ما ال نهاية .
-من شك في السلسلة ال يؤمن باهلل واليوم اآلخر ,فاإليمان بالسلسلة هو اإليمان باهلل واليوم اآلخر.
من شك في كفر أهل السلسلة فقد آمن بإسالم الكافر فلم يكفر بالطاغوت ولم يؤمن باهلل ،حتى وإن آمن بكل عقائد اإلسالم األخرى،
ألن اإلسالم كل ال يتجزأ كما هو معلوم .
قال أبو مريم :الكالم المجرد من الدليل ال يلزم أحد فأين الدليل على أن السلسلة من دين هللا فضال على أنها من أصل دين اإلسالم
و أنه ال يؤمن أحد حتى يؤمن بالسلسلة .
-أدخل هنا في السلسلة من لم يكفر من قامت عليه الحجة ,وهذا ال يصدر إال عن جاهل جهول.
قال أبو مريم " فإذا كانت المسألة يعذر فيها بالجهل والتأويل في أصلها ,وأقيمت الحجة على األول فإن جميع من بعده في السلسلة ال
يعذرون بالجهل والتأويل؟ وهذا التناقض ال يقوله إال من هو من أجهل الناس .فإذا كان األصل وهو األول الذي تبنى عله السلسلة يعذر
بالجهل ,فمن باب أولى أن يعذر من بعده ,ألن سبب كفره أنه لم يكفر األول .والثالث لم يكفر الثاني وهلم جرا .وكلما بعد عن األصل كان
أقرب للعذر بالجهل .فيجعلون قول كل معين في السلسلة من أصل دين اإلسالم".
لو جهل مسلم وجوب الصالة أو تحريم الخمر لكان مسلما ،لكن لو قامت عليه الحجة في ذلك وأنكر حكم هللا لكان مرتدا ،وإذا عرف
مسلم آخر حال هذا المرتد ال بد أن يعرف حكمه ابتداء وال يصح أن يجهل هذا ،فال يصح أن يجهل مسلم حكم منكر الصالة ومستحل
الخمر ،وال يقال ال بد أن تقام الحجة على هذا المسلم على كفر هؤالء ،ألن حكم المستحل والمنكر لشرع هللا ال يمكن أن يجهله مسلم ،أما
حكم الصالة فمن الممكن جهله ولذلك ال يكفر جاهلها إال بعد الحجة واإلنكار.
قال أبو مريم :هناك فرق بين حكم اإلسالم اإلجمالي و بين الحكم التفصيلي فالمسلم ال بد أن يعتقد أن كل من لم يقبل حكم هللا
سواء باستحالل أو استكبار ال يكون مسلما لكن قد يخطئ المسلم فيظن أن بعض الصور ال تدخل في االستحالل و االستكبار فالمسلم قد
يجهل حكم الصالة أي هل هي واجبة أم ال ؟
و هل الخمر حرام أم ال ؟
و هو في حقيقته ال يرى وجوب الصالة و ال يرى حرمة الخمر و هذا االعتقاد في ذاته كفر لكن لما كان المسلم يمكن أن يجهل هذا
فم تى ما ثبت أن مثله يجهل هذا ال يكفر حتى تقام عليه الحجة و ال يعني هنا جهله أنه يجهل وجوب اعتقاد ما ثبت وجوبه بالشرع أو
اعتقاد تحريم ما ثبته حرمته بالشرع .
و هذا ما نتكلم عنه فيجب أن يعتقد المسلم أنه ال يصح اإلسالم إال اعتقاد أنه من ينقض اإلسالم ال يكون مسلما هذا من جهة
اإلجمال فكل من ثبت أنه نقض إسالمه عليه أن يحكم عليه بأنه ليس بمسلم لكن قد يشكل عليه بعض الصور هل تدخل في هذه األصل
أم ال ؟
فمتى كانت الصورة صريحة في جهله هذا األصل حكم بأنه ليس بمسلم كحكمه على من عبد غير هللا مع إقراره بأنه عبد غير هللا
باإلسال م لكن هناك صور قد تخفى عليه فال يكفر حتى تقام عليه الحجة و تكون من جنس الصالة و الحج و من جنس تحريم الخمر و
الربا .
• أرادوا أن يبينوا تحت عنوان "البراءة من المشركين شرط لإليمان برب العالمين" أن السلسلة من أصل الدين ,ومن فهم ما سبق
يعلم أن مجرد العنوان يناقض السلسلة والكاتب ال يشعر .فقال "وما كان للمسلم أن يقول على من يعبد غير هللا ,أو يجحد آيات من كتاب
هللا,أو يعتقد صحة األديان األخرى ,أن يراه على دينه ,بل إن كان يراه على دينه فهو يكذّب أقوال هللا تعالى الصريحة ,التي تدل على كفر
كل من لم يؤمن باهلل وبدينه".
وهذا الكالم ,وخاصة في هذا السياق ,فيه ما فيه من عدم الدقة والخلط والجهل الكبير بألفاظ الشرع:
-1علل كل ذلك بتكذيب النصوص .لكن فرق بين فعل الشرك وتكذيب النصوص؟ فهل هو اآلن مما يسميه بأصل الدين أم ال؟ أما
تكذيب النصوص فهذا قد يعذر فيه اإلنسان إذا لم تقم عليه الحجة.
فما مراده بقوله :ما كان لمسلم؟ ال يجوز له ,فهو حرام؟ أم هو ما حكم هللا بأنه كُفر؟ أو يستحيل إسالمه على كل حال؟
-2يسوي بين عبادة غير هللا وجحود آيات من كتاب هللا؟ ويسوي بين اعتقاد صحة األديان األخرى وجحود آيات من كتاب هللا؟
فماذا يريد بالجحود هنا؟ من أنكر آية من كتاب هللا ,أنكر وجودها أو ثبوتها وكونها آية ثم العمل بها ,فهذا قد يكون معذورا إذا كانت
هذه اآلية لم تبلغه أو لم تثبت عنده .بل قد حدث ذلك ألئمة كبار ,أنكروا شيئا مما هو ثابت في القرآن ونقطع بكونه قرآنا اليوم جميعا.
فأنكره ألنه عنده لم يثبت ولم يعلم بتواتره.
فكيف يسوي بين هذا وذاك ويجعل هذا مما يسميه عنده أصل الدين؟ وأبعد من ذلك من لم يكفره فهذا كفره من أصل الدين عندهم
أيضا .فإذا كان الجاحد لآلية معذورا في حاالت فإن من توقف في كفره أعذر منه .بل قد يكون هذا الجاحد كافرا في نفس األمر ألنه رد
شيئا ثابتا عنده من هذا الدين ,ومع ذلك لم يتبين هذا لمن ينظر إليه فيعذره.
هذا ال خالف فيه ،أن يجهل أحد مثل هذا فال أحد كفّره فضال عن أن يكفّر من لم يكفّره ،فالكالم عن الجحود بعد إقامة الحجة ال
قبلها ،ولو رحنا قياسا على ذلك نظهر اإلستثناءات على أنها األصل ،فباإلمكان القول أنه ال يستحيل إسالم من اعتقد صحة األديان
األخرى ،فربما جهل حالها وظن مثال أن دين النصارى اليوم ليس فيه شرك باهلل ،ومن وجد الوثنيين يصفقون ويرقصون ففعل مثلهم ال
يكفر إذا لم يعلم أنهم بهذا يتقربون بذلك ألوثانهم عبادة ،ومثل ذلك كثير ،فال يصح أن نجعل من هذه اإلستثناءات الشجرة التي تغطي الغابة
.
ِيق ا ْل َم َناطِ َوه َُو :
ع َلى تَحْ ق ِ قال أبو مريم :تحقيق المناط يدخل فيه الخطأ في األعيان و الخطأ في الصور قال ابن تيمية ( َك َما اتَفَقُوا َ
شهَا ِد ش َِهيدَي ِْن ستِ ْقبَا ِل ا ْل َك ْعبَ ِة َوكَأ َ ْم ِر ِه ِبا ْ
ستِ ْ َان كَأ َ ْم ِر ِه ِبا ْ
ْض ْاأل َ ْعي ِ
اع أَ ْو بَع ِ أَ ْن يُعَلِقَ الش َِارعُ ا ْل ُح ْك َم ِب َم ْعنًى كُلِي فَيَ ْنظُ ُر فِي ثُبُوتِ ِه فِي بَع ِ َ
ْض ْاأل ْن َو ِ
غي ِْرق ؛ َو َ ار ِة َو َكتَ ْف ِري ِق ِه بَ ْينَ ا ْل ِف ْديَ ِة َوال َ
ط َال ِ ين بِا ْل َك َف َ
مِ ْن ِرجَا ِلنَا مِ َم ْن نَ ْرضَى مِ ْن الش َهدَاءِ َو َكتَحْ ِريمِ ِه ا ْل َخ ْم َر َوا ْل َم ْيس َِر ؛ َو َكفَ ْر ِض ِه تَحْ لِي َل ا ْليَمِ ِ
ع ؟ َو َه ْل ي مِ ْن َهذَا النَ ْو ِ َان َ :ه ْل ِه َ ْض ْاأل َ ْعي ِ ط َالق ؟ َوفِي َبع ِ ي َخ ْمر َويَمِ ين َو َم ْيسِر َو ِف ْديَة أَ ْو َ اع َ :ه ْل ِه َ ظ ُر فِي َبع ِ َ
ْض ْاأل ْن َو ِ ذَ ِلكَ .فَ َي ْب َقى النَ َ
علَ ْي ِه بَ ْينَ ا ْل ُم ْ
سلِمِ ينَ بَ ْل بَ ْينَ ع مِ ْن ِاالجْ تِهَا ِد ُمتَفَق َ عدْل َم ْر ِضي ؟ َونَحْ َو ذَ ِلكَ ؛ فَ ِإنَ َهذَا النَ ْو َ ستَ ْقبِ ُل ا ْل ِق ْبلَ ِة ؟ َو َهذَا الش َْخصُ ََهذَا ا ْل ُمصَلِي ُم ْ
ا ْلعُقَ َالءِ ) .
فمن صح أصله في البراءة من الشرك و المشركين لكن أخطأ في بعض أنواع الشرك أو بعض أعيان الكفار ال يكون بذلك جاهال
بحقيقة اإلسالم بل هو محقق لإلسالم لكنه جهل بعض صور الشرك و بعض أحكام المشركين و مسألتنا من هذا الباب فمن لم يكفر من
لم يكفر المشركين يجتنب الشرك و يحكم بكفر المشركين لكنه ظن أن من لم يكفر المشركين ال يكفر حتى تقام عليه الحجة .
ت بأصل دين اإلسالم) كافر ,ومن يشك في كفره فهو كافر مثله.
قوله "معنى التكفير بالتسلسل :فقد ذكرنا أنه من لم يكفر (من لم يأ ِ
وذلك ال ريب فيه ,لكنه الحق المبين"
هنا بين بنفسه أن أصل الدين شيء وأن من لم يكفر من لم يحقق أصل الدين شيء آخر .ففرق هو بنفسه بينهما وهو ال يشعر .ثم
يجعل هذا أصال لدين اإلسالم ويضيفه إلى التوحيد .ثم يجعل لكل عضو في السلسلة أصال جديدا لإلسالم ال يصح إسالم أحد إال به .هذا
مفهوم كالمه.
من ترك شيئا من أصل الدين سواء عبد غير هللا أو لم يكفّر الكافر فكالهما لم يحقق أصل الدين ،وبالتالي فمن لم يكفّرهما فهو كافر،
وكل هذا من أصل الدين وال يحتاج إلضافة أصل آخر.
قال أبو مريم :وجه النزاع أنه يرى أن السلسلة من أصل دين اإلسالم و لو كان الكالم المجرد دليل على صحة قوله انتهى النزاع
لكن هو يذكر كالم مجرد من غير دليل ثم يريد أن يلزم غيره بهذا الكالم و الدليل على النافي و المثبت قال ابن تيمية ( ولهذا كان
عامة العلماء على أن النافي للشيء عليه الدليل على ما ينفيه كما أن المثبت للشيء عليه الدليل على ثبوته وحكي عن بعض
الناس أنه قال النافي ليس عليه دليل وفرق بعضهم بين العقليات والشرعيات فأوجبه في العقليات دون الشرعيات وهؤالء اشتبه
عليهم النافي بالمانع المطالب فإن من أثبت شيئا فقال له آخر أنا ال أعلم هذا وال أوافقك عليه وال أسلمه لك حتى تأتي بالدليل كان
هذا مصيبا ولم يكن على هذا المانع المطالب بالدليل دليل وإنما الدليل على المثبت بخالف من نفى ما أثبته غيره فقال له قولك خطأ
والصواب في نقيض قولك ولم يكن هذا كذا فإن هذا عليه الدليل على نفيه كما على ذلك المثبت الدليل على إثباته وإذا لم يأت واحد
منهما بدليل كان كالهما بال حجة ولهذا كان من أثبت شيئا أو نفاه وطلب منه الحجة فلم يأت بها كان منقطعا في المناظرة وإذا
اعترض المعترض عليه بممانعة أو معارضة فأجاب عنها انقطع المعترض عليه وثبت قول األول وإن لم يجب عن المعارضة
انقطع المستدل إذ كان الدليل الذي يجب اتباعه هو الدليل السالم عن المعارض المقاوم ولو أقام دليال قطعيا فعورض بما ال يفيد
القطع كان له أن يقول ما ذكرته يفيد العلم والعلم ال يعارضه الظن والبينات ال تعارض بالشبهات التي هي من جنس كالم
السوفسطائية فهو سبحانه نهى عن الكالم بال علم مطلقا وخص الكالم على هللا بقوله تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر
منها وما بطن واإلثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا باهلل ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون . ) .....
و نحن موقفنا أقل أحواله المطالب بالدليل على أن السلسلة من أصل دين اإلسالم حتى نعتقدها فضال عن جعلها من أصل دين
اإلسالم فنحن نعتقد أنه ال يصح اإلسالم من جهة اإلجمال إال بالبراءة من الكفار و أنه ال بد من تكفير الكفار في اإلسالم لكن نزاعنا في
أن السلسلة تدخل في هذه األصل أم ال ؟ .
فعليهم أن يثبتوا لنا بالدليل على أنه تدخل في هذا األصل و أنه ال يصح اإلسالم إال باعتقاد السلسلة .
قوله "والمفروض أن يكفر المسلم كل من لم يحقق أصل دين اإلسالم ,الذي هو التوحيد ,أي الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل"
وهذا واضح في أنهم ال يعرفون معنى ما يتكلمون به .فهو بنفسه يقرر ما سبق في هذه الرسالة وما اتفق عليه جميع المسلمين ,من أن
أصل الدين هو التوحيد واإليمان باهلل و الكفر بالطاغوت .لكنه يتناقض ,فمن حقق التوحيد والكفر بالطاغوت ليس مسلما عنده .بل هم
يقولون ليس مسلما إال من كفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر بالطاغوت ,بل مثل هذا ولو طالت السلسلة إلى
األبد ,بل من لم يؤمن بالسلسلة إلى األبد فهو كافر لم يأت بالكفر بالطاغوت.
إذا كان التوحيد الذي هو اإليمان باهلل والكفر بالطاغوت ال عالقة له بتكفير الكافر وال ينتفي بانتفائه فلماذا لم تؤمن بإسالم زيد؟ وإن
كنت تؤمن بكفر زيد وتراه من أصل الدين ،فلماذا تؤمن بإسالم من لم يكفّره وهو لم يحقق أصل الدين ؟ .
قال أبو مريم :بينت سابقا الفرق بين اعتقاد كفر من لم يحقق اإلسالم و أنه ال يصح اإلسالم إال به و بين صورة السلسلة و أنها
تدخل في هذا األصل فصورة السلسلة شيء و صورة من لم يكفر الكافر شيء مع أن هذه القاعدة هي الزم لنوع الكفر فليس كل من
يقع في الكفر من لم يكفر ه كافر فهناك أنواع من الكفر إذا جهلها المسلم ال يكفر فكيف بتكفير فاعلها مع اعتقاد أنها كفر فإيماني بتكفير
بزيد ألنني أعتقد أنه نقض إسالمه ألنني أؤمن أن زيد لم يكفر الكافر لذا كفرته لكن عمرو أعتقد أنه فعله ال يكون نقضا لإلسالم إال بعد
قيام الحجة لذا لم أكفر ه فالخطأ هنا ليس في حقيقة أنه ال يصح اإلسالم إال بالبراءة من المشركين إنما الخطأ في فعل معين هل هو نقض
لإلسالم قبل قيام الحجة أم بعد قيام الحجة ؟
و لو فرض أن كل من في السلسلة لم يكفر الكافر بمعنى أن فعل الكفر نقض لإلسالم و هو يعلم ذلك ثم لم يكفره لكفرنا كل من في
السلسلة لكن حقيقة السلسلة غير واقع حسا و شرعا لذا حكمنا بأنها بدعة .
• قوله "المفروض هو "...فاألمر إذا كان مفروضا ليس معنى ذلك أنه أصل الدين ,بل ليس معناه أن تركه كفر .وهو لم يأت بدليل
واحد على أن اإليمان بسلسلته وتطبيقها من دين هللا فضال عن أن يكون مفروضا ,فكيف يكون من أصل الدين؟
قوله "فمن لم يكفر نصرانيا أو يهوديا أو عابدا لألصنام فهو كافر مثله ,وهذا إجماع علماء اإلسالم بل إجماع األنبياء والمرسلين"
نعم ,هذا ما نقوله وهذا إجماع األمة كما قال ,وليس الذي يزعمه هو بأنه أصل الدين بإجماع األمة ,بل لم يقل أحد قط أن اإليمان
بالسلسلة من الدين فضال عن أن يكون من أصله فضال عن أن يكون إجماعا منهم.
ونالحظ هنا شيئا في قوله مما سبق تقريره وهو أن المتسلسلة يظنون أن من لم يكفر نصرانيا يصبح نصرانيا مثله من كل جهة ,فهذا
زعمهم ,وإن أنكروا هذا فإنهم محجوجون عقال شرعا بما سبق من أنه إن كان هناك فرق بين كل عضو من أعضاء السلسلة فال بد من أن
تنقص علة الكفر من كل عضو إلى اآلخر ,فيكون أمره أخفى بكثير ومن توقف فيه أعذر بكثير.
ليس بالضرورة أن يكون من لم يكفّر النصراني نصرانيا مثله ،فهذا يستلزم أن يتبع عقيدته بالذات ال أن يقول هو مؤمن باهلل فقط،
تخف من عضو إلى ّ يخف عن كفر النصراني ،وهكذا من يأتي بعده ،ولذلك فعلّة الكفر ال تنقص والّ وكفر من يؤمن بإسالم النصراني ال
آخر ،ألنها واحدة ،أما خفاؤها فشيء آخر ،وليس خاصا بأعضاء السلسلة وإنما بكل كفر ،فإذا خفي عن أحد حا ٌل ما ال يؤاخذ بالخطأ في
حكمه عليه ،لكن ما نراه هو إيهام بالخفاء وجهل الحال بينما أنتم ال تؤمنون بكفره حتى وإن فهم الواقع وتصوره ،وإن قلتم نحن نؤمن
بكفره عندها ،فأنتم ممن يكفّر بالسلسلة .
قال أبو مريم :بينا في تعليقات سابقة أن أفعال الكفر تختلف من صورة ألخرى و الدليل على ذلك الخالف في بعض النواقض هل
هي نواقض لإلسالم أم ال ؟
بل حتى في النواقض المجمع عليها قد يظن بعضهم لعدم تصورها أنها ليست بنواقض لإلسالم و قد يظن أنها نواقض لإلسالم بعد
قيام الحجة و الخالف في هذا كثير جدا ال يحتاج إلى ذكر و قد أشرت إلى بعض النواقض التي اختلف فيها بعض العلماء فقد تكون هناك
صورة صريحة تدل على الكفر و قد تكون هناك صورة خفية كما أن الكبائر و ما يدل على الفسق هناك أنواع مجمع عليها و هناك
أنواع مختلف فيها و كذلك البدعة هناك أنواع مجمع على أنها بدعة بين المسلمين و هناك أنواع مختلف فيها .
قوله "فالشرط الوحيد لإلسالم فهو الكفر بما يُعبد من دون هللا واإليمان باهلل تعالى".
صدق وهو مبتدع كاذب على دين هللا ثم علينا .وهذا مثل غيره من كالمه حجة عليه .فهذا هو الشرط الوحيد حقا ,وهو زاد عليه
وأضاف شروطا أخرى لم يذكرها مسلم عاقل قط من اإليمان بالسلسلة إلى األبد .بل هم زادوا في الحقيقة شروطا ال نهاية لها إلى األبد.
فتكفير رقم األلف الوهمي شرط لصحة اإليمان ,وتكفير الواحد واأللف الوهمي شرط آخر ,وكذا تكفير المليون الوهمي ,وكذا تكفير
المشرك الوهمي في األبد .والكفر بما يعبد من دون هللا ليس هو الكفر بجميع المشركين في سلسلة وهمية إلى األبد الوهمي .واإليمان باهلل
ليس هو اإليمان بالسلسلة إلى األبد .هؤالء عندما يقولون كالما صحيحا ال يفقهون معناه وال يدركون أنهم يتناقضون وأنه حجة عليهم ال
لهم.
إذا كان الكفر بما يُعبد من دون هللا ال يتضمن تكفير عابديه فلماذا كفّرتموهم وكفّرتم زيدا الذي اعتقد بإسالمهم؟ أال ترون أنكم أضفتم
شروطا أخرى لهذا الشرط الوحيد؟ وإن لم تستطيعوا حذف ما تسمونه بالشروط فإن ما ينطبق على زيد ينطبق على عمرو.
نحول الوهم إلى حقيقة نعمل بها ونحكم
فعال ،السلسلة الطويلة الالمتناهية ما هي إال وهم ،لكن التوهم ليس كفرا ،وإنما الكفر هو أن ّ
عليها بغير حكم هللا ،ف َمن أحدث هذه السلسلة؟ ألستم أنتم الذين تقولون بإسالم من لم يكفّر زيدا؟ ّ
فحولتموها إلى حقيقة ،فكما تناقضتم أنتم
وكفّرتم الثاني دون الثالث ،قد يأتي من يتناقض ويعتبركم مسلمين بينما يكفّر َمن قبلكم ،فإن لم يحدث فالحمد هلل ،وإن حدث ذلك فهو كافر
بمثل ما كفر به سابقوه .
قال أبو مريم :هو يقر أن السلسلة وهم ال حقيقة لها و مع ذلك يجعلون من ال يعتقدها نقض إسالمه انظر قوله ( ليس بالضرورة
أن يكون من لم يكفر النصراني نصرانيا مثله ،فهذا يستلزم أن يتبع عقيدته بالذات ال أن يقول هو مؤمن باهلل فقط ،وكفر من يؤمن
بإسالم النصراني ال يخف عن كفر النصراني ،وهكذا من يأتي بعده ،ولذلك فعلة الكفر ال تنقص وال تخف من عضو إلى آخر ،ألنها
واحدة ) .
فكل من في السلسلة فعله ال يختلف عن فعل النصراني من جهة أنه كفر و هذا من يأتي بعده و كل هذا عندهم من أصل دين
اإلسالم و من الكفر بالطاغوت بحيث من يجهله ال يكون مسلما و قال في موضع آخر ( من ترك شيئا من أصل الدين سواء عبد غير
هللا أو لم يكفر الكافر فكالهما لم يحقق أصل الدين ،وبالتالي فمن لم يكفرهما فهو كافر ،وكل هذا من أصل الدين وال يحتاج إلضافة أصل
آخر . ) .
قوله "نسألكم سؤاال ,هل كفر من لم يكفر (الذي يرى النصراني مسلما) بما يُعبد من دون هللا؟ أم يرى اإلسالم والنصرانية سواء ,ال
يفرق بينهما وال يكفر من انتسب إليها؟"
هذه الجملة العجيبة ,مجرد سوقها حجة عليهم لو كانوا عقالء .كيف يكون الثالث مثل الثاني مثل األول ال يفرق بين النصرانية
واإلسالم .بل قد يكون أن المتولي للنصراني نفسه أي الثاني الذي يدعي إسالم النصراني يفهم الفرق بين النصرانية واإلسالم تماما ,ولكنه
معاند ال يعمل بعلمه .فكيف يَعلم أن علة كفر الثالث هو عدم التفريق بين اإلسالم والنصرانية؟
ذلك مع شدة غرا بة هذا المثال ,فالنصراني نفسه اليوم يعرف الفرق بين النصرانية واإلسالم وال يدعي أنهما واحد .فمن يقول بهذا؟
ال يقول به كافر وال مسلم وال منتسب لإلسالم ,إال مجنون أو مستهزئ ال يستريب في كفره أحد من المنتسبين لإلسالم لشدة ظهور كفره.
وقد سبق بيانه.
قوله " -من لم يكفر النصراني فهو على دين غير اإلسالم ,وهذا واضح .وكل من لم يكفر من كان على دين غير اإلسالم -وهو يعلم
أنه على ذلك -فهو كافر بإجماع المسلمين".
هؤالء أمثلتهم إنما هي تلبيس لألمر .فنعم ,من لم يكفر النصراني ليس على دين المسلمين ,لكن ليس هو مثل النصراني تماما ,وال
هو نصراني ,وال ينتسب للنصرانية .فهذا تلبيس منهم ليزينوا للناس دعوتهم .فيقولون في التالي :ومن لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من
لم يكفر من لم يكفر .....من لم يكفر النصراني فهو على دين غير اإلسالم .فالرقم المليون عندهم نصراني وهو على غير دين اإلسالم
ومن لم يكفره فهو نصراني مثله وهو على غير دين اإلسالم! بينما الواقع الذي يقرون به أنه حتى الثاني في مثالهم ليس نصرانيا ,إذ ال
ينتسب للنصرانية وال يؤمن بها ,ولو كان ينتسب للنصرانية لكان في مثالهم األو َل ال الثاني .فإذا ثبت أن الثاني ليس نصرانيا وال ينتسب
للنصرانية ,فكيف يقال أن الرقم األلف نصراني أو أنه ال يفرق بين اإلسالم والنصرانية ,بينما يقرون أن الثالث في مثالهم يكفِّر هذا
النصراني؟ فهذا مستحيل عقال ,وقد سبق تقريره.
فنسأل هؤالء الملبسين :من قبل أوهمتم أن كل عضو في السلسلة ال يفرق بين النصرانية واإلسالم .واآلن وصفتموه بأنه على دين
غير دين اإلسالم .فعلى أي دين هو؟ كيف يسمى هذا الدين؟ أقول لكم اسم هذا الدين غير دين اإلسالم ,إنه دين ومن لم يكفر من لم يكفر
من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر .....من لم يكفر النصراني.
ولذلك فهو على دين غير دين اإلسالم عندهم ,وهذا مقطوع به في نظرهم ,وظاهر كالشمس .واآلن فانظر االستدالل العبقري :فإنه لم
يكفر من هو ليس على دين اإلسالم ,وهذا كفر بإجماع المسلمين.
من لم يكفّر النصراني فهو كافر وال يشترط لذلك أن يقول أن النصرانية واإلسالم شيء واحد ،فقد يقول أن هللا سبحانه يتقبل اإلثنين،
كما يقول البعض اليوم.
وأن يكون اإلنسان كافرا بعدم تكفير الكافر فهو على دين غير دين اإلسالم ،مثله مثل من دخل في ملة من الملل المعروفة
كالنصرانية وغيرها .
قال أبو مريم :بينا سابقا أن هناك فروق بين النواقض و ال يعني أن من أخطأ في ناقض يكون ناقضا لإلسالم فمن لم يتصور دين
النصرانية فدين النصرانية شيء و من لم يكفر النصراني شيء آخر و من لم يكفر من لم يكفر النصراني شيء آخر فليست حقيقة
واحدة و معلوم عند كل عاقل أن الناقض ال يكون ظهوره كظهور الالزم من جهة الحقيقة و الحكم و ال ظهور الزم الالزم ظهور ما بعده
إلى ما ال نه اية و هو يعتقدون أنها كلها من جهة الحقيقة واحدة فكلها صريحة في نقض اإلسالم فحكم الفعل عندهم حكم الزمه .
وأي احتجاج هذا أصال ,فمن ترك الصالة فهو على دين غير دين اإلسالم ,فهل من توقف في تكفيره كافر مقطوع بكفره ألنه لم
يكفر من كان على غير دين اإلسالم؟ بل هو كالم عام يمكن أن يحتج كل واحد به لدعواه ,ال دليل فيه ,وفي ما سبق التفاصيل الواردة على
مثل هذا الكالم العام ,وهذا من سمات جميع أهل البدع المفتونين بالكالم ,كما بينه ابن تيمية فيما سبق عنه.
ال معنى هنا للكالم عن تكفير تارك الصالة ،فمن يقيس عليه يلزمه إبطال تكفير الكافر كله .
قال أبو مريم :ال يلزم ذلك لكن وجه المثال في أن الخطأ قد يكون في بعض األنواع مع صحة األصل .
ت بشرط العلم ,الذي هو أول شروط (ال إله إال هللا) ,ومن لم يحقق شروطها فيستحيل قوله "الذي لم يكفر النصراني فهو لم يأ ِ
إسالمه .ومن يشك في كفر من لم يحقق شروط (ال إله إال هللا) فهو كافر وال بد".
وهذا باطل قد بينت قريبا أن هذه العلة ليس الزما أن تتحقق فيه ,فضال عن كل أعضاء السلسلة .فالنصراني نفسه قد يحقق شرط
العلم ,إال أنه ال يعمل به ويبقى على كفره .فعند البخاري في آخر الكتاب األول بيان أن هرقل عظيم الروم علم الحق وترك العمل به
إيثارا للدنيا على اآلخرة وبقى على كفره .فكيف بمن ليس نصرانيا ,ويتولى النصراني ,فإنه قد يعلم شروط الشهادة كلها ثم يترك العمل
بها كلها .فبطل تعليلهم وما يدعون أنه حقيقة مستقرة لن تتخلف أبدا عن الوجود.
ذلك إضافة إلى أنهم ما زالوا في تلبيسهم بهذا المثال الوحيد لديهم ,الذي تكلمت عليه من قبل ,وتلبيسهم أن ما يشترطونه هم
ليس هو شرط العلم فحسب .فإنهم ال يقولون بكفر من لم يحقق شرط العلم ,بل يقولون بكفر كل من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر من
لم يكفر .....من لم يحقق شرط العلم .فزادوا في الحقيقة شروطا للعلم ال نهاية لها .فحقيقة مذهبهم الفاسد وما يدَعونه ,بينهما فرق
بسيط كما يرى كل ذي عينين .وهذا ا لفرق البسيط كما بين السماء واألرض .فشرط العلم هو العلم بال إله إال هللا .وشروطهم هي شروط
متسلسلة من العلم إلى األبد .فمن لم يعلم أن الذي قبله لو علم معنى الشهادة لعلم أن الذي قبله لو علم معنى الشهادة لعلم أن الذي قبله
لو علم الشهادة .....لعلم أن الذي قبله لو علم معنى الشهادة لعلم أن الذي قبله مشرك .فإن لم يسم هذا كذبا وتلبيسا فما هو؟ بل إنه
الجنون الناشئ عن عقل عبقري.
من لم يحقق شرط العلم بالشهادة وهو العلم باإلسالم فهو كافر جاهل ،وكفره لم يأت من عدم تكفيره للكافر ،وإنما أتى من عدم
تحقيقه اإلسالم كله ،فمن ح قق اإلسالم بعد العلم طبعا ثم ترك تكفير الكافر عندها تطبق عليه القاعدة وال بد ،ألنه اعتقد بإسالم من لم
يعرف اإلسالم .
قال أبو مريم :بينا وجه الخطأ في أكثر من موضع و هو إدخال كل صورة من صور التكفير في القاعدة و هذا ال يلزم فقد يجهل
المسلم بعض األنواع و ال يكون ممن ال يعرف اإلسالم .
قوله "من لم يكفر النصراني فهو يقول أن الشرك باهلل قد يكون عمال مقبوال عنده تعالى ,وال يوجد كفر أوضح من ذلك -فالمسلم
الذي يجتنب الشرك ويكفر أهله".
هؤالء يأتون بمثال واحد بعيد جدا ظهر أنه ال يقع إال من مجنون أو مستهزئ بالمسلمين ,وأنه ال يشك في كفره أحد ,ثم يستغلون هذا
المثال ويبنون عليه مائة جهالة ويدَّعون أعجب األمور.
فمن لم يكفر النصراني علنا وادعى إسالمه – إذا افترضنا أن هذا يقع من عاقل – نعم ,هذا جعل الشرك عمال مقبوال عند هللا.
الحظ أنك تعتبر هذا كافرا وإن كنت تتوهم وجوده افتراضا ،وال ترى أنه يسعك عدم تكفيره إن ُوجد .
قال أبو مريم :من لم يكفر من نقض إسالمه من جهة األصل ال نخالف أنه لم يحقق اإلسالم سواء نصراني أم غير نصراني و
كفره ألنه لم يفرق بين إسالم و كفر لكن كالمنا في بعض الصور التي تدخل في هذه األصل هناك صورة قريبة لهذا األصل كصورة من
لم يكفر من كان فعله صريح في نقض اإلسالم و هناك صور أبعد كتكفير من لم يكفر من لم يكفر الكافر و هناك الصور تبعد كلما بعدنا
عن حقيقة الفعل الذي بنينا عليه التكفير .
فأسألهم اآلن إلزاما لهم فقط ,ألبين تلبيسا جديدا منهم :وماذا بمن لم يكفر من لم يكفر النصراني؟ هل هو أيضا جعل الشرك عمال
مقبوال؟ كيف وهو يكفر النصراني ويتبرأ منه ومن شركه ويقول ال أحد من النصارى على دين اإلسالم وهم كفار كلهم أجمعون؟ فعلى حد
قولهم ,هذا عندهم مسلم ,ألن علة الكفر ال تتحقق فيه .فإنهم على هذا كفار وجزء من سلسلتهم .بل هي تلبيسات وجهاالت متسلسلة.
إذا كان من ال يكفّر النصارى يعتقد أن النصرانية غير مخلة باإلسالم ،فإن من لم يكفّره يعتقد أن عدم تكفير أهلها غير مخل
باإلسالم ،حتى وإن كان يرى أن النصرانية مخلة باإلسالم ،وهذا تناقض منه وهو حجة عليه .
قال أبو مريم :تكلمت ساب قا عن الفروق بين النواقض و ظهورها و خفائها و ليست هي حالة واحدة في الداللة على نقض اإلسالم
سواء من جهة الشرع و من جهة العقل .
وانظر اآلن بعد هذه التلبيسات والجهاالت والخلط العجيب ,بعد أن أتوا بمثال واحد غريب واستخرجوا بجهلهم عدة جهاالت ,يقول
"وبذكر كل هذه األدلة والحجج وهلل الحمد قد رددنا ردا كافيا" على شبهاتنا ويسمون هذا "األدلة القاطعة على صحة التكفير بالتسلسل".
فاهلل المستعان.
قوله "وشبهة أبي حمزة وغيره هي أن يقولوا :إن الثالث في السلسلة وهو من لم يكفر (من لم يكفر النصراني) فهو مسلم إذا علم حال
الثاني مع عدم تصور حاله فهي ال تحتاج إلى إبطال ,بل قائلها نفسه يقول ما هو حجة عليه ال له ,فإنه ال يمكن أن يعلم أحد حاال إال وهو
يتصوره".
فأوال :هذا تلبيس وكذب علي وعلى غيري ,فإنا لم نتكلم في النصراني قط,
ال أدري على أي أساس تبني التفريق بين كفر النصراني وغيره ،ونحن نتكلم عن الكفر الذي نؤمن جميعا أنه كفر ،وأتمنى أن ال
يكون فينا من يفاضل بين أشكال الكفر ،وإال فكالمنا عن السلسلة سواء وجدت أو لم توجد من الترف.
نحن نتكلم عن الكفر الذي هو كفر ،وبعدها نتكلم عمن ال يكفّر أهله ،والحمد هلل أننا نتفق على كفر من يعتقد بإسالم الكافر النصراني
أو غيره .
قال أبو مريم :الرد على هذا يراجع فيه التعليقات السابقة .
وقد بينت قبل أن هذه األمور تختلف بظهورها ,فإذا كان ظاهرا بحيث ال يدعيه إال مجنون ,فهذا كافر ,وليس كفره ألنه في سلسلتهم
بل ألننا نعلم من الواقع ومن النظر فيه أنه ال بد أن يتصور ذلك ألن جميع البشر يعلمون هذا ,ولذلك ال يدعيه أحد أصال ,وهذا سبب
غرابة مثالهم الذي يبنون عليه دينهم.
لم نختلف فيمن لم يتصو ر أمرا ما ،فلماذا نستثني النصراني ،فكما يكون كفر النصراني ظاهرا ال بد أن يكون كفر غيره ظاهرا،
ويمكن أن يخفى حال النصراني على البعض كما يخفى حال غيره .
قال أبو مريم :الظهور يختلف من ناقض آلخر و من نوع آلخر و ليس كلها صورة واحدة و ال يشترط أن يكون كفر النصراني
ظاهر و كفر غيره ظاهر فقد يكون نوع الكفر غير ظاهر بل قد يكون مختلف فيه كما هو معروف .
ثانيا :قوله "فإنه ال يمكن أن يعلم أحد حاال إال وهو يتصوره" هذا الكالم يخرج وهللا عن من هو من أجهل الناس لكن ظن نفسه شيخ
اإلسالم .فإنه لم يفقه أدنى شيء ويتشيخ على الناس .وهذا هو من قال عنه العلماء "فذلك هو األحمق فاتركوه" .فأي كالم هذا؟ من قرأ
حرفا واحدا من كالم العلماء في الزم القول والخطأ والغفلة يجزم ببطالنه ,ومثل هذا األصل الفاسد هو موضوع هذا الكتاب ومناقشة
المسائل التي فيه وسبب تأليفه .فهذا القول بالضبط هو الذي أوقع عامة أهل البدع في ضاللهم وأوقع أهل الغلو في غلوهم ,فإنهم يفترضون
أمورا في عقولهم ثم يقولون جميع البشر ال بد أن يتصور األمر كما يتصورونه إذا نظر إلى هذه الحالة .بل هناك أناس يتركون االستدالل
والنظر في كثير من األمور أصال وال يشتغلون به ,لكنهم ال يكفرون بهذا حتى يأتيهم النص ونبهوا من جهة الرسالة ,فعندئذ إذا تركوا
األمر تترتب العقوبة ويتحقق أثر جهلهم .لكن أهل البدعة ال يقبلون ذلك ,بل كل من ترك تفكيرهم المقدس فهو كافر ,حتى إن أوقف هللا
تعالى األثر إلى مجيء الرسالة.
ف إن كان كل من علم واقع شيء ,قد تصوره تماما ,بحيث ال يمكن أن يغفل عن حقيقة األمر ,فما فائدة كالم أهل العلم في كل هذه
األبواب؟
وتصوره.
ّ ال أدري ما هو الفرق بين العلم بالواقع
إنما بين أهل العلم كل هذا ألن كل عاقل يعلم ضرورة أن جميع البشر يتصفون بالخطأ والتناقض والغفلة ويقعون بذلك من حين إلى
آخر في أعجب األخطاء .وال يخرجهم هذا الخطأ إلى الكفر ما كانت أصولهم ثابتة سليمة.
ما معنى الخطأ والتناقض والغفلة ؟ هل يخطىء ويغفل عن معرفة الواقع أم يخطىء ويغفل عن حكمه؟ فاألول مسلم أما الثاني فال،
وهذا األخير هو الذي نختلف فيه وال داعي لخلط األمور .
قال أبو مريم :بينت سابقا ما نختلف فيه حتى لو علم الواقع و تصوره و أن ما نختلف فيه ال بد فيه من دليل يقطع النزاع و ال
دليل إلى اآلن إال الكالم المجرد و تنزيل صورة على أصل مجمع عليه بيننا لكن المطلوب هو دليل على أن هذه الصورة تنزل على هذا
األصل ال مجرد القول أن هذه الصورة تنزل على هذا األصل فالكالم المجرد نستطيع أن نقول أنها ال تنزل على هذا األصل و نحن ال
نرضى ألنفسنا بمجرد هذا الكالم الزم لكم كذلك عليكم أن تذكروا لنا دليل قاطع أن صورة السلسلة تنزل على أصل من لم يكفر الكفار
فنحن نخالفكم في صور و نتفق معكم في صور فمن الصور التي نتفق عليها صورة من لم يكفر من يعبد غير هللا و هو يعلم أنه يعبد
غير هللا و صورة كثيرة أخرى و هناك صور نتفق عليها كتكفير في صور مختلف في أنها كفر أنه ال يكفر المخالف فيها لكن نخالفكم
في مسائل تجعلون جهلها يناقض أصل دين اإلسالم و التكفير بالزم الالزم و كمسألة السلسلة فعليكم أن تذكروا لنا دليل قاطع يقطع
النزاع بيننا و بينكم من الكتاب و السنة ال مجرد ذكر اجتهادكم فاجتهادكم ال يلزمنا و ال اجتهادنا يلزمكم .
وهم ال يدَّعون هذا عن عالم واحد بعينه فقط بل عن جميع البشر .والجل الساحق من الصحابة أناس كانوا ال يقرؤون وال يكتبون وال
يحسبون .من منهم تصور من لم يكفر من لم يكفر من لم يكفر ...؟ من منهم تصور سلسلة إلى األبد؟ ال شك أن الصحابي لو سأله أحد
أصحاب السلسلة عن ذلك ,لرد بجواب مقنع جدا .وهو أن يأخذ الخشبة ويضربه على رأسه ضربا مؤلما يثلج صدور المؤمنين .هذا دين
هللا أيها الكذابون ,وهذا دين سلفنا.
الصحابة لم يتصوروا الكثير من أشكال الكفر التي لم تظهر في عصرهم ،ومع ذلك يؤمنون بكفر أهله متى تصوروا حقيقة ما هم
عليه ،وأنتم تخالفون الصحابة ألنكم ال تؤمنون بكفر من تصورتم وجوده.
ولم يتصور الصحابة قاعدة من لم يكفّر الكافر فهو كافر ولم ترد على بالهم ،لكنها متقررة في أذهانهم بحكم البداهة ،وال يصح القول
أنهم ما داموا لم يتصوروا وقوعها فإنهم يؤمنون بإسالم من لم يكفّر الكافر ،هذا عن الحلقة األولى فما بالك بتصور وقوع ما بعدها؟
ثم إذا كان الصحابة لم يتصوروا وجود زيد الذي لم يكفّر الكافر األول فلماذا كفّرتموه ؟ .
قال أبو مريم :إذا كانت القاعدة متقررة في أذهانهم حتى لو لم يذكروا صورهم فال بد أن يعبروا عما في أذهانهم بكالم يدل على
أنه لم يصح إسالمهم إال بإيمانهم بما تقرر في أذهانهم بداهة حتى يعرف الناس أنهم لم يؤمنوا إال بما تقرر في أذهانهم فتصور الحقيقة
شيء و تصور صور أنواعها شيء و نحن اليوم نختلف في مسألة السلسلة فلعل الصورة لم تطرق في أذهان الصحابة لكن ال بد أن
يكون هذه الحقيقة متقررة في أذهانهم فأين النقل عن الصحابة الذي يدل على أن هذا متقرر في أذهانهم حتى يلزم فيه المخالف إذا
خالفنا في هذه المسألة .
نحن ال نختلف بأن الصحابة يفهمون أن كل من ال يصح إسالمه ال يكون مسلما عندهم من جهة اإلجمال لكن خالفنا كما ذكرت
أكثر من مرة في أنه ال يصح اإلسالم إال باإليمان بالسلسلة و األمر اآلخر في حكم من جهل ناقض من نواقض اإلسالم و ظنه ليس
بناقض إال بعد قيام الحجة مع اعتقادنا ناقضا و قد بينت أن الخطأ في هذه المسألة من جنس الخطأ في غيرها من المسائل إذا صح
األصل .
فالشرع هو تعبير عن حقائق دين اإلسالم إما بكليات من غير أسباب لذكرها أو كليات تكون ألسباب فإذا كانت كلية السلسلة متقرر
في ذهن النبي صلى هللا عليه و سلم و الصحابة رضوان هللا عليهم ال بد أن يكون هذا موجود في الكتاب و السنة و أقوال الصحابة .
قوله "فمن يقول أن الثالث يُعذر بعدم تصور الحال مع علمه به ,فنسأله هل يُعذر أيضا من جهل حال الثاني لكن تصوره؟"
هنا أخطأ الجاهل من كثرة التفكر في هذه البدع ,فأصحح له خطأه قبل أن أرد على ضالله:
فإنه تكلم مرتين عن الثالث ,ألن الثالث والذي لم يتصور حال الثاني شخص واحد .فإنه قصد "فمن يقول إن الثالث يعذر بعدم تصور
الحال مع علمه به ,فهل يعذر أيضا الثاني بعدم تصور حال األول مع علمه به" ال بد أن يكون هكذا ,ألن المبتدع قال شيئا وكرره تماما
وهو لم يشعر ,وهللا أعلم بحقيقة ما يجري في رأسه والعياذ باهلل من شر ما فيه ...إن لم أغفل عن حقيقة كالمه مع قراءتي له إدراكه التام.
ب يكذب نفسه وتكبره وتعظيم عقله .أما أنا فال أنزه نفسي عن مثل هذا لكنه يكذب علينا أنه بعبقريته يفقه السلسلة إلى األبد .يا له من كذ ٍ
الخطأ ,بل أجزم أن مثل ذلك ال بد أن يقع لنا جميعا .لكنه هو يلزم جميع الناس بعدم التناقض وتصور كل حال كان من كان وحدث ما
حدث ,بينما يجب علي أن أصحح لفظ بدعه أوال حتى يمكن أن أرد عليه!
والجواب على ما قصده مر في الكتاب .من جعل المشرك العابد للصنم مسلما على دين اإلسالم فإنه إما جاهل بالشهادة ,وإما فهم
الشهادة ولم يعمل بها عنادا .وال بد أنه في الحالة األولى تصور حاله تماما ألنه يَنظر إلى من يمارس الشرك مباشرة ويعبد أمامه غير هللا
عبادة ظاهرة أي هذا الرجل أقر بأن اآلخر فعل الشرك وال ينكر ذلك أصال.
ال يكفر بعدم تكفير الكافر حتى يعلم بحقيقة ما هو عليه ،وهو العلم بالواقع وتصوره ،ومن علم بالواقع وخالف في الحكم عندها يكفر،
تصور حال الثاني ولم يكفّره؟ وإن قلت :ال أتوقف فيه إذا كان حاله هكذا ،فقد عدت
ّ لكن إذا كنت تؤمن بهذا فلماذا تتوقف في الثالث إذا
إلى التكفير بالتسلسل.
قال أبو مريم :مر الكالم في الخطأ في أنواع الكفر و أنها ليست نوع واحد هذا من جهة الشرع و من جهة العقل أي إمكانية
تصورها بالعقل و الخطأ الثاني هو جعل اللوزام كلها صورة واحدة فالزم الالزم من جهة الوضوح شرعا حكمه حكم حقيقة الفعل .
َّع أي شيء من عقولنا دون إثباته من الكتاب والسنة ,كماوقد علمنا هذا بعقولنا وبجميع الواقع وثانيا بالدليل من الكتاب والسنة .فلم ند ِ
يفعلون هم .بل لزمنا إثبات ما يصح في عقولنا ,فأثبتناه بعدة أدلة يعرفها كل من بيّن التوحيد من علماء اإلسالم .ولزممهم كذلك إثبات ما
توصلوا إليه بعقولهم فما وجدوا دليال واحدا وكذبوا وافتروا وأصروا على ضاللهم وخالفوا جميع العلماء ووافقوا المبتدعة من المعتزلة
وغيرهم.
وآخر هذيانه الذي نقل سابقا هو" :فنحن جازمون بأن التكفير بالتسلسل يصح ...فمن لم يكفر األول فهو كافر ,ومن لم يكفر الثاني
فهو كافر ,ومن لم يكفر الثالث فهو كافر أيضا ,وكذلك الرابع والخامس والسادس إلخ ,بشرط علمهم بحال من سبقهم في السلسلة وهذا ال
يشك فيه من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر ".فهداهم هللا آمين.
خاتمة
بسبب الجهل المنتشر اليوم بحقائق هذا الدين يمكن أن يلتبس األمر على بعض من حسن قصده في بداية األمر .ثم ال بد أن يتبين له
شيئا فشيئا بطالن مثل هذه الفلسفة الخبيثة وأن يجزم باستحالة مثل هذا األمر في دين هللا واستحالة أنه أصله الذي ينبني عليه .أما من
يصر على هذ ه الفلسفة فالعياذ باهلل من أهل البدعة ,فهؤالء كل ما تزداد السلسلة طوال يزدادون غباء .فكيف يجعلون سلسلة ال نهاية لها,
وأنه يجب اإليمان بالسلسلة إلى األبد ,وأن هذا أصل الدين ومن لم يؤمن به فإنه مشرك عابد لغير هللا لم يحقق التوحيد ولم يكفر
بالطاغوت؟ فسبحان من جعل غباءهم بحسب طول السلسلة ,ال نهاية له ,اللهم جنبني الفالسفة األغبياء من خلقك واجعل بيني وبينهم حصنا
من حديد.
وقوع السلسلة متوقف على ضالل من يترك تكفير الكافر سواء كان األول أو الثاني أو األلف ال على من يكفّره ،وإن كان هناك من
ضالل يجب أن يُنكَر فهو ضالل من يقول أن هذا كافر ومن لم يكفّره فهو مسلم ،فهذا هو الذي صنع السلسلة ،ومثل هذا هو الذي يستحيل
أن يكون من دين هللا ،أن أعتقد أن هذا كفر باهلل ومن اعتبر أهله مسلمين فهو أخي في هللا.
قال أبو مريم :من جهة األصل ال شك أنه ال يصح اإلسالم إال باعتقاد أنه من لم يحقق اإلسالم ال يكون مسلما لكن تكلمنا أن الخطأ
يقع في أنواع الكفر ال في أصله فقد يعتقد المسلم أنه هذا ليس بكفر فيلزم منه عدم تكفير فاعله فال يكفر المسلم إذا كان خطأه يعذر فيه
فكالمنا ليس عن األصل إنما عن صور جهلها المسلم فلزم منه عدم تكفير الكافر ال أنه لزم منها الجهل باألصل فيكون النزاع في إثبات
أن هذا الجهل يناقض حقيقة اإلسالم و المطالب هنا ليس الكليات المتفق عليها إنما نصوص تدل على هذا النوع .
لكن نظرا إلى جهل هذا الزمان وفساد الناس فيه ال يتعجب من وجود القائلين بالسلسلة .فإن وجد في زمن الصحابة من جعل
الخلوص من الكبائر شرطا لصحة اإلسالم فزماننا أولى .وإن وجد في التاريخ من لعب بفلسفة السلسلة فزماننا أولى .ولعل في ظهور مثل
هذه البدع ما يدل على خير حاصل في هذا الزمان ألنه لو ال انتشار الحق والدعوة إلى التوحيد لما وجد مثل ذلك أصال ,وهللا أعلم.
لكننا نرى أنا سا تقدموا نحو اإلسالم ولم يستطيعوا تقبّل كل حقائقه رغم بساطتها ،وكان الواقع المنحرف والمتمسح باإلسالم سدا منيعا
بينهم وبينها .
قال أبو مريم :ال شك أن الواقع له تأثير في قبول الناس اإلسالم بل له تأثير في قيام الحجة عليهم لكن إذا كان هذا الجهل
بالحقائق التي ال يصح اإلسالم إال بها ال يكون من جهل هذه الحقائق مسلما إال بمعرفته بهذه الحقائق و العمل بها أما إن كان الجهل
بحقائق ال تنافي اإلسالم يكون المرء مسلما إذا كان المسلم مثله يجهل هذه الحقائق .
نسأل هللا أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ,وأن يرينا الباطل باطال ويرزقنا اجتنابه .وأن يجنبنا مفاسد علم الكالم وأن يجعلنا من
المتمسكين بكتابه وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم .آمين .وصلى هللا على نبينا محمد وآله وصحبه ومن واله والحمد هلل رب العالمين.
قال أبو مريم :نسأل هللا أن ينفع بهذا التعليق و أن يجعلها في ميزان حسناتنا و آخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين .