Professional Documents
Culture Documents
خلفية المسألة
خلفية المسألة
الحمد الله رب العالمين الذي قد أنزل القرأن إلى أمه والذي قد الهدى ،والصالة والسالم على
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،وهو الذي ارسله الحق وهو الدين األكمل من الديانة األخرى امل
بعد.
هذه المقالة في الموضوع "أداب اللغة العربية في لعصر الجاهلي" تقدم إلى أستذانا الفضل
"ألستاد محمد اسعد رضي صنهاجي "إلعدام تعلمنا في الدرس "تاريخ اداب اللغة".
وأقول شكر جزيال على من كان قد ساعدنا في كتابة هذه المقالة .وان هذه المقالة لم تصل
إلى كما لها فلذلك يفتح المؤلف أبواب االنتقادات األجل كمالها.
واألخير نرجوا ينجع كل من يريد تعليم اللغة عربية تمام النجاح خاصة لمن يتعلم في هذه
الدراسية.
المؤلفون
ii
فهرس
iii
الباب األول
أ .خلفية البحث
األدب هو جزء من الوجود الثقافي الذي ينعكس عمليا في األعمال األدبية .إن جميع الثقافات
والحضارات في العالم تشهد فترة من التغير العميق ،بما في ذلك ثقافة وحضارة األمة العربية بكل
مجموعها .لقد كان الكتاب العرب يصبغون العديد من الحضارات اإلنسانية بمهاراتهم المميزة وبراعتهم
في األدب .تتناول الحضارة مهاراتهم المميزة وبراعتهم في األدب .وترتبط الحضارة بالمصطلح الجماعي
إلظهار حالة المجتمع المتحضر .ومن بين سمات المجتمع المتحضر القدرة على إنتاج الثقافة وجعلها
تحدث في ظل وجود ثقافي يجب الحفاظ عليه .في مجرى تاريخه ،يستطيع المجتمع العربي إنتاج
ثقافة حتى يتمكن من تحقيق مستوى عال من الحضارة ،وهو ما ينعكس ،في أمور أخرى ،على منتجاته
الثقافية التي هي أعمال أدبية ملموسة في شكل شعر ونثر ودراما.
يمكن أن يقال إن األدب العربي هو األكثر شيوعاً بين اللغات السماوية ،ألن األدب العربي
يتكون من خلط مختلف األدب من مختلف الناس في الحضارات اإلسالمية التي تتراكم في بلدان مثل
العرب ،الفارسية والتركية والعراق ومصر والرومانية وغيرها .األدب العربي له عالقة وثيقة جداً مع التاريخ
السياسي واالجتماعي لشعب معين ،بحيث يكون لكل منهما تأثير كبير جداً على تطوير األدب .كل
شكل سياسي وصحوة اجتماعية تحدث في مجتمع ما سوف يتم تسجيلها في عقل يكشفه الشاعر
وكتابات العلماء 'بسبب حساسيتهم لألحداث هناك ثم انتشرت إلى جميع الناس الذين شكلوا الشعر
والكتابات والكتب وغيرها .لذلك منذ أيام ما قبل اإلسالم في الجزيرة العربية في فترة الجاهلية كانت
4
بداية تطور األدب العربي في منتصف القرن الخامس.
األدب الجاهلي تقريبا ال يهرب من المحادثة .استناداً إلى دراسة مقارنة بين األدب العربي في
العصر الجاهلي والفترات التي تلت ظهور اإلسالم سيتم استخالص استنتاجات بشأن دور اإلسالم الذي
هو كبير جداً في تغيير األمة العربية .وسوف نشهد كيف يمكن لإلسالم أن ينقذ أمة كانت تشارك منذ
فترة طويلة في الوثنية ومثل هذا االنحطاط األخالقي الشديد إلى حياة مليئة بالتعليم والفجور.
1جرجي زيدان ،تاريخ األدب الغة العربية( ،كايرو :دار المعرفة92 ،)4291،
1
ب .القضايا في البحث
.4كيف حاله أداب اللغة قبل اإلسلم؟
.9كيف طبيعة الشعر الجاهلى؟
.2كيف مصادر معرفة الشعر الجاهلى؟
ج .أهداف البحث
.4لتحديد حاله أداب اللغة قبل اإلسلم.
.9لتحديد طبيعة الشعر الجاهلى.
.2لتحديد مصادر معرفة الشعر الجاهلى.
2
ألباب الثاني
أ .آداب اللغة قبل اإلسالم
.1العصر القديم أو الجاهلية األولى
( )1من قبل التاريخ إلى القرن الخامس للميالد
لم يتصد أحد للبحث في آداب اللغة العربية قبل زمن التاريح ؛ لقلة المواد المساعدة
على ذلك ،والعتقادهم أن العرب حتى في الجهلية الثانية قبل اإلسالم كانوا غارقين في
الفوضى والجهالة ال عمل لهم إال الغزو والنهب والحرب في بادية الحجاز والشام وفي نجد
وغيرها من بالد العرب ،على أننا إذا نظرنا إلى لغتهم كما كانت في عصر الجاهلية ،نستدل
على أن هذه األمة كانت من أعرق األمم في المدينة؛ ألنها من أرقى لغات العالم في
أساليبها ومعانيها وتراكيبها ...واللغة مرآة عقول أصحابها ومستودع آدابهم ...فاالمتكلمون
باللغة الفصحى كما جاءتنا في القرآن والشعر الجاهلي وألمثال ،ال يمكن أن يكون
أصحابها دخلوا المدينة أو العلم من قرن إلى قرنين فقط...؛ إذ ال يتأتى للغة من لغات
المتوحشين أن تبلغ مبلغ لغات المتمدنين إال بتوالي األدهار ،فكيف باللغة العربية الدالة
9
على سمو مدارك أصحابها وسعة تصورهم ودقة نظرهم كاما سنبينه في أماكنه.
على أن االكتشافات األثرية أيدت هذا الرأي بما أظهرته من بقايا تمدن اليمن قبل
اإلسالم ببضعة عشر قرنًا ،ولم يظهر من تلك األطالل إلى الطفيف؛ ألن ما عثروا عليه من
فضال عماظهر من فضل العرب األحافير ال يذكر في جانب ما بقي مدفونًا في الرمالً ،
وأعراقهم في المدينة والعلم ،مما قرأوه من آثار بابل وآشور ،فإذا صح أن دولة حمورابي
التي تولت بابل وسائر العراق في القرن العشرين قبل المالد عربية كما بينا ذلك في كتابنا
(العرب قبل اإلسالم) ،كان العرب من أسبق األمم إلى المدينة ،فإنهم أقدم من وصلتنا
شرائعهم وقوانينهم ،هذه شريعة حمورابي التي عثروا عليها في بالد السوس منقوشة بالحرف
المسماري على مسلة من الحجز األسود الطلب –سنها حمورابي في القرن الثامن عشر
قبل الميالد ،أي قبل شريعة موسى بثالثة أو أربعة قرون ...وهي مؤلفة من 984مادة
تبحث في طبقات األمة وحقوق المرأة وواجباتها والزواج والتبني واإلرث وغيره.
ُ 9جرجي .يدان ،تاريخ آداب اللغة العربية:( ،كير ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثاقفة المشهرة21 ،)9149 ،
3
والحمورابيون أو عمالقة العراق أقدم من أنشأ المدارس لتعليم الصغار على نحو ما هو
جار اآلن ،وقد كشفوا في آثار زيبارا أنقاض مدرسة لتعليم األطفال ،وهذه أول مرة سمعنا
بمدرسة مثل هذه في التمدن القديم أي منذ أربعة اآلف سنة ،وكان فيها (رقم) أو أحجار
منقوشة عليها دروس لألطفال واألحداث في الحسب والهجاء وجداول الضرب
والمعجمات ونحوها ،واكتشفوا كثيرا من الكتب والرسائل المنقوشة على األحجار أو الرقم
وأكثرىها لحمورابي وفيها ،الصكوك والعقود والمسائل الرياضية وألرصاد الفلكية والنصوص
ال تاريخية وألدعية الدينية ،ومن أكبر أدلة الرقي في ذلك العهد أن المرأة كانت متمتعة
بحريتها واستقاللها مثل أرقيى نساء هذا التمدن وكن يمارسن المهن القلمية ،وإنتظم جماعة
2
منهن في خدمة الدواوين والمصالح األميرية.
فإذا صح أن هذه الدولة عربية ،كان العرب أسبق أمم األرض إلى سن الشرائع وتنشيظ
العلم ،وأنهم بلغوا في نظام االتماع ما لم يبلغ إليه معاصروهم ،وأدركوا من الرقي االجتماعي
ما ال يزال بعض األمم المتمدنة في هذا العصر بعيدين عنه.
ونحن في غنى عن التنبيه إلى أن قولنا :إن الدولة الحمورابية عربية ليس مثل قولنا:
(دولة اإلسالم عربية) ،وإذا صحت عربية تلك ،فال يستلزم أن تكون لغتها مثل لغة القرآن
وال أن عاداتها ودياناتها مثل ما لعرب قريش ...فإن بني الدولتني نحو 91قرنًا ،واألمم
تتغير عاداتها ولغاتها بتغري األقاليم وتوالي العصور.
وال يقتصر فضل الحمورابيني أو عمالقة العراق على ما شادوه فيما بني النهرين وما
خلفوه هناك من آثار مدنيتهم وعلمهم؛ فقد نشروا آدابهم وديانتهم وشريعتهم في جزيرة
العرب وخصوصا في البقاع العامرة منها ومن جملتها اليمن ومدين والحجاز
ويوجد تشابه بني شريعة موسى وشريعة حمورابي كما بينا ذلك في الهالل العدد
الخامس سنة 42؛ إذ أتينا بنصوص متقابلة متشابهة في الشريعتني ،وحمورابي قبل موسى
بثمانمائة سنة.
( )2سفر أيوب
3
Ibid, hlm. 33
4
ومما يعد من قبيل آداب العرب في ذلك العصر سفر أيوب ،والمرجح عند أهل
شعرا عربيًا في
التحقيق أن صاحب هذا السفر في التوراة عربي األصل ،نظم ذلك الكتاب ً
نحو القرن العشرين قبل الميالد على أثر نزوح الحمورابيني من بين النهرين ،ثم ترجم إلى
العبرانية وعد من األسفار المقدسة ،وضاع أصله العربي كما ضاع أصل كليلة ودمنة الفارسي،
فإذا ثبتت عربية سفر أيوب كان العرب أسبق األمم إلى قرض الشعر؛ ألنه نظم قبل إلياذة
هومريوس بألف سنة وقبل مهابهاراتة الهند بعدة قرون.4
.2الجاهلية الثانية أو العصر الجاهلي قبيل اإلسالم
( )1من القرن الخامس للميالد إال ظهور إلسالم
إن الحكم على ما تقدم من أحوال الجاهلية األولى مبني على الحدس والتخمين
الستتغراقة في القدم وضياع أخبار تلك الجزيرة بمرور األيام ،ولعلهم إذ نشطوا للحفر
والتنقيب كشفوا الستار عن هذه الظنون.
5
حجز عليه كتابة عربية بالخظ البطي نقشت أوائل القرن الرابع للميالد أي قبل اإلسالم
بثالثة قرون ،وهذه صورتها :
شكل :4كتابة عربية بخط نبطي امرئ القيس بن عمرو سنة 298م.
وكان أهل الشام وحوران وما يليهما يؤرخون في ذلك العهد بالتقويم البصروي؛
نسبةً إلى بصري عاصمة حوران ،وهو يبدأ بدخولها في حوزة الروم سنة 411
5
Ibid, hlm. 33
3
Ibid, hlm. 33
1
للميالد ،فإذا أضيفت إلى 992كان المجموع 298للميالد وهي السنة التي
توفي فيها هذا الملك.
أنظر إلى الفرق بين األصل وتفسيرة ،والمدة بين هذين العصرين ثالثة قرون ،فكيف تكون
وبينهما بضعة وعشرون قرنا؟ والتغير طبيعي في كل لغة؛ عمال بنامس النشوء ...إعتبر ذلك في
الفرق بين اللغة الالتينية األصلية وما تخلف عنها من اإليطالية واإلسبانية وبين اللغة اإلنجليزية
القديمة والحديثة وغير ذلك.
فآداب العرب في جاهليتهم الثانية يراد بها آدابهم قبيل اإلسالم وهم أهل بادية ال يقرأون وال
يكتبون ...وإنما جمعت هذه اآلداب بعد اإلسالم باألخذ عن األفواه كما سيأتي:
وأن الفتى بعد السفاهة يحلم رأيت سفاه الشيخ ال حلم بعده
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن ال يتق الشتم يشتم
وإن خالها تخفى على الناس ومهما تكن عند أمرئ من خليقة
تعلم
7
ال يقل شيئًا عن أحكام أكابر الفالسفة ...وإنك تجد كثيرا من أمثال ذلك في
أشعارهم ،كأن الشعر وصلهم ناضجا بعد أن عولج قرونًا متطاولة ذهبت أخبارها ...فهم لذلك
يشكون من أن أسالفهم لم يتركوا لهم معنًى لم يطرقوه كقول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم وقول زهير:9
أو معادًا من قولنا مكرورًا ماأرنا نقول إالمعارًا
( )4إرتقاهم في السياسة والعمران
على أنك إذا نظرت في لغتهم تبين لك أن أصحابها من أرقى األمم سياسيًا واجتماعيا
بدوا رحالت ...واللغة دليل أخلق األمة ومرآة آدابها وسئر أحوالها ...ومن
وإن عرفناهم ً
المقرر الثابت أن اللغة ال تتولد فيها كلمة إال للتعبير عن معنى حدث في أذهان أصحابها
اسما لنوعا من اللباس ،نحكم حكما قاطعا بأن أصحابها ...فإذا وجدنا لغة من الغات ً
نوعا من األطعمة عرفنا أنهم أكلوه ،وبعكس ذلك خلوها من أسماء بعض
عرفوه أو لبسوه ،أو ً
األدوات ،فإنه يدلنا على جهلهم إياها.
وقس على ذلك األلفاظ المعنوية التي تدل على المعاني المجردة كاالعواطف
والفضائل ،فإن وجودها في اللغة يدل على أن أصحابها عرفوا تلك العواطف والفضائل
وعانوها ...ولذلك كانت لغات األمم المتوحشة خالية من هذه األمثالها.
واللغة العربية من أغنى لغات األرض باأللفاظ العمرانية والسياسة ...إن فيها عسرات
من األلفاظ لضروب الجماعت من الناس على إختالف أعراض إجتماعهم :كاشعب،
والجماعة ،واللجنة ،والزرافة ،والسرب ،والكوكبة ،والقوم ،والنفر ،والشرذمة ،والعصابة ،ومثلها
ألمكن االجتماع :كالمحفل ،والنادي ،والندوة ،والمأتم ،والمجلس ،والموسم ،والمدرس،
والمصطبة وعشرات من األسماء واأللقاب كالملقاط ،والييراع ،واألنبوبة ،وألسل ،والجلفة
للقلم ،والقرطاس ،والطرس ،والمهرق ،والرق ،والطلس ،والمجلة ،والصحيفة ...ولكن منها
معنى خاص.
3
Ibid, hlm. 33
8
ومن أنواع الكتب :القمطر :كتاب األعمال ،المدرس :الصك ،الزبور ،الرقيم،
والسفر :الكتاب الكبير ،والضبار :الكتب بال واحد ،الرهنامج :كتاب الطريق وهو الكتاب
الذي يسلك به الربابنة البحر ويهتدون به في معرفة المراسي وغيرها ،الوصيرة :الصك
للسجالت ،وقس على ذلك.
وقد عالجواألفاظ لغتهم معالجة االستثمار فأكثروا فيها من المترادفات التي يدل
عشرات أو مأت منها على معنى واحد أو معان متشبهة ،وتوسعوا في مدلول الفظ الواحد
حتى تعددت معانية ...فعندهم اللفظ العين بضعة وعشرون معنى ،ومثلها أو أكثر منها
للفظ العجوز ،وعشرات من المعاني أللفاظ الخال والخمر والدين والركن والغرب والحر
وغيرها ،وأقل من ذلك لكثير من األلفاظ مما ال مثيل له في أرقى لغات البشر ،وهو يدل
على تصرف أصحاب هذه اللغة بالمعاني والمبني؛ لخصب عقولهم وسعة مداركهم.
9
األطعمة والرياش واألثاث واللباس مما ال يكاد يحصر ،وتجد منه أمثلة كثرية في املخصص
وفقه اللغة ولطائف اللغة وغريها.
( )3تعقلهم وآراؤهم
ولك في أمثالهم والكنايات في عباراتهم وما نشأ عندهم من الفنون العقلية التي تحتاج
إلى تفكري كاألحاجي واأللغاز وفتيا العرب أدلة أخرى على ارتقاء أذهانهم وسمو مداركهم
واعتبر ذلك أيضا في مذاهبهم في الوجود؛ فإنها تدل على تفكريهم ،وقد كان فيهم من
ذلك العهد البعيد من يقول بمذهب الالأدرية ،فكان جندب بن عمرو يقول« :إن للخلق
خالق ال أعلم ما هو» ،وهو قول جماعة من فالسفة اليونان ،وإليه يذهب كثري من املفكرين
ً
8
في هذا العصر.
وال يبعد أن العرب اقتبسوا ذلك وأمثاله من مخالطة بعض العلماء الوافدين عليهم أو
في أثناء وفودهم على الشام أو العراق وفيهما العلماء والفالسفة ،ومن هذا القبيل قول
األعشى — وكان نصرانيًا:
استأثر الله بالوفاء وبال عدل وولى المالمة الرجال
وهو مذهب فلسفي يراد به رفع التبعة عن اإلنسان ،واملظنون أن األعشى أخذ ذلك
من بعض العبادين بالحيرة.
وترى أقوالهم امألثورة ال تخلو من كناية وخيال شعري وصدق نظر في األمور ،كاألقوال
املنسوبة إلى أكثم بن صيفي وغريه من حكمائهم ،ويؤيد ذلك أن املسلمني مال تمدنوا
وأنشأوا العلوم جعلوا أساس علومهم اللسانية واألدبية واالجتماعية آداب العرب الجاهلية،
وما زالوا في كثري منها مقصرين عن إدراك الشأو الذي بلغ إليه أولئك البدو عشراء الجمال
وسكنة الصخور والرمال ،فالشعراء والخطباء والكتاب وأهل األدب في اإلسالم عمدتهم
في إتقان صناعتهم الرجوع إلى ما كان منها قبل اإلسالم ،واآلداب الجاهلية أساس اآلداب
اإلسالمية في إبان التمدن اإلسالمي ،كما كانت اآلداب اليونانية والرومانية أساس اآلداب
العصرية في التمدن الحديث.
8
Ibid,hlm. 33
11
.وكان للعرب في جاهليتهم ألقاب يلقبون بها النابغني منهم ،كما كان لسائر األمم
المتمدنة قديما وحديثًا...فإذا نبغ أحدهم في الشعر سموه «الشاعر» ونسبوه إلى قبيلتهً،
وحديث فقالوا« :شاعر تميم» أو عامر أو نحو ذلك ،فيكون هذا اللقبً املتمدنة قديما
ممي زا له عن سواه وكذلك الخطيب ،وإذا امتاز أحدهم بالحكمة والفصل في الخصومة
سموه «الحكم» مثل عامر بن الظرب ونحوه ،وكان لهم لقب ال يعطى إال ملن أحرز كل
اآلداب والفضائل ،وهو لفظً «الكامل» فكانوا يلقبون به الرجل إذا كان شاعرً ا شجاعا
كاتبًا سابحا راميًا وهو يشبه لقب «عالمة» اليوم ولقب «فيلسوف» عند اليونان القدماء
وقد لقبوا به أرسطو ،ولعل العرب اقتبسوه منهم.
فبناء على ذلك ال ينبغي لنا أن نستخف بآداب العرب قبل اإلسالم ونحسبها قاصرة
على الشعر والخطابة واللغة بل هي أكثر من ذلك ،ولكن أكثرها ضاع؛ ألنها لم تدون،
فذهبت بذهاب الحفاظ بالحروب واشتغال الناس بإلسالم ...فنستدل بما بقي على ما
كان.
ب .طبيعة الشعر الجاهلى
أقدم ما نعرف من الشعر المستند إلى مصادر صحيحة نسبيا ال يمتد إلى ما قبل المئة
السابقة على مولد النبى صلى الله عليه وسلم .وإذا نحن صرفنا النظر عن باب الهجاء من ذلك
الشعر وجدنا الروابط التى تربط بين الشعر والتصورات السحرية والدينية عند العرب ,كما هو الحال
عند غيرهم من الشعوب البدائية األخرى ,قد انحلب تماما فى الشعر العربى .فإن البدو ,الذين هم
أهم من حملوا لواء فن الشعر ,قد أقصوا إلى القرار العميق من وعيهم كل ما كان يمكن أن يفل
عزيمتهم فى الكفاح المرير لضمها مقومات الحياة فى الصحا رى والقفار .فهم مارسوا أيضا فن
وصف الحيوان والطبيعة ,الذى كان عند أسالفهم وسيلة إلى سحر المطر والصيد ,ولكنهم قصدوا
هذا الفن لذاته فحسب ,وال عجب فى ذلك ,فإن محض السرور بكلمة صائبة تأخذ قالبها
المناسب أمر يمكن مالحظته أيضا عند الشعوب البدائية .وإذا كانوا يخشون أن يضيع هذا الفن
الوصفى ويتالشى فى تعداد جامد ألعضاء الحيوان وأما كن الحل والترحال ,فقد أرادوا إشاعة
11
نسمة الحياة فيه بإدخال التشبيهات الجرئية ,التى دعاهم حرصهم فيها على الصدق واألصالة إلى
2
عدم المباالة بذكر ما تستبشعه النفس ويمجه الذوق.
ولم يكن حيوان الوحش هو الذى برز إلى المرتبة األولى من إهتمام الشاعر ,وإنما هو
حيوان ركوبه ومرعاه ,وهو الجمل .ويجب أن نضع نصب أعيننا أهمية اإلبل للعربى من حيث هى
أول مصدر وأهمه لضرورات حياته ,ومن حيث هى الرفيق الذى ال يعرف الملل فى رحالته التى
ال نهاية لها فى القفار والبرارى .ولن يأخذنا العجب بعد ذلك إذا علمنا أن البعير كان يلهب رغبة
العربى فى الصياغة والتصوير الفى ,كما ألهب البقر شعراء الهند فى عصر ((القيداء)) ,حتى أمكن
أن يقال إن شعرهم هو شعر ((الرجفيدا)) بعد استيحائه روح الثور.
على أن األربى من حيث هو شاعر ليس موضوعيا تماما ليجد كفايته فى فن كالمى واقعى
محضى ,وإنما يضع فنه قبل كل شيء فى خدمة فخره بنفسه ,واعتزازه بمجد قبيلته .وهكذا نشأ
من الهجاء شعر الفخر الذى هو ضده ,والذى أمكن أن يكتسب فى بعض األحيان أهمية سياسية,
كما فى معلقتى :تاحارث ابن حلزة وعمر و بن كلثوم ,وقد دافع األول عن قبيلته ما وجه إليها
األعداء من تهم ,عند عمر و بن هند ملك الحيرة (168/2-111م) ,على حين عارضه الثانى
مواجهاً الملك نفسه فى إباء وعناد ,ومحذراً له ولقبولة بكر بن واثل من العدوان على قبيلته تغلب,
41
مع إشادته بقوة هذه القبيلة و عظمتها.
وكثيرا ما كان الشاعر يتجه بفنه أيضا إلى مدح بطل أو أمير من قبيلته ,ولكنه لم يكن
يفكر قديما فى الجائزة الرنانة ,التى نزلت بمكانة شعراء المديح المحترفين فى بعض األحيان-
منذ عهد النبى }صلى الله عليه وسلم{ -إلى درك المتسولين بالغناء.
وكان الشاعر العربى -إلى عصر متأخر -يصنع مجده ,ويجذب اإلنتظار إليه بالمالحظة
الصائبة أو التشبيه القوى .وكذلك لم تزل مدارس النقد الفنى المتأخرة تربط أحكامها بالبنت
الواحد ,البنظام القصيدة العام.
9
عبد الحليم النجار,تاريخ األدب العربى جوز األول( ,كورنيش النيل :دار المعارف ,) 1119 ,ص.51 .
11
Ibid, hlm. 57
12
ألنه اشتمل على أربعة تشبيهات ,انظر الصناعتين ص ,482بل يفتخر ابن حزم فى طوق
الحمامة ص 41بأنه استطاع أن يجمع خمسة تشبيهات فى بيت وأربعة تشبيهات فى بيت آخر
وكالهما فى قصيدة واحدة .ومن هنا ينذر فى الشعر القديم وقوع التضمين أى تعليق القافية أو
لفظة مما قبلها بما بعدها كبيتى النابغة الذبيانى:
وهم أصحاب يوم عكاظ إنى وهم وردوا الجفار على تميم
وثقن لهم بحسن الظن منى شهدت لهم مواطن صالحات
وكبيتى جرير فى النقائض طبع بيقان رقم 41-41ص .619وعاب عبد القادر
البغدادى فى الخزانت 292 :4بيتى امرئ القيس فى المعلقة ,رقم :11-12
ولم يكتفى الشاعر ,من أجل التأثير على مستميعه ,بالتوسيع فى استخدام الثروة اللغوية,
التى يكثر أن تكون من الغريب ,أو اإلبعاد فى التشبيهات بانتقاء الصور التى التتبادر إلى
األذهان ,بل كان اليستهين أيضاً باستعمال المؤثرات السطحية المعتمدة على الرنين والموسيقى
اللفظية ,إلى جانب ما يلتزمه من وحدة القافية .ويكثر شاعر جاهلى فى قصيدة له على قافية
السين المكسورة من الكلمات المبدوءة بحرف أصلية ,ويترقى بذلك فى البيت الثانى عشر من
هذه القصيدة ,كأنما يقصد إلى بناء القافية على أوائل الكلمات فضال عن أواخرها .ويوجد مثل
44
ذلك أيضاً عند امرئ القيس ,واألعشى.
على أن الفن الكالمى ال يكتسب قيمته الكاملة إال إذا ظهر فى وحدة أطول وأكبر,
وهى وحدة القصيدة.
وأجدر المحاوالت بالتفضيل واإليثار من بين ما ذكره اللغويون فى تفسير اشتقاق هذه
الكلمة هو ما اختاره ال ندبرج Lanabergمن أن معناها(( :شعر الغرض والقصد)) ,وإن
غال فيها زعم تعليال لذلك ,من أن (( كل مساومة واتجار بالشعر القديم والحديث ,وكل جشع
ال يعرف الشبع فى الفطرة العربية ,وجد التعبير عنه فى لفظ :قصيدة)) .فمما ال ريب فيه أن
11
Ibid, hlm. 53
13
الغرض والقصد لم يكن فى الزمن القديم أصالً ,ولم يكن فى الزمن المتأخر دائماً ,هو كسب
الجزاء المدى .وم ن ثم لم يصب جورج ياكوب فى اقتراحه تفسير كلمة ((القصيدة)) ,بعيد
القدم ,فمن الممكن أن يكون ((الغرض والقصد)) بحسب األصل غرضاً من أغراض السحر,
وكثيراً ما صار غرضاً سياسياً فى وقة متأخر ,ثم صار يستعمل بأوسع معانى الكلمة فى جميع
أغراض الحياة اإلجتماعية ,وإن كان من الحق أنه استعمل أيضاً منذ عهد قديم فى أغراض أنانية
49
محضة.
والقصيدة ,المؤلفة على نظام دقيق ,ينبغى استهاللها بالنسيب ,والحنين إلى الحبيبة
النائية ,ذلك الحنين الذى يعترف الشاعر عند رؤية أطاللها الدائرة وهو راكب فى القفار .ثم
يتحول الشاعر فى تخليص نموذجى من موطن لوعته وذكرياته إلى وصف مسيره فى المفاوز
دون انقطاع ,وهو وصف قد يخرج أحيانا إلى مجرد تعداد ألسماء ما يجتازه من أماكن .ثم
يخلص من ذلك إلى وصف راحلته ,فإذا هو عمد فى هذا الوصف إلى تشبيه راحلته ببعض
حيوان الوحش ,استطرد أحيانا إلى وصف هذا الحيوان وصفاً شامالً .ثم ال يتجه الشاعر إلى
42
التعبير عن حقيقة قصده إال فى آخر القصيدة.
هذا المنهج البد أن يكون قد رسخ منذ زمن طويل .وقد ذكر امرؤ القيس سلفاً له فى
الشكوى والبكاء على األطالل ,يدعى :ابن خذام ,وإن لم يستطع أدباء العصر العباسى تعيين
هذا الشاعر .وتبع المتأخرون هذا المنهج ولم يكادوا يجسرون على تغييره.
وبحق يقرر نولدكه أن شعراء العرب لم يكرروا دائماً إال وصف المهاة والعيسر من
حيوان الوحش ,أما غيرهما فلم يذكروه أصالً ,أو ذكوره نادراً بإيجاز .وكان وصف الحيوانين
األولين يعد من لوازم األسلوب الذى اعتمده أثمة الفحول .بيد أن نماذج التصوير ,وفنون
التشبيه كانت تؤخذ باطراد أيضاً عن العرب القدماء مع الترتيب المنهجى السابق ذكره ,حتى
أمكن أن يجمع ابن رشيق فى العمدة ما أتى به الشعراء القدماء من تشبيهات جديدة ,وكثيراً
12
Ibid, hlm.53
13
Ibid, hlm. 36
14
ما صارت هذه التشبيهات نفسها أيضاً من لوازم المنهجى واألسلوب فىيما بعد ,وربما كان
41
ذلك مساعداً للمتأخرين على انتحال أشعار القدماء.
وبديهى أن أمثال هذه القصائد ,والسيما الطوال كاالمعلقات ,لم يتم نظمها دفعة
واحدة .ومهما كانت القافية كثيراً تهدى الشاعر فى نظم شعره ,فإنه يجدر بنا أن نتصور نشأة
القصيدة فى الزمن القديم على غرار ما وصفه موزل عند شعراء البادية المحدثين .وعلى ذلك
فال يستبعد بحال من األحوال أن تكون القصيدة من نتاج حول كامل.ومن هنا وجدنا رواية
أكثر القصائد ال تثبت على ترتيب واحد .فقد ينشد الشاعر شعراً لروايته وأحبائه أول األمر لئال
ينساه ,ثم يزيد عليه ,والسيما إذا ذكره أحباؤه بشيء غفل عنه ,وربما بدل بعض أبياته بعد
ذلك بأخرى لم يسمعها ذووه األولون ,فتختلف الرواية عن الشاعر ,وال يأتى الشاعر نفسه أن
يعترف بأن كل ذلك من بنات أفكاره .وقد يكون ذلك أيضاً هو السبب فى أن كثيراً من الشعر
القديم لم تبق منه إال قطع متفرقة.
وال نجد قصيدة ذات وحده مستقلة وترتيب متكامل عند قدامى الشعراء إال فى أحوال
جد نادرة .كما أنشأ أعشى بنى تميم حديثاً بين ناع ومعنى إليه فى حوار شعرى صحيح ,جعل
منه الجاحظ خيراً حكاه فى الحيوان ,وذكره الشبلى بتوسع فى آحكام المرجان .ونجد مثل
هذا األسلوب فى موقف غرام منحول على ((الوضاح)) الشاعر األموى .أما محاولة األعشى
إنشاء ((شعر القصة)) واختراع أسلوب الملحمة ,فى إشادته بوفاء السموءل فقد بقيت عمالً
41
فذا لم ينسج أحد على منوله.
وأما ما زعمه بعض العلماء من أن مؤثرات أجنبية أثرت فى فن الشعر القديم فليس
هناك ما يؤيده .نعم يريد بورداخ أن يرجع النسيب العربى يقال فى عشق النساء المتزوجات,
كما هو الحال عند شعراء ملوك اإلسكندرية ,ويتصور انتقال هذه الصناعة إلى العرب عن طريق
شعراء الملوك فى الشام والعراق .ولكن مثل هذه األبيات الغزيلة ,التى تشبه النسيب فى مطالع
القصائد وإن لم تبلغ بعد نموا كامال ,يعرفها أيضاً شعر القبائل التكرية فى أوائل القصائد المطولة
وفلى أواخرها.
14
Ibid, hlm. 36
65
Ibid, Hlm. 36
15
وال شك أنه من قبيل المصادفة واإلتفاق أن يبدو فى قصيدة للمسيب بن علس ,يتكرر
فيها ست مرات هذا الحطاب :وألنت ,صدى ورنين ألسلوب األنشودة القديم الذى يتميز به
أجنوستوس تيوس .كما وضح ذلك األستاذ نوردز.
( ) 4وأقدم ما بقى من مجموعات القصائد الكاملة هو االختيارات التى جمعها حماد الراوية
وسماها على غرار عناوين الكتب األخرى :السموط ،أو االسم االخر المألوف وهو :المعلقات .وأراد
حماد من هاتين التسميتين الداللة على نفاسة ما اختاره ،واالفتخار بخالص اختياره .وزعم المتأخرون
أنها سميت معلقات ألنها كانت معلقة على الكعبة لعلو قيمتها ،ولكن هذا التعليل إنما نشأ من التفسير
الظاهر للتسمية وليس سببا لها كما هو رأى نولدكه ،والحق أن هذه المجموعة من اختيار حماد الراوية
كما سلف.
وال تتفق للروايات تماما على قصائد المعلقات .فالقصائد المتفق عليها من الجميع خمس،
هى معلقات :امرئ القيس ،وطرفة ،وزهير ،ولبيد ،وعمرو بن كلثوم .والمعلقتان السادسة والسابعة هما
قصيدتا عنترة والحارث بن حلزة فى أكثر الروايات ،ولكن المفضل وضع مكانهما قصيدتى النابغة
واألعشى .وهؤالء الشعراء جميعا هم أشهر شعراء الجاهلية كذلك ،ما عدا الحارث بن حلزة .وقد وقف
نولدكه على السبب الذى حمل حمادا على ضم الحارث إلى مجموعته .وذلك أن حمادا كان مولى
لقبيلة بكر بن وائل .وكانت هذه القبيلة فى عداء دائم مع قبيلة تغلب من زمن الجاهلية .ولما كانت
قصيدة عمرو بن كلثوم قد لقيت شهرة واسعة لتمجيدها قبيلة تغلب ،والنتشار هذه القبيلة فى البالد ،لم
يسع حمادا أن يعدل عن اختيارها ،ولكنه اضطر إلى التفكير فى وضع قصيدة أخرى إلى جانبها تشيد
بمجد سادته ،وهم قبيلة بكر بن وائل ،وهكذا اختار قصيدة سليل هذه القبيلة ،وهو الحارث بن حلزة،
11
عبد الحليم النجار,تاريخ األدب العربى جوز األول( ,كورنيش النيل :دار المعارف ,) 1119 ,ص17 .
11
القليل الشهرة فيما عدا ذلك .أما المتأخرون الذين لم يدر بخلدهم مثل هذا االهتمام فإنهم أبدلوه بشاعر
أكثر منه شهرة.
بقى أن هناك من يعد تسع معلقات ،بإضافة القصيدتين اللتين اختارهما المفضل إلى اختيارات
حماد .كما أكملت مجموعة شرحها التبريزى عدد المعلقات عشرا بإضافة قصيدة لعبيد بن األبرص.
( )9وإلى جانب مجموعة حماد الصغيرة المنتقاة ،وضع معاصره ومنافسه :المفضل بن محمد
بن يعلى الضبى ( المتوفى 461ه981/م ،وفى قول اخر 468ه981/م ،أو 491ه986/م) اختيارات
أوسع وأغزر.
وكان المفضل ينتمى إلى بيت من بيوتات العرب ،من بنى ثعلبة بن السيد ابن ضبة .وانضم إلى
شيعة العلويين ،فقاتل العباسيين مع إبراهيم بن عبدالله ابن الحسن .وعفا عنه المنصور بعد هزيمة إبراهيم
سنة 412ه961/م؛ وجعله مؤدبا البنه :محمد المهدى الخليفة الالحق .ولهذا الخليفة اختاز المفضل
496أو 498قصيدة-وبينها أيضا بعض مقطوعات-لسبعة وستين شاعرا .وأكثر هؤالء الشعراء ،أى
سبعة وأربعون منهم ،من شعراء الجاهلية ،وبينهم المرقشان األكبر واألصغر وهما أقدم الشعراء المعروفين،
ونصرانيان اثنان وهما جابر بن حنى التغلبى (رقم )19وعبد المسيح (رقم .)82 ،92 ،99ومن شعرائه
كذلك أربعة عشر شاعرا من المخضرمين الذين ولدوا فى الجاهلية وأدركوا اإلسالم ،ثم ستة فقط من
اإلسالميين.
ويذكر صاحب الفهرست أن ابن األعرابى روى مجموعة المفضل 498قصيدة ،ونقص منها
اثنتين أبو محمد القاسم بن محمد األنبارى.
وسمى المفضل مجموعته فى األصل :كتاب االختيارات؛ ولكنها سميت بعد ذلك ،نسبة إلى
جامعها ،بالمفضليات.
وقد استنزفت هاتان المجموعتان-فيما يبدو-أهم محصول القصائد التى لم تدون فى دواوين
الشعراء الكبار .فإن األصمعى األديب المشهور (المتوفى ،)824/946الذى غالى مترجموه فى الثناء
عليه كعادتهم ،فزعموا أنه كان يروى على روى كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة ،لم يجد إال
17
نخبة متواضعة من القصائدحين أراد جمع اختياراته .ومجموعة األصمعى المسماة بألصمعيات،
والمحفوظة مع المفضليات فى مخطوط يوجد فى ڤينا ،ال تشتمل إال على 99قصيدة وقطعة ،ومجموع
أبياتها 4462فقط لكثرة ما بها من المقطوعات .وعدد شعرائها واحد وستون شاعرا ،لم يسم ثالثة
منهم ،وبقى خمسة مجهولون ال تعرف أسماؤهم من مصادر أخرى ،وأكثر الباقين من الشعراء الجاهلية،
فليس إال أربعة عشر شاعرا من المخضرمين واإلسالميين .وفيها قصيدة لكل من امرئ القيس وطرفة.
وقبل إن األصمعيات لم تلق ما لقيته المفضليات وغيرها من االنتشار والقبول ألنها أقل اشتماال
على غريب العربية ،وألن األصمعى عمد إلى اختصار الرواية.
( ) 2وربما كانت المجموعة الرابعة ،وهى :جمهرة أشعار العرب ،قد جمعت فى أواخر المائة
الثالثة للهجرة .وهى مجموعة سباعية تشتمل على سبعة أقسام ،أولها المعلقات السبع ،وتحمل األقسام
الستة الباقية حلى من العناوين المختارة ،وهى :المجمهرات ،المنتقيات ،المذهبات ،المراثى ،المشوبات،
الملحمات.
وعلى حين يشتمل القسم األخير على قصائد لشعراء العصر األموى فحسب ،تغلب فى األقسام
األخرى قصائد الشعراء الجاهليين .وسبقت ذلك كله مقدمة فى المجازات واختالف العلماء فى تفضيل
بعض مشاهير الشعراء.
ويسمى جامعها أبا زيد القرشى .وقيل إن سند رواية أبى زيد هذا ،وهو المفضل ،كان فى المرتبة
السادسة من ساللة الخليفة عمر بن الخطاب .وإذا فال بد أن حياته كانت فى أواخر القرن الثالث
الهجرى .على أن كل الرجلين :أبى زيد والمفضل ،مجهول بالكلية فيما عدا ذلك .ويبدو لنا أن تسميتهما
موضوعة على اسمى كل من أبى زيد األنصارى النحوى المشهور وشيخه المفضل .ولكن لما كان كتاب
الجمهرة معروفا البن رشيق ( )4161-4111/116-221فقد يكون تم تأليفه فى ملتقى القرنين
الثالث والرابع للهجرة.
وجمع هبة الله العلوى بن أحمد بن الشجرى (المتوفى )4419/119مختارات شعراء العرب؛
ولكنه لم يستطيع أن يأتى باثنتى عشرة قصيدة فى القسم األول إال بعد أن استخرجها من ديوانى المتلمس
18
وطرفة؛ لما أخذ اختياراته فى القسم الثانى من دواوين :زهير ،وبشر بن أبى خازم ،وعبيد بن األبرص؛
وأخذ فى القسم الثالث اختيارات من ديوان الحطيئة.
( )1وحينما انتشرت نزعة التجديد فى الشعر على عهد العباسيين ،تغير أيضا ذوق األدباء ،فلم
يعد أحد يطيق الصبر على قراءة القصائد الطوال ،بل اكتفوا بتذوق القطع المختارة .وظهرت اختيارات
كثير لتلبية هذه الرغبة ،مرتبة على معانى الشعر .وأقدم هذه االختيارات ما جمعه أبو تمام الشاعر
(المتوفى .)816/924وقد روى أن الشتاء غلب على أبى تمام فى همذان وهو عائد من خراسان إلى
العراق .فأنزله أبو الوفاء بن سلمة فى ضيافته .ووقع ذات يوم ثلج عظيم فقال له وطن نفسك على المقام
وأحضر له خزانة كتبه .فأقبل وطالعها واشتغل بها .وصنف خمسة كتب فى الشعر منها كتاب :الحماسة،
وهو عنوان غلب على هذا الكتاب عند المتأخرين تسمية له بأول أبوابه .ويليه باب :المراثى ،باب
األدب ،باب النسيب ،باب الهجاء ،باب األضياف والمديح ،باب الصفات ،باب الملح ،باب مذمة
النساء .وهذه األبواب أقل مادة من الباب األول .وقصر أبو تمام اختياره على شعراء الجاهلية وصدر
اإلسالم.
( )1وجمع منافس أبى تمام :البحترى (المتوفى )829/981مختارات سميت أيضا:
«الحماسة» .وهى مقسمة إلى 491بابا ،ويشتمل على قطع ،وكثيرا أيضا على أبيات مفردة فى مختلف
معانى الشعر ،ولم تنل حماسة البحترى هذه من الذيوع والنجاح ما نالته حماسة أبى تمام .ولذلك لم
تبق لنا منها إال نسخة واحدة فى مكتبة ليدن .882
( )6وجمع األدباء-عدا االختيارات ودواوين الشعراء الخاصة-دواوين للقبائل أيضا .ولم يبق لنا
من ذلك إال ديوان هذيل ،الذين يوطنون إلى العصر الراهن فى سراة هذيل بين مكة والمدينة ،وهى تمتد
جنوبا إلى الطائف .وأقل شعراء هذا الديوان جاهليون ،وأكثرهم إسالميون.
وكانت نسخة من ديوان هذيل ،مكتوبة سنة 911ه846/م ،ال تزال باقية عند عبد القادر
البغدادى صاحب خزانة األدب .ونقح الديوان من جديد اإلمام اللغوى أبو سعيد السكرى بعد سنة
991ه 888/م .ورواه الرمانى عن الحلوانى تلميذ السكرى ،الذى سماه ابن النديم فى الفهرست :أبا
19
سهل أحمد بن عاصم ،ولكن صاحب الخزانة حين ذكر كتابه فى الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم سماه:
أحمد بن أبى سهل بن عاصم.
وبقى مختصر لشرح السكرى فقط .وذكر السيوطى رواية للعسكرى ،كما ذكر البغدادى رواية
أخرى لألصمعى.
( ) 9وصنف ابو سعيد السكرى كتاب :أخيار اللصوص ،وجمع فيه أشعار لصوص البدو
المشهورين .وفى هذا الكتاب ديوان :طهمان بن عمرو الكالبى ،الذى عاصر عبد الملك بن مروان.
( )8وكذلك عنى األدباء المتقدمون بأحوال الشعراء ،واجتهدوا فى ترتيبهم من الناحيتين التاريخية
والفنية على مثال الكتب المصنفة فى طبقات المحدثين.
وبقى لنا كتاب :طبقات الشعراء لمحمد بن سالم الجمحى (المتوفى ،)811/924وكتاب
الشعر والشعراء البن قتيبة (المتوفى .)882/996
واكتفى محمد بن عمران المرزبانى (المتوفى حوالى )221/281بترتيب الشعراء على حروف
المعجم فى كتابه :معجم الشعراء .ولكنه فصل الكالم عن الشعراء فى كتابين آخرين لم يصال إلينا،
وهما :المفيد فى أخبار الشعراء وأحوالهم فى الجاهلية واإلسالم ودياناتهم ونحلهم ،وكان فى نخو خمسة
آالف ورقة؛ والمونق فى أخبار الشعراء الجاهليين والمخضرمين واإلسالميين على طبقاتهم ،فى نحو
خمسة آالف ورقة كذلك.
وقد أغنى عن كل هذه الكتب كتاب :األغانى ،ألبى الفرج األصبهانى؛ كما أن عبد القادر
البغدادى (المتوفى )4689/4122جمع :خزانة األدب ،وهى شرح على شواهد رض الدين االستراباذى
فى شرحه على كتاب الكافية فى النحو البن الحاجب ،واستفاد فى ذلك من مصادر قديمة لم تصل
إلينا ،فهو يقدم أخبارا قيمة عن الشعراء ال نجدها عند غيره.
21
21
المرجع
جرجي زيدان ،تاريخ األدب الغة العربية ،4291،كايرو :دار المعارف.
ُجرجي .يدان ،تاريخ آداب اللغة العربية ،9149،كير ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثاقفة المشهرة.
عبد الحليم النجار,تاريخ األدب العربى جوز األول ،4442,كورنيش النيل :دار المعارف.
22