Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫الفصل األول | عقد الزواج وآثاره‬

‫الفصل االول‪ :‬عقد الزواج وآثاره‬

‫املبحث الأول‪ :‬مقدمات الزواج‬


‫لما كان عقد الزواج من أجل العقود وأعظمها وأخطرها فقد جعل اإلسالم‬
‫له مقدمات تكشف عن رغبة كل من المتعاقدين في إنشاء عقد الزواج وتكوين‬
‫األسرة‪ ،‬وحتى يقدم كل من الخاطبين على إبرام العقد بعد تدبر وتبصر‪،‬‬
‫بعيد ًا عن االنفعال العاطفي المحض‪ .‬وإذا ما روعيت هذه المقدمات وفق‬
‫األسس التي وضعتها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وقامت العالقة الزوجية عليها‪ ،‬سعد‬
‫الزوجان وغمرتهما المودة طيلة حياتهما‪ ،‬وضمنا أن يتربى األوالد في أسرة‬
‫مستقرة التزعزعها العوارض البشرية وال متاعب الحياة وشقوتها‪ ،‬وأهم هذه‬
‫المقدمات‪ :‬أسس االختيار و أحكامها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أسس اختيار الزوجين‬


‫إن حسن االختيار من الخاطبين يضمن استقرار األسرة وتنشئة جيل قوي‬
‫صالح قال ﷺ‪“ :‬تخيروا لنطفكم وانكحوا األكفاء وانكحوا إليهم”(‪.)1‬‬
‫واالختيار حق للخاطبين فهو حق المرأة كما هو حق الرجل‪ .‬وقد حثت‬
‫الشريعة اإلسالمية الخاطبين على مراعاة األسس التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدين‪ :‬تستحب ذات الدين والمراد بها كثيرة الطاعات واألعمال‬
‫الصالحات‪ ،‬والعفة عن المحرمات‪ ،‬قال ﷺ‪“ :‬تنكح المرأة ألربع لمالها ولحسبها‬
‫وجمالها ولدينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك”(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬السيوطي‪ ،‬اجلامع الصغري ‪.130/1‬‬


‫(‪ )2‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم ‪ 1086/6‬كتاب الرضاع‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫فقه األحوال الشخص َّية‬

‫وقالﷺ‪“ :‬ال تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن‪ ،‬وال تتزوجوهن‬
‫ألموالهن‪ ،‬فعسى أموالهن أن تطغين‪ ،‬ولكن تزوجوهن على الدين‪ ،‬فألمة خرقاء سوداء ذات‬
‫دين أفضل”(‪.)1‬‬
‫وينبغي أن يكون هذا األساس مقدم ًا على غيره‪ ،‬ألن المقصود بالزواج‬
‫دوام العشرة واأللفة‪ ،‬والدين مع الزمان يزداد باتساع مدارك العقل‪ ،‬وقرب‬
‫األجل‪ ،‬فتزداد المودة بين الزوجين إذا قامت األسرة عليه‪ ،‬وإذا بنيت األسرة‬
‫على األسس األخرى مع عدم اعتبار الدين من مال أو جمال أو حسب فإن هذه‬
‫تتناقص مع الزمن فتنقص المودة بتناقصها وتتالشى بفقدان أسبابها فيكون ذلك‬
‫سبب ًا في هدم األسرة وانهيارها قال تعالى‪ :‬ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮚﮛ‬
‫ﮜﭼ [التوبة‪.]109 :‬‬
‫ب‪ -‬المال والحسب والجمال‪ :‬وهذه إن وجدت مع الدين والخلق القويم‪،‬‬
‫فذلك مزيد فضل‪ ،‬وفي الحديث سئل النبي ﷺ أي النساء خير فقال‪« :‬التي‬
‫تسره إذا نظر إليها‪ ،‬وتطيعه إذا أمرها‪ ،‬وال تخالفه في نفسها وال مالها»(‪.)2‬‬
‫ُّ‬
‫ج‪ -‬السن‪ :‬يستحب أن يكون الخاطبان في سن متقاربة‪ ،‬ألن ذلك يؤدي إلى‬
‫االنسجام(‪ )3‬بينهما قال الحنفية‪ :‬يندب أن تكون دونه سن ًا وحسن ًا وعز ًا وما ً‬
‫ال‪،‬‬
‫وفوقه خلق ًا وأدب ًا وورع ًا وجما ً‬
‫ال(‪ )4‬وإذا كان فارق السن كبير ًا بينهما فإنه قد‬
‫يفضي إلى عدم االستقرار األسري الختالف المدارك العقلية‪ ،‬ولعدم تحقيق‬
‫المقاصد الزوجية من تحصين وإشباع للرغبات الفطرية‪ ،‬ولذا نص القانون على‬
‫أنه إذا كان الخاطب يكبر المخطوبة بعشرين سنة فأكثر وكانت المخطوبة دون‬

‫(‪ )1‬الرتمذي‪ ،‬الرتغيب ‪.46/3‬‬


‫(‪ )2‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى ‪.82/7‬‬
‫(‪ )3‬الدر املختار ‪.262/2‬‬
‫(‪ )4‬ابن عابدين‪ ،‬حاشية عيل الدر املختار ‪262/2‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول | عقد الزواج وآثاره‬

‫الثامنة عشرة فإن على القاضي أن ال يعقد العقد حتى يتحقق من رضا المخطوبة‬
‫ومن أن مصلحتها متحققة في هذا الزواج(‪.)1‬‬
‫د‪ -‬تزوج البكر‪ :‬يستحب للخاطب أن يتزوج بكر ًا قال ﷺ‪« :‬هال أخذت بكراً‬
‫تالعبها وتالعبك»(‪.)2‬‬
‫هـ‪ -‬الولود‪ :‬يستحب أن يتزوج من الولود‪ ،‬وتعرف بأقاربها وذلك لخبر‬
‫(تزوجوا الولود فإني مكاثر بكم األمم يوم القيامة)(‪.)3‬‬
‫و‪ -‬نكاح البعيدة أولى من نكاح القريبة‪ ،‬ألنه أكثر تحصين ًا للنسل من‬
‫األمراض‪.‬‬
‫ز‪ -‬إجراء الفحص الطبي‪ :‬لما أرشد الشارع إلى استحباب التخير للنطف‬
‫وأثبتت الدراسات الطبية وجود بعض األمراض الوراثية التي تنتقل إلى األبناء‬
‫ويستعصي عالجها‪ .‬وتؤدي إلى اإلعاقات البالغة الخطورة والتي تجعل األسرة‬
‫ال تقدر على القيام بواجباتها تجاه األبناء‪ ،‬وتجعل األبناء غير قادرين على القيام‬
‫ال عما يجب أن يكونوا عليه من القدرة البدنية والعقلية للقيام‬ ‫بأنفسهم فض ً‬
‫بتكاليف الحياة وحمل الرسالة التي أمر الله تعالى بحملها وتبليغها للناس‪،‬‬
‫وعدم القدرة على اإلسهام في إعمار الكون تحقيق ًا لوظيفة االستخالف في‬
‫األرض وأثبتت هذه الدراسات أنه يمكن تالفي الكثير من هذه األمراض إذا‬
‫أجري الفحص الطبي للخاطبين قبل إجراء عقد الزواج‪ ،‬فإن من السياسة‬
‫الشرعية إجراء الفحص للخاطبين قبل إجراء العقد وفي هذا تحقيق السعادة‬
‫لهما وتجنيب النشء األمراض واإلعاقات وفيه حفظ المجتمع وتحصينه بقوة‬
‫أبنائه‪.‬‬

‫(‪ )1‬قانون األحوال الشخصية األردين املادة (‪)11‬‬


‫(‪ )2‬النسائي‪ ،‬السنن ‪ ،61/6‬وأبو داود‪ ،‬السنن ‪.541/2‬‬
‫(‪ )3‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى ‪.81/8‬‬

‫‪22‬‬
‫فقه األحوال الشخص َّية‬

‫قال ﷺ‪« :‬تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس»(‪ )1‬كما أنه يمكن التأكد‬
‫من عدم وجود الموانع الجنسية التي لها أثر سيء على مستقبل الحياة الزوجية‪.‬‬
‫وقد صدرت تعليمات من دائرة قاضي القضاة توجب على الخاطبين إجراء‬
‫فحص طبي قبل إجراء عقد الزواج وقد حددها هذا الفحص وقاية لألطفال من‬
‫مرض التالسيميا فقط‪ ،‬ونأمل أن تتسع لتشمل أمراض ًا أخرى ال تقل جسامة عن‬
‫هذا المرض كااليدز مث ً‬
‫ال‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الخطبة وأحكامها‬


‫بعد أن يتحرى الخاطب األسس السابقة من خالل السؤال والبحث فإنه ال‬
‫بد أن يتعرف كل منهما على اآلخر حتى يتأكد من تحقيق الصفات التي يرغبها‬
‫في صاحبه‪ ،‬وحتى يعرف منهجه في التفكير‪ ،‬ورأيه في تدبير األمور‪ ،‬وال شك‬
‫أن النظرة العابرة ال توصل إلى الحقيقة‪ ،‬ال سيما أن كل واحد من الخاطبين‬
‫(‪)2‬‬
‫يحاول أن يظهر لآلخر بمظهر يقربه منه‪ ،‬وقد يلجأ إلى إخفاء بعض العيوب‬
‫لهذا أباح اإلسالم لكل واحد منهما أن يتعرف على اآلخر بل هذا ما طلبه منهما‬
‫ووضع له قيود ًا حتى ال يتخذ منه ذريعة لشيوع االختالط والخروج عن القواعد‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫وعليه؛ فقد أباح الشارع للخاطبين أن يجتمعا مع ًا بحضور محرم للمخطوبة‬
‫ليعرف كل واحد منهما أفكار اآلخر ومستواه الثقافي وطريقته في الحوار‪ ،‬ومدى‬
‫استعداده لتقبل الحياة الجديدة بعد الزواج وتحمل مسؤولياتها‪.‬‬

‫(‪ )1‬السيوطي‪ ،‬اجلامع الصغري ‪.130/1‬‬


‫(‪ )2‬الرسطاوي وآخرون‪ ،‬األحوال الشخصية‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪23‬‬
‫الفصل األول | عقد الزواج وآثاره‬

‫ولهما النظر لمعرفة المحاسن حتى يرى كل منهما ما يعجبه من اآلخر‬


‫ويدعوه إلى النكاح(‪ )1‬وقال الفقهاء إن ذلك مستحب(‪ )2‬لما يروى أن المغيرة‬
‫بن شعبة خطب امرأة ليتزوجها فقال له رسول الله ﷺ «أنظرت إليها؟ قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫فقال ﷺ‪ :‬انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»(‪ )3‬والراجح عند جمهور العلماء‬
‫(الشافعية والمالكية) جواز النظر إلى الوجه والكفين ظهر ًا وبطن ًا(‪ )4‬وأجاز‬
‫الحنفية النظر إلى القدمين(‪ )5‬وإذا لم يتيسر للخاطب النظر إلى مخطوبته بعث‬
‫امرأة تتأملها وتصفها له(‪ )6‬ويسن للمرأة أن تنظر من الرجل غير عورته إذا أرادت‬
‫الزواج به‪ ،‬فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها(‪.)7‬‬
‫وال تجوز الخلوة بينهما لحديث (ال يخلون أحدكم بامرأة‪ ،‬فإن ثالثهما‬
‫الشيطان)(‪.)8‬‬
‫وأما وقت النظر فيكون قبل الخطبة وبعد العزم على النكاح وإلى هذا ذهب‬
‫الحنفية والشافعية(‪.)9‬‬
‫وال ينظر إليها إال بإذنها أو إذن وليها وإلى هذا ذهب المالكية(‪ )10‬سداً‬
‫للذريعة فقد يتذرع أهل الطيش والفساد بالنظر إلى المحرمات محتجين بأنهم‬
‫يريدون الخطبة فيفلتون من تعزيز الحاكم لهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني ‪.20/7‬‬


‫(‪ )2‬زكريا األنصاري‪ ،‬فتح الوهاب ‪.31/2‬‬
‫(‪ )3‬الرتمذي اجلامع الصحيح ‪.206/ 4‬‬
‫(‪ )4‬النووي روضة الطالبني ‪ 20/7‬وبداية املجتهد ‪.4/2‬‬
‫(‪ )5‬ابن نجيم‪ ،‬البحر الرائق ‪.87/3‬‬
‫(‪ )6‬الشريازي‪ ،‬املهذب ‪.34/2‬‬
‫(‪ )7‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني ‪.20/7‬‬
‫(‪ )8‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى ‪.91/7‬‬
‫(‪ )9‬ابن نجيم‪ :‬البحر الرائق ‪ ،87/3‬وزكريا األنصاري‪ :‬فتح الوهاب ‪.3/2‬‬
‫(‪ )10‬األيب‪ :‬جواهر األكليل ‪ ،275/1‬الدسوقي‪ :‬احلاشية ‪.125/2‬‬

‫‪24‬‬
‫فقه األحوال الشخص َّية‬

‫أوال‪ :‬الخطبة‪ :‬تعريفها وحكمها وحكمة مشروعيتها‬


‫نتناول في موضوع الخطبة تعريفها‪ ،‬وحكمها‪ ،‬وحكمة مشروعيتها‪.‬‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫الخطبة بكسر الخاء وسكون الطاء هي‪ :‬طلب الرجل المرأة للزواج‪ ،‬أو‬
‫طلب المرأة الرجل للزواج والخطبة بضم الخاء هي الكلمة أو المقالة التي تلقى‬
‫عند الطلب أو في مناسبة ما‪ ،‬نقول ُخطبة صالة الجمعة بضم الخاء وسكون‬
‫الطاء‪.‬‬
‫وقد جاء في المادة الثانية من القانون أن‪ :‬الخطبة طلب التزوج والوعديه‪.‬‬
‫حكمها‪:‬‬
‫الخطبة مستحبة عند بعض الفقهاء(‪ )1‬وقال آخرون بالجواز ولم يصرحوا‬
‫باالستحباب(‪ )2‬وقد تكون الخطبة تامة وقد تكون ناقصة‪ .‬فالخطبة التامة أن‬
‫يتقدم الرجل بطلب يد فتاة قاصد ًا الزواج فيجاب إلى طلبه‪ ،‬وأما الناقصة فهي‬
‫أن يتقدم بطلب يدها ويمهل من أجل البحث والسؤال فهذه الفتاة تعد مخطوبة‬
‫خطبة ناقصة لعدم اإلجابة‪.‬‬
‫والمخطوبة خطبة تامة ال يجوز آلخر أن يتقدم لخطبتها لحديث (ال يخطب‬
‫أحدكم على خطبة أخيه) (‪ )3‬وألن في ذلك مبعث ًا للعداوة والبغضاء‪ ،‬وسواء في ذلك‬
‫كان الخاطب مسلم ًا أو ذمي ًا إذا كانت المخطوبة كتابية(‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وأما المخطوبة خطبة ناقصة فيجوز آلخر أن يتقدم لخطبتها مع الكراهة‬
‫وذهب جماعة من المالكية إلى عدم حرمة خطبة المرأة الصالحة الراكنة لفاسق إذا‬

‫(‪ )1‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني ‪.30/7‬‬


‫(‪ )2‬زكريا األنصاري‪ ،‬فتح الوهاب ‪.33/2‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ ،‬السنن ‪.73/6‬‬
‫(‪ )4‬الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار ‪.115/6‬‬
‫(‪ )5‬الشريازي‪ ،‬املهذب ‪.47/2‬‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول | عقد الزواج وآثاره‬

‫كان الخاطب الثاني صالح ًا‪ ،‬ألن في خطبة الثاني لها تخليص ًا لها من فسق األول(‪.)1‬‬
‫حكمة مشروعيتها‬
‫لما كان عقد الزواج من أخطر العقود وأهمها حتى سماه الله تعالى ميثاق ًا‬
‫غليظ ًا فقد جعل الشارع له مقدمة قبل إبرامه وهي الخطبة بقصد أن يتعرف كل‬
‫واحد من الخاطبين على اآلخر‪ ،‬فيقوم عقد الزواج على أسس قوية ومتينة‬
‫تؤدي إلى استقرار الحياة األسرية وديمومتها مدى الحياة‪ ،‬فيحقق الزواج حكمة‬
‫مشروعيته بتحصين الفرد والمجتمع‪ ،‬وتربية األوالد وتنشئتهم على الخير‪،‬‬
‫فالتشريع اإلسالمي بوسطيته التي ال إفراط فيها وال تفريط يرسي دعائم األسرة‬
‫ويرشد إلى أسباب قوتها وتوفر المودة واأللفة بين أفرادها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اآلثار المترتبة على الخطبة وأحكامها‬


‫الخطبة وعد غير ملزم بالزواج‪ ،‬يحق لكل واحد من الخاطبين أن يعدل‬
‫عنه متى شاء كما نصت على ذلك الفقرة (أ) من المادة (‪ )4‬من قانون األحوال‬
‫الشخصية حيث جاء فيها (لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة)‪.‬‬
‫وعليه فال يعد الوعد عقد زواج وال يفيد ما يفيده عقد الزواج من آثار‪ ،‬وعليه‬
‫فال يجوز للخاطب أن يخلو بالمخطوبة وال أن يطلع على شيء من محاسنها‬
‫إال ما سبق ذكره من الوجه والكفين والقدمين‪ .‬وال يعد دفع شيء من المهر أو‬
‫إعطاء الهدايا أو قراءة الفاتحة عقد زواج‪ ،‬وعليه فال تحل المخطوبة لخاطبها‬
‫وال ينعقد الزواج بكل ما سبق ذكره كما نصت على ذلك المادة (‪ )3‬من قانون‬
‫األحوال الشخصية حيث جاء فيها «ال ينعقد الزواج بالخطبة وال بقراءة الفاتحة‬
‫وال بقبض أي شيء على حساب المهر وال بقبول الهدية»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن رشد‪ ،‬بداية املجتهد ‪.4/2‬‬

‫‪26‬‬
‫فقه األحوال الشخص َّية‬

‫أحكام الخطبة‪:‬‬
‫يشترط في المخطوبة أن تكون ممن تجوز خطبتهن‪ ،‬فال تجوز خطبة‬
‫األصناف التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬زوجة الغير‪.‬‬
‫ب‪ -‬كل امرأة محرمة عليه تحريم ًا مؤبد ًا أو مؤقت ًا ما دام مانع التحريم قائم ًا‪.‬‬
‫ج‪ -‬كل امرأة معتدة من طالق رجعي‪ ،‬ألن المطلقة طالق ًا رجعي ًا تعتبر‬
‫زوجة ما دامت في العدة‪.‬‬
‫د‪ -‬كل امرأة معتدة من طالق بائن‪ ،‬فال يجوز التصريح بخطبتها‪ ،‬واختلف‬
‫الفقهاء في التعريض بخطبتها كقوله لها أنت تصلحين ربة بيت قاصد ًا التعريض‬
‫بالخطبة‪ ،‬والراجح عدم جواز التعريض قبل انتهاء مدة العدة(‪.)1‬‬
‫هـ‪ -‬كل امرأة معتدة من وفاة ال يجوز خطبتها تصريح ًا في أثناء عدتها‪،‬‬
‫ويجوز خطبتها تعريض ًا باتفاق(‪.)2‬‬
‫لقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﭼ [البقرة‪.]235 :‬‬
‫و‪ -‬مخطوبة غيره خطبة تامة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العدول عن الخطبة وآثاره‪:‬‬
‫لما كانت الخطبة وعد ًا بالزواج في المستقبل كان لكل من الخاطبين‬
‫العدول عن هذا الوعد‪ ،‬والعدول عن الوعد من غير مقتضى حرام ديانة‪ ،‬ألن الله‬
‫سبحانه أمر بالوفاء بالعهود قال تعالى‪ :‬ﭽﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﭼ‬
‫[اإلسراء‪ ]34 :‬وإخالف الوعد عالمة على النفاق قال ﷺ‪« :‬آية المنافق ثالث‪ :‬إذا‬
‫(‪ )1‬الشوكاين‪ :‬نيل األوطار ‪ ،117/6‬الرشبيني‪ :‬مغني املحتاج ‪.136/3‬‬
‫(‪ )2‬النووي‪ ،‬املنهاج ‪.213/3‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل األول | عقد الزواج وآثاره‬

‫حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا ائتمن خان»(‪ )1‬ومع أن العدول عن الوفاء بالوعد‬
‫حرام كأصل مقرر شرع ًا إال أن الشارع لم يلزم الخاطبين بإتمام العقد استثناء من‬
‫األصل ألن في ذلك إكراه ًا لهما على الزواج‪ ،‬والزواج عقد أبدي ينبغي أن يتنزه‬
‫عن اإلكراه‪ ،‬وألن الضرر الناتج عن الزواج باإلكراه أكبر من الضرر الناتج عن‬
‫ضرر العدول عن الخطبة‪.‬‬
‫وقد نصت الفقرة (أ) من المادة (‪ )4‬على أن‪ :‬لكل من الخاطب والمخطوبة‬
‫العدول عن الخطبة‪.‬‬
‫اآلثار المترتبة على العدول عن الخطبة‪:‬‬
‫يمكن إيجاز اآلثار المترتبة على العدول عن الخطبة بما يأتي‪:‬‬
‫‪ :1‬التعويض عن ضرر العدول‪:‬‬
‫ذهب بعض العلماء في عصرنا الحاضر(‪ )2‬إلى تأييد التعويض عن الضرر‬
‫إذا كان قد نشأ نتيجة الوعد بالزواج وذلك كأن يطلب منها ترك العمل أو أن‬
‫تطلب منه جهاز ًا معني ًا‪ ،‬فيفعل أحدهما ما طلب منه ثم يكون العدول‪ ،‬فالضرر‬
‫نشأ ال عن مجرد العدول‪ ،‬بل كان للعادل عن الخطبة دخل فيه‪ ،‬وهذا نوع من‬
‫التغرير يوجب الضمان‪ ،‬كما أن التعويض هنا مبني على قاعدة مسلم بها في‬
‫الشريعة اإلسالمية وهي ال ضرر وال ضرار‪.‬‬
‫والذي أميل إليه هو عدم التعويض عن ضرر العدول لألسباب التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الخطبة ليست عقد زواج وإنما هي وعد بالزواج‪ ،‬وكل واحد من‬
‫الخاطبين يعلم أن لصاحبه حق العدول شرع ًا‪ ،‬فإذا لحقه ضرر بعد ذلك نتيجة‬
‫للعدول فال يلزم الطرف اآلخر بالتعويض‪ ،‬ألنه يعلم النتائج واالضرار التي قد‬
‫تلحق به نتيجة استعمال الطرف اآلخر حقه الشرعي في العدول عن الخطبة‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم ‪.46/2‬‬


‫(‪ )2‬السباعي‪ :‬األحوال الشخصية ‪ ،62‬وشحاته احلسيني‪ :‬األحوال الشخصية ‪.34‬‬

‫‪28‬‬
‫فقه األحوال الشخص َّية‬

‫تعويض الطرف اآلخر حم ً‬


‫ال له على‬ ‫َ‬ ‫ب‪ -‬إن في إلزام من عدل عن الخطبة‬
‫إجراء عقد زواج ال يرضاه‪ ،‬ويترتب على هذا إنشاء أسرة على أسس غير سليمة‬
‫سرعان ما تنهار‪ ،‬فيلحق باألوالد وبكل من الزوجين ضرر ًا أكبر من الضرر‬
‫الناتج عن العدول‪.‬‬
‫ج‪ -‬لقد نص قانون األحوال الشخصية في المادة (‪ )4‬على حق كل من‬
‫الخاطبين في العدول دون أن يترتب على الطرف الذي عدل عن الخطبة أية‬
‫التزامات بالتعويض‪.‬‬
‫‪ :2‬المهر‪:‬‬
‫إذا دفع الخاطب شيئ ًا من المال على حساب المهر فإنه يسترده‪ ،‬ألن المهر ال‬
‫يجب إال بعقد الزواج‪.‬‬
‫ما أخذ به القانون‪:‬‬
‫إذا انتهت الخطبة بعدول أحد الطرفين أو انتهت بالوفاة فللخاطب أورثته‬
‫الحق في استرداد ما دفع على حساب المهر من ٍ‬
‫نقد أو عين إن كان قائم ًا‪ ،‬فإن كان‬
‫هالك ًا أو مستهلك ًا ر ّدت مثله ان كان مثليا وقيمته إن كان قيميا وهذا ما نصت عليه‬
‫الفقرة (ب) من المادة (‪ )4‬وأما إذا كان الجهاز حسب العرف من المهر فاشترت‬
‫المخطوبة بما قبضته على حساب المهر جهاز ًا أو اشترت ببعضه جهاز ًا فهي‬
‫بالخيار بين إعادة ما قبضته من المهر أو تسليم ما اشترته من الجهاز ك ً‬
‫ال أوبعض ًا‬
‫إذا كان العدول من الخاطب‪ ،‬أما إذا كان العدول من جهتها فيجب عليها تسليم ما‬
‫قبضته وال يحق لها تسليم من اشترته من الجهاز إال برضاء الخاطب وهذا ما تفيده‬
‫الفقرة (جـ) من المادة (‪.)4‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول | عقد الزواج وآثاره‬

‫‪ :3‬الهدايا‪:‬‬
‫إذا أعطى أحد الخاطبين هدايا لآلخر ثم عدل أحدهما عن الخطبة فقد‬
‫ذهب الحنفية إلى أنه يجري على الهدايا حكم الهبة‪ ،‬فإن كانت موجودة ردت‬
‫وإن كانت هالكة أو مستهلك فإنها ال تضمن(‪.)1‬‬
‫وذهب المالكية(‪ :)2‬إلى أنه إن كان بينهما شرط أو لبلدهما عرف في ذلك‬
‫ُعمل به وإن لم يكن بينهما شرط وال لبلدهما عرف‪ ،‬فإن كان العدول من جهة‬
‫الخاطب فليس له أن يسترد الهدايا ولو كانت موجودة لئال يوقع عليها مصيبتين‪:‬‬
‫العدول عن الخطبة وتغريمها الهدايا‪ ،‬وإن كان العدول من جهة المخطوبة‬
‫فعليها أن ترد الهدايا إن كانت موجودة أو قيمتها إن كانت هالكة أو مستهلكة‪.‬‬
‫وذهب الشافعية(‪ :)3‬إلى أن للخاطب الرجوع في كل ما قدمه إلى المخطوبة‬
‫فما كان قائم ًا أخذه‪ ،‬وما كان هالك ًا أخذ مثله إن كان مثلي ًا وقيمته إن كان قيمي ًا‪،‬‬
‫وسواء كان العدول من جهة الخاطب أو المخطوبة‪.‬‬
‫ما أخذ به القانون‪:‬‬
‫جاء في الفقرة (ء) من المادة (‪ )4‬على من عدل عن الخطبة من الخاطبين‬
‫أن يرد لآلخر الهدايا إن كانت قائمة وإن كانت هالكة فعليه إن يرد مثلها في‬
‫المثليات وقيمتها يوم القبض في القيميات‪ ،‬وأما الهدايا التي تستهلك بطبيعتها‬
‫كاألطعمة فإن كانت قائمة ردت وإن كانت قد استهلكت فال يجب ر ّد مثلها أو‬
‫قيمتها‪ .‬أما إذا انتهت الخطبة بالوفاة أو بسبب عارض حال دون عقد الزواج وال‬
‫بد ألحد الطرفين فيه فإنه ال يجب ر ّد شي من الهدايا سواء في ذلك القائمة أو‬
‫الهالكة أو المستهلكة كما يفهم من الفقرة (هـ) من المادة (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬الربدييس‪ :‬األحوال الشخصية ‪ ،11‬والسباعي‪ :‬األحوال الشخصية ص ‪.59‬‬


‫(‪ )2‬الرشح الكبري ‪ 220/2‬وحاشية الدسوقي ‪ 220/2‬والرشح الصغري ‪.16/2‬‬
‫(‪ )3‬املهذب ‪ 2/34‬واألحوال الشخصية للربدييس‪.11 :‬‬

‫‪30‬‬

You might also like