Professional Documents
Culture Documents
الشرق الذي ما زال مسجوناً في قلعة عكا PDF
الشرق الذي ما زال مسجوناً في قلعة عكا PDF
الشرق الذي ما زال مسجوناً في قلعة عكا PDF
محمد الساعد
ما زلت أتذكر إل Fاليوم دعاء خطيب مسجدنا ،ونحن صغار ،وهو يدعو عل Fالغرب »الكافر« ،مثله مثل معظم خطباء
ويجمد
ِّ املساجد في العالم اإلسالمي ،بأن يزلزل اهلل األرض من تحت أقدامهم ،وأن يشتت شملهم ،ويفرق جمعهم،
الدماء في عروقهم ،وييتِّم أطفالهم ،ويجعل نساءهم سبايا لنا.
إنها الثقافة التي ترب Fعليها الشرق كله ،ال نقول إنها املوروث اإلسالمي الحقيقي ،لكنه الفكر السائد حاليا ً من جزر
مينداناو ،في الفيليبني شرقا ً وحت Fبوكو حرام جنوب القارة األفريقية.
إنه فكر الحروب مع التتار وما تالها من حروب صليبية ومقاومتها عل Fأيدي ابن تيمية في القرن السابع امليالدي ،إنها
طريق اآلالم الذي لم نستطع االنعتاق منه حت Fاليوم ،عل Fرغم أن تلك الحروب انتهت وانتهت أقوامها ،إال أننا ال نزال
محبوسني في قلعة »عكا« مكبَّلني فيها حت Fاليوم.
يجب أن يعرف الفرنسيون ومن وراءهم من األمة الغربية كلها ،أننا وهم أمتان ال تتقابالن أبداً ،أمتان تسيران في
طريقني مختلفني تماماً ،هم يذهبون إل Fاملستقبل ونحن نذهب إل Fاملاضي ،هم ينسون ،ونحن ال ننس ،Fهم يطلبون
الحياة ،ونحن نستدعي املوت واملاضي بكل مآسيه.
أما ملاذا؟ فألننا مختطَفون من جماعات التطرف واإلرهاب التي تعيث في شرقنا العربي منذ فرقة الحشاشني وحتF
جمدوا حياة البشر والحجر منذ توقف املدارس الدينية عن االجتهاد ،واعتبار أن تنظيم داعش اليوم ،ومرتَهنون لفقهاء َّ
ال اجتهاد مع ما قاله مفتون لم تتعد معيشتهم بضع قرى تحيط بهم.
ال شك أن هناك َم ْن يفكر بل يؤمن أنهم -أي الغرب -يجب أن يدفعوا ثمن جرائم أجدادهم ،وتحميلهم ِوزْر ذلك التدافع
والحروب التي حصلت بني أجدادهم وأجدادنا قبل مئات السنني ،وفي الوقت نفسه عل Fالغرب أن يتسامح مع ما
يظنونها حروب العثمانيني في ألبانيا والبوسنة والهرسك ضدهم ،وغيرها من تلك الصدامات العنيفة التي نتجت منها.
السؤال املهم اليوم :هل للعرب مقام في أوروبا بعد كل هذا الفراق الفكري الذي حدث مع الغرب منذ إرهاب »الـ 11من
يوجه هنا للفرنسيني ومن بعدهم كل بالد الفرنجة ،من ال يؤمن بثقافتكم سبتمبر« وحت Fإرهاب باريس األمس؟ الجواب َّ
وال ينصهر معها ال يصلح لكم ،وأنتم ال تصلحون لهم .نعم تلك هي الحقيقة.
ولذلك فإنني أدعوكم ألن تعيدوا لنا أبناءنا من ماليني العرب واملسلمني الذين آويتموهم وحميتموهم وصرفتم عليهم
وفتحتم لهم املدارس واملستشفيات واملالجئ واملساجد ،واعتبرتموهم مواطنني غربيني لهم الحقوق واالمتيازات نفسها
التي تؤدونها ألبنائكم ،ويعيشون معكم تحت سقف العدالة وجودة الحياة ذاتها.
أعيدوهم إل Fبلدانهم األصلية؛ فهي أول Fبهم وبأجنداتهم؛ فحكامهم ودولهم أعرف بالتعامل معهم منكم .من يحلم
بالخالفة أرسلوه إل» Fداعش« ،ومن يريد تطبيق تعاليمه في فرنسا وأملانيا وإنكلترا وإيطاليا ،أرسلوه إل Fبلده
األصلي ليطالب حكوماته بتطبيق أحالمه فيها.
ما سبق كان وصفا ً لواقع الحال في العالقة امللتبسة بني غرب منطلق بسرعة الصاروخ ،بن Fقيمه ومض Fفي طريقه،
وشرق ال يزال متعثرا ً يختبر قيمه الخاصة املختنقة بقراءة خاطئة للنصوص ونظرة حادة لآل َ
خر .
وال حل لالثنني إال باعتراف الشرق بأنه ليس وصيا ً عل Fقيم الغرب ،وأن يتواضع الغرب في أحالمه بتغيير الشرق نحو
قيمه .ما يطمئن االثنان أنهما يعيشان في عاملني مختلفني متضادين ،وإن كانا فوق األرض نفسها وتحت السماء
عينها.