Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 132

¦عبدالعزيز مشري هجاء األسفلت‬


‫واإلسمنت في رواية «الوسمية»‪.‬‬
‫ ¦عبدالرحمن العكيمي ‪ ..‬بين فضاء‬
‫المخيلة والواقع‪.‬‬
‫ ¦الجوف تودع الشاعر والصحفي‬
‫خالد الحميد مؤرخ شعرائها وأول‬
‫صحفي فيها ‪.‬‬
‫ ¦نصوص‪ :‬عبدالرحمن الدرعان‪،‬‬
‫محمد الرياني‪ ،‬حنان بيروتي‪ ،‬‬
‫أحمد النعمي‪ ،‬عبدالهادي الصالح‪.‬‬

‫أحمد المال ‪ ..‬بين الشعر والسينما‬


‫التغيير االجتماعي مرتهن بنهضة ثقافية‬

‫‪64‬‬
‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬
‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬


‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬
‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬
‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬
‫مجاالت النشر‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬
‫شروط النشر)‪.‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬
‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬
‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬
‫فصيحة‪.‬‬
‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬
‫‪ -‬البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬
‫تلك المجالت‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬
‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬
‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬
‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬
‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬
‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬
‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬
‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬
‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬
‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬
‫أكادميية‪.‬‬
‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬
‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬
‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬
‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬
‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬
‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬
‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬
‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬
‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬
‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬
‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬
‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬
‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬
‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬
‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬
‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬
‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬
‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬
‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬
‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬
‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري ‬ ‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬
‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬
‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬

‫قواعد النشر‬ ‫أسرة التحرير‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬‫محمود الرمحي‬
‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬
‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬
‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬
‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬
‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬
‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬
‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬
‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬
‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬
‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬
‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬
‫ال من‪( :‬دار‬
‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬
‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪Alsudairy1385‬‬ ‫‪0553308853‬‬


‫الـمحتويــــات‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫االفتتاحية‪ :‬إبراهيم بن موسى الحميد ‪٤ ..........................‬‬
‫دراسات ونقد‪ :‬أحمد المال‪ ..‬حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك ‪٦ ......‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬العالمة الشعرية الفارقة ‪ -‬د‪.‬انتصار البحيري ‪7 .........‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬الشاعر الذي حفر في طبوغرافية األلم والغياب ‪ -‬محمد العامري ‪٩ ..‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬وأربع سنوات في ماراثون الشغف ‪ -‬عبداهلل السفر ‪١٢ ..‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬حقول شاسعة ‪ -‬إبراهيم الحسين‪١٤ .................‬‬
‫الشاعر أحمد المال ‪ -‬حاوره عمر بوقاسم‪١٦ .......................‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬بين الشعر والسينما ‪ -‬د‪ .‬هناء بنت علي البواب ‪٢٢ ..‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬يرتب فتنة الحضور‪ - !..‬زكي الصدير ‪٢٥ ............‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬حياة تجري من مصب إلى آخر ‪ -‬محمد الحرز ‪٢٦ ..‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬الصديق في الليالي المعاسير ‪ -‬إبراهيم الحساوي‪٢٨ ..‬‬
‫شطحة مع «إياك أن يموت قبلك» ‪ -‬راشد عيسى ‪٣٠ ...............‬‬
‫شعريّة التفاصيل في ديوان «تمارين الوحش» ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عماد الضمور ‪٣٣‬‬
‫فن الديجيتال في التجربة الفنية السعودية من خالل نموذج هناء‬
‫راشد الشبلي ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪٣٦ ..............................‬‬
‫عبدالرحمن العكيمي بين فضاء المخيلة والواقع ‪ -‬د‪ .‬شيمة الشمري‪٤٦ ..‬‬
‫ما وراء الشتاء إليزابيل الليندي ‪ -‬سمير أحمد الشريف ‪٥٠ ...‬‬
‫الباب» لمحمد الحرز‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫«غياب ُِك تركَ دراجت ُه الهوائ ّي َة على‬
‫‪٥٣‬‬ ‫الحدس ‪ -‬عماد الدين موسى ‪.............‬‬ ‫الشاعر وكتابة ِ‬
‫‪٥٦‬‬ ‫عبدالعزيز مشري في رواية «الوسمية» ‪ -‬هشام بنشاوي ‪...‬‬ ‫‪6..........................‬‬
‫‪59‬‬ ‫الحياة وإرباكاتها في "ضيوف الوجع" ‪ -‬نـــوّارة لــحـــرش‪....‬‬
‫‪64‬‬ ‫نصوص‪ :‬أوراق ‪ -‬عمار الجنيدي‪...................................‬‬
‫‪65‬‬ ‫شامة سوداء ‪ -‬عبدالرحمن الدرعان‪........................‬‬
‫أحمد المال‪ ..‬حين نتوه بين‬
‫‪69‬‬ ‫بذور المانجو ‪ -‬محمد الرياني ‪...................................‬‬ ‫شاعريتك وسينمائيتك‬
‫‪70‬‬ ‫ما يشبه القتل! ‪ -‬حنان بيروتي‪..............................‬‬
‫‪72‬‬ ‫خليلي زورا ‪ -‬أحمد المتوكل بن علي النعمي‪................‬‬
‫‪75‬‬ ‫سفر في متاهةِ الحزن ‪ -‬حسين صميلي‪....................‬‬
‫‪76‬‬ ‫جرى مدادي ‪ -‬سعاد الزحيفي ‪..............................‬‬
‫‪78‬‬ ‫قصة حزن ‪ -‬سما يُوسف‪....................................‬‬
‫‪79‬‬ ‫ِخلٌّ وخلي ٌل ‪ -‬عبدالهادي الصالح ‪.................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫أنثى السحاب ‪ -‬نجاة الماجد ‪...............................‬‬
‫‪82‬‬ ‫كمال الحب ‪ -‬عبدالعزيز موسى الحكمي ‪...................‬‬ ‫‪89.............................‬‬
‫‪83‬‬ ‫واحة الحب ‪ -‬فرح الزهراني ‪................................‬‬
‫‪84‬‬ ‫مال ُذ العاشقين ‪ -‬محمد جابر مدخلي ‪......................‬‬ ‫الشاعرة‬
‫‪85‬‬ ‫ترجمة‪ :‬الشاشات كوسيلة تعليمية ‪ -‬د‪ .‬فيصل أبو الطُّ َفيْل‪.......‬‬
‫‪89‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعرة أميرة صبياني ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‪......‬‬ ‫أميرة محمد الصبياني‬
‫‪93‬‬ ‫الشاعرة الليبية عائشة المغربي ‪ -‬حاورها‪ :‬عصام أبو زيد‪.‬‬
‫نوافذ‪ :‬الــجــوف تــودع الشاعر والصحفي خالد الحميد مــؤرخ‬
‫شعرائها وأول صحفي فيها ‪97 .......................................‬‬
‫الشعر العربي أكثر مما يبدو ‪ -‬أحمد البوق‪103 ......‬‬ ‫النعام في ِ‬
‫تعريف للفنّ ‪ -‬الطاهر لكنيزي ‪107 ..............................‬‬ ‫ٌ‬
‫الصحافة ‪ -‬د‪ .‬سليمان الحقيوي‪109 ...‬‬ ‫ذا بـوســت فيلم عن ضمير ّ‬
‫ال فلسفة‪ ...‬وال فذلكة ‪ -‬محمد علي حسن الجفري‪113 .............‬‬ ‫‪97.............................‬‬
‫يا لهوي ‪ -‬فهد عواد العوذة ‪115 .......................................‬‬
‫نجاة خياط ‪ -‬محمد عبدالرزاق القشعمي ‪116 .......................‬‬
‫المثقف ووزارة الثقافة ‪ -‬صالح القرشي‪124 .........................‬‬ ‫الجوف تودع الشاعر‬
‫قراءات ‪125 .............................................................‬‬ ‫والصحفي خالد الحميد‬
‫الصفحة األخيرة‪ :‬عبدالرحمن الشبيلي‪ ..‬كم نفتقد حضورك‬
‫البهي! ‪ -‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪١٢٨ ..................................‬‬ ‫لوحة الغالف‪ :‬للفنانة يسرا العلي من سكاكا‬
‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫يقول أحد العارفين‪ :‬إن الشعراء "وحدهم يوقدون نــارًا يراها الجميع؛‬
‫وحدهم يحملون الشموع‪ ،‬ويفتحون الكون حتى تدخل أشعة الشمس‪ ،‬ويعلموننا‬
‫كيف نحب‪ ،‬وكيف نكون فرسانا‪ ،‬وكيف نموت إذا استوجب األمر ذلك"‪.‬‬
‫فرضت قصيدة النثر وجودها على الساحة الثقافية‪ ،‬منذ أن نشرت الدكتورة‬
‫فوزية أبو خالد ديوانها الشعري األول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» كأول‬
‫ديوان لقصيدة النثر في المملكة‪ ،‬وتتابعت إصداراتها الشعرية بعد ذلك‪ ،‬ثم‬
‫ظهور عدد من األصوات التي تكتب قصيدة النثر حتى ظهور ثلة من شعراء‬
‫النثر‪ ،‬منهم‪ :‬أحمد المال‪ ،‬وعبداهلل السفر‪ ،‬وإبراهيم الحسين‪ ،‬وعلي العمري‪.‬‬
‫"الشعر هو محرّكي األول في الحياة‪ ،‬وبالشعر ومن خالله أعيش لحظة‬
‫بلحظة‪ ،‬وأنظر عبره إلى المستقبل‪ .‬ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي‪،‬‬
‫يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من قلة سالكيها‪ .".‬هكذا يقول الشاعر‬
‫أحمد المال اليوم‪ ،‬وهو الذي بدأ كتابة الشعر في وقت مبكر أثناء دراسته‬
‫الجامعية‪ ،‬عندما كتب القصيدة التقليدية والتي حظيت بتشجيع زمالئه ومن‬
‫حوله‪ .‬ورغم أن الشعر غمره خالل وجوده في الرياض‪ ،‬إال إنه ظل مأخوذًا‬
‫باإلحساء التي كانت تسكنه وتبدو على معالمه وأغصانه‪ .‬يبوح في قصيدة‬
‫الغض ُة لمّا تزل خضرا َء يو َم تنادتْ إلى الماء"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خطها بسعفه "أغصانُنا‬
‫وقد بدأ بعد ذلك توهّ ج أحمد المال‪ ،‬فقد برز كأحد أهم العبي قصيدة‬
‫النثر السعودية من خالل إصداراته المتوالية‪" :‬ظل يتقصف ‪ -‬المؤسسة‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪6‬‬


‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ـاتـاون‬
‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫اف ـ‬

‫العربية للدراسات والنشر‪ -‬بيروت‪1995 -‬م"؛ "خفيف ومائل كنسيان‪ -‬دار الجديد‪1997 -‬م"؛‬
‫"سهم يهمس باسمي‪ -‬دار رياض الريس‪2005 -‬م"‪ " ،‬تمارين الوحش‪ -‬دار الغاوون‪ -‬بيروت‪-‬‬
‫‪2001‬م"‪" ،‬كتبتنا البنات‪ -‬نادي الرياض األدبي‪2013 -‬م"؛ "الهواء طويل وقصيرة هي األرض‪-‬‬
‫دار مدارك ونادي تبوك األدبي‪2014 -‬م"؛ "عالمة فارقة‪ -‬دار مسعى‪2014 -‬م"؛ "ما أجمل‬
‫أخطائي‪ -‬الكويت‪2016 -‬م"؛ "إياك أن يموت قبلك" منشورات المتوسط في إيطاليا ‪2018‬م‪.‬‬
‫أحمد المال قامة ثقافية وطنية جمعت الفنون واألدب والسينما والمسرح في رجل واحد‪،‬‬
‫فقد كان أبرز اإلداريين والفاعلين الثقافيين في المملكة من خالل األعمال التي تقلدها في‬
‫نادي الشرقية األدبي‪ ،‬أو جمعية الثقافة والفنون‪ ،‬كما أنها جمعت اإلداري المحنك الذي‬
‫يقود ببراعته المعهودة المشهد الثقافي المحيط به؛ فمن مهرجان بيت الشعر استطاع‬
‫أن يضع له بصمة مضيئة‪ ،‬والذي كرم فيه الشعراء محمد العلي وفوزية أبو خالد وعلي‬
‫الدميني‪ ،‬إلى مهرجان األفالم السعودية والذي عده عبداهلل السفر "ضربا من الخيال ومن‬
‫الرسم على الرمل أو الماء"‪ ،‬وكتكريم مستحق فقد فاز الشاعر بجائزة محمد الثبيتي للشعر‬
‫عام ‪2015‬م‪.‬‬
‫يقول الشاعر أحمد المال‪ ،‬صاحب الحضور البهي‪" :‬منذ بداياتي في أوائل الثمانينيات‪،‬‬
‫عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن ذاتي‪ ،‬الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة الثقافية‪،‬‬
‫بدءًا بالجامعة والصحافة الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي األدبي‪ ،‬ومنها تعلمت‬
‫ومارست تنشيط العديد من المبادرات الثقافية والفنية‪ ،‬ولم أتوقف أو ألتفت "‪ .‬وفي‬
‫قرار كان في محله أصدر األمير بدر بن عبداهلل بن فرحان وزير الثقافة بتعيين أحمد‬
‫المال رئيساً لمبادرة األرشيف الوطني لألفالم‪ ،‬وسيتولى مركز األرشيف الوطني لألفالم‬
‫مسؤولية الحفاظ على األفــام السعودية وصيانتها بوصفها مكوناً من مكونات الذاكرة‬
‫ال إبداعياً إلنجازات صنّاع األفالم السعوديين منذ نحو ستين عاماً‪ ،‬وذلك‬ ‫الوطنية‪ ،‬وسج ً‬
‫وفق أحدث تقنيات األرشفة المستخدمة في المراكز الدولية المشابهة‪ ،‬إذ جاء في حيثيات‬
‫القرار "ويعد األستاذ أحمد المال من أهم القيادات في مجال صناعة األفالم السعودية‪،‬‬
‫وقد عُرف بتأسيسه وإدارته لمهرجان "أفالم السعودية" منذ العام ‪2008‬م الذي أصبح من‬
‫أهم المنصات السينمائية الخليجية "‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫أحمد‬
‫المال‬
‫حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك‬
‫كأننا نمضغ نجمة لنغفو على ظهر غيمة‬
‫تنفلت خيوط الكلمات حين تتوه‪ ..‬كيف ستبحث عن أحمد المال الشاعر الذي‬
‫الصورة‪،‬‬‫خاص ًا نحو ّ‬
‫ُوجه اهتمام ًا ّ‬
‫السينما ت ّ‬
‫قفز قفزته ليصل إلى السينما!! فإنّ ّ‬
‫الشعر اهتمامه نحو جماليّة الكلمة؛ ما يبعد المسافة بين كليهما‪ ،‬ويجعل‬ ‫ُوجهُ ّ‬
‫وي ِّ‬
‫ك ًّال منهما مستقالٍ بطبيعته‪ ،‬على الرّغم من اتصالهما القوي‪ ،‬في اعتمادهما مع ًا‬
‫والصوت في‬‫البصري ّ‬
‫ّ‬ ‫الصورة البصريّة والمسموعة‪ ،‬وعلى أهميّة المشهد‬
‫على فنّ ّ‬
‫شاهد‬‫الشعر‪ ،‬يتذوّق اللغة‪ ،‬وصوره األدبيّة‪ ،‬أما مُ ِ‬
‫الموسيقى واإليقاع؛ فمتلقّ ي؛ ّ‬
‫الصور المتحرّكة وحبكتها‪.‬‬
‫السينما فيتذوّق إغراء ّ‬
‫ّ‬
‫الصلة‪ ،‬ومــن إمكان تطويرها‪ ،‬مع اإلش ــارة إلى‬
‫لكنّ ذلــك ال يمنع من حضور ّ‬
‫الشعوريّة‪.‬‬
‫بالطاقة ّ‬
‫الشعر في مدّ صورها ّ‬‫السينما‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬قد تستفيد من ّ‬
‫ّ‬
‫وهذا ما تعيشه بين كلمات الشاعر الناثر الكاتب الذي يحول الكلمة إلى مشهد‬
‫مرئي دونه لن تتمكن من االنفالت من سطوة روح أحمد‪ ،‬الذي يثقب قلبك بحبه‬
‫من نظرته األولى التي يقول لك من خاللها‪ :‬إياك أن تموت قبلي!‬
‫فهو الشاعر الذي حوَّ ل الكلمات إلى مشهد حركي مثل تجسيد صوت الرّيح‪،‬‬
‫الطبيعة واألشخاص‪ ،‬ويجعلنا نشاهد لوحةً‬
‫تجسيد لون الغروب‪ ،‬تجسيد شكل ّ‬
‫حقيقيّة‪ ،‬على الرّغم من افتراضيّة عالمها؛ ستتأكد للحظة واحدة فقط أنك أمام‬
‫مبدع متوازن مع ذاته‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪8‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫أحمد المال‪ ..‬العالمة الشعرية الفارقة‬
‫■ د‪.‬انتصار البحيري*‬

‫إنّ الوقـوف علـى ديـوان واحـد لشـاعر تمتـدّ تجربتـه إلـى نصـف‬
‫قـرن مـن الكتابـة‪ ،‬هـو وقـوف منقـوص فـي القـراءات النقديـة؛ فأحمـد‬
‫الملا‪ ،‬شـاعر سـعودي‪ ،‬مـن مواليـد األحسـاء السـعودية ‪1961‬م‪ .‬أصـدر‬ ‫ّ‬
‫المجموعات الشـعرية؛ «ظل يتقصف» ‪1995‬م؛ «خفيف ومائل كنسـيان»‬
‫‪1997‬م؛ «سهم يهمس باسمي» ‪2005‬م؛ «تمارين الوحش»‪2011 ،‬م؛ «كتبتنا‬
‫البنـات» ‪2013‬م‪« ،‬الهـواء طويـل وقصيـر» ‪2014‬م؛ «عالمـة فارقـة» ‪2014‬م؛‬
‫«مـا أجمـل أخطائـي» ‪2016‬م؛ وهـي مترجمـة إلـى االنجليزيـة‪ .‬أسـهم فـي‬
‫إعـداد كتـاب مختـارات الشـعر السـعودي‪ ،‬وأنطولوجيـا الشـعر الحديـث‪،‬‬
‫باإلضافـة إلـى كتابتـه لعـدة سـيناريوهات ومسـرحيات‪ ،‬واإلشـراف علـى‬
‫إدارة عديد من المؤسسات والجمعيات واألقسام الثقافية‪ .‬كتب العديد‬
‫من مقاالت الرأي الصحفية المنتظمة‪ ،‬وشارك في مهرجانات شعرية‬
‫محليـة ودوليـة عديـدة‪ ،‬وحـاز علـى جائـزة محمـد الثبيتـي الشـعرية لعـام ‪2016‬م‪.‬‬

‫هذا االهتمام معروف في شعر الحداثة األميركي‬ ‫وال يخفى على أحد أن أحمد المال الشاعر‬
‫منذ بدايات القرن العشرين‪ ،‬تبقى درجة تمثُّله في‬ ‫الــســعــودي الــحــداثــي المتمرد على حــرفــه قبل‬
‫الشعر العربي بحاجة إلى التدقيق النقدي‪ ،‬على رغم‬ ‫كتابته هو مختلف جدا‪ .‬الشاعر له تجربة عميقة‬
‫أننا إزاء ما يشبه «الظاهرة» في شعرنا الحديث‪.‬‬ ‫وواعية وتحمل رؤيا جديدة للعالم‪ ،‬وهذه التجربة‬
‫أخلصت لروح النص من جانب‪ ،‬ومن جانب أخر‬
‫ومما يظهر في نصوصه‪ ،‬ذلك التجلي الذاتي‬
‫خاضت تجربة قصيدة النثر المميزة؛ هذا من‬
‫تجل طيفي وشبحي‪،‬‬ ‫للمشهد‪ ،‬وهو على كل حال ٍ‬
‫ناحية البناء أو المعمار الشعري‪ ،‬أما من ناحية‬
‫فهو ال ينشغل باستبصاره أو اكتناه بواطنه‪ ،‬ولهذا‬
‫المضمون‪ ،‬فقد فوقع في منطقة وسطى ما بين‬
‫فقصيدته قصيدة حــيــاديــة‪ ،‬أو يمكن إحالتها‬
‫القديم والحديث‪ ،‬فشعره امتداد للقصيدة العربية‬
‫بسهولة إلى الغرض الوصفي؛ شتَّت التسمية أم‬
‫عبر مراحلها التاريخية في شيء من مضمونها‬
‫قرُبتْ ‪.‬‬
‫على الــرغــم مــن مــحــاوالتــه االنــفــات منها‪ ،‬إال‬
‫وفي ديوان المال‪ ،‬نلمس كثيراً من مواضع هذا‬ ‫إنه دائم التمرس مع الحداثة والبحث عما يثير‬
‫الوصف الصوري المحايد‪:‬‬ ‫تناصه وتعامله مع‬
‫الــقــاريء؛ ليكون ج ــادًا فــي ّ‬
‫طفل‬
‫(تلك العرب ُة ملقاةٌ على الرصيف‪/‬عرب ُة ٍ‬ ‫المفردة‪ ،‬كذلك معاصر في ابتكاره للصور الفنية‪.‬‬
‫فالقاريء في ديوانه (ما أجمل أخطائي)‪ ،‬يجده مدهوسة‪/‬وعام ُل الدكان‪/‬يشطفُ ال ّد َم والزجاجَ‪/‬‬
‫مختلفا باهتمامه بالمشهد والصورة‪ .‬ومع أن مثل من الشارع)‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫سوى استذكار لتفاصيل تلك الحياة التي مرت‪،‬‬
‫لكننا حين ندقِّق في تلك التفاصيل المستذكرة‬
‫نجدها متمثلة في شكل أساس في عالم الطفولة‬
‫وأجوائها الذهبيَّة‪.‬‬
‫فمنذ عتبات نصوصه تجد رومانسية الولهان‬
‫المتعب من عمر مضى بين العتاب والرضى‪،‬‬
‫فيشي عنوان القصيدة بين الشك واليقين في‬
‫اللقاء‪ ،‬ويبقى الحلم هو حضور لألنا أو إثبات‬
‫للذات؛ فما أجمل مطلع القصيدة الذي يأخذك‬
‫في رومانسية عالية‪ .‬وتجد روحك في القصيدة‬
‫ولو تأملت بشكل خارجي وشكلي للمشاهد في بين الرجاء واليأس‪ ،‬وبين الموت والحياة‪ ،‬فبعدما‬
‫قصيدته‪ ،‬ستجدالقصائد هي التقاطات منتقاة تيأس النفس من حلم التالقي‪ ،‬ويموت الهوى‬
‫من مشاهد متنوعة‪ ،‬كــأ ّن ثمة كاميرا محمولة‪ ،‬والشوق للحبيب‪ ،‬يبقى قلق الروح معلقا بالحلم‪.‬‬
‫تتحرك‪ ،‬وإلى جانبها لغة تصف ما يجري‪:‬‬
‫هذه حال العاشق المتقلب على جمر النار أو‬
‫«يــدي ممدودةٌ إلى أغصان الطريق‪/‬ثمارها‬
‫على شاطئ من نــار؛ فالشاعر يستعيد المكان‬
‫يانع ٌة وفــي متناول النظر‪/‬لكنّي في عجلةٍ ‪/‬من‬
‫والزمان الذي يحمل الصور والذكريات‪ ،‬فالمكان‬
‫أركض إلى شجرةٍ لستُ أراها‪ /‬أسر ُع نح َو‬
‫ُ‬ ‫أمري‪/‬‬
‫هو الحبيب والحبيب هو المكان‪ ،‬كما كان في‬
‫زهرةٍ ال أعرفُ اسمَها‪/‬وأم ّي ُز رائحتَها من بعيد»‪،‬‬
‫الطلل عند شعراء العربية‪ ،‬وهذا حال المال حين‬
‫وكأن كاميرة تسرع بك لتلتقط معك كل مشهد‬
‫يتجرد من ذاته ألخرى تقول عنه كل ما يريد‪.‬‬
‫يحيرك‪ ،‬ومــا أن يصفو ذهنك حتى تصل إلى‬
‫ومما ينبغى معرفته أنــه شاعر ساخر من‬ ‫المشهد الذي يليه لتجد نفسك مكتنزا بحروفه‬
‫األصدقاء والشعراء في أغلب نصوصه‪ .‬والمطّ لع‬ ‫وكلماته وأفكاره متالحقة متتابعة‪.‬‬
‫إنها رؤيــة العابر المتعجِّ ل‪ ،‬مشاهد خاطفة على ديوانه «إياك أن يموت قبلك»‪ ،‬يكتشف مدى‬
‫ال تكاد تأنس إلى استبصار داخلي‪ ،‬والمسافة عالقته الساخرة باآلخر؛ كما يكثف الشاعر خيار‬
‫التي يخلقها المال بين حياته الشخصية‪ ،‬وما الصدام بلجوئه للسخرية من الشعراء المؤمنين‬
‫يتشكل مــن مشاهد يومية‪ ،‬هــي تلك المسافة بما سلموا من وهْم ورثوه عن أسالفهم‪ ،‬في قصيدة‬
‫الحرجة بين شؤونه الصغيرة الغائبة ويوميات «الــســمــاوات الــســبــع»‪ ،‬وغيرها مــن الــمــوروثــات‬
‫اآلخرين الحافلة‪ .‬كأنها استعادة صور بعيدة في والمعتقدات التي يرطمها بشعره عرض الحائط‪،‬‬
‫ذاكرة الشاعر‪ ،‬وأعني عالم الطفولة‪ ،‬وما الكتابة ليشكل عالمة شعرية فارقة مميزة‪.‬‬
‫* كاتبة لبنانية مقيمة في األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪10‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫أحمد المال‪ ..‬الشاعر الذي حفر في‬
‫طبوغرافية األلم والغياب‬
‫■ محمد العامري*‬

‫شكّ لت نـصــوص الـشــاعــر الـسـعــودي أحـمــد الـمــا مـفــارقــة نــوعـيــة‪ ،‬فيما يخص‬
‫مناكفتة لتقليدية القصيدة الشائعة في السعودية بشكل عام‪ ،‬مع األخذ بعين‬
‫االعتبار االستثناءات هنا وهـنــاك؛ فهي مكونات لنتوء يجد نفسه في مواجهة‬
‫معرفية لغنائية قوية وعذبة أيضا‪ ،‬أقــرب إلى مزامير إيقاعية اعتادها اإلنسان‬
‫العربي منذ عصر ما قبل اإلسالم؛ سلطة ذات بعد تاريخي متحقق كمثال للشعر‪،‬‬
‫وقــالــب يـتـحـوّل بـبـعــده الـتــاريـخــي إل ــى أيــدولــوجـيــا تتمترس خـلــف عـمــود الشعر‬
‫ومتطلباته التقنية وبطلها بحور الخليل بن أحمد‪ .‬فقصائد أحمد المال هي‬
‫حقل مــن الـشــوك تتجاوز الشكل المعتاد للشعر «عـمــود الشعر»‪ ،‬وجــاء كــدّ ه من‬
‫يقينيتة بأن الشعر هو الشعر بصرف النظر عن اإلناء الذي يُسكب فيه‪ ،‬وقد فتح‬
‫المجال للنقاد الختبار مثل هذه النصوص المناكفة‪ ،‬والتي شكلت حقال خصبًا‬
‫ألسئلة الشعر ومدايات مواكبته إليقاع العصر‪.‬‬

‫فانمازت نصوصه بالتوتر العالي ووعورة‬ ‫فنرى أن مستوياته وأبــعــاده المعرفية‬


‫الولوج إلى مركبات النص‪ ،‬بكونه نصا يتمثل‬ ‫قــد جــالــت فــي ذاتــيــة الشاعر الموجوعة‪،‬‬
‫مرجعيات فلسفية فــي مــوضــوعــة الموت‬ ‫كنموذج على بؤس العالم وقسواته المركبة‪،‬‬
‫اختبار‬
‫ٍ‬ ‫والــذات والحب والحنين‪ ،‬فنحن في‬ ‫المل هو مؤشر واضح‬
‫فما رشح من شعرية ّ‬
‫لنصوص شعرية تمتلك عين صقر تصطاد‬ ‫على مناخات شعرية تواكب ما يحدث للعالم؛‬
‫حساسية الجملة الــصــافــيــة األقـ ــرب إلــى‬ ‫إذ تبدالت القيم العابرة للحدود إلى جانب‬
‫تقنيات النص الصوفي باختالف الصفات‬ ‫تفاعالت الذات بوصفها عالمة تتحرك في‬
‫في الموضوع والتوجه‪.‬‬ ‫أفق من التحوالت اإلنسانية الصادمة‪ ،‬وما‬
‫فــي هــذه العجالة ســأتــنــاول كتابه «ما‬ ‫تعـالق معها مــن ب ــؤرات لألسى والــخــراب‪،‬‬
‫أجمل أخطائي» كنموذج يحك جوهر الذات‬ ‫فأحدثت بذلك خرقا وشرخا في تصوراتنا‬
‫الشعرية وموقفها من العالم‪ ،‬بل هي أقرب‬ ‫للبنية الكلية لماهية الشعر اآلن‪ ،‬بعيدًا‬
‫إلــى مــواربــات ســيــرو ّيــة تفضح بمكوناتها‬ ‫عن الجدل الشكلي الذي أحدثته مثل هذه‬
‫طفولته وشبابه «وآنه»‪ ،‬وسأبدأ من مفتتحات‬ ‫األنماط من الشعر‪ ،‬ففي كل تحوّل جمالي‬
‫الكتاب وعتباته‪ ،‬والتي تؤشر على تمجيد‬ ‫يواجه متاريس الماضي‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫نهايات مأساوية‪ ،‬إذ تتكرر في هذا الكتاب‬ ‫األخــطــاء كــعــنــوان الخــتــبــار الحقيقة عبر‬
‫مفردات الخسارة والقنوط؛ منها أتخبط‪،‬‬ ‫السؤال الحر‪ ،‬تمامًا كما فعل آدم في ارتكابه‬
‫وممرا ضيقا‪ ،‬وغابة يابسة وعيون بال أجفان‪،‬‬ ‫خطأ تفاحة المعرفة‪ ،‬من باب اختبار تلك‬
‫أغنية‬
‫ٍ‬ ‫نــوبــات الــســعــال‪ ،‬مــدَّ ذراعـــاً هزيلة‪،‬‬ ‫الثمرة الرامزة لمدايات غموضها والدخول‬
‫جف عض ُل النداء‪،‬‬ ‫حزينة‪ ،‬وج ٌع سُ َّر به الندم‪َّ ،‬‬ ‫إلى جوفها الصطياد الرائحة‪ ،‬رائحة الرفض‬
‫بابتسامات‬
‫ٍ‬ ‫واسو َّد دمُها؛ خ َّث َرهُ األلم‪ ،‬ملطّ خا‬ ‫واالستلذاذ بذوق الدهشة من خالل اختبار‬
‫جــا ّفــة‪ ،‬يخنقني الــهــواء‪ ،‬ال ـدُّخــان األس ــود‪،‬‬ ‫جوهر األشياء للوصول إلى نسغها المكثف‪.‬‬
‫تجاعيد جبينك‪ ،‬القبر المهجور‪ ،‬مفتا ٌح‬
‫فــحــيــن يــســمــي الــشــاعــر أحــمــد الــمــا‬
‫رغبة‬‫ٍ‬ ‫مجهولٌ‪ ،‬تأكل ُ ُه الوحشة‪ ،‬شدّة الظالم‪،‬‬
‫مجموعته بــ«ما أجمل أخطائي»‪ ،‬ال بد من‬
‫هَ رمَة‪ .‬فهو بذلك يشيّد بنيان الخسارات في‬
‫قصدية داللية لهذه العتبة التي تحيلك إلى‬
‫معظم مناخات الكتاب‪ ،‬فاألصابع في رجفتها‬
‫مكونات جسد الكتاب وتوجهاته في نبش‬
‫ال تجد مفتاح الضوء‪ ،‬وهــذا ما أشــار إليه‬
‫المسكوت عنه أو الــمــحــرم‪ ،‬كــون الخطأ‬
‫«بول ريكور» في مسألة سيادة هوية سردية‬
‫اقترن بالمحرم تاريخيًا‪ ،‬فتمجيد األخطاء‬
‫وتشييدها‪.‬‬
‫هو تمجيد للسؤال الحر والبعيد‪ ،‬السؤال‬
‫ويتابع المال امتداع خساراته عبر سردية‬ ‫المتجاوز لكل المحذورات والتابوهات‪ ،‬ففي‬
‫هذا المقطع على سبيل المثال والذي يقول شعرية يصعب الفكاك منها لــدى القارئ‪،‬‬
‫وذلــك لذكاء صياغاتها وتسلسلها للوصول‬
‫فيه‪:‬‬
‫إلى صدمة الخاتمة‪ ،‬وهذا األمر ال يتأتى إال‬
‫أغصان تتسلّقُ من كاتب احترف الكتابة وأوقع القارئ في‬ ‫ٍ‬ ‫ّط‪ ،‬عُ نو ًة بينَ‬
‫أمسيت أتخب ُ‬‫ُ‬
‫فخاخ نصوصه عبر لذة التتابع للوصول إلى‬ ‫الظالم‪،‬‬
‫نتيجة العاطفة وجريانها في جسد النص‪،‬‬ ‫أشيحها بذراعي بعزم ساطورٍ‬ ‫ُ‬
‫ونرى إلى المقطع التالي بقوله‪:‬‬ ‫يفتحُ مم ّر ًا ضيّق ًا في غابةٍ يابسة‪.‬‬
‫وحل‪،‬‬
‫تغوص قدماي في ٍ‬ ‫ُ‬
‫انتبهت لهُ مبكّ ر ًا‬
‫ُ‬ ‫ظننتُ هُ اسمي الذي‬
‫أجفان تتدلَّى من السقف‬ ‫ٍ‬ ‫وعيون بال‬
‫ٍ‬
‫وأوجـعـنــي ت ـك ــرا ُر ُه على وج ــوهٍ كثيرة مما‬
‫وف ــي رجـفـتـهــا ال ت ـج ــدُ أصــاب ـعــي مـفـتــا َح‬
‫أوهنَ ساعدي‪.‬‬
‫الضوء‪.‬‬
‫عرفت أنّهُ الزمن‬‫ُ‬ ‫ومن ثم‬
‫ورا َفـ َقـنــي مـثــلَ صـخــرةٍ تـتــدحــرجُ مــن قمّ ة‬ ‫ففي هــذا المقطع الــذي ينسحب على‬
‫حياتي‬ ‫طبيعة مركبات الجملة «الشعر سريدة»‪ ،‬تمثل‬
‫انتبهت إلى أنّه المكان‬‫ُ‬ ‫والحق ًا‬ ‫مفاتيح مهمة على طبيعة المعنى الذي يبثه‬
‫ـوط‬
‫ومـ ـج ــاز ًا يُ ـســمّ ــى الـقـبــر وه ــا ه ــو مــربـ ٌ‬ ‫الشاعر عن ذاتيته الجمعية‪ ،‬تلك الذات التي‬
‫بساقي‪ ،‬وتجرُّ ني صرختي إلى القاع‪.‬‬ ‫تسرد نفسها في تراسل شعري يقودك إلى‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪12‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫خزان الغياب والدمع‪ ،‬تراجيدية قاسية تؤشر‬ ‫ال‬


‫فــي هــذا المقطع‪ ،‬سعى الشاعر الم ّ‬
‫إلى وعي فلسفي ووجودي لدى الشاعر في‬ ‫الــحــداثــي إلـــى تــثــويــر تــقــانــاتــه الــشــعــريــة‬
‫استخداماته المركبة لفكرة الخلق في تفتحه‬ ‫وإنجازه الجمالي القائم على المغايرة عبر‬
‫وغيابه‪.‬‬ ‫إتاحة الفرصة للقارئ للدخول في تأويل‬
‫الجملة الشعرية التي تحمل بعدًا وجوديًا‬
‫فتلك العوالم التي تسير باتجاه عوالم‬
‫وفلسفيًا‪ ،‬فقد جمع بين أكثر مــن مسألة‬
‫متالحمة‪ ،‬تقف فيها الـــذات على حــواف‬
‫تخص موضوعة الموت‪ ،‬منها اسمه والزمان‬
‫التخييل المستمدة من واقع الذات وانمحائها‬
‫والــمــكــان‪ ،‬إضــافــة إلــى الــقــنــاع األســطــوري‬
‫في رحى الكون‪ ،‬فهي ثنائية عجيبة تجمع بين‬
‫بصفاته األبدية مثل القبر والقاع‪ ،‬أي المكان‬
‫كميرا المشهد والسرد من خزان الذاكرة‪.‬‬
‫الغائر المعد للمدفونات والغياب الكامل‪ .‬وما‬
‫وخــاصــة الــقــول‪ ،‬أن كــتــاب «م ــا أجمل‬ ‫يلفت االنتباه أن تلك السيروة الشعرية تحتمل‬
‫أخطائي» يمثل رثــاء مغايرًا للعالم والــذات‬ ‫الذات الشخصية‪ ،‬وصفات الذات الجمعية‬
‫معًا‪ ،‬بادئًا من قوة المفتتح الممثل بعنوان‬ ‫بمحيطها الــكــونــي‪ ،‬الــســرديــة التي أقصت‬
‫الكتاب‪ ،‬والــذي يشي بطبيعة توجهاته فيما‬ ‫الغنائية وانتصرت للفعل التراجيدي الدرامي؛‬
‫يخص الموضوعة المتناولة في الكتاب من‬ ‫ليجد في القناع األسطوري السيزيفي جزءًا‬
‫ومعان‪ ،‬وهــذا األمــر يتم بتضميد‬ ‫ٍ‬ ‫مضامين‬ ‫مــن تلك الــدرامــيــة‪ ،‬درامــيــة الــغــيــاب‪ ،‬حيث‬
‫أيقوناته المعجمية ودالالتــهــا‪ ،‬وصــوال إلى‬ ‫يرافقه الزمن مثل صخرة تتدحرج من أعلى‬
‫الرمز والمضمون الغائر في ثنايا النص‪،‬‬ ‫حياته‪ ،‬ويصدم القارئ لينكتشف أنه المكان‪،‬‬
‫طبوغرافيا لأللم‪ ،‬وتمجيداً الختبار الحياة‪.‬‬ ‫وأي مكان‪ ،‬القبر والحفرة الغائرة في التراب‪،‬‬
‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫*‬‫أحمد المال‪ ..‬وأربع سنوات‬
‫في ماراثون الشغف‬
‫■ عبداهلل السفر**‬

‫أحمدُ المال‪..‬‬
‫اإلداري بار َع التخطيط‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قبل أن يكون‬
‫اإلداري رائ َع التنفيذ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قبل أن يكون‬
‫القيادي البارز الذي يعرف ما يريده تماماً‪ .‬وتمام ًا‬
‫ُّ‬ ‫قبل أن يكون هذا وذاك؛ هو‬
‫وحس‬‫ِّ‬ ‫يعرف العقبات وال يأبه لها‪ .‬الهدف أمامه وال يحيد عنه‪ ،‬عنده من الجرأة‬
‫المغامرة العالي؛ ما يجعله ال يفرّط فيه‪ .‬ولديه من فائض الحماس والكاريزما؛‬
‫ما يطلِ قُ عدوى العمل في مَن حوله؛ فإذا بالمكان خليّةٌ عامرة بالجهد واألفكار‬
‫وبالنتائج الباهرة‪.‬‬

‫يطيب لي أن أسمّيه‪« :‬التوحّ ش في النشاط»‪،‬‬ ‫يــقــود‪ ..‬لكنه عضو ضمن فريق العمل‪،‬‬
‫والــذي تعجز عن مقاربته‪ ،‬أو الدن ّو منه إ ْن‬ ‫يوضح‬
‫ودائماً ما يقول ويعني ما يقول إنه كما ّ‬
‫ّات‬‫عدداً أو نوعاً‪ ،‬مؤسساتٌ رسمية وبميزاني ٍ‬ ‫المثل الــدارج «عود من عرض حزمة»؛ رأياً‬
‫مليونية‪ .‬نافورة ثقافية عارمة تتدفّق بألوانها‬ ‫ومقترحات وإنــجــازاً‪ .‬وربــمــا إش ــارة واحــدة‬
‫ٍ‬
‫الزاهية غالبَ أيام األسبوع‪ ،‬وليس نادراً أن‬ ‫تحمل معنى االنهماك في الشُّ غل وفي المتابعة‬
‫فعالية في الليلة نفسها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تصادف أكثر من‬ ‫حلقة من‬
‫الدقيقة حتى إسدال الستار‪ ،‬وانتهاء ٍ‬
‫هذا الجانب من الك ّم ال يبتعد عنه النوعي‬ ‫حلقات النجاح وإعالن استمراريّته‪ .‬تراهُ في‬
‫وال ينفكّ عنه‪ ،‬ودليلنا المهرجانات العديدة‬ ‫تلك الليلة ال يهدأ إلى كرسيّة في الصف األول‬
‫التي صافحت الجمهور طــوال أربــع سنوات‬ ‫مع ضيوفه؛ تلقاه طائفاً متفقّداً ال يستق ّر في‬
‫هي عُمر أحمد المال اإلداري في دفّة جمعية‬ ‫ال من الراحة»‪ .‬هي‬ ‫مكان‪ ،‬وال يأخذ «فاص ً‬ ‫ٍ‬
‫الثقافة والفنون بــالــدمــام‪ .‬معه المهرجان‬ ‫حال ٌة استثنائ ّي ٌة من الشغف والرغبة العميقة‬
‫يكتسي معناه الحقيقي ال مجرد لفظ وعنوان‬ ‫في مشارفة حــدود الكمال وإخ ــراج العمل‬
‫للمباهاة الفارغة‪ .‬وقد تابعت عن قرب واحداً‬ ‫بالصورة المرتجاة والمخطّ ط لها كيف تكون‬
‫من هذه المهرجانات؛ «مهرجان بيت الشعر»‬ ‫أمام الجمهور على المسرح‪ ،‬وبمعيار رهيف‬
‫في دورته األولى بتكريم محمد العلي‪ ،‬والثانية‬ ‫يحسب للحركة ميقاتها‪ ،‬وللدقيقة حسابها‪.‬‬
‫بتكريم فــوزيــة أبــو خــالــد‪ ،‬والـ ــدورة الثالثة‬ ‫وربما‪ ،‬بسبب هذا الشغف االستثنائي وتلك‬
‫ازدهت بتكريم علي الدميني‪ .‬فالتكريم يأخذ‬ ‫الرغبة العميقة‪ ،‬نشهد هذا المدى الفارق الذي‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪14‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫صبغته الفنية واالحتفالية واألدبية والتوثيقية‬
‫بعيداً عن الكلمات اإلنشائية الخاوية وعن‬
‫الدرع المعهود‪ .‬كما أن المهرجان ينفتح على‬
‫عــرس ثقافي شامل ال يحضر فيه الشعر‬
‫وحده‪ ،‬إنما مروحة جاذبة من الطيف الثقافي‬
‫والــمــمــارســات اإلبــداعــيــة؛ فــتــغــدو قــاعــات‬
‫منص ٍات‬
‫ّ‬ ‫الجمعية‪ ،‬وغرفها أثناء المهرجان‪،‬‬
‫للفعل الجمالي والتفاعل الخالق‪ ،‬تنبعث من‬
‫الشعر والموسيقى والغناء‪ ،‬ومــن التشكيل‬
‫والفيديو آرت‪ ،‬ومن تلك الحميمية الطالعة تبرز عالمة مضيئة وشاهقة هي «مهرجان‬
‫أفالم السعودية» الذي كان ضرباً من الخيال‬ ‫عبر توقيع الكتب‪.‬‬
‫تقول الحكمة «دع مائة زهرة تتفتّح»‪ ،‬وأخال ومن الرسم على الرمل أو الماء‪ .‬أحمد عرّابٌ‬
‫جمعية الثقافة والفنون خالل هذه السنوات ورائي‪ ،‬والصورة اآلن ال تشهد إال بذلك‪ .‬في‬
‫األربــع هي الحقل المواتي بانفتاح الجمعية هذه السيرة أحمد ليس بالجريء المغامر‬
‫على الملتقيات األهلية ذات االهتمامات وحسب‪ ..‬بل والمقامر‪ .‬بال بنية تحتية‪ ،‬بال‬
‫األدبية واإلبداعية‪ ،‬بتوفير المكان واالهتمام‪ ،‬ميزانية‪ ،‬بــا ضــوء أخــضــر (وه ــذا الضوء‬
‫وبتسليط الضوء على فعاليّاتها ومطبوعاتها‬
‫خط تحته)! وهذه البال «البلية»‬‫يحتاج مائة ٍّ‬
‫من خالل الحضور الثقافي وعبر المتابعة‬
‫كم تغلظ ويرتفع بها السياج إذا علمنا ممانعة‬
‫الصحفية‪ .‬ويكبر هــذا الحقل بالعديد من‬
‫المتشددين واستنفارهم المنظّ م والمعروف‬
‫األنــشــطــة تــحــت مــسـ ّمــى «بـــيـــت‪»...‬؛ «بيت‬
‫للوقوف أمام هذا الفضاء الجمالي وإفشاله‪.‬‬
‫الشعر»‪« ،‬بيت السرد»‪« ،‬بيت السينما»‪« ،‬بيت‬
‫منتجات لدى أحمد سرديّته المثيرة عن هذه التجربة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الكوميديا»‪ ...‬هذه الـ «بيوت» ليست‬
‫وهميّة تُنثَر في الهواء وتُترك للريح‪ ،‬بل هي وأتمنى أن يرصدها على ال ــورق‪ ،‬يــومـاً ما‬
‫مقترحات صلبة قابلة للتنفيذ وبأبهى صورة‪ ،‬إذا ما سمح لها مارثونه المتعدّد األقطاب‬
‫وسجّ ل اإلنجاز لسا ٌن ال يخذل الجمعية وال بالتقاط األنفاس‪.‬‬
‫هذا هو أحمد المال الصدي ُق الذي أحب‪،‬‬ ‫مشروعاتها‪.‬‬
‫في سيرة أحمد المال الثقافية واإلدارية‪ ،‬هذا هو أحمد المال اإلداريُّ الذي به نفخر‪.‬‬

‫ * مع نهاية مهرجان بيت الشعر في دورته الثالثة‪ ،‬أنهى أحمد المال عمله التطوعي مديرًا إلدارة جمعية‬
‫الثقافة والفنون بالدمام (ديسمبر ‪2013‬م ديسمبر ‪2017‬م)‪.‬‬
‫** قاص وكاتب وناقد من السعودية‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ٌ‬
‫حقول شاسعة‬ ‫أحمد المال‪..‬‬
‫■ إبراهيم احلسني*‬

‫أحمد أيّها الجميل‬


‫إنّ حقولك الشاسعة‬
‫حقولك التي حرثتها وزرعتها بقلبك ودمك‬
‫ّاعات وﻻ أسوار‪ ،‬فباتت معروفةً تهوي‬
‫حقولك التي تركتها هكذا‪ ،‬مفتوحة بال فز ٍ‬
‫وتتواصى بها‪..‬‬
‫َ‬ ‫إليها الطيو ُر‬
‫إنّ حقولك تلك يا أحمد‪ ،‬ستبقى محميّةً بنظرتك وﻻ سبي َل إلى حرقها‪..‬‬
‫ستبقى محميّةً بابتسامتك الناضجة التي تقطر عسالً‪.‬‬

‫لك الجذع يجمع خضرته‬ ‫‪ ...‬أما أحمد فروحه في الليمون‬


‫ولك عتمة التراب‬ ‫وأعضاؤه في الشجرة‬
‫لك حرارة الطين تستوي فيها‪،‬‬ ‫الخضرة يفتح عيونه‬ ‫في ُ‬
‫يشف‬
‫ّ‬ ‫الخضرة‬‫وفي ُ‬
‫تخطها فيه‪..‬‬
‫ّ‬ ‫وتسوي خطوطك اﻷولى‬
‫الخضرة يشعّ وجهه‬ ‫في ُ‬
‫لك هواجسك البيضاء تتجذّ ر فيها‪،‬‬
‫الخضرة تونع نبرته‬ ‫وفي ُ‬
‫وت ـلــمّ ح ـجــرك‪ ،‬مــا يمنحك ث ـق ـ ًا ويـشــدّ‬
‫يقول للشجرة‪:‬‬
‫إليك صوتك‪..‬‬ ‫السالم عليك يا أمي‬
‫ترفع ذراعا خضراء‪..‬‬ ‫والسالم على جذعك وعلى أغصانك‪..‬‬
‫وتزيح غطاءك وتشقّ سترك‪،‬‬ ‫والسالم عليَّ يو َم أغمغم‪،‬‬
‫لك ما يسأم إقامتك في الخفاء‪..‬‬ ‫كيف هي أحوالك وأحوال ظاللك‪،‬‬
‫ويودُّ أن يجهر بك‪،‬‬ ‫جئتك من آخر قميصي‬
‫وجدت ممرّا بين شهقتين فمرقت‬
‫يعلنك ويعلن كلماتك‬
‫وجدت غصنك يومئ لي فخطفت‬
‫لك الجذع ولك اﻷوراق ولك وجهك‬
‫وجدت وحدتي غافية فانسللت‬
‫ولك عيونك‪..‬‬
‫وها أنا قد وصلت إلى رائحتك‬
‫زهرتك مختبئة فيك‬ ‫فخذيني بقوّة‪..‬‬
‫زهرتك التي تربّيها وتنقّ حها‬ ‫أنا في الليمون‪.‬‬
‫زهرتك التي تنفطر وتُدلِ ي بها‪،‬‬ ‫***‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪16‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال‪ ،‬عشق الطبيعة انعكس على شاعريته‬

‫زهرتك التي ينشقّ عنها قلبك ويشهرها لك اليد التي تهز لغتك لكي تنام‪،‬‬

‫لك حروفك الصغيرة‪..‬‬ ‫لك الهواء يرفع أسماءك ويضيء‬

‫ل ــك ال ـش ـجــرة ال ـتــي تـنـشــد أغـصــانـهــا في‬ ‫ْك مرّة‪..‬‬


‫لك اﻷهلّة التي أضاءت‪ ،‬حَ َبت َ‬
‫طوت حولك ذراعيها لما وقعت عليك‪..‬‬
‫كتفيك وذراعيك‪..‬‬
‫حدّ ثتها الفراشات والنسائم‪،‬‬
‫ولك عصافيرك‬
‫وح ــدّ ثـ ـتـ ـه ــا ال ـ ـظـ ــال عـ ــن ثـ ـي ــاب ــك وع ــن‬
‫الصفرة‬
‫تهش ُّ‬
‫لك من الشجرة ما يجعلها ّ‬
‫أناشيدك‪..‬‬
‫عن أغصانها وأوراقها‬ ‫حدّ ثتها عن شقوق ثمرتك‬
‫ول ــك منها مــا يـمــدّ الـشـجــرة عميقا في‬ ‫التي أحدثتها فيها شدّ ة وجهك‪..‬‬
‫مائها ويجعلها نضرة‪.‬‬ ‫واحتدام فمك‪..‬‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫في حوار مع الشاعر أحمد المال‪..‬‬
‫في المشهد الشعري العربي‪ ،‬ثورة فنية‪ ،‬عززت تعرُّ فنا عليها وسائل التقنية الحديثة‬
‫الشعر العربي يتحول عميقا ويتشكل في صيغة كونية‪!..‬‬
‫المشهد الشعري في السعودية‪ ..‬طاقات ملهمة‪ ،‬ومنتج نوعي‪ ،‬وتجارب متفردة‬
‫بعض نصوصي الشعرية تذهب إلى السينما‪ ،‬والفنون البصرية‪ ،‬بعفوية غامضة‪!..‬‬

‫سعدت كثيرا بإنجاز هــذا الحوار مع شاعر وثَّ ــق حضوره وتميزه في المشهد‬
‫الشعري السعودي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬الشاعر أحمد المال‪،‬‬
‫والذي يدهشك بقصيدته التي تحمل الكثير من التفاصيل المتعلقة بحياته من‬
‫الذاكرة واليومي المعاش‪ ،‬ومن تجربته الغنية من فضاءات عدة‪ ،‬التي أكسبته لغة‬
‫تشبهه كثيراً؛ فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا‪ ،‬وقدرة على أن يحاصرها بذاته الشاعرة‪« ،‬ظل‬
‫يتقصف‪ -‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ -‬بيروت‪1995 -‬م»؛ «خفيف ومائل‬
‫كنسيان‪ -‬دار الجديد‪1997 -‬م»؛ «سهم يهمس باسمي‪ -‬دار رياض الريس‪»،2005 -‬؛‬
‫«تمارين الوحش‪ -‬دار الـغــاوون‪ -‬بيروت‪2001 -‬م»؛ «كتبتنا البنات‪ -‬نــادي الرياض‬
‫األدب ــي‪2013 -‬م»؛ «ال ـهــواء طــويــل وقصيرة هــي األرض‪ -‬دار م ــدارك ون ــادي تبوك‬
‫األدبي‪2014 -‬م»؛ «عالمة فارقة‪ -‬دار مسعى‪2014 -‬م»؛ «ما أجمل أخطائي ‪-‬الكويت‪-‬‬
‫‪2016‬م»‪ ..‬هــذه اإلص ــدارات حتما تقودك لشاعر يؤمن بقصيدته‪ ،‬قصيدة النثر‪،‬‬
‫بوصلة روحه ومجنونته وجنونه‪ ..‬والتي قادتنا أيضا لهذا الحوار‪..‬‬
‫■ حاوره عمر بوقاسم‬

‫والعربية في عــام ‪1995‬م‪ ،‬مجموعته‬ ‫الشعر هو محركي األول في‬


‫ال ـش ـع ــري ــة «ظـ ــل ي ـت ـق ـص ــف»‪ ،‬إلـ ــى أن‬ ‫الحياة‪!..‬‬
‫قــاربــت إصــدارتــه الشعرية حتى اآلن‬ ‫ ¦أحـمــد الـمــا مــن أب ــرز األس ـمــاء التي‬
‫الـعـشــر مـجـمــوعــات شـعــريــة‪ .‬وكــذلــك‬ ‫تقودنا إلــى عــوالــم قصيدة النثر في‬
‫أثـ ــرى الـمـكـتـبــة الـعــربـيــة بـعــديــد من‬ ‫ثمانينيات ال ـقــرن الـمــاضــي‪ ،‬الفترة‬
‫ال ـك ـت ــب‪ ،‬مـ ـث ــل‪ :‬كـ ـت ــاب «أن ـطــولــوج ـيــا‬ ‫التي تشكلت فيها الحداثة الشعرية‬
‫ال ـش ـع ــر ال ـح ــدي ــث ‪ -‬وزارة ال ـث ـقــافــة‬ ‫ووثـ ـق ــت ح ـض ــوره ــا ال ـح ـق ـي ـقــي‪ ،‬فقد‬
‫واإلع ــام ‪2012‬م»‪ ،‬وش ــارك فــي إعــداد‬ ‫أهـ ــدى ال ـســاحــة ال ـش ـعــريــة المحلية‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪18‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫كتاب مختارات الشعر السعودي عن وزارة‬
‫الثقافة واإلعالم ‪2012‬م‪ ،‬وحضر في فضاء‬
‫المسرح بمسرحيته المعنونة بـ «الملقن»‪،‬‬
‫إضــافــة لـكـتــابــة ع ــدد مــن الـسـيـنــاريــوهــات‪،‬‬
‫فضال عن كتابة مقال أسبوعي في الرأي‬
‫في عدد من الصحف «عكاظ‪ ،‬المسائية‪،‬‬
‫اليوم»‪ .‬الشاعر أحمد المال‪ ،‬ماذا يقول في‬
‫اتجاه هذه السيرة الغنية بتنوع فضاءاتها‪،‬‬
‫وهــل بكل هــذه اإلص ــدارات أكمل مشروعه‬
‫مع الكلمة؟‬
‫‪ρ ρ‬ال يكتمل أي مشروع ثقافي‪ ،‬فهو مستمر‬
‫أبدا بقدر الطاقة التي يقدمها للمتلقي‪..‬‬
‫حتى بعد تــوقــف صــاحــب الــمــشــروع أو‬
‫غيابه‪.‬‬
‫ومنذ بداياتي فــي أوائ ــل الثمانينيات‪،‬‬
‫األدبــي‪ ،‬ما موقع هذه الجائزة في نفس‬
‫عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن‬
‫الشاعر أحمد المال؟‬
‫ذاتي‪ ،‬الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة‬
‫الثقافية‪ ،‬ب ــدءًا بالجامعة والصحافة ‪ρ ρ‬جائزة الثبيتي وصلني خبرها وكنت في‬
‫ليلة افتتاح مهرجان بيت الشعر ديسمبر‬ ‫الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي‬
‫‪2015‬م‪ ،‬دورة محمد العلي‪ ،‬تلقيت اتصاال‬ ‫األدبــي‪ ،‬ومنها تعلمت ومارست تنشيط‬
‫من الدكتور سعيد السريحي‪ ،‬كــان يزف‬ ‫العديد من المبادرات الثقافية والفنية‪،‬‬
‫الخبر من اجتماع أمناء الجائزة‪ ،‬وكنت‬ ‫ولم أتوقف أو ألتفت‪.‬‬
‫فــي قمة فرحي بتكريم األســتــاذ محمد‬ ‫الشعر هــو محركي األول فــي الحياة‪،‬‬
‫العلي‪ ،‬من جهته يبارك لي الجائزة وأنا‬ ‫وبــالــشــعــر ومـــن خــالــه أعــيــش لحظة‬
‫أبارك له فرحتنا الكبرى باألستاذ محمد‬ ‫بلحظة‪ ،‬وأنظر عبره إلى المستقبل‪.‬‬
‫العلي‪ ،‬حتى اختلط علينا وأقفلنا المكالمة‬
‫ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي‪،‬‬
‫للمرة األولـــى ولــم يفهم أحــدنــا اآلخــر‪،‬‬
‫يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من‬
‫وبعدها اتــصــل ثانية واستوعبت فــوزي‬ ‫قلة سالكيها‪.‬‬
‫بالجائزة‪ ،‬واتفقنا على عدم اإلعالن عنها‬
‫حتى ينقضي المهرجان‪ ،‬لئال يشغلني ذلك‬ ‫جائزة الشاعر محمد الثبيتي‪!..‬‬
‫عن الفرح الكامل بأيام تكريم شخصية‬ ‫ ¦ف ــي عـ ــام ‪2016‬م فـ ــزت ب ـج ــائ ــزة ال ـشــاعــر‬
‫مهرجان الشعر في دورته األولى‪.‬‬ ‫محمد الثبيتي للشعر من نادي الطائف‬
‫‪19‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الــراهــنــة‪ ،‬وكــمــا يتناسب مــع طموحات‬ ‫كتمت الخبر فــي صــدري ولــم يعرف به‬
‫الموجة السعودية الجديدة‪.‬‬ ‫سوى زوجتي ريم وصديق عزيز‪ ،‬وكانت‬
‫الجائزة تشبه صاحبها الشاعر محمد‬
‫في عمق تجربتي الشعرية‪!..‬‬
‫الثبيتي‪ ،‬مخبأ في قلبي وأشعر أنــه لي‬
‫وح ــدي‪ ،‬ولــو تحدثت عنه لــن يفهم أحد ¦كتبت الـعــديــد مــن الـسـيـنــاريــوهــات ألفــام‬
‫قـ ـصـ ـي ــرة‪ ،‬وك ـ ــذل ـ ــك حـ ـ ـض ـ ــورك ل ـ ـعـ ــدد مــن‬ ‫عمق معنى كالمي عنه ومنزلته في قلبي‪.‬‬
‫الـ ـمـ ـه ــرج ــان ــات ال ـس ـي ـن ـم ــائ ـي ــة‪ ..‬وقـ ـ ــد تــم‬
‫المسرح‪« ..‬مشروع دولة»‪!..‬‬
‫تكريمك في المهرجان السينمائي الثالث‬
‫ل ــدول مجلس الـتـعــاون الخليجي فــي أبو‬ ‫ ¦المسرح يغطي مساحة مــن اهتماماتك‪،‬‬
‫ظبي ‪2016‬م‪ ،‬كما أسـســت وأدرت مهرجان‬ ‫م ــؤل ــف مـســرحـيــة «ال ـم ـل ـق ــن»‪ ،‬ك ـمــا وسـبــق‬
‫أفــام السعودية منذ دورتــه األولــى ‪2008‬م‬ ‫أن تــرأســت المهرجان المسرحي العاشر‬
‫حـتــى دورتـ ــه الـخــامـســة ‪2019‬م‪ ،‬خـلــق هــذا‬ ‫بالدمام عام ‪2014‬م‪ ،‬فضال عن مشاركاتك‬
‫الـتــآخــي أو الـتــوأمــة بين الشعر والمسرح‬ ‫ف ــي ع ـ ــدد م ــن ال ـل ـج ــان ال ـت ـح ـك ـي ـم ـيــة فــي‬
‫والسينما‪ ،‬برغم االختالف البيئي الواضح‬ ‫مـســابـقــات ل ـع ــروض م ـســرح ـيــة‪ ..‬بعضهم‬
‫بينهم‪ ،‬حتما خصوصية تجربتك وتفردها‬ ‫يقول إن المسرح لم ولن يجد مكانًا ودورًا‬
‫لها سرها‪ ،‬أحمد المال ماذا يقول في هذا‬ ‫ف ــي ح ـيــاة الـمـجـتـمــع ال ـعــربــي‪ ،‬ف ـهــل حــقً ــا‬
‫االتجاه؟‬ ‫ه ـنــاك خـلــل ف ــي عــاقــة اإلن ـس ــان الـعــربــي‬
‫بالمسرح؟‬
‫‪ρ ρ‬اشتغاالتي المباشرة مع مختلف الفنون‬
‫الــتــي ذكــرتــهــا وغــيــرهــا‪ ،‬أسهمت وأثــرت‬ ‫‪ρ ρ‬اقــتــربــت أكــثــر مــن الــمــســرح‪ ،‬مــن خــال‬
‫في عمق تجربتي الشعرية؛ بل حتى على‬ ‫األستاذ عبدالرحمن المريخي يرحمه اهلل‪،‬‬
‫مستوياتها األسلوبية‪ ،‬أعتقد أني كسبت‬ ‫منتصف الثمانينيات‪ ،‬عبر كتابة نصوص‬
‫خبرات المونتاج السينمائي في بناء النص‬ ‫األغاني لمسرحيته «ساق القصب»‪ ،‬وبعدها‬
‫الشعري‪ ،‬والسرد التعبيري من المسرح‪،‬‬ ‫ساعدت في إخراج مسرحية «أبو الخيزران‬
‫والتشكيل البصري في اللغة من الفنون‬ ‫يختفي مؤقتا» للمخرج فــؤاد المحمدي‪،‬‬
‫األخرى‪ ،‬والكثير من التقنيات‪.‬‬ ‫وكتبت «الملقن» ثم رافقت المسرح إداريا‬
‫ومنشطا‪ .‬أعتقد أن المسرح هو أكثر الفنون‬
‫دائما أعتبر أن الشعر يكمن في كل الفنون‪،‬‬
‫التي يناسبها توصيف «مشروع دولة» كي‬
‫بل في كل شيء له عالقة باإلنسان‪.‬‬
‫يتحقق؛ لهذا‪ ،‬فكل الفعل المسرحي منذ‬
‫كثير من نصوصي الشعرية تذهب مباشرة‬ ‫البدايات حتى اليوم‪ ،‬هي اجتهادات أفراد‬
‫إلــى السينما‪ ،‬والفنون البصرية‪ ،‬بعضها‬ ‫مبدعين‪ ،‬تحملوا مسؤوليات دولة‪ ،‬وعلينا‬
‫يــأخــذ طريقه بعفوية غــامــضــة‪ ،‬واآلخــر‬ ‫أن نحفظ لهم حق ذاك الدور االستثنائي‪،‬‬
‫بانتباه تنطوي فيه الصدفة الموضوعية‪،‬‬ ‫وإعادة االعتبار للمسرح بتحقيق طموحاته‬
‫والقصدية الشعرية‪.‬‬ ‫وبنائه بطرق حديثة كما يليق باللحظة‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪20‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫قراءة محايدة‪!..‬‬
‫ ¦لـيــس ه ـنــاك أث ــر واض ــح حـتــى اآلن على‬
‫مضمون الخطاب اإلبداعي أو شكله‪ ،‬في‬
‫ظــل الـتـغـيــرات الـسـيــاسـيــة واالقـتـصــاديــة‬
‫التي يشهدها العالم العربي في السنوات‬
‫األخيرة‪ ،‬برأيك ما سبب غياب األثر؟‬
‫‪ρ ρ‬في قراءة محايدة لمجمل الحال الراهن‬
‫لإلنسان العربي‪ ،‬فهو مشهد مأساوي‪،‬‬
‫يمر عبر نفق مظلم ال توجد في آخره‬
‫لمعة ض ــوء‪ ،‬واق ــع مقلق وال يــدل على‬
‫أم ــل ل ــوال أن الــفــن يبتكر ض ــوءه ذاتــيــا‬
‫حتى في أشد المراحل التاريخية عتمة‪.‬‬
‫وفي اآلداب والفنون العربية المعاصرة‬
‫نجد انعكاسات ذلــك؛ فالمأساة تتسيَّد‬
‫المشهد‪ ،‬نلمحها فــي الــروايــة والشعر‬
‫الشعر في النص أيما كان شكله‪!..‬‬ ‫والــقــصــة والسينما والــمــســرح‪ ،‬وسائر‬
‫الفنون العربية المعاصرة‪ .‬أعتقد أنه على ¦قصيدة النثر لون أدبي‪ ،‬وليست شعرا»‪ .‬ما‬
‫رأيك في هذه المقولة؟‬ ‫العكس‪ ..‬الواقع العربي متمثل بوضوح‬
‫شديد في المشهد اإلبداعي‪ ،‬ومنتجه‪.‬‬
‫لست ممن يتوقف أمام التصنيفات‪ ،‬ودائما‬
‫أعتبر أن هذه عملية إجرائية يضطر لها‬ ‫ف ــي الــمــقــابــل الــعــربــي‪ ،‬نــجــد الــمــوجــة‬
‫السعودية الجديدة‪ ،‬والتحوالت الكبرى‬
‫الكائن ليدل على ما يقول‪ ،‬أجــد الشعر‬
‫في سائر مجاالت الحياة‪ ،‬ونلمس اليقظة‬
‫في النص أيما كان شكله‪ ،‬في الكالسيكي‬
‫األخــيــرة لالهتمام بالثقافة والــفــنــون‪،‬‬
‫أو النثر‪ ،‬في الشعبي والنبطي والفصيح‪،‬‬
‫وتفتحها في الفضاء االجتماعي العام‪،‬‬
‫أجــده في الفنون البصرية‪ ،‬الموسيقى‪،‬‬
‫هذه من عالمات المرحلة‪ ،‬وهو يدل على‬
‫الفنون المعاصرة والقديمة‪ ،‬في العمارة‬
‫وعي عميق بأن أي تحوالت اقتصادية‪،‬‬
‫والطبيعة والعلوم والفلك‪ .‬لم يسبق أن‬ ‫وتغيير اجتماعي لن يكون متوازنا دون‬
‫تعثرت بسؤال التسمية‪.‬‬ ‫نهضة ثقافية وفــنــيــة‪ ،‬تــواكــب األفــكــار‬
‫كهف صغير للعزلة واالتصال‪!..‬‬ ‫النيرة فــي الــوجــدان الجمعي للمجتمع‬
‫وترسّ خها‪ .‬وكلي ثقة بأن اإلبداع الثقافي‬
‫والفني السعودي ستتأثر بهذه التحوالت ¦هل لنا أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟‬
‫‪ρ ρ‬الكثير من كتب الشعر‪ ،‬واآلداب العربية‬ ‫والتغيرات الكبرى‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫من الوجود‪ ،‬بل وتصفيتهم معنويا والقضاء‬ ‫والمترجمة‪ ،‬إلى جانب مكتبة سينمائية‪،‬‬
‫عليهم‪ .‬هذه فترة الثمانينيات وحتى نهاية‬ ‫وأعـــمـــال فــنــيــة‪ .‬كــهــف صــغــيــر لــلــعــزلــة‬
‫التسعينيات‪ ،‬التي أصبح فيها الشاعر ً‬ ‫واالتــصــال‪ ،‬أذهــب إليه كلما ضاقت بي‬
‫على جمره‪ ،‬ويتوحد مع قصيدته؛ ما عزز‬ ‫الحياة‪ ،‬ويحضن لحظات الفرح والمتعة‬
‫الجدية فــي الكتابة الشعرية‪ ،‬وصقلها‬ ‫باكتشافات المعرفة‪.‬‬
‫لتكون قــادرة على المواجهة‪ ،‬وفي سبيل‬
‫الساحة الشعرية السعودية مرت‬
‫دفاع الشاعر عن وجوده أسهم في حماية‬ ‫بمراحل‪!..‬‬
‫التجارب الالحقة‪ ،‬وأتاح لها فناء تتحرك‬
‫فيه لم ينتبه له حراس الصحوة النشغالهم‬ ‫ ¦ش ــارك ــتَ عـ ـ ــددًا م ــن ال ـش ـع ــراء الـ ـع ــرب في‬
‫بمواجهة الخطوط األمامية من الشعراء‪.‬‬ ‫أمـ ـسـ ـي ــات ومـ ـه ــرج ــان ــات شـ ـع ــري ــة‪ .‬ه ـنــاك‬
‫تصنيف يقيّم الساحات الشعرية من بلد‬
‫وألننا في بالد واسعة وممتدة جغرافيا‪،‬‬
‫إل ــى آخ ــر؛ فمثال هـنــاك ش ـعــراء يصنفون‬
‫فــإن الساحة الشعرية نجدها مختلفة‬
‫ساحاتهم بأنها األكثر تألقا وجدية‪ ،‬كيف‬
‫األشكال في كل مدينة ومنطقة‪ .‬وكل من‬
‫تقيم أنت الساحة الشعرية السعودية؟‬
‫ينحاز إلى شكل تعبير يتوقع الغلبة له‪ ،‬في‬
‫حين أن السعودية تزخر بتجارب عديدة‬ ‫‪ρ ρ‬الساحة الشعرية السعودية مرت بمراحل‬
‫في كل تيار شعري‪ ،‬ويمكن القول أن الدنيا‬ ‫مــخــتــلــفــة مــنــذ بـ ــدايـ ــات ال ــح ــداث ــة في‬
‫مشاهد شعرية متنوعة‪ ،‬مختلفة‪ ،‬وثرية في‬ ‫سبعينيات الــقــرن الماضي حتى اليوم‪.‬‬
‫كل منها‪ ،‬وليس مشهدًا شعريًا واحدًا‪.‬‬ ‫مع الرواد المؤثرين‪ :‬محمد العلي‪ ،‬فوزية‬
‫أبــو خــالــد‪ ،‬سعد الحميدين‪ ،‬حتى جيل‬
‫المشهد الشعري في السعودية‪!..‬‬ ‫الوسائط المتعددة مرورًا بفترة «الصحوة»‬
‫التي شهدت صراعً ا ثقافيًا على أشده بين ¦ف ــي حـ ـ ــوار ل ــي م ــع الـ ـش ــاع ــر ع ـبــدال ـعــزيــز‬
‫المقالح‪ ،‬سألته عن ما قاله الشاعر سعدي‬ ‫المحافظين والشعراء المجددين‪.‬‬
‫يوسف‪ ،‬أيضا ضمن حوار لي كان معه‪ ،‬إذ‬ ‫أعتقد أن مرحلة «الصحوة» ألقت بتأثير‬
‫قــال‪« :‬إنـنــي متحمس للعربية وشعرائها‪،‬‬ ‫ق ــوي عــلــى الــســاحــة الــشــعــريــة‪ ،‬إذ بــرز‬
‫وأعتقد أن الشعر‪ ،‬فن يؤخذ بالجد الالزم‬ ‫فيها الــشــعــراء‪ :‬علي الدميني‪ ،‬عبداهلل‬
‫مــن ل ــدن الـشـعــراء ال ـعــرب‪ ،‬لـكــن المقارنة‬ ‫الصيخان‪ ،‬محمد عبيد الحربي‪ ،‬غيداء‬
‫بين شعرنا الحالي‪ ،‬وشعر األمم األخرى‪،‬‬ ‫المنفى‪ ،‬أحمد الصالح «مسافر»‪ ،‬عبداهلل‬
‫لن تجعل كفة الميزان تميل إلى صالحنا‪.‬‬ ‫ال ــزي ــد‪ ،‬مــحــمــد جــبــر الــحــربــي‪ ،‬محمد‬
‫نحن ال نــزال مكبلين بأغاللنا»‪ ،‬فكان رد‬ ‫الدميني‪ ،‬عبدالمحسن يــوســف‪ ،‬محمد‬
‫المقالح‪ ...»:‬لكنني ال أتردد عن القول إن‬ ‫زايد األلمعي‪ ،‬خديجة العمري‪ ،‬ثريا قابل‪،‬‬
‫في شعرنا المعاصر نماذج تساوي إن لم‬ ‫أشجان هــنــدي‪ ..‬وآخ ــرون أتــوا بعدهم‪..‬‬
‫تتفوق على بعض نـمــاذج مما قــرأنــاه من‬ ‫وجدوا أنفسهم تحت وطأة هجمة عنيفة‬
‫شعر عــالـمــي‪ ،‬وأرى أن األح ــداث الـتــي مر‬ ‫ومتواصلة تبتغي إلغاء حضورهم الشعري‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪22‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بها الشعراء العرب الحقيقيون قد صهرت‬
‫أرواحـ ـه ــم وجـعـلـتـهــم يـقـتــربــون ك ـث ـيــر ًا من‬
‫المعنى الحقيقي للشعر»‪ ..‬ما رأيك؟‬
‫‪ρ ρ‬في المشهد الشعري العربي‪ ،‬ثورة فنية‪،‬‬
‫عـــززت تــعـرُفــنــا عليها وســائــل التقنية‬
‫الحديثة‪ ،‬والشعر العربي يتحول عميقا‬
‫وجها لوجه الحساوي والمال‬ ‫ويتشكل في صيغة كونية‪ ،‬هذا مما أعرفه‬
‫وقليال ما أتجرأ على إهداء كتبي‪.‬‬ ‫على مستوى شخصي‪ ،‬رغــم عــدم زعمي‬
‫باطالعي على كل ما يكتب من شعر عربي‬
‫هكذا أرى في التكنولوجيا الحديثة‪!..‬‬
‫في اللحظة الراهنة‪.‬‬
‫ ¦ي ـت ـح ــدث ــون ك ـث ـي ــرا ع ــن اإلض ـ ــاف ـ ــات ال ـتــي‬
‫لكني أستطيع القول ‪ -‬بقدر أكبر من الثقة‬
‫تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية‪،‬‬ ‫‪ -‬بــأن المشهد الشعري فــي السعودية‬
‫أليس لهذه الشبكة أي سلبية على الشاعر‬ ‫يترسخ بطاقات ملهمة‪ ،‬وبمنتج نوعي‪،‬‬
‫أو المثقف بصفة عامة؟‬ ‫وتجارب متفردة عن بعضها بعضاً‪ ،‬وتغوص‬
‫في عمق وجــدان اإلنــســان المعاصر في ‪ρ ρ‬دائما أبحث عن الجوانب اإليجابية أوال‬
‫عند تقييم أي موضوع‪ ،‬وأحاول أن أتريث‬ ‫لحظته الكونية‪.‬‬
‫كثيرًا في هذه المنطقة‪ ،‬دون عجلة للقفز‬ ‫أعتقد أن الشعر ال ينقصه أن يوصف‪:‬‬
‫إلى الجهة المقابلة من السلبيات‪ ..‬ولو‬ ‫عالميًا‪ ،‬إال غياب الجسر‪ /‬الترجمة‪ ،‬فقط‪.‬‬
‫بيدي لما عبرت إليها‪ ..‬فالحديث عن‬ ‫ ¦هناك الكثير من الـقــراءات النقدية التي‬
‫الــشــيء يرسخه ويــقــويــه‪ ،‬والتفكير فيه‬ ‫سعت لقراءة قصيدة الشاعر أحمد المال‪،‬‬
‫طويال يطبع علينا بطبعه‪.‬‬ ‫هل وصل الناقد لقصيدتك؟‬

‫هــكــذا أرى فــي التكنولوجيا الحديثة‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬ال أدري‪ ،‬هناك من النقاد من تناول تجربتي‬
‫ووســائــل الميديا والشبكة اإللكترونية‪،‬‬ ‫الشعرية‪ ،‬وأذكــر منهم األســتــاذ الدكتور‬
‫سعد البازعي‪ ،‬د‪ .‬سعيد السريحي‪ ،‬الناقد‬
‫تأثيرًا إيجابيًا في تقريب المعرفة وتسهيل‬
‫والشاعر عبداهلل السفر‪ ،‬الشاعر محمد‬
‫الوصول إلى المعلومة‪ ،‬كما أنها خففت‬
‫الحرز‪ ،‬د‪ .‬ميساء الخواجه‪ ...‬لكني الى‬
‫من الوصاية واحتكار الثقافة على فئات‬
‫جانب سعادتي بالتفاتة الناقد لها‪ ،‬أرتبك‬
‫اجتماعية مــحــدودة‪ ،‬وألغت الحدود بين‬ ‫فعال‪ ،‬إلى درجة االحمرار‪ ،‬أشعر أن الناقد‬
‫البشر‪ .‬الشعر كسائر الفنون يستفيد من‬ ‫يعري النص وكأنه يعنيني شخصيا‪ ،‬لم‬
‫هذه الوسائل‪ ،‬وللشاعر أن يتنبه ويواكب‬ ‫أستطع حتى اليوم أن أتخلى عن أن ما‬
‫ويعيش تحوالتها بــذات الدهشة األولــى‬ ‫أكتبه سري الشخصي‪ .‬لهذا أتفادى النقد‪،‬‬
‫ولذة االكتشاف‪.‬‬ ‫وأرتبك أيما ارتباك حين أقرأ أمام الناس‪،‬‬
‫‪23‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫أحمد المال‪ ..‬بين الشعر والسينما‬
‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫أحمد المال‪ ..‬وقبل البدء بتلك الحيرة التي سأكتب لك فيها أتساءل‪:‬‬
‫ما السبب وراء هذا الجنوح الغريب إلى التقاطع العجيب الشعري السينمائي‪،‬‬
‫أهو تقديس الشعر إلى حد تنزيهه عن فكرة الصنع البشري‪ ،‬واعتبار القصيدة‬
‫إلهام ًا علويًا يتنزل على الشاعر حتى ليبدو هو نفسه وليد القصيدة؟‬
‫أم أن السينما هي صورة الروح والجسد والقلب؟‬

‫صدور ديوانه األول «ظل يتقصف»‪ ،‬فهو يعلن‬ ‫فــي الــشــعــر يــبــدأ التمييز بــيــن قصيدة‬
‫في تلك اللحظة عن تجربة ستكون واحدة‬ ‫وأخـ ــرى فــي ال ــدي ــوان نــفــســه‪ ،‬مــادامــت كل‬
‫من أهم التجارب في مشهد قصيدة النثر‪،‬‬ ‫قصيدة قد صدرت عن خبرة اختلفت شيئًا ما‬
‫ثُم جاء ديوانه الثاني‪« :‬خفيف ومائل كنيسان»‬ ‫عن غيرها‪ ،‬فنيًا‪ ،‬شعورياً‪ ،‬قصصياً‪ ،‬جمالياً‪،‬‬
‫ليُشعرك أن ثـ ّمــة نــب ـوّة مختلفة تشير كل‬ ‫وغيره‪ ..‬فظهرت قصيدة النثر في السعودية‬
‫األصابع أن أحمد المال هو الموجود وحده‬ ‫في السبعينيات من القرن المنصرم‪ ،‬ولم‬
‫على أرض صلبة‪ ،‬ربما لن تقبل بالتغيير‪ ،‬وهي‬ ‫تتوقف التجربة عن إنجاب عدد من الشعراء‬
‫أرض العربية والقوة والفصاحة وحدها‪ ،‬جاء‬ ‫الذين سجلوا تجربتهم ضمن مجموعة من‬
‫المال ليكرس اسمه شاعراً ومبدعاً مهموما‬ ‫الــدواويــن بين فترة وأخــرى‪ ،‬بل امتدت بهم‬
‫بالشعر ومأخوذا به‪.‬‬ ‫تربة الصحراء لتحرق كل أنفاس المرجعيات‬
‫لذلك‪ ،‬كل كتابة هي من حيث المبدأ عمل‬ ‫القديمة‪ ،‬ليثوروا مدادا‪ ،‬ويقوموا بكلمة واحدة‬
‫مرتبط بشعورنا العميق بالفشل‪ ،‬أو الشك في‬ ‫متمردة قائمة حــول المشهد األدبــي الذي‬
‫مغامرة سابقة‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬عدم االمتالء‪،‬‬ ‫يستحيل مــاء في قمّة الحاجة؛ ألن يحتك‬
‫وبالتالي استمرار السؤال المحرّض‪ ،‬أو غير‬ ‫الشاعر بضرع السماء‪ ،‬وفي تسعينيات القرن‬
‫ال‬
‫ذلك‪ ..‬مما اعتبره شعوراً بالناقص متأص ً‬ ‫العشرين ظهر جيل آخر من الشعراء برؤى‬
‫في المبدع‪ ،‬وهو ما يجعله في كل مرة يضرب‬ ‫مختلفة وجديدة‪ ،‬كان من بينهم الشاعر أحمد‬
‫سهماً في األفــق نفسه‪ ،‬وكذلك كــان أحمد‬ ‫المال الذي سرعان ما حجز مكانته المميزة‬
‫المال الذي اخترق حدود اإلبداع لينفلت من‬ ‫في المشهد الشعري السعودي المعاصر‪.‬‬
‫وهنا كــان اخــتــاف المشهدية الشعرية الشعر متوجها طائرًا إلى الجانب السينمائي‪،‬‬
‫في تلك الحقبة التي ظهر نجمه المتفرّد مع الذي يظهر فيه إبداعه وقدرته على التوصيل‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪24‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بالضرورة‪ ،‬لمؤثّرات‬
‫ّ‬ ‫حين ال يخضع الشّ اعر‪،‬‬ ‫الدقيق لــرؤاه المتمردة الخارجة عن حدود‬
‫السّ ينما‪ ،‬وقد يقتصر تأثّره على استخدام‬ ‫الوسط الذي يعيشه‪.‬‬
‫صــوره الشّ عريّة وتحريكها بما يشبه ترتيب‬ ‫فــحــيــن ي ــش ــرح أح ــم ــد ال ــم ــا‪ ،‬رســالــتــه‬
‫اللقطات في المونتاج السّ ينمائيّ ؛ غير أ ّن‬ ‫السينمائية اإلبداعية‪ ،‬حين يقول‪« :‬علينا أن‬
‫الصلة بين الفنّين‪ ،‬تشت ّد في أفالم السّ ينما‬
‫ّ‬ ‫نجهر بالفن ونرفع صوت الجمال والحب في‬
‫الصورة‪،‬‬
‫البصريّة‪ ،‬التي تلحّ على استخدام لغة ّ‬ ‫خاف علينا أن‬
‫وجه القبح والكراهية‪ ،‬لم يعد ٍ‬
‫وتقلل من أهميّة الحدث والحكاية‪.‬‬ ‫غياب الفنون أضعف قيمنا الجميلة وأبدلها‬
‫ولــذلــك‪ ،‬أيــهــا الــمــا تــم ـرّدت على رغبة‬ ‫بأعراف جافة كلما توغلت توحشت أكثر»‪.‬‬
‫الــشــاعــر بــداخــلــك؛ لــتــقــوم قــائــمــة المشهد‬ ‫إذا كانت مقولة باولو كويلو‪« :‬إذا أردت‬
‫السينمائي التي تظهر فيها طبعة اإلبــداع‬ ‫شيئاً‪ ،‬يتآمر الــكــون كله لمساعدتك على‬
‫الذّاتيّة؛ فإ ّن الشّ اعر يبدع‪ ،‬وحده‪ ،‬فالقصيدة‬ ‫تحقيقه»‪ ،‬حقيقة‪ ..‬فإن المال الرجل الذي‬
‫تجربة ذاتيّة فرديّة‪ ،‬وإن كانت تتأث ّر بتجارب‬ ‫شقّ روحــه بين شقين مهمّين وهما‪ :‬الشعر‬
‫اآلخرين وخبراتهم وإبداعهم؛ لكنّ السينما‬
‫والسينما‪ ،‬فهو مدير جمعية الثقافة والفنون‬
‫عمل ّي ٌة جماعيّة‪ ،‬يشارك فيها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫في الدمام‪ ،‬فهو ال يكف عن مصارعة رياح‬
‫المخرج‪ ،‬الــذي يتأسس الفيلم على رؤيته‪،‬‬
‫الفوضى وغبار الوجع‪ ،‬حتى يقف منتصفا في‬
‫القصة‪،‬‬‫ّ‬ ‫مجموع ٌة من األشخاص؛ مثل‪ :‬كاتب‬
‫روحنا‪ ،‬وروح الشاعر وروح السينمائي‪.‬‬
‫مــخــتــصــو ال ــدي ــك ــور‪ ،‬والــمــونــتــاج والــصــوت‬
‫ولو وقفنا موقف المجابه للمال لنسأله‪:‬‬
‫والتّصوير‪ ،‬ومؤلفو الموسيقى‪ ،‬والممثّلون‪،‬‬
‫ومصممو المالبس‪ ،‬الذين لهم رؤيتهم الف ّنيّة‬ ‫أيهما يتمرّد بداخلك الــيــوم‪ ،‬الشعر أم‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السينما؟‬

‫وهــنــا‪ ،‬نــجــده يكتب القصيدة لتتكشف‬ ‫ســيــقــول‪ :‬الــسّ ــيــنــمــا‪ ،‬أقـ ــوى تــأثــيــراً في‬
‫له قبل غيره طبيعة العالقات الكائنة بين‬ ‫الحواس؛ ألنّها تخاطب الحواس مباشر ًة في‬
‫النصوص‪ .‬ولعل أخطر ما يفعله الشاعر هو‬ ‫الصور الحقيقيّة والخياليّة‬
‫عمليّة تجسيد ّ‬
‫تنظيم العالقات بين المؤتلف والمتنافر في‬ ‫أمام المتلقي وأذنيه‪ ،‬وألنها تملك حرية في‬
‫شعره‪ ،‬فالنصوص ال تأتلف بيسر‪ ،‬فهي ليست‬ ‫الحركة؛ لكنّ الشّ عر يشكّل صوره بما تثيره‬
‫كيانات مطيعة‪ ،‬بل يدرك كثي ٌر من الشعراء‬ ‫الكلمات في خيال اإلنسان‪ .‬والسّ ينما تتأثّر‬
‫أنها غالباً ما تتمرد؛ لذلك تحتاج القصائد‬ ‫في معالجة صورها‪ ،‬والسّ يناريو‪ ،‬والموسيقى‪،‬‬
‫إلى عالقات تجاورية مبدعة ومبتكرة‪ ،‬حتى‬ ‫والشّ خصيّة‪ ،‬والــحــوار‪ ،‬بالشّ عر‪ ،‬من خالل‬
‫تستوي في الكتاب‪ .‬أي اكتشاف «الصيغة‬ ‫طاقاته العاطفيّة الوجدانيّة العميقة‪ ،‬في‬
‫‪25‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫في ذاته‪ ،‬عندما كانت له قصيدة‪ ،‬يتعامل معها‬ ‫السحرية» التي تجمع بين كل هذه الكائنات‬
‫بإطالقها وثرائها‪ ،‬عندها فقط ال تجد إال‬ ‫الغريبة القائمة على التناقض واليتم‪ ..‬والتي‬
‫صياغة تعبيرية واحدة‪ ،‬هي الصورة المرئية‬ ‫نسميها قصائد‪ .‬إنه إتالف المختلف‪ ،‬وهو ما‬
‫المحسوسة الواجب توافر معطياتها الداللية‬ ‫ال في الشعر‪.‬‬
‫يُ َو ِّل ُد الضو َء أص ً‬
‫وفق محددات الوسيط‪ ،‬من إضــاءة وديكور‬ ‫هنا فقط‪ ،‬سنؤكد أن المال هرب من ذاته‬
‫وطبيعة ألوان وحركة كاميرا وما إلى ذلك من‬ ‫إلى ذاتــه حين هرب من الشعر للموسيقى‪،‬‬
‫قيود‪ ..‬ومن هنا‪ ،‬تبرز بجالء صعوبة تحويل‬ ‫وهو بين خطوتين تنقالنه في تشكيل الصورة‬
‫النص الشعري إلى سينما بوصفها مغامرة‬ ‫السينمائية‪ ،‬ويــكــاد الشعر يــكــون المرتكز‬
‫إبداعية معاكسة لمفهوم اإلبداع ومفارقة له‬ ‫الرئيس في تشكيل الصورة‪ ،‬فهذا الوسيط‬
‫في أصلها‪ ،‬فإذا كان اإلبداع مشروطا بالحرية‬ ‫هو الذي يحدد إمكانات االستبدال والتحويل‬
‫أصالة‪ ..‬فإن تحويل الشعر إلى نص سينمائي‬ ‫التي يسعى إليها المهتمون بتحويل النص‬
‫يسعى عكس هــذا التيار عندما تنطلق من‬ ‫الشعري إلى سينما؛ فعلى العكس من (شعرنة‬
‫الحر المطلق المفتوح إلــى المقيد المغلق‬ ‫النص السينمائي)‪ ،‬والتي تبدو عمال إبداعيا‬
‫األســيــر داخ ــل الطبيعة التقنية لوسيطها‬ ‫يتجاوز محددات الوسيط من خالل التحايل‬
‫التعبيري‪.‬‬ ‫عليها؛ أي أن المال يستثمر إمكانات الوسيط‬
‫ولكن على الرغم من ذاك التجاور بين‬ ‫في صياغة شعرية النص‪ ،‬فإ ّن نقيض ذلك‬
‫إبــداع وآخــر على أرض المغامرة الشعرية‬ ‫يبدو صعبًا‪ ،‬أي إن تحويل النص الشعري إلى‬
‫لــدى شاعر‪ ،‬فــإن كل نــوع إبــداعــي هو عمل‬ ‫سينما ستفضي إلى تقييد الحر‪ ،‬وتحجيمه‬
‫فريد رغم ما له من أواصر قربى سرية مع‬ ‫تحت سطوة التقني‪ ،‬فالصورة السينمائية‬
‫القصائد األخ ــرى‪ ،‬ما أن يكتشف الشاعر‬ ‫المحولة مــن ص ــورة شعرية؛ أي المنقولة‬
‫بحدسه العميق وخبرته التلقائية وذكائه الفنّي‬ ‫من نص شعري ستقع تحت وطــأة التحويل‬
‫وصدقه الشعوري هذه األواصر‪ ،‬أو الخيوط‬ ‫السمعي الخيالي إلى البصري الحسي‪ ،‬وهنا‬
‫السرية الرهيفة‪ ،‬حتى تنفتح له أبواب السر‬ ‫تظهر قدرة اإلبداع السينمائي الشعري‪.‬‬
‫في الصنيع الشعري وفي عالقات القصائد‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬إن حرية المال السينمائي‬
‫ببعضها بعضاً‪ ،‬وتلك العالقة القائمة بين‬ ‫اإلبــداعــيــة فــي التعامل مــع قسرية التقني‬
‫السينما والشعر‪ ،‬وأنت وحدك يا أحمد المال‬ ‫والتحايل على سطوته‪ ،‬تفقد كثيرًا من إدهاشها‬
‫الذي تلمس طريقاً‪ ..‬وحده يعرفها إلى عالم‬ ‫وبراعتها في حال تحويلها إلى سينما لما هو‬
‫شعري هو عالمه وحده‪.‬‬ ‫خارج عنها‪ ،‬وهو الشعري‪ ،‬ألن حرية الشاعر‬
‫ * أكاديمية وكاتبة وناقدة من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪26‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫أحمد المال‪ ..‬يرتب فتنة الحضور‪!..‬‬
‫■ زكي الصدير*‬

‫ال يقبل أحمد المال أن يعيش مع األشياء بنصف فتنتها؛ فإما أن يعلّق أجراس الحياة‬
‫على أقاصي المدى‪ ،‬أو أن يتركها تذهب في حالها‪ ،‬غير آسف عليها‪ ،‬أو متثاقل مع ذاكرتها؛‬
‫فاللحظة ‪-‬بالنسبة له‪ -‬موقف وجودي يفتح األفق على الكون كله‪ ،‬فإن استشعرها متماهية‬
‫مع جنونه فهي له‪ ،‬وإال فهي لعابر سبيل غريب ثقيل يقف في الجوار‪.‬‬

‫الزمنية بصورة تفصيلية دقيقة دون أن يكون‬ ‫فــي الــيــومــيــات الــتــي نبتكر تفاصيلها‬
‫فــي صــنــدوق الــمــهــرجــان قــرش واحـــد‪ .‬إنه‬ ‫باختيارنا‪ ،‬أو رغماً عنا‪ ،‬ال يتعدد المال؛ فال‬
‫الشاعر واإلداري المجنون الذي ينحت من‬ ‫يمكن أن يكون شاعراً على حدة‪ ،‬وإدارياً على‬
‫المستحيل اإليمان‪ ،‬ويرتّب فتنة الحضور مع‬ ‫حدة‪ ،‬أو أباً وصديقا وزوجاً على حدة‪ ،‬بل هو‬
‫فريقه ‪ -‬الذي يؤمن به ويؤمن بهم‪ -‬بمعزل‬ ‫جميع ذلك في اآلن نفسه‪ ،‬لكنه يغلّب الشعر‬
‫عن غياب العالم وفوضاه‪.‬‬ ‫في كل شيء‪ ،‬فهو الشاعر في إدارته وأبوته‬
‫وصــداقــتــه وزواجـــه وحياته وعــاقــاتــه بكل‬
‫فرد في صيغة مؤسسة‪!..‬‬ ‫عمقها وبساطتها‪.‬‬
‫َمــن يعمل مع المال يــدرك أنــه يعمل مع‬ ‫هذه الشاعرية ذات المزاج العالي جعلت‬
‫فرد في صيغة مؤسسة تؤمن بالتخصصات‬ ‫منه عصياً‪ ،‬من الصعب القبض عليه‪ ،‬أو أن‬
‫وبالفرص وباإلنسان؛ لهذا‪ ،‬فقدرها أن تنجح‬ ‫يُدار من قبل اآلخرين‪ ،‬فهو ‪ -‬وحتى لو وقع‬
‫حتى ولو بدا النجاح عصياً عليها‪ .‬وهذا األمر‬ ‫تحت السلطة اإلدارية ألحدهم‪ -‬سرعان ما‬
‫أدركــه جميع مسؤولي المؤسسات الثقافية‬ ‫مرؤوس‬
‫ٍ‬ ‫يتحوّل رئيسُ ه ‪-‬دون أن يشعر‪ -‬إلى‬
‫المدعومة من قبل وزارة الثقافة‪ ،‬وكيف وضعها‬ ‫بين يديه بعد أن يتكشّ ف له أنه أصغر بكثير‬
‫المال في مأزق غياب الرؤية والمشروع لديها‪،‬‬ ‫من المشروع الــذي يديره المال‪ ،‬وأن أفقه‬
‫إذ اكتفت بمنصاتها الكالسيكية الباردة التي‬ ‫‪-‬مهما اتّسع‪ -‬سيظل ضيقاً إزاءه‪.‬‬
‫تتعامل مع الثقافة باعتباره منبراً أخالقياً‬ ‫حسب علمي‪ ،‬ال يوجد سواه ‪-‬في المشهد‬
‫معيارياً‪ ،‬وعليه أن يقدّم الرسائل المفهومة‬ ‫الثقافي السعودي وربما العربي كله‪-‬القادر‬
‫لجمهوره وفق منطق «ما يجوز وما ال يجوز»‬ ‫على أن يقيم مهرجاناً ربما تصل ميزانيته‬
‫دون أن يكون لــإداري المبدع حضوره في‬ ‫ألكثر من مليون ونصف المليون ريــال دون‬
‫الثورة على المفاهيم‪ ،‬وفي صناعة الحدث‪،‬‬ ‫أن يكون في خزينة المهرجان ريــال واحد‪.‬‬
‫أو تشكيل المناخ المناسب‪ ،‬الذي يقفز على‬ ‫لكن المال يفعل‪ ،‬يقيم االجتماعات‪ ،‬ويشكّل‬
‫الجدران ليعانق بتحديه الفضاء الحر‪.‬‬ ‫اللجان‪ ،‬ويــوزع المسؤوليات‪ ،‬ويضع الخطة‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫أحمد المال‪ ..‬حياة تجري من مصب إلى آخر‪!..‬‬
‫■ محمد احلرز*‬

‫إزاء شخصية مثل أحمد ال يمكنك سوى أن تسمع صخب الحياة ترتج في‬
‫قــارورة جسده‪ ،‬وكأنها تريد أن تخرج‪ ،‬تريد أن تكسر الزجاج‪ ،‬وتعيد سبكه من‬
‫جديد‪ .‬تلك الحياة خبرتها عن قرب‪ ،‬ليس فيما يكتبه من إبداع شعري فقط‪،‬‬
‫بل فيما يخفيه من بريق الحياة في عينيه‪ ،‬بل في نظرته الحنونة إليك كلما‬
‫شعر بأنك قريب منه حــد االلـتـصــاق‪ ،‬بأنك ال تقول أو تفصح عــن الكلمات‬
‫بالقدر الذي يسبقها ضحكة أو نكتة تستعيد من خاللها تفاصيل اليوم الذي‬
‫مررت فيه‪.‬‬

‫بعض األحيان اليومي ال يفصح عن شخصية الذي أعرف أن ما يكتبه دائما ما يصاب بحمى‬
‫المرء الذي تساكنه‪ ،‬تحتاج تلسكوباً حتى تتكشف الحياة‪ ،‬ونحن أصدقاؤه دائما ما نصاب بارتفاع‬
‫مفرداتها‪ .‬بالنسبة إلى «أبــي مالك» ليس األمر درجة الحرارة كلما قرأناه‪.‬‬
‫أحيانا ال تكفي القراءة حين تريد منها قول ما‬ ‫كذلك‪ ،‬ليس كما يظن المرء من أول وهلة‪ ،‬في‬
‫داخله نهر من الحب والعطف والرقة‪ ،‬ال يتوقف ال تستطيع الكتابة قوله‪ ،‬ما ال تستطيع الكلمات‬
‫عن الجريان من مصب إلى آخر‪ ،‬في داخله شجر حــرث نفسها حتى ينكسر النصل على صخرة‬
‫يانع لم تفرغه كتبه من ثمار سالله‪ ،‬ولم تفسد كلما المعنى‪.‬‬
‫قطفها قارئ عابر في حقول إبداعه‪.‬‬
‫قــدر المتميزين من البشر أن يظلوا الكلمة‬
‫في داخله أيضا حزن تــراه مختبئا في أعمق العصية على التفسير‪ ،‬التأويل الذي يتعدد معناه‬
‫أعماق قصائده‪ ،‬يتوارى بعيدا‪ ،‬ال يمكن لمسه‪ ،‬وال ينتهي‪ ،‬الجدار الــذي يعلو كلما حاولت اللغة‬
‫أو إضاءته بكشاف‪ ،‬هناك عليك أن تنتبه‪ ،‬إذا ما القفز فوقه‪ ،‬الغابة التي يتساكن فيها الحيوان‬
‫مررت بإحدى قصائده‪ ،‬إلى ما تقوله كلماته‪ ،‬إلى المفترس بجانب الحمل الوديع‪.‬‬
‫ما تفصح عن حزنها في أقصى حاالت الفرح‪.‬‬
‫اللحظات القصوى في التميز عند هــؤالء أن‬
‫أحمد كائن يتنفس الحياة‪ ،‬وال يراهن على شيء يكونوا قريبين من الناس وبعيدين عنهم في الوقت‬
‫سوى ما تقوده خطاه في دروبها الوعرة‪ ،‬سوى ما نفسه‪ ،‬بين استسالم للحب وبين الخوف عليه‪،‬‬
‫تهمس له؛ كي يكتبها كما هي‪ ،‬كما هي حين تدخل وال أظــن أحمد المال يخرج من هذين الحدين‬
‫كما صورته كاميرا الحياة ثم وضعتها في إطار‬ ‫وتخرج خلسة من جسده‪.‬‬
‫ال يراهن فقط‪ ،‬بل يكسر ما انحرف من جسده بارز يراه المتميزون الذين يرفعون رؤوسهم قليال‬
‫عنها‪ ،‬ثم يرميه في الهاوية‪ .‬أحمد هو ذاك الصديق لألعلى‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪28‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بينما كل المعنى تجده في الصديق المسرود في‬ ‫المشاء في الليل الطويل للصداقة‬
‫حكاياتك اليومية‪ ،‬ليس الظاهر منه‪ ،‬المبذول للناس‬ ‫فكرة أن تكتب عن الصداقة بإطالق شيء‪،‬‬
‫جميعا‪ ،‬الذين يؤولونه على أنه السلم الذي يأخذهم‬ ‫وعن صديق ال ترى آثار قدميه بــارزة على رمل‬
‫إلى األعلى‪ ..‬بل هو الباطن الذي يحول ترابك إلى‬ ‫كلماتك شيء آخر‪.‬‬
‫ذهب‪ ،‬هو العالمة المسبوقة بصرخة ال أحد يسمعها‬
‫سواك‪ ،‬هو الواقف خلفك بمسافات ضوئية‪ .‬لكنه‬ ‫ال معنى لــأولــى حين ال تــرى حــولــك سوى‬
‫أيضا الواقف أمامك مثل شجرة تمشي بجذورها‬ ‫الــضــبــاب الــكــثــيــف‪ ،‬وال تلمس س ــوى األشــيــاء‬
‫وأغصانها وال تحدث جلبة في مشيتها‪.‬‬ ‫المتشابهة في الــوزن والــطــول‪ ،‬وال تقول سوى‬
‫ما تريد اللغة أن تقوله على لسانك عن تاريخ‬
‫هنا‪ ،‬تكمن صعوبة الفصل بين الظاهر والباطن‪،‬‬ ‫الصداقة وليس الصداقة في التاريخ‪.‬‬
‫بين ما ينفتح حتى تراه المعا في يديك مثلما هو‬
‫المــع فــي مخيلتك‪ ،‬وبــيــن مــا ينغلق على سرك‬ ‫ال معنى لها أيضا حين ال تجد نقشا واحدا‬
‫وأفــكــارك حتى ال يكاد يشي بنسمة هــواء‪ ،‬تنبه‬ ‫يضيء كهف الصداقة في حياتك‪ .‬وإن وجدت‬
‫الشارد على أن هناك عودة مشروطة باألحداث‬ ‫واحـ ـدًا بالصدفة‪ ،‬فلن تجد واحـ ـدًا مــن هــؤالء‬
‫التي تؤسسها صداقتك في أكثر من اتجاه‪ :‬األول‬ ‫المضيئين يترجم لك المبهم في الرسم‪ ،‬وال من‬
‫منها تأويل الصديق وإعطاء رمزية لهذا التأويل؛‬ ‫يفصل القول في اليد التي كتبت‪ ،‬وال من يدل على‬
‫أي تركيب الصور والجمل والمواقف وردود األفعال‬ ‫األحاسيس التي تجمعت فوق شكله مثل الغبار‪.‬‬
‫في شريط سردي ال ينفك يتجدد في رأسك كلما‬ ‫أنت المشاء الوحيد في الليل الطويل للصداقة‪،‬‬
‫اكتشفت الطريق إلى الجزيرة المفقودة في عالم‬ ‫ولن تبصر سوى الحلكة التي تغطي حتى أرنبة‬
‫مــا تسميه األصــدقــاء‪ .‬بينما اآلخ ــر منها يأتي‬ ‫أنفك‪ .‬لذلك ال معنى لجلب الكلمات‪ ،‬واستدعائها‬
‫على شكل تفاسير متروكة على رفوف المكتبات‪،‬‬ ‫على عجل وكأن مياه الصداقة من فرط غزارتها‬
‫واضحة للعيان‪ ،‬ومن دون جهد وال عناء يمكنك‬ ‫قد بدأت تتدفق من شقوق الجسد‪.‬‬
‫أن تجد ضالتك في صديق يلبي المعنى الكامل‬ ‫وكأن ما تخشاه من ماضيك يترسب في النقش‬
‫للصداقة حسب ما تمليه تلك التفاسير‪.‬‬ ‫وال تستطيع تلك المياه جرفه إلى يديك‪ .‬على‬
‫سوف تجد نفسك أمام الصديق الذي تفسره‬ ‫مهلك أيها الغزير بالمعنى‪ ،‬والبعيد عن القاع‪،‬‬
‫الناس لك‪ ،‬وتعطيك صورته بما يتوافق ورغبتها‬ ‫والخاوي من الصدى‪ ..‬ال تسرف كثيرًا باالبتعاد‬
‫ومصالحها‪ ،‬بينما أنت تمض متواطناً ومقتنعا‬ ‫عن حافة الحياة حين تجد حافتك في اللغة‪،‬‬
‫بما يقولونه عن تلك الصورة‪ .‬لكن ما ال يمكن أن‬ ‫فاألمر ال يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين‬
‫تكتشفه في مثل هذه الصورة هو ما يقبع خلفها‬ ‫كي يصطدم رأسك بالباب الكبير‪ ،‬باب العائلة‪،‬‬
‫من رأي يقول‪ :‬ال تمض بعيدًا عن ذاتك؛ ألن ما‬ ‫فتعرف حينها أنك وصلت‪ .‬لكن دون نقش ودون‬
‫يظهر هو رأس الجبل فقط‪.‬‬ ‫مياه وبالتالي دون صداقة‪.‬‬
‫* ناقد وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫أحمد المال‪ ..‬الصديق في الليالي المعاسير‬
‫■ إبراهيم احلساوي*‬

‫كيف تختصر «أحمد المال» في سطور‪ ..‬مهما طالت‪ ،‬وهو الشاعر والسينمائي‬
‫والفنان والمدير والمستشار الثقافي والمُ لهِ م؟‬
‫ينبغي عليَّ أن أعترف بأن كتابتي أو شهادتي عن «أحمد المال « متعثرة ومتأثرة‬
‫بشخصيته بعض الشيء‪ ،‬وفيها من المديح الذي ال يحبه وال يرغبه‪ .‬أقول هذا‬
‫لمعرفتي أن «أحمد المال» وبرغم سيرته الحافلة باإلنجاز فإنه يتجنب المديح‬
‫واأللقاب‪ « .‬المدح الزايد يضر « من مقوالت «أحمد المال «‪.‬‬

‫الحادث عن طريق ولدي «محمد»‪ ،‬وما كان‬ ‫ال أدري لــمــاذا تحضرني ذكــريــات بعض‬
‫من «أحمد المال» إال أن غ ّي َر مسار رحلته مع‬ ‫الــحــوادث التي كــان «أحمد المال» حاضرا‬
‫األصدقاء‪ ..‬فكان أوّل الحاضرين والقريبين‬ ‫فيها وشاهدا عليها‪ .‬ربما ألن بيتاً من الشعر‬
‫معي وإلى جانبي في غرفة العناية المركزة‬ ‫النبطي للشاعر «شالح بن هــدالن» ما يزال‬
‫بمستشفى الدمام المركزي‪.‬‬ ‫عالقا في الذاكرة من سنوات‪ ،‬قبل معرفتي‬
‫بأحمد المال وحتى كتابة هذه السطور‪:‬‬
‫بقي معي إلى أن اطمأ ّن على حالتي وعلى‬
‫استقرارها‪ .‬ظلَّ أحمد المال متواصال معي‬ ‫أنا خويّك في الليالي المعاسير‪..‬‬
‫وال ال ـ ـرَخَ ـ ــا كِ ـ ـ ِّل ــنْ ي ـس ــدّ بـمـكــانــي عبر الهاتف ومن خالل الزيارات الشخصية‬
‫ّ‬
‫‪ ..‬أم هو األثر الذي تركه الشاعر «أحمد مع األصدقاء للمستشفى حتى بعد خروجي‪.‬‬
‫في (‪2018‬م) في لوس أنجلوس بأمريكا‪،‬‬ ‫المال» في مجموعته الشعرية الرائعة «إيّاك‬
‫وخالل فعالية أيام الفيلم السعودي هناك‪،‬‬ ‫أن يموت قبلك»؟‬
‫أ ُصبتُ بتعب وإرهــاق‪ ،‬فقدتُ معه الوعي‪..‬‬ ‫المال‪ ..‬اإلنسان والصديق‪!..‬‬
‫كنت وقتها أتعالج من آالم في فقرات الرقبة‪،‬‬
‫في ‪2015‬م‪ ..‬تعرضت لحادث سير عندما‬
‫ومع تغيّر الجو أصبت بتلك الدوخة‪ ،‬ما شعرت‬
‫كنت فــي طريقي مــن األحــســاء إلــى مطار‬
‫بعدها إال بأول الموجودين معي‪ :‬أحمد المال‪،‬‬
‫الملك فهد بــالــدمــام‪ ،‬مسافرًا إلــى بيروت‬
‫ومعه بعض األصدقاء «محمد الفرج‪ ،‬شهد‬
‫لتصوير بعض األعمال الفنية‪ .‬في اليوم نفسه‬
‫أمين‪ ،‬محمد السلمان‪ ،‬مجتبى سعيد»‪.‬‬ ‫والتوقيت ذاته‪ ،‬كان أحمد المال متوجها إلى‬
‫«إن قدماً ال تنتقي خطوها‪ ،‬ال يحق لها أن‬ ‫البحرين برفقة بعض األصدقاء‪ .‬وصله خبر‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪30‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد المال في المهرجان السينمائي‬

‫أو فني مشترك إال وكان أحمد المال سببه‪.‬‬ ‫تفاخر بالطريق «أحمد المال»‪.‬‬
‫في أهـ ّم المواقف‪ ،‬في أجمل الرحالت‪ ،‬يشعلنا جميعا؛ كلما فترت لدينا الحماسة‬
‫في أحسن الحاالت‪ ،‬في أمتع أيام العمل‪ ،‬في وخبَتْ جذوتها‪.‬‬

‫فــي اإلدارة‪ :‬مــا مــن إدارة م ـ ـرّت عليّ‬ ‫أحسن سنين العمر لـ «أحمد المال» حضوره‬
‫في العمل المشترك إال وكــان أحمد المال‬ ‫المش ّع والحميم‪.‬‬
‫مهندسها وفنانها وملهمها‪ .‬وهو المدير الذي‬ ‫أناقة التعامل‪!..‬‬
‫ال تراه جالسا على كرسي في أول الصفوف‪.‬‬
‫مــا مــن م ــرة كــنــت فــيــهــا فــي بــيــت أخــي‬
‫مــن حــســن حــظــي أن تــعـ ّمــقــت معرفتي‬ ‫وصديقي «أحمد المال» إال وخرجتُ متجددا‬
‫بالحياة‪ ،‬ال توجد أبواب مغلقة باألقفال في بأحمد المال في مهرجانات نوعية كان هو‬
‫المكان الذي يسكنه أحمد المال‪ .‬حتى في مؤسسها‪ ،‬شــاهــدت فيها حــرصــه وإرادتـــه‬
‫مكتبه اإلداري عندما كــان مــديـرًا لجمعية ووعيه وحبه للفريق الــذي يعمل معه‪ .‬يوزع‬
‫الثقافة والفنون بالدمام‪ ..‬عادة ما يكون باب علينا االبتسامات ويعيد ابتكار الحياة‪.‬‬

‫فــي االســتــشــارة‪ :‬مــا خ ــاب مــن استشار‬ ‫اإلدارة مفتوحا حتى وإن كنّا في اجتماع‪.‬‬
‫في العمل‪ :‬ما من نجاح في عمل ثقافي «أحمد المال»‪.‬‬
‫* فنان سعودي‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫شطحة مع «إياك أن يموت قبلك»‬
‫■ راشد عيسى*‬

‫تعرفت إلى شعر أحمد المال في أواسط الثمانينيات‪ ،‬وكنت آنذاك محررًا في‬
‫القسم الثقافي في جريدة الجزيرة في الرياض‪ .‬كانت نصوصه مختلفة‪ ،‬تثير‬
‫نقاشا بين الزمالء حول نسبة تلك النصوص إلى الشعر‪ .‬فهي تخلو من موسيقى‬ ‫ً‬
‫التفعيلة‪ ،‬وكانت قصيدة النثر ما تزال مرهوبة وغير سائدة في الذائقة المحلية‬
‫فــي المملكة العربية السعودية بــالـصــورة الـمــرجـوّة‪ .‬كــان النقاش ينتهي غالبًا‬
‫بالموافقة على نشرها‪ ،‬ألنها تحمل صورًا شعرية جديدة‪ ،‬والتماعات لغوية فائقة‪،‬‬
‫وتستند إلى رؤى تأملية‪ ،‬يزاد على ذلك أن المال شاعر شاب تبشر موهبته بنبات‬
‫شعري سيكون له شأن مستقبلي مجيد‪.‬‬

‫وقــد شــهــدت حقبة الثمانينيات أعظم غير الصحيحة‪.‬‬


‫ومع كل ذلك‪ ،‬بقي نهر الشعر جاريًا بحذر‬ ‫انفتاح أدبي يواكب تحوالت الحداثة الشعرية‬
‫العربية والعالمية‪ ،‬وكانت أسماء شعرية من‬
‫وسرانية وصمت وألم ومثابرة على االنتصار‪.‬‬
‫مثل‪ :‬محمد العلي وأحمد الصالح واألخوين‬
‫فالتمعت أسماء من مثل‪ :‬أحمد المال وأشجان‬
‫علي الدميني ومحمد الــدمــيــنــي‪ ،‬ومحمد‬
‫هــنــدي‪ ،‬ولطيفة ق ــاري‪ ،‬وجــاســم الصحيح‪،‬‬
‫عبيد الحربي‪ ،‬وعبداهلل الصيخان‪ ،‬ومحمد‬
‫ومحمد يعقوب‪ ،‬وعبداللطيف يوسف‪ ،‬وأحمد‬
‫جبر الحربي‪ ،‬وخديجة العمري‪ ،‬وعبداهلل‬
‫قــران الــزهــرانــي‪ ،‬وزي ــاد السالم‪ ،‬وعبداهلل‬
‫الزيد‪ ،‬وجار اهلل الحميد وسعد الحميدين‪،‬‬
‫السفر‪ ،‬وكوكبة أخــرى مــا تــزال نشطة في‬
‫وعبدالكريم العودة‪ ،‬ومحمد الثبيتي وغيداء‬
‫اتجاهات أنهارها المتحمسة‪ .‬بين يدي إحدى‬
‫المنفى‪ ،‬وفوزية أبو خالد وغيرهم وغيرهن‪...‬‬
‫ا الــذي‬ ‫المجموعات الشعرية ألحمد الــمـ ّ‬
‫كانت تلك األســمــاء تحمل عــبء المغامرة‬
‫أظهر مواظبة استثنائية على كتابة النص‬
‫والتخطي والتجريب‪ ،‬واستطاعت في وقت‬
‫الشعري الجديد «قصيدة النثر» بإخالص‬
‫وجيز تسجيل إضافة نوعية للمشهد الثقافي‬
‫فني وموهبة باسلة‪.‬‬
‫فــي المملكة‪ .‬غير أن مــوجــة كارثية حلّت‬
‫في هــذه المجموعة الموسومة بـ «إيــاكَ‬ ‫بالمشهد الناهض حين تدخل الفكر التقليدي‬
‫اليابس في إعاقة التنوير األدبــي الجديد‪ ،‬أن يموتَ قبلك» تشتبك ذات الشاعر بأسئلة‬
‫وإلحاق األذى بالصيرورة الحداثية وإقصائها الوجود‪ ،‬وتصبح محورًا رئيسً ا لمعنى الحياة‪،‬‬
‫بأساليب مؤسفة من المصادرات واالتهامات فكل قصيدة هنا هي موقف الشاعر نفسه‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪32‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫من تفاصيل المشاهد اليومية‪ ،‬ومن تحركات يأكل‪ ..‬بل يشفق على مكوّنات الوليمة ويتلذذ‬
‫الحلم الخاص في فضاء الوجدان الحياتي بجوعه‪.‬‬
‫ا تخصيبه‬ ‫راق لــي فــي عموم شعر الــمـ ّ‬ ‫الــعــام‪ .‬القصيدة هنا نفثة شاهقة اإليــام‬
‫تضيء موقف الشاعر من الخسارات ومن‬
‫الــنــص بــإحــاالت تاريخية خــالــدة فــي نبض‬
‫حمولة اإلرث الجارح الــذي رمز إليه المال‬
‫الوجدان اإلنساني‪ ،‬ألن قصيدته شاهد حيّ‬
‫بالليل والتراث في قصيدته «طريقة ليست‬
‫على مسيرة األلم الحياتي منذ جلجامش في‬
‫مبتكرة» ليختمها بقوله‪« :‬ما الذي آمنّا به دون‬
‫تعبيره عن تراجيديا األحالم الخائبة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫أن نراه غير الموت»‪.‬‬
‫«هل نحن حقيقيون يا أبي‬
‫تمتاز المجموعة بشعرية المجاز العالي‬
‫كي نطير مثل ‪Buzz‬‬
‫الـ ــذي يــهــنــدس الــمــفــردات بــعــفــويــة لــذيــذة‬
‫إلى الالنهائية وما بعدها‬
‫وروحانية صافية ال أثر فيها للتعقيد الرمزي‬
‫ونقاتل األشرار؟‬
‫والمكائد المغلقة‪ ،‬لذلك تتجه معظم رؤى‬
‫لماذا يموت اإلنسان وال يعود إذن؟‬
‫القصائد إلى اليومي ومسمياته وإلى أنسنة‬
‫أبي‬
‫الــجــمــادات والتعامل مــع كــائــنــات الطبيعة‬
‫عندما تكون نجمة في السماء‬
‫بصفتها شريكًا رئيسً ا في مشهد الحياة‪:‬‬
‫لمن تحكي قصة جلجامش؟‬
‫نعم سأسمعك في الليل وأنام‬ ‫«الكرسي يتمطى في ساحة مخيم مهجور‬
‫فأنا أنكيدو‬ ‫يقف ويشير لي بنهم في كل طريق‬
‫وحـيــن أخ ــاف ســأذهــب إل ــى ســريــر عشتار‬ ‫مهم ًال وشاغرً ا‬
‫حتى‬ ‫ظننته صدفة أوّل الطريق»‬
‫يأتي الصباح»‪.‬‬ ‫ثمة شفافية جارحة في منادمة األشياء‪،‬‬
‫ال مــرآة ذكية تتالمح فيها‬
‫فقصيدة الم ّ‬ ‫وفي خيوط التعالق مع األصدقاء الحميمين‪،‬‬
‫مــأســاة اإلنــســان وغربته عبر كــل األزمــنــة‪.‬‬ ‫إذ ضمت المجموعة قصائد عديدة مهداة إلى‬
‫وتتالفى فيها أنهار الحكمة وطيور الضالل‬ ‫أصدقاء الشاعر وهم في غالبيتهم شعراء أو‬
‫أصــدقــاء المعنى والحلم‪ ..‬أسماء معروفة‬
‫المعرفي وصــراخــات الــبــذور المكتومة في‬
‫لها حضورها الجميل في المشهد الثقافي‪.‬‬
‫أرض المعنى منذ شهقة الكون األولى‪.‬‬
‫وأحسب هذه اإلهداءات نوعً ا من المشاركة‬
‫في الديوان حداثة رؤيــا وحداثة تشكيل‬ ‫الوجدانية الخفية في البوح الالمرئي‪ .‬وذلك‬
‫بنائي متدفق كما السهو المقصود‪.‬‬ ‫ال حين يكتب القصيدة‬‫أيضا على أن الم ّ‬
‫دليل ً‬
‫وكما المكر البريء‪ .‬نصوص سهلة الهضم‬ ‫إنما يضع العالم أمامه كوليمة شهية ولكنة ال‬
‫‪33‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫لذيذة المذاق‪ ،‬كل نص يبدو مثل قطعة جاتو‬
‫فــاخــرة يقضمها ح ــادي اإلب ــل فــي صحراء‬
‫الدهناء وهــو يحسب أنها نجمة مطبوخة‬
‫بالسكر والزنجبيل‪.‬‬
‫ال مع الكلمات على أنها كائنات‬
‫يتعامل الم ّ‬
‫حية أو فواكه أو طيور تتشارك في مهرجان‬
‫الــذهــول وفــي احتفالية اللوعة التي تعلنها‬
‫القصيدة‪:‬‬
‫«انتفخت كلماتي‬
‫أزعجت رائحتها الجيران‬
‫والمارّة رجموا بابي بحجر الشؤم»‪.‬‬
‫ومن الملحوظ جدًا أن الشاعر يتدفق برؤاه‬
‫من مخزون ثقافي كبير واطالع رحيب على‬
‫منمنمات الحضارة‪ ،‬وعلى مكامن المعرفة‬
‫وأخيرًا‪ ،‬أرى أن هذا الديوان أنموذج رفيع‬ ‫وأماكنها وتوجهاتها‪.‬‬
‫للشعرية المعاصرة في شفافيتها النابضة‬
‫قصائد ناعمة المغزى‪ ،‬رشيقة البناء‪،‬‬
‫بأحوال األلــم اإلنساني‪ ،‬وتفاصيل الصعود‬
‫متسامية إلى الجمال المطلق وإلى مشارف‬
‫على سُ ـلّــم الــقــصــيــدة‪ ،‬لبلوغ ســمــاء تاسعة‬ ‫الــحــريــة بــكــل فــضــاءاتــهــا‪ .‬ال أث ــر للصراخ‬
‫مقترحة‪.‬‬ ‫اإليقاعي أو التراكيب الجافة‪ ،‬لكأنَّ الشاعر‬
‫ال بعيد عن الضجيج اإلعــامــي‪ ،‬وال‬
‫الم ّ‬ ‫طفل يركب دراجة ويدور بين الغيوم‪ ،‬ثم يعود‬
‫يركض خلف الكاميرات‪ ..‬لكأنه ناسك جاهليّ‬ ‫يحكي ألمه ومكتبته وقطته ما رآه على األرض‬
‫عــاد للت ّو مــن دارة جلجل إلــى مقهى على‬ ‫من مشاهد تفضح لغز الحياة وتعرَّي نوايا‬
‫شاطئ في الخليج العربي‪ ،‬ثم صار يصطاد‬ ‫الموت‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫السمك ال ليأكله بل ليعلمه التكلم والحوار!‬ ‫«مررت اليوم في مزاج ضيق‬
‫أو هو عازف قيثار حزين يعزف السعادة بين‬ ‫ِسكة مسدودة‬
‫بيوت الشعر المتبقية في الصحراء العربية‬ ‫وشرقت بالهواء‬
‫التي اعتادت الحزن حتى ظنته سعادة!‬ ‫ولم تناولني يد مفتاح الحياة»‪.‬‬
‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪34‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫شعريّة التفاصيل في ديوان “تمارين الوحش”‬
‫للشاعر السعودي أحمد المال‬
‫■ أ‪ .‬د‪ .‬عماد عبدالوهاب الضمور*‬

‫يمتاز األدب الـسـعــودي بالغنى‪ ،‬وال ـثــراء‪ ،‬والـتـنـوّع؛ فهناك كتّاب‬


‫كبار في الــروايــة والشعر والمسرح والقصة‪ ،‬مّ ــا يضع المتلقي أمام‬
‫ظواهر إبداعية تستحق الدراسة‪ ،‬واستخالص كيفية تشكّ ل الحالة‬
‫اإلبداعية‪ ،‬وتشظياتها الفنية رغم قلة الدراسات النقديّة التي تواكب‬
‫هذا الكم الهائل من اإلنتاج اإلبداعي‪.‬‬
‫يعكس دي ــوان (تـمــاريــن الــوحــش) للشاعر الـسـعــودي أحمد الم ّال‬
‫استمرار ًا للنهج الحداثي الذي غزا الحركة الشعريّة السعوديّة منذ‬
‫أواخر التسعينيات من القرن الماضي‪ .‬حيث التحرر من قيود القافية‪،‬‬
‫والوزن أحياناً؛ للتعبير عن قضايا جديدة تالمس الحياة اليومية بكلّ‬
‫جــراءة‪ ،‬فض ًال عن النزوع إلى السرد المؤطر لتجارب ذاتية ببنى جمالية تستثمر إمكانات اللغة‪،‬‬
‫وقدرتها على صياغة التجربة اإلنسانية في قالب معاصر‪.‬‬
‫خلف هذه التمارين التي يقوم بها الوحش‪ ،‬وكأننا‬ ‫فأيّ تمارين تلك التي أرادهــا الشاعر‪ ،‬وأيّ‬
‫أمــام مشهد حكائي يشتمل الشخوص والزمان‬ ‫وضعنا الشاعر من خالل‬ ‫وحــش يقوم بها؟ إذ َ‬
‫ال عن دالالت األثر الحركيّ الذي‬‫والمكان‪ ،‬فض ً‬ ‫عنوان ديوانه أمــام حالة ذهنيّة عميقة‪ ،‬تحاول‬
‫تعكسه التمارين‪.‬‬ ‫إيجاد تأويل منطقي لتمارين الوحش‪ ،‬أو ما يبرر‬
‫ينتظم قصائد الشاعر خيط نفسي دقيق‬ ‫قيام الوحش بتمارينه‪ ،‬وما حقيقة داللة الوحش‬
‫يوحّ د البنى السرديّة في تصوير مشهدي مكثف‬ ‫المجازية؟‬
‫إ ّن البحث فــي عنونة النص يتجاوز فضاء يتجه نحو الغياب‪ ،‬ويوسّ ع من إيحائية المعنى‪،‬‬
‫النص الشعري إلى البحث في الطبيعة الشعوريّة وقدرته على االنتشار بعيداً عن قيود الواقع‪،‬‬
‫الحسيّة إلدراك المعطى البصري‪ ،‬والوظائف وانكساراته‪ .‬كما في قصائد‪ :‬مزاج للتخريب‪ ،‬بدل‬
‫التي يؤديها العنوان في بنية النص‪ ،‬لما يمتلكه االكتئاب‪ ،‬مُهجة‪ ،‬المنزل‪.‬‬
‫لــقــد دفــعــت مــجــازيــة الــعــنــوان الــشــاعــر إلــى‬ ‫العنوان من قــدرة إيحائية‪ ،‬وتأثير بصري في‬
‫المتلقي‪ ،‬يوجّ ه فعل القراءة بوصفه داالً بصر ّياً‪ ،‬مضاعفة مراوغته الداللية لعنوانات قصائده؛‬
‫لتكشف النصوص الشعريّة عن تفاصيل حياته‪،‬‬ ‫يُقلّص مساحة البياض فوق النص‪.‬‬
‫إذ يكشف عنوان الديوان عن مشهديّة بصريّة كما في قصيدته «فيلم بطيءٌ لحياة مستعملة»‬
‫تكشف عن استتار كثير من األحداث والتفاصيل التي يفك فيها العنوان جزءاً من حصار المعنى‪،‬‬
‫‪35‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الـ ــذات مــن خــالــهــا الــعــبــور إل ــى عــالــم أرح ــب‪،‬‬ ‫ويجعله أكثر تكثيفاً وإيحا ًء(‪:)1‬‬
‫يحطني على بحركة أقل وفاعلية أكثر للذات في مغامراتها‪،‬‬ ‫الخشنُ ‪ ،‬ال الشيب ما ّ‬ ‫ِ‬ ‫التنفس‬
‫ُ‬
‫ونزوعها نحو الحرية‪ ،‬أسهمت في عصرنة اللغة‪،‬‬ ‫أقرب خشبةٍ قديمةِ العهدِ ‪،‬‬
‫أقضمُ الخبزَ‪ ،‬بعدَّ ةٍ باليةٍ ‪ ،‬بنظرةٍ تسيلُ على وأنسنة األشياء لتصبح جزءاً من تفصيالت حياته‬
‫المدهشة‪ ،‬حيث يقول(‪:)3‬‬ ‫َمه ٍَل‪.‬‬
‫خياالتُ برّيةٌ وفاجرةٌ‪،‬‬ ‫ال مرآ َة لي‪ ،‬وال مارّة‪،‬‬
‫خياالت حلَّقت‪،‬‬ ‫بُدالء كثيرون‬
‫وبوحشيّة طوَّقت كرسيّها‪،‬‬ ‫يُرخون صواطيِ رَهم‪،‬‬
‫هالةٌ شرسةٌ ‪،‬‬ ‫يسيحُ المكياج على سواعد تغفو‪.‬‬
‫إذ يبرز استثمار الشاعر لحيوية اللغة اليومية حَ بَست أقدا َم الطاوالت ِالمتربِّصةِ ‪،‬‬
‫لع ّل ما يدعم قوة اإليحاء في رسم الشاعر‬ ‫والمألوفة؛ لتصبح جــزءاً من النسيج الشعري‪،‬‬
‫لتفصيالت حياته هو نزوعها السردي‪ ،‬وتكثيف‬ ‫بعدما خرج بها من سطوة االستخدام المألوف‬
‫عناصر الطبيعة‪ ،‬وتبادل الحواس‪ ،‬لتعلن القصيدة‬ ‫إلى منحى تعبيري‪ ،‬يصهر الواقع بمعاناة الذات‬
‫عن والدتها‪ ،‬كما في قصيدة (مراوغة الموت)‬ ‫ورغبتها في االنعتاق‪.‬‬
‫التي يقف فيها الشاعر عاجزاً أمام قوة الموت(‪:)4‬‬ ‫ومثل هذا التمظهر الواضح لفن السينما في‬
‫أنتفض مذعور ًا‬
‫ُ‬ ‫العنوان‪ ،‬نجده ينعكس على بنية النص الشعري‬
‫حين أسمعُ نداءَه الخافت‪،‬‬ ‫ال من السرد الذي يمعن في كشف‬ ‫منتجاً ك ّمًا هائ ً‬
‫ودائم ًا‬ ‫تفصيالت المشهد وإضاءة جوانبه المختلفة‪ ،‬مّا‬
‫أتحسّ س رقبتي‬ ‫جعل العنوان حاضراً بوصفه نصاً مستقالً‪ ،‬ينفتح‬
‫أُفت ُِّش عن لدغةٍ‬ ‫على المشهد الشعري‪ ،‬يستدعي تنشيط فاعلية‬
‫أو نقطةِ دمٍ حمراء‪.‬‬ ‫التلقي لتأويل ما لجأ إليه الشاعر من تكثيف‬
‫لــذلــك فــإن الــجــانــب الــدرامــي أصــبــح جــزءاً‬ ‫للمشهد الشعري‪ ،‬كما في قصيدة «حُ لم طوي ٌل من‬
‫واضــح ـاً مــن جمالية المشهد الــبــصــري الــذي‬ ‫لقطةٍ واحدةٍ » حيث يقول(‪:)2‬‬
‫يعكسه عــنــوان الــقــصــيــدة‪ ،‬وتــفــســره المشاهد‬ ‫أدخلُ النومَ‪،‬‬
‫البصريّة فيها‪ ،‬حيث تتشكّل القصيدة من عناصر‬ ‫الصالةُ مظلمةٌ‬
‫الطبيعة والمكان‪ ،‬واألفعال ذات الداللة الحركيّة‬ ‫وممتلئةٌ عن آخرِ كرسيّ ‪،‬‬
‫التي تقاوم فعل الزمن القاسي‪ ،‬كما في قصيدة‬ ‫أجلس في شرفةٍ مخصصةً‬ ‫ُ‬
‫حركات إحداهنّ مُرتَجلة)(‪:)5‬‬ ‫ٍ‬ ‫(سبع‬ ‫للممثّلين‪،‬‬
‫رَمى الجميل َة في الماءِ‬ ‫في عرض االفتتاح‪،‬‬
‫قالت له‪ :‬أكرهُ َك‪،‬‬ ‫تأخرِ البطلة‪.‬‬
‫مُ تذمِّ ر ًا من ُّ‬
‫وما تلبث إيحائية العنوان(تمارين الوحش) أن فانهالَ نهرٌ ‪،‬‬
‫تتكشف في قصيدة (وحــش البار) التي تحاول أسماكُ هُ تتقافزُ ‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪36‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫نَهِ مةٌ ُخطاي‬ ‫نحو النبعِ ‪.‬‬
‫وطريقي ضيّق وقصير‪.‬‬ ‫تخفقُ أجنحتُها ثابتةً أو بطيئةً‬
‫الوقت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كي ال يعب َر‬
‫إ ّن نزوع الشاعر السردي في قصائد الديوان‬
‫قاده إلى االرتباط الحميم بالواقع والحياة اليومية‬ ‫وتكتنز نصوص الشاعر بعالقة حميمة بالمرأة‬
‫التي تتسع إلى ذكر كثير من التفاصيل التي شكّلها‬ ‫ال من تفاصيله المدهشة‬ ‫التي تبدو جــزءاً جمي ً‬
‫برؤى حداثيّة ذات ارتباط وثيق بالقلب‪ ،‬وتعالق‬ ‫والمختلفة عن المجموع‪ ،‬فهي ليست امرأة عابر‪،‬‬
‫بالعقل الــذي أمعن في رصد انتقائي لتفاصيل‬ ‫أو طارئة عليه‪ ،‬إنما شكّلت حالة وجد اشعلت‬
‫مدهشة مشحونة باإليحاء وفضاء الكلمة الحالم‪.‬‬ ‫كيانه‪ ،‬وأمدته بروح جامحة تسمو بفعل الحياة‪،‬‬
‫كما في قوله في القصيدة ذاتها(‪:)6‬‬
‫كما في قصيدته (أكــتــبُ حكايتي)‪ ،‬التي يقول‬
‫فيها(‪:)8‬‬ ‫أحب التفاصيل‬‫كم ّ‬
‫وأشمّ ها‪،‬‬
‫ُ‬
‫حطب‬
‫ٌ‬
‫أتحسّ س بحنان الوالهِ ‪،‬‬
‫تَتفتَّقُّ أسرار ٌه‬
‫لن َي َدع َِك ت َُحطينَ قطعةً‬
‫وتطيش‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لط ٍف‬
‫قبل أن يمسحَ مكانَها بِ مُ ِّ‬
‫شراراتُه تُفرقعُ ‪،‬‬ ‫ينزلقُ‬
‫وتغيب في بئرٍ مقلوبة‪.‬‬ ‫وال يجرح جسد َِك‪.‬‬
‫الدخانُ‬
‫لع ّل ممّا يُعزز من شعريّة التفاصيل في ديوان‬
‫حبالُ ساحرٍ ينفخُ في قصبةٍ‬
‫الشاعر هو غزارة الصور الجزئية وتتاليها بشكل‬
‫بأصابع تُغلق ثقوبَ السماء‪.‬‬
‫يبعث على الــلــذة الفنية‪ ،‬الــتــي تنقل المشهد‬
‫ال موهبة وتوهجاً‬‫لقد امتلك الشاعر أحمد الم ّ‬ ‫الشعري إلــى حالة ذهنية ذات معنى‪ ،‬كما في‬
‫قصيدته (أقـ ّل ممّا ينبغي أو أكثر ممّا يُحتمل) وجدانياً وفــضــا ًء حالماً ورصــيــداً من تفاصيل‬
‫حالمة ومغامرة معاً تشتبك مع عالم الشاعر‬ ‫حيث يقول(‪:)7‬‬
‫الواقعي‪ ،‬أبرز توظيفاً واضحاً للفن السينمائي‬ ‫ال يَسَ عُ النو ُم‬
‫بلقطاته التصويرية‪ ،‬وفضاءاته البصريّة؛ مّا‬ ‫أحالمي‪.‬‬
‫كشف عن دفق عاطفي غزير منح قصائده اتساقاً‬ ‫أسبقُ الفجرَ‪،‬‬
‫واختزاالً للمعنى‪ ،‬موظفاً البُعد اللغوي للمفردة‬ ‫وأُلحُّ على الندى‬
‫بوصفها بــؤرة إيحائية‪ ،‬ومرتكزاً عالياً ألفكاره‬ ‫الشفيف‬
‫ِ‬ ‫بالشغف‬
‫الجامحة‪.‬‬ ‫أن يصبح مطراً‪.‬‬
‫ * ناقد من األردن‬
‫(‪ )١‬أحمد المالّ‪ :‬تمارين الوحش‪ ،‬منشورات الغاوون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2010 ،1‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )٣‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫(‪ )٢‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .52‬‬
‫(‪ )٥‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫(‪ )٤‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .73‬‬
‫(‪ )٧‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫(‪ )٦‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ص ‪ 90‬ـ‪ .91‬‬
‫(‪ )٨‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.144‬‬

‫‪37‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫فن الديجيتال في التجربة الفنية السعودية‬
‫من خالل نموذج هناء راشد الشبلي‬
‫■ إبراهيم احلجري*‬

‫‪ .1‬نظرة حول مفهوم الفن الرقمي (‪)Digital of Art‬‬


‫يعدُّ الفن الرقمي أحــدث الفنون البصرية التي ازده ــرت مــع هيمنة الشبكة‬
‫العنكبوتية‪ ،‬وسمي هــذا الفن رقميا العتماده لغة الحاسوب العشرية الرقمية‬
‫مرجعا‪ ،‬إذ نهل منها العديد مــن األشـكــال واالتـجــاهــات‪ ،‬ابـتــداء مــن التوقيعات‬
‫المصغرة والمعارض؛ وانتهاء بالقرى العالمية‪ ،‬بالرغم من المضايقات الشديدة‬
‫التي يلقاها مــن طــرف الـتـيــارات المناهضة لــه‪ ،‬فقد أصبح الفن الرقمي أحد‬
‫االتجاهات الحديثة المتقدمة في طرح أعمال الفن‪ ،‬ويطلق على الحركة الفنية‬
‫التشكيلية التي تستخدم تقنية الكمبيوتر والمؤثرات المتطورة لبرنامج آدوبي‬
‫فوتوشوب ‪ Adobe Photoshop‬اإللكتروني أو غيره من برامج التصميم‪ ...‬إذ يتم‬
‫االجتهاد على مستوى آلية التفاعل بين رؤيا الفنان الذهنية و»الرؤية» الرقمية‬
‫على شاشة الكمبيوتر في محاولة إليجاد بُعد رابع للصورة يمكن أن يطلق عليه‬
‫«البعد الرقمي» ‪.1»Digital Dimension‬‬

‫إنــتــاج آلــي ال يسهم فيه اإلنــســان إال‬ ‫وبالرغم مما حققه هذا الفن المثير‬
‫بجانب يسير‪ ،‬حيث يتم تهميش الموهبة‬ ‫للجدل من ميزات بشكل سريع ومطرد؛‬
‫واألحاسيس والمهارات الحسية على‬ ‫إال أن أولــئــك المتعصبين لألصالة‬
‫حسب اعتقادهم‪ .‬غير أن السؤال الذي‬ ‫الفنية وتقليدية األدوات‪ ،‬الــذيــن ال‬
‫يقدم نفسه بإلحاح في هــذا الصدد‪،‬‬ ‫يعيرون اهتماما لهذا االتجاه‪ ،‬يمتنعون‬
‫هو‪ :‬لماذا تقوم كبرى المتاحف العالمية‬ ‫عن تصنيفه ضمن «الفنون اإلنسانية‬
‫باالحتفاء بهذا الفن‪ ،‬وتنظم معارض‬ ‫الراقية» ‪ Fine Art‬معتبرين إياه مجرد‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪38‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫مستمرة للفن الرقمي أو ما يُدعى أحيانا‪،‬‬
‫بالفن عبر اإلنترنت ‪ ،Online Art‬كما هو‬
‫حال متاحف سان فرانسيسكو للفن الحديث‬
‫‪ SFMOMA‬ومركز ووكــر ‪Walker Center‬‬
‫ومتحف ويتني ‪.Whitney Museum‬‬
‫تعددت التحديدات المفهومية لهذا الفن‪،‬‬
‫واختلفت أحيانا‪ ،‬إلى حد التعارض‪ ،‬ويبقى من‬
‫أهم التعريفات ما قدمه الفنان روبرت بورغر‬
‫الفنانة التشكيلية هناء الشبلي‬
‫أستاذ فن الرسم الكمبيوتري في جامعة‬
‫‪ ،Francis Laposky‬بمحض الصدفة‪ ،‬بعض‬
‫بنسلفانيا ‪ ،University of Pennsylvania‬إذ‬
‫أشكال الترددات على شاشات الرادار‪ .‬هذه‬
‫يقول فيه‪« :‬إنه ببساطة الفن الذي يستخدم‬
‫الترددات ذكرته باألسلوب التجريدي للفنان‬
‫الكمبيوتر كأداة»‪ .‬أما عن تاريخ هذه الحركة‬
‫فاسيلي كاندانسكي ‪ ،Vassily Kandinsky‬إذ‬ ‫الفنية فــيــقــول‪« :‬ال يرتبط الــفــن الرقمي‬
‫تميزت هذه األشكال المرتسمة على الشاشة‬ ‫بتاريخ معين؛ بمعنى أنه باستطاعة أي فنان‬
‫ببنية دائرية وهيئة حلزونية‪ ،‬وكأن يداً خفية‬ ‫صاحب موهبة ولديه المعرفة‪ ،‬باستخدامات‬
‫ومــاهــرة قــد رسمتها ب ــإدراك حسي دقيق‬ ‫الكمبيوتر وبرنامج الفوتوشوب أن يطور‬
‫ومتناسق‪ .‬بناء على هذا التصوّر‪ ،‬فكّر الفنان‬ ‫تشكيالت ال نهائية مــن اللوحات الفنية‪،‬‬
‫في استعمال الحاسوب كــأداة فنية‪ ،‬نظرا‬ ‫والتي تتحد فيها الــرؤيــة الفنية التخيلية‬
‫لإلمكانية الهائلة التي تتمتع بها هذه اآللة‬ ‫بالقدرات التقنية العالية للكمبيوتر‪ ..‬ليحققا‬
‫حديثة العهد في ذاك الزمن‪ .‬فقد الحظ‬ ‫معا شطحات فنية في العمل التشكيلي لم‬
‫هذا الفنان دقة هائلة في الرسم إلى درجة‬ ‫تكن لتتحقق بدون توافر هذه التكنولوجيا‪.‬‬
‫تفوق بكثير قدرة اإلنسان‪ ،‬فقرر تطوير هذه‬ ‫وأنا من أشد المتحمسين للفن الكمبيوتري‪،‬‬
‫القدرة وتوظيفها في مجال الفن التشكيلي‪.‬‬ ‫وأبذل الوقت والجهد الالزمين من أجل خلق‬
‫قام بنيامين فرانسيس البوسكي بإنجاز‬ ‫لوحات وتشكيل بصري يحفز الذهن البشري‬
‫أول محاولة فــي الفن الرقمي فــي تاريخ‬ ‫ويثير فيه الصور واإلسقاطات»‪.‬‬
‫الفنون البصرية مــن خــال لوحة بعنوان‬ ‫لكن‪ ،‬وبالرغم من صعوبة تحديد التاريخ‬
‫«تــردّدات» ‪ Oscillons‬كاسم لمسمى‪ ،‬يصف‬ ‫الفعلي لــبــروز ه ــذا الــفــن‪ ،‬إال إن الفنان‬
‫به التردّدات الضوئية التي تظهر على شاشة‬ ‫األمريكي البوسكي يبقى أول مــن مــارس‬
‫الحاسوب معلنا عن انطالق حقبة جديدة‬ ‫هذا الفن على الحاسوب بوعي؛ إذ حصل‬
‫من الفنون وهي الحقبة الرقمية(‪.)٢‬‬ ‫أن شــدت فرانسيس البوسكي ‪Benjamin‬‬

‫‪39‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫(‪Digital‬‬ ‫الــفــن الرقمي أو فــن الديجتال‬ ‫بعد سنة ‪1953‬م‪ ،‬تاريخ إنجاز أول عمل‬
‫‪ ،)Art‬التلوين الرقمي (‪،)Digital Painting‬‬ ‫تشكيلي بــالــحــاســوب‪ ،‬تــتــالــت الــمــحــاوالت‬
‫فــن الــويــب (‪ ،)Web Art‬فــن الفوتوشوب‬ ‫الــرقــمــيــة الــفــنــيــة‪ ،‬وت ــواص ــل الــســعــي إلــى‬
‫(‪.)Photoshop art‬‬ ‫تطوير وتخصيب هذه النوعية من األعمال‬
‫‪ ٣-١‬تيارات الفن الرقمي وتقنياته‪:‬‬ ‫لتستجيب إلرادة الفنانين وتقنيي الصور‬
‫ومصممي الغرافيك وغيرهم‪ .‬فغزت البرامج‬
‫على غرار الفن التشكيلي (التصوير‪ ،‬أو‬
‫الرقمية المختصة فــي صناعة ومعالجة‬
‫التعبير باللون) الذي تشكلت له عبر الزمن‪،‬‬
‫الــصــورة ساحة الفنون الرقمية‪ ،‬وأحدثت‬
‫مــدارس وتــيــارات فنية‪ ،‬فــإن الفن الرقمي‬
‫برامج على غرار سلسلة األدوبــي والكورال‬
‫أيضاً‪ ،‬على مختلف أشكاله (رسوم خطية‪،‬‬
‫نقلة مركزية في تاريخ الفنون البصرية‪،‬‬
‫رسوم مسطحة‪ ،‬رسوم متحركة‪ ،‬رسوم ثالثية‬
‫واعدة الفنان التشكيلي بمزيد القدرة على‬
‫األبعاد‪ )...‬أنشأ مدارس وتيارات متعددة‪.‬‬
‫اإلبداع والتفنّن(‪.)٣‬‬
‫ويمكن القول إن مــدارس الفن الرقمي‬
‫وبهيمنة الحاسوب‪ ،‬وانتشار برانمه بشكل‬
‫من حيث (التقنية) تنقسم إلى أربع مدارس‬
‫سريع‪ ،‬تعددت استخداماته لمساعدة الفنان‬
‫وهي‪( :‬مدرسة البيكسل‪ ،‬مدرسة المتجهات‪،‬‬
‫على االبداع واالبتكار‪ ،‬وإمكاناته المتطورة‬
‫مدرسة الكوالج‪ ،‬ومدرسة الدمج)(‪.)٤‬‬
‫المتمثلة في وجــود فالتر وفــرش متعددة‪،‬‬
‫أوال‪« :‬البيكسل» ‪pixel‬‬ ‫مع إضافة المالمس المختلفة‪ ،‬واألحاسيس‬
‫يــعــرف البيكسل بــكــونــه كلمة أجنبية‬ ‫المتنوعة‪ ،‬مثل إحساس قلم الرصاص أو‬
‫األحبار أو الزيت وغيرها‪ ...‬فهبّ الفنانون معناها عنصر الــصــورة الــواحــدة أو وحدة‬
‫من مختلف الحساسيات واألجيال لالستفادة الصورة‪ .‬وهي عبارة عن مربعات صغيرة‪،‬‬
‫مــن تقنياته وأدواتـــه ومبتكراته المتطورة وه ــذه المربعات تــكــون ع ــادة فــي الــصــور‪،‬‬
‫وغالبا ما تتعامل برامج البت ماب أو برامج‬ ‫والمثيرة لالهتمام!‬
‫الفوتوشوب والبينت بور وغيرها مع الصور‬ ‫ومــهــمــا ك ــث ــرت الــــنــــداءات الــمــغــرضــة‬
‫أو الرسومات؛ على أســاس كونها مربعات‬ ‫المعارضة للفن الرقمي ‪ ،Digital Art‬فقد‬
‫صغيرة‪ ...‬فــإذا كــان عــدد المربعات كبير‪،‬‬ ‫بات له اليوم رواده‪ ،‬ومقتنوه الكثر ونقاده‬
‫فإن وضــوح الصورة يكون عاليا‪ ،‬وإذا كان‬ ‫ومعارضه االفتراضية والواقعية‪ ..‬وأقيمت‬
‫عــدد المربعات قليال‪ ،‬فــإن الــصــورة تبدأ‬ ‫له المهرجانات والجوائز الدولية‪.‬‬
‫بفقدان مالمحها‪ ،‬وتظهر على شكل مربعات‬
‫شفافة صغيرة كلما كبرت الصورة‪ .‬فغالبا‬ ‫‪ ٢-١‬تسميات هذا الفن‪:‬‬
‫ما تسمع أو ترى كلمة رزليوشن في برنامج‬ ‫لعل مــن أشهر تسميات هــذا الفن هي‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪40‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫اللوحة ‪ :١‬لوحة من ‪#‬الفن_الرقمي بعنوان (ينبض فقدا) من أحد أعمال معرض الفنانة هناء الشبلي الرقمي ‪#‬نبض‬
‫باستخدام ادوات برنامج ‪#‬فوتوشوب تم اختيار األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب ‪ #‬الرسم_الرقمي‪ .‬تعبر‬
‫اللوحة عن وضع األطفال بين صراع أسري يجبر األم على الرحيل‪.‬‬

‫رســومــات بيكسلية ثالثية األبــعــاد؛ يتم‬ ‫الفوتوشوب؛ ألنها تتعامل بالبيكسل‪.‬‬


‫رسمها بدون استخدام برامج ‪.D3‬‬ ‫ويعد فن البيكسل من الفنون التي لقيت‬
‫رواجا كبيرا في السنوات القليلة الماضية‪ -2 ...‬غير متماثلة األبعاد (‪:)non-isométrique‬‬
‫رســومــات بيكسلية غير ثالثية األبعاد‬ ‫إذ نلفي اآلن‪ ،‬عــددا كبيرا جــدا من فناني‬
‫مثل رسم شكل من األمــام أو الخلف أو‬ ‫البيكسل كل يحاول جاهدا أن يطوع مجموعة‬
‫الجانب‪ .‬ومــن أمثلة البيكسل مــن نوع‬ ‫ال من األشكال األخاذة‬
‫من النقاط لتنتج شك ً‬
‫‪.- non-isométrique‬‬ ‫التي تبهر المتلقي‪ ،‬وتحقق عددا كبيرا من‬
‫الليكات ومؤشرات اإلعجاب‪ ،‬ويطور هذا‬
‫برامج البكسل آرت‪:‬‬
‫الفن منجزه االبــتــكــاري مــن خــال برنامج‬
‫واحــد فقط‪ ،‬هو برنامج ‪ Paint‬الــذي تجده أ‪ .‬الفوتوشوب (‪)Adobe Photoshop‬‬
‫في قائمة ‪ Accessoires‬من شريط البدء‪ ،‬ب‪ .‬الجرفيكس (‪)Graphics Gale‬‬
‫وبرنامج ‪ Paint‬فقط يعمل به المعجزات‪.‬‬
‫ج ـــ‪.‬أم أس بانت (‪ )MS Paint‬ويــوجــد مع‬
‫برامج نظام التشغيل ويندوز‪.‬‬ ‫ويمكن تقسيم فَنّ البيكسل (‪)Art Pixel‬‬
‫إلى مجموعتين فرعيتين هما‪:‬‬
‫د‪ .‬جامب (‪ )GIMP‬برنامج مجاني مشابه‬
‫للفوتوشوب‪ ،‬وله عدة إصدارات‪.‬‬ ‫‪ -1‬متماثلة األبــعــاد (‪ :)isométrique‬وهي‬
‫‪41‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫البيكسن (‪ )Pixen‬برنامج مجاني للماك البرامج المستخدمة في فن المتجهات‬
‫(‪:)Art Victor‬‬ ‫‪ Mac OS X‬و‪.‬البور موتشن (‪)Pro motion‬‬
‫برنامج نسخة تجريبية‪ ،‬غير أنك تستطيع‬
‫أ‌‪ .‬برنامج إليستراتور (‪:)Adobe Illustrator‬‬
‫من خالله‪ ،‬التحريك والتحكم بسهولة‪ ،‬بدون‬
‫أقـ ــوى بــرنــامــج لــفــن الــفــكــتــور واألكــثــر‬
‫االنتقال لبرنامج آخر‪ ،‬وهو خفيف الحجم‪.‬‬
‫اختصاصاً‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المتجهات «‪»Victor‬‬
‫ب‌‪ .‬برنامج الــكــورل درو (‪:)Corel Draw‬‬
‫(‪)٥‬‬
‫يعد فن المتجهات‪ ،‬أو (فن الفيكتور)‬
‫وهــو برنامج رائــع وقــوي ومختص بفن‬
‫كما هو متعارف عليه‪ ،‬من الفنون الرقمية‬
‫المتجهات‪.‬‬
‫الشهيرة‪ ،‬خاصة لعمل الزخارف والشعارات‬
‫(لــوغــو) والــلــوحــات اإلعــانــيــة (البوستر)‪ ،‬جـ‪ .‬برنامج الفوتوشوب (‪:)Adobe Photoshop‬‬
‫يمكن استخدام التصميم المتجه على‬ ‫إضافة إلى إخراج كثير من األعمال الفنية‬
‫برنامج الفوتوشوب بأحد الطرق الثالث‬ ‫المتميزة‪.‬‬
‫التالية‪:‬‬
‫يتميز فن المتجهات بوضوح ودقة أعماله؛‬
‫ألنــه فــن قــائــم على التعامل مــع (‪ Ancor‬األولى‪ :‬استخدام أداة الباث والبن تول‪.‬‬
‫‪ ،)Points‬فالصور فيه عالية الــجــودة‪ ،‬وال‬
‫تتعرض للتشويه عند تكبيرها‪ ،‬بعكس الفن الثانية‪ :‬عن طريق استخدام فرش الفكتور‬
‫بتجميعها وتكوين الشكل أو التصميم‬ ‫الذي يتعامل مع البيكسل‪ ،‬حيث كلما قمنا‬
‫الذي نريد‪.‬‬ ‫بتكبير الصورة أكثر‪ ،‬الحظنا تشويشاً فيها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬وهي عن طريق استخدام األشكال‬
‫‪ shaps‬فــي الــبــرنــامــج بطريقة الفرش‬
‫نفسها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الكوالج‬
‫يقصد به الفَنّ الذي يعتمد على استخدام‬
‫أكــثــر مــن بــرنــامــج للتصميم‪ ،‬كاستخدام‬
‫الفوتوشوب مع الكورل درو‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الدمج‬
‫وهو فَنّ الذي يعتمد على أكثر من صورة‬
‫إبان التصميم‪.‬‬
‫وبخصوص م ــدارس الفن الرقمي؛ من‬ ‫الفنانة الشبلي مع إحدى لوحاتها‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪42‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫اللوحة ‪ :٢‬لوحة من ‪#‬الفن_الرقمي بعنوان (ينبض ثقال) من أحد أعمال معرض الفنانة الرقمي ‪#‬نبض باستخدام أدوات‬
‫برنامج ‪#‬فوتوشوب فقط‪ .‬واخترت األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب ‪#‬الرسم_الرقمي‪ .‬وهي تعبر عن ثقل المسؤولية‬
‫والحمل على ‪#‬األب اخترتها لكم بمناسبة ‪#‬يوم_االب‬

‫ناحية الموضوع أو الفكرة‪ ،‬فيمكن تقسيمها ‪ -‬المدرسة الخيالية أو السريالية‪ :‬وتهتم‬


‫بتصميم واستحداث عناصر من الخيال‪،‬‬ ‫إلى‪:‬‬
‫ويكون فيها تداخالت في الصور ولمسات‬ ‫‪ -‬الــمــدرســة الــواقــعــيــة‪ :‬وتــشــمــل طبعا‬
‫خيالية ليست موجودة في الواقع‪ ،‬وهي‬ ‫المحاكاة‪ ،‬بمعنى تصميم شيء موجود‬
‫بــذلــك‪ ،‬تعتمد عــلــى الــفــكــر اإلبــداعــي‬ ‫في الواقع يحاكي عناصر معروفة مثال‪:‬‬
‫واالبــتــكــار‪ ،‬وهــذه الــمــدرســة‪ ،‬كما يحب‬ ‫منزل‪ ،‬شجرة‪ ،‬جهاز كمبيوتر‪ .‬حيث يتم‬
‫بعضهم تسميتها بـ(مدرسة الديجيتال)‬ ‫توظيف الصور الواقعية‪ ،‬ودمجها بطرق‬
‫أو مدرسة الفن الرقمي‪.‬‬ ‫مختلفة لتمثيل الحقيقة أو جزء منها‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫التعامل مع الفن الرقمي بات ضرورة ملحة‬ ‫ ‪( -‬المدرسة التعبيرية)‪ :‬وهي اتجاه يتم‬
‫لدى المعلم والطالب والشخص العادي على‬ ‫فيه أخــذ عناصر وأشياء من الطبيعة‪،‬‬
‫الــســواء‪ ،‬بــل وبــات الشكل األب ــرز لتمظهر‬ ‫ثم تشويهها بتغيير ألوانها أو هيئاتها أو‬
‫الفنون الجديدة‪.‬‬ ‫أحجامها‪ ،‬وال يقصد التشويه هنا معناه‬
‫القدحي المحيل على التخريب والهدم‪،‬‬
‫وتذهب هناء إلى أن الفن الرقمي «أحد‬
‫بل نقصد به التغيير عن الوجه الحقيقي‬
‫األساليب التي تمارس في مختلف الفنون‬
‫لها‪.‬‬
‫البصرية‪ ،‬ومنها الفنون التشكيلية‪ ،‬إذ تمارس‬
‫أما من حيث تكوين العمل الرقميّ ‪ ،‬فيتبع بلغة العصر التي تقدمها التقنية الحديثة‬
‫فــي بــرامــج الــرســم والتصميم والتصوير‬ ‫أحد األساليب التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬األسلوب الصفري‪ :‬يتم فيه فتح ملف الحاسوبية ذات البعدين أو الثالثة أبعاد‪،‬‬
‫جــديــد‪ ،‬ثــم بعدها خلق العناصر دون الثابتة أو المتحركة‪ ،‬فتستبدل اللوحة‬
‫نسخها أو قصها مــن مــكــان آخــر عبر بالشاشة والفرشاة العادية بالفأرة أو الفرشاة‬
‫استخدام األشكال الهندسية والعضوية اإللــكــتــرونــيــة أو الــقــلــم الــضــوئــي‪ ،‬شريطة‬
‫واأللــوان والفرش والفالتر وغيرها من أن يعبر الفنان من خاللها عن أحاسيس‬
‫أدوات الخلق ال ـ َف ـ ّنــي فــي أحــد برامج ومشاعر متوافقة مع القيم التشكيلية»(‪.)٧‬‬
‫التصميم‪.‬‬
‫وتــســمــي الــشــبــلــي فــنــا رقــمــيــا «ك ـ ـ ُّل ما‬
‫‪ -2‬األسلوب التجميعي‪ :‬يعتمد على تجميع ينتجه الفنان مــن رســوم أو تصميمات أو‬
‫مجموعة من الصور‪ ،‬ثم إحداث عالقات معالجات فنية اعتمادا على الحاسب اآللي‬
‫بينهما في شكل تكويني واحد‪ ،‬وهو أقرب وبــرامــجــه وبــرانــمــه وتطبيقاته الرسومية‬
‫إلى الكوالج؛ دون إحداث تعديل جذري المتخصصة»(‪.)٨‬‬
‫على الصور المجمّعة‪.‬‬
‫وتؤكّد الفنانة ذاتها‪ ،‬في إطار التحديات‬
‫‪ -3‬األســلــوب الــمــشــتــرك بــيــن الصفري‬
‫الــتــي تعترض مستقبل الــفــن الرقمي في‬
‫والتجميعي‪ :‬يــقــوم عــلــى جــمــع صــور‬
‫الــعــالــم الــعــربــي‪ ،‬أن هـــذا الــفــن «يشكل‬
‫وتــنــســيــقــهــا وتــعــديــلــهــا حــســب الــطــابــع‬
‫استمرارا للتجارب السابقة وامتدادا للفنون‬
‫الشخصي‪ .‬ويع ّد األسلوبان األول والثالث‬
‫الكالسيكية وليس بديال عنها‪ ،‬مثلما أقرت‬
‫أفضل من األسلوب الثاني‪.‬‬
‫أن اســتــخــدام تطبيقات وبــرامــج الــرســم‬
‫‪ .2‬الفنانة هناء راشد الشبلي وفنون الحاسوبي يأتي في صميم تطوير األداء‬
‫الفني‪ ،‬لكنه ال يلغي جهود الفنان ومواهبه‪،‬‬ ‫الديجيتال‬
‫ترى الفنانة السعودية هناء الشبلي(‪ )٦‬أن وليس بإمكانه ذلك‪ ،‬ما دام العقل البشري‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪44‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫اللوحة ‪ :٣‬من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمية من معرض (نبض) بعنوان‪ :‬ينبض حرية عرضت في معرض‬
‫‪#‬زوايا_لونية برعاية ‪#‬قسم_التربية_الفنية للبنات في ‪#‬جامعة_الملك_سعود بالرياض‪٢٠١٨ .‬م‬

‫دهشته إزاء مشاهدها وعروضها الفنتازية‪،‬‬ ‫هو الذي يحرك هذه التقنيات واألدوات»(‪.)٩‬‬
‫ووضــحــت هناء أن استخدام المصممين لكنها القت في اآلن ذاتــه‪ ،‬موجات الذعة من‬
‫النقد صــدرت عن فنانين من أصحاب الفن‬
‫إلمكانات الحاسوب الرقمية‪ ،‬كان في البداية‪،‬‬
‫الكالسيكي والذوق التقليدي‪.‬‬
‫لغايات تطوير األداء المهني‪ ،‬غير أن تطور‬
‫وت ــرى هــنــاء أن هــذه الـــردود االحتراسية‬ ‫أساليب المعالجة وبرامجها الحاسوبية أفرز فن‬
‫التالعب بـ‪ Photoshop‬الذي القى رواجا وإقباال طبيعية ألنه ليس من اليسير على فنان أهبى‬
‫الفتين بوصفه فنا ومضمونا فكريا‪ .‬وعندما ج ــذوة عــمــره فــي بنية فكرية أكــاديــمــيــة لها‬
‫ت ّم عرض هذه األعمال أمام الجمهور‪ ،‬أبدى خصوصيات وتقاليد وحدود أن يتقبل األمر‪،‬‬
‫‪45‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫اللوحة ‪ :4‬من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمة‪ ،‬باستعمال األسلوب الصفري تحت عنوان‪ :‬التقوى‬
‫المرجع‪https://twitter.com/hana_alshebli :‬‬

‫واستناداً إلى ذلــك‪ ،‬أرجعت الفنانة سبب‬ ‫وهــو يــرى مملكته التي عمّر بها دهــرا تزول‬
‫وتنهار تدريجيا‪ .‬واألم ــر نفسه ينطبق على تأخر الفن الرقمي واستغراقه زمنا طويال في‬
‫الناقد الفني الــذي لن يستسيغ رؤيــة جهازه إقناع المتلقي والنقاد الفنيين والــرأي العام‬
‫النظري والمفهومي الــذي نفذه على أرض الفني إلى الممانعة التي يجدها لدى جمهور‬
‫الفنانين التقليديين‪ ،‬وأتباعهم مــن النقاد‬ ‫الواقع أجيا ٌل من الفنانين العمالقة‪.‬‬
‫السدنة الذين يستعصي عليهم تغيير نظمهم‬
‫واتجهت سهام النقد فــي الفن الرقمي‪،‬‬
‫ومرجعياتهم!‬
‫حسب هناء الشبلي‪ ،‬إلى مستويين‪:‬‬
‫وتؤكد الفنانة هناء الشبلي أن الفن الرقمي‬
‫‪ -‬سهولة العمل فيه عكس الفن التقليدي‬
‫ليس فــن أداة وتقنية‪ ،‬بــل هــو أيضا فــن ذو‬
‫الذي يستغرق فيه صاحبه زمنا طويال‪.‬‬
‫قيمة استثنائية‪ ،‬يقوم على فكرة إنسانية‬
‫‪ -‬ســرعــة تنفيذه عكس الــفــن الكالسيكي وخيال واسع للفنان‪ ،‬وهو ليس وليد الصدفة‬
‫الذي كان يبذل فيه الفنان جهدا مضاعفا العشوائية‪ ،‬كما يروج خصوم هذا الفن‪ ،‬وأعداء‬
‫ومــحــاوالت كثيرة قبل أن يستقيم عــوده‪ ،‬نجاحاته‪ ،‬ومــا الــحــاســوب وتطبيقاته سوى‬
‫إضافات نوعية ووسائل فنية مدعمة‪ .‬وللعلم‪،‬‬ ‫ويكتمل‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪46‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫فإن إعداد اللوحة أو المشهد الفني في التصور الــعــاديــة إل ــى مشهد خــيــالــي غــرائــبــي مثير‬
‫الكالسيكي يشابه نظيره في التصور الرقمي‪ ،‬للدهشة»(‪.)١٠‬‬

‫وتــفــنــد الــفــنــانــة الشبلي االدعـ ــاء القائل‬ ‫والفرق الوحيد يكمن في الوسائل واألدوات‪.‬‬

‫تقول في هذا الصدد «فحين يبدأ الفنان بتعارض الفن الرقمي مع اللوحة التقليدية‪،‬‬
‫في وضع افتراضاته‪ ،‬وتحديد موضوعه الذي مــؤكــدة أن األخــيــرة مــا ت ــزال تحمل رسالة‬
‫يريد االشتغال به وعليه‪ ،‬ويهيئ مواده وفرشاته الفنان الحية والمباشرة ولمسة فرشاته وبريق‬
‫الالزمة‪ ،‬وخاماته وصباغاته الضرورية للعمل‪ ،‬ضرباته اللونية بمستوياتها الفنية المتنوعة‪،‬‬
‫يقوم الفنان الرقمي‪ ،‬على شاشة حاسوبه‪ ،‬ومــا مجال الفن الرقمي إال منعطف أداتــي‬
‫بجمع أكبر عدد ممكن من الصور المتعلقة ووسائطي فرضه منطق العصر‪ ،‬وهو إن لم‬
‫بموضوعه المحدد سلفا‪ ،‬ونسخها إلكترونيا‪ ،‬يضف أشياء رائعة للمكتسب الجمالي والفني‪،‬‬
‫وطبعها على قرص مدمج‪ ،‬لتاتي‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬فهو لن يضرّه أبدا في شيء‪ .‬بل على العكس‬
‫مرحلة العمل عليها عبر استخدام برنامج من ذلك‪ ،‬سيسهل من مأمورية الفنان‪ ،‬ويقدم‬
‫‪ ،)Adobe‬له خدمات جليلة‪ ،‬إن هو غيّر نظرته لعالمه‬ ‫(‪Photoshop‬‬ ‫الرسم المختار مثل‬
‫مــن أجــل دمــج الــصــور وإخضاعها لعدد من الفني‪ ،‬وانفتح على مجال التقنية الذي أصبح‬
‫المؤثرات والتلوين الباهر الذي يحول الصورة متاحا أمام الجميع‪.‬‬
‫ * ناقد من المغرب‪.‬‬
‫(‪Digital Art http://‬‬ ‫(‪ )١‬لمى عبدالرحمن الحركان‪ :‬الفن الرقمي‪ ،‬موقع جامعة الملك سعود‪ ،‬كلية التربية‪،‬‬
‫‪ )fac.ksu.edu.sa/lalharkan/blog/24711‬نشرت بواسطة الباحث نفسه‪ ،‬بتاريخ ‪ 30‬يناير ‪2014‬م‪.‬‬
‫(‪ )٢‬محمد الشيخاوي‪ :‬اإلبداع التشكيلي في الفنون الرقمية للفنان نور الدين الهاني‪ ،‬مقال نشر بمجلة‬
‫«اإلمارات الثقافية» العدد ‪ 31‬بتاريخ مارس (‪2015‬م)‪ ،‬انظر الرابط‪http://arts-et-poesies.over-blog. :‬‬
‫‪.com/2015/09/56052dbe-a4b0.html‬‬
‫(‪ )٣‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )٤‬آل قمّاش‪ ،‬قمّاش علي (‪٢٠٠٨‬م)‪ :‬تيارات الفن الرقمي وتقنياته‪http://fac.ksu.edu.sa/lalharkan/ ،‬‬
‫‪.blog/24711‬‬
‫(‪ )٥‬الفن الرقمي‪ ،‬موقع أكاديمية التصميم الرقمي‪ ،‬انظر الــرابــط‪https://artisticdesignacadmy. :‬‬
‫‪ /wordpress.com/page4-2‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫(‪ )٦‬فنانة ‏‏‏‏‏‏‏‏تشكيلية رقمية من المملكة العربية السعودية‪ ،‬تعمل خبيرة تربوية في وزارة التعليم‪ ،‬دكتوراه‬
‫تخصص تصميم فني‪.‬‬
‫(‪ )٧‬خير اهلل زربان‪ ،‬جريدة المدينة‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة العربية السعودية (ثقافة وفن) انظر الرابط‪http:// :‬‬
‫‪ ./www.al-madina.com/article/142441‬بتاريخ األربعاء ‪2012/03 /14‬م‪.‬‬
‫(‪ )٨‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )٩‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )١٠‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫عبدالرحمن العكيمي‬
‫بين فضاء المخيلة والواقع في «توارت بالحجاب»‬

‫■ د‪ .‬شيمة محمد الشمري*‬

‫فضاء الواقع‪ ..‬سؤال اإلبداع‬


‫لعل السؤال األهم الذي تعرّض له الفن الروائي يتمثّل في الطرح اآلتي‪ :‬كيف‬
‫تعرض الرواية مقولتها‪ ،‬أو وجهة نظرها؟ وإذا كان هذا السؤال يضمر تلميح ًا إلى‬
‫التخفف من سلطة الكاتب‪ /‬الروائي‪ ،‬فإنه في الوقت ذاته يظهر نزوع ًا تحريضي ًا‬
‫للسرد ليدخل في متاهات وأرخبيالت إبداعية غير مرتادة‪ ،‬أو على األقل ليحاول‬
‫التأسيس ألنـمــاط غير تقليدية فــي الـســرد ال ــروائ ــي‪ .‬لقد عني الـســرد الــروائــي‬
‫األوروبــي باإلجابة عن سؤال اإلبــداع الفني منذ القرن الثامن عشر حين اعتنت‬
‫روايات تلك المرحلة بغاية أخالقية الفعل‪ ،‬ال بغاية أدبية اإلبداع الروائي' ولذلك‪,‬‬
‫نلحظ أنّ فلوبير قد سبق هنري جيمس عندما دعــا إلــى تغييب الــروائــي حتى‬
‫تتخلص الرواية من نزعة المباشرة والخطابية المزمنة‪.‬‬

‫أو الفكرية للرواية بلغة شعرية تخفف‬ ‫ولو تأملنا المنجز الروائي العربي‬
‫من برودة المقوالت الفكرية‪ ،‬وتحرّض‬ ‫فــي اآلونـــة األخــيــرة‪ ،‬لــوجــدنــا أن مثل‬
‫المتلقي على فعل القراءة‪ ،‬وينطبق هذا‬ ‫هـ ــذه الــنــبــرة الــخــطــابــيــة ق ــد ع ــادت‬
‫التوصيف في كثير من جوانبه على رواية‬ ‫للظهور‪ ،‬وإن تلونت‪ ،‬على خجل أحياناً‪،‬‬
‫(توارت بالحجاب) للكاتب عبدالرحمن‬ ‫ببعض التنويعات األسلوبية‪ ،‬لكن في‬
‫العكيمي‪ .‬فالرواية حاولت التخفف من‬ ‫الــوقــت نفسه حــاولــت بعض الــروايــات‬
‫عبء المقوالت التي أراد السارد إيصالها‬ ‫بمخاتلة فنية‪ ،‬دمــج الرؤية األخالقية‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪48‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫للمتلقين‪ ،‬بإطالق العنان للمخيلة الشعرية‬
‫لتفعل فعلها في ضخ حموالت جمالية على‬
‫السرد‪ ،‬من دون أن تفقد المتلقي القدرة على‬
‫فك االشتباك بين لحظة السرد الشعري‪،‬‬
‫ولحظة السرد الواقعي في الرواية‪ ،‬فالرواية‬
‫ال ترهق المتلقي في الوصول إلى مقوالتها‬
‫الفكرية بيسر متناهٍ ‪.‬‬
‫فضاء الواقع‪ ..‬فضاء القيم المجتمعية‬
‫ال شــكّ أن المقولة الفكرية ألي منجز‬
‫س ــردي تتشكّل خ ــارج العمل الــروائــي‪ ،‬إذ‬
‫تكون الفكرة مجرّدة ومشبعة بعواطف تزداد‬
‫اشتعاالً‪ ،‬فتكون المحرض األساس للروائي‬
‫كي يعمل على بلورتها روائياً‪ ،‬ومن ثمة‪ ،‬تصبح‬
‫الوسيلة الفنية لألداء الروائي‪ ،‬هي العنصر‬
‫حاولت الــروايــة معالجة أفكار طازجة‪،‬‬ ‫الــحــامــل لها والــمــســاعــد على تحديدها‪،‬‬
‫ربما بقي الحديث الصريح عنها خجوالً في‬ ‫فلو نظرنا فــي الــعــنــوان المخاتل (تــوارت‬
‫الــروايــة الخليجية‪ ،‬لعل من أبرزها قضية‬ ‫بالحجاب)‪ ،‬الذي يحاول االنحياز للشعري‬
‫تجييش الشباب للجهاد في العراق‪ ،‬تحت‬ ‫في العنونة عبر استثمار مصطلحات ذات‬
‫ذرائــع غير مقنعة‪ ،‬أو ألهــداف تسعى إليها‬ ‫ظالل صوفية‪ ،‬فإننا سنلحظ أن ذاك الجانب‬
‫كثير من الــدول التي تحاول تشويه سمعة‬ ‫ما هو إال حامل لداللة جزئية من دالالت‬
‫اإلسـ ــام وزج ــه فــي خــانــة الــفــكــر الحامل‬ ‫الرواية‪ ،‬ولكن إذا شرعنا باب التأويل‪ ،‬فإننا‬
‫لــإرهــاب‪ ،‬وهــذا مــا مثلته شخصية عمار‬ ‫قد نجد في معنى الحجاب الدال على الحيرة‬
‫في الرواية (مع شخصية الشيخ‪ /‬الداعية‬ ‫والعمى‪ -‬حسب تعبير ابن عربي‪ -‬ما يجعل‬
‫الــمــزيــف)‪ ،‬التي القــت مصيراً مفجعاً لها‬ ‫من العنوان ذا حموالت داللية عامة‪ ،‬فهو‬
‫وألســرتــهــا‪ ،‬كــمــا تــقــدم لــنــا ال ــرواي ــة نمط‬ ‫كل ما يحجب المطلوب عن العين‪ ،‬وبتعميم‬
‫الشخصية المترددة في قبول هذا النمط من‬ ‫أفــســح هــو حــوائــل الحقيقة والــواقــع التي‬
‫إعمال‬
‫ٍ‬ ‫التفكير‪ ،‬ولكنها تعود إلى صوابها بعد‬ ‫تدفع بشخصيات العمل إلى الضاللة عن‬
‫للعقل‪ ..‬وتتمثل في شخصية رائــد‪ ،‬كذلك‬ ‫مفاهيم المجتمع‪ ،‬وهذا ما حاولت الرواية‬
‫تقدم لنا الرواية نمط الشخصية المعتدلة‬ ‫إنجازه‪ ،‬فعلى الرغم مما قد يوحي به العنوان‬
‫الــتــي تحاكم األمـــور عقلياً‪ ،‬فــا تقع في‬ ‫وتخف‪ ،‬إال أن الكشف عن‬ ‫ٍ‬ ‫أحياناً من ستر‬
‫المحظور وتتمثل في شخصية يوسف التي‬ ‫المسكوت عنه كان هدفاً استراتيجياً للرواية‬
‫تمثل بشكل خفي شخصية البطل المطلق‬ ‫بصرف النظر عن نجاح الرواية في الوصل‬
‫فــي الــروايــة‪ .‬كذلك تطرح الــروايــة قضية‬ ‫إليه أو ال‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫اإللحاد التي تمثلت بشخصية الكاتبة ضحى جانباً مهماً‪ ،‬يجعل من السرد أكثر منطقية‬
‫من خالل التحول العجيب في شخصيتها من وفنية‪.‬‬
‫أم ــا عــلــى صعيد الشخصية الرئيسة‬ ‫حالة الكتابة المتصوفة‪ ،‬إلى حالة النقيض‬
‫تماماً‪ ،‬وهي حالة اإللحاد الذي برز خجوالً يوسف التي مثلت شخصية المثقف الواعي‪،‬‬
‫وغــيــر مقنع فــي الــســرد؛ فعلى الــرغــم من والمعتدل‪ ،‬والصحفي الذي يواجه الفساد‪،‬‬
‫كثير من المسوّغات والصفات التي حاول ويدافع عن قيم المجتمع األخالقية‪ ،‬فإننا‬
‫الكاتب إلباسها لشخصية ضحى كي يبرر نجد في السرد ما يناقض تلك الصفات‪،‬‬
‫هذا التحول‪ ،‬إال أن المتلقي يشعر أنّ في فهو في الوقت الذي يمتلك فيه القدرة على‬
‫جعل شخصية أنــثــويــة هــي الممثلة لهذه مواجهة عيوب المجتمع بمقاالت جريئة‬
‫المقولة‪ ،‬كان حاجة سردية أكثر منه تعبيراً وقــويــة‪ ،‬تجعل منه صحفياً مــعــروفـاً‪ ،‬نــراه‬
‫عن الواقع‪ ،‬فكان الخيار ألن تكون الممثل عاجزاً عن الكشف عن موهبة في العزف‬
‫لهذه المقولة‪ ،‬كي تصبح حجة دامغة للبطل وحبه للموسيقا‪ ،‬فتظهر شخصيته مستسلمة‬
‫للتخلي عنها والــتــحـوّل إلــى حبيبة أخــرى تماماً للنسق الثقافي المجتمعي‪ ،‬وهو في‬
‫(شخصية الصحفية األردنية أروى العلي) الوقت ذاته يسمح لنفسه بتهريب اآلثار وبيعها‬
‫لحسابه الشخصي‪ ،‬مع محاولة تلفيق حجة‬ ‫في نهاية الرواية‪.‬‬
‫شرعية لتسويغ فعله‪ ،‬بأنه سيوزع الثلث على‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى‬
‫الفقراء‪ ،‬أضف إلى ذلك تبرير عالقة الحب‬ ‫أنّ سيطرة مقولة الــراوي العليم (شخصية‬
‫مع ضحى ثم مع أروى‪ ،‬و‪ ..‬فهي شخصية‬ ‫يــوســف) قــد جــعــل مــن التكنيك الــروائــي‬
‫ذات طابع تسويغي تجد المبررات الدرامية‬ ‫محصوراً بالصوت الواحد‪ ،‬وهذا ما أفقد‬
‫لكل ما تفعله لتقنع المتلقي بصوابية الفعل؛‬ ‫الرواية استراتيجيات‪ ،‬كانت ستمنح الرواية‬
‫من هنا‪ ،‬يمكن مالحظة سيطرة نزعة ذكورية‬ ‫بعداً أوســع في المعالجة الدرامية‪ ،‬وربما‬
‫سوّغها المجتمع للرجل القادر على فعل ما‬ ‫هــذا مــا يمكن أن نسجله على شخصيتي‬
‫يشاء مع إيجاد ما يبرره‪ ،‬لو ظاهرياً على‬ ‫عمار وشخصية ضحى اللتين تمثالن مقولة‬
‫األقل‪.‬‬ ‫الطرف اآلخر المناقض للهدف األخالقي‬
‫فضاء المخيلة‪ ..‬فضاء الشعرية‪:‬‬ ‫لــلــروايــة‪ ،‬مــن خــال اعتماد تقنية الــراوي‬
‫الــواصــف لتلك الشخصيات مــن دون أن‬
‫لعل أبــرز ما فعله الروائي عبدالرحمن‬
‫العكيمي‪ ،‬للتخلص من زج المقوالت الفكرية‬ ‫يدخلنا في العوالم الداخلية والنفسية لهاتين‬
‫أمــام الــقــارئ‪ ،‬هــو االنحياز للغة الشعرية‬ ‫الشخصيتين‪ ،‬فــإذا كان السارد ينطلق من‬
‫في التعبير‪ ،‬وهــذا ما منح الرواية جمالية‬ ‫أن ما يمثالنه هو مخالفة لمنطق المجتمع‪،‬‬
‫تعبيرية‪ ،‬وفــرادة أسلوبية‪ ،‬فعلى مدار ستة‬ ‫ـرضـ ّيــة من‬
‫الــذي يــزج فعلهما بالحالة الـ َمـ ِ‬
‫عــشــر فــص ـاً‪ ،‬ك ــان االنــحــيــاز إل ــى عنونة‬ ‫خالل ما تشعرنا به الرواية‪ ،‬فغياب البحث‬
‫الفصول بعناوين ذات طابع شعري‪ ،‬والالفت‬ ‫عن مرجعيات نفسية من خالل تعبير تلك‬
‫في عناوين العكيمي لفصول روايــتــه‪ ،‬أنها‬ ‫الشخصيات عن ذاتــهــا‪ ،‬قد أفقد الرواية‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪50‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫االنفصال عن ضحى الحبيبة‪ /‬الخطيبة‬ ‫اخــتــزاالت عالية الشعرية‪ ،‬تــحــاول تقديم‬
‫ال‬
‫السابقة‪ ،‬واالنتقال إلى حب جديد متمث ً‬ ‫مقولة شعرية موازية للمقولة الفكرية‪ ،‬ففي‬
‫بشخصية أروى‪ ،‬فــإن االخــتــزال في العتبة‬ ‫اختزاله لجماليات المكان (الشمال الغربي‬
‫النصية الممهدة للفصل سيكون اختصاراً‬ ‫للمملكة)؛ في الفصل األول‪ ،‬نقرأ العنوان‬
‫شعرياً مكثفاً لحالة الحب‪ ،‬وما تخلفه من‬ ‫اآلتــي‪( :‬خذني إلى صحراء ال تخاتلها ريح‬
‫أثر في النفس عبر انزياحات لغوية الفتة‪،‬‬ ‫الشمال‪ ،‬خذني إلى شجر يكتظ وال يخون‬
‫فالفعل (أغتابك) على ما يحمله من داللة‬ ‫الظالل) إن مثل هذا العنوان وسواه يحرك‬
‫سلبية في العُرف اللغوي واالجتماعي‪ ،‬فإنه‬ ‫شهية التأويل‪ ،‬والتلقي الشعري لدى القارئ‪،‬‬
‫هنا دال على حالة مناقضة تماماً للداللة‬ ‫وهو من محرضات القراءة األساس المشعرة‬
‫المألوفة‪ ،‬عندما يتحول إلى فعل حميد بلغة‬ ‫بجمال الــمــكــان وبحساسيته فــي الــســرد؛‬
‫ومن هنا‪ ،‬نقرأ تحت هذا العنوان‪ ،‬أو هذه‬
‫الحب‪ ،‬فيصبح داالً على حاالت االسترجاع‬
‫العتبة النصية إذا شئنا التخلي عن تسميتها‬
‫والتذكر والتلفظ باسم الحبيبة وبأفعالها؛‬
‫بالعنوان‪:‬‬
‫من هنا‪ ،‬يكتسب داللة اإلخصاب الجمالية‬
‫الــقــادرة على تحويل يباس الــفــم‪ /‬الموت‬ ‫(حين يأتي شتاء الشمال‪ ،‬يغتال الذبول‬
‫المعنوي في حالة غياب الحب‪ ،‬إلى حالة‬ ‫مساء المدينة‪ ،‬تنطفئ بهجة الطرقات‪ ،‬تبدو‬
‫مورقة نابضة بالحياة‪.‬‬ ‫المدينة شاحبة متعبة‪ ،‬مفرغة من بهجتها‬
‫المعتادة‪ ،‬تنكسر نضارة األشجار التي تتوزع‬
‫أخيراً‪ ،‬ال شك أن الروائي عبدالرحمن‬ ‫بانتظام على جنبات الشوارع‪ ،‬األشجار تبدو‬
‫مبللة برطوبة شتوية قاسية‪ ،‬طقس بــارد العكيمي‪ ،‬حاول في روايته طرق قضايا مهمة‬
‫يثرثر بصمت كئيب‪ ،‬طقس بــارد يحيل كل في السرد‪ ،‬تندرج في خانة المسكوت عنه‪،‬‬
‫الــذي بات كشفه ومعالجته ضــرورة ملحة‪،‬‬ ‫شيء إلى صمت طويل)‪.‬‬
‫وهذه ميزة للرواية‪ ،‬يضاف إلى ذلك ميزة‬
‫إن اللغة الشعرية ذات الطابع التصويري‬
‫أسلوبية تتمثّل في محاولة السارد تغليف‬
‫الــذي يرفل ببالغة عالية تُدخل المتلقي‬
‫بطريقة بصرية شفافة ورومانسية إلى عوالم المقوالت الفكرية بأسلوبية عالية وصلت‬
‫المكان الذي يطرقه السارد بلغة القلب‪ ،‬وال إلــى ذروتــهــا عندما قــاربــت تــخــوم الشعر؛‬
‫تخرج مجمل العتبات‪ /‬العناوين في فصول وهذا ما يجعل من منجزه السردي جديراً‬
‫الرواية عن هذه االستراتيجية األسلوبية‪ ،‬بالقراءة‪ ،‬فمن أهم ما يحسب للرواية في‬
‫ابتداء من اللحظات السردية األولى للرواية عصر الحداثة السردية‪ ،‬أسئلتها الكثيرة‬
‫حتى يختم الشاعر روايته في ذروة اللحظة التي تحاول إثارتها‪ ،‬وترك األجوبة المتعددة‬
‫الــدرامــيــة‪ ،‬فنراه في الفصل األخير يضع للحوار مع المتلقين‪ ،‬وبهذا الــحــوار تكون‬
‫العتبة اآلتــيــة‪( :‬أغتابك حباً ألق ــاوم حالة الكتابة قد حققت هدفها التنويري‪ ،‬وبعدها‬
‫اليباس فوق فمي)‪ ،‬فــإذا كان هذا الفصل األخــاقــي‪ ،‬مــن دون التخلي عــن شرطها‬
‫ســيــقــدم مـــآالت الــشــخــصــيــات‪ ،‬مــن خــال الفني‪.‬‬
‫* كاتبة وقاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ما وراء الشتاء إليزابيل الليندي*‬

‫تعرية االغتراب‬
‫■ سمير أحمد الشريف**‬

‫الكاتبة والروائية «إيزابيل إليندي»‪ ،‬تشيلية الجنسية‪ ،‬حصلت على الجنسية‬


‫األمريكية عــام ‪2003‬م‪ ،‬عمها الرئيس التشيلي «سـلـفــادور ألـيـنــدي» ال ــذي تولى‬
‫الحكم بين ‪1973-1970‬م‪.‬‬
‫اشتهرت رواياتها بالواقعية السحرية‪ ،‬تأثرا بكتاب ألف ليلة وليلة وبالكاتب‬
‫«غابريال غارسيا ماركيز»‪ ،‬حصلت على الكثير من الجوائز األدبـيــة واألوسـمــة‪،‬‬
‫ورُشحت أعمالها لجائزة نوبل‪.‬‬
‫أشهر أعمالها «بيت األرواح»‪ ،‬الرواية في تكوينها أيضا‪ ،‬انفصال والديها‪ ،‬فقد‬
‫التي جــاءت إرهاصا لمرافقتها لجدها عاشت وأخوتها في كنف والدتها إلى عام‬
‫حتى وفاته‪ ،‬ورواية «إبنة الحظ» ورواية ‪1935‬م‪ ،‬إلى أن ارتحلت لبوليفيا ثم إلى‬
‫«إيفالونا»‪ ،‬وروايــة «بــاوال» التي حملت‬
‫لبنان‪.‬‬
‫اســم بنتها التي قضت مرضا‪ ،‬وروايــة‬
‫فــي عـــــــام‪1973‬م‪ ،‬حــصــل االنــقــاب‬ ‫«صورة عتيقة»‪ ،‬ورواية «مدينة الوحوش»‪.‬‬
‫الدموي على عمها «سلفادور أليندي»‬
‫استفادت «إيزابيل» في كتاباتها من‬
‫ترحال والدها بين كثير من البلدان‪ ،‬إذ الذي قُتل خالل اقتحام القصر الرئاسي‬
‫عمل سفيرا‪ ،‬ما مكّنها من التعرف على التشيلي‪ ،‬وتــم نفيها نتيجة ذلــك عام‬
‫بيئات عالمية متنوعة‪ ،‬ومما كان له أثر ‪1975‬م إلى فنزويال‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪52‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بتوظيف الحبكة البوليسية واستغالل‬
‫مداخلها‪ ،‬تقتحم الكاتبة العالمية «إيزابيل‬
‫إليندي» فضاء روايتها الجديدة «مــا وراء‬
‫الشتاء» التي اتخذت من بروكلين‪/‬نيويورك‬
‫مسرحا لها في فترة زمنية غطّ ت العام ‪2016‬م‪،‬‬
‫والتي بــدأت أحداثها ببداية عاصفة ثلجية‬
‫اجتاحت نيويورك‪ ،‬عندما اصطدمت سيارة‬
‫األستاذ الجامعي «ريتشارد بوماستير» بسيارة‬
‫«إيفلين»‪ ،‬مربية األطفال‪ ،‬الفتاة القادمة من‬
‫«غــواتــيــمــاال»‪ ،‬بعد أن تــعــرض قــط الدكتور‬
‫لعارض اضطره للخروج‪ ،‬فيتم اكتشاف جثة‬
‫لشابّة في صندوق السيارة‪ ،‬وبلجوء «ريتشارد‬
‫بوماستير» لجارته التشيلية‪ ،‬طالبا مساعدتها‬
‫يحاول الجاران مساعدة إيفيلين‪ ،‬المهاجرة‬ ‫للخروج من الــورطــة‪ ،‬تبدأ الكاتبة فك لغز‬
‫بطريقة غير قانونية ‪-‬وال تمتلك أي ورقة‬ ‫قصتها‪ ،‬ولــضــرورات التشويق‪ ،‬تُحيك قصة‬
‫رسمية‪ -‬في التخلص من السيارة ومن الجثة‪،‬‬ ‫حب بين الجارين اللذين يعمالن في جامعة‬
‫«نيويورك»‪ ،‬ولينعطف مسار الرواية لهدفه‬
‫ليبدأ كل منهما بالحديث عن نفسه وظرفه‪،‬‬
‫الرئيس‪ :‬كشف مافيا االتــجــار بالمهاجرين‬
‫حتى وقعا في حالة تفاهم نادرة وسقطا في‬
‫بطريقة غير شرعية وتهريبهم في ظروف غير‬
‫شباك الحب‪.‬‬
‫إنسانية لدخول أميركا ‪-‬الحلم‪ -‬الذي يُغري‬
‫من يتابع شخصيات العمل بشكل دقيق‪،‬‬ ‫شباب العالم من بعيد‪ ..‬بفعل اإلعالم واألفالم‬
‫يجد أن الغربة واالغتراب القسري ما يجمعها‬ ‫وبهرجة الميديا‪ ،‬بينما يعيش واقعه الكاذب‪،‬‬
‫جميعا‪ ،‬وهــي التي ترسم مالمح األحــداث‬ ‫من اضطر للهجرة وعاش ويالتها‪ ،‬إنها إحدى‬
‫وتحدد مالمح الشخصيات النفسية والفكرية‪،‬‬ ‫الوسائل لتعرية القبح الذي تغطيه الدعايات‪،‬‬
‫فاالغتراب هو دافــع الشخصيات في جميع‬ ‫وفي اآلن نفسه‪ ،‬تنهض الرواية بكشف حالة‬
‫تصرفاتها‪ ،‬يغرق «ريتشارد» في العمل لينسى‬ ‫الــتــردي اإلنــســانــي ألولــئــك الــذيــن أجبرتهم‬
‫مصاعب اغترابه‪ ،‬وتلوذ «إيفلين» بصمتها‬ ‫ظــروف بالدهم القاسية على تجرع ويالت‬
‫وتــجــاهــد «لــوثــيــا» بتحقيق ظـــروف أفضل‬ ‫الغربة اإلجبارية ومكابدة ويالتها‪ ،‬ولو وجد‬
‫لواقعها لتتناسى فجيعة غربتها‪ .‬من هنا‪،‬‬ ‫المهاجر في بلدة الطارد لشبابه ولكفاءاته‬
‫انطلقت الــروايــة من ثيمة الحب على تعدد‬ ‫الحد األدنى من متطلبات اإلنسانية فيه لما‬
‫تأويالته ومناخاته ليكون حال للفقر والحروب‬ ‫فكر في الهجرة أصال‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫أن تكون هي األخــرى مما اختزنته الكاتبة‬ ‫ومصاعب االقــتــصــاد وصــراعــات السياسة‬
‫في طفولتها وعاصرته في شبابها من ويالت‬ ‫ولعبة الكراسي‪ ،‬وما عالقة الحب المتأخرة‬
‫كفظائع االنقالب في بلدها الذي أطاح بعمها‪،‬‬ ‫بين كهلين «لوثيا وريتشارد» إال نموذج النتصار‬
‫وفقدانها لوليدها في مقتبل عمره‪.‬‬ ‫الــبــشــريــة إن أحــســنــت وأخــلــصــت نــوايــاهــا‪،‬‬
‫فبالحب‪ ،‬مهما تباينت فــضــاءاتــه‪ ،‬يتحقق‬
‫الــســؤال الــذي يُــطــرح‪ :‬هــل يكون الفصل‬
‫الممكن‪ ،‬فحب الجدة «كونثبثيون» لحفيدتها‬
‫الخاص ب«إيفلين» يمثل بطريقة أو بأخرى‬
‫«إيفيلين» هــو ال ــذي أنقذها مــن مصيرها‬
‫خيوطا من سيرة المؤلفة؟‬ ‫المجهول في جواتيماال وعلى الحدود بين‬
‫قد يستدعي األمر مقاربة لما جاء في هذا‬ ‫المكسيك والــواليــات المتحدة‪ ،‬وك ــذا حب‬
‫الفصل ودقائق في حياة «إيزابيل إليندي»‬ ‫«دانيلال» ألمها هو الذي أسهم في إنقاذ ما‬
‫التي إن صح سؤالنا فهي شهادة لها بتوظيف‬ ‫تبقى من «لوثيا» ودفعها للبحث عن حياتها‬
‫مالمح من ذاتها في عمل إنسانيّ الفت‪ ،‬ولعل‬ ‫كرّة أخــرى‪ ،‬ولوال حب «ريتشارد ولوثيا» لما‬
‫المثير أيضا في هــذا العمل‪ ،‬قــدرة الكاتبة‬ ‫وجدت «إيفيلين» من يأخذ بيدها‪ ،‬فالحب هو‬
‫الذي يداوي أمراضنا ويرتق تشوهاتنا وندوب‬
‫على الغوص في أعماق كبار السن واستنهاض‬
‫ماضينا‪.‬‬
‫مشاعر الحب لديهم‪ ،‬وهم في فترة عمرية تكاد‬
‫هذه العاطفة أن تذوب‪ ،‬فهل حُ رمت الساردة‬ ‫بيسر س ـرّبــت الــكــاتــبــة مفهومها للحب‬
‫هذه العاطفة شابة ووجدتها في سن متأخرة‬ ‫ووعيها على نتائجه والذي رأت فيه المخلّص‬
‫حتى نجحت هذا النجاح المبهر في تصويرها‬ ‫الوحيد لما يواجهنا من صعوبات ويتحدانا من‬
‫مشكالت‪ ،‬دونما تنظير ونظريات ودعايات‬
‫والكتابة عنها وطرحها بهذا الوضوح؟‬
‫تذهب أدراج الرياح‪ ،‬وهي بذلك تخالف ما‬
‫الشكر للكاتبة التي أمتعتنا بهذا النص‬ ‫درجــت عليه الكاتبة في أعمالها السابقة‪،‬‬
‫الذي مزج التاريخ بالواقع بالفنتازيا‪ ،‬ومكّنتنا‬ ‫والتي كرّست فيها الجانب المأسوي‪.‬‬
‫من اإلطاللة على واقع قاس أليم مثّل للقارئ‬
‫في روايتها الجديدة‪ ،‬وظّ فت «إليندي» تقنية‬
‫االســتــرجــاع‪ FLASH BACK /‬وبوساطتها في لحظة ما‪ ،‬الحلم القريب‪ ،‬وبأسلوب ونكهة‬
‫أع ــادت للمتلقي تفاصيل حــيــوات أبطالها خاصة بها‪ ،‬ملونا بالتشويق واإلثــارة‪ ،‬جمعت‬
‫وصــنــاديــق ماضيهم وطفولتهم‪ ،‬ومــا واجــه فيه ثيمات الجريمة والموت والحب والفقد‬
‫كل منهم من مصاعب ومضايقات‪ ،‬لنتفهم والشيخوخة وعادات وتراث الشعوب‪ ،‬والحنين‬
‫ونُفسّ ر تصرفاتهم في األحداث الحالية‪ ،‬أما لمكان الطفولة ومــرابــع الشباب وذكــريــات‬
‫توظيفها لمواقف الرعب والغرائبية فال تعدو األوطان التي غادرتنا‪.‬‬
‫* ما وراء الشتاء‪ ..‬رواية إيزابيل إليندي‪ ،‬ترجمة صالح علماني‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫** كاتب من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪54‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الباب»‬
‫ِ‬ ‫الهوائي َة على‬
‫ّ‬ ‫دراجته‬
‫ُ‬ ‫«غياب ِك َ‬
‫ترك‬ ‫ُ‬
‫الحدس‬ ‫لمحمد الحرز‪ :‬الشاعر وكتابة ِ‬
‫■ عماد الدين موسى*‬

‫تكمن خصوصيّة وتـفـرّد قصيدة الشاعر السعودي محمد الحرز في كــلٍّ من‬
‫لجملته‪ ،‬تتصف بسالستها‬ ‫نبرتها الهادئة ولغتها المُ غايرة؛ إ ْذ ثمّ ة بناءٌ مُ حكم ُ‬
‫وكثافتها الشديدة‪ ،‬عدا عن أنها مليئة بالتضاد والمُ فارقات اللفظيّة المحبّبة‬
‫وغايةً في اإلتقان‪ .‬بدوره‪ ،‬اإليقاع الداخليّ للكلمات‪ ،‬تلك المنتقاة بعنايةٍ ورويّة‪،‬‬
‫يُضفي المزيد من الموسيقى العذبة إلى عوالم قصيدته‪ ،‬ويجعلها أشبه بقطعةٍ‬
‫فنّيةٍ مُ شبعة بالمشاعر واألحاسيس‪.‬‬

‫تشكيل بــصــريّ للعوالم‬


‫ٍ‬ ‫األخـــرى‪ ،‬مــن‬ ‫فــي مجموعتهِ الـ ِـشــعــر ّيــة الجديدة‬
‫والمُشاهد الملتقطة‪ ،‬ومــن ثـ ّم تقطيع‬ ‫«غــيــابُـ ِـك تــركَ دراجــت ـ ُه الــهــوائـ ّيـ َة على‬
‫القصيدة إلى مقاطع متتالية‪ ،‬حيثُ يبدأ‬ ‫الباب»‪ ،‬الصادرة أخيراً عن منشورات‬
‫ِ‬
‫الحدث بتواتر سرديّ مدروس‪ ،‬وصوالً‬ ‫المتوسط (ميالنو ‪2018‬م)‪ ،‬يمي ُل الشاعر‬
‫إلــى الــذروة أو ما يسمّى ببؤرة التوتّر‬ ‫محمد الحرز إلى الكتابة اإلشكاليّة‪ ،‬تلك‬
‫النهايات؛ يقول‪:‬‬
‫ِ‬ ‫واإلدهاش في‬ ‫المثيرة للحواس الخمس للقارئ‪ ،‬الكتابة‬
‫ليس لي‬‫«ما َ‬ ‫بوصفها الدرجة القصوى من اإلبــداع‬
‫كان مُ ج ّر َد لُعبة صغيرة‬ ‫الحقيقي‪ ،‬حيثُ نجد لديه اإللمام بكافّة‬
‫أهدتْنِ ي إيّاها أُمّ ي‬ ‫الجوانب الفنيّة‪ ،‬سواء من جهةِ تدوينهِ‬
‫رفضت الذهابَ‬‫ُ‬ ‫حينَ‬ ‫لــلــحــظــات الحميمة وح ــده ــا‪ ،‬مـ ــروراً‬
‫إلى المدرسة‪.‬‬ ‫الوصف وتداخلها مع الفنيّات‬
‫ِ‬ ‫بجماليّات‬
‫‪55‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ليس لي هُ و لي‬
‫ما َ‬
‫فضلة!»‪.‬‬
‫أصبحت لُعبتَهُ المُ َّ‬
‫ُ‬ ‫عندما‬
‫الشاعر والحدس‬
‫تُعد تجربة محمد الحرز (مواليد البحرين‬
‫‪1967‬م)‪ ،‬من التجارب الجميلة والمُهمّة‪،‬‬
‫الشعريّة‪،‬‬
‫ولها مكانتها المتميّزة على خارطة ِ‬
‫والشعريّة العربيّة‬
‫ِ‬ ‫ال السعوديّة فحسب‪ ،‬بل‬
‫كذلك؛ إلى جانب شعراء سعوديّين آخرين‪،‬‬
‫نذكر منهم‪ -‬على سبيل المثال ال الحصر‪:-‬‬
‫عــبــداهلل الــســفــر‪ ،‬محمد الــدمــيــنــي‪ ،‬أحمد‬
‫المال‪ ،‬علي الحازمي‪ ،‬عبدالوهاب أبو زيد‪،‬‬
‫إبراهيم زولي‪ ،‬علي بافقيه‪ ،‬هدى ياسر‪ ،‬زكي‬
‫الصدير‪ ،‬علي الدميني‪ ،‬أحمد العلي‪ ،‬أبرار‬
‫سعيد‪ ،‬غسّ ان الخنيزي وغيرهم‪.‬‬
‫ولع ّل ما يميّز قصيدة محمد الحزر أكثر لنا عن ما يُراودُه وما يريدهُ أيضاً؛ حيثُ يقول‪:‬‬
‫الشعري فيها أوالً‪ ،‬وتالياً «ال تفعلْ‬
‫الحدس ِ‬
‫ُ‬ ‫من غيرها‪،‬‬
‫عليك فِ علُه‬
‫َ‬ ‫طريقة الشاعر في اختيار ِه للمشهد‪ ،‬ومن ث ّم ما ال ّ‬
‫يوج ُب‬
‫تناوله لهذا المشهد من أكثر من جانب من ستمضي في حياتِ َك‬
‫الصعُ و َد إلى ال ّتلّة‬‫الجوانب الجماليّة فيهِ ‪ .‬في قصيدة بعنوان ال أنتَ تُريدُ ُّ‬
‫(العطش)‪ ،‬والتي تأتي في هذا االتجاه‪ ،‬ال وال النُّ زُ ولَ إلى الوادي‪.‬‬
‫يكتفي الشاعر بالقلقِ والحير ِة وحدهما‪ ،‬البالدُ التي هي بالدُ كَ‬
‫بل يذهبُ بعيداً وغميقاً ح ّد الغرق‪ ،‬ال في‬
‫ستشطرُ الرغب َة‬
‫السراب والغموض‪ ،‬وإنّما في السرد الشيّق‬
‫بسكِّ ين‬
‫إلى الج َه َتيْن ِ‬
‫للحدث؛ «البوصلة»‪« ،‬الف ُم المفتوح»‪« ،‬الماء»‪،‬‬
‫غيرِ صالحةٍ لالستعمال‬
‫«الطريق»‪« ،‬الخيوط»‪« ،‬النافذة»‪« ،‬االنفجار»‪،‬‬
‫سوى مرَّ ةٍ واحدة»‪.‬‬
‫«البالد»‪« ،‬الرغبة»‪« ،‬السكّين»‪« ،‬قبل فوات‬
‫تدوين المرئي والالمرئي‬
‫األوان»‪ ،‬وغــيــرهــا الكثير مــن الــمــفــردات‬
‫مجموعة «غياب ُِك تركَ دراجت ُه الهوائ ّي َة‬ ‫والعبارات التي تختصر الحالة السيكولوجيّة‬
‫ـاب»‪ ،‬والتي جــاءتْ في مئة وستين‬ ‫للشاعر في لحظة الحدث الراهنة‪ ،‬إ ْذ يكشف على الــبـ ِ‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪56‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الشاعر محمد الحرز‬


‫صفح ًة من القطع المتوسط‪ ،‬هي اإلصدار عن الحزن والفرح‪ ،‬األمــل واأللــم‪ ،‬البشاعة‬
‫الشعري السادس للشاعر محمد الحرز‪ ،‬إ ْذ والجمال‪ ،‬الصعود والنزول‪ ،‬األبيض واألسود‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشعريّة التالية‪ :‬يكتب بمنتهى الرقّة والبساطة والشاعريّة‪،‬‬ ‫سُ بق ل ُه أ ْن أصد َر المجاميع ِ‬
‫«رجل يشبهني» (‪1999‬م)؛ «أخف من الريش ربّما ألنّ «القصيدة‪ ،‬بحسب روبرت فروست‪،‬‬
‫بغصة في الحلق‪ ،‬والشعور بأن شيئاً ما‬ ‫أعمق من األلم» (‪2002‬م)؛ «أسمال ال تتذكر تبدأ ّ‬
‫دم الفريسة» (‪2009‬م)؛ «سياج أقصر من ليس على ما يرام‪ ،‬وحنين للعودة إلى البيت‪،‬‬
‫الرغبات» (‪2013‬م)؛ «قصيدة مضيئة بمجاز ورغبة في الحب»؛ يقول‪:‬‬
‫واحــد» (‪2014‬م)؛ و«أحمل مسدسي وأتبع‬
‫تعرف أنّي شاعر‬
‫ُ‬ ‫الليل» (‪2015‬م)؛ إضافة إلى مجموعة كتب «أمّ ي ال‬
‫قط‬
‫فكرية ودراسات نقدية‪ ،‬من أبرزها‪« :‬شعرية أبي لم يقرأ قصيد ًة لي ّ‬
‫الكتابة والجسد» «القصيدة وتحوالت مفهوم وإذا ما رأى أحدُ إخوتي حمامةً تف ّر‬
‫قفص كلماتي؛‬
‫الكتابة» «الحجر والظالل‪ :‬الشعر والسرد في من ِ‬
‫ظنّ أنها للجيران‪.‬‬ ‫مختبر القراءة»‪ ،‬و«الهوية والذاكرة»‪.‬‬
‫بعد موتي‬ ‫في هذه المجموعةِ ؛ يكتب الشاعر الحرز‬
‫القفص ذاتِ ه‬
‫ِ‬ ‫ستعودُ الحمامةُ إلى‬ ‫عن كل ما هو بسيط ومُهمل في اآلنِ معاً‪،‬‬
‫سمعت أبي يقولُ ألُمّ ي‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ألنها‬ ‫وتحديداً تلك التفاصيل اليوميّة العابرة من‬
‫كان جَ ُّده شاعراً»‪.‬‬ ‫حياتنا‪ ،‬المرئيّة منها والالمرئيّة أيضاً‪ ،‬يكتب‬
‫ * كاتب من سوريا‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫عبدالعزيز مشري‬
‫هجاء األسفلت واإلسمنت!‬
‫في رواية «الوسمية»‬
‫■ هشام بنشاوي*‬

‫في تظهيره لرواية «الوسمية»‪ ،‬كتب عبدالعزيز الصقعبي‪« :‬هــو عوالم كثيرة‬
‫تأسر من يعرفه‪ ..‬هو روائي متميز ومتجاوز ومقنع‪ ..‬وهو قاص ممتع وفنان شامل‪،‬‬
‫حتى عالم الكاريكاتير أسهم فيه‪ ..‬هو كتلة من الفن‪ ،‬يقرأ كثيرا بكل الطرق‪ ،‬من‬
‫الكتاب أو عبر مكبر للحروف والكلمات»‪..‬‬
‫هذا ليس من قبيل المدح‪ .‬ولكن أنا أقدم دعوة لكل األجيال الجديدة بأن يكون‬
‫ضمن أجندتهم القرائية‪ ،‬االطالع على نتاج المبدع عبدالعزيز مشري‪.‬‬

‫إن روايــــــــات م ــث ــل «ال ــوس ــم ــي ــة»‪ ،‬من الصدق واإلخالص‪ ..‬وعالم من الفن‬
‫و«صــالــحــة»‪ ،‬و«فـــي عــشــق حــتــى»‪ ،‬أو واإلبداع‪ ..‬وكثير من المحبة والود»‪.‬‬
‫في كتابه «مكاشفات السيف والوردة»‪،‬‬ ‫مجموعات قصصية كثيرة ومتميزة‬
‫منها «أســفــار ال ــس ــروي»‪ ..‬بمقارنتها يــعــتــرف األديــــب الــســعــودي الــراحــل‪،‬‬
‫لبعض األعمال الصادرة اآلن‪ ،‬نجد أنها عبدالعزيز مشري‪ ،‬أحد رموز التجربة‬
‫متجاوزة‪ ،‬ألن من كتبها مبدع حقيقي‪ ،‬ال األدبية الطليعية في السعودية‪ ،‬والذي‬
‫يطمح للشهرة مطلقا بل أحب الكتابة تتسم تجربته السردية بالمغايرة والجدة‬
‫واألصــالــة‪ ،‬بأنه ال يجد نفسه حميميا‬ ‫واإلبداع‪..‬‬
‫عبد العزيز مشري‪ ..‬ال بد أن تقرأه مع حياة المدينة كثيرا‪ ،‬ولــم يتعاطف‬
‫األج ــي ــال الــجــديــدة‪ ،‬الــتــي استسهلت مع إيقاعاتها الذائبة‪ ،‬الخرسانية‪ ،‬فمنذ‬
‫الكتابة بتوفر التقنية الحديثة‪ ..‬إنه كتلة البدايات القصصية األولى‪ ،‬والتي لم تكن‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪58‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عبدالعزيز مشري مع بعض أصدقائه‬

‫فــي االستقاء إال البنات الــمــدركــات‪ ..‬قوة‬ ‫مدركة للدوافع واألهــداف الكتابية بعمق‪..‬‬
‫وتصرفا»‪ ،‬بيد أن حميدة تعتبر «شباب هذا‬ ‫«كــانــت تلك األعــمــال ‪-‬وه ــي فــي المدينة‪،‬‬
‫الزمان مدلعاً‪ ،‬ما فيه تعب وراء الدراهم‪..‬‬ ‫والغربة الثقافية‪ ..-‬تجعل أبطالها قرويين‬
‫واحد يسافر إلى مكة‪ ..‬وواحد متعلم يشتغل‬ ‫يتعاملون بالمنطق القروي والهيئة القروية‪،‬‬
‫فــي وظــيــفــة‪ ..‬يلبسون ثــيــاب بفت بيضاء‪،‬‬ ‫وقد صدمتهم مطحنة المدن الرافضة لكل‬
‫وعمائم نظيفة‪ ..‬ويشربون الدخان من «أبو‬ ‫القيم اإلنسانية البديهية والبريئة‪ ،‬لم يكونوا‬
‫بس»‪ ،‬لكنها تقتنع بأن ابنتها ستروح إلى بيت‬ ‫غير متفاهمين مع ذلك اإليقاع‪ ..‬بل أوجدوا‬
‫آخر‪ ،‬وستكون لبنتها الصغيرة حياة طيبة‪.‬‬ ‫نظاما توازنيا في تعاملهم معها ونجحوا‪..‬‬
‫ومــن تفاصيل الحياة اليومية القاسية‪،‬‬ ‫لكنهم في الدواخل ال يتعاطفون مع أشكال‬
‫تــمــضــي أي ـ ــام طــويــلــة وقــاســيــة ومــحــاطــة‬ ‫معطياتها الجافة»‪.‬‬
‫في روايته «الوسمية» (دار أثر‪2018 ،‬م)‪ ،‬بالجفاف‪ ،‬وتتحول فيها آمــال الــنــاس إلى‬
‫يحتفي مشري‪ ،‬وبشاعرية شجية‪ ،‬بتفاصيل رجاء حار يستعطف رحمة السماء‪ ،‬وتتصدق‬
‫الحياة اليومية في قرية جنوبية‪ ،‬قبل أن النساء بمالبسهن القديمة‪ ،‬ويخرج الرجال‬
‫حب الذرة المكنوز في بيوت مئونتهم‪ ،‬وتجعل‬ ‫يغتالها األسفلت واإلسمنت!‬
‫في اللوحات األول ــى‪ ،‬يصف عبدالعزيز منه زوجاتهم طبيخا لذيذا بالملح والبهار‪،‬‬
‫مشري قلق األهــالــي بسبب تأخر المطر‪ ،‬يقدمنه في الغذاء والعشاء‪.‬‬
‫ويرى أهالي القرية‪ ،‬بعد صالة الجمعة‪ ،‬أن‬ ‫وانــتــظــارهــم الــمــتــلــهــف لــلــفــرج‪ ،‬وطــقــوس‬
‫سبب الجفاف قلوب الناس الممتلئة بالحقد‬ ‫االستسقاء‪ ،‬وعــادات الــزواج‪ ،‬وحين تمطر‪،‬‬
‫والضغينة‪ ،‬ويكتمونها‪ ،‬ويتفقون على قراءة‬ ‫تغمر الفرحة قلوب الجميع‪ ،‬كبارا وصغارا‪،‬‬
‫«الراتب»‪ ،‬باعتباره السبيل الوحيد لتطهير‬ ‫وتمنع حميدة األرملة ابنتها من مغادرة البيت‪،‬‬
‫القلوب‪ ،‬بينما يعترض بعضهم بأن «الراتب»‬ ‫عندما جاءها خاطب من قرية «الجبل»‪ ،‬لكن‬
‫ال يقرأ إال عندما يكون في القرية خائنا أو‬ ‫أمها لم تمنعها من «االستقاء»‪« :‬ال يشارك‬
‫‪59‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫بــعــد م ــوت وحــيــدهــا‪،‬ألنــهــا‬ ‫مخربا لم يعترف بذنبه‪.‬‬
‫عجوز تحتاج إلى مساعدة‬ ‫وبــــعــــدمــــا أمــــطــــرت‪،‬‬
‫يومية‪ ،‬بينما اتفق الرجال‬ ‫يــعــمــلــون خــلــف ثــيــرانــهــم‪،‬‬
‫على بيع الــمــحــرك‪ ،‬ودفــع‬ ‫وعند الظهيرة‪ ،‬يحين وقت‬
‫ثمنه ألم صاحبه‪.‬‬ ‫القيلولة والغداء‪ ،‬يربطون‬
‫ال ــح ــدث الــرئــيــس في‬ ‫ثــيــرانــهــم وحــمــيــرهــم في‬
‫الــروايــة هــو شــق الطريق‪،‬‬ ‫ج ــذوع الــشــجــر‪ ،‬ويتغذون‬
‫حيث اعتبرها الشيخ ‪ -‬في‬ ‫تــحــت فــيــئــهــا‪ ،‬ويــشــربــون‬
‫مشهد اســتــبــاقــي‪ -‬تقرب‬ ‫الــقــهــوة الــمــمــزوجــة بحب‬
‫البعيد‪ ،‬وتبعد القريب‪ ،‬لكن‬ ‫الهيل والزنجبيل‪ ،‬ويشربون‬
‫جــاء الخير وقلت البركة‪،‬‬ ‫ال ــش ــاه ــي‪ ،‬ويــجــلــس أبــو‬
‫مــنــذ أن أصــبــح الــصــديــق‬ ‫جـ ــمـ ــعـ ــان م ــت ــك ــئ ــا عــلــى‬
‫ينسى صــديــقــه‪ ،‬والرحيم‬ ‫مــرفــقــه‪ ،‬تــحــت الــطــلــحــة‪،‬‬
‫ينسى رحــيــمــه‪ ،‬والــقــريــب‬ ‫للف التمباك‪ ،‬واالستمتاع‬
‫يتعادى مع قريبه‪ ،‬وأصبحت الفلوس هي‬ ‫بكيفه‪.‬‬
‫التي تسوي الــرجــال‪ ..‬تتحكم في القريب‬ ‫لكن سرعان ما يكدر صفو هذه الحياة‬
‫والبعيد‪ ..‬خرب الزرع وقلت البركة‪ ..‬وحفت‬ ‫البسيطة‪ ،‬بعض المنغصات المستوردة‬
‫الدنيا‪ ..‬وأصبح الناس يحبون حنطة أمريكا‪،‬‬ ‫مــن الــمــديــنــة‪ ،‬إن جــاز هــذا التعبير‪ ،‬مثل‬
‫والشاهي السيالني‪ ،‬ويسافرون ويجيئون‪.‬‬ ‫حادث غرق الشاب في البئر‪ ،‬بعد محاولته‬
‫ومن يوم صار البترول يأخذ الناس‪ ،‬وينسى‬ ‫تــشــغــيــل مــحــرك ض ــخ ال ــم ــي ــاه‪ ،‬فــامــتــأت‬
‫الشباب أراضيهم وزراعتهم‪ ،‬وحــق أبائهم‬ ‫األرض الزراعية‪ ،‬المحيطة بالبئر‪ ،‬بالناس‬
‫وأجــدادهــم‪ ..‬وص ــاروا يتمسخرون بالبالد‬ ‫والفوضى‪ ،‬بعد انتشار الخبر المأساوي‪،‬‬
‫وخيرها‪.‬‬ ‫وغلبت الحادثة على كل تقليد‪ ،‬جاء الشبان‪،‬‬
‫وجاءت الشابات‪ ،‬وحتى العجائز اللواتي ال‬
‫آخر الكالم‬
‫يخرجن إال فيما ندر‪ ،‬وجاءت أم الميت مع‬
‫في حواره مع جريدة «الحياة»‪ ،‬استحضر‬ ‫من جاء على داعي الصوت‪ ،‬ووقعت مغشيا‬
‫الكاتب الــراحــل عبدالعزيز مشري رفقته‬ ‫عليها‪ ،‬واتفقوا على دفنه قبل غروب الشمس‪،‬‬
‫مع أحد القرويين‪« ،‬حين نظر إلى الطريق‬ ‫وألن الوسمية شغلت الناس؛ فالزرع يحتاج‬
‫المكسوة باألسفلت‪ ،‬قــال بحسرة‪« :‬زمــان‬ ‫إلى السقي والرعاية والمتابعة‪ ،‬وحراسته من‬
‫كنا نموت واألرض حية… اآلن األرض تموت‬ ‫الغنم التي يهملها رعاتها‪ ،‬أو تعدي الحمير‬
‫أمامنا ونحن نموت بعدها»‪ ،‬وكان صاحبي‬ ‫المتسللة‪ ،‬التي تأكل الجهد وتأكل الــرزق‪،‬‬
‫يشير بمرارة إلى غلبة األسفلت على العشب‬ ‫اتفقت النسوة على أن يساعدن أم الميت‪،‬‬
‫في هذا األفق الذي ينغلق علينا !!»‪.‬‬ ‫بإحضار الماء واللقمة لها بين حين وحين‪،‬‬
‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪60‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الو َجع"‬ ‫ُ‬


‫وإرباكاتها في "ضيوف َ‬ ‫ُ‬
‫الحياة‬
‫قصائد هايكو للشاعر المصري حسين عيسى عبدالجيد‬

‫نـــوارة لــحـــرش*‬
‫■ ّ‬

‫يقدم الشاعر المصري‪ ،‬حسين عيسى عبدالجيد‪ ،‬في ديوانه الجديد (ضيوف‬
‫الوجع)‪ ،‬الصادر عن دار يسطرون بمصر‪ ،‬باقة من قصائده الشعريّة المندرجة في‬
‫فن الهايكو‪ ،‬وهو بهذا يضيف إلى مدونة شعر الهايكو في العالم العربي‪ ،‬إضافة‬
‫بشكل الفت‪( ،‬رغم قول بعض‬
‫ٍ‬ ‫مهمة‪ ،‬هي مدونة بدأت في اآلونة األخيرة تتشكل‬
‫النقاد بعدم وجود الهايكو في العالم العربي)‪ ،‬وفوق هذا تحجز لها مكانا وحيزا‪،‬‬
‫أو لنقل خارطة مُ شرقة تحت سماء الهايكو‪.‬‬

‫وكــمــا ه ــو م ــع ــروف وشـــائـــع‪ ،‬ف ــإنّ التقاط تفاصيل العالم‪ :‬الطبيعة‪ ،‬الحياة‬
‫"الهايكو"‪ ،‬هو نوع من الشّ عر الياباني‪ ،‬والحاالت‪ ،‬وغيرها من مكنونات الكون‬
‫يُــكــتــب بــألــفــاظ بــســيــطــة ومقتضبة‪ ،‬واإلنسان‪ .‬كما يحتاج أحيانا إلى قدرة‬
‫يــحــاول كاتبه مــن خــالــه التعبير عن على العبث والسخرية‪ ،‬وزوايــا متعدّدة‬
‫مــشــاعــر وحـ ــاالت وأحــاســيــس عميقة من الرؤية الثاقبة والمتفحصة لألمور‬
‫بأقل الكلمات‪ ،‬تكون غالبا‪ ،‬موزعة على وأكـ ــوان وســيــاقــات الــيــومــي والمعيش‬
‫أسطر ثالثة؛ كما يتميّز بتكثيف الفكرة واإلنــســانــي وال ــواق ــع ومــكــونــاتــه‪ .‬وقــد‬
‫واخــتــزالــهــا بــعــدد قليل مــن الكلمات‪ ،‬ازدهر الـ"هايكو" في مرحلته األولى في‬
‫ويعتمد صيغا قصيرة تحتاج كتابتها القرن ال ـــ‪17‬م‪ ،‬بفضل "ماتسيو باشو"‬
‫إلى ذكاء كبير وبراعة لغوية وخبرة في (‪1694/1644‬م)‪ ،‬المُعلم األوّل لهذا‬
‫‪61‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫القارئ الميدياوي (نسبة إلى الميديا) الّذي‬ ‫الفن‪ ،‬وهو أحد أعظم شعراء اليابان‪ ،‬وقام‬
‫أصبح ال تستوقفه الحياة إ ّال فــي مواقع‬ ‫برفع سقف قصيدة الهايكو إلى أعلى مرتبة‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬حيث هناك عالمه‬ ‫من مراتب الفن الرفيع‪.‬‬
‫وعوالمه التي أصبح كثيرا ما يستغني بها‬ ‫تكمن الفروقات واالختالفات بين قصيدة‬
‫عن الواقع بك ّل ما فيه من تفاصيل وحيوات‬
‫الهايكو التقليدية وقصيدة الهايكو المعاصرة‪،‬‬
‫ومكونات حقيقية زاخرة باإلنسان وصخبه‬
‫فــي التفاصيل المُحتفى بــهــا؛ فــاألولــى‪،‬‬
‫وتفاصيله‪ .‬هل هذا القارئ الميدياوي لم‬
‫تركز وترتكز على تفاصيل وصور الطبيعة‬
‫يعد يهتم بالشّ عر المسكوب في القصائد‬
‫والبيئة المحيطة بحالة اإلنسان‪ ،‬وتحتفي‬
‫الطويلة والدواوين الضخمة‪ ،‬وأصبح فقط‬
‫بها وتضيء عليها وحولها؛ والثانية‪ ،‬تتميّز‬
‫يكتفي بما قل ودل من فن الكالم ومن ِش ٍعر‬
‫أكثر بحاالت التأمّل الـرّوحــي وبالمشاعر‬
‫مسكوب فــي قصائد الهايكو والــدواويــن‬
‫واإلنسان‪ ،‬وبنقل األحاسيس‪ ،‬بإيجاز وبصور‬
‫الصغيرة التي تتوزع عليها هــذه القصائد‬
‫مكثفة‪ ،‬وأحيانا بحكمة ولوحة فنية تقتنص‬
‫المسكوبة باقتضاب وبمنسوب قليل من اللّغة‬
‫من الدهشة الكثير‪.‬‬
‫والكالم والمجاز‪ ،‬وبمنسوب أعلى من الفنية‬
‫والدهشة؟ هل الهايكو هو معادلة الحياة‬ ‫والالفت والمالحظ في العالم العربي‬
‫المقتضبة في الواقع‪ ،‬المُتسعة في الخيال‬ ‫في السنوات األخيرة هو توجّ ه الكثير من‬
‫واالفتراضي؟‬ ‫الشعراء لكتابة قصائد الهايكو‪ ،‬والكثير من‬
‫الدواوين والمجموعات الشّ عرية‪ ،‬تصدر ك ّل‬
‫من جهة‪ ،‬كثيرا ما أصبح الشاعر ينتصر‬
‫فترة في أكثر من بلد عربي لشعراء عرب‬
‫لقصائد الهايكو والومضة والشذرات‪ ،‬ومن‬
‫أغلبها في شعر الهايكو‪ .‬هذا الفن الياباني‬
‫جهة أخرى القارئ العربي للشّ عر (وعكس‬
‫األصل والمنبت الحساسية‪ ،‬استقطب اهتمام‬
‫ما يُقال إنّه ال يحب إ ّال المطوّالت والمعلّقات‬
‫الكثير من الشعراء العرب‪ ،‬واستحوذ على‬
‫وال يحفل بالقصائد المقتضبة)‪ ،‬فهو يذهب‬
‫شغفهم وعواطفهم‪ .‬فما الّذي يجعل الشاعر‬
‫إلى قراءة هذه النماذج المختلفة من الشّ عر‬
‫العربي يستلذ كتابة الهايكو‪ ،‬ما الّذي يجعله‬
‫(الهايكو‪ ،‬الومضة‪ ،‬الشذرة) التي اكتسحت‬
‫شغوفا بهذا الفن إلى الح ّد الّذي أصبحت‬
‫خــارطــة فــن الشّ عر العربي فــي السنوات‬
‫فيه معظم تجاربه الشّ عرية تنتمي إليه‪:‬‬
‫القليلة األخــيــرة‪ ،‬وهــي نماذج تشترك في‬
‫أجواءً‪ ،‬وصورا ولغة وإيحا ًء وإبحارا ورفرفة‬
‫اقتصاد اللّغة وكثافة الصور وقــوة المجاز‬
‫وتحليقا وأسلوبا‪.‬‬
‫واالســتــعــارات‪ ،‬وأحيانا وفــرة الــوضــوح‪ .‬ما‬
‫هل الحياة العربية ومعها (حياة الفرد يمكن القول إنّ فن الهايكو‪ ،‬قد وجد أرضا‬
‫واإلنسان والشاعر العربي) أصبحت أضيق خصبة في تضاريس الشّ عر العربي‪ ،‬وصارت‬
‫مــن أن تَحتمل النصوص المطولة؟ وهل له مكانة كبيرة بين أنواع الشّ عر األخرى‪ ،‬إن‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪62‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫تعدّدت الــرؤى وتفاوتت درجة القبض على‬ ‫لم تكن مكانته هي األوســع واألرحــب على‬
‫الهامشيّ واليوميّ وروح الداخلي ورحابة‬ ‫اإلطالق‪.‬‬
‫الخارجي‪ .‬فمثال‪ ،‬يصف الشاعر‪ ،‬الربيع‬ ‫في ديوانه (ضيوف الوجع)‪ ،‬يرتكز الشاعر‬
‫الــعــربــي بالفقاعات ال ــس ــوداء‪ ،‬فــي صــورة‬ ‫المصري حسين عيسى عبدالجيد‪ ،‬على‬
‫مــوجــزة وفيها إحــالــة تفي بحالة الخراب‬
‫أجواء الهايكو‪ ،‬ويفتتح تجربته الشّ عريّة على‬
‫ا ّل ــذي آلــت إلــيــه ث ــورات مــا سُ ــمــيّ بالربيع‬
‫عوالم تلتقط تفاصيل الحياة والحبّ والخيبة‬
‫العربي‪" :‬بالونات سوداء‪/‬تفرقع ك ّل حين‪/‬‬
‫واألفاق المشرعة على أمنيات قليلة‪ ،‬بكثير‬
‫ربيع العرب"‪ .‬وهو مشهد صادم يصف بأقل‬
‫من الشّ عريّة‪ ،‬وبفنيّة ممزوجة بلذائذ من‬
‫الكلمات وبكثافة‪ ،‬ربيع العرب ا ّلــذي تحوّل‬
‫الــصــور التي تفاجئ الــقــارئ‪ ،‬كما لــو أنّها‬
‫إلى فقاعات سوداء وخراب يُط ُل على خراب‪.‬‬
‫هالل أعياد من اللّغة‪ ،‬أو باقة من المفردات‬
‫وفي مقطع آخر يُوثق شعريا للمأزق الدموي‬
‫المقتضبة التي تدفعه للتحليق والرفرفة‪،‬‬
‫العربي‪" :‬كـ ّل حين‪ ،‬يمتزج باألحمر‪ ،‬الثرى‬
‫والتي رغم اقتضابها تفيض منسابة بفن على‬
‫العربي"‪ .‬هذا الثرى ا ّلــذي تنفتح مواعيده‬
‫لحظته الشعريّة‪ ،‬خالقة له أرجوحة تذهب‬
‫ومواقيته على اللون األحمر‪/‬الدم‪ .‬إذ كأنّ‬
‫به بعيدا عن مآزق اليومي التعس‪ ،‬لتوصله‬
‫الــدم هو قدر الثرى العربي‪ ،‬قــدره األحمر‬
‫إلى ٍبر من خيال الشِّ عر والصوّر؛ فيبرأ قارئ‬
‫المُمتد في ك ّل الخارطة العربية من المحيط‬
‫النصوص من مآزق ومطبات اليومي‪ ،‬ومن‬
‫إلى الخليج‪ .‬كما يعتبر في مقطع آخر أنّ‬
‫حالة السأم التي كثيرا ما تُطبق عليه بسبب‬
‫القانون اإللهي‪ ،‬قانون عدل يتساوى أمامه‬
‫وتيرة الحياة المتأججة بالقلق الوجودي‬
‫الفقير والغني‪" :‬فــوق سطح البحر‪ ،‬تطفو‬
‫الّذي أصبح هاجسا يؤرق إنسان اليوم‪.‬‬
‫جثتا الغني والفقير‪ ،‬قانون إلهي"‪ ،‬فال أحد‬
‫هنا فوق الغرق‪ ،‬وال جثة أفضل من األخرى‬ ‫نــصــوص الــشــاعــر حــســيــن وُفِ ــق ــت في‬
‫طفو فوق سطح البحر‪..‬‬ ‫في لحظة ٍ‬ ‫اســتــخــدام لــغــة حــسـ ّيــة وبــصــر ّيــة فــي ذات‬
‫اللحظة‪ ،‬كما وُفقت في خلق مشاهد جمالية‬
‫الشاعر وهو يتناول هذه الموضوعات‪/‬‬
‫رغم بساطة التراكيب أحيانا‪ .‬الهايكو عند‬
‫المواقف‪ .‬يريد أن يقول أنّ اإلنــســان ابن‬
‫الشاعر حسين‪ ،‬ابن دالالت وصور ومجازات‬
‫سياقات طبيعية عادلة ومُنصفة ومجحفة‬
‫وإحــاالت غنيّة بحاالت وتفاصيل إنسانية‪،‬‬
‫وجاحدة وجارحة أيضا‪ ،‬وأنّ هذا اإلنسان‬
‫وجدانية‪ ،‬وجودية‪ ،‬مُربكة أحيانا ومُرتبكة‬
‫مهما وصل في حياته إلى مراتب ودرجات‪،‬‬
‫فــي أحــايــيــن أخ ــرى بسبب ضغط الــواقــع‬
‫ومهما تفاوتت وتنوعت تخبطاته في الحياة‪،‬‬
‫إ ّال أنّه يصيبه ما يصيب ك ّل الناس‪ ،‬فأمام‬ ‫وتراكماته‪.‬‬
‫تعدّدت الموضوعات في نصوص حسين‪ ،‬الغرق‪ ،‬أمــام الموت‪ ،‬أمــام الكوارث واأللــم‪،‬‬
‫وتــع ـدّدت مستويات اللّغة والشعريّة‪ ،‬كما يتساوى الغني والفقير‪ ،‬ويتساوى ك ّل البشر‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وفي نص آخر يصف الشاعر بكثير من غير متوقعة‪ ،‬وتربكك بداياتها على نهايات‬
‫الكثافة واأللم حال من تبيع الحليب لكنّها صادمة‪ .‬جميلة وفيها مراوغة فنيّة الفتة‬
‫تموت في ال ــدروب بنقص في الكالسيوم‪ ،‬ومُحببة‪.‬‬
‫ضيوف كُثر على طاولة الهايكو‪ ،‬يتشاركون‬ ‫ٌ‬ ‫صــورة مُربكة‪ ،‬أبــدع فيها الشاعر‪" :‬بنقص‬
‫في الكالسيوم‪ /‬تموت في الــدروب‪ /‬بائعة لــذائــذ اللّغة والــصــور واإلحــــاالت‪" :‬خصر‬
‫الحليب"‪ .‬هنا مفارقات الحياة وإرباكاتها‪ ،‬الوطن‪ ،‬الناي الحزين‪ ،‬بارود األوغاد‪ ،‬اإلناء‬
‫فكيف لبائعة الحليب أن تموت بنقص في الفارغ‪ ،‬سوط الحياة‪ ،‬جوف الليل‪ ،‬العناق‬
‫الكالسيوم؟ كيف لحقول خصبة ال تثمر الحار بين المنديل والدموع‪ ،‬الغرق‪ ،‬الريح‪،‬‬
‫بالنّور واألمــل وبأغنيات تلوّح بالطمأنينة إزميل الوجع‪ ،‬الحب القديم‪ ،‬طيور الحب‪،‬‬
‫لك ّل اآلتي‪ ،‬وللغد المركون على حافة القلق وشــوشــة الــنــســاء‪ ،‬اســم األنــثــى التي تصير‬
‫والترقب واألح ــام المعطوبة؟ فهذه التي بمثابة توقيت وأكوان وحيوات‪ ،‬وشجرة فرح‬
‫تموت بنقص في الكالسيوم رغم أنّها بائعة ومطر‪ ،‬وحتى يدها تصير ملعقة‪ ،‬فتنتفي‬
‫للحليب‪ ،‬تكون ميتتها غير مُنصفة‪ ،‬ميتة حاجة اآلخر ألداة أخرى للطعام‪ ،‬فيدها تفي‬
‫جاحدة‪ .‬يعني أنّ هناك "خلل" في منظومات بغرض الملعقة‪ ،‬كما يصير حضنها موقِ دُه‪،‬‬
‫الحياة برمتها‪ ،‬وإ ّال لما حدث هذا الموت كما تصير أصابعه بمثابة شموع‪ ،‬فال تحتاج‬
‫للضياء في الظالم‪ ،‬ألنّ أصابعه كفيلة بخلق‬ ‫بسبب نقص الكالسيوم لبائعة الحليب‪.‬‬
‫حسين‪ ،‬يذهبُ إلى تحميل الرسوب في الضياء ودحر الظالم والعتمة‪."...‬‬
‫إنّ قصائد الهايكو عند الشاعر حسين‪،‬‬ ‫الحياة إلــى "األخ ــرى‪- ،‬هــي‪ ،-‬شريكته في‬
‫الكوكب"‪" :‬مــادة رسوبي في الحياة‪ ،‬أنـ ِـت"‪ .‬تصير حاملة لمكنونات الحياة ومشتقاتها‪،‬‬
‫الــمــرأة ينبوع الــحــيــاة‪ ،‬فــجــأة تصبح مــادة لمكنونات المعاناة ومشتقاتها‪ ،‬بقوّة الشّ عريّ‬
‫رسوب الشاعر‪/‬اإلنسان‪ .‬هنا مفارقة فيها الــقــابــض عــلــى الـ ُمــنــفــلــت مــن ك ــوة حــاالت‬
‫الكثير من وجع العالقات المُربكة التي تكون إنسانية وعربية وفردية ووجدانية مختلفة‪،‬‬
‫جحيما لآلخر‪ ،‬اآلخــر‪ :‬هــو‪ .‬واآلخــر‪ :‬هي‪ .‬هــذا االنــفــات يلتفت له الشاعر ويطوّقه‬
‫فمثلما‪ ،‬وربّما بالقدر نفسه الّذي قد يكون باللّغة والشّ عر وكثافة الصورة أحيانا‪ .‬إنّها‬
‫تجربة تولد من تربة التفاصيل الصغيرة‬ ‫هو مادة رسوب الحياة‪ ،‬تكون هي أيضا‪.‬‬
‫ومن هوامشها الكثيرة ومن حوافها المعتمة‪.‬‬ ‫في نصوص حسين‪ ،‬نجد كائنات وحاالت‬
‫تجربة تضيء على خدوش اإلنسان وشروخه‬ ‫كثيرة في مرتبة "الضيوف"‪ ،‬ضيوف على‬
‫وكدماته‪ ،‬وعلى تناقضات العالم الداخلي‬ ‫الشِّ عر والـلّــغــة‪ .‬ضيوف على وضــوح األلــم‬
‫والــخــارجــي‪ .‬قصائد تقبض فــي كــ ّل م ـرّة‬ ‫واإلربــاك‪ ،‬ضيوف على تقطيبة الحياة مرّة‬
‫على ما يفلت من الواقع‪ ،‬وعلى ما يخرّبه‬ ‫وعلى إشراقها ولــو بمقدار أو خجل مـرّة‪.‬‬
‫ويزعجه‪ ،‬باللّغة‪ ،‬أوّال وأخيرا‪ .‬اللّغة العارفة‪،‬‬ ‫نــصــوص تصدمك نهاياتها على بــدايــات‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪64‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫لعبته الفنيّة‪ ،‬التي تجعل المقاطع قابلة للقراءة‬ ‫اللّغة الضمّادة‪ ،‬اللّغة المأوى والمالذ‪.‬‬
‫من األعلى لألسفل والعكس‪ ،‬وهذا ال يحدث‬ ‫الــشــاعــر يــفــضـ ُح أيــضــا بــال ـلّــغــة‪ ،‬ويشير‬
‫عند الشعراء إ ّال نادرا‪ .‬فهذا المقطع مثال في‬ ‫إلــى األقنعة التي أصبحت لصيقة بالبشر‪،‬‬
‫صيغته األولى جاء هكذا‪" :‬بك ّل هدوء‪ /‬يمكث‬ ‫وأ ّن ال (بشر حقيقي) في زماننا هــذا‪ ،‬وأ ّن‬
‫منتعال قلبي‪ /‬حبيب العمر"‪ ،‬وفــي صيغته‬ ‫المجنون وحــده ال يرتدي أقنعة‪" :‬وحــده ال‬
‫الثانية‪ ،‬أيّ القراءة من األسفل لألعلى يكون‬ ‫يرتدي قناع المجنون"‪ .‬وفي مقطع آخر‪ ،‬يرى‬
‫هكذا‪" :‬حبيب العمر‪ /‬يمكثُ منتعال قلبي‪/‬‬ ‫أ ّن أشجار بال عناء‪" :‬كاملة األوصــاف تثمر‬
‫بك ّل هدوء"‪ .‬والشيء نفسه في هذا المقطع‪:‬‬ ‫بال عناء‪ ،‬أشجار الوجع"‪ .‬أمــام الوجع تثمر‬
‫"صوب الشرق‪ /‬يتوجه دائما‪ /‬بارود األوغاد"‪.‬‬ ‫هذه التنويعات اللغوية والشّ عرية والفلسفية‪،‬‬
‫وتقابله القراءة الثانية‪" :‬بارود األوغاد‪ /‬يتوجه‬ ‫وتفاوت مستويات النظرة لمختلف سياقات‬
‫دائما‪ /‬صوب الشرق"‪ .‬والشيء نفسه في هذا‬ ‫األفــكــار والموضوعات والــحــاالت‪ ،‬نكتشف‬
‫المقطع‪" :‬بنقص في الكالسيوم‪ /‬تموت في‬ ‫قــدرة الشاعر على الخلق وعلى إيناعه في‬
‫حضرة مرآة متشظية بشؤون الحياة واإلنسان‬
‫الدروب‪ /‬بائعة الحليب"‪ .‬إذ يمكننا قراءته من‬
‫والواقع‪.‬‬
‫تحت دون أن يختل المعنى أو تتأثر الفكرة‪:‬‬
‫"بائعة الحليب‪ /‬تموت في الدروب‪ /‬بنقص في‬ ‫ومن الصور الجميلة التي حفلت بها بعض‬
‫الكالسيوم"‪ .‬أيضا يمكن قراءة هذا المقطع‬ ‫مقاطع الديوان‪ ،‬صــورة يقول فيها إ ّن الّذي‬
‫قــراءة معكوسة‪" :‬فــي ملعب الحياة‪ /‬كــرة ال‬ ‫يسبب أو ا ّل ــذي يرتبط بحفيف األشــجــار‪،‬‬
‫وشوشة النساء‪ ،‬ال الريح‪" :‬حفيف األشجار‪/‬‬
‫تمل ركال‪ /‬شعوب العرب"‪ ،‬إذ تصبح هكذا‪:‬‬
‫ال يرتبط أبدا بالريح‪ /‬وشوشة النساء"‪ .‬هي‬
‫"شعوب العرب‪ /‬كرة ال تمل ركال‪ /‬في ملعب‬
‫صورة مترقرقة ورقراقة بالنعومة وبشاعرية‬
‫الحياة"‪.‬‬
‫مفرطة وفائضة بالجمال‪.‬‬
‫مــا يمكن قــولــه فــي األخــيــر أ ّن الشاعر‬
‫ما يلفت القارئ لنصوص الشاعر حسين‪،‬‬
‫حسين عيسى عبدالجيد‪ ،‬قــدم لنا بفنية‬
‫هو قدرته على خلق ألعاب فنية في صوره‬
‫وإبداعية‪ ،‬مجموعة قصائد هايكو‪ ،‬حفلت‬ ‫الشعريّة‪ ،‬إذ يالحظ القارئ الذكي هذه اللعبة‬
‫وترقرقت بالكثير من الفن والشّ عر والخلق‪،‬‬ ‫وهي تتجلّى في الكثير من مقاطع الديوان‪،‬‬
‫وأ ّن تجليات الحياة وإرباكاتها كانت جليّة‬ ‫فبعض المقاطع تصلح ألن تُقرأ أيضا من أسفل‬
‫وفسيحة في هذه النصوص التي أكيد ستبهج‬ ‫إلى أعلى‪ ،‬فبعد نهاية قراءتها بشكلها العادي‪،‬‬
‫القارئ وتفتح شهيته أكثر على ينابيع الهايكو‬ ‫يمكننا إعــادة قراءتها من تحت إلــى أعلى‪.‬‬
‫وحدائقه وسمواته‪.‬‬ ‫وهنا تكمن براعة الشاعر حسين في إتقان‬
‫ * كاتبة من الجزائر‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫أوراق‬
‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫انتفض على ُم ِّت َكئِهِ مبهوتا‪ ،‬وراح يصرخ ويطلب‬ ‫ض‬ ‫المُ عارِ ْ‬
‫العون والمساعدة‪.‬‬ ‫طــوال فترة سجنه؛ شَ َغلَ ُه الــســؤال عمّن كان‬
‫صفعته راقصة القبيلَةِ على وجههِ ؛ داعية اهلل‬ ‫يُسَ رِّبُ تفاصيل االجتماعات التي يُجريها في بيته‬
‫أن ينقذ زعي ُم القبيلة من كابوسه اليومي‪.‬‬ ‫للدائرة األمنية‪.‬‬
‫شموخ شاعر‬ ‫شهر؛ ف ُِص َل من الحزب‪ ،‬و ُعيِّنتْ زوجتَ ُه‬ ‫بعد ٍ‬
‫أُلْقِ ي القبض على الشاعر بتهمة مناهضة نظام‬ ‫مكانَه ‪ -‬في الدائرة السياسية‪.‬‬
‫الحكم واالنضمام إلى الثورة‪ ،‬وحكِ َم عليه باإلعدام‬ ‫ذوبان‬
‫رمياً بالرصاص في اللحظة نفسها التي ألقي‬ ‫ما َل إلى عنفوان حَ َرنِها‪:‬‬
‫القبض عليه فيها‪.‬‬
‫‪ -‬كوني سيجارتي وسأكون قهوتك‪.‬‬
‫وبينما الجنديان يتأهّ بَان إلطــاق الرصاص‬
‫عليه؛ راح يُلقي بأشعاره؛ شامخاً غير هيّاب من‬ ‫ظل يقد ُح شرا َرهُ حتى ذاب فنجانَها بين أصابعه‬
‫اإلعدام‪ ،‬وينشد بصوت رجولي واثق ثابت‪ ،‬وهما‬ ‫الخجولة‪.‬‬
‫ينظرانه بإعجاب وهيبة‪:‬‬ ‫رخصة‬
‫«ما اإلنسان دون حرية يا ماريانا‬ ‫الشاب المصاب بالشلل الرباعي‪ .‬انفرجت‬
‫قولي لي كيف استطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً‬ ‫أسارير كآبته بعد زيارة أصدقائه‬
‫كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي‬ ‫‪ -‬مبارك حصولك على رخصة قيادة السيارات من‬
‫الفئة الثالثة‬
‫كيف؟؟»‬
‫كابوس الزعيم‬
‫انتظراه بتهيّب وإعجاب لحين إكمال قصيدته‪،‬‬
‫دمعَا بقهر‪ ،‬ثم أطلقا الرصاص‪.‬‬ ‫أص َد َر زعي ُم القبيلة أوامِ ـ َرهُ بإتمام اإلجراءات‬ ‫ْ‬
‫التهمة‬ ‫الالزمة إلعدام شعراء قَبيلَتهِ‪.‬‬
‫قبيل بــدء المحاكمة؛ سلّم ُه الحاجب ورقــة‪.‬‬ ‫جلس في خيمته الوثيرة مزهوّا‪.‬‬
‫تمعَّن فيها جيداً‪ .‬نظر للحاجب وغمزه باليمنى‪.‬‬ ‫هطل المطر بغزارة‪ .‬انتبه لوجود رجل مهلهل‬
‫واثق‪:‬‬
‫بدأ القاضي جلسة المحاكمة بصوت ٍ‬ ‫الثياب يقف متحفِّزا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد حَ كَمنا على الــشــاعــر الــمــاثــل أمامكم‪:‬‬ ‫‪ -‬من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟‬
‫باإلعدام قهراً‪.‬‬ ‫‪ -‬أنا شاعر صعلوك‪ ،‬وقد أمرني أمير الشعراء‬
‫ضجّ ت جنبات المحكمة بالصراخ المُستهجَ نْ‪.‬‬ ‫أن أقتلك‪.‬‬
‫نادى القاضي على الحاجب‪ .‬سأله باهتمام عن‬ ‫نظر إليه زعي ُم القبيلة مستهزئاً‪:‬‬
‫تهمة هذا الشاعر‪ ،‬فقال غاضباً‪:‬‬ ‫‪ -‬لكنك ال تحمل سالحا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد كتب قصيدة عنوانها «كِ ْش َملِكْ »!‬ ‫‪ -‬سأقتلك بقصيدة‪.‬‬
‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪66‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫شامة سوداء‬
‫■ عبدالرحمن الدرعان*‬

‫«مشكلة كل قصة أننا نرويها بعد وقوع الحدث»‬


‫تشاك بوالنك‬
‫كــانــت أم ــي تجلس كـعــادتـهــا فــي الـصـبــاح الـبــاكــر وح ـيــدة مـخـفــورة بالهواجس‬
‫واألدويــة‪ ،‬تطوّق معصمها مسبحة عتيقة‪ ،‬هي كل ما تبقى من جواهرها‪ ..‬تكاد‬
‫لفرط استخدامها أن تردد من خلفها التسابيح‪ .‬والخادمة تتحرك بشكل آلي‪،‬‬
‫مثل الدمية الكهربائية‪ ،‬بصوتها الحاد تثرثر وهي تناولها الدواء‪ .‬ثم تعالج شاشة‬
‫التلفزيون وتبحث في جهاز التحكم عن المسلسل البدوي الذي تتابعه بشغف‬
‫كبير‪  ،‬وتضع سماعة الهاتف في أذنهاـ وتتحرك على إيقاع أغنية آسيوية يتسلل‬
‫منها خيط موسيقى خافتة‪ ،‬يظهر من خريطة االنفعاالت على وجهها المدور‪،‬‬
‫تتحدث عن الغياب وضــراوة األيــام واألعياد التي ال تجيء‪ ،‬والمطارات البعيدة‪،‬‬
‫واألطفال التائهين على أرصفة الموانئ‪.‬‬
‫صــبــحــك اهلل بــالــخــيــر؟ وأجــلــس مشهدًا صامتا‪ ،‬تقطعه بسؤالها اليومي‬
‫قبالتها‪ ،‬ألضــع الشريط النحيل في إن كنت عثرت على أي خبر عن أخي‬
‫موقعه على جهاز الفحص‪ ،‬وألصق الغائب‪ .‬أشعر بالدمامل تتفجر بداخلي‬
‫القلم الــذي ينتهي باإلبرة على باطن وأفكر‪ :‬هل تشعر بدنو أجلها؟ وما هذا‬
‫إبهامها‪ ،‬بعد وخزة سريعة‪ ..‬تنفر قطرة الــســؤال إال غــطــاء ت ــردم بــه مشاعر‬
‫الدم بصعوبة بينما تك ّز أسنانها‪ ،‬نقوم الخوف على ابنها الذي سوف يصارع‬
‫بذلك يوميا بحركة آلية‪ ،‬كأننا نمثل الدنيا عاريا ووحيدا‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫يعوي ذئب الحزن في أعماقها وتتنهد‪ :‬مفقودة‪  .‬ولكي أنقذها من هذه التراجيديا‬
‫سبحان من رد يوسف إلى يعقوب‪ .‬ولكي سألتها على سبيل المزاح‪ ،‬إن كانت وقعت‬
‫تخفي هواجسها وتــبــرر إلحاحها تعقِّب في غرام األب األرمل‪ ،‬وندت عنها ضحكة‬
‫قائلة‪  :‬إنها رأته مجددا في منامها البارحة تحرك على أثرها جسدها بكامله‪.‬‬
‫يلوِّح لها بسنابل القمح‪ ،‬وأسراب من الطيور‬
‫اليوم الخميس؟ سألت بصوت شاحب‪.‬‬
‫تحوم فــوقــه‪ .‬وأكملت كالمها على سبيل‬
‫وجــاءت إجابتي مصحوبة بإشارة نفي‪:‬‬
‫االعــتــذار عن روايــة التفاصيل‪ :‬إن روايــة‬
‫اليوم الجمعة‪.‬‬
‫الحلم على الــريــق يجلب النحس والفأل‬
‫ولم تعلق إال بقولها‪ :‬اهلل يجمعنا على‬ ‫السيء‪.‬‬
‫طاعته‪.‬‬
‫وأغمضتُ عينيّ ألرى من فوهة الجب‬
‫كانت تعالج مكان الــوخــزة في إبهامها‬ ‫ســمــا ًء صغيرة‪ ،‬وصــبـ ًّيــا تمضغه الوحشة‬
‫عندما سألتني عن‪  ‬مستوى السكر‪ .. ‬بينما‬ ‫وينتظره السجان‪.‬‬
‫ع ــادت تــحــدق فــي التلفزيون وتغمغم تصوب بصرها تجاه الشاشة‪.‬‬

‫عوضا عن إخبارها بأن السكر تجاوز‬ ‫بكلمات غامضة‪ ،‬وأسرت بها الذكرى إلى‬
‫جارتنا بتراء أم حسين قبل أن تشتتنا األيام طاقة العداد‪  ،‬داعبتها بالقول‪ :‬أنت عسل‬
‫مع اشتعال نيران الطفرة وارتحالهم بعد يا أماه‪ .‬فنحن (هي تعلم أنني عندما أقول‬
‫وفاتها‪ .‬تنشط ذاكرة الماضي عندما ال يجد نحن‪ ..‬فإنني أعني ذوي البشرة السوداء)‬
‫يجب أن نقيس نسبة العسل والموسيقى في‬ ‫المرء له عمال سوى انتظار الموت‪.‬‬
‫كنت يــا مــســرور أنــت وحسين تــوأمــان دمائنا!‬

‫وقــفــت ســورانــيــا على بعد خطوتين‪..‬‬ ‫تنامان على صــدري‪  ‬وتتقاسمان الحليب‬
‫معا‪ ،‬أرسله اهلل ليكون الواحد اثنين‪ ،‬بعد أن وأصـــدرت م ــواء صغيرا بعد أن ضبطت‬
‫نهش الخبيث صدر أمه ووضعته أمانة على مستوى الــصــوت فــي التلفزيون بالدرجة‬
‫الــكــافــيــة اللــتــقــاط الصهيل الـــذي انــدلــع‬ ‫صدري ورحلت‪.‬‬

‫وتــنــهــدت مـ ــرة أخــــرى وهـ ــي تــذكــرنــي على الشاشة‪ .‬كانت الحلقة األخــيــرة في‬
‫بالشامة السوداء في وجهه‪ ،‬ما جعلني أفكر‪  ‬المسلسل الذي ال تفوّت متابعته في قناتها‬
‫ال بالبحث عــن شــخــص‪ ..‬بــل عــن شامة األثــيــرة قــد ب ــدأت بمشهد حــصــان يخرج‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪68‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫من عاصفة غبار قاتمة عائدا بال فارس‪ ،‬النوافذ المعتمة‪ ،‬وتوقفت على مقربة من‬
‫وثمة صــورة مشوّشة لشيخ أشعث الشعر الدوامة غير المرئية‪.‬‬

‫لــو حــدقــت مــن عــلــو شــاهــق عــلــى هــذا‬ ‫تقترب منها الكاميرا لتظهر‪  ‬بالتدريج نقاوة‬

‫مالمحه وخصالت شعره الزرقاء‪ ،‬يقف في المكان المربع‪ ،‬لرأيت ما يشبه صورة لغرفة‬
‫مقدمة الخيمة واضعا راحــة يــده كمظلة العمليات‪ ،‬حيث يبتر رئــيــس الجراحين‬
‫واقية من الشمس والغبار‪  ،‬يتعقب بعينيه الجزء الفاسد من جسد المريض‪ .‬هذا‬
‫أثر الحصان القادم‪ ،‬وفي لحظات تضيع هو ما أقوم به أيضا‪ .‬وكالطبيب أخرج من‬
‫مالمحه وال يبقى سوى عينيه الذاهلتين‪ ،‬غرفة الجراحة وأتناول غدائي بشهية ال‬
‫ويطلق من قاع حنجرته صيحة جزع‪  ‬سوداء يعتريها أي تقزز!‬
‫ثم ‪ -‬بعد أن يتأكد من المعنى الذي تترجمه‬
‫كان كل شيء مرتباً‪ ،‬والحشود تتدافع‪ ‬‬
‫حركة الحصان اللولبية وهــو يــدور حول‬
‫وتــتــجــمــع عــلــى مــحــيــط الــســاحــة بعيون‬
‫نفسه ‪ -‬يجثو على ركبتيه بجوار موقد النار‬
‫مشدوهة‪ ،‬محدثة جلبة لم تتوقف إال عندما‬
‫ويسكب أباريق القهوة والشاي على النار‪ ،‬سمعنا طقطقة مفاصل الــبــاب الخلفي‬
‫لتنتقل الكاميرا إلى عمق الخيمة‪ ،‬فهناك ينفتح من الداخل‪ ..‬وقد حانت التفاتة من‬
‫امرأة تولول وتمزق شالها على أثر الصيحة‪ ،‬رجل ضئيل الجسد معصوب العينين كأنه‬
‫وتحدِّ ق في الرجل المنكبّ على بيت النار‪ .‬يفتش عن عينيه‪ .‬بدأت والجنود المكلفون‬
‫يتوقف المشهد قليال على خيوط الرمل بالمهمة في هذه اللحظات نتبادل الحديث‬
‫بواسطة اإليماءات لكي ال يشعر بوجودنا‪.‬‬ ‫بالتزامن مع موسيقى جنائزية حزينة‪.‬‬
‫قبل أن أخرج الطفتها وأديت لها تحية يستخدم اإلنــســان اإليــمــاءات؛ ألنــه يدرك‬
‫عسكرية‪ ،‬بعد أن تأبطت السيف النائم في بعكس الحيوان عبء وجــوده‪ .‬وربما كانت‬
‫هي الشيء المتبقي من الرقص الذي كان‬ ‫غمده منذ شهور‪.‬‬
‫اللغة األولى لإلنسان قبل أن يخترع الكالم!‬
‫وج ــدت الــدوريــة تنتظرني‪ ،‬نــزت منها‬
‫همس الضابط القريب من مؤخرة العربة‬ ‫وصــلــة م ــدوي ــة‪ ،‬وانــطــلــقــنــا إلنــهــاء بعض‬
‫اإلجــراءات المعتادة‪ ،‬ثم انتقلنا لنصل إلى بكلمات مقتضبة تصاحبها إشارة غامضة‪:‬‬
‫ساحة العدل مبكرا تحت حراسة الجنود‪ ،‬إنه يشعر بالصداع‪.‬‬

‫تقدم اثــنــان مــن الجنود عند الساعة‬ ‫وانتظرنا حتى وصلت العربة السوداء ذات‬
‫‪69‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الواحدة بالضبط‪ ،‬الموعد الــذي ستكون من الرأس الذي اليزال يتدحرج طريا ندت‬
‫أمي عندها تغالب النعاس وتصغي إلمام زفرة أخيرة تشبه الشخير (حسين)‪.‬‬

‫أهو خطأ في الكتابة‪ ،‬أفضى إلى خطأ‬ ‫هب‬


‫الــحــرم وهــو يختم خطبة الجمعة‪َّ .‬‬
‫جــنــدي ثــالــث لمساعدتهما فــي إن ــزال‬
‫في الــقــراءة انتهى بــدوره‪  ‬إلــى خطأ في‬
‫ما يشبه كتلة رخــوة من الباب الخلفي‪،‬‬
‫التوقيت‪ ،‬أم هو خطأ في الشخص‪.‬‬
‫يخاصرها اثنان أقل طــوال‪ ،‬ومشوا بضع‬
‫لست متيقنا تماما؛ ألن مشكلة القصة‬
‫خطوات باتجاه الموقع المخصص‪ .‬كان‬
‫أنها تروى بعد وقوع الحدث‪ .‬لكن المؤكد‬
‫ثوبه ناصع البياض وعنقه األقل بياضا من‬
‫أنــنــي رأي ــت تلك الشامة الــســوداء التي‬
‫جسده مكشوفا بال ياقة‪.‬‬
‫وهبتها له أمي على الصدغ األيسر كانت‬
‫ي ــدي م ــش ــدودة عــلــى مقبض السيف‬
‫بـــارزة‪ ،‬ربما كانت وشما أو أثــرا لجرح‬
‫والصمت يشيد فوقنا قبة خرساء ويطهو‬
‫أو وحمة أو قبلة محترقة‪ ،‬ورأيــت شيئا‬
‫المكان عــن آخ ــره إال مــن دبــيــب شاحب‬
‫يتدحرج ويرتطم بركبة امرأة وحيدة تجلس‬
‫يجرح الصمت‪ :‬معكم بنادول؟‬
‫في وضعية التشهد األخير كزهرة األبنوس‬
‫ب ــدأت طــقــوس الحفلة بــتــاوة البيان برفقة خادمتها اآلسيوية التي كفت عن‬
‫الــــذي حــفــظــه ال ــق ــارئ ع ــن ظــهــر قــلــب‪ ،‬المواء في الجوال‪.‬‬
‫واقتربت بخطوات النمر ألقف على مسافة‬
‫للحظات وجدت نفسي في مكان معتم‪،‬‬
‫مــدروســة‪ ،‬متأهبا وواثــقــا‪ ،‬أجــس بعينيين‬
‫بارد‪ ،‬بينما الرأس يتدحرج‪ ،‬ال أعرف إن‬
‫مدربتين‪  ‬فــقــرات العنق لتعيين الخط‬
‫كان رأسي أم رأس حسين أو رأسا متخيال‬
‫البياني الذي سيمر عليه بعد قليل لسان‬
‫لشخص ثالث ما يزال ممعنا في الغياب‪.‬‬
‫السيف‪ ..‬أصغي إلى الكلمات األخيرة في‬
‫التحيات هلل‪ ،‬يــتــدحــرج‪ ،‬والــصــلــوات‪،‬‬ ‫البيان في انتظار اللحظة التي تواطأنا‬
‫على أن تتزامن مــع الضربة الحاسمة‪ .‬يــتــدحــرج وينفجر كــالــصــنــدوق األســـود‪،‬‬
‫راسمًا والطيبات‪ .‬وفي خلفية المشهد تتناهى‬
‫كنت على وشك أن أهوي بالسيف ِ‬
‫قوس النهاية‪ ،‬انزلقت من شفرته ومضة إلى مسامعي جوقة أصوات مترامية قادمة‬
‫البرق‪ ،‬عندئذ تناهى إليّ اسمه في اللحظة من مكان بعيد‪« :‬ياحسين أنا عيني سهيرة‬
‫الضائعة‪ :‬حسن بن راشد بن حسين الراوي‪  .‬ما تذوق المنام»‪.‬‬
‫* قاص وكاتب من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪70‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫بذور المانجو‬
‫■ محمد الرياني*‬
‫أو ُّل لــيــلــة جــمــعــتــنــا‪ ،‬ك ــان ــتْ غــرفــة الكأس من يدها وشربته دون الحاجة‬
‫الــصــالــون الصغيرة بـــأروع مــا تكون‪ ،‬إلى أنبوب الشرب‪.‬‬
‫لونها األصفر الهادئ‪ ،‬الطاولة الصغيرة‬
‫اقــتــربــتْ مني بمقعدها وأصبحنا‬
‫الــتــي أخ ــذتْ لــون الــغــرفــة‪ ،‬المقعدان‬
‫متجاورين‪ ،‬بدأنا نستعيد الذكريات‪،‬‬
‫المتقابالن اللذان توشحا لون األصيل‪،‬‬
‫قالت ذات يوم جئتَ صغيرًا وبيدك حب ٌة‬
‫توسط الطاولة كأسان يمتآلن بعصير‬ ‫َ‬
‫من ثمار هذا العصير‪ ،‬وكانت تشير إلى‬
‫وقطع من الكعك الطازج‪ ،‬بينما‬ ‫ٍ‬ ‫المانجو‬
‫الكوبين الفارغين‪ ،‬أنــا أحــب المانجو‬
‫هي تتجمل في الغرفة المجاورة‪..‬‬
‫وأحتفل به عندما يزورنا موسمه‪ ،‬كنتَ‬
‫كنت أفكر في هــذا العصير؟ كيف تــأكــل ونفسي تــكــاد تــخــرج‪ ،‬قــالــوا لك‬
‫عرفت هذه الغريبة أنني أحب المانجو‬
‫أطعمها‪ ،‬وضــعــتَ يــدك خلف ظهرك‬
‫أو عصيره‪ ،‬لم أشأ أن أ ُعكّر أول ليلة‬
‫وقلت ال ال‪ ،‬ح ّــقــي‪ ..‬حـ ّقــي‪ ،‬انكسرتْ‬
‫بسؤال ربما يكون استفزازيًا‬
‫ٍ‬ ‫نلتقي فيها‬
‫نفسي‪ ،‬حفظتُها لك‪.‬‬
‫أو مثيرًا‪.‬‬
‫كـ ــبـ ــرتُ ‪ ..‬ونــبــتــتْ عــنــدنــا أشــجــار‬
‫حضرتْ وجلستْ في الجهة المقابلة‪،‬‬
‫المانجو‪ ،‬أصبحنا نأكل ونعصر‪ ،‬أعرف‬
‫كنتُ أشرب العصير البارد بشراهة عبر‬
‫أنك تحب المانجو بشراهة‪ ،‬أردتُ أن‬
‫األنبوب؛ بينما هي تنظر إليّ بابتسامة‬
‫أعاقبك على طريقتي‪.‬‬
‫س ــاح ــرة‪ ،‬وتــتــأمــل ه ــذا الـــذي يشرب‬
‫ضــحــكــتُ وبــكــيــتُ وهـــلَّ دمــعــي من‬ ‫بشراهة دون أن يشاركه أحد في هذه‬
‫المناسبة‪ ،‬أتممتُ شرب العصير حتى قولها‪ .‬حملتُ الكوبين إلــى الــداخــل‪،‬‬
‫أحدثتُ صوتا في قــاع الكأس وعيني وجدت ثمرتين‪ ،‬عصرتهما ومألتُ بهما‬
‫على الكأس اآلخــر‪ ،‬وأقــول في نفسي‪ :‬الكوبين‪ ،‬وضعتهما على الطاولة وبدأت‬
‫أسقيها‪ ،‬كانت تشرب وتضحك‪..‬‬ ‫لوال الحياء أللحقته بصاحبه‪.‬‬

‫قــلــتُ لها مــعــتــذرًا‪ :‬هــذا كــأس عن‬ ‫نطق لساني وقــلــت‪ :‬ل ـ َم ل ـ ْم تشربي‬
‫عصيرك؟ ضحكتْ بعمق وقالت‪ :‬هنيئا‪ .‬الطفولة‪ ،‬والثاني طلبا للسماح‪ .‬وضعتْ‬
‫بنفسها أنبوبة في جهتها‪ ،‬وأنبوبة في‬ ‫هو لك‪.‬‬
‫عندما رأيتها بهذه الجرأة‪ ،‬تناولتُ جهتي واقتسمنا كأس االعتذار‪.‬‬
‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ما يشبه القتل!‬
‫■ حنان بيروتي*‬

‫كــأنــي غــارقــة فــي نــوم ثقيل‪ ،‬لــم أم ــت‪ ،‬مستلقية على ســريــر فــي غــرفــة العناية‬
‫وعرفت الحق ًا أنــي أصبت بجلطة دماغية‪ ،‬ولم‬ ‫ُ‬ ‫وقعت أرضــا‬
‫ُ‬ ‫المركزة‪ ،‬أتذكر أنــي‬
‫أفقت وبت أسمع ما يدور حولي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أ َر غير غباش ثم ســواد‪ ،‬ال أدري كم امتد‪ ،‬لكني‬
‫عيناي مغلقتان ال أرى إال بطرف عيني اليمنى التي ارتـخــى جفنها عــن فــراغ‪،‬‬
‫يتحدثون عني بصيغة الغائب‪ ،‬الطبيب يقول‪ :‬هاي بعدها ما ماتت؟!‬

‫وحدي‪ ،‬أتذكر‪ ،‬أفكر بكل ما حدث معي‪،‬‬ ‫أمي وأبي يأتيان وهما يبكيان؛ لماذا‬
‫أبكي بال صوت‪ ..‬بال حركة‪ ،‬أنا مشلولة‬ ‫ك ُّل هذا الحزن؟ حتى أختي التي جاءت‬
‫ونائمة‪ ،‬ال أستطيع التحرك والتعبير‪،‬‬ ‫من أمريكا أراها ترتدي مالبس جديدة‪،‬‬
‫أتــســاءل‪ :‬مــا ال ــذي حــدث كــي تقترب‬ ‫أين هديتي؟ لماذا لم تحضر لي هدية‬
‫الممرضة مني وبيدها مقص‪ ،‬تسحب‬ ‫معها كما اعتادت؟‬
‫الطاقية الزرقاء الشفافة عن رأسي‪،‬‬ ‫أنــــا عــلــى قــيــد ال ــح ــي ــاة‪ ،‬فــلــمــاذا‬
‫أسمع صوتًا أنثويا بعيدا‪« :‬بكفِّيها اللي‬
‫يتصرفون كأني المرحومة مــع وقف‬
‫فيها‪ ،‬حرام»!‬
‫التنفيذ؟ الممرضة تقترب مني‪ ..‬ألمح‬
‫صوت قريب‪ :‬خسارة فيها هالشعر‪،‬‬ ‫اسمها المكتوب المعلق على صدرها‬
‫وأسجله في ذهني‪ ،‬أفكر بأني أتألم هي ميتة ميتة!‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪72‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫أســمــع صـــوت جـــ ّز ش ــع ــري‪ ،‬أبــكــي وال أستطيعه والشعور بالعطش‪ ،‬أحاول الطلب‬
‫أستطيع الدفاع عني‪،‬عن نفسي‪ ،‬لكني أبكي من الممرضة‪ ،‬أشير لها بيدي التي أستطيع‬
‫باختناق‪ ..‬بال صوت بعمق‪ ،‬ال أحد يسمعني‪ ،‬بالكاد تحريكها‪ :‬إني أريد ماء‪ ..‬أطلب ماء‪،‬‬
‫أحس بدمعة تسيل على لكنها تضحك بال مبرر‪ :‬ماذا تريدين‪ :‬قهوة؟‬ ‫َّ‬ ‫يحس بي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ال أحد‬
‫جانب خدي حيث ثُبِّت رأسي جانبيا‪ ،‬تلقي‬
‫«بدك نيجي نشرب قهوة معاً»؟‬
‫بخصلة شعري األســود الفاحم الذي ربيته‬
‫تضحك تضحك‪ ،‬لماذا تكثر من الضحك‬ ‫من عمر على األرض أمامي‪ ،‬أتخيل منظر‬
‫المقزز؟ الضحك من طرف واحد مع آخر‬ ‫شعري المجزوز على البالط‪..‬‬
‫يكابد األلم الجسدي والنفسي‪ ..‬أمر مؤلم‬
‫ذاكرتي تحتفظ بنثار من مشاهد متفرقة‬
‫يشبه القتل‪ ،‬تواصل ضحكها وأواصل ترديد‬
‫تشكل في مجملها فسيفساء موجعة‪ ،‬أتذكر‬
‫حــروف اسمها مــن البطاقة المعلقة على‬
‫كيف يغسلون المريض فــي غرفة العناية‬
‫صدرها‪ ،‬أنقشها في ذاكرتي‪ ،‬أرددهــا كيال‬
‫المركزة بالبربيش‪ ..‬كما تنظف السيارة‬
‫تتوه مني‪..‬‬
‫المتسخة‪ ،‬وكيف كانوا يرشقونني بالماء‪،‬‬
‫ك ّل شيء يتحول إلى ذكريات‪ ،‬تداعيات‬ ‫ويتركونني منقعة بالبلل المزعج‪ ،‬يلبسونني‬
‫تتدفق لذاكرتي بعد استفاقتي من الغيبوبة‪،‬‬ ‫بخشونة كأني قطعة لحم ميتة‪!..‬‬
‫أسمعهم يتحدثون «مين مات اليوم؟ هذا أول ما استطعت لفظه هو حرف» م ممممم‬
‫م ــات‪ ،‬يسحبونه ويكفنونه‪ ،‬ثــم بــكــاء أهله تحول ل مماما‪ ،‬وكانت أمي التي استقالت‬
‫وأقاربه‪ ،‬تذمر الممرضات وشكوى األطباء‪ ..‬من وظيفتها لمرافقتي‪ ،‬وواصلت رعايتي‬
‫ال كأني عــدتُ طفلة رضيعة فــي حضانتها‪،‬‬ ‫أنام‪ ،‬ال أعــرف‪ ..‬لكن النوم يأخذني طوي ً‬
‫طــوي ـاً؛ ألنــي عندما أستفيق أرى موضع ربما ضاعت مني تفاصيل كثيرة في تالفيف‬
‫األســـــرّة ف ــارغ ــا‪ ،‬إنــهــم يــشــطــفــون األرض الجلطة الدماغية التي أصبت بها‪ ،‬لكن ما‬
‫ويغيرون شراشف األسرّة لعلهم يودعون أحد ال أنساه هو تقدمي بشكوى ضد الممرضة‬
‫رفاقي‪ ،‬الموت هو الزائر الحميم هنا‪ ،‬بعض التي جزت شعري وأســاءت معاملتي كأني‬
‫األمكنة تفتقد فيها الدهشة فتستعيض عن جثة‪ ،‬ما أزال أذكــر محاولتها اإلنكار‪ ،‬لكن‬
‫الرتابة بالتكرار‪ ،‬هنا يتكرر الــمــوت‪ ،‬لكن اسمها منقوش في ذاكــرتــي‪ ،‬ما أزال أذكر‬
‫استقباله بارد‪ ،‬كأنه اعتيادي قريب ومتوقع صوتي وحروفي مثقلة بلساني الثقيل‪ ..‬وأنا‬
‫وربما منتظر‪ ،‬ال أحد يخاف منه كأنه صديق أكــرر شــكــواي‪ ،‬ووجــه الممرضة المنصدم‬
‫كثير الــزيــارة‪ ،‬البكاء األخ ــرس أقــصــى ما بدهشة من رأى ميتا يرجع للحياة!‬
‫ * قاصة من األردن‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫خليلي زورا‬
‫‪ρρ‬أحمد املتوكل بن علي النعمي*‬
‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــيّ زورا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــل ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ص ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫وإن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا درب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّا ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــر س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــاه ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ال ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫ورِ قّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دنـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه أو يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬
‫وال ت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ــإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي‬
‫ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدب ـ ـ ــا‬
‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارك اهلل فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــا‬
‫ـدت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوال لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن آذت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــق غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادةٌ‬
‫أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟‬
‫أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــا وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــب ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوة‬
‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ن ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــوه ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى هـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟‬
‫أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــو إذا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ــا‬
‫أم ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأس ي ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟‬
‫أال لـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــت ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــف جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َْصـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــدٍّ بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن ذقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــا؟‬
‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودة‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ضـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا‬
‫أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ــا أنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا‬
‫بـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــوان ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى يـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــل الـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا؟‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪74‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــص ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــظ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــت أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ــرا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدثـ ـ ـ ــت‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرت ب ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ح ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــة‬
‫وذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أوهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط والـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا‬
‫أال عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ــي واعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أن ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي‬
‫ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وال ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن طـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــت حـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ــرا‬
‫وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــى‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــت ي ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوءة‬
‫ت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــع أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري وت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا‬
‫وإن دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي وأضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي‬
‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب ـ ـ ـ ـ ــت صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ــا‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ل ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت شـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ــا ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــدب ـ ـ ـ ــا‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذاق شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــان حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـي ـ ـ ـبـ ـ ــة‬
‫س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا راق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــة‬
‫ي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا وارت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ــا‬
‫واسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــب ْ‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ــري وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي سـ ـ ـكـ ـ ـب ـ ــا‬
‫وإن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ــألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــدع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي رأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا ي ـ ـ ـ ـ ــواسـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا يـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون لـ ـ ــي‬
‫صـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــل أو ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوب ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ــا؟‬
‫‪75‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرِّقُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــة‬
‫ـرب ي ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــا‬ ‫وإن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ــي وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــي وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي‬
‫عـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج بـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءه عـ ـ ـ ــذبـ ـ ـ ــا‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق إال مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ــي‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــة والـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــت ذا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأصـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء ب ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا‬
‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ن ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدً ا‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم بـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــى خ ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫ـال وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرٍ‬
‫أال إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ضـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ــا‬
‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًأ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ــت أم ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت رغ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي‬
‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫وأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــي أن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذل لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫وإن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق ل ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوام الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــى‬
‫إذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي أوق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ركـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ي ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــاق بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـل ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري بـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـص ـ ـ ـع ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ذل انـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاره‬
‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذن ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا‬
‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اشـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــى‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــاه ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه غ ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـ ــى لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــى زم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعً ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫آلت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٍ‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪76‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫متاهة الحزن‬
‫ِ‬ ‫سفر في‬
‫■ حسني صميلي*‬

‫يا ليتَما‬ ‫‏مُ سافرٌ ‪..‬‬


‫ثمَ رٌ يرجو ُه من َتع ٍَب يَذروهُ‪ ..‬حَ ُّظ فؤادي‬ ‫العيس‬
‫ِ‬ ‫درب من‬
‫و الجوى ٌ‬
‫نكوس!!‬
‫ِ‬ ‫ِجدُّ مَ‬ ‫ينوءُ ثق ًال بما تحوي أحاسيسي‬

‫مسافرٌ ‪..‬‬ ‫األشواق‬


‫ِ‬ ‫حملت من رَهَ ِق‬
‫ُ‬
‫القواميس! ما الذي ألقا ُه في سَ فرٍ‬
‫ِ‬ ‫الالت في أ ِّم‬
‫ما عجزتْ عنهُ ال ّ َد ُ‬
‫َنفيس!‬
‫تضيقُ أحالمُ هُ عن كلِّ ت ِ‬
‫ليت بهِ‬ ‫ماذا سأشرحُ عن بُعْ ٍد َص ُ‬
‫عت‬
‫وما جزِ ُ‬ ‫بالدمع طو ًال‬
‫ِ‬ ‫قاس‬
‫يُ ُ‬
‫ولكنِّ الحيا َة قَسَ ْت‬ ‫المقاييس؟!‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫َيئيس‬
‫النفس عن ضعْ ٍف وت ِ‬
‫َ‬ ‫تُراودُ‬
‫مسافرٌ ‪..‬‬
‫بعض أمتعتي‬
‫و حنيني ُ‬
‫الطاغي بأوردتي‬
‫تجاس َر الوَجعُ ِّ‬
‫ِ‬
‫الكراريس‬
‫ِ‬ ‫أدسهُ قَلق ًا بينَ‬
‫ُّ‬
‫َّواميس‬
‫ِ‬ ‫َنشدُ حَ َّ ًل في الن‬
‫ورا َح ي ُ‬
‫متى يُ فيقُ زمانٌ عن مراوغتي‬
‫ضاقت بأحرفِ ها‬
‫ْ‬ ‫ور َُّب أسئلةٍ‬ ‫يدو ُر بي في مَ سارٍ غي َر‬
‫تدليس‬
‫ِ‬ ‫ترومُ أجوبةً من غيرِ‬ ‫دروس!‬
‫ِ‬ ‫مَ‬

‫وال انعتاقَ‬ ‫أرخصت‬


‫ُ‬ ‫أنا المَ لومُ بما‬
‫ُلت في صبرِ ها‬
‫يروِّي مُ هجةً َذب ْ‬ ‫من وَجَ ٍل‬
‫األباليس‬
‫ِ‬ ‫تتَّ قي كي َد‬ ‫نحوس!‬
‫ِ‬ ‫قلبي أُدثِّ رُ ُه أفكا َر مَ‬

‫هو القضاءُ‬ ‫الحلْمُ‬


‫ِ‬
‫وال مثلَ القضاءِ رضى‬ ‫شَ رعتُ هُ الكُ برى‪ ،‬وآفتُ هُ ال َنّكرا‬
‫الهواجيس!‬
‫ِ‬ ‫أذودُ عنِّي به جم َر‬ ‫وتبخيس!‬
‫ِ‬ ‫على َكدَرٍ يَضوي‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫جرى مدادي‬
‫‪ρρ‬سعاد الزحيفي *‬
‫جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدادي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ والحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــدُّ غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬
‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــي رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـخ ـ ـ ــرت ـ ـ ــي‬
‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اس ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ج ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـف ـ ـ ــو وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــوق ت ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ــره‬
‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــع يـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــري ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـشـ ـ ـت ـ ــدُّ‬
‫ـرأت ك ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــهِ‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫إال وأ ّرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬
‫ـزات ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــه‬‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذا جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد ضـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــدُ‬
‫هلل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٌ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــار ُتـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادُ أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد واأل ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر ت ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬
‫م ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرٍ وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا القـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـمـ ـ ـع ـ ـ ْـت‬
‫ـش ف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــدُ‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫و أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــت عـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــه‬
‫األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــري وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاورنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــزلـ ـ ـ ــي ْ‬
‫ـوف ومـ ـ ـسـ ـ ـغـ ـ ـب ـ ــةٍ‬ ‫و خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَقَ ال ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــاس فـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف وال ح ـ ـ ـ ــدُّ‬
‫إ ْذ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّزبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــدر ت ـ ـ ــوع ـ ـ ــده ـ ـ ــم‬
‫و أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــم وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬
‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل م ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــةٌ‬
‫ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــةٌ ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــر تـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدُّ‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪78‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ جـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـبـ ـ ــرم ـ ـ ـت ـ ـ ـهـ ـ ــا‬
‫تـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـه ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــور ي ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــدُّ‬

‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقَ ال ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرُ ري ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ال مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّد ل ـ ـهـ ــا‬


‫و ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــره مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ًا سـ ـ ـ ـع ـ ـ ــدُ‬

‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــة ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬


‫ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا اسـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ًا وال ردُّ وا‬

‫اهلل أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ واألي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامُ ت ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ـ ــم‬


‫ـدل وال نـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ مـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــم ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬

‫وإن ف ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــم رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل مـ ـ ـ ـ ــرشـ ـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ـ ــم‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اهلل ف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيُ مـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدُّ‬

‫ـس مـ ـ ـ ــن َص ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ــبَ ال ـ ـ ـم ـ ـ ـخ ـ ـ ـتـ ـ ــا َر كـ ـ ـي ـ ــف ل ـه ــم‬


‫يـ ـ ـ ــا ُأ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫أن يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــروا عـ ـ ـ ـن ـ ـ ــه أو ي ـ ـ ـس ـ ـ ـلـ ـ ــو لـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وج ـ ـ ـ ـ ــدُ‬

‫ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـن ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـتـ ـ ــه‬
‫وا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـش ـ ـ ـتـ ـ ــدُّ‬

‫و ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــس مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٌ فـ ـ ـنـ ـ ـمـ ـ ـلـ ـ ـك ـ ــه‬
‫إال ال ـ ـ ـ ـ ــرض ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ْا ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــن وال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــدُ‬
‫* شاعرة من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫قصة حزن‬
‫‪ρρ‬سما ُيوسف*‬
‫تتثاءب بـيـنَ‬‫ُ‬ ‫دعوت الرياح َ التي‬ ‫ُ‬
‫جـذوعِ الـشـجـرْ‪..‬‬
‫إلى غــرفـتي‬
‫أتـتـني‬
‫ـرأت لها‪ :‬ما كـتـب ُـت أخـيرً ا‬ ‫ق ُ‬
‫(بـكـي ُـت)‬
‫ـزن‬
‫روي ُـت لها قصـ َة ال ُـحـ ِ‬
‫أصـغ ْـت‬
‫وأصـغـى السـهـ ْر‬
‫و ُرح ُـت لـها أسـردُ الـوقـتَ‬
‫أغـزلُ ِمـن خـي ِـطـه الـحال ِـم ال َّل ـو ِْن‬
‫ِشـعـرً ا‬
‫وألـع ُـب في شَ ـعـرِ ها الكستنائيِّ‬
‫والليلُ يمضي‬
‫وحط على مقلتيهـا‬ ‫َّ‬
‫الـمـنـامُ‬
‫تـرك ُـت لـهـا في فـراشي‬
‫مـكانـًا صـغــيرً ا‬
‫َـت‬
‫فأغـف ْ‬
‫وأغـفـى الـقـم ـ ْر‬
‫ـوت الـشـجـرْ!‬ ‫وقـم ُـت دع ُ‬
‫فـجـا َء‬
‫بـطـيـئـًا‬
‫يُ ـجَ ـرجـرُ ‪..‬‬
‫ـف ُخـطـا ُه لـيـالي‬ ‫خـل َ‬
‫الـضـجـرْ!‬
‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪80‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ٌ‬
‫وخليل‬ ‫ِخ ٌّل‬
‫‪ρρ‬عبدالهادي الصالح*‬
‫نـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـب ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـس ـ ـ ـي ـ ـ ـج ـ ـ ـ ًا‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـل َزخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬

‫ـس إن ُتـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬


‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ وردُ‬

‫فـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـب غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ــى إ ْذ تـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ــى‬


‫و َرص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر‬ ‫ـاب‬
‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ووِ رْدُ‬

‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ُث أم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ ال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي‬


‫ـوض مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ــا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ‪..‬؟‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬

‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم أو تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا ُه‬


‫ـواق ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ّإل ح ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٌ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬

‫‪81‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وأس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا‬
‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه دفّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬

‫ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـب‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫أأروي‬


‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزوغُ الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِـس إذع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ‪..‬؟‬

‫ـرح ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــي‬


‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـال عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ِخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـل َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬
‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى شـ ـ ـ ـ ـ ــذاهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا َره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ُّد‬

‫وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألُ قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــيَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّاقَ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاّ‪..‬‬


‫ـان ن ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ‪..‬؟‬
‫رأى يـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ت ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ــى إ ْذ ت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ــى‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاألف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬

‫ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ِث ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ عـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــهُ‬


‫فـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‬

‫ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪!..‬‬


‫وأيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ٌر يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردُ‬

‫ـرش روحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬


‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـل ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـروح م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد‪..‬؟‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــلْ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ * أكاديمي وشاعر من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪82‬‬


‫أنثى السحاب‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫‪ρρ‬جناة املاجد*‬

‫ـال كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ــان ـ ــي‬ ‫أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِـت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ذاتَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ِـت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــدي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وجـ ـ ـ ـ ـ ــدانـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـواك واسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــرتـ ـ ـن ـ ــي‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـن ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّ‬
‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِ ّـك ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أح ـ ـ ـيـ ـ ــانـ ـ ــي‬
‫ـال عـ ـ ـ ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا روض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاب كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أضـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــان ـ ــي‬ ‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـوعـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـنـ ـ ــيَ األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواقُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ َو رب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــدّ ت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ــا أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــان ـ ـ ــي‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــودِ خـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َة ش ـ ـ ــاع ـ ـ ــرٍ‬
‫ـان‬
‫يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــو َر بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـسـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ِ‬
‫ـرت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ َم خـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــاره ـ ــا‬ ‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـان‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدهـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ‬
‫غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ َد األك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ مُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي ع ـ ـش ـ ـق ـ ـهـ ــا‬
‫ـزالن‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ِ‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ هِ لـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــالِ ـ ـهـ ــا‬
‫ـدران‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــت إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدان ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ــاؤنـ ـ ــا‬ ‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـان‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــوطـ ـ ــةِ األركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـأرضـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َخ ب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـان‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـلـ ـ ـت ـ ــهُ شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ‬
‫ـاب إذا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ‬ ‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ‬
‫ـان‬ ‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ونَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـوف ش ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــلُ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ َم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـيـ ـ ـ ِ‬
‫ـان‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــد ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــوقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـه ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ بـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫ـان‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ م ـ ـ ـ ـ ـ ــوض ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـوب ع ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا‬ ‫ـك ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــةُ فـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ‬
‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوتُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذبِ األلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ‬
‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫كمال الحب‪..‬‬
‫‪ρρ‬عبدالعزيز موسى احلكمي*‬
‫جمال قبل وجهك‬
‫ٌ‬
‫كم يهونُ !‬
‫وعيش دون وصلك ال يَكُ ونُ‬
‫ٌ‬

‫وحب في المالمح قد تجلّى‬


‫ٌّ‬
‫وهل تخفى اللواعجُ‬
‫والشجونُ ؟!‬

‫ترتّلُ عينيَ السَ كرى كتاب ًا‬


‫روا ُه الحسنُ ‪..‬‬
‫قسمهُ الجنونُ‬
‫ّ‬

‫وينشد قلبي المشتاقُ لحن ًا‬


‫تردده البالبلُ‬
‫والغصونُ‬

‫مفردات‬
‫ٌ‬ ‫سنك‬
‫تضيعُ أمام ُح ِ‬
‫بديها التشوّقُ‬
‫فيُ ِ‬
‫والفتونُ‬

‫حرف‬
‫ٌ‬ ‫الحب‪ ..‬حين يتو ُه‬
‫ّ‬ ‫كمال‬
‫فتحكيهِ الخوافقُ‬
‫والعيونُ‬
‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪84‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫واحة الحب‬
‫‪ρρ‬فرح الزهراني*‬

‫‏يـ ـ ـ ـ ـ ــا واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب كـ ـ ـ ـ ـ ــم أمـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ِـت أرواح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫ـرسـ ـ ـ ـ ـ ــا وأفـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‏وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أق ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت‪  ‬ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى عـ ـ ـ ـ ـ ـ ً‬
‫‏ك ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي اعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ــا زيـ ـ ـ ــارت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬
‫وب ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم يـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــاج مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ــاح ـ ـ ــا‪ ‬‬
‫يـ ـ ـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب هـ ـ ـ ـ ـ ــل تـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ــاك أف ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ــدةٌ‬
‫‏وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـن ـ ـ ـب ـ ـ ـصـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــوق فـ ـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـ ــا؟!‬
‫‏أك ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ط ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــر أط ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي‬
‫‏ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ــى‪  ‬ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك‪  ‬ص ـ ـ ـ ــدّ اح ـ ـ ـ ــا‬
‫ورحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــس مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ أودعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا أمـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي‪ ‬‬
‫‏ت ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـ ـ ــاه حـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى يـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــر‪  ‬إصـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاح ـ ـ ــا‬
‫‏واهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬إذا مـ ـ ـ ـ ــا ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر واس ـ ـ ـت ـ ـ ـب ـ ـ ـقـ ـ ـ ْـت‬
‫‏نـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي ل ـ ـ ـت ـ ـ ـس ـ ـ ـكـ ـ ــب دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــد‪  ‬أقـ ـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‏أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود أنـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــث ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا‬
‫‏ي ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ــح عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‏يـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ِّـب أسـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح مـ ـ ـ ــن عـ ـط ــش‬
‫‏وأش ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــة األعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق‪  ‬م ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــاحـ ـ ــا‬

‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ُ‬
‫مالذ العاشقين‬
‫‪ρρ‬محمد جابر مدخلي*‬

‫ـرك شــاكيا‬
‫َو َلــمْ ألتفـ ْـت يومً ــا لغيـ َ‬ ‫ـك البواكيــا‬
‫حَ زِ ْنـ ُـت‪ ..‬وآوتنــي إليـ َ‬
‫ـرك ســاقيا‬
‫وحولــتَ غيماتــي بِ قَفْ ـ َ‬ ‫ـك أيقظــتَ الحنــانَ بداخلــي‬
‫ألنـ َ‬
‫ـات الزهــور الشــواذيا‬
‫وأنــت صباحـ ُ‬ ‫فأنــتَ مــاذُ العاشــقين بليلهــمْ‬
‫إذا مــا ادْ َلهــمَّ الخطـ ُـب حولــيَ جاثيــا‬ ‫وأنــتَ صديقــي بــل أنيســي بخلوتــي‬
‫أغ ْثنــي‪ ..‬فأيــامُ الحنيــن صواديــا‬ ‫الشــعرُ ‪  ‬المُ خالـ ُـط فــي دمــي‬
‫أال أيهــا ِّ‬
‫ـاب ت ُْخفــي عذابيــا‬
‫بِ جَ انحــةِ األوصـ ِ‬ ‫ـروف قصيدتــي‬
‫ـك واندسـ ْـت حـ ُ‬
‫حنانيـ َ‬
‫ـكاب الدمــوع كتابيــا‬
‫ويســجنُ تِ ْسـ ُ‬ ‫ـات بيــن ســطوره‬
‫تطاردنــي اآلهـ ُ‬
‫ألمواجــك الخجلــى مَ خَ ـر ُْت عُ بابيــا‬ ‫عَ ِط ْشـ ُـت وأضن ْتنــي مــن الهجــر لوعــةٌ‬
‫ـماوات أفــكاري ت ُِجيـ ُـب نِ دائيــا‬
‫ِ‬ ‫سـ‬ ‫ـس ِشــعْ رً ا لكــي أرى‬
‫ورحـ ُـت أُمَ ِّنــي النفـ َ‬
‫ـض نفســي كــي أبــو َح بمــا بيــا‬
‫أرى بعـ َ‬ ‫ِلمتــا َح فــي بيـ ِـت القصيــدةِ ع ّلنــي‬
‫ألشــد َو فــي ليــا ُه عَ ــذْ بَ لياليــا‬ ‫فأعصــر ُه حي ًنــا بلحــن صبابتــي‬
‫جلــو َد األفاعــي كــي يُ َبـ ِ ّـد َد ذاتيــا‬ ‫وحي ًنــا بــدا عصيا ُنــهُ مُ َتق َِم ًصــا‬
‫يَنِ ــدُّ ‪ ..‬ويبقينــي أردد مــا ليــا؟!‬ ‫وتــار ًة‬ ‫قليـ ًـا‬ ‫نحــوي‬ ‫أُجاذِ ُبــهُ‬
‫ـض العواديــا؟!‬
‫فكــمْ َقــدْ تواعدنــا نُغِ يـ ُ‬ ‫الصــدُ يــا حَ رْفً ــا تَغلغــلَ فــي دمــي‬
‫لِ ـ َم َّ‬
‫ليحج َبهــا عــن ناظــريَ الشــوانيا‬ ‫َولَكِ ــنْ مــع األيــام مــادت وعودُ نــا‬
‫ُتشــاركُ ني هــمَّ الليالــي الشــواظيا‬ ‫ـورك ســلوةٌ‬
‫أيــا شــعرُ هــل لــي فــي بحـ َ‬
‫ـقتك لح ًنــا ثــم جئتــك شــاديا!!‬
‫عشـ َ‬ ‫فأنــت أنــا يــا مــن أكــون ومــن أنــا‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪86‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫كاترين دو كوبيه*‪:‬‬

‫الشاشات كوسيلة تعليمية‬


‫هل يجب استخدامها أم تجنبها؟‬
‫الطفَ ْيل**‬
‫■ ترجمة‪ :‬د‪ .‬فيصل أبو ُّ‬

‫من الحاسوب إلــى الهاتف النقال‪ ،‬غــزت الشاشات الحياة اليومية لألطفال‬
‫والمراهقين‪ ،‬فهل بإمكانها أن تعود عليهم بالنفع في المنزل أو في المدرسة؟‬
‫معطى جديدً ا في مجال التربية‪ ،‬فهي في المقام األول‬
‫قبل أن تصبح الشاشات ً‬
‫كلمة فضفاضة تخضع الستيهامات متكررة‪ .‬وإذ ليس بإمكاننا االستغناء عنها‬
‫في حياتنا اليومية‪ ،‬فإن الشاشة أو الشاشات (إذا كنا نقصد بهذا الجمع التقنيات‬
‫الرقمية وحواملها مثل‪ :‬الهاتف الذكي‪ ،‬والحاسوب‪ ،‬واللوحة اإللكترونية) تقع في‬
‫صميم الخطابات االستقطابية‪ ،‬وذلك بمجرد أن نتساءل عن موقعها في حياة‬
‫الناشئين‪.‬‬

‫وهـ ــذا الــمــوقــف الــمــضــطــرب نجده‬ ‫‪Elena‬‬ ‫وتــاحــظ إيلينا باسكيليني‬


‫على صعيد المؤسسات‪ :‬فتارة يحظى‬ ‫‪- Pasquinelli‬وهي باحثة في مجال العلوم‬
‫استخدام التكنولوجيات الرقمية في‬ ‫اإلدراكية وعضوة في مؤسسة المان أال‬
‫المدارس بالتشجيع‪ ،‬وتــارة يتم إهماله‬ ‫بات(‪ ،)١‬وأستاذة مشاركة في معهد جون‪-‬‬
‫تبعا للخطط المتعاقبة التي تم إرساؤها‪.‬‬ ‫نيكود التابع للمدرسة العليا لألساتذة‬
‫‪ -l’institut Jean-Nicod de l’ENS‬أنه «فيما‬
‫التأثير في النوم وفي اللغة‬
‫يتعلق بظهور التكنولوجيات الجديدة‪،‬‬
‫ما يهيمن بشكل كبير خالل السنوات‬ ‫فنحن نتأرجح بين التفاؤل الالمحدود‪،‬‬
‫وبين الخوف من خطر فقدان االنتباه‪ ،‬الــقــلــيــلــة الــمــاضــيــة ه ــو عـ ــدم الــثــقــة‪.‬‬
‫أو خطر آخر نتخيله وهو خطر اإلدمان»‪ .‬فاستخدام الشاشات في المنزل يشكّل‬

‫‪87‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫موضوع خطاب وقائي أرسى معالمه الطبيب مع الشاشة ينبغي أن تراعى فيه التربية عند‬
‫النفسي سيرج تيسيرون ‪ ،Serge Tisseron‬األبناء واآلباء معا‪.‬‬
‫وال يخلو سياق الوقاية هذا‪ ،‬والذي تشرف‬ ‫وروجــــت لــه ضــمــن هــيــئــات أخـ ــرى عــديــدة‬
‫أكاديمية الطب سنة ‪2013‬م‪ ،‬وكذلك مؤخرًا عليه بــصــورة مــشــروعــة هيئة األطــبــاء‪ ،‬من‬
‫كل من الجمعية الفرنسية لطب األطفال ‪ la‬تداعيات على المجال المدرسي‪ .‬فبإمكان‬
‫عـــدد مــن الــمــدرســيــن ‪-‬بــمــن فيهم الجيل‬
‫ٍ‬ ‫‪ Société française de pédiatrie‬واالتحاد‬
‫الوطني للجمعيات األسرية ‪ l’Union nationale‬الشاب‪ -‬أن يستوعبوا هذا الخطاب الوقائي‪.‬‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬تظل ممارسات المراهقين في‬ ‫‪.)des associations familiales (Unaf‬‬
‫الغالب أكثر ذكــاء مما قــد نعتقده‪ ،‬خاصة‬ ‫إن «التعرض للشاشات» بشكل مبكر ومطوّل‬
‫عندما يتعلق األمر بالبحث عن معلومة ما‪.‬‬ ‫يشكّل خطرًا على نمو الطفل‪ ،‬وبخاصة عند‬
‫وقد خلصت آن كورديي ‪- Anne Cordier‬وهي‬ ‫الفئة التي تقل أعمارها عن ثالث سنوات‪:‬‬
‫أستاذة محاضرة في مجال علوم المعلومات‬ ‫ويشمل هــذا الخطر تأثيرًا في النوم‪ ،‬وفي‬
‫واالتــصــاالت بمدينة روان ‪ ،Rouen‬ومؤلفة‬ ‫الــتــفــاعــات االجــتــمــاعــيــة‪ ،‬واحــتــمــال تأخير‬
‫كتاب‪« :‬أن ننمو موصولين باألنترنت» ‪Grandir‬‬ ‫القدرة على الكالم‪ ،‬إلخ‪ ..‬ومن بين األمور التي‬
‫‪ connectés‬الصادر سنة ‪2015‬م‪ -‬في بحث‬ ‫تقوم عليها الوقاية تطبيق القانون الموسوم بـ‪:‬‬
‫معمق أجرته على (‪ )15‬شابًا وشابة تابعوا‬ ‫«‪ »12/9/6/3‬الذي يوجّ ه اآلباء والمربين إلى‬
‫دراســتــهــم مــن السنة األول ــى بــاكــالــوريــا إلى‬ ‫«استخدام عقالني للشاشات» بحسب السن‪.‬‬
‫الماستر‪ ،‬منذ سنة ‪2012‬م‪ ،‬خلصت هذه‬ ‫وتستند األبحاث في هذا المجال إلى سلوك‬
‫الباحثة إلى أن الويب هو مجرد قناة واحدة‬ ‫اآلباء الذين يرفّهون عن أنفسهم باستخدام‬
‫للمعلومات من بين قنوات أخرى‪ .‬وأن كثيرا‬ ‫الشاشات خالل الزمن الذي يتقاسمونه مع‬
‫من الشباب يستطيعون الوصول إلى محتويات‬ ‫أبنائهم‪ .‬لقد بات من الواضح اآلن‪ ،‬أن تعاملنا‬

‫الصورة تمثل عنصراً مهماً في الشاشات اإللكترونية‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪88‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫األجهزة اللوحية وشاشات الجوال تستهلك جزءاً ملحوظا من أوقات قطاع الشباب‬

‫الزمن‪ ،‬فهو سيرورة طويلة األمد»‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫تنتجها الصحافة التقليدية‪ ،‬حتى ولو اقتضى‬
‫يتعامل دماغنا مع الشاشات بطريقة خاصة‪:‬‬ ‫األمر أن يطّ لعوا عليها باستخدام تطبيقات‬
‫إذ يمكّننا استخدامها مــن تطوير عمليات‬ ‫رقمية‪.‬‬
‫إدراكــيــة جــديــدة‪ ،‬إذ يتكيّف دمــاغــنــا معها‬
‫ويــحــيــل ســــؤال ال ــش ــاش ــات أيــضــا على‬
‫بطريقة أو بأخرى‪ .‬وهناك وه ـ ٌم آخــر تجاه‬
‫تأثيرها في التعلمات‪ ،‬سواء أكان هذا التأثير‬
‫العالقة الموجودة بين الشاشة والذاكرة‪ .‬وهنا‬
‫إيجابيًا أم سلبياً‪ .‬فهناك خيط رفيع يفصلنا‬
‫توضح إيلينا باسكيليني أنه «تحت ذريعة أن‬ ‫ّ‬
‫عــن التفكير فــي أن الــشــاشــات قــد غيرت‬
‫جميع المعلومات متوافرة في الويب‪ ،‬يمكننا‬
‫دمــاغــنــا‪ »...‬إذ لم يتغير دماغنا كثيرا منذ‬
‫أن نستغني عن الحفظ‪ .‬والــحــال أن جميع‬
‫ال مايزال عاجزًا عن‬ ‫ظهور الشاشات‪ ،‬فهو مث ً‬
‫األبحاث تبيّن أنــه لكي يكون دماغنا قــادرًا‬
‫التركيز على شيئين في آن واحــد باستثناء‬
‫على البحث عن المعلومات‪ ،‬فال بد له من أن‬
‫الحركات التلقائية»‪ ،‬وفق ما تنص عليه إيلينا‬
‫يحفظ بعضها»‪.‬‬
‫باسكيليني التي اضطلعت بتنسيق الوحدة‬
‫طرائق جديدة في التدريس‬ ‫البيداغوجية‪« :‬الشاشات‪ ،‬الدماغ‪ ،‬والطفل»‬
‫تسائل التكنولوجيات الحديثة طرائق‬ ‫«‪ »les écrans، le cerveau et l’enfant‬لفائدة‬
‫المدارس االبتدائية‪ .‬وفي هذا الصدد يضيف التدريس‪ .‬وتشير إيلينا باسكيليني إلــى أن‬
‫إريك برويار ‪ Eric Bruillard‬ما يلي‪« :‬يُبنَى التعلم «الــشــاشــة هــي شــيء مــســلٍّ ‪ ،‬وبــهــذا المعنى‬
‫انطالقا من تنوع في التجارب‪ ،‬ومن تكرار في فهي تغيّر قدرتنا على االنتباه عندما تكون‬
‫‪89‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫أنه «إذا كانت النصوص الرسمية في فرنسا‬ ‫قريبة منا»‪ .‬فال ينبغي إذاً‪ ،‬أن نطلب منها‬
‫تــدرج الوسائط الرقمية في مجال التربية‪،‬‬ ‫كل شــيء‪ ..‬وإنما علينا أن نتساءل عن نوع‬
‫فــإن الممارسة العملية ال تواكب دومــا هذه‬ ‫االستخدامات التي تتيح لنا إمكانية إثــراء‬
‫النصوص»‪ .‬فعلى المستوى التطبيقي غالبا‬ ‫التعلم‪ :‬ففي المؤسسات المزوّدة باللوحات‬
‫ما يُنظر إلى الرقمي من خالل سؤال األداة‬ ‫اإللكترونية أو بالسبورات الرقمية التفاعلية‬
‫(كيف ندمج الرقمي في التربوي؟)‪ .‬وتؤكد‬ ‫(‪ ،)TNI‬ال بد من وجود نوع من المصاحبة‪،‬‬
‫ســولــيــداد غارنييه ‪ ،Soledad Garnier‬من‬ ‫نظرا الحتمال االلتباس الذي يمكن أن ينشأ‬
‫جانبها‪-‬وهي أستاذة مرجع في استخدامات‬ ‫بين االستخدامات المتنوعة لــأداة نفسها‪.‬‬
‫الرقمي بأكاديمية بواتييه ‪l’Académie de‬‬ ‫«فاألطفال الذين يتوفرون في المنزل على‬
‫‪ -Poitiers‬أنــه «إذا كانت المدرسة ال تكوّن‬ ‫لوحات تفاعلية إنما يستخدمونها في اللعب‪.‬‬
‫فــي مــجــاالت الــهــويــة الــرقــمــيــة‪ ،‬والملكية‬ ‫وهو ما استدعى القيام بعمل جبار إلقناعهم‬
‫الفكرية‪ ،‬ومنابع المعلومات‪ ،‬فإن ذلك يهدد‬ ‫بأن هذه اللوحات تستخدم أداة للتعلم داخل‬
‫ـرخ اجتماعي جــديــد»‪ .‬وهــكــذا‪ ،‬قد‬ ‫بخل ْق شـ ٍ‬ ‫الفصول الدراسية»‪ ،‬وذلك حسبما تشير إليه‬
‫تسهم هذه األدوات الجديدة في تعزيز دور‬ ‫ناتالي ديجاردان‪-‬بونيه ‪Nathalie Déjardin-‬‬

‫المدرس‪ ،‬مع االرتقاء به من دور الناقل إلى‬ ‫‪ ،Bonnet‬وهي أستاذة بالسنة الثانية ابتدائي‬
‫دور المصاحب‪ .‬وفي هذا الصدد تنبه كورديي‬ ‫‪ CE1‬بمدينة الروشــيــل ‪ ،la Rochelle‬حيث‬
‫إلى ما يلي‪« :‬بالنسبة للمدرسة‪ ،‬يجب تطوير‬ ‫تدمج اللوحة اإللكترونية في البيداغوجيا‬
‫ثقافة رقمية طيلة مراحل الدراسة‪ .‬وهذا هو‬ ‫التي استلهمت أصولها من تقنيات فريني‬
‫الدور الحقيقي للمدرسين! فما يشكّل أهمية‬
‫(‪)٢‬‬
‫‪.Freinet‬‬
‫بالنسبة لهم‪ ،‬ليس هو مجاراة العصر‪ ،‬وإنما‬ ‫وإضافة إلى ما سبق‪ ،‬فغزارة المعلومات‬
‫فتح فضاءات لتبادل هذه الموضوعات‪ ،‬وأن‬ ‫على الويب يضع ضرورة انتقاء المعلومة في‬
‫يعلّموا أنفسهم ويرشدوا تالمذتهم»‪.‬‬ ‫قلب القضايا البيداغوجية‪ ،‬إذ تؤكد كورديي‬
‫* صحافية فرنسية‪ ،‬ينصب مجال دراساتها على قضايا التربية والفضاء الرقمي‪ ،‬ولها مقاالت في مجالت‬
‫متنوعة من بينها‪.Sciences Humaines , Lesinrocks , Telerama :‬‬
‫** كاتب ومترجم من المغرب‪ ،‬مصدر الترجمة‪Catherine De Coppet, Ecrans: Faire avec ou sans? Magazine :‬‬ ‫ ‬
‫‪.Sciences Humaines, n° 307، octobre 2018, pp. 40-41‬‬
‫(‪ )١‬مؤسسة ‪ La Main à la pâte‬بفرنسا‪ ،‬وهي مختبر لألفكار والممارسات المبتكرة‪ ،‬أ ُسستْ سنة ‪2011‬م على‬
‫يد أكاديمية العلوم والمدارس العليا لألساتذة بباريس‪ ،‬وتهدف هذه المؤسسة إلى تحسين جودة تعليم‬
‫العلوم بالسل ْكيْن االبتدائي واإلعدادي‪(.‬المترجم)‪.‬‬
‫(‪ )٢‬نسبة إلى سيليستان فرينيه ‪ :Celestin Freinet‬أستاذ باحث من فرنسا‪ .‬تقوم آراؤه على ضرورة انفتاح‬
‫المدرسة على التقنيات الحديثة عن طريق التخلص من الروتين في التعليم وبعث الحياة في طرائق‬
‫التدريس من خالل مجموعة من اإلجــراءات من بينها‪ :‬طباعة نصوص التالميذ‪ -‬والدة النص الحر‪-‬‬
‫المراسالت بين المدارس‪-‬بيداغوجيا الشرح الزائد‪( .)...‬المترجم)‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪90‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعرة‬
‫أميرة محمد سعيد صبياني‬
‫المرأة تستطيع مع حفاظها على هويتها الخاصة‪ ،‬أن تُ شارك بإبداعها‬
‫ديواني (ال تقرؤوني) كان بداية النضج الشعري لكتاباتي‪ ،‬وفي مجمله‬
‫وقفات مع المرأة بقوتها وضعفها‪!..‬‬
‫تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي وفراغي وسيري في األسواق‪!..‬‬
‫الشاعرة أميرة محمد صبياني تحضر في فضاء الشعر الــذي يوثق صوتها‬
‫باللغة التي تسكنها وتميزها‪ !..‬حتى اآلن أص ــدرت مجموعتين شعريتين «لم‬
‫تختتم بعد لم تهدأ حواشيها»‪ ،‬و«ال تقرؤوني»‪ ،‬كما تشير الشاعرة إلــى أن ثمة‬
‫خمس مجموعات شعرية لها تحت الطبع‪.‬‬
‫عملت معلمة للغة العربية في بدايتها العملية‪ ،‬ثم اإلشــراف التربوي‪ ،‬ولها‬
‫حضور مُ عِ دّ ة ومشاركة في المحافل الثقافية‪.‬‬
‫تحضر بشخصيتها وبرأيها ودون أن تعكّ ر صفو الماء وهي تختلف‪ ..‬كما هي‬
‫في هذا الحوار‪..‬‬

‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫‪91‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الشعر‪ ،‬ثم أتركه لفترات طويلة‪ ،‬ثم أعود‬
‫إليه‪ ،‬أصحَ بُه مرة وأتركه أخــرى‪ ،‬وهي‬
‫بــدايــة كتاباتي الشعرية‪ ،‬وقــد جمعت‬
‫بعضها في هذا الديوان‪ ،‬وتخلصت من‬
‫الكثير منها؛ ذلك ألن عالقتي بالشعر‬
‫ذلك الوقت كانت عالقة رزينة‪ ،‬فيها نوع‬
‫من الحذر وعدم االستسالم له‪.‬‬

‫وق ــد جمعت فــي ه ــذا ال ــدي ــوان بعض‬


‫القصائد المتنوعة فــي موضوعاتها‬
‫ومناسباتها‪ .‬أمــا ديــوانــي الــثــانــي‪( :‬ال‬
‫تقرؤوني) فكان بداية النضج الشعري‬ ‫خالصة تجربتي الشعرية‪!..‬‬
‫لكتاباتي‪ ،‬وفي مجمله وقفات مع المرأة‬ ‫ ¦«لم تختتم بعد لم تهدأ حواشيها‪ -‬دار‬
‫بقوتها وضعفها‪ ،‬وقــد عبرت فيه عن‬ ‫الفكر العربي ‪ -‬الــدمــام ‪1432 -‬هـ ــ» و«ال‬
‫بعض مشاعرهن ومشاكلهن‪ ،‬وكنت أكتب‬ ‫تـ ـق ــرؤون ــي م ــؤس ـس ــة االنـ ـتـ ـش ــار ال ـعــربــي‬
‫عني وعنهن‪ .‬وما سيطبع من الدواوين‬ ‫‪1438‬هـ»‪ .‬بهاتين المجموعتين صافحت‬
‫القادمة‪ ،‬هو ما يمثل عالقتي القوية‬ ‫ال ـ ـشـ ــاعـ ــرة أمـ ـ ـي ـ ــرة صـ ـبـ ـي ــان ــي ال ـس ــاح ــة‬
‫بالشعر وبالشاعرية‪.‬‬ ‫الشعرية‪ .‬مالمح تجربتك الشعرية بدت‬
‫تتشكل مــن ديــوانــك األول بخصوصية‬
‫الشعرُ يُ ثبت ذاته‪!..‬‬
‫البوح وتميزه‪ ..‬ولكن في ديوانك الثاني‬
‫«ال تقرؤوني»‪ ،‬هناك خصوصية مغايرة ¦حضور المرأة يتفاوت من مجتمع آلخر‪،‬‬
‫ولكن من المالحظ أن حضور المرأة في‬ ‫عـلــى الـمـسـتــويــات الـمــوضــوعــي والـفـنــي‬
‫المنابر اإلعالمية والثقافية ومشاركتها‬ ‫واللغة‪ .‬هل تحدثينا عن هذه التجربة؟‬
‫في الفعاليات في تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬
‫‪ρ ρ‬نعم ديــوانــي األول (لــم تُخْ تَتَم بع ُد لم‬
‫تهدأ حواشيها)‪ ،‬هو خالصة المرحلة ‪ρ ρ‬المرأة تستطيع ‪ -‬في هذا العصر ‪ -‬مع‬
‫حفاظها على هويتها الخاصة‪ ،‬أن تُشارك‬ ‫األولى من تجربتي الشعرية التي كانت‬
‫بــإبــداعــهــا‪ ،‬وتــوصــل كلماتها الجميلة‬ ‫عبر مراحل دراستي الجامعية وعملي‬
‫لجميع األذواق بال حرج‪ .‬والشع ُر الشع ُر‬ ‫الطويل في مجال التدريس واإلشــراف‬
‫يُثبت ذاته بال شك‪.‬‬ ‫التربوي‪ ،‬وكنت في هذه المرحلة أكتب‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪92‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫في القالب النثري المزركش بشاعرية‬ ‫خاطرة من نثر‪!..‬‬
‫الكلمات والعبارات‪ ،‬وزخرفات البديع‬
‫ ¦يُ ـ ــاح ـ ــظ أن قـ ـصـ ـي ــدة الـ ـنـ ـث ــر ت ـت ـصــدر‬
‫ولكل ذوقه وتوجهه األدبي‪.‬‬
‫وترصيعاته‪ٍ ،‬‬
‫الـ ـمـ ـشـ ـه ــد ال ـ ـش ـ ـعـ ــري ف ـ ــي الـ ـكـ ـثـ ـي ــر مــن‬
‫أغرد بالجديد من شعري‪!..‬‬ ‫المحافل الثقافية في الوقت الحالي‪..‬‬
‫ ¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة‬ ‫ماذا تقولين؟‬
‫العنكبوتية لديك؟‬ ‫‪ρ ρ‬قصيدة النثر وإن كانت هي خاطرةٌ من‬
‫نثر ربما ستنتعش أكثر‪ ،‬ويتزايد كاتبوها ‪ρ ρ‬أكثر مشاركاتي ومتابعاتي على تويتر‪.‬‬
‫أغ ــرد بالجديد مــن شــعــري‪ ،‬وأش ــارك‬ ‫وطالبوها لسبب مــا‪ ،‬ولكنها مــا تــزا ُل‬

‫عمران يف الشعر‬
‫أميرة محمد سعيد صبياني‬

‫ـران مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ا عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى تـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َِق‬


‫عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـك الـ ـ ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدُ هـ ـ ـ ـ ــل ت ـ ـ ـح ـ ـ ـنـ ـ ــو عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى شـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي!؟؟‬
‫يـ ـ ـ ـ ــا ذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـوح م ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ــرِ حَ ـ ـ ـ ــت‬
‫ف ـ ـ ـ ــي زحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِـت ح ـ ـ ـتـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـروف ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ُّر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنَ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي أُفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫حــــــــــــ ُ‬
‫آوي بـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـن عـ ـ ـل ـ ــى‬
‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــدُ نـ ـ ـ ـ ــا أَرَقِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـوس ن ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ إل ـ ـ ـ ـ ــى‬
‫أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب أو أروي ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا رَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫َضـ ـ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــرتـ ـ ـ ــي وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاةِ ولـ ـ ـ ــم‬
‫أظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر بِ ـ ـ ـ ـ ِـعـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ٍـق ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ُأدْرِ ْك صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى َنـ ـ ـ ـ ـ ـزَقِ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫ـراح يـ ـ ــدي‬
‫ـران ف ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـع ـ ـ ــرِ غ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ــي اج ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫عـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـزن فـ ـ ـ ـ ـ ــي َو َرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!!‬
‫ـات ون ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫‪93‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الشديد بالشعر‪ ،‬وتحولي للشاعرية‪،‬‬ ‫فــي الفعاليات‪ ،‬والتعليقات النقدية‪،‬‬
‫اكــتــشــفــت أن الــشــاعــر عــنــدمــا يصبح‬ ‫وأتابع األدبــاء والنقاد العرب‪ ،‬وأشارك‬
‫شاعرًا ستأتيه القصيدة في كل األوقات‬ ‫في بعض المنتديات التي تهتم باللغة‬
‫والشعر والنقد‪ .‬وكذلك لي مشاركات‬
‫فال طقس لها وال حالة‪.‬‬
‫عــلــى صــفــحــة‪ :‬الــفــيــس بــــوك أنــشــر‬
‫واآلن تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي‬ ‫بعض قصائدي‪ .‬وفــي بعض الصحف‬
‫وفراغي وازدحامي‪ ،‬وحتى عند اتصالي‬ ‫والمجالت والمواقع اإللكترونية‪.‬‬
‫بصديقاتي أو خروجي من منزلي وسيري‬
‫قيمة شعرية عالية‪!..‬‬
‫في األسواق‪.‬‬
‫ ¦هناك تصنيف يقيّم الساحات الشعرية‬
‫قليلة جدا‪!..‬‬ ‫من بلد إلــى آخــر‪ ..‬فمثال هناك شعراء‬
‫يصنفون ساحاتهم بأنها األكـثــر تألقا‬
‫ ¦هـ ـن ــاك قـ ـ ـ ــراءات ن ـق ــدي ــة س ـع ــت لـ ـق ــراءة‬
‫وجـ ــديـ ــة‪ ،‬ك ـيــف تـقـيـمـيــن أنـ ــت ال ـســاحــة‬
‫قصيدة الشاعرة أمـيــرة الصبياني‪ ،‬هل‬
‫الشعرية السعودية؟‬
‫وصل الناقد لقصيدتك؟‬
‫‪ρ ρ‬التجربة السعودية‪ ،‬تتمتع بقيمة شعرية‬
‫‪ρ ρ‬قــــراءات قليلة ج ـ ـدًا‪ ،‬وبعضها وصــل‬
‫عالية ومــتــجــذرة فــي أعــمــاق عروبتها‬
‫وبعضها قرأ ظاهرِ ها‪.‬‬ ‫األصيلة‪ ،‬على مستوى التجربة الرجولية‬
‫أهرب من كتب التاريخ‪!..‬‬ ‫أو النسائية! كيف ال؟ وقــد ترعرعت‬
‫في قلب الجزيرة العربية مهد البالغة‬
‫ ¦هل لنا أن نتعرف على مكتبة الشاعرة‬
‫والفصاحة وفنون القول‪.‬‬
‫أميرة الصبياني؟‬
‫ستأتيه القصيدة في كل األوقات‪!..‬‬
‫‪ρ ρ‬أحــب الــقــراءة فــي كــل علم‪ ،‬وأحــب أن‬
‫ ¦ب ـعــض ال ـش ـعــراء لــدي ـهــم ش ــرط الـمـكــان‬
‫آخذ من كل شيء بطرف (ثقافة دينية‪،‬‬
‫والــزمــن أو طقس مــا لكتابة القصيدة‪،‬‬
‫لغوية‪ ،‬أدبية‪ ،‬علمية)‪ ،‬وتستهويني الكتب‬ ‫هــل لــدى الـشــاعــرة أمـيــرة طقس لكتابة‬
‫الموجهة للمرأة‪ ،‬وأهرب من كتب التاريخ‬ ‫قصيدتها؟‬
‫واألحــداث والتحليالت السياسية‪ ،‬ألن‬ ‫كنت في بداية التجربة أتصنع طقسً ا‬
‫خيالي واستيعابي يضيق عنها‪.‬‬ ‫لكتابة بعض القصائد‪ ،‬ثم مع ارتباطي‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪94‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعرة الليبية‬
‫عائشة إدريس المغربي‬
‫ال أؤمن بالثوابت في الشعر ألنني أنطلق من الحريّ ة‬
‫أعترف بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة‬
‫اللغة جسد الشعر لكن الشعر يمنحها الحياة‬
‫أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر والفقد وما واجهته في الحرب‬
‫يموت الشعر عندما يتحوّ ل إلى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل‬

‫■ حاورها‪ :‬عصام أبو زيد‬

‫تــرى الشاعرة الليبية (المقيمة فــي فرنسا) عائشة إدري ــس المغربي أ ّنــه «ال‬
‫يمكن الكتابة من خارج التجربة الشخصية»‪ ،‬وتضيف في حوار مع «الجوبة»‪« :‬ما‬
‫أقصده بالتجربة هو التجربة الحياتية بمجموعها اإلنساني وما يملكه الشاعر‬
‫من قــدرة على التقاط تفاصيل الحياة في داخله وحوله ومشاهدتها وقراءتها‪،‬‬
‫وقدرته على السفر خارج الــذات وداخلها‪ .‬إنّه اللحن الذي ينطلق منذ طفولته‬
‫حتى نهاية العمر‪ ..‬موسيقى الحياة بعنفها وسحرها وعشقها ومللها وجمالها‬
‫وحزنها واألسى الغامر الذي يعبرنا كالموج ويتبدد على الشاطئ‪ .‬إنّ الذين يرون‬
‫أنّ الشعر يأتي من الخيال‪ ،‬أقــول لهم إنّ الخيال ال يأتي إال من تــراب التجربة‬
‫الحياتيّة بكلّ تفاصيلها»‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وأوضــحــت المغربي «أخ ــاف حـ ًقــا من‬ ‫وعائشة إدريــس المغربي شاعرة وكاتبة‬
‫امتالك آلية وتقنية خاصة لكتابة الشعر‬ ‫ليبية ص ــدرت لــهــا ســتــة دواويــــن شعرية‪،‬‬
‫ستتحول إلى آلة إكــراه‪ .‬هذا المستوى من‬ ‫ومسرحية‪ ،‬ورواي ــة وهــي‪ :‬األشــيــاء الطيبة‬
‫الكتابة سأظل أتعثر في أخطائي وإنسانيتي‬ ‫‪1986‬م‪ ،‬البوح بسر أنثاي ‪1996‬م‪ ،‬أميرة‬
‫بكثير من المتعة‪ .‬أرتبك أمام اللغة كثيراً‪...‬‬ ‫ال ــورق ‪1999‬م‪ ،‬صمت البنفسج ‪2007‬م‪،‬‬
‫أشعر دائمًا برغبة في تفكيكها وكسر عظام‬ ‫الحياة االفتراضية للسعادة ‪2017‬م‪ ،‬قبلة في‬
‫قواعدها‪ .‬أشعر أنها لعبة من ألعاب الطفولة‬ ‫طابع بريد ‪2019‬م‪ ،‬رواية «يحدث» عن دار‬
‫وعلي أن أكسرها حتى أشعر‬ ‫ّ‬ ‫التي لم أعرفها‬ ‫أروقة في القاهرة ‪2013‬م‪ ،‬ومسرحية بعنوان‬
‫بمتعة األلفة معها‪ .‬وأكــدت اإلدريــســي «إن‬ ‫«بائعة الزهور» ‪2014‬م عن منشورات وزارة‬
‫لغة اليومي هي األقرب إلى قلبي‪ .‬ال أحب‬ ‫الثقافة في ليبيا‪ .‬كما صدرت لها قصائد‬
‫الصور المعقدة والكلمات الفخمة العظيمة؛‬ ‫مترجمة إلى الفرنسية ضمن كتاب شعري‬
‫ألنّها جوفاء مثل طبل فارغة ومليئة بالهراء»‪.‬‬ ‫يضم قصائد عن غزة‪ ،‬وترجمات أخرى‪.‬‬
‫دوافع الكتابة‬ ‫تقنية الكتابة‬
‫وع ــن أســبــاب ودوافــــع الــكــتــابــة؛ قالت‬ ‫وفــي ســؤال عن تقنية الكتابة وآلياتها؛‬
‫الــمــغــربــي‪« :‬رغ ــم سلطة الكتابة وقدرتها‬ ‫أجابت المغربي‪« :‬كثيرًا ما يصادفني السؤال‬
‫العظيمة إال أنّ أسبابها غريبة وغير مفهومة‪.‬‬ ‫عن تقنية الكتابة وآلياتها وأشعر بغرابة هذا‬
‫الكتابة تشبه الحب‪ ،‬فكالهما ساحر ومهيمن‬ ‫السؤال؛ فالقصيدة‪ ،‬ك ّل قصيدة تخلق آلياتها‬
‫وقــوي‪ ...‬لكن أسبابه مجهولة‪ .‬ليس هناك‬ ‫الداخلية حسب ما تتبدى الحالة الشعورية‬
‫قواعد للكتابة؛ بل ك ّل نص يخرق القواعد‬ ‫للحظة؛ فأحيانًا يولد الفرح من لحظة أسى‬
‫الجمالية التي أكتبها فــي النص السابق‬ ‫عميقة‪ ،‬وفي لحظة أخرى تدفعني الطبيعة‬
‫وكذلك تفعل قصص الحب‪ ...‬هذا يجعلنا‬ ‫بقوة تجاه الحب‪ ،‬وربما تولد السعادة في‬
‫نتوقف عن الهراء الــذي يضعه النقاد عن‬ ‫النص من حزن عميق»!‬
‫كتابة الشعر واســتــخــراج ثــوابــت وتصنيف‬
‫وأضافت‪« :‬ال أحترف الكتابة أبدًا‪ ،‬وأبدأ‬
‫للشعر»‪.‬‬
‫كـ ّل نص جديد كأنني أكتب ألوّل م ـرّة كما‬
‫واستطردت المغربي «ليس مقصدي أن‬ ‫نعيش حالة الحب بارتباكها وعفويتها ودهشة‬
‫أخترق القواعد‪ ،‬لكنني ال أؤمــن بالثوابت‬ ‫اكتشاف المشاعر واألحاسيس مثلما يرتبك‬
‫في الشعر؛ ألنني أنطلق من الحريّة‪ ..‬وهى‬ ‫الماء على الجلد كأنما يكتشف ملمسه ألوّل‬
‫الشعاع األوّل للشعر والكتابة عمومًا‪ .‬فك ّل‬ ‫مـرّة‪ ،‬فكلمة «أحبك» ال تفقد أبـدًا صدقها‬
‫نص يضع قواعده الجمالية كي يخرقها في‬ ‫ودهشتها‪ ،‬وال تملك قواعد مسبقة وآليات‬
‫النص الالحق‪ ،‬وهذا ما أداوم عليه»‪.‬‬ ‫وتقنيات ثابتة‪ ..‬إنها هي كما النص في قلبي‬
‫وكشفت المغربي «احتجت إلى سنوات‬ ‫حين أكتب»‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪96‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫كثيرة من ممارسة الكتابة حتى أعرف كيف على أن يجعل الحياة القاسية محتملة؛ ألنّه‬
‫أقابل الشعر‪ .‬كان موجودًا في قلبي طوال يكشف لنا قيمة وجمال الحياة في جانبها‬
‫الوقت‪ ،‬كان في حياتي وتاريخي وتفاصيلي‪ .‬اآلخر‪ ...‬هذا ما جعلني أنجو من الحرب»‪.‬‬
‫الكتابة عمومًا‪ ،‬والشعر تحديدًا‪ ،‬حين يتحوّل‬
‫وعن تقنية السرد في كتابتها الشعرية؛‬
‫إلــى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل‬
‫أوضحت المغربي «السرد مهم في تجاربي‬
‫يــمــوت الــشــعــر‪ .‬إنّ الــقــدرة على اكتشاف‬
‫التفاصيل الصغيرة في يومك هذا جزء مهم الشعرية؛ ألنّ عمتي اعــتــادت على ترديد‬
‫من الكتابة حيث الذاتي أهم من الموضوع القصص على مسامعي في فترة طفولتي‪،‬‬
‫ألنّ الموضوع إذا لم يتحوّل إلى ذاتي يفقد وعمتي هي األقرب إليّ في طفولتي من أمي‪.‬‬
‫فقد كانت أمي سلطة قوية وجبّارة‪ ،‬وكانت‬ ‫صدقه»‪.‬‬
‫تحكم العائلة الكبيرة وليس عائلتنا فقط‪...‬‬
‫وتــرى المغربي «أنّ اللغة جسد الشعر‪،‬‬
‫لكن الشعر يمنح الحياة للكالم‪ ،‬لهذا الشعر صحيح أنّها كانت تتمتع بسلطة قويّة وسط‬
‫حر في اللعب مع اللغة واختراقها وكسر مجتمع ذكوري صارم‪ ..‬لكن ال أعلم األسباب‬
‫التي تجعل القبيلة تمنح امرأة هذه السلطة‪.‬‬ ‫قواعدها»!‬
‫أما أبي فقد كان األكثر حنانًا ودفئا‪ ،‬ولي معه‬
‫الكتابة والمعاناة‬
‫ذكريات رائعة وجميلة‪ ،‬وكانت لنا مغامرات‬
‫وفي سؤال عن عالقة المعاناة بالكتابة؛ كثيرة‪ ...‬كان يؤمن بي ويشجعني على الكتابة‬
‫أجابت المغربي‪« :‬أستمتع بالكتابة حتى وأنا رغم أنّه ال يجيد القراءة أو الكتابة»‪.‬‬
‫أكتب عن األسى والحزن والحرب والفقد‪...‬‬
‫الكتابة ال تعذبني كما يــرى بعضهم‪ .‬غاية‬
‫اإلنسان وهدفه في كل ما يفعله هو المتعة‬
‫المطلقة؛ لهذا ال أجد هدفًا أسمى من أن‬
‫تقودنا الكتابة إلى السعادة واإلحساس باللذة‬
‫والمتعة حين نكتب وحين نقرأ‪ .‬لقد احتجت‬
‫إلى رحلة طويلة من حياتي خلف المشاكل‬
‫حتى وصلت إلى هذه النتيجة»‪.‬‬
‫وأضــافــت المغربي «فــي رحــلــة حياتي‬
‫أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر‬
‫والفقد وما واجهته في الحرب‪ .‬لقد انتصرت‬
‫أخيرًا للحياة ألنني شاعرة‪ ،‬وصارت الحرب‬
‫السخيفة مجرد لعبة أفوز في مواجهتها دون‬
‫أن أملك جيشً ا وأسلحة‪ .‬فالشعر له القدرة‬
‫‪97‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الشعر والقارىء‬
‫وفي سؤال عن رؤيتها للشعر وماذا يمثل‬
‫لــهــا؛ أجــابــت المغربي‪« :‬الشعر فــي قلبي‬
‫مثل لحن ال ينقطع‪ .‬أعيش الشعر في ك ّل‬
‫لحظة في حياتي‪ ،‬وكم كتبت من قصائد في‬
‫أحالمي ونهاري وانشغاالتي‪ .‬إنّه دائمًا هنا‬
‫يجعل الحياة محتملة ومبهجة‪ .‬أنا ال أضع‬
‫قواعد وتعريفًا للشعر‪ .‬إنني أكتب عنه كما‬
‫أحس عالقتي به‪ ،‬وهذا ال يلزم اآلخرين بما‬
‫أقوله»‪.‬‬
‫وعــن الــقــارئ ودوره؛ تــرى المغربي «أنّ‬
‫القارئ مهم جدًا بالنسبة لي‪ ،‬لكنّه ال يحضر‬
‫إال بعد كتابة الــنــص‪ ،‬والــثــالــوث التقليدي‬
‫في النظريات الجمالية «النص ‪ -‬الكاتب‬
‫‪ -‬الــقــارئ» ال يعمل لــدىّ كما تتحدث هذه‬
‫ودهشته‪ .‬الشعر يرتبط بالموسيقى كثيرًا‪،‬‬
‫النظريات‪ .‬أنــا القارئ األول لنصي وآخذ‬
‫فكالهما يــذوب فــي الــهــواء‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫المتعة األولــــى‪ ...‬أحــقــق لحظة االكتمال‬
‫نلمس جسده رغــم الوسائط المادية التي‬
‫والنشوة‪ ،‬لكنّها لحظة صغيرة وساحرة مثل‬
‫يتحقق بها»‪.‬‬
‫عمر الــوردة تنتهي بعد لحظات من الكتابة‬
‫حركة النشر‬ ‫لتبدأ الحاجة إلى الكتابة مجددًا‪ ..‬حاجة‬
‫ملحة ال يمكن أن تنتهي»‪.‬‬
‫وفي إجابتها عن سؤال حول واقع النشر‬
‫في العالم العربي؛ قالت المغربي‪« :‬هناك‬ ‫وأضافت المغربي «النص والقارئ بينهما‬
‫عالقة مرتبكة مع النشر‪ ،‬خاصة مع وسائل‬ ‫عالقة تبدأ متأخرة بالنسبة لي؛ حين يخرج‬
‫النشر اإللكتروني بجانبها اإليجابي والسلبي؛‬ ‫نصي من سلطتي ويبدأ رحلته الخاصة بعيدًا‬
‫فقد أصبح اللقاء بالقارئ مباشرًا وفور ّيًا‪،‬‬ ‫عنّي ويكوّن عالقات كثيرة ومتغيّرة من الزمن‬
‫وأصبح الكتاب متوافرًا للجميع‪ ..‬لكن النشر‬ ‫حتى بالنسبة لي»‪.‬‬
‫الورقي صار ضعيفًا ومهينًا للكاتب إال ما‬ ‫وعن إعادة النظر في النص الشعري بعد‬
‫رحم ربي من دور النشر‪ ،‬وليس هناك احترام‬ ‫كتابته؛ قالت المغربي «إنّ أجمل لحظات‬
‫لحقوق الكاتب من قبل الناشر حتى أصبح‬ ‫الكتابة هــي التي تأتي فــي لحظة واحــدة‬
‫األمر فقط رغبة الكاتب في توثيق أعماله‬ ‫كدقة القلب‪ .‬ال أحب إعادة الكتابة والتدقيق‬
‫ال أكثر‪ ،‬وأنا أتحدث عن النشر في العالم‬ ‫وترميم وجه القصيدة‪ .‬أحبها عارية ومنطلقة‬
‫العربي بالتأكيد‪ .‬وأكدت المغربي «أعترف‬ ‫وعفويّة بكل عيوبها وفتنتها‪ .‬فالشعر مثل‬
‫بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة»‪.‬‬ ‫الحب ال يحب التكرار‪ ..‬لهذا ال يفقد سحره‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪98‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الجوف تودع الشاعر والصحفي‬

‫خالد الحميد‬
‫مؤرخ شعرائها وأول صحفي فيها‬
‫■ احملرر الثقايف‬

‫بعد حياة حافلة بالخير والشعر‪ ،‬والـصــداقــات الواسعة مــع مختلف أطياف‬
‫مجتمع منطقة الجوف والمملكة العربية السعودية‪ ،‬وبعد مسيرة شعرية حافلة‬
‫ناهزت الثمانين عاماً‪ ،‬انتقل إلى رحمة اهلل في مدينة سكاكا ‪ -‬الجوف يوم السبت‬
‫‪ 3‬ذي القعدة ‪1440‬هـ الموافق ‪ 6‬يوليو ‪2019‬م‪ .‬الشاعر والصحفي الجوفي خالد بن‬
‫عقال الحميد‪.‬‬
‫يُعد الشاعر الحميد أحد كبار شعراء‬ ‫والشاعر خالد الحميد من مواليد‬
‫مدينة سكاكا بمنطقة الجوف بالمملكة منطقة الــجــوف‪ ،‬وم ــن الــرعــيــل األول‪،‬‬
‫الــعــربــيــة الــســعــوديــة‪ ،‬ع ــام ‪1349‬هـــــ‪ ،‬وأوائــــل المتعلمين فــي جــيــلــه‪ ،‬وحفظ‬
‫تعلم بالكتاتيب على يد الشيخ فيصل القرآن الكريم‪ ،‬وأمضى شطرا من حياته‬
‫الــمــبــارك‪ ،‬ثــم التحق بالمدرسة عند موظفا في جهات حكومية عديدة حتى‬
‫طلب إحالته إلى التقاعد عام ‪١٤٠٨‬هـ‪.‬‬ ‫افتتاحها عام ‪1362‬هـ‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وك ــان الحميد أول صحفي فــي منطقة‬
‫الــجــوف‪ ،‬وق ــد عــمــل مــديــرا لمكتب جــريــدة‬
‫الجزيرة لمدة (‪ )38‬عاما‪ ،‬وكان خاللها يغطي‬
‫أخــبــار المنطقة ويكتب التقارير الصحفية‬
‫والــمــقــاالت التي تــنــاول فيها جــوانــب الحياة‬
‫االجتماعية واالقتصادية والتنموية والثقافية‬
‫ومــطــالــب واحــتــيــاجــات المنطقة فــي شتى‬
‫المجاالت‪.‬‬
‫البطاقة الصحفية لخالد الحميد‬
‫وق ــد كــتــب الــشــاعــر فــي جــمــيــع أغ ــراض‬
‫روض ينبت الفقع فيه اكثار‬ ‫الشعر‪ ،‬وتتداول قصائده في شتى المناسبات‪ .‬في كل ٍ‬
‫تـشــوف الــزبـيــدي بينات دحاميله‬ ‫واشــتــهــر الحميد بالشعر الــوطــنــي‪ ،‬وشعر‬
‫العرضات والمساجالت الشعرية‪ ،‬كما اشتهر‬
‫وتلقى أم سالم تزعج الصوت واألطيار‬
‫الــشــاعــر بقصائده الغزلية واالجتماعية‪،‬‬
‫على كــل غـصـ ٍـن ســاجـعــات بالبيله‬ ‫وشعر اإلخوانيات‪ ،‬والقصائد التي عبّر فيها‬
‫عن مشاعره تجاه أصدقائه وأفــراد أسرته دارٍ ف ــا حـبـيــت بــال ـكــون مـثـلــه دار‬
‫دارٍ رب ـي ـن ــا ف ــي م ــراب ــع مــداه ـي ـلــه‬ ‫وجماعته‪.‬‬

‫دير ًة هل الناموس والمدح واهل الكار‬ ‫***‬


‫مستارثين الطيب جيل بثر جيله‬ ‫ومن أبــرز قصائد الشاعر ‪-‬يرحمه اهلل‪-‬‬
‫قصيدة شهيرة يمدح بها منطقة الجوف‪ ،‬ومنها‪ :‬لها من قديم الوقت صيت ظهر واذكار‬
‫علم الحيا كل المخاليق تدري له‬ ‫سقى اهلل بالد الجوف من وابل مدرار‬
‫ـرن مـ ـ ــرزمٍ ض ــاف ـ ٍـي سيله كرام اللحى اللي يكرمون الخوي والجار‬
‫مْ ـ ِـح ـ ٍـن مْ ـ ـ ـ ٍ‬
‫واد النفاخ الضيف بالعسر ياتي له‬ ‫علىنقرةالجوبةعلىرافلينأشغار‬
‫يحدّ ر على ابو أرواث لين المعيزيله ه ــواه ــا ل ــذي ــذ ومَ ـ ـ ّيـ ـه ــا ن ــاب ــع ف ـ ـوّار‬
‫يسقّ ي بساتين بها الــزرع وانخيله‬ ‫سقاها من الوسمي حقوق المطر تكرار‬
‫صباح ومساء يسقيه صادق هماليله يـقــدم نماها للمسايير والخطار‬
‫كما قــال ابــن ســراح يا سامع قيله‬
‫يربِّع سهلها والوعر بس خط القار‬
‫***‬ ‫شبيه الزوالي يوم عينك تراعي له‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪100‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫حفل تكريم خالد الحميد‪ ،‬بمناسبة تقاعده بعد ‪ ٣٨‬عاماً من العمل في الصحيفة‪ ،‬ويبدو من اليمين خالد الحميد‪ ،‬خالد المالك‬
‫رئيس تحرير الجزيرة‪ ،‬عبدالرحمن فهد الراشد مدير عام مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر‪ ،‬عبدالواحد الحميد‬

‫الـ ــوغـ ــى وان حـ ــل ي ــوم ــه ص ـمــدنــا‬ ‫ومن شعر العرضات قال‪:‬‬
‫ب ــالـ ـجـ ـم ــوع ام ـ ـطـ ــوعـ ــة ك ـ ــل ع ــاي ــل‬ ‫مـ ــرح ـ ـبـ ــا م ـ ــاه ـ ــل وبـ ـ ـ ــل ب ـس ـح ــاب ــه‬
‫ع ــد م ــا ط ــب ال ــوط ــا م ــن مـطــرهــا‬
‫***‬
‫وفي قصيدة أخرى يقول‪:‬‬ ‫م ــرحـ ـب ــا ي ـ ــا ربـ ــوع ـ ـنـ ــا م ــرحـ ـب ــا بــه‬
‫واث ـن ــي الـ ــرده عـلــى ال ـلــي حضرها‬
‫حب الوطن صكَت عليه المحاني‬
‫لــو زال وش ــم بـظــاهــر الـيــد مــا زال‬ ‫***‬
‫وللشاعر الحميد عدد كبير من القصائد‬
‫***‬
‫الوطنية ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫وقد تميزت قصائده بالصدق والشفافية‪،‬‬
‫وإي ــراد النصائح فــي معظمها‪ ..‬خاصة في‬ ‫نـ ـحـ ـم ــد الـ ـ ـل ـ ــي ع ـ ــزن ـ ــا فـ ـ ــي ب ـل ــدن ــا‬
‫رب ـن ــا ال ـم ـع ـبــود م ـن ـشــي ال ـم ـخــايــل خواتيمها‪ ،‬وقد أسهب فيها في شعره‪ ،‬ومن ذلك‬
‫قصيدة في «حفظ الود والصداقة والصديق»‬ ‫ان دعـ ـ ــا داع الـ ــوطـ ــن مـ ــا ق ـعــدنــا‬
‫نـ ـفـ ـت ــدي ــه وخ ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـع ـ ـمـ ــر زايـ ـ ــل قال فيها‪:‬‬
‫‪101‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫واعرف ان الحر ما يصيد الهاليم‬ ‫مــن هــوى قلبك تمشيك القوايم‬
‫عــادتــه ضــرب الـحـبــارى فــي متونه‬ ‫مثل ما قال الجنيدي في لحونه‬
‫وال ت ـق ـرِّب لـلـحـنــش ل ــو ك ــان نــايــم‬ ‫وال ـم ــودة مــا تـجــي غـصــب ولــزايــم‬
‫خل عنك الجحر واللي يحفرونه‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــودة ب ـ ـ ـيـ ـ ــن شـ ـ ـكـ ـ ـل ـ ــه ولـ ـ ــونـ ـ ــه‬
‫وال ت ـهــاون بــالـبـحــر لــو كـنــت عايم‬ ‫ص ــاح ـب ــك ل ــو حـ ــال دونـ ـ ــه خ ــراي ــم‬
‫وال ـعــدو ال تغترك ضحكة سنونه‬ ‫يــدفـعــك حـبــه ونـفـســك لــه حنونه‬
‫وانـ ـتـ ـب ــه بـ ــاكـ ــر لـ ـت ــوزي ــع ال ـغ ـن ــاي ــم‬ ‫ال ـصــديــق ال ـلــي قـبــل بــال ـبــال داي ــم‬
‫نـ ــاس ك ـس ـبــانــه وبـ ــه نـ ــاس مـغـبــونــه‬ ‫ال طلب عونك تسوق الحال دونه‬
‫س ــاع ــةٍ تـقـتــص ب ــه ح ـتــى الـبـهــايــم‬ ‫الـ ـ ـص ـ ــداق ـ ــة ل ـ ــه دالالت وع ــاي ــم‬
‫تحضر الجمَ ى ومن طالت قرونه‬ ‫ال ــرف ـي ــق ت ـع ــرف ح ـب ــه م ــن عـيــونــه‬
‫و َْصـ ـل ــي رب ـع ــي س ــام ــي ي ــا نـســايــم‬
‫***‬ ‫وقــولــي إن الـعـهــد مــا واهلل نخونه‬
‫وللشاعر خالد الحميد كتاب موسوعي‬
‫ال ــرك ــاي ــب دوم ل ـل ـصــاحــب هـمــايــم‬
‫بعنوان «شــعــراء مــن الــجــوف» ضــم فيه إلى‬
‫ن ــدم ــح ال ـ ـ ـ ــزالت عـ ـ َن ــه وال ـم ـه ــون ــة‬
‫ن ـح ـش ـم ــه ون ـ ــوق ـ ــره قـ ــاعـ ــد وق ــاي ــم‬
‫مثل ما قــال السديري في لحونه‬
‫اف ـت ـهــم يــالـمـسـتـمــع م ـنــي نـظــايــم‬
‫ن ــاظ ـم ـي ـن ــه ل ـل ـن ـش ــام ــا ي ـف ـه ـمــونــه‬
‫ال ـ ـ ـمـ ـ ــازم م ـ ــا ي ـ ــوات ـ ــي ب ـ ــه ه ــزاي ــم‬
‫اع ـمــل ال ــواج ــب وم ــن رب ــك معونه‬
‫وال ـخــوي تلحقك بــاسـبــابــه لــوايــم‬
‫ال ـخــوي وال ـجــار حــق إن ــك تصونه‬
‫ومن مشى طرق المالمة والتهايم‬
‫ات ــرك ــه ب ــال ـن ــاس ت ـل ـقــى غ ـيــر لــونــه‬
‫اشتر الطيب إلى إنك صرت سايم‬
‫رافـ ـ ــق الـ ـل ــي ك ــل ربـ ـع ــه ي ـمــدحــونــه‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪102‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫ومساجالته مع الشعراء ثم القسم الثاني‪:‬‬ ‫جانب ديوانه وأشعاره‪ ،‬فصوال شعرية لعدد من‬
‫قصائد مختارة لشعراء من الجوف ومنهم‪:‬‬ ‫الشعراء المرموقين بمنطقة الجوف‪.‬‬
‫الشاعر األمير عبدالرحمن السديري‪ ،‬ودابس‬
‫وقد صدر الكتاب في منطقة الجوف عام‬
‫المرخان‪ ،‬وسهو العجاج‪ ،‬وعيد بن نعيم السهو‪،‬‬
‫‪1426‬هـ‪2005 -‬م‪ ،‬بـ (‪ )455‬صفحة‪ ،‬وتصدَّ ر‬
‫وخــالــد المسعر البليهد‪ ،‬وعــبــدالــهــادي بن‬
‫غالفه شعر شعبي لألمير عبدالرحمن بن‬
‫مريزيق النصيري‪ ،‬وعيد بن عقال الخمعلي‪،‬‬
‫أحمد السديري‪ ،‬يقول فيه‪:‬‬
‫وجــزع البديوي‪ ،‬ومحمد بن عطا التيماني‪،‬‬
‫وعبيداهلل بن سليم القنيفذ‪ ،‬وخلف عيسى‬ ‫م ــن ي ــزور ال ـج ــوف يـلـقــى م ــا يــريــده‬
‫الشاعل‪ ،‬ومحمد بن طراد المعيقل‪ ،‬وغالب‬ ‫وي ـ ــن م ــا ي ـل ـفــي م ـض ــاف ــات وك ــرام ــه‬
‫بن حطاب السراح‪ ،‬ومفضي العطية‪ ،‬وشهاب‬ ‫عـ ــادة م ــا ه ــي عـلــى ال ــدي ــره جــديــده‬
‫الجنيدي‪ ،‬وعبدالمصلح البديوي‪.‬‬
‫م ــدرك ـي ــن امـ ـج ــادن ــا ورث وش ـهــامــه‬
‫يقول المؤلف في مقدمة الكتاب‪:‬‬
‫واحــتــوى الكتاب على مقدمة للمؤلف‪،‬‬
‫«ظلت رغبة شديدة تلح عليَّ منذ سنوات‬ ‫ثم قسمين؛ األول‪ ،‬تضمن قصائد المؤلف‬
‫طــويــلــة لجمع بــعــض أشــعــار أه ــل الــجــوف‬ ‫ومساجالته مــع بعض الــشــعــراء؛ والقسم‬
‫وتقديمها إلــى الــقــراء فــي كــتــاب‪ .‬لكنني‬ ‫الثاني‪ ،‬خصصه لقصائد مختارة لشعراء من‬
‫بقيت طيلة السنوات الماضية مترددا في‬ ‫الجوف‪ .‬ممن تميزت قصائدهم بالجودة‪ ،‬مع‬
‫تنفيذ هذا المشروع‪ ،‬رغم اهتمامي بجمع‬
‫ذكر معلومات تعريفية عن كل شاعر‪.‬‬
‫مادته وتراكم عدد كبير من القصائد لديّ ‪.‬‬
‫ولم تكن مشاغل الحياة وحدها هي العائق‬ ‫تضمن القسم األول‪ :‬قصائد المؤلف‬
‫الذي منعني من تنفيذ هذا المشروع‪ ،‬وإنما‬
‫كانت هناك أسباب أخــرى أهمها منهجية‬
‫علي إتباعها في ظل‬ ‫ًّ‬ ‫االختيار التي يتعين‬
‫تغير الواقع االجتماعي والثقافي واختالف‬
‫المعايير والــظــروف والمعطيات‪ ،‬رغــم أن‬
‫بعض القصائد ‪-‬من المنظور الفني البحت‬
‫‪-‬هي مما يمكن االتفاق على جودته وعلى‬
‫عمق وغــزارة موهبة قائليها؛ وعلى سبيل‬
‫المثال فإن الكثير من القصائد القديمة قد‬
‫داخلها بعض التحريف‪ ،‬وبعضها تداخل مع‬
‫‪103‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫خالد الحميد مع فيصل بن عبدالرحمن السديري وعبدالواحد بن خالد الحميد في مجلس الشاعر بالجوف‬

‫قصائد أخرى‪ ،‬بينما تم نسب بعضها اآلخر مما هو مكتوب‪ ،‬كما أن الساحة أصبحت‬
‫إلى أشخاص غير الذين قالوها‪ ..‬كما أن مكتظة جدا بمن ينتسب الى هذا النوع من‬
‫بعضها قــد ال يخلو مــن نــعــرات تجاوزها األدب الشعبي بصرف النظر عن مستوى‬
‫الــواقــع الحاضر وحــتــى الــقــامــوس اللغوي عطاءاتهم‪ ..‬ولهذا لم أجد حافزا للنشر»‪  .‬‬
‫«والحاصل‪ ،‬أن ظروفا عديدة قد أعاقت‬ ‫المستخدم في بعض القصائد‪ ..‬يالحظ أنه‬
‫يحتوي أحيانا على عبارات لم تعد مقبولة تنفيذ هــذا المشروع‪ ،‬لكنني تحت إلحاح‬
‫األبناء وبعض األصدقاء قررت أخيرا تنفيذه‪،‬‬ ‫من منظور اجتماعي معين»‪.‬‬
‫ويــضــيــف الــمــؤلــف أن «ال ــع ــدي ــد من مع تجنب كل ما قد يكون موضع اختالف‬
‫األص ــدق ــاء واإلخ ـ ــوة الــذيــن يــحــســنــون بي وخصوصا بين أهل المنطقة أنفسهم‪   .‬وقد‬
‫الظن يطلبون مني بين الحين واآلخــر أن استقر الــرأي على أن يكون التركيز على‬
‫انشر أشعاري الخاصة التي فضلت دائما قصائدي التي قلتها في مناسبات مختلفة‪..‬‬
‫االحتفاظ بها لنفسي‪ ،‬أو ما يردده الناس في وبــذلــك يكون هــدف الحفظ والتوثيق قد‬
‫بعض المناسبات‪ ،‬وقد أحجمت عن نشرها تحقق ان شــاء اهلل‪ ،‬مــع االعــتــراف بوجود‬
‫طيلة الفترة الماضية ألسباب عديدة‪ ،‬منها مساحة لإلضافة والمراجعة فــي أعمال‬
‫أن الشعر الشعبي كثيرا ما يتعرض للتشويه قادمة بحول اهلل سواء قمت بها أو قام بها‬
‫عند الطباعة والنشر؛ ألنه أدب محكي أكثر آخرون»‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪104‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫النعام في ِّ‬
‫الشعر العربي‬
‫أكثر مما يبدو‬
‫■ أحمد إبراهيم البوق*‬

‫االستقراء المتأني للنصوص الشعرية منذ العصر الجاهلي يثبت عكس ما‬
‫يبدو للوهلة األولى من ندرة النعام‪ ،‬وأنه كان وافر ًا في الطبيعة في شبه الجزيرة‬
‫الشعر فأنتجت نصوص ًا غاية في الجمال‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬وأن تلك الوفرة انعكست على ِ‬
‫الشعر العربي‬
‫وقد رصــدت في استقراء مطول (‪ )48‬مشهد ًا لتصوير النعام في ِ‬
‫راو َح بين (‪ )25-2‬بيت ًا في كل منها وذلك لـ(‪ )26‬شاعراً‪ ،‬هذا عدا األبيات المفردة‪.‬‬

‫إلى بعض المحميات في المملكة‪ ،‬وهو‬ ‫إعادة توطين النعام‪!..‬‬


‫والنعام حالياً انحصر وجوده في القارة النعام أحمر الرقبة الموجود في شمالي‬
‫اإلفريقية‪ ،‬وتصنفه الــدراســات العلمية وشرقي إفريقيا‪ .‬ولعل أشهر الشعراء‬
‫الى أربعة تحت أنواع ترجع جميعها الى الذين وصفوا النعام وإن لم يكن أكثرهم‬
‫نوع واحد‪ ،‬وإليه كان ينتمي النعام العربي كان علقمة الفحل (ت ‪603‬م) في قصيدة‬
‫وتصنيفه ‪ Struthio Camelus syriacus‬رائعة تمتد الى ثالثة عشر بيتاً‪ ،‬ويصف‬
‫الذي كان أصغرها حجماً‪ ،‬وقد انقرض في مطلعها ناقته‪ ،‬ويشبهها بالخاضب‪،‬‬
‫تماماً نتيجة لضغوط الصيد وتدهور وهــو اســم خــاص بــذكــر الــنــعــام؛ ألن له‬
‫بيئاته‪ ،‬ولكن الهيئة السعودية للحياة لون أحمر يميزه عن اإلنــاث في الرقبة‬
‫الفطرية أعادت توطين أقرب األنواع إليه والقوائم‪ ،‬ويبدو كأنه مصبوغ بالحناء‪،‬‬
‫‪105‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫صورة حديثة لفرخ نعام بالمحمية‬

‫ال وص ـيْــداً سهال‪،‬‬


‫وهــذا اللون يــزداد حمرة ودكــونــة في موسم يبت ّل بالمطر ويصبح ثقي ً‬
‫ولذلك يجفل منه‪ .‬وتأمل النعام وغذاءه يتردد‬ ‫التزاوج نتيجة للتغيرات الفسيولوجية‪:‬‬
‫في قصيدة لكعب بن زهير (ت ‪662‬م)‪..‬‬ ‫ـاضـ ـ ـ ٌـب ُزع ـ ـ ـ ـ ــرٌ َقـ ــوائـ ــمُ ـ ــه‬
‫كـ ـ ـأَ َّنـ ـ ـه ـ ــا خـ ـ ـ ِ‬
‫إذ يصف النعام بكبر حجمه‪ ،‬وأن لونها‬ ‫ـري و َتـ ــنُّ ـ ــومُ‬
‫أجـ ـ َن ــى ل ــه ب ــالـ ـ ِّل ــوي شَ ـ ـ ـ ٌ‬
‫يتداخل فيه األبيض واألسود‪ ،‬وهذا لون ريش‬ ‫الخطبان يَنقُ فه‬ ‫ي َِظلُّ في الحَ نظَ ِل ُ‬
‫وم ــا اس ـ َت ـطـ َّـف مــن ال ـ َّتــنُّ ــوم م ـخــذومُ الذكر‪ ،‬أما األنثى فلونها رمــادي‪ .‬ولكن كعب‬
‫يصف غذا ًء آخر للنعام‪ ،‬وهو المغد واللصف‬
‫ولم يصف أحد من الشعراء األنثى بهذا‬
‫إضافة للشري والتنوم‪.‬‬
‫الــلــون‪ ،‬ما يؤكد أن النعام أحمر الرقبة هو‬
‫الــذي كان ينتشر في شبه الجزيرة العربية‪َ .‬ت ـب ــرِ ي ل ــهُ ِه ـق ـ َلــةٌ خَ ــرج ــاءُ تَحسَ بُها‬
‫اآلل مخلولةً في قَرطَ ٍف شَ َرفَا‬ ‫في ِ‬ ‫وينتقل الشاعر من وصــف غــذاء النعام من‬
‫الــشــري والــتــنــوم الــى وصــف طريقة غذائه‪ ،‬ظَ ـ ـ ـ ّـا ب ـ ـأَقـ ــريـ ــةِ ال ـ ـ َنـ ــفّ ـ ــاخ َي ــو َم ــهُ ـم ــا‬
‫َّصفا‬ ‫ـران ُأص ــولَ الــمَ ـغـ ِـد والل َ‬ ‫َيـحـ َتـفـ ِ‬ ‫ووصــف حركته‪ ،‬وأن المطر هيّجة فعاد الى‬
‫«أدحيه» وهو عش النعام حيث البيض هناك‪.‬‬
‫والشريَ حتى إذا اخضرّت أنوفُ هُ ما‬
‫ومالحظة خوف النعام من المطر دقيقة في‬
‫ـوان م ــن الـ ـ َت ــنُّ ــوم ِ م ـ ــا َن ـ َق ـفــا‬ ‫ال ي ـ ــأل ـ ـ ِ‬ ‫الشعر‪ ،‬وترددت في أكثر من موضع‪ ،‬لتؤكدها‬ ‫ِ‬
‫أما ثعلبه بن صعير‪ ..‬وهو شاعر جاهلي‬ ‫الدراسات العلمية وتفسرّها؛ ألن النعام ليس‬
‫لديه غدد شمعية في ريشه‪ ،‬ولذلك يمكن أن قــديــم ربــمــا يــرجــع ال ــى (‪ )150‬عــام ـاً قبل‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪106‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫اإلســام‪ ،‬فقد وصف غذاء النعام من «اآلء» عموماً والــنــعــام على وجــه الخصوص مثل‬
‫وهو ثمار شجر السرح‪ ،‬وكذلك من «الحدج» «الــمــرو»‪ ،‬ليساعدها في طحن الحبوب في‬
‫قوانصها‪:‬‬ ‫وهي ثمار الشري‪:‬‬
‫ـاض ـ ٌـب ب ــال ـ ِ ّـس ـ ِ ّـي مــر َتــعُ ــهُ‬
‫أذاك أم خ ـ ِ‬ ‫طَ ـ ــرِ َفـ ــت مَ ـ ــراودُ ه ـ ــا وغَ ـ ـ ـ ــرَّ َد سَ ـق ـ ُب ـهــا‬
‫أبـ ــو ث ــاث ـي ــنَ أم ـس ــى ف ـه ــو مـنـقـلـ ُـب‬ ‫ب ـ ـ ــاآلءِ وا َل ـ ـ ـح ـ ـ ـد َِج ال ـ ـ ـ ـ ـرِّواءِ ال ـ ـحـ ــادِ رِ‬
‫ووصف الغذاء عند النعام داللة على عمق شَ ْخ ُت ا ْلـ ُـجـزَارَة ِ ِمثْلُ ا ْل َبي ِْت سَ ائِ رُ ُه‬
‫خشب‬
‫ُ‬ ‫ـدب شــوقـ ٌـب‬‫ـوح خـ ـ ٌ ّ‬ ‫مــن ال ـم ـسـ ِ‬ ‫التأمل وطوله ليعرف ماذا يتخير من النباتات‪.‬‬
‫وقد تردد وصف غذاء النعام عند عديد من أَ ْلـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا ُه آءٌ َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ُّنـ ـ ـ ـ ــومٌ وَعُ ـ ــقْ ـ ـ ـ َب ـ ــتُ ـ ــهُ‬
‫من الئِ ــح المرو والمرعى له عُ ق َُب‬ ‫الشعراء‪ ،‬ومنهم لبيد بن ربيعة (ت ‪661‬م)‬
‫الذي وصف التنوم والحنظل كذلك‪:‬‬
‫وشخت الجزارة‪ :‬أي دقيق القوائم صغير‬
‫الرأس‪.‬‬ ‫أ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذَاكَ أم َص ـ ـعـ ــلٌ ك ـ ـ ــأنّ ِع ـ ـ ـ َفـ ـ ــا َء ُه‬
‫ـص ـ ـ ـ ِـان‬
‫أوزاعُ الـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ــاءٍ عـ ـ ـل ـ ــى أغ ـ ـ ـ َ‬
‫والخدبّ ‪ :‬الضخم‬
‫ظـ ـ َّل ــت ت ـت ـ َّب ــع ِم ـ ــن نِ ـ ـهـ ــاءِ َصـ ـ َع ــائِ ـ ٍـد‬
‫والشوقب‪ :‬الطويل‬ ‫َب ـ ـيـ ــنَ ال ـ َّـس ـل ـي ــل َو َمـ ـ ــد َفـ ـ ــع ال ـ ـ ُّـس ـ ـ َّـا ِن‬
‫والخشب‪ :‬الغليظ الجاف‪.‬‬ ‫سَ ـ َب ــد ًا مــن ال ـ َّتــنُّ ــومِ َيـخــبِ ـ ُـطــهُ الـ ّنــدى‬
‫وقد رصدت سبعة مشاهد وصفية للنعام‬ ‫َو َن ـ ـ ـ ـ ـ ــوادِ ر ًا ِمـ ــن حَ ـ ـن ــظَ ـ ِـل ال ـ ُـخ ـط ـب ـ ِـان‬
‫وذكــر موضع النعام في شعر لبيد يتكرر عند ذو الرُّمة‪.‬‬
‫أمــا نابغة بني شيبان (ت ‪743‬م) فقد‬ ‫عند الكثير من الشعراء‪ ،‬وقد رصدت (‪)116‬‬
‫الشعر للنعام في شبه الجزيرة رصدت سبعة مواقع لوصف النعام في شعره‪،‬‬ ‫موقعاً ذكرها ِ‬
‫العربية‪ ،‬وهــي إش ــارة مهمة لمعرفة بيئاته منها وصفه للبيض وهــو يفقس عن الفراخ‬
‫القديمة ورس ــم ص ــورة النــتــشــاره مــن خالل والتي تسمى في النعام «رئال»‪ :‬ويشبهها وكأن‬
‫رؤوســهــا نتفت بغراء لقلة الريش فيها بعد‬ ‫الشعر‪.‬‬
‫ِ‬
‫أما أكثر الشعراء ذكراً ووصفاً للنعام فذو الفقس‪ ،‬وأن لها أصواتاً ال يفهمها‪ ،‬تتراطن‬
‫الرُّمة (ت ‪735‬م)‪ ،‬الذي وصفه بشكل دقيق فيها مع أمهاتها وأبائها‪ ،‬والخفيدد هو السريع‬
‫في قصيدة من (‪ )25‬بيتاً يقول منها يصف الخفيف من النعام‪ ،‬ويصفها كــأن اعناقها‬
‫ذكر النعام «الخاضب»‪ ،‬وأن له ثالثين فرخاً‪ ،‬معقودة إذا ما أمالتها لحك جسمها وذلك‬
‫ثم يسترسل في وصفه‪ ،‬وفي غذائه من ثمار لطول الرقبة‪:‬‬
‫ـال‬‫ـض ق ـ ــد َت ـ ـص ـ ـ َّيـ ــحَ ع ـ ــن رِ َئـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫السرح والتنوم‪ ،‬وأنه يأكل الحجارة الصغيرة‪ ،‬و َب ـ ـ ـيـ ـ ـ ٌ‬
‫كـ ـ ـ ـ ــأنَّ رؤوسَ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ُن ـ ــتِ ـ ـ ـ َف ـ ــت بِ ـ ــعِ ـ ـلـ ـ ِـك‬ ‫وهــذه مالحظة دقيقة أذ تستخدم الطيور‬
‫‪107‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫ـات‬‫ـراطـ ـ ــنُ ‪ -‬وه ـ ــي عُ ـ ـ ـج ـ ــمٌ ‪ -‬أَمّ ـ ـ ـه ـ ـ ٍ‬ ‫ُتـ ـ ـ ِ‬
‫وك ـ ـ ـ ـ ــلَّ ُخ ـ ـ ـف ـ ـ ـيـ ـ ــددٍ َيـ ـ ـ ـب ـ ـ ــري لِ ـ ـ ـ ُـصـ ـ ـ ِّـك‬
‫َت ـ ـ ـقـ ـ ــولُ ‪ :‬أفـ ـ ــي سَ ـ ــوالِ ـ ـف ـ ـهـ ــا ان ــعِ ـ ـق ــادٌ‬
‫إذا عَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َف ـ ــت س ـ ــوالِ ـ ـ ـفـ ـ ـ َه ـ ــا بِ ـ ـحـ ـ ِّـك‬
‫والنعام على ثقل وزنه فهو سريع الحركة‬
‫رغــم عــدم قدرته على الطيران‪ ،‬تــراوح وزن‬
‫الذكر بين (‪)130-100‬كغم‪ ،‬واألنثى بين (‪-90‬‬
‫‪)100‬كغم‪ ،‬ولكن سرعته في الركض قد تصل‬
‫الى (‪)70‬كم في الساعة‪ .‬ويمكنها أن تحافظ‬
‫لفترة طويلة على سرعة (‪)50‬كم في الساعة‪،‬‬
‫وهــو أكــبــر وأثــقــل الــطــيــور فــي الــعــالــم‪ .‬هذه‬
‫الشعر كثيراً‪ .‬ومن أجمل ما ذكر‬ ‫السرعة وثّقها ِ‬
‫فيها وصــف تأبط شــراً (ت ‪530‬م) لسرعته‬
‫النعام العربي‬
‫هرباً من أعدائه بسرعة النعام «نقنق» الذي‬
‫الشعر أيضاً منذ العصر‬
‫وصيد النعام وثق ُه ِ‬ ‫يركض عائداً لفراخه خوفاً من المطر‪ ،‬وهو‬
‫الجاهلي‪ ،‬وهو ال يقتصر على العصر الحديث‪،‬‬ ‫أســرع مــا يــكــون‪ .‬وهــو قليل الــريــش «حــص»‪،‬‬
‫ولكن شتّان بين صيد من أجل الحياة وصيد‬ ‫ويعني الذكر‪ ،‬وكثير الحركة « هــزروف» وأن‬
‫لفنائها‪ .‬فهذا الحارث بن حلّزه (ت ‪580‬م)‬
‫ريشه «عفاءه» يطير اذا ما انطلق في الصحراء‬
‫يصف سرعة ناقته بنعامة ذات فراخ فرّت من‬
‫ومد ساقيه ركضاً‪ .‬ثم في بيت عجيب يصف‬
‫قانص قرب دخــول الليل‪ ،‬ومن وقع أقدامها‬
‫طريقة ركض النعام بدقة‪ ،‬فهو سريع يتحرك‬
‫وسرعتها يتطاير الغبار‪:‬‬
‫بشكل متعرج‪ ،‬وكأنه يتزلج على الماء بسرعة‬
‫غَ ـي ـ َر أ ّن ــي َق ــد أس ـتــعِ ـيــنُ عَ ـ َل ــى ال ـ َهــمِّ‬
‫وخفة‪ ..‬ولكن بقوة تسابق الجياد األصلية‪:‬‬
‫ـوي ال ـ ـ ـ َّنـ ـ ــجَ ـ ـ ــاءُ‬ ‫إذَا خَ ـ ـ ـ ـ ـ َّـف ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َّث ـ ـ ـ ِّ‬
‫ـرت ال َي ـنـ ُـجــو َن ــجَ ــائِ ــي نِ ـقــنِ ـ ٌـق‬
‫َفـ ـ ـأَد َب ـ ـ ُ‬
‫ـوف كأ َّنـ ـ ـهـ ــا ِهـ ـ ـ ـ ـقـ َلـ ـ ـ ـ ــةٌ أُمُّ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ِـزَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـال َد ِّويـ ـ ـ ـ ــةٌ سَ ـق ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ‬
‫رِ َئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ُي ـ َب ــادِ ُر َفــرخَ ـيــهِ شَ ــمَ ــا ًال ودَاجَ نِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫ـاص‬ ‫آ َنـ ــسَ ـ ــت َن ـ ـب ـ ـأَ ًة وأف ـ ـزَعَ ـ ـهـ ــا ال ــقُ ـ ـ َّن ـ ُ‬ ‫ُوف َيـطـيــرُ ِع ـ َفــاؤُ ُه‬ ‫ـص هُ ـ ــزر ٌ‬ ‫ِم ــنَ الـ ُـحـ ِّ‬
‫عَ ـ ـ ـص ـ ــر ًا َو َق ـ ـ ـ ــد َد َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اإلم ـ ـسـ ــاءُ‬ ‫إذا اس ـ َت ــد َر َج الفَيفَا َو َم ــدَّ المغَابَنا‬
‫َف ـ َت ـرَى خَ ـلـ َفـ َهــا ِم ــنَ ال ــرَّ ج ـ ِـع وَال ـ َوق ـ ِـع‬ ‫أزَجُّ ‪َ ،‬ز ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجٌ ‪ِ ،‬هـ ـ ـ ــزرِ فـ ـ ـ ـ ٌّـي‪ُ ،‬ز َفـ ـ ـ ـ ـ ــازِ ٌف‬
‫َمــنِ ـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َك ـ ـ ــأ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ إه ـ َب ــاءُ‬ ‫ـات الـ َّـص ـوَافِ ـنــا‬‫ِه ـ ـ ـز َِّف‪َ ،‬ي ـ ُب ــذُّ ال ـ َّن ــاجَ ـي ـ ِ‬
‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪108‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫للفن*‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫تعريف‬
‫■ الطاهر لكنيزي**‬

‫الطبيعة مثلما يَتميّز العملُ عن الفعل أو اإل ْنـجــاز عُ موما‪،‬‬


‫يتميّز الفنّ عن ّ‬
‫ونتاج أو حصيلة األول‪ ،‬األثر‪ ،‬عن آثار الثاني‪.‬‬
‫في واقــع األمــر‪ ،‬يجب أن ال نُسمّ ي ف ّنًا إال ما نَتج عن ُحرّية‪ ،‬بمعنى عن إرادة‬
‫النحل عم ًال فنّي ًا (أقراص‬
‫ُؤسس تصرُّ فاتها على العقل‪ .‬يَطيب لنا أن نُسمّ ي عم َل ْ‬ ‫ت ّ‬
‫لت بإتقان)‪ ،‬لكنّه ليس إ ّال قِ ياسا على ذلك؛ ألنّه عندما ننتبه إلى‬ ‫العسل التي ُشكّ ْ‬
‫ُوجه عمل النحل‪ ،‬فإنّنا نقول على الفوْرِ ‪:‬‬ ‫خاصة من اإلدراك ت ّ‬ ‫أنّه ال وُجو َد لفكرة ّ‬
‫إنّه إنتاجُ طبيعَتِ هم (غريزَتِ هم)‪ ،‬أمّ ا العملُ الفنّيُ فَننْسبُه إلى خالقهم‪.‬‬

‫عندما نبحث في مسْ تنقع‪ ،‬نجدُ‪ ،‬كما النّحل)‪ ،‬من غير أن تكون هذه العلّة‪ ،‬في‬
‫يحدثُ أحيانًا‪ ،‬قطع ًة خشبي ًة منحوتةً‪ ،‬واقع األمر‪ ،‬قد أدركتْ هذا التأثير‪ .‬بَيْد‬
‫فنقول إنّ هــذا نــتــا ُج للفنٍّ وليس من أنّه عندما نُسمّي‪ ،‬بِبساطة‪ ،‬شيئًا نِتاجً ا‬
‫َمل فنّيِّ ‪ ،‬كي نُميّزه عن أثَر للطّ بيعة‪،‬‬
‫لع ٍ‬ ‫الطّ بيعة؛ إنّ علّتها الفعّال َة قد فكَّرتْ‬
‫ْسان‪.‬‬
‫غاية يَدي ُن لها بها شكل ُها‪ .‬إنّنا نَرى فإنّنا نَعني بذلك دائمًا أنّه عم ُل إن ٍ‬
‫في ٍ‬
‫إنّ الــفــنّ ‪ ،‬مــهــارة اإلنــســان‪ ،‬يَتميّز‬ ‫حصيل َة الفنِّ في ك ّل ما هو على هذه‬
‫الشاكلة‪ ،‬حيثُ التمثُّ ُل علّ ُة السّ بب التي كذلك عن العِ لم‪ ،‬مثلما تتميّز‪( :‬القدرةُ‬
‫كان عليها أن تسْ بق اإلنجاز‪( ،‬حتّى عند عن المعرفةِ )‪ ،‬والكفاءةُ التطبيق ّي ُة عن‬
‫‪109‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫الــكــفــاء ِة الـ ّنــظــر ّيــة‪ ،‬والتّقني عــن النّظري‪ ،‬في إعْ الئه إلى درجة أرْقى‪ .‬أسمّي شاعرا‪،‬‬
‫ـان يستطيع إدمــا َج‬
‫و(المَسْ ُح مثال عن الهندسة)‪ .‬الفنُّ يجعل أسمّي مبدعا‪ ،‬كــلَّ إنــسـ ٍ‬
‫بدرجة كافية‬
‫ٍ‬ ‫الوعيَ أكث َر وُضوحا في طريقة مُعالجته حالتهِ الشعورية في موضوع‪،‬‬
‫الــمــوضــوع‪ ،‬كــيْ يَــجــد فــي العمل ال ُمنْتهي تضطرّني إلى المُرور إلى هذه الحالة من‬
‫الفكرةَ األولــى الشامل َة والغامضةَ‪ ،‬وغير الشّ عور‪ ،‬وبالتالي تُمارس عليّ نشاطا حيويّا‪.‬‬
‫المكْبوتةِ ‪ ،‬التي تَمثّلها في عمَله‪ .‬إنّ عدم لكن هذا ال يعني أنّ كل شاعر يكون في درجة‬
‫امْتالك مثلِ هذه الفكر ِة الشاملة‪ ،‬الغامضة من الطراز األول‪ .‬إن درجته في الكمال تعتمد‬
‫هاز فنّي‪ ،‬على ثَــراء المُحتوى الجوّاني الذي يمْتلكه‪،‬‬
‫ولكنها قويّة‪ ،‬وسابقة على ك ّل ِج ٍ‬
‫فمن المستحيل أن يَنشأ أيُّ عمل شعْري؛ وبالتالي ذاك ال ــذي يــصــدر عنه خــارجــا‪،‬‬
‫والــشّ ــعــر‪ ،‬إذا لــم أبــالــغ‪ ،‬يقتضي بالضبط وبدرجة الضرورة التي يفرضها عمله‪ .‬فكلّما‬
‫معرف َة التعبير عن هذا الالوعي وإيصاله؛ كانت حساسيته ذاتية‪ ،‬فإنّها تكون طارئةً‪ ،‬إذ‬
‫بعبارة أخــرى‪ ،‬أن يُـ ْد َمــج في مــوضــوع‪ .‬قد أنّ قوة الموضوعية تعْتمد على ما يُشارك‬
‫عمل أن‬
‫يحقُّ لنا أن نطلب من ك ِّل ٍ‬
‫يستطيع جيّدا‪ ،‬من ليس بشاعر‪ ،‬أن يتأثّر في الفكرة‪ِ .‬‬
‫مثل الشاعر بفكرة شعْريّة‪ ،‬ولكنّه يعْجز عن يكون مُعبّرا بك ّل ما في الكلمة من معنى‪ ،‬إذ‬
‫إدماجها في موضوعه‪ .‬قد يعجز كذلك عن يجب أن يكون له طابعٌ‪ ،‬وإ ّال فإنّه أصغ ُر من‬
‫عَ رْضها على الشّ كل الذي يستطيع االستئثار ال شيء‪ ،‬ولكنّ الذي يُعبّر عنه الشاعر القُحَّ ‪،‬‬
‫يحصل هو اإلنسانيّة في ك ّل مُجملها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بخاصيّة الضرورة‪ .‬كما أنّه يمكن ان‬

‫ْص في الرجال الذين‬


‫ال يوجد اليوم نق ٌ‬ ‫للّذي ليس شاعرًا‪ ،‬أن يُنتج كالشاعر عمال‬

‫عن وعْ ي بطابع الضرورة‪ ،‬غير أن عمال مثل تُقدُح ثقافتهم إلى أبعد ح ّد لكي ال يَرضوا‬
‫هذا ال يمتح جــذورّه من الالوعي‪ ،‬كما أنّه إ ّال بما هو كام ُل االمِ تياز‪ ،‬ولكنّهم ل ْن يكونوا‬
‫ال ينتهي كذلك في الالوعي‪ ،‬وسيبقى دائما قادرين على إنتاج‪ ،‬ولو ببساطة‪ ،‬شيئا يكون‬
‫والتبصرِ جيّدا‪ .‬إنهم عاجزون عن اإلبداع؛ فالطريق‬
‫ّ‬ ‫تآلف الالوعي‬
‫َ‬ ‫عمال فكريّا‪ .‬إنَّ‬

‫الذي يؤدّي من الذات إلى الموضوع ممنوع‬ ‫يصن ُع الفنّا َن في الشعر‪.‬‬

‫لــقــد تَ ــشــوّش مـ ْعــنــى الــشــعــر‪ ،‬فــي هــذه عليهم؛ والحالة هذه أن هذه الخطوة هي‬
‫السنوات األخيرة‪ ،‬وذلــك من فـرْط الرّغبة بالضبط ما أريد من الشاعر أن يجتازها‪.‬‬

‫‪Schiller، correspondance entre Schiller et Goethe، lettre du 27 mars 1801، trad. L. Herr. Plon‬‬ ‫* ‬
‫‪..édit. 1923‬‬
‫** كاتب من المغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪110‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ذا بـوســـــــت‬
‫الصحافة‬
‫فيلم عن ضمير ّ‬
‫■ د‪ .‬سليمان احلقيوي*‬

‫كثير من نجاحات ستيفن سبيلبيرغ كانت بواسطة الدراما التاريخية‪ ،‬يمكننا‬


‫أن نذكر منها (إنقاذ الجندي رايــان) ‪1998‬م‪ ،‬و(أمستاد) ‪1997‬م‪ ،‬ولينكون ‪2012‬م‪،‬‬
‫و(ميونخ) ‪2006‬م‪ ...‬هو يعرف دائما كيف يجد الشكل األنسب للتعبير عن القصص‬
‫التي يختارها‪ .‬وعبر الدراما التاريخية صنع الكثير من إرثه واسمه‪ ،‬لكن ما يجعل‬
‫جديده (ذا بوست) مختلفً ا كثير ًا عن باقي أفالم الدراما التاريخية التي قدّ مها‬
‫قصة عن الوضع الداخلي لبلده‪ ،‬وعمله على قضية الصحافة ونضالها‬ ‫عودته إلى ّ‬
‫من أجل الحرّية‪ ،‬هو نضال يشبه معارك الصحافة اليوم ألجل إسماع صوتها‪.‬‬
‫في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب‬ ‫الصحافة كان‬
‫أيّ فيلم عن حرّية ّ‬
‫في دورتــه الـــ‪ 74‬بقولها‪ :‬إن هناك من‬ ‫ســيــصــدر فــي ه ــذه الــفــتــرة ك ــان ليُعد‬
‫يتربص بالسينما والصحافة‪ ،‬رد آخر‬ ‫تصفية حساب مع الرئيس األمريكي‬
‫من ستريب كــان أيضا بسبب سخرية‬ ‫دونالد ترامب‪ ،‬الــذي ال يخفي عــداءه‬
‫الرئيس األمريكي من الصحفي سيرج‬ ‫لإلعالم في الكثير من المناسبات‪ ،‬وأي‬
‫كوفاليسكي ال ــذي يعاني مــن مرض‬ ‫فيلم كانت ستشارك فيه مريل ستريب‬
‫مزمن يضعف حركة ذراعيه‪.‬‬ ‫سيجعلنا ننتبه كــثــيــراً لــدورهــا فيه‪،‬‬
‫وبالعودة إلى «ذا بوست»‪ ..‬فهو ليس‬ ‫فقد وصفها تــرامــب فــي تدوينة على‬
‫تويتر بأنها تقدّر أكثر مما تستحق في الفيلم األوّل الذي ينبش في تحقيقات‬
‫هوليود‪ ،‬وردّت عليه هي خالل تكريمها الــصــحــافــة الــتــي تـ ــؤدي إل ــى الكشف‬
‫‪111‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫أحياء السود بالمخدرات وتموّل بها حروبها‬ ‫عن قضايا كبيرة‪ ،‬فقبله بعامين فاز فيلم‬
‫الخارجية‪ ،‬الفيلم ركز كثيرًا على إصرار ويب‬ ‫سبوتاليت (‪2015‬م) لتوماس ماكارثي بجائزة‬
‫كي يكشف خيوط المؤامرة وتضحيته من‬ ‫األوســكــار فئة أفضل فيلم‪ ،‬هو عمل أعاد‬
‫أجل أن تصل الحقيقة إلى الناس‪.‬‬ ‫للصحافة قيمتها من خالل تطرقه للمجهود‬ ‫ّ‬
‫كل هذه األفالم كانت في الغالب تعرض‬ ‫الجبار ال ــذي قــام بــه فــريــق صحفي حول‬
‫إصرا َر صحفيٍّ فرد أو فريق نشر ما يفضح‬ ‫إنجاز تقارير صحفية عن اعتداءات جنسية‬
‫الحكومة ويدينها‪ .‬و(ذا بوست) لم يخرج عن‬ ‫تدين الكنيسة‪ .‬الفيلم جعل كل من يمارس‬
‫قصة أثقل وزنا‪،‬‬
‫هذه القاعدة‪ ،‬لكنّه استعاد ّ‬ ‫الصحافة فــي العالم يشعر بالفخر وهو‬
‫ولم يقف عندها فقط‪ ،‬فقد عالج بموازاتها‬ ‫يسترجع سنواتها المجيدة‪ .‬وال بد أيضا‪ ،‬من‬
‫قضايا أخرى عن ضمير الصحافة ومبادئها‪،‬‬ ‫استحضار فيلم «كل رجال الرئيس» ‪1976‬م‬
‫وعن قوّة المرأة ومجابهتها للضغوطات‪ ،‬حتى‬ ‫بما هو أحد أهم األعمال في هذا الجانب‪،‬‬
‫وإن كانت حرية التعبير فكرته المحورية‪،‬‬ ‫القصة الحقيقية للصحفيين‬ ‫ّ‬ ‫وتناولت أحداثه‬
‫فقد عبّر ضمنها عن فكرة أخــرى أعمق‪..‬‬ ‫الشهي َريْن في جريدة واشنطن بوست؛ بوب‬
‫وهي مدى قدرة الصحافة على االستمرار‬ ‫وود وارد وكــارل بيرنستين‪ ،‬اللذين كشفَا‬
‫دون داعمين اقتصاديين‪ ..‬ومــدى قدرتها‬ ‫فضيحة ووتــرجــيــت‪ ،‬وكــانــا وراء استقالة‬
‫على إسماع صوتها رغم ما قد يكون فيه من‬ ‫الرئيس األمريكي ريتشارد نيكسون عام‬
‫إزعاج ألصحاب رؤوس األموال‪.‬‬ ‫‪1974‬م‪ ،‬كما عرف عام ‪2014‬م صدور فيلم‬
‫يعود بنا ذا بوست إلــى أحــداث واقعية‬ ‫آخر مهم هو « أقتل الرسول» لمايكل كوستا‪،‬‬
‫بداية السبعينيات‪ ،‬عندما سرّبت صحيفة‬ ‫عــن قصة الصحفي (غ ــاري ووي ــب) الــذي‬
‫«نيويورك تايمز» وثائق فائقة السرية تؤكد‬ ‫فضح الحكومة األمريكية التي كانت تغرق‬

‫فريق عمل صحيفة ذا بوست وهم يتابعون أصداء التقرير الذي نشرته الصحيفة في اإلعالم‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪112‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫توم هانكس في دور بن برادلي مدير تحرير صحيفة ذا بوست وفريقه في العمل‬
‫وهنا تبدو الحيرة على الجميع قبل أن تمنحهم كاي جراهام قرار النشر‬

‫كذب الحكومة األمريكية وإخفاءها حقيقة‬


‫الهزيمة في حــرب الفيتنام‪ ،‬واستمرارها‬
‫في الحرب عبر فترات رئاسية متتالية‪ ،‬مع‬
‫إخفاء حقائق صادمة وتسويق فكرة النصر‬
‫ب ــدل االع ــت ــراف بــالــهــزيــمــة‪ ،‬لــكــن القضاء‬
‫سيصدر حكما يمنع نــيــويــورك تايمز من‬
‫تسريب أي تقرير مشابه‪ ،‬قبل أن تخلفها‬
‫واشنطن بوست في نشر تقارير أخرى بعد‬
‫أن حصلت على أزيــد من (‪ )4000‬صفحة‬
‫منها‪ ،‬فتحولت المسألة من مجرد تسابق في‬
‫نشر هذه التقارير إلى معركة وجود وحرية‬
‫بالنسبة لكل الصحافة األمريكية‪ .‬تــردّدت‬
‫مــديــرة الصحيفة ك ــاي جــراهــام (ميريل‬
‫ستريب) وريــثــة صحيفة واشنطن بوست‬

‫‪113‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫هــذه‪ ،‬هانكس في كل مــرة يقدم شخصية‬ ‫كثيرًا أن توافق على نشر الوثائق رغم ما‬
‫جديدة يبدي قوة كبيرة ونشاطا غير معهود‪،‬‬ ‫كان يعنيه ذلك من قطع عالقاتها مع البيت‬
‫كما لو كان فيلمه األخير‪ ،‬أما رفيقته في‬ ‫األبــيــض‪ ،‬تبعت ضميرها وضــمــيــر مدير‬
‫الفيلم مريل ستريب‪ ،‬فقد وجــدت نفسها‬ ‫تحريرها بن برادلي (توم هانكس) الذي كان‬
‫أحيانا وسط حوارات مصطنعة حول ضمير‬ ‫يصر على النشر مهما كانت العواقب‪ ،‬كان‬
‫الصحافة ودوره ــا‪ ،‬حــوارات كانت مقحمة‬ ‫يرى أن الصحافة ستدفع ثمن الصمت في‬
‫ولم تحقّق المطلوب أبدا‪ ،‬ستريب حتما لم‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬عبر عقود قادمة إذا لم تتخذ‬
‫تستطع أن تبدو حقيقة في ظل النص الذي‬ ‫خطوة النشر‪.‬‬
‫سعى بشكل مكشوف إلى خلق صورة مثالية‬ ‫السناريو الذي كتبه كل من (جوش سينجر)‬
‫للصحافة دون أن ينجح في ذلك كثيرا‪.‬‬ ‫و(ليز هانا) يقتفي كثيرًا أثــر سبوتاليت‪،‬‬
‫فيلم ذا بوست هو فيلم ناجح وجميل‪ ،‬لكنه‬ ‫هي ربما محاولة إلعادة النجاح عن طريق‬
‫ليس فيلما رائعًا‪ ،‬هو أحد األفالم التي كان‬ ‫وصفة مجربة‪ .‬صحيح أن ذا بوست متفوق‬
‫ال بد أن تُقدّم يوما‪ ،‬وكان مناسبًا أن تقدّم‬ ‫بقصته لكن سبوتاليت قوي فنيا‪ ،‬وما جعل‬ ‫ّ‬
‫اآلن‪ ،‬وبأيدي مخرج عبقري مثل سبيلبيرغ‬ ‫«ذا بوست» يفقد إيقاعه أحيانا‪ ،‬هو بحثه‬
‫وطاقم كبير مثل ستريب وهانكس‪ ،‬رغم هذا‬ ‫الــواضــح عــن إســقــاطــات زمنية تصلح أن‬
‫فاإلحساس الذي ال نستطيع أن نتخلص منه‬ ‫تقابل التضييق على الصحافة في الحاضر‪،‬‬
‫القصة‪ ،‬وال شيء غيرها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أن األهم هنا هو‬ ‫ووضع الصحافة اآلن وصراعها مع ترامب‪،‬‬
‫القصة التي كشفت كذب رؤســاء الواليات‬ ‫ّ‬ ‫والفيلم أوجــد بعض المداخل لخلق هذه‬
‫المتحدة‪ ،‬في وقت صار رئيس أمريكا هو‬ ‫اإلسقاطات‪ ،‬لكنه أيضا وقع ‪-‬أحيانا‪ -‬في‬
‫من ينعت الصحافة بالكذب‪.‬‬ ‫حــوارات ومشاهد مبتذلة عن الصحافة أو‬
‫عن المرأة‪.‬‬
‫يــعــود تــوم هانكس‬
‫للعمل مــع سبيلبيرغ‬
‫فــي خــامــس مناسبة‬
‫تجمعهما‪ ،‬فقد حقّقا‬
‫معا نجاحات عظيمة‬
‫آخـ ــرهـ ــا ك ـ ــان جــســر‬
‫الجواسيس (‪2015‬م)‪،‬‬
‫كانا معًا خياراً موفقا‬
‫الممثلة ميريل ستريب في دور كاي جراهام تستمع إلى اقتراحات زمالئها في‬
‫الصحيفة قبل أن تقدم على نشر أحد أهم التقارير في تاريخ الصحافة األمريكية‬
‫ـص ــة مثل‬
‫لــتــقــديــم ق ـ ّ‬

‫* كاتب وناقد سينمائي من المغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪114‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ال فلسفة‪ ..‬وال فذلكة‬


‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫حاولت أن أتتبعها‪ ،‬وهي تدور حول‬


‫ُ‬ ‫تركت لنا األعراف ذخيرة من الكالم الحلو‬
‫النعمة وإيجاب القول بنعم‪.‬‬
‫وفي إحدى لهجات الجزيرة العربية يلتقي صديقان فيقول أحدهما‪:‬‬
‫كيف حالك؟‬
‫ليرد اآلخر‪ :‬الحمد هلل‪.‬‬
‫فيسأل األول‪ :‬منعوم؟ أي هل أنت بنعمة؟‬
‫فيقول‪ :‬منعوم‪.‬‬
‫وفي كثير من البالد العربية اشتهرت عبارة كتر خيرك‪ .‬تنطق بالتاء‪ .‬وإذا أردنا‬
‫الفصاحة قلنا كثر اهلل خيرك‪.‬‬

‫لكن العبارات المتداولة ليس فيها عــلــى حــيــن أنــهــم فــي الــغــرب يكتفون‬
‫فلسفة وال فذلكة‪ .‬فعلى وزن منعوم‪ ..‬بالقول‪ :‬أوكيه‪.‬‬

‫م ــرح ــوم أبـــــوك‪ ..‬دع ـ ــاء‪ ،‬وهـــو في‬ ‫سمعت مرات عديدة المرحوم األستاذ‬
‫عــبــداهلل خياط رئيس تحرير عكاظ الــوقــت نفسه مـــرادف لقولنا عندما‬
‫األسبق (وهــو مكاوي)‪ ،‬إذا وافــق على نسمع شــاع ـرًا مــجــيـدًا‪ :‬صــح لسانك‪.‬‬
‫قول قائل يقول له‪ :‬مرحوم أبوك‪ .‬وهو والمرادفات هنا كثيرة على رأسها‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ما يعني نعم أوافقك‪ ،‬وزيادة على ذلك صدقت‪ ،‬تمام‪ .‬أو أوكيه على لسان كثير‬
‫أدعــو لوالدك الــذي أنجبك بالرحمة‪ .‬من الجيل الصاعد‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫وزيــر الحج واألوقـ ــاف األســبــق األستاذ الالم وربما بخطف الهاء) دليل‪ ،‬وشيء دليله‬
‫محمد عمر توفيق رحمه اهلل اشتهر بالزمة منو فيه‪.‬‬
‫يقولها في مواقف كثيرة ومختلفة‪ ،‬تراوح من‬
‫األستاذ محمد فدا رحمه اهلل في طليعة‬
‫التعبير عن الشوق إلى الموافقة على الكالم‪،‬‬
‫مثقفي مــكــة الــمــكــرمــة وج ــدة قــبــل نصف‬
‫إلى السخرية ممن يقول كالما فارغا‪ ،‬إلى‬
‫قرن‪ .‬درس في مصر‪ .‬وكان يحب الشيشة‬
‫التعاطف مع المحتاج أو المتورط في مشكلة‬
‫(األرجيلة) حبا جما‪ .‬لكنه انفرد عن كافة‬
‫ما‪ .‬الكلمة هي‪ :‬أوحشتنا‪.‬‬
‫الــمــرادفــات اإليجايبة الــمــتــداولــة ببصمة‬
‫ويقال إن الملك فيصل قال‪ :‬ليت عندنا تعبيرية خاصة به فيما يتعلق بالشيشة‪ .‬كان‬
‫يقول‪ :‬من جرَّك وجرَّك أخاه ج َّر َك ُه اهللُ من‬ ‫عشرة من مثل محمد عمر توفيق‪.‬‬
‫(الجراك مادة تستخدم في‬
‫وإذا ت ــورط إنــســان فــي مــوقــف مــا لدى ِج ـرَاكْ الجنة! ِ‬
‫منطقة في جنوب الجزيرة العربية‪ ،‬فعندهم األرجيلة)‪.‬‬
‫تعبير جميل يلطف الجو ويرقق الجفاف‪.‬‬
‫والشيء بالشيء يذكر‪ ،‬فقد كــان الفدا‬
‫وهو مرادف للقول أنا ممنون لك‪ .‬أو شكرًا‬
‫له لطائف أخرى بديعة تقترب من الفلسفة‬
‫حبيبي‪ .‬أو بيَّض اهلل وجهك‪ .‬ذلك هو‪ :‬أنا‬
‫والفذلكة دون أن تقع فيها‪ .‬منها قوله‪ :‬يدخل‬
‫فدى لك! وهو مرادف أيضا للتعبير النبوي‬
‫الزوج إلى غرفة النوم وكأنه أسد‪ ،‬ثم يخرج‬
‫الشهير‪ :‬ال فض فوك‪.‬‬
‫وكأنه خروف!‬
‫أمــا التعبير الشائع في عموم الجزيرة‬
‫بقي أن نسأل‪ :‬ما معنى فذلكة؟‬
‫الــعــربــيــة بــاديــة وحــاضــرة فــهــو‪ :‬اهلل اهلل!‬
‫يقال إنــه تعبير منحوت مثل الحمدلة‬ ‫وبــعــضــهــم ينطقونه ه ــاهلل هـ ــاهلل! ويــقــال‬
‫للموافقة األكيدة مع ظالل من الثناء على والبسملة‪ .‬مثله مثل المفاقلة‪ ،‬ويعني إذا‬
‫قلتم كذا‪ ..‬فنحن نقول كذا‪ .‬آخر ما اطلعت‬ ‫المتكلم‪.‬‬
‫عليه أن فذلكة هي منحوتة من قولنا «فذلِكَ‬
‫لكن ماذا إذا احتدم النقاش؟ وبلغ الموقف‬
‫أنَّ »‪ .‬ها نحن أوشكنا أن نصل للفلسفة‪ .‬حتى‬
‫من ارتباك المتجادلين درجة ال يحتمل معها‬
‫أننا نسينا أهم عبارة وأقرب عبارة في هذا‬
‫نعم كما ال يحتمل ال‪ .‬المثقفون من أهل مكة‬
‫لهم تعبير طريف في هــذه الحال‪ .‬فيقول الوادي وهي‪:‬‬

‫جزاكم اهلل خيرًا!‬ ‫قائلهم بصوت مرتفع‪ :‬شيء يبغا له (بضم‬


‫* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقا‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪116‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫يا لهوي‪..‬‬
‫■ فهد عواد العوذة*‬

‫إس ــود‪ ..‬يــا ْنـهــار أزرق)‪ ..‬كــل هــذه التعابير مــن اخـتــراع الشعب‬
‫(يــا ْنـهــار أبـيــض‪ ..‬يــا ْنـهــار ْ‬
‫المصري الشقيق‪ ،‬وهي مجانية لكل من أراد أن ينتقد األيام بال مسبة أو شتيمة‪..‬‬
‫بداية‪ ..‬لدينا النهار األبيض‪ ،‬والذي يستخدم للتعقيب على األخبار البيضاء‪ ،‬وهو قليل‬
‫االستخدام إال عند الساسة والمسؤولين‪  ،‬والذين يستخدمونه حتى في وصف أيام الحرب‪..‬‬

‫ولدينا النهار األســود واألزرق‪ ،‬وكالهما ركبتها تغير كل ذلك‪.‬‬


‫كتب اهلل لها ‪ -‬في الغالب ‪ -‬أن تدعك‬ ‫يستخدم للتعقيب على األخــبــار السيئة‪..‬‬
‫وال أدري حقيقة ما الفرق بين اليوم األسود في صباك تتقلّب من أبيض إلــى أبيض‪..‬‬
‫والــيــوم األزرق‪ ،‬ولكن لعل للمسألة عالقة حتى إذا بلغت الثالثين ابتسمت لك ابتسامة‬
‫بعمى األلــوان‪ ..‬وعلى كل حال فهذا النهار ساخرة‪ ..‬فإذا بلغت األربعين بدأت تلحسك‬
‫الكحلي يستخدم بكثرة عند أهــل اللهو كما تلحس العنز مكعب الملح‪ ..‬فإذا أصبحت‬
‫والترفيه‪ ..‬فهو لون أيامهم االفتراضي‪ ،‬إال بالخمسين أخذت تقرمشك على هون كأنها‬
‫األرض ــة وكــأنــك الخشبة‪ ..‬فــإذا أصبحتَ‬ ‫إذا كانوا على لهوهم جاثمين‪..‬‬
‫وهــنــاك ل ــون رابـ ــع اخــتــرعــتــه السينما بالستين كــشــرت لــك عــن أنيابها وأخــذت‬
‫وأسمته النهار البمبي ‪ -‬أي الزهري ‪ -‬وهذا تنهشك نهش الضباع للجيف‪..‬‬
‫فإذا بلغت السبعين ستكتشف انه لم يبق‬ ‫النهار هو مثل كل أمور السينما ال يمت إلى‬
‫الواقع بصلة‪ ،‬لكن الطبقة المخملية تحاول منك إال هيكل عظمي ملفوف بمشم ٍّع اسمه‬
‫أن تلصق نفسها بــه وتجعله يــبــدو وكأنه الجلد‪ ..‬وحينها ستبحث في مفرداتك القليلة‬
‫نهارها االفتراضي‪ ،‬حتى وإن كانت وصفات ‪ -‬التي أبقى عليها الزهايمر ‪ -‬عن مفردة‬
‫المهدئات ومضادات االكتئاب تقول عكس تصف حالك‪ ،‬فال تجد غير (يا لهوي) وهي‬
‫اإلصــدار المصري من "يا ويلي"‪ ..‬فتولول‬ ‫ذلك‪..‬‬
‫على حالك بعض الوقت ثم باقي الولولة‬ ‫عنيفة هي األيام حتى في لونها األبيض‪،‬‬
‫ستكمله وأنت في قبرك‪ ..‬حيث ستبدأ أولى‬ ‫لكنك ال تشعر بعنفها حتى تركبها‪ ..‬فكأنها‬
‫محطات حياتك الحقيقية التي خُ لقت من‬ ‫أمواج البحر التي تبدو لك جميلة وأنت تقف‬
‫أجلها‪ ..‬‬ ‫على الشاطئ تنظر إليها وتتأملها‪ ..‬فإذا‬
‫* شاعر وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫نجاة خياط‬
‫القصيرة في المملكة‬
‫ِ‬ ‫القصة‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رائدة‬
‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫ول ــدت نـجــاة سليم إبــراهـيــم خـيــاط فــي مكة المكرمة عــام ‪1945‬م‪ -‬هـكــذا ذكر‬
‫الدكتور عالي القرشي في ترجمته لها (قاموس األدب العربي الحديث)(‪ - )1‬رغم‬
‫(‪)٢‬‬
‫أنه ذكر في ترجمتها بـ (قاموس األدب واألدباء في المملكة العربية السعودية)‬
‫أن اسمها‪ :‬نجاة عمر خياط‪ ،‬ولدت بمكة المكرمة ‪1363‬هـ‪1943 /‬م‪ ،‬وقبله ذكر في‬
‫(معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية)(‪ )٣‬أن اسمها نجاة عمر‬
‫خياط ‪1363‬هـ‪1944 /‬م وأنها من مواليد جدة‪.‬‬

‫‪ -‬مــخــاض الصمت‪ -‬مــرة أخ ــرى بعد‬ ‫وبــهــذا أخــذ د‪ .‬محمد العوين في‬
‫نحو نصف قرن عام ‪1433‬هـ‪2012 /‬م‬ ‫(صــورة المرأة في القصة السعودية)‬
‫باسم (مخاض الصمت واألقنعة) بعد‬ ‫إذ ذكر في نهاية الجزء الثاني‪ :‬فهرس‬
‫إضافة قصص جديدة‪ ،‬نشرتها مؤسسة‬ ‫المصادر والمراجع ص‪ 1689‬أن اسمها‪:‬‬
‫األع ــم ــال الــثــقــافــيــة لــأســتــاذ محمد‬ ‫نجاة عمر خياط‪.‬‬
‫المنقري‪.‬‬
‫والصحيح أن اسمها الحقيقي‪ :‬نجاة‬
‫ومما قال د‪ .‬عالي سرحان القرشي‬ ‫ال عن ابنتها‬
‫سليم إبراهيم خياط‪ ،‬نق ً‬
‫الدكتورة أماني جعفر الــغــازي‪ ،‬والتي في ترجمته لنجاة خياط في (قاموس‬
‫تولت إعادة طبع مجموعتها القصصية األدب العربي الحديث) و(قاموس األدب‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪118‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫غيره يتبلور تدريجياً لدى جيل الستينيات‬ ‫واألدباء في المملكة العربية السعودية)‪..« :‬‬
‫الذي أفاد من جهود الجيل السابق‪ »..‬وقال‪:‬‬ ‫وتلقت تعليمها األوَّلــي في بيروت‪ ،‬ودرست‬
‫«‪ ..‬ولعل أجلى مؤشرات هذا الوعي الجديد‬ ‫في مدرسة الفتاة األهلية بمكة المكرمة‪،‬‬
‫وأقواها تمثل في ظاهرة صدور (مجموعات‬ ‫ثم أخذت ثقافتها تنمو باالطالع والتثقيف‬
‫قصصية) إلبراهيم الناصر‪ ،‬وغالب حمزة‬ ‫الــذاتــي‪ ..‬أصــدرت نجاة خياط مجموعتها‬
‫أبو الفرج‪ ،‬وسعد الــبــواردي‪ ،‬وعبدالرحمن‬ ‫القصصية (مخاض الصمت) عام ‪1966‬م‪.‬‬
‫الشاعر‪ ،‬وعبداهلل جفري‪ ،‬ولقمان يونس‪،‬‬ ‫وقــد حفظ هــذا اإلصـ ــدار المبكر مكاناً‬
‫وعبداهلل سعيد جمعان‪ ،‬وسباعي عثمان‪،‬‬ ‫متقدماً للكاتبة فــي ري ــادة هــذا الفن في‬
‫ونجاة خياط‪ ،‬وربما غيرهم من كتاب هذه‬ ‫المملكة العربية السعودية من قبل المرأة‪.‬‬
‫المرحلة‪ ،»..‬وقال في الهامش‪« :‬يعتبر نشر‬ ‫وك ــان لها بــاب فــي جــريــدة الــبــاد بعنوان‬
‫الــمــجــمــوعــات القصصية فــي الستينيات‬ ‫(حــديــث الــقــنــديــل)‪ .‬وتحفل قصص نجاة‬
‫الــمــؤشــر األهـ ــم عــلــى تــكــريــس ه ــذا الفن‬ ‫بأشواق الحب‪ ،‬وجمال الوفاء‪ .‬جاءت القصة‬
‫في أدبنا‪ ،‬وبغض النظر عن القيمة الفنية‬ ‫األولى في المجموعة بـ(قلب الشاعر) طويلة‪،‬‬
‫لهذه المجموعات (الرائدة) بمعنى تاريخي‬ ‫تأخذ حيزاً ينيف على ثالثين صفحة‪ ،‬وهذا‬
‫خاص‪ ،»..‬واختار لنجاة خياط من مجموعتها‬ ‫يوضح حال البدايات القصصية التي تكونت‬
‫(مخاض الصمت) قصة (ستشرق الشمس‬ ‫مــن رحــم الحكاية‪ ،‬ولــم تنفصل عــن شكل‬
‫يوماً) من ص ‪ 333‬إلى ص‪.339‬‬ ‫الرواية‪ ،‬وتظهر المرأة في قصص المجموعة‬
‫بقيم الوفاء والصبر على االنتظار‪ ،‬والشوق‬
‫وتــنــاول االســتــاذ عبدالرحيم األحمدي‬
‫للحبيب»‪.‬‬
‫دراسة المجموعة ‪ -‬مخاض الصمت‪ -‬ضمن‬
‫دراسة منهجية قدمت استكماالً لمتطلبات‬ ‫ف ــازت نــجــاة خــيــاط بالمركز األول في‬
‫درجـــة الماجستير فــي قــســم الــدراســات‬ ‫مسابقة القصة القصيرة التي نظمها نادي‬
‫االجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬بجامعة الملك‬ ‫المدينة األدبي عام ‪1993‬م‪.‬‬
‫سعود بعنوان‪( :‬االتجاهات االجتماعية في‬ ‫وقد اختيرت رائدة للقصة القصيرة في‬
‫القصة القصيرة المعاصرة فــي المملكة‬ ‫(موسوعة األدب العربي السعودي الحديث‪..‬‬
‫العربية السعودية) في الفترة من ‪-1371‬‬ ‫نصوص مختارة ودراسات)(‪.)٤‬‬
‫‪1400‬هـ‪1980 -1951 /‬م‪.‬‬ ‫و ُعدّت نجاة خياط من مرحلة التجديد‪،‬‬
‫تــنــاول األحــمــدي بعض قصصها ومنها‬ ‫فهي المرأة الوحيدة بين (‪ )23‬كاتباً اختير‬
‫لهم نــمــاذج قصصية وقـــال‪« :‬ب ــدأ الوعي قصة (لو كنت ولــداً) قائالً‪ :‬إنها من أشد‬
‫بخصوصية القصة كجنس أدبي مختلف عن القصص إلحاحاً حول طلب المساواة‪ ،‬فهي‬
‫‪119‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫تبحث عن عضوية في المجتمع تعطيها حق‬
‫المشاركة في أنشطته‪.‬‬
‫وقال‪ ..« :‬وربما عدت نجاة خياط كاتبة‬
‫حــادة فــي معالجتها‪ ،‬ربما أكسبتها الثقة‬
‫في النفس‪ ،‬والثقافة الواسعة‪ ،‬والتجربة‬
‫المعرفية‪ ،‬هذه اللغة في الخطاب والتعبير‬
‫عن معاناة في مجتمع محلي لم يألف رقابة‬
‫حــادّة تعطّ ل التفكير والثقة في اإلنسان‪،‬‬
‫وتخضعه للشك والحيرة في أمــره‪ .»..‬كما‬
‫تناول قصة (مجرد حلم) وقصة (ستشرق‬
‫الشمس يوماً)‪.‬‬
‫وقــال د‪ .‬علي جــواد الطاهر في (معجم‬
‫ا ع ــن ج ــري ــدة الــمــديــنــة ‪:‬‬
‫(‪)٦‬‬
‫وقــــال نــق ـ ً‬ ‫المطبوعات الــعــربــيــة‪ ..‬المملكة العربية‬
‫«أهــدانــا االستاذ محمد حسن عــواد كتاب‬ ‫السعودية)(‪« :)٥‬نجاة خياط آنسة من شبه‬
‫(الــشــجــرة ذات السياج الشوكي لألستاذ‬ ‫الجزيرة العربية» في مبتدأ العقد الثالث‬
‫رشاد سروجي‪ ..‬وكتاب (مخاض الصمت)‪..‬‬ ‫من عمرها‪ ..‬ولدت في جدة ونالت تحصيلها‬
‫وهــذان الكتابان قام بطبعهما مكتب الفكر‬ ‫االبتدائي في بيروت ثم أخذت تنمّي ثقافتها‬
‫للنشر والتوزيع الذي أسسه األساتذة محمد‬ ‫بــالــمــطــالــعــة‪ ..‬اتــجــهــت إل ــى كــتــابــة القصة‬
‫حسن عــواد وعابد مغربي وأمين ساعاتي‬ ‫الحديثة وأسهمت في نشـر بعض المقاالت‬
‫لخدمة األدب‪.»..‬‬ ‫االجتماعية في صحف المملكة‪ ..‬وشاركت‪..‬‬
‫وفــي كــام للمؤلفة ‪ -‬يظهر أنــه خالل‬ ‫في مجاالت اإلذاعة»‪.‬‬
‫مقابلة ‪ -‬نشر في جريدة عكاظ(‪ :)٧‬قالت‪:‬‬‫وقال عن مجموعتها (مخاض الصمت)‪:‬‬
‫كتبت أول قصة‪ ..‬وعمري ال يتجاوز (‪)12‬‬ ‫«هي باكورة الكاتبة‪ ،‬وباكورة القصة النسائية‬
‫سنة‪ ،‬وكانت طويلة‪ ..‬ومنذ بداية ‪1383‬هـــ‬
‫في المملكة‪ ،‬وقال إن ثريا قابل في تقديمها‬
‫ب ــدأت كتابة القصة بــشــيء مــن التركيز‪،‬‬
‫للمجموعة قــالــت‪ ..« :‬وه ــا هــي إحــدى‬
‫فنشـر أكثرها في جريدة البالد طوال ثالثة‬
‫مواليد الثواني تحبو‪ ..‬تشق سجف الظالم‬
‫أعوام‪.»..‬‬
‫وتنطلق من تحت خبائه فتاة من صحرائنا‬
‫وقال د‪ .‬محمد العوين في (صورة المرأة‬ ‫الالمتناهية‪ ..‬لكن الوليدة ما تزال تحبو في‬
‫في القصة السعودية) »‪ ..‬ومجيء (مخاض‬
‫(‪)8‬‬
‫عزم وثقة تشد بنيانها لتقوى‪.»..‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪120‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫ولذا فهي تبقى بدايات إلى األبد‪ ،»..‬وقالت‪:‬‬ ‫الصمت) في عام ‪1385‬هـ مجيء مبكر جداً‪،‬‬
‫«‪ ..‬ينكشف عــنــوان المجموعة (مخاض‬ ‫إذ لم يبدأ تعليم المرأة بصورة رسمية إال عام‬
‫الصمت) عبر اإلهداء الخاص الموجَّ ه إلى‬ ‫‪1380‬هـــ‪ ،‬وربما كانت نجاة من المتعلمات‬
‫األب‪ ،‬األب الفاعل في وعي اإلبنة نجاة التي‬ ‫خارج البالد‪ ،‬وربما كان تعليمها تقليدياً في‬
‫تخاطبه في نص اإلهداء بقولها‪:‬‬ ‫كتاتيب النساء‪.‬‬
‫« أبي‪:‬‬ ‫المهم أن (مخاض الصمت) فاتحة لمرحلة‬
‫يا من علمتني كيف أصمت‪ ،‬حينما يكون‬ ‫كتابية جديدة في أدب القصة الذي يكتبه‬
‫الرجل والــذي تكتبه المرأة على السواء‪ ..‬الضجيج تافهاً‪.‬‬
‫ومع ذلك كله يمكن ع ّد (نجاة خياط) الرائدة‬
‫بتواضع‬
‫الحقيقية للقصة القصيرة رغم توقفها؛ وما‬
‫أهدي إليك مخاض صمتي‪.‬‬ ‫أعنيه هنا أن (نجاة خياط) اختصرت في‬
‫نجاة»‪.‬‬ ‫مجموعتها (مخاض الصمت) مراحل القصة‬
‫ثمة صمت مقصود‪ ،‬صمت غير قهري‪،‬‬ ‫القصيرة‪ ،‬وعبرت بها بحر التيارات التقليدية‬
‫بــل اخــتــيــاري‪ ،‬الصمت عــن الــكــام ظاهرة‬ ‫البائدة ووضعتها على مشارف الحداثة»‪.‬‬
‫وفــي محاضرة ألقتها د‪ .‬سهام صالح ثقافية‪ ،‬أو مخترع ثقافي على نحو ما يصفه‬
‫العبودي بالصالون النسائي ‪ -‬النادي الثقافي د‪ .‬عبداهلل الغذامي‪..‬‬
‫وقالت‪ :‬وتقابلنا بعد‬ ‫األدبي بجدة(‪ )9‬قالت‪:‬‬
‫تحفل قصص نجاة خياط بأشواق‬ ‫«‪ ..‬وتجربة األستاذة‬
‫اإلهـــــداء (الــمــقــدمــة)‬
‫الحب‪ ،‬وجمال الوفاء‬
‫التي كتبتها رائدة أخرى‬ ‫نــــجــــاه خــــيــــاط فــي‬
‫من رائــدات األدب في‬ ‫فازت بالمركز األول في مسابقة‬ ‫اإلنـ ــتـ ــاج الــقــصــصـــــي‬
‫القصة القصيرة التي نظمها نادي‬ ‫ليست تجربة عابرة‪،‬‬
‫الــســعــوديــة‪ ،‬ربــمــا هي‬
‫المدينة األدبي عام ‪1993‬م‬
‫مصادفة تاريخية أن‬ ‫ل ــق ــد كـــانـــت تــجــربــة‬
‫تكتب الشاعرة الكبيرة‬ ‫عبدالرحيم األحمدي‪ :‬قصة‬ ‫ذات أثـــــر مــــــزدوج‪:‬‬
‫ثريا قابل (صاحبة أول‬ ‫(لو كنت ولداً) من أشد القصص‬ ‫أدبــي وتاريخي‪ ..‬هذا‬
‫إلحاح ًا حول طلب المساواة‬ ‫هــو الــتــاريــخ‪ ،‬تاريخنا‬
‫ديوان شعر تكتبه امرأة‬
‫في المملكة) (األوزان‬ ‫(مخاض الصمت)‪ :‬هي أول‬ ‫الثقافي المكتوب الذي‬
‫الــبــاكــيــة) مقدمة أول‬ ‫مجموعة قصصية تكتبها‬ ‫يــقــول لــنــا‪ :‬إن هناك‬
‫مــجــمــوعــة قصصية‬ ‫امرأة في تاريخ الحركة األدبية‬ ‫مــر َّة أولــى لكل شيء‪،‬‬
‫السعودية‬
‫تكتبها امرأة في تاريخ‬ ‫الــبــدايــات ال تتكرر‪،‬‬
‫‪121‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫أمــانــي جعفر الــغــازي ‪ -‬أســتــاذة الــتــاريــخ‬ ‫الحركة األدبية السعودية‪..‬‬
‫بجامعة الملك عبدالعزيز‪ ،‬والتي أمدتنا‬ ‫وقالت‪ :‬في الطبعة الثانية تُقابلنا مقدمة‬
‫بسيرة مختصرة لوالدتها ‪ -‬نجاة خياط‪-‬‬ ‫مختلفة‪ ،‬مقدمة تكتبها اإلبنة‪ ،‬وصوت اإلبنة‬
‫كما كتبتها قائلة‪« :‬ولــدت في أواخــر صيف‬ ‫امتداداً‪ ،‬وتجاوزاً لحالة الصمت إلى القول‬
‫عام ‪1367‬هـ‪1947/‬م‪ ،‬كنت الطفلة الوحيدة‬ ‫بل إلى الفعل‪ ،‬إذ تُبعث النصوص من جديد‪،‬‬
‫ألسرتي بعد أن اختار اهلل إخوتي الثالثة‬ ‫تستعيد وهجها في زمن آخر‪ ،‬وتترك بصمة‬
‫فائقة‪ ،‬وزكي‪ ،‬ومحمد فوزي‪ ،‬في أول عام من‬ ‫جديدة في دنيا الكتابة‪.‬‬
‫عمرهما كنت الثانية بين إخوتي‪.‬‬
‫وق ــال ــت ف ــي حــــوار صــحــفــي ســابــق أن‬
‫قــضــيــت ج ـ ــزءاً م ــن طــفــولــتــي ف ــي مكة‬ ‫أول قصة كتبتها بعد أن تشكلت قراءتها‬
‫(وتحطمت األغ ــال)‪ ..‬ففي القصة رصد المكرمة مكان عمل والدي في وزارة المالية‪.‬‬
‫تلقيت دراس ــت ــي االبــتــدائــيــة فــي مكة‬ ‫لظاهرة الرقيق التي كانت منتشرة فيما‬
‫مضى‪ ..‬وتحتفل القصة عبر حبكة صاعدة بمدرسة لتعليم الفتاة «الفتاة األهلية»‪ ،‬وكانت‬
‫بقرار إلغاء الرقيق‪ ،‬بتحطم األغالل‪ ،‬والقصة هذه المدرسة إحدى مدرستين للبنات بمكة‬
‫التي تأتي منشورة بجريدة البالد بعد أقل بها عدة فصول من أولى ابتدائي إلى سادسة‬
‫ابتدائي‪ ،‬لكن المدارس األخرى كانت كتاتيب‬ ‫من عام على القرار‪..‬‬
‫وتختتم المحاضرة بقولها‪ ..« :‬أتوقف تتلقى فيها البنات قراءة القرآن والحروف‬
‫أخيراً عن ملمح جوهري في تجربة الكاتبة‪ :‬األبجدية فقط‪ ،‬من ضمنها ُكتّاب السيدة‬
‫ملمح اللغة الحيّة‪ ،‬المتمكنة‪ ،‬تمتلك الكاتبة صبرية‪ ،‬وقد درست في بداية تعليمي القرآن‬
‫معجماً لــغــويـاً ثـــراً‪ ،‬وتمتلك ق ــدرة هائلة الكريم ومــبــادئ الكتابة لمدة قصيرة‪ ،‬ثم‬
‫على تشكيل اللغة‪ ،‬وتطويعها عبر الصور‪ ،‬انتقلت لمدرسة الفتاة األهلية‪ ،‬ويجدر بي أن‬
‫والــمــجــازات‪ ،‬واالنــزيــاحــات‪ ،‬والتشكيالت أذكر مؤسِّ سة المدرسة وصاحبتها السيدة‬
‫الفريدة‪ .‬إن امتالك ناصية البيان هو القدم صالحة حسن رحمها اهلل؛ وهــي جاوية‬
‫الثانية التي يمشي عليها كاتب القصة‪ ..‬األصل‪ ،‬جزاها اهلل خيراً‪.‬‬
‫كانت مدرستها هي بداية مرحلة تطور‬ ‫والتجربة القصصية عند الكاتبة تجربة‬
‫متميزة‪ :‬حبكة قصصية مسكوبة في قوالب م ــدارس تعليم الــفــتــاة‪ ،‬قــدمــت فيها العلم‬
‫لغوية فريدة‪ ،‬تجربة تمنح البدايات رسوخها للكثير من بنات مكة المكرمة‪.‬‬
‫عند انــتــهــاء دراســتــي االبــتــدائــيــة مرت‬ ‫الالزم‪ ،‬واستحقاقها للريادة»‪.‬‬
‫وفــي اتــصــال ومتابعة بالصديق محمد بنا فترة تحوّل خطيرة في حياتي زلزلت‬
‫المنقري بجدة الذي اتصل بدوره بالدكتورة طفولتي وعبثت بأمنها وسعادتها‪ ،‬وقطعت‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪122‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫عليَّ دراستي اإلعدادية‪ ،‬فقد أصيبت والدتي مــثــل الــبــؤســاء لــفــكــتــور هــيــجــو‪ ،‬وقــصــص‬
‫بمرض استوجب سفرها إلى خارج المملكة أندريه مورو‪ ،‬وجان جاك روسو‪ ،‬باإلضافة‬
‫لمسرحيات فولتير الساخرة وستيفان زفايج‪،‬‬ ‫للعالج‪.‬‬
‫ولكن والــدي رحمه اهلل فتح لي أبــواب الذي بصفة خاصة تهزني شاعريته ورقيه‬
‫ال من الكتب في الكتابة‪ ،‬أما األدب الروسي فهو رائع جداً‬ ‫المعرفة‪ ،‬حيث وفر لي كماً هائ ً‬
‫العلمية واألدبية والثقافية حتى كتب الشعر وقريب لألحاسيس اإلنسانية‪ ..‬حقاً إن أدب‬
‫والــفــلــك والــقــصــص المترجمة مــن الكتب القصة هو تاريخ حيّ للشعوب والمجتمعات‪.‬‬
‫مــن أدبــائــنــا الــعــرب‪ :‬يــوســف السباعي‪،‬‬ ‫والمجالت التي لم تكن تتوافر لغيري في‬
‫ونجيب محفوظ‪ ،‬وإحــســان عبدالقدوس‪،‬‬ ‫ذلك الزمن‪.‬‬
‫حينما بدأت الكتابة في الصحف‪ ،‬كتبت إضافة الى عدد من الشاعرات العربيات‬
‫قصصاً قصيرة‪ ،‬وأذكــر أن صحيفة البالد أمثال نازك المالئكة‪ ،‬وفدوى طوقان‪.‬‬
‫ومن أدباء بالدي الحبيبة األستاذ محمد‬ ‫السعودية أول صحيفة نشرت لــي‪ ،‬وكانت‬
‫قصة قصيرة نوعاً ما بثالث حلقات اسمها حسن عواد عميد األدب السعودي‪ ،‬والشاعر‬
‫(تحطمت األغالل)‪ ،‬كان عنواناً بارزاً لموقف محمد حسن فقي‪ ،‬والشاعر حمزة شحاتة‪،‬‬
‫وهــؤالء جميعا منحوني أمتع شعور حينما‬ ‫جديد تقفه الفتيات في وطني‪.‬‬
‫وكــنــت أســتــنــد عــلــى والـ ــدي رحــمــه اهلل قرأت لهم‪ ..‬وأثَّروا في تكويني األدبي لفترة‬
‫بتشجيعه ومــؤازرتــه‪ ،‬فلم أبالي بالمواقف من الفترات‪.‬‬
‫ولكن المحرك األول ورائــي‪ ،‬والــذي كان‬ ‫الصعبة التي كانت المرأة في بداية انفتاحها‬
‫عــلــى الــكــتــابــة فــي الــصــحــف مــن استنكار له أعظم األثر في حياتي‪ ،‬هو والدي سليم‬
‫وإشــاعــات‪ ..‬بقيت أكتب عشرات القصص خياط رحمه اهلل‪ ،‬الــذي كــان موته بمثابة‬
‫القصيرة والــمــقــاالت بصفحة الــمــرأة في صدمة اقتلعت كــل طموحي ومشاعري‪..‬‬
‫عكاظ‪ ،‬بإشراف ثريا قابل الشاعرة المبدعة‪ ،‬وشلت يدي وفكري على أن أكتب بالغزارة‬
‫وكنا اإلثنتين في بداية عهد جديد للكتابة السابقة نفسها‪.‬‬
‫وأمي «آمنة علي» كان لها الدور الكبير في‬ ‫النسائية في الصحف السعودية‪.‬‬
‫كان لدي عامود اسمه (حديث القنديل) حياتي؛ األلم الذي غلف شبابها وشجاعتها‬
‫أكــتــبــه أســبــوعــي ـاً فــي عــكــاظ‪ .‬فــي بــدايــة وحبها للحياة‪ ..‬منحني كل ذلك قوة وأمالً‪،‬‬
‫حياتي تأثرت بأدب المنفلوطي الرومانسي وزرع في قلبي القدرة على مواجهة المصاعب‬
‫وماجدولين‪ ،‬وبالقصص المترجمة العالمية واألمل في غد أجمل للمرأة في مجتمعي‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫كتبت كثيراً من المقاالت في الصحف المرأة اليوم التي لم تسمعه‪ ،‬ولم يمر بها ما‬
‫الــســعــوديــة واللبنانية‪ ،‬وفــي مجلة البيت مر بالمرأة قبل خمسين عاماً وأكثر‪ ،‬وهي‬
‫أنها من آالف الصور التي اضطهدت فيها‬ ‫السعيد التي تصدر في بيروت‪.‬‬
‫ربــمــا تميزت بعض قصصي بالرمزية المرأة في مجتمعنا العربي في السابق‪ ،‬وكان‬
‫والــحــوار الداخلي؛ فهي لوحات من بعض الظالم يلفها‪ ،‬والبد للنور أن يتسلل إلى قلب‬
‫الــصــور التي تحدث فــي الحياة والــتــي قد اإلنسان‪ ..‬ليمأله أمالً‪..‬‬

‫األمل في الحياة الطبيعية الكريمة التي‬ ‫تواجه أي إنسان منا‪.‬‬


‫«ستشرق الشمس يــومـاً» كتبتها صيف كرمها وحفظ حقوقها ديننا الحنيف‪..‬‬

‫والبد للشمس أن تشرق يوماً على ظالم‬ ‫‪1385‬هـ‪1965/‬م في بيروت ضمن مجموعة‬

‫«مــخــاض الــصــمــت» مــا بين عــام ‪1384‬ه ـــ العالم فتمأله محبة وسالماً‪..‬‬
‫‪1385‬هـ ‪1964/‬م‪1965-‬م تقريباً‪.‬‬
‫كتابتي للقصة بـــدأت فــي ســن مبكرة‬
‫هذه القصة بالذات أثــارت وقتها جدالً‬
‫نــوع ـاً مــا‪ ،‬إذ كنت فــي الثالثة عشـرة من‬
‫كبيراً‪ ،‬فكثيرون حاربوني‪ ،‬وكثيرون وقفوا‬
‫عــمــري‪ ،‬كتبت روايـــة طويلة تصلح قصة‬
‫إلى جانبي وشجعوني‪ ،‬ومن ضمنهم عميد‬
‫لفيلم سينمائي؛ ألنها مشحونة باألحداث‬
‫األدب الــســعــودي األس ــت ــاذ مــحــمــد حسن‬
‫واالتصاالت العنيفة‪.‬‬
‫عواد‪ ،‬والصحفي الالمع محمد عبدالواحد‪،‬‬
‫ربما تمثل شحن العواطف والرومانسية‬ ‫رحمهما اهلل جميعاً‪ ،‬وجزى اهلل خير الجزاء‬
‫في بداية الشباب‪ ..‬ولم يصدق من قرأها‬ ‫كل من وقف معي وآزرني ودافع عني‪.‬‬
‫أنني أنا مَن كتبها‪ ،‬إذ قالوا إنك نقلتيها من‬
‫ستشرق الشمس يوماً‪ ..‬هي أمل وضعته‬
‫إحدى القصص التي تمأل مكتبة والدك‪.‬‬
‫في قصة قصيرة‪ ،‬وهي إحدى الصور التي‬
‫بعدها كتبت قصة طويلة تقع أحداثها في‬ ‫كــان يزخر بها مجتمعي فــي حياة زوجية‬
‫غير متكافئة‪ ..‬حملت فيها المرأة الجزء لبنان‪ ..‬وفي الرواية الثالثة أحسست بالملل‬
‫التعس دون أن تحتج أو تدافع عن كرامتها من التطويل ولم أكملها‪ ..‬طبعاً هذه الروايات‬
‫وإنسانيتها المسحوقة فــي بــيــوت كثيرة لم تنشر إنما كانت بداية عهدي بالكتابة‪.‬‬

‫ولــم أكــن أبالي بالمواقف الصعبة التي‬ ‫تجد هذه المرأة تنتظر النور واالنعتاق من‬
‫الظالم‪ ..‬ولكن من يعلم بها!‬
‫كانت تقابل المرأة في بداية انفتاحها على‬
‫أمــا األص ــوات التي نسمعها اليوم فهي الكتابة في الصحف من استنكار وإشاعات‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪124‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫كتبت كثيراً من النثر واألبيات الشعرية‪ ،‬حادث أليم‪ .‬وقد ترك رحيله جرحاً ال يندمل‬
‫ولكن لم أنشر أ ّيًا منها والقليل من أصدقائي في قلبها‪.‬‬

‫تنقلت مع زوجها الــذي عمل ملحقاً في‬ ‫يعرف ذلك‪.‬‬

‫نشر كتابي «مــخــاض الصمت» الطبعة سفارة المملكة العربية السعودية في دمشق‪،‬‬
‫األولــى عــام ‪1385‬هــــــ‪1966/‬م‪ ،‬أثــنــاءه كنت لمدة أربع سنوات‪ ،‬وعاصرت القاصة نجاة‬
‫في لبنان أ ُراجــع مسودات الكتاب‪ ،‬وغبت خياط حرب رمضان وأهوالها وحصارها‪ ،‬إذ‬
‫عــن الــســاحــة األدبــيــة بسبب عــمــل زوجــي دمرت الطائرات اإلسرائيلية معظم البيوت‬
‫وتنقالته المتعددة‪ ،‬ثم أعدتُ إصدار الكتاب المجارة لمسكنهم في شارع أبو رمانه‪.‬‬
‫في طبعته الثانية ‪1433‬هـ‪2012/‬م‪ ،‬وأضفت‬
‫ثــم ارتــحــلــت مــعــه إل ــى أثــيــنــا عــنــد نقله‬
‫عليها مجموعتي القصصية «األقنعة» التي‬
‫سكـرتيراً أول في سفارة المملكة في اليونان‬
‫كانت إلى ذلك الوقت حبيسة األدراج‪.‬‬
‫لمدة سبع سنوات‪ ،‬وبعدها إلى القاهرة لمدة‬
‫خمس سنوات‪ .‬ثم إلى غانا قائماً باألعمال‬ ‫حياتي الخاصة‬
‫هناك لمدة أربــع سنوات‪ ،‬لتستقر األســرة‬
‫تزوجت من ابن عمتها عام ‪1389‬هـ‪1969/‬م‬
‫خاللها فــي أرض الــوطــن‪ ،‬بسبب دراســة‬
‫ولها من األبناء ثالثة‪ :‬م‪ .‬نهلة الغازي وهي من‬
‫مواليد بيروت‪ ،‬ود‪ .‬أماني الغازي من مواليد األبناء في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة‪.‬‬

‫تعكف نجاة خياط اآلن على تسجيل‬ ‫جده‪ ،‬وتعمل في جامعة الملك عبدالعزيز‪،‬‬
‫قسم التاريخ‪ ،‬واالبن الثالث سليم الغازي من ذكرياتها الخاصة عــن أسرتها فــي كتاب‬
‫مواليد أثينا في اليونان‪ ،‬كان مهندسً ا في خــاص ستخصصه لألصدقاء فقط وليس‬
‫الحرس الوطني‪ ،‬توفي في عز شبابه إثر للنشر العام‪.‬‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬
‫(‪ )1‬إشراف د‪ .‬حمدي السكوت ط‪2015 ،2‬م القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ص‪.817‬‬
‫(‪ )2‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬الرياض‪ :‬دارة الملك عبدالعزيز ‪1434‬هـ‪2013 /‬م‪ ،‬ص‪.512‬‬
‫(‪ )3‬ط‪1413 ،2‬هـ‪1993 /‬م الرياض‪ :‬الدائرة لإلعالم المحدودة‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫(‪ )٤‬ط‪ 1‬مج‪ 4‬القصة القصيرة‪ ..‬إعداد الدكتور معجب الزهراني‪ .‬ص‪ 27-26‬و‪.339 - 333‬‬
‫(‪ )5‬ط‪ ،1‬ج‪1985 2‬م‪.‬‬
‫(‪ 7 )6‬شعبان ‪1386‬هـ‪ 20 /‬نوفمبر ‪1966‬م‪.‬‬
‫(‪1387/9/13 )7‬هـ صفحة أدب (كل خميس)‪.‬‬
‫(‪ )8‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬الرياض ‪ -‬مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪.‬‬
‫(‪ )9‬يوم السبت ‪1434/6/24‬هـ ‪2013/5/4 /‬م ونشـرت مع غيرها في كتاب (شرفات ورقية) بالرياض‪ :‬دار‬
‫المفردات للنشر ط‪1439 ،1‬هـ‪2018 /‬م‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫المثقف ووزارة الثقافة‬
‫■ صالح القرشي*‬

‫كثيرا ما أجد بعض الكتاب والمثقفين‪ ،‬وبعد كل دعوة توجهها وزارة الثقافة لمجموعة‬
‫منهم‪ ،‬أو مع كل مناسبة تخص هذه الوزارة يطرحون سؤالهم التقليدي!‬
‫ماذا يريد المثقفون من وزارة الثقافة؟ وماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمثقفين؟‬

‫هي‪ :‬كيف يمكن لــوزارة الثقافة أن تسهم في‬ ‫ويبدو لي أن مجرد صياغة السؤال بهذه‬
‫ربط فئات المجتمع بكل تنوعاتها بالثقافة؟‬ ‫الطريقة ال تصح‪ ،‬واألوْلى أن يكون السؤال هو‪:‬‬
‫كــيــف يمكنها المساهمة فــي نــشــر الــوعــي‬ ‫ماذا يجب أن تقدم الــوزارة للمجتمع؟ وماذا‬
‫بأهمية الثقافة لدى األجيال الجديدة؟ وما‬ ‫يريد المجتمع من وزارة الثقافة؟‬
‫هي الخطوات المطلوبة في هذا الجانب؟ ماذا‬ ‫وفي كل مرة يطرح فيها ذلك السؤال على‬
‫عن الــدور الــذي يمكن أن تقوم به المدارس‬ ‫عدد من األدباء والكتاب والمثقفين‪ ،‬تكون أغلب‬
‫في هذا الشأن؟ وماذا يمكن أن تقدم األحياء‬ ‫اإلجابات عبارة عن مطالب متعلقة بهذه الفئة‪،‬‬
‫والبلديات في هذا المجال؟‬ ‫وتركز على العالقة بينها وبين وزارة الثقافة‪،‬‬
‫مــاذا عــن تحويل األنــديــة األدبــيــة لمراكز‬ ‫وتكون أغلب االنتقادات أو المالحظات خاصة‬
‫ثقافية متكاملة تهتم بالمسرح الجاد والفنون‬ ‫بالفعاليات التي تقيمها ال ــوزارة وتدعو لها‬
‫التشكيلية‪ ،‬وتقيم الــمــعــارض‪ ،‬وتــتــعــاون مع‬ ‫بعض الكتاب واألدبــاء والمثقفين‪ ،‬ومن زاوية‬
‫الجهات األخ ــرى س ــواء كــانــت جــهــات أهلية‬ ‫لماذا اختارت أولئك ولم تختر هؤالء‪ ،‬وربما‬
‫ال نجد من يتحدث عن دور الوزارة األساس‪..‬‬
‫أو حكومية‪ ،‬ويبدو لي أن تقييم نجاح برامج‬
‫وهو الدور المتعلق بعالقة الثقافة بالمجتمع‪.‬‬
‫الــوزارة يكمن في اإلجابة على هذه األسئلة‬
‫ويبدو لي أ ّن حصر المسألة بهذا الجانب ال وليس في الدوران حول طلبات بعض المثقفين‬
‫يخدم الدور األهم المنوط بالوزارة‪ ،‬وهو الدور أو حتى مناكفاتهم‪.‬‬
‫الذي يجب أن يتوجه نحو المجتمع‪.‬‬
‫إن حاجة المجتمع لخدمات هذه الــوزارة‬
‫واعتقد أن السؤال الذي يجب طرحه هو‪ :‬أشد وأهم وأولى‪ ..‬وما يمكن أن يقدم للمجتمع‬
‫ماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمجتمع؟ ثقافيا هو ما سيشكل اإلسهام الكبير لها في‬
‫رقــي المجتمع وتــطــوره‪ ،‬فهي وزارة الثقافة‬ ‫وليس فقط ماذا يجب أن تقدم للمثقفين؟‬
‫أعتقد أن األسئلة األهم في هذا الجانب وليست وزارة المثقفين‪.‬‬

‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪126‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫دليل املجموعة املتحفية‬


‫مبركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫املؤلف ‪ :‬خليل بن إبراهيم املعيقل البراهيم‪،‬‬


‫ عبدالهادي خليف املعيقل‪ ،‬أحمد عتيق القعيد‬
‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬
‫السنة ‪1439 :‬هـ ‪2017 -‬م‬

‫‪ρρ‬إعداد‪ :‬مرسي طاهر*‬

‫المنتدب لمؤسسة األمير عبدالرحمن السديري‪،‬‬ ‫المجموعات التراثية التي يتناولها هذا الدليل‬
‫تناول فيه بشيء من اإليجاز والعمق أهمية الدليل‬ ‫هي جزء من مقتنيات مركز عبدالرحمن السديري‬
‫في التعريف بالمجموعة المتحفية بالمركز‪ ،‬وما‬ ‫الثقافي‪ ،‬قدمت معظمها هدايا من مواطني منطقة‬
‫تمثله مــن قيم حــضــاريــة وفنية تعكس الــمــوروث‬ ‫الجوف‪ ،‬ومن مواطنين من خارج المنطقة لمعالي‬
‫الثقافي لمنطقة الجوف‪ ،‬منوهاً بضرورة حماية هذا‬ ‫األمير عبدالرحمن السديري رحمه اهلل‪ ،‬الذي قام‬
‫التراث واستمراره واستثماره كأحد روافــد الهوية‬ ‫بإيداعها دار العلوم بالجوف‪ ،‬وتعرض معظمها اآلن‬
‫الثقافية للوطن‪ ،‬ثم تال التقديم مقدمة من المؤلف‬ ‫في أروقة فندق النزل التابع لمؤسسة عبدالرحمن‬
‫الرئيس للدليل الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل‬ ‫السديري بمدينة سكاكا ‪-‬الجوف‪.‬‬
‫البراهيم الذي بَيَّن أهمية المركز ودوره في الحياة‬ ‫تعد هذه المجموعات من المجموعات التراثية‬
‫الثقافية والعلمية لمجتمع منطقة الجوف‪ ،‬وذكر‬ ‫المهمة على مستوى منطقة الجوف‪ ،‬وتأتي أهميتها‬
‫أن من ضمن أهداف إصدار هذا الدليل التعريف‬ ‫كونها جُ معت على مــدى فترة طويلة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫باألدوار الثقافية والحضارية التي يقوم بها المركز‬ ‫تنوعها؛ من متحجرات وقطع حجرية تعود لعصور‬
‫تجاه المجتمع‪ ،‬كما تناول أهمية هذه المجموعة‬ ‫جيولوجية مختلفة‪ ،‬وقطع نقوش أثرية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫المتحفية بالمركز وتنوعها‪ ،‬والجهود التي بذلت في‬ ‫مواد تراث تقليدي محلي يرجع تاريخ بعضها إلى‬
‫إعداد هذا الدليل وتصنيفه وتجهيزه بشكل يعطي‬ ‫أكثر من مئة عام‪.‬‬
‫صورة مناسبة ومعبرة عن تراث منطقة الجوف‪.‬‬
‫يقع الدليل في (‪ )352‬صفحة‪ ،‬استهل بتقديم‬
‫يضم الدليل قاعدة بيانات علمية متكاملة عن‬ ‫من الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري العضو‬
‫‪127‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬
‫مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية‬

‫والصناعات في منطقة الجوف منذ أقدم العصور‪،‬‬ ‫(‪ )274‬مادة متحفية وتراثية‪ ،‬تم تصنيفها إلى ثالث‬
‫مــثــل النخيل ومــنــتــجــاتــه؛ األخــشــاب مــن األشــجــار‬ ‫مجموعات رئيسة هي‪:‬‬
‫المختلفة كالسدر واإلث ــل؛ والمنتوجات الحيوانية‬
‫‪-1‬مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية‬
‫كالوبر والصوف والشعر والجلود من الجمال واألغنام‪،‬‬
‫(وعددها ‪ 38‬مادة)‬
‫واألحجار‪ ،‬والطين‪ ،‬والمعادن‪.‬‬
‫وتــحــوي متحجرات أحيائية؛ تتمثل فــي بقايا‬
‫وقد تم تصنيف مجموعات التراث الشعبي إلى‬
‫أسماك‪ ،‬وقواقع‪ ،‬ورخويات‪ ،‬وشعب مرجانية بحرية‬
‫عشرة مجموعات فرعية كالتالي‪:‬‬
‫(متبلورة) جلب أغلبها من منطقة الجوف‪ ،‬وتحديداً‬
‫‪ -‬مجموعة أدوات القهوة (عددها ‪ 23‬مادة)‪.‬‬ ‫مــن وادي الــســرحــان‪ ،‬وبعضها مجلوبة مــن خــارج‬
‫‪ -‬مجموعة أدوات المطبخ (عددها ‪ 26‬مادة)‪.‬‬ ‫المملكة‪:‬‬
‫‪ -‬مجموعة مصنوعات سعف النخيل (عددها ‪12‬‬
‫‪-2‬مجموعة القطع األثرية (وعددها ‪ 21‬مادة)‬
‫وتحوي مواد أثرية‪ ،‬تتشكل من نقوش‪ ،‬وكتابات‬
‫عربية شمالية‪ ،‬ومسند شمالي سطرت على حجارة‬
‫بازلتية‪ ،‬وقد جلب أغلبها من وادي السرحان‪ ،‬وتضم‬
‫المجموعة أيضا نقوشاً وكتابات‪ ،‬كتبت على صخور‬
‫من الحجر الرملي‪ ،‬كتبت بالقلم الصفوي‪ ،‬والمسند‬
‫مجموعة القطع األثرية‬ ‫الشمالي‪ ،‬والثمودي‪ ،‬كما تضم بعض هذه الصخور‬
‫وسوماً لبادية شمالي الجزيرة العربية‪:‬‬

‫‪ -3‬مجموعات التراث الشعبي (وعددها ‪ 215‬مادة)‬


‫تحوي أدوات ومصنوعات تراثية شعبية محلية‬
‫معروفة بمنطقة الجوف والمناطق األخرى بشمالي‬
‫مجموعة أدوات القهوة‬ ‫المملكة وجنوبها‪ ،‬عدا الجرار الفخارية الكبيرة التي‬
‫كانت تجلب من بالد الشام‪.‬‬
‫وتضم المجموعة أسلحة بيضاء تقليدية عثمانية‪،‬‬
‫وب ــن ــادق‪ ،‬ومــســدســات‪ ،‬ورش ــاش ــات مــســتــوردة من‬
‫مختلف األقطار األوربية‪ ،‬إضافة إلى بعض الموارد‬
‫المتوافرة محليا‪ ،‬والتي اعتمدت عليها معظم الحرف‬
‫مجموعة أدوات المطبخ‬

‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪128‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫مجموعة األسلحة‬ ‫مجموعة مصنوعات سعف النخيل‬

‫مجموعة النسيج‬ ‫مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل‬

‫مادة)‪.‬‬
‫مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل (عددها ‪ 22‬مادة)‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬
‫مجموعة أواني التخزين (عددها ‪ 14‬مادة)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫مجموعة أدوات الزراعة (عددها ‪ 30‬مادة)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫مجموعة أواني التخزين‬
‫مجموعة األسلحة (عددها ‪ 32‬مادة)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫مجموعة أدوات البادية (عددها ‪ 30‬مادة)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫مجموعة المالبس وأدوات الزينة (عددها ‪ 16‬مادة)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫مجموعة النسيج عددها (‪ )10‬مواد‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫تصنيف المجموعات المتحفية بهذا الدليل يُمكِّن‬
‫مجموعة أدوات الزراعة‬
‫القارئ من الوصول إلى صورة ولو جزئية عن تراث‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬والتعرف على التواصل الحضاري‬
‫والتبادل الثقافي بين الجوف والمناطق المحيطة بها‬
‫في عصورها المختلفة‪.‬‬
‫ويعد الدليل إسهاما واضحا للبحث العلمي في‬
‫مجموعة األسلحة‬
‫مــجــال الــتــراث والــثــقــافــة‪ ،‬وأح ــد الــمــراجــع العلمية‬
‫للباحثين والــدارســيــن وأصــحــاب العالقة فــي هذا‬
‫الــشــأن‪ ،‬كما يعد إضــافــة ثــريــة للمكتبة الثقافية‬
‫السعودية من إصــدارات صرح علمي وثقافي شامخ‬
‫أرسى دعائمه معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد‬
‫السديري رحمه اهلل‪.‬‬ ‫مجموعة األسلحة‬

‫* أمين مكتبة دار الجوف للعلوم ‪ -‬سابقاـ ً‬

‫‪129‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الـ ـصـ ـفـ ـح ــة األخ ـ ـيـ ــرة‬
‫عبدالرحمن الشبيلي‪..‬‬
‫البهي!‬
‫ّ‬ ‫كم نفتقد حضورك‬
‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫أحمد السديري للدراسات السعودية‪ ،‬فكان له إسهام‬ ‫ال للطبع‪،‬‬


‫حين كان هذا العدد من "الجوبة" ماث ً‬
‫ملموس في اختيار الموضوعات التي يتم اختيارها‬ ‫ُفــجــعــنــا بــرحــيــل الــدكــتــور عــبــدالــرحــمــن بــن صالح‬
‫للمنتديات ومحاورها والمشاركين فيها والشخصية‬ ‫الشبيلي‪ ،‬الــقــامــة الوطنية السامقة والشخصية‬
‫المكرمة في كل موسم من مواسم المنتدى‪ ،‬وكان‬ ‫الفكرية واألكاديمية واإلداريــة والشورية واإلعالمية‬
‫في معظم مواسم المنتدى هو َم ْن يكتب كلمة هيئة‬ ‫واالجتماعية التي يصعب تعويضها وتكرارها‪ ،‬فكان‬
‫الــمــنــتــدى لتقديم الشخصية الــمــكــرمــة‪ .‬كــمــا كــان‬ ‫رحيله خسارة كبرى للوطن‪.‬‬
‫الشبيلي عــضــواً فــي المجلس الثقافي المناط به‬
‫وإذا كان الوطن يفتقد اليوم أبا طالل‪ ،‬فإن أسرة‬
‫تخطيط وإقــرار النشاطات المنبرية التي تقام على‬
‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل‬
‫امتداد العام في الجوف والغاط تحت مظلة مركز‬
‫خــاص بــمــرارة الــفــقــد؛ فعلى مــدى ســنــوات طويلة‬
‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬
‫ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين كان الدكتور‬
‫ال‬
‫كان أبو طالل على مدى تلك السنوات عضواً فاع ً‬ ‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي شعلة من النشاط‬
‫نشيطاً متحمساً رغم مشاغله الكثيرة المهمة خارج‬ ‫ضمن أسرة هذا المركز‪ ،‬وبرحيله المفاجئ الصاعق‬
‫إطار المركز والتزاماته االجتماعية التي ال يتخلف‬ ‫تشعر أسرة المركز أن ركناً ركيناً من أركانه قد هوى‬
‫عن أدائها أبــداً‪ ،‬فلم يبخل بتقديم الــرأي والمشورة‬ ‫تاركاً في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغاً‬
‫في كل المشروعات الثقافية التي قام بها المركز‪،‬‬ ‫موحشاً يصعب ملؤه‪.‬‬
‫مثل إصــدار مجلة أدوماتو‪ ،‬وتحكيم بعض األعمال‬
‫المقدمة للمركز‪ ،‬واختيار أسماء َم ْن يتم استكتابهم‬ ‫لقد أسهم أبو طالل بفكره وبوقته وبمشاعره في‬
‫لبعض الــدراســات واألعــمــال الفكرية التي يمولها‬ ‫إثراء أنشطة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬
‫ال عن تحريره وإشــرافــه على الكتاب‬ ‫المركز؛ فض ً‬ ‫ومركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وكــان دائم‬
‫المرجعي المهم الذي أصدره المركز بعنوان "فص ٌل‬ ‫الحضور ذهنياً وجسدياً في هذه األنشطة‪ ،‬سواء تلك‬
‫من تاريخ وطن وسيرة رجال‪ :‬عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫التي أقيمت في الجوف أو الغاط أو الرياض أو في‬
‫السديري أمير الجوف"‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬كان ألبي طالل‬ ‫خارج المملكة‪.‬‬
‫إسهاماته المميزة كعضو في مجلس إدارة المؤسسة‬ ‫ب ــدأت عــاقــة الــدكــتــور عــبــدالــرحــمــن الشبيلي‬
‫وكرئيس للجنة االستثمار في المجلس‪.‬‬ ‫بهذه المؤسسة من خــال األنشطة المنبرية التي‬
‫سوف تفتقد المؤسسة والمركز أبا طالل لكننا‬ ‫كانت تقيمها في الجوف وفي الغاط‪ ،‬فكان يحرص‬
‫نرضى بقضاء اهلل وقدره‪ .‬نسأل اهلل تعالى أن يتغمده‬ ‫على حضور هذه األنشطة ويشارك فيها من خالل‬
‫بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته‪ .‬وفي العدد‬ ‫أوراق العمل التي يُعِ دُّها والمحاضرات التي يلقيها‬
‫القادم من "الجوبة" سوف يتم إن شاء اهلل تخصيص‬ ‫والمداخالت التي يثري بها الــنــدوات واألمسيات‪.‬‬
‫ملف عن الراحل العزيز‪ ،‬كما أن المركز سوف يصدر‬ ‫ٍ‬ ‫ثم تطورت هــذه العالقة‪ ،‬وأصبح عضواً في بعض‬
‫كتاباً تذكارياً عنه‪ ،‬وكتاباً آخر عن سيرته وإنجازاته‪،‬‬ ‫لجان المركز ومناشطه مثل هيئة المنتدى التي‬
‫وندوة حوارية تتناول جوانب من السيرة الشخصية‬ ‫تقوم بالتحضير للمنتدى السنوي الــذي يقام في‬
‫والعملية والفكرية لهذا الرجل الفذ االستثنائي‪.‬‬ ‫الجوف والغاط باسم منتدى األمير عبدالرحمن بن‬
‫العدد ‪ - ٦٤‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬ ‫‪130‬‬
‫من إصدارات اجلوبة‬
‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬

You might also like