Professional Documents
Culture Documents
64-Aljoubah مجلة الجوبة
64-Aljoubah مجلة الجوبة
64
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل
العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف
info@alsudairy.org.sa هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458
هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63
www.alsudairy.org.sa الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2015494 :فاكس011 2015498 :
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
رئيساً فيصل بن عبدالرحمن السديري
عضواً سلطان بن عبدالرحمن السديري
د .زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن
عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري مركز عبدالرحمن السديري الثقافي
عضواً د .سلمان بن عبدالرحمن السديري
عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد هيئة النشر ودعم األبحاث
عضواً سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري رئيساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد
طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً عضواً د .خليل بن إبراهيم المعيقل
أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً
سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً
عضواً د .علي دبكل العنزي
عضواً أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً محمد بن أحمد الراشد
-1أن تكون املادة أصيلة . املشرف العام إبراهيم بن موسى احلميد
محرر ًا محمود الرمحي
-2لم يسبق نشرها ورقياً أو رقمياً.
محرر ًا محمد صوانة
-3تراعي اجلدية واملوضوعية. اإلخراج الفني :خالد الدعاس
-4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت :
-5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. فاكس)+966()14(6247780 :
ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية
-6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني
www.alsudairy.org.sa
والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566
«اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقاً. سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر. االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثفافية،
ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،ويخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة
(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً
ال من( :دار
العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر
للنساء .وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
يقول أحد العارفين :إن الشعراء "وحدهم يوقدون نــارًا يراها الجميع؛
وحدهم يحملون الشموع ،ويفتحون الكون حتى تدخل أشعة الشمس ،ويعلموننا
كيف نحب ،وكيف نكون فرسانا ،وكيف نموت إذا استوجب األمر ذلك".
فرضت قصيدة النثر وجودها على الساحة الثقافية ،منذ أن نشرت الدكتورة
فوزية أبو خالد ديوانها الشعري األول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» كأول
ديوان لقصيدة النثر في المملكة ،وتتابعت إصداراتها الشعرية بعد ذلك ،ثم
ظهور عدد من األصوات التي تكتب قصيدة النثر حتى ظهور ثلة من شعراء
النثر ،منهم :أحمد المال ،وعبداهلل السفر ،وإبراهيم الحسين ،وعلي العمري.
"الشعر هو محرّكي األول في الحياة ،وبالشعر ومن خالله أعيش لحظة
بلحظة ،وأنظر عبره إلى المستقبل .ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي،
يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من قلة سالكيها .".هكذا يقول الشاعر
أحمد المال اليوم ،وهو الذي بدأ كتابة الشعر في وقت مبكر أثناء دراسته
الجامعية ،عندما كتب القصيدة التقليدية والتي حظيت بتشجيع زمالئه ومن
حوله .ورغم أن الشعر غمره خالل وجوده في الرياض ،إال إنه ظل مأخوذًا
باإلحساء التي كانت تسكنه وتبدو على معالمه وأغصانه .يبوح في قصيدة
الغض ُة لمّا تزل خضرا َء يو َم تنادتْ إلى الماء".
ّ خطها بسعفه "أغصانُنا
وقد بدأ بعد ذلك توهّ ج أحمد المال ،فقد برز كأحد أهم العبي قصيدة
النثر السعودية من خالل إصداراته المتوالية" :ظل يتقصف -المؤسسة
العربية للدراسات والنشر -بيروت1995 -م"؛ "خفيف ومائل كنسيان -دار الجديد1997 -م"؛
"سهم يهمس باسمي -دار رياض الريس2005 -م" " ،تمارين الوحش -دار الغاوون -بيروت-
2001م"" ،كتبتنا البنات -نادي الرياض األدبي2013 -م"؛ "الهواء طويل وقصيرة هي األرض-
دار مدارك ونادي تبوك األدبي2014 -م"؛ "عالمة فارقة -دار مسعى2014 -م"؛ "ما أجمل
أخطائي -الكويت2016 -م"؛ "إياك أن يموت قبلك" منشورات المتوسط في إيطاليا 2018م.
أحمد المال قامة ثقافية وطنية جمعت الفنون واألدب والسينما والمسرح في رجل واحد،
فقد كان أبرز اإلداريين والفاعلين الثقافيين في المملكة من خالل األعمال التي تقلدها في
نادي الشرقية األدبي ،أو جمعية الثقافة والفنون ،كما أنها جمعت اإلداري المحنك الذي
يقود ببراعته المعهودة المشهد الثقافي المحيط به؛ فمن مهرجان بيت الشعر استطاع
أن يضع له بصمة مضيئة ،والذي كرم فيه الشعراء محمد العلي وفوزية أبو خالد وعلي
الدميني ،إلى مهرجان األفالم السعودية والذي عده عبداهلل السفر "ضربا من الخيال ومن
الرسم على الرمل أو الماء" ،وكتكريم مستحق فقد فاز الشاعر بجائزة محمد الثبيتي للشعر
عام 2015م.
يقول الشاعر أحمد المال ،صاحب الحضور البهي" :منذ بداياتي في أوائل الثمانينيات،
عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن ذاتي ،الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة الثقافية،
بدءًا بالجامعة والصحافة الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي األدبي ،ومنها تعلمت
ومارست تنشيط العديد من المبادرات الثقافية والفنية ،ولم أتوقف أو ألتفت " .وفي
قرار كان في محله أصدر األمير بدر بن عبداهلل بن فرحان وزير الثقافة بتعيين أحمد
المال رئيساً لمبادرة األرشيف الوطني لألفالم ،وسيتولى مركز األرشيف الوطني لألفالم
مسؤولية الحفاظ على األفــام السعودية وصيانتها بوصفها مكوناً من مكونات الذاكرة
ال إبداعياً إلنجازات صنّاع األفالم السعوديين منذ نحو ستين عاماً ،وذلك الوطنية ،وسج ً
وفق أحدث تقنيات األرشفة المستخدمة في المراكز الدولية المشابهة ،إذ جاء في حيثيات
القرار "ويعد األستاذ أحمد المال من أهم القيادات في مجال صناعة األفالم السعودية،
وقد عُرف بتأسيسه وإدارته لمهرجان "أفالم السعودية" منذ العام 2008م الذي أصبح من
أهم المنصات السينمائية الخليجية ".
إنّ الوقـوف علـى ديـوان واحـد لشـاعر تمتـدّ تجربتـه إلـى نصـف
قـرن مـن الكتابـة ،هـو وقـوف منقـوص فـي القـراءات النقديـة؛ فأحمـد
الملا ،شـاعر سـعودي ،مـن مواليـد األحسـاء السـعودية 1961م .أصـدر ّ
المجموعات الشـعرية؛ «ظل يتقصف» 1995م؛ «خفيف ومائل كنسـيان»
1997م؛ «سهم يهمس باسمي» 2005م؛ «تمارين الوحش»2011 ،م؛ «كتبتنا
البنـات» 2013م« ،الهـواء طويـل وقصيـر» 2014م؛ «عالمـة فارقـة» 2014م؛
«مـا أجمـل أخطائـي» 2016م؛ وهـي مترجمـة إلـى االنجليزيـة .أسـهم فـي
إعـداد كتـاب مختـارات الشـعر السـعودي ،وأنطولوجيـا الشـعر الحديـث،
باإلضافـة إلـى كتابتـه لعـدة سـيناريوهات ومسـرحيات ،واإلشـراف علـى
إدارة عديد من المؤسسات والجمعيات واألقسام الثقافية .كتب العديد
من مقاالت الرأي الصحفية المنتظمة ،وشارك في مهرجانات شعرية
محليـة ودوليـة عديـدة ،وحـاز علـى جائـزة محمـد الثبيتـي الشـعرية لعـام 2016م.
هذا االهتمام معروف في شعر الحداثة األميركي وال يخفى على أحد أن أحمد المال الشاعر
منذ بدايات القرن العشرين ،تبقى درجة تمثُّله في الــســعــودي الــحــداثــي المتمرد على حــرفــه قبل
الشعر العربي بحاجة إلى التدقيق النقدي ،على رغم كتابته هو مختلف جدا .الشاعر له تجربة عميقة
أننا إزاء ما يشبه «الظاهرة» في شعرنا الحديث. وواعية وتحمل رؤيا جديدة للعالم ،وهذه التجربة
أخلصت لروح النص من جانب ،ومن جانب أخر
ومما يظهر في نصوصه ،ذلك التجلي الذاتي
خاضت تجربة قصيدة النثر المميزة؛ هذا من
تجل طيفي وشبحي، للمشهد ،وهو على كل حال ٍ
ناحية البناء أو المعمار الشعري ،أما من ناحية
فهو ال ينشغل باستبصاره أو اكتناه بواطنه ،ولهذا
المضمون ،فقد فوقع في منطقة وسطى ما بين
فقصيدته قصيدة حــيــاديــة ،أو يمكن إحالتها
القديم والحديث ،فشعره امتداد للقصيدة العربية
بسهولة إلى الغرض الوصفي؛ شتَّت التسمية أم
عبر مراحلها التاريخية في شيء من مضمونها
قرُبتْ .
على الــرغــم مــن مــحــاوالتــه االنــفــات منها ،إال
وفي ديوان المال ،نلمس كثيراً من مواضع هذا إنه دائم التمرس مع الحداثة والبحث عما يثير
الوصف الصوري المحايد: تناصه وتعامله مع
الــقــاريء؛ ليكون ج ــادًا فــي ّ
طفل
(تلك العرب ُة ملقاةٌ على الرصيف/عرب ُة ٍ المفردة ،كذلك معاصر في ابتكاره للصور الفنية.
فالقاريء في ديوانه (ما أجمل أخطائي) ،يجده مدهوسة/وعام ُل الدكان/يشطفُ ال ّد َم والزجاجَ/
مختلفا باهتمامه بالمشهد والصورة .ومع أن مثل من الشارع).
9 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
سوى استذكار لتفاصيل تلك الحياة التي مرت،
لكننا حين ندقِّق في تلك التفاصيل المستذكرة
نجدها متمثلة في شكل أساس في عالم الطفولة
وأجوائها الذهبيَّة.
فمنذ عتبات نصوصه تجد رومانسية الولهان
المتعب من عمر مضى بين العتاب والرضى،
فيشي عنوان القصيدة بين الشك واليقين في
اللقاء ،ويبقى الحلم هو حضور لألنا أو إثبات
للذات؛ فما أجمل مطلع القصيدة الذي يأخذك
في رومانسية عالية .وتجد روحك في القصيدة
ولو تأملت بشكل خارجي وشكلي للمشاهد في بين الرجاء واليأس ،وبين الموت والحياة ،فبعدما
قصيدته ،ستجدالقصائد هي التقاطات منتقاة تيأس النفس من حلم التالقي ،ويموت الهوى
من مشاهد متنوعة ،كــأ ّن ثمة كاميرا محمولة ،والشوق للحبيب ،يبقى قلق الروح معلقا بالحلم.
تتحرك ،وإلى جانبها لغة تصف ما يجري:
هذه حال العاشق المتقلب على جمر النار أو
«يــدي ممدودةٌ إلى أغصان الطريق/ثمارها
على شاطئ من نــار؛ فالشاعر يستعيد المكان
يانع ٌة وفــي متناول النظر/لكنّي في عجلةٍ /من
والزمان الذي يحمل الصور والذكريات ،فالمكان
أركض إلى شجرةٍ لستُ أراها /أسر ُع نح َو
ُ أمري/
هو الحبيب والحبيب هو المكان ،كما كان في
زهرةٍ ال أعرفُ اسمَها/وأم ّي ُز رائحتَها من بعيد»،
الطلل عند شعراء العربية ،وهذا حال المال حين
وكأن كاميرة تسرع بك لتلتقط معك كل مشهد
يتجرد من ذاته ألخرى تقول عنه كل ما يريد.
يحيرك ،ومــا أن يصفو ذهنك حتى تصل إلى
ومما ينبغى معرفته أنــه شاعر ساخر من المشهد الذي يليه لتجد نفسك مكتنزا بحروفه
األصدقاء والشعراء في أغلب نصوصه .والمطّ لع وكلماته وأفكاره متالحقة متتابعة.
إنها رؤيــة العابر المتعجِّ ل ،مشاهد خاطفة على ديوانه «إياك أن يموت قبلك» ،يكتشف مدى
ال تكاد تأنس إلى استبصار داخلي ،والمسافة عالقته الساخرة باآلخر؛ كما يكثف الشاعر خيار
التي يخلقها المال بين حياته الشخصية ،وما الصدام بلجوئه للسخرية من الشعراء المؤمنين
يتشكل مــن مشاهد يومية ،هــي تلك المسافة بما سلموا من وهْم ورثوه عن أسالفهم ،في قصيدة
الحرجة بين شؤونه الصغيرة الغائبة ويوميات «الــســمــاوات الــســبــع» ،وغيرها مــن الــمــوروثــات
اآلخرين الحافلة .كأنها استعادة صور بعيدة في والمعتقدات التي يرطمها بشعره عرض الحائط،
ذاكرة الشاعر ،وأعني عالم الطفولة ،وما الكتابة ليشكل عالمة شعرية فارقة مميزة.
* كاتبة لبنانية مقيمة في األردن.
شكّ لت نـصــوص الـشــاعــر الـسـعــودي أحـمــد الـمــا مـفــارقــة نــوعـيــة ،فيما يخص
مناكفتة لتقليدية القصيدة الشائعة في السعودية بشكل عام ،مع األخذ بعين
االعتبار االستثناءات هنا وهـنــاك؛ فهي مكونات لنتوء يجد نفسه في مواجهة
معرفية لغنائية قوية وعذبة أيضا ،أقــرب إلى مزامير إيقاعية اعتادها اإلنسان
العربي منذ عصر ما قبل اإلسالم؛ سلطة ذات بعد تاريخي متحقق كمثال للشعر،
وقــالــب يـتـحـوّل بـبـعــده الـتــاريـخــي إل ــى أيــدولــوجـيــا تتمترس خـلــف عـمــود الشعر
ومتطلباته التقنية وبطلها بحور الخليل بن أحمد .فقصائد أحمد المال هي
حقل مــن الـشــوك تتجاوز الشكل المعتاد للشعر «عـمــود الشعر» ،وجــاء كــدّ ه من
يقينيتة بأن الشعر هو الشعر بصرف النظر عن اإلناء الذي يُسكب فيه ،وقد فتح
المجال للنقاد الختبار مثل هذه النصوص المناكفة ،والتي شكلت حقال خصبًا
ألسئلة الشعر ومدايات مواكبته إليقاع العصر.
أحمدُ المال..
اإلداري بار َع التخطيط.
َّ قبل أن يكون
اإلداري رائ َع التنفيذ.
َّ قبل أن يكون
القيادي البارز الذي يعرف ما يريده تماماً .وتمام ًا
ُّ قبل أن يكون هذا وذاك؛ هو
وحسِّ يعرف العقبات وال يأبه لها .الهدف أمامه وال يحيد عنه ،عنده من الجرأة
المغامرة العالي؛ ما يجعله ال يفرّط فيه .ولديه من فائض الحماس والكاريزما؛
ما يطلِ قُ عدوى العمل في مَن حوله؛ فإذا بالمكان خليّةٌ عامرة بالجهد واألفكار
وبالنتائج الباهرة.
يطيب لي أن أسمّيه« :التوحّ ش في النشاط»، يــقــود ..لكنه عضو ضمن فريق العمل،
والــذي تعجز عن مقاربته ،أو الدن ّو منه إ ْن يوضح
ودائماً ما يقول ويعني ما يقول إنه كما ّ
ّاتعدداً أو نوعاً ،مؤسساتٌ رسمية وبميزاني ٍ المثل الــدارج «عود من عرض حزمة»؛ رأياً
مليونية .نافورة ثقافية عارمة تتدفّق بألوانها ومقترحات وإنــجــازاً .وربــمــا إش ــارة واحــدة
ٍ
الزاهية غالبَ أيام األسبوع ،وليس نادراً أن تحمل معنى االنهماك في الشُّ غل وفي المتابعة
فعالية في الليلة نفسها. ٍ تصادف أكثر من حلقة من
الدقيقة حتى إسدال الستار ،وانتهاء ٍ
هذا الجانب من الك ّم ال يبتعد عنه النوعي حلقات النجاح وإعالن استمراريّته .تراهُ في
وال ينفكّ عنه ،ودليلنا المهرجانات العديدة تلك الليلة ال يهدأ إلى كرسيّة في الصف األول
التي صافحت الجمهور طــوال أربــع سنوات مع ضيوفه؛ تلقاه طائفاً متفقّداً ال يستق ّر في
هي عُمر أحمد المال اإلداري في دفّة جمعية ال من الراحة» .هي مكان ،وال يأخذ «فاص ً ٍ
الثقافة والفنون بــالــدمــام .معه المهرجان حال ٌة استثنائ ّي ٌة من الشغف والرغبة العميقة
يكتسي معناه الحقيقي ال مجرد لفظ وعنوان في مشارفة حــدود الكمال وإخ ــراج العمل
للمباهاة الفارغة .وقد تابعت عن قرب واحداً بالصورة المرتجاة والمخطّ ط لها كيف تكون
من هذه المهرجانات؛ «مهرجان بيت الشعر» أمام الجمهور على المسرح ،وبمعيار رهيف
في دورته األولى بتكريم محمد العلي ،والثانية يحسب للحركة ميقاتها ،وللدقيقة حسابها.
بتكريم فــوزيــة أبــو خــالــد ،والـ ــدورة الثالثة وربما ،بسبب هذا الشغف االستثنائي وتلك
ازدهت بتكريم علي الدميني .فالتكريم يأخذ الرغبة العميقة ،نشهد هذا المدى الفارق الذي
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 14
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
صبغته الفنية واالحتفالية واألدبية والتوثيقية
بعيداً عن الكلمات اإلنشائية الخاوية وعن
الدرع المعهود .كما أن المهرجان ينفتح على
عــرس ثقافي شامل ال يحضر فيه الشعر
وحده ،إنما مروحة جاذبة من الطيف الثقافي
والــمــمــارســات اإلبــداعــيــة؛ فــتــغــدو قــاعــات
منص ٍات
ّ الجمعية ،وغرفها أثناء المهرجان،
للفعل الجمالي والتفاعل الخالق ،تنبعث من
الشعر والموسيقى والغناء ،ومــن التشكيل
والفيديو آرت ،ومن تلك الحميمية الطالعة تبرز عالمة مضيئة وشاهقة هي «مهرجان
أفالم السعودية» الذي كان ضرباً من الخيال عبر توقيع الكتب.
تقول الحكمة «دع مائة زهرة تتفتّح» ،وأخال ومن الرسم على الرمل أو الماء .أحمد عرّابٌ
جمعية الثقافة والفنون خالل هذه السنوات ورائي ،والصورة اآلن ال تشهد إال بذلك .في
األربــع هي الحقل المواتي بانفتاح الجمعية هذه السيرة أحمد ليس بالجريء المغامر
على الملتقيات األهلية ذات االهتمامات وحسب ..بل والمقامر .بال بنية تحتية ،بال
األدبية واإلبداعية ،بتوفير المكان واالهتمام ،ميزانية ،بــا ضــوء أخــضــر (وه ــذا الضوء
وبتسليط الضوء على فعاليّاتها ومطبوعاتها
خط تحته)! وهذه البال «البلية»يحتاج مائة ٍّ
من خالل الحضور الثقافي وعبر المتابعة
كم تغلظ ويرتفع بها السياج إذا علمنا ممانعة
الصحفية .ويكبر هــذا الحقل بالعديد من
المتشددين واستنفارهم المنظّ م والمعروف
األنــشــطــة تــحــت مــسـ ّمــى «بـــيـــت»...؛ «بيت
للوقوف أمام هذا الفضاء الجمالي وإفشاله.
الشعر»« ،بيت السرد»« ،بيت السينما»« ،بيت
منتجات لدى أحمد سرديّته المثيرة عن هذه التجربة،
ٍ الكوميديا» ...هذه الـ «بيوت» ليست
وهميّة تُنثَر في الهواء وتُترك للريح ،بل هي وأتمنى أن يرصدها على ال ــورق ،يــومـاً ما
مقترحات صلبة قابلة للتنفيذ وبأبهى صورة ،إذا ما سمح لها مارثونه المتعدّد األقطاب
وسجّ ل اإلنجاز لسا ٌن ال يخذل الجمعية وال بالتقاط األنفاس.
هذا هو أحمد المال الصدي ُق الذي أحب، مشروعاتها.
في سيرة أحمد المال الثقافية واإلدارية ،هذا هو أحمد المال اإلداريُّ الذي به نفخر.
* مع نهاية مهرجان بيت الشعر في دورته الثالثة ،أنهى أحمد المال عمله التطوعي مديرًا إلدارة جمعية
الثقافة والفنون بالدمام (ديسمبر 2013م ديسمبر 2017م).
** قاص وكاتب وناقد من السعودية.
زهرتك التي ينشقّ عنها قلبك ويشهرها لك اليد التي تهز لغتك لكي تنام،
سعدت كثيرا بإنجاز هــذا الحوار مع شاعر وثَّ ــق حضوره وتميزه في المشهد
الشعري السعودي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ،الشاعر أحمد المال،
والذي يدهشك بقصيدته التي تحمل الكثير من التفاصيل المتعلقة بحياته من
الذاكرة واليومي المعاش ،ومن تجربته الغنية من فضاءات عدة ،التي أكسبته لغة
تشبهه كثيراً؛ فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا ،وقدرة على أن يحاصرها بذاته الشاعرة« ،ظل
يتقصف -المؤسسة العربية للدراسات والنشر -بيروت1995 -م»؛ «خفيف ومائل
كنسيان -دار الجديد1997 -م»؛ «سهم يهمس باسمي -دار رياض الريس»،2005 -؛
«تمارين الوحش -دار الـغــاوون -بيروت2001 -م»؛ «كتبتنا البنات -نــادي الرياض
األدب ــي2013 -م»؛ «ال ـهــواء طــويــل وقصيرة هــي األرض -دار م ــدارك ون ــادي تبوك
األدبي2014 -م»؛ «عالمة فارقة -دار مسعى2014 -م»؛ «ما أجمل أخطائي -الكويت-
2016م» ..هــذه اإلص ــدارات حتما تقودك لشاعر يؤمن بقصيدته ،قصيدة النثر،
بوصلة روحه ومجنونته وجنونه ..والتي قادتنا أيضا لهذا الحوار..
■ حاوره عمر بوقاسم
هــكــذا أرى فــي التكنولوجيا الحديثة، ρ ρال أدري ،هناك من النقاد من تناول تجربتي
ووســائــل الميديا والشبكة اإللكترونية، الشعرية ،وأذكــر منهم األســتــاذ الدكتور
سعد البازعي ،د .سعيد السريحي ،الناقد
تأثيرًا إيجابيًا في تقريب المعرفة وتسهيل
والشاعر عبداهلل السفر ،الشاعر محمد
الوصول إلى المعلومة ،كما أنها خففت
الحرز ،د .ميساء الخواجه ...لكني الى
من الوصاية واحتكار الثقافة على فئات
جانب سعادتي بالتفاتة الناقد لها ،أرتبك
اجتماعية مــحــدودة ،وألغت الحدود بين فعال ،إلى درجة االحمرار ،أشعر أن الناقد
البشر .الشعر كسائر الفنون يستفيد من يعري النص وكأنه يعنيني شخصيا ،لم
هذه الوسائل ،وللشاعر أن يتنبه ويواكب أستطع حتى اليوم أن أتخلى عن أن ما
ويعيش تحوالتها بــذات الدهشة األولــى أكتبه سري الشخصي .لهذا أتفادى النقد،
ولذة االكتشاف. وأرتبك أيما ارتباك حين أقرأ أمام الناس،
23 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
أحمد المال ..بين الشعر والسينما
■ د .هناء بنت علي البواب*
أحمد المال ..وقبل البدء بتلك الحيرة التي سأكتب لك فيها أتساءل:
ما السبب وراء هذا الجنوح الغريب إلى التقاطع العجيب الشعري السينمائي،
أهو تقديس الشعر إلى حد تنزيهه عن فكرة الصنع البشري ،واعتبار القصيدة
إلهام ًا علويًا يتنزل على الشاعر حتى ليبدو هو نفسه وليد القصيدة؟
أم أن السينما هي صورة الروح والجسد والقلب؟
صدور ديوانه األول «ظل يتقصف» ،فهو يعلن فــي الــشــعــر يــبــدأ التمييز بــيــن قصيدة
في تلك اللحظة عن تجربة ستكون واحدة وأخـ ــرى فــي ال ــدي ــوان نــفــســه ،مــادامــت كل
من أهم التجارب في مشهد قصيدة النثر، قصيدة قد صدرت عن خبرة اختلفت شيئًا ما
ثُم جاء ديوانه الثاني« :خفيف ومائل كنيسان» عن غيرها ،فنيًا ،شعورياً ،قصصياً ،جمالياً،
ليُشعرك أن ثـ ّمــة نــب ـوّة مختلفة تشير كل وغيره ..فظهرت قصيدة النثر في السعودية
األصابع أن أحمد المال هو الموجود وحده في السبعينيات من القرن المنصرم ،ولم
على أرض صلبة ،ربما لن تقبل بالتغيير ،وهي تتوقف التجربة عن إنجاب عدد من الشعراء
أرض العربية والقوة والفصاحة وحدها ،جاء الذين سجلوا تجربتهم ضمن مجموعة من
المال ليكرس اسمه شاعراً ومبدعاً مهموما الــدواويــن بين فترة وأخــرى ،بل امتدت بهم
بالشعر ومأخوذا به. تربة الصحراء لتحرق كل أنفاس المرجعيات
لذلك ،كل كتابة هي من حيث المبدأ عمل القديمة ،ليثوروا مدادا ،ويقوموا بكلمة واحدة
مرتبط بشعورنا العميق بالفشل ،أو الشك في متمردة قائمة حــول المشهد األدبــي الذي
مغامرة سابقة ،أو على األقل ،عدم االمتالء، يستحيل مــاء في قمّة الحاجة؛ ألن يحتك
وبالتالي استمرار السؤال المحرّض ،أو غير الشاعر بضرع السماء ،وفي تسعينيات القرن
ال
ذلك ..مما اعتبره شعوراً بالناقص متأص ً العشرين ظهر جيل آخر من الشعراء برؤى
في المبدع ،وهو ما يجعله في كل مرة يضرب مختلفة وجديدة ،كان من بينهم الشاعر أحمد
سهماً في األفــق نفسه ،وكذلك كــان أحمد المال الذي سرعان ما حجز مكانته المميزة
المال الذي اخترق حدود اإلبداع لينفلت من في المشهد الشعري السعودي المعاصر.
وهنا كــان اخــتــاف المشهدية الشعرية الشعر متوجها طائرًا إلى الجانب السينمائي،
في تلك الحقبة التي ظهر نجمه المتفرّد مع الذي يظهر فيه إبداعه وقدرته على التوصيل
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 24
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بالضرورة ،لمؤثّرات
ّ حين ال يخضع الشّ اعر، الدقيق لــرؤاه المتمردة الخارجة عن حدود
السّ ينما ،وقد يقتصر تأثّره على استخدام الوسط الذي يعيشه.
صــوره الشّ عريّة وتحريكها بما يشبه ترتيب فــحــيــن ي ــش ــرح أح ــم ــد ال ــم ــا ،رســالــتــه
اللقطات في المونتاج السّ ينمائيّ ؛ غير أ ّن السينمائية اإلبداعية ،حين يقول« :علينا أن
الصلة بين الفنّين ،تشت ّد في أفالم السّ ينما
ّ نجهر بالفن ونرفع صوت الجمال والحب في
الصورة،
البصريّة ،التي تلحّ على استخدام لغة ّ خاف علينا أن
وجه القبح والكراهية ،لم يعد ٍ
وتقلل من أهميّة الحدث والحكاية. غياب الفنون أضعف قيمنا الجميلة وأبدلها
ولــذلــك ،أيــهــا الــمــا تــم ـرّدت على رغبة بأعراف جافة كلما توغلت توحشت أكثر».
الــشــاعــر بــداخــلــك؛ لــتــقــوم قــائــمــة المشهد إذا كانت مقولة باولو كويلو« :إذا أردت
السينمائي التي تظهر فيها طبعة اإلبــداع شيئاً ،يتآمر الــكــون كله لمساعدتك على
الذّاتيّة؛ فإ ّن الشّ اعر يبدع ،وحده ،فالقصيدة تحقيقه» ،حقيقة ..فإن المال الرجل الذي
تجربة ذاتيّة فرديّة ،وإن كانت تتأث ّر بتجارب شقّ روحــه بين شقين مهمّين وهما :الشعر
اآلخرين وخبراتهم وإبداعهم؛ لكنّ السينما
والسينما ،فهو مدير جمعية الثقافة والفنون
عمل ّي ٌة جماعيّة ،يشارك فيها ،إضافة إلى
في الدمام ،فهو ال يكف عن مصارعة رياح
المخرج ،الــذي يتأسس الفيلم على رؤيته،
الفوضى وغبار الوجع ،حتى يقف منتصفا في
القصة،ّ مجموع ٌة من األشخاص؛ مثل :كاتب
روحنا ،وروح الشاعر وروح السينمائي.
مــخــتــصــو ال ــدي ــك ــور ،والــمــونــتــاج والــصــوت
ولو وقفنا موقف المجابه للمال لنسأله:
والتّصوير ،ومؤلفو الموسيقى ،والممثّلون،
ومصممو المالبس ،الذين لهم رؤيتهم الف ّنيّة أيهما يتمرّد بداخلك الــيــوم ،الشعر أم
الخاصة.
ّ السينما؟
وهــنــا ،نــجــده يكتب القصيدة لتتكشف ســيــقــول :الــسّ ــيــنــمــا ،أقـ ــوى تــأثــيــراً في
له قبل غيره طبيعة العالقات الكائنة بين الحواس؛ ألنّها تخاطب الحواس مباشر ًة في
النصوص .ولعل أخطر ما يفعله الشاعر هو الصور الحقيقيّة والخياليّة
عمليّة تجسيد ّ
تنظيم العالقات بين المؤتلف والمتنافر في أمام المتلقي وأذنيه ،وألنها تملك حرية في
شعره ،فالنصوص ال تأتلف بيسر ،فهي ليست الحركة؛ لكنّ الشّ عر يشكّل صوره بما تثيره
كيانات مطيعة ،بل يدرك كثي ٌر من الشعراء الكلمات في خيال اإلنسان .والسّ ينما تتأثّر
أنها غالباً ما تتمرد؛ لذلك تحتاج القصائد في معالجة صورها ،والسّ يناريو ،والموسيقى،
إلى عالقات تجاورية مبدعة ومبتكرة ،حتى والشّ خصيّة ،والــحــوار ،بالشّ عر ،من خالل
تستوي في الكتاب .أي اكتشاف «الصيغة طاقاته العاطفيّة الوجدانيّة العميقة ،في
25 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
في ذاته ،عندما كانت له قصيدة ،يتعامل معها السحرية» التي تجمع بين كل هذه الكائنات
بإطالقها وثرائها ،عندها فقط ال تجد إال الغريبة القائمة على التناقض واليتم ..والتي
صياغة تعبيرية واحدة ،هي الصورة المرئية نسميها قصائد .إنه إتالف المختلف ،وهو ما
المحسوسة الواجب توافر معطياتها الداللية ال في الشعر.
يُ َو ِّل ُد الضو َء أص ً
وفق محددات الوسيط ،من إضــاءة وديكور هنا فقط ،سنؤكد أن المال هرب من ذاته
وطبيعة ألوان وحركة كاميرا وما إلى ذلك من إلى ذاتــه حين هرب من الشعر للموسيقى،
قيود ..ومن هنا ،تبرز بجالء صعوبة تحويل وهو بين خطوتين تنقالنه في تشكيل الصورة
النص الشعري إلى سينما بوصفها مغامرة السينمائية ،ويــكــاد الشعر يــكــون المرتكز
إبداعية معاكسة لمفهوم اإلبداع ومفارقة له الرئيس في تشكيل الصورة ،فهذا الوسيط
في أصلها ،فإذا كان اإلبداع مشروطا بالحرية هو الذي يحدد إمكانات االستبدال والتحويل
أصالة ..فإن تحويل الشعر إلى نص سينمائي التي يسعى إليها المهتمون بتحويل النص
يسعى عكس هــذا التيار عندما تنطلق من الشعري إلى سينما؛ فعلى العكس من (شعرنة
الحر المطلق المفتوح إلــى المقيد المغلق النص السينمائي) ،والتي تبدو عمال إبداعيا
األســيــر داخ ــل الطبيعة التقنية لوسيطها يتجاوز محددات الوسيط من خالل التحايل
التعبيري. عليها؛ أي أن المال يستثمر إمكانات الوسيط
ولكن على الرغم من ذاك التجاور بين في صياغة شعرية النص ،فإ ّن نقيض ذلك
إبــداع وآخــر على أرض المغامرة الشعرية يبدو صعبًا ،أي إن تحويل النص الشعري إلى
لــدى شاعر ،فــإن كل نــوع إبــداعــي هو عمل سينما ستفضي إلى تقييد الحر ،وتحجيمه
فريد رغم ما له من أواصر قربى سرية مع تحت سطوة التقني ،فالصورة السينمائية
القصائد األخ ــرى ،ما أن يكتشف الشاعر المحولة مــن ص ــورة شعرية؛ أي المنقولة
بحدسه العميق وخبرته التلقائية وذكائه الفنّي من نص شعري ستقع تحت وطــأة التحويل
وصدقه الشعوري هذه األواصر ،أو الخيوط السمعي الخيالي إلى البصري الحسي ،وهنا
السرية الرهيفة ،حتى تنفتح له أبواب السر تظهر قدرة اإلبداع السينمائي الشعري.
في الصنيع الشعري وفي عالقات القصائد بعبارة أخرى ،إن حرية المال السينمائي
ببعضها بعضاً ،وتلك العالقة القائمة بين اإلبــداعــيــة فــي التعامل مــع قسرية التقني
السينما والشعر ،وأنت وحدك يا أحمد المال والتحايل على سطوته ،تفقد كثيرًا من إدهاشها
الذي تلمس طريقاً ..وحده يعرفها إلى عالم وبراعتها في حال تحويلها إلى سينما لما هو
شعري هو عالمه وحده. خارج عنها ،وهو الشعري ،ألن حرية الشاعر
* أكاديمية وكاتبة وناقدة من األردن.
ال يقبل أحمد المال أن يعيش مع األشياء بنصف فتنتها؛ فإما أن يعلّق أجراس الحياة
على أقاصي المدى ،أو أن يتركها تذهب في حالها ،غير آسف عليها ،أو متثاقل مع ذاكرتها؛
فاللحظة -بالنسبة له -موقف وجودي يفتح األفق على الكون كله ،فإن استشعرها متماهية
مع جنونه فهي له ،وإال فهي لعابر سبيل غريب ثقيل يقف في الجوار.
الزمنية بصورة تفصيلية دقيقة دون أن يكون فــي الــيــومــيــات الــتــي نبتكر تفاصيلها
فــي صــنــدوق الــمــهــرجــان قــرش واحـــد .إنه باختيارنا ،أو رغماً عنا ،ال يتعدد المال؛ فال
الشاعر واإلداري المجنون الذي ينحت من يمكن أن يكون شاعراً على حدة ،وإدارياً على
المستحيل اإليمان ،ويرتّب فتنة الحضور مع حدة ،أو أباً وصديقا وزوجاً على حدة ،بل هو
فريقه -الذي يؤمن به ويؤمن بهم -بمعزل جميع ذلك في اآلن نفسه ،لكنه يغلّب الشعر
عن غياب العالم وفوضاه. في كل شيء ،فهو الشاعر في إدارته وأبوته
وصــداقــتــه وزواجـــه وحياته وعــاقــاتــه بكل
فرد في صيغة مؤسسة!.. عمقها وبساطتها.
َمــن يعمل مع المال يــدرك أنــه يعمل مع هذه الشاعرية ذات المزاج العالي جعلت
فرد في صيغة مؤسسة تؤمن بالتخصصات منه عصياً ،من الصعب القبض عليه ،أو أن
وبالفرص وباإلنسان؛ لهذا ،فقدرها أن تنجح يُدار من قبل اآلخرين ،فهو -وحتى لو وقع
حتى ولو بدا النجاح عصياً عليها .وهذا األمر تحت السلطة اإلدارية ألحدهم -سرعان ما
أدركــه جميع مسؤولي المؤسسات الثقافية مرؤوس
ٍ يتحوّل رئيسُ ه -دون أن يشعر -إلى
المدعومة من قبل وزارة الثقافة ،وكيف وضعها بين يديه بعد أن يتكشّ ف له أنه أصغر بكثير
المال في مأزق غياب الرؤية والمشروع لديها، من المشروع الــذي يديره المال ،وأن أفقه
إذ اكتفت بمنصاتها الكالسيكية الباردة التي -مهما اتّسع -سيظل ضيقاً إزاءه.
تتعامل مع الثقافة باعتباره منبراً أخالقياً حسب علمي ،ال يوجد سواه -في المشهد
معيارياً ،وعليه أن يقدّم الرسائل المفهومة الثقافي السعودي وربما العربي كله-القادر
لجمهوره وفق منطق «ما يجوز وما ال يجوز» على أن يقيم مهرجاناً ربما تصل ميزانيته
دون أن يكون لــإداري المبدع حضوره في ألكثر من مليون ونصف المليون ريــال دون
الثورة على المفاهيم ،وفي صناعة الحدث، أن يكون في خزينة المهرجان ريــال واحد.
أو تشكيل المناخ المناسب ،الذي يقفز على لكن المال يفعل ،يقيم االجتماعات ،ويشكّل
الجدران ليعانق بتحديه الفضاء الحر. اللجان ،ويــوزع المسؤوليات ،ويضع الخطة
* شاعر من السعودية.
إزاء شخصية مثل أحمد ال يمكنك سوى أن تسمع صخب الحياة ترتج في
قــارورة جسده ،وكأنها تريد أن تخرج ،تريد أن تكسر الزجاج ،وتعيد سبكه من
جديد .تلك الحياة خبرتها عن قرب ،ليس فيما يكتبه من إبداع شعري فقط،
بل فيما يخفيه من بريق الحياة في عينيه ،بل في نظرته الحنونة إليك كلما
شعر بأنك قريب منه حــد االلـتـصــاق ،بأنك ال تقول أو تفصح عــن الكلمات
بالقدر الذي يسبقها ضحكة أو نكتة تستعيد من خاللها تفاصيل اليوم الذي
مررت فيه.
بعض األحيان اليومي ال يفصح عن شخصية الذي أعرف أن ما يكتبه دائما ما يصاب بحمى
المرء الذي تساكنه ،تحتاج تلسكوباً حتى تتكشف الحياة ،ونحن أصدقاؤه دائما ما نصاب بارتفاع
مفرداتها .بالنسبة إلى «أبــي مالك» ليس األمر درجة الحرارة كلما قرأناه.
أحيانا ال تكفي القراءة حين تريد منها قول ما كذلك ،ليس كما يظن المرء من أول وهلة ،في
داخله نهر من الحب والعطف والرقة ،ال يتوقف ال تستطيع الكتابة قوله ،ما ال تستطيع الكلمات
عن الجريان من مصب إلى آخر ،في داخله شجر حــرث نفسها حتى ينكسر النصل على صخرة
يانع لم تفرغه كتبه من ثمار سالله ،ولم تفسد كلما المعنى.
قطفها قارئ عابر في حقول إبداعه.
قــدر المتميزين من البشر أن يظلوا الكلمة
في داخله أيضا حزن تــراه مختبئا في أعمق العصية على التفسير ،التأويل الذي يتعدد معناه
أعماق قصائده ،يتوارى بعيدا ،ال يمكن لمسه ،وال ينتهي ،الجدار الــذي يعلو كلما حاولت اللغة
أو إضاءته بكشاف ،هناك عليك أن تنتبه ،إذا ما القفز فوقه ،الغابة التي يتساكن فيها الحيوان
مررت بإحدى قصائده ،إلى ما تقوله كلماته ،إلى المفترس بجانب الحمل الوديع.
ما تفصح عن حزنها في أقصى حاالت الفرح.
اللحظات القصوى في التميز عند هــؤالء أن
أحمد كائن يتنفس الحياة ،وال يراهن على شيء يكونوا قريبين من الناس وبعيدين عنهم في الوقت
سوى ما تقوده خطاه في دروبها الوعرة ،سوى ما نفسه ،بين استسالم للحب وبين الخوف عليه،
تهمس له؛ كي يكتبها كما هي ،كما هي حين تدخل وال أظــن أحمد المال يخرج من هذين الحدين
كما صورته كاميرا الحياة ثم وضعتها في إطار وتخرج خلسة من جسده.
ال يراهن فقط ،بل يكسر ما انحرف من جسده بارز يراه المتميزون الذين يرفعون رؤوسهم قليال
عنها ،ثم يرميه في الهاوية .أحمد هو ذاك الصديق لألعلى.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 28
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بينما كل المعنى تجده في الصديق المسرود في المشاء في الليل الطويل للصداقة
حكاياتك اليومية ،ليس الظاهر منه ،المبذول للناس فكرة أن تكتب عن الصداقة بإطالق شيء،
جميعا ،الذين يؤولونه على أنه السلم الذي يأخذهم وعن صديق ال ترى آثار قدميه بــارزة على رمل
إلى األعلى ..بل هو الباطن الذي يحول ترابك إلى كلماتك شيء آخر.
ذهب ،هو العالمة المسبوقة بصرخة ال أحد يسمعها
سواك ،هو الواقف خلفك بمسافات ضوئية .لكنه ال معنى لــأولــى حين ال تــرى حــولــك سوى
أيضا الواقف أمامك مثل شجرة تمشي بجذورها الــضــبــاب الــكــثــيــف ،وال تلمس س ــوى األشــيــاء
وأغصانها وال تحدث جلبة في مشيتها. المتشابهة في الــوزن والــطــول ،وال تقول سوى
ما تريد اللغة أن تقوله على لسانك عن تاريخ
هنا ،تكمن صعوبة الفصل بين الظاهر والباطن، الصداقة وليس الصداقة في التاريخ.
بين ما ينفتح حتى تراه المعا في يديك مثلما هو
المــع فــي مخيلتك ،وبــيــن مــا ينغلق على سرك ال معنى لها أيضا حين ال تجد نقشا واحدا
وأفــكــارك حتى ال يكاد يشي بنسمة هــواء ،تنبه يضيء كهف الصداقة في حياتك .وإن وجدت
الشارد على أن هناك عودة مشروطة باألحداث واحـ ـدًا بالصدفة ،فلن تجد واحـ ـدًا مــن هــؤالء
التي تؤسسها صداقتك في أكثر من اتجاه :األول المضيئين يترجم لك المبهم في الرسم ،وال من
منها تأويل الصديق وإعطاء رمزية لهذا التأويل؛ يفصل القول في اليد التي كتبت ،وال من يدل على
أي تركيب الصور والجمل والمواقف وردود األفعال األحاسيس التي تجمعت فوق شكله مثل الغبار.
في شريط سردي ال ينفك يتجدد في رأسك كلما أنت المشاء الوحيد في الليل الطويل للصداقة،
اكتشفت الطريق إلى الجزيرة المفقودة في عالم ولن تبصر سوى الحلكة التي تغطي حتى أرنبة
مــا تسميه األصــدقــاء .بينما اآلخ ــر منها يأتي أنفك .لذلك ال معنى لجلب الكلمات ،واستدعائها
على شكل تفاسير متروكة على رفوف المكتبات، على عجل وكأن مياه الصداقة من فرط غزارتها
واضحة للعيان ،ومن دون جهد وال عناء يمكنك قد بدأت تتدفق من شقوق الجسد.
أن تجد ضالتك في صديق يلبي المعنى الكامل وكأن ما تخشاه من ماضيك يترسب في النقش
للصداقة حسب ما تمليه تلك التفاسير. وال تستطيع تلك المياه جرفه إلى يديك .على
سوف تجد نفسك أمام الصديق الذي تفسره مهلك أيها الغزير بالمعنى ،والبعيد عن القاع،
الناس لك ،وتعطيك صورته بما يتوافق ورغبتها والخاوي من الصدى ..ال تسرف كثيرًا باالبتعاد
ومصالحها ،بينما أنت تمض متواطناً ومقتنعا عن حافة الحياة حين تجد حافتك في اللغة،
بما يقولونه عن تلك الصورة .لكن ما ال يمكن أن فاألمر ال يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين
تكتشفه في مثل هذه الصورة هو ما يقبع خلفها كي يصطدم رأسك بالباب الكبير ،باب العائلة،
من رأي يقول :ال تمض بعيدًا عن ذاتك؛ ألن ما فتعرف حينها أنك وصلت .لكن دون نقش ودون
يظهر هو رأس الجبل فقط. مياه وبالتالي دون صداقة.
* ناقد وشاعر سعودي.
كيف تختصر «أحمد المال» في سطور ..مهما طالت ،وهو الشاعر والسينمائي
والفنان والمدير والمستشار الثقافي والمُ لهِ م؟
ينبغي عليَّ أن أعترف بأن كتابتي أو شهادتي عن «أحمد المال « متعثرة ومتأثرة
بشخصيته بعض الشيء ،وفيها من المديح الذي ال يحبه وال يرغبه .أقول هذا
لمعرفتي أن «أحمد المال» وبرغم سيرته الحافلة باإلنجاز فإنه يتجنب المديح
واأللقاب « .المدح الزايد يضر « من مقوالت «أحمد المال «.
الحادث عن طريق ولدي «محمد» ،وما كان ال أدري لــمــاذا تحضرني ذكــريــات بعض
من «أحمد المال» إال أن غ ّي َر مسار رحلته مع الــحــوادث التي كــان «أحمد المال» حاضرا
األصدقاء ..فكان أوّل الحاضرين والقريبين فيها وشاهدا عليها .ربما ألن بيتاً من الشعر
معي وإلى جانبي في غرفة العناية المركزة النبطي للشاعر «شالح بن هــدالن» ما يزال
بمستشفى الدمام المركزي. عالقا في الذاكرة من سنوات ،قبل معرفتي
بأحمد المال وحتى كتابة هذه السطور:
بقي معي إلى أن اطمأ ّن على حالتي وعلى
استقرارها .ظلَّ أحمد المال متواصال معي أنا خويّك في الليالي المعاسير..
وال ال ـ ـرَخَ ـ ــا كِ ـ ـ ِّل ــنْ ي ـس ــدّ بـمـكــانــي عبر الهاتف ومن خالل الزيارات الشخصية
ّ
..أم هو األثر الذي تركه الشاعر «أحمد مع األصدقاء للمستشفى حتى بعد خروجي.
في (2018م) في لوس أنجلوس بأمريكا، المال» في مجموعته الشعرية الرائعة «إيّاك
وخالل فعالية أيام الفيلم السعودي هناك، أن يموت قبلك»؟
أ ُصبتُ بتعب وإرهــاق ،فقدتُ معه الوعي.. المال ..اإلنسان والصديق!..
كنت وقتها أتعالج من آالم في فقرات الرقبة،
في 2015م ..تعرضت لحادث سير عندما
ومع تغيّر الجو أصبت بتلك الدوخة ،ما شعرت
كنت فــي طريقي مــن األحــســاء إلــى مطار
بعدها إال بأول الموجودين معي :أحمد المال،
الملك فهد بــالــدمــام ،مسافرًا إلــى بيروت
ومعه بعض األصدقاء «محمد الفرج ،شهد
لتصوير بعض األعمال الفنية .في اليوم نفسه
أمين ،محمد السلمان ،مجتبى سعيد». والتوقيت ذاته ،كان أحمد المال متوجها إلى
«إن قدماً ال تنتقي خطوها ،ال يحق لها أن البحرين برفقة بعض األصدقاء .وصله خبر
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 30
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أو فني مشترك إال وكان أحمد المال سببه. تفاخر بالطريق «أحمد المال».
في أهـ ّم المواقف ،في أجمل الرحالت ،يشعلنا جميعا؛ كلما فترت لدينا الحماسة
في أحسن الحاالت ،في أمتع أيام العمل ،في وخبَتْ جذوتها.
فــي اإلدارة :مــا مــن إدارة م ـ ـرّت عليّ أحسن سنين العمر لـ «أحمد المال» حضوره
في العمل المشترك إال وكــان أحمد المال المش ّع والحميم.
مهندسها وفنانها وملهمها .وهو المدير الذي أناقة التعامل!..
ال تراه جالسا على كرسي في أول الصفوف.
مــا مــن م ــرة كــنــت فــيــهــا فــي بــيــت أخــي
مــن حــســن حــظــي أن تــعـ ّمــقــت معرفتي وصديقي «أحمد المال» إال وخرجتُ متجددا
بالحياة ،ال توجد أبواب مغلقة باألقفال في بأحمد المال في مهرجانات نوعية كان هو
المكان الذي يسكنه أحمد المال .حتى في مؤسسها ،شــاهــدت فيها حــرصــه وإرادتـــه
مكتبه اإلداري عندما كــان مــديـرًا لجمعية ووعيه وحبه للفريق الــذي يعمل معه .يوزع
الثقافة والفنون بالدمام ..عادة ما يكون باب علينا االبتسامات ويعيد ابتكار الحياة.
فــي االســتــشــارة :مــا خ ــاب مــن استشار اإلدارة مفتوحا حتى وإن كنّا في اجتماع.
في العمل :ما من نجاح في عمل ثقافي «أحمد المال».
* فنان سعودي.
تعرفت إلى شعر أحمد المال في أواسط الثمانينيات ،وكنت آنذاك محررًا في
القسم الثقافي في جريدة الجزيرة في الرياض .كانت نصوصه مختلفة ،تثير
نقاشا بين الزمالء حول نسبة تلك النصوص إلى الشعر .فهي تخلو من موسيقى ً
التفعيلة ،وكانت قصيدة النثر ما تزال مرهوبة وغير سائدة في الذائقة المحلية
فــي المملكة العربية السعودية بــالـصــورة الـمــرجـوّة .كــان النقاش ينتهي غالبًا
بالموافقة على نشرها ،ألنها تحمل صورًا شعرية جديدة ،والتماعات لغوية فائقة،
وتستند إلى رؤى تأملية ،يزاد على ذلك أن المال شاعر شاب تبشر موهبته بنبات
شعري سيكون له شأن مستقبلي مجيد.
إنــتــاج آلــي ال يسهم فيه اإلنــســان إال وبالرغم مما حققه هذا الفن المثير
بجانب يسير ،حيث يتم تهميش الموهبة للجدل من ميزات بشكل سريع ومطرد؛
واألحاسيس والمهارات الحسية على إال أن أولــئــك المتعصبين لألصالة
حسب اعتقادهم .غير أن السؤال الذي الفنية وتقليدية األدوات ،الــذيــن ال
يقدم نفسه بإلحاح في هــذا الصدد، يعيرون اهتماما لهذا االتجاه ،يمتنعون
هو :لماذا تقوم كبرى المتاحف العالمية عن تصنيفه ضمن «الفنون اإلنسانية
باالحتفاء بهذا الفن ،وتنظم معارض الراقية» Fine Artمعتبرين إياه مجرد
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 38
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
مستمرة للفن الرقمي أو ما يُدعى أحيانا،
بالفن عبر اإلنترنت ،Online Artكما هو
حال متاحف سان فرانسيسكو للفن الحديث
SFMOMAومركز ووكــر Walker Center
ومتحف ويتني .Whitney Museum
تعددت التحديدات المفهومية لهذا الفن،
واختلفت أحيانا ،إلى حد التعارض ،ويبقى من
أهم التعريفات ما قدمه الفنان روبرت بورغر
الفنانة التشكيلية هناء الشبلي
أستاذ فن الرسم الكمبيوتري في جامعة
،Francis Laposkyبمحض الصدفة ،بعض
بنسلفانيا ،University of Pennsylvaniaإذ
أشكال الترددات على شاشات الرادار .هذه
يقول فيه« :إنه ببساطة الفن الذي يستخدم
الترددات ذكرته باألسلوب التجريدي للفنان
الكمبيوتر كأداة» .أما عن تاريخ هذه الحركة
فاسيلي كاندانسكي ،Vassily Kandinskyإذ الفنية فــيــقــول« :ال يرتبط الــفــن الرقمي
تميزت هذه األشكال المرتسمة على الشاشة بتاريخ معين؛ بمعنى أنه باستطاعة أي فنان
ببنية دائرية وهيئة حلزونية ،وكأن يداً خفية صاحب موهبة ولديه المعرفة ،باستخدامات
ومــاهــرة قــد رسمتها ب ــإدراك حسي دقيق الكمبيوتر وبرنامج الفوتوشوب أن يطور
ومتناسق .بناء على هذا التصوّر ،فكّر الفنان تشكيالت ال نهائية مــن اللوحات الفنية،
في استعمال الحاسوب كــأداة فنية ،نظرا والتي تتحد فيها الــرؤيــة الفنية التخيلية
لإلمكانية الهائلة التي تتمتع بها هذه اآللة بالقدرات التقنية العالية للكمبيوتر ..ليحققا
حديثة العهد في ذاك الزمن .فقد الحظ معا شطحات فنية في العمل التشكيلي لم
هذا الفنان دقة هائلة في الرسم إلى درجة تكن لتتحقق بدون توافر هذه التكنولوجيا.
تفوق بكثير قدرة اإلنسان ،فقرر تطوير هذه وأنا من أشد المتحمسين للفن الكمبيوتري،
القدرة وتوظيفها في مجال الفن التشكيلي. وأبذل الوقت والجهد الالزمين من أجل خلق
قام بنيامين فرانسيس البوسكي بإنجاز لوحات وتشكيل بصري يحفز الذهن البشري
أول محاولة فــي الفن الرقمي فــي تاريخ ويثير فيه الصور واإلسقاطات».
الفنون البصرية مــن خــال لوحة بعنوان لكن ،وبالرغم من صعوبة تحديد التاريخ
«تــردّدات» Oscillonsكاسم لمسمى ،يصف الفعلي لــبــروز ه ــذا الــفــن ،إال إن الفنان
به التردّدات الضوئية التي تظهر على شاشة األمريكي البوسكي يبقى أول مــن مــارس
الحاسوب معلنا عن انطالق حقبة جديدة هذا الفن على الحاسوب بوعي؛ إذ حصل
من الفنون وهي الحقبة الرقمية(.)٢ أن شــدت فرانسيس البوسكي Benjamin
اللوحة :١لوحة من #الفن_الرقمي بعنوان (ينبض فقدا) من أحد أعمال معرض الفنانة هناء الشبلي الرقمي #نبض
باستخدام ادوات برنامج #فوتوشوب تم اختيار األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب #الرسم_الرقمي .تعبر
اللوحة عن وضع األطفال بين صراع أسري يجبر األم على الرحيل.
اللوحة :٢لوحة من #الفن_الرقمي بعنوان (ينبض ثقال) من أحد أعمال معرض الفنانة الرقمي #نبض باستخدام أدوات
برنامج #فوتوشوب فقط .واخترت األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب #الرسم_الرقمي .وهي تعبر عن ثقل المسؤولية
والحمل على #األب اخترتها لكم بمناسبة #يوم_االب
اللوحة :٣من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمية من معرض (نبض) بعنوان :ينبض حرية عرضت في معرض
#زوايا_لونية برعاية #قسم_التربية_الفنية للبنات في #جامعة_الملك_سعود بالرياض٢٠١٨ .م
دهشته إزاء مشاهدها وعروضها الفنتازية، هو الذي يحرك هذه التقنيات واألدوات»(.)٩
ووضــحــت هناء أن استخدام المصممين لكنها القت في اآلن ذاتــه ،موجات الذعة من
النقد صــدرت عن فنانين من أصحاب الفن
إلمكانات الحاسوب الرقمية ،كان في البداية،
الكالسيكي والذوق التقليدي.
لغايات تطوير األداء المهني ،غير أن تطور
وت ــرى هــنــاء أن هــذه الـــردود االحتراسية أساليب المعالجة وبرامجها الحاسوبية أفرز فن
التالعب بـ Photoshopالذي القى رواجا وإقباال طبيعية ألنه ليس من اليسير على فنان أهبى
الفتين بوصفه فنا ومضمونا فكريا .وعندما ج ــذوة عــمــره فــي بنية فكرية أكــاديــمــيــة لها
ت ّم عرض هذه األعمال أمام الجمهور ،أبدى خصوصيات وتقاليد وحدود أن يتقبل األمر،
45 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
اللوحة :4من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمة ،باستعمال األسلوب الصفري تحت عنوان :التقوى
المرجعhttps://twitter.com/hana_alshebli :
واستناداً إلى ذلــك ،أرجعت الفنانة سبب وهــو يــرى مملكته التي عمّر بها دهــرا تزول
وتنهار تدريجيا .واألم ــر نفسه ينطبق على تأخر الفن الرقمي واستغراقه زمنا طويال في
الناقد الفني الــذي لن يستسيغ رؤيــة جهازه إقناع المتلقي والنقاد الفنيين والــرأي العام
النظري والمفهومي الــذي نفذه على أرض الفني إلى الممانعة التي يجدها لدى جمهور
الفنانين التقليديين ،وأتباعهم مــن النقاد الواقع أجيا ٌل من الفنانين العمالقة.
السدنة الذين يستعصي عليهم تغيير نظمهم
واتجهت سهام النقد فــي الفن الرقمي،
ومرجعياتهم!
حسب هناء الشبلي ،إلى مستويين:
وتؤكد الفنانة هناء الشبلي أن الفن الرقمي
-سهولة العمل فيه عكس الفن التقليدي
ليس فــن أداة وتقنية ،بــل هــو أيضا فــن ذو
الذي يستغرق فيه صاحبه زمنا طويال.
قيمة استثنائية ،يقوم على فكرة إنسانية
-ســرعــة تنفيذه عكس الــفــن الكالسيكي وخيال واسع للفنان ،وهو ليس وليد الصدفة
الذي كان يبذل فيه الفنان جهدا مضاعفا العشوائية ،كما يروج خصوم هذا الفن ،وأعداء
ومــحــاوالت كثيرة قبل أن يستقيم عــوده ،نجاحاته ،ومــا الــحــاســوب وتطبيقاته سوى
إضافات نوعية ووسائل فنية مدعمة .وللعلم، ويكتمل.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 46
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
فإن إعداد اللوحة أو المشهد الفني في التصور الــعــاديــة إل ــى مشهد خــيــالــي غــرائــبــي مثير
الكالسيكي يشابه نظيره في التصور الرقمي ،للدهشة»(.)١٠
وتــفــنــد الــفــنــانــة الشبلي االدعـ ــاء القائل والفرق الوحيد يكمن في الوسائل واألدوات.
تقول في هذا الصدد «فحين يبدأ الفنان بتعارض الفن الرقمي مع اللوحة التقليدية،
في وضع افتراضاته ،وتحديد موضوعه الذي مــؤكــدة أن األخــيــرة مــا ت ــزال تحمل رسالة
يريد االشتغال به وعليه ،ويهيئ مواده وفرشاته الفنان الحية والمباشرة ولمسة فرشاته وبريق
الالزمة ،وخاماته وصباغاته الضرورية للعمل ،ضرباته اللونية بمستوياتها الفنية المتنوعة،
يقوم الفنان الرقمي ،على شاشة حاسوبه ،ومــا مجال الفن الرقمي إال منعطف أداتــي
بجمع أكبر عدد ممكن من الصور المتعلقة ووسائطي فرضه منطق العصر ،وهو إن لم
بموضوعه المحدد سلفا ،ونسخها إلكترونيا ،يضف أشياء رائعة للمكتسب الجمالي والفني،
وطبعها على قرص مدمج ،لتاتي ،بعد ذلك ،فهو لن يضرّه أبدا في شيء .بل على العكس
مرحلة العمل عليها عبر استخدام برنامج من ذلك ،سيسهل من مأمورية الفنان ،ويقدم
،)Adobeله خدمات جليلة ،إن هو غيّر نظرته لعالمه (Photoshop الرسم المختار مثل
مــن أجــل دمــج الــصــور وإخضاعها لعدد من الفني ،وانفتح على مجال التقنية الذي أصبح
المؤثرات والتلوين الباهر الذي يحول الصورة متاحا أمام الجميع.
* ناقد من المغرب.
(Digital Art http:// ( )١لمى عبدالرحمن الحركان :الفن الرقمي ،موقع جامعة الملك سعود ،كلية التربية،
)fac.ksu.edu.sa/lalharkan/blog/24711نشرت بواسطة الباحث نفسه ،بتاريخ 30يناير 2014م.
( )٢محمد الشيخاوي :اإلبداع التشكيلي في الفنون الرقمية للفنان نور الدين الهاني ،مقال نشر بمجلة
«اإلمارات الثقافية» العدد 31بتاريخ مارس (2015م) ،انظر الرابطhttp://arts-et-poesies.over-blog. :
.com/2015/09/56052dbe-a4b0.html
( )٣المرجع نفسه.
( )٤آل قمّاش ،قمّاش علي (٢٠٠٨م) :تيارات الفن الرقمي وتقنياتهhttp://fac.ksu.edu.sa/lalharkan/ ،
.blog/24711
( )٥الفن الرقمي ،موقع أكاديمية التصميم الرقمي ،انظر الــرابــطhttps://artisticdesignacadmy. :
/wordpress.com/page4-2بدون تاريخ.
( )٦فنانة تشكيلية رقمية من المملكة العربية السعودية ،تعمل خبيرة تربوية في وزارة التعليم ،دكتوراه
تخصص تصميم فني.
( )٧خير اهلل زربان ،جريدة المدينة ،جدة ،المملكة العربية السعودية (ثقافة وفن) انظر الرابطhttp:// :
./www.al-madina.com/article/142441بتاريخ األربعاء 2012/03 /14م.
( )٨المرجع نفسه.
( )٩المرجع نفسه.
( )١٠المرجع نفسه.
أو الفكرية للرواية بلغة شعرية تخفف ولو تأملنا المنجز الروائي العربي
من برودة المقوالت الفكرية ،وتحرّض فــي اآلونـــة األخــيــرة ،لــوجــدنــا أن مثل
المتلقي على فعل القراءة ،وينطبق هذا هـ ــذه الــنــبــرة الــخــطــابــيــة ق ــد ع ــادت
التوصيف في كثير من جوانبه على رواية للظهور ،وإن تلونت ،على خجل أحياناً،
(توارت بالحجاب) للكاتب عبدالرحمن ببعض التنويعات األسلوبية ،لكن في
العكيمي .فالرواية حاولت التخفف من الــوقــت نفسه حــاولــت بعض الــروايــات
عبء المقوالت التي أراد السارد إيصالها بمخاتلة فنية ،دمــج الرؤية األخالقية
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 48
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
للمتلقين ،بإطالق العنان للمخيلة الشعرية
لتفعل فعلها في ضخ حموالت جمالية على
السرد ،من دون أن تفقد المتلقي القدرة على
فك االشتباك بين لحظة السرد الشعري،
ولحظة السرد الواقعي في الرواية ،فالرواية
ال ترهق المتلقي في الوصول إلى مقوالتها
الفكرية بيسر متناهٍ .
فضاء الواقع ..فضاء القيم المجتمعية
ال شــكّ أن المقولة الفكرية ألي منجز
س ــردي تتشكّل خ ــارج العمل الــروائــي ،إذ
تكون الفكرة مجرّدة ومشبعة بعواطف تزداد
اشتعاالً ،فتكون المحرض األساس للروائي
كي يعمل على بلورتها روائياً ،ومن ثمة ،تصبح
الوسيلة الفنية لألداء الروائي ،هي العنصر
حاولت الــروايــة معالجة أفكار طازجة، الــحــامــل لها والــمــســاعــد على تحديدها،
ربما بقي الحديث الصريح عنها خجوالً في فلو نظرنا فــي الــعــنــوان المخاتل (تــوارت
الــروايــة الخليجية ،لعل من أبرزها قضية بالحجاب) ،الذي يحاول االنحياز للشعري
تجييش الشباب للجهاد في العراق ،تحت في العنونة عبر استثمار مصطلحات ذات
ذرائــع غير مقنعة ،أو ألهــداف تسعى إليها ظالل صوفية ،فإننا سنلحظ أن ذاك الجانب
كثير من الــدول التي تحاول تشويه سمعة ما هو إال حامل لداللة جزئية من دالالت
اإلسـ ــام وزج ــه فــي خــانــة الــفــكــر الحامل الرواية ،ولكن إذا شرعنا باب التأويل ،فإننا
لــإرهــاب ،وهــذا مــا مثلته شخصية عمار قد نجد في معنى الحجاب الدال على الحيرة
في الرواية (مع شخصية الشيخ /الداعية والعمى -حسب تعبير ابن عربي -ما يجعل
الــمــزيــف) ،التي القــت مصيراً مفجعاً لها من العنوان ذا حموالت داللية عامة ،فهو
وألســرتــهــا ،كــمــا تــقــدم لــنــا ال ــرواي ــة نمط كل ما يحجب المطلوب عن العين ،وبتعميم
الشخصية المترددة في قبول هذا النمط من أفــســح هــو حــوائــل الحقيقة والــواقــع التي
إعمال
ٍ التفكير ،ولكنها تعود إلى صوابها بعد تدفع بشخصيات العمل إلى الضاللة عن
للعقل ..وتتمثل في شخصية رائــد ،كذلك مفاهيم المجتمع ،وهذا ما حاولت الرواية
تقدم لنا الرواية نمط الشخصية المعتدلة إنجازه ،فعلى الرغم مما قد يوحي به العنوان
الــتــي تحاكم األمـــور عقلياً ،فــا تقع في وتخف ،إال أن الكشف عن ٍ أحياناً من ستر
المحظور وتتمثل في شخصية يوسف التي المسكوت عنه كان هدفاً استراتيجياً للرواية
تمثل بشكل خفي شخصية البطل المطلق بصرف النظر عن نجاح الرواية في الوصل
فــي الــروايــة .كذلك تطرح الــروايــة قضية إليه أو ال.
49 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
اإللحاد التي تمثلت بشخصية الكاتبة ضحى جانباً مهماً ،يجعل من السرد أكثر منطقية
من خالل التحول العجيب في شخصيتها من وفنية.
أم ــا عــلــى صعيد الشخصية الرئيسة حالة الكتابة المتصوفة ،إلى حالة النقيض
تماماً ،وهي حالة اإللحاد الذي برز خجوالً يوسف التي مثلت شخصية المثقف الواعي،
وغــيــر مقنع فــي الــســرد؛ فعلى الــرغــم من والمعتدل ،والصحفي الذي يواجه الفساد،
كثير من المسوّغات والصفات التي حاول ويدافع عن قيم المجتمع األخالقية ،فإننا
الكاتب إلباسها لشخصية ضحى كي يبرر نجد في السرد ما يناقض تلك الصفات،
هذا التحول ،إال أن المتلقي يشعر أنّ في فهو في الوقت الذي يمتلك فيه القدرة على
جعل شخصية أنــثــويــة هــي الممثلة لهذه مواجهة عيوب المجتمع بمقاالت جريئة
المقولة ،كان حاجة سردية أكثر منه تعبيراً وقــويــة ،تجعل منه صحفياً مــعــروفـاً ،نــراه
عن الواقع ،فكان الخيار ألن تكون الممثل عاجزاً عن الكشف عن موهبة في العزف
لهذه المقولة ،كي تصبح حجة دامغة للبطل وحبه للموسيقا ،فتظهر شخصيته مستسلمة
للتخلي عنها والــتــحـوّل إلــى حبيبة أخــرى تماماً للنسق الثقافي المجتمعي ،وهو في
(شخصية الصحفية األردنية أروى العلي) الوقت ذاته يسمح لنفسه بتهريب اآلثار وبيعها
لحسابه الشخصي ،مع محاولة تلفيق حجة في نهاية الرواية.
شرعية لتسويغ فعله ،بأنه سيوزع الثلث على وفي هذا السياق ،ال بد من اإلشارة إلى
الفقراء ،أضف إلى ذلك تبرير عالقة الحب أنّ سيطرة مقولة الــراوي العليم (شخصية
مع ضحى ثم مع أروى ،و ..فهي شخصية يــوســف) قــد جــعــل مــن التكنيك الــروائــي
ذات طابع تسويغي تجد المبررات الدرامية محصوراً بالصوت الواحد ،وهذا ما أفقد
لكل ما تفعله لتقنع المتلقي بصوابية الفعل؛ الرواية استراتيجيات ،كانت ستمنح الرواية
من هنا ،يمكن مالحظة سيطرة نزعة ذكورية بعداً أوســع في المعالجة الدرامية ،وربما
سوّغها المجتمع للرجل القادر على فعل ما هــذا مــا يمكن أن نسجله على شخصيتي
يشاء مع إيجاد ما يبرره ،لو ظاهرياً على عمار وشخصية ضحى اللتين تمثالن مقولة
األقل. الطرف اآلخر المناقض للهدف األخالقي
فضاء المخيلة ..فضاء الشعرية: لــلــروايــة ،مــن خــال اعتماد تقنية الــراوي
الــواصــف لتلك الشخصيات مــن دون أن
لعل أبــرز ما فعله الروائي عبدالرحمن
العكيمي ،للتخلص من زج المقوالت الفكرية يدخلنا في العوالم الداخلية والنفسية لهاتين
أمــام الــقــارئ ،هــو االنحياز للغة الشعرية الشخصيتين ،فــإذا كان السارد ينطلق من
في التعبير ،وهــذا ما منح الرواية جمالية أن ما يمثالنه هو مخالفة لمنطق المجتمع،
تعبيرية ،وفــرادة أسلوبية ،فعلى مدار ستة ـرضـ ّيــة من
الــذي يــزج فعلهما بالحالة الـ َمـ ِ
عــشــر فــص ـاً ،ك ــان االنــحــيــاز إل ــى عنونة خالل ما تشعرنا به الرواية ،فغياب البحث
الفصول بعناوين ذات طابع شعري ،والالفت عن مرجعيات نفسية من خالل تعبير تلك
في عناوين العكيمي لفصول روايــتــه ،أنها الشخصيات عن ذاتــهــا ،قد أفقد الرواية
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 50
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
االنفصال عن ضحى الحبيبة /الخطيبة اخــتــزاالت عالية الشعرية ،تــحــاول تقديم
ال
السابقة ،واالنتقال إلى حب جديد متمث ً مقولة شعرية موازية للمقولة الفكرية ،ففي
بشخصية أروى ،فــإن االخــتــزال في العتبة اختزاله لجماليات المكان (الشمال الغربي
النصية الممهدة للفصل سيكون اختصاراً للمملكة)؛ في الفصل األول ،نقرأ العنوان
شعرياً مكثفاً لحالة الحب ،وما تخلفه من اآلتــي( :خذني إلى صحراء ال تخاتلها ريح
أثر في النفس عبر انزياحات لغوية الفتة، الشمال ،خذني إلى شجر يكتظ وال يخون
فالفعل (أغتابك) على ما يحمله من داللة الظالل) إن مثل هذا العنوان وسواه يحرك
سلبية في العُرف اللغوي واالجتماعي ،فإنه شهية التأويل ،والتلقي الشعري لدى القارئ،
هنا دال على حالة مناقضة تماماً للداللة وهو من محرضات القراءة األساس المشعرة
المألوفة ،عندما يتحول إلى فعل حميد بلغة بجمال الــمــكــان وبحساسيته فــي الــســرد؛
ومن هنا ،نقرأ تحت هذا العنوان ،أو هذه
الحب ،فيصبح داالً على حاالت االسترجاع
العتبة النصية إذا شئنا التخلي عن تسميتها
والتذكر والتلفظ باسم الحبيبة وبأفعالها؛
بالعنوان:
من هنا ،يكتسب داللة اإلخصاب الجمالية
الــقــادرة على تحويل يباس الــفــم /الموت (حين يأتي شتاء الشمال ،يغتال الذبول
المعنوي في حالة غياب الحب ،إلى حالة مساء المدينة ،تنطفئ بهجة الطرقات ،تبدو
مورقة نابضة بالحياة. المدينة شاحبة متعبة ،مفرغة من بهجتها
المعتادة ،تنكسر نضارة األشجار التي تتوزع
أخيراً ،ال شك أن الروائي عبدالرحمن بانتظام على جنبات الشوارع ،األشجار تبدو
مبللة برطوبة شتوية قاسية ،طقس بــارد العكيمي ،حاول في روايته طرق قضايا مهمة
يثرثر بصمت كئيب ،طقس بــارد يحيل كل في السرد ،تندرج في خانة المسكوت عنه،
الــذي بات كشفه ومعالجته ضــرورة ملحة، شيء إلى صمت طويل).
وهذه ميزة للرواية ،يضاف إلى ذلك ميزة
إن اللغة الشعرية ذات الطابع التصويري
أسلوبية تتمثّل في محاولة السارد تغليف
الــذي يرفل ببالغة عالية تُدخل المتلقي
بطريقة بصرية شفافة ورومانسية إلى عوالم المقوالت الفكرية بأسلوبية عالية وصلت
المكان الذي يطرقه السارد بلغة القلب ،وال إلــى ذروتــهــا عندما قــاربــت تــخــوم الشعر؛
تخرج مجمل العتبات /العناوين في فصول وهذا ما يجعل من منجزه السردي جديراً
الرواية عن هذه االستراتيجية األسلوبية ،بالقراءة ،فمن أهم ما يحسب للرواية في
ابتداء من اللحظات السردية األولى للرواية عصر الحداثة السردية ،أسئلتها الكثيرة
حتى يختم الشاعر روايته في ذروة اللحظة التي تحاول إثارتها ،وترك األجوبة المتعددة
الــدرامــيــة ،فنراه في الفصل األخير يضع للحوار مع المتلقين ،وبهذا الــحــوار تكون
العتبة اآلتــيــة( :أغتابك حباً ألق ــاوم حالة الكتابة قد حققت هدفها التنويري ،وبعدها
اليباس فوق فمي) ،فــإذا كان هذا الفصل األخــاقــي ،مــن دون التخلي عــن شرطها
ســيــقــدم مـــآالت الــشــخــصــيــات ،مــن خــال الفني.
* كاتبة وقاصة من السعودية.
تعرية االغتراب
■ سمير أحمد الشريف**
الباب»
ِ الهوائي َة على
ّ دراجته
ُ «غياب ِك َ
ترك ُ
الحدس لمحمد الحرز :الشاعر وكتابة ِ
■ عماد الدين موسى*
تكمن خصوصيّة وتـفـرّد قصيدة الشاعر السعودي محمد الحرز في كــلٍّ من
لجملته ،تتصف بسالستها نبرتها الهادئة ولغتها المُ غايرة؛ إ ْذ ثمّ ة بناءٌ مُ حكم ُ
وكثافتها الشديدة ،عدا عن أنها مليئة بالتضاد والمُ فارقات اللفظيّة المحبّبة
وغايةً في اإلتقان .بدوره ،اإليقاع الداخليّ للكلمات ،تلك المنتقاة بعنايةٍ ورويّة،
يُضفي المزيد من الموسيقى العذبة إلى عوالم قصيدته ،ويجعلها أشبه بقطعةٍ
فنّيةٍ مُ شبعة بالمشاعر واألحاسيس.
في تظهيره لرواية «الوسمية» ،كتب عبدالعزيز الصقعبي« :هــو عوالم كثيرة
تأسر من يعرفه ..هو روائي متميز ومتجاوز ومقنع ..وهو قاص ممتع وفنان شامل،
حتى عالم الكاريكاتير أسهم فيه ..هو كتلة من الفن ،يقرأ كثيرا بكل الطرق ،من
الكتاب أو عبر مكبر للحروف والكلمات»..
هذا ليس من قبيل المدح .ولكن أنا أقدم دعوة لكل األجيال الجديدة بأن يكون
ضمن أجندتهم القرائية ،االطالع على نتاج المبدع عبدالعزيز مشري.
إن روايــــــــات م ــث ــل «ال ــوس ــم ــي ــة» ،من الصدق واإلخالص ..وعالم من الفن
و«صــالــحــة» ،و«فـــي عــشــق حــتــى» ،أو واإلبداع ..وكثير من المحبة والود».
في كتابه «مكاشفات السيف والوردة»، مجموعات قصصية كثيرة ومتميزة
منها «أســفــار ال ــس ــروي» ..بمقارنتها يــعــتــرف األديــــب الــســعــودي الــراحــل،
لبعض األعمال الصادرة اآلن ،نجد أنها عبدالعزيز مشري ،أحد رموز التجربة
متجاوزة ،ألن من كتبها مبدع حقيقي ،ال األدبية الطليعية في السعودية ،والذي
يطمح للشهرة مطلقا بل أحب الكتابة تتسم تجربته السردية بالمغايرة والجدة
واألصــالــة ،بأنه ال يجد نفسه حميميا واإلبداع..
عبد العزيز مشري ..ال بد أن تقرأه مع حياة المدينة كثيرا ،ولــم يتعاطف
األج ــي ــال الــجــديــدة ،الــتــي استسهلت مع إيقاعاتها الذائبة ،الخرسانية ،فمنذ
الكتابة بتوفر التقنية الحديثة ..إنه كتلة البدايات القصصية األولى ،والتي لم تكن
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 58
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
فــي االستقاء إال البنات الــمــدركــات ..قوة مدركة للدوافع واألهــداف الكتابية بعمق..
وتصرفا» ،بيد أن حميدة تعتبر «شباب هذا «كــانــت تلك األعــمــال -وه ــي فــي المدينة،
الزمان مدلعاً ،ما فيه تعب وراء الدراهم.. والغربة الثقافية ..-تجعل أبطالها قرويين
واحد يسافر إلى مكة ..وواحد متعلم يشتغل يتعاملون بالمنطق القروي والهيئة القروية،
فــي وظــيــفــة ..يلبسون ثــيــاب بفت بيضاء، وقد صدمتهم مطحنة المدن الرافضة لكل
وعمائم نظيفة ..ويشربون الدخان من «أبو القيم اإلنسانية البديهية والبريئة ،لم يكونوا
بس» ،لكنها تقتنع بأن ابنتها ستروح إلى بيت غير متفاهمين مع ذلك اإليقاع ..بل أوجدوا
آخر ،وستكون لبنتها الصغيرة حياة طيبة. نظاما توازنيا في تعاملهم معها ونجحوا..
ومــن تفاصيل الحياة اليومية القاسية، لكنهم في الدواخل ال يتعاطفون مع أشكال
تــمــضــي أي ـ ــام طــويــلــة وقــاســيــة ومــحــاطــة معطياتها الجافة».
في روايته «الوسمية» (دار أثر2018 ،م) ،بالجفاف ،وتتحول فيها آمــال الــنــاس إلى
يحتفي مشري ،وبشاعرية شجية ،بتفاصيل رجاء حار يستعطف رحمة السماء ،وتتصدق
الحياة اليومية في قرية جنوبية ،قبل أن النساء بمالبسهن القديمة ،ويخرج الرجال
حب الذرة المكنوز في بيوت مئونتهم ،وتجعل يغتالها األسفلت واإلسمنت!
في اللوحات األول ــى ،يصف عبدالعزيز منه زوجاتهم طبيخا لذيذا بالملح والبهار،
مشري قلق األهــالــي بسبب تأخر المطر ،يقدمنه في الغذاء والعشاء.
ويرى أهالي القرية ،بعد صالة الجمعة ،أن وانــتــظــارهــم الــمــتــلــهــف لــلــفــرج ،وطــقــوس
سبب الجفاف قلوب الناس الممتلئة بالحقد االستسقاء ،وعــادات الــزواج ،وحين تمطر،
والضغينة ،ويكتمونها ،ويتفقون على قراءة تغمر الفرحة قلوب الجميع ،كبارا وصغارا،
«الراتب» ،باعتباره السبيل الوحيد لتطهير وتمنع حميدة األرملة ابنتها من مغادرة البيت،
القلوب ،بينما يعترض بعضهم بأن «الراتب» عندما جاءها خاطب من قرية «الجبل» ،لكن
ال يقرأ إال عندما يكون في القرية خائنا أو أمها لم تمنعها من «االستقاء»« :ال يشارك
59 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بــعــد م ــوت وحــيــدهــا،ألنــهــا مخربا لم يعترف بذنبه.
عجوز تحتاج إلى مساعدة وبــــعــــدمــــا أمــــطــــرت،
يومية ،بينما اتفق الرجال يــعــمــلــون خــلــف ثــيــرانــهــم،
على بيع الــمــحــرك ،ودفــع وعند الظهيرة ،يحين وقت
ثمنه ألم صاحبه. القيلولة والغداء ،يربطون
ال ــح ــدث الــرئــيــس في ثــيــرانــهــم وحــمــيــرهــم في
الــروايــة هــو شــق الطريق، ج ــذوع الــشــجــر ،ويتغذون
حيث اعتبرها الشيخ -في تــحــت فــيــئــهــا ،ويــشــربــون
مشهد اســتــبــاقــي -تقرب الــقــهــوة الــمــمــزوجــة بحب
البعيد ،وتبعد القريب ،لكن الهيل والزنجبيل ،ويشربون
جــاء الخير وقلت البركة، ال ــش ــاه ــي ،ويــجــلــس أبــو
مــنــذ أن أصــبــح الــصــديــق جـ ــمـ ــعـ ــان م ــت ــك ــئ ــا عــلــى
ينسى صــديــقــه ،والرحيم مــرفــقــه ،تــحــت الــطــلــحــة،
ينسى رحــيــمــه ،والــقــريــب للف التمباك ،واالستمتاع
يتعادى مع قريبه ،وأصبحت الفلوس هي بكيفه.
التي تسوي الــرجــال ..تتحكم في القريب لكن سرعان ما يكدر صفو هذه الحياة
والبعيد ..خرب الزرع وقلت البركة ..وحفت البسيطة ،بعض المنغصات المستوردة
الدنيا ..وأصبح الناس يحبون حنطة أمريكا، مــن الــمــديــنــة ،إن جــاز هــذا التعبير ،مثل
والشاهي السيالني ،ويسافرون ويجيئون. حادث غرق الشاب في البئر ،بعد محاولته
ومن يوم صار البترول يأخذ الناس ،وينسى تــشــغــيــل مــحــرك ض ــخ ال ــم ــي ــاه ،فــامــتــأت
الشباب أراضيهم وزراعتهم ،وحــق أبائهم األرض الزراعية ،المحيطة بالبئر ،بالناس
وأجــدادهــم ..وص ــاروا يتمسخرون بالبالد والفوضى ،بعد انتشار الخبر المأساوي،
وخيرها. وغلبت الحادثة على كل تقليد ،جاء الشبان،
وجاءت الشابات ،وحتى العجائز اللواتي ال
آخر الكالم
يخرجن إال فيما ندر ،وجاءت أم الميت مع
في حواره مع جريدة «الحياة» ،استحضر من جاء على داعي الصوت ،ووقعت مغشيا
الكاتب الــراحــل عبدالعزيز مشري رفقته عليها ،واتفقوا على دفنه قبل غروب الشمس،
مع أحد القرويين« ،حين نظر إلى الطريق وألن الوسمية شغلت الناس؛ فالزرع يحتاج
المكسوة باألسفلت ،قــال بحسرة« :زمــان إلى السقي والرعاية والمتابعة ،وحراسته من
كنا نموت واألرض حية… اآلن األرض تموت الغنم التي يهملها رعاتها ،أو تعدي الحمير
أمامنا ونحن نموت بعدها» ،وكان صاحبي المتسللة ،التي تأكل الجهد وتأكل الــرزق،
يشير بمرارة إلى غلبة األسفلت على العشب اتفقت النسوة على أن يساعدن أم الميت،
في هذا األفق الذي ينغلق علينا !!». بإحضار الماء واللقمة لها بين حين وحين،
* كاتب من المغرب.
نـــوارة لــحـــرش*
■ ّ
يقدم الشاعر المصري ،حسين عيسى عبدالجيد ،في ديوانه الجديد (ضيوف
الوجع) ،الصادر عن دار يسطرون بمصر ،باقة من قصائده الشعريّة المندرجة في
فن الهايكو ،وهو بهذا يضيف إلى مدونة شعر الهايكو في العالم العربي ،إضافة
بشكل الفت( ،رغم قول بعض
ٍ مهمة ،هي مدونة بدأت في اآلونة األخيرة تتشكل
النقاد بعدم وجود الهايكو في العالم العربي) ،وفوق هذا تحجز لها مكانا وحيزا،
أو لنقل خارطة مُ شرقة تحت سماء الهايكو.
وكــمــا ه ــو م ــع ــروف وشـــائـــع ،ف ــإنّ التقاط تفاصيل العالم :الطبيعة ،الحياة
"الهايكو" ،هو نوع من الشّ عر الياباني ،والحاالت ،وغيرها من مكنونات الكون
يُــكــتــب بــألــفــاظ بــســيــطــة ومقتضبة ،واإلنسان .كما يحتاج أحيانا إلى قدرة
يــحــاول كاتبه مــن خــالــه التعبير عن على العبث والسخرية ،وزوايــا متعدّدة
مــشــاعــر وحـ ــاالت وأحــاســيــس عميقة من الرؤية الثاقبة والمتفحصة لألمور
بأقل الكلمات ،تكون غالبا ،موزعة على وأكـ ــوان وســيــاقــات الــيــومــي والمعيش
أسطر ثالثة؛ كما يتميّز بتكثيف الفكرة واإلنــســانــي وال ــواق ــع ومــكــونــاتــه .وقــد
واخــتــزالــهــا بــعــدد قليل مــن الكلمات ،ازدهر الـ"هايكو" في مرحلته األولى في
ويعتمد صيغا قصيرة تحتاج كتابتها القرن ال ـــ17م ،بفضل "ماتسيو باشو"
إلى ذكاء كبير وبراعة لغوية وخبرة في (1694/1644م) ،المُعلم األوّل لهذا
61 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
القارئ الميدياوي (نسبة إلى الميديا) الّذي الفن ،وهو أحد أعظم شعراء اليابان ،وقام
أصبح ال تستوقفه الحياة إ ّال فــي مواقع برفع سقف قصيدة الهايكو إلى أعلى مرتبة
التواصل االجتماعي ،حيث هناك عالمه من مراتب الفن الرفيع.
وعوالمه التي أصبح كثيرا ما يستغني بها تكمن الفروقات واالختالفات بين قصيدة
عن الواقع بك ّل ما فيه من تفاصيل وحيوات
الهايكو التقليدية وقصيدة الهايكو المعاصرة،
ومكونات حقيقية زاخرة باإلنسان وصخبه
فــي التفاصيل المُحتفى بــهــا؛ فــاألولــى،
وتفاصيله .هل هذا القارئ الميدياوي لم
تركز وترتكز على تفاصيل وصور الطبيعة
يعد يهتم بالشّ عر المسكوب في القصائد
والبيئة المحيطة بحالة اإلنسان ،وتحتفي
الطويلة والدواوين الضخمة ،وأصبح فقط
بها وتضيء عليها وحولها؛ والثانية ،تتميّز
يكتفي بما قل ودل من فن الكالم ومن ِش ٍعر
أكثر بحاالت التأمّل الـرّوحــي وبالمشاعر
مسكوب فــي قصائد الهايكو والــدواويــن
واإلنسان ،وبنقل األحاسيس ،بإيجاز وبصور
الصغيرة التي تتوزع عليها هــذه القصائد
مكثفة ،وأحيانا بحكمة ولوحة فنية تقتنص
المسكوبة باقتضاب وبمنسوب قليل من اللّغة
من الدهشة الكثير.
والكالم والمجاز ،وبمنسوب أعلى من الفنية
والدهشة؟ هل الهايكو هو معادلة الحياة والالفت والمالحظ في العالم العربي
المقتضبة في الواقع ،المُتسعة في الخيال في السنوات األخيرة هو توجّ ه الكثير من
واالفتراضي؟ الشعراء لكتابة قصائد الهايكو ،والكثير من
الدواوين والمجموعات الشّ عرية ،تصدر ك ّل
من جهة ،كثيرا ما أصبح الشاعر ينتصر
فترة في أكثر من بلد عربي لشعراء عرب
لقصائد الهايكو والومضة والشذرات ،ومن
أغلبها في شعر الهايكو .هذا الفن الياباني
جهة أخرى القارئ العربي للشّ عر (وعكس
األصل والمنبت الحساسية ،استقطب اهتمام
ما يُقال إنّه ال يحب إ ّال المطوّالت والمعلّقات
الكثير من الشعراء العرب ،واستحوذ على
وال يحفل بالقصائد المقتضبة) ،فهو يذهب
شغفهم وعواطفهم .فما الّذي يجعل الشاعر
إلى قراءة هذه النماذج المختلفة من الشّ عر
العربي يستلذ كتابة الهايكو ،ما الّذي يجعله
(الهايكو ،الومضة ،الشذرة) التي اكتسحت
شغوفا بهذا الفن إلى الح ّد الّذي أصبحت
خــارطــة فــن الشّ عر العربي فــي السنوات
فيه معظم تجاربه الشّ عرية تنتمي إليه:
القليلة األخــيــرة ،وهــي نماذج تشترك في
أجواءً ،وصورا ولغة وإيحا ًء وإبحارا ورفرفة
اقتصاد اللّغة وكثافة الصور وقــوة المجاز
وتحليقا وأسلوبا.
واالســتــعــارات ،وأحيانا وفــرة الــوضــوح .ما
هل الحياة العربية ومعها (حياة الفرد يمكن القول إنّ فن الهايكو ،قد وجد أرضا
واإلنسان والشاعر العربي) أصبحت أضيق خصبة في تضاريس الشّ عر العربي ،وصارت
مــن أن تَحتمل النصوص المطولة؟ وهل له مكانة كبيرة بين أنواع الشّ عر األخرى ،إن
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 62
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
تعدّدت الــرؤى وتفاوتت درجة القبض على لم تكن مكانته هي األوســع واألرحــب على
الهامشيّ واليوميّ وروح الداخلي ورحابة اإلطالق.
الخارجي .فمثال ،يصف الشاعر ،الربيع في ديوانه (ضيوف الوجع) ،يرتكز الشاعر
الــعــربــي بالفقاعات ال ــس ــوداء ،فــي صــورة المصري حسين عيسى عبدالجيد ،على
مــوجــزة وفيها إحــالــة تفي بحالة الخراب
أجواء الهايكو ،ويفتتح تجربته الشّ عريّة على
ا ّل ــذي آلــت إلــيــه ث ــورات مــا سُ ــمــيّ بالربيع
عوالم تلتقط تفاصيل الحياة والحبّ والخيبة
العربي" :بالونات سوداء/تفرقع ك ّل حين/
واألفاق المشرعة على أمنيات قليلة ،بكثير
ربيع العرب" .وهو مشهد صادم يصف بأقل
من الشّ عريّة ،وبفنيّة ممزوجة بلذائذ من
الكلمات وبكثافة ،ربيع العرب ا ّلــذي تحوّل
الــصــور التي تفاجئ الــقــارئ ،كما لــو أنّها
إلى فقاعات سوداء وخراب يُط ُل على خراب.
هالل أعياد من اللّغة ،أو باقة من المفردات
وفي مقطع آخر يُوثق شعريا للمأزق الدموي
المقتضبة التي تدفعه للتحليق والرفرفة،
العربي" :كـ ّل حين ،يمتزج باألحمر ،الثرى
والتي رغم اقتضابها تفيض منسابة بفن على
العربي" .هذا الثرى ا ّلــذي تنفتح مواعيده
لحظته الشعريّة ،خالقة له أرجوحة تذهب
ومواقيته على اللون األحمر/الدم .إذ كأنّ
به بعيدا عن مآزق اليومي التعس ،لتوصله
الــدم هو قدر الثرى العربي ،قــدره األحمر
إلى ٍبر من خيال الشِّ عر والصوّر؛ فيبرأ قارئ
المُمتد في ك ّل الخارطة العربية من المحيط
النصوص من مآزق ومطبات اليومي ،ومن
إلى الخليج .كما يعتبر في مقطع آخر أنّ
حالة السأم التي كثيرا ما تُطبق عليه بسبب
القانون اإللهي ،قانون عدل يتساوى أمامه
وتيرة الحياة المتأججة بالقلق الوجودي
الفقير والغني" :فــوق سطح البحر ،تطفو
الّذي أصبح هاجسا يؤرق إنسان اليوم.
جثتا الغني والفقير ،قانون إلهي" ،فال أحد
هنا فوق الغرق ،وال جثة أفضل من األخرى نــصــوص الــشــاعــر حــســيــن وُفِ ــق ــت في
طفو فوق سطح البحر.. في لحظة ٍ اســتــخــدام لــغــة حــسـ ّيــة وبــصــر ّيــة فــي ذات
اللحظة ،كما وُفقت في خلق مشاهد جمالية
الشاعر وهو يتناول هذه الموضوعات/
رغم بساطة التراكيب أحيانا .الهايكو عند
المواقف .يريد أن يقول أنّ اإلنــســان ابن
الشاعر حسين ،ابن دالالت وصور ومجازات
سياقات طبيعية عادلة ومُنصفة ومجحفة
وإحــاالت غنيّة بحاالت وتفاصيل إنسانية،
وجاحدة وجارحة أيضا ،وأنّ هذا اإلنسان
وجدانية ،وجودية ،مُربكة أحيانا ومُرتبكة
مهما وصل في حياته إلى مراتب ودرجات،
فــي أحــايــيــن أخ ــرى بسبب ضغط الــواقــع
ومهما تفاوتت وتنوعت تخبطاته في الحياة،
إ ّال أنّه يصيبه ما يصيب ك ّل الناس ،فأمام وتراكماته.
تعدّدت الموضوعات في نصوص حسين ،الغرق ،أمــام الموت ،أمــام الكوارث واأللــم،
وتــع ـدّدت مستويات اللّغة والشعريّة ،كما يتساوى الغني والفقير ،ويتساوى ك ّل البشر.
63 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وفي نص آخر يصف الشاعر بكثير من غير متوقعة ،وتربكك بداياتها على نهايات
الكثافة واأللم حال من تبيع الحليب لكنّها صادمة .جميلة وفيها مراوغة فنيّة الفتة
تموت في ال ــدروب بنقص في الكالسيوم ،ومُحببة.
ضيوف كُثر على طاولة الهايكو ،يتشاركون ٌ صــورة مُربكة ،أبــدع فيها الشاعر" :بنقص
في الكالسيوم /تموت في الــدروب /بائعة لــذائــذ اللّغة والــصــور واإلحــــاالت" :خصر
الحليب" .هنا مفارقات الحياة وإرباكاتها ،الوطن ،الناي الحزين ،بارود األوغاد ،اإلناء
فكيف لبائعة الحليب أن تموت بنقص في الفارغ ،سوط الحياة ،جوف الليل ،العناق
الكالسيوم؟ كيف لحقول خصبة ال تثمر الحار بين المنديل والدموع ،الغرق ،الريح،
بالنّور واألمــل وبأغنيات تلوّح بالطمأنينة إزميل الوجع ،الحب القديم ،طيور الحب،
لك ّل اآلتي ،وللغد المركون على حافة القلق وشــوشــة الــنــســاء ،اســم األنــثــى التي تصير
والترقب واألح ــام المعطوبة؟ فهذه التي بمثابة توقيت وأكوان وحيوات ،وشجرة فرح
تموت بنقص في الكالسيوم رغم أنّها بائعة ومطر ،وحتى يدها تصير ملعقة ،فتنتفي
للحليب ،تكون ميتتها غير مُنصفة ،ميتة حاجة اآلخر ألداة أخرى للطعام ،فيدها تفي
جاحدة .يعني أنّ هناك "خلل" في منظومات بغرض الملعقة ،كما يصير حضنها موقِ دُه،
الحياة برمتها ،وإ ّال لما حدث هذا الموت كما تصير أصابعه بمثابة شموع ،فال تحتاج
للضياء في الظالم ،ألنّ أصابعه كفيلة بخلق بسبب نقص الكالسيوم لبائعة الحليب.
حسين ،يذهبُ إلى تحميل الرسوب في الضياء ودحر الظالم والعتمة."...
إنّ قصائد الهايكو عند الشاعر حسين، الحياة إلــى "األخ ــرى- ،هــي ،-شريكته في
الكوكب"" :مــادة رسوبي في الحياة ،أنـ ِـت" .تصير حاملة لمكنونات الحياة ومشتقاتها،
الــمــرأة ينبوع الــحــيــاة ،فــجــأة تصبح مــادة لمكنونات المعاناة ومشتقاتها ،بقوّة الشّ عريّ
رسوب الشاعر/اإلنسان .هنا مفارقة فيها الــقــابــض عــلــى الـ ُمــنــفــلــت مــن ك ــوة حــاالت
الكثير من وجع العالقات المُربكة التي تكون إنسانية وعربية وفردية ووجدانية مختلفة،
جحيما لآلخر ،اآلخــر :هــو .واآلخــر :هي .هــذا االنــفــات يلتفت له الشاعر ويطوّقه
فمثلما ،وربّما بالقدر نفسه الّذي قد يكون باللّغة والشّ عر وكثافة الصورة أحيانا .إنّها
تجربة تولد من تربة التفاصيل الصغيرة هو مادة رسوب الحياة ،تكون هي أيضا.
ومن هوامشها الكثيرة ومن حوافها المعتمة. في نصوص حسين ،نجد كائنات وحاالت
تجربة تضيء على خدوش اإلنسان وشروخه كثيرة في مرتبة "الضيوف" ،ضيوف على
وكدماته ،وعلى تناقضات العالم الداخلي الشِّ عر والـلّــغــة .ضيوف على وضــوح األلــم
والــخــارجــي .قصائد تقبض فــي كــ ّل م ـرّة واإلربــاك ،ضيوف على تقطيبة الحياة مرّة
على ما يفلت من الواقع ،وعلى ما يخرّبه وعلى إشراقها ولــو بمقدار أو خجل مـرّة.
ويزعجه ،باللّغة ،أوّال وأخيرا .اللّغة العارفة، نــصــوص تصدمك نهاياتها على بــدايــات
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 64
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
لعبته الفنيّة ،التي تجعل المقاطع قابلة للقراءة اللّغة الضمّادة ،اللّغة المأوى والمالذ.
من األعلى لألسفل والعكس ،وهذا ال يحدث الــشــاعــر يــفــضـ ُح أيــضــا بــال ـلّــغــة ،ويشير
عند الشعراء إ ّال نادرا .فهذا المقطع مثال في إلــى األقنعة التي أصبحت لصيقة بالبشر،
صيغته األولى جاء هكذا" :بك ّل هدوء /يمكث وأ ّن ال (بشر حقيقي) في زماننا هــذا ،وأ ّن
منتعال قلبي /حبيب العمر" ،وفــي صيغته المجنون وحــده ال يرتدي أقنعة" :وحــده ال
الثانية ،أيّ القراءة من األسفل لألعلى يكون يرتدي قناع المجنون" .وفي مقطع آخر ،يرى
هكذا" :حبيب العمر /يمكثُ منتعال قلبي/ أ ّن أشجار بال عناء" :كاملة األوصــاف تثمر
بك ّل هدوء" .والشيء نفسه في هذا المقطع: بال عناء ،أشجار الوجع" .أمــام الوجع تثمر
"صوب الشرق /يتوجه دائما /بارود األوغاد". هذه التنويعات اللغوية والشّ عرية والفلسفية،
وتقابله القراءة الثانية" :بارود األوغاد /يتوجه وتفاوت مستويات النظرة لمختلف سياقات
دائما /صوب الشرق" .والشيء نفسه في هذا األفــكــار والموضوعات والــحــاالت ،نكتشف
المقطع" :بنقص في الكالسيوم /تموت في قــدرة الشاعر على الخلق وعلى إيناعه في
حضرة مرآة متشظية بشؤون الحياة واإلنسان
الدروب /بائعة الحليب" .إذ يمكننا قراءته من
والواقع.
تحت دون أن يختل المعنى أو تتأثر الفكرة:
"بائعة الحليب /تموت في الدروب /بنقص في ومن الصور الجميلة التي حفلت بها بعض
الكالسيوم" .أيضا يمكن قراءة هذا المقطع مقاطع الديوان ،صــورة يقول فيها إ ّن الّذي
قــراءة معكوسة" :فــي ملعب الحياة /كــرة ال يسبب أو ا ّل ــذي يرتبط بحفيف األشــجــار،
وشوشة النساء ،ال الريح" :حفيف األشجار/
تمل ركال /شعوب العرب" ،إذ تصبح هكذا:
ال يرتبط أبدا بالريح /وشوشة النساء" .هي
"شعوب العرب /كرة ال تمل ركال /في ملعب
صورة مترقرقة ورقراقة بالنعومة وبشاعرية
الحياة".
مفرطة وفائضة بالجمال.
مــا يمكن قــولــه فــي األخــيــر أ ّن الشاعر
ما يلفت القارئ لنصوص الشاعر حسين،
حسين عيسى عبدالجيد ،قــدم لنا بفنية
هو قدرته على خلق ألعاب فنية في صوره
وإبداعية ،مجموعة قصائد هايكو ،حفلت الشعريّة ،إذ يالحظ القارئ الذكي هذه اللعبة
وترقرقت بالكثير من الفن والشّ عر والخلق، وهي تتجلّى في الكثير من مقاطع الديوان،
وأ ّن تجليات الحياة وإرباكاتها كانت جليّة فبعض المقاطع تصلح ألن تُقرأ أيضا من أسفل
وفسيحة في هذه النصوص التي أكيد ستبهج إلى أعلى ،فبعد نهاية قراءتها بشكلها العادي،
القارئ وتفتح شهيته أكثر على ينابيع الهايكو يمكننا إعــادة قراءتها من تحت إلــى أعلى.
وحدائقه وسمواته. وهنا تكمن براعة الشاعر حسين في إتقان
* كاتبة من الجزائر.
انتفض على ُم ِّت َكئِهِ مبهوتا ،وراح يصرخ ويطلب ض المُ عارِ ْ
العون والمساعدة. طــوال فترة سجنه؛ شَ َغلَ ُه الــســؤال عمّن كان
صفعته راقصة القبيلَةِ على وجههِ ؛ داعية اهلل يُسَ رِّبُ تفاصيل االجتماعات التي يُجريها في بيته
أن ينقذ زعي ُم القبيلة من كابوسه اليومي. للدائرة األمنية.
شموخ شاعر شهر؛ ف ُِص َل من الحزب ،و ُعيِّنتْ زوجتَ ُه بعد ٍ
أُلْقِ ي القبض على الشاعر بتهمة مناهضة نظام مكانَه -في الدائرة السياسية.
الحكم واالنضمام إلى الثورة ،وحكِ َم عليه باإلعدام ذوبان
رمياً بالرصاص في اللحظة نفسها التي ألقي ما َل إلى عنفوان حَ َرنِها:
القبض عليه فيها.
-كوني سيجارتي وسأكون قهوتك.
وبينما الجنديان يتأهّ بَان إلطــاق الرصاص
عليه؛ راح يُلقي بأشعاره؛ شامخاً غير هيّاب من ظل يقد ُح شرا َرهُ حتى ذاب فنجانَها بين أصابعه
اإلعدام ،وينشد بصوت رجولي واثق ثابت ،وهما الخجولة.
ينظرانه بإعجاب وهيبة: رخصة
«ما اإلنسان دون حرية يا ماريانا الشاب المصاب بالشلل الرباعي .انفرجت
قولي لي كيف استطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً أسارير كآبته بعد زيارة أصدقائه
كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي -مبارك حصولك على رخصة قيادة السيارات من
الفئة الثالثة
كيف؟؟»
كابوس الزعيم
انتظراه بتهيّب وإعجاب لحين إكمال قصيدته،
دمعَا بقهر ،ثم أطلقا الرصاص. أص َد َر زعي ُم القبيلة أوامِ ـ َرهُ بإتمام اإلجراءات ْ
التهمة الالزمة إلعدام شعراء قَبيلَتهِ.
قبيل بــدء المحاكمة؛ سلّم ُه الحاجب ورقــة. جلس في خيمته الوثيرة مزهوّا.
تمعَّن فيها جيداً .نظر للحاجب وغمزه باليمنى. هطل المطر بغزارة .انتبه لوجود رجل مهلهل
واثق:
بدأ القاضي جلسة المحاكمة بصوت ٍ الثياب يقف متحفِّزا.
-لقد حَ كَمنا على الــشــاعــر الــمــاثــل أمامكم: -من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟
باإلعدام قهراً. -أنا شاعر صعلوك ،وقد أمرني أمير الشعراء
ضجّ ت جنبات المحكمة بالصراخ المُستهجَ نْ. أن أقتلك.
نادى القاضي على الحاجب .سأله باهتمام عن نظر إليه زعي ُم القبيلة مستهزئاً:
تهمة هذا الشاعر ،فقال غاضباً: -لكنك ال تحمل سالحا.
-لقد كتب قصيدة عنوانها «كِ ْش َملِكْ »! -سأقتلك بقصيدة.
* قاص من األردن.
شامة سوداء
■ عبدالرحمن الدرعان*
عوضا عن إخبارها بأن السكر تجاوز بكلمات غامضة ،وأسرت بها الذكرى إلى
جارتنا بتراء أم حسين قبل أن تشتتنا األيام طاقة العداد ،داعبتها بالقول :أنت عسل
مع اشتعال نيران الطفرة وارتحالهم بعد يا أماه .فنحن (هي تعلم أنني عندما أقول
وفاتها .تنشط ذاكرة الماضي عندما ال يجد نحن ..فإنني أعني ذوي البشرة السوداء)
يجب أن نقيس نسبة العسل والموسيقى في المرء له عمال سوى انتظار الموت.
كنت يــا مــســرور أنــت وحسين تــوأمــان دمائنا!
وقــفــت ســورانــيــا على بعد خطوتين.. تنامان على صــدري وتتقاسمان الحليب
معا ،أرسله اهلل ليكون الواحد اثنين ،بعد أن وأصـــدرت م ــواء صغيرا بعد أن ضبطت
نهش الخبيث صدر أمه ووضعته أمانة على مستوى الــصــوت فــي التلفزيون بالدرجة
الــكــافــيــة اللــتــقــاط الصهيل الـــذي انــدلــع صدري ورحلت.
وتــنــهــدت مـ ــرة أخــــرى وهـ ــي تــذكــرنــي على الشاشة .كانت الحلقة األخــيــرة في
بالشامة السوداء في وجهه ،ما جعلني أفكر المسلسل الذي ال تفوّت متابعته في قناتها
ال بالبحث عــن شــخــص ..بــل عــن شامة األثــيــرة قــد ب ــدأت بمشهد حــصــان يخرج
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 68
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
من عاصفة غبار قاتمة عائدا بال فارس ،النوافذ المعتمة ،وتوقفت على مقربة من
وثمة صــورة مشوّشة لشيخ أشعث الشعر الدوامة غير المرئية.
لــو حــدقــت مــن عــلــو شــاهــق عــلــى هــذا تقترب منها الكاميرا لتظهر بالتدريج نقاوة
مالمحه وخصالت شعره الزرقاء ،يقف في المكان المربع ،لرأيت ما يشبه صورة لغرفة
مقدمة الخيمة واضعا راحــة يــده كمظلة العمليات ،حيث يبتر رئــيــس الجراحين
واقية من الشمس والغبار ،يتعقب بعينيه الجزء الفاسد من جسد المريض .هذا
أثر الحصان القادم ،وفي لحظات تضيع هو ما أقوم به أيضا .وكالطبيب أخرج من
مالمحه وال يبقى سوى عينيه الذاهلتين ،غرفة الجراحة وأتناول غدائي بشهية ال
ويطلق من قاع حنجرته صيحة جزع سوداء يعتريها أي تقزز!
ثم -بعد أن يتأكد من المعنى الذي تترجمه
كان كل شيء مرتباً ،والحشود تتدافع
حركة الحصان اللولبية وهــو يــدور حول
وتــتــجــمــع عــلــى مــحــيــط الــســاحــة بعيون
نفسه -يجثو على ركبتيه بجوار موقد النار
مشدوهة ،محدثة جلبة لم تتوقف إال عندما
ويسكب أباريق القهوة والشاي على النار ،سمعنا طقطقة مفاصل الــبــاب الخلفي
لتنتقل الكاميرا إلى عمق الخيمة ،فهناك ينفتح من الداخل ..وقد حانت التفاتة من
امرأة تولول وتمزق شالها على أثر الصيحة ،رجل ضئيل الجسد معصوب العينين كأنه
وتحدِّ ق في الرجل المنكبّ على بيت النار .يفتش عن عينيه .بدأت والجنود المكلفون
يتوقف المشهد قليال على خيوط الرمل بالمهمة في هذه اللحظات نتبادل الحديث
بواسطة اإليماءات لكي ال يشعر بوجودنا. بالتزامن مع موسيقى جنائزية حزينة.
قبل أن أخرج الطفتها وأديت لها تحية يستخدم اإلنــســان اإليــمــاءات؛ ألنــه يدرك
عسكرية ،بعد أن تأبطت السيف النائم في بعكس الحيوان عبء وجــوده .وربما كانت
هي الشيء المتبقي من الرقص الذي كان غمده منذ شهور.
اللغة األولى لإلنسان قبل أن يخترع الكالم!
وج ــدت الــدوريــة تنتظرني ،نــزت منها
همس الضابط القريب من مؤخرة العربة وصــلــة م ــدوي ــة ،وانــطــلــقــنــا إلنــهــاء بعض
اإلجــراءات المعتادة ،ثم انتقلنا لنصل إلى بكلمات مقتضبة تصاحبها إشارة غامضة:
ساحة العدل مبكرا تحت حراسة الجنود ،إنه يشعر بالصداع.
تقدم اثــنــان مــن الجنود عند الساعة وانتظرنا حتى وصلت العربة السوداء ذات
69 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الواحدة بالضبط ،الموعد الــذي ستكون من الرأس الذي اليزال يتدحرج طريا ندت
أمي عندها تغالب النعاس وتصغي إلمام زفرة أخيرة تشبه الشخير (حسين).
قــلــتُ لها مــعــتــذرًا :هــذا كــأس عن نطق لساني وقــلــت :ل ـ َم ل ـ ْم تشربي
عصيرك؟ ضحكتْ بعمق وقالت :هنيئا .الطفولة ،والثاني طلبا للسماح .وضعتْ
بنفسها أنبوبة في جهتها ،وأنبوبة في هو لك.
عندما رأيتها بهذه الجرأة ،تناولتُ جهتي واقتسمنا كأس االعتذار.
* قاص من السعودية.
كــأنــي غــارقــة فــي نــوم ثقيل ،لــم أم ــت ،مستلقية على ســريــر فــي غــرفــة العناية
وعرفت الحق ًا أنــي أصبت بجلطة دماغية ،ولم ُ وقعت أرضــا
ُ المركزة ،أتذكر أنــي
أفقت وبت أسمع ما يدور حولي، ُ أ َر غير غباش ثم ســواد ،ال أدري كم امتد ،لكني
عيناي مغلقتان ال أرى إال بطرف عيني اليمنى التي ارتـخــى جفنها عــن فــراغ،
يتحدثون عني بصيغة الغائب ،الطبيب يقول :هاي بعدها ما ماتت؟!
وحدي ،أتذكر ،أفكر بكل ما حدث معي، أمي وأبي يأتيان وهما يبكيان؛ لماذا
أبكي بال صوت ..بال حركة ،أنا مشلولة ك ُّل هذا الحزن؟ حتى أختي التي جاءت
ونائمة ،ال أستطيع التحرك والتعبير، من أمريكا أراها ترتدي مالبس جديدة،
أتــســاءل :مــا ال ــذي حــدث كــي تقترب أين هديتي؟ لماذا لم تحضر لي هدية
الممرضة مني وبيدها مقص ،تسحب معها كما اعتادت؟
الطاقية الزرقاء الشفافة عن رأسي، أنــــا عــلــى قــيــد ال ــح ــي ــاة ،فــلــمــاذا
أسمع صوتًا أنثويا بعيدا« :بكفِّيها اللي
يتصرفون كأني المرحومة مــع وقف
فيها ،حرام»!
التنفيذ؟ الممرضة تقترب مني ..ألمح
صوت قريب :خسارة فيها هالشعر، اسمها المكتوب المعلق على صدرها
وأسجله في ذهني ،أفكر بأني أتألم هي ميتة ميتة!
عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ جـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـبـ ـ ــرم ـ ـ ـت ـ ـ ـهـ ـ ــا
تـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـه ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــور ي ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــدُّ
ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـن ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـتـ ـ ــه
وا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـش ـ ـ ـتـ ـ ــدُّ
و ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــس مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٌ فـ ـ ـنـ ـ ـمـ ـ ـلـ ـ ـك ـ ــه
إال ال ـ ـ ـ ـ ــرض ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ْا ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــن وال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــدُ
* شاعرة من الجوف -السعودية.
ٌ
وخليل ِخ ٌّل
ρρعبدالهادي الصالح*
نـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـب ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـس ـ ـ ـي ـ ـ ـج ـ ـ ـ ًا
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـل َزخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد
ρρجناة املاجد*
ـال كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ــان ـ ــي أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِـت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ذاتَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ
وسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ِـت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــدي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وجـ ـ ـ ـ ـ ــدانـ ـ ـ ـ ـ ــي
ـواك واسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــرتـ ـ ـن ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـن ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّ
والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِ ّـك ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أح ـ ـ ـيـ ـ ــانـ ـ ــي
ـال عـ ـ ـ ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا روض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ِ
ـاب كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أضـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــان ـ ــي وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ
ـوعـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـنـ ـ ــيَ األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواقُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ َو رب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــدّ ت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ــا أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــان ـ ـ ــي
فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــودِ خـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َة ش ـ ـ ــاع ـ ـ ــرٍ
ـان
يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــو َر بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـسـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ِ
ـرت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ َم خـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــاره ـ ــا وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـان
فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدهـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ
غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ َد األك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ مُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي ع ـ ـش ـ ـق ـ ـهـ ــا
ـزالن
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ِ
بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ هِ لـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــالِ ـ ـهـ ــا
ـدران
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــت إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدان ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ــاؤنـ ـ ــا وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ
ـان ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــوطـ ـ ــةِ األركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـأرضـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َخ ب ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـان ف ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـلـ ـ ـت ـ ــهُ شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ
ـاب إذا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ
ـان نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ونَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـوف ش ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ــهُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــلُ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ َم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـيـ ـ ـ ِ
ـان شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــد ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــوقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـه ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ بـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ
ـان ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ م ـ ـ ـ ـ ـ ــوض ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
ـوب ع ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا ـك ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــةُ فـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ ت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ
ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوتُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذبِ األلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ
* شاعرة من السعودية.
مفردات
ٌ سنك
تضيعُ أمام ُح ِ
بديها التشوّقُ
فيُ ِ
والفتونُ
حرف
ٌ الحب ..حين يتو ُه
ّ كمال
فتحكيهِ الخوافقُ
والعيونُ
* شاعر من السعودية.
واحة الحب
ρρفرح الزهراني*
يـ ـ ـ ـ ـ ــا واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب كـ ـ ـ ـ ـ ــم أمـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ِـت أرواح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
ـرسـ ـ ـ ـ ـ ــا وأفـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ــا
وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أق ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى عـ ـ ـ ـ ـ ـ ً
ك ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي اعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ــا زيـ ـ ـ ــارت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا
وب ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم يـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــاج مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ــاح ـ ـ ــا
يـ ـ ـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب هـ ـ ـ ـ ـ ــل تـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ــاك أف ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ــدةٌ
وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـن ـ ـ ـب ـ ـ ـصـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــوق فـ ـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـ ــا؟!
أك ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ط ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــر أط ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي
ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ــى ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ص ـ ـ ـ ــدّ اح ـ ـ ـ ــا
ورحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــس مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ أودعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا أمـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي
ت ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـ ـ ــاه حـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى يـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــر إصـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاح ـ ـ ــا
واهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،إذا مـ ـ ـ ـ ــا ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر واس ـ ـ ـت ـ ـ ـب ـ ـ ـقـ ـ ـ ْـت
نـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي ل ـ ـ ـت ـ ـ ـس ـ ـ ـكـ ـ ــب دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــد أقـ ـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ـ ــا
أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود أنـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــث ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا
ي ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ــح عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا
يـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ِّـب أسـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح مـ ـ ـ ــن عـ ـط ــش
وأش ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــة األعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق م ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــاحـ ـ ــا
* شاعرة من السعودية.
ـرك شــاكيا
َو َلــمْ ألتفـ ْـت يومً ــا لغيـ َ ـك البواكيــا
حَ زِ ْنـ ُـت ..وآوتنــي إليـ َ
ـرك ســاقيا
وحولــتَ غيماتــي بِ قَفْ ـ َ ـك أيقظــتَ الحنــانَ بداخلــي
ألنـ َ
ـات الزهــور الشــواذيا
وأنــت صباحـ ُ فأنــتَ مــاذُ العاشــقين بليلهــمْ
إذا مــا ادْ َلهــمَّ الخطـ ُـب حولــيَ جاثيــا وأنــتَ صديقــي بــل أنيســي بخلوتــي
أغ ْثنــي ..فأيــامُ الحنيــن صواديــا الشــعرُ المُ خالـ ُـط فــي دمــي
أال أيهــا ِّ
ـاب ت ُْخفــي عذابيــا
بِ جَ انحــةِ األوصـ ِ ـروف قصيدتــي
ـك واندسـ ْـت حـ ُ
حنانيـ َ
ـكاب الدمــوع كتابيــا
ويســجنُ تِ ْسـ ُ ـات بيــن ســطوره
تطاردنــي اآلهـ ُ
ألمواجــك الخجلــى مَ خَ ـر ُْت عُ بابيــا عَ ِط ْشـ ُـت وأضن ْتنــي مــن الهجــر لوعــةٌ
ـماوات أفــكاري ت ُِجيـ ُـب نِ دائيــا
ِ سـ ـس ِشــعْ رً ا لكــي أرى
ورحـ ُـت أُمَ ِّنــي النفـ َ
ـض نفســي كــي أبــو َح بمــا بيــا
أرى بعـ َ ِلمتــا َح فــي بيـ ِـت القصيــدةِ ع ّلنــي
ألشــد َو فــي ليــا ُه عَ ــذْ بَ لياليــا فأعصــر ُه حي ًنــا بلحــن صبابتــي
جلــو َد األفاعــي كــي يُ َبـ ِ ّـد َد ذاتيــا وحي ًنــا بــدا عصيا ُنــهُ مُ َتق َِم ًصــا
يَنِ ــدُّ ..ويبقينــي أردد مــا ليــا؟! وتــار ًة قليـ ًـا نحــوي أُجاذِ ُبــهُ
ـض العواديــا؟!
فكــمْ َقــدْ تواعدنــا نُغِ يـ ُ الصــدُ يــا حَ رْفً ــا تَغلغــلَ فــي دمــي
لِ ـ َم َّ
ليحج َبهــا عــن ناظــريَ الشــوانيا َولَكِ ــنْ مــع األيــام مــادت وعودُ نــا
ُتشــاركُ ني هــمَّ الليالــي الشــواظيا ـورك ســلوةٌ
أيــا شــعرُ هــل لــي فــي بحـ َ
ـقتك لح ًنــا ثــم جئتــك شــاديا!!
عشـ َ فأنــت أنــا يــا مــن أكــون ومــن أنــا
* شاعر من السعودية.
كاترين دو كوبيه*:
من الحاسوب إلــى الهاتف النقال ،غــزت الشاشات الحياة اليومية لألطفال
والمراهقين ،فهل بإمكانها أن تعود عليهم بالنفع في المنزل أو في المدرسة؟
معطى جديدً ا في مجال التربية ،فهي في المقام األول
قبل أن تصبح الشاشات ً
كلمة فضفاضة تخضع الستيهامات متكررة .وإذ ليس بإمكاننا االستغناء عنها
في حياتنا اليومية ،فإن الشاشة أو الشاشات (إذا كنا نقصد بهذا الجمع التقنيات
الرقمية وحواملها مثل :الهاتف الذكي ،والحاسوب ،واللوحة اإللكترونية) تقع في
صميم الخطابات االستقطابية ،وذلك بمجرد أن نتساءل عن موقعها في حياة
الناشئين.
األجهزة اللوحية وشاشات الجوال تستهلك جزءاً ملحوظا من أوقات قطاع الشباب
الزمن ،فهو سيرورة طويلة األمد» .ومع ذلك، تنتجها الصحافة التقليدية ،حتى ولو اقتضى
يتعامل دماغنا مع الشاشات بطريقة خاصة: األمر أن يطّ لعوا عليها باستخدام تطبيقات
إذ يمكّننا استخدامها مــن تطوير عمليات رقمية.
إدراكــيــة جــديــدة ،إذ يتكيّف دمــاغــنــا معها
ويــحــيــل ســــؤال ال ــش ــاش ــات أيــضــا على
بطريقة أو بأخرى .وهناك وه ـ ٌم آخــر تجاه
تأثيرها في التعلمات ،سواء أكان هذا التأثير
العالقة الموجودة بين الشاشة والذاكرة .وهنا
إيجابيًا أم سلبياً .فهناك خيط رفيع يفصلنا
توضح إيلينا باسكيليني أنه «تحت ذريعة أن ّ
عــن التفكير فــي أن الــشــاشــات قــد غيرت
جميع المعلومات متوافرة في الويب ،يمكننا
دمــاغــنــا »...إذ لم يتغير دماغنا كثيرا منذ
أن نستغني عن الحفظ .والــحــال أن جميع
ال مايزال عاجزًا عن ظهور الشاشات ،فهو مث ً
األبحاث تبيّن أنــه لكي يكون دماغنا قــادرًا
التركيز على شيئين في آن واحــد باستثناء
على البحث عن المعلومات ،فال بد له من أن
الحركات التلقائية» ،وفق ما تنص عليه إيلينا
يحفظ بعضها».
باسكيليني التي اضطلعت بتنسيق الوحدة
طرائق جديدة في التدريس البيداغوجية« :الشاشات ،الدماغ ،والطفل»
تسائل التكنولوجيات الحديثة طرائق « »les écrans، le cerveau et l’enfantلفائدة
المدارس االبتدائية .وفي هذا الصدد يضيف التدريس .وتشير إيلينا باسكيليني إلــى أن
إريك برويار Eric Bruillardما يلي« :يُبنَى التعلم «الــشــاشــة هــي شــيء مــســلٍّ ،وبــهــذا المعنى
انطالقا من تنوع في التجارب ،ومن تكرار في فهي تغيّر قدرتنا على االنتباه عندما تكون
89 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
أنه «إذا كانت النصوص الرسمية في فرنسا قريبة منا» .فال ينبغي إذاً ،أن نطلب منها
تــدرج الوسائط الرقمية في مجال التربية، كل شــيء ..وإنما علينا أن نتساءل عن نوع
فــإن الممارسة العملية ال تواكب دومــا هذه االستخدامات التي تتيح لنا إمكانية إثــراء
النصوص» .فعلى المستوى التطبيقي غالبا التعلم :ففي المؤسسات المزوّدة باللوحات
ما يُنظر إلى الرقمي من خالل سؤال األداة اإللكترونية أو بالسبورات الرقمية التفاعلية
(كيف ندمج الرقمي في التربوي؟) .وتؤكد ( ،)TNIال بد من وجود نوع من المصاحبة،
ســولــيــداد غارنييه ،Soledad Garnierمن نظرا الحتمال االلتباس الذي يمكن أن ينشأ
جانبها-وهي أستاذة مرجع في استخدامات بين االستخدامات المتنوعة لــأداة نفسها.
الرقمي بأكاديمية بواتييه l’Académie de «فاألطفال الذين يتوفرون في المنزل على
-Poitiersأنــه «إذا كانت المدرسة ال تكوّن لوحات تفاعلية إنما يستخدمونها في اللعب.
فــي مــجــاالت الــهــويــة الــرقــمــيــة ،والملكية وهو ما استدعى القيام بعمل جبار إلقناعهم
الفكرية ،ومنابع المعلومات ،فإن ذلك يهدد بأن هذه اللوحات تستخدم أداة للتعلم داخل
ـرخ اجتماعي جــديــد» .وهــكــذا ،قد بخل ْق شـ ٍ الفصول الدراسية» ،وذلك حسبما تشير إليه
تسهم هذه األدوات الجديدة في تعزيز دور ناتالي ديجاردان-بونيه Nathalie Déjardin-
المدرس ،مع االرتقاء به من دور الناقل إلى ،Bonnetوهي أستاذة بالسنة الثانية ابتدائي
دور المصاحب .وفي هذا الصدد تنبه كورديي CE1بمدينة الروشــيــل ،la Rochelleحيث
إلى ما يلي« :بالنسبة للمدرسة ،يجب تطوير تدمج اللوحة اإللكترونية في البيداغوجيا
ثقافة رقمية طيلة مراحل الدراسة .وهذا هو التي استلهمت أصولها من تقنيات فريني
الدور الحقيقي للمدرسين! فما يشكّل أهمية
()٢
.Freinet
بالنسبة لهم ،ليس هو مجاراة العصر ،وإنما وإضافة إلى ما سبق ،فغزارة المعلومات
فتح فضاءات لتبادل هذه الموضوعات ،وأن على الويب يضع ضرورة انتقاء المعلومة في
يعلّموا أنفسهم ويرشدوا تالمذتهم». قلب القضايا البيداغوجية ،إذ تؤكد كورديي
* صحافية فرنسية ،ينصب مجال دراساتها على قضايا التربية والفضاء الرقمي ،ولها مقاالت في مجالت
متنوعة من بينها.Sciences Humaines , Lesinrocks , Telerama :
** كاتب ومترجم من المغرب ،مصدر الترجمةCatherine De Coppet, Ecrans: Faire avec ou sans? Magazine :
.Sciences Humaines, n° 307، octobre 2018, pp. 40-41
( )١مؤسسة La Main à la pâteبفرنسا ،وهي مختبر لألفكار والممارسات المبتكرة ،أ ُسستْ سنة 2011م على
يد أكاديمية العلوم والمدارس العليا لألساتذة بباريس ،وتهدف هذه المؤسسة إلى تحسين جودة تعليم
العلوم بالسل ْكيْن االبتدائي واإلعدادي(.المترجم).
( )٢نسبة إلى سيليستان فرينيه :Celestin Freinetأستاذ باحث من فرنسا .تقوم آراؤه على ضرورة انفتاح
المدرسة على التقنيات الحديثة عن طريق التخلص من الروتين في التعليم وبعث الحياة في طرائق
التدريس من خالل مجموعة من اإلجــراءات من بينها :طباعة نصوص التالميذ -والدة النص الحر-
المراسالت بين المدارس-بيداغوجيا الشرح الزائد( .)...المترجم).
الشاعرة
أميرة محمد سعيد صبياني
المرأة تستطيع مع حفاظها على هويتها الخاصة ،أن تُ شارك بإبداعها
ديواني (ال تقرؤوني) كان بداية النضج الشعري لكتاباتي ،وفي مجمله
وقفات مع المرأة بقوتها وضعفها!..
تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي وفراغي وسيري في األسواق!..
الشاعرة أميرة محمد صبياني تحضر في فضاء الشعر الــذي يوثق صوتها
باللغة التي تسكنها وتميزها !..حتى اآلن أص ــدرت مجموعتين شعريتين «لم
تختتم بعد لم تهدأ حواشيها» ،و«ال تقرؤوني» ،كما تشير الشاعرة إلــى أن ثمة
خمس مجموعات شعرية لها تحت الطبع.
عملت معلمة للغة العربية في بدايتها العملية ،ثم اإلشــراف التربوي ،ولها
حضور مُ عِ دّ ة ومشاركة في المحافل الثقافية.
تحضر بشخصيتها وبرأيها ودون أن تعكّ ر صفو الماء وهي تختلف ..كما هي
في هذا الحوار..
عمران يف الشعر
أميرة محمد سعيد صبياني
الشاعرة الليبية
عائشة إدريس المغربي
ال أؤمن بالثوابت في الشعر ألنني أنطلق من الحريّ ة
أعترف بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة
اللغة جسد الشعر لكن الشعر يمنحها الحياة
أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر والفقد وما واجهته في الحرب
يموت الشعر عندما يتحوّ ل إلى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل
تــرى الشاعرة الليبية (المقيمة فــي فرنسا) عائشة إدري ــس المغربي أ ّنــه «ال
يمكن الكتابة من خارج التجربة الشخصية» ،وتضيف في حوار مع «الجوبة»« :ما
أقصده بالتجربة هو التجربة الحياتية بمجموعها اإلنساني وما يملكه الشاعر
من قــدرة على التقاط تفاصيل الحياة في داخله وحوله ومشاهدتها وقراءتها،
وقدرته على السفر خارج الــذات وداخلها .إنّه اللحن الذي ينطلق منذ طفولته
حتى نهاية العمر ..موسيقى الحياة بعنفها وسحرها وعشقها ومللها وجمالها
وحزنها واألسى الغامر الذي يعبرنا كالموج ويتبدد على الشاطئ .إنّ الذين يرون
أنّ الشعر يأتي من الخيال ،أقــول لهم إنّ الخيال ال يأتي إال من تــراب التجربة
الحياتيّة بكلّ تفاصيلها».
95 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وأوضــحــت المغربي «أخ ــاف حـ ًقــا من وعائشة إدريــس المغربي شاعرة وكاتبة
امتالك آلية وتقنية خاصة لكتابة الشعر ليبية ص ــدرت لــهــا ســتــة دواويــــن شعرية،
ستتحول إلى آلة إكــراه .هذا المستوى من ومسرحية ،ورواي ــة وهــي :األشــيــاء الطيبة
الكتابة سأظل أتعثر في أخطائي وإنسانيتي 1986م ،البوح بسر أنثاي 1996م ،أميرة
بكثير من المتعة .أرتبك أمام اللغة كثيراً... ال ــورق 1999م ،صمت البنفسج 2007م،
أشعر دائمًا برغبة في تفكيكها وكسر عظام الحياة االفتراضية للسعادة 2017م ،قبلة في
قواعدها .أشعر أنها لعبة من ألعاب الطفولة طابع بريد 2019م ،رواية «يحدث» عن دار
وعلي أن أكسرها حتى أشعر ّ التي لم أعرفها أروقة في القاهرة 2013م ،ومسرحية بعنوان
بمتعة األلفة معها .وأكــدت اإلدريــســي «إن «بائعة الزهور» 2014م عن منشورات وزارة
لغة اليومي هي األقرب إلى قلبي .ال أحب الثقافة في ليبيا .كما صدرت لها قصائد
الصور المعقدة والكلمات الفخمة العظيمة؛ مترجمة إلى الفرنسية ضمن كتاب شعري
ألنّها جوفاء مثل طبل فارغة ومليئة بالهراء». يضم قصائد عن غزة ،وترجمات أخرى.
دوافع الكتابة تقنية الكتابة
وع ــن أســبــاب ودوافــــع الــكــتــابــة؛ قالت وفــي ســؤال عن تقنية الكتابة وآلياتها؛
الــمــغــربــي« :رغ ــم سلطة الكتابة وقدرتها أجابت المغربي« :كثيرًا ما يصادفني السؤال
العظيمة إال أنّ أسبابها غريبة وغير مفهومة. عن تقنية الكتابة وآلياتها وأشعر بغرابة هذا
الكتابة تشبه الحب ،فكالهما ساحر ومهيمن السؤال؛ فالقصيدة ،ك ّل قصيدة تخلق آلياتها
وقــوي ...لكن أسبابه مجهولة .ليس هناك الداخلية حسب ما تتبدى الحالة الشعورية
قواعد للكتابة؛ بل ك ّل نص يخرق القواعد للحظة؛ فأحيانًا يولد الفرح من لحظة أسى
الجمالية التي أكتبها فــي النص السابق عميقة ،وفي لحظة أخرى تدفعني الطبيعة
وكذلك تفعل قصص الحب ...هذا يجعلنا بقوة تجاه الحب ،وربما تولد السعادة في
نتوقف عن الهراء الــذي يضعه النقاد عن النص من حزن عميق»!
كتابة الشعر واســتــخــراج ثــوابــت وتصنيف
وأضافت« :ال أحترف الكتابة أبدًا ،وأبدأ
للشعر».
كـ ّل نص جديد كأنني أكتب ألوّل م ـرّة كما
واستطردت المغربي «ليس مقصدي أن نعيش حالة الحب بارتباكها وعفويتها ودهشة
أخترق القواعد ،لكنني ال أؤمــن بالثوابت اكتشاف المشاعر واألحاسيس مثلما يرتبك
في الشعر؛ ألنني أنطلق من الحريّة ..وهى الماء على الجلد كأنما يكتشف ملمسه ألوّل
الشعاع األوّل للشعر والكتابة عمومًا .فك ّل مـرّة ،فكلمة «أحبك» ال تفقد أبـدًا صدقها
نص يضع قواعده الجمالية كي يخرقها في ودهشتها ،وال تملك قواعد مسبقة وآليات
النص الالحق ،وهذا ما أداوم عليه». وتقنيات ثابتة ..إنها هي كما النص في قلبي
وكشفت المغربي «احتجت إلى سنوات حين أكتب».
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 96
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
كثيرة من ممارسة الكتابة حتى أعرف كيف على أن يجعل الحياة القاسية محتملة؛ ألنّه
أقابل الشعر .كان موجودًا في قلبي طوال يكشف لنا قيمة وجمال الحياة في جانبها
الوقت ،كان في حياتي وتاريخي وتفاصيلي .اآلخر ...هذا ما جعلني أنجو من الحرب».
الكتابة عمومًا ،والشعر تحديدًا ،حين يتحوّل
وعن تقنية السرد في كتابتها الشعرية؛
إلــى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل
أوضحت المغربي «السرد مهم في تجاربي
يــمــوت الــشــعــر .إنّ الــقــدرة على اكتشاف
التفاصيل الصغيرة في يومك هذا جزء مهم الشعرية؛ ألنّ عمتي اعــتــادت على ترديد
من الكتابة حيث الذاتي أهم من الموضوع القصص على مسامعي في فترة طفولتي،
ألنّ الموضوع إذا لم يتحوّل إلى ذاتي يفقد وعمتي هي األقرب إليّ في طفولتي من أمي.
فقد كانت أمي سلطة قوية وجبّارة ،وكانت صدقه».
تحكم العائلة الكبيرة وليس عائلتنا فقط...
وتــرى المغربي «أنّ اللغة جسد الشعر،
لكن الشعر يمنح الحياة للكالم ،لهذا الشعر صحيح أنّها كانت تتمتع بسلطة قويّة وسط
حر في اللعب مع اللغة واختراقها وكسر مجتمع ذكوري صارم ..لكن ال أعلم األسباب
التي تجعل القبيلة تمنح امرأة هذه السلطة. قواعدها»!
أما أبي فقد كان األكثر حنانًا ودفئا ،ولي معه
الكتابة والمعاناة
ذكريات رائعة وجميلة ،وكانت لنا مغامرات
وفي سؤال عن عالقة المعاناة بالكتابة؛ كثيرة ...كان يؤمن بي ويشجعني على الكتابة
أجابت المغربي« :أستمتع بالكتابة حتى وأنا رغم أنّه ال يجيد القراءة أو الكتابة».
أكتب عن األسى والحزن والحرب والفقد...
الكتابة ال تعذبني كما يــرى بعضهم .غاية
اإلنسان وهدفه في كل ما يفعله هو المتعة
المطلقة؛ لهذا ال أجد هدفًا أسمى من أن
تقودنا الكتابة إلى السعادة واإلحساس باللذة
والمتعة حين نكتب وحين نقرأ .لقد احتجت
إلى رحلة طويلة من حياتي خلف المشاكل
حتى وصلت إلى هذه النتيجة».
وأضــافــت المغربي «فــي رحــلــة حياتي
أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر
والفقد وما واجهته في الحرب .لقد انتصرت
أخيرًا للحياة ألنني شاعرة ،وصارت الحرب
السخيفة مجرد لعبة أفوز في مواجهتها دون
أن أملك جيشً ا وأسلحة .فالشعر له القدرة
97 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الشعر والقارىء
وفي سؤال عن رؤيتها للشعر وماذا يمثل
لــهــا؛ أجــابــت المغربي« :الشعر فــي قلبي
مثل لحن ال ينقطع .أعيش الشعر في ك ّل
لحظة في حياتي ،وكم كتبت من قصائد في
أحالمي ونهاري وانشغاالتي .إنّه دائمًا هنا
يجعل الحياة محتملة ومبهجة .أنا ال أضع
قواعد وتعريفًا للشعر .إنني أكتب عنه كما
أحس عالقتي به ،وهذا ال يلزم اآلخرين بما
أقوله».
وعــن الــقــارئ ودوره؛ تــرى المغربي «أنّ
القارئ مهم جدًا بالنسبة لي ،لكنّه ال يحضر
إال بعد كتابة الــنــص ،والــثــالــوث التقليدي
في النظريات الجمالية «النص -الكاتب
-الــقــارئ» ال يعمل لــدىّ كما تتحدث هذه
ودهشته .الشعر يرتبط بالموسيقى كثيرًا،
النظريات .أنــا القارئ األول لنصي وآخذ
فكالهما يــذوب فــي الــهــواء ،وال يمكن أن
المتعة األولــــى ...أحــقــق لحظة االكتمال
نلمس جسده رغــم الوسائط المادية التي
والنشوة ،لكنّها لحظة صغيرة وساحرة مثل
يتحقق بها».
عمر الــوردة تنتهي بعد لحظات من الكتابة
حركة النشر لتبدأ الحاجة إلى الكتابة مجددًا ..حاجة
ملحة ال يمكن أن تنتهي».
وفي إجابتها عن سؤال حول واقع النشر
في العالم العربي؛ قالت المغربي« :هناك وأضافت المغربي «النص والقارئ بينهما
عالقة مرتبكة مع النشر ،خاصة مع وسائل عالقة تبدأ متأخرة بالنسبة لي؛ حين يخرج
النشر اإللكتروني بجانبها اإليجابي والسلبي؛ نصي من سلطتي ويبدأ رحلته الخاصة بعيدًا
فقد أصبح اللقاء بالقارئ مباشرًا وفور ّيًا، عنّي ويكوّن عالقات كثيرة ومتغيّرة من الزمن
وأصبح الكتاب متوافرًا للجميع ..لكن النشر حتى بالنسبة لي».
الورقي صار ضعيفًا ومهينًا للكاتب إال ما وعن إعادة النظر في النص الشعري بعد
رحم ربي من دور النشر ،وليس هناك احترام كتابته؛ قالت المغربي «إنّ أجمل لحظات
لحقوق الكاتب من قبل الناشر حتى أصبح الكتابة هــي التي تأتي فــي لحظة واحــدة
األمر فقط رغبة الكاتب في توثيق أعماله كدقة القلب .ال أحب إعادة الكتابة والتدقيق
ال أكثر ،وأنا أتحدث عن النشر في العالم وترميم وجه القصيدة .أحبها عارية ومنطلقة
العربي بالتأكيد .وأكدت المغربي «أعترف وعفويّة بكل عيوبها وفتنتها .فالشعر مثل
بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة». الحب ال يحب التكرار ..لهذا ال يفقد سحره
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 98
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
خالد الحميد
مؤرخ شعرائها وأول صحفي فيها
■ احملرر الثقايف
بعد حياة حافلة بالخير والشعر ،والـصــداقــات الواسعة مــع مختلف أطياف
مجتمع منطقة الجوف والمملكة العربية السعودية ،وبعد مسيرة شعرية حافلة
ناهزت الثمانين عاماً ،انتقل إلى رحمة اهلل في مدينة سكاكا -الجوف يوم السبت
3ذي القعدة 1440هـ الموافق 6يوليو 2019م .الشاعر والصحفي الجوفي خالد بن
عقال الحميد.
يُعد الشاعر الحميد أحد كبار شعراء والشاعر خالد الحميد من مواليد
مدينة سكاكا بمنطقة الجوف بالمملكة منطقة الــجــوف ،وم ــن الــرعــيــل األول،
الــعــربــيــة الــســعــوديــة ،ع ــام 1349هـــــ ،وأوائــــل المتعلمين فــي جــيــلــه ،وحفظ
تعلم بالكتاتيب على يد الشيخ فيصل القرآن الكريم ،وأمضى شطرا من حياته
الــمــبــارك ،ثــم التحق بالمدرسة عند موظفا في جهات حكومية عديدة حتى
طلب إحالته إلى التقاعد عام ١٤٠٨هـ. افتتاحها عام 1362هـ.
99 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وك ــان الحميد أول صحفي فــي منطقة
الــجــوف ،وق ــد عــمــل مــديــرا لمكتب جــريــدة
الجزيرة لمدة ( )38عاما ،وكان خاللها يغطي
أخــبــار المنطقة ويكتب التقارير الصحفية
والــمــقــاالت التي تــنــاول فيها جــوانــب الحياة
االجتماعية واالقتصادية والتنموية والثقافية
ومــطــالــب واحــتــيــاجــات المنطقة فــي شتى
المجاالت.
البطاقة الصحفية لخالد الحميد
وق ــد كــتــب الــشــاعــر فــي جــمــيــع أغ ــراض
روض ينبت الفقع فيه اكثار الشعر ،وتتداول قصائده في شتى المناسبات .في كل ٍ
تـشــوف الــزبـيــدي بينات دحاميله واشــتــهــر الحميد بالشعر الــوطــنــي ،وشعر
العرضات والمساجالت الشعرية ،كما اشتهر
وتلقى أم سالم تزعج الصوت واألطيار
الــشــاعــر بقصائده الغزلية واالجتماعية،
على كــل غـصـ ٍـن ســاجـعــات بالبيله وشعر اإلخوانيات ،والقصائد التي عبّر فيها
عن مشاعره تجاه أصدقائه وأفــراد أسرته دارٍ ف ــا حـبـيــت بــال ـكــون مـثـلــه دار
دارٍ رب ـي ـن ــا ف ــي م ــراب ــع مــداه ـي ـلــه وجماعته.
حفل تكريم خالد الحميد ،بمناسبة تقاعده بعد ٣٨عاماً من العمل في الصحيفة ،ويبدو من اليمين خالد الحميد ،خالد المالك
رئيس تحرير الجزيرة ،عبدالرحمن فهد الراشد مدير عام مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر ،عبدالواحد الحميد
الـ ــوغـ ــى وان حـ ــل ي ــوم ــه ص ـمــدنــا ومن شعر العرضات قال:
ب ــالـ ـجـ ـم ــوع ام ـ ـطـ ــوعـ ــة ك ـ ــل ع ــاي ــل مـ ــرح ـ ـبـ ــا م ـ ــاه ـ ــل وبـ ـ ـ ــل ب ـس ـح ــاب ــه
ع ــد م ــا ط ــب ال ــوط ــا م ــن مـطــرهــا
***
وفي قصيدة أخرى يقول: م ــرحـ ـب ــا ي ـ ــا ربـ ــوع ـ ـنـ ــا م ــرحـ ـب ــا بــه
واث ـن ــي الـ ــرده عـلــى ال ـلــي حضرها
حب الوطن صكَت عليه المحاني
لــو زال وش ــم بـظــاهــر الـيــد مــا زال ***
وللشاعر الحميد عدد كبير من القصائد
***
الوطنية ،مثل:
وقد تميزت قصائده بالصدق والشفافية،
وإي ــراد النصائح فــي معظمها ..خاصة في نـ ـحـ ـم ــد الـ ـ ـل ـ ــي ع ـ ــزن ـ ــا فـ ـ ــي ب ـل ــدن ــا
رب ـن ــا ال ـم ـع ـبــود م ـن ـشــي ال ـم ـخــايــل خواتيمها ،وقد أسهب فيها في شعره ،ومن ذلك
قصيدة في «حفظ الود والصداقة والصديق» ان دعـ ـ ــا داع الـ ــوطـ ــن مـ ــا ق ـعــدنــا
نـ ـفـ ـت ــدي ــه وخ ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـع ـ ـمـ ــر زايـ ـ ــل قال فيها:
101 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
واعرف ان الحر ما يصيد الهاليم مــن هــوى قلبك تمشيك القوايم
عــادتــه ضــرب الـحـبــارى فــي متونه مثل ما قال الجنيدي في لحونه
وال ت ـق ـرِّب لـلـحـنــش ل ــو ك ــان نــايــم وال ـم ــودة مــا تـجــي غـصــب ولــزايــم
خل عنك الجحر واللي يحفرونه الـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــودة ب ـ ـ ـيـ ـ ــن شـ ـ ـكـ ـ ـل ـ ــه ولـ ـ ــونـ ـ ــه
وال ت ـهــاون بــالـبـحــر لــو كـنــت عايم ص ــاح ـب ــك ل ــو حـ ــال دونـ ـ ــه خ ــراي ــم
وال ـعــدو ال تغترك ضحكة سنونه يــدفـعــك حـبــه ونـفـســك لــه حنونه
وانـ ـتـ ـب ــه بـ ــاكـ ــر لـ ـت ــوزي ــع ال ـغ ـن ــاي ــم ال ـصــديــق ال ـلــي قـبــل بــال ـبــال داي ــم
نـ ــاس ك ـس ـبــانــه وبـ ــه نـ ــاس مـغـبــونــه ال طلب عونك تسوق الحال دونه
س ــاع ــةٍ تـقـتــص ب ــه ح ـتــى الـبـهــايــم الـ ـ ـص ـ ــداق ـ ــة ل ـ ــه دالالت وع ــاي ــم
تحضر الجمَ ى ومن طالت قرونه ال ــرف ـي ــق ت ـع ــرف ح ـب ــه م ــن عـيــونــه
و َْصـ ـل ــي رب ـع ــي س ــام ــي ي ــا نـســايــم
*** وقــولــي إن الـعـهــد مــا واهلل نخونه
وللشاعر خالد الحميد كتاب موسوعي
ال ــرك ــاي ــب دوم ل ـل ـصــاحــب هـمــايــم
بعنوان «شــعــراء مــن الــجــوف» ضــم فيه إلى
ن ــدم ــح ال ـ ـ ـ ــزالت عـ ـ َن ــه وال ـم ـه ــون ــة
ن ـح ـش ـم ــه ون ـ ــوق ـ ــره قـ ــاعـ ــد وق ــاي ــم
مثل ما قــال السديري في لحونه
اف ـت ـهــم يــالـمـسـتـمــع م ـنــي نـظــايــم
ن ــاظ ـم ـي ـن ــه ل ـل ـن ـش ــام ــا ي ـف ـه ـمــونــه
ال ـ ـ ـمـ ـ ــازم م ـ ــا ي ـ ــوات ـ ــي ب ـ ــه ه ــزاي ــم
اع ـمــل ال ــواج ــب وم ــن رب ــك معونه
وال ـخــوي تلحقك بــاسـبــابــه لــوايــم
ال ـخــوي وال ـجــار حــق إن ــك تصونه
ومن مشى طرق المالمة والتهايم
ات ــرك ــه ب ــال ـن ــاس ت ـل ـقــى غ ـيــر لــونــه
اشتر الطيب إلى إنك صرت سايم
رافـ ـ ــق الـ ـل ــي ك ــل ربـ ـع ــه ي ـمــدحــونــه
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 102
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
ومساجالته مع الشعراء ثم القسم الثاني: جانب ديوانه وأشعاره ،فصوال شعرية لعدد من
قصائد مختارة لشعراء من الجوف ومنهم: الشعراء المرموقين بمنطقة الجوف.
الشاعر األمير عبدالرحمن السديري ،ودابس
وقد صدر الكتاب في منطقة الجوف عام
المرخان ،وسهو العجاج ،وعيد بن نعيم السهو،
1426هـ2005 -م ،بـ ( )455صفحة ،وتصدَّ ر
وخــالــد المسعر البليهد ،وعــبــدالــهــادي بن
غالفه شعر شعبي لألمير عبدالرحمن بن
مريزيق النصيري ،وعيد بن عقال الخمعلي،
أحمد السديري ،يقول فيه:
وجــزع البديوي ،ومحمد بن عطا التيماني،
وعبيداهلل بن سليم القنيفذ ،وخلف عيسى م ــن ي ــزور ال ـج ــوف يـلـقــى م ــا يــريــده
الشاعل ،ومحمد بن طراد المعيقل ،وغالب وي ـ ــن م ــا ي ـل ـفــي م ـض ــاف ــات وك ــرام ــه
بن حطاب السراح ،ومفضي العطية ،وشهاب عـ ــادة م ــا ه ــي عـلــى ال ــدي ــره جــديــده
الجنيدي ،وعبدالمصلح البديوي.
م ــدرك ـي ــن امـ ـج ــادن ــا ورث وش ـهــامــه
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب:
واحــتــوى الكتاب على مقدمة للمؤلف،
«ظلت رغبة شديدة تلح عليَّ منذ سنوات ثم قسمين؛ األول ،تضمن قصائد المؤلف
طــويــلــة لجمع بــعــض أشــعــار أه ــل الــجــوف ومساجالته مــع بعض الــشــعــراء؛ والقسم
وتقديمها إلــى الــقــراء فــي كــتــاب .لكنني الثاني ،خصصه لقصائد مختارة لشعراء من
بقيت طيلة السنوات الماضية مترددا في الجوف .ممن تميزت قصائدهم بالجودة ،مع
تنفيذ هذا المشروع ،رغم اهتمامي بجمع
ذكر معلومات تعريفية عن كل شاعر.
مادته وتراكم عدد كبير من القصائد لديّ .
ولم تكن مشاغل الحياة وحدها هي العائق تضمن القسم األول :قصائد المؤلف
الذي منعني من تنفيذ هذا المشروع ،وإنما
كانت هناك أسباب أخــرى أهمها منهجية
علي إتباعها في ظل ًّ االختيار التي يتعين
تغير الواقع االجتماعي والثقافي واختالف
المعايير والــظــروف والمعطيات ،رغــم أن
بعض القصائد -من المنظور الفني البحت
-هي مما يمكن االتفاق على جودته وعلى
عمق وغــزارة موهبة قائليها؛ وعلى سبيل
المثال فإن الكثير من القصائد القديمة قد
داخلها بعض التحريف ،وبعضها تداخل مع
103 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
خالد الحميد مع فيصل بن عبدالرحمن السديري وعبدالواحد بن خالد الحميد في مجلس الشاعر بالجوف
قصائد أخرى ،بينما تم نسب بعضها اآلخر مما هو مكتوب ،كما أن الساحة أصبحت
إلى أشخاص غير الذين قالوها ..كما أن مكتظة جدا بمن ينتسب الى هذا النوع من
بعضها قــد ال يخلو مــن نــعــرات تجاوزها األدب الشعبي بصرف النظر عن مستوى
الــواقــع الحاضر وحــتــى الــقــامــوس اللغوي عطاءاتهم ..ولهذا لم أجد حافزا للنشر» .
«والحاصل ،أن ظروفا عديدة قد أعاقت المستخدم في بعض القصائد ..يالحظ أنه
يحتوي أحيانا على عبارات لم تعد مقبولة تنفيذ هــذا المشروع ،لكنني تحت إلحاح
األبناء وبعض األصدقاء قررت أخيرا تنفيذه، من منظور اجتماعي معين».
ويــضــيــف الــمــؤلــف أن «ال ــع ــدي ــد من مع تجنب كل ما قد يكون موضع اختالف
األص ــدق ــاء واإلخ ـ ــوة الــذيــن يــحــســنــون بي وخصوصا بين أهل المنطقة أنفسهم .وقد
الظن يطلبون مني بين الحين واآلخــر أن استقر الــرأي على أن يكون التركيز على
انشر أشعاري الخاصة التي فضلت دائما قصائدي التي قلتها في مناسبات مختلفة..
االحتفاظ بها لنفسي ،أو ما يردده الناس في وبــذلــك يكون هــدف الحفظ والتوثيق قد
بعض المناسبات ،وقد أحجمت عن نشرها تحقق ان شــاء اهلل ،مــع االعــتــراف بوجود
طيلة الفترة الماضية ألسباب عديدة ،منها مساحة لإلضافة والمراجعة فــي أعمال
أن الشعر الشعبي كثيرا ما يتعرض للتشويه قادمة بحول اهلل سواء قمت بها أو قام بها
عند الطباعة والنشر؛ ألنه أدب محكي أكثر آخرون».
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 104
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
النعام في ِّ
الشعر العربي
أكثر مما يبدو
■ أحمد إبراهيم البوق*
االستقراء المتأني للنصوص الشعرية منذ العصر الجاهلي يثبت عكس ما
يبدو للوهلة األولى من ندرة النعام ،وأنه كان وافر ًا في الطبيعة في شبه الجزيرة
الشعر فأنتجت نصوص ًا غاية في الجمال. العربية ،وأن تلك الوفرة انعكست على ِ
الشعر العربي
وقد رصــدت في استقراء مطول ( )48مشهد ًا لتصوير النعام في ِ
راو َح بين ( )25-2بيت ًا في كل منها وذلك لـ( )26شاعراً ،هذا عدا األبيات المفردة.
ـاص آ َنـ ــسَ ـ ــت َن ـ ـب ـ ـأَ ًة وأف ـ ـزَعَ ـ ـهـ ــا ال ــقُ ـ ـ َّن ـ ُ ُوف َيـطـيــرُ ِع ـ َفــاؤُ ُه ـص هُ ـ ــزر ٌ ِم ــنَ الـ ُـحـ ِّ
عَ ـ ـ ـص ـ ــر ًا َو َق ـ ـ ـ ــد َد َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اإلم ـ ـسـ ــاءُ إذا اس ـ َت ــد َر َج الفَيفَا َو َم ــدَّ المغَابَنا
َف ـ َت ـرَى خَ ـلـ َفـ َهــا ِم ــنَ ال ــرَّ ج ـ ِـع وَال ـ َوق ـ ِـع أزَجُّ َ ،ز ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجٌ ِ ،هـ ـ ـ ــزرِ فـ ـ ـ ـ ٌّـيُ ،ز َفـ ـ ـ ـ ـ ــازِ ٌف
َمــنِ ـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َك ـ ـ ــأ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ إه ـ َب ــاءُ ـات الـ َّـص ـوَافِ ـنــاِه ـ ـ ـز َِّفَ ،ي ـ ُب ــذُّ ال ـ َّن ــاجَ ـي ـ ِ
* باحث وشاعر سعودي.
للفن*
ّ ٌ
تعريف
■ الطاهر لكنيزي**
عندما نبحث في مسْ تنقع ،نجدُ ،كما النّحل) ،من غير أن تكون هذه العلّة ،في
يحدثُ أحيانًا ،قطع ًة خشبي ًة منحوتةً ،واقع األمر ،قد أدركتْ هذا التأثير .بَيْد
فنقول إنّ هــذا نــتــا ُج للفنٍّ وليس من أنّه عندما نُسمّي ،بِبساطة ،شيئًا نِتاجً ا
َمل فنّيِّ ،كي نُميّزه عن أثَر للطّ بيعة،
لع ٍ الطّ بيعة؛ إنّ علّتها الفعّال َة قد فكَّرتْ
ْسان.
غاية يَدي ُن لها بها شكل ُها .إنّنا نَرى فإنّنا نَعني بذلك دائمًا أنّه عم ُل إن ٍ
في ٍ
إنّ الــفــنّ ،مــهــارة اإلنــســان ،يَتميّز حصيل َة الفنِّ في ك ّل ما هو على هذه
الشاكلة ،حيثُ التمثُّ ُل علّ ُة السّ بب التي كذلك عن العِ لم ،مثلما تتميّز( :القدرةُ
كان عليها أن تسْ بق اإلنجاز( ،حتّى عند عن المعرفةِ ) ،والكفاءةُ التطبيق ّي ُة عن
109 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الــكــفــاء ِة الـ ّنــظــر ّيــة ،والتّقني عــن النّظري ،في إعْ الئه إلى درجة أرْقى .أسمّي شاعرا،
ـان يستطيع إدمــا َج
و(المَسْ ُح مثال عن الهندسة) .الفنُّ يجعل أسمّي مبدعا ،كــلَّ إنــسـ ٍ
بدرجة كافية
ٍ الوعيَ أكث َر وُضوحا في طريقة مُعالجته حالتهِ الشعورية في موضوع،
الــمــوضــوع ،كــيْ يَــجــد فــي العمل ال ُمنْتهي تضطرّني إلى المُرور إلى هذه الحالة من
الفكرةَ األولــى الشامل َة والغامضةَ ،وغير الشّ عور ،وبالتالي تُمارس عليّ نشاطا حيويّا.
المكْبوتةِ ،التي تَمثّلها في عمَله .إنّ عدم لكن هذا ال يعني أنّ كل شاعر يكون في درجة
امْتالك مثلِ هذه الفكر ِة الشاملة ،الغامضة من الطراز األول .إن درجته في الكمال تعتمد
هاز فنّي ،على ثَــراء المُحتوى الجوّاني الذي يمْتلكه،
ولكنها قويّة ،وسابقة على ك ّل ِج ٍ
فمن المستحيل أن يَنشأ أيُّ عمل شعْري؛ وبالتالي ذاك ال ــذي يــصــدر عنه خــارجــا،
والــشّ ــعــر ،إذا لــم أبــالــغ ،يقتضي بالضبط وبدرجة الضرورة التي يفرضها عمله .فكلّما
معرف َة التعبير عن هذا الالوعي وإيصاله؛ كانت حساسيته ذاتية ،فإنّها تكون طارئةً ،إذ
بعبارة أخــرى ،أن يُـ ْد َمــج في مــوضــوع .قد أنّ قوة الموضوعية تعْتمد على ما يُشارك
عمل أن
يحقُّ لنا أن نطلب من ك ِّل ٍ
يستطيع جيّدا ،من ليس بشاعر ،أن يتأثّر في الفكرةِ .
مثل الشاعر بفكرة شعْريّة ،ولكنّه يعْجز عن يكون مُعبّرا بك ّل ما في الكلمة من معنى ،إذ
إدماجها في موضوعه .قد يعجز كذلك عن يجب أن يكون له طابعٌ ،وإ ّال فإنّه أصغ ُر من
عَ رْضها على الشّ كل الذي يستطيع االستئثار ال شيء ،ولكنّ الذي يُعبّر عنه الشاعر القُحَّ ،
يحصل هو اإلنسانيّة في ك ّل مُجملها.
ُ بخاصيّة الضرورة .كما أنّه يمكن ان
عن وعْ ي بطابع الضرورة ،غير أن عمال مثل تُقدُح ثقافتهم إلى أبعد ح ّد لكي ال يَرضوا
هذا ال يمتح جــذورّه من الالوعي ،كما أنّه إ ّال بما هو كام ُل االمِ تياز ،ولكنّهم ل ْن يكونوا
ال ينتهي كذلك في الالوعي ،وسيبقى دائما قادرين على إنتاج ،ولو ببساطة ،شيئا يكون
والتبصرِ جيّدا .إنهم عاجزون عن اإلبداع؛ فالطريق
ّ تآلف الالوعي
َ عمال فكريّا .إنَّ
لــقــد تَ ــشــوّش مـ ْعــنــى الــشــعــر ،فــي هــذه عليهم؛ والحالة هذه أن هذه الخطوة هي
السنوات األخيرة ،وذلــك من فـرْط الرّغبة بالضبط ما أريد من الشاعر أن يجتازها.
Schiller، correspondance entre Schiller et Goethe، lettre du 27 mars 1801، trad. L. Herr. Plon *
..édit. 1923
** كاتب من المغرب.
ذا بـوســـــــت
الصحافة
فيلم عن ضمير ّ
■ د .سليمان احلقيوي*
فريق عمل صحيفة ذا بوست وهم يتابعون أصداء التقرير الذي نشرته الصحيفة في اإلعالم
توم هانكس في دور بن برادلي مدير تحرير صحيفة ذا بوست وفريقه في العمل
وهنا تبدو الحيرة على الجميع قبل أن تمنحهم كاي جراهام قرار النشر
لكن العبارات المتداولة ليس فيها عــلــى حــيــن أنــهــم فــي الــغــرب يكتفون
فلسفة وال فذلكة .فعلى وزن منعوم ..بالقول :أوكيه.
م ــرح ــوم أبـــــوك ..دع ـ ــاء ،وهـــو في سمعت مرات عديدة المرحوم األستاذ
عــبــداهلل خياط رئيس تحرير عكاظ الــوقــت نفسه مـــرادف لقولنا عندما
األسبق (وهــو مكاوي) ،إذا وافــق على نسمع شــاع ـرًا مــجــيـدًا :صــح لسانك.
قول قائل يقول له :مرحوم أبوك .وهو والمرادفات هنا كثيرة على رأسها :نعم،
ما يعني نعم أوافقك ،وزيادة على ذلك صدقت ،تمام .أو أوكيه على لسان كثير
أدعــو لوالدك الــذي أنجبك بالرحمة .من الجيل الصاعد.
115 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وزيــر الحج واألوقـ ــاف األســبــق األستاذ الالم وربما بخطف الهاء) دليل ،وشيء دليله
محمد عمر توفيق رحمه اهلل اشتهر بالزمة منو فيه.
يقولها في مواقف كثيرة ومختلفة ،تراوح من
األستاذ محمد فدا رحمه اهلل في طليعة
التعبير عن الشوق إلى الموافقة على الكالم،
مثقفي مــكــة الــمــكــرمــة وج ــدة قــبــل نصف
إلى السخرية ممن يقول كالما فارغا ،إلى
قرن .درس في مصر .وكان يحب الشيشة
التعاطف مع المحتاج أو المتورط في مشكلة
(األرجيلة) حبا جما .لكنه انفرد عن كافة
ما .الكلمة هي :أوحشتنا.
الــمــرادفــات اإليجايبة الــمــتــداولــة ببصمة
ويقال إن الملك فيصل قال :ليت عندنا تعبيرية خاصة به فيما يتعلق بالشيشة .كان
يقول :من جرَّك وجرَّك أخاه ج َّر َك ُه اهللُ من عشرة من مثل محمد عمر توفيق.
(الجراك مادة تستخدم في
وإذا ت ــورط إنــســان فــي مــوقــف مــا لدى ِج ـرَاكْ الجنة! ِ
منطقة في جنوب الجزيرة العربية ،فعندهم األرجيلة).
تعبير جميل يلطف الجو ويرقق الجفاف.
والشيء بالشيء يذكر ،فقد كــان الفدا
وهو مرادف للقول أنا ممنون لك .أو شكرًا
له لطائف أخرى بديعة تقترب من الفلسفة
حبيبي .أو بيَّض اهلل وجهك .ذلك هو :أنا
والفذلكة دون أن تقع فيها .منها قوله :يدخل
فدى لك! وهو مرادف أيضا للتعبير النبوي
الزوج إلى غرفة النوم وكأنه أسد ،ثم يخرج
الشهير :ال فض فوك.
وكأنه خروف!
أمــا التعبير الشائع في عموم الجزيرة
بقي أن نسأل :ما معنى فذلكة؟
الــعــربــيــة بــاديــة وحــاضــرة فــهــو :اهلل اهلل!
يقال إنــه تعبير منحوت مثل الحمدلة وبــعــضــهــم ينطقونه ه ــاهلل هـ ــاهلل! ويــقــال
للموافقة األكيدة مع ظالل من الثناء على والبسملة .مثله مثل المفاقلة ،ويعني إذا
قلتم كذا ..فنحن نقول كذا .آخر ما اطلعت المتكلم.
عليه أن فذلكة هي منحوتة من قولنا «فذلِكَ
لكن ماذا إذا احتدم النقاش؟ وبلغ الموقف
أنَّ » .ها نحن أوشكنا أن نصل للفلسفة .حتى
من ارتباك المتجادلين درجة ال يحتمل معها
أننا نسينا أهم عبارة وأقرب عبارة في هذا
نعم كما ال يحتمل ال .المثقفون من أهل مكة
لهم تعبير طريف في هــذه الحال .فيقول الوادي وهي:
يا لهوي..
■ فهد عواد العوذة*
إس ــود ..يــا ْنـهــار أزرق) ..كــل هــذه التعابير مــن اخـتــراع الشعب
(يــا ْنـهــار أبـيــض ..يــا ْنـهــار ْ
المصري الشقيق ،وهي مجانية لكل من أراد أن ينتقد األيام بال مسبة أو شتيمة..
بداية ..لدينا النهار األبيض ،والذي يستخدم للتعقيب على األخبار البيضاء ،وهو قليل
االستخدام إال عند الساسة والمسؤولين ،والذين يستخدمونه حتى في وصف أيام الحرب..
ول ــدت نـجــاة سليم إبــراهـيــم خـيــاط فــي مكة المكرمة عــام 1945م -هـكــذا ذكر
الدكتور عالي القرشي في ترجمته لها (قاموس األدب العربي الحديث)( - )1رغم
()٢
أنه ذكر في ترجمتها بـ (قاموس األدب واألدباء في المملكة العربية السعودية)
أن اسمها :نجاة عمر خياط ،ولدت بمكة المكرمة 1363هـ1943 /م ،وقبله ذكر في
(معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية)( )٣أن اسمها نجاة عمر
خياط 1363هـ1944 /م وأنها من مواليد جدة.
-مــخــاض الصمت -مــرة أخ ــرى بعد وبــهــذا أخــذ د .محمد العوين في
نحو نصف قرن عام 1433هـ2012 /م (صــورة المرأة في القصة السعودية)
باسم (مخاض الصمت واألقنعة) بعد إذ ذكر في نهاية الجزء الثاني :فهرس
إضافة قصص جديدة ،نشرتها مؤسسة المصادر والمراجع ص 1689أن اسمها:
األع ــم ــال الــثــقــافــيــة لــأســتــاذ محمد نجاة عمر خياط.
المنقري.
والصحيح أن اسمها الحقيقي :نجاة
ومما قال د .عالي سرحان القرشي ال عن ابنتها
سليم إبراهيم خياط ،نق ً
الدكتورة أماني جعفر الــغــازي ،والتي في ترجمته لنجاة خياط في (قاموس
تولت إعادة طبع مجموعتها القصصية األدب العربي الحديث) و(قاموس األدب
والبد للشمس أن تشرق يوماً على ظالم 1385هـ1965/م في بيروت ضمن مجموعة
«مــخــاض الــصــمــت» مــا بين عــام 1384ه ـــ العالم فتمأله محبة وسالماً..
1385هـ 1964/م1965-م تقريباً.
كتابتي للقصة بـــدأت فــي ســن مبكرة
هذه القصة بالذات أثــارت وقتها جدالً
نــوع ـاً مــا ،إذ كنت فــي الثالثة عشـرة من
كبيراً ،فكثيرون حاربوني ،وكثيرون وقفوا
عــمــري ،كتبت روايـــة طويلة تصلح قصة
إلى جانبي وشجعوني ،ومن ضمنهم عميد
لفيلم سينمائي؛ ألنها مشحونة باألحداث
األدب الــســعــودي األس ــت ــاذ مــحــمــد حسن
واالتصاالت العنيفة.
عواد ،والصحفي الالمع محمد عبدالواحد،
ربما تمثل شحن العواطف والرومانسية رحمهما اهلل جميعاً ،وجزى اهلل خير الجزاء
في بداية الشباب ..ولم يصدق من قرأها كل من وقف معي وآزرني ودافع عني.
أنني أنا مَن كتبها ،إذ قالوا إنك نقلتيها من
ستشرق الشمس يوماً ..هي أمل وضعته
إحدى القصص التي تمأل مكتبة والدك.
في قصة قصيرة ،وهي إحدى الصور التي
بعدها كتبت قصة طويلة تقع أحداثها في كــان يزخر بها مجتمعي فــي حياة زوجية
غير متكافئة ..حملت فيها المرأة الجزء لبنان ..وفي الرواية الثالثة أحسست بالملل
التعس دون أن تحتج أو تدافع عن كرامتها من التطويل ولم أكملها ..طبعاً هذه الروايات
وإنسانيتها المسحوقة فــي بــيــوت كثيرة لم تنشر إنما كانت بداية عهدي بالكتابة.
ولــم أكــن أبالي بالمواقف الصعبة التي تجد هذه المرأة تنتظر النور واالنعتاق من
الظالم ..ولكن من يعلم بها!
كانت تقابل المرأة في بداية انفتاحها على
أمــا األص ــوات التي نسمعها اليوم فهي الكتابة في الصحف من استنكار وإشاعات.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م) 124
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
كتبت كثيراً من النثر واألبيات الشعرية ،حادث أليم .وقد ترك رحيله جرحاً ال يندمل
ولكن لم أنشر أ ّيًا منها والقليل من أصدقائي في قلبها.
نشر كتابي «مــخــاض الصمت» الطبعة سفارة المملكة العربية السعودية في دمشق،
األولــى عــام 1385هــــــ1966/م ،أثــنــاءه كنت لمدة أربع سنوات ،وعاصرت القاصة نجاة
في لبنان أ ُراجــع مسودات الكتاب ،وغبت خياط حرب رمضان وأهوالها وحصارها ،إذ
عــن الــســاحــة األدبــيــة بسبب عــمــل زوجــي دمرت الطائرات اإلسرائيلية معظم البيوت
وتنقالته المتعددة ،ثم أعدتُ إصدار الكتاب المجارة لمسكنهم في شارع أبو رمانه.
في طبعته الثانية 1433هـ2012/م ،وأضفت
ثــم ارتــحــلــت مــعــه إل ــى أثــيــنــا عــنــد نقله
عليها مجموعتي القصصية «األقنعة» التي
سكـرتيراً أول في سفارة المملكة في اليونان
كانت إلى ذلك الوقت حبيسة األدراج.
لمدة سبع سنوات ،وبعدها إلى القاهرة لمدة
خمس سنوات .ثم إلى غانا قائماً باألعمال حياتي الخاصة
هناك لمدة أربــع سنوات ،لتستقر األســرة
تزوجت من ابن عمتها عام 1389هـ1969/م
خاللها فــي أرض الــوطــن ،بسبب دراســة
ولها من األبناء ثالثة :م .نهلة الغازي وهي من
مواليد بيروت ،ود .أماني الغازي من مواليد األبناء في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
تعكف نجاة خياط اآلن على تسجيل جده ،وتعمل في جامعة الملك عبدالعزيز،
قسم التاريخ ،واالبن الثالث سليم الغازي من ذكرياتها الخاصة عــن أسرتها فــي كتاب
مواليد أثينا في اليونان ،كان مهندسً ا في خــاص ستخصصه لألصدقاء فقط وليس
الحرس الوطني ،توفي في عز شبابه إثر للنشر العام.
* كاتب من السعودية.
( )1إشراف د .حمدي السكوت ط2015 ،2م القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب ،ص.817
( )2ط ،1ج ،1الرياض :دارة الملك عبدالعزيز 1434هـ2013 /م ،ص.512
( )3ط1413 ،2هـ1993 /م الرياض :الدائرة لإلعالم المحدودة ،ص.54
( )٤ط 1مج 4القصة القصيرة ..إعداد الدكتور معجب الزهراني .ص 27-26و.339 - 333
( )5ط ،1ج1985 2م.
( 7 )6شعبان 1386هـ 20 /نوفمبر 1966م.
(1387/9/13 )7هـ صفحة أدب (كل خميس).
( )8ط ،1ج ،1الرياض -مكتبة الملك عبدالعزيز العامة 1423هـ 2002م.
( )9يوم السبت 1434/6/24هـ 2013/5/4 /م ونشـرت مع غيرها في كتاب (شرفات ورقية) بالرياض :دار
المفردات للنشر ط1439 ،1هـ2018 /م.
125 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
المثقف ووزارة الثقافة
■ صالح القرشي*
كثيرا ما أجد بعض الكتاب والمثقفين ،وبعد كل دعوة توجهها وزارة الثقافة لمجموعة
منهم ،أو مع كل مناسبة تخص هذه الوزارة يطرحون سؤالهم التقليدي!
ماذا يريد المثقفون من وزارة الثقافة؟ وماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمثقفين؟
هي :كيف يمكن لــوزارة الثقافة أن تسهم في ويبدو لي أن مجرد صياغة السؤال بهذه
ربط فئات المجتمع بكل تنوعاتها بالثقافة؟ الطريقة ال تصح ،واألوْلى أن يكون السؤال هو:
كــيــف يمكنها المساهمة فــي نــشــر الــوعــي ماذا يجب أن تقدم الــوزارة للمجتمع؟ وماذا
بأهمية الثقافة لدى األجيال الجديدة؟ وما يريد المجتمع من وزارة الثقافة؟
هي الخطوات المطلوبة في هذا الجانب؟ ماذا وفي كل مرة يطرح فيها ذلك السؤال على
عن الــدور الــذي يمكن أن تقوم به المدارس عدد من األدباء والكتاب والمثقفين ،تكون أغلب
في هذا الشأن؟ وماذا يمكن أن تقدم األحياء اإلجابات عبارة عن مطالب متعلقة بهذه الفئة،
والبلديات في هذا المجال؟ وتركز على العالقة بينها وبين وزارة الثقافة،
مــاذا عــن تحويل األنــديــة األدبــيــة لمراكز وتكون أغلب االنتقادات أو المالحظات خاصة
ثقافية متكاملة تهتم بالمسرح الجاد والفنون بالفعاليات التي تقيمها ال ــوزارة وتدعو لها
التشكيلية ،وتقيم الــمــعــارض ،وتــتــعــاون مع بعض الكتاب واألدبــاء والمثقفين ،ومن زاوية
الجهات األخ ــرى س ــواء كــانــت جــهــات أهلية لماذا اختارت أولئك ولم تختر هؤالء ،وربما
ال نجد من يتحدث عن دور الوزارة األساس..
أو حكومية ،ويبدو لي أن تقييم نجاح برامج
وهو الدور المتعلق بعالقة الثقافة بالمجتمع.
الــوزارة يكمن في اإلجابة على هذه األسئلة
ويبدو لي أ ّن حصر المسألة بهذا الجانب ال وليس في الدوران حول طلبات بعض المثقفين
يخدم الدور األهم المنوط بالوزارة ،وهو الدور أو حتى مناكفاتهم.
الذي يجب أن يتوجه نحو المجتمع.
إن حاجة المجتمع لخدمات هذه الــوزارة
واعتقد أن السؤال الذي يجب طرحه هو :أشد وأهم وأولى ..وما يمكن أن يقدم للمجتمع
ماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمجتمع؟ ثقافيا هو ما سيشكل اإلسهام الكبير لها في
رقــي المجتمع وتــطــوره ،فهي وزارة الثقافة وليس فقط ماذا يجب أن تقدم للمثقفين؟
أعتقد أن األسئلة األهم في هذا الجانب وليست وزارة المثقفين.
المنتدب لمؤسسة األمير عبدالرحمن السديري، المجموعات التراثية التي يتناولها هذا الدليل
تناول فيه بشيء من اإليجاز والعمق أهمية الدليل هي جزء من مقتنيات مركز عبدالرحمن السديري
في التعريف بالمجموعة المتحفية بالمركز ،وما الثقافي ،قدمت معظمها هدايا من مواطني منطقة
تمثله مــن قيم حــضــاريــة وفنية تعكس الــمــوروث الجوف ،ومن مواطنين من خارج المنطقة لمعالي
الثقافي لمنطقة الجوف ،منوهاً بضرورة حماية هذا األمير عبدالرحمن السديري رحمه اهلل ،الذي قام
التراث واستمراره واستثماره كأحد روافــد الهوية بإيداعها دار العلوم بالجوف ،وتعرض معظمها اآلن
الثقافية للوطن ،ثم تال التقديم مقدمة من المؤلف في أروقة فندق النزل التابع لمؤسسة عبدالرحمن
الرئيس للدليل الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل السديري بمدينة سكاكا -الجوف.
البراهيم الذي بَيَّن أهمية المركز ودوره في الحياة تعد هذه المجموعات من المجموعات التراثية
الثقافية والعلمية لمجتمع منطقة الجوف ،وذكر المهمة على مستوى منطقة الجوف ،وتأتي أهميتها
أن من ضمن أهداف إصدار هذا الدليل التعريف كونها جُ معت على مــدى فترة طويلة ،إضافة إلى
باألدوار الثقافية والحضارية التي يقوم بها المركز تنوعها؛ من متحجرات وقطع حجرية تعود لعصور
تجاه المجتمع ،كما تناول أهمية هذه المجموعة جيولوجية مختلفة ،وقطع نقوش أثرية ،إضافة إلى
المتحفية بالمركز وتنوعها ،والجهود التي بذلت في مواد تراث تقليدي محلي يرجع تاريخ بعضها إلى
إعداد هذا الدليل وتصنيفه وتجهيزه بشكل يعطي أكثر من مئة عام.
صورة مناسبة ومعبرة عن تراث منطقة الجوف.
يقع الدليل في ( )352صفحة ،استهل بتقديم
يضم الدليل قاعدة بيانات علمية متكاملة عن من الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري العضو
127 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية
والصناعات في منطقة الجوف منذ أقدم العصور، ( )274مادة متحفية وتراثية ،تم تصنيفها إلى ثالث
مــثــل النخيل ومــنــتــجــاتــه؛ األخــشــاب مــن األشــجــار مجموعات رئيسة هي:
المختلفة كالسدر واإلث ــل؛ والمنتوجات الحيوانية
-1مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية
كالوبر والصوف والشعر والجلود من الجمال واألغنام،
(وعددها 38مادة)
واألحجار ،والطين ،والمعادن.
وتــحــوي متحجرات أحيائية؛ تتمثل فــي بقايا
وقد تم تصنيف مجموعات التراث الشعبي إلى
أسماك ،وقواقع ،ورخويات ،وشعب مرجانية بحرية
عشرة مجموعات فرعية كالتالي:
(متبلورة) جلب أغلبها من منطقة الجوف ،وتحديداً
-مجموعة أدوات القهوة (عددها 23مادة). مــن وادي الــســرحــان ،وبعضها مجلوبة مــن خــارج
-مجموعة أدوات المطبخ (عددها 26مادة). المملكة:
-مجموعة مصنوعات سعف النخيل (عددها 12
-2مجموعة القطع األثرية (وعددها 21مادة)
وتحوي مواد أثرية ،تتشكل من نقوش ،وكتابات
عربية شمالية ،ومسند شمالي سطرت على حجارة
بازلتية ،وقد جلب أغلبها من وادي السرحان ،وتضم
المجموعة أيضا نقوشاً وكتابات ،كتبت على صخور
من الحجر الرملي ،كتبت بالقلم الصفوي ،والمسند
مجموعة القطع األثرية الشمالي ،والثمودي ،كما تضم بعض هذه الصخور
وسوماً لبادية شمالي الجزيرة العربية:
مادة).
مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل (عددها 22مادة). -
مجموعة أواني التخزين (عددها 14مادة). -
مجموعة أدوات الزراعة (عددها 30مادة). -
مجموعة أواني التخزين
مجموعة األسلحة (عددها 32مادة). -
مجموعة أدوات البادية (عددها 30مادة). -
مجموعة المالبس وأدوات الزينة (عددها 16مادة). -
مجموعة النسيج عددها ( )10مواد. -
تصنيف المجموعات المتحفية بهذا الدليل يُمكِّن
مجموعة أدوات الزراعة
القارئ من الوصول إلى صورة ولو جزئية عن تراث
منطقة الجوف ،والتعرف على التواصل الحضاري
والتبادل الثقافي بين الجوف والمناطق المحيطة بها
في عصورها المختلفة.
ويعد الدليل إسهاما واضحا للبحث العلمي في
مجموعة األسلحة
مــجــال الــتــراث والــثــقــافــة ،وأح ــد الــمــراجــع العلمية
للباحثين والــدارســيــن وأصــحــاب العالقة فــي هذا
الــشــأن ،كما يعد إضــافــة ثــريــة للمكتبة الثقافية
السعودية من إصــدارات صرح علمي وثقافي شامخ
أرسى دعائمه معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد
السديري رحمه اهلل. مجموعة األسلحة
صدر حديثاً