Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 129

‫الجهوريـــــــة الجزائريـــــة الديمقراطيــــــة الشعبيـــــــة‬

‫وزارة التعليـــــم العالي والبحث العلمـــــي‬


‫جامعـــــــــــــة محمد لمين دباغين ‪ -‬سطيف‪2‬‬
‫كليـــــــــة الحقوق والعلـــوم السياسية‬

‫د‬

‫محاضرات في تاريخ النظم القانونية‬

‫أجزيت من قبل اجمللس العلمي للكية احلقوق والعلوم الس ياس ية‬
‫مبوجب احملرض رمق‪ 51/333 :‬املؤرخ يف ‪ 72‬أكتوبر ‪7151‬‬

‫إعداد الدكتور‪ :‬بن ورزق هشام‬

‫ألقيت ابملوامس اجلامعية‪ :‬من ‪ 7112‬اىل غاية ‪7152‬‬


‫مدخل عام لمادة تاريخ النظم القانونية‬
‫يمي ـ ـ ـل اإلنس ـ ـ ـان إل ـ ـ ـى االجتماع ويعتمد على غيره في تحصيل ضروريات حيات ـ ـ ـه‪ ،‬ما يجعل ـ ـ ـه‬
‫يدخ ـ ـل في عالقات اجتماعي ـ ـة مختلف ـ ـة‪ ،‬ويقوم بالعدي ـ ـد م ـ ـن المعام ـ ـالت مع أفراد المجتم ـ ـع الذي‬
‫يعيش في ـ ـه‪ .‬غير أن اتصاف اإلنسان باألناني ـة وحـب الذات والطمع يجعل هذه العالقات تتصف‬
‫بالصـراع والتناحـر مـن أجل تلبي ـة المصالح المتضارب ـة بيـن األفـراد‪.‬‬

‫ولهذا ال بد من وجود قانون كضرورة حتميـ ـ ــة لتنظيـ ـ ــم هـ ـ ــذه المصالح وللموافقة بينـ ـ ــها بشـ ـ ــكل‬
‫يحقـ ـ ـ ـ ـ ـ مصالح األفراد م ـ ـ ـ ـ ــن جه ـ ـ ـ ـ ــة ومصالح الجماعة ككل من جهة أخرى‪ .‬فالمجتمع الذي ال‬
‫ينظمه ضـابط معين مسـتحيل حيي يقول الفيلسـوف بسويه حيث يملك الكل فعل ما يشاؤون‪ ،‬ال‬
‫‪1‬‬
‫يملك أحد فعل ما يشاء‪ ،‬وحيث ال سيد فالكل سيد‪ ،‬وحيث الكل سيد فالكل عبيد ‪.‬‬

‫إن حاج ـة اإلنس ـان إلى قان ـون أو تشريع ينظ ـم ب ـه حياته‪ ،‬حاجة فطري ـة تتطلبـها ضرورة تنظيـم‬
‫حياتـ ـ ـ ـ ـه وعالقاتـ ـ ـ ـ ـه داخل المجتمع الـ ـ ـ ـ ـذي يعيش فيه‪ ،‬وعلى هـ ـ ـ ـ ـذا األساس يعرف القانون بأنـ ـ ـ ـ ـه‬
‫مجموعــــــة القواعد العامــــــة والمجــــــردة‪ ،‬التي تنظم عالقات األفراد وسلوكاتهم داخل المجتمع‪،‬‬
‫والتي تفرض بقوة السلطة العامة"‪.‬‬
‫ولما كان القانون ينظم المجتمع البشــري الذي هو في ترير مســتمر‪ ،‬فان هذا التريير ال محالة‬
‫سـ ـ ــيطال القانون‪ ،‬وبالتالي سـ ـ ــيخضـ ـ ــع لمبدأ التطور حتى يمكنه أن يتكيف مع أوضـ ـ ــاع المجتمع‬
‫المتطورة وعالقاته المتجددة‪.‬‬

‫وعلى ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذا األسـ ــاس فان القانون الذي يحكم المجتمعات اإلنسـ ــانية يتطور بتطورها‪ ،‬ويتأثر‬
‫بالعوامل التي تتأثر بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها‪ .‬فالمجتمع اإلنســاني خاضــع للتطور والتريير حســب المســتويات التي‬
‫‪2‬‬
‫يصل إليها اإلنسان في كل وثبة حضارية‪ ،‬والتي تحدي نتيجة تفاعله مع محيطه‪.‬‬

‫ولذلك فان دراسة القواعد القانونية في مجتمع ما‪ ،‬يستوجب تحديـ ـ ــد الفترة ال مني ـ ـ ــة التي وجدت‬
‫فيها هذه القواعد‪ ،‬فد ارسـة القانون ال تقتصر على القانون الحاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر أو الحالي فقط‪ ،‬ولكن تمتد‬
‫إلى ماضيه وتسير إلى مستقبله وهو ما يندرج تحت عنوان نطا القانون‪.‬‬

‫فاضلي إدري ـ ـ ـ ـ ـ ـس‪ ،‬مدخل إلى المنهجية وفلسفـــــة القانون‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعي ـ ـ ـة‪ ،‬الطبع ـ ـ ـة‪ ،30‬الج ائر‪ ،7332،‬ص‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.111-110‬‬
‫‪2‬عبد المالك ســالطنية‪ ،‬عبد الحميد حروابية‪ ،‬ســاجية حماني‪ ،‬تاريخ النظم في الحضــارات القديمة‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الج ائر‪،7332،‬‬
‫ص‪.03.‬‬
‫‪1‬‬
‫أوال‪ /‬نطـاق القانـون‪ :‬يشتمـل نطا القانون علـى ثالي أنواع مـن المواد الدراسية‪:‬‬

‫‪ -‬دراسة القانون الوضعي الذي يهتم بدراسة وتحليل القواعد الحاضرة والمطبقة حاليا‪.‬‬

‫‪ -‬د ارســة تاريخ القانون الذي يدرس النظم القانونية والمصــادر التي اســتقيت منها هذه النظم حتى‬
‫وص ــلت إلى ش ــكلها الحاض ــر‪ 1.‬حيي تهدف الد ارس ــة التاريخية للنظم والمؤسـ ـس ــات القانونية لدى‬
‫مختلف الشـ ـ ـ ــعوب والحضـ ـ ـ ــارات القديمة إلى الوقوف على حقيقة القاعدة القانونية والكشـ ـ ـ ــف عن‬
‫‪2‬‬
‫مضمونها الحالي الذي أماله التطور التاريخي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يقول األســتاذ ســافيني ‪ " Savigny‬القانون لم يكن وليد رأي واحد أو يوم‬
‫واحد بل أنه وليد التاريخ وتداول األيام والعصــــور‪ ،‬وهو بهذا يخضــــع لمبدأ التطور المســــتمر‬
‫ويتكيف مع المجتمع الـذي تتيير أفكـارو وعاداته ونظمه مع الزمان‪ ،‬وعلى هذا فان الدراســـــــــة‬
‫‪3‬‬
‫القانونية ال تقتصر على دراسة القانون في حاضرو فحسب بل تمتد إلى ماضيه ومستقبله "‪.‬‬
‫‪ -‬علم التش ـ ـريع أو السـ ــياسـ ــة الشـ ــرعية التي تدرس مسـ ــتقبل القانون وكيفية تحسـ ــينه وهي الناحية‬
‫الفلسفية والسياسية في الدراسة القانونية‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ويجب اإلش ـ ـ ـ ــارة إلى أن د ارس ـ ـ ـ ــة تاريخ القانون تنتهي حيي تبدأ د ارس ـ ـ ـ ــة القانون الوض ـ ـ ـ ــعي‪.‬‬
‫فالقانون الحالي كان مسـ ـ ـ ــبوقا بأخر‪ ،‬وسـ ـ ـ ــيصـ ـ ـ ــبح تاريخا بالنسـ ـ ـ ــبة لقوانين المسـ ـ ـ ــتقبل وفي حكم‬
‫الماض ــي‪ .‬فالقوانين تمر بعدة أدوار متص ــلة ببعض ــها البعم‪ ،‬حيي يتص ــل ماض ــيها بحاض ــرها‬
‫ويثير حاضــرها مســتقبلها‪ 5.‬وبهذا تتفرع الد ارســة التاريخية للقانون بدورها إلى مواد مختلفة تختص‬
‫كل واحدة منها بجانب معين ووف منهج خاص‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬التمييز بين مادة تاريخ القانون ومادة تاريخ النظم‪ :‬يعتبر مصـ ـ ــطلح تاريخ النظم أشـ ـ ــمل‬
‫من مصـ ـ ــطلح تاريخ القانون‪ ،‬فمادة تاريخ النظم تتعرم بالد ارسـ ـ ــة والتحليل إلى القاعدة القانونية‬
‫التي عرفتها الحض ــارات البشـ ـرية‪ ،‬وعالقتها مع النظم االقتصـ ـادية واالجتماعية‪ ،‬وكذا تأثرها بهذه‬
‫‪6‬‬
‫العوامل عبر المراحل التاريخية المختلفة‪.‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬الوجيز في تاريخ النظم‪ ،‬دار الرغائب‪ ،‬الج ائر‪ ،1111،‬ص‪.8-2.‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬دروس في تاريخ النظم القانونية‪ ،‬منشورات ثالــة‪ ،‬الج ائر‪ ،7331 ،‬ص‪.32.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪3‬‬

‫حبيب إبراهيم خليل‪ ،‬المدخل للعلوم القانونيـة‪ ،‬ديـوان المطبوعات الجامعيـة‪ ،‬الج ائر‪ ،1183 ،‬ص‪.30.‬‬ ‫‪4‬‬

‫فاضلي إدريس‪ ،‬المدخل إلى تاريخ النظم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪ ،7332 ،‬ص‪.38.‬‬ ‫‪5‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪2‬‬
‫وبـالتــالي فــان هــذه الــد ارسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تبحــي عن الظواهر القــانونيــة الرئيس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــة في جوهرهــا وحقيقتهــا‬
‫االجتمـاعيـة‪ .‬فـالتجربـة القـانونيـة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانية تختلف باختالف العوامل االجتماعية واالنتربولوجية‬
‫واالقتصـ ــادية والجررافية‪ ،‬وتختلف حضـ ــارت الشـ ــعوب عن بعضـ ــها البعم وتتفاوت تجاربها في‬
‫كل ميدان من حيي النضـ ـ ــج والنمو‪ .‬كما أن تطور المجتمع لم يكن واحد في جميع الحضـ ـ ــارات‬
‫أو في كــل فترات التــاريخ بــل حــدي بــدرجــات مختلفــة خــاض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعــا بــذلــك إلى عوامــل اقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديــة‬
‫‪1‬‬
‫واجتماعية وسياسية ومعتقدات دينية وكذا باحتكاكها مع مختلف الحضارات األخرى‪.‬‬

‫إن مـادة تـاريخ النظم تدرس القانون الذي أنتجته الحضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارات اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانية المختلفة والعوامل‬
‫المؤثرة والمسـاعدة التي أوجدته بتلك الصـورة وعلى ذلك الشكل‪ .‬فهذه المادة تدرس وتهتم بالقواعد‬
‫القانونية البحتة سـ ـ ـ ـ ــارية المفعول في العص ـ ـ ـ ـ ــور المختلفة‪ ،‬بصـ ـ ـ ـ ــرف النظر عن عالقتها بعوامل‬
‫التطور التاريخي واالقتصادي والسياسي واالجتماعي الذي مرت بها المجتمعات التي عرفت هذه‬
‫القواعـد‪ ،‬فهـذه المـادة ال تحـاول اإلجابة على عالقة القواعد التي تدرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها بالنظم االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادية‬
‫واالجتماعية أو تأثير هذه العوامل عليها‪ ،‬وهي كذلك ال تحاول إعطاء تفسـ ـير لنش ــأة القواعد التي‬
‫تدرس ــها‪ .‬وبهذا فان مادة تاريخ القانون تهت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم فقط بالش ــكل الخارجي للقانون وبالتفاص ــيل الفنية‬
‫للموضـ ــوعات القانونية المختلفة‪ ،‬دون ربط هذه التفاصـ ــيل باإلطار الحضـ ــاري الذي نشـ ــأت فيه‪.‬‬
‫مما قد يجعل مواضـ ـيع هذه الد ارس ــة عرض ــية ال عالقة لها بالقوى الحقيقية التي أدت إلى ظهور‬
‫‪2‬‬
‫القاعدة القانونية‪ ،‬كدراستها لقواعد اإلجراءات مثال‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أهمية دراسة تاريخ النظم القانونية‬

‫بر ت أهمي ــة د ارس ــة تاريخ النظ ــم القانوني ــة في بداي ــة القرن العشري ــن‪ ،‬وذلك بانعق ــاد المؤتم ــر‬
‫الدولي لسنـة ‪ ،1133‬الـذي أكـد على فائدة هـذه الدراسة والتي تكمن أساسا فيما يلي‪:‬‬

‫‪ /10‬باعتبار النظم القانونية الوض ــعية الحالية ما هي إال تهذيب للنظم الس ــابقة‪ ،‬فان الفهم الجيد‬
‫للقواعـد الحـالية يوجب الرجوع إلى األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول التاريخية لها وتتبع تطورها‪ ،‬وأن تفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــير القانون‬
‫الوض ـ ــعي القائم ال يتأتى برير الرجوع إلى ماض ـ ــيه‪ ،‬كما أن فهم قوانين المس ـ ــتقبل ال يمكن برير‬
‫‪3‬‬
‫الرجوع إلى أحكام القانون الوضعي الحالية‪.‬‬

‫‪1‬عكاشـ ــة محمد عبد العال‪ ،‬طار المجذوب‪ ،‬تاريخ النظم القانونية واالجتماعية‪ ،‬منش ـ ــورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪،7331 ،‬‬
‫ص‪.3 .‬‬
‫‪2‬عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.8.‬‬
‫‪3‬علي محمد جعفر‪ ،‬تاريخ القوانين‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتو يع‪ ،‬لبنان‪ ،1111 ،‬ص‪.32.‬‬
‫‪3‬‬
‫فالكثير من المصــطلحات القانونية الحالية هي ذات أص ــل تاريخي قد يرجع إلى المس ــلمين أو‬
‫الرومان أو اإلغري وغيرهم‪ ،‬واألمثلة كثيرة في هذا المجال كفكرة الح العيني والش ـ ــخص ـ ــي‪ ،‬أو‬
‫الدفاع الشرعي‪ ،‬دعوى عدم نفاذ التصرفات‪ ،‬التقادم‪ ،‬الشورى‪...‬‬

‫إن النظم القانونية السـ ــابقة تش ـ ــكل المص ـ ــدر التاريخي غير المباش ـ ــر للقواعد القانونية الحالية‪،‬‬
‫فنجد مثال قوانين األحوال الشخصية الحالية في معظم دول العالم اإلسالمي مستمدة من الشريعة‬
‫اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالميــة‪ ،‬كمــا نجــد أن معظم القواعــد القــانونيــة الحــاليــة التي تنتمي إلى مجموعــة القوانين‬
‫الرومانوجرمانية مصـ ـ ــدرها األسـ ـ ــاسـ ـ ــي القانون الروماني والعادات األلمانية القديمة‪ .‬وهذه القواعد‬
‫موجودة في الكثير من دول العالم ومنها العالم العربي واإلس ـ ـ ـ ـ ــالمي ومنها الج ائر‪ .‬وبالتالي فان‬
‫د ارس ــة نظم الشـ ـريعة اإلس ــالمية أو د ارس ــة القانون الروماني ما هي إال د ارس ــة للمص ــدر الحقيقي‬
‫غير المباشر لقواعدنا القانونية الحالية‪.‬‬

‫‪ /12‬تفيد مادة تاريخ النظم في اإلطالع على الجانب االقتصادي واالجتماعي والديني والظروف‬
‫التي نشـ ـ ـ ــأت فيها القوانين والمؤثرات التي أدت إلى تحسـ ـ ـ ــينها وانتشـ ـ ـ ــارها‪ .‬فالنظم اإلنس ـ ـ ـ ـانية في‬
‫مختلف الميادين تتأثر بعوامل داخلية وخارجية س ـ ـ ـواء عن طري التبادل الحضـ ـ ــاري السـ ـ ــلمي أو‬
‫عن طري الر و‪ .‬والدراسة التاريخية لكل هذا تسمح بالتعرف على مدى تأثر التشريعات الوطنية‬
‫‪1‬‬
‫بالتشريعات األجنبية مثال‪.‬‬

‫‪ /13‬تعد مادة تاريخ النظم وس ـ ـ ــيلة لمعرفة كيفية تطور النظم القانونية وأس ـ ـ ــباب ذلك‪ ،‬مما يخل‬
‫لدى الباحي القدرة على تأصــيل النظم القانونية وتصــور مصــيرها في المســتقبل‪ ،‬فمثال إذا عرفنا‬
‫أن نظام الحسـ ـ ـ ــبة اإلسـ ـ ـ ــالمي بني على فكرة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬كان بإمكاننا‬
‫فهم سبب واله المرتبط بانهيار الدولة اإلسالمية ممثلة بالدولة العثمانية‪.‬‬

‫‪ /14‬الدراسة التاريخية للنظم القانونية أداة مفيدة جدا لتثقيف القانوني‪ ،‬حيي تساعد الباحي على‬
‫اإللمام بمختلف المجتمعات والحضـ ــارات واس ـ ــتخالص مسـ ــتواها الحض ـ ــاري من خالل شـ ـ ـرائعها‪،‬‬
‫الدرس ــة هي دخول‬
‫على اعتبار القانون ظاهرة تؤثر وتتأثر بالعوامل التي تص ــيب المجتمع‪ ،‬فهذه ا‬
‫لمخبر تجارب الماضــي‪ ،‬وفائدة ذلك تحديد الطري الذي ننتهجه لتحســين القواعد والنظم القانونية‬
‫‪2‬‬
‫وتطويرها بالمحاكاة مع تجارب األمم السابقة‪.‬‬

‫أر قي العربي أبرباش‪ ،‬مختصر النظم القانونية واالجتماعية‪ ،‬دار الخلدونية‪ ،‬الج ائر‪ ،7332 ،‬ص‪.33.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫إن التحليل العلمي الس ـ ـ ـ ــليم يقتض ـ ـ ـ ــي النظر إلى التاريخ ليس باعتباره مجرد أس ـ ـ ـ ــماء وحوادي‬
‫وقعت في الماض ـ ـ ـ ــي بل هو يتناول بالتحليل الحياة البشـ ـ ـ ـ ـرية واالختبارات اإلنس ـ ـ ـ ــانية في ش ـ ـ ـ ــتى‬
‫‪1‬‬
‫الميادين‪ ،‬والتي قد تكون متفقة أو مختلفة مع اختياراتنا‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬نشــــ ـ ة القانـــون‪ :‬نشأت النظم القانونية وتطورت لدى الشعوب والحضارات المختلفة تحت‬
‫عوامل مختلفة نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬العقيدة الدينية الســــائدة بالمجتمع أو المعتنقة من قبل الدولة‪ :‬فالنماذج الديني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة كان لها‬
‫التأثير الكبير على الحضـارات اإلنسـانية‪ ،‬وقد شـكلت هذه النماذج في جل الحضارات القديمة أو‬
‫الحديثة على مد تاريخ اإلنسان السياسي أو االقتصادي أو االجتماعي‪ ،‬األساس الرئيسي لإلبداع‬
‫في خل الحض ـ ـ ـ ـ ــارات ووض ـ ـ ـ ـ ــع النظم المختلفة‪ .‬فالكون وما به من إعجا والموت وما يثيره من‬
‫خوف من المجهول‪ ،‬أثار لدى اإلنسـ ــان مشـ ــاعر دينية قوية وعميقة ظهرت على شـ ــكل معتقدات‬
‫مختلفة‪ .‬وقد كانت لديانات البشــر المختلفة س ـواء الســماوية منها أو التي وضــعها اإلنســان‪ ،‬تأثير‬
‫‪2‬‬
‫كبير وانعكاس مباشر على المجتمع وعلى القانون الذي ينظم به‪.‬‬

‫‪ -‬العامل الســـياســـي واالقتصـــادي‪ :‬فتطور المجتمع اقتصـ ــاديا يؤدي إلى تطور القواعد القانونية‬
‫من أجل مسايرة التطور الحاصل والقانون في بالد الرافدين دليل على ذلك‪ .‬كما أن تطور أنظمة‬
‫الحكم التي تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيطر على جمــاعــة معينــة يتبع ترير للقواعــد القــانونيــة التي يرتك عليهــا النظــام‬
‫السـ ـ ـ ـ ــاب ‪ .‬فالعامل االقتصـ ـ ـ ـ ــادي شـ ـ ـ ـ ــكل عند مختلف الشـ ـ ـ ـ ــعوب عامل مهم جدا لتكوين المجتمع‬
‫وتطويره‪ ،‬بل أن نوع النظام االقتص ـ ـ ـ ـ ــادي المطب كان له انعكاس مباش ـ ـ ـ ـ ــر على نظام األسـ ـ ـ ـ ـ ـرة‬
‫‪3‬‬
‫والملكية وتقسيم الطبقات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬العــامــل االجتمــاعي‪ :‬فتطور العالقــات االجتمــاعيــة في جمــاعــة معينــة يفرم إيجــاد تقنينــات‬
‫قـانونيـة جـديـدة لحكم هـذه العالقات‪ ،‬فمثال العالقة بين الرجل والمرأة احتاجت منذ بدأ الخليقة إلى‬
‫تقنيين حتى ال تدخل في حالة الشيوع غير المقبولة إنسانيا‪.‬‬

‫لكن يجب االنتباه إلى أن العوامل االقتصــادية أو االجتماعية ال تفســر نشــأة القانون منذ بداية‬
‫البشـرية‪ ،‬وانما تفســر هذه العوامل تطور القانون بعد وجوده األولي‪ ،‬لذلك يطرح الباحثون في هذا‬

‫‪1‬علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ .‬ص‪.2.‬‬


‫صالح الدين جبار‪ ،‬المختصر في تاريخ النظم‪ ،‬دار مدني‪ ،‬الطبعة ‪ ،37‬الج ائر‪ ،7332 ،‬ص‪.10.‬‬ ‫‪2‬‬

‫فاضلي إدريس‪ ،‬المدخل إلى تاريخ‪ ،...‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.71.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫الموض ــوع الم يد من األس ــئلة‪ :‬كيف نش ــأ القانون؟ وما هي الص ــورة التي كان عليها وأتخذها في‬
‫البداية‪ ،‬مع وجود الحاجة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــانية الفطرية لوجود قانون ينظم حياة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان وعالقاته داخل‬
‫المجتمع؟‬

‫وقد ذهب بعم الدارسـين والباحثين لنشــأة القانون ومراحل تطوره وخاصــة الرربيين منهم‪ ،‬إلى‬
‫القول بأنه مر بنفس المراحل التي مر بها تطور اإلنســان على هذه األرم‪ .‬وبهذا الصــدد حاول‬
‫الكثيرون منهم تطبي نظرياتهم حول وجود اإلنس ـ ــان على األرم وتقس ـ ــيماتهم للمراحل التي مر‬
‫بها إعماال لنظرية تش ـ ــارل داروين المتعلقة بالتطور على النظم االجتماعية التي عرفها اإلنس ـ ــان‬
‫‪1‬‬
‫في مراحل تاريخه‪.‬‬

‫ووف هذه المقاربة اتجه كثير من الكتاب إلى اعتبار أن اإلنسان األول كان همجي ومتوحش‪،‬‬
‫مما ترتب عليه تقرير أن القانون لديه كان هو قانون القوة واالنتقام الفردي الخالي من كل أساس‬
‫أخالقي‪ ،‬فالقوة حسـ ـ ــبهم عند اإلنسـ ـ ــان األول هي التي تنشـ ـ ــأ الح وتحميه‪ 2.‬لكن نظرية التطور‬
‫الدارونية ال تصــلح أســاســا للتفســير العلمي لوجود اإلنســان فضــال عن عج ها عن تفســير التطور‬
‫االجتماعي البشـ ــري‪ .‬وقد ثبت خطأ هذه النظرية وشـ ــذوذها فضـ ــال على تعارضـ ــها مع نصـ ــوص‬
‫ثابتة من القرآن الكريم‪ ،‬فالتفس ــير العلمي المقبول لتاريخ القانون وس ــعي اإلنس ــان لتنظيم المجتمع‬
‫على مر العصـ ـ ـ ـ ــور‪ ،‬هو الذي يربط نش ـ ـ ـ ـ ــوء القانون بخل اإلنس ـ ـ ـ ـ ــان وتطور النظم تبعا لظروف‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫‪ /10‬نشــــــ ة القانون من خالل التعاليم والتقاليد الدينية‪ :‬ارتبط وجود اإلنسـ ـ ـ ــان أصـ ـ ـ ــال بتعاليم‬
‫دينية‪ ،‬سـ ـواءا كانت هذه التعاليم س ــماوية أو معتقدات أخرى‪ .‬فحيي أننا نس ــلم أن اإلنس ــان األول‬
‫قبــل هبوطــه إلى األرم كــان محكومــا بـاألحكــام االالهيــة وف مــا ورد في القران الكريم في قول‬
‫ث ِش ْئتُ َما َوال تَ ْق َرَبا َه ِذ ِو َّ‬
‫الش َج َرةَ‬ ‫اس ُك ْن أَ ْن َت َوَز ْو ُج َك ا ْل َج َّن َة َو ُكال ِم ْن َها َر َغداً َح ْي ُ‬
‫آد ُم ْ‬
‫تعالى َو ُق ْل َنا َيا َ‬
‫ين ‪ 3.‬وعنـدمـا أهبط أدم عليـه السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم إلى األرم كـان عـاقال ومدرك وليس‬ ‫الظـالِ ِم َ‬
‫ونـا ِم َن َّ‬‫فَتَ ُك َ‬
‫متوحش وهمجي‪ 4.‬والدليل في قوله تعالى وعلَّم آدم ْاألَســــــماء ُكلَّها ثَُّم عرضــــــهم علَى ا ْلم ِ‬
‫الئ َك ِة‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُْ َ‬ ‫َ َ َ ََ ْ َ َ َ‬

‫فاضلي إدريس‪ ،‬المدخل إلى تاريخ‪ ،...‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.31.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صالح فركوس‪ ،‬تاريخ النظـم القانونيـة واإلسالميـة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتو يع‪،‬الج ائر‪ ،7331،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اآلية ‪ 03‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬طار المجذوب‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.73.‬‬


‫‪6‬‬
‫ِ‬
‫ين"‪ 1.‬كما أن ظهور األس ـ ـ ـرة األولى كان خاضـ ـ ــعا‬ ‫صــــاد ِق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال أَ ْن ِب ُئوِني ِب ْ‬
‫َســــ َماء َه ُؤالء ِإ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬ ‫فَقَ َ‬
‫اه ِبطُوا ِم ْن َها َج ِميعاً فَِإ َّما َي ِْت َي َّن ُك ْم‬
‫للقواعـد االالهية المنظمة للعالقات بين األفراد فقال تعالى " ُق ْل َنا ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ون"‪.2‬‬ ‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم َي ْح َزُن َ‬
‫اي فَال َخ ْو ٌ‬ ‫دى فَ َم ْن تَب َع ُه َد َ‬
‫مني ُه ً‬
‫ومما يسـتأنس به في بيان هذا المعنى ما ورد عن بعم أئمة السلف في شرح قصة ابني أدم‬
‫ق ِإ ْذ قََّرَبا‬ ‫آد َم ِبا ْل َح ِ‬
‫عليـه السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم الواردة في القرآن الكريم في قولـه تعالى َوا ْت ُل َعلَ ْي ِه ْم َن َب َ ْاب َن ْي َ‬
‫اُّ ِم َن ا ْل ُمتَّ ِق َ‬ ‫ال ِإ َّن َم ـا َيتَقََّب ـ ُل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫قُرب ـان ـاً فَتُقُِب ـل ِم ْن أ ِ ِ‬
‫ين‬ ‫َح ـده َم ـا َولَ ْم ُيتَقََّب ـ ْل م َن ا ْ َخ ِر قَ ـ َ‬
‫ال َألَ ْقتُلَن ـ َك قَ ـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اَّ َر َّب ا ْل َعا َل ِم َ‬
‫ين‬ ‫اف َّ‬ ‫ي ِإلَ ْي َك ِألَ ْقتُلَ َك ِإ ِني أَ َخ ُ‬ ‫ِ ٍِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ط َت إلَ َّي َي َد َك لتَ ْقتُلَني َما أََنا ب َباسط َيد َ‬
‫(‪ )22‬لَ ِئ ْن َب َسـ ْ ِ‬
‫ِ‬
‫ين (‪)22‬‬ ‫اء الظَّالِ ِم َ‬ ‫الن ِ ِ‬
‫ار َوَذل َك َج َز ُ‬ ‫اب َّ‬ ‫َصـــــــــ َح ِ‬ ‫َن تَبوء بـِإثْ ِمي ثوِاثْ ِم َك فَتَ ُك َ ِ‬
‫ون م ْن أ ْ‬ ‫َ‬ ‫يـد أ ْ ُ َ‬ ‫(‪ِ )22‬إني أ ُِر ُ‬
‫ث ِفي‬ ‫اُّ ُغ َراباً َي ْب َح ُ‬ ‫ين (‪ )31‬فَ َب َع َث َّ‬ ‫اســــــ ِر َ‬‫يه فَقَتَلَ ُه فَ َصــــــبَ ِم َن ا ْل َخ ِ‬
‫ْ ََ‬
‫َخ ِ‬
‫فَطَ َّوع ْت لَ ُه َن ْفســــــ ُه قَ ْتل أ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫اب فَ َُو ِ‬ ‫ون ِمثْل َه َذا ا ْل ُير ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض لِ ُي ِرَي ُه َك ْي َ‬
‫ف ُي َو ِ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬
‫ار َ‬ ‫َ‬ ‫َن أ َُك َ َ‬ ‫ت أْ‬ ‫َع َج ْز ُ‬‫ال َيا َوْيلَتَى أ َ‬ ‫اري َســـــــــ ْو َءةَ أَخيه قَ َ‬
‫َخي فَ َص ـبَ ِمن َّ ِ‬
‫ين"‪ 3.‬وقد ذكر ابن كثير في تفســيره لهذه القصــة ما يلي ‪ ...‬ذكر‬ ‫الناد ِم َ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫س ـوءةَ أ ِ‬
‫ََْ‬
‫الس ـ ـ ـ ـ ــدي عن ابن عباس وعن ابن مسـ ـ ـ ـ ـ ــعود‪ :‬أنه كان ال يولد آلدم مولود إال ومعه جارية‪ ،‬فكان‬
‫ي وج غالم ه ــذا البطن ج ــاري ــة ه ــذا البطن اآلخر‪ ،‬وي وج ج ــاري ــة ه ــذا البطن غالم ه ــذا البطن‬
‫اآلخر‪ ،‬حتى ولد له ابنان يقال لهما هابيل وقابيل‪ ،‬كان قابيل صاحب رع‪ ،‬وكان هابيل صاحب‬
‫ضـ ـ ـ ــرع‪ ،‬وكان قابيل أكبرهما‪ ،‬وكان له أخت أحسـ ـ ـ ــن من أخت هابيل‪ ،‬وأن هابيل طلب أن ينكح‬
‫أخت قابيل‪ ،‬فأبى عليه‪ ،‬وقال هي أختي ولدت معي‪ ،‬وهي أحســن من أختك‪ ،‬وأنا أح أن أت وج‬
‫وجل أيهما أح بالجارية‪ ،‬قرب هابيل جذعة سـ ـ ـ ـ ـ ــمينة‪ ،‬وقرب‬
‫َّ‬ ‫بها‪ ،‬وأنهما قربا قرباناً إلى اّلل عَّ‬
‫قابيل ح مة سـ ـ ـ ـ ـ ــنبل‪ ،‬فوجد فيها سـ ـ ـ ـ ـ ــنبلة عظيمة ففركها وأكلها‪ ،‬فن لت النار فأكلت قربانا هابيل‪،‬‬
‫من‬ ‫وتركت قربان قابيل‪ ،‬فرض ـ ـ ــب‪ ،‬وقال ألقتلنك حتى ال تنكح أختي‪ ،‬فقال هابيل تإنما يتقبل‬
‫فــالمالحظ أن عالقــة ال واج كــانــت في ذلــك العهــد مقنن ـة ولهــا موانع ممــا يــدل على‬ ‫‪4‬‬
‫المتقين}‪.‬‬
‫وجود قواعد تنظيمية ال بد من احترامها في إبرام عقد ال واج‪.‬‬

‫‪ 1‬اآلية ‪ 01‬من سورة البقرة‪.‬‬


‫اآلية ‪ 08‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اآليات‪ 01 -72‬من سورة المائدة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬لم يد من التفصيل أنظر‪:‬‬


‫‪ -‬ابـن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬دار ابن ح م‪ ،‬ط‪ ،7337 ،1‬الج ائر‪ ،‬ص‪ 100.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثير‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬دار الكتاب الحديي‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪ 17.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫ومن األدلة الدامرة التي تدل على أن اإلنسـ ــان بقي وجوده في األرم محكوما بقواعد قانونية‬
‫ع وجل‪ ،‬ما روى ابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن حبان في ص ـ ــحيحه‪(:‬عن أبي ذر قال‪ :‬قلت يا‬ ‫مس ـ ــتمدة من وحي‬
‫كم الرسل منهم؟‬ ‫كم األنبياء؟ قال‪ :‬مائة ألف وأربعة عشرون ألفا ‪ ،‬قلت يا رسول‬ ‫رسـول‬
‫من كان أولهم قال‪ :‬أدم قلت‪ :‬ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫قال‪ :‬ثالثمائة وثالث عشــر جم غفير قلت‪ :‬يا رســول‬
‫‪1‬‬
‫‪ :‬نبـي مرسل قال‪ :‬نعم خلقه هللا بيدو ثم نفخ فيه من روحه ثم سواو قبال )‪.‬‬ ‫رسول‬

‫سـ ــبحانه وتعالى لم يترك البشـ ــر همل بدون ض ـ ــابط يحتكمون إليه في عالقاتهم‪ ،‬وكان‬ ‫إن‬
‫سـ ـ ـ ــبحانه الرسـ ـ ـ ــل واألنبياء بقواعد إضـ ـ ـ ــافية لتنظيم‬ ‫كلما ت ايد عدد البشـ ـ ـ ــر فو األرم بعي‬
‫العالقات بالمجتمعات التي يبعثون إليها‪ ،‬فكان أسـ ــاس القاعدة القانونية في نشـ ــأتها أسـ ــاسـ ــا دينيا‬
‫منذ بداية حياة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ــان فو األرم‪ .‬لكن واحقاقا للح وتحريا للموضـ ـ ـ ـ ـ ــوعية فان المتفحص‬
‫لتاريخ النظم القانونية لدى الشـعوب القديمة يجد الكثير من القواعد والشرائع البعيدة كل البعد عن‬
‫منهج األنبياء وعن الفطرة السليمة‪ ،‬فكيف تم ابتعاد هذه المجتمعات على الشرائع االالهية وكيف‬
‫تم خر القواعد التي أتى بها األنبياء؟‬

‫ويبدوا تفســي ار منطقيا واجابة مقنعة على التســاؤل المطروح أعاله ما أورده األســتاذان المجذوب‬
‫وعكاشـ ــة عند تحليلهم لظاهرة الص ـ ــبرة الدينية للقاعدة القانونية في الحض ـ ــارات القديمة وابتعادها‬
‫عن منهج األنبياء‪ ،‬حيي اعتب ار أن اهت ا اإليمان لدى الكثير من الجماعات اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانية وهجرة‬
‫بعم القبائل منها إلى مناط نائية أدى بها إلى االبتعاد عن األحكام والقواعد التي كان الرس ـ ــل‬
‫واألنبياء يقررونها‪ ،‬وش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئا فش ـ ـ ـ ـ ـ ــيئا أدى ذلك إلى ظهور قواعد قانونية لدى هذه الجماعات فيها‬
‫شــيء من المســحة الدينية ولكنها في جوهرها مخالفة للقواعد التي أتى بها األنبياء‪ .‬فظهر الشــرك‬
‫وتـأليـه الملوك والرؤسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ووجـد الكهـان وتحولـت القواعـد القـانونيـة إلى وحي اآللهة وارادتها كما‬
‫تصورته هذه الشعوب‪ .‬وهنا صار مصدر القوانين مجموعة مـ ـن التـ ـقاليد الدينية‪ ،‬واعتبرت س ار ال‬
‫يجو االطالع عليــه وبقيــت حك ار على الملوك والحكــام المؤلهين أو رجــال الــدين الــدجــالين‪ ،‬مــا‬
‫أدى إلى الفوضـى وسـيادة مبدأ القوة كأسـاس للعالقات بين الناس وأصبح األمر متروك إلى القوة‬
‫المجردة من أي أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس أخالقي أو تلك المقرونة بمسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحة دينية‪ ،‬وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارت القوة في معظم‬
‫المجتمعات القديمة الوس ـ ـ ــيلة األس ـ ـ ــاس ـ ـ ــية من وس ـ ـ ــائل تنفيذ القواعد القانونية مع س ـ ـ ــيطرة الملوك‬
‫‪2‬‬
‫والكهان على وضع القاعدة القانونية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن كثير‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.18.‬‬


‫‪2‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬طار المجذوب‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.71-73.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ /12‬تكرار التعاليم الدينية يجعلها تتحول إلى تقاليد العرفية‪ :‬بعدما ص ـ ـ ـ ـ ــارت القاعدة القانونية‬
‫سـ ار دينيا يسيطر عليه الكهان ورجال الدين في المجتمعات التي حرفت شرائع األنبياء‪ ،‬ظهر مع‬
‫ال من س ـ ـ ـ ـ ـ ــيطرة الكهان والحكام المؤلهين على وض ـ ـ ـ ـ ـ ــع القواعد القانونية‪ .‬لكن ومع ال من انتقلت‬
‫السـ ــلطة من الحكام المؤلهين ورجال الدين إلى الطبقات الش ـ ـريفة في المجتمع‪ ،‬وبفضـ ــل الص ـ ـراع‬
‫بين رجال الدين والحكام من جهة وبين األش ـ ـ ـ ـراف من جهة أخرى انفصـ ـ ـ ــل الحكم عن السـ ـ ـ ــلطة‬
‫الدينية وحلت األعراف محل التقاليد الدينية‪ ،‬فش ـ ـ ـ ــيئا ش ـ ـ ـ ــيئا ص ـ ـ ـ ــارت القواعد القانونية تتراوح بين‬
‫القواعد الدينية والقواعد العرفية بعدما استقرت نتيجة تطبيقها المتكرر‪ .‬ونتج عن كل هذا سيطرت‬
‫طبقة األشـراف على الســلطة الســياســية واحتكارها للقانون وتفســيره لصــالحها‪ .‬كما صـارت القاعدة‬
‫القانونية قاعدة مدنية وليسـ ــت دينية وصـ ــار الج اء على خرقها ج اء مدنيا ماديا وقد حصـ ــل هذا‬
‫‪1‬‬
‫التطور عبر مراحل منية وفي ظروف تختلف من حضارة إلى أخرى‪.‬‬

‫‪ /13‬تدوين األعراف‪ :‬ظهرت الكتابة عند بعم الش ــعوب كحض ــارة ما بن النهرين أو الحض ــارة‬
‫الفرعونيــة‪ ،‬ممــا جعــل هــذه المجتمعــات تـدونوا أعرافهــا أو أحكــامهــا القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائيــة أو أوامر ملوكهــا‬
‫وحكامها وتنشـ ـ ـ ـ ــره بين الناس‪ .‬وبهذا صـ ـ ـ ـ ــار القانون معروفا بين الناس بعدما كان س ـ ـ ـ ـ ـ ار يحتكر‬
‫معرفته رجال الدين كما اكتســبت هذه المدونات أهمية شــديدة واحترام كبير من قبل الناس‪ ،‬بســبب‬
‫نس ـ ـ ـ ــبتها إلى اآللهة بالنس ـ ـ ـ ــبة إلى الحض ـ ـ ـ ــارات التي بقيت القواعد القانونية فيها مختلطة بالقواعد‬
‫الدينية‪ ،‬أو بسـ ـ ــبب وضـ ـ ــعها من قبل ملوك عظام‪ ،‬أو بسـ ـ ــبب صـ ـ ــدورها نتيجة أحداي سـ ـ ــياسـ ـ ــية‬
‫واقتصـ ــادية واجتماعي هامة كما هو الحال بشـ ــأن األلواح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ 17‬في الحضـ ــارة الرومانية‪ ،‬مع‬
‫اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن هـذه المـدونات احتوت على األعراف والتقاليد التي نظمت عالقات األفراد قبل‬
‫‪2‬‬
‫اكتشاف الكتابة وما جاءت هذه األخيرة إال كاشفة لوجودها‪.‬‬

‫عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬طار المجذوب‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 71.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.70.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫المحور األول‪ :‬تطور النظم القانونية في حضارة ما بين النهرين‬
‫يطل على النظم القــانونيــة التي كــانــت معروفــة بحض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة مــا بين النهرين قص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بــالنظم‬
‫المي وبوتامية‪ .‬وكلمة مي وبوتامي هي كلمة إغريقية مشــتقة من كلمتين مي وس وتعني وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وبوتاموس وتعنـي النهر‪ ،‬كما تسمى أرم ما بين النهرين كذلك بأرم الهالل الخصيـب‪.‬‬

‫إن ما يميـ ـ ـ حضارة وادي الرافدي ـ ــن عن كل الحضارات اإلنساني ـ ــة القديمة هو ما شرعت ـ ــه من‬
‫قوانين‪ ،‬فمـن خالل التنقيبات األثـرية التي تمت في أواخر القرن التاسع عشر وحتى الربع األخيـر‬
‫من القرن العشرين اكتشفت أقدم الشرائع في الحضارة المي وبوتامية‪ .‬وتبين من دراسة هذه اآلثار‬
‫القيمة القانونية لها‪ ،‬ودرجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة النضج والتقدم والتنظيم التي كانت عليها‪ ،‬ما يجعلنا نقبـ ـ ـ ـ ــل على‬
‫دراسة هذه المجموعات القانونية رغم قدم العهد الذي وجدت فيـه‪.‬‬

‫وقــد مرت بــالحضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة المي وبوتــاميـة عــدة دويالت أو إمبراطوريــات في عهود منيــة مختلفــة‪،‬‬
‫اس ـ ــتتبع ظهور كل منها ظهور مجموعات قانونية مختلفة‪ ،‬بس ـ ــبب ارتباط القانون في حض ـ ــارة ما‬
‫بين النهرين بنظ ــام الحكم‪ .‬وأهم ه ــذه اإلمبراطوري ــات اإلمبراطوري ــة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ــاري ــة واإلمبراطوري ــة‬
‫األكادية السومارية والحضارة البابلية‪...‬‬

‫ونحاول التعـ ـ ــرف على النظم القانونية لهـ ـ ــذه الحضارة‪ ،‬من خالل دراسة والمجموعات القانونية‬
‫المشـ ـ ـ ـ ـ ــكلة لها وأسـ ـ ـ ـ ـ ــباب وعوامل ظهورها وتطورها‪ .‬كما نحاول التعرف على بعم مظاهر هذه‬
‫النظم على مستوى نظام الحكـم واألسـرة والعقـوبات‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المجموعات القانونية الميزوبوتامية ك قدم القوانين المكتوبة‬


‫ظهرت أول دولة في حضـ ـ ـ ـ ـ ــارة ما بين النهرين بظهور الدولة السـ ـ ـ ـ ـ ــومارية حوالي‪ 0733‬قبل‬
‫الميالد‪ ،‬ولم يتف العلماء على أصـل السوماريين‪ ،‬غير أنه من المؤكد أنهم أول من سكن جنوب‬
‫المي وبوتامي حيي أسـ ـسـ ـوا مدن أهمها أور ولكش والرس ــا‪ .‬وبعد طوفان س ــيدنا نوح عليه الس ــالم‬
‫تكونت بجانبهم اإلمبراطورية األكادية التي ض ــمت األكاديين‪ ،‬الذين لهم أص ــل س ــامي وقد جاءوا‬
‫من ســوريا وهجموا على الحضــارة الســومارية واســتولوا على الحكم برئاســة ســارغون األكادي وبقوا‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.77.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪11‬‬
‫في الحكم من‪ 7033‬إلى ‪ 7133‬قبــل الميالد‪ ،‬ولكن بعــد ذلــك قــامــت ثورات من مــدن أور ولكش‬
‫‪1‬‬
‫السومارية واسترجعت قوتها‪.‬‬

‫عرفت الدولة السـ ـ ــومارية والدولة السـ ـ ــومارية األكادية أقدم النصـ ـ ــوص القانونية المعروفة لدينا‬
‫إلى حد اآلن‪ ،‬لكن هذه النص ــوص وص ــلت إلينا ناقص ــة ومخربة ج ئيا‪ ،‬بحيي ال يمكن د ارس ــتها‬
‫دراسة كاملة وشاملة‪ ،‬بالرغم من قيمتها التاريخية الكبيرة‪( .‬الفرع األول)‬
‫كما تأس ـ ـ ـسـ ـ ــت اإلمبراطورية البابلية في حضـ ـ ــارة ما بين النهرين حوالي القرن ‪ 73‬قبل الميالد‬
‫واسـتمرت إلى غاية القرن ‪ 17‬قبل الميالد‪ .‬وأصـل البابليون سـامي جاءوا من سـوريا واستقروا في‬
‫بابل‪ .‬حيي تكونت أول أس ـ ـ ـرة حققت الوحدة بفضـ ـ ــل سـ ـ ــادس ملوكها وهو حمورابي الذي انتشـ ـ ــر‬
‫‪2‬‬
‫بقانونية ودام حكمه ‪ 13‬سنة‪.‬‬

‫ويعد أهم أثر قانون تملكه اإلنسـ ــانية حاليا هو قانون حمورابي‪ ،‬الذي يشـ ــكل جوهر أي د ارسـ ــة‬
‫للقانون في العصور القديمة والذي وصل الينا شيه كامل (الفرع الثاني)‬

‫الفرع األول‪ :‬أقدم المجموعات القانونية التي وصلت إلينا غير كاملة‬
‫عرفت حض ـ ــارة ما بين النهرين األكادية أقدم النص ـ ــوص القانونية المعروفة لدينا إلى حد اآلن‬
‫خاص ـ ــة في ظل حكم الدولة الس ـ ــومارية‪ ،‬غير أن هذه النص ـ ــوص وص ـ ــلت إلينا ناقص ـ ــة ومخربة‬
‫ج ئيا‪ ،‬بحيي ال يمكن د ارســتها د ارســة كاملة وشــاملة‪ ،‬بالرغم من قيمتها التاريخية الكبيرة‪ ،‬وتتمثل‬
‫هذه النصوص أساسا في‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إصالحات أوروكاجينيا‬

‫نجد أن أقـدم اإلصالحات المدونة التي وصلت إلينا وجدت في هذه الفترة‪ ،‬وهي تتعل بالحياة‬
‫اليوميــة من جوانبهــا االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديــة واالجتمــاعيــة وقــام بهــا آخر حكــام لجش وهو أوروكــاجينيــا‬
‫(‪ 7032 -7023‬قبل الميالد) من أجل نشر العدل والح تنفيذا لرغبة اآللهة كما ذكر‪.‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.71-70.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا‪ :‬قانون أورنامو‬

‫عرفــت المجموعــات القــانونيــة الموجودة في هــذه الفترة أقــدم نص تش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعي وهو بــالمجموعــة‬
‫الس ـ ـ ــومارية األكادية والمعروف باس ـ ـ ــم قانون أورنامو‪ 1.‬وأورنامو هو مؤس ـ ـ ــس س ـ ـ ــاللة أور الثالثة‬
‫السومارية (‪ 7313-7110‬قبل الميالد)‪ ،‬وتبيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن هذه المجموعة أنها مستوحاة من نماذج أقدم‬
‫منها وهي مكتوبة في لوحة موجودة اآلن بمتحف اسطنبول غير أنها غير كاملة‪.‬‬

‫وشـملت على مواد قانونية تتعل باألحوال الشخصية والر واالعتداء على األشخاص وشهادة‬
‫ال ور والتجاو على األ ارض ـ ــي‪ ،‬كما نجد أن أورنمو قد اعتمد التعويم في القص ـ ــاص كأس ـ ــاس‬
‫في تشريعه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قانون لبت عشتر‬

‫ويلي هذه المجموعة قانون لبت عشـتر خامس ملوك سـاللة أيسن‪ ،‬الذي يضم قانونه أكثر من‬
‫‪ 133‬مــادة تم العثور على ‪ 18‬منهــا فقط مع مقــدمــة وخــاتمــة‪ .‬والمالحظ أن مقــدمــة هــذا القــانون‬
‫شـ ـ ــبيهة من حيي المضـ ـ ــمون واألسـ ـ ــلوب بمقدمة قانون أورنمو‪ ،‬أما الخاتمة فهي شـ ـ ــبيهة بخاتمة‬
‫قانون حمورابي األمر الذي يحتمل أن يكون هذا األخير قد اقتبس ـ ـ ـ ــها منه‪ .‬وقد تض ـ ـ ـ ــمنت مقدمة‬
‫هذا القانون تمجيدا لآللهة وكيفية اختيار لبت عش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتر الراعي الحكيم لنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر العدل في البالد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ويوجد نص القانون محفوظ حاليا بمتحف فيالدلفيا بالواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬قانون أشنونا‬

‫ص ـ ـ ـ ــدر قانون أش ـ ـ ـ ــنونا في نحو عام ‪. 1103‬م‪ ،‬ولم يكتش ـ ـ ـ ــف علماء اآلثار أكثر من إحدى‬
‫وســتين مادة من مواد هذا القانون‪ .‬ويظهر من د ارســة هذه المواد إن مشــرعها كان قد اهتم ببعم‬
‫المســائل االجتماعية مثل وضــع حد أدنى ألجور العمال‪ ،‬وتســعير بعم الســلع‪ ،‬وتقســيم المجتمع‬
‫إلى طبقات‪ .‬وقد وردت في هذا القانون أول إشــارة إلى تقســيم المجتمع العراقي القديم إلى طبقات‬
‫‪3‬‬
‫ثالثة هي طبقة األحرار‪ ،‬وطبقة شكينوم‪ ،‬وطبقة العبيد‪.‬‬

‫ولكن يجب مالحظة أنه توجد نصوص أقدم منه كآثار مجموعة شلقي في مدينة أورور حسب ما يراه بعم الكتاب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.78.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مصطفى فاضل كريم الخفاجي‪ ،‬تاريخ القانون في المجتمعات القديمة (قانون حمورابي) أنموذجاً‪( ،‬مجلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مرك بابل‬ ‫‪3‬‬

‫للدراسات اإلنسـ ـ ــانية)‪ ،‬العدد‪ ،7‬المجلد‪ ،0/‬متوفر على الموقع‪:‬‬


‫(‪www.uobabylon.edu.iq/publications/bchc_edition8/civil8_6.doc )7313-31-03‬‬
‫‪12‬‬
‫ويالحظ أن بعم نصـ ـ ـ ــوص هذا القانون لها مثيل في القوانين السـ ـ ـ ــومرية مثل قانون أورنمو‪،‬‬
‫وقانون لبت عشــتار‪ ،‬وأن شـريعة حمورابي قد اقتبســت بعم هذه النصــوص‪ ،‬وهذا ما دعا بعم‬
‫الفقهاء إلى القول بأن قانون أش ـ ــنونا يعد هم ة الوص ـ ــل بين القوانين الس ـ ــومرية والقوانين الج يرية‬
‫وخاصــة البابلية‪ .‬ويحتوي هذا القانون على مقدمه قصــيرة كتبت بالســومرية وهذه المقدمة ناقصــة‬
‫وتختلف عن مقـدمـات القوانين األخرى بـأنها لم تقتبس منها شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيئاً يذكر ونالت األحكام الج ائية‬
‫النصـيب األكبر من هذه المواد شـأنها في ذلك شـان سائر القوانين في وادي الرافدين ‪ .‬كما عالج‬
‫القانون مس ـ ــائل قانونية متفرقة أهمها تحديد أس ـ ــعار بعم الس ـ ــلع‪ ،‬واإليجار‪ ،‬والقرم‪ ،‬والوديعة‪،‬‬
‫وال واج‪ ،‬والطال ‪ ،‬والتبني‪ ،‬واالعتداء على أموال الرير‪ ،‬واألضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار المتس ـ ـ ـ ـ ـ ــببة عن الحيوانات‬
‫‪1‬‬
‫واألشياء‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬النصوص القانونية التي وصلت إلينا كاملة" قانون حمورابي"‬
‫تأسـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــت اإلمبراطورية البابلية في حض ـ ـ ـ ـ ــارة ما بين النهرين حوالي القرن ‪ 73‬قبل الميالد‬
‫واسـتمرت إلى غاية القرن ‪ 17‬قبل الميالد‪ .‬وأصـل البابليون سـامي جاءوا من سـوريا واستقروا في‬
‫بابل‪ .‬حيي تكونت أول أس ـ ـ ـرة حققت الوحدة بفضـ ـ ــل سـ ـ ــادس ملوكها وهو حمورابي الذي انتشـ ـ ــر‬
‫‪2‬‬
‫بقانونية ودام حكمه ‪ 13‬سنة‪.‬‬

‫إن أهم أثر قانون تملكه اإلنس ـ ـ ــانية حاليا هو قانون حمورابي‪ ،‬الذي يش ـ ـ ــكل جوهر أي د ارس ـ ـ ــة‬
‫للقانون في العصـ ــور القديمة‪ ،‬وقد تم الكشـ ــف عن هذا القانون في أنقام مدينة سـ ــوس اإليرانية‬
‫ســنة ‪1137‬م في شــكل نصــوص منقوشــة على مســلة من حجر الديورايت األســود‪ ،‬وهو محفوظ‬
‫حاليا بمتحف اللوفر بباريس‪ ،‬ويتكون من ‪ 787‬مادة ومقدمة وخاتمة‪.‬‬

‫ويتض ـ ــمن هذا الحجر نحت بار يمثل إاله الش ـ ــمس (ش ـ ــماس) وهو حس ـ ــب عمهم إاله الح‬
‫والعـدل في حـالـة جلوس على العرش وبيـده عصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الحكم وخيط القيـاس الخاص بالبناء وتحديد‬
‫األسعار وهو يسلمها إلى حمورابي أمامه بخشوع‪.‬‬

‫مصطفى فاضل كريم الخفاجي‪ ،‬تاريخ القانون في المجتمعات القديمة (قانون حمورابي) أنموذجاً‪( ،‬مجلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة مرك بابل‬ ‫‪1‬‬

‫للدراسات اإلنسـ ـ ــانية)‪ ،‬العدد‪ ،7‬المجلد‪ ،0/‬متوفر على الموقع‪:‬‬


‫(‪www.uobabylon.edu.iq/publications/bchc_edition8/civil8_6.doc )7313-31-03‬‬
‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪13‬‬
‫أما مقدمة القانون فقد كتبت بأسـ ـ ـ ـ ــلوب أدبي رائع أقرب إلى الشـ ـ ـ ـ ــعر منه إلى النثر اسـ ـ ـ ـ ــتهلها‬
‫حمورابي بذكر اآللهة العظام التي فوضت األمر إلى مردوخ وهو إله مدينة بابل القومي‪ ،‬وجعلت‬
‫مدينته ذات مكانة سـ ـ ـ ــامية ثم دعت حمورابي إلى نشـ ـ ـ ــر العدل في البالد والقضـ ـ ـ ــاء على الشـ ـ ـ ــر‬
‫والخبي فيها‪ ،‬لكي ال يس ـ ــتعبد القوي الض ـ ــعيف‪ ،‬ثم يس ـ ــتعرم حمورابي ألقابه وأعماله العس ـ ــكرية‬
‫والعمرانية‪.‬‬

‫في حين أن الخاتمة لم تكتب بنفس األسلوب الذي كتبت به المقدمة‪ ،‬بل كتبت بأسلوب قريب‬
‫إلى الصـ ـ ــياغة القانونية‪ ،‬ورك ت على شـ ـ ــرعية هذه القوانين ونسـ ـ ــبتها إلى حمورابي وبيان أهدافها‬
‫ومراعاتها وان ال اللعنات على من يحاول تخريبها أو ينسبها إلى نفسه‪.‬‬

‫أما مواد القانون فهي تقسم إلى عدة مجموعات‪ ،‬حيي تضم ‪:‬‬

‫‪ -‬التقاضي‪ :‬و يشمل االتهام الكاذب‪ ،‬شهادة ال ور‪ ،‬تالعب القضاة‪.‬‬

‫‪ -‬األموال‪ :‬حيي نصـت على جرائم األموال المتمثلة في السـرقة وهروب الرقي والســرقة بالعنف‪،‬‬
‫كما نجد أحكام تتعل باألراضي والعقارات والتجارة والعالقات التجارية‪.‬‬

‫‪ -‬األشــــخاص‪ :‬ونجد األحوال الشـ ـ ــخصـ ـ ــية من واج وطال ومهر‪ ،‬وكذا الجرائم ال وجية وال نا‬
‫بـالمحـارم وأحكـام الميراي‪ ،‬كما نجد أحكام تتعل بمسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤولية أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحاب المهن وأجورهم وأجور‬
‫األشخاص والحيوانات ومسؤولية أضرارهم وبيع الرقي ‪.‬‬

‫والمالحظ أن مواد القتــل العمــد والخيــانــة العظمى واختطــاف األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخــاص وبعم قواعــد البيع‬
‫والشـراء لم يتم ذكرها في القانون‪ ،‬ويحتمل أنها قد تمت إ التها بعد سلبها من قبل الملك العيالمي‬
‫شتروك خاخونتي سنة ‪ 1133‬قبل الميالد ونقلها إلى سوسة مع اإلشارة كذلك إلى أن ‪ 33‬حقول‬
‫من المواد القانونية مخربة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مظاهر بعض النظم القانونية الميزوبوتامية‬


‫تعـد عالقـة الحكام بالمحكومين والعالقات األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرية من أهم العالقات التي يناط بالقانون في‬
‫كــل العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور تنظيمهــا‪ ،‬وفرم ج اءات على من يخــالف هــذا التنظيم‪ .‬وبهــذا نجــد أن مظــاهر‬
‫الشرائع تظهر عادة على مستوى نظام الحكم واألسرة والج اءات التي تسمى بالجرائم والعقوبات‪.‬‬

‫ونحــاول أن تعرف على هــذه المظــاهر في حضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة مــا بين النهرين والوقوف على القيمــة‬
‫الحقوقية الفعلية للقواعد القانونية بهذه الحضارة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تنظيم األسرة في قانون حمورابي‬
‫خصص حمورابي حوالي ربع نصوص قانونه لنظام األسرة‪ ،‬فنظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ال واج والتبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــني وقواعد‬
‫‪1‬‬
‫الميراي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الـزواج‬

‫تترك األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة في حضـ ــارة المي وبوتامي على نظام ال واج‪ ،‬وكأصـ ــل من وجة واحدة مع‬
‫اســتثناءات تســمح بالتعدد كحالة مرم ال وجة األولى مرضــا خطي ار أو حالة عدم إنجابها‪ ،‬وذلك‬
‫ألن اإلنجاب عند حمورابي هو غاية ال واج لضمان األسرة وخلود العبـ ـ ـ ـ ــادة‪ .‬غير أننا نالحظ أن‬
‫ال وجة الثانية أقل مرتبة من ال وجة األولى رغم اعتبار أوالدها أوالدا شرعيين‪.‬‬

‫وعرف المجتمع المي وبوتامي موانع ال واج‪ ،‬فال واج بين األصول والفـروع واالبن و وجة األب‪.‬‬
‫كما أن ال واج ال يأخذ بعين االعتبار الطبقة االجتماعية للعروسين حيـي لم يشكل مانعا لل واج‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وكان ال واج في هذا المجتمع يتم وف المراحل التالية‪:‬‬

‫* الخطبــة وهي اتفــا بين الخــاطــب وأوليــاءه وأوليــاء المخطوبــة على ال واج‪ ،‬ويــدفع أثنــاء هــذا‬
‫االتفا مبلغ من المال يسمى البيـبلـو كما سنرى أدناه‪.‬‬

‫* تحرير العقد حس ــب المادة ‪ 178‬فإنه يجب لص ــحة العقد تحريره في س ــند خطي يتض ــمن اس ــم‬
‫ال وجي ـ ـ ـ ـ ـ ــن الكامل ويتم بين ال وج ووالد ال وجة مع الشهود الذين يضعون ختمهم على العقد مما‬
‫يضفي الشرعيـة على ال واج‪ ،‬ويتضمن العقد كذلك تحديـد العقوبات في حالة خيانة أحد ال وجيـن‬
‫لآلخر وتحديد ش ــروط طال محتمل ثم اليمي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‪ ،‬حيي يحلف طرفا العقد أمام الملك أو اآللهة‬
‫على التعهد باحترام هذه الشروط‪.‬‬

‫* من ـ ــح القانون المرآة مجموع ـ ــة م ـ ــن األمـ ـ ـوال بمناسب ـ ــة واجـ ـ ـ ـ ــها‪ ،‬وهذه األموال ه ـ ــي‪ :‬البيبلو‪-‬‬
‫الترهاتو‪ -‬الشركتو‪ -‬النودونو‪.‬‬

‫‪ -0‬البيـــــبلـــــو‪ :‬عبارة عن أموال منقولة تقدم كهدية من الخطيب إلى خطيبته قبل انعقاد ال واج‪،‬‬
‫فإذا لم ينعقد ال واج بســبب الخطيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب أبقتها عندها‪ ،‬أما إذا كانت هي المتســببة في عدم انعقاد‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.37.‬‬ ‫‪1‬‬

‫شـــريعة حمورابي‪ ،‬ترجمة محمود األمين‪ ،‬الطبعة‪ ،1‬شـ ــركة دار الور للنشـ ــر المحدودة‪ ،‬لندن‪ ،7332 ،‬ترجمة المواد ‪-131‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،138-133‬ص‪.12-13.‬‬
‫‪15‬‬
‫وهذا حسـ ـ ـ ـ ــب المواد من قانون‬ ‫‪1‬‬
‫ال واج الت م والدها بإرجاع ضـ ـ ـ ـ ــعف ما قبضـ ـ ـ ـ ــه من الخطيب‪.‬‬
‫حمورابي‪.‬‬

‫‪ -2‬الترهاتـــو‪ :‬عبارة عن هدية رم ية من ال وج لوالد ال وجة كدليل على انعقاد ال واج‪ ،‬ومع هذا‬
‫فإن انعدام الترهاتو ال يبطل العقـ ـ ــد‪ .‬ويمكن أن يقدم الترهاتو من أولياء ال وج إلى ال وجة أو إلى‬
‫أوليائها‪ 2.‬كما يصــير حقا لها في حالة اإلنجاب وال يح لها التصــرف فيه قبل ذلك‪ ،‬حيي يمكن‬
‫أن ترد حالة من الحاالت التي يجب فيها على المرآة رد الترهاتو‪ ،‬وهذه الحاالت هي‪:‬‬

‫‪ -‬عدم إتمام ال واج بسبب والد ال وجة ولكن يجب على هذا األخير رد الضعف‪.‬‬

‫‪ -‬وفاة أحد ال وجين قبل الدخول ووفاة ال وجة دون إنجاب‪.‬‬

‫‪ -3‬الشــــركتو‪ :‬عبارة عن هبة من أب ال وجة البنته‪ ،‬وهي عبارة عن أموال منقولة وعقارية تقوم‬
‫مقام نص ـ ـ ـ ــيب البنت في اإلري‪ 3.‬وال وجة ال يمكنها أن تتص ـ ـ ـ ــرف في هذا المال على حسـ ـ ـ ـ ــاب‬
‫أوالدها‪ ،‬رغم أنه مال خاص بها‪ .‬ويخض ـ ـ ـ ـ ـ ــع الش ـ ـ ـ ـ ـ ــركتو إلى إدارة ال وج‪ ،‬ولكن يرجع ح إدارته‬
‫لل وجة في حالة وفاة ال وج أو طال هذه األخي ـ ـرة‪ .‬كما أن هذا المال تعود ملكيته ألوالد ال وجة‬
‫‪4‬‬
‫فإن لم يكن لها ولد رجع إلى أسرتها األصلية‪.‬‬

‫‪ -4‬النودونو‪ :‬هو هدية من ال وج إلى وجته خالل حياتهما ال وجية‪ ،‬وذلك لمس ـ ـ ـ ـ ـ ــاعدة ال وجة‬
‫في حــالــة وفــاة مفــاج ل وجهــا وتــأمين معيش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة األوالد‪ .‬ويتكون النودونو من أموال عقــاريــة أو‬
‫منقولة ويكون مثب ـ ــتا بالكتابة لضمان ح ال وجة في هذه األموال‪ .‬وال يتصرف فيها إال في حالة‬
‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة ال وج المفاج ‪ ،‬كما أن ال وجة المتوفى عنها وجها عندما تعيد ال واج من جديد يجب‬
‫‪5‬‬
‫عليها أن تترك النودونو لألوالد ال وج األول‪.‬‬

‫لقد عرف المجتمع المي وبوتامي انحالل ال واج والذي كان يتم بطريقتين‪:‬‬

‫‪ -‬االنحالل الطبيــــــــــــــــــعي‪ :‬وذلـك عند وفاة أحد ال وجين‪ ،‬ونذكر أن حمورابي يمنع واج المرآة‬
‫المتوفى عنهــا وجهــا والتي لهــا أطفــال ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرــار إال بــإذن من المحكمــة‪ ،‬وفي حــالــة إعــادة المرآة‬

‫شريعة حمورابي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ترجمة المواد ‪ 121-131‬من قانون حمورابي‪ ،‬ص‪.12-12.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.32.‬‬ ‫‪2‬‬

‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.18.‬‬ ‫‪3‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.32.‬‬ ‫‪4‬‬

‫شريعة حمورابي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ترجمة المواد ‪ 133‬من قانون حمورابي‪ ،‬ص‪13.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪16‬‬
‫ال واج فان لل وج الثاني ح إدارة أموال وجها األول‪ .‬لكن تس ـ ـ ـ ـ ــجل هذه األموال ض ـ ـ ـ ـ ــمن قائمة‬
‫‪1‬‬
‫رسمية من طرف القاضي وال يمكن التصرف فيها ألنها مخصصة لتربية أطفال ال وج األول‪.‬‬

‫‪ -‬االنحالل اإلرادي‪ :‬ويكون ذلك إما بإرادة ال وج أي الطال ‪ ،‬واما بطلب من ال وجة‪:‬‬

‫أ‪-‬االنحـــــــــــالل بإرادة الـــــــــــزوج‪ :‬أي الطال وهوال يخضــع إلجراءات معقدة‪ ،‬ويتم بمجرد رســالة‬
‫تتض ـ ـ ــمن موض ـ ـ ــوع الطال عليها ختم ال وج حس ـ ـ ــب المادة ‪111‬من قانون حمورابي‪ .‬وحس ـ ـ ــب‬
‫المــادتين ‪ 111-118‬من نفس القــانون فــإن ال وجــة المريض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال يمكن لل وج أن يطردهــا من‬
‫بيته ــا‪ ،‬و لكن يكون ل ــه الح في إع ــادة ال واج مرة أخرى‪ .‬أم ــا ال وج ــة المهمل ــة لبيته ــا فيجو‬
‫‪2‬‬
‫ل وجها أن ين لها مرتبة العبيد‪.‬‬

‫ب‪ -‬االنحالل بطلب من الزوجة‪ :‬حسـ ـ ـ ـ ـ ــب المادتين ‪ 117،110‬من قانون حمورابي فإن ال وجة‬
‫ال يمكنهــا أن تترك وجهــا دون س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبــب جــدي واال تعــاقــب بــالموت غرقــا أو تلقى من أعــالي‬
‫الحصون‪ ،‬ولكن إذا أساء ال وج معاملتها كان للقاضي أن يسمح لها بمرادرته‪.‬‬

‫وتجدر اإلش ـ ـ ــارة هنا إلى أن قانون حمورابي عرف كذلك نوعين من انحالل ال واج‪ ،‬وذلك من‬
‫اوية الفـك النهائي للرابطـة ال وجيـة وهما االنحالل الوقتي واالنحـالل الدائم‪ .‬فحسـب المادة ‪100‬‬
‫من قانون حمورابي ف ـ ـ ــإن وجة أسي ـ ـ ــر الحرب التي ل ـ ـ ــيس طعام في بيتها لها أن تت وج من أجل‬
‫ذلــك‪ ،‬فــإن كــان لهــا طعــام فال يمكنهــا ال واج من جــديــد واال اعتبرت انيــة وتعــاقــب بــالرر ‪ .‬أمــا‬
‫المادة ‪ 102‬ف ــإن ال وجة التي تركها وج ــها لكراهيته لبل ــده أو مدينت ــه‪ ،‬لها الح ف ــي ال واج م ــن‬
‫جديد وأن ال تعود ل وجها األول إذا ما عـاد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظام اإلرث‬

‫حسب المواد ‪ 123،128،183‬من قانون حمورابي كان يرجع للذكـ ــور كأصل أما ح اإلناي‬
‫فيه فكان غير ثابت‪.‬‬

‫‪ -‬اإلرث للذكور‪ :‬يرجع للذكور أي األبناء‪ ،‬األحفاد‪ ،‬اإلخوة ألنهم تابعين لشـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ــية األب‬
‫وملت مين بعبادة األســالف‪ .‬غير أن أوالد األمة ال يرثون مع أبناء ال وجة الشــرعية إال إذا تبناهم‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.38.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.18.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪17‬‬
‫والدهم‪ .‬وتمنع النصــوص القانونية حرمان األوالد الذكور من اإلري وعند عدم وجود األوالد تنتقل‬
‫‪1‬‬
‫التركة إلى أخ المتوفي‪.‬‬

‫‪ -‬حق اإلناث في اإلرث‪ :‬كان هـ ـ ـ ـ ــذا الح غيـ ـ ـ ـ ــر ثابت‪ ،‬فالبنت كانت محرومة من اإلري ألنها‬
‫تأخذ الشركتو بمناسبة واجها كما عرفــنا سابـقا كبديـل عنـه‪ .‬لكن ربما كان للبنت حـ في اإلري‬
‫ف ــي حالة عدم وجود األوالد الذكور‪ ،‬كما أن الكاهنة له ــا الح في ميراي أبها‪ ،‬ولكنها ال تكتسب‬
‫إال ح االنتفاع بهذه األموال وترجع هذه األخيرة إلى أسرتها عند وفاتها‪.‬‬

‫كمـا أن األرملـة ال تري وجهـا‪ ،‬بـل أنـه ال يمكنهـا البقـاء في بيـت ال وجيـة‪ ،‬والعيش م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــركتو والنودونو‪ .‬لكن في حـالـة عـدم وجود النودونو تعطي المـادة ‪ 127‬من قانون حمورابي‬
‫‪2‬‬
‫لألرملة الح اإلري بما يعادل نصيب أحد األبناء‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نــظام التبـني‬

‫أنش نظام التبني ليح ــل االب ــن من التبن ــي م ــحل االب ــن الحقيق ــي في حال ــة الحرمان من هـ ــذا‬
‫األخيـر‪ ،‬ولكن ومع ذلك قـد يصدر التبني من أشخاص لديهم أطفال‪.‬‬

‫ويتم بموجب عقد يدعى عقد التبني الذي يجب أن يتضــمن رضــا أس ـرة الطفل وأس ـرة المتبني‪،‬‬
‫أو رضا الطف ــل المراد تبنيه إذا لم تكن لهذا األخير عائلة‪ .‬ويرتب هذا العق ــد مجموع ــة من اآلثار‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫* بعد كتاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العقد يس ــلم الطفل فعليا وينتقل إلى س ــلطة المتبني ورعايته وينفصـ ـل عن عائلته‬
‫‪3‬‬
‫األصلية ويفقد حقه في اإلري فيـها‪.‬‬

‫* ال يمكن لألبوين األصليي ـ ــن للطفل إعادة النظر في العقد إال إذا أخذ الطفل بالقوة أو في حالة‬
‫عدم معاملته معاملة االبن الش ـ ـ ـ ـ ـ ــرعي داخل أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرته الجديدة‪ ،‬أولم يقم أبوه من التبني بتربيته أو‬
‫تعليمه الحرفة التي يحترفها‪.‬‬

‫* يترتب علـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى نكران أحد الطرفين للعقد ج اءات صـ ـ ــارمة‪ ،‬حيي إذا أنكره األب المتبني فإن‬
‫ج اءه يكون حسب شروط العقد‪ .‬ونجد في بعم العقود يقضي بحرمانه من البيـت واألموال‪.‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.62.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪18‬‬
‫أما إذا أنكره الطفل المتبنى‪ ،‬فينكر أمه وأبيه من التبني فإن حمورابي يقرر قطع لســانه أو فقع‬
‫عينه أو إن اله من لة العبيد‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظام الجرائم والعقوبات‬


‫يتميـ ـ ـ ـ قانون حمورابي بعدم شخصية العقوبة وبالصرامة والقس ـ ـ ــوة وبعدم المساواة في تطبيـ ـ ـ ـ‬
‫العقوبـات‪ ،‬حيي تختلف العقوبة على الجريمة نفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها بالنظر إلى مرتكبها ومكانته االجتماعية‪.‬‬
‫وقد عرف قانون حمورابي الجرائم والعقوبات التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الجـرائم ضـد األشـخاص‬

‫يعد قانون حمورابي من بين الش ـ ـرائع التي قررت مبدأ القصـ ــاص على جرائم األشـ ــخاص‪ ،‬كما‬
‫فر حمورابي بين جرائم العمدية وغير العمدية‪.‬‬

‫‪ - 10‬القتل أو المســـاس بعضـــو من األعضـــاء‪ :‬حسـ ــب المواد من ‪ 112‬إلى ‪ 733‬من قانون‬
‫حمورابي فإن العقوبة المرص ـ ــودة لهذه الجريمة تختلف بالنظر إلى الوض ـ ــعية االجتماعية للمجني‬
‫عليه‪.‬‬

‫فإذا كان ح ار وارتكب عليه الفعل عمدا وأدى إلى موته‪ ،‬فالقصـ ـ ـ ـ ـ ــاص هو الج اء‪ .‬أما إذا كان‬
‫الفعل خطأ فالدية تحل محل القصاص‪ ،‬ونفس الحكم يطب على فقع العين وكسر السن‪ .‬أما إذا‬
‫كان المجني عليه عبدا فإن الجاني ال يلت م إال بتعويم قيمته أو قيمة ما نقص من ـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬و نشير‬
‫إلى أن قيمة العبد هي نصف قيمة المشكنو‪.‬‬

‫‪ - 12‬الجرح والضــــرب‪ :‬بالنس ـ ــبة لهذا الجريمة تختلف العقوبة بالنظر إلى الفاعل فإذا كان ح ار‬
‫عوقب على فعله العمد بالررامة‪ ،‬ودفع نفقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات العـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالج فقط إذا كان فعله خطأ‪ .‬وأما إذا كان‬
‫الفاعل عبدا فيعاقب في كل األحوال بقطع أذنه‪.‬‬

‫ويشـ ـ ــير قانون حمورابي إلى مسـ ـ ــألة ضـ ـ ــرب المرآة الحامل‪ ،‬ويفر بين الحرة واألمة‪ .‬فض ـ ـ ـرب‬
‫المرآة الحرة الحامل المؤدي إلى إس ـ ـ ـ ــقاط الحمل تجب فيه الر ارمة‪ ،‬فإذا أدى الض ـ ـ ـ ــرب إلى موت‬
‫المرآة فعقوبة الضارب هي قتل ابنته‪.‬‬

‫أما ض ـ ــرب األمة الحامل فال يفر فيه بين التس ـ ــبب في إس ـ ــقاط الجنين فقط‪ ،‬أو التس ـ ــبب في‬
‫موتها كذلـك‪ ،‬فيعاقب الفاعل في الحالتين بالررامة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجـرائـم ضـد األمـوال‬

‫رص ـ ـ ــدت المادة ‪ 07‬والمادة ‪ 131‬من قانون حمورابي عقوبة اإلعدام للس ـ ـ ــار وقاطع الطري‬
‫والمطفف في الكيل والمي ان‪ 1.‬كما لم يفر حمورابي بين المســؤولية المدنية والمســؤولية الجنائية‪،‬‬
‫وهـذا يطبـ علـى البناء والطبيب‪.‬‬

‫فالبناء يعاقب بالموت إذا سق ـ ــط البن ـ ــاء فقت ـ ــل صاح ـ ــب المنـ ـ ـ ل‪ ،‬وتقتل ابنة أو ابن البن ـ ــاء إذا‬
‫سقط البناء علـ ــى ابن أو ابنة صاحب البيت وأدى إلى وفاة أحداهما ويدفع البنـ ــاء تعويضات عن‬
‫قيمة العبد أو األمة إذا سـ ـ ـ ـ ـ ــقط على أحدهما‪ ،‬وقيمته ما تلف من حاجيات صـ ـ ـ ـ ـ ــاحب البيت عند‬
‫سقوطه‪.‬‬

‫أما الطبيب فإن إهماله الذي يؤدي إلى تلف عضـ ــو المريم أو موته‪ ،‬يؤدي إلى قط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع يد‬
‫‪2‬‬
‫الطبيب إذا كان المريم ح ار أو تعويم قيمة العبد أو ما نقص منه‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عوامل تطور القانون في حضارة ما بين النهرين‬


‫ارتبطت الش ـ ـ ـ ـ ـ ـرائع المدونة في حضـ ـ ـ ـ ـ ــارة ما بين النهرين بأنظمة الحكم‪ ،‬فتحددت المجموعات‬
‫القانونية وارتبطت باإلمبراطورات المختلفة‪ ،‬بحيي عكسـ ــت مش ـ ــاريع وطموحات ملوكها وحكامها‪.‬‬
‫كما جاءت هذه المجموعات كنتيجة لعدة عوامل اجتماعية واقتصادية وعقائدية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ارتباط القانون بنظام الحكم‬


‫ارتبط القانون في بالد ما بين النهرين أس ــاس ــا بنظام الحكم وارادة الملوك في تجس ــيد س ــلطتهم‬
‫في قواعد قانونية يخضـ ــع لها المجتمع‪ ،‬وسـ ــاعدهم في ذلك ظهور الكتابة‪ ،‬والوضـ ــع االقتص ـ ـادي‬
‫واالجتماعي والديني الذي كان سائدا آنذاك‪.‬‬

‫وقد عرفت الحضـارة المي وبوتامية عدة أنواع من الحكم‪ ،‬حسـب الشعوب التي تعاقبت في هذه‬
‫الحضارة‪ .‬غير أن أهم هذه األنظم ـ ـ ـ ــة تتم ـ ـ ـ ــثل في الحكم الديني الذي ساد في األسرة البابليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫األولى‪ ،‬حيي و ع الحكم في هذه الفترة بين الملك والكهان واألسـياد سـياسيا واداريا وقضائيا وهذا‬
‫‪3‬‬
‫على الشكل التالي‪.‬‬

‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.71.‬‬ ‫‪1‬‬

‫شريعة حمورابي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ترجمة المادتين ‪ 711-718‬من قانون حمورابي‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫أوال‪ :‬سياسيـا‬

‫كان الملك عند البابليين واآلشـ ـ ــوريين هو حاكم المدينة الذي يحمي الضـ ـ ــعفاء وينشـ ـ ــر العدالة‬
‫وهو منـدوب إلـه المـدينة وممثل لشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعبه أمامه‪ .‬أما سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلطاته فإنها يجب أن تقف عند الحقو‬
‫الممنوحة لألس ــياد إداريا وقض ــائيا وهي محددة كذلك بالس ــلطات الممنوحة لرجال الدين‪ ،‬حيي أن‬
‫للكهان تأثي ـ ــر كبي ـ ــر في تعييـ ـ ـ ـ ــن واسقاط الملك‪ ،‬على اعتبارهم المكلفين بتقديم الطلب إلى اآللهة‬
‫لكي تضفي الشرعي ـ ــة على الملك وبواسطتهم طبعا تجيب اآلله ـ ــة‪ ،‬وبعد الرد االيجابي من طرفها‬
‫تتـم موافقة الجنود ويؤخذ اليمين منهم ثم يتم التنصيب‪.‬‬

‫وبهـذا ومن خالل هـذه اإلجراءات واألالعيب يتمتع الكهان بإمكانية اإلطاحة بالملك من خالل‬
‫‪1‬‬
‫خلع الصفة الشرعية عليه‪ ،‬رغم اعتبار الملكية وراثية في هذه الحضارة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إداريـا‬

‫كان للملك موظفين مرك يين ومحليين‪ ،‬كما أن إدارة األمالك والمعابد كانت من ص ـ ـ ـ ـ ـ ــالحيات‬
‫الملك والكهان و على هذا نجد التنظيم اإلداري التالي‪:‬‬

‫‪ -10‬اإلدارة العامــــــــــــــة‪ :‬وجد نوعين من اإلدارة في عهد حمورابي‪ ،‬إدارة مرك ية ي أرس ـ ـ ــها الملك‬
‫ويســاعده عدد من الموظفين يشــرف عليهم الو ير األول إيــــــــــســاكو" وهم يقومون بجمع األخبار‬
‫‪2‬‬
‫والضرائب وتنفيذ التعليمات‪.‬‬

‫أمـا اإلدارة المحلية فقد توالها حكام األقاليم تحت رقابة الملك‪ ،‬و يقوم هؤالء بدفع الض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ارئب‬
‫إلى الموظفي ــن المرك ي ــين‪ .‬ومن أجل منع حكام األقاليم من التعسف في ح رعاياهم أنش نظام‬
‫التفت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيش‪ ،‬حيي بأمر من الملك يمر المفتشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون باستمرار باألقاليم للتحق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ من شكاوى‬
‫‪3‬‬
‫المتضررين‪.‬‬

‫‪ -12‬إدارة األمالك والمعابد‪ :‬في البداي ـ ـ ـ ــة كان التصور السائد في هذه الحضارة بشأن األراضي‬
‫ينصرف إلى اعتبار أن المالك الوحيد لها هو المعبد باسم اإلل ـ ـ ــه ودور رجال الدين هو توجيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬
‫العمل واإلنتاج حسـ ـ ـ ـ ـ ــب احتياجات المجتمع‪ ،‬أما الملك فهو مجرد محافظ على إدارة األ ارضـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫المعهودة إليه وال يتصـ ـ ــرف فيها كمالك‪ .‬غير أنه بعد أن صـ ـ ــار رجال الدين يهتمون باحتياجاتهم‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫الخاص ـ ــة مع ض ـ ــمانهم ممارس ـ ــة بعم األعمال الخيرية‪ ،‬ترير التص ـ ــور األول حيي وجد التمي‬
‫بين األمالك العامة واألمالك الخاصـ ــة وصـ ــارت هذه األخيرة ملكا لصـ ــاحبها يتصـ ــرف فيها كما‬
‫يتصـ ـ ـ ــرف المالك الشـ ـ ـ ــرعي‪ .‬أما األمالك العامة فال يمكن التصـ ـ ـ ــرف فيها وانما يجب ح ارسـ ـ ـ ــتها‬
‫وص ـ ــيانت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها ومثالها المعابد‪ .‬ونش ـ ــير إلى أن الملك كان يطلب تقديم حس ـ ــابات على المنتجات‬
‫‪1‬‬
‫المحصلة كما كان يحرص على وضعية أغنامه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قضائيــا‬

‫تولى الكهان والملك واألعيان القضــاء‪ ،‬حيي و ع بين الكهان واألعيان في عهد حمورابي‪ ،‬أما‬
‫الملك فبقي القاضي األعلى مع حقــه في تفويم القضاء للحكام أو االحتفاظ به‪.‬‬

‫‪10‬ـ ـ قضاء الكهان واألعيان‪ :‬كان الكهان ينظرون جمي ــع المسائل خاصة الديني ــة المتعلق ــة به ــم‬
‫وبأموالهـ ـ ــم ويتم ذلك في المعبد‪ .‬وقـ ـ ــد عمل حمورابي على التـ ـ ــقليل مـ ـ ــن دورهم‪ ،‬بحيي اختصرت‬
‫سلطات ــهم القضائيـ ـ ــة في تلقي اليميـ ـ ــن الموجه ــة من القاضي المدني لطرف ــي الدعوى أو الشهود‪.‬‬
‫لكن بعد انقضـ ـ ــاء حكم حمورابي عاد وظهر قضـ ـ ــاء الكهان من جديد بصـ ـ ــفتهم أعوان القضـ ـ ــاء‬
‫الملكي‪ .‬أما القضاة المدني ــون فقد ظهروا قب ــل حمورابي وانتشروا في عه ــده‪ ،‬و صاروا هم األصل‬
‫‪2‬‬
‫في تلقـي الدعاوى القضائيــة والمفوضيـن مـن طرف الملك لتولي مهمــة القضاء‪.‬‬

‫‪12‬ـ القضاء المفوض والقضاء المعلق‪ :‬كان الملك يفوم القضاء للسلطات التاليــة‪:‬‬

‫‪ -‬للوالي الذي يعتبر الموظف األساسي في المدينة ويفوم قضائيا في مسائل النظام العام‪.‬‬
‫‪ -‬حاكم المدينة ويقوم بالقضاء فيما يخص قطع الطري ـ ‪.‬‬
‫‪ -‬المجالس القضائية التابعة للملك وكان يترأسها إما الوالي أو حاكم المدينـة‪.‬‬
‫‪ -‬قضاة المقاطعات فقد وجدت محاكم في المدن الهامة يعين الملك أمام شهود قضاتها‪ ،‬ولهؤالء‬
‫صالحيات قضائية يساعدهم في القيام بها جن ـ ــدي القاضي‪ ،‬وهو شرط ـ ــي تحت تصرف القاضي‬
‫وابن س ــلة اللوائح وهو كذلك موظف مكلف بحفظ األحكام المكتوبة على لوائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح كانت توضـ ــح‬
‫داخل السـ ــلة‪ ،‬كما كانت لهؤالء صـ ــالحيات إدارية تتمثل خاصـ ــة في إدارة األموال الملكية وأموال‬
‫المدينة‪ 3.‬أمـ ـ ــا الملك فكان يحتفـ ـ ــظ في بعم القضايا و الن اعات بالقضاء وهذا هـ ـ ــو ما يعـ ـ ــرف‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.10.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪22‬‬
‫بالقضاء المعلق كاحتفاظه بالنظر في قضايا المعاملة السيئة للرعايا من قبل السلطـ ــة القضائيـ ــة‬
‫أو امتنــاعهــا عن الحكم‪ .‬كمــا تعــد المحكمــة الملكيــة محكمــة اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتثنــائيــة وهي مكونــة من الملــك‬
‫وبعم القضاة‪ ،‬وتصدر األحكام بحضور شهود تكتـ ـ ــب أسماؤهـ ـ ــم بجانب اسـ ـ ــم القاضي ضمـ ـ ــن‬
‫المحاضر‪ ،‬ونشير هنا إلى أن حمورابي قد منع بموجب المادة ‪ 33‬من قانونه القاضي من تريي ــر‬
‫حكم ــه المقضي فيه واال تعرم لر ارم ـ ــة مالي ـ ــة والع ل‪ ،‬وتص ــدر ق اررات الع ل هذه عن المجالس‬
‫‪1‬‬
‫القضائيـة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬العوامل االجتماعية واالقتصادية‬
‫كـان التنظيم االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي في بالد مـا بين النهرين متطورا‪ ،‬على اعتبار أن هذه الحض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـارة‬
‫‪2‬‬
‫مفتوحة على الخارج‪ ،‬وكذا بسبب اهتمام الملوك بال راعة والصناعة والتجارة‪.‬‬

‫‪ -‬الزراعة‪ :‬احتلت ال راعة المرتبة األولى في كل عصور هذه الحضارة‪ ،‬بسبب خصوبة األرم‬
‫باســتثناء عصــر اآلشــوريين الذين اهتموا أكثر بالحرب واألســلحة‪ ،‬والدليل على تطور ال راعة في‬
‫هذه الحضــارة التســجيل المبكر لمســاحة األ ارضــي وترير الملكية وانشــاء مكاتب الد ارســات لتنظيم‬
‫عمليات الســقي والقنوات وتأجير الملكية‪ .‬وقد اهتم حمورابي بعقود تأجير األ ارضــي وكيفية تســديد‬
‫الفالحين لديونهم وأجورهم وتنظيم الحدائ وتربية المواش ــي‪ ،‬وتكفي اإلش ــارة إلى أن أول محراي‬
‫‪3‬‬
‫لإلنسانية ظهر في هذه الحضارة‪.‬‬

‫‪ -‬الصـــــناعة والتجارة‪ :‬عرف الس ـ ـ ــوماريون والبابليون النس ـ ـ ــيج والص ـ ـ ــناعة والطر والفخار‪ ،‬أما‬
‫اآلشـوريون فقد اهتموا بالعمران واستخراج األسلحة والمعادن وال جاج واألثاي المن لي‪ ،‬كما برعت‬
‫هــذه الحض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة في العمــل الحرفي‪ ،‬ممــا أدى بحمورابي إلى محــاولــة تنظيمــه حيــي ذكر أنواع‬
‫‪4‬‬
‫الحرفيين كالبناءين والخياطين وصناع األجور‪.‬‬

‫أما التجارة فقد نش ــأت من نقص المواد األولية في البالد حيي اس ــتوردت هذه الحض ــارة العاج‬
‫والجوهر من الهند والذهب من مصـ ـ ــر والنحاس من قبرص وآسـ ـ ــيا الصـ ـ ــررى والق دير م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن‬
‫القوقا ‪ ،‬وصـ ـ ـ ــدرت األقمشـ ـ ـ ــة كمنتجات مصـ ـ ـ ــنعة‪ .‬وبهذا بلرت التجارة الذروة عند البابليين حيي‬
‫كــانــت بــابــل مرك الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر والررب‪ ،‬ممــا أدى إلى الحــاجــة إلى تنظيم النقــل فوجــدت السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفن‬

‫شريعة حمورابي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ترجمة المادة ‪ 33‬من قانون حمورابي‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.01.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.00-07.‬‬ ‫‪3‬‬

‫شريعة حمورابي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ترجمة المادة ‪ 721‬من قانون حمورابي‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪23‬‬
‫والحيوانــات‪ ،‬القــافالت‪ ،‬وظهرت النقود حيــي ظهر أول نظــام مــالي بنكي وقرر حمورابي ثنــائيــة‬
‫النقود‪ ،‬بحيي ق ـ ـ ـ ــنن العادات السابقة التي تعتبر الشعير محال للتبادل ونظم النقـ ـ ـ ـ ــود المعدنيـ ـ ـ ـ ــة‬
‫النحاس‪ ،‬الفض ــة‪ ،‬الذهب وكان س ــبب اس ــتعمال المعادن هو اتس ــاع التجارة مع الش ــعوب البعيدة‬
‫‪1‬‬
‫مما خل الحاجة إلى توفير نقود أقل حجما وذات قيمة وال تتأثر بالفصول‪.‬‬

‫لقــد كــان لهــذا التنظيم تــأثير كبير على ظهور التنظيمــات والوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائــل القــانونيــة‪ ،‬فمثال تقررت‬
‫حماية التجارة والحرفيين وتنظيم القروم بفائدة وعقود البيع واإليجار وعالقات الدائن والمدين‪.‬‬

‫أمـا من النـاحيـة االجتمـاعيـة فقـد كـان المجتمع المي وبوتـامي مجتمعـا طبقيا‪ ،‬وهذا األمر كان‬
‫له أثر في القانون خاصـ ــة على مسـ ــتوى العقوبات المقررة التي تختلف من طبقة إلى أخرى و قد‬
‫عرفت هذه الحضارة الطبقات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬طبقة عليا مكونة من موظفي القصر الملكي والكتاب والكهان وكانت لهم امتيا ات كبيرة‪.‬‬

‫‪ -‬طبقة األحرار "األولو" وهم التجار والحرفيين ومالك األرم‪ .‬ويتمتعون بشـ ـ ــخصـ ـ ــية تامة فلهم‬
‫الح في الملكية وتكوين أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة والمســاهمة في الحياة العامة‪ ،‬ولكن عليهم احترام القواعد التي‬
‫يضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعهــا الملــك والكهــان والموظفين‪ ،‬كمــا كــانــت المرأة من هــذه الطبقــة تتمتع بــاألهليــة القــانونيــة‬
‫مت وجة كانت أم ال‪ ،‬فلها ممارســة التجارة والصــناعة والوظائف العامة وابرام عقود التص ــرف في‬
‫أموالها ولها الح في رفع الدعاوى أمام القضاء وقبول شهادتها‪.‬‬

‫‪ -‬طبقــة المســـــــــاكين "المشـــــــــكنو" وهي طبقــة بين األحرار والعبيــد وتتكون من العبيــد المعتقين‬
‫واألحرار المسـ ـ ـ ـ ـ ــقطين واألجانب‪ ،‬وكان لهم الح في تكوين األس ـ ـ ـ ـ ـ ـرة وكسـ ـ ـ ـ ـ ــب األموال المنقولة‬
‫والعقارية‪ .‬ولكنهم يخضـ ـ ـ ــعون لعقوبات أقسـ ـ ـ ــى من العقوبات التي يخضـ ـ ـ ــع لها األحرار في حالة‬
‫‪2‬‬
‫ارتكاب نفس الجريمة‪.‬‬

‫‪ -‬طبقـة الرقيق " الواردو" وتتكون هذه الطبقة من العبيد‪ ،‬وهم األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخاص الذين يقبم عليهم‬
‫كأسرى في الحرب‪ ،‬وكذا األبناء الذين يباعون من أبي ــهم لفقـ ـره أو يرهنون من قبله‪ ،‬ولرب األسرة‬
‫أن يرهن وجته كذلك ولكن ال يتجاو هذا الرهن مدة ‪ 30‬سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنوات‪ .‬كما يدخل في هذه الطبقة‬
‫كذلك أوالد األمة واألشـ ـ ــخاص الذين يرتكبون بعم الجرائم كجريمة البالغ الكاذب وانكار الطفل‬
‫المتبنى ألبيــه من التبني‪ .‬أمــا عن حقو أفراد هــذه الطبقــة‪ ،‬فقــد تمتع العبيــد بــالح في تكوين‬
‫ُ‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.01.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.03.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪24‬‬
‫األسـرة وال واج حتى من الحرة والتمثيل أمام القضـاء والبيع والشـراء واإليداع بشـرط حضور شهود‬
‫والتحرير الكتابي‪ .‬ويفترم وجود العبيد وجود آليات اجتماعية مقنـ ـ ـ ـ ــنة بموجب قوانين للعت وفي‬
‫هذا الصدد نجد أن حمورابي وضع ‪ 30‬حاالت للعت ‪:‬‬

‫‪ -‬يعت أوالد األمة عند وفاة أبوهم الحر‪.‬‬


‫‪ -‬مضي ‪ 30‬سنوات من رهن ال وجـة واألوالد من قبل المدين المعسر‪.‬‬
‫‪ -‬رجوع العبد البابلي إلى بابل إذا اشتراه الرير عند هجرته‪.‬‬
‫وخارج هذه الحاالت فإن للسيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد الح في عت عبده رفقا به أو عند وفاء هذا األخير بمبلغ‬
‫‪1‬‬
‫حريته‪ ،‬ويتم العت أمام المحكمة مع احتفال ديني للتطهير‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬العامل العقائدي‬
‫كان تأثير الديانة على القانون في حض ــارة ما بين النهرين بار ا بدرجة كبيرة‪ ،‬حيي أن س ــكان‬
‫هذه الحضـ ـ ـ ـ ـ ــارة كانوا يعتقدون أن اآللهة هي مصـ ـ ـ ـ ـ ــدر جميع القوانين‪ ،‬وهي التي أوحت بها إلى‬
‫الملوك‪ .‬وبهـذا االعتقـاد فـإن االلت ام بهـا وتنفيـذهــا واحترامهــا يعــد من الواجبــات الــدينيـة التي يجــب‬
‫على األفراد احترامها‪ .‬وقد وصـ ـ ــل بهم األمر إلى عدم االعتراف بأي معامل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من المعامالت‬
‫اليومية إال إذا كانت مثبت ـ ــة تحري ار وموثق ـ ــة قانونيا‪ .‬وكان الملوك يتفاخرون في إصدارهم للقوانين‬
‫باعتبارها تنفيذا لرغبة اآللهــة وبهدف نشر العدل والح ‪.‬‬

‫أما المظهر الديني في هذه الحض ـ ـ ـ ــارة فنجده في المعابد ال قورة التي كانت غنية جدا‪ ،‬حيي‬
‫تتلقى يوميا الهبات والتض ــحيات وت ود من الملوك‪ .‬وقد س ــمحت لها هذه الوض ــعية من مس ــاعدة‬
‫المحتاجين ومنح قروم بأسعار فائدة مناسب ــة وتسبي ــقات دون فائدة خاصة في فترات المجاع ــة‪.‬‬
‫وقد أحيطت هذه المعابد بحماية قانونية قوية‪ ،‬ذلك أن سـ ــار أموال المعابد يعدم أو تفرم عليه‬
‫غرامات ثقيلة‪ ،‬كما أن الملك الذي يعتبر مندوب عن اآللهة عليه واجبات شـ ـ ــعائرية كاالحتفاالت‬
‫‪2‬‬
‫وبناء وترميم هذه المعابد وادارتها وتعيين الكهان‪.‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.02-02.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01-08.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬القيمة الحقوقية للقوانين التي عرفتها حضارة ما بين النهرين‬
‫بعـ ــد دراستنا للنظم القانونية التي عرفتها حضارة ما بين النهرين يمكننا أن نستخلص الممي ات‬
‫والخصائص التالية التي تمتا بها‪:‬‬

‫* أن هذه النظم هي أقدم القوانين المعروفة في العالم حتى يومنا هذا‪.‬‬

‫* أن الص ـ ـ ـ ــيرة القانونية لهذه القوانين لم تعتمد على مبدأ العمومية في معالجة المواضـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬
‫القـانونيـة‪ ،‬وانمـا اتجهـت إلى معـالجـة قض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـايـا معينة وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعت لها أحكاما دقيقة‪ ،‬وهذا ما يثير‬
‫االعتقـاد بـأن هـذه المجموعة من القوانين ما هي إال عبارة عن قضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايا معينة كانت المحاكم قد‬
‫نظرتها‪ ،‬ثم ُنظمت ودونت على هيئة قانون‪.‬‬

‫* وضـ ـ ـ ـ ـ ــعت هذه القوانين رغم قدمها بعم المبادل القانونية المتطورة والتي ال ت ال معظم دول‬
‫العالم تأخذ بها في تشريعاتها فمثال نذكر‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لقد تمت اإلش ــارة إلى هذه الشـ ـريعة حمورابي كأول مثال لمفهوم قانوني يش ــير إلى أن بعم‬
‫القوانين ضـرورية وأسـاسية حتى أنها تتخطى قدرة الملوك على ترييرها‪ .‬وبنقش هذه القوانين على‬
‫الحجر فإنها تص ـ ـ ــبح دائمة‪ ،‬وبهذا يحيى المفهوم الذي تم تكريس ـ ـ ــه في األنظمة القانونية الحديثة‬
‫وأعطت المصطلح منقوش على الحجر ماهيته في األنظمة الحالية‪ ،‬لقد خل البابليين الشريعة‪.‬‬
‫ـ مبدأ القصاص والتعويم المجني عليه الذي أصابه الضرر مع تناسب هذا التعويم مع قيمة‬
‫الضرر الحاصل‪.‬‬
‫ـ ـ مبدأ القوة القاهرة أو الحوادي الطارئة فقد تقرر أن وقـ ــوع أمـ ــر غيـ ــر متوقع يجعل تنفيذ االلت ام‬
‫مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتحيــل‪ ،‬يؤدي إلى إعفــاء الملت م من تنفيــذ الت امــه‪ .‬وهو ال ي ال معمول بــه حتى اآلن في‬
‫التشريعات الحديثة ومنها القانون الج ائري‪.‬‬
‫ـ ـ ـ مبدأ عدم جوا التعسف في استعمال الحـ ـ ـ ‪ ،‬أي بمعنى عدم تجاو الحد عند استعمال الح‬
‫بما قد يرتب ضرر للريـر‪.‬‬
‫ـ التفريـ بيـن العمد والخطأ أو ما يسمى بمبدأ القصد الجنائي‪.‬‬
‫* لقد وردت في المجموعات القانونية المي وبوتامية وخاصـ ـ ــة مجموعة حمورابي عقوبات قاسـ ـ ــية‬
‫ج ـ ـ ــدا‪ ،‬كما كانت بدائية جدا من ناحية عدم تفريقها بين المسؤولية المدنية والجنائي ـ ـ ــة وعدم األخذ‬
‫بمبدأ ش ــخص ــية العقوبة والتفري في إن ال العقوبة على ارتكاب الجريمة الواحدة بي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الطبقات‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬النظـــم القانونيـــة الرومانيــــة‬
‫يعتبـ ــر المؤرخون والقانـ ــونيين القانون الروماني خيـ ــر مـ ــا أثمرتـ ــه عقـ ــول الرومـ ــان بفضـ ــل دقـ ــة‬
‫صناعت ــه وانضب ــاط أحكام ــه‪ .‬ويع ــد القانون الروماني األصل التاريخي للقواني ــن الالتينية الحديث ــة‬
‫الت ــي غالب ــا م ــا تأث ــرت به ــا التشريع ــات العربي ــة‪ ،‬ومنها الج ائر األمر الذي يحتم علينا دراسة هذا‬
‫القانون ومراحل تطوره وكذا تقنيناته المختلفة‪ .‬ويحتم علينا هذا األمر د ارسـ ــة هذا القانون ومراحل‬
‫تطوره (المبحث األول) ثم التعرف على أهم أحكامه التي نظم بها المجتمع (المبحث الثاني)‬

‫المبحث األول‪ :‬ظهور المجموعات القانونية الرومانية وتطورها‬


‫إن م ارحـل حيـاة رومـا الطويلـة أدت إلى وجود عـدة م ارحـل في تـاريخ تطور قـانونها‪ ،‬حيي‬
‫ظهرت المجموعـات القـانونية في فترات منية مختلفة‪ ،‬تحت تأثير عوامل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتى‪ ،‬ذلك أن ترير‬
‫نظــام الحكم واإلدارة من نظــام ملكي إلى نظــام جمهوري إلى نظــام الحكم المطل كــان لــه األثر‬
‫البالغ في القانون‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مراحل تطور القانون الروماني‬


‫يمكن تقسم مراحل تطور الدولة الرومانية وبالتالي القانون الروماني إلى‪:‬‬

‫* مرحلة العص ـ ـ ـ ــر الملكي والجمهوري ويمكن أن نطل على هذه التس ـ ـ ـ ــمية مرحلة القانون القديم‬
‫وتبـدأ هـذه المرحلـة منـذ نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأة مـدينـة رومـا ‪. 231‬م وتمتـد إلى غـايـة قيام النظام االمبراطوري‬
‫‪. 72‬م‬

‫* مرحلــة العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر االمبراطوري وتبــدأ من تــاريخ قيــام النظــام االمبراطوري ‪ 72‬قبــل الميالد إلى‬
‫غاية وفاة اإلمبراطور جوســتيان إلى غاية وفاة اإلمبراطور جوســتيان ‪ 323‬ميالدي‪ ،‬وتشــمل عهد‬
‫اإلمبراطورية العليا والسفلى‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬عصــر القانون القديم (‪ 22-254‬قبل الميالد)‬


‫أسـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــت مدينة روما س ـ ـ ـ ــنة ‪ 231‬قبل الميالد على يد الملك رومولوس نتيجة اتحاد أجناس‬
‫مختلفة منها التينيون‪ ،‬وهم سـ ـ ـ ــكان منطقة تاريخية في إيطاليا الوسـ ـ ـ ــطى‪ ،‬ومنها السـ ـ ـ ــابيين الذين‬

‫‪27‬‬
‫جاءوا من أعالي جبال ساسيني‪ ،‬ومنها األتروسك الذي يعتقد البعم بشأنه ـ ـ ــم أنه ـ ـ ــم جنس هندو‬
‫‪1‬‬
‫أوروبي جاءوا من آسيا الصررى ودخلوا في أوروبا‪.‬‬

‫أوال‪ /‬نظـام الحكم في مرحلـة العهــد القـديم‪ :‬عرفــت هـذه المرحلـة نظـامين مختلفين للحكم‪ ،‬حيــي‬
‫كان النظام الملكي منذ نشأة مدينة روما ثم تحول إلى النظام الجمهوري في ‪ 331‬قبل الميالد‪.‬‬

‫‪ -10‬النظام الملكي‪ :‬كان الحكم يمارس من طرف ثالي هيئات أسـاسية‪ :‬الملك‪ ،‬مجلس الشيوخ‬
‫ومجلس الشعب‪:‬‬

‫* الملك ‪ : RAX‬كان الملك يحكم مدى الحياة ويتم اختياره عن طري سـ ـ ــلفه واال يعين من قبل‬
‫وسيط الملك وهو عضو من مجلس الشيوخ ينتجه المجلس للقيام بذلك‪ .‬كما كانت سلطات الملك‬
‫س ـ ــلطات غير محددة دينيا ودنيويا‪ ،‬فهو يدعو مجلس الش ـ ــيوخ والش ـ ــعب لالنعقاد‪ ،‬ويقدم مش ـ ــاريع‬
‫القوانين إلى المجالس الشـ ــعبية‪ ،‬ويتولى الجها القضـ ــائي ويصـ ــدر العقوبات بخص ـ ــوص الجرائم‬
‫‪2‬‬
‫العامة التي تعتبر موجهة ضد المدينة كلها أما الن اعات المدنية فمتروكة للتحكيم الخاص‪.‬‬

‫* مجلس الشــيوخ ‪ Senatus‬ويتكون من رؤســاء العشــائر وقد وصــل عددهم إلى ‪ 033‬عضــو‬
‫ولهذا المجلس مهمة اســتشــارية فللملك األخذ برأيه أو عدم األخذ به‪ ،‬كما يصــاد مجلس الشــيوخ‬
‫على ق اررات مجلس الشعب لتصير مل مة‪.‬‬

‫* مجلس الشـ ــعب ‪ "Curiata Comitium‬وتتشـ ــكل هذه المجالس من السـ ــكان األحرار القادرين‬
‫على حمل الس ــالح والمنتظمون ض ــمن قبائل وال يدخلها إال األشـ ـراف دون العامة والن الء‪ ،‬تقس ــم‬
‫كل قبيلة إلى ‪ 13‬وحدات ‪ Curia‬وتضـ ــم كل وحدة عش ـ ـرة عشـ ــائر‪ ،‬وهذه الوحدات هي أسـ ــاس‬
‫النظام الديني السـ ـ ــياسـ ـ ــي واإلداري‪ .‬وتجتمع المجالس الشـ ـ ــعبية مرتين في السـ ـ ــنة ويواف مجلس‬
‫الشـ ــيوخ على ق ارراتها‪ ،‬وتتولى الموافقة أو الرفم دون ح التعديل أو االقتراح لمشـ ــاريع القوانين‬
‫التي يعرضها عليها الملك‪ .‬وتصوت هذه المجالس بحيـ ـ ـ ـ ـ ــي لكل وحدة منها صوت وهـ ـ ــو صوت‬
‫أغلبية عشائرها المشكلـ ـ ــة لهـ ـ ــا‪ ،‬ويكون قرار المجلس هو قرار أغلبية الوحدات أي رأي ستة عشر‬
‫وحدة على األقل‪ .‬ولها اختصــاص الموافقة على الوصــايا ونظام التبني (المســمى ‪.)Adrogatio‬‬
‫‪3‬‬
‫لكن المجالس الشعبية ليس لها التدخل في اختيار الملك وليس لها التشريع‪.‬‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.102.‬‬


‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 21.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬تاريخ النظم القانونية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪ ،1122،‬ص‪.18-11.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -12‬النظام الجمهوري‪ :‬انهار النظام الملكي بعد ثورة الم ارعين وتأييد األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراف لهم ض ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫طريان ملوك األتروسك‪ 1.‬وعرفت الدولة الرومانية في هذه المرحلة هيئات الحكم التالية‪:‬‬

‫* السـ ــلطة التنفيذية القنصـ ــالن ‪ :‬حل محل الملك حاكمان ينتخبهما مجلس الشـ ــعب لمدة سـ ــنة‪،‬‬
‫وهمـا القنصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالن ‪ Consules‬اللـذان يتمتعـان بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلطات الملك‪ ،‬فلهما إدارة الجمهورية وقيادة‬
‫الجيش والمحـافظة على القوانين والعرف وتنظيم التحكيم في الخالفات‪ .‬لكن تقيدت س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلطاتهما‬
‫بظهور نظام التظلم أمام مجلس الشـعب من أحكامهم الصادرة داخل المدينة‪ .‬ويخضع القنصالن‬
‫للنظام الم دوج‪ ،‬وفي حالة حدوي ظروف خطيرة يعين القنص ـ ـ ـ ــالن دكتاتو ار له كامل الس ـ ـ ـ ــلطات‬
‫ويخض ــع كذلك للنظام الم دوج ولكن ميله ال يملك نفس الس ــلطات ويطل على هذا األخير قائد‬
‫‪2‬‬
‫الفرسان‪.‬‬

‫وكان للقنصـالن العديد من الموظفين لمسـاعدتهما في أداء مهامهما خاصة بعد تطور الدولة‬
‫الرومانية وتوسـ ـ ـ ـ ــعها‪ ،‬ثم صـ ـ ـ ـ ــار هؤالء الموظفين حكاما ينتخبون مباش ـ ـ ـ ـ ـرة من مجلس الشـ ـ ـ ـ ــعب‬
‫ويمارسون مهاما لمدة سنة غير قابلة للتجديد وهم‪:‬‬

‫‪ -‬حاكم اإلحص ـ ــاء‪ :Censor :‬أنشـ ـ ـ في س ـ ــنة ‪ 103‬قبل الميالد‪ ،‬ويقوم بإحصـ ـ ــاء المواطنين‬
‫الرومانيين المكلفين بالضـ ـ ـ ـ ـ ـرائب وثرواتهم ومراقبة اآلداب العامة‪ ،‬وله اس ـ ـ ـ ـ ــتبعاد من ارتكب فعال‬
‫مش ـ ــينا من قوائم الجندية‪ ،‬وبالتالي يفقد ح االقتراع وتولي المناص ـ ــب العامة‪ 3.‬وفي تطور الح‬
‫‪4‬‬
‫صار مكلف باختيار أعضاء الشيوخ ولذلك اقتصر المنصب على من شرل وظيفة القنصل‪.‬‬

‫‪ -‬الحاكم المحق ‪ :Quaestor :‬كان في البداية يختار من طرف القنص ـ ـ ــالن لمس ـ ـ ــاعدتهما في‬
‫مس ـ ــائل المالية العامة‪ ،‬ثم اس ـ ــتقل هذا الموظف وص ـ ــار حاكما س ـ ــنة ‪ 173‬قبل الميالدي‪ .‬ويقوم‬
‫بالتحقي في المسـ ــائل الجنائية واإلدارية والمسـ ــائل المالية كاإلش ـ ـراف على موارد الدولة ونفقاتها‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫م فتح المنصب أمام العامة‪.‬‬ ‫وفي سنة ‪112‬‬

‫‪ -‬حكام األسـوا ‪ :Aedilis Curilis :‬منذ سنة ‪ 022‬قبل الميالدي صار مجلس الشعب ينتخب‬
‫حكام األسـ ـوا إلدارة الش ــرطة في المدينة واألسـ ـوا العامة وبيع األرقاء والمواش ــي والقض ــاء في‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.28.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.32.‬‬ ‫‪2‬‬

‫على محمد جعفر‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪3‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪29‬‬
‫منا عاتها ومنع ارتفاع األسـعار وتموين المدينة‪ .‬وقد ســمح للعامة بتولي المنصـب في ســنة ‪021‬‬
‫قبل الميالدي‪.‬‬

‫‪ -‬الحاكم القض ــائي ‪ : Praetor‬فص ــلت والية القض ــاء المدني عن أعمال القنص ــلين س ــنة ‪022‬‬
‫قبل الميالدي‪ ،‬حيي تولى الحاكم القضــائي المســمى البريتور المدني الفصــل في المنا عات التي‬
‫تحدي بيـن الرومان‪ ،‬وبعد توسع الدولة الرومانيـة ووجود األجــانب بداخلهـا ظهر بريتـور األجانب‬
‫سـ ـ ــنة ‪ 717‬قبل الميالدي ليقوم بالفصـ ـ ــل في المنا عات التي تتم بين األجانب فيما بينهم أو بين‬
‫الرومان واألجانب‪.‬‬

‫* مجلس الشـ ـ ــيوخ‪ :‬صـ ـ ــار أعضـ ـ ــاء مجلس الشـ ـ ــيوخ يعينون من قبل القنصـ ـ ــالن من بين الحكام‬
‫الجمهوريين الذين انتهت مدة واليتهم مدى الحياة‪ ،‬وبهذا صــار للعامة الح في العضــوية به بعد‬
‫أن س ــمح لهم بتولي مناص ــب الحكام‪ .‬ثم انتقل ح تعين أعض ــاء مجلس الش ــيوخ من القنص ــالن‬
‫إلى حاكم اإلحصـاء‪ .‬أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عن ســلطات واختصــاصــات مجلس الشــيوخ فقد عرفت توســعا و يادة‬
‫كبيرة فصار له باإلضافة إلى وظائفه القديمة‪:‬‬

‫‪ -‬المصادقة على مشاريع القوانين قبل عرضها على المجالس الشعبية‪.‬‬


‫‪ -‬المص ـ ـ ــادقة على مش ـ ـ ــروعات مجالس العامة‪ ،‬التي ص ـ ـ ــارت معادلة للقوانين التي تص ـ ـ ــدر من‬
‫المجالس الشعبية‪.‬‬
‫‪ -‬مساءلة الحكام قضائيا بعد انتهاء مدة واليتهم عن أداء مهامهم‪.‬‬
‫‪ -‬تعيين الحكــام بعــد انتهــاء مــدة واليتهم إلدارة الواليــات الرومــانيــة‪ ،‬أي المنــاط المحتلــة من قبــل‬
‫الرومان‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد اختص ـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ــات الحكام المتعددين الذين يتولون نفس المنص ـ ـ ـ ــب‪ ،‬وكيفية إدارة الواليات‬
‫الرومانية‪.‬‬
‫‪ -‬له اختصاصات مالية كمراقبة حكام اإلحصاء المتولين للشؤون المالية للدولة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬يرسم السياسة الخارجية لروما‪.‬‬

‫* المجالس الش ـ ـ ـ ـ ـ ــعبية‪ :‬نظمت المجالس الش ـ ـ ـ ـ ـ ــعبية في هذا العهد تنظيما جديدا فظهرت مجالس‬
‫جديدة وحدثت المجالس القديمة‪ ،‬فباإلضــافة إلى المجالس الثالثية المقصــورة على اإلش ـراف التي‬
‫نقصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أهميتهـا‪ ،‬ظهرت مجـالس جـديدة كمجالس الوحدات المؤوية التي وقامت هذه المجالس‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.38-32.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪31‬‬
‫على تقس ــيم الش ــعب الروماني إلى خمس ــة طبقات حس ــب الثروة التي يمتلكها أفراد كل طبقة وكل‬
‫طبقــة لهــا عــدد من الوحــدات يرتبط بمقــدار ثرواتهــا‪ .‬وكــانــت مهمــة مجــالس الوحــدات المئويــة هي‬
‫انتخاب القناصـ ــل والحاكم القضـ ــائيين وحاكم اإلحصـ ــاء والنظر في مشـ ــاريع القوانين بالموافقة أو‬
‫الرفم مع ل وم تص ـ ـ ـ ــدي مجلس الش ـ ـ ـ ــيوخ على فرارها حتى تص ـ ـ ـ ــبح قوانين هذه المجالس نافذة‬
‫ومل مــة‪ .‬كمــا كــان يح لألفراد المحكوم عليهم بــاإلعــدام التظلم أمــامهــا‪ ،‬فلهــا نظر اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتئنــاف‬
‫‪1‬‬
‫الدعاوى الجنائية التي حكم فيها باإلعدام باإللراء أو التأبيد‪.‬‬

‫كما ظهرت مجالس القبائل التي تض ـ ـ ــم األشـ ـ ـ ـراف والعامة حيي قس ـ ـ ــمت روما إلى أحياء‪ ،‬أما‬
‫اختصــاصــاتها فهي انتخاب حكام التحقي واألس ـوا والموافقة على مشــروعات القوانين‪ .‬وظهرت‬
‫مجالس العامة بعد أن حص ــل العامة على ح االجتماع في مجالس خاص ــة بهم س ــنة‪ 121‬قبل‬
‫الميالد‪ ،‬وتنعقــد هــذه المجــالس بــدعوة أحــد نقبــاء العــامــة المنتخــب من قبلهــا‪ .‬أمــا عن مهــام هــذه‬
‫المجالس فقد كانت تشـ ـ ـ ـ ـ ــرع لطبقة العامة فقط حيي تتخذ ق ارراتها بشـ ـ ـ ـ ـ ــأن ما يقترحه عليها حكام‬
‫العامة وقد كانت هذه الق اررات مل مة لطبقة العامة فقط‪ ،‬ولكن بعد ص ــدور قانون هورتنس ــيا س ــنة‬
‫‪ 782‬قبل الميالد أصبحت ق اررات مجالس العامة مل مة حتى لطبقة األشراف كذلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬النظام االقتصادي واالجتماعي في مرحلة العهد القديم‬

‫كانت روما في العهد الملكي تعتمد على اقتص ـ ــاد راعي بحت وكذا اقتص ـ ــاد من لي مقفل مع‬
‫قليل من المبادالت التجارية بين األس ـ ـ ـ ـ ـ ــر بالنس ـ ـ ـ ـ ـ ــبة للس ـ ـ ـ ـ ـ ــلع التي ت يد عن حاجياتها‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫بالمواشـ ــي التي هي وسـ ــيلة التبادل "رؤوس الدواب كســـلعة ثابتة" التي على أسـ ــاسـ ــها يتم تقدير‬
‫قيمة السلع المتبادلة‪ ،‬ثم أعتمد في عهد الملك األتروسكي سيرفيوس تويليوم على المعدن كوسيلة‬
‫للتبـادل بمراقبـة الـدولـة‪ 2،‬حيـي وجـدت النقود المعدنية وهي النحاس وتقدر قيمتها بو نها وعند كل‬
‫‪3‬‬
‫عملية بيع تو ن السبائك بحضور موظف مكلف بالو ن‪.‬‬

‫وقـد توس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـت الـدولـة الرومـانيـة أكثر في العهد الجمهوري مما جعل روما تتحول إلى التجارة‬
‫وتصـير مرك ا في البحر المتوسـط‪ ،‬فتعقدت المعامالت وظهرت النقود البرون ية والفضـية واتصل‬
‫الرومان بالشــعوب األخرى خاصــة اإلغري ‪ ،‬مما أضــعف الروح الدينية لهم وتحريرهم من س ـلطة‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 31.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 21.‬ـ‪.20‬‬


‫رضا فرج‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪31‬‬
‫رجال الدين تدريجيا‪ 1.‬وقد تأثر الرومان باإلغري أكثر فاسـ ــتحدثوا أفكا ار قانونية جديدة وترييرات‬
‫للقواعد الموجودة‪ ،‬فتراجعت اإلجراءات والص ـ ـ ـ ـ ــيغ التش ـ ـ ـ ـ ــكيلية أمام فكرة القانون الطبيعي والعدالة‬
‫وحســن النية وارادة الطرفين‪ .‬واهتموا بالتقســيمات لألفكار القانونية وعرضــها العلمي‪ ،‬ودينيا أهملوا‬
‫ديانته ـ ـ ـ ــم وتبعوا الديانات الشرقي ـ ـ ـ ــة اإلغريقية‪ ،‬كما تخلوا عن تقاليدهم المحافظة و هدهم وتقشفهم‬
‫‪2‬‬
‫وانصرفوا نحو األنانية والن عة الفردية‪.‬‬

‫لقد قسم المجتمع الروماني في العهد القديم إلى طبقتين‪ :‬األشراف والعامة‪:‬‬

‫‪ -‬طبقة األشـ ـ ـراف‪ :‬تتكون طبقة األشـ ـ ـراف من العش ـ ــائر والن الء‪ ،‬فالعش ـ ــيرة الرومانية هي الوحدة‬
‫األسـاسـية السـابقة على المدينة وهي المالكة للثروة العقارية‪ ،3‬فقد وجد األشـراف في شـكل عشائر‬
‫تتكون كل واحدة من العديد من األسـر التي يربطها الذكور وصـوال إلى األصل المشترك‪ .‬وكانت‬
‫كل عش ــيرة مس ــتقلة عن األخرى ولها نظامها الداخلي ومجلس ــها المكون من ش ــيوخ العش ــيرة ولها‬
‫ديانتها‪ .‬لكنه بعد الر و األتروسكي تم توحيد القرى وصارت المدينة في مكان العشيرة‪.‬‬

‫‪ -‬طبقة العامة‪ :‬هي طبقة مختلفة عن طبقة األش ـراف ماديا وقانونيا‪ ،‬وهي لم تتشــكل في عشــائر‬
‫أثناء العصــر القديم ولم تتصــل باألش ـراف‪ ،‬حيي ســكن العامة في أحياء خاصــة بهم وهم أحرار‪،‬‬
‫لكنهم من الناحية القانونية ليسـ ـوا ج ءا من المدينة وال يمكنهم المش ــاركة في المهام التشـ ـريعية إال‬
‫أن لهم مجالس خاصـ ـ ــة بهم‪ ،‬كما حرم العامة من العبادة العامة فلهم ممارس ـ ـ ــة العبادة الخاص ـ ـ ــة‬
‫فقط‪ ،‬وترتب على ذلك حرمانهم من ح اللجوء إلى الكهنة المسـ ـ ـ ـ ـ ــيطرين على الصـ ـ ـ ـ ـ ــيغ اللفظية‬
‫القانونية والتقويم القضائي‪ ،‬كما أن أفراد طبقة العامة ال يتمتعون بالحقو المدنية فليس لقواعدهم‬
‫العرفية التي كانت تطب بينهم أي قيمة تشريعية ألن الدولة ال تعترف بها‪.‬‬

‫ص ـ ــنع الرومان في بداية العهد الملكي آلهة وقاموا بعبادتها وهي عندهم العبادة العامة باإلض ـ ــافة إلى العبادة الخاص ـ ــة وهي‬ ‫‪1‬‬

‫عبادة آلهة المن ل وأرواح األســالف الخاصــة بكل أس ـرة‪ ،‬وقد ســيطر رجال الدين في هذه المرحلة على الدين والقانون من خالل‬
‫الص ـ ــيغ واإلجراءات الش ـ ــكلية والرس ـ ــمية‪ ،‬فيجب احترام ش ـ ــعائر محددة وش ـ ــكليات معينة في أداء التص ـ ــرف القانوني أو الطقوس‬
‫المتعلقـة بالعبادة واال اعتبرت باطال‪ .‬وقد أثر كل ذلك على النظم القانونية التعاقد‪ ،‬إجراءات التقاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وجعلها تأخذ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفة‬
‫الشـكلية‪ ،‬كما منح رجال الدين وهم السلطة القائمة على تفسير الدين والقانون وتطبيقه سلطة واسعة في تقدير وتفسير النصوص‬
‫والحكم على التصرفات بفضل احتكارهم معرفة صيغ الدعاوى واأليام التي يجو فيها التقاضي‪.‬‬
‫على محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪21.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪32‬‬
‫لقد كان لألشـ ـ ـراف فقط تولي المناص ـ ــب العامة واالقتراع على مش ـ ــاريع القوانين‪ .‬وكانت الثورة‬
‫العقارية ملكا للعش ــائر‪ ،‬كما لم يكن للعامة ح ال واج من األشـ ـراف‪ ،‬ولم يكن للعامة الح حتى‬
‫‪1‬‬
‫في استعمال الطر والقوانين الرومانية في تصرفاتهم القانونية والتقاضي فيما بينهم‪.‬‬

‫لكن وبالتدريج وبتطور أوض ـ ــاع الدولة الرومانية ص ـ ــدرت قوانين تعطيهم الح في المش ـ ــاركة‬
‫في الحيـاة الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـة واالجتمـاعيـة الرومـانيـة وتمنحهم الح في اكتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب الحقو المـدنية‬
‫والسـياســية‪ 2،‬فقد كان األشـراف يسـتمدون قوتهم من الملكية ال راعية التي هي المصــدر الحصــري‬
‫للثراء ومع بداية العهد الجمهوري تطورت التجارة وتوسـ ـ ـ ـ ــعت فبدأت العامة معها يكتسـ ـ ـ ـ ــبون القوة‬
‫‪3‬‬
‫االقتصادية التي ستمكنهم من الحصول على القوة السياسية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬العصــر اإلمبراطوري (‪ 22‬قبل الميالد‪ 565 -‬ميالدي)‬


‫انتقــل القــانون الرومــاني في العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اإلمبراطوري من مرحلتــه البــدائيــة إلى مرحلــة متقــدمــة من‬
‫النضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج والرقي واال دهـار‪ ،‬ويبـدأ هـذا العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر من نهاية العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الجمهوري وبداية النظام‬
‫االمبراطوري بوالية أغسـ ـ ــطس سـ ـ ــنة ‪ 72‬قبل الميالد ويمتد إلى غاية وفاة االمبراطور جوس ـ ـ ــتيان‬
‫‪ 323‬ميالدي‪ ،‬وقد عرف هذا العصـ ـ ــر تحوالت عميقة على شـ ـ ــتى المسـ ـ ــتويات‪ .‬وقد عرفت هذه‬
‫المرحلة نظام سياسي واحد وهو النظام االمبراطوري‪ ،‬لكن يمكن تقسيمه إلى قسمين‪:‬‬

‫على محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.21.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬طالب العامة بالمســاواة فنشــأ الن اع بين األش ـراف والعامة فقامت عدة ثورات‪ ،‬حيي قام العامة باالعتصــام بت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل خارج المدينة‬
‫والتهديد باالنسحاب وتكويـ ـ ــن مدينـ ـ ــة خاصة بهـ ـ ــم في سنة ‪ 111‬قبل الميالد‪ ،‬فقبـ ـ ـ ـ ـ ــل األشراف بوجـ ـ ــود حاكمان للعامة لهما ح‬
‫االعترام على ق اررات الحكام ومجلس الش ــيوخ والمجالس الش ــعبية المجحفة في ح العامة‪ .‬وفي سـ ــنة‪ 121‬قبل الميالد صـ ــدر‬
‫قانون بيبليا ‪ Publia‬إلنشـاء مجالس خاصـة بالعامة والتي كان لها التصـويت على المشروعات التي يتقدم بها حكام العامة‪ .‬وقد‬
‫كانت ق اررات هذه المجالس مل مة للعامة فقط‪ ،‬ولكن ومع صــدور قانون هورتنســيا ‪ 782‬قبل الميالد صــارت هذه الق اررات مل مة‬
‫لجميع المواطنين من أش ـ ـراف وعامة بل وفي نهاية العصـ ــر الجمهوري سـ ــميت ق اررات هذه المجالس بالقوانين وصـ ــارت مصـ ــدر‬
‫هاما في التش ـريع‪ .‬وفي ســنة ‪ 127‬قبل الميالد طالب العامة بوضــع لجنة لوضــع مجموعة قانونية للمســاواة بينهم وبين األش ـراف‬
‫فوضع قانون األلواح ال ـ ـ ـ ـ ـ ‪ .17‬كما صدر قانون كانوليا الذي أباح ال واج بين األشراف والعامة في سنة ‪ 113‬قبل الميالد‪ ،‬وفي‬
‫ســنة ‪ 022‬قبل الميالد صــدر قانون ليســينيا الذي أنشـ وظيفة البريتور المدني وحاكم األسـوا وللعامة تولي المنصــبين وأوجبت‬
‫أن يكون أحد القنصلين من العامة‪ .‬وسمح للعامة في سنة ‪ 033‬قبل الميالد بتولي المناصب الدينية العليا‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪ -‬رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ 13.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬على محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪.23-21 .‬‬
‫رضا فرج‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪33‬‬
‫أوال‪ /‬مرحلة اإلمبراطورية العليا‬

‫تبدأ من والية أغس ــطس س ــنة‪ 72‬قبل الميالد ويمتد إلى غاية نهاية حكم أسـ ـرة س ــيفير ‪703‬م‪،‬‬
‫وهو عصر اإلمبراطورية العليا بالنظر إلى المجد والرخاء‪.‬‬

‫‪ /31‬الوض ـ ــع الس ـ ــياس ـ ــي‪ :‬تمي هذا العص ـ ــر بالصـ ـ ـراع بين قيادات الجيش‪ ،‬مما أدى إلى ظهور‬
‫النظام اإلمبراطوري‪ ،‬فقد تمكن اإلمبراطور أغس ــطس من قلب الحكم إمبراطوريا واقتسـ ــام الس ـ ـلطة‬
‫مع مجلس الشـ ـ ـ ـ ــيوخ نظام الحكم الثنائي ‪ ، Principat‬وبعد أغسـ ـ ـ ـ ــطس ترك ت السـ ـ ـ ـ ــلطة في يد‬
‫االمبراطور فقط‪ .‬أمـا الهيئـات األخرى فنجـدهـا فقـدت جـل صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالحيـاتها‪ ،‬فمجلس الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعب فقد‬
‫اختصاصه القضائي الجنائي وح التظلم أمامه وصار هذا الح لصالح اإلمبراطور‪ ،‬كما انتقل‬
‫ح اختيار الحكام من مجلس الشعب إلى مجلس الشيوخ في عهد سيفير خليفة أغسطس‪.‬‬

‫وفي القرن األول ميالدي فقدت المجالس الشعبية اختصاصاتها التشريعية وانتقلت إلى مجلس‬
‫الشــيوخ‪ .‬أما مجلس الشــيوخ فصــار يتمتع بســلطات قضــائية أوســع من أجل قمع الجرائم المجاو ة‬
‫للحدود والتي تتعل بالمسـ ـ ــتخدمين لجباية الضـ ـ ـ ـرائب المفروضـ ـ ــة على المكلفين‪ .‬كما تض ـ ـ ــاءلت‬
‫ســلطات الحكام وصــاروا أداة تنفيذية لمجلس الشــيوخ الذي له اختيارهم وتوجيههم ونشــير إلى أنه‬
‫ظهر حكام جدد كالمحافظين وهم‪ :‬المحافظ الذي يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهر على حماية المدينة‪ ،‬محافظ التموين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫محافظ الحرس اإلمبراطوري‪.‬‬

‫ولوحظ ا دياد س ـ ـ ــلطات مجلس الش ـ ـ ــيوخ الذي ص ـ ـ ــار له ح إعالن الحرب وعقد المعاهدات‬
‫ووضـ ـ ـ ــع المي انية واصـ ـ ـ ــدار توصـ ـ ـ ــيات غير مل مة لكنها كانت تتمتع بقوة أدبية كبيرة‪ ،‬وللمجلس‬
‫تعيين الحكام العموميين حكاما على األقاليم بعد نهاية واليتهم واإلش ـ ـ ــارة على هؤالء باتخاذ إجراء‬
‫معين‪.‬‬

‫أما اإلمبراطور فكان يتم اختياره عن طري مجلس الشـيوخ الذي يخضع لضرط سلطة الجيش‬
‫عادة واألباطرة يختارون من يخلفهم عن طري التبني والوصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية أو اإلش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراك في الحكم أثناء‬
‫حياتهم بشرط مصادقة مجلس الشيوخ على ذلك‪ .2‬ويمارس اإلمبراطور سلطاته طوال حياته وله‪:‬‬

‫‪ -‬الوالية العامة على اإلمبراطورية وقادة الجيش وهذه السـ ـ ـ ــلطة كان يمارسـ ـ ـ ــها حكام األقاليم من‬
‫قبل‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.180.‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.130-133.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬يمارس سـ ـ ــلطة حكام العامة بحيي يكون له ح تقديم مشـ ـ ــاريع قوانين لمجلس العامة ومجلس‬
‫الش ـ ـ ـ ـ ــيوخ وله ح االعترام على ق اررات الحكام‪ .‬فهو يمارس مهام قنص ـ ـ ـ ـ ــل ولكن مدى الحياة‪،‬‬
‫وهو باعتباره نقيب العامة فال يمكن االعتداء على شخصه‪.‬‬
‫‪ -‬سـ ـ ــلطات الرئيس الديني حيي له التدخل في اختيار رجال الدين وله سـ ـ ــلطة كبير الكهنة‪ .‬كما‬
‫يتمتع كذلك بسلطات حاكم اإلحصاء وبالتالي له تعيين أعضاء مجلس الشيوخ‪.‬‬
‫وكان لإلمبراطور مجلس اسـ ـ ـ ــتشـ ـ ـ ــاري مكون من كبار الموظفين والفرسـ ـ ـ ــان وأعضـ ـ ـ ــاء مجلس‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيوخ وفي عهـد هـادريـان ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم كبـار الفقهـاء الـذين يعـاونون اإلمبراطور في تولي األعمال‬
‫القانونية واعداد األوامر القضائية‪.‬‬
‫‪ /37‬األوض ـ ـ ـ ـ ـ ــاع االقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادية واالجتماعية‪ :‬عرفت هذه المرحلة اتس ـ ـ ـ ـ ـ ــاع فتوحات روما حول‬
‫المتوس ـ ــط‪ ،‬وتحول الرومان من ش ـ ــعب م ارع إلى ش ـ ــعب تجاري‪ ،‬بفض ـ ــل توسـ ـ ــع روما الجررافي‬
‫ودخولها في عالقات تجارية مع أجناس مختلفة‪ 1.‬كما س ـ ـ ـ ـ ــاد الس ـ ـ ـ ـ ــالم غالبا في هذا العص ـ ـ ـ ـ ــر‪،‬‬
‫وا دادت وسـائل النقل وخاصـة البحرية باإلضــافة إلى المبادالت التجارية الداخلية والخارجية‪ ،‬وتم‬
‫إنشـ ـ ـ ــاء مرف البريد ومحطات إراحة الخيول‪ ،‬وتقدمت الوسـ ـ ـ ــائل القانونية حيي منحت الجنسـ ـ ـ ــية‬
‫الرومانية لكل سكان اإلمبراطورية في عهد كركال سنة ‪ 717‬ميالدي‪.‬‬
‫أمــا اجتمــاعيــا فقــد اختفــت التفرقــة القــديمــة بين األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراف والعــامــة وظهور طبقيــة جــديــدة فقــد‬
‫ظهرت الطبقية المبينة على الفقر والرنى وظهور الصـراع بين الطبقتين الحتكار األغنياء للشرف‬
‫والقيادة الس ــياس ــية للدولة‪ .‬كما وجدت طبقة رجال الجيش وكان لهذا األخير قوة وتأثير كبير‪ .‬أما‬
‫دينيا فقد بدأت المسـ ـ ــيحية تنتشـ ـ ــر في األوسـ ـ ــاط الفقيرة‪ ،‬أما الطبقات الرنية والعليا فانتشـ ـ ــرت بها‬
‫‪2‬‬
‫الفلسفات اإلغريقية التي تعظم وتخضع اإلرادة إلى العقل‪.‬‬

‫كما كان للثقافة اليونانية أثرها البار في تطوير الفكر القانوني رغم معارض ـ ــة بعم المثقفين‬
‫الرومان لها‪ .‬حيي أثر وجود الفالس ــفة اليونان في روما والطلبة الرومان باليونان وكان لهذا بالغ‬
‫األثر على الرومان خاص ـ ـ ــة في المجال الديني والقانوني‪ .‬فدينيا قل تمسـ ـ ـ ــك الرومان بالمعتقدات‬
‫التقليدية وضعفت الروح الدينية لديهم مما ساعد على دخول المسيحية وترلرلها داخل المجتمع‪.‬‬

‫أما قانونيا فقد تأثر الرومان بتقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم اليونان وتبويبهم وتفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيرهم المعتمد على المقاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫والمعاني‪ ،‬وبهذا صــارت إرادة المتعاقدين وفكرة ســلطان اإلرادة وقصـد المشــرع هي محل االعتبار‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.121-122.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪35‬‬
‫وليس الشـ ـ ـ ـ ـ ــكليات والرسـ ـ ـ ـ ـ ــميات‪ ،‬وقد ترتب على ذلك تحرر التصـ ـ ـ ـ ـ ــرفات القانونية الرومانية من‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكلية‪ ،‬واسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتيراد روما لبعم النظم من اليونان النظم لمواجهة تطورها وخاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة القانون‬
‫‪1‬‬
‫البحري‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬مرحلة اإلمبراطورية الســـفلى‪ :‬ويبدأ من سـ ــنة ‪ 781‬تاريخ تولي اإلمبراطور دقديوناس إلى‬
‫غاية ‪ 323‬وفاة جوستيان‪ ،‬وقد عرف هذا العصر تريرات سياسية واجتماعية عميقة‪:‬‬

‫‪ /31‬النظام الســياســي‪ :‬ترك ت الســلطة بشــدة في يد اإلمبراطور من حيي وضــع وترير القوانين‪.‬‬
‫فقد اختفت المجالس الشــعبية وتحول مجلس الشــيوخ إلى مجلس بلدي لمدينة روما وأنشـ مجلس‬
‫شـ ـ ـ ـ ــيوخ آخر لمدينة القسـ ـ ـ ـ ــطنطينية‪ ،‬أما الحكام فبقيت مناصـ ـ ـ ـ ــبهم ويعينون بقرار من اإلمبراطور‬
‫ويخضـ ـ ـ ــعون ألوامره‪ 2.‬وتولى القضـ ـ ـ ــاء موظفين للفصـ ـ ـ ــل في الدعاوى دون اإلحالة على الحكم‪،‬‬
‫فحلت المرافعات اإلدارية محل المرافعات الكتابية‪.‬‬

‫لقد انقســمت اإلمبراطورية الرومانية إمبراطورية شــرقية عاصــمتها بي نطا ســميت القســطنطينية‬
‫نسـبة إلى قسـطنطين وامبراطورية غربية وبقيت روما عاصمة لها‪ .‬وكان االنقسام قد بدأ منذ عهد‬
‫دقلديانوس ولم يصـ ـ ـ ــبح نهائيا إال بعد وفاة تيودو األول ‪013‬ميالدي حيي قسـ ـ ـ ــمها البنيه وبقي‬
‫التقسيم حتى وال اإلمبراطورية الرربية على يد القبائل الجرمانية سنة ‪ 122‬ميالدي‪.‬‬

‫‪ -‬الحالة االقتص ـ ـ ــادية واالجتماعية‪ :‬تدهورت اإلمبراطورية الرومانية بس ـ ـ ــبب االتس ـ ـ ــاع والمرك ية‬
‫الشـ ـ ــديدة التي تعاني منها في تس ـ ـ ــير ش ـ ـ ــؤونها‪ ،‬وكذا الر وات الجرمانية التي كانت تتعرم لها‪،‬‬
‫حيي تم القضـ ــاء على اإلمبراطورية الرربية في ‪ 127‬ميالدي‪ ،‬بينما ظلت اإلمبراطورية الشـ ــرقية‬
‫وريثة الحضارة الرومانية‪ ،‬وكل هذا لم يساعد على تطور االقتصاد‪ ،‬كما أدى نظام الطوائف إلى‬
‫انكماش األس ـوا ‪ ،‬والمقصــود بنظام الطوائف هو جمع أبناء الحرفة الواحدة في طائفة حيي يري‬
‫اإلبن مهنة أبيه جب ار وبذلك ارتبط الم ارعون باألرم فظهر نظام عبيد األرم مما سـ ـ ـ ـ ـ ــاعد في‬
‫المسـ ـ ــتقبل على نشـ ـ ــأة النظام اإلقطاعي‪ ،‬وترتب على ا دياد الض ـ ـ ـرائب مطالبة المالك الصـ ـ ــرار‬
‫بحماية كبار المالك وانض ـ ـ ـ ـ ـ ــموا إليهم‪ ،‬وبهذا اختفت الملكية الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريرة تدريجيا وتكونت الملكية‬
‫‪3‬‬
‫اإلقطاعية وظهر ر األرم‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.137.‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.118.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.173.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬األوضـاع الدينية‪ :‬اعترف قسطنطين بالمسيحية واعتنقها واعترف لها بمرك ها المساوي لألديان‬
‫األخرى بموجب منش ـ ــور ميالنو ‪ 010‬ميالدي‪ ،‬ثم منش ـ ــور تيودو األول الديانة الرس ـ ــمية للدولة‬
‫‪1‬‬
‫سنة ‪ 011‬م‪ ،‬وحرم إقامة الشعائر الوثنية‪.‬‬

‫لقد أثرت الديانة المسـ ــيحية على األحوال الشـ ــخصـ ــية فأنشـ ــأت نظما وألرت أخرى كما نش ـ ـأت‬
‫المحاكم الكنس ــية وقض ــاتها من رجال الدين الذين تولوا النظر في المس ــائل المدنية التي ترفع لهم‬
‫برض ـ ـ ــا الطرفين وهذا مهد لظهور القانون الكنس ـ ـ ــي في أوروبا‪ .‬وتجدر اإلش ـ ـ ــارة إلى أن الفلس ـ ـ ــفة‬
‫‪2‬‬
‫اليونانية بقيت أكثر ظهور في القانون الروماني بالمقارنة نع الديانة المسيحية‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬مصـــير القانون الروماني‪ :‬مع وال اإلمبراطورية الرومانية الرربية واس ــتمرار اإلمبراطورية‬
‫البي نطيـة حدثت تريرات على القانون الروماني‪ ،‬لكنه اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتمر في الوجود بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكل أو أخر وتم‬
‫إحياءه من جديد واالستنباط منه في عصور النهضة األوروبية وما بعدها‪.‬‬

‫‪ -‬اإلمبراطورية الشرقية‪ :‬بقي قانون جوسـتيان ساري إلى غاية سقوط بي نطا مع التعديالت التي‬
‫أدخلت عليها‪ ،‬وقد حرم جوس ـ ـ ــتيان التعلي عليها اعتقادا منه أنها حوت كل ش ـ ـ ــيء ولكن س ـ ـ ــمح‬
‫‪3‬‬
‫بالترجمة الحرفية وتلخيص بعم النصوص‪.‬‬

‫‪ -‬اإلمبراطورية اليربية‪ :‬مر القانون الروماني بعد موت جوستيان بـثالي مراحل‪:‬‬

‫‪ -‬القـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانون الروماني حتى نهاية القرن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحادي عشر‪ :‬أنشأت القبائل الجرمانية بعد إسقاطها‬
‫لروما الرربية نظام‪ ،‬وكان مبدأ شـ ـ ــخصـ ـ ــية القوانين هو المطب ‪ ،‬فطب ال الروماني مطبقا على‬
‫الرومان‪ ،‬وعندما اسـتعاد جوسـتيان سـيطرته على إيطاليا في منتصـف القرن السادس سرى قانونه‬
‫فيهـا حتى فتحهـا اللمبـارديون‪ ،‬وظـل القانون المطب حتى بداية القرن الثاني عشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر هو القانون‬
‫‪4‬‬
‫الروماني المدون في مجموعة تيودو والملك االريك الثاني ملك القوط الرربيين‪.‬‬

‫‪ -‬القانون الروماني منذ القرن الثاني عش ـ ـ ــر (البحي العلمي) ‪ :‬ش ـ ـ ــهدت فرنس ـ ـ ــا وايطاليا نش ـ ـ ــاط‬
‫اقتصادي وتجارة رائجة‪ ،‬فلم تعد قواعد اإلقطاع صالحة لحكم المدن الحرة الم دهرة تجاريا فكانت‬
‫العودة للقانون الروماني خير وسـيلة‪ .‬كما أن النظام الملكي يريد القضـاء على سلطة اإلقطاعيين‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.173.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.173.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪.710.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪.713.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪37‬‬
‫والقانون الروماني نش ــأ في مجتمع يوحد الس ــلطة ويرك ها فكان كذلك وس ــيلة ناجعة لذلك‪ .‬و يادة‬
‫على ذلك نجد أن القانون الروماني وســيلة للقضــاء على ســلطة الكنيســة وهذا ما أدى بالخيرة إلى‬
‫معاداته وأصـ ـ ـ ــدرت عدة ق اررات تحرم تدريسـ ـ ـ ــه‪ .‬وبعد انتشـ ـ ـ ــار حركة إحياء القانون الروماني في‬
‫كامل غرب أوروبا‪ ،‬وظهور مدارس في إيطاليا وفرنسا في القرن ‪ 12‬ثم هولندا في القرن ال ـ ـ ـ ـ ـ‪12‬‬
‫‪1‬‬
‫وألمانيا في القرن الـتاسع عشر‪.‬‬

‫‪ -‬النهضـة العلمية منذ القرن السادس عشر‪ :‬ظهرت بفرنسا حركة علمية تناولت كل فروع العلوم‬
‫اإلنس ـ ــانية ودرس ـ ــت القانون الروماني باعتباره فرع علمي خلفته الحض ـ ــارة الرومانية ودرس ـ ــته من‬
‫وجهتــه العــامــة والنظريــة ال الوجهــة التطبيقيــة‪ ،‬حيــي درس فقهــاء هــذه الحركــة النظم الرومــانيــة‬
‫ومراحل تطورها تاريخيا‪ .‬ومثل هذه الحركة في القرن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسابع عشر دوما ‪ Domat‬وفي الثامن‬
‫‪2‬‬
‫عشر ‪ Pothier‬حيي كان لمؤلفاتهم أثر كبير على المجموعة المدنية الفرنسية لنابليون‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تنوع مصادر القانون الروماني‬


‫يعبر الروم ــان عن الح والق ــانون بلفظ واح ــد‪ ،‬على عكس التميي الح ــدي ــي بين المفهومين‪،‬‬
‫فمصــطلح ‪ jus‬أو‪ droit‬بالفرنســية يفيد الح أي المصــلحة المادية واألدبية التي يحميها القانون‪،‬‬
‫وعنــد الرومــان يعني "مجموعــة القواعــد الملزمــة التي تحكم عالقــات األفراد في المجتمع والتي‬
‫‪3‬‬
‫تفرض بقوة السلطة العامة‪".‬‬
‫ومن المعروف أن تنظيم المجتمع ال يس ـ ـ ـ ـ ــتند إلى قواعد القانون فقط‪ ،‬بل هناك قواعد األخال‬
‫والدين‪ 4،‬فالقواعد األخالقية هي مجموعة القواعد المنظمة للسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلوك والتي تتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف بها مفاهيم‬
‫الخير والشر‪ ،‬أما القواعد الدينيـة فمصدرها الوحي أو االعتقاد السائد في مجتمع ما‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬العرف (‪ )Meres-Mejerum‬والدين‬


‫إن التفرقــة بين القواعــد القــانونيــة واألخالقيــة لم توجــد لــدى الرومــان في أقوال الفقهــاء والمفــاهيم‬
‫النظريــة‪ ،‬وانمــا وجــدت في قواعــدهم العمليــة فقط‪ .‬وهــذا الخلط النظري نــاتج عن أخــذ الرومــان‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 712.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.711.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪38‬‬
‫بالفلس ــفة اليونانية التي ترى أن علم األخال علم ش ــامل يدخل في نطاقه القانون‪ 1.‬أما عمليا فلم‬
‫يؤسـ ــس الرومان قانونهم على القواعد األخالقية‪ ،‬فالكثير من األفعال المسـ ــتنكرة أخالقيا ال يضـ ــع‬
‫‪2‬‬
‫لها القانون الج اء وهي شرعية ما دام القانون ال يجرمها‪.‬‬

‫أما الدين فالمالحظ أن القانون الروماني انفصـ ــل مبك ار عنه‪ ،‬فمنذ عصـ ــر القانون القديم ورغم‬
‫أن القواعــد القــانونيــة كــانــت ممت جــة بــالقواعــد الــدينيــة وهمــا بيــد الكهنــة الــذين يحتكرون معرفتهــا‬
‫وتــأويلهــا وتطبيقهــا‪ ،‬فــان قواعــد القــانون كــانــت منفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلــة ومتمي ة عن القواعــد الــدينيــة‪ ،‬فقــد اعتبر‬
‫الرومان أن القواعد الدينية هي التي تص ـ ــدر عن اآللهة وتنظم عالقة العابد بالمعبود‪ ،‬أما القواعد‬
‫القانونية فهي من صــنع البشــر وجاءت لتنظم روابط أرباب األس ــر في المدينة الرومانية‪ .‬كما أن‬
‫الش ــعب الروماني كان غير متدين كثي ار مما جعل االنفص ــال س ــهل وممكن ومع هذا فقد وجد في‬
‫عهــد القــانون القــديم بعم االرتبــاط بينهمــا‪ ،‬حيــي تــدخــل مثال رجــال الــدين للتخفيف من العــادات‬
‫التي كانت تمنح لرب األس ـ ـ ـ ـ ـ ـرة سـ ـ ـ ـ ـ ــلطة مطلقة على وجته وأوالده فحرمت عليه بيع وجته كما‬
‫اعتبرت بعم التصـرفات باطلة قانونا إذا أجريت خارج أيام التقويم الديني ولم يكن البريتور يعقد‬
‫‪3‬‬
‫جلسات القضاء في هذه األيام‪.‬‬

‫لقـد كـانـت رومـا في العهد الملكي بدائية ال تعرف سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى التقاليد واألعراف قانونا لها‪ 4.‬كما‬
‫كان األش ـراف وحدهم يحتكرون معروفة القواعد العرفية والصــيغ القضــائية ويح لهم دون العامة‬
‫االنضــمام إلى المجالس الشــعبية‪ 5‬وكانت القواعد العرفية الرومانية تســتمد إل اميتها من الدين وقد‬
‫‪6‬‬
‫استمرار احتكارها إلى غاية ظهور قانون األلواح اإلثنى عشر‪.‬‬

‫وقد أدى التوسـع الجررافي لروما إلى عدة إيجابيات على مستوى االقتصاد والحياة االجتماعية‬
‫ولكن كان أبلغ األثر على الجانب القانوني‪ ،‬حيي ظهرت مص ــادر جديدة للقانون الروماني‪ ،‬رغم‬
‫بقـاء العرف كمصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر اال أن أهميتـه قلـت مقـارنـة بـالتش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريع والفقـه والقـانون البريتوري وقـانون‬
‫الشعوب‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪3‬‬

‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.07.‬‬ ‫‪4‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.137.‬‬ ‫‪5‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.22.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪39‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التشريع‬
‫عرف الرومان وخاصـة في العهد الجمهوري تنظيما واجراءات خاصة لصدور التشريعات‪ ،‬فقد‬
‫اختص القناصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل بوضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروعات القانون العام التي تدخل تعديالت جوهرية في النظم‬
‫الس ــياس ــية‪ ،‬أما حكام العامة فقد اختصـ ـوا بمش ــروعات القانون الخاص‪ .‬وكان ح اقتراع مش ــروع‬
‫القانون حك ار على الحكام فقط‪ ،‬والقوانين التي تصدر عن مجلس الشعب بعد االقتراع تسري على‬
‫الجميع‪ ،‬على عكس القوانين التي تصـ ـ ـ ــدر عن بعم الحكام بعد تفويم مجلس الشـ ـ ـ ــعب والتي‬
‫تسـري على األقاليم والمســتعمرات فقط‪ .‬ويعرم مشـروع القانون على مجلس الشــيوخ أوال ثم على‬
‫الشــعب في األسـوا ثم في المجالس الشـعبية والتي لها ح القبول أو الرفم دون ح التعديل‪.‬‬
‫وكانت القوانين تعرف باسـ ــم الحاكم الذي اقترحها‪ ،‬ويشـ ــتمل كل قانون على مقدمة تتضـ ــمن اسـ ــم‬
‫الحاكم المقترح له وتاريخ التص ـ ــويت عليه واس ـ ــم المجلس الذي اقترع عليه وتاريخه واس ـ ــم الوحدة‬
‫‪1‬‬
‫التي بدأت االقتراع‪.‬‬

‫وتمي العهد الجمهوري كذلك بصـ ـ ــدور قانون األلواح االثنى عش ـ ـ ــر‪ ،‬حيي أدى احتكار رجال‬
‫الدين لقواعد العرف وتفسـ ـ ــيرها لصـ ـ ــالح األش ـ ـ ـراف إلى مطالبة العامة بتدوين القواعد العرفية لكي‬
‫يمكن تطبيقها عليهم‪ .‬ومنذ س ـ ـ ـ ـ ـ ــنة‪ 127‬قبل الميالد طالب العامة بوض ـ ـ ـ ـ ـ ــع مجموعة قانونية وقد‬
‫عارم مجلس الشيوخ ذلك‪ ،‬ولكنه قبل في سنة‪ 131‬قبل الميالد على ذلك وأرسل بعثة إلى بالد‬
‫اليونان لد ارسـة قانون صـولون‪ ،‬وبعد عودتها تشـكلت لجنة من عشرة أشخاص كلهم من األشراف‬
‫وأوقفت سـ ـ ــلطة الحكام لمدة س ـ ـ ــنة وأعطيت اللجنة س ـ ـ ــلطات مطلقة‪ .‬وقامت هذه األخيرة بوض ـ ـ ــع‬
‫عش ـ ـرة ألواح عرضـ ــت على مجلس الشـ ــعب فاعتبرت غير كافية‪ .‬ولذلك تشـ ــكلت لجنة جديدة في‬
‫العام التالي ضـ ـ ـ ـ ــمت بعم العامة‪ ،‬وقامت بوضـ ـ ـ ـ ــع لوحتين جديدتين‪ .‬ومع هذا لم تأت كل هذه‬
‫النص ـ ـ ـ ـ ـ ــوص بح ال واج بين األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراف والعامة‪ ،‬األمر الذي أدى إلى ثورة العامة على اللجنة‬
‫م انتخب مجلس الشـ ـ ـ ــعب قنصـ ـ ـ ــلين قاما بنشـ ـ ـ ــر هذه األلواح وقد‬ ‫واسـ ـ ـ ــقاطها‪ .‬وفي عام ‪111‬‬
‫حطمت هذه األخيرة بعد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتين سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنة على إثر غ و روما من قبائل الرال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنة ‪ 013‬قبل‬
‫الميالد‪ 2.‬ولم تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إلين ــا ه ــذه األلواح وانم ــا تمكن المؤرخون من جمعه ــا من كت ــب الفقه ــاء‬
‫‪3‬‬
‫الرومان‪.‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 83.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.131 .130.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪41‬‬
‫والمالحظ أن بعم النظم القانونية بقيت خاضـ ـ ـ ــعة للتنظيم العرفي القديم رغم ص ـ ـ ـ ــدور قانون‬
‫األلـ ـ ـواح الـ ـ ـ ‪ 17‬كالسلطة األبوية والسيادة ال وجية والطال والملكية‪ ،‬ومع هذا يعد قانون األلواح‬
‫الـ ‪ 17‬في هذه المرحلة أساس القانون الخاص‪ ،‬وقد تضمن ما يلي من المسائل‪:‬‬

‫‪ -‬تض ـ ـ ـ ــمنت اللوحات‪ 0-1:‬الش ـ ـ ـ ــكليات العامة للدعوى‪ :‬التكليف‪ ،‬اس ـ ـ ـ ــتدعاء الش ـ ـ ـ ــهود‪ ،‬اإلقرار‬
‫القضائي‪ ،‬الحكم وتنفيذه‪.‬‬
‫‪ -‬تضمنت اللوحتين‪ 3 -1:‬األسرة وشكليات ال واج‪ ،‬الطال ‪ ،‬انتساب األوالد‪ ،‬الوصاية‪ ،‬اإلري‪.‬‬
‫‪ -‬تضمنت اللوحتين‪ 2 -2‬الملكية العقارية‪ ،‬نقل الملكية‪ ،‬التقادم‪.‬‬
‫‪ -‬تضمنت اللوحات ‪ 13- 8‬الجرائم وعقوباتها‪ :‬القتل‪ ،‬الحر ‪ ،‬شهادة ال ور‪ ،‬السحر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬تضمنت اللوحتين‪ 17 -11:‬حرية التجمع‪ ،‬منع قتل شخص غير محكوم عليه قانونا‪.‬‬
‫أما في العهد االمبراطوري فقد ظهرت الدســاتير اإلمبراطورية‪ ،‬حيي انتقلت الســلطة التش ـريعية‬
‫من مجلس الشـ ـ ــعب إلى مجلس الشـ ـ ــيوخ مع العلم أن هذا األخير كان قبل ذلك يمارس سـ ـ ــلطات‬
‫تشـ ـ ـريعية غير مباشـ ـ ـرة عن طري اإلش ـ ــارة على الحاكم بإدماج حكم معين في منش ـ ــوره‪ ،‬كما أنه‬
‫كان يشيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر على الحاكم إذا أراد هذا األخير إدخال تعديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل في القانون الخاص بهذا التعديل‪،‬‬
‫وص ــارت مش ــورة مجلس الش ــيوخ تتمتع بقوة التشـ ـريع في حكم هادريان "ســنة‪032-002‬م" وهي‬
‫تســمى الخطبة التي يلقيها اإلمبراطور عند عرضــه المشــروع على المجلس شــارحا مبرراته‪ .‬وبعد‬
‫هذا ص ـ ــار اإلمبراطور يص ـ ــدر الق اررات التشـ ـ ـريعية دون التخفي وراء المجلس‪ .‬وكان اإلمبراطور‬
‫يتمتع بس ــلطة التشـ ـريع اإلداري بتفويم المجالس التشـ ـريعية وله إص ــدار الدسـ ــاتير اإلمبراطورية‬
‫والتي اتخذت عدة صور‪:‬‬

‫‪ -‬التعليمات الموجهة من اإلمبراطور إلى الوالة فيما يخص القانون العام والخاص وهي قاص ـ ـ ـ ـرة‬
‫على موضــوعها الذي صــدرت بشــأنه ثم طبقت على ما شــابه موضــوعها وصــارت عامة بالتالي‬
‫مصدر للقانون‪.‬‬
‫‪ -‬األحكام‪ :‬القضـ ــائية الص ــادرة من قض ــاء اإلمبراطور ولها قيمة عند القض ــاة فص ــارت مصـ ــد ار‬
‫للقانون‪.‬‬
‫‪ -‬المنشورات‪ :‬يصدرها اإلمبراطور ألنه يتمتع بالوالية العامة عند الحاجة إلى قواعد قانونية‪.‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.27-21.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -‬الفتاوى‪ :‬ردود اإلمبراطور على اســتفســارات األفراد والحكام بخصــوص مســائل قانونية وتقتصــر‬
‫‪1‬‬
‫على القضية محل الفتوى فقط فأثرها محدود‪.‬‬

‫وفي عهد اإلمبراطورية السـ ــفلى صـ ــارت إرادة األباطرة هي المصـ ــدر الوحيد للتش ـ ـريع مع بقاء‬
‫القانون القديم الذي تكون في العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر العلمي سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريا في الحدود التي رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمتها الدسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتير‬
‫اإلمبراطورية‪ .‬تدخل اإلمبراطور في كل المس ــائل أدى إلى وجود دس ــاتير كثيرة ومتناقضـ ــة أحيانا‬
‫واختفــت التعليمــات واختلطــت األحكــام بــالفتــاوى واقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت قيمتهــا وال اميتهــا على الحــالــة التي‬
‫أص ــدرت بش ــأنها فقط‪ .‬أما المنش ــورات كص ــورة من ص ــور الدس ــاتير اإلمبراطورية فهي المص ــدر‬
‫‪2‬‬
‫األساسي للقانون في هذه المرحلة‪.‬‬

‫وقد ظهرت فكرة تجميع الدسـ ـ ـ ـ ــاتير اإلمبراطورية الرومانية القديمة والسـ ـ ـ ـ ــارية المفعول فظهرت‬
‫مجموعــة جريجوريوس والتي ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـملــت تجميع الــدس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتير اإلمبراطوريــة من عهــد هــادريــان إلى‬
‫دقلديانوس وتألفت من ‪ 12‬كتاب‪ .‬أما رس ـ ــميا فص ـ ــدرت مجموعة تيودو الثاني س ـ ــنة ‪108‬م في‬
‫اإلمبراطوريـة الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقيـة وعمـل االمبراطور فالنتينيان الثالي على إصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار ها في اإلمبراطورية‬
‫‪3‬‬
‫الرربية أيضا‪.‬‬

‫أمـا بخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص تجميع قواعد القانون القديم أي الذي تكون عن طري العرف أو التش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريع‬
‫الص ـ ــادر عن المجالس الش ـ ــعبية أو مجلس الش ـ ــيوخ ومنش ـ ــورات الحكام وآراء الفقهاء‪ .4‬فقد ظهر‬
‫على اثر اصـ ـ ــدر تيودو الثاني وفالنتينيان الثالي من اإلمبراطورية الشـ ـ ــرقية والرربية دسـ ـ ــتورهما‬
‫‪5‬‬
‫المشترك في ‪172‬م الذي ُعرف بقانون األسانيد حيي نظم كيفية االستدالل بآراء الفقهاء‪.‬‬

‫لقد عرفت مرحلة اإلمبراطورية السفلى ظهور مجموعتين قانونين كبيرين للتشريع هما‪:‬‬

‫‪ -0‬قانون تيودور‪ :‬حكم تيودور من سـ ـ ـ ـ ــنة ‪ 138‬إلى ‪ 133‬ميالدي وكان ضـ ـ ـ ـ ــعيفا من الناحية‬
‫السـياسـية لتسـلط مقربيه عليه‪ ،‬ولكنه اشتهر بقانونه‪ .‬وقد سب وضع هذا القانون مشروعين حيي‬
‫جمعت الدس ـ ـ ــاتير ذات الطابع العام الص ـ ـ ــادرة في عهد قس ـ ـ ــطنطين كمجموعة أولى‪ ،‬كما جمعت‬

‫‪ 1‬رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 122.‬وما بعدها‪.‬‬


‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.177.‬‬ ‫‪2‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.177.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.170.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪42‬‬
‫النص ـ ـ ــوص القانونية القديمة الس ـ ـ ــابقة على المجموعة األولى خاص ـ ـ ــة تلك الواردة في قواعد غير‬
‫‪1‬‬
‫رسمية وبقي هذا المشروع على هذه الحالة‪.‬‬

‫أما المش ــروع الثاني فكانت غايته جمع الدسـ ــاتير العامة الصـ ــادرة ابتداء من حكم قسـ ــطنطين‪.‬‬
‫وأسـند هذا العمل إلى لجنة مكونة من ‪ 12‬موظف سامي مع وجود فقيه يحمل دكتو ار في القانون‬
‫داخل اللجنة وص ـ ـ ـ ــياغة القانون تمت في ‪ 12‬كتابا وبقي هذا القانون س ـ ـ ـ ــاريا إلى غاية ص ـ ـ ـ ــدور‬
‫مجموعة جوستيان‪.‬‬

‫‪ -2‬مجموعـة جوســـــــــتيان‪ :‬تولى جوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتيان الحكم في ‪372‬م إلى غاية ‪323‬م وجمع القانون‬
‫الســاري شــطريه الدســاتير اإلمبراطورية والقانون القديم وذلك لتســهيل الرجوع إلى القواعد القانونية‬
‫ولتخليد القانون الروماني كثيرات عالمي‪ .‬وتم ذلك في ‪301‬م واشتمل على ‪ 31‬مجموعات‪:‬‬

‫‪ -‬مجموعة الدساتير (‪)Codex‬‬


‫‪ -‬النظم (‪) Institutionses‬‬
‫‪-‬الموسوعة (‪ )Digesta‬وهذه هي المجموعة الرسمية‪.‬‬
‫‪ -‬الدس ـ ـ ــاتير الجديدة (‪ )Novelles‬وهذه لم يص ـ ـ ــدرها اإلمبراطور وهي تص ـ ـ ــدر باللرة اإلغريقية‬
‫وعرفت مجموعات جوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتيان في العصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور الوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطى بالقانون المدني تمي ا له عن القانون‬
‫‪2‬‬
‫الكنسي‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الفقه‬


‫لم يقم قانون األلواح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 17‬على احتكار رجال الدين للقانون والشكلية التي تطبع القانون‬
‫الروماني حيي بقي اللجوء لهؤالء عند غموم النصوص‪ ،‬ولكن في القرن الرابع قبل الميالد بدأ‬
‫الفقه المدني يحل محل الفقه الديني‪ ،‬حيي نشـ ـ ــرت صـ ـ ــيغ الدعاوي الرسـ ـ ــمية التي كانت محتكرة‬
‫م اســتطاع أحد كتاب حاكم االقتصــاد وهو فالفيوس جمع معظم صــيغ‬ ‫ســابقا‪ .‬ففي ســنة ‪017‬‬
‫الدعاوي ونشـرها في مجموعة رسمية مع تقويم أليام التقاضي‪ .‬وفي فترة الحقة وصل أحد العامة‬
‫إلى منص ـ ـ ـ ـ ـ ــب رئيس الكهنة وأخذ يجيب علنا على أس ـ ـ ـ ـ ـ ــئلة األفراد‪ ،‬بل وأوجب على رجال الدين‬
‫إعطاء اسـ ـ ـ ــتشـ ـ ـ ــارتهم علنا‪ .‬ورغم هذا فان علم القانون في هذه المرحلة بقي من مشـ ـ ـ ــاغل الطبقة‬
‫الراقيــة‪ ،‬وكــانــت مهــام الفقهــاء تتمثــل في اإلفتــاء للحكــام واألفراد والتوثي بحيــي يحررون جميع‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 738.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪43‬‬
‫العقود والتصــرفات المشــترط فيها الرســمية‪ .‬ومســاعدة األف ارد في اختيار صــيغ الدعاوي‪ .‬كما بدء‬
‫عمل الفقهاء يتطور ويتجه نحو خل مبادل قانونية في المس ـ ـ ـ ـ ـ ــائل الجديدة‪ ،‬وأش ـ ـ ـ ـ ـ ــهر فقهاء هذا‬
‫العص ــر باتيس وهو أول من وض ــع مؤلف في القانون به ‪ 30‬أقس ــام "تعليق على قانون األلواح‬
‫الـ ـ ‪ ،02‬تفسيرها وشرحها‪ ،‬صيغ الدعاوى التي نشرها فالفيوس والصيغ الجديدة التي ظهرت ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫الفقيه كاتو الذي وترك مؤلفات وشروحات في القانون المدني‪.‬‬

‫لقد تحول الفقه في العهد اإلمبراطوري إلى مصـد ار مباشـ ار للقانون‪ ،‬وقد شـملت نشاطات الفقه‪:‬‬
‫الفتوى‪ ،‬التعلي على القانون المدني‪ ،‬التعلي على القانون البريتوري‪ ،‬الموسـ ـ ـ ـ ــوعات‪ ،‬مؤلفات في‬
‫ومنح لبعم‬
‫شــكل وجي وســميت بالنظم وقد تولى الفقهاء المناصــب القضــائية واإلدارية الكبرى‪ُ ،‬‬
‫الفقهاء ح اإلفتاء الرســمي بفتاوى مل مة للقاضــي في الن اع المعروم‪ ،‬ولكن اشــترط أغســطس‬
‫في الفتوى أن تكون كتابة والتوقيع عليها م ــن الفقيـ ـ ــه‪ 2.‬ولكن عند اإلمبراطور هادريان توقف هذا‬
‫االمتيا ومنح لمجلسـ ـ ـ ــه االسـ ـ ـ ــتشـ ـ ـ ــاري ذلك والذي ضـ ـ ـ ــم مشـ ـ ـ ــاهير الفقهاء وكانت فتاوى الفقهاء‬
‫الرسميين مل مة إذا كانت صادرة باتفا أراء الفقهاء‪ .‬أما عند التعارم فالقاضي حر في اختيار‬
‫أحد اآلراء‪ .‬أما أشـهر فقهاء هذا العصـر جوليان الذي ألف موسوعة بها ‪ 23‬ج ءا وبابنيان الذي‬
‫مات مقتوال بأمر مـ ـ ـ ـ ــن كركال (‪ 717‬قبل الميالد) ألنه رفم تبرير قتل اإلمبراطور ألخيه وتولي‬
‫‪3‬‬
‫منصب رئيس الديوان‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬القانــون البريتوري‬


‫بعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اتسـ ــاع اإلمبراطورية الرومانية لجأ القناصـ ــل إلى تعيين بعم الحكام‪ ،‬وأنشـ ــأ البريتور‬
‫المدني‪ 022‬قبل الميالد للفصـل في المنا عات التي تثور بين المواطنين الرومان‪ ،‬وتمثلت سلطة‬
‫هذا األخير في االس ـ ـ ــتماع إلى ادعاء األطراف واحالتهما إلى حكم للفص ـ ـ ــل في منا عاتهم‪ .‬وبعد‬
‫تخلص القانون الروماني من سـ ـ ــيطرة رجال الدين توس ـ ـ ــعت س ـ ـ ــلطات البريتور حيي ص ـ ـ ــار يبين‬
‫القواعد القانونية بش ــأن الن اع ليلت م بها الحكم أو القاض ــي‪ ،‬وبعد ص ــدور قانون إيبوتيا الذي أباح‬
‫لألفراد شــرح دعواهم بدون إجراءات رســمية ظهرت ســلطة البريتور في خل قواعد قانونية جديدة‪،‬‬
‫حيي ص ـ ـ ـ ـ ــار يوجد ص ـ ـ ـ ـ ــيغ دعاوى لحماية مراك قانونية ال يحميها القانون‪ .4‬وكل هذا من أجل‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 88.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 111.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.112.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪44‬‬
‫مواجهة ت ايد المعامالت بيـ ـ ـ ــن الناس وانتشار الخداع والرش واإلكراه في التعامل‪ ،‬حيي لم يتمكن‬
‫قانون األلواح االثنى عش ـ ـ ــر من أن يجد لها حال فض ـ ـ ــال عن اهتمامه بش ـ ـ ــكليات تعرقل مس ـ ـ ــايرة‬
‫القانون الوضع االجتماعي واالقتصادي المتطور ويبـ ـ ـ ـ ـ ــدوا دور البريتور بار ا أكثـ ـ ـ ـ ـ ــر بعد صدور‬
‫‪1‬‬
‫قانون إيبوتيا أين يستعمل وسائله القضائية والوالئية من أجل تطوير قواعد القانون الروماني‪.‬‬

‫لقــد أجــا قــانون إيبوتيــا لألفراد اللجوء إلى نظــام المرافعــات الكتــابيــة أو نظــام دعــاوى القــانون‪،‬‬
‫ويعد منش ـ ــور البريتور والوس ـ ــائل التي يس ـ ــتعملها من أجل تحديي القانون الروماني أهم مص ـ ــادر‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬
‫للقانون بعد صدور قانون إيبوتيا والى غاية أواسط عهد اإلمبراطورية العليا‪.‬‬

‫أوال‪ /‬المنشــور الدائم والطار‪ : :‬المنشــور الدائم هو المنشــور الذي يعلنه البريتور عند بدأ واليته‪،‬‬
‫فكان كل بريتور يضـ ــع خطة يسـ ــير عليها عن طري إصـ ــدار منشـ ــور أثناء والته التي تمتد لفترة‬
‫سـ ـ ــنة وينش ـ ـ ـره في السـ ـ ــاحة العامة‪ ،‬حيي يبرمج األسـ ـ ــاليب والحلول الجدية التي تضـ ـ ــمن العدالة‬
‫وتضـ ـ ـ ـ ــفي على القانون المرونة خالل مدة واليته‪ ،‬ومع تعاقب الحكام سـ ـ ـ ـ ــاهمت منشـ ـ ـ ـ ــوراتهم في‬
‫تكوين العديد من القواعد القانونية لما لهم من س ـ ـ ـ ـ ــلطات قض ـ ـ ـ ـ ــائية وادارية كذلك‪ .‬أما المنش ـ ـ ـ ـ ــور‬
‫الطارل فهو الذي يصدره البريتور في ظروف طارئة يعدل ب ـ ـ ـ ـ ــه المنشور الدائم وألر ـ ـ ـ ـ ــي المنشور‬
‫الطارل بموجب قان ـ ـ ــون كورنليا ‪ 22‬قبل الميالد‪ .‬ويعتبر المنشور مل م للبريتور الذي أصدره لكن‬
‫خلفه يسـ ـ ــتطيع تعديله ولكن واقعيا نجد نفس القواعد الموجودة في المنشـ ـ ــور السـ ـ ــاب موجودة في‬
‫المنشــور الالح مما كون مع ال من مجموعة من األحكام الثابتة التي ناد ار ما يتم الخروج عليها‬
‫وس ـ ـ ـ ـ ـ ــمي هذا الج ء من المنش ـ ـ ـ ـ ـ ــور "الجزء المتداول وقد جمع في عهد هادريان بعد تكليفه فقيه‬
‫عص ـ ـ ـره جوليان بتجميعه في مجموعة رمية صـ ـ ــاد عليها مجلس الشـ ـ ــيوخ وصـ ـ ــارت مل مة لكل‬
‫بريتور‪ .‬وبهذا توقف تطور هذا الج ء ولم تظهر إال الشروحات والتعليقات عليه بعد ذلك‪ .‬وتجدر‬
‫اإلشارة إلى المنشور وقد امتد كذلك إلى جميع األقاليم على اعتبار أن الحكام يضعون منشوراتهم‬
‫‪3‬‬
‫على غرار منشورات البريتور‪ ،‬وهذا ما جعل المنشور دائما مصد ار للقانون‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬اإلصالحات البريتورية‪ :‬لقد كان للبريتور دو ار بار ا في تطور قواعد القانون الروماني‪ ،‬وقد‬
‫استعمل البريتور كل ما يملك من سلطات والتي ظهرت في شكلين‪:‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.132.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.138.‬‬ ‫‪2‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.112.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ -0‬وســــائل مســــتمدة من ســــلطته الوالئية‪ :‬كان نظام المرافعات الروماني قبل صـ ـ ــدور قانون‬
‫إيبوتيا نظاما يقوم على الشـ ــكلية والحرفية ويدعى نظام دعاوى القانون حيي ال يسـ ــتطيع البريتور‬
‫أن يمنح للخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم دعوى قض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائيــة إال في الحــاالت التي ينص عليهــا القــانون وهي حــاالت‬
‫محصـ ـ ــورة جدا وال يمكنها أن تحق العدالة واالسـ ـ ــتجابة للتريرات التي يعرفها المجتمع الروماني‪،‬‬
‫األمر الـذي فرم على البريتور لتسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهيـل العـدالـة التدخل واعطاء نوع من المرونة لهذا النظام‪.‬‬
‫فباعتبار البريتور حاكم فهو يتمتع بس ـ ـ ــلطة والئية تجعل له بعم الس ـ ـ ــلطات اإلدارية التي تخوله‬
‫أن يتخذ اإلجراءات الال مة لتحقي المصـ ــلحة العامة والمنشـ ــور البريتوري المبين أعاله هو الذي‬
‫يبرمج األسـ ـ ــاليب والحلول الجدية التي تضـ ـ ــمن العدالة وتضـ ـ ــفي على القانون المرونة خالل مدة‬
‫واليته‪ ،‬وقد اســتعمل البريتور هذه الوســائل إلى غاية صــدور قانون إيبوتيا‪ ،‬حيي اســترلها للترلب‬
‫‪1‬‬
‫على ضي القانون المدني قبل ظهور نظام دعاوي البرنامج أو الدعاوى الكتابية‪.‬‬

‫‪ -2‬وسـائل مسـتمدة من سـلطته القضائية‪ :‬بعد ظهور قانون إيبوتيا أعطي للمقاضين الح في‬
‫االختيـار بين دعـاوى القـانون أو اللجوء إلى نظام المرافعات الكتابية وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار للبريتور س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلطة‬
‫ص ــياغة ادعاءات األطراف في برنامج وتحديد س ــلطة القاض ــي في الحكم‪ .‬وبهذا ص ــار البريتور‬
‫يوجد صيغ دعاوي لحماية مراك قانونية لم يحمها القانون المدني وذلك مثال من خالل‪:‬‬

‫‪ -‬توسـ ـ ـ ـ ــع البريتور في منح دعاوى قانونية عن طري القياس والتفسـ ـ ـ ـ ــير لدعاوى القانون المدني‬
‫فمثاال كان القانون المدني الروماني يجعل األموال النفيس ـ ــة ال تكتس ـ ــب إال باألش ـ ــهاد أو الدعوى‬
‫الصـورية وال يكفي التسـليم وحده لنقل الملكية‪ .‬وبموجب هذا فان المتسـلم لشيء نفيس مهدد بفقده‬
‫إذا تصــرف من ســلمه هذا المال إلى شــخص آخر عن طري األشــهاد أو الدعوى الصــورية‪ .‬وقد‬
‫وجه البريتور حال لهذه المس ـ ــألة حيي منح للمس ـ ــتلم دعوى ملكية تقوم على فرض ـ ــية أن المس ـ ــتلم‬
‫قضى مدة التقادم المكسب لملكية الشيء وبالتالي فهو مالك له‪.2‬‬

‫‪ -‬منح البريتور دعــاوى لحمــايــة مراك قــانونيــة فعليــة ال يحميهــا القــانون المــدني‪ :‬كــدعــاوى حمــايــة‬
‫المعير والمودع والدائن من تصـ ـ ـ ـ ــرفات المدين المض ـ ـ ـ ـ ـرة مع أن الوديعة والعارية عقود لم يعرفها‬
‫‪3‬‬
‫القانون المدني‪ ،‬كما لم ينظم حماية الدائن من تصرفات مدينه المعسر المضرة بحقوقه‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.111.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.102.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.108.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -‬اس ـ ـ ــتعمل البريتور وس ـ ـ ــيلة الدفوع الس ـ ـ ــتبعاد أحكام القانون المدني التي ال تأخذ بعين االعتبار‬
‫عيوب اإلرادة‪ ،‬حيي أنه وحسـ ـ ـ ـ ــب القانون المدني فإن التصـ ـ ـ ـ ــرف القانوني يعد صـ ـ ـ ـ ــحيحا ومنتج‬
‫لكامل أثاره بمجرد إتمامه وف اإلجراءات الش ــكلية المطلوبة وبالص ــفة الرس ــمية برم النظر عن‬
‫إرادة المتصــرف هل هي مريبة أم ال‪ .‬وقد واجه البريتور هذا التصــلب والحرفية من خالل إدراجه‬
‫في برنامج الدعوى دفعا يحتم على القاض ـ ـ ــي بحي قبل النط بالحكم عيوب اإلرادة برية لحماية‬
‫من شـ ـ ــاب إرادته إكراه أو غش أو تدليس فإن وجدت فإن ادعاء المدعى يرفم ولو كان القانون‬
‫المدني يحميه‪ .‬ومثال ذلك أن يدرج البريتور في برنامجه العبارة التوضــيحية التالية أ يدعى حقا‬
‫على ب بمبلغ ‪ 33‬دينار حصـ ـ ـ ـ ـ ــل عليه من خالل عقد به إكراه في ح ب‪ .‬فهنا القانون المدني‬
‫ال ينظر إلى اإلكراه ولكن ينظر إلى اإلجراءات فإن تمت وفقه كان التص ـ ـ ـ ـ ــرف ص ـ ـ ـ ـ ــحيح‪ ،‬ولكن‬
‫مبادل العدالة ومقتضـ ـ ــيات حسـ ـ ــن النية ترفم هذا االلت ام‪ .‬فالبريتور يضـ ـ ــع في برنامج الدعوى‬
‫جملة (إذ كان ب مدين لـــــــ أ بـــــــ ‪ 51‬دينار ولم يكن قد وقع عليه إكراو من جانب أ احكم أيها‬
‫القاضـي على ب لصـالَ أ)‪ .‬فالقاضي هنا ينظر هل هناك إكراه قبل الحكم وبمفهوم المخالفة إن‬
‫‪1‬‬
‫ثبت اإلكراه على ب رفم ادعاء أ‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬قانون الشعوب‬


‫يعـد قـانون الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعوب ثمرة عـدم اعتراف الرومـان بـالقوانين األجنبية وعدم قبولهم تطب أحكام‬
‫القانون المدني على األجانب‪ ،‬حيي أنه وبعد توسـ ـ ـ ـ ــع روما الجررافي دخلت شـ ـ ـ ـ ــعوبا كثيرة تحت‬
‫سلطة الدولة الرومانية‪ ،‬فأدى ذلك إلى إنشاء منصب بريتور األجانب‪.‬‬

‫‪ -0‬وظيفة بريتور األجانب‪ :‬أنشـ ـ ـ هذا المنص ـ ــب في ‪. 717‬م لتولي الفص ـ ــل في المنا عات‬
‫التي تثور بين األجـانـب قيمـا بينهم أو بينهم وبين الرومـان‪ ،‬ذلـك أن الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعوب التـابعـة لروما لم‬
‫تكن تخضع للقضاء الخاص بالرومان وال إلى قانون األلواح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 17‬المخصص للرومان وذلك‬
‫بالنظر إلى الصـ ـ ـ ـ ـ ــيغ اللفظية التي يتعاملون بها والشـ ـ ـ ـ ـ ــكليات المرتبطة بالجانب الديني الروماني‬
‫‪2‬‬
‫والذي كان ممنوعا على األجانب رغم انتمائهم إلى الدولة الرومانية‪.‬‬

‫لقد نشـ ــأ قانون الشـ ــعوب من اجتهادات بريتور األجانب الذي تخطى األوضـ ــاع الرسـ ــمية التي‬
‫تحيط بالتص ـ ـ ــرفات القانونية في قانون األلواح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ ،17‬وذلك أن األجانب كانوا يتعاملون على‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.113-101.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.133.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪47‬‬
‫أس ـ ــاس الثقة وحس ـ ــن النية فيدس ‪ .‬حيي يعرم األطراف ن اعاتهم بش ـ ــكل عادي ويقوم البريتور‬
‫بتحرير وقــائع الــدعوى في برنــامج مكتوب ثم يحــال الن اع إلى محكمين بعــدمــا يحــدد لهم البريتور‬
‫مهمتهم في الحكم‪ .‬وكان البريتور هنا ح ار في صـ ـ ـ ــياغة القاعدة القانونية واسـ ـ ـ ــتيحائها من مبادل‬
‫العدالة والقانون الطبيعي مع اســتناده على األعراف والتقاليد والش ـرائع التي شــاع التعامل بها بين‬
‫األجانب‪ ،1‬وبهذا تأثر القانون المدني الروماني بهذا القانون الذي كان مصدره بريتور األجانب‪.2‬‬

‫‪ -2‬ت ثير قانون الشـعوب في القانون المدني الروماني ‪ :‬نتيجة تطور التجارة واتصــال الرومان‬
‫ب ــاإلغري ومجهودات بريتور األج ــان ــب أخ ــذ البريتور الم ــدني على ه ــذا األخير بعم المب ــادل‬
‫القانونية‪ ،‬كحس ـ ـ ـ ــن النية في المعامالت مثال‪ .‬وانتقلت قواعد قانون الش ـ ـ ـ ــعوب إلى القانون المدني‬
‫خاصـ ـ ــة تلك المتعلقة بالتجارة الخارجية واسـ ـ ــتطاع الش ـ ـ ـراح أن يعتبروا قانون الشـ ـ ــعوب ج ءا من‬
‫القانون المدني‪ ،‬وترتب على ذلك اكتتاب أنظمة قانون الشـ ـ ـ ـ ـ ــعوب التحديد والوضـ ـ ـ ـ ـ ــوح والقوة مما‬
‫‪3‬‬
‫ضمن لها البقاء كاألعمال األخرى الكبيرة التي أنتجها الرومان‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مظاهر بعض النظم القانونية الرومانية‬


‫تبعا للتطور الذي مر به القانون الروماني عبر العص ـ ـ ـ ـ ــور المختلفة التي عرفتها اإلمبراطورية‬
‫الرومانية‪ ،‬تطورت تقنياته للعالقات االجتماعية كالعالقات األس ـ ـ ـ ـ ـ ـرية والمالية ودعاوي القضـ ـ ـ ـ ـ ــاء‬
‫ونظام العقوبات‪ ،‬وعرف الكثير من القواعد التي ت ال آثارها موجودة في التشريفات الحديثة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نظام األسرة والرق‬


‫نـدرس نظـام األس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة والر تحـت عنوان واحـد بـالنظر إلى العالقـة التي تربط بين النظـامين‪،‬‬
‫حيي يخضع تنظيم عالقات األحوال الشخصية العتبارات الحالة االجتماعية لألفراد‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نظام الرق‬

‫ارتبط نظــام الر عنــد الرومــان بــاألجــانــب فقط‪ ،‬فــالمواطن الرومــاني ال يكون رقيقــا حتى وان‬
‫أُس ـ ـ ـ ـ ــر من قبل العدو ثم تمكن من العودة إلى روما‪ ،‬فهو يعتبر حرا‪ ،‬وبهذا كان الس ـ ـ ـ ـ ــبب الوحيد‬
‫لوجود العبيد في روما هو الحروب التي تمنح الح للمنتص ـ ـ ـ ـ ـ ــر في اس ـ ـ ـ ـ ـ ــتبعاد عدوه‪ .‬لكن وبعد‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.132.‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13-11.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 13.‬ما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪48‬‬
‫تحول روما للتجارة مع األجانب انفصــلت فكرة الحرية عن الجنســية وصــار الرومان ينظرون إلى‬
‫العبوديـة بـاعتبـارهـا حـالـة اجتمـاعيـة واقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاديـة في مرتبـة دنيـا‪ ،‬وبهذا وجد عبيد رومانيين في‬
‫رومــا وتمتع أجــانــب في رومــا بــالحريــة‪ .1‬وبقي هــذا النظــام سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائــدا في رومــا رغم تــأثر الرومــان‬
‫ع وجل قد خل الناس أح ار ار وأن نظام الر‬ ‫بالفلسفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الرواقية اإلغريقيـ ـ ـ ـ ــة التي ترى أن‬
‫مخالف لمبادل الطبيعة‪.‬‬

‫لقد وض ـ ـ ــع الرومان نظام الر في نص ـ ـ ــوص قانون الش ـ ـ ــعوب باعتباره نظاما مقر ار لدى كافة‬
‫الشــعوب القديمة‪ ،‬وعرفه جوســتيان على أنه نظام يخضــع بموجبه شــخص لملكية شــخص آخر‬
‫‪2‬‬
‫خالفا لمباد‪ :‬الطبيعة‪.‬‬

‫وف هذا التص ـ ـ ــور فالعبد يدخل في ثروة س ـ ـ ــيده ويعتبر من األش ـ ـ ــياء النفس ـ ـ ــية وللس ـ ـ ــيد جميع‬
‫عناصـ ـر الملكية من اس ــتعمال واس ــترالل وح التص ــرف ويص ــل بهذا الح إلى إمكانية بيعه أو‬
‫قتله‪ .‬وبالمقابل فالعبد محروم من أي ح ‪ ،‬فليس له مال أو ذمة مالية وال شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية قانونية‬
‫وبالتالي فإن ال يمكن أن يقاضـ ـ ـ ــي غيره مدعيا أو مدعى عليه‪ ،‬فإن اعتدى عليه كان للسـ ـ ـ ــيد أن‬
‫يتظلم ويطلب التعويم لنفس ــه وفي حالة اعتداء عبده على الرير ترفع الدعوى على الس ــيد الذي‬
‫يدفع الررامة المقررة للجريمة التي ارتكبها عبده أو يتخلى عنه للضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحية‪ .‬وتبعا لهذا كذلك كان‬
‫العبد ال يملك أسـ ـرة وعالقاته الجنس ــية هي اختالط مادي يتحكم فيه س ــيده وما ينتج عن ذلك من‬
‫أوالد يكونون ملك س ـ ـ ــيدهم‪ 3.‬غير أن حالة العبيد هذه عرفت تطو ار وتحس ـ ـ ــنا كبي ار في العص ـ ـ ــور‬
‫المتأخرة من عهد الحضارة الرومانية‪.‬‬

‫أوال‪ /‬أسـباب الرق‪ :‬عرفت الحضـارة الرومانية أسبابا عديدة للر حسب مختلف العهود والمراحل‬
‫التي مرت بها الدولة الرومانية‪:‬‬

‫‪ -31‬الر بسـ ــبب حالة األم‪ :‬كل ولد يولد من أمة يكون عبدا حتى وان كان أبوه ح ار وذلك ألنه‬
‫كان ال يعترف ب واج اآلمة وأن األوالد الذين يولدون من واج غير شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرعي يتبعون حالة األم‪.‬‬
‫وكــانــت العبرة بحــالــة األم عنــد الميالد ال وقــت الحمــل‪ ،‬ولكن ترير الحــال بعــد ذلــك ن وال عنــد‬
‫اعتبارات إنس ــانية حيي ص ــار الجنين يعتبر مولودا متى كان له مص ــلحة في ذلك‪ ،‬وص ــار الولد‬
‫يعتبر ح ار متى كـانـت أمـه تتمتع بـالحريـة وقـت الميالد أو قبـل ذلك في أي فترة من فترات الحمل‬

‫‪ 1‬عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.02.‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪02.‬‬
‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 711.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪49‬‬
‫حتى ولو صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارت رقيقـة عنـد الميالد‪ 1،‬تبعـا لقـاعـدة اعتبـار الحمل مولودا إذا كانت له في ذلك‬
‫فــائــدة تحول األمر إلى اعتبــار المولود ح ار بمجرد كون أمــه قــد اعترتهــا حــالــة حريــة ولو كــانــت‬
‫‪2‬‬
‫قصيرة أثناء الحمل‪.‬‬

‫‪-37‬األس ـ ـ ــر‪ :‬فاألس ـ ـ ــرى الذين تس ـ ـ ــتولي عليهم الجيوش الرومانية يص ـ ـ ــيرون عبيد لديهم وتبيعهم‬
‫الدولة‪ ،‬ويضـ ـ ـ ــاف إلى هؤالء من يسـ ـ ـ ــتحوذ عليه الرومان من األجانب بشـ ـ ـ ــرط أن ال تربط دولته‬
‫بروما معاهدة‪ .‬وتجدر اإلشــارة إلى أنه وباإلضــافة إلى الســببين األســاســيين المذكورين أعاله نجد‬
‫أنـه هنـاك أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـاب تجعل الروماني يفقد حريته بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرط أن يتم ذلك أي بيعه خارج مدينة روما‬
‫فالقاعدة ال تسمح بأن يصبح روماني عبدا في روما ومن هذه األسباب‪:‬‬

‫‪ -‬بيع الحاكم للروماني الذي لم يقيد اسمه في قوائم اإلحصاء أو المتهرب من الحرب والتجنيد‪.‬‬
‫‪ -‬بيع الدائن لمدينه المعسر‪.‬‬
‫‪ -‬بيع األب ألوالده‪.‬‬
‫‪ -‬بيع المسرو للسار الذي قبم عليه في حالة تلبس‪.‬‬
‫‪ -‬تسليم الحاكم الروماني‪ ،‬للفرد الروماني المعتدي على دولة أجنبية موالية لروما‪.3‬‬
‫وبتطور روما ألريت معظم هذه األســباب مع اإلبقاء على ســبب الســرقة في العصــر العلمي و‬
‫بالمقابل ظهرت أسباب أخرى للر أخرى مثل‪:‬‬
‫‪ -‬جعل من يتواطأ مع الرير لبيعه رقيقا ثم يس ـ ـ ــترد حريته بعد تمام البيع ض ـ ـ ــد حقو المش ـ ـ ــتري‬
‫عبيدا لدى المشترى وسريان العقد عليه‪.‬‬
‫‪ -‬المحكوم عليهم باإلعدام واألش ـ ـ ـ ــرال الش ـ ـ ـ ــاقة أو منا لة األس ـ ـ ـ ــود يفقدون حريتهم كعقوبة تبعية‬
‫لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬المرأة التي تعاشــر وتســتمر في معاش ـرة عبد رغم حظر ســيده المتكرر لهذه العالقة تصــير أمة‬
‫عند سيده وقد ألري هذا السبب في عهد جوستيان‪.‬‬
‫‪ -‬العبد الذي أعت من قبل ســيده يعود إلى العبودية إذا قام بما ينم على أنه جاحد لفضــل ســيده‬
‫‪4‬‬
‫عليه‪.‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.02.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.717.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 710.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪51‬‬
‫لقد تأثر الرومان بالمسـ ـ ــيحية والفلسـ ـ ــفة اإلغريقية مما أدى إلى تحسـ ـ ــين معاملة العبيد كما أن‬
‫التطور أدى إلى االعتراف بالوجود القانوني للعبيد وتطوير نظام العت ‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬تحسـين حالة العبيد‪ :‬في العصر العلمي نظر الفقهاء إلى عالقة العبد بسيده نظرة مختلفة‬
‫حيي كيفت هذه العالقة على أنها عالقة تبعية وليســت ملكية حيي يخضــع العبد لســيده ولكن ال‬
‫يمتلك من قبله‪ ،‬وف هذا التص ـ ـ ــور كان ل اما تريير وتحس ـ ـ ــين النظرة إذن إلى العبيد وفعال بدأت‬
‫حالة العبيد تتحسن من خالل‪:‬‬

‫‪ -‬اعتراف القانون ببعم أحكام القرابة بين العبيد والميراي المترتب عليها وجعل قرابة األصـ ـ ــول‬
‫والفروع مانعا من موانع ال واج بينهم‪ ،‬رغم أن واج العبيد ال يعترف به إال عند العت ‪.‬‬
‫‪ -‬تحريم بيع اآلمة من دون ولدها أو العكس‪.‬‬
‫‪ -‬حرمان السيد من إجبار عبده على منا لة الوحوش إال بإذن من القاضي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬معاقبة السيد بالقتل إذا قتل عبده بدون سبب‪.‬‬

‫‪ -‬االعتراف بش ـ ــخص ـ ــية مقيدة للرقي ‪ :‬فأوال تم االعتراف بش ـ ــخص ـ ــية قانونية مقيدة أهم مظاهرها‬
‫منحهم حقو دينية ش ـ ـ ــبيهة بحقو األحرار ثم ص ـ ـ ــار له الح في مباشـ ـ ـ ـرة األعمال النافعة نفعا‬
‫محضــا كأداة بيد ســيده يكتســب بها الحقو دون االلت امات‪ .‬وفي أواخر العصــر الجمهوري أجا‬
‫البريتور تولي العبد تصــرفات ســيده التبادلية وبعد صــار له إبرام التصــرفات الضــارة بســيده بحيي‬
‫تجعله مدينا ولكن بعد موافقة هذا األخير‪ .‬كما صــار الســيد يعطي لعبده نقودا أو قطعة أرم أو‬
‫ماشــية ليســتثمرها بنفســه ولكن مع بقائها في ملك ســيده حيي يســتردها إذا أســاء العبد إدارتها أو‬
‫ارتكب خطأ جسيما‪.‬‬

‫وتحت تأثير الفلسـ ــفة الرواقية اعترف الرومان للعبيد بأهلية التعاقد باسـ ــمه حيي صـ ــار ملت ما‬
‫مع سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيده أو مع الرير مع اعتبار أن عقوده بنفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ترتب الت ام طبيعي ال يمكن المطالبة به‬
‫قضــائيا‪ 2.‬وفي القرن الثالي الميالدي صــار للعبد الح في التقاضــي ومقاضــاة حتى س ــيده عند‬
‫تنكر هــذا األخير التفــاقــه معــه على عتقــه أو عنــدمــا يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء معــاملتــه‪ .‬وأكــدت التش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعــات‬
‫اإلمبراطورية عقاب السيد الذي يقتل عبده دون مبرر‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 713.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪51‬‬
‫ثالثا‪ /‬نظام العتق‪ :‬كان تحرير العبيد يتم بطر عديدة اختلفت وتنوعت حس ـ ــب مختلف عص ـ ــور‬
‫الدولة الرومانية ومراحل تطورها حيي نجد‪:‬‬

‫‪ -‬العت عم طري التسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجيـل في قوائم التعـداد‪ :‬والتي تتم بمعرفـة حـاكم اإلحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء من اجــل‬
‫إحصاء األحرار الرومانيين كل ‪ 33‬سنوات‪ ،‬وقد انتهت هذه الطريقة في العصر العلمي‪.‬‬

‫‪ -‬العت الشـ ـ ـ ـ ـ ــفوي والكتابي‪ :‬حيي كان السـ ـ ـ ـ ـ ــيد ينط بعبارات تدل على إرادته في تحرير عبده‬
‫بحضـ ـرة أص ــدقائه وهو ما يحرر العبد مباشـ ـرة‪ .‬ويمكن أن يتم التحرير عن طري اإلقرار الكتابي‬
‫الذي يرسله السيد إلى العبد ويحق نفس النتيجة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬العت الديني الذي يقوم به رجال الدين والذي ظهر في اإلمبراطورية السفلى‪.‬‬

‫‪ -‬العت أمام المحاكم الحرية الص ــورية ويتم من خالل اتفا الس ــيد مع ش ــخص آخر على رفع‬
‫دعوى الحريـة على الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـد بـاعتبـار أن عبـده المراد عتقه هو في الواقع حر‪ .‬وعند المحاكمة ال‬
‫ينا ع الســيد في هذا اإلقرار فيســجل القاضــي ذلك‪ ،‬وبســطت هذه الطريقة في عهد جوسـتنيان أين‬
‫صار يكفي إقرار السيد أمام المحاكم بالحرية فقط‪.‬‬

‫‪ -‬العت عن طري الوص ـ ــية‪ :‬حيي يقوم الس ـ ــيد بااليص ـ ــاء بعت عبده وال يكون هذا األخير ح ار‬
‫إال بعد وفاة السيد‪.‬‬

‫تأثر‬
‫ا‬ ‫‪ -‬العت تحت تأثر التعاليم المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيحية‪ :‬كثرت األحوال التي نص فيها القانون على العت‬
‫بالمسـيحية كحالة تحير العبد الذي يواجه حالة من حاالت النبذ من طرف سيده بسبب مرضه أو‬
‫كبر ســنه أو دعوته إلى الفسـ والفجور‪ .‬كما يعت العبد الذي يكشــف عن قاتل ســيده أو مرتكبي‬
‫‪2‬‬
‫الجرائم العامة كاالغتصاب أو الهروب من الجندية إذا طلب ذلك‪.‬‬

‫إن نظام العت يمنح الحرية للعبد والصـ ـ ـ ـ ــفة الوطنية له إذا كان سـ ـ ـ ـ ــيده رومانيا ولكن العبد ال‬
‫يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل إلى مرتبة األحرار بكل المعاني‪ ،‬فالمعت يبقى ممنوع من عضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوية مجلس الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيوخ‬
‫والوظائف القضـ ـ ــائية إال سـ ـ ــمح له بذلك بقرار من اإلمبراطورية بالنظر إلى صـ ـ ــفاته وقد ال هذا‬
‫المنع في عهد جوسـ ـ ـ ــتيان‪ .‬كما أن العبد المعت يبقى مرتبط بعالقة والء لسـ ـ ـ ــيده كواجب أخالقي‬
‫فقط حيي يس ـ ــتمر في خدمته ونفقة إذا أعس ـ ــر وال يجو للمعت رفع دعوى عليه وأن يعمل عنده‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪17.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.711.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪52‬‬
‫س ـ ـ ــاعات محددة كل يوم‪ ،‬وال تنتهي واجبات المعت بوفاته بل تنتقل إلى ورثته ما لم يتنا ل عنها‬
‫‪1‬‬
‫السيد أو ورثته‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظام األسرة‬

‫تطور هــذا النظــام بمختلف المواد المكونــة لــه من واج وتبني واري‪ ،‬لكن كــل هــذه األنظمــة‬
‫سيطرت عليها فكرة السلطة األبوية وتطورت بتطورها هذه األخيرة‪.‬‬

‫أوال‪ /‬فكرة الســــــــلطة األبوية وتطورها‪ :‬ينس ـ ـ ـ ـ ـ ــب الولد عند الرومان إلى أبيه دون أمه وقد قامت‬
‫األس ـرة الرومانية في شــتى المجاالت على أســاس الســلطة األبوية التي هي األســاس الوحيدة أمام‬
‫القانون المدني للقرابة القانونية المنتجة لح الميراي‪ .‬أما القرابة الطبيعية أو صـ ــلة الدم أي جهة‬
‫األم فال ترتب أي ح ‪ .‬وتقس ـ ــم القرابة المدنية المؤسـ ـ ـس ـ ــة على الس ـ ــلطة األبوية إلى دوائر ثالي‬
‫حيي تشـ ــمل األس ـ ـرة المبنية على البيت الواحد‪ ،‬وتمتد إلى دائرة أوسـ ــع تتشـ ــكل من العصـ ــبة من‬
‫‪2‬‬
‫األقارب‪ ،‬وصوال إلى دائرة أكبر تشمل أعضاء العشيرة‪.‬‬

‫ورب األسـ ـرة عند الرومان ال يقص ــد به األب دائما وانما عيم المن ل الذي ال يخض ــع لس ــلطة‬
‫غيره الذي يمارس الســلطة على األس ـرة بما فيها من أوالده ذكور واناي وفروعه من الذكور الذين‬
‫يعيشـ ــون معه بالمن ل‪ .‬حيي يعد ح األبوة المباش ـ ـرة أو غير المباش ـ ـرة كما هو الحال في الحالة‬
‫األخيرة إذا كان رب األسرة جدا وليس أبا‪ ،‬المصدر األساسي لهذه السلطة‪.‬‬

‫أما سـلطة رب األسـرة على كل أفراد األسـرة فهي تشبه سلطته على عبيده وتشمل هذه السلطة‬
‫األشخاص واألموال‪ ،‬حيي لرب األسرة بيع أوالده أو إخراجهم عن األسرة بالتبني أو التحرير‪ ،‬بل‬
‫له ح الحياة أو الموت على أفراد أس ـرته‪ .‬وهو الوحيد الذي له شــخصــية قانونية وذمة مالية فله‬
‫كل األموال التي تملكها األسـ ـ ـرة‪ 3.‬وتدوم هذه الس ـ ــلطة مدى حياة ممارس ـ ــها وتمتعه بالش ـ ــخص ـ ــية‬
‫القانونية‪ ،‬وتحميها قانونا دعوى تس ـ ـ ــمى دعوى اسـ ـ ـ ــترداد اإلبن‪ .‬وتنقض ـ ـ ــي السـ ـ ـ ــلطة األبوية لعدة‬
‫أسـ ــباب‪ ،‬حيي ت ول سـ ــلطة رب األس ـ ـرة مع بقاء االبن الذي كان خاضـ ــعا لها بداخل أس ـ ـرته في‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪ -‬موت األب أو فقد حريته أو وطنه أو صيرورته تابعا لريره‪.‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 722.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -‬تقلد االبن منصب كبير بالدولة الرومانية فيمنحه القانون هذا االمتيا ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم جدارة رب األسـ ـ ـرة لممارس ـ ــة هذه الس ـ ــلطة كتركه لطفله أو تحريم ابنته على الفسـ ـ ـ‬
‫‪1‬‬
‫والفجور أو عقده على المحارم‪.‬‬
‫وت ول هذه الس ـ ـ ـ ـ ــلطة مع خروج االبن من أسـ ـ ـ ـ ـ ـرته في حالة تبني االبن أو واج البنت واجا‬
‫بسـ ـ ــيادة‪ ،‬موت االبن أو فقد حريته أو وطنه‪ ،‬تحرير االبن وهو عمل قانوني يقوم به رب األس ـ ـ ـرة‬
‫‪2‬‬
‫بإرادته المنفردة‪ ،‬وقد تطور التحرير وتريرت إجراءاته‪.‬‬

‫لكـــــــــن وبعد اتساع روما وتأثرها باألفكار الفلسفية تقلصت السلطة األبوية وقامت المحبة بين‬
‫أفراد األسـ ـرة بدال من الس ــلطة المطلقة كما أن التطور االقتص ــادي وانتقال المجتمع الروماني من‬
‫راعي إلى تجاري أدى إلى االعتراف بالش ـ ــخص ـ ــية القانونية ألفراد األسـ ـ ـرة‪ .‬وبهذا حرم على رب‬
‫األسـ ـ ـ ـرة منذ القرن الثالي الميالدي نبذ مولوده أو التخلي عنه أو بيع أوالده إال في حالة ارتكابهم‬
‫لجريمة‪ ،‬كما منع عن رب األس ـرة ت ويج ابنه دون رضــاه بل ومنح لالبن ح مطالبة أبيه بالنفقة‬
‫في حالة العو والتظلم أمام القضـ ـ ـ ــاء من سـ ـ ـ ــوء المعاملة‪ ،3‬كما تحول ح الحياة أو الموت إلى‬
‫ح التأديب فقط وص ـ ـ ـ ــار ال يمكن لرب األسـ ـ ـ ـ ـرة حرمان أوالده من اإلري بل أل م بترك قدر من‬
‫األموال ألوالده‪ .‬واعترف القانون لالبن بأهلية تملك أموال تسـمى الحوزات وهي أموال يقدمها رب‬
‫األس ـرة ألبنائه الســتثمارها وح انتفاع بها‪ .‬واكتمل التطور باالعتراف بشــخصــية قانونية مس ــتقلة‬
‫‪4‬‬
‫لألبناء فصاروا أهال لاللت ام مدنيا‪.‬‬

‫ثـانيـا‪ /‬نظـام الزواج‪ :‬عرف ال واج عنـد الرومان جملة من موانع ال واج وعند غياب هذه الموانع‬
‫جا عقد ال واج وقد سجل انعقاد ال واج وانحالله تطو ار هاما في روما‪.‬‬

‫‪ /31‬موانع ال واج‪ :‬عرف المجتمع الرومــاني نوعين من الموانع منهــا مــا هو مقرر قــانونــا ومنهــا‬
‫ما هو مقرر اجتماعيا ومنها ما قررته الديانة الرومانية‪:‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.781-781.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كان التحرير في قانون األلواح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 17‬يتم بيع االبن ‪ 30‬مرات حيي يتف األب مع مشــتري صــوري ويحرر العقد من المرة‬ ‫‪2‬‬

‫األولى والثانية وبتمام العقد الثالي يتحرر االبن من سـ ـ ــلطة أبيه ويخضـ ـ ــع إلى سـ ـ ــلطة المشـ ـ ــتري‪ ،‬على اعتبار أن القانون يجعل‬
‫األب الذي يبيع ابنه ثالي مرات يخرج عن سلطته وليتحرر االبن من سلطة المشتري يحتاج إلى الدعوى الصورية‪ .‬وفي العصر‬
‫اإلمبراطوري صار التحرير إرادي من األب في شكل عقد أو وصية دون اللجوء إلى اإلجراءات السابقة‪ ،‬وفي عهد جوستيان يتم‬
‫بموافقة االبن على التحرير‪ .‬أنظر رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.713-711.‬‬
‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 783.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -‬الموانع القانونية‪ :‬وضمت القوانين الرومانية مجموعة من الموانع‪:‬‬

‫* القرابة بين األصول والفروع مهما عال سواء كانت مدنية أو طبيعية‪.‬‬
‫* القرابة بين الحواشـ ــي إلى غاية الدرجة السـ ــادسـ ــة ثم صـ ــارت الرابعة بشـ ــرط أال يكون الطرفين‬
‫على درجة واحدة من األص ـ ـ ـ ــل المش ـ ـ ـ ــترك‪ ،‬فيحرم ال واج بين األخوة والولد وعمته وخالته والبنت‬
‫وعمها ولكنه جائ بين أوالد العمومة‪.‬‬
‫* المصـ ـ ــاهرة لم تصـ ـ ــبح مانعا إال في العصـ ـ ــر العلمي فحرم واج ال وج وأصـ ـ ــول ال وج اآلخر‬
‫‪1‬‬
‫وفروعه‪ .‬وفي عهد اإلمبراطورية منع ال واج بأخوة ال وج أو بأخوات ال وجة‪.‬‬

‫* عدم الكفاءة بين ال وجين‪ :‬وهذا المانع مس ـ ــتمد من الحالة االجتماعية للطرفين فلم يكن للعامة‬
‫الح في ال واج من األش ـ ـ ـراف إال بعد صـ ـ ــدور قانون كانوليا‪ .‬كما شـ ـ ــمل المنع كذلك المعتوقين‬
‫الذين ليس لهم الح في ال واج من األحرار‪ .‬وفي عهد اإلمبراطور أغس ــطس اقص ــر المنع على‬
‫‪2‬‬
‫أعضاء مجلس الشيوخ حيي ال يمكن ال واج من المعتوقات أو المرنيات أو الممثالت‪.‬‬
‫ويترتــب على وجود مــانع من الموانع اعتبــار ال واج الــذي تم رغم توفر هــذه الموانع وكــأنــه لم‬
‫يكن وعــدم اعتبــار األبنــاء شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرعيين ويترتــب عليــه عقوبــات ج ئيــة كــال واج بــالمحــارم أو بــالمرأة‬
‫‪3‬‬
‫المعتدة‪.‬‬
‫‪ -‬موانع اجتماعية ودينية‪ :‬فرم المجتمع الروماني جملة من الموانع دون أن يقرها القانون‪:‬‬
‫* الخطف حيي ال يمكن لخاطف المرأة أن يت وجها‪.‬‬
‫* ال نـا حيي ال يمكن لل اني أن يعقد واجا شرعيا مع المرأة التي نا بها‪.‬‬
‫كما عرفت روما الموانع الدينية وخاص ــة بعد ظهور المس ــيحية واعتنا الرومان لها حيي حرم‬
‫‪4‬‬
‫الرومان واج المسيحيين باليهود كما حرموا ال واج على رجال الدين الكاثوليك‪.‬‬
‫‪ /37‬تطور نظــام ال واج في رومــا‪ :‬يظهر هــذا التطور في نوعي ال واج اللــذان ظه ار في رومــا‬
‫حيي وجد ال واج بسـ ــيادة وال واج بدون سـ ــيادة‪ ،‬كما تطورت فكرة السـ ــلطة األبوية عبر العصـ ــور‬
‫بتطور وتوسع روما‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.712.‬‬ ‫‪1‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.120.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.712.‬‬ ‫‪3‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 120.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬الزواج بســـــــــيــادة‪ :‬قــديمــا ال يتم ال واج في رومــا وال ينحــل‪ ،‬بــإرادة الطرفين وانمــا بــإرادة ربي‬
‫أس ـ ـرتيهما‪ ،‬فال واج بالسـ ــيادة ‪ Cummanu‬يجعل ال وجة تدخل في سـ ــلطة وجها أو في سـ ــيادة‬
‫ص ــاحب الس ــلطة على وجها لذلك ال يكفي فيه ت ارض ــي ال وجين النعقاده وقد عرف هذا ال واج‬
‫تاريخيا ثالثة طر النعقاده‪:‬‬

‫* ال واج الــديني وهو الرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمي كــذلــك ويتم في معبــد جوبتير ويقــدم ال وج قربــان ويقوم بطقوس‬
‫وينط عبارات أمام ‪ 13‬شـ ــهود وبحضـ ــور الكاهن األعظم وكاهن المعبد‪ ،‬وهذه الطريقة خاصـ ــة‬
‫باإلشراف فقط وهي األقدم‪.‬‬

‫* ال واج بطري الشـ ـ ـ ـ ـ ـراء أو ال واج المدني‪ :‬وهذه الطريقة خاص ـ ـ ـ ـ ــة ب واج العامة ويتم بالطريقة‬
‫القانونية التي تشــترط لكســب األموال النفيســة أي األشــهاد مع ترير عبارات العقد لتتالءم مع عقد‬
‫ال واج‪.1‬‬

‫* ال واج بطري المعاشـرة‪ :‬أي إذا عاشـر الرجل المرآة التي تعد وجته مدة سـنة اكتسـب الســيادة‬
‫عليها أي بالتقادم ويفقد ذلك إذا غاب أثناء الس ـ ــنة ‪ 30‬ليالي متتاليات عن من ل ال وجية حس ـ ــب‬
‫قانون األلواح ال ـ ‪.17‬‬

‫وال بـد من اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن القاعدة في هذا النوع من ال واج هي أنه إذا كان كال طرفين أي‬
‫المرآة والرجل تابعين لريرهما فيكفي رضا صاحبي السلطة عليها ولكن لهذه القاعدة استثناءات‪:‬‬

‫‪ -‬إذا رفم رب األس ـ ـرة الموافقة دون سـ ــبب مقبول كان لل وجين اللجوء إلى البريتور الذي يأذن‬
‫مع تحققه من عدم أحقية الرفم‪.‬‬

‫‪ -‬االنتفاء على رضا رب األسرة إذا تعذر الحصول عليه كريابه أو جنونه أو أسره‬

‫‪ -‬وجوب رضـ ـ ــا ال وجين وتقرر بالنسـ ـ ــبة لالبن ثم البنت ف عهد جوسـ ـ ــتيان حيي ال يمكن لرب‬
‫األسرة ت ويج ابنه‪.‬‬

‫أما إذا كان الطرفين محررين من ســلطة ربي أس ـرتيهما فيكفي رضــاهما وموافقة الوصــي على‬
‫ال وجة‪ ،‬وفي العهد البي نطي صـ ـ ـ ـ ــار يجب موافقة والد ال وجة إذا كانت قد خرجت من سـ ـ ـ ـ ــلطته‬
‫بالتحرير أو والدتها إذا كان والدها متوفي أو األقرب من أقاربها الصـ ـ ــحيحين عند وفاة والديها ما‬
‫لم تبلغ‪ ،‬ومسألة البلوغ فهي متروكة لتقدير رب األسرة‪ ،‬وفي عهد الجمهورية قدرت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 17‬سنة‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.710.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪56‬‬
‫للبنت واالبن بتقدير رب األسـ ـ ـرة وحدد جوس ـ ــتيان بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 11‬س ـ ــنة‪ 1.‬ويرتب عقد ال واج بالس ـ ــيادة‬
‫‪ Cummanu‬أثا ار قانونية تتمثل أساسا في‪:‬‬

‫‪ -‬خروج ال وجة من عائلتها األصلية وتسقط جميع حقوقها فيها‪.‬‬

‫‪ -‬تدخل في ال وجة عائلة وجها وتخضــع لســلطة رب األسـرة عليه بصــفتها بنتا له وأختا ألوالده‬
‫وتري من وجها‪.‬‬

‫أمــا الطال فنــاد ار مــا يقع في هــذا النوع بــل أنــه لم يكن جــائ ا إال في أحوال عرفيــة كــارتكــاب‬
‫ال وجــة لل نــا أو قيــامهــا بتقليــد أو ت ييف مفــاتيح المن ل أو ادعــاء الوالدة كــذبــا وان وجــد فــانــه يتم‬
‫بنفس طريقــة إتمــام ال واج‪ .‬وتجــدر اإلش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن هــذا النوع من ال واج لم يعــد لــه وجود مع‬
‫اندثار الديانات الوثنية وظهور المسيحية وانتشارها في القرن الثالي والرابع ميالدي‪.2‬‬

‫‪ -‬الزواج بدون سيادة ‪ :Sine manu‬أدخل القانون البريتوري على نظام ال واج السـاب الذكر‬
‫الكثير من التعديالت أدت إلى معرفة نوع آخر من ال واج وهو ال واج برير سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيادة‪ ،‬كما يرجع‬
‫الكتاب ظهور هذا النوع من ال واج إلى األعراف التي كانت س ـ ــائدة بخص ـ ــوص ال واج في طبقة‬
‫العامة وانتشارها بروما والتي توسع البريتور في تطبيقها‪.‬‬

‫إن ه ــذا النوع من ال واج هو واج عرفي يتم ب ــاتف ــا الطرفين دون ت ــدخ ــل رج ــال ال ــدين أو‬
‫البريتور وهو خالي من اإلجراءات الشكلية ولكن فيه احتفاالت ومراحل‪:‬‬

‫‪ -‬الخطبــة‪ :‬وعــد بــال واج ولكــل الطرفين ح العــدول والفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخ وكــانــت تتم بين الخــاطــب ووالــد‬
‫المخطوبة‪ ،‬وفي العصر العلمي كانت تتم بين الخاطب والمخطوبة‪.‬‬

‫‪ -‬فــاف ال وجــة إلى من ل ال وجيــة‪ :‬وهــذا ال فــاف هو ركن من أركــان العقــد فال يكفي االتفــا ‪.‬‬
‫بحفل ش ــعبي يتم‪ ،‬وكانت تحمل لدى وص ــولها إلى باب المن ل إلدخالها المن ل وهو أثر با من‬
‫العصور القديمة حيي كان ال وج يخطف وجته‪.‬‬

‫‪ -‬عقد المهر‪ :‬وهو عقد خاص باألموال التي تحضرها ال وجة معها‪.‬‬

‫ومما يطرح أكثر من تس ـ ـ ـ ــاؤل بخص ـ ـ ـ ــوص هذا ال واج هو ما قرره القانون من اعتباره ص ـ ـ ـ ــار‬
‫مفترضا في جميع األحوال إلى غاية إثبات العكس حتى في حالة عدم قيام األركان ال ـ ـ ـ ــثالثة له‪،‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.713.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.712،718.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪57‬‬
‫حيي ال يعني ذلك عدم قيام ال واج‪ .‬وهذا أمر غي مفهوم فكيف نعتبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ال فاف ركن النعقاد‬
‫‪1‬‬
‫العقد تم ال نرتب عليه البطالن في حالة انعدامه مثال ؟‬

‫ويرتب عقد ال واج بدون س ـ ـ ــيادة أثا ار قانونية مخالفة تماما ألثار النوع األول من ال واج تتمثل‬
‫أساسا في‪:‬‬

‫* تبقى ال وجة تابعة لعائلتها األصلية أو مستقلة حسبما كانت قبل انعقاد ال واج‪.‬‬

‫* ال وجة في ال واج بدون سـيادة ليست مل مة باإلقامة مع وجها ولها أن تعود إلى أبيها‪ ،‬ولكن‬
‫البريتور منح ال وج الح في إعـادتهـا إلى المن ل وبـالتـالي خض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـت ال وجة اللت ام اإلقامة مع‬
‫وجها‬

‫* يخض ـ ـ ـ ـ ــع الولد الناتج عن هذا ال واج لس ـ ـ ـ ـ ــلطة أبيه‪ ،‬فعالقته بأمه معدومة ألنهما من عائلتين‬
‫مختلفتين فليس بينهما ح إري أو ح وصــاية‪ .‬ولكن مجلس الشــيوخ في القرن الثاني الميالدي‬
‫منح ح اإلري بين ألم واالبن وصار لألم ح النفقة والحضانة والوصاية على أوالدها‪.‬‬

‫* ينقض ـ ـ ــي هذا ال واج بوفاة أحد ال وجين‪ ،‬أو فقده لحريته أو موته المدني كم الدرجة القص ـ ـ ــوى‬
‫والوسـطى أو فقد حالة الوطنية أو بالطال من خالل انقطاع المعاشـرة بين ال وجين سواءا بإرادة‬
‫الطرفين أو بإرادة أحدهما أو أي ش ـ ــخص ممن يجب الحص ـ ــول على رض ـ ــاهم لص ـ ــحة ال واج‪،2‬‬
‫وعنــد االفت ار يح لكــل من ال وجين إعــادة ال واج فورا‪ ،‬وال وجــة المتوفى عنهــا وجهــا كــان من‬
‫الواجب عليها انتظار مدة مقرر قانونا (‪ 13‬أو ‪ 17‬شـ ـ ـ ــهرا) قبل إعادة ال واج‪ .‬وعرفت هذه المدة‬
‫بمدة البكاء‪.3‬‬

‫‪ /30‬البنوة الشرعية وتصحيح النسب‪Legitimation :‬‬

‫إن من أهم اآلثــار القــانونيــة والمــاديــة لل واج هو ثبوت النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب برم النظر عن نوع ال واج‬
‫بسـيادة أو بدون ســيادة‪ .‬ولنســبة الولد إلى أبيه‪ ،‬يجب أن يكون هناك عقد واج صــحيح وأن الولد‬
‫قد ولد بعد س ـ ــتة أش ـ ــهر من بدأ ال وال على األقل وقبل مض ـ ــي عشـ ـ ـرة أش ـ ــهر على انحالل عقد‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.033.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 037.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.122-123.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫ال واج وبــأي طريقــة على األكثر‪ ،‬ويجو لألب رغم ذلــك نبــذ ولــد وجتــه من خالل إثبــات غيبتــه‬
‫‪1‬‬
‫أو مرضه أو عقمه مثال‪.‬‬

‫ويبـدوا من المنط القـانوني المتعل بثبوت النسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب أن الرومـان كانوا ال يرتبون أثا ار قانونية‬
‫على العالقــات غير الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرعيــة التي تتم خــارج إطــار ال واج المعترف بــه قــانونــا‪ ،‬لكن في عهــد‬
‫اإلمبراطورية الســفلى ظهرت فكرة تصــحيح النســب عند فقهاءهم وتعني منح صــفة البنوة الشــرعية‬
‫لألوالد الناتجين من المعاشـرة غير الشرعية وجعلهم وكأنهم ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوا من واج شرعي عطفا على‬
‫‪2‬‬
‫أوالد المعاشرة غير الشرعية رغم كراهيتها الفقهية‪.‬‬

‫اعتبر الرومـان أن الولد غير الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرعي أو ما يسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمى بالولد الطبيعي هو الناتج عن إحدى‬
‫الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪ -‬معاشـ ـ ـ ـ ـ ـرة بين رجل وامرأة كالهما أو احدهما مت وج وهو ما يس ـ ـ ـ ـ ــمى عندهم بال نا ب وج الرير‬
‫‪Adultère‬‬

‫‪ -‬معاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة رجل وامرأة يحرم القانون وجهما بسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبب القرابة أو المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهرة وهو نا المحارم‬
‫‪.Inceste‬‬

‫‪ -‬معاش ـرة بين رجل وامرأة كالهما غير مرتبط بعقد واج مع الرير مت وج‪ .‬وبالنس ــبة لهذه الحالة‬
‫اعتبرت المعاشـ ـ ـرة واجا ناقص ـ ــا يعطي للمرأة بعم اإلري المقيد وح االبن في االنتس ـ ــاب إلى‬
‫أبيه الطبيعي وبالتالي حقو النفقة واإلري‪ ،‬كما أعطى جوسـ ـ ـ ـ ـ ــتيان لالبن ج ء من اثني عشـ ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫ج ءا من التركة‪ .‬وبهذا ص ــار االبن غير الش ــرعي يس ــتطيع تص ــحيح نس ــبه‪ ،‬و قد حدد القانون‬
‫هذه الطر ذلك بأحد الطر ‪:‬‬

‫* ت وج األب الطبيعي من خليلته بموجب عقد ال واج كتابي وهذا لتش ـ ـ ـ ـ ـ ــجيع تص ـ ـ ـ ـ ـ ــحيح العالقة‬
‫والدخول في إطار ال واج‪ ،‬لكن اش ــترط جوس ــتيان مع ذلك حتى يص ــحح نس ــب الطفل الحص ــول‬
‫على رضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه إذ كــان بــالرــا‪ ،‬وأن يكون ال واج ممكنــا وقــت تكوين الولــد‪ ،‬فــإن كــان أحــد الوالــدين‬
‫مت وجا وقت حصول المعاشرة كان الولد ولد نا ولم يصحح نسبه بهذه الطريقة‪،‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 727.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.712.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪59‬‬
‫* طلب األب الطبيعي من اإلمبراطور تصـ ـ ــحيح نسـ ـ ــب ولده إذا صـ ـ ــار تصـ ـ ــحيح البنوة بال واج‬
‫مســتحيال لوفاة األم أو غيبتها أو واجها من آخر بعد المعاش ـرة بشــرط عدم وجود أوالد شــرعيون‬
‫لألب حتى ال تمس حقوقهم في الميراي من قبل الولد المراد تصحيح نسبه‪.‬‬

‫* يجو للولد غير الش ـ ـ ـ ــرعي أن يطلب تص ـ ـ ـ ــحيح نس ـ ـ ـ ــبه من اإلمبراطور إذا توفى أبوه الطبيعي‬
‫وكان قد أبدى رغبته في ذلك قبل وفاته‪.‬‬

‫* يحصـ ـ ــل الولد غير الشـ ـ ــرعي على بنوته الشـ ـ ــرعية بمجرد أن يهبه أبوه الطبيعي إلى المجالس‬
‫البلدية لكي يصــير الولد عض ـوا فيها بشــرط أن يعطيه نصــاب مالي محدد‪ .‬وتقررت هذه الطريقة‬
‫من األبــاطرة للحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول على العضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــويــة في هــذه المجــالس على اعتبــار أن المجــالس البلــديــة‬
‫الرومانية كانت تحصـل الضـرائب من المواطنين وأن أعضـاؤها مسئولون عن قيمة هذه الضرائب‬
‫مس ـ ــؤولية ش ـ ــخص ـ ــية تمتد إلى أموالهم الخاص ـ ــة يادة على ذلك أن العض ـ ــوية بالمجالس مجانية‬
‫‪1‬‬
‫وتطوعية بدون راتب أو أجر‪ .‬فتهرب الناس من عضويتها‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬نظام التبني‬

‫التبني قـانونـا هو خل بنوة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــناعية يترتب عليها اآلثار التي تترتب على عالقة الولد بأبيه‬
‫من واج ش ـ ــرعي‪ .2‬ونش ـ ــأ هذا النظام في روما ليحل االبن المتبنى محل االبن الحقيقي المنعدم‪،‬‬
‫ض ــمانا الس ــتم اررية األسـ ـرة وخلود العبادة فأص ــل التبني ديني‪ ،‬وكان ال يص ــلح التبني إال للذكور‬
‫دون اإلناي ثم ص ـ ــار يش ـ ــمل محله حتى اإلناي‪ .‬كما أن هذا النظام توس ـ ــع وص ـ ــار بإمكان رب‬
‫األسـ ـ ـرة الذي له أوالد إجراؤه تحت بعم األغرام الس ـ ــياس ـ ــية كمنح الجنس ـ ــية الرومانية أو منح‬
‫صفة األشراف ألحد من العامة حتى يمكنه تولي منصب الحكم مثال‪.‬‬

‫لقد عرف الرومان نوعين من التبني‪ :‬التبني بمعناه العادي المعروف في معظم الحضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارات‬
‫القديمة أي تبني ش ـ ــخص عادة طفل ص ـ ــرير خاض ـ ــع لريره أي لس ـ ــلطة رب أس ـ ـ ـرته ‪،Adoptio‬‬
‫ونظام التبني المسـ ــمى االسـ ــتلحا الذي يكون محله تبني شـ ــخص مسـ ــتقل بحقوقه غير خاضـ ــع‬
‫لســلطة رب أس ـرة ما‪ ،‬بل قد يكون هو رب األس ـرة المســمى االســتلحا ‪ ،Adrogtio‬وهذا األخير‬
‫عبارة عن عقد بين رجلين يكون أحدهما المسـ ـ ــتلح الذي ليس له ابنا والملح له الذي سـ ـ ــيحل‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 787.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.732.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪61‬‬
‫محل االبن‪ .‬ونظ ار لخطورة هذا النظام كان رجال الدين تحقيقا حول طرقي مش ـ ـ ــروع االسـ ـ ـ ــتلحا‬
‫‪1‬‬
‫وتصوت المجالس الشعبية على قبوله أو رفضه‪.‬‬

‫وتجدر اإلشـ ــارة إلى أن هذا النظام يتم بم ارسـ ــيم دينية وبعد المصـ ــادقة القضـ ــائية أمام البريتور‬
‫حيـي يـدعى األب الجـديـد بـأن الطفـل ابنه ويسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكت والده الحقيقي فيقع إلحا الطفل بالمدعي‪.‬‬
‫والمالحظ أن األجـانـب ليس لهم الح في تبني طفـل رومـاني بـل لهم تبني طفل أجنبي فقط ويتم‬
‫هذا األخير بموجب عقد‪ .‬وبعد إتمام إجراءات التبني يصـ ــير الطفل المتبنى بمثابة الولد الشـ ــرعي‬
‫‪2‬‬
‫ويكون له كامل حقو الولد الحقيقي والشرعي وعليه كل الت امات هذا األخير‪.‬‬

‫رابعا‪ /‬نظام االرث‬

‫عرفت روما نوعين من اإلري‪ ،‬اإلري عن طري الوصـ ـ ـ ـ ــية وهو األصـ ـ ـ ـ ــل واإلري عن طري‬
‫‪3‬‬
‫القانون عند انعدام الوصية‪.‬‬

‫‪ -‬اإلرث بوصـــــــــيــة‪ :‬وجــد هــذا النظــام عن طري العرف وترير بترير العهود‪ ،‬ففي بــادل األمر‬
‫كانت الوصـ ـ ـ ــية تتم بمجرد التص ـ ـ ـ ـريح من الموصـ ـ ـ ــي بحيي يعين فيه الواري أو الورثة علنا أمام‬
‫الناس‪ ،‬وفي أواخر العهد الجمهوري صـ ــارت الوصـ ــية ال تنفذ إال بعد تعيين الواري أو الورثة في‬
‫كتاب مختوم بخاتم ســبعة ش ــهود ثم أقصــى في عهد اإلمبراطورية الس ــفلى شــرط الش ــهود ولم ُيعد‬
‫يعمل به إال بخص ــوص الوص ــية الش ــفوية في حين الوص ــية المكتوبة ص ــارت قابلة للتنفيذ بمجرد‬
‫تدوينها في س ـ ـ ــجالت الهيئة القض ـ ـ ــائية والبلدية التي تحتفظ بها‪ .‬وكانت الوص ـ ـ ــية تنفذ بعد الوفاة‬
‫وتؤول التركة إلى الورثة كل حسـ ــب حص ـ ــته المقررة في الوصـ ــية‪ ،‬فإن لم يعين الهالك حص ـ ــص‬
‫‪4‬‬
‫الورثة قسمت التركة بينهم بالتساوي‪.‬‬

‫‪ -‬اإلرث القـانوني‪ :‬هـذا النوع يحـل محـل النوع األول من اإلري وتنت التركـة بموجبـه إلى الورثة‬
‫الشرعيين غير أن مفهوم الورثة الشرعيين تطور عبر العصور فنجد‪:‬‬

‫* في العص ـ ــر القديم‪ :‬انحص ـ ــر مفهوم الورثة الش ـ ــرعيين في ال وجة واألوالد الش ـ ــرعيين وبالتبني‬
‫الذين يسـكنون مع األب أو رب األسـرة ويخضعون لسلطته خالل حياته وعند عدم وجودهم تنتقل‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.122.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.122.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.128.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.128.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪61‬‬
‫التركة إلى األخوة فاألعمام فأبناء األعمام فأبناء األعمام واال فتؤول إلى العش ـ ـ ـ ـ ــيرة أو إلى الدولة‬
‫كما هو الحال في أواخر العهد الجمهوري‪.‬‬

‫* في أواخر العهد الجمهوري‪ :‬تدخل البريتور في نظام اإلري‪ ،‬حيي وس ـ ــع دائرة الورثة فانطالقا‬
‫من مبدأ العدالة اعتبر جميع أوالد المتوفى ورثة شـرعيين سواء كانوا خاضعين لسلطة المتوفي أو‬
‫مس ـ ــتقلين عنه أثناء حياته‪ .‬كما أدخل ض ـ ــمن الورثة ذوي األرحام‪ .‬وفي حالة انعدام هؤالء جميعا‬
‫تؤول التركــة إلى ال وجين‪ .‬لكن بقيــت ال وجــة في مرتبــة متــدنيــة من حيــي ترتيــب الورثــة إلى أن‬
‫تقرر بموجـب قـانون جوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتيـان عـدم وجود اإلري بين ال وجين إال في حـالة فقر ال وج المتبقي‬
‫وحتى في هذه الحالة فيجب أن ال يتعدى نصيبه ربع التركة‪.‬‬

‫أما قانون جوستنيان يقسم التركة على الورثة القانونيين كما يأتي‪:‬‬

‫– األبناء الذين يقتسمون التركة بالتساوي فإن توفي أحدهم آل نصيبه إلى أوالده‪.‬‬

‫‪ -‬اإلخوة واألخوات واألشقاء فهم يقتسمون التركة بالتساوي في حالة عدم وجود األبناء‪.‬‬

‫‪ -‬اإلخوة واألخوات ألب واإلخوة واألخوات ألم يقتس ــمون التركة بالتس ــاوي وال يؤول نص ــيبهم إلى‬
‫أوالدهم في حــالــة وفــاة أحــدهم‪ ،‬كمــا أن ذووا األرحــام المنحــدرون من جــد واحــد ويحجــب األقرب‬
‫‪1‬‬
‫منهم إال بعد حتى الدرجة السابقة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظام األموال وااللتزامات والتقاعد‬


‫سـ ــادت عند الرومان الشـ ــكلية فال يكفي اتفا شـ ــخصـ ــين على أمر ما حتى يكون هذا االتفا‬
‫نافذا بل ال بد من ص ـ ــب هذا االتفا في قالب ش ـ ــكلي‪ .‬فمجرد االتفا ال يولد عنه االلت ام ما لم‬
‫يتم وف األوضـاع الرسمية التي يحددها القانون‪ ،‬ولكن ومع تحول المجتمع الروماني إلى التجارة‬
‫ظهرت العقدية التي تتم بمجرد التراخي وال تحتاج إلى أي إشــكال‪ 2،‬وهذه العقود تتم على أشــياء‪،‬‬
‫كما عرف المجتمع الروماني فكرة االلت ام‪.‬‬

‫أوال‪ /‬األموال عند الرومان‪ :‬الشيء عند الرومان كل ما في الدنيا ما عدا اإلنسان الحر‪ .‬والشيء‬
‫الذي يصلح أن يكون محال للح يسمى ماال‪ .‬وتقسم األشياء واألموال عند الرومان إلى‪:‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.183.‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.22.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪62‬‬
‫* أشـياء خارجة عن دائرة العمل‪ :‬وهي التي ال تكون محال للتصـرف فهي ليسـت ملكا ألحد فال‬
‫تدخل في التعامل‪:‬‬

‫‪ -‬حقو اآللهة كالمعابد والقبور‪.‬‬

‫‪ -‬حقوق الجميع ‪ :‬وهي األموال المخص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة للمنفعـة العامة كأموال المدن من مالعب أو‬
‫مسارح مثال‪ ،‬ويدخل في هذه الحقو األموال الشائعة‪.‬‬

‫وكل هذه األشياء يح للشخص االنتفاع بها واذا منع منها كان له ح رفع دعوى هي دعوى‬
‫‪1‬‬
‫االعتداء‪.‬‬

‫* أشـــــــياء داخلة في دائرة التعامل‪ :‬حيي تقدر هذه األش ـ ـ ـ ـ ــياء ماليا فهي إذن قابلة للتملك وهي‬
‫تدخل في الذمة المالية‪ ،‬وتقسم إلى‪:‬‬

‫‪ -‬األموال النفيس ـ ـ ــة وغير النفيس ـ ـ ــة‪ :‬وجوهر الفر بين النوعين هو انتقال الش ـ ـ ــيء بالتس ـ ـ ــليم بعد‬
‫االتفا فقط أو اشـ ـ ــتراط شـ ـ ــكلية اإلشـ ـ ــهاد أو الصـ ـ ــورية النتقالها‪ .‬واألموال النفيسـ ـ ــة هي األرم‬
‫ال راعية والعقارات وحقو االرتفا ال راعية لص ــالح أص ــحابها‪ ،‬دواب الحمل والجر‪ .‬وتم التقس ــيم‬
‫‪2‬‬
‫هذا الذي لم يترك أث ار في القوانين الحديثة في عهد جوستيان‪.‬‬

‫‪ -‬األموال العقـاريـة والمنقولـة‪ :‬األولى وهي الثابتة وملحقاتها كاألرم والررس والبناء أما األموال‬
‫المنقولة فهي التي تنتقل بدون تلف‪ .‬وهذه التقادم المكسب في العقارات سنتين وسنة في المنقول‪.‬‬
‫كما اشـ ـ ــترط الرومان في المنقول الوجود في مجلس العقد ولم يتصـ ـ ــو ار وجود السـ ـ ــرقة إال بشـ ـ ــأن‬
‫‪3‬‬
‫المنقوالت‪.‬‬

‫‪ -‬األموال المثليــة القيميــة‪ :‬األولى وهي التي يقوم بعض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهــا مقــام بعم في الوفــاء أمــا األموال‬
‫القيمية فهي المحددة بعينها كالعبيد مثال ويخض ـ ــع نوع المال إلى االتفا كتس ـ ــليم عدد من العبيد‬
‫يكون محل االتفا مثليا أو تسليم عبد بذاته حيي يكون المال هنا قيميا‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬االلتزامات عند الرومان‪ :‬عرف جوس ـ ـ ـ ــتيان في كتاب النظم االلت ام على أنه رابطة قانونية‬
‫يكون بمقتضاها مجب ـ ـ ـ ـ ـ ـرين على الوفاء بشيء ما طبقا ألحكـ ـ ــام قانوننا المدني‪ ،‬وهذا المدين أداء‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.30.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.30.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪63‬‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ــيء أو القيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل‪ .‬ولاللت ام ثالثة أركان طرفان ومحل وعالقة‬
‫قانونية تنشأ من االلت ام‪.‬‬

‫والرابطة الشـ ــخصـ ــية التي تربط الطرفين هي أهم ما يمي االلت ام عند الرومان وحتى الش ـ ـرائع‬
‫التي أخذت عنه‪ .‬وخولت الســلطة التي يتمتع بها صــاحب الح أي الدائن في العالقة قتل مدينه‬
‫أو اسـ ــترقاقه أو سـ ــجنه‪ .‬وتقلصـ ــت في القوانين الحديثة هذه السـ ــلطة وصـ ــارت تتناول بعضـ ــا من‬
‫حرية المدين ونشـ ـ ـ ـ ـ ــاطه فقط‪ 1.‬وحتى في عهد القانون الروماني فقد شـ ـ ـ ـ ـ ــهدت فكرة االلت ام تطو ار‬
‫كبيرا‪ ،‬ففي العصـ ـ ـ ــر الجمهوري حرم على الدائن قتل مدينه أو بيعه وبقي حبسـ ـ ـ ــه أو اسـ ـ ـ ــتخدامه‬
‫حتى الوفاء وكان للمدين تفادي الحبس مقابل ترك أمواله لدائنه وقض ـ ـ ــي نهائيا على نظام التنفيذ‬
‫على ش ــخص المدين في القرن الرابع الميالدي بعد إلراء الس ــجون الخاص ــة وبهذا ص ــار االلت ام‬
‫‪2‬‬
‫عالقة قانونية‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬نظام الجرائم والعقوبات‬


‫عرفت روما نوعين من الجرائم‪ ،‬جرائم عامة وجرائم خاصـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فاألولى تمس كيان الدولة ككل‬
‫أو تمس س ـ ـ ـ ـ ــالمة المجتمع وكانت عقوبتها اإلعدام ولم تترير هذه الجرائم‪ .‬أما الثانية فهي تتعل‬
‫باألفعال التي تحل األذى أو التلف الجسـ ـ ـ ــمي أو المالي باألشـ ـ ـ ــخاص وقد شـ ـ ـ ــهدت هذه الجرائم‬
‫‪3‬‬
‫تطو ار كبي ار بفضل تدخل البريتور‪.‬‬

‫أوال‪ /‬نظام الجرائم والعقوبات قبل التدخل البريتوري ‪ :‬عرفت روما قبل صــدور األلواح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪17‬‬
‫عدة جرائم وعقوبات وقد تدربت وتطورت عبر العصور‪ .‬كما حمل نظام األلواح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 17‬العديد‬
‫من الجرائم التي تدعى الجرائم القانونية‬

‫‪ /10‬نظام الجرائم والعقوبات قبل صدور األلواح الـــــــــ‪ : 02‬مر هذا النظام بعدة مراحل‪ ،‬فابتداء‬
‫بمرحلة االنتقام ومرو ار بالقص ـ ـ ــاص الذي ظهر مع ظهور الدولة‪ ،‬حيي حددت هذه األخيرة كيفية‬
‫االنتقام لتفادي المبالرة فيه كما كان القصاص مقر ار للتعدي على جسم اإلنسان أما التعدي على‬
‫المال فرصـدت له عقوبة التعويم بقدر الضرر‪ .‬وصار في مرحلة الحقة حتى في التعدي على‬
‫الجسـم كالكسـر أو القطع أو الجرح بإمكان المجني عليه أن يتنا ل عن حقه في القصاص مقابل‬

‫عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.38-32.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.181-183.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪64‬‬
‫مبـالغ من المـال ومن هنـا نشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأت الـديـة‪ .‬وكـان تحـديد مبلغ التعويم للتعدي على المال ومبلغ‬
‫الدية للتعدي على الجسم يتم من طرف محكمين وأدى هذا التحديد إلى ظهور معيار خاص لكل‬
‫جريمـة ودخل المعيار في بادل األمر في نطا العادات واألعراف ثم صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار قانونا بعد تدوينه‬
‫‪1‬‬
‫وسمي الررامة‪.‬‬

‫‪ /12‬الجرائم الواردة في قانون األلواح الــــ ‪ :02‬حدد قانون األلواح الـ ـ ـ ‪ 17‬غرامات على بعم‬
‫الجرائم الخاصة سواء تعلقت بالجرائم ضد األشخاص أو ضد األموال‪.‬‬

‫فالجرائم ضد األشخاص والتي يقصد بها هذا القانون كل األضرار التي تصيب الجسم ما عدا‬
‫القتل وهي قتل العضـ ــو والذي رصـ ــد له القصـ ــاص تأمل مع إمكان الجاني دفع مبلغ مالي متف‬
‫عليه أو محدد من طرف محكم‪ ،‬كسـ ـ ـ ـ ـ ــر العظم وحدد كعقوبة على ذلك بالررامة ويدفع نصـ ـ ـ ـ ـ ــفها‬
‫للعبـد المجني عليه‪ ،‬كما تدفع الررامة للمجني عليه في أفعال الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب واللطم والصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفع دون‬
‫‪2‬‬
‫الكسر أو القطع‪.‬‬

‫أما الجرائم ضـ ــد األموال فقد نص القانون على جريمتي السـ ــرقة واألض ـ ـرار بأموال الرير‪ :‬وقد‬
‫تعرم القانون لمفهوم جريمة السـ ـ ــرقة بشـ ـ ــكل ضـ ـ ــي حيي حصـ ـ ــرها في أخذ المال دون رض ـ ـ ـا‬
‫صاحبه‪ ،‬وفر بين وضعين‪:‬‬

‫‪ -‬الســــرقة والتلبس بارتكابها‪ :‬وهنا مي القانون بين ارتكابها ليال أو نها ار بحمل السـ ـ ـالح وحالة‬
‫ارتكابها نها ار دون حمل الس ــالح ففي الحالة األولى يمكن للض ــحية قتل الس ــار ولكن في الحالة‬
‫الثانية يمنع عليه قتل السـ ـ ـ ـ ـ ــار ولكن عليه رفعه إلى البريتور‪ .‬فإن ثبتت عليه السـ ـ ـ ـ ـ ــرقة اختلفت‬
‫عقوبته حسـب سـنه أو وضـعيته االجتماعية وان كان ح ار ُن ل من لة العبيد وصار عبدا للمسرو‬
‫ويجلد إذا كان ح ار قاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرا‪ ،‬أما العبد فيخض ـ ـ ـ ـ ـ ــع ألقص ـ ـ ـ ـ ـ ــى عقوبة حيي يجلد ثم يعدم‪ .‬ويجو‬
‫للضحية أن تتصالح مع السار على اعتبار السرقة جريمة من الجرائم الخاصة‪.3‬‬

‫‪ -‬الســـــرقة دون تلبس‪ :‬فهنا يجب أن تثبت قضـ ـ ـ ــائيا حيي يمنح البريتور للحية ح رفع دعوى‬
‫إلثبات الشـ ــيء المسـ ــرو منه س ـ ـواء كان هذا األخير في حيا ة السـ ــار أو الرير‪ .‬فإن وجد عند‬
‫السـار وتثبت سـرقته دفع هذا األخير مبلغ غرامة تساوي ضعف مبلغ الشيء المسرو للضحية‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.187.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪180.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.181.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪65‬‬
‫فإن امتنع عن الدفع ولم يصــالح الضــحية صــار عبدا عندها‪ .‬أما إذا وجد الشــيء المســرو في‬
‫حيا ة الرير فهنا نمي بين حسـ ـ ـ ـ ــن النية وس ـ ـ ـ ـ ــوء النية‪ ،‬ففي حالة حس ـ ـ ـ ـ ــن النية أي لم يكن عالما‬
‫بالس ــرقة وجب عليه إرجاع الش ــيء المس ــرو وله ح الرجوع على الس ــار حيي يحكم القاض ــي‬
‫على هذا األخير بررامة تعادل ثالثة أض ـ ــعاف قيمة الش ـ ــيء المس ـ ــرو ‪ .‬أما إذا كان س ـ ــيء النية‬
‫‪1‬‬
‫فتكون عقوبته هي الررامة ثالثة أضعاف قيمة الشيء المسرو فهو يعد مجرما‪.‬‬

‫أمـا جريمـة اإلض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار بـأموال الرير فـإن األفعال المكونة لها وجدت في قانون األلواح ال‪17‬‬
‫وتنحص ــر في الرعي في أرم الرير وقطع أش ــجار الرير‪ ،‬إتالف ش ــيء للرير من رقي وحيوان‬
‫وعقوبة هذه األفعال تتمثل في غرامة تس ــاوي قيمة الض ــرر وهذه الررامة هي األصـ ــل التاريخي‬
‫لمبدأ المس ــؤولية التقص ــيرية‪ ،‬ولكن عندما هبط النقد في القرن الثالي قبل الميالد تعدى اإلشـ ـراف‬
‫على العامة حيي اعتبروا هذه الررامة تافهة‪ ،‬وبهذا صـ ـ ـ ـ ـ ــدر قانون أكويليا ‪ Les Aquilia‬الذي‬
‫حد من هذه األفعال بحيي جعل الررامة تقدر بأعلى قيمة للش ـ ــيء المتلف خالل الس ـ ــنة الس ـ ــابقة‬
‫(في حالة قتل حيوان أو عبد) أو خالل الثالثين يوما السـ ـ ـ ـ ـ ــابقة للضـ ـ ـ ـ ـ ــرر (في حالة رعي أرم‬
‫‪2‬‬
‫الرير أو قطع األشجار)‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬التدخل البريتوري وتطور نظام الجرائم والعقوبات‪ :‬ظهر تدخل البريتور جليا على مسـ ـتوى‬
‫نظام الجرائم والعقوبات وذلك لمواكبة التطور االجتماعي واالقتص ـ ـ ـ ـ ــادي الذي ش ـ ـ ـ ـ ــهدته روما في‬
‫أواســط العهد الجمهوري‪ .‬وتمثل هذا التدخل في تحديي نظام الجرائم في قانون األلواح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪17‬‬
‫وفي إيجاد جرائم جديدة غير معروفة في هذا القانون عرفت بالجرائم البريتورية‪.‬‬

‫‪ /10‬تحديث البريتور لجرائم األلواح الـ ـ‪ :02‬قام البريتور نظ ار لهبوط قيمة النقود بتحديد الررامة‬
‫بمبالغ معينة عن طري محكمين يقومون بذلك‪ .‬غير أن أهم تدخل له كان على مسـ ــتوى توسـ ــيع‬
‫مفاهيم السرقة واالعتداء والضرر‪.‬‬

‫‪ -‬أض ــاف البريتور العنص ــر المعنوي للس ــرقة وهو نية س ــرقة حتى الملكية وبهذا ص ــارت الس ــرقة‬
‫تش ــمل س ــرقة االس ــتعمال والحيا ة والنص ــب وخيانة األمانة‪ .‬كما تطورت عقوبة الس ــار فقد ألري‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.183-181.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪66‬‬
‫االنتقام من الس ــار وص ــارت الررامة تس ــاوي أربعة أمثال قيمة الش ــيء المس ــرو في حالة تلبس‬
‫‪1‬‬
‫ومثلي القيمة في حالة ثبوت الجريمة‪.‬‬

‫‪ -‬أما مفهوم االعتداء ومعنى الضـ ـ ـ ــرر فنجد أن البريتور أدرج الكثير من األفعال ضـ ـ ـ ــمن مفهوم‬
‫االعتداء خاصــة تلك التي تمس كرامة المبني عليه وشــرفه كالشــتم والذم ‪ ...‬أما الضــرر فلم يعد‬
‫قاصـ ـ ار على الفعل المادي المباش ــر بل ش ــمل جميع األفعال التي تس ــبب ض ــر ار لمالك الش ــيء ‪،‬‬
‫وبهـذا فـإن كـل فعـل نتج عنـه إهمـال أو غش أو ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرر هو عمـل غير مشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروع يعـاقـب عليه‬
‫‪2‬‬
‫بالررامة‪.‬‬

‫‪ /12‬الجرائم البريتوريـة‪ :‬أهم هـذه الجرائم اإلكراه والرش والتدليس وقد منح البريتور ح االدعاء‬
‫للمتضررين من هذه األفعال ولكن دون تجاو مدة سنة عن الحادي‪.‬‬

‫‪ -‬اإلكراو‪ :‬إذا تض ـ ــمن عقد أو وعد إكراه كان للطرف المكره إبطال العقد أو الوعد أو رفع دعوى‬
‫اإلكراه وفي الحــالــة األخيرة ترفع الــدعوى على المكره وعنــد إثبــات اإلكراه يعــاقــب الفــاعــل بر ارمــة‬
‫‪3‬‬
‫تقدر بأربعة أمثال الضرر الذي أحدثه‪.‬‬

‫‪ -‬التدليس‪ :‬فعل قائم على الحيلة للحصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول على تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف يخالف القانون ويضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الرير‪.‬‬
‫وللمضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرور نفس الح كما في حالة المكره‪ .‬فله رفع دعوى أو له الدفع ببطالن العقد غير أن‬
‫الررامة في التدليس تقدر بقيمة الضرر الناتج فقط‪.‬‬

‫* غش الدائنين‪ :‬أي التص ـ ـ ـ ــرفات التي يقوم بها المدين في أمواله والتي تلح أذى بدائنين وتعد‬
‫هذه التص ـ ـ ــرفات جريمة معاقبا عليها نظ ار إلى س ـ ـ ــوء النية المتمثلة في اإلضـ ـ ـ ـرار بالدائنين ومنح‬
‫البريتور للدائنين دعوى إبطال تصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفات المدين ومعاقبته إذا أقيمت الدعوى خالل سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنة من‬
‫حدوي الفعل الضـ ـ ـ ــار وهي في القوانين الحديثة تسـ ـ ـ ــمى بالدعوى البوليصـ ـ ـ ــية نسـ ـ ـ ــبة إلى بريتور‬
‫مجهول يعرف فقط بــاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بولص‪ .‬ويحكم في هــذه الــدعوى على المــدين برد الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء وليس‬
‫التعويم ولكن في حالة رفم الرير المتص ـ ـ ـ ـ ــرف إليه من طرف الدائن رد الش ـ ـ ـ ـ ــيء بعد الحكم‬
‫‪4‬‬
‫عليه فالدائن له رفع دعوى ج ائية للحكم له بالتعويم الذي يكون بتقدير من القاضي‪.‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.182.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 188.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.113.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪67‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬نظام المرافعات‬
‫ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمــل القــانون الخــاص الرومــاني قــانون المرافعــات حيــي وجــد اختالط وانــدمــاج بين القواعــد‬
‫الموضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعيـة وقواعـد المرافعـات عنـد الرومـان ويفسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ذلـك بعمل رجال القانون الرومان على‬
‫اسـ ــتحداي العديد من الوسـ ــائل لتطوير القانون واالعتراف ببعم الحقو أمام المحاكم مما اوجد‬
‫العــديــد من القواعــد المــدنيــة أو التجــاريــة ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمن نظــام اإلجراءات والمرافعــات‪ 1.‬أمــا عن نظــام‬
‫المرافعات الروماني فقد مر بثالثة مراحل أساسية‪:‬‬

‫أوال‪ /‬مرحلة دعاوى القانون‪ :‬وتمتد هده المرحلة من نشـ ــأة مدينة روما إلى غاية سـ ــنة ‪ 103‬قبل‬
‫الميالد تاريخ ص ـ ـ ـ ـ ـ ــدور قانون إيبوتيا‪ ،‬وقد بدأ تنظيم قواعد المرافعات تنظيما دقيقا بعد صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدور‬
‫قانون األلواح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ 17‬رغبة في اســتبعاد هيمنة األشـراف ورجال الدين وقد نظم القانون القضــاء‬
‫وأل م عرم الن اع على قاضي‪.‬‬

‫كما غير هذا القانون أدلة الخص ـ ـ ـ ــوم حيي ص ـ ـ ـ ــارت حجج موض ـ ـ ـ ــوعية وعقلية بعد ما كانت‬
‫تعتمـد على قوى غير طبيعيـة‪ ،‬أين كـان تقـدير قيمـة وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالحيـة األدلـة يرجع إلى موقف اآللهة‬
‫منها كما أن الدعوى كانت تتم في جو من الش ــعوذة والس ــحر واللجوء إلى القوى الطبيعية لنصـ ـرة‬
‫الح فمثال صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحـب الح في ملكيتـه يثبـت حقه في الن اع إذا تمكن من نط الكلمات الدينية‬
‫نطقا صـحيحا عما أن اآللهة تدعمه‪ 2.‬وبهذا حل القاضـي محل تلك الشعائر الدينية‪ ،‬لكن ونظ ار‬
‫لطابعها الديني األولي فقد بقيت فرعية وشكلية رقم تحررها من الطابع الديني‪.‬‬

‫لقد ظهر تقسيم الدعوى إلى مرحلتين في عصر قانون األلواح الـ ـ‪ 17‬وذلك بهدف ضمان عدم‬
‫تعســف الحاكم القضــائي في اســتعمال ســلطته بعدما كانت هناك مرحلة واحدة يفصــل فيها الملك‬
‫‪3‬‬
‫مباشرة‪:‬‬

‫‪ -‬المرحلة األولى‪( :‬أمام الحاكم القضـ ـ ـ ـ ــائي)‪ :‬حيي يوجه البريتور الخصـ ـ ـ ـ ــومة ويراقب رسـ ـ ـ ـ ــمية‬
‫اإلجراءات واحترام الشــكليات المفروضــة بموجب القانون خاصــة قانون األلواح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‪ ،17‬كما أنه‬
‫يعين حكم أو قاض ـ ــي من المواطنين للفص ـ ــل في الن اع‪ ،‬فال يفص ـ ــل الحاكم القض ـ ــائي فيها وانما‬
‫يفصل فيها الحكم وهو من اتف عليه الخصمان‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.71.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.22.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 87.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪68‬‬
‫ويجـب عليـه التفرقة بين الحاكم القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائي والحكم أو القاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ،‬فاألول موظف وحاكم أما‬
‫القاض ـ ـ ـ ــي أو الحكم فهو ش ـ ـ ـ ــخص عادي ال وظيفة له في الدولة‪ 1.‬وتنتهي المرحلة األولى بعمل‬
‫قض ـ ـ ـ ـ ــائي هام وهو اإلشـ ـ ـ ـ ـ ــهاد على الخصـ ـ ـ ـ ـ ــومة وهو "تحديد الخصــــــــومة القائمة بين الطرفين‬
‫المتنازعين واتفاق الطرفين على تحكيم شــــــخص معين ليفصــــــل في النزاع القائم بينهما"‪ .‬كما‬
‫يشهد الحاكم القضائي والشهود على اتفا الطرفين على التحكيم‪.‬‬

‫‪ -‬المرحلة الثانية‪ :‬وتتم بها اإلحالة إلى القاضــي أو الحكم للفصــل في الن اع حيي يعرم الن اع‬
‫على القاضي وتنتهي بصدور الحكم‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬المرافعات الكتابية (نظام دعاوى البرنامج)‪ :‬بعد صــور قانون إيبوتيا ظهر نظام المرافعات‬
‫الكتابية وكان في البداية اللجوء والعمل به اختياريا حيي سـ ـ ــمح لألفراد اسـ ـ ــتعمال دعاوى القانون‬
‫القديمة أو النظام الجديد‪ .‬لكن في عهد اإلمبراطور أغسطس صار النظام الجديد إجباريا بموجب‬
‫‪2‬‬
‫قانون جوليا‪.‬‬

‫إن نظـام المرافعـات الكتـابيـة يش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـه النظـام القـديم فيما يخص تقسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيم الدعوى إلى مرحلتين‬
‫والطابع التحكيمي لهذه األخيرة‪ ،‬ولكنه يختلف عنه في‪:‬‬

‫‪ -‬التنا ل في الش ـ ـ ــكلية وفقدها في المرافعات الكتابية إال أما هو ال م منها حماية المتعاقد وتأكيد‬
‫‪3‬‬
‫سالمة إرادتهم‪.‬‬

‫‪ -‬صـ ـ ــار الخصـ ـ ــوم يوجهون ادعاءاتهم مباش ـ ـ ـرة إلى البريتور الذي يقوم بصـ ـ ــياغتها في برنامجه‬
‫ويرسـله إلى القاضي حيي يبين ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فيه كذلك سلطته في الحكم‪ .‬ومثال ذلك أن يرسل البريتور‬
‫برنامج للدعوى كالتالي‪ :‬في منا عة حول قرم شـ ـ ـ ــخص مبلغ ‪ 1333‬دينار إلى شـ ـ ـ ــخص آخر‬
‫فعنــد عــدم الوفــاء‪ .‬يطرح الس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـؤال إلى القــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يقول فيــه إذا ثبــت أن المقرض قــد أقرض‬
‫المقترض مبلغ ‪ 0111‬وهــذا األخير يرفض الوفــاء‪ .‬أحكم أيهــا القــاضـــــــــي على الثــاني بــدفع‬
‫‪4‬‬
‫‪ 0111‬إلى األول ‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.81.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.171.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.101.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.107.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪69‬‬
‫والمالحظ أن الحكم باإلدانة في المرافعات الكتابية يصدر عادة باإلل ام بدفع بمبلغ من النقود‪.‬‬
‫وتجدر اإلش ـ ـ ـ ــارة إلى أنه ورغم العمل بهذا النظام إال أنه وجدت بعم المنا عات ال يطب عليها‬
‫ه ــذا النوع من اإلجراءات فق ــد ك ــان ــت من ــا ع ــات ح ــال ــة الورث ــة والميراي تنظر من قب ــل المح ــاكم‬
‫الجماعية الدائمة والمتخص ـ ـصـ ــة وتطب نظام دعاوى القانون وليس نظام الرافعات الكتابية‪ .‬كما‬
‫أن األبــاطرة كــانوا يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرون أحكــامهم دون تعيين قــام حيــي ال تعرف الــدعــاوى القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائيــة‬
‫‪1‬‬
‫المنظورة من قبل اإلمبراطور سوى مرحلة واحدة تتم أمام هذا األخير‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬المرافعات غير العادية (االسـتثنائية)‪ :‬ترجع بذور هذا النظام إلى السـلطات القضائية التي‬
‫تمتع بهـا األبـاطرة وكبـار الموظفين في اإلمبراطوريـة العليـا حيي لم يخضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع قضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاؤهم لنظام‬
‫المرافعات الكتابية آنذاك وبهذا ســمي بالنظام االســتثنائي كما عرفنا أعاله‪ .‬حيي يمكن ربط نشــأة‬
‫هذا النظام بعوامل سـياسـية من خالل ا دياد سلطات األباطرة وتعميم نظامهم القضائي وهذا ثمرة‬
‫تطور تلقائي لذلك‪ 2.‬ويتمي هذا النظام الجديد بأنه غير الدعوى جذريا وذلك من خالل‪:‬‬

‫‪ -‬جعل القضاء مرف تباشره الدولة‪.‬‬

‫‪ -‬قضــى على تقســيم الدعوى إلى مرحلتين وغير اإلجراءات القديمة‪ ،‬حيي صــار باإلمكان إتمام‬
‫إجراءات التقاض ـ ــي في غيبة أحد الطرفين‪ .‬وللقاض ـ ــي س ـ ــلطة في تكييف حكمه‪ ،‬ونش ـ ــير إلى أن‬
‫اسـ ـ ـ ـ ــتدعاء المدعى عليه صـ ـ ـ ـ ــار يتجه عن طري الدولة واس ـ ـ ـ ـ ــتقر في القرن الخامس على نظام‬
‫صحيفة الدعوى التي يقدمها المدعى على القاضي ويطلب استدعاء المدعى عليه فيها والقاضي‬
‫يفحصـ ــها ويسـ ــتدعي المدعى عليه بواس ـ ـطة أحد موظفيه المتمتعين بصـ ــفة الضـ ــبطية القضـ ــائية‬
‫وي وده القاضـي بنسخة منها وبمذكرة من القاضي إلى المدعى عليه يطلب منه فيها الحضور أو‬
‫تنفيذ طلبات المدعي‪ .‬وله مدة معينة للرد (جوسـتيان ‪ 73‬يوم) خاللها يرسل معارضته يذكر فيها‬
‫طلبات المدعى ويبدي اسـ ـ ـ ـ ـ ــتعداده للحضـ ـ ـ ـ ـ ــور واذا انقضـ ـ ـ ـ ـ ــت المدة دون رد المدعى عليه‪ ،‬حكم‬
‫‪3‬‬
‫للمدعى في دعواه دون حضور المدعى عليه‪.‬‬

‫‪ -‬حدد القانون قواعد اإلثبات وحدد مقدما قيمة كل دليل مسـ ـ ــبقا‪ .‬أما وسـ ـ ــائل اإلثبات فقد حددت‬
‫‪4‬‬
‫وحددت قيمتها ولم تترك للقاضي كالساب وهي‪:‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 111.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.771.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.771.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.701-707.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ -‬شهادة الشهود‪ :‬وبها عدة قيود كما أن شهادة الشاهد الواحد ال يؤخذ بها‪.‬‬

‫‪ -‬الكتابة‪ :‬فإن كانت ورقة مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجلة بمعرفة أحد الحكام صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارت لها قوة إثبات ال تقبل إثبات‬
‫العكس وكذلك الشـأن بالنسـبة للورقة المحررة من قبل محرر العقود بشرط قسم مرف العقود على‬
‫تحريرها وف ما أماله الطرفان‪ .‬أما الورقة العرفية المحررة أمام شـ ـ ــهود فلها قوة إثبات مع حملها‬
‫لتوقيعهم أما بدون شهود فليس لها أي قيمة إثباتية‪.‬‬

‫‪-‬االقرار‪ :‬هو سيد األدلة إذا انصب على الواقعة محل الدعوى‪.‬‬

‫‪-‬اليمين‪ :‬هي أس ــاس ــية حيي إذا وجهها أحد إلى خص ــمه وهي اليمين الحاس ــمة ومن وجهت إليه‬
‫إما أن يؤديها أو يردها أو المنا عة في جوا ها وتعلقها بالدعوى والقاضـ ـ ــي يفصـ ـ ــل في قبولها أو‬
‫رفضها‪.‬‬

‫وهناك أدلة إذا لم توجد هذه التي ذكرنا أعاله وهي متروكة لسلطة القاضي التقديرية‪.‬‬

‫‪ -‬ص ــار باإلمكان الطعن في األحكام الص ــادرة عن القض ــاة االبتدائيين أمام جهة قض ــائية أعلى‬
‫‪1‬‬
‫درجة‪.‬‬

‫‪ -‬الحكم القض ــائي القابل للتنفيذ‪ :‬نجد القاض ــي حر في تفس ــير القانون المراد تطبيقه وف مبادل‬
‫العــدالــة والحكم بــاإلدانــة واإلل ام بــالتنفيــذ العيني إال إذا تعــذر فيحكم بــالتنفيــذ على نقود وليس كــام‬
‫سب أي كان التنفيذ على النقود هو الساري كما عرفنا‪ .‬وللقاضي الحكم بمبلغ أقل مما طلب فلم‬
‫يعد بإجابة الطلبات أو رفضـ ــها فقط‪ ،‬وله كذلك مطالبة خاسـ ــر الدعوى بالمصـ ــروفات القضـ ــائية‬
‫حيي عمدت الدولة إش ـ ـ ـ ـراك الخاسـ ـ ـ ــر في نفقات القضـ ـ ـ ــاء‪ .‬ونظ ار لتدخل الدولة فإن تنفيذ الحكم‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ــار يتم بوس ـ ـ ـ ـ ــائل الدولة المادية والحكم مص ـ ـ ـ ـ ــحوب بقوة تنفيذية فإن كان التنفيذ عيني أجبر‬
‫المدعى عليه أما إذا كان الحكم باإلدانة بمبلغ مالي‪.‬‬

‫رضا فرج‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 771.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪71‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬نظم الشريعة والحضارة اإلسالمية‬
‫يعتبر الكثير من الفقهاء علم القانون المقارن‪ ،‬الشـ ـ ـ ـريعة اإلس ـ ـ ــالمية نظام مس ـ ـ ــتقل بمصـ ـ ـ ـادره‬
‫وفروعه لم يتأثر بريره‪ 1،‬حيي أن قواعد الفقه اإلسـ ـ ـ ــالمية قواعد مرنة قابلة للتطبي في كل مان‬
‫ومكان‪ .‬لذا فإن د ارسـ ـ ــتنا للنظم اإلسـ ـ ــالمية هي د ارسـ ـ ــة للمبادل الخالدة التي جاءت بها الرسـ ـ ــالة‬
‫المحمدية الخاتمة على مسـ ـ ـ ـ ـ ــتوى مختلف الجوانب التي ينيطها التش ـ ـ ـ ـ ـ ـريع بالتنظيم كاالقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‬
‫والعالقات األس ـ ـرية والجوانب الس ـ ــياس ـ ــية واإلدارية‪ ،‬ثم هي د ارسـ ــة تاريخية لمختلف المؤسـ ـ ـس ـ ــات‬
‫السياسية واإلدارية والقضائية التي عرفتها الدولة اإلسالمية على مختلف عصورها الطويلة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬اإلطـار العام للتشريـع اإلسالمـي‬


‫لق ــد ج ــاءت أحك ــام اإلس ــالم مرسوم ــة ف ــي وح ــدة كلية كبرى وف مفاهيم جدي ــدة للخي ــر والش ــر‪،‬‬
‫حيـ ـ ـ ــي انط ـ ـ ـ ــوت على مبادل أساسية في التشريع والسياس ـ ـ ـ ــة واالقتصـ ـ ـ ــاد والعالق ـ ـ ـ ــات األسري ـ ـ ـ ــة‬
‫واالجتماعيـة وغيرها‪.‬‬

‫إن نظ ـ ـرة اإلسـ ــالم إلـ ــى الحيـ ــاة مختلفـ ــة بدرجة كبيرة عن نظرة الحضارات التي سبقتـ ــه‪ ،‬وهـ ــذه‬
‫النظ ـرة الخاصــة المتمي ة أدى الجهل بهــا إلــى شطط الكثيــر مــن المستشرقيـن الذيـن حاولوا دراسة‬
‫اإلسالم والحكم علي ــه وفـ ـ أفك ــارهم وايديولوجياته ــم الخاصة‪ .‬ل ــذا فإن ــه يجب في أي دراسة ح ــول‬
‫التشريع اإلسالمــي البــدء بمعرفــة اإلطـار الفكري والفلسفي الـذي يسيـر فيـه هـذا التشريـع‪ ،‬ذلـك أن‬
‫التقنينــات اإلسالميــة المختلفــة مــا هـي فـي النهايـة إال انعكاس واقعـي لهذا اإلطار وتعبيـر صاد‬
‫عنـه‪.‬‬

‫اعتبر الفقهاء االنجلي واأللمان والفرنس ـ ـ ــيين الشـ ـ ـ ـريعة اإلس ـ ـ ــالمية شـ ـ ـ ـريعة مرنة قابلة للتطور‪ ،‬وهذا في الدورة األولى للمؤتمر‬ ‫‪1‬‬

‫الدولي للقانون المقارن المنعقد بلهاي ســنة ‪ .1107‬كما أقر المجتمعون في الدورة الثانية لنفس المؤتمر المنعقد ســنة ‪ 1102‬بأن‬
‫الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع العام وهي حية قابلة للتطور‪ ،‬قائمة بذاتها وليست مأخوذة من غيرها‪ .‬أنظر بهذا‬
‫الخصوص‪:‬‬
‫‪ -‬محمد مقبول حسين‪ ،‬محاضرات في تاريخ التشريع اإلسالمـي‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعيـة‪ ،‬الج ائر‪ ،1111،‬ص‪.1-0.‬‬
‫‪ -‬محمود عبــد المجيــد المرربي‪ ،‬المدخل الى تاريخ الشرائع‪ ،‬المؤس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الحــديثــة للكتــاب‪ ،‬طرابلس‪ ،‬الطبعــة الثــالثــة‪،1112،‬‬
‫ص‪.731-713.‬‬

‫‪72‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نش ة الدولة اإلسالمية‬
‫لق ــد شكل اإلسالم دول ــة قائم ــة عل ــى أسس ومبادل ثابتة بفضل التشريع الرباني الذي اعتمدته‬
‫كأسـ ـ ـ ــاس لها‪ ،‬والمتصف بمجموعة مـ ـ ـ ــن الخصائص والممي ات‪ ،‬والـ ـ ـ ــذي كان وال ي ال قاد ار على‬
‫مواكبة التطور الحاصــل في جميع العالقات التي يحيطها بالتقنين والتنظيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‪ .‬وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذه‬
‫الخصوصية يأتي أصال مـ ـ ـ ـ ــن مصادر هذا التشريع ومقاصده والتي بفضلها تمكن في فترة وجي ة‬
‫من تحويل خامات الجاهليـة إلـى عظائـم إنسانيـة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬البيئـة العامة للمجتمع اإلنساني قبل الجاهليـة‬


‫ال يمكنن ـ ـ ـ ــا أن نفه ـ ـ ـ ــم صورة الرسالة المحمدي ـ ـ ـ ــة بتمامها إال بمقارنتها مع الوضع الذي جاءت‬
‫لتعديلــه‪ ،1‬فقــد عاش العالم خالل القرن السابع الميالدي تدهو ار أخالقيــا ودينيــا وثقافيــا‪ ،‬بحيي لــم‬
‫توج ــد أمة م ــن أمم األرم آنذاك صالحة لحكم األرم وقي ــادة العام وفـ ـ موا ين العدل والح ‪،‬‬
‫فاحتاجت اإلنسانية بح قاطبـة إلى مـن يصحـح مسـارها‪.‬‬

‫أوال‪ /‬العالم قبل مجيء اإلســـــالم‪ :‬يقول األس ـ ـ ــتاذ سـ ـ ــيد قطب‪ ... :‬وال يدرك اإلنســـــان ضـــــرورة‬
‫الرســـــالة "اإلســـــالم"‪ ،‬وضــــــرورة هذا االنفكاك عن الضـــــالالت التي كانت البشــــــرية تائهة في‬
‫ظلماتها‪ ،‬وضـــرورة االســـتقرار على يقين واضـــَ في أمر العقيدة ‪ ...‬حتى يطلع على ضـــخامة‬
‫ذلك الركام‪ ،‬وحتى يرتاد ذلك التيه‪ ،‬من العقائد والتصـــــورات والفلســـــفات واألســـــاطير‪ ،‬واألفكار‬
‫واألوهام‪ ،‬والشــــــــعائر والتقاليد‪ ،‬واألوضــــــــاع واألحوال‪ ،‬التي جاء اإلســــــــالم فوجدها ترين على‬
‫الضمير البشري في كل مكان‪ 2. ...‬فقبل مجيء اإلسالم كانت المعمورة تعيش في شقاء وتعاسة‬
‫‪3‬‬
‫وتتخبط في فساد وانحالل ال يلي باإلنسان‪ ،‬بل ال يلي بقطيع من الحيوان‪.‬‬

‫كانت البشـ ـ ـرية قد فقدت في القرن الس ـ ــابع الميالدي‪ ،‬تص ـ ــوراتها عن إالهها وصـ ـ ــفاته وعالقة‬
‫اإلنســان بالكون وحقيقته وغاية وجود النوع اإلنســاني على األرم‪ ،‬وكان فقدان هذا التصــور هو‬
‫مص ــدر كل الفس ــاد واالنحرافات في حياة اإلنس ــان‪ ،‬ورغم وجود الديانات الس ــماوية في تلك الفترة‬
‫إال أنها صـ ــارت بعيدة جدا عن أن تقدم للبشـ ــر ما يحتاجونه من عقيدة وتصـ ــور‪ ،‬فالمسـ ــيحية في‬

‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬الرحيق المختوم‪ ،‬دار الكتاب الحديي‪ ،‬الج ائر‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬س ــيد قطب‪ ،‬خصــائص التصــور اإلســالمي ومقوماته‪ ،‬القس ــم األول‪ ،‬االتحاد اإلس ــالمي العالمي للمنظمات الطالبية‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪ ،1180‬ص‪.08.‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.03.‬‬
‫‪73‬‬
‫القرن الس ـ ـ ـ ـ ــادس الميالدي هي عبارة عن خرافات يونانية ووثنية‪ ،‬فأص ـ ـ ـ ـ ــبحت ال ترذي الروح وال‬
‫تحل معضــالت الحياة‪ ،‬بل حالت بين اإلنســان والعلم والفكر بفضــل ما أدخله بولس وقســطنطين‬
‫عليها من تحريفات‪ 1.‬أما الديانة اليهودية فقد جمع اليهود التص ـ ـ ـ ـورات الوثنية والن عة القومية في‬
‫أن واحد‪ ،‬فابتعدوا عن التوحيد الخالص‪ ،‬حيي أدرجوا في كتابهم المقدس ـ ـ ـ ـ ـ ــة وفي ص ـ ـ ـ ـ ـ ــلب العهد‬
‫ع وجل ال ترتفع عن أحط التصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورات الوثنية لإلغري وغيرهم من‬ ‫القـديم أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطير عن‬
‫الوثنيين‪ 2،‬فمثال ذكر األس ـ ــتاذ س ـ ــيد قطب ما عمه اليهود حول س ـ ــبب طوفان نوح عليه الس ـ ــالم‬
‫حيي جاء في ســفر التكوين وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على األرض‪ ،‬وولد لهم بنات‪ ،‬أن‬
‫أبناء هللا أروا بنات الناس أنهن حســـــنات‪ .‬فاتخذوا ألنفســـــهم نســــــاء من كل ما اختاروا‪ .‬فقال‬
‫الرب‪ :‬ال يدين روحي في اإلنســـــان إلى األبد لزييانه‪ .‬هو بشـــــر‪ ،‬وتكون أيامه مئة وعشـــــرين‬
‫سنة‪ ..‬كان في األرض طياة في تلك األيام‪ .‬وبعد ذلك أيضا‪ .‬اذ دخل بنو هللا على بنات الناس‬
‫وولدن أوالدا‪ .‬هؤالء هم الجبابرة‪ ،‬الذين منذ الدهر ذوو اســـــم !! ونجد أيضـ ـ ـ ــا ورأى الرب أن‬
‫شــــر اإلنســــان قد كثر في األرض‪ .‬وأن كل تصــــور أفكار قلبه إنما هو شــــرير كل يوم‪ .‬فحزن‬
‫الرب أنه عمل اإلنســـــــــان في األرض‪ .‬وت ســـــــــف في قلبه‪ .‬فقال الرب أمحو عن وجه األرض‬
‫اإلنســـان الذي خلقته‪ .‬اإلنســـان مع بهائم ودبابات وطيور الســـماء‪ .‬ألني حزنت أني عملتهم‪.‬‬
‫وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب ‪ 3،‬وغيرها من االفتراءات التي ال يتس ـ ــع المجال وال يس ـ ــمح‬

‫نجد أن النص ـ ـرانية قد دخلت إلى الدولة الرومانية في عصـ ــر شـ ــديد الوثنية واالنحالل‪ ،‬ثم انتشـ ــرت المسـ ــيحية حتى اسـ ــتطاع‬ ‫‪1‬‬

‫قســطنطين اعتبارها ديانة معترف بها بالدولة الرومانية‪ ،‬لكن اإلمبراطورية الرومانية لم تخضــع للمســيحية بل أخضــعت المســيحية‬
‫لوثنيتها‪...‬أنظر سيد قطب‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول الكاتب األمريكي درابر في كتابه الصـــراع بين الدين والعلم ‪ :‬دخلت الوثنية والشـــرك في النصـــرانية‬
‫بت ثير المنافقين‪ ،‬الذين تقلدوا وظائف خطيرة‪ ،‬ومناصب عالية في الدولة الرومانية‪ ،‬بتظاهرهم بالنصرانية‪ .‬ولم يكونوا يحفلون‬
‫ب مر الدين ولم يخلصوا له يوما‪ .‬وكذلك كان قسطنطين‪ ،‬فقد قضى عمرو في الظلم والفجور‪ ،‬ولم يتقيد ب وامر الكنيسة الدينية‬
‫إال قليال في آخر عمرو سنة ‪ 332‬ميالدية‪.‬‬
‫إن الجماعة النصـــــــــرانية‪ ،‬وان كانت قد بليت من القوة بحيث ولت قســـــــــطنطين الملك ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر‬
‫الوثنية‪ ،‬وتقتلع جرثومتها‪ .‬وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها‪ ،‬ونش ـ من ذلك دين جديد‪ ،‬تتجلى فيه النص ـرانية والوثنية‬
‫سـواء بسـواء‪ .‬هنالك يختلف اإلسـالم عن النصـرانية‪ ،‬إذا قضى على منافسه (الوثنية) قضاء باتا‪ ،‬ونشر عقائدو خالصة بيير‬
‫غبش‪ ".‬ويضـيف أيضا " وان هذا اإلمبراطور الذي كان عبدا للدنيا‪ ،‬والذي لم تكن عقائدو الدينية تساوي شيئا‪ ،‬رأى لمصلحته‬
‫الشخصية‪ ،‬ولمصلحة الحزبين المتنافسين ـــــالنصراني والثني ـــــ أن يوحدهما ويؤلف بينهما‪ .‬حتى أن النصارى الراسخين أيضا‬
‫لم ينكروا عليـه هـذو الخطة‪ .‬ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ســـــــــتزدهر إذا طعمت ونقحت بالعقائد الوثنية القديمة‪،‬‬
‫وسيخلص الديـن النصراني عاقبة األمر من أدناس الوثنية وأرجاسها نقــال عـن‪ :‬سيد قطب المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12،18.‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13-01.‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقــال عن‪ :‬سيد قطب المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13-11.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪74‬‬
‫لذكرها‪ .‬وعلى هذا لم يعد لليهود القدرة على قيادة العالم أو تقديم الخير لبني اإلنســان‪ .‬فأصــبحت‬
‫الـديانات في هذا القرن لعبة للمنحرفين حتى فقدت روحها ولو بعي أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحابها ما عرفوها على‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬ ‫حد تعبير األستاذ الندوي رحمه‬

‫لقد س ـ ـ ـ ـ ــيطرت على العالم في القرن الس ـ ـ ـ ـ ــابع الميالدي دولتين عظيمتين هما الدولة الرومانية‬
‫والدولة الس ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــنية‪ ،‬فالدولة الرومانية (البي نطية) والتي حكمت حتى إفريقيا الش ـ ـ ـ ــمالية والش ـ ـ ـ ــام‬
‫ومصـ ـ ـ ــر‪ ،‬كانت تعاني االنحالل االجتماعي واالقتصـ ـ ـ ــادي ومعه ا دادت الض ـ ـ ـ ـرائب وكره الناس‬
‫الحكومات وعم حب المال والرشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوة واألنانية‪ 2،‬كما كانت الحرب تنخر جسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم هذه الدولة من‬
‫الداخل حيي ثارت الحرب األهلية الدينية خاصـ ـ ــة بين نصـ ـ ــارى الشـ ـ ــام والدولة الرومية من جهة‬
‫وبين مصر من جهة أخرى أو بين الملكانية التي اعتنقت فكرة ا دواج طبيعة المسيح والمنوفيسية‬
‫التي اعتبرت المسيح ذو طبيعة واحدة وهي اإللهية‪ 3.‬وبسب ــب هـ ـ ــذه الحروب والجداالت لم تستف ــد‬
‫مصر مثال من المسيحية إال المناظرات ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول طبيعة المسيح ولم تستفد من الدولة الرومية إال‬
‫االضطهاد الديني واالستبداد السياسي‪.‬‬

‫وانطب وصف األستاذ روبار بريفول ‪ Rober Briffault‬على أوروبا حيي قال‪ " :‬لقــــــــــــــــد‬
‫أطبق على أوروبا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشـــــــــــــــر‪ ،‬وكان هذا الليل يزداد‬
‫‪4‬‬
‫ظالما وسوادا وقد كانت همجية ذلك العهد أشد هوال وأفضع من همجية العهد القديم ‪. ...‬‬

‫أما الدولة السـاسـاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة التي بر ت في القرن الثالي ‪ 231-772‬وكان أصلها فارسي حيي‬
‫حكمت كل من المي وبوتامي وفارس و خرسـ ـ ـ ـ ــان وس ـ ـ ـ ـ ــائر األقاليم المجاورة لها‪ ،‬فقد تجمعت بها‬
‫معظم الحركات الهدامة فنجد مثال أن الحاكم ي دجرد الثاني الذي حكم في أواســط القرن الخامس‬
‫الميالدي ت وج ببنتـه ثم قتلهـا‪ ،‬ويهرام جوبين الذي حكم في القرن السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادس ت وج من أخته‪ ،‬بل‬
‫! كما ادعى األكاس ـرة أن لهم دم‬ ‫وقد كان هذا العمل ال يعتبر فاســدا أصــال بل هو تقرب إلى‬
‫إالهي مما أدى إلى تعظيمهم‪ ،‬كما عرفت الدولة السـ ــاسـ ــنية تفاوتا طبقيا قاسـ ــيا وتمجيدا متصـ ــلبا‬
‫‪5‬‬
‫للقومية الفارسية‪.‬‬

‫أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬ماذا خسـر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ط‪ ،13‬مكتبة رحـاب‪ ،‬الج ائـر‪ ،1182 ،‬ص‪.78.‬‬ ‫‪1‬‬

‫نقــال عن‪ :‬أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 71.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.03.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪75‬‬
‫ونشير إلى أن الحرب كانت قد جمعت بي ــن الدول ــة الروماني ــة والدولة الساساني ــة في أكث ــر م ــن‬
‫مناسبـ ـ ـ ـ ــة‪ .‬كما أن الصين وأمم آسيا الوسطى كانوا بعيدي ـ ــن جدا عن العقي ـ ــدة الصحيح ـ ــة فهم إما‬
‫مـن عباد الحياة أومـن المنع لين عنها تماما لصالح الوثنية وال هد‪.‬‬

‫ووف هذا التحليل نجد أنه لم يكن في البشرية آنذاك من أمة لها اإلمكانيات لقيادة البشري ـ ـ ـ ـ ــة‪،‬‬
‫لكـ ـ ـ ــن وجـ ـ ـ ــد في هـ ـ ـ ــذه الظروف كلها قـ ـ ـ ــوم انع لوا وانحصروا في شبه الج ية العربيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬امتا وا‬
‫بأوصاف حسنـ ـ ـ ــة وبأوصاف سيئـ ـ ـ ــة وهم العـ ـ ـ ــرب أقرب األمم استحقاقا لقيادة العالـ ـ ـ ــم ولكن بعـ ـ ـ ــد‬
‫التحضيـر لذلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬العرب قبل مجيء اإلسالم‪ :‬يقس ــم المؤرخ ــون الع ــرب إلى قسمي ــن‪ :‬العرب البائدة وهي التي‬
‫لم تب لهم باقيـ ــة والمذكورين في القرآن مـ ــع تأييـ ــد االكتشافات الجررافيـ ــة لذلك‪ :‬عاد وثمود وسبأ‬
‫‪ ...‬أمــا العرب الباقيــة فيقسمون إلى العرب المتعربــة وهــم بنو قحطان بــن عامر بن سام ب ــن نوح‬
‫عليه السالم وأخــذوا لرتهـم مـن البائدة‪ ،‬حيي كانـوا يتكلمون قبل ذلك بلسان أهل الع ار األصليين‬
‫وقـ ـ ــد أسسوا دولة في اليمـ ـ ــن‪ 1،‬والى جانبهم نجـ ـ ــد العـ ـ ــرب المستعربـ ـ ــة وهـ ـ ــم ذرية إسماعيل عليه‬
‫عليه وسلـم إليـه‪.‬‬ ‫السالم وذريتـه عدنان جـد العرب المستعربـة وينتمي نسب النبي صلى‬

‫‪ /10‬العرب بين التشــــتت الســــياســــي واالنحالل االجتماعي‪ :‬يجمع المؤرخون على أنه لم يكن‬
‫للعرب قبل اإلسالم حكومة مرك ية منظمة تفرم سلطانها على جميع التجمعات البشرية العربية‬
‫آنذاك‪ 2،‬ولذلك كان حكام أقاليم الج يرة العربية إما ملوك متوجون غير مسـ ـ ـ ـ ــتقلين عادة فهم فإما‬
‫تابعين الى الدولة الرومانية أو الى الدولة الســاســانية وامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا رؤســاء القبائل والعشــائر وهو أصــل‬
‫الحكم في معظم المناط ‪ .3‬وأسـ ــاس هذا النمط السـ ــياسـ ــي هو العصـ ــبية القبلية والمنافع المتبادلة‬
‫في حماية األرم ودفع العدوان‪ 4.‬فالنظام القبلي كان يقوم عند العرب على أسـ ــاس أن كل قبيلة‬
‫تختار من ي أرسـها والمسـمى بشيخ القبيلة ويراعى في اختياره عمل السن والخبرة والحكمة والكرم‪،‬‬
‫وقد تتش ـ ــكل القبيلة من عدة عش ـ ــائر لكل منها رئيس ويتألف مجلس القبيلة من رؤس ـ ــاء العش ـ ــائر‬

‫دليلـة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.112.‬‬ ‫‪1‬‬

‫حسن مرنية‪ ،‬قضاء العرب‪ ،‬مؤسسة ع الدين للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،1180 ،‬ص‪.2.‬‬ ‫‪2‬‬

‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.18.‬‬ ‫‪3‬‬

‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع نفسـه‪ ،‬ص‪.72.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪76‬‬
‫الذي يشاوره شيخ القبيلة في األمور الهامة‪ 1.‬ويجب اإلشارة الى أن نظام الحك ـ ـ ـ ـ ــم في الحج ـ ـ ـ ـ ــا‬
‫‪2‬‬
‫كـان ينظر إليـه العرب باحترام‪ ،‬وهو خليط من الصـدارة الدنيويـة والحكومـة وال عامـة الدينيـة‪.‬‬

‫وتبعا لهذا التنظيم الســياســي كان القانون عند العرب عبارة عن عادات وتقاليد تنســجم والعقلية‬
‫السـ ـ ــائدة آنذاك‪ ،‬وتختلف باختالف القبائل‪ ،‬وربما يرجع بعضـ ـ ــها الى مبادل الش ـ ـ ـريعة الموسـ ـ ــوية‬
‫بتــأثير من اليهود‪ ،‬كمــا أنــه في بعم المنــاط المجــاورة للــدولــة البي نطيــة الرومــانيــة أو المجــاورة‬
‫للدولة الس ـ ــاس ـ ــانية الفارس ـ ــية ال يمكن تجاهل تأثير شـ ـ ـرائع هاتين الحض ـ ــارتين خاص ـ ــة في نظام‬
‫المعامالت المالية في الع ار وسوريا‪.3‬‬

‫لقد كان العرب قبيل اإلســالم يعيشــون في تجمعات متشــابهة في البدو والحضــر وكانت عيشـة‬
‫الصح ـ ـ ـ ـراء يشوبـ ـ ـ ــها الفقـ ـ ـ ــر والجهل‪ ،‬أما المدن فكانت أكثر تطورا‪ .‬أما مكـ ـ ـ ــة فكانت هي عصب‬
‫التجارة‪ ،‬وقد قامت بينها وبين الدولة الرومية وبينـ ــها وبين الع ـ ـ ار وكـ ــذا اليمـ ــن عالقات تجاريـ ــة‪.‬‬
‫أمــا المدينة فكان النش ــاط ال راعي ه ــو عصــب الحياة فيه ــا مع وجود أرباب الحرف والصناع م ــن‬
‫‪4‬‬
‫اليهود‪.‬‬

‫كمــا كانــت حيــاة العــرب االجتماعيــة منحطـ ــة فــي معظم مــظاهرها‪ ،‬فقــد تأصلـت فيهـم أمرام‬
‫م من ــة‪ ،‬فشرب الخمر على حد واسع وكان ــت ع ــدم المشارك ــة في القم ــار عار‪ ،‬وك ــان القمار يت ــم‬
‫على األه ــل والم ــال م ــما أوري بينه ــم الع ــداوة‪ .‬ك ــما تعاطى الع ــرب واليهود الربا وبالروا في ــه إلى‬
‫غاية القسوة‪ ،‬ولم يكن ال نا مستنك ار بشــدة‪ ،‬فعــادة يتخـذ الرجل خليـالت ويتخـذ النساء أخالء بدون‬
‫‪5‬‬
‫عقد‪.‬‬

‫أما بالنسبـ ــة لل واج فقـ ــد ارتبـ ــط الرجـ ــل بالمرآة بعقد واج تحت إشراف أوليائها‪ ،‬وكانت عالقـ ــة‬
‫الرجل مع أهله في األش ـ ـراف رفيعة بها حرية اإلرادة ومحترمة ومصـ ــونة من أجلها ت ار الدماء‪.6‬‬
‫أما األوساط االجتماعية األخرى فان االختالط بيــن الرجل والم ـرآة ال يعبـر عنه عادة إال بالدعارة‬

‫فاضلـي إدريـس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.700.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.72.‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمود عبد المجيد المرربي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.713‬‬ ‫‪3‬‬

‫علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.123،‬‬ ‫‪4‬‬

‫أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ ،‬ص‪.32،38.‬‬ ‫‪5‬‬

‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.03.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪77‬‬
‫والمجون والسفـ ــاح والفاحشـ ــة‪ ،1‬كمـ ــا كان أهـ ــل الجاهلية يعددون النساء دون حد ويجمعـ ــون بيـ ــن‬
‫‪2‬‬
‫األختيـن ويت وجون ب وجـة أبيهـم بعد الطال أو الموت‪.‬‬

‫أما الم ـرآة العربي ــة في المجتم ــع الجاهل ــي فق ــد حرمت م ــن اإلري وكان ــت بع ــد طالق ــها أو وف ــاة‬
‫وجــها عنــها تحرم من أن تنكح وجا ترضاه بــل توري كما يوري المتـاع‪ ،‬كما حرمت المرآة مـن‬
‫بعم المأكوالت وعانـ ــت مـ ــن ظاه ـ ـرة الوأد إمـ ــا خشيـ ــة العـ ــار أو تشاؤمـ ــا بسوادها أو برصهـ ــا أو‬
‫‪3‬‬
‫عرجها أو تحـت ضرط الفقـر‪.‬‬

‫الواحد‪ ،‬على دي ـ ــن إبراهي ـ ــم علي ـ ــه‬ ‫‪ /12‬الوضع الديني "سيطرة الخرافة"‪ :‬كان ـ ــت العرب تع ـ ــبد‬
‫السالم بعد ما استجابوا لدع ــوة إسماعي ــل علي ــه السالم‪ ،‬إلى أن جاء عمرو بن لحي رئيس خ اعة‬
‫فأدخل الشرك فيهـ ـ ــم‪ 4.‬وقـ ـ ــد أحدي هذا المشرك تحريفا كبي ار على دين إبراهيـ ـ ــم فأدخل االعتكاف‬
‫عـ ـ ـ وج ـ ــل هو خالـ ـ ـ‬ ‫على األصنام والدعوة بها والحج إليها والذبح لها‪ 5،‬فاعتق ـ ــد العرب أن‬
‫‪ ،‬ورسخت أفكار‬ ‫السماوات واألرم ولك ـ ــن اعتق ـ ــدوا م ـ ــع ذلك بوج ـ ــود وسائ ـ ــط توسلـ ـ ـوا بها إلى‬
‫الشفاعــة عندهم حتى تحولــت إل ــى عقيــدة ق ــدرة الشفعــاء عل ــى النفع والضــر والمساهمة في تدبي ــر‬
‫‪ ،‬رغم كراهيتهم هم للبنات‪ ،‬فقاموا بعبادتها أو عبادة‬ ‫الكـ ـ ـ ــون‪ 6.‬كما اعتقدوا أن المالئكـ ـ ـ ــة بنات‬
‫‪ ،‬كما اعتقدوا أن الجـ ـ ــن شركـ ـ ــاء ن وبينهم وبينه‬ ‫أصنام تمثلها على أساس أن لها شفاعة عند‬

‫النكاح في الجاهلية‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫‪ 1‬ومن الشـ ـواهد التاريخية على حالة الس ــفاح هذه‪ ،‬ما روته الس ــيدة عائشـ ـةن رض ــي عنها حيي قالت « َّ‬
‫اح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فيصـــــــــدقها ثم َينك ُحها‪ .‬ونك ٌ‬
‫وليتَه أو ابنتَه ُ‬
‫الرج ُل إلى الرجل َّ‬
‫ب ُ‬ ‫اليوم َيخطُ ُ‬
‫َ‬ ‫نكاح الناس‬
‫فنكاح منها ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أنحـاء‪:‬‬ ‫أربعـة‬ ‫كـان على‬
‫زوجها وال يمســـها أبداً حتى‬ ‫آخر كان الرجل يقول المرِأت ِه إذا طَهرت من طَمثها‪ :‬أرســـلي إلى فالن فاسـ ِ‬
‫ــتبضـــعي منه َوَي ِ‬
‫عتزلها ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫أحب‪ ،‬ثوانما يفعل ذلك رغب ًة في نجابةِ‬ ‫ِ‬
‫َيتبين َحملُها من ذلك الرجل الذي تَســـتَبضـــعُ منه‪ ،‬فإذا تَبين َحملُها أصـــابها زوجها إذا َّ‬
‫َ ُ‬
‫دون العشـــرِة فيدخلون على المر ِ‬
‫أة كلهم ُيصـــيبها‪ ،‬فإذا‬ ‫الرهط ما َ‬ ‫نكاح االســـتبضـــاع ونكاح آخر يجتمعُ َّ‬
‫النكاح َ‬
‫ُ‬ ‫الولد‪ ،‬فكان هذا‬
‫َ‬
‫عندها‪ ،‬تقول‬ ‫يمتنع حتى َيجتمعوا َ‬ ‫َ‬ ‫رجل منهم أن‬ ‫أرســــلَت إليهم‪ ،‬فلم َيســــتطع ٌ‬ ‫ـــع حملها َ‬
‫بعد أن تَضـ َ‬
‫ومر لَيال َ‬ ‫ـــعت َّ‬
‫َحملَت ووضـ َ‬
‫يستطيع أن‬ ‫فيلحق به َولَ ُدها ال‬
‫ُ‬ ‫أحبت باسـمه‪،‬‬
‫سـمي من َّ‬ ‫ولدت‪ ،‬فهو اب ُن َك يا فالن‪ ،‬تُ ِ‬‫ُ‬ ‫أمركم‪ ،‬وقد‬‫لهم‪ :‬قد عرفتم الذي كان من ِ‬
‫ُ‬
‫وهن البيايا ُكن ي ِ‬
‫نصـــــــــ َبن على‬ ‫دخلون على المرأة ال تمنعُ من جاءها‪َّ ،‬‬ ‫الناس الكثير فَ َي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫متنع بـه الرجـل‪ .‬ونكاح الرابع َيجتمعُ‬
‫َي َ‬
‫لهم القاف َة ثم‬ ‫ضـــــــــ َعت حملَها ُج ِمعوا لها‪َ ،‬‬ ‫ابهن ر ٍ‬
‫ود َعوا ُ‬ ‫ادهن َدخل عليهن‪ ،‬فإذا َح َملت إحداهن َوَو َ‬ ‫ايـات تكون َعلَمـاً‪ ،‬فمن أر َ‬ ‫أبو َّ‬
‫كاح‬ ‫ِ‬ ‫ود ِع َي اب َنه ال َيمتَنعُ من ذلك‪ .‬فلما ُب ِع َث‬
‫محمد صــلى هللا عليه وســلم بالحق َه َدم ن َ‬ ‫ٌ‬ ‫ولدها بالذي َي َرون‪ ،‬فالتاطته به ُ‬ ‫ألحقوا َ‬
‫نكاح الناس اليوم»‪ :‬أنظر‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬من قال ال نكاح إال بولي‪ ،‬الحديي رقم ‪.1027‬‬ ‫ِ‬
‫الجاهلية كله‪ ،‬إال َ‬
‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.02.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪3‬‬

‫صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.78.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.71.‬‬


‫‪ 6‬أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.30.‬‬
‫‪78‬‬
‫ســبحانه وتعالى نســبا‪ ،‬بل أنهم عبدوا الجن كذلك فقد ذكر الكلبي في كتابه األصــنام أن بنو مليح‬
‫وهم من قبيلة خ اعة كانوا يعبدون الجن‪ .‬ودخــل فــي ديـن العرب اإليمان بأخبار الكهنة والعرافيـن‬
‫‪2‬‬
‫والمنجميـن‪ ،1‬وكان من أنواع التقرب إلى األصنام النذر في الحري واألنعام‪.‬‬

‫كم ــا كانت في العـ ــرب التطيـ ــر أي التشاؤم بالشيء‪ ،‬فكان ـ ـوا يأتـ ــون الطير أو الضبي فينفرونـ ــه‬
‫وينظرون فإذا اخ ـ ــذ اليمي ـ ــن مضوا إلى ما قصدوا واستبش ـ ــروا وان اخ ـ ــذ الشم ـ ــال انتهـ ـ ـوا ع ـ ــن ما‬
‫‪3‬‬
‫قصدوا وتشاءمـوا به‪.‬‬

‫ووجدت باإلضافة إلى هـ ـ ــذه الشركيـ ـ ــات في بالد العـ ـ ــرب المسيحيـ ـ ــة واليهوديـ ـ ــة والمجوسيـ ـ ــة‪.‬‬
‫فوجدت اليهودية في الج يرة العربية بعـ ـ ــد الفتح البابلي واآلشـ ـ ــوري في فلسطيـ ـ ــن‪ ،‬وبعـ ـ ــد تخريـ ـ ــب‬
‫بالده ــم وهيكله ــم عل ــى ي ــد الم ــلك بختنصر ‪. 382‬م سبي أكث ــرهم إل ــى باب ــل ومنه ــم م ــن هاج ــر‬
‫قسما منهم هجر البالد الفلسطينية إلى الحجا‬ ‫إلـى الحجا وتوطـن باألجـ اء الشماليـة منهـا‪ .‬وأن ً‬
‫نوتنوطَّن في ربوعها الشـ ـ ـ ــمالية ‪ .‬كما أن احتالل الرومان لفلسـ ـ ـ ــطين بقيادة تيطس الروماني سـ ـ ـ ــنة‬
‫‪23‬م‪ ،‬فقد نش ــأ عن ض ــرط الرومان على اليهود وعن تخريب الهيكل وتدميره أن قبائل عديدة من‬
‫اليهود رحلـت إلى الحجـا ‪ .‬واسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتقرت في يثرب وخيبر وتيمـاء‪ ،‬وأنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأت فيهـا القرى والقالع‪.‬‬
‫وانتشرت الديانة اليهودية بين قسم من العرب عن طري هؤالء المهاجرين‪.‬‬

‫كــما رحلــت قبائــل يهوديــة إلــى يثــرب وخيبــر وتيمــاء‪ .‬كـما دخلـت اليهوديـة إلـى اليمـن‪ ،‬وعنـدما‬
‫تولـ ــى اليمـ ــن يوس ـ ـف أبـ ــو ن ـ ـواس هجـ ــم علـ ــى المسيحييـ ــن مـ ــن أهل نج ـ ـران ودعاهـ ــم إلـ ــى اعتنـ ــا‬
‫‪4‬‬
‫اليهوديـة فلـما رفضـوا حفـر لهـم األخدود المذكور في القرآن وكان هذا في أكتوبر ‪370‬م‪.‬‬

‫أما النصرانيــة فجــاءت إلــى العــرب عــن طريـ الحبشـة والرومـان وقـد اعتنـ العـرب الرساسنـة‬
‫وقب ــائل ترل ــب وطيـ ـ المسيحي ــة لمجاورته ــم للروم ــان‪ ،‬أم ــا المجوسي ــة ف ــكان معظم ــها ف ــي العرب‬
‫المجاورين للفرس في الع ار والبحرين‪.‬‬

‫‪ 1‬صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.03،‬‬


‫سيد قطب‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.33،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.01،‬‬


‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.07،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪79‬‬
‫ومـ ــع كل هذا لم يتجرد العرب من كل فضل فقـ ــد بقـ ــي فـ ــيهم شـ ــيء مـ ــن ديـ ـ ـ ــن إبراهيم كتعظيم‬
‫البيـ ــت والحـ ــج والعم ـ ـرة‪ ،‬كمـ ــا أن حيـ ــاة الصح ـ ـراء كانـ ــت تثيـ ــر عنـ ــد العـ ــرب مشاعـ ــر دينيـ ــة قويـ ــة‬
‫‪1‬‬
‫وعميقـة‪.‬‬

‫لقـ ــد امتـ ــا العـ ــرب عـ ــن باقـ ــي األمـ ــم بالفصاحة وقوة البيان وحب الحريـ ــة واألنفـ ــة والفروسيـ ــة‬
‫والشجاعــة والص ارح ــة وحب المساواة وقوة اإلرادة وصفــاء الفط ـرة التــي ل ــم تتل ــوي بأدران الحضارة‬
‫والسذاج ــة البدوي ــة وق ــد ن ــتج ع ـ ــن ذلك اتصاف ــهم بالوف ـ ــاء واألمانة والصد ‪...‬وه ــذه األخال هي‬
‫‪2‬‬
‫مـن بيـن أهـم مـا أهلهـم لحمـل الرسالـة الخاتمـة‪.‬‬

‫إن هـ ــذه األوضـ ــاع التي عرفتـ ــها اإلنسانيـ ــة قبـ ــل مجيء اإلسـ ــالم تدل بح ـ ـ على النقلـ ــة التي‬
‫أحدث ــها اإلسالم في حي ــاة أتباع ــه م ــن العرب خاص ــة‪ ،‬وحي ــاة اإلنساني ـ ــة ككل‪ ،‬وال يسعني في هذا‬
‫المعنى إال أن أذكر ما قال ـ ـ ــه األستاذ الن ـ ـ ــدوي وبأق ـ ـ ــل ج ـ ـ ــودة‪ " :‬لقد وضع محمد صلى هللا عليه‬
‫وســــلم مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشـــــرية فانفتَ على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى‬
‫‪3‬‬
‫ومواهب وبدأ العهد اإلسالمي الذي ال يزال عزة في جبين التاريخ ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬البعثة المحمدية وتكوين نواة الدولة اإلسالمية‬


‫واإليمان بـه ووحدانيتـه‬ ‫بعبـاده‪ ،‬فـدعى إلى‬ ‫عليـه وسلـم رحمـة من‬ ‫بعــي النبــي صلــى‬
‫وحارب كـ ـ ـ ــل العقـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ــد الفاسدة والعادات البالية التي عطلت طاقات البشريـ ـ ـ ــة وأفسدت م اجهـ ـ ـ ــا‬
‫وفكرهــا‪ .‬وقــد قضى مدة ‪ 17‬سنة ينشــر الدعـوة فـي مكـة ويدعـم الجانـب العقائدي واإليماني للفرد‬
‫المسلم تحضي ـ ار لــه حتــى يتحمــل مــا يت ـرتب مــن أحكام على هذا اإليمان‪ .‬وبعــد أن ترسخـت هـذه‬
‫العقائـد فكانـت يقيـنا قامت أول دولة لإلسالم بالمدينـة عملت علـى تطبيـ أحكـام اإلسـالم وحمايـة‬
‫العقيدة‪ .‬ولك ــن قب ــل ه ــذه الهجـ ـرة وج ــدت أح ــداي هامة يجب الوقوف عندها وخاصة بيع ــة العقب ــة‬
‫األولـى والثانيـة‪.‬‬

‫أوال‪ /‬بيعتي العقبة‪ :‬لــقد ول ــدت الدولــة اإلسالمي ــة إثــر بيعت ــي العقب ــة‪ 4،‬ففي سنة ‪ 273‬م جاء إلى‬
‫علي ــه وسل ــم‬ ‫مك ــة ‪ 32‬رج ــال م ــن أه ــل يث ــرب ألداء مناس ــك الح ــج‪ ،‬فاتصل به ــم النبي صلى‬

‫‪ 1‬علي ع ت بيقوفيتش‪ ،‬اإلســالم بين الشــرق واليرب‪ ،‬ترجمة محمد يوســف عدس‪ ،‬مجلة النور الكويتية‪ ،‬مؤس ـســة بافاريا للنشــر‬
‫واإلعالم والخدمات‪ ،‬ط‪ ،1111 ،1‬الكويت‪ ،‬ص‪.781.‬‬
‫‪ 2‬أبي الحسن علي الحسني الندوي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.37.‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ 4‬عبـد الفتـاح تقيـة‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.81.‬‬
‫‪81‬‬
‫ودعاهـم إلى اعتنا الدين الجديد وتبليغ الرسالة إلى أهلهـم‪ .‬وفـي سنة ‪ 271‬م جاء ‪ 17‬رجل من‬
‫عليه وسلم‬ ‫يثرب مسلمين واجتمع ـ ـوا بمكـ ــة في مكان يسمى العقبـ ـ ـ ــة وعقـ ــد معـ ــهم النبي صلى‬
‫بيع ــة على اإليمان واإلستمس ــاك بفضائل األعم ــال والبع ــد عل ــى المناك ــر وه ــذه ه ــي بيع ــة العقب ــة‬
‫عليـه وسلـم‪ " :‬تعالـوا بايعوني على أال تشركوا باهلل شيئا‪ ،‬وال‬ ‫األولــى‪ ،1‬حيـي قـال فيها صلى‬
‫تســـــرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال ت توا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم‪ ،‬وال تعصـــــوني‬
‫في معروف‪ ،‬فمن وفى منكم ف جرو على هللا‪ .‬ومـــن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فـــي الدنيـــا‬
‫فهــو لــه كفــارة ومــن أصاب مــن ذلك شيئا فستــــرو هللا ف مـرو إلى هللا إن شاء عاقبـه ثوان شاء‬
‫‪2‬‬
‫عفا عنـه ‪.‬‬

‫عليــه وسلم مع ‪ 21‬رجل وامرأتان مـن المدينـة‬ ‫وبــعد هــذه البيعــة بسنـة تعاقـد الرسـول صلى‬
‫بحي ـ ــي بايعـ ـ ـوا على التوحي ـ ــد ومكارم األخال والعم ـ ــل الصال ـ ــح وقول الح والتضامن في السلم‬
‫والحرب داخل المدينة‪ ،‬حيــي روى أحمد بــن جابــر مفصــال ما جــرى فقــال‪ " :‬قـال يا رسـول اللـه‬
‫على مــــــا نبايعــــــك قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‪ :‬على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر‬
‫واليســـــــــر‪ .‬وعلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬وعلى أن تقوموا في هللا‪ ،‬ال ت خذكم في‬
‫هللا لومــة الئم وعلى أن تنصـــــــــروني إذا قــدمــت إليكم‪ ،‬وتمنعوني ممــا تمنعون منــه أنفســـــــــكم‬
‫‪3‬‬
‫وأزواجكم وأبنائكم ولكم الجنة ‪.‬‬

‫إن المتأم ــل في بيعـ ـ ــة العقب ــة الثاني ــة‪ ،‬يج ــد أن نش ــوء الدولة اإلسالمية بالمدين ــة كان بموج ــب‬
‫عقـ ــد حقيقي وليـ ــس افتراضي‪ .‬علـ ــى عكس التفسيرات الرربيـ ــة الباحثـ ــة فـ ــي أصـ ــل نشـ ــأة الدولـ ــة‬
‫والت ــي تت عم ــها نظري ــات العق ــد االجتماع ــي والت ــي تفترم وج ــود العق ــد بي ــن الحك ــام والمحكومي ــن‬
‫مع إقرارهـا أن هـذا العقـد خيـالي فقـط‪ .‬بينـما نجد أن نشوء الدولة اإلسالميـة حقيقـة يؤرخ لهـا ومـن‬
‫خـالل عقـد حقيقـي وليـس افت ارضـي‪.‬‬

‫عليـ ــه وسلـ ــم وأصحابـ ــه مـ ــن مكة إلى المدينـ ــة‬ ‫ثانيا‪ /‬الهجرة النبوية‪ :‬بعـ ــد هج ـ ـرة النبـ ــي صلى‬
‫وجـدت أول دار لإلسـالم على األرم‪ ،‬وقامت الدولة اإلسالمية كالتالـي‪:‬‬

‫‪ /10‬من الناحية العقائدية واالجتماعية‪ :‬تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم القضاء على الوثني ـ ـ ــة وبناء المسج ـ ـ ــد الذي يع ـ ـ ــد‬
‫األســاس األول للمجتمــع اإلسالمي‪ .‬كما تمت المؤاخــاة بيــن المسلميـن على اعتبار األخوة الدينية‬

‫دليلــة فركـوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.732.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.11.‬‬


‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17.‬‬
‫‪81‬‬
‫مظه ار من مظاهر القوة الذاتية لتعاليم اإلسـالم‪ ،‬وهي من أسس الدولة والجماعة اإلسالمية‪ ،1‬ولم‬
‫يأخذ اإلسـالم في تكوين الدولة اإلسالمية معيار الجنسية أو العنصرية كما هو حال الدول اليوم‪،‬‬
‫بــل رفع الجمــاعــة اإلنسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانيــة إلى أن تتحــد في المبــادل والمثــل العليــا‪ ،‬بحيــي تكون العقيــدة هي‬
‫الوحدة المشـ ـ ــتركة بينهم والروح السـ ـ ــارية فيهم‪ ،2‬وهذا تماشـ ـ ــيا مع عالميته وعموميته باعتباره دين‬
‫اإلنسانية قاطبة‪.‬‬

‫عليه وسلم بكتابة صحيفة لم ارع ـ ــاة مصال ـ ــح‬ ‫‪ /12‬من الناحية التنظيمية‪ :‬ق ـ ــام النب ـ ــي صل ـ ــى‬
‫المسلمي ــن وحفاظ ــا عل ــى الدول ــة الجدي ــدة ولتنظي ــم العالق ــات السياسي ــة واإلداري ــة والعسكري ــة بي ــن‬
‫المسلمي ــن فيم ــا بينه ــم وبي ــن غي ــر المسلمي ــن الموجودي ــن داخ ــل المدين ــة‪ ،3‬وعرف ــت ه ــذه الصحيف ــة‬
‫‪4‬‬
‫باسـم مدونـة المدينـة التـي يعتبرها بعـم المؤرخيـن أول دستـور مكتـوب فـي العالم‪.‬‬

‫لق ــد ظه ــرت بع ــد الهجـ ـرة النبوي ــة وم ــن خ ــالل ك ــل ه ــذه األعمال التي قام ب ــها النب ــي صلى‬
‫عليه وسلم والصحاب ـ ــة الكرام ف ـ ــي المدين ـ ــة أركان الدول ـ ــة اإلسالمي ـ ــة م ـ ــن شع ـ ــب واقلي ـ ــم وسلط ـ ــة‬
‫سـياسـية‪ .‬فاإلسـالم ال بد له من دولة تقيمه وترعاه وتحميه‪ ،‬وهي ضـرورية لحماية العقيدة‪ ،‬واقامة‬
‫‪5‬‬
‫الحدود وحفظ المصالح التي تحميها الشريعة‪ ،‬وتحقي المقاصد التي تهدف إليها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص التشريع اإلسالمي ومصادرو‬


‫يتميـ ـ ـ ـ ـ التشري ـ ـ ـ ــع اإلسالم ـ ـ ـ ــي بمجموع ـ ـ ـ ــة من الخصائص تجعله متفردا ومستقال ع ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ـ ــل‬
‫التشريعــات التـي سبقتـه أو الالحقة عليه الفرع األول ‪ .‬وكـما أن لكـل تشريـع مصادر مباشـرة أو‬
‫غي ــر مباش ـرة‪ ،‬يستقي منها األحك ــام الخاصة ب ــه فك ــذلك التشري ــع اإلسالمي‪ ،‬حيي لم يتوفى النبي‬
‫عليه وسل ـ ـ ــم إال وق ـ ـ ــد ترك لألم ـ ـ ــة كيان ـ ـ ــا وت ارث ـ ـ ــا تشريعيا شامال يعرف هذا التراي عند‬ ‫صلى‬
‫األصوليين بمصطلح مصادر التشريع اإلسالمي الفرع الثاني‬

‫محمد شلتوت‪ ،‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشرو ‪ ،‬الطبعة‪ ،11‬بيروت‪ ،1180،‬ص‪.103.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.000.‬‬


‫نص المدونة أو مكان وجودها‪ :‬سيرة ابن هشام ص‪.111.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬دليلـة فركـوس‪ ،‬المـرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.732-732.‬‬


‫سعيد حوى‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬ج‪ ،7‬الطبعة‪ ،7‬القاهرة‪ ،7331 ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪82‬‬
‫الفرع األول‪ :‬خصائص التشريع اإلسالمي ومقاصدو‬
‫ال ش ـ ـ ــك أن اإلسالم ما جاء إال ليحق السعادة للبشرية قاطبة‪ ،‬فمن تلبية حاجي ـ ـ ــات اإلنس ـ ـ ــان‬
‫الضروري ـ ــة إلى حمايت ـ ــه م ـ ــن كل ما يهدده في وجوده وصحتـ ـ ــه وماله وشرف ـ ــه ودين ـ ــه وعقيدتـ ـ ــه‪.‬‬
‫فاإلس ـ ــالم يقصد جلب المناف ـ ــع ودفع المفاس ـ ــد كما تحمى الشريعة وتع ـ ــتد بكل مصلحة مشروعة‪،‬‬
‫وتقسم هذه المصالح إلـى‪:‬‬

‫‪ -‬الضروريات التي تتوقف حي ـ ـ ـ ــاة الناس الديني ـ ـ ـ ــة والدنيوي ـ ـ ـ ــة علي ـ ـ ـ ــها وهي ما يعبر عن ـ ـ ـ ــها عادة‬
‫بالكليـ ـ ـ ــات الخمس" حفظ الدين‪ ،‬حفظ النفس‪ ،‬حفظ المال‪ ،‬حفظ النسل‪ ،‬حفظ العقل "‪ .‬وكل هذه‬
‫المصالح محمية في اإلسالم من خالل الكثير من اآليات واألحاديي واألحكام المشهورة‪.‬‬

‫‪ -‬الحاجيات وهي المصال ــح التي يحتاجها الن ــاس لدفع الحرج عنه ــم ف ــإن فق ــدت‪ ،‬وق ــع الناس في‬
‫الحرج دون أن تختل الحياة‪ .‬وقد شرع لهـا المولى ع وجل مجموع الرخص وأحـكام المعامالت‪.1‬‬

‫‪ -‬التحسين ــات وهي المصالح التي يقصد به ــا األخ ــذ بمحاس ــن العادات واألخال كالطه ــارة و ين ــة‬
‫اللبـاس ومحاسـن الهيئـات وغيرها‪.2‬‬

‫من كل ما سـ ـ ــب يتبين لنا مدى شـ ـ ــمولية أحكام الش ـ ـ ـريعة اإلسـ ـ ــالمية‪ ،‬وتمي ها بالخص ـ ـ ــائص‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -‬التشريـ ـ ــع اإلسالمي هو خاتم الشرائع السماويـ ـ ــة‪ :‬فهـ ـ ــو ذو صفـ ـ ــة دينيـ ـ ــة بحيي ي ـ ـ ـربي النفـ ـ ــس‬
‫ويدعوا إلى الخير‪ ،‬وبالتالي فهو يراعي المعاني األخالقية بحيي يعطي لكـ ـ ـ ـ ــل فعـ ـ ـ ـ ــل حكمين في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ .3‬وعلى هـذا فهو يتمي كما قلنا سابقـا بالشموليـة فمثال نـجد أن الجـ اء فـي اإلسـالم‬
‫أصله أخروي ولكـن مـراعاة لضرورة حمايـة المجتمـع وجـد العقـاب الدنيـوي الذي توقعـه الدولـة‪.4‬‬

‫‪ -‬الجمع بين الواقعية والمثالية في التشريع اإلسالمي‪ :‬يمتا الشرع اإلسالمي بع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم إهمال أي‬
‫حاجيــة مـن الحاجيات اإلنسانيـة كحب المال والحريـة وتنظيم الجنس وغيرهـا‪ .‬وبهذه الصفة امتا‬
‫بالواقعية والعقالنية‪ .‬فالمسلمون في نظر الشرع هم أنـ ـ ـ ــاس عاديون يحلمـ ـ ـ ــون بالحب ومتع الحياة‬
‫وهـ ــم مع ذلك إنسانيون ومتخلقون‪ .‬لقـ ــد أكد اإلسـ ــالم على وطبيعـ ــة اإلنسـ ــان وتعامل معـ ــه حسب‬

‫حسن رمضان فحلة‪ ،‬مقومات الحضارة اإلنسانية في اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الهدى‪ ،‬الج ائر‪ ،1181 ،‬ص‪.101.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.103.‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمد مقبول حسين‪ ،‬محاضرات في تاريخ التشريع اإلسالمـي‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعيـة‪ ،‬الج ائر‪ ،1111،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الكريم يدان‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬الج ائر‪ ،1113 ،‬ص‪.21.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪83‬‬
‫ه ــذه الطبيع ــة‪ ،‬فالن ــاس ليسـ ـوا كائنات نبيل ــة الشمائ ــل مطلق ــا إنم ــا هم مهيئون لفعل الخي ــر والشر‬
‫كذلك‪ ،1‬إن لهم أبدانا وفيهم غلظة وتتجاذبهم الرغبات والمرريات وهـ ـ ـ ــم تحت رغبـ ـ ـ ــة شادة‪ ،‬فهـ ـ ـ ــم‬
‫‪2‬‬
‫ليسـوا خاليـن مـن اإلثـم‪.‬‬

‫إن فكرة ضبـ ــط الحيـ ــاة الجنسيـ ــة مثال والتوسط فيـ ــها أنسب لإلنسـ ــان ألنـ ــها اعتراف بالمشكلـ ــة‬
‫ومواجهــة لــها‪ ،‬فمسألــة الجنــس هــي مسألــة اتسا اإلنسان مــع نفســه واإلسالم هــو مــن نظـم هـذه‬
‫الفكـ ـ ـرة‪ 3.‬كما نج ـ ــد الشريعة كذل ـ ــك تـ ـ ـراعي المصلح ـ ــة العام ـ ــة وتقدمها على المصلح ـ ــة الخاص ـ ــة‬
‫فتضـ ـ ـ ــع الحـ ـ ـ ــدود والقيـ ـ ـ ــود‪ ،‬حيي حذرت الشرعة من ارتكاب المحرمات وهددت بعقوبات أخروية‬
‫تجعل نفوس المؤمنين تنفر منها وتهرب من ارتكابها‪ ،‬لكنها في الوقت نفسـ ـ ـ ـ ــه تدفع عن المجتمع‬
‫ذلك ردع‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرور احتمـال ارتكـاب هـذه األفعـال من خالل تقدير عقوبات دنيوية لها حيي يع‬
‫الناس عنها‪ ،‬وبهذا تجمع الشريعة بين رادع الدين ورادع السلطان‪ 4.‬كما تش ـ ـ ـ ــرع حل ـ ـ ـ ــول عملي ـ ـ ـ ــة‬
‫لبعم المشكالت‪ ،‬كتعدد ال وج ــات‪ ،‬ونظام السبي والر مث ــال‪ ،‬وغايت ــها ف ــي ذلك إبالغ اإلنسان‬
‫‪5‬‬
‫الكمـال المقـدور لـه دون غفلـة عـن طبيعـة البشريـة‪.‬‬

‫ـ ـ ـ الت ـ ــكامل والترابط بي ـ ــن األحكام الشرعي ـ ــة‪ :‬تشكل األحكام الشرعية على تنوعه ـ ــا وتشعب ـ ــها وحدة‬
‫واحدة يربطــها أساس واحــد هــو اإليمان بان‪ .‬ذلك أن هــدف التشريــع اإلسالمي هـو تنظيـم رابطـة‬
‫‪6‬‬
‫اإلنسان بربـه وتنظيـم رابطـة اإلنسان بريـره مـع جعـل الرابطـة األولـى أساسـا للرابطـة الثانيـة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مصادر التشريع اإلسالمي‬


‫المقصـ ـ ــود بمصـ ـ ــادر الفقـ ـ ــه اإلسالمـ ـ ــي أصولـ ـ ــه والينابيـ ـ ــع التي تستقى األحكام منـ ـ ــها‪ ،7‬مـ ـ ــع‬
‫مالحظ ـ ــة أن مص ـ ــادر الشريع ـ ــة اإلسالمي ـ ــة ليست األصول المنشئ ـ ــة ل ـ ــها باعتب ـ ــار أن مصدرها‬
‫األصلي المولـ ــى ع وجل‪ ،‬ولكن معنـ ــاها طـ ــر استنباطـ ــها س ـ ـواء مـ ــن المصـ ــادر النقلية أو عن‬
‫طري االجته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‪ ،‬فلفظ المصــدر بالنســبة للشـريعة يقابل مصــطلح المصــدر الرســمي بالنسـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ســــ ِميعاً بَ ِصــــي ارً (‪ِ )2‬إَّنا هَدَيْنَاوُ‬ ‫ِِ‬ ‫ان ِم ْن نُطْفَ ٍة أَمْ َ‬ ‫ِ‬
‫شــــا ٍج نَبْتَليه فَ َجعَلْنَاوُ َ‬ ‫وفي هذا المعنى يقول س ـ ــبحانه وتعالى "ِإَّنا َخلَقْنَا ْاأل نْ َ‬
‫ســــ َ‬
‫‪1‬‬

‫ش ِاك ارً َ ثواِ َّما كَفُورا"‪:‬االيتين‪ 0،1‬من سورة اإلنسان‪.‬‬ ‫السِبيلَ ِإ َّما َ‬
‫َّ‬
‫علي ع ت بيقوفيتش‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.013.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.013.‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد شلتوت‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.721.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬عبد الكريم يدان‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.117.‬‬


‫محمد مقبول حسين‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.18.‬‬ ‫‪6‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.71.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪84‬‬
‫للقان ـ ــون‪ 1.‬ومص ـ ــادر الشريع ـ ــة كثيـ ـ ـرة ومتع ـ ــددة وجل ـ ــها مص ـ ــادر اجتهادية من أعمال واجتهادات‬
‫الصحاب ــة والفقه ــاء م ــع اعتم ــادها على المصدرين األصليي ــن النقليي ــن وهم ــا الق ـرآن والسن ــة‪ .‬ونجد‬
‫أن الجمهور يستدل بالمصادر األربـع‪ :‬القـرآن والسنـة واإلجمـاع والقيـاس‪.‬‬

‫ويجــب مالحظــة أن هنـاك فـر بيـن القرآن والسنـة مـن جهـة وباقـي المـصادر من جهـة أخرى‪،‬‬
‫فالق ـرآن والسن ــة هم ــا أس ــاس الشريع ــة وهم ــا المقرران لألحك ــام الكلية‪ ،‬أم ــا بقي ـ ــة المصادر فه ــي ال‬
‫تأتي ب ــأسس جدي ــدة بل هي ط ــر است ــدالل عل ــى األحكـ ـ ــام الفرعي ــة م ــن نصوص القـ ـرآن والسن ــة‬
‫‪2‬‬
‫وبالتـالي ال يمكـن لهـذه المصـادر أن تأتـي بمـا يخالفهمـا‪.‬‬

‫‪ /10‬القرآن‪ :‬حاول األصوليي ـ ــن وض ـ ــع تعـ ـ ـريف دقيـ ـ ـ للقـ ـ ـرآن حت ـ ــى يتبي ـ ــن للناس ما تجو ب ـ ــه‬
‫الصالة ممـ ــا ال تجـ ــو بـ ــه‪ .‬فعـ ــرف الق ـ ـرآن على أنـ ــه " كالم هللا تعالى المنزل على سيدنا محمد‬
‫صـــــلى هللا عليه وســـــلم المنقول إلينا بالتواتر المكتوب بين دفتي المصـــــحف المبدوء بســـــورة‬
‫الفاتحة والمختوم بسورة الناس ‪.‬‬

‫وتتبيـن مـن التعـريف الخصائص الممي ة للقـرآن والتي مـن أهمـها‪:‬‬

‫ـ ـ القـ ـرآن أنـ ـ ل بلس ــان عرب ــي مبي ــن‪ ،‬لذل ــك فالترجم ــة ليس ــت قـ ـرآنا فه ــي ف ــي حك ــم التفسي ــر‪ ،‬كما‬
‫ع وجل إلى المالئكة واألنبياء‪ .‬فالقرآن يتميـ ـ ـ ـ ـ القـ ـ ـ ـ ـرآن ع ـ ـ ـ ــن‬ ‫يستبعد التعريف الساب كالم‬
‫الحديـي القدسـي من حيي‪:‬‬

‫ولفظها من‬ ‫لفظـا ومعنى‪ ،‬لكن معـاني األحـاديـي القـدسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية من‬ ‫* القرآن ن ل من عنـد‬
‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫عند النبي صلى‬

‫تعالى‪ ،‬أما الحديي القدسـ ـ ــي فيقال في‬ ‫مباش ـ ـ ـرة فنقولك قال‬ ‫* القرآن ينسـ ـ ــب لفظه إلى‬
‫عليه وسلم في ما يرويه عن ربه‪.‬‬ ‫صلى‬ ‫حقها‪ :‬قال رسول‬

‫* القرآن الكريم معج من حيي اللفظ ومتحدى به‪ ،‬في حين أن األحاديي القدسـ ـ ـ ـ ــية ليسـ ـ ـ ـ ــت‬
‫معج ة وال متحدى بها فهي كالسنة في هذا الجانب‪.‬‬

‫‪ 1‬علي محمد جعفر‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.711.‬‬


‫‪ 2‬عبد القادر عـودة‪ ،‬التشـريع الجنائي اإلسالمـي‪ ،‬ج‪ ،1،‬ط‪ ،3،‬دار الفتـح‪ ،1128 ،‬ص‪.123.‬‬
‫‪85‬‬
‫* القرآن الكريم يتعبد بتالوته‪ ،‬ويجب الص ـ ــالة به‪ ،‬أما األحاديي القدس ـ ــية فال تج ل الص ـ ــالة‬
‫بها‪ .‬كما أن القرآن الكريم قطعي الثبوت‪ ،‬أما حال األحاديي القدسـ ـ ـ ـ ــية فهو كحال السـ ـ ـ ـ ــنة ككل‪،‬‬
‫فمنه المتواتر واألحادي والحسن والضعيف‪.1‬‬

‫لقـد جاءت أحـكام القرآن علـى أشـكال مختلفـة حيـي نجـد وروده في عـدة صيـغ‪:‬‬

‫‪ -‬البي ــان الكل ــي حي ــي نج ــد أن القـ ـرآن هن ــا يض ــع المب ــادل والقواع ــد الت ــي تك ــون أساس ــا للتشري ــع‬
‫التفصيل ــي‪ ،‬ويمك ــن تشبيه ــه في هذه المسأل ــة بالدساتي ــر الحالي ــة‪ .‬وم ــن أمثل ــة ه ــذه األحك ــام األم ــر‬
‫بالشورى وقاعدة ج اء كـل سيئـة سيئـة واحـدة‪.‬‬

‫‪ -‬البيـ ــان اإلجمـ ــالي‪ :‬حيـ ــي تأتـ ــي األحـ ــكام بصفـ ــة مجملة محتاجة إلى تفصيـ ــل يحـ ــدد الكيفيات‬
‫والشروط والموانع وغي ـ ــرها‪ ،‬ومثال ذلك وجوب القص ـ ــاص فق ـ ــد جاء ف ـ ــي القرآن مجم ـ ــال ففصل ـ ــت‬
‫السن ـ ــة شروطه كما جاء الحك ـ ــم بحلي ـ ــة البي ـ ــع وتحري ـ ــم الرب ـ ــا ولكن دون تبين البيع الحالل والربا‬
‫المحرم وكـان دور السنـة القيـام بذلـك‪.‬‬

‫‪ -‬البيــان التفصيلــي حيــي يأتي القرآن بالحــكم مفصــال تفصيــال دقيقــا ومثــال ذلك التعييــن الدقيـ‬
‫‪2‬‬
‫ألنصبـة الورثـة وبعـم العقوبات‪.‬‬

‫‪ /12‬السنة‪ :‬هي المصدر الثاني للشريع ــة اإلسالمية حي ــي دلـ ـت على حجيت ــها اآلي ــات القرآني ــة‬
‫واألحاديي النبوية وأجمع الصحاب ــة على وجوب األخذ ب ــها وهي مـــا صدر عـــن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم من قول أو فعل أو تقريرات‪ 3.‬وتقسـم السنة من حيـي الرواية إلى ‪:‬‬

‫‪ -‬سنــة متوات ـرة‪ :‬وهــي مــا رواه جمــع مــن الصحابة‪ ،‬حيي ال يمكن تواطــؤه علــى الكــذب ثـم رواها‬
‫جمــع مــن التابعيــن كذلــك ال يمكن تواطــؤه علــى الكـذب ثـم من تابعـي التابعيـن‪ ،‬فالمعتبـر فـي حـد‬
‫التواتــر هــو العصــور الثالثــة األولى فقــط وبـدون اشتـراط لحد معين لعـدد الرواة فقـد يكـون ‪ 13‬أو‬
‫‪4‬‬
‫‪ 13‬مثال‪.‬‬

‫ويجــب العمــل بالسنــة المتوات ـرة باالتفـا ‪ ،‬فإن دل اللفظ على معنى واحـد كانـت قطعيـة الثبـوت‬
‫قطعيـة الداللـة‪ ،‬فإن احتمل اللفظ أكثر من معنـى كانـت قطعيـة الثبـوت ظنيـة الداللـة‪.‬‬

‫محمد محدة‪ ،‬مختصر علم الفقه اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار الشهاب‪ ،‬الج ائر‪ ،1111،‬ص‪.31-33.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.717.‬‬


‫‪ 3‬محمد مقبول حسين‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.10.‬‬
‫‪ 4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12.‬‬
‫‪86‬‬
‫عليه وسلم لــم يبلــغ حد التوات ــر ثـم‬ ‫‪ -‬السنــة المشهورة‪ :‬وهــي مــا رواها عــدد عــن النبــي صلــى‬
‫رواه ــا ع ــن الصحاب ــة جمع متواتر في عص ــر التابعي ــن وتابع ــي التابعي ــن كحدي ــي إن ــما األعمال‬
‫بالنيات‪ ،‬وهذه السنـة تفيـد الظنيـة القريبـة مـن اليقيـن‪.‬‬

‫عليه وسلم من الصحاب ــة ع ــدد لم يبل ــغ ح ــد‬ ‫‪ -‬سنــة اآلح ــاد‪ :‬وه ــي م ــا رواه ــا عــن النب ــي صلى‬
‫التواتــر وكذلك في عصر التابعين وتابعي التابعيــن‪ ،‬وهــذه السنــة ظنيــة ال يعمــل بهــا فـي األحكام‬
‫العمليـة إال بتوفر شروط‪.1‬‬

‫ونجـد أن السنـة قـد تضمنـت الكثيـر مـن األحكـام فهـي‪:‬‬

‫عليـه وسلـم علـى فعل‬ ‫‪ -‬إمــا مقــررة ومؤكـدة لمـا جـاء فـي القرآن مـن أحكام كحي النبي صلى‬
‫بعم الواجبـات التـي نص القرآن عليها كالتوصيـة بالنسـاء مثال‪.‬‬

‫‪ -‬إمــا شارحــة ألحكــام القـرآن حيـي نجـد بعـم األحكام في السنة تفصـل مجمـل القـرآن كتفصيـل‬
‫الصـالة وال كـاة وغيـرها‪.‬‬

‫‪ -‬إمــا مثبتــة لحكـم سكـت عنـه القـرآن كتحـريم الجمـع بيـن المرآة وعمتـها أو خالتـها وتحريـم الق اربـة‬
‫‪3‬‬
‫من الرضاع‪ 2،‬ووجوب الدية على العاقلة‪.‬‬

‫‪ /13‬اإلجماع‪ :‬ه ــو اتف ــا جمي ــع المجتهدي ــن م ــن المسلمي ــن ف ــي عصر من العصور بع ــد وف ــاة‬
‫علي ــه وسل ــم عل ــى حكم شرع ــي‪ 4.‬واإلجم ــاع دلي ــل شرع ــي يج ــد حجت ــه م ــن الق ـرآن‬ ‫النب ــي صلى‬
‫حيـ ــي ق ـ ــال المول ـ ــى ج ـ ــل جالل ـ ــه‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر‬
‫منكم " فقد فس ـ ـ ـ ـ ـر ابن عباس كلمة أولي األمر منكم بالمجتهدين‪ .‬وقال تعالى‪ " :‬ومن يشـــــــاقق‬
‫الرســــــول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير ســــــبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصــــــله جهنم‬
‫وساءت مصي ار "‪.‬‬

‫عليه وسلم أن ــه ق ــال‪ " :‬ال تجتمع‬ ‫كما دلت السن ــة على حجي ــة حي ــي روي ع ــن النبي صلى‬
‫أمتي على ضالل " وقال أيضا "ما رآو المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن " وفي حدي ـ ـ ــي رواه‬
‫األمر ين ل بنا ولم يـن ل فيـه‬ ‫سعيــد بــن المسيـب عـن علي بن أبي طالب قال ‪ :‬قلت يا رسول‬

‫محمد مقبول حسين‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.18-12.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.37.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.711.‬‬


‫محمد مقبول حسين‪ ،‬المرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.33.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪87‬‬
‫قرآن ولم تمم فيه منك س ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة قال ‪ " :‬أجمعوا له العالمين وفي رواية العابدين من المؤمنين‬
‫‪1‬‬
‫فاجعلوو شورى بينكم وال تقضوا فيه برأي واحد "‬
‫ويجـ ــب اإلشارة إلـ ــى أنـ ــه رغـ ــم حجيـ ــة‪ ،‬اإلجماع فال بـ ــد لـ ــه من سند مـ ــن الكتاب أو السنـ ــة أو‬
‫القيـ ــاس‪ .‬أمـ ــا فائـ ــدة سنـ ــد اإلجماع فهـ ــو التحـ ــول مـ ــن الحكم الظنـ ــي إلـ ــى الحكم القطعي إذا كان‬
‫السنــد ظن ــي وتأكيد السند القطع ــي م ــع إثب ــات الحك ــم إذا ك ــان السن ــد قطعي ــا حيي يثبت الحكم في‬
‫ه ــذه الحال ــة ويسق ــط البح ــي ع ــن الدلي ــل حي ــي يع ــد اإلجم ــاع دليال ما دام ق ــد ت ــم ونق ــل صحيح ــا‬
‫وحتـى وان لـم نعـرف سنـد اإلجماع الذي اعتمد عليـه بعـد ذلك‪.2‬‬

‫‪ /14‬القياس‪ :‬هـ ــو إلحـ ــا أمـ ــر غيـ ــر منصـ ــوص علـ ــى حكمـ ــه الشرعـ ــي بأمر منصوص علـ ــى‬
‫حكم ــه الشتراكهم ــا ف ــي عل ــة الحك ــم‪ .‬والقي ــاس تق ـره الفط ـرة ويقبل ــه العق ــل ذلك أن نصوص الكتاب‬
‫والسنة متناهيــة والحوادي فــي حيــاة النـاس غيـر متناهيـة‪ 3.‬والجمهـور يعتبـر القيـاس حجـة شـرعية‬
‫ف ـ ــي المرتبة الرابعة بعد القرآن والسن ـ ــة واإلجم ـ ــاع‪ ،‬فاألحك ـ ــام الشرعي ـ ــة م ـ ــا ش ـ ــرعت إال لمصلحة‬
‫ولعلـ ــة‪ .‬ومـ ــن األحكـ ــام التـ ــي نجـ ــد دليلـ ــها القياس تحريـ ــم النبيـ ــذ قياسا على تحريم الخمر‪ ،‬حرمان‬
‫الموصى لـه الذي قتـل الموصـي مـن الوصيـة قياسـا علـى حرمان القاتل من تركة مورثـه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التنظيم السياسي واإلداري والمالي للدولة اإلسالمية‬


‫إن طبيعة أحكام الشريعة اإلسالمية توجب قيام دولة تحمي العقي ـ ــدة والشعائر وتق ـ ــوم بتطبيـ ـ ـ‬
‫األحكام العمليـ ـ ــة لإلسـ ـ ــالم وفي هذا اإلطار يقول الشيخ ابن تيمية في كتاب السياسة الشرعية‪" :‬‬
‫‪ ...‬وألن هللا تعــالى أوجــب األمر بــالمعروف والنهي عن المنكر ثواقــامــة الحج والجمع واألعيــاد‬
‫ونصـــرة المظلوم ثواقامة الحدود وال تتم إال بالقوة واإلمارة " كما يقول في موض ــع آخر "يجب أن‬
‫‪4‬‬
‫يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين وال قيام للدين إال بها ‪.‬‬

‫وانطالقـا من حتميـة وجود دولة إسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمية حددت الش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعة مجموعة من المبادل لقيام هذه‬
‫األخيرة على الصعيد السياسي واإلداري واالقتصادي‪.‬‬

‫محمد مقبول حسين‪ ،‬المرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.31.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.27.‬‬ ‫‪2‬‬

‫حسن رمضان فحلة‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.100.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشيخ ابن تيميـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬السياسة الشرعية بيــــــــن الراعي والرعيــــــــة‪ ،‬األنيس سلسلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬ط‪،1111 ،7‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.182.‬‬
‫‪88‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نظام الحكم‬
‫يأبى اإلس ـ ــالم الفص ـ ــل بين الدين والدولة‪ ،‬ذلك أن هذه األخيرة في خدمته وهو الذي يحدد لها‬
‫المبادل األساسية التي تقوم عليها وأهدافها التي ترجو تحقيقها‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مباد‪ :‬نظام الحكم في اإلسالم‬


‫ينبني نظام الحكم في اإلسالم على قاعدتين أساسيتين هما‪:‬‬

‫هو خال اإلنسان الذي يجب عليه الخضوع‬ ‫‪ -‬القاعدة الفكرية‪ :‬والتي تنطل من اإليمان بأن‬
‫ألمره وبالتالي فان أوامره هي األصـ ـ ــلح له ألنه العالم بما يصـ ـ ــلح لعباده‪ ،‬وعليه فان هذا يفترم‬
‫إذا أن ل على خلقه نظاما فهو أفضـ ـ ـ ـ ــل األنظمة‪ .‬فاإلنسـ ـ ـ ـ ــان مهما بلغ من العلم ال يمكنه‬ ‫أن‬
‫االحاطة بطبائع الكون وكافة األشـ ـ ــياء وأن شـ ـ ــهواته وتأثره ببيئته تجعله غير قادر على التش ـ ـ ـريع‬
‫‪1‬‬
‫للبشر كافة‪.‬‬

‫‪ -‬القاعدة العملية‪ :‬وتتمثل في مجموع األس ــس التي تحكم نظام الحكم اإلسـ ــالمي‪ ،‬ونجد أهم هذه‬
‫األسس‪:‬‬

‫أوال‪ /‬الشورى‬

‫تدل كلمة الشـ ـ ــورى على معنى خاص بالرأي ومداولة الفكر واالجتماع على اآلمر ليسـ ـ ــتشـ ـ ــير‬
‫كل واحد صــاحبه ويســتخرج ما عنده‪ 2.‬ويجب التفري بين الشــورى والمشــورة على اعتبار األولى‬
‫‪3‬‬
‫أخذ بالرأي مطلقا أما المشورة فهي أخذ الرأي على سبيل اإلل ام‪.‬‬

‫أما عن مشــروعية الشــورى فنجد األمر بها في القرآن والســنة واإلجماع‪ ،‬فمن الكتاب نجد قوله‬
‫تعالى ‪ " :‬فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فضـــــا غليظ القلب النفضـــــوا من حولك فاعف‬
‫عنهم واســـتيفر لهم وشــــاروهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على هللا إن هللا يحب المتوكلين"‪.4‬‬

‫محمود سعيـ ـ ـ ـ ــد عمران‪ ،‬أحمد أمي ـ ـ ـ ـ ــن سلي ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬النظم السياسية عبر العصور‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫بيروت‪ ،1111 ،‬ص‪.781.‬‬


‫محمود الخالدي‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم‪ ،‬الرسالة الحديثة‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪ ،‬ص‪.13.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة آل عمران اآلية ‪.131‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪89‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬والذين اســـــــتجابوا لربهم وأقاموا الصـــــــالة وأمرهم شـــــــورى بينهم ومما رزقناهم‬
‫‪1‬‬
‫ينفقون ‪.‬‬

‫عليه وســلم أصــحابه كثيرة‪ ،‬حتى قال‬ ‫أما من الســنة فالمواقف التي شــاور فيها النبي صــلى‬
‫عنه ‪ :‬ما رأيت أحدا أكثر مشــــورة ألصــــحابه من النبي صــــلى هللا عليه‬ ‫أبو هريرة رضـ ـ ــي‬
‫وسـلم والسـيرة النبوية حافلة بهذه المواقف وعلى الخصوص مشاورته قبل بداية معركة بدر أحد‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫عليه وس ــلم هو‬ ‫ونجد أن أول عمل س ــياس ــي قام به الص ــحابة الكرام بعد وفاة النبي ص ــلى‬
‫االجتماع في س ـ ــقيفة بني س ـ ــاعدة النتخاب الخليفة‪ ،2‬من خالل التش ـ ــاور على ذلك وكانت س ـ ــيرة‬
‫الخلفاء ال ارشــدين هي األخذ بالشــورى كأصــل من أصــول الحكم‪ ،‬فقد شــاور أبو بكر أصــحابه في‬
‫قتال مانعي ال كاة وشـ ــاور عمر في تقرير التأريخ الهجري وفي حد الخمر وغيرها‪ .‬لكن الشـ ــورى‬
‫ال تكون في األمور التي ورد فيها نص صـ ـ ـ ـريح ألنه ال يحتاج فيها إلى الرأي مع وجود النص‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كما ال يصح أن تنتهي الشورى إلى ما يخالف أحكام الشريعة‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬الدولة اإلسالمية ذات سيادة مقيدة في إطار الشرع‬

‫نجد في األنظمة المعاص ـ ـرة أن السـ ــيادة إما أن يكون مصـ ــدرها الشـ ــعب أو الحاكم في الدولة‪،‬‬
‫من خالل اآليات واألحاديي النبوية ونهج الخلفاء ال ارشـ ـ ـ ـ ـ ــدين خاصـ ـ ـ ـ ـ ــة أبي بكر وعمر يتبين أن‬
‫الس ــيادة في الدولة اإلس ــالمية ليس ــت للحاكم وانما الحاكم ملت م بدس ــتور المس ــلمين أي بمص ــادر‬
‫التشـ ـ ـريع وخاص ـ ــة القرآن والس ـ ــنة‪ .4‬وبهذا فاإلس ـ ــالم بعيد جدا عن الحكم المطل ‪ ،‬ولكن بعد هذا‬
‫يجب التســاؤل عن مصــدر الســيادة في الدولة اإلســالمية‪ :‬هل هو الشــعب الذي له إرادة ال تتقيد‬
‫بقيد وال تسأل أمام سلطة غير سلطتها؟‬

‫إن إرادة الش ـ ـ ـ ـ ـ ــعب في الدولة اإلس ـ ـ ـ ـ ـ ــالمية مقيدة‪ ،‬فهي ال تبيح محرما وال تعتدي على الحدود‬
‫الشـرعية‪ ،‬فمصـدر السـيادة هو المولى ع وجل واضـع دسـتور أمة المسلمين الذي يحدد سلطات‬
‫الدولة والحاكم والرعية‪ ،‬فهدف الجماعة المس ــلمة ينحص ــر في تطبي قانون اإلس ــالم على الرعية‬

‫اآلية ‪08‬من سورة الشورى‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمود الخالدي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.71.‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.780.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬حتمية الحل اإلسالمي‪ :‬ت مالت في النظام السياسي‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪ ،1111 ،‬ص‪.21.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪91‬‬
‫‪1‬‬
‫والمحافظة على وحدة الجماعة والروابط األخوية بين أفراد المجتمع المسـ ـ ـ ـ ــلم والوالء لإلسـ ـ ـ ـ ــالم‪،‬‬
‫وضــمان حرية االعتقاد لرير المس ــلمين مع إقامة قانون اإلس ــالم عليهم فيما يتعل بالنظام العام‪.‬‬
‫والجهــاد في‬ ‫كمـا أن هــدف الجمــاعــة المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمــة كــذلــك هو دعوة الجمــاعــات األخرى إلى دين‬
‫‪2‬‬
‫إلى الجماعات األخرى‪.‬‬ ‫سبيله بالكلمة أو القوة إذا حيل بين المسلمين وبين أن يوصلوا كلمة‬

‫إن الدولة اإلسالمية محكومة بمبادل العدل والمساواة وموجودة من أجل حماية الح والحرية‪،‬‬
‫فالعـــــــدل وهو ضرورة إق ـ ـ ـ ـ ــامة الح واقرار المساواة والعدالة من األسس التي عليها عمار الكون‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ــالح العباد‪ ،‬ولهذا جاءت الكثير من اآليات واألحاديي تحي عليه‪ ،‬حيي يقول المولى جل‬
‫َن تَ ْحكُمُوا ِبـالْعَـدِْل‬ ‫اس أ ْ‬‫النـ ِ‬ ‫ات ِإلَى أَهِْلهَـا َ ثواِ َذا حَكَمْتُمْ بَيْ َن َّ‬ ‫َن تُ َؤودوا ْاألَمـانَـ ِ‬ ‫وعال‪ِ ،‬إ َّن َّ‬
‫اَّ َيـ ْمُ ُركُمْ أ ْ‬
‫َ‬
‫ين آمَنُوا كُونُوا‬ ‫ســــ ِميعاً بَ ِصــــي ارً وقوله جل وعال "يَا أَيوهَا َّالِذ َ‬ ‫ان َ‬ ‫اَّ كَ َ‬‫اَّ ِنِع َّما يَِعظُكُمْ ِب ِه ِإ َّن َّ‬ ‫ِإ َّن َّ‬
‫‪3‬‬

‫ب ِللتَّقْ َوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ســــــ ِط َوال يَ ْج ِرمََّنكُمْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِ َِّ‬
‫قَ َّو ِام َ‬
‫ون قَ ْوٍم عَلَى أََّال تَعْدلُوا اعْدلُوا هُ َو أَ ْق َر ُ‬ ‫شــــــنَ ُ‬ ‫شــــــهَدَاءَ ِبالْق ْ‬‫ّ ُ‬
‫َصـــِلحُوا‬
‫ين ا ْقتَتَلُوا فَ ْ‬ ‫ان ِم َن الْمُ ْؤ ِمِن َ‬‫ون ‪ 4‬وقوله تعالى َ ثواِ ْن طَ ِائفَتَ ِ‬ ‫ير ِبمَا تَعْمَلُ َ‬ ‫اَّ َخِب ٌ‬ ‫اَّ ِإ َّن َّ‬‫َواتَّقُوا َّ‬
‫ت‬‫اّ فَـِإ ْن فَـاءَ ْ‬ ‫ت ِإ ْحـدَاهُمـا عَلَى ْاألُ ْخرى فَقَـ ِاتلُوا َّالِتي تَبِْيي حَتَّى تَِفيء ِإلَى أَم ِر َِّ‬ ‫بَيْنَهُمَـا فَـِإ ْن بَيَـ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين ‪ .5‬كما أرســت الســنة النبوية المطهرة‬ ‫ب الْمُقْ ِس ـ ِط َ‬ ‫اَّ يُ ِح و‬
‫َص ـِلحُوا بَيْنَهُمَا ِبالْعَدِْل َوأَ ْق ِس ـطُوا ِإ َّن َّ‬ ‫فَ ْ‬
‫عليه وســلم يقول والمقســطون عند هللا على منابر من‬ ‫دعائم العدل قوالً وعمالً فالنبي صــلى‬
‫نور على يمين الرحمن وكلتـا يديه يمين‪ ،‬هم الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا وقوله‬
‫عليه وسلم في الحديي القدسي يا عبادي أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم‬ ‫صلى‬
‫في‬ ‫محرما فال تظالموا‪ 6.".....‬كما أن اإلمام العادل في اإلسـ ـ ـ ــالم من الس ـ ـ ـ ــبعة الذين يظلهم‬
‫ظله يوم ال ظل إال ظله‪.‬‬

‫تعالى هي العدل‬ ‫وتقوم فلسفة اإلسالم على أن فساد الرعية ال ينصلح إال بالعدل‪ ،‬وشريعة‬
‫تعالى بوض ـ ـ ــع كل ش ـ ـ ــيء في موض ـ ـ ــعه من غير‬ ‫المطل ‪ ،‬واإلمام العادل هو الذي يتبع أمر‬
‫إفراط وال تفريط‪ .‬والعدالة في اإلسالم تشمل العدل االجتماعي والتكافل االجتماعي‪.‬‬

‫أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.28.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النساء االية‪.38‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة المائدة االية‪.8‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة الحجرات االية‪.1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.782.‬‬
‫‪91‬‬
‫إن العــدل بين النــاس وهو إعطــاء كــل ذي ح حقــه‪ ،‬ال يتحق داخــل الــدولــة إال بعــد أن ينظم‬
‫المجتمع المس ـ ـ ــلم بالقوانين التي تض ـ ـ ــمن وص ـ ـ ــول الح إلى كل فرد منه‪ .‬كما يترتب على العدل‬
‫إقامة المسـاواة عند تطبي الحدود بين المسـلمين‪ ،‬حيي ال يفر بين الحاكم والمحكوم في العقوبة‬
‫والقصـاص كما ال يفر فيما بين المسلمين وغيرهم من أهل الذمة من رعايا الدولة اإلسالمية في‬
‫ذلك‪.‬‬

‫أما الحريــــة نظ ـ ــر إليه ـ ــا اإلسالم نظـ ـ ـرة ثاقب ـ ــة وبسيط ـ ــة ف ـ ــي أن واح ـ ــد‪ ،‬حيي اعتبر أن إرادة‬
‫اإلنسـ ـ ـ ـ ــان ‪-‬وهي مناط تكليفه‪ -‬ال تتحق إال في جو من الحرية الكاملة والواعية التي ال تضـ ـ ـ ـ ــر‬
‫المجتمع وال تتعدى على الحريات األخرى‪ 1،‬ويمكن ذكر أمثلة كثيرة من التش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريع اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمي‬
‫يتضح فيها هذا التكريس الراقي للحرية اإلنسانية فمنها‪:‬‬

‫‪ ‬عــدم إكراه اإلنسان على تـرك دينـه أو فـرم عقيــدة معينة عليـه‪ ،‬حيي قال تعالى"‬
‫اّ فَقَـِد‬ ‫الر ْشــــــــــدُ ِم َن الْيَ ِي فَم ْن ي ْكفُر ِب ـ َّ ِ‬
‫وت وي ْؤ ِم ْن ِب ـ َِّ‬
‫الط ـا ُغ َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ال ِإ ْك َراوَ ِفي الـِـد ِ‬
‫ين قَـدْ تَبَيَّ َن و‬
‫‪2‬‬
‫س ِميعٌ عَِليمٌ "‪.‬‬
‫اُّ َ‬‫صامَ لَهَا َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ك ِبالْعُ ْر َوِة الْ ُوثْقَى ال انْف َ‬
‫سَ‬‫استَمْ َ‬
‫ْ‬
‫‪ ‬تـ ــرك أهـ ــل الكتـ ــاب ليمارسوا شعائـ ــرهـ ــم وعبادتهـ ــم داخل المجتمـ ــع‪ ،‬بحيي ال تهـ ــدم‬
‫كنائسهـم وال تبـاع ‪.‬‬

‫‪ ‬تـ ـ ــرك الحريـ ـ ــة االجتماعيـ ـ ــة والفكريـ ـ ــة ألهل الكتاب فلهـ ـ ــم أكل األطعمة واألشربـ ـ ــة‬
‫المباحـ ـ ـ ــة في ديانتهـ ـ ـ ــم والحرية في األحوال الشخصية وحريـ ـ ـ ــة الجدل فـ ـ ـ ــي حدود العقـ ـ ـ ــل‬
‫‪3‬‬
‫والمنطـ ‪.‬‬

‫‪ ‬أقر اإلسالم حري ـ ـ ـ ــة التفكير والتعبير‪ ،‬حيي أعطى الحـ ـ ـ ـ ـ للمسلمين في مناقش ـ ـ ـ ــة‬
‫أولياء األمـ ـ ــور واألمر الوحيد الذي حرمه في هذه المسألة هو الدعوى إلى هـ ـ ــدم الدين أو‬
‫إضعاف ــه أو التروي ــج لل ندقة أو اإللح ــاد‪ .‬كم ــا أن حري ــة الرأي ف ــي األمور الديني ــة ليس ــت‬
‫مشاعـ ــا ألي إنسـ ــان‪ ،‬بل إن المتصـ ــدر لهـ ــذه األمور البد أن يكون على درجة عاليـ ــة من‬
‫العلـم والفقـه‬

‫‪ ‬كف ـ ــل اإلسالم الحري ـ ــة السياسي ـ ــة كما قلنا في اختيار الحاكم ومراقبت ـ ــه حيي خطبة‬

‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.788.‬‬ ‫‪1‬‬

‫اآلية ‪ 732‬من سورة البقـرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.781.‬‬
‫‪92‬‬
‫عنه في الناس عندما تولى الخالفة قائال‪ :‬يا أيها الناس‬ ‫أبوا بكر الصـ ـ ـ ـ ــدي رضـ ـ ـ ـ ــي‬
‫إني وليــت عليكم ولســـــــــت بخيركم‪ ،‬فــإذا رأيتموني على الحق فـ عينوني‪ ،‬وان رأيتموني‬
‫على باطل فســـددوني‪ ،‬أطيعوني ما أطعت هللا ورســـوله‪ ،‬ف ن عصـــيت هللا فال طاعة لي‬
‫‪1‬‬
‫عليكم)‪.‬‬

‫أمـــا المســـاواة نظ ــر إلسالم إلى الن ــاس كاف ــة بمنظار التساوي حيي‪ ،‬وح ــد الجن ــس البش ــري‬
‫وأمام القانون ف ــي الدني ــا‬ ‫وجعل المساواة شامل ــة في المولد والمصير والحق ــو والواجبات أم ــام‬
‫ارفُوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫اس ِإَّنا َخلَقْنَاكُمْ ِم ْن َذكَ ٍر َوأُنْثَى َوجَعَلْنَاكُمْ ُ‬ ‫واآلخرة فق ـ ــال تعالى " يَا أَيوهَا َّ‬
‫شعُوباً َوقَبَائلَ لتَعَ َ‬ ‫الن ُ‬
‫اس اتَّقُوا َربَّكُمُ َّالِذي‬ ‫اَّ عَِليمٌ َخِبير ٌ"‪ ،2‬وقـال أيضـا يَا أَيوهَا َّ‬
‫الن ُ‬
‫ِإ َّن أَ ْكرمكــم ِعــنْدَ َِّ‬
‫اّ أَتْقَاكُـمْ ِإ َّن َّ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫اَّ اَّلـِذي‬
‫ســـــــــاءً َواتَّقُوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخلَقَكُم ِم ْن نَفْ ٍ ِ ٍ‬
‫س َواحـدَة َو َخلَقَ منْهَـا َز ْوجَهَـا َوبَـ َّث منْهُمَـا ِرجَـاالً كَثي ارً َوِن َ‬ ‫ْ‬
‫ان عَلَيْكُمْ َرِقيباً"‪ ،3‬وقال ص ــلى عليه وس ــلم في حجة الوداع‬ ‫َرحَامَ ِإ َّن َّ‬ ‫تَســـاءلُ َ ِ‬
‫اَّ كَ َ‬ ‫ون ِبه َو ْاأل ْ‬ ‫َ َ‬
‫يــا أيهــا النــاس إن ربكم واحــد وأن أبــاكم واحــد‪ ،‬كلكم ألدم وآدم من تراب ‪،‬إن أكرمكم عنــد هللا‬
‫أتقاكم‪ ،‬وليس لعربي على عجمي‪ ،‬وال ألعجمي على عربي‪ ،‬وال الحمر على أبيض‪ ،‬وال ألبيض‬
‫‪4‬‬
‫على أحمر إال بالتقوى"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ممارسة الحكم في الدولة اإلسالمية‬


‫إن الدول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلس ــالمية وهي المس ــؤول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة عن إقامة الواجبات العامة تس ــير من قبل الحكام‬
‫والموظفين‪ ،‬حيي اتفقت معظم الفر اإلسالمية على وجوب اإلمامة وقيادة األمة من قب ـ ـ ـ ـ ــل إمام‬
‫عادل‪ ،‬ويطرح يطرح التساؤل حول ممارسـ ـ ـ ــة السلطـ ـ ـ ــة في الدولـ ـ ـ ــة اإلسالمية أو بمعنى أخر من‬
‫سيتولى األشراف على هذه الدولـ ـ ـ ـ ــة؟ وكيفيـ ـ ـ ـ ــة اختياره؟ ومن يختاره؟ وما هي صالحياتـ ـ ـ ـ ــه؟ ومن‬
‫يمكنه أن يحاسبـه‪...‬؟‬

‫أوال‪ :‬منصب رئيس الدولة(الحاكم أو اإلمام)‬

‫إن تسـمية هذا الحاكم ال ته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم قيمكن أن يسـمى رئيس‪ ،‬أمير‪ ،‬إمام ‪ ،...‬فالمهم أن المقصود‬
‫من االسم هو من يتولى منصب رئاسة الدولة اإلسالمية‪ .‬وقد كان منصب الخليف ـ ـ ـ ــة أو الحاك ـ ـ ـ ــم‬

‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.711،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬الحجرات اآلية‪.10‬‬
‫النسـاء اآلية‪.31‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬محمود سعيـد عمران‪ ،...‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.710،‬‬


‫‪93‬‬
‫مجال دراسات مختلفة‪ ،‬والمالحظ أن المذاه ـ ــب السياسي ـ ــة اإلسالمية نشأت أصال ح ـ ــول الخالف‬
‫على منصب رئيس الدولة وقـ ــد أثرت فـ ــي نشـ ــوء المذاهب الفكرية والفلسفيـ ــة فـ ــي اإلسالم‪ ،‬وهناك‬
‫منهجين في التفكير اإلسالمي حول هذا المنصب‪ :‬مذهب الوجوب‪ ،‬مذهب الجوا ‪.‬‬

‫‪ -‬مذهـــب الوجـــوب‪ :‬وحجة هذا الرأي هي إجماع الصحاب ــة والتابعين وكذلك الدليل العقلي‪ ،‬وان‬
‫وقع الخالف حول أدلـ ـ ـ ـ ـ ــة الوجوب بين العقل والشرع‪ ،‬فقالت المعت لة بالعقـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬واتف أهل السنة‬
‫‪1‬‬
‫على هذا المبدأ‪.‬‬

‫‪ -‬مذهب الجواز‪ :‬قـ ــال بهـ ــا البعم‪ ،‬مثل األصم مـ ــن المعت لـ ـ ـ ــة‪ ،‬وبعم الخوارج والواجب عنـ ــد‬
‫ج ــل وعال‪ ،‬لم‬ ‫هؤالء ه ــو إمضاء أحكام الشرع‪ ،‬فإذا تواط ــأت األم ــة على الع ــدل وتنفيذ أحك ــام‬
‫يحتــج إلــى إمـام وال يجـب منصبـه‪ .2‬وسبـب هذا الرأي حسـب ابـن خلـدون هـو اعتقاد أصحابه بذم‬
‫الشريعـ ـ ــة للملك والنعـ ـ ــي على أهلـ ـ ــه ومرغبـ ـ ــة في رفض ـ ـ ــه‪ .‬ثم يرد ابن خلدون أن الشريعة لم تذم‬
‫الملك لذاتـه وانمـا لمفاسـده الناشئـة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط وصفات رئيس الدولـة (الحاكم أو اإلمام)‬

‫يرى الماوردي أن الشـروط التي يجب أن تتوفر في أحد المسـلمين حتى يكون أهال ألن يصير‬
‫رئيســا للدولة اإلســالمية هي ســبعة شــروط منها العدالة وشــروطها الجامعة التي هي العلم المؤدي‬
‫إلى االجتهاد في النوا ل واألحكام‪ ،‬سالمة الحواس من السمع والبصر واللسان‪ ،‬سالمة األعضاء‬
‫من نقيص يعوقه على الحركة‪ ،‬الرأي المفض ـ ــي إلى رعاية الرعية وتدبير مص ـ ــالحها‪ ،‬الش ـ ــجاعة‬
‫والخير واالسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعداد للجهاد‪ ،‬وان يكون من قريش‪ .‬أما ابن ح م فحدد أربعة شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروط فقط وهي‬
‫البلوغ‪ ،‬الـذكورة‪ ،‬العلم‪ ،‬التقوى‪ .‬وحـدد ابن خلدون خمسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة هي العلم‪ ،‬العدالة‪ ،‬الكفاية‪ ،‬سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمة‬
‫الحواس واألعضاء‪ ،‬النسب القرشي‪ ،‬وهو أمر مختلف فيه كما ذكر ابن خلدون‪.3‬‬

‫ويمكن تقسـ ـ ــيم هذه الشـ ـ ــروط إلى شـ ـ ــروط أسـ ـ ــاسـ ـ ــية ال تجو اإلمامة لمن ال تتوفر فيه وهي‪:‬‬
‫الذكورة‪ ،‬البلوغ‪ ،‬العق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ،‬العل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بأمور الدين والدنيا ليتسنى له حكم األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬سالمة الحواس‬

‫أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.81.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬حتمية الحل اإلسالمي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.83.‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.713.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪94‬‬
‫واألعض ـ ـ ــاء‪ ،‬العدالة‪ ،‬س ـ ـ ــالمة العقيدة‪ ،‬أداء الفرائم اإلس ـ ـ ــالمية والش ـ ـ ــعائر‪ ،‬الحرية‪ ،‬الكفاية في‬
‫‪1‬‬
‫العمل‪.‬‬

‫أما الشـروط المختلف فيها بين الفقهاء فأهمها االختالف حول النسـب القرشي والهاشمي حيي‬
‫ظلت الخالفة بين حاملين هذا النســب اســتنادا إلى حديي النبي صــلى اله عليه وســلم‪ ،‬إلى غاية‬
‫سيطرت األتراك‪ .‬وقد حاول بعم الكت ــاب تحليل ه ــذا الشرط القاضي بجعل الخالفة ف ــي قريش‪،‬‬
‫فنجد أن ابن خلدون يضع هذا الشرط عند تحليــله لــه فـي إطاره ال ماني والمكاني الذي وجد فيه‪،‬‬
‫وبعـد هـذا يخلـص إلـى أن اشتراط النسـب القرشي إنمـا جاء من منطـل أن قريش كانـت لـها العـ ة‬
‫بالكثـ ـ ـرة والعصبي ـ ــة والشرف فكان الع ـ ــرب ال يستكينون إال لها‪ .‬فل ـ ــو جع ـ ــل األم ـ ــر في ذلك العهد‬
‫لريرهم لوقع اختالف الكلمة‪ ،‬والنتيج ـ ــة هي أن ه ـ ــذه العل ـ ــة تؤدي إل ـ ــى الق ـ ــول في وقتنا الحاضر‬
‫بأهميـة أن يكـون القائم بأمور المسلمين من قوم أولى عصبـة قوية غالبـة على مـن معـها‪.‬‬

‫إن الشارع الحكيــم ال يخــص األحكام بجيــل وال عصر وال أمــة‪ ،‬وعلى هـذا ومـما سبـ نجـد أن‬
‫اشت ـراط النسب القرشــي هــو شرط مرحلي مؤقت روعي فيــه التكويــن االجتماعــي وعلينـا االستفادة‬
‫‪2‬‬
‫مـن علة الشرط إذن ال الوقـوف عنـد حرفيتـه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬سلطات الحاكم وواجباته‬

‫عليه وس ــلم قد تولى من قبل وظائف القض ــاء والتشـ ـريع والجهاد‬ ‫ص ــلى‬ ‫إذا كان رس ــول‬
‫والتنفيــذ فليس معنى ذلــك أن لرئيس الــدولــة اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالميــة صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالحيــات مطلقــة في م اولــة هــذه‬
‫السـ ـ ــلطات‪ ،3‬فسـ ـ ــلطات الحاكم في اإلس ـ ـ ــالم ليسـ ـ ــت مطلقة ولكن واجباته ثقيلة‪ ،‬فهذه الس ـ ـ ــلطات‬
‫يحكمها مبدأ الشورى وما دام الحاكم ينوب عن األمة التي عليها مسؤوليـ ـ ــة سالمة تنفيـ ـ ــذ أحكـ ـ ــام‬
‫الشريعة‪ ،‬ففي إمكان هذه األخيرة أن تحدد اختصاص الحاكم وسلطاته‪.‬‬

‫والخليفة أو الحاكم مطاع بقدر اتفا أعماله مع الشـريعة‪ ،‬ولألمة كما قلنا ح تقديم النصيحة‬
‫له كما أن له ح الطاعة والنصرة في غير المعصية‪ 4.‬وقد اختلف الفقه ـ ـ ـ ـ ــاء فـ ـ ـ ـ ـ ــي مدى وجوب‬

‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.712.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13-81.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11.‬‬


‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.033.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪95‬‬
‫طاعة الحاكم غير المستوفي لشروط اإلمامة أو غير المستقي ـ ــم لج ـ ــرح سلوك ـ ــه حي ـ ــي نجد ع ـ ــدة‬
‫أراء‪:‬‬

‫‪ -‬يــرى األئمــة مالــك والشافعــي وأحمـد الصبر على هذا الحاكم خشية حدوي الفتـن وا ارقـة الدمـاء‬
‫وحصول شـر أكثر مـن الـذي يـراد إ التـه‪.‬‬

‫‪ -‬هن ــاك رأي أشب ــه ب ـرأي الخ ـوارج وحسب ــه ف ــان ه ــذا الحاكم‪ ،‬ال يطاع في طاعة وال معصي ــة ألن‬
‫طاعتـه حتى فـي العـدل هـو إقـرار بالظلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬يطاع فـي الطاعـة وال يطـاع فـي المعصيـة‪.‬‬

‫أما واجبات الحاكم فقد حددها القاضي أبو يعلى الماوردي في عشرة واجبات‪:‬‬
‫* حفظ الدين على األصول التي أجمع عليها سلف األمة ‪.‬‬
‫* تنفيذ األحكام بين المتشاجرين وحماية الحريم واإلقليم‪.‬‬
‫* حماية البيضة والذب عن الحو ة‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫* إقامة الحدود لتصان حدود‬
‫* تحصين الثرور بالعدة المانعة‪.‬‬
‫* جهاد من عاند اإلسالم بعد الدعوة‪.‬‬
‫* جباية الفيء والصدقات من غير تعسف‬
‫* تقدير العطايا وما يستح من بيت المال دون تبذير أو تقتير أو تأخير‪.‬‬
‫* اس ـ ـ ــتكفاء األمناء وتقليد النص ـ ـ ــحاء فيما يفوض ـ ـ ــه إليهم لتكون األعمال بالكفاءة مض ـ ـ ــبوطة‬
‫واألموال باألمناء محفوظة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫* يشرف على األمور ويتصفـح األحوال وال يعـول علـى التفويـم تشاغال بلـذة أو عبادة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المصالَ اإلدارية والمالية للدولة اإلسالمية‬
‫انطالق ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ــن المبادل العام ـ ـ ـ ـ ـ ــة التي وضعها اإلسالم بخصوص الحكم واإلدارة واالقتصاد‬
‫وبفضل سيطرة الجانــب األخالقـي علـى كـل هذه المياديـن‪ ،‬راح الصحابـة الكرام ومـن جـاء بعـدهم‬
‫يعملون على تطبي هذه المبادل في الميادين اإلداريـة واالقتصاديـة وقاموا بتحديـي أنظمة إدارية‬
‫وجـدت عنـد أمـم سبقتهـم وباستحـداي بعم األنظمـة وخاصة االقتصادية منهـا‪.‬‬

‫أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬المـرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.130.‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمود سعيـد عمران‪ ،‬أحمد أميـن سليـم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.033.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪96‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المصالَ اإلدارية‬
‫عرفـ ــت الدولـ ــة اإلسالميـ ــة فـ ــي عهـ ــد الخلفاء الراشدين مجموعة من المصالح اإلداريـ ــة حيـ ــي‬
‫عن ـ ــه واضع النظام اإلداري للدولـ ـ ــة اإلسالمي ـ ــة‪ ،‬فقـ ـ ــد ق ـ ــام باستحـ ـ ــداي‬ ‫يعتب ـ ــر عم ـ ــر رضـ ـ ــي‬
‫الدواويـن ووضع الرقابة على أعمال الوالة والعمـال كمـا ظهـرت المرك يـة الجبايـة والصـرف داخـل‬
‫الواليــة مع رجوع الفائــم إلى بـيت المـال‪ .1‬كما ظهرت المرك يـة التنفيـذ مع تحديـد اختصاصات‬
‫الوالـي‪ .‬باإلضافـة إلى ظهور نظام الشرطـة والبريـد‪...‬‬

‫أوال‪ /‬الدواوين‬

‫المقصود بالديـ ـوان الدفت ــر أو السج ــل وق ــد أطلـ ـ اس ــم الديـ ـوان من باب المج ــا عل ــى المكان‬
‫عنـ ــه أسس هـ ــذا النظام وأنشـ ــأ‬ ‫الذي يحفظ فيـ ــه الديوان‪ .2‬وقد وضع عمر بن الخطاب رضي‬
‫ديوانيي ــن‪ ،‬هما ديوان الجند المكلف بإحصاء الجنود وعطاياهـ ــم ودي ـ ـوان الجباية المختص بتنظيـ ــم‬
‫أمور الخـ ـ ـ ـراج والنظر ف ـ ـ ــي مشاكل ـ ـ ــها‪ .3‬ومع تطور الدولة اإلسالمية واتساعها كثر عدد الدواوين‬
‫ونظمـت تنظيمـا دقيقـا في العهـد األموي أهمهـا‪ :‬ديوان البريـد‪ ،‬ديوان الخـاتم الـذي أنشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأه معاوية‬
‫لنس ـ ــخ أوامره وق ارراته‪ ،‬ديوان الطر وهو معمل إلنتاج األ ياء الرس ـ ــمية والش ـ ــعارات‪ .4‬وفي العهد‬
‫األموي وخاصـ ــة في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان قامت أعمال تعريب الدواوين بعدما كانت‬
‫تستعمل اللرة الفارسية في الع ار والرومية بالشام والقبطية بمصر‪.‬‬

‫أما ف ـ ـ ــي العه ـ ـ ــد العباسي فع ـ ـ ــرف دواوين عديدة وجديدة من ـ ـ ــها‪ :‬ديوان ال مام وهو شبيه بديوان‬
‫محاسـ ـ ـ ـ ــبة ومراقبة للدواوين األخرى‪ ،‬وديوان العمال وهو الذي يقوم بتعيين العمال وع لهم وديوان‬
‫الص ـ ـ ـ ـ ـوافي الذي يهتم بأمالك الدولة ويحميها وغيرها من الدواوين‪ 5.‬وكانت كل هذه الدواوين في‬
‫العاص ـ ـ ـ ــمة برداد مع وجود ديوان لكل إقليم بها وفي عهد المعتض ـ ـ ـ ــد جمعت دواوين الواليات في‬
‫‪6‬‬
‫ديوان سمي ديوان الدار وضم ثالي فروع المشر والمررب والسواد أي الع ار ‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد مهني العلي‪ ،‬اإلدارة في اإلسالم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪ ،1111 ،‬ص‪.702.‬‬
‫صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.38.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.720.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.721.‬‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.723.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪97‬‬
‫ثانيا‪ /‬الشرطة‬

‫إن أجه ة الشرط ــة في الدول ــة اإلسالمي ــة متنوعة فمنها الساهرة على الوقاي ــة والتربي ــة القويم ــة‪،‬‬
‫ومنها األجه ة الرادع ــة‪ .‬وكان جها الشرطة يعاون الحك ــام ويتتب ــع المنحرفي ــن كما يحمي األموال‬
‫واآلداب واألسوا وتنظيم التنقالت بين األقاليم‪ .‬كمـ ـ ـ ـ ـ ــا كانـ ـ ـ ـ ـ ــت له ـ ـ ـ ـ ـ ــم وظيفة االستخبارات ومنع‬
‫الفوضى ومرافقـة الحاكـم فـي تنقالتـه ومعاونة عمال الخراج والقضاة ورجال السجون‪.1‬‬

‫ب ــن مسع ــود‬ ‫وي ــرى البع ــم أن نظ ــام الشرط ــة ظه ــر ف ــي عه ــد أبي بكر عندما عي ــن عب ــد‬
‫أمي ــر العسس وظهر ف ــي عه ــد عمر أكثر‪ ،‬وأق ــام ذلك ف ــي األمص ــار‪ .‬والعسس ه ــو نواة الشرطة‬
‫حيي كان مكلفا بالحراسة ليال ونهارا‪.‬‬

‫أما عـ ــن صفات صاحـ ــب الشرطـ ــة فهـ ــذه الصفات تتمثل خاصة أن يكـ ــون حليمـ ــا مهيبا‪ ،‬دائم‬
‫الصمت‪ ،‬بعي ــد الفكر‪ ،‬غلي ــظ عل ــى الري ــب ف ــي تص ــرفات الحيل‪ ،‬شدي ــد اليقظ ــة‪ ،‬ظاه ــر الن اه ــة‪،‬‬
‫بمنا ل العقوبـة‪ ،‬شـ ار قليـل التبسم غير ملتفت إلى الشفاعـات‪.2‬‬

‫ثالثا‪ /‬اإلمارة‬

‫عليه وســلم هو إمامة المســلمين في الصــالة‬ ‫كان دور العمال الذين اســتعملهم النبي صــلى‬
‫واصدار األوامر فـ ـ ــي جمع ال كاة وجبايتـ ـ ــها ويسمي الواحد من هؤالء باألمير وهذه التسمية تشير‬
‫إلى سلطتـ ـ ــه الواسعـ ـ ــة عمليا‪ ،‬فهو يعمـ ـ ــل كل ما يراه األفضـ ـ ــل في كـ ـ ــل مرف ـ ـ ـ من مراف الحياة‬
‫الدينية والدنيوية‪ .‬والمسجد هو مقر العم ـ ــل وندوة االجتماع واألخبار السياسية والخطب التوجيهية‬
‫‪3‬‬
‫واإلصالحية‪.‬‬

‫رابعا‪ /‬الكتابة والحجابة‬

‫كان الكتــاب مـن كبار أعوان الخليفـة‪ ،‬ووجد العديد منهـم‪ ،‬ككتاب الرسائل‪ ،‬كتاب الجند‪ ،‬كتاب‬
‫الش ـ ــرطة‪ ،‬كتاب القض ـ ــاء‪ ،‬كتاب البريد الذي له أهمية خاص ـ ــة ألنه المؤتمن على أسـ ـ ـرار الدولة‪.‬‬
‫أما الحجابة فظهرت عند األمويين‪ ،‬حيي أدخلها معاوية أدخلها رس ـ ـ ـ ـ ـ ــميا تأث ار بالنظم الفارس ـ ـ ـ ـ ـ ــية‬
‫ومش ـ ــابهة للملوك‪ .‬ودور الحاجب هو حماية الخليفة وترتيب المقابالت التي تجمعه مع اآلخرين‪.‬‬
‫وتجـدر اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة إلى أن مفهوم الحجـابـة لم يكن واحـد في المشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر والمررب ففي الع ار كان‬

‫‪ 1‬عبد الفتاح تقية‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.172.‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.101.‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.118.‬‬
‫‪98‬‬
‫الحاجب هو مدير التشريفات‪ ،‬أما في األندلس فالحاجب هو رئيس الحكوم ـ ـ ـ ــة وممث ـ ـ ـ ــل الخليف ـ ـ ـ ــة‬
‫‪1‬‬
‫األندلسي فـي جميـع سلطاتـه الفعليـة‪.‬‬

‫وقـ ــد لخص العالمة ابن خلدون دور كل من الحاجـ ــب والكاتب والو ير فقال ‪...‬إن النظر في‬
‫الجند والســـالح والحروب وســـائر أمور الحماية والمطالبة‪ ،‬وصـــاحب هذا هو الوزير المتعارف‬
‫في الدولة القديمة بالمشـرق‪ ،‬ولهذا العصر باليرب‪ ،‬ثواما أن تكون في أمور مخاطبته عن بعد‬
‫عنـه في المكـان أو في الزمـان وتنفيذو األوامر في من هو محجوب عنه‪ ،‬وصـــــــــاحب هذا هو‬
‫الكاتب‪ ،‬ثواما أن تكون في جباية المال ثوانفاقه وضـــبط ذلك من جميع وجوو أن يكون بمطيعه‪،‬‬
‫وصــاحب هذا هو صــاحب المال والجباية‪ ،‬ثواما أن تكون في مدافعة الناس ذوي الحاجات عنه‬
‫أن يزدحموا عليــه فيشـــــــــيلوو عن مهمتــه‪ ،‬وهــذا راجع لصــــــــــاحــب البــاب الــذي يحجبــه وهو‬
‫‪2‬‬
‫الحاجب‪.)...‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المصالَ المالية واالقتصادية‬


‫تنظـ ــر الشريعـ ــة اإلسالميـ ــة إلى المـ ــال والجانب االقتصادي نظرة شاملة ومتمي ة‪ ،‬حيي تضـ ــع‬
‫هذا الجانب في إطار نظرتها العام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ما يجب أن تكون عليه حياة اإلنسـان المسلم من‬
‫الجمع بيـ ـ ـ ـ ــن الجانب األخالقي والمادي في آن واحد‪ .‬ولهذا فالشريعة تحدد مجموعة من المبادل‬
‫واألصـول لحكم الجانب االقتصـادي والمالي في حياة المسلمين‪ .‬وانطالقا من هذه المبادل‪ ،‬أوجد‬
‫الصحابة الكرام ومن جاء مـ ــن بعدهـ ــم العديـ ــد مـ ــن المصالح التـ ــي كانت تتماشى مع أوضاعهـ ــم‬
‫آنذاك‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المباد‪ :‬التي تبنى عليها المصالَ المالية واالقتصادية اإلسالمية‬

‫يقوم الج ـانــب االقتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي على أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس العقيــدة التي هي الجــانــب الفكري لــه وقــاعــدتــه‬
‫اإليديولوجية‪ ،‬كما يراعي هذا الجانب الفطرة اإلنس ــانية الس ــلمية ويحرص على األخال ‪ ،3‬ويظهر‬
‫هذا فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬التأكيد اإلس ـ ـ ــالمي على أن الملك ن وحده‪ ،‬وبالتالي له التص ـ ـ ــرف التام في كل ش ـ ـ ــيء‪ ،‬وهذا‬
‫التص ــرف يظهر من خالل شـ ـرائعه المنظمة لهذه األمالك ويعتبر اإلنس ــان بالمقابل مس ــتخلفا في‬

‫عبـد الفتـاح تقيـة‪ ،‬المرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.173.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.173-111.‬‬


‫عبد الكريم يدان‪ ،‬أصول‪ ،...‬المرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.702.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪99‬‬
‫فقط‪ .‬إن الملكية في اإلسـ ـ ــالم تختلف جوهريا عما هي عليه في أي نظام اقتصـ ـ ــادي أو‬ ‫ملك‬
‫اجتماعي أخر‪.‬‬

‫‪ ،‬فالمال ماهو في النهاية إال‬ ‫‪ -‬يجب أن يس ــتعمل المال في المجتمع اإلس ــالمي وف مرض ــاة‬
‫وسيلة للطاعة وليس غاية في حد ذاته‪.1‬‬

‫‪ -‬تس ـ ــعى الدولة اإلس ـ ــالمية لتحقي حد الكفاية لكل فرد في المجتمع المس ـ ــلم‪ 2،‬وفي هذا اإلطار‬
‫تكون جهود الــدولــة موجهــة نحو تحقي العــدالــة االجتمــاعيــة والتوا ن االجتمــاعي لكن مع اإلقرار‬
‫بان التفاوت في الرنى أمر ال يمكن إ الته أو القضـ ـ ــاء عليه ألنه من طبائع الحياة االقتصـ ـ ــادية‪،‬‬
‫ولكن مع ذلك فان الهدف األسـاسـي الذي يسـع له المجتمع المسـلم بكل شرائحه هو القضاء على‬
‫الفقر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بيت المال‬

‫عليه وســلم‪ ،‬وكان مقره بالمســجد النبوي‪ ،‬وقد تحددت‬ ‫وجد هذا البيت في عهد النبي صــلى‬
‫اختصـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ــاته ومهامه في عهد عمر بن الخطاب على الخصـ ـ ـ ــوص‪ .‬وفي العهد العباسـ ـ ـ ــي تم‬
‫تنظيمه بدقة‪ .‬ويستعمل هذا البيت للنفقة على مراف الدولـ ــة وعلى المستحقين لهذه األموال منـ ــه‪.‬‬
‫أم ـ ــا مصادر وموارد هذا البيت فهي متنوعة منها ما هو ثابت ومنها ما هو مترير بحسب ال مان‬
‫واألحوال ومنها‪:‬‬

‫‪ -‬الزكاة‪ :‬هي ح مالي تشـ ـ ــرف عليه الدولة وتأخذه كرها وتفرم على من ملك نصـ ـ ــاب مقدر‬
‫من المال مع دوران الحول عليه‪ ،‬وتقدر بالنســبة لألموال المنقولة كالنقود والمعادن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪% 7.3‬‬
‫من قيمة المال الم كى‪ .‬أما بالنسبة ل كاة على ال روع والثمار فيفر بين المسقية وغير المسقية‪،‬‬
‫ف كاة ال روع والثمار غير المس ــقية هي ‪ %13‬من المحصـ ــول‪ ،‬أما كاة ال روع والثمار المسـ ــقية‬
‫‪3‬‬
‫فهي ‪ %3‬من المحصول‪.‬‬

‫‪ -‬الينيمة والفيء‪ :‬الرنيمة هي م ـ ـ ـ ـ ـ ــا حصل عليه المسلمون م ـ ـ ـ ـ ـ ــن أموال بعد ربحهم الحرب مع‬
‫أعدائهم‪ ،‬أما الفيء فهو ما حصل عليه المسلمون من أموال أعدائهم بدون حرب‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الكريم يدان‪ ،‬أصول‪ ،...‬المرجع السابـ ‪ ،‬ص‪.711.‬‬


‫محمد مهني العلي‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.121.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.721.‬‬


‫‪111‬‬
‫وتقســم الرنيمة والفيء إلى خمســة أخماس‪ ،‬خمس يقســم إلى خمســة أقســام كذلك فلنبي صــلى‬
‫عليه وسلم واحد منه‪ ،‬وباقي أربع الخمس يقسم للقربى واليتامى والمساكين وابن السبيـ ــل‪ ،‬أم ـ ـا‬
‫أربعة األخرى فكانت تدخل بيت المال‪.‬‬

‫‪ -‬العشـــــور‪ :‬هي قيمة مالية تفرم على بضـ ـ ـ ــائع التجار غير المسـ ـ ـ ــلمين الذين يأتون من دار‬
‫الحرب ويدخلون دار اإلسـ ـ ــالم إذا أشـ ـ ــترط فيهم ذلك‪ ،‬وهي تشـ ـ ــبه في وقتنا الحاضـ ـ ــر الض ـ ـ ـرائب‬
‫الجمركية‪ ،‬وكانت تدفع مرة في السنة ما ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم يتف على غير ذلك‪ ،‬كما أن السفن التجارية التي‬
‫تمر بالموان للراحة أو التموين تسدد رسوم ح المرور‪ .‬والخليفة الراشد عمر هو من نظم ه ـ ـ ــذه‬
‫العشـ ــور معاملـ ــة بالمثل مع الدول األخـ ــرى التي عاصرت خالفته‪ ،‬حيـ ــي كان المسلمون يدفعون‬
‫‪1‬‬
‫قيمة مالية عندمـا يدخلون إلى دار الحرب للتجارة‪.‬‬

‫‪ -‬الخراج‪ :‬قيمة ماليـ ــة تفـ ــرم على األراضي التي حصل عليهـ ــا المسلمون من غيـ ــر المسلميـ ــن‬
‫بالقـ ـ ــوة وبعـ ـ ــد إب ـ ـ ـرام صلح معهم على مقدار معين من الحاصالت ال راعية أو األموال‪ ،‬لك ـ ـ ــن ال‬
‫يفرم على هذه األراضي الخراج إال إذا قرر الخليفة وقفها على المسلمين وعدم تو يع ـ ــها عل ـ ــى‬
‫المحاربين مع تعويضه ــم ع ــن نصيبه ــم‪ .2‬كم ــا أن األراضي التي أسلم أهلها دون قتال ال يف ــرم‬
‫عليـها الخراج وانمـا تفـرم كـاة الثمـار عليـها‪.‬‬

‫‪ -‬الجزية‪ :‬يدفع ــها أهل الذم ــة لحمايته ــم كرعاي ــا للدول ــة اإلسالمية وال تف ــرم إال عل ــى القادري ــن‪،‬‬
‫وقـد ثبتـت بالقـرآن‪.‬‬

‫وتجدر اإلش ـ ــارة الى بعم األموال التي تؤول إلى بيت المال بطر غير عادية‪ ،‬فهي ليس ـ ــت‬
‫مصادر ثابتة وانما هي أموال ظرفية فقط ومنها‪:‬‬

‫* األموال التي ليس لها مسـ ـ ــتح ‪ :‬كالتركة التي ال واري لها بعد تنفيذ الوصـ ـ ــية واللقطة التي‬
‫لم يعلم لهـا صاحب‪ ،‬فكالها يدخل في نطا المال العام‪.‬‬

‫* األموال التي تسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتخرج من المعـادن والبحـار‪ :‬وهناك تميي بين المعادن الظاهرة والمعادن‬
‫‪3‬‬
‫الباطنية في مقادير ح بيت المال فيها‪.‬‬

‫دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.727.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ .‬ص‪.723.‬‬


‫‪111‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مظاهـر بعض التشريعات اإلسالمية وحمايتها القضائية‬
‫اهتم اإلسـ ــالم بالجوانب االجتماعية اهتماما كبيرا‪ ،‬حيي رك ت تش ـ ـريعاته على التش ـ ـريعات من‬
‫الخر وفرم العقوبات المناسـ ـ ـ ـ ــبة على من يتج أر عليها فقد أوكل للقاضـ ـ ـ ـ ــي مهمة اإلخبار عن‬
‫الحكم الشرعي على سبل اإلل ام‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مظاهر بعض التشريعات اإلسالمية‬


‫نتناول بعم هذه التشـريعات فقط‪ ،‬حيي نجد من أهمها تشـريعات األسـرة ومســألة الحرية التي‬
‫قننتها معظم الحضـارات السـابقة على اإلسالم هذه المسألة وكيف تعاملت الشريعة تعامال خاصا‬
‫مع مس ـ ـ ـ ــألة العبيد‪ ،‬كما نجد تشـ ـ ـ ـ ـريعات الجرائم والعقوبات‪ ،‬حيي أن الشـ ـ ـ ـ ـريعة لم تكتفي بالتربية‬
‫الخلقية للمجتمع بل فرضت نظام لردع مخالفات النظام والتشريعات‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تشريعات األسرة ومس لة العبيد‬


‫نحاول فقط إن ندرس أهم المبادل التي وضــعها اإلســالم فيما يخص األس ـرة وكيف تعامل مع‬
‫العبيد‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مباد‪ :‬تشريعات األسرة‬

‫بنى اإلســالم األسـرة المســلمة على دعامة أســاســية وهي ال واج الشــرعي الذي يرتب أثا ار غاية‬
‫في األهميــة‪ .‬فــال واج في اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم ميثــا غليظ يربط بين طرفيــه رابط المودة والرحمــة وحفظ‬
‫المصـ ـ ـ ــالح المشـ ـ ـ ــتركة‪ ،1‬وقد قضـ ـ ـ ــى اإلسـ ـ ـ ــالم على العديد من ال واجات الجاهلية ك واج المتعة‬
‫واالستبضاع والضي ان والبدل والشرار‪ 2.‬ويجب اإلشارة إلى أن اإلسالم أباح تعدد ال وجات‪.‬‬

‫فقد أوجب اإلســالم شــروط كثيرة لصــحة ال واج كان هدفه فيها هو التأكد من مالءمة ال وجين‬
‫لبعضـ ــهما البعم وجعل هذا العقد الذي بينهما عقدا جديا حتى ال يحصـ ــل االسـ ــته اء به فشـ ــرع‬
‫المهر واشــتراط إلتمام ال واج توفر ركن الولي‪ ،‬باإلضــافة إلى التأكيد على ضــرورة حفظ القربات‬
‫واألرحام من خالل وضع نظام من ال واج من المحارم المعروف في الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.072.‬‬


‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.072،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪112‬‬
‫ومادام عقد ال واج قد تم ش ــرعيا فإنه يرتب أثار غاية في الخطورة‪ ،‬أهمها نس ــبة الولد إلى أبيه‬
‫وتمكينه من اإلري‪ .‬وال أطيل في الموضـ ـ ـ ـ ـ ــوع بالنظر إلى العودة إليه في الد ارسـ ـ ـ ـ ـ ــات األكاديمية‬
‫الحقوقية المستقبلية‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬نظـام الـرق‬

‫أقر اإلسـ ــالم بحرية اإلنسـ ــان واعتبارها هي األصـ ــل ولكنه أباح نظام الر تماشـ ــيا مع الظرف‬
‫االجتماعي واالقتص ـ ــادي الذي كان س ـ ــائدا آنذاك‪ .‬ولذلك كان اإلس ـ ــالم يعمل على تحرير الرقي‬
‫ولكن تدريجيا‪ 1،‬وذلك من خالل التضيي من أسباب أو مصادر الر وف ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أبقى اإلســالم فقط على س ــبب الر من خالل الوالدة أو الوراثة حيي أن أوالد األمة في جميع‬
‫الحضـ ــارات هم عبيد ولكن وتضـ ــيي من هذا السـ ــبب فآن اإلسـ ــالم قرر أن اعتراف السـ ــيد بأوالد‬
‫األمة يجعلهم أح ار ار كما أن األمة لها الحرة بمجرد وفاة السيد‪.2‬‬

‫‪ -‬أسـ ــرى الحرب‪ :‬ولكن البد أن تكون الحرب شـ ــرعية أي كانت للدفاع عن الدولة أو لمنع الفتنة‬
‫والرد على األعداء وأن تكون مع غير المسلمين‪.‬‬

‫‪ -‬شـراء الرقي من الخارج‪ :‬لم يكن يوجد داخل الدولة اإلســالمية ســوى المســلمون والذميون فكان‬
‫المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمون يشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترون العبيـد خـارج حـدودهم‪ .‬وهم بهـذا العمـل يوفرون لهم فرص العت (وكان‬
‫‪3‬‬
‫المسلمون يشترون العبيد من صقلية وتركستان وبالد السودان)‪.‬‬

‫كمــا نجــد أن اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم فتح البــاب وشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجع على تحرير الرقي ‪ ،‬من أجــل إلرــاء هــذا النظــام‬
‫تدريجيا‪ ،‬ومن هذه الطر ‪:‬‬

‫*المكاتبة‪ :‬عقد بين السـ ـ ــيد وعبده لعت األخير مقابل مال‪ .‬وأوجب اإلسـ ـ ــالم مسـ ـ ــاعدة العبد في‬
‫ين‬‫اك ِ‬ ‫اء وا ْلمس ِ‬ ‫الص َدقَ ُ ِ ِ‬ ‫المكاتبة وذلك بفرم هذه المبالغ على بيت المال‪ ،‬قال تعالى ِإ َّن َما َّ‬
‫ات ل ْلفُقَ َر َ َ َ‬
‫الســــ ِب ِ‬ ‫يل َِّ‬‫ين َوِفي َســـ ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫املِ َ‬
‫وا ْلع ِ‬
‫يل فَ ِر َ‬
‫يضــــ ًة‬ ‫اّ َو ْاب ِن َّ‬ ‫ارِم َ‬ ‫الرقَ ِ‬
‫اب َوا ْل َي ِ‬ ‫ين َعلَ ْي َها َوا ْل ُم َؤلَّفَة ُقلُ ُ‬
‫وب ُه ْم َوِفي ِ‬ ‫َ َ‬
‫اُّ ِم ْن‬ ‫ون ِن َكاحاً َحتَّى ُي ْي ِن َي ُه ُم َّ‬
‫ين ال َي ِج ُد َ‬
‫اّ علِيم ح ِكيم"‪ 4.‬وقال أيضــا "وْليسـتَع ِف ِ ِ‬
‫ف الَّذ َ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫اّ َو َّ ُ َ ٌ َ ٌ‬
‫ِم َن َِّ‬
‫وهم ِم ْن م ِ‬ ‫ون ا ْل ِكتَاب ِم َّما ملَ َك ْت أَيمانُ ُكم فَ َك ِاتب ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضــــلِ ِه َوالَّذ َ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫وه ْم إ ْن َعل ْمتُ ْم في ِه ْم َخ ْي ارً َوآتُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين َي ْبتَ ُي َ‬ ‫فَ ْ‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.008.‬‬


‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.001.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 013.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫اآلية ‪ 23‬من سورة التوبة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪113‬‬
‫ض ا ْل َح َيا ِة ال ود ْن َيا َو َم ْن‬
‫صناً لِتَ ْبتَ ُيوا َع َر َ‬ ‫اكم وال تُ ْك ِرُهوا فَتَي ِات ُكم علَى ا ْل ِب َي ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫اء ِإ ْن أ ََرْد َن تَ َح و‬ ‫َ ْ َ‬ ‫اّ الَّذي آتَ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ي ْك ِرْهه َّن فَِإ َّن َّ ِ‬
‫يم"‪.‬‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫اَّ م ْن َب ْعد إ ْك َراه ِه َّن َغفُ ٌ‬
‫‪1‬‬
‫ُ ُ‬
‫*التدبير‪ :‬أي الوصـ ـ ـ ــية بالعت بعد الوفاة وهذه الوصـ ـ ـ ــية تتم بمجرد النط بكلمة تفيد العت ولو‬
‫كان ذلك على سبيل اله ل‪.‬‬

‫*التقرب إلى هللا‪ :‬حيي اعتبر اإلسالم ذلك من أعظم القربات واألعمال‪.‬‬

‫َن َي ْق ُتـ َل ُم ْؤ ِمناً ِإَّال َخطَ ً‬ ‫ان لِ ُم ْؤ ِم ٍن أ ْ‬ ‫*العتق كفـارة‪ :‬لعـدة ذنوب كـالقتـل الخطـأ قـال تعـالى " َو َمـا َكـ َ‬
‫ان ِم ْن‬ ‫صــــ َّدقُوا فَِإ ْن َك َ‬‫َن َي َّ‬‫َهلِ ِه ِإَّال أ ْ‬‫ير َرقَ َب ٍة ُم ْؤ ِم َن ٍة َوِد َي ٌة ُم َســــلَّ َم ٌة ِإلَى أ ْ‬ ‫َو َم ْن قَتَ َل ُم ْؤ ِمناً َخ َ‬
‫ط ً فَتَ ْح ِر ُ‬
‫اق فَ ـ ِد َي ـ ٌة‬
‫ان ِم ْن قَ ْوٍم َب ْي َن ُك ْم َوَب ْي َن ُه ْم ِميثَ ـ ٌ‬
‫ير َرقَ َب ـ ٍة ُم ْؤ ِم َن ـ ٍة َ ثوِا ْن َك ـ َ‬ ‫ِ‬
‫قَ ْوٍم َع ـ ُد ٍو لَ ُك ْم َو ُه َو ُم ْؤم ٌن فَتَ ْح ِر ُ‬
‫صيام َشهري ِن متَتَا ِبعي ِن تَوب ًة ِم َن َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مسـلَّم ٌة ِإلَى أ ْ ِ ِ‬
‫ان‬‫اّ َو َك َ‬ ‫ير َرقَ َبة ُم ْؤ ِم َنة فَ َم ْن لَ ْم َي ِج ْد فَ َ ُ ْ َ ْ ُ َ ْ ْ َ‬ ‫َهله َوتَ ْح ِر ُ‬ ‫َُ َ‬
‫اُّ َعلِيماً َح ِكيما ً"‪.2‬‬ ‫َّ‬
‫وقد اعتنى اإلسـالم بحالة العبيد اهتماما كبي ار وأوجب حسن معاملتهم وقد كرر النبي صلى‬
‫عليه وسـ ـ ـ ــلم ذلك وهو على فراش الموت وكان هذا االعتناء مجسـ ـ ـ ــدا في الدولة اإلسـ ـ ـ ــالمية من‬
‫خالل ما يلي‪:‬‬

‫عيه وسلـ ـ ـ ــم‪ :‬المسلمون تتكاف‬ ‫‪ -‬منح اإلسالم للعبي ـ ــد بعم الحقو فحرم قتلهم‪ ،‬قال صلى‬
‫دمـاءهم‪ ،‬ومن قتل عبدو قتلناو ‪ .‬ولم يج الفقهاء ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب العبيد إال للتأديب ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـربا خفيفا‪.3‬‬
‫وفرم اإلسالم على السيد نفقة العبد من اإلطعام والكسوة واال أل مه القاضي بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬جعلت الشـ ـ ـ ـريعة اإلس ـ ـ ــالمية عقوبة العبد نص ـ ـ ــف عقوبة الحر مراعاة لحالته االجتماعية التي‬
‫اعتبرت كظرف مخفف له‪.‬‬

‫‪ -‬المشـ ــرع اإلسـ ــالمي يطيب خاطر العبيد واألسـ ــرى ويفتح لهم األمل في المرفرة وحسـ ــن الج اء‬
‫اُّ ِفي قُلُوِب ُك ْم‬
‫َس َرى ِإ ْن َي ْعلَِم َّ‬ ‫الن ِب وي قُل لِم ْن ِفي أَي ِد ُ ِ‬
‫عند ‪ 4،‬حيي قال تعالى َيا أَوي َها َّ‬
‫يك ْم م َن ْاأل ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫يم "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُخ َذ ِم ْن ُك ْم َوَي ْي ِف ْر لَ ُك ْم َو َّ‬
‫َخي ارً ي ْؤِت ُكم َخي ارً ِم َّما أ ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫اُّ َغفُ ٌ‬ ‫ْ ُ ْ ْ‬

‫‪ 1‬اآلية ‪ 00‬من سورة النور‪.‬‬


‫‪ 2‬اآلية‪ 17‬من سورة النساء‪.‬‬
‫‪ 3‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.010.‬‬
‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪114‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظام الجرائم والعقوبات‬
‫عنها بحد أو‬ ‫الجريمة في الش ـ ـريعة اإلسـ ــالمية هي محظورات شـ ــرعية (فعل أو ترك) جر‬
‫تع ير‪ ،‬ويقـابـل هذه الجريمة العقوبة‪ .‬وهي مقررة لحمل الناس على ما يكرهون ما دام ذلك يحق‬
‫‪1‬‬
‫المصلحة العامة‪.‬‬

‫وتنقسـم الجرائم في الشـريعة اإلسـالمية إلى عدة أقسـام بحسب اختالف ال وايا التي ننظر إليها‬
‫من خاللها‪ .‬إال أن أهم هذه التقســيمات هو تقســيم الجرائم بحســب حســاســيتها وخطورتها‪ ،‬فحســب‬
‫هذا المعيار تقسم الجرائم في الشريعة إلى‪ :‬جرائم حدود وجرائم قصاص ودية وجرائم تعا ير‪.‬‬

‫أوال‪ /‬جرائم الحدود‬


‫فالحدود هي العقوبات المقدرة حقا ن تعالى وهي ســبعة جرائم‪ :‬ال نا‪ ،‬لقذف‪ ،‬الســرقة‪ ،‬الخرابة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫الردة‪ ،‬البري‪ ،‬شرب الخمر‪.‬‬

‫لزَنى ِإ َّنـ ُه‬‫‪ /10‬جريمــة الزنــا‪ :‬في هــذه الجريمــة يقول تعلى في آيــات قــال تعــالى " َوال تَ ْق َرُبوا ا ِ‬
‫اح ٍد ِم ْن ُه َما ِم َائ َة َج ْل َد ٍة َوال‬
‫اجلِ ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الزاني فَ ْ‬
‫الز ِاني ُة و َّ ِ‬
‫اء َســـ ِبيالً وقال أيض ــا َّ َ َ‬
‫‪3‬‬ ‫َك َ ِ‬
‫ان فَاح َشـــ ًة َو َســـ َ‬
‫اّ َوا ْل َي ْوِم ا ْ ِخ ِر َوْل َي ْشــــ َه ْد َع َذ َاب ُه َما طَ ِائفَ ٌة ِم َن‬ ‫ون ِب َِّ‬‫اّ ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِمنُ َ‬ ‫ين َِّ‬ ‫تَ ْ ُخ ْذ ُك ْم ِب ِه َما َأْرفَ ٌة ِفي ِد ِ‬
‫ان أ َْو ُم ْشــــــ ِر ٌك َو ُح ِرَم‬‫الز ِان َي ُة ال َي ْن ِك ُح َها ِإَّال َز ٍ‬
‫الز ِاني ال َي ْن ِك َُ ِإَّال َز ِان َي ًة أ َْو ُم ْشــــــ ِرَك ًة َو َّ‬
‫ين (‪َّ )2‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬
‫ين"‪ ،4‬ويقول صــلى عليه وســلم‪" :‬خذوا عني فقد جعل هللا لهن ســبيال‪ :‬البكر‬ ‫َذلِ َك َعلَى ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫بالبكر جلد مائة وتيريب عام‪ ،‬والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة"‪.‬‬

‫أمــا عن عقوبــة هــذه الجريمــة فهي إمــا الجلــد‪ ،‬الترريــب‪ ،‬الرجم‪ ،‬ونجــد أن الش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـريعــة تفر في‬
‫عقوبة ال اني بين المحصـ ــن وغير المحص ـ ــن الذي لم يسـ ــب له واج ش ـ ــرعي‪ .‬والشـ ـ ـريعة تعاقب‬
‫ال اني غير المحصـ ـ ـ ــن‪ .‬وعقوبة العبد ال اني غير المحصـ ـ ـ ــن هي ‪ 33‬جلدة وهي نصـ ـ ـ ــف عقوبة‬
‫الحر‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد القادر عـودة‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.21-22.‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21.‬‬
‫اآلية ‪ 07‬من سورة اإلسراء‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫اآلية ‪ 7‬و‪ 0‬من سورة النور‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪115‬‬
‫وتجدر اإلشـارة إلى أنه يشـترط حتى توقع هذه العقوبات على ال اني المحصن وغير المحصن‬
‫أن يكون مسـلما‪ ،‬عاقال‪ ،‬بالرا‪ ،‬غير مكره على فعله‪ ،‬مقر بفعله أو عليه ‪ 1‬شهود عدول شاهدين‬
‫‪1‬‬
‫على ما رأوه من فرجه في فرج ال انية كالمورد في المكحلة‪.‬‬

‫‪ /12‬جريمة القذف‪ :‬وبخصـ ـ ــوص هذه الجريمة جاءت اآلية ‪ 1‬من سـ ـ ــورة النور تحرم هذا الفعل‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫اجلِ ُد ُ‬ ‫حيي قال جال وعال والَّ ِذين يرمون ا ْلمحصـــــــ َن ِ‬
‫ات ثَُّم لَ ْم َي ْتُوا ِب َْرَب َع ِة ُ‬
‫وه ْم ثَ َمان َ‬ ‫اء فَ ْ‬
‫شـــــــ َه َد َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ُ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ين تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ادةً أَبداً وأُولَ ِئ َك ُهم ا ْلفَ ِ‬
‫َصلَ ُحوا‬
‫ابوا م ْن َب ْعد َذل َك َوأ ْ‬ ‫ون (‪ِ )4‬إَّال الَّذ َ ُ‬ ‫اسقُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َج ْل َدةً َوال تَ ْق َبلُوا لَ ُه ْم َشـ َه َ َ َ‬
‫يم (‪ .")5‬ونجد أن اآلية تحرم القذف وتعاقب عليه بعقوبة أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلية هي الجلد‬ ‫ِ‬ ‫فَِإ َّن َّ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫اَّ َغفُ ٌ‬
‫وبعقوبة تبعية هي الحرمان من ح أداء الشهادة‪.‬‬

‫والعقوبة األصـ ـ ــلية للقذف وهي الجلد مقدارها ‪ 83‬جلدة ولكن يشـ ـ ــترط حتى تطب هذه العقوبة‬
‫أن يكون مرتكب الجريمة مســلما‪ ،‬بالرا‪ ،‬عاقال‪ ،‬والمقذوف غير معروف بالفاحشــة بين الناس وأن‬
‫يطـالـب المقـذوف إلقـامة الحد على القاذف وله أن يعفوا عنه‪ .‬كما أن القاذف يعد قاذفا إذا عج‬
‫على أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على ما قذف به المقذوف‪.‬‬

‫‪ /13‬جريمة الشــرب‪ :‬جاء تحريم هذا الفعل في اآلية ‪ 13‬من س ــورة المائدة‪ ،‬فقال تعالى َيا أَوي َها‬
‫اجتَِن ُبووُ لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ان فَ ْ‬ ‫س ِم ْن َع َم ِل َّ‬
‫الشـــ ْيطَ ِ‬ ‫الم ِر ْج ٌ‬ ‫اب َو ْاأل َْز ُ‬ ‫صـــ ُ‬
‫ِ‬
‫آمنُوا ِإ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر َوا ْل َم ْيســـ ُر َو ْاألَ ْن َ‬
‫ين َ‬
‫ِ‬
‫الَّذ َ‬
‫اء ِفي ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِســــــــ ِر‬ ‫َن ُيوِق َع َب ْي َن ُك ُم ا ْل َع َد َاوةَ َوا ْل َب ْي َ‬
‫ضــــــــ َ‬ ‫ان أ ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫يد َّ‬
‫الشــــــــ ْي َ‬ ‫ون (‪ِ )21‬إ َّن َما ُي ِر ُ‬ ‫تُ ْفلِ ُح َ‬
‫ون" وقال صــلى عليه وســلم‪ :‬كل مســكر‬ ‫الة فَ َه ْل أَ ْنتُ ْم ُم ْنتَ ُه َ‬ ‫الص ـ ِ‬
‫اّ َو َع ِن َّ‬ ‫َّكم ع ْن ِذ ْك ِر َِّ‬
‫ص ـد ُ ْ َ‬
‫َوَي ُ‬
‫عليه وسـ ـ ــلم نوع عقوبة شـ ـ ــارب الخمر بقوله اض ـ ـ ـربوه لكن لم يحدد‬ ‫حرام ‪ ،‬وقد حدد صـ ـ ــلى‬
‫مقدار العقوبة‪ ،‬حيي روى عنه أنه ض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب أربعين في الخمر وروي عنه أن الض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب لم يكن‬
‫عنه أجمع الص ـ ـ ــحابة على أن يض ـ ـ ــرب ش ـ ـ ــارب الخمر‬ ‫محدد العدد‪ ،‬وفي عهد عمر رض ـ ـ ــي‬
‫ثمانين جلدة قياس ـ ـ ـ ــا على القاذف ذلك أن ش ـ ـ ـ ــارب الخمر إذا س ـ ـ ـ ــكر هذى واذا هذى افترى‪ ،‬وحد‬
‫المفتري ثمانون جلدة‪.‬‬

‫إذن حد الخمر هو ‪ 83‬جلدة ويكون إثبات الجريمة باعتراف الفاعل أو شـ ـ ــهادة شـ ـ ــاهدين‪ ،‬أما‬
‫العبد فيجلد أربعين جلدة فقط وهي نصـف العقوبة‪ .‬ويشـترط لتطب عقوبة شارب الخمر أن يكون‬

‫‪ 1‬صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.132.‬‬


‫‪116‬‬
‫مرتكــب الجريمــة مسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلمــا‪ ،‬عــاقال‪ ،‬بــالرــا‪ ،‬مختــارا‪ ،‬عــالمــا بتحريمهــا‪ ،‬غير مريم حيــي لو كــان‬
‫‪1‬‬
‫ألنتظر حتى يشفى‪.‬‬

‫‪ /14‬جريمة الســــرقة‪ :‬حرم المولى ع وجل هذه الجريمة بمقتض ـ ــى المادة ‪08‬من س ـ ــورة المائدة‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ط ُعوا أ َْيد َي ُه َما َج َز ً‬
‫ارقَ ُة فَا ْق َ‬ ‫ق َو َّ‬
‫ار ُ‬ ‫وحدد عقوبتها كذلك بنفس النص فقال سبحانه وتعالى َو َّ‬
‫يم "‪.‬‬ ‫اّ ع ِز ٌ ِ‬ ‫ِبما َكسبا َن َكاالً ِم َن َِّ‬
‫يز َحك ٌ‬ ‫اّ َو َّ ُ َ‬ ‫َ ََ‬
‫والمالحظ أن الباعي على السـ ــرقة عادة الناس هو يادة الكسـ ــب فكانت الش ـ ـريعة بهذا تنقص‬
‫الكس ــب وهذه العقوبة تقوم على أس ــاس متين من علم النفس كيف هذا ومقرر العقوبة هو الطيف‬
‫الخبير العليم بدواعي النفس البشرية‪.‬‬

‫أما عن القطع في هذه الجريمة فيكون بقطع كف الســار اليمنى من مفصــل الكف بشــرط أن‬
‫يكون المعـاقـب مكلفـا‪ ،‬عـاقال‪ ،‬وليس والـد لصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحب المال‪ ،‬وال ولد له‪ ،‬وال وجا أو وجة وذلك‬
‫ألن هذه الحاالت بها ش ـ ـ ـ ــبهة في ملك المال‪ ،‬وأن يكون المال المس ـ ـ ـ ــرو مباح وليس حرام كمن‬
‫يسـ ــر خمرا‪ ،‬وأن يبلغ المال المسـ ــرو قيمة ربع دينار في القيمة‪ ،‬كما يشـ ــترط أن يصـ ــل األمر‬
‫إلى القاض ـ ــي وادانته من قبله وحض ـ ــوره للحكم حيي تحرم الش ـ ــفاعة في الحدود إذا وص ـ ــلت إلى‬
‫‪2‬‬
‫السلطان‪.‬‬
‫يه قُل ِقتَال ِف ِ‬
‫يه‬ ‫ال ِف ِ‬
‫الشــ ْه ِر ا ْل َحرِام ِقتَ ٍ‬
‫‪ /15‬حد الردة‪ :‬حرم هذا الفعل بقوله تعالى َي ْســ َلوَن َك َع ِن َّ‬
‫ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫َهلِ ِه ِم ْن ُه أَ ْكبر ِع ْن َد َِّ‬
‫اّ َوا ْل ِفتْ َن ُة أَ ْك َب ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َِّ‬
‫َُ‬ ‫اّ َو ُك ْفٌر ِبه َوا ْل َم ْس ِجد ا ْل َح َرِام َ ثوِا ْخ َر ُ‬
‫اج أ ْ‬ ‫ص ٌّد َع ْن َس ِب ِ‬‫ير َو َ‬ ‫َك ِب ٌ‬
‫ين ُكم ِإ ِن اســـتَطَاعوا وم ْن يرتَِد ْد ِم ْن ُكم ع ْن ِد ِ‬
‫ين ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون ُيقَ ِاتلُوَن ُك ْم َحتَّى َي ُرد ُ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ووك ْم َع ْن د ْ‬ ‫ِم َن ا ْلقَ ْت ِل َوال َي َازلُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫افٌر َفـ ُولَ ِئـ َك َح ِب َ‬
‫فَيمـ ْت و ُهو َكـ ِ‬
‫يها‬
‫ار ُه ْم ف َ‬ ‫الن ِ‬‫اب َّ‬ ‫َع َمـالُ ُه ْم في الـ ود ْن َيـا َوا ْ خ َرِة َوأُولَئـ َك أ ْ‬
‫َصـــــــــ َحـ ُ‬ ‫طـ ْت أ ْ‬ ‫َُ َ َ‬
‫ون "‪ 3‬ويقول ص ــلى عليه وس ــلم‪" :‬من بدل دينه فاقتلوو ‪ .‬ويقول أيض ــا ال يحل دم امر‪:‬‬ ‫َخ ِال ُد َ‬
‫مسلم إال بإحدى الثالث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬النفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة ‪.‬‬

‫والردة هي ترك اإلسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم والعيــاذ بــان فيــدعى التــارك إلى العودة ثالثــة أيــام فــأن لم يعــد قتــل‬
‫بالســيف حدا وال يرســل وال يصــلى عليه وال يدفن في مقابر المســلمين وال يوري ويعرم ماله في‬

‫‪ 1‬صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.132.‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132.‬‬
‫اآلية ‪ 712‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪117‬‬
‫المصـ ـ ــالح العامة حيي يصـ ـ ــادر هذا المال ما اكتسـ ـ ــبه بعد الردة فقط‪ 1.‬كما أن ال ندي وهو من‬
‫يض ـ ــمر الكفر ويظهر اإلس ـ ــالم فإذا عرف قتل حدا بعد أن يس ـ ــتتاب وحكمه حكم المرتد‪ .‬كما أن‬
‫عليه وســلم‪ :‬حد الســاحر‬ ‫الســاحر عمله وقوله من أعمال وأقوال الكفر فيقتل حيي قال صــلى‬
‫‪2‬‬
‫ضربة بالسيف ‪.‬‬

‫ان ِم َن‬ ‫طــ ِائفَتَـــ ِ‬


‫‪ /16‬حــد أهــل البيي‪ :‬ج ــاء النص على ه ــذه الجريم ــة بقول الح تع ــالى َ ثوِا ْن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصـــلِ ُحوا َب ْي َن ُه َما فَِإ ْن َب َي ْت ِإ ْح َد ُ‬ ‫ِ‬
‫ُخ َرى فَقَاتلُوا الَّتي تَ ْبيي َحتَّى تَف َ‬
‫يء‬ ‫اه َما َعلَى ْاأل ْ‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين ا ْقتَتَلُوا فَ ْ‬
‫ين (‪ِ )2‬إ َّن َما‬ ‫ب ا ْل ُم ْق ِســـــ ِط َ‬
‫اَّ ُي ِح و‬
‫َصـــــلِ ُحوا َب ْي َن ُه َما ِبا ْل َع ْد ِل َوأَ ْق ِســـــطُوا ِإ َّن َّ‬ ‫ِإلَى أَم ِر َِّ‬
‫اّ فَِإ ْن فَ َ‬
‫اء ْت فَ ْ‬ ‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫ون "‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن أَ َخ َوْي ُك ْم َواتَّقُوا َّ‬
‫اَّ لَ َعلَّ ُك ْم تُْر َح ُم َ‬ ‫ون ِإ ْخ َوةٌ فَ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ‬
‫ويس ـ ـ ــمي مرتكبي هذه الجريمة البراة أو الفئة الباغية أو ما يعرف اليوم بمصـ ـ ـ ــطلح المجرمون‬
‫الســياســيون وهم قوم يخرجون على اإلمام بت ويل ســائغ ولهم منعة وشــوكة ويشــترط لوص ـفهم‬
‫‪4‬‬
‫وعملهم بالبري ما يلي‪:‬‬

‫* الررم من الجريمــة هو ع ل الرئيس أو الهيئــة التنفيــذيــة‪ ،‬االمتنــاع عن الطــاعــة‪ ،‬فــإن كــان‬


‫غرض ـ ـ ـ ـ ـ ــهم ليس هذا وانما هو إدخال نظام غير إس ـ ـ ـ ـ ـ ــالمي يخالف النظام أو معاونة العدو على‬
‫المسـ ـ ــلمين أو إضـ ـ ــعاف قوة الدولة فإن عملهم ال يعتبر جريمة سـ ـ ــياسـ ـ ــية بل إفسـ ـ ــاد في األرم‬
‫ورسوله وهي جريمة عادية لها عقوبات قاسية‬ ‫ومحاربة‬

‫* التأول‪ :‬بأن يكون للبراة س ـ ـ ــبب لخروجهم يقدمون الدليل عليه حتى وان كان دليلهم ض ـ ـ ــعيف‬
‫(الخوارج‪ ،‬مانعي ال كاة) لكن إذا ادعوا ســببا ال تقره الشـريعة مطلقا كع ل الرئيس دون أن ينســبوا‬
‫له شيء أو ع ل من ليس من بلدهم فهم قطاع طر ولهم عقوباتهم الخاصة وليسو براة‪.‬‬

‫* الش ــوكة‪ :‬أي لهم قوة ليس بأنفس ــهم ولكن عن هم على رأيهم‪ :‬فإن كان مجرما وليس له ش ــوكة‬
‫ولو كان متأوال فهو ليس مجرم سياسي‪.‬‬

‫* الثورة والحرب‪ :‬فإن لم تتم فليست جريمة سياسية‪.‬‬

‫وللمجرمين هؤالء (البراة) حقو في الشريعة‪:‬‬

‫‪ 1‬عبد القادر عـودة‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.221 .‬‬


‫‪ 2‬صالح فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.138.‬‬
‫اآلية ‪ 13،1‬من سورة الحجرات‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬عبد القادر عـودة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132-131.‬‬


‫‪118‬‬
‫‪ -‬لهم الدعوة إلى ما يعتقدون بالطر السـ ـ ـ ـ ــلمية وللعادلين (الفرقة‪ ،‬ح لم تخرج على اإلمام) الرد‬
‫عليهم وتبيان فسـ ـ ـ ــاد رأيهم‪ ،‬ولكن لهم الدعوة دون الخروج على الحدود الشـ ـ ـ ــرعية فإن تعدو ذلك‪،‬‬
‫فمثال أحـد منهم قـذف جلـد أو سـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ع ر ولكن هـذه جرائم عـادي‪ ،‬وللبرـاة ح االجتمـاع ما لم‬
‫يمتنعوا عن ح أو يخرجوا عن طاعة‪ ،‬ويش ـ ـ ــرط مالك وأحمد والش ـ ـ ــافعي بداية أهل البري بالقتال‬
‫حتى يقاتلوا‪.‬‬

‫‪ -‬عند اش ـ ــتعال الثورة قاتلهم ولي األمر ولكن بقص ـ ــد ردعهم ال قتلهم أو تص ـ ــفيتهم‪ ،‬بحيي يقاتل‬
‫من أقبل منهم ويكف عن مدبرهم وال يقتل جريحا أو أس ـ ـ ـ ــي ار وال يص ـ ـ ـ ــادر أموالهم أو نس ـ ـ ـ ــائهم أو‬
‫عليه وسلم منعت دار اإلسالم ما فيها‬ ‫أوالدهم‪ ،‬قال صلى‬

‫بعد انتهاء الحرب وجب على ولي األمر رد أموالهم وما تلف منها في غير قتال (يضــمنه من‬
‫أتلفـه) ولكن مـا أتلفـه البرـاة في ثائرة الحرب من نفس ومال فهو هدر‪ ،‬وما أتلفوه على أهل العدل‬
‫في غير ثائرة الحرب من نفس ومال فهو مضـ ــمون عليهم وهذا هو الراجح ‪ ،‬لكن لولي األمر إذا‬
‫لم يعف عن جرائمهم أن يعاقبهم على الخروج عن طاعته عقوبة تع يرية حسـب المصلحة بشرط‬
‫أن ال تصـ ـ ــل العقوبة إلى القتل حسـ ـ ــب مالك والشـ ـ ــافعي وأحمد‪ ،‬فعقوبة الخروج إذن هي التع ي‬
‫وعقوبة الجرائم التي تقتضــيها الحرب أو الثورة هي القتل حســب شــروطه‪ .‬ونشــير في األخير أنه‬
‫إذا وقعت جرائم من البراة ال تس ـ ـ ـ ـ ـ ــتل مها حالة الحرب فهي جرائم عادية لها حكمها الخاص كأن‬
‫يقع منهم أثناء الثورة نا أو قتل أحد الثائرين ل ميله أو سرقة ماله‪.‬‬

‫ويجب اإلش ـ ـ ــارة إلى عدم وجود الجريمة الس ـ ـ ــياس ـ ـ ــية في األوض ـ ـ ــاع العادية‪ ،‬حتى وان كانت‬
‫الدوافع والبواعي عليها ســياســية‪ ،‬فقتل رئيس الدولة ولو من قبل شــخص مشــترل بالســياســة يعتبر‬
‫جريمـة عـاديـة ما دام تم في ظروف عادية‪ .‬فالجريمة السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــياسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية تقع في ظروف غير عادية‬
‫الثورية‪ -‬الحرب األهلية ‪.‬‬

‫‪ /12‬حد الحرابة‪ :‬جاء النص على هذه الجريمة بمقتض ـ ـ ـ ـ ــى اآليتين ‪ 01،00‬من س ـ ـ ـ ـ ــورة المائدة‬
‫سـولَ ُه َوَي ْسـ َع ْو َن ِفي ْاأل َْر ِ‬ ‫لتحرم فقال تعالى "ِإ َّنما ج َز ِ‬
‫ض فَ َساداً أَ ْن ُي َقتَّلُوا‬ ‫اَّ َوَر ُ‬
‫ون َّ‬ ‫ين ُي َح ِ‬
‫ارُب َ‬ ‫اء الَّذ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ي ِفي ال ود ْن َيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫أ َْو ُي َ َّ‬
‫صـــــــــل ُبوا أ َْو تُقَط َع أ َْيدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُه ْم م ْن خالف أ َْو ُي ْنفَ ْوا م َن ْاأل َْرض َذل َك لَ ُه ْم خ ْز ٌ‬
‫ولَهم ِفي ا ْ ِخرِة عـ َذاب ع ِظيم (‪ِ )33‬إَّال الَّـ ِذين تَـابوا ِم ْن قَبـ ِل أ ْ ِ‬
‫اَّ‬‫َن َّ‬ ‫َن تَ ْقـد ُروا َعلَ ْي ِه ْم فَـ ْ‬
‫اعلَ ُموا أ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ٌ َ ٌ‬ ‫َ ُْ‬
‫يم"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َغفُ ٌ‬

‫‪119‬‬
‫وقد وض ـ ــعت الشـ ـ ـريعة ج اء من يعمل على اإلفس ـ ــاد في األرم تض ـ ــع الج اء‪ ،‬فالح اربة هي‬
‫قطع الطري ‪ .‬وقد فرقت الشريعة في العقوبة المرصودة لفاعلي هذه الجريمة بين وضعين‪:‬‬

‫‪ -‬القـدرة على مرتكبي الح اربـة من قبـل ولي األمر قبل توبتهم‪ :‬حيي يعاقب هؤالء بالقتل إذا كان‬
‫قاطع الطري قد قتل من قبل وهنا يقتل المجرم حدا ال قصـ ـ ــاصـ ـ ــا‪ .‬وهناك كذلك عقوبة القتل مع‬
‫الصلب ويعاقب بها قاطع الطري إذا قتل وأخذ المال وهناك اختالف حول تقديم وتأخير الصلب‬
‫والقتل وأيهما يكون أفضـل وتشـبه هذه العقوبة حاليا القتل رميا بالرصاص‪ .‬كما أن قاطع الطري‬
‫الذي أخذ المال ولم يقتل فيعاقب بقطع يده اليمنى ورجله اليسـ ـ ـ ـ ــرى دفعة واحدة من خالف ‪238‬‬
‫وهذه العقوبة هي عقوبة الس ـ ــار إذا س ـ ــر مرتين‪ .‬ويعاقب قاطع الطري الذي أخاف الناس ولم‬
‫يقتل ولم يأخذ ماال فعقوبته النفي من بلد إلى أخر في دار اإلسـ ـ ــالم مع حبسـ ـ ــه إلى غاية ظهور‬
‫‪1‬‬
‫توبة المحكوم عليه‪.‬‬

‫وتبقى عليهم‬ ‫‪ -‬إذا تاب قطاع الطر قبل أن يقدر عليهم وسـلموا أنفسـهم فتسـقط عنهم حقو‬
‫حقو العباد‪ ،‬فيحاكمون في الدماء واألموال إال أن تقبل منهم الدية أو يعفى عنهم من الضحايا‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬جرائم القصاص والدية‬


‫هذه الجرائم مقدرة تبعا لألفراد فيجو للمجني عليه فيها العفو وهي خمسـ ــة( القتل العمد‪ ،‬شـ ــبه‬
‫العمد‪ ،‬الخطأ‪ ،‬الجناية ما دون النفس عمدا‪ ،‬الجناية ما دون النفس خطأ‪.‬‬

‫‪ /10‬القتل العمد‪ :‬قص ـ ـ ـ ــد المكلف قتل إنس ـ ـ ـ ــان معص ـ ـ ـ ــوم الدم بما يرلب على الظن أنه يقتل به‬
‫والعمد يوجب التخيير بين القود أو الدية أو العفو‪ ،‬والدية هنا تكون من ماله‪.‬‬

‫‪ /12‬القتل شـبه العمد‪ :‬قصـد قتل إنسـان معصوم الدم بما ال يقتل به عادة كالضرب وحكمه أنه‬
‫يوجب على الجاني الدية على عاقلته والكفارة‪ ،‬ولكن هنا الدين مرلظة والجاني آثم‪.‬‬

‫‪ /13‬القتل الخط ‪ :‬فعل مباح دون قصـ ــد قتل إنسـ ــان فيقتله هنا فيه دية وكفارة ولكن مخففة دون‬
‫إثم وفي القتل الخطأ وشبه العمد الدية على عاقلته الرجال من أبا له واخوانه وأبناء عمومته‬

‫‪ /14‬الجنايات على األطراف عمدا‪ :‬تعدى أحد على آخر فيكسر رجله أو يفقد عينه‪ ،‬فإن كان‬
‫مكافئا للجاني في اإلسالم والحرية فإنه يقتص منه إال إذا قبل المجني عليه الدية أو يعفو‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد القادر عـودة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.223-232.‬‬


‫‪111‬‬
‫‪ /15‬الجنايات على األطراف خط ‪ :‬ويتكون فيها الدية أو العفو‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬جرائم التعازير‬


‫التع ير هو تأديب على ذنوب لم تشـ ــرع فيها حدود وعقوباتها تبدأ بالنصـ ــح وتنتهي بالجلد وقد‬
‫تصــل إلى القتل وللقاضــي في اختيار العقوبة المناســبة مع المجرم وله تخفيفها وتشــديدها وايقاف‬
‫التنفيذ‪ ،‬ولم تنص الشـ ـريعة على كل الجرائم وتركت ألولي األمر تحريم ما يروه بحس ــب الظروف‬
‫وصـ ــالح الجرائم بشـ ــرط أن يكون هذا التحريم متفقا مع الش ـ ـريعة ومبادئها وروحها‪ ،‬وهناك أقسـ ــام‬
‫‪1‬‬
‫للتع ير‪:‬‬

‫أو في ح العبد‪ ،‬والمعاص ــي‬ ‫اء كانت المعص ــية في ح‬


‫‪ /10‬التعزير على المعاصـــي‪ :‬سـ ـو ً‬
‫هي فعل ما حرمته الشريعة وترك ما أوجبته من الواجبات‪ ،‬فأما المعاصي التي فيها حد فاألصل‬
‫أن الحـد يكفي للعقوبة ولكن ليس هناك ما يمنع أن تضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف عقوبة تع ير على عقوبة الحد إذا‬
‫اقتض ـ ــت المص ـ ــلحة وهو اتجاه المذاهب األربعة‪ ،‬أما المعاص ـ ــي التي فيه كفارة كالوطء في نهار‬
‫رمضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان أو الوطء في اإلحرام أو حنــي في يمين أو وطء في حيم أو ظهــار‪ ،‬وهنــا اختالف‬
‫حول جمع التع ير مع الكف ـ ــارة والرأي الراجح أن ـ ــه يجو أن يجتمع مع الكف ـ ــارة التع ير‪ ،‬أم ـ ــا‬
‫المعاصـ ــي التي ال حد فيه وال كفارة كتقبيل المرأة األجنبية والخلوة بها‪ ،‬الشـ ــروع في السـ ــرقة‪ ،‬أكل‬
‫الميتة ويدخل فيه معظم المعاصي وهذا النوع كذلك يمكن تقسيمه إلى‪:‬‬

‫* نوع شــرع في جنســه الحد ولكن ال حد فيه‪ :‬ســرقة دون النصــاب‪ ،‬مقدمات ال نا كالخلوة وتقبيل‬
‫وعنا وهذا كله فيه التع ير‪.‬‬

‫* نوع شـ ـ ــرع فيه الحد ولكن شـ ـ ــبهة ترك الحد كوطء ال وجة من دبرها‪ ،‬سـ ـ ــرقة المال المشـ ـ ــترك‪،‬‬
‫سرقة الفروع األصول‪ ،‬هنا التعا ير فقط‪.‬‬

‫* نوع لم يشرع فيه وال في جنسه الحد كأكل الميتة‪ ،‬خيانة األمانة‪ ،‬شهادة ور‪ ،‬رشوة‪...‬‬

‫‪ /12‬التعزير للمصـــلحة العامة‪ :‬تجي الش ـ ـريعة اسـ ــتثناء أن يكون التع ير في غير معصـ ــية إذا‬
‫اقتض ـ ـ ـ ـ ـ ــت المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلحة العامة ذلك بمعنى أن يكون التع ير فيما لم ينص على تحريمه لذاته إذا‬
‫عليه وس ــلم حبس رجال أنهم‬ ‫اقتضــت المص ــلحة العامة ويس ــتدل على ذلك أن الرس ــول ص ــلى‬

‫‪ 1‬عبد القادر عـودة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.100-172.‬‬


‫‪111‬‬
‫بسـرقة بعير‪ ،‬وكما ظهر فيما بعد أنه لم يسرقه أخلى الرسول سبيله‪ ،‬فهذا الحبس تبرره المصلحة‬
‫العامة‪.‬‬

‫عنه بنصـ ـ ـ ـ ــر بن حجاج‪ ،‬حيي كان الخليفة يعس في‬ ‫ويسـ ـ ـ ـ ــتدل كذلك بفعل عمر رضـ ـ ـ ـ ــي‬
‫المدينة فسـ ــمع امرأة تقول هل من سـ ــبيل إلى خمر فأش ـ ـربها‪ ،‬أم من سـ ــبيل إلى نصـ ــر بن حجاج‬
‫فوجد عمر هذا الشــاب حســن الصــورة فحل أرســه فا داد جماال‪ ،‬فنفاه إلى البص ـرة خشــية افتتان‬
‫الناس به‪ ،‬وهذا لم ينسب له فعل ولكن ضرورة المصلحة العامة‪.‬‬

‫وأمثلة التع ير للمصــلحة‪ :‬تأديب الصــبيان على ترك الصــالة‪ ،‬الطهارة أو جرائمهم رغم أنها ال‬
‫تعتبر معاصــي في حقهم ولكن يع رون للمصــلحة العامة‪ ،‬حبس من اشــتهر بإيذاء الناس ولو لم‬
‫يثبت دليل ذلك‪ .‬وبهذا فإن الشـ ـريعة تقرر أن كل فعل أو حالة مس نظام الجماعة أو مص ــلحتها‬
‫‪1‬‬
‫يعاقب عليها بالعقوبة التي يراها القاضي مالئمة من العقوبات المقررة للتع ير‪.‬‬

‫‪ /13‬التعــازير على المخــالفــات‪ :‬اختلف الفقهــاء في التعــا ير على فعــل المكروه وترك المنــدوب‬
‫على أســاس اختالفهم في تعريف المكروه والمندوب‪ ،‬والفري القائل بالعقوبة يســتند إلى فعل عمر‬
‫عندما مر على شـ ـ ـ ــخص أضـ ـ ـ ــجع شـ ـ ـ ــاة يذبحها‪ ،‬وجعل يحد الشـ ـ ـ ــفرة‪ ،‬فعاله بالدرة وقال له‪ :‬هال‬
‫حددتها أوال‪ ،‬كما اشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــترط هؤالء اعتياد إتيان المكروه وترك المندوب ويعتبرون العادة تتكون من‬
‫تكرار الفعل مرتين‪ ،‬فإن كان الترك ماس ــا بالمص ــلحة العامة فالتع ير يكون أس ــاس ــه المس ــاس بها‬
‫‪2‬‬
‫وليس ترك المندوب أو إتيان المكروه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ /14‬فوائد التمييز بين كل هذو األنواع من الجرائم‪:‬‬

‫‪ -‬من حيـث العفو‪ :‬فـالحـدود ال يجو فيهـا مطلقا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوادا من الضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحية أو رئيس الدولة‪ ،‬أما‬
‫القصـاص فيعفو الضحية فقط وليس للرئيس ح العفو إال إذا كان المجني عليه قاص ار وليس له‬
‫ولي‪ ،‬أما التعا ير فح العفو لرئيس الدولة عن الجريمة عن العقوبة شـ ـ ـ ـ ـ ــرط المسـ ـ ـ ـ ـ ــاس بحقو‬
‫الضحية والضحية له ح العفو إال فيما يخص حقوقه الشخصية‪.‬‬

‫‪ -‬من حيث ســـــلطة القاضـــــي‪ :‬فسـ ـ ــلطة القاضـ ـ ــي في الحدود ال تتجاو النط بالعقوبة المقررة‬
‫بالجريمة (‪ )87‬وفي القص ـ ــاص يوقع العقوبة فإن عفى المجني عليه أو تعذر الحكم بالقص ـ ــاص‬

‫‪ 1‬عبد القادر عـودة‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.130-133.‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.132.‬‬
‫‪ 3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.80-83.‬‬
‫‪112‬‬
‫حكم بالدية فإن عفى المجني عليه حكم بعقوبة تع ير‪ ،‬أما التعا ير فللقاضـ ــي سـ ــلطة واسـ ــعة في‬
‫اختيــار نوع العقوبــة ومقــدارهــا وتنفيــذهــا أو إيقــاف تنفيــذهــا كمــا أن التعــا ير وحــدهــا التي تتــأثر‬
‫بالظروف المخففة‪.‬‬

‫‪ -‬من حيث اإلثبات‪ :‬نجد أن الحدود والقصــاص تشــترط مثال عدد معين من الشــهود وفي جرائم‬
‫التعا ير يكفي شاهد واحد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النظم القضائية في الشريعة اإلسالمية‬


‫إن تنفيذ قانون اإلس ـ ـ ــالم والوقوف عند حدوده يكون كأص ـ ـ ــل عام عن رض ـ ـ ــا واختيار من قبل‬
‫أعضـ ـ ـ ــاء المجتمع المسـ ـ ـ ــلم ‪ ،‬غير أنه إذا تم مخافة هذا القانون فضـ ـ ـ ــيعت الواجبات واسـ ـ ـ ــتبيحت‬
‫المحرمات وأعتدي على الحدود فان الجهة التي باسم الدولة اإلسالمية تتدخل هي القضاء‪.1‬‬

‫إن الظلم في الطباع فال بد من حاكم ينصـ ـ ـ ــف المظلوم من الظالم والمسـ ـ ـ ــلم رغم ما يقدمه له‬
‫اإلس ـ ــالم من تهذيب وأخال وورع إال أنه يبقى غير معصـ ـ ــوم مهما بلغ ع إيمانه‪ ،‬فهذا مجتمع‬
‫عليه وســلم وهو خير المجتمعات ال يخلوا من المخالفات‪ .1‬وانطالقا من ضــرورة‬ ‫النبي صـلى‬
‫وجود القض ــاء في الدولة اإلس ــالمية عني الفقه اإلس ــالمي بتحديد ش ــروطه ومؤسـ ـس ــاته وأص ــوله‬
‫وآدابه‪...‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم القضاء وتوليه في الشريعة اإلسالمية‬


‫القضـ ــاء لرة هو الفصـ ــل والقطع‪ ،‬وقد ورد هذا اللفظ في القرآن على أوجه كثيرة منها الوجوب‬
‫والوقوع واإلتمام واإلكمال والعهد واإليص ـ ـ ــاء واألمر والخل والتدبير‪ 2.‬أما اصـ ـ ـ ــطالحيا فإننا نجد‬
‫الكثير من التعاريف‪ ،‬التي حاولت أن تبر عنصـ ــر من عناصـ ــر القضـ ــاء‪ ،‬منها " القضـــاء هو‬
‫الحكم بين الخصـــوم بالقانون اإلســـالمي بكيفية مخصـــوصـــة"‪ 3‬وكذلك عرف القض ــاء على أنه"‬
‫اإلخبار عن الحكم الشرعي على سبيل اإللزام"‪.‬‬

‫والقضــاء مشــروع بالكتاب والســنة‪ ،‬فقد أمر به اإلســالم "وأن أحكم بينهم بما أنزل هللا" وقام به‬
‫عليه وسـ ـ ـ ـ ــلم وأجمع العلماء على انه فرم كفاية‪4،‬وهو من سـ ـ ـ ـ ــبل األمر بالمعروف‬ ‫صـ ـ ـ ـ ــلى‬

‫عبد الكريم يدان‪ ،‬نظام القضاء في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،1112،‬ص‪.1-8.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10.‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الكريم يدان‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.10.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪113‬‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬أما عن تولي القض ــاء فقد جاءت تحذيرات في الس ــنة تش ــير إلى خطورة هذا‬
‫عليه وسـ ــلم القضـــاة ثالثة اثنان في النار وواحد في الجنة‪،‬‬ ‫المنصـ ــب‪ ،‬فقد ورد عنه صـ ــلى‬
‫رجـل عرف الحق فقضـــــــــى بـه فهو في الجنـة‪ ،‬ورجل قض بين الناس بالجهل فهو في النار‪،‬‬
‫ورجل عرف الحق فجار فهو في النار ‪ 1.‬كما أن طلب القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ممن هو أهل له ال يكون فقد‬
‫عليه وس ــلم على االمتناع من طلب القض ــاء‪ ،‬ففي حديي أبي موس ــى األش ــعري‪:‬‬ ‫حي ص ــلى‬
‫عليه وس ــلم أنا ورجالن من بني عمي‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬يا رس ــول‬ ‫دخلت على النبي ص ــلى‬
‫عليه وسلم‪ :‬إنا وهللا‬ ‫تعالى‪ ،‬وقال األخر مثل ذلك‪ ،‬فقال صلى‬ ‫أمرنا على بعم ما والك‬
‫عليه وس ـ ـ ــلم‪ :‬من طلب‬ ‫ال نولي هذا العمل أحدا ســـــ له أو أحدا حرص عليه ‪ ،‬وقال ص ـ ـ ــلى‬
‫القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلبه وال استعان عليه أنزل هللا ملكا يسددو ‪.2‬‬

‫وقــد أدى هــذا التخويف من القض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء إلى هروب الفقهــاء منــه‪ ،‬فهــذا أبوا حنيفــة يــدعى لتولي‬
‫القضـ ــاء على مرتين‪ ،‬ففي سـ ــنة ‪103‬هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ قال له ي يد بن عمر بن هبيرة جعلت في يدك خاتم‬
‫الــدولــة ال ينفــذ حكم مــا لم تمهره‪ ،‬وال يخرج من الخ انــة مــال مــا لم تعتمــده فرفم اإلمــام وجلــد‬
‫بسبب ذلك‪.3‬‬

‫لكن كل التحذيرات الواردة في الس ـ ـ ـ ــنة من القض ـ ـ ـ ــاء وهروب الفقهاء منه‪ ،‬يحمل على التحذير‬
‫من القض ـ ـ ـ ــاء في ح من ال يقدر على النهوم بحقه فال يطلبه أو يقبله إذا عرم عليه‪ ،4‬كما‬
‫أن هروب بعم الفقهـاء منه يرجع إلى تخوفهم من الحكام أو رغبتهم في السـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالمة واالحتياط‪.‬‬
‫ويقول ابن فرحون في تبصـرة األحكام موضـحا هذا المعنى أعلم أن أكثر المؤلفين من أصحابنا‬
‫وغيرهـ ـ ـ ـ ــم بالروا ف ـ ــي الترهيب والتحذيرات من الدخول في والية القضاء وشددوا في كراهية السعي‬
‫فيها ورغبوا في اإلعرام عنها والنفور من القضـ ـ ـ ــاء‪ ،‬حتى تقرر في أذهان كثير من العلماء أن‬
‫من ولي القض ـ ـ ـ ــاء فقد س ـ ـ ـ ــهل عليه دينه وألقي بيده إلى التهلكة‪ ،‬وهذا غلط فاحش‪ ،‬يجب الرجوع‬
‫عنه والتوبة منه‪ .‬والواجب تعظيم هذا المنص ـ ـ ـ ـ ــب الشـ ـ ـ ـ ـ ـريف ومعرفة مكانته من الدين ففيه بعثت‬

‫فخري أبو صفية‪ ،‬طرق اإلثبات في القضاء اإلسالمي‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪ ،‬ص‪.8.‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الكريم يدان‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.12.‬‬ ‫‪2‬‬

‫فخري أبو صفية‪ ،‬اإلكراو في القضاء اإلسالمي‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪ ،1187 ،‬ص‪.701.‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الكريم يدان‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.13 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪114‬‬
‫عيه وس ــلم م النعم التي يباح‬ ‫الرس ــل وبالقيام به قامت الس ــموات واألرم وجعله النبي ص ــلى‬
‫‪1‬‬
‫فيها الحسد‪. ...‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬لمحة وجيزة عن تطور القضاء في العهد اإلسالمي‬

‫عليه وس ـ ــلم هو القاض ـ ــي األول في اإلس ـ ــالم‪ ،‬وكان يس ـ ــتمد أحكامه من‬ ‫كان النبي ص ـ ــلى‬
‫الوحي ويش ـ ـ ــير عند عدم الوحي إلى ذلك وفي عهده أرس ـ ـ ــل بعم الص ـ ـ ــحابة إلى بعم األقاليم‬
‫عنه قاضيا فمكي سنتين ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫كقضـاة‪ ،‬أما في عهد أبي بكر الصـدي فقد عين عمر رضي‬
‫يأته خص ـ ـ ــمان ولم يتم في هذا العهد الفص ـ ـ ــل بين الخليفة والقاض ـ ـ ــي فقد كان أبو بكر ينظر في‬
‫بعم المسائل أو يفوضها لعمر‪ 2‬أم ـ ـ ــا في عهد الفارو وبعد الفتوحات اإلسالمية الكبيرة‪ ،‬دعت‬
‫الضرورة إل ـ ـ ـ ــى تعيين قضاة في األقاليم مع مراعاة توفر غ ارة العلم والتقوى والعدل فيه وقد عمل‬
‫عمر على فصـ ـ ـ ــل الوالية عن القضـ ـ ـ ــاء‪ ،‬كما كتب رسـ ـ ـ ــالة مشـ ـ ـ ــهورة في القضـ ـ ـ ــاء بين إجراءات‬
‫التقاضــي ووســائل اإلثبات ومصــادر اســتلهام األحكام وأدب القاضــي‪ 3.‬كما ســجل القضــاء تطو ار‬
‫في العهــد األموي حيــي ظهرت بــذور المــذاهــب الفقهيــة فظهر أهــل الرأي القــائلين بقيــد الرأي إلى‬
‫جانب القرآن والسـنة وأهل الحديي المتمسكين فقط بالمصدرين األصليين (القرآن والسنة)‪ .‬كما تم‬
‫في هذا العهد بداية تدوين األحكام القضــائية حفظا لها‪ .‬وتجدر اإلشــارة إلى أنه في العهد األموي‬
‫كان القضاء مستقال يطب األحكام الشرعية ولكن بعد ذلك وخاصة في العهد العباسي بدأ النظام‬
‫القضائي يتأثر بالسياسة مما أدى إلى ابتعاد العلماء عن هذا المنصب‪.‬‬

‫أما العهد العباس ـ ـ ـ ــي فقد عرف ظهور المذاهب الفقهية اإلس ـ ـ ـ ــالمية‪ ،‬لذلك عرف هذا العص ـ ـ ـ ــر‬
‫بعص ـ ـ ــر أئمة المذاهب‪ .‬وكان لهذا األمر تأثير على القض ـ ـ ــاء حيي ص ـ ـ ــار القاض ـ ـ ــي يتقيد بهذه‬
‫المــذاهــب وال يحتــاج إلى االجتهــاد في المس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائــل التي يتعرم لهــا المــذهــب الــذي ينتمي إليــه‬

‫فخري أبو صفية‪ ،‬طر اإلثبات ‪ ،...‬المرجع الساب ‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪ ،‬ص‪.12،12 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪ 780.‬وما بعدها‪.‬‬


‫نص رس ــالة الخليفة عمر في القض ــاء ‪...‬أما بعد فان القضـــاء فريضـــة محكمة وســـنة متبعة ف فهم إن أدلي إليك وأنفذ إذا‬ ‫‪3‬‬

‫تبين لك فانه ال ينفع تكلم بحق ال نفاذ له‪ ،‬أس بين الناس في وجهك وعذلك ومجلســـــك حتى ال يطمع شـــــريف في حيفك وال‬
‫يي س ضـــعيف من عذلك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصـــلَ جائز بين المســـلمين إال صـــلحا احل حراما أو‬
‫حرم حالال وال يمنعك قضـــــاء قضـــــيته باألمس فراجعت اليم فيه عقلك وهيت فيه لرشــــــدك أن ترجع إلى الحق فان الحق قديم‬
‫ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم فيما تلجلج في صــــدرك مما ليس في كتاب هللا وال ســــنة رســــوله ثم أعرف‬
‫األشـــباو واألمثال وقس األمور بنظائرها وأعمد إلى أقربها إلى هللا وأشـــبهها بالحق وأجعل لمن أدعى حق غائب أو بينة‪ ،‬أمدا‬
‫ينتهي إليه فان أحضـــر بينته أخذت له حقه‪ ،‬ثواال وجهت القضـــاء عليه " نقال عن‪ :‬عمار بوض ــياف‪ ،‬الســـلطة القضـــائية بين‬
‫الشريعة والقانون‪ ،‬دار الريحانة‪ ،‬الج ائر‪ ،7331،‬ص‪.12.‬‬
‫‪115‬‬
‫القاضي‪ ،‬كما أنـ ـ ـ ــه ونتيجة لتوسيع رقعة الدولـ ـ ـ ــة اإلسالمية وتعـ ـ ـ ــدد الخصومات ظهرت أنواع من‬
‫القضاء اإلسالمي يمكن تقسيمها إلى قسميــن‪ :‬قضاء عادي وقضاء استثنائي‪.‬‬

‫أوال‪ /‬القضـــــــاء العادي ونعني به القض ـ ـ ـ ـ ــاء المكلف بالفص ـ ـ ـ ـ ــل في الن اعات بين األفراد العاديين‬
‫وخاص ـ ــة عندما يقتضـ ـ ــي األمر إجراءات دقيقة واثبات في القضـ ـ ــية المطروحة ويجب لممارسـ ـ ــته‬
‫توفر شروط للقائم به ومساعدة هذا األخير من طرف مجموعة من األعوان‪.‬‬

‫‪ /10‬شـروط تعيين القاضـي‪ :‬كان الخليفة هو من يعين القاضي في بداية عهد الدولة اإلسالمية‬
‫حيي يفوم له القض ـ ــاء في بعم المس ـ ــائل يحتفظ لنفس ـ ــه في الفص ـ ــل في المس ـ ــائل الهامة أما‬
‫األقــاليم فكــان القضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء فيهــا يتم من طرف قض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة هم الوالة أو األمراء الــذين يقومون بــدورهم‬
‫بتفويم صـ ـ ــالحياتهم إلى قضـ ـ ــاة عاديين وهؤالء كذلك لهم ح في اسـ ـ ــتخالف آخرين في حالة‬
‫االنش ـ ـ ـ ــرال‪ ،‬وفي عهد هارون الرش ـ ـ ـ ــيد أي قبل نهاية القرن ‪ 8‬الميالدي أنش ـ ـ ـ ــأ نظام جديد يتولى‬
‫اإلش ـ ـراف على المنصـ ــب القضـ ــائي من حيي التعيين والع ل والرقابة وصـ ــار القاضـ ــي يمنع من‬
‫اســتخالف أحد في مكانه إال إذا أذن له ص ـراحة بذلك‪ .1‬وســمي هذا القضــاء في الشــر بقاضــي‬
‫القضـاة وفي األندلس بقاضـي الجماعة وتجدر اإلشـارة أن القاضي اإلسالمي يجب أن تتوفر فيه‬
‫شروط معينة حتى يكون قابال للتعيين منها‪.‬‬

‫‪ -‬البلوغ والعقل والحرية‪ :‬يجب نض ــج العقل وقطع الجنون واشـ ــترط بعم الفقهاء صـ ــحة الفكر‬
‫والبعد عن السهو والرفلة‪ .‬أما الحرية فان القضاء من الواليات والعبد ناقص الوالية عن نفسه فال‬
‫‪2‬‬
‫يكون وليا على غيره‪.‬‬

‫‪ -‬اإلسالم‪ :‬فال والية للكافر على المسـلم‪ ،‬كما أن تطبي أحكام الشريعة كدين يحتاج إلى إيمان‪،‬‬
‫وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوا تولية غير المس ـ ــلم على غير المس ـ ــلم في دار اإلس ـ ــالم‬
‫مع أن الحنفية جو للذمي القضــاء على أهل الذمة قياســا على صــالحيته للشــهادة عليهم‪ .‬ويبدو‬
‫أن رأي الحنفية يجعل الذمي يقلد المنص ــب رياس ــة و عامة وليس تقليد والية قض ــاء وقد أثار إلى‬
‫‪3‬‬
‫هذا اإلمام الماوردي في األحكام السلطانية‪.‬‬

‫‪ -‬العدالة‪ :‬االمتناع عن الكبائر وعدم اإلص ـ ـ ـرار على الصـ ـ ــرائر والترفع عما يقدح في المروءة‪.‬‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.711.‬‬


‫‪2‬عبد الكريم يدان‪ ،‬نظام القضاء‪ ،...‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.70.‬‬
‫‪3‬عبد الكريم يدان‪ ،‬نظام القضاء‪ ،...‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.73.‬‬
‫‪116‬‬
‫فال يلي القضـاء الفاسـ ألنه ال يصـلح حتى للشــهادة مع أن الحنفية اعتبروا العدالة شــرط للكمال‬
‫وليس لتولي القضاء فيجو تولية الفاس وتنفيذ حكمه إذا لم يجاو أحكام الشريعة‪.1‬‬

‫‪ -‬االجتهاد‪ :‬قال بذلك مالك والش ـ ـ ـ ــافعي وأحمد فالقض ـ ـ ـ ــاء إفتاء وال ام وما دام الفتي ال يجو أن‬
‫يكون عاميا مقلدا فالقاضـ ـ ـ ــي أولى أن ال يكون مقلدا‪ .‬أما الحنفية فلم يجعلوا االجتهاد شـ ـ ـ ــرطا ما‬
‫دام متولي القضـاء يمكنه أخذ الفتوى عن غيره‪ ،‬كما قال بعم العلماء يجو عند الضـرورة وهي‬
‫عدم وجود المجتهد تولية المقلد فيقضي بفتوى غيره أو بالمشهور من مذهبه‪.2‬‬

‫‪ -‬الذكورة‪ :‬جمهور الفقهاء ال يجو ون القضاء للمرأة بحجـ ـ ـ ــة ما أفلَ قوم ولوا أمرهم امرأة ولم‬
‫عليه وس ــلم توليه امرأة وال عن خلفائه ال ارش ــدين كما أن القاض ــي يحتاج إلى‬ ‫ينقل عنه ص ــلى‬
‫مخالطة الرجال واألصل في هذا المنع في ح المرأة‪.3‬‬

‫‪ -‬ســـالمة الحواس‪ :‬بمعنى أن يكون القاض ــي متكلم‪ ،‬س ــميع‪ ،‬بص ــير‪ ،‬وجو الش ــافعي القض ــاء‬
‫لألعمى ولهم في األخرس قوالن والمالكية نفذوا حكم األعمى واألصم مع وجوب ع لهم‪.‬‬

‫‪ -‬شروط أخرى‪ :‬أن يكون القاضـي قويا من غير عنف‪ ،‬لينا من غير ضعف‪ ،‬فطن‪ ،‬عفيفا ورعا‬
‫وترجع هذه الصفات وتقديرها لجهة التعيين‪.4‬‬

‫‪ /12‬اختصــاصــات القاضــي وأعوانه‪ :‬وجد للقضــاء مكان مخصــص له ســمي دار القضــاء بعدما‬
‫كان المسـجد هو دار القضـاء األول‪ ،‬وقد خول القاضي صالحيات قضائية محضة حيي‪ ،‬تدخل‬
‫في حسـ ـ ـ ــم الخالف بين الخصـ ـ ـ ــوم س ـ ـ ـ ـواء كان الخالف مدنيا أو ج ائيا ونحتاج إلثبات الح في‬
‫إحالة الن اع إلى وس ـ ـ ــائل اإلثبات‪ .‬أما في حالة التلبس فكان األمر يرجع إلى الش ـ ـ ــرطة التي تنفذ‬
‫العقوبة فورا‪ ،‬كما كان القاض ـ ـ ــي هو الس ـ ـ ــاهر على تنفيذ حكمه فإن لم يس ـ ـ ــتطع طلب من الوالي‬
‫مســاعدته بواســطة الشــرطة‪ ،‬كما أن القاضــي يتدخل في حاالت ال يكون فيها الن اع أو الخصــوم‬
‫من أجل المص ـ ـ ـ ـ ـ ــلحة كإدارة الرائبين والنظر في أموال اليتامى والوص ـ ـ ـ ـ ـ ــاية على عديمي األهلية‬
‫وتنفيذ وصـ ــية المتوفى‪ ،‬كما أن القاضـ ــي العادي كان يمارس بعم االختصـ ــاصـ ــات التي تخرج‬
‫عن نطا القضــاء حيي يراقب المال وســك العملة وســير الجهاد مع مهامه االســتش ـرافية باعتباره‬

‫عبد الكريم يدان‪ ،‬نظام القضاء‪ ،...‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.72 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.72،72.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.72.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.78.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪117‬‬
‫عض ـ ـ ـ ـ ــو في هيئة الحل والعقد المكلفة بتعيين أو مبايعة الخليفة الجديد‪ ،1‬وكان األص ـ ـ ـ ـ ــل هو أن‬
‫يحكم القاضــي مفردا في المســألة غير أنه في العهد العباس ــي وجد قضــاء الجماعة الذي يش ــترك‬
‫فيه قاضـ ـ ــيان أو أكثر للنظر في المسـ ـ ــألة الواحدة كما فرضـ ـ ــت األحوال التاريخية تعدد القض ـ ـ ــاة‬
‫حسب المذاهب الفقهية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظم القضـــــائية االســـــتثنائية‪ :‬عرفت الدولة اإلسـ ـ ــالمية نظم قض ـ ـ ــائية غير عادية تتمثل‬
‫أساسا في ثالي هيئــات‪ :‬الشرطة ‪ ،‬ديوان الحسبة‪ ،‬ديوان المظالم‪.‬‬

‫عنه وكانت‬ ‫‪ /10‬نظام الشـــــــــرطة‪ :‬ظهر هـذا الجها في عهد علي بن أبي طالب رضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫مرتبطة بالجيش ثم ص ــارت مرتبطة بالس ــلطة الس ــياس ــية واإلدارية‪ ،‬أي الخليفة والوالة ثم ص ــارت‬
‫تنفرد بالقض ــاء وتس ــتقل بالنظر في بعم الجرائم بعدما كانت تس ــاعد القاض ــي في إثبات التهمة‬
‫وتنفيذ الحكم فقط‪ ،‬أما عن اختصـ ـ ــاصـ ـ ــات الشـ ـ ــرطة فهناك االختصـ ـ ــاصـ ـ ــات البسـ ـ ــيطة المتعلقة‬
‫بمحــاربــة الفتن وحفظ النظــام وحمــايــة األش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخــاص واألموال وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيــانــة اآلداب العــامــة‪ .‬أمــا‬
‫االختصـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ــات القضـ ـ ـ ــائية فهي تلعب دو ار في تنفيذ األحكام كما تقوم بالقبم على الجانحين‬
‫وتحاكمهم‪ ،‬وتطب عليهم العقوبات الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرعية حيي تحرك الدعوى العمومية حتى تلقائيا وتنقلهم‬
‫إلى محاكمتها‪ ،‬وتجري المحاكمة دون رفعها من الطرف المدني الذي يعتبر شـ ــاهدا‪ ،‬فإن أوجدت‬
‫أدلة قاطعة تثبت التهمة تقررت العقوبة واال رفعت القض ـ ـ ـ ـ ـ ــية إلى القاض ـ ـ ـ ـ ـ ــي العام المختص في‬
‫‪2‬‬
‫إثبات التهمة في حالة حدوي الشك‪.‬‬

‫‪ /12‬ديوان الحســــبة‪ :‬الحس ـ ــبة عبارة عن عمل ديني ذو منفعة عامة تقوم على المر بالمعروف‬
‫عليه وسـ ــلم‪ ،‬كما قالت بها ام أرة تسـ ــمى‬ ‫والنهي عن المنكر وأول من قام بها هو النبي صـ ــلى‬
‫سمراء بنت هنية األسدية‪ ،‬حيي تمر في األسوا ‪ -‬تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتضرب‬
‫الناس بسـ ــوط معها‪ ،‬غير أن هذه الوظيفة نظمت في العهد العباسـ ــي وصـ ــارت على المكلف بها‬
‫فقط وقد اشترط في القائم بهذه الوظيفة‪.‬‬

‫‪ -‬العلم بالمنكرات الدينية واألعراف‪ :‬معرفة التنظيم الحضـ ـ ـ ـ ـ ــاري والمعماري باعتبار المحتسـ ـ ـ ـ ـ ــب‬
‫‪3‬‬
‫مكلف بالرقابة على هذا التنظيم‪.‬‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.037-712.‬‬


‫‪ 2‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ 031.‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ -‬معرفة المشاكل االقتصادية من أجل حلها أو تفاديها‪.‬‬

‫‪ -‬صفات شخصية من الخشونة والعدل والجرأة‪.‬‬

‫لقد صــار المحتســب يمارس صــالحياته في دار الحســبة وله أعوان كالنواب الذين ينوبون عنه‬
‫في أمــاكن ثــانويــة في المقــاطعــة والعريف الــذي يمثــل الهيئــة العرفيــة لــديــه‪ .‬وهــذه الهيئــة هي التي‬
‫تتبع العريف إلعالمـه بمـا يجري داخلها وله االسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتعانة بالشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرطة كذلك‪ ،‬وكل هؤالء األعوان‬
‫يعاونون المحتسب في أداء مهامه التي نذكر منها ‪:‬‬

‫‪ -‬اإلشراف على إقامة الصالة و جر تاركها‪.‬‬

‫‪ -‬منع الفطر في رمضان ومنع الجهال من الفتوى‪.‬‬

‫‪ -‬يراقب أحكام اللباقة في األماكن العمومية‪.‬‬

‫‪ -‬مراقبة األسوا فيدير الشرطة في األسوا كمراقبة األسعار والمي ان ويمنع الرش‪.‬‬

‫‪ -‬اإلشراف على كل المهن والحرف‪.‬‬

‫‪ -‬إجبار الس ـ ــادة على حس ـ ــن معاملة العبيد‪ ،‬ومنع المعلمين من ض ـ ــرب الص ـ ــبية ضـ ـ ـربا مبرحا‪،‬‬
‫ومنع الحمالين وأرباب السنن من اإلكثار في الحمل حتى ال يتعرم الجميع للهالك‪.‬‬

‫‪ -‬حماية المدينة في مجال البناء واألمن والطرقات‪.‬‬

‫‪ -‬الفص ــل في الخصـ ــومات التي تقع في األسـ ـوا والخصـ ــومات الحرفية كما يتطر إلى دعاوى‬
‫الكيـل والمي ان والرش والتـدليس ودعوى المطـل وتـأخير الدين الثابت بالكتابة‪ ،‬بشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرط أن تكون‬
‫الحقو معترف بها وغير متنا ع في أصلها واال أحيلت إلى القاضي العادي‪.‬‬

‫‪ -‬تطبي العقوبات المتعلقة بالمسـائل التي تدخل ف اختصـاصها ولكن عادة ما يحال األمر إلى‬
‫‪1‬‬
‫الشرطة لتنفيذها‪.‬‬

‫‪ /13‬نظام المظالم‪ :‬ظهر في العهد األموي كوظيفة مس ــتقلة وذلك بس ــبب ظلم الوالة في األقاليم‪،‬‬
‫وكان عبد الملك بن مروان أول من خصــص ســاعة معينة في يوم محدد لســماع الش ــكاوى‪ ،‬لكنه‬
‫عادة يحيل إلى قاضــيه المســائل التي تحتاج إلى حكم وتبعه عمر بن عبد الع ي في ذلك‪ ،‬حيي‬
‫صار يجلس للنظر بنفسه في تظلمات الناس وقدر رد مظالم بني أمية‪.‬‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.038-032.‬‬


‫‪119‬‬
‫وعنـد العبـاسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيين عرف هـذا النظـام بـدار العـدل ونظ ار ألن التظلمات التي يختص بها ديوان‬
‫المظالم تكون عادة موجهة ضـ ـ ـ ــد الوالة فال بد أن يكون هذا الناظر من أكبر الشـ ـ ـ ــخصـ ـ ـ ــيات في‬
‫الدولة‪ ،‬ولذلك كان الحاكم األعلى نفســه هو المتمســك بهذه الوظيفة ولكنه اســتثناء يعين موظف‬
‫لرئاسـ ـ ــة ديوان المظالم‪ .‬أما عن االختصـ ـ ــاصـ ـ ــات ناظر المظالم فهو مختص أصـ ـ ــال بالمسـ ـ ــائل‬
‫المتعلقة بتعسـ ـ ــف الوالة والعمال س ـ ـ ـواء بشـ ـ ــكوى منهم أو من تلقاء نفسـ ـ ــه كجور العمال في جمع‬
‫الض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ارئـب ومراقبة أعمال كتاب الدواوين حيي يقوم بإيقاع الج اءات التأديبية لعمال الدولة كما‬
‫ينظر في المنا عات العادية التي من اختصــاص القضــاء العادي أو المحتســب أو الشــرطة حيي‬
‫يراعى عدم مخالفة النص ـ ــوص الص ـ ــادرة عن هذه الهيئات للنص ـ ــوص الش ـ ــرعية‪ ،‬كما ينفذ أحكام‬
‫القاضـ ـ ــي العادي والمحتسـ ـ ــب والشـ ـ ــرطة عندما يعج هؤالء عن التنفيذ‪ ،‬كما يمكن للخصـ ـ ــوم أن‬
‫يطلبوا منهم إعـ ــادة النظر في األحكـ ــام فيكون محكمـ ــة اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتئنـ ــافيـ ــة وبـ ــالنظر إلى كـ ــل هـ ــذه‬
‫‪1‬‬
‫االختصاصات كان لهذا الناظر أعوان كمجلس الشورى والكتاب والقضاة العاديون‪.‬‬

‫‪ 1‬دليلة فركوس‪ ،‬المرجع الساب ‪ ،‬ص‪.017-031.‬‬


‫‪121‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪ -1‬فاضلي إدريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس‪ ،‬مدخل إلى المنهجية وفلسفــــــة القانون‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعي ـ ـ ـ ــة‪،‬‬
‫الطبعـة ‪ ،30‬الج ائر‪.7332،‬‬
‫‪ -7‬عبد المالك س ـ ـ ــالطنية‪ ،‬عبد الحميد حروابية‪ ،‬س ـ ـ ــاجية حماني‪ ،‬تاريخ النظم في الحضـــــارات‬
‫القديمة‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الج ائر‪.7332،‬‬
‫‪ -0‬دليلة فركوس‪ ،‬الوجيز في تاريخ النظم‪ ،‬دار الرغائب‪ ،‬الج ائر‪.1111،‬‬
‫‪ -1‬عبد الفتاح تقية‪ ،‬دروس في تاريخ النظم القانونية‪ ،‬منشورات ثالــة‪ ،‬الج ائر‪.7331 ،‬‬
‫‪ -3‬حبيب إبراهيم خليل‪ ،‬المدخل للعلوم القانونيــــــــة‪ ،‬دي ـ ـ ـ ـ ـ ـوان المطبوعات الجامعيـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬الج ائر‪،‬‬
‫‪.1183‬‬
‫‪ -2‬فاضلي إدريس‪ ،‬المدخل إلى تاريخ النظم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪.7332 ،‬‬
‫‪ -2‬عكاش ـ ــة محمد عبد العال‪ ،‬طار المجذوب‪ ،‬تاريخ النظم القانونية واالجتماعية‪ ،‬منش ـ ــورات‬
‫الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -8‬علي محمد جعفر‪ ،‬تاريخ القوانين‪ ،‬المؤس ـ ـسـ ــة الجامعية للد ارسـ ــات والنشـ ــر والتو يع‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪.1111‬‬
‫‪ -1‬أر قي العربي أبربـاش‪ ،‬مختصـــــــــر النظم القــانونيـة واالجتمـاعيــة‪ ،‬دار الخلـدونيـة‪ ،‬الج ائر‪،‬‬
‫‪.7332‬‬
‫‪ -13‬صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالح الـدين جبـار‪ ،‬المختصـــــــــر في تـاريخ النظم‪ ،‬دار مــدني‪ ،‬الطبعـة ‪ ،37‬الج ائر‪،‬‬
‫‪.7332‬‬
‫‪ -11‬صــالح فركوس‪ ،‬تاريخ النظــــــــــم القانونيــــــــــة واإلســالميــــــــــة‪ ،‬دار العلوم للنشــر والتو يع‪،‬‬
‫الج ائر‪.7331،‬‬
‫‪ -17‬ابـن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬دار ابن ح م‪ ،‬ط‪ ،7337 ،1‬الج ائر‪.‬‬
‫‪ -10‬ابن كثير‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬دار الكتاب الحديي‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -11‬مصـطفى فاضل كريم الخفاجي‪ ،‬تاريخ القانون في المجتمعات القديمة (قانون حمورابي)‬
‫أنموذجاً‪( ،‬مجلـ ــة مرك بابل للدراسات اإلنسـ ـ ــانية)‪ ،‬العدد‪ ،7‬المجلد‪.0/‬‬
‫‪ -13‬شــــريعة حمورابي‪ ،‬ترجمة محمود األمين‪ ،‬الطبعة‪ ،1‬ش ـ ــركة دار الور للنش ـ ــر المحدودة‪،‬‬
‫لندن‪.7332 ،‬‬
‫‪ -12‬رضا فرج‪ ،‬تاريخ النظم القانونية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪.1122،‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -12‬محمد مقبول حسـ ــين‪ ،‬محاضـــرات في تاريخ التشـــريع اإلســـالمــــــــــــي‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعيـة‪ ،‬الج ائر‪.1111،‬‬
‫‪ -18‬محمود عبد المجيد المرربي‪ ،‬المدخل الى تاريخ الشـــــرائع‪ ،‬المؤسـ ـ ـ ـس ـ ـ ــة الحديثة للكتاب‪،‬‬
‫طرابلس‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1112،‬‬
‫‪ -11‬صفي الرحمان المباركفوري‪ ،‬الرحيق المختوم‪ ،‬دار الكتاب الحديي‪ ،‬الج ائر‪.‬‬
‫‪ -73‬سـ ــيد قطب‪ ،‬خصـــائص التصـــور اإلســـالمي ومقوماته‪ ،‬القسـ ــم األول‪ ،‬االتحاد اإلسـ ــالمي‬
‫العالمي للمنظمات الطالبية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -71‬أبي الحسـن علي الحسـني الندوي‪ ،‬ماذا خســــــــــر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬ط‪ ،13‬مكتبة‬
‫رحـاب‪ ،‬الج ائـر‪.1182 ،‬‬
‫‪ -77‬حسن مرنية‪ ،‬قضاء العرب‪ ،‬مؤسسة ع الدين للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪.1180 ،‬‬
‫‪ -70‬فاضلـي إدريـس‪ ،‬المدخل الى تاريخ النظم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪.7332،‬‬
‫‪ -71‬البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬من قال ال نكاح إال بولي‪ ،‬الحديي رقم ‪.1027‬‬
‫‪ -73‬علي ع ت بيقوفيتش‪ ،‬اإلســـالم بين الشـــرق واليرب‪ ،‬ترجمة محمد يوسـ ــف عدس‪ ،‬مجلة‬
‫النور الكويتية‪ ،‬مؤسسة بافاريا للنشر واإلعالم والخدمات‪ ،‬ط‪ ،1111 ،1‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -72‬محمد شلتوت‪ ،‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشرو ‪ ،‬الطبعة‪ ،11‬بيروت‪.1180،‬‬
‫‪ -72‬حسـن رمضان فحلة‪ ،‬مقومات الحضارة اإلنسانية في اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الهدى‪ ،‬الج ائر‪،‬‬
‫‪.1181‬‬
‫‪ -78‬محمد مقبول حسـ ــين‪ ،‬محاضـــرات في تاريخ التشـــريع اإلســـالمــــــــــــي‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعيـة‪ ،‬الج ائر‪.1111،‬‬
‫‪ -71‬عبد الكريم يدان‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬قصر الكتاب‪ ،‬الج ائر‪.1113 ،‬‬
‫‪ -03‬عبد القادر عـودة‪ ،‬التشـريع الجنائي اإلسالمـي‪ ،‬ج‪ ،1،‬ط‪ ،3،‬دار الفتـح‪.1128 ،‬‬
‫‪ -01‬محدة محمد ‪ ،‬مختصـــــــر علم الفقه اإلســـــــالمي‪ ،‬الطبعة الخامس ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬دار الش ـ ـ ـ ـ ــهاب‪،‬‬
‫الج ائر‪.1111،‬‬
‫‪ -07‬الشـيخ ابن تيمي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬السـياسة الشرعية بيــــــــــن الراعي والرعيــــــــــة‪ ،‬األنيس سـلسلة العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬ط‪.1111 ،7‬‬
‫‪ -00‬محمود سعيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد عمران‪ ،‬أحمد أميـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‪ ،‬محمد علي القو ي‪ ،‬النظم السياسية عبر‬
‫العصور‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1111 ،‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ -01‬الخالدي محمود‪ ،‬نظام الشورى في اإلسالم‪ ،‬الرسالة الحديثة‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪.‬‬
‫‪ -03‬أبو المعاطي أبو الفتوح‪ ،‬حتمية الحل اإلســالمي‪ ،‬تأمالت في النظام الســياســي‪ ،‬الش ـهاب‪،‬‬
‫الج ائر‪.1111 ،‬‬
‫‪ -02‬محمد مهني العلي‪ ،‬اإلدارة في اإلسالم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الج ائر‪.1111 ،‬‬
‫‪ -02‬يدان عبد الكريم‪ ،‬نظام القضاء في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.1112،‬‬
‫‪ -08‬فخري أبو صفية‪ ،‬طرق اإلثبات في القضاء اإلسالمي‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪.‬‬
‫‪ -01‬فخري أبو صفية‪ ،‬اإلكراو في القضاء اإلسالمي‪ ،‬الشهاب‪ ،‬الج ائر‪.1187 ،‬‬
‫‪ -13‬بوضياف عمار‪ ،‬السلطة القضائية بين الشريعة والقانون‪ ،‬دار الريحانة‪ ،‬الج ائر‪.7331،‬‬

‫‪123‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫رقم الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫‪1‬‬ ‫مدخل عام لمادة تاريخ النظم القانونية‬
‫‪13‬‬ ‫المحور األول‪ :‬تطور النظم القانونية في حضارة ما بين النهرين‬
‫‪13‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬المجموعات القانونية المي وبوتامية كأقدم القوانين المكتوبة‬
‫‪11‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬أقدم المجموعات القانونية التي وصلت إلينا غير كاملة‬

‫‪11‬‬ ‫أوال‪ :‬إصالحات أوروكاجينيا‬

‫‪17‬‬ ‫ثانيا‪ :‬قانون أورنامو‬

‫‪17‬‬ ‫ثالثا‪ :‬قانون لبت عشتر‬

‫‪17‬‬ ‫رابعا‪ :‬قانون أشنونا‬

‫‪10‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬النصوص القانونية التي وصلت إلينا كاملة قانون حمورابي‬

‫‪11‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مظاهر بعم النظم القانونية المي وبوتامية‬

‫‪11‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬تنظيم األسرة في قانون حمورابي‬

‫‪13‬‬ ‫أوال‪ :‬الـ واج‬

‫‪12‬‬ ‫ثانيا‪ :‬نظام اإلري‬

‫‪18‬‬ ‫ثالثا‪ :‬نــظام التبـني‬

‫‪11‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬نظام الجرائم والعقوبات‬

‫‪11‬‬ ‫أوال‪ :‬الجـرائم ضـد األشـخاص‬

‫‪73‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الجـ ارئـم ضـد األمـوال‬

‫‪73‬‬ ‫المطلب الثالي‪ :‬عوامل تطور القانون في حضارة ما بين النهرين‬


‫‪73‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬ارتباط القانون بنظام الحكم‬

‫‪71‬‬ ‫أوال‪ :‬سياسيـا‬

‫‪124‬‬
‫‪77‬‬ ‫ثانيا‪ :‬إداريـا‬

‫‪77‬‬ ‫ثالثا‪ :‬قضائيــا‬

‫‪70‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬العوامل االجتماعية واالقتصادية‬

‫‪73‬‬ ‫الفرع الثالي‪ :‬العامل العقائدي‬

‫‪72‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬القيمة الحقوقية للقوانين التي عرفتها حضارة ما بين النهرين‬

‫‪72‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬النظ ــم القانوني ــة الرومانيـ ــة‬

‫‪72‬‬ ‫المبحي األول‪ :‬ظهور المجموعات القانونية الرومانية وتطورها‬

‫‪72‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مراحل تطور القانون الروماني‬

‫‪72‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬عصــر القانون القديم (‪ 72-231‬قبل الميالد)‬

‫‪78‬‬ ‫أوال‪ /‬نظام الحكم في مرحلة العهد القديم‬


‫‪01‬‬ ‫ثانيا‪ /‬النظام االقتصادي واالجتماعي في مرحلة العهد القديم‬

‫‪00‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬العصــر اإلمبراطوري (‪ 72‬قبل الميالد‪ 323 -‬ميالدي)‬

‫‪01‬‬ ‫أوال‪ /‬مرحلة اإلمبراطورية العليا‬

‫‪02‬‬ ‫ثانيا‪ /‬مرحلة اإلمبراطورية السفلى‬


‫‪02‬‬ ‫ثالثا‪ /‬مصير القانون الروماني‬
‫‪08‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تنوع مصادر القانون الروماني‬

‫‪08‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬العرف (‪ )Meres-Mejerum‬والدين‬

‫‪13‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التشريع‬

‫‪10‬‬ ‫الفرع الثالي‪ :‬الفقه‬

‫‪11‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬القانــون البريتوري‬

‫‪13‬‬ ‫أوال‪ /‬المنشور الدائم والطارل‬


‫‪13‬‬ ‫ثانيا‪ /‬اإلصالحات البريتورية‬
‫‪12‬‬ ‫الفرع الخامس‪ :‬قانون الشعوب‬
‫‪125‬‬
‫‪18‬‬ ‫المبحي الثاني‪ :‬مظاهر بعم النظم القانونية الرومانية‬

‫‪18‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬نظام األسرة والر‬

‫‪18‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬نظام الر‬

‫‪11‬‬ ‫أوال‪ /‬أسباب الر‬


‫‪31‬‬ ‫ثانيا‪ /‬تحسين حالة العبيد‪:‬‬
‫‪37‬‬ ‫ثالثا‪ /‬نظام العت‬
‫‪30‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬نظام األسرة‬

‫‪30‬‬ ‫أوال‪ /‬فكرة السلطة األبوية وتطورها‬


‫‪31‬‬ ‫ثانيا‪ /‬نظام ال واج‬
‫‪23‬‬ ‫ثالثا‪ /‬نظام التبني‬

‫‪21‬‬ ‫رابعا‪ /‬نظام االري‬

‫‪27‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬نظام األموال وااللت امات والتقاعد‬

‫‪27‬‬ ‫أوال‪ /‬األموال عند الرومان‬


‫‪20‬‬ ‫ثانيا‪ /‬االلت امات عند الرومان‬
‫‪21‬‬ ‫الفرع الثالي‪ :‬نظام الجرائم والعقوبات‬

‫‪21‬‬ ‫أوال‪ /‬نظام الجرائم والعقوبات قبل التدخل البريتوري‬


‫‪22‬‬ ‫ثانيا‪ /‬التدخل البريتوري وتطور نظام الجرائم والعقوبات‬
‫‪28‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬نظام المرافعات‬

‫‪28‬‬ ‫أوال‪ /‬مرحلة دعاوى القانون‬


‫‪21‬‬ ‫ثانيا‪ /‬المرافعات الكتابية (نظام دعاوى البرنامج)‬
‫‪23‬‬ ‫ثالثا‪ /‬المرافعات غير العادية (االستثنائية)‪:‬‬
‫‪27‬‬ ‫المحور الثالي‪ :‬نظم الشريعة والحضارة اإلسالمية‬

‫‪27‬‬ ‫المبحي األول‪ :‬اإلطـار العام للتشريـع اإلسالمـي‬

‫‪20‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬نشأة الدولة اإلسالمية‬

‫‪126‬‬
‫‪20‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬البيئـة العامة للمجتمع اإلنساني قبل الجاهليـة‬

‫‪20‬‬ ‫أوال‪ /‬العالم قبل مجيء اإلسالم‬

‫‪22‬‬ ‫ثانيا‪ /‬العرب قبل مجيء اإلسالم‬

‫‪83‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬البعثة المحمدية وتكوين نواة الدولة اإلسالمية‬

‫‪83‬‬ ‫أوال‪ /‬بيعتي العقبة‬


‫‪81‬‬ ‫ثانيا‪ /‬الهجرة النبوية‬

‫‪87‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص التشريع اإلسالمي ومصادره‬

‫‪80‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬خصائص التشريع اإلسالمي ومقاصده‬

‫‪81‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬مصادر التشريع اإلسالمي‬

‫‪88‬‬ ‫المبحي الثاني‪ :‬التنظيم السياسي واإلداري والمالي للدولة اإلسالمية‬

‫‪81‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬نظام الحكم‬

‫‪81‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬مبادل نظام الحكم في اإلسالم‬

‫‪81‬‬ ‫أوال‪ /‬الشورى‬

‫‪13‬‬ ‫ثانيا‪ /‬الدولة اإلسالمية ذات سيادة مقيدة في إطار الشرع‬

‫‪10‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬ممارسة الحكم في الدولة اإلسالمية‬

‫‪10‬‬ ‫أوال‪ :‬منصب رئيس الدولة (الحاكم أو اإلمام)‬

‫‪11‬‬ ‫ثانيا‪ :‬شروط وصفات رئيس الدولـة (الحاكم أو اإلمام)‬

‫‪13‬‬ ‫ثالثا‪ :‬سلطات الحاكم وواجباته‬

‫‪12‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬المصالح اإلدارية والمالية للدولة اإلسالمية‬

‫‪12‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬المصالح اإلدارية‬

‫‪12‬‬ ‫أوال‪ /‬الدواوين‬

‫‪18‬‬ ‫ثانيا‪ /‬الشرطة‬

‫‪127‬‬
‫‪18‬‬ ‫ثالثا‪ /‬اإلمارة‬

‫‪18‬‬ ‫رابعا‪ /‬الكتابة والحجابة‬

‫‪11‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬المصالح المالية واالقتصادية‬

‫‪11‬‬ ‫أوال‪ :‬المبادل التي تبنى عليها المصالح المالية واالقتصادية اإلسالمية‬

‫‪133‬‬ ‫ثانيا‪ :‬بيت المال‬

‫‪137‬‬ ‫المبحي الثالي‪ :‬مظاهـر بعم التشريعات اإلسالمية وحمايتها القضائية‬

‫‪137‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مظاهر بعم التشريعات اإلسالمية‬

‫‪137‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬تشريعات األسرة ومسألة العبيد‬

‫‪137‬‬ ‫أوال‪ :‬مبادل تشريعات األسرة‬

‫‪130‬‬ ‫ثانيا‪ /‬نظـام الـر‬

‫‪133‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬نظام الجرائم والعقوبات‬

‫‪133‬‬ ‫أوال‪ /‬جرائم الحدود‬

‫‪113‬‬ ‫ثانيا‪ /‬جرائم القصاص والدية‬

‫‪111‬‬ ‫ثالثا‪ /‬جرائم التعا ير‬

‫‪110‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬النظم القضائية في الشريعة اإلسالمية‬

‫‪110‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬مفهوم القضاء وتوليه في الشريعة اإلسالمية‬

‫‪113‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬لمحة وجي ة عن تطور القضاء في العهد اإلسالمي‬

‫‪112‬‬ ‫أوال‪ /‬القضاء العادي‬

‫‪118‬‬ ‫ثانيا‪ :‬النظم القضائية االستثنائية‬

‫‪171‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪171‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪128‬‬

You might also like