Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 70

‫عمر المختار‬

‫د‪ .‬علي حممد الصالبي‬


‫نشأته كأعماله‬
‫اكالن‪ :‬مولدق كنسبه كنشأته كشيوخه‬
‫كلد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين صالحين عاـ ‪1862‬ـ(‪ )1‬كقيل ‪1858‬ـ‪ ،‬ككاف كالدق مختار بن عمر من‬
‫قبيلة المنفة من بيت فرحات ككاف مولدق بالبطناف في الجبل األخضر‪ ،‬كنشأ كترعرع في بيت عز ككرـ‪ ،‬تحيط به‬
‫شهامة المسلمين كأخبلقهم الرفيعة‪ ،‬كصفاتهم الحميدة التي استمدكها من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على‬
‫كتاب اهلل كسنة رسوله ‪. ‬‬
‫توفي كالدق في رحلته إلى مكة ألداء فريضة الحج‪ ،‬فعهد كهو في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني‬
‫(شقيق شيخ زاكية جنزكر الواقعة شرؽ طبرؽ) بأف يبلغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية كلديه عمر كمحمد‪ ،‬كتولى الشيخ‬
‫حسين الغرياني رعايتهما محققان رغبة كالدهما‪ ،‬فأدخلهما مدرسة القرآف الكريم بالزاكية‪ ،‬ثم الحق عمر المختار بالمعهد‬
‫الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء األخواف كالقبائل األخرل(‪.)2‬‬
‫لقد ذاؽ عمر المختار ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬مرارة اليتم في صغرق‪ ،‬فكاف هذا من الخير الذم أصاب قلبه الملئ باإليماف كحب‬
‫اهلل كرسوله ‪ ‬حيث التجأ إلى اهلل القوم العزيز في أمورق كلها‪ ،‬كظهر منه نبوغ منذ صباق مما جعل شيوخه يهتموف‬
‫به في معهد الجغبوب الذم كاف منارة للعلم‪ ،‬كملتقى للعلماء‪ ،‬كالفقهاء كاألدباء كالمربين الذين كانوا يشرفوف على‬
‫تربية كتعليم كإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدكهم لحمل رسالة اإلسبلـ الخالدة‪ ،‬ثم يرسلوهم بعد سنين‬
‫عديدة من العلم كالتلقي كالتربية إلى مواطن القبائل في ليبيا كافريقيا لتعليم الناس كتربيتهم على مبادئ اإلسبلـ‬
‫كتعاليمه الرفيعة كمكث في معهد الجغبوب ثمانية أعواـ ينهل من العلوـ الشرعية المتنوعة كالفقه‪ ،‬كالحديث‬
‫ك التفسير كمن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم‪ ،‬السيد الزركالي المغربي‪ ،‬كالسيد الجواني‪ ،‬كالعبلمة فالح بن محمد‬
‫بن عبداهلل الظاهرم المدني كغيرهم كثير‪ ،‬كشهدكا له بالنباهة كرجاحة العقل‪ ،‬كمتانة الخلق‪ ،‬كحب الدعوة‪ ،‬ككاف يقوـ‬
‫بما عليه من كاجبات عملية أسوة بزمبلئه الذين يؤدكف أعماالن مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم ككاف‬
‫مخلصان في عمله متفانيان في أداء ماعليه كلم يعرؼ عنه زمبلؤق أنه أجل عمل يومه إلى غدق كهكذا اشتهر بالجدية‬
‫كالحزـ كاالستقامة كالصبر‪ ،‬كلفتت شمائله أنظار أساتذته كزمبلئه كهو لم يزؿ يافعان‪ ،‬ككاف األساتذة يبلغوف اإلماـ‬
‫محمد المهدم أخبار الطلبة كأخبلؽ كل كاحد منهم‪ ،‬فأكبر السيد محمد المهدم في عمر المختار صفاته كما يتحلى به من‬
‫خبلؿ(‪ ، )3‬كأصبح على إلماـ كاسع بشئوف البيئة التي تحيط به كعلى جانب كبير في اإلدراؾ بأحواؿ الوسط الذم‬
‫يعيش فيه كعلى معرفة كاسعة با ألحداث القبلية كتاريخ كقائعها كتوسع في معرفة األنساب كاالرتباطات التي تصل‬
‫هذق القبائل بعضها ببعض‪ ،‬كبتقاليدها‪ ،‬كعاداتها‪ ،‬كمواقعها‪ ،‬كتعلم من بيئته التي نشأ فيها كسائل فض الخصومات‬
‫البدكية كمايتطلبه الموقف من آراء كنظريات‪ ،‬كما أنه أصبح خبير بمسالك الصحراء كبالطرؽ التي كاف يجتازها من برقة‬
‫إلى مصر كالسوداف في الخارج كإلى الجغبوب كالكفرة من الداخل‪ ،‬ككاف يعرؼ أنواع النباتات كخصائصها على مختلف‬
‫أنواعها في برقة‪ ،‬ككاف على دراية باألدكاء التي تصيب الماشية ببرقة كمعرفة بطرؽ عبلجها نتيجة للتجارب المتوارثة‬
‫عند البدك كهي اختبارات مكتسبة عن طريق التجربة الطويلة‪ ،‬كالمبلحظة الدقيقة‪ ،‬ككاف يعرؼ سمة كل قبيلة‪ ،‬كهي‬
‫السمات التي توضع على اإلبل كاألغناـ كاألبقار لوضوح ملكيتها ألصحابها‪ ،‬فهذق المعلومات تدؿ على ذكاء عمر المختار‬
‫كفطنته منذ شبابه(‪.)4‬‬

‫ثانيان‪:‬كصف عمر المختار ‪:‬‬


‫كاف عمر المختار متوسط القامة يميل إلى الطوؿ قليبلن‪ ،‬كلم يكن بالبدين الممتلئ أك النحيف الفارغ‪ ،‬أجش الصوت‬
‫بدكم اللهجة‪ ،‬رصين المنطق‪ ،‬صريح العبارة‪ ،‬اليمل حديثه‪ ،‬متزف في كبلمه‪ ،‬تفتر ثناياق أثناء الحديث عن ابتسامة بريئة‪،‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬د‪ .‬ادس‪٠‬س اٌذش‪٠‬ش‪ ،ٞ‬ص‪.65‬‬


‫( ) أظش ‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫أك ضحكة هادئة إذا ما اقتضاها الموقف‪ ،‬كثيف اللحية كقد أرسلها منذ صغرق‪ ،‬تبدك عليه صفات الوقار كالجدية في‬
‫العمل‪ ،‬كالتعقل في الكبلـ كالثبات عند المبدأ كقد أخذت هذق الصفات تتقدـ معه بتقدـ السن(‪.)1‬‬

‫ثالثان‪ :‬تبلكته للقرآف الكريم كعبادته‪:‬‬


‫كاف عمر المختار شديد الحرص على أداء الصلوات في أكقاتها ككاف يقرأ القرآف يوميان‪ ،‬فيختم المصحف الشريف كل‬
‫سبعة أياـ منذ أف قاؿ له االماـ محمد المهدم السنوسي ياعمر (كردؾ القرآف) كقصة ذلك كما ذكرها محمد الطيب‬
‫األشهب‪ ،‬أنه استأذف في الدخوؿ على االماـ محمد المهدم من حاجبه محمد حسن البسكرم في موقع بئر السارة الواقع‬
‫في الطريق الصحراكم بين الكفرة كالسوداف كعندما دخل على المهدم تناكؿ مصحفان كاف بجانبه كناكله للمختار كقاؿ ‪:‬‬
‫هل لك شيء آخر تريدق فقلت له ياسيدم أف الكثيرين من األخواف يقرأكف أكرادان معينة من األدعية كالتضرعات‬
‫أجزتوهم قراءتها كأنا ال أقرأ إال األكراد الخفيفة عقب الصلوات فأطلب منكم اجازتي بما تركف فأجابني ‪ ‬بقوله‪( :‬ياعمر‬
‫كردؾ القرآف) فقبلت يدق كخرجت أحمل هذق الهدية العظيمة (المصحف) كلم أزؿ بفضل اهلل احتفظ بها في حلي‬
‫كترحالي كلم يفارقني مصحف سيدم منذ ذلك اليوـ كصرت مداكمان على القراءة فيه يوميان ألختم السلكة كل سبعة‬
‫اياـ ‪ ،‬كسمعت من شيخنا سيدم احمد الريفي أف بعض كبار األكلياء يداكـ على طريقة قراءة القرآف مبتدئان (بالفاتحة)‬
‫الى (سورة المائدة) ثم الى (سورة يونس) ‪ ،‬ثم الى (سورة االسراء) ثم الى (سورة الشعراء) ‪ ،‬ثم الى (سورة‬
‫الصافات) ثم الى (سورة ؽ) ثم الى آخر السلكة كمنذ ذلك الحين كأنا أقرأ القرآف من المصحف الشريف بهذا‬
‫الترتيب(‪.)2‬‬
‫إف المحافظة على تبلكة القرآف كالتعبد به تدؿ على قوة االيماف‪ ،‬كتعمقه في النفس‪ ،‬كبسبب االيماف العظيم الذم‬
‫تحلى به عمر المختار انبثق عنه صفات جميلة‪ ،‬كاالمانة كالشجاعة‪ ،‬كالصدؽ‪ ،‬كمحاربة الظلم‪ ،‬كالقهر‪ ،‬كالخنوع كقد تحلى‬
‫هذا االيماف في حرصه على أداء الصلوات في أكقاتها قاؿ تعالى‪{ :‬إف الصبلة كانت على المؤمنين كتابان موقوتا}‬
‫ككاف يتعبد المولى عز كجل بتنفيذ أكامرق كيسارع في تنفيذها ككاف كثير التنفل في أكقات الفراغ‪ ،‬ككاف قد ألزـ‬
‫نفسه بسنة الضحى ككاف محافظان على الوضوء حتى في غير أكقات الصبلة‪ ،‬كمما يركل عنه أنه قاؿ‪ :‬ال أعرؼ إنني‬
‫قابلت أحدان من السادة السنوسية كأنا على غير كضوء منذ شرفني اهلل باالنتساب إليهم(‪.)3‬‬
‫لقد كاف هذا العبد الصالح يهتم بزادق الركحي اليومي بتبلكة القرآف الكريم‪ ،‬كقياـ الليل كاستمر معه هذا الحاؿ حتى‬
‫استشهادق‪.‬‬
‫فهذا المجاهد محمود الجهمي الذم حارب تحت قيادة عمر المختار كصاحبه كثيران‪ ،‬يذكر في مذكراته أنه كاف يأكل‬
‫معه كيناـ معه في مكاف كاحد كيقوؿ‪( :‬لم أشهد قط أنه ناـ لغاية الصباح‪ ،‬فكاف يناـ ساعتين اك ثبلثان على أكثر‬
‫تقدير‪ ،‬كيبقى صاحيان يتلو القرآف الكريم‪ ،‬كغالبان مايتناكؿ االبريق كيسبغ الوضوء بعد منتصف الليل كيعود الى تبلكة‬
‫القرآف ‪ ،‬لقد كاف على خلق عظيم يتميز بميزات التقول كالورع‪ ،‬كيتحلى بصفات المجاهدين األبرار‪.)4()....‬‬
‫كأما االستاذ محمد الطيب االشهب فقد قاؿ ‪( :‬كقد عرفته معرفة طيبة كقد مكنتني هذ المصاحبة من االحتكاؾ‬
‫به مباشرة‪ ،‬فكنت أناـ بخيمته كالى جانبه كأهم ماكنت امقته منه رحمه اهلل كأنا كقت ذاؾ حديث السن هو أنه‬
‫اليتركنا أف نناـ إذ يقضي كل ليلة يتلو القرآف كيقوـ مبكران فيأمرنا بالوضوء بالرغم عما نبلقيه من شدة البرد كمتاعب‬
‫السفر‪.)5()...‬‬
‫ككأني أراق من خلف السنين كهو قائم يصلي هلل رب العالمين في كدياف كجباؿ ككهوؼ الجبل األخضر كقد التف‬

‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.28‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.28،29‬‬
‫( ) أظش‪ِ :‬زوشاث ِجا٘ذ‪ِ ،‬ذّ‪ٛ‬د اٌج‪ِ ،ّٟٙ‬ذّذ ِٕاع‪.‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪.‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌؼشب‪١‬ت ‪ ،‬ص‪.439‬‬
‫بجردق االبيض في ظلمة الليل البهيم كهو يتلو كتاب اهلل بصوت حزين‪ ،‬كتنحدر الدموع على خدكدق من خشية العزيز‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫قاؿ تعالى‪ { :‬إف الذين يتلوف كتاب اهلل كأقاموا الصبلة كأنفقوا مما رزقناهم سران كعبلنية يرجوف تجارة لن تبور}‬
‫(سورة فاطر ‪ ،‬اآلية )‪.‬‬
‫لقد كصى رسوؿ اهلل ‪ ‬ابا ذر بذلك فقاؿ‪( :‬عليك بتبلكة القرآف فإنه نور لك في األرض كذخر لك في السماء)‬
‫كقد حذر الرسوؿ الكريم من هجر القرآف فقاؿ‪( :‬إف الذم ليس في جوفه شيء من القرآف كالبيت ال َخِربْ)(‪.)1‬‬
‫قاؿ الشاعر‪:‬‬
‫قم في الدجى كاتل الكتاب‬
‫كال تنم إال كنومة حائر كلهػػػػػػاف‬
‫فلربما تأتي المنية بغتة‬
‫فتساؽ من فرش الى االكفػػػػاف‬
‫ياحبذا عيناف في غسق الدجى‬
‫من خشية الرحمن باكيتػػػػػػػػػػػػاف‬
‫اعرض عن الدنيا الدنيئة زاهدان‬
‫فالزهد عند أكلى النهى زهػػػػػػداف‬
‫زهد عن الدنيا كزهد في الثناء‬
‫(‪)2‬‬
‫طوبى لمن أمسى له الزهػػػػػػػػداف‬
‫إف من اسباب الثبات التي تميز به عمر المختار حتى اللحظات األخيرة من حياته إدمانه على تبلكة القرآف الكريم‬
‫كالتعبد به كتنفيذ أحكامه‪ ،‬ألف القرآف الكريم مصدر تثبيت كهداية كذلك لما فيه من قصص األنبياء مع أقوامهم ‪ ،‬كلما‬
‫فيه من ذكر مآؿ الصالحين‪ ،‬كمصير الكافرين كالجاحدين كأكليائه بأساليب متعددة(‪.)3‬‬
‫لقد كاف عمر المختار يتلوا القرآف الكريم بتدبر كإيماف عظيم فرزقه اهلل الثبات كهداق طريق الرشاد كلقد صاحبه حاله‬
‫في التبلكة حتى النفس األخير‪ ،‬كهو يساؽ الى حبل المشنقة كهو يتلو قوله تعالى ‪{:‬يا أيتها النفس المطمئة ارجعي‬
‫الى ربك راضية مرضية}(‪( )4‬سورة الفجر)‪.‬‬

‫رابعان‪ :‬شجاعته ككرمه‪:‬‬


‫إف هذق الصفة الجميلة تظهر في سيرة عمر المختار منذ شبابه الباكر ففي عاـ ‪1311‬هػ (‪1894‬ـ) تقرر سفر‬
‫عمر المختار على رأس كفد الى السوداف يضم كل من السيد خالد بن موسى‪ ،‬كالسيد محمد المسالوسي ‪ ،‬كقرجيله‬
‫المجبرم كخليفة الدبار الزكم احد اعضاء زاكية كاك بفزاف (كهو الذم ركل القصة) كفي الكفرة كجد الوفد قافلة من التجار‬
‫من قبيلتي الزكية كالمجابرة ‪ ،‬كتجار آخرين من طرابلس كبنغازم تتأهب للسفر الى السوداف‪ ،‬فانضم الوفد الى هؤالء‬
‫التجار الذين تعودكا السير في الطرؽ الصحراكية ‪ ،‬كلهم خبرة جيدة بدركبها كعندما كصل المسافركف الى قلب الصحراء‬
‫بالقرب من السوداف قاؿ بعض التجار الذين تعودكا المركر من هذا الطريق إننا سنمر بعد كقت قصير بطريق كعر ال‬
‫مسلك لنا غيرق كمن العادة ‪ -‬إال في القليل النادر‪ -‬يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناؾ‪،‬‬
‫كتعودت القوافل أف تترؾ له بعيران كما يترؾ االنساف قطعة اللحم الى الكبلب أك القطط‪ ،‬كتمر القوافل بسبلـ كاقترح‬

‫( ) س‪ٚ‬اٖ اٌبخاس‪.ٞ‬‬
‫( ) أظش‪ٔٛٔ :‬س‪١‬ت اٌمذطأ‪ ،ٟ‬ص‪.42‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌثباث ‪ ،‬د‪ِ .‬ذّذ بٓ دسٓ ػم‪ ،ً١‬ص‪.12‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.159‬‬
‫بل‪( :‬إف‬‫المتحدث أف يشترؾ الجميع في ثمن بعير هزيل كيتركونه لبلسد عند خركجه‪ ،‬فرفض عمر المختار بشدة قائ ن‬
‫االتاكات التي كاف يفرضها القوم منا على الضعيف بدكف حق أبطلت فكيف يصح لنا أف نعيد اعطاءها للحيواف إنها‬
‫عبلمة الهواف كالمذلة‪ .‬إننا سندفع االسد بسبلحنا اذا ما اعترض طريقنا) كقد حاكؿ بعض المسافرين أف يثنيه عن‬
‫عزمه‪ ،‬فرد عليهم قائبلن‪ :‬أنني أخجل عندما أعود كأقوؿ أنني تركت بعيران الى حيواف اعترض طريقي كأنا على استعداد‬
‫لحماية ما معي ككلكم راع ككلكم مسؤكؿ عن رعيته إنها عادة سيئة يجب أف نبطلها ‪ ،‬كما كادت القافلة تدنو من‬
‫الممر الضيق حتى خرج االسد من مكانه الذم اتخذق على احدل شرفات الممر فقاؿ أحد التجار كقد خاؼ من هوؿ المنظر‬
‫كارتعشت فرائصه من ذلك‪ :‬أنا مستعد أتنازؿ عن بعير من بعائرم كال تحاكلوا مشاكسة األسد‪ ،‬فانبرل عمر المختار‬
‫ببندقيته ككانت من النوع اليوناني كرمى االسد بالرصاصة االكلى فأصابته كلكن في غير مقتل كاندفع االسد يتهادل‬
‫نحو القافلة فرماق بأخرل فصرعته‪ ،‬كأصر عمر المختار على أف يسلخ جلدق ليراق أصحاب القوافل فكاف له ما أرد(‪.)1‬‬
‫إف هذق الحادثة ت دلنا على شجاعة عمر المختار كقد تناكلتها المجالس يومذاؾ بمنتهى االعجاب كقد سأؿ االستاذ‬
‫محمد الطيب االشهب عمر المختار نفسه عن هذق الحادثة في معسكر المغاربة بخيمة السيد محمد الفائدم عن هذق‬
‫الواقعة فأجاب بقوله‪ :‬تريدني ياكلدم أف أفتخر بقتل صيد قاؿ لي ما قاله قديمان أحد األعراب لمنافسه كقد قتل أسدنا‬
‫(أتفتخر عليّ بانك قتلت حشرة) كامتنع عمر المختار بقوؿ اهلل تعالى ‪{ :‬كما رميت إذ رميت كلكن اهلل رمى} (سورة‬
‫االنفاؿ)‪.‬‬
‫إف جواب عمر المختار بهذق اآلية الكريمة يدؿ على تأثرق العميق بالقرآف الكريم‪ ،‬ألنه تعلم أف أهل االيماف كالتوحيد‬
‫في نظرتهم العميقة لحقيقة الوجود‪ ،‬كتطلعهم الى اآلخرة ينسبوف الفضل الى العزيز الوهاب سبحانه كتعالى‪،‬‬
‫كيتخلصوف من حظوظ نفوسهم‪ ،‬فهو الذم مرّ كثيران على دعاء نبي اهلل يوسف عليه السبلـ‪{ :‬رب قد آتيتني من‬
‫الملك كعلمتني من تأكيل األحاديث فاطر السموات كاالرض أنت كلي في الدنيا كاآلخرة توفني مسلمان كالحقني‬
‫بالصالحين} (سورة يوسف‪ :‬اآلية ‪.)101‬‬
‫كهو الذم تعلم من سيرة ذم القرنين هذا المعنى الرفيع كالذم البد من كجودق في الشخصية القيادية الربانية في‬
‫قوله تعالى‪{ :‬هذا رحمة من ربي‪( }....‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪ ،)98‬فعندما بنى السد ‪ ،‬كرفع الظلم ‪ ،‬كاعاف‬
‫المستضعفين نسب الفضل الى ربه سبحانه كتعالى‪.‬‬
‫إف عمر المختاركاف صاحب قلب موصوؿ باهلل تعالى‪ ،‬فلم تسكرق نشوة النصر‪ ،‬كحبلة الغلبة بعد ما تخلص من‬
‫االسد االسطورة كازاح الظلم كقهر التعدم بل نسب الفضل الى خالقه كلذلك أجاب سائله بقوله تعالى‪{ :‬كما رميت‬
‫إذ رميت كلكن اهلل رمى} (سورة االنفاؿ‪ ،‬اآلية ‪. )17‬‬
‫إف صفة الشجاعة ظهرت في شخصية عمر المختار المتميزة في جهادق في تشاد ضد فرنسا‪ ،‬كفي ليبيا ضد ايطاليا‬
‫كيحفظ لنا التاريخ هذق الرسالة التي ارسلها عمر المختار ردان على رسالة من الشارؼ الغرياني الذم أكرهته ايطاليا‬
‫ليتوسط لها في الصلح مع عمر المختار كايقاؼ الحرب‪.‬‬
‫(قاؿ بعد البسملة كالتصلية على رسوؿ اهلل القائل أف الجنة تحت ظبلؿ السيوؼ‪.‬‬
‫الى أخينا سيدم الشارؼ بن أحمد الغرياني حفظه اهلل كهداق‪ ،‬سبلـ اهلل عليكم كرحمته كبركاته كمغفرته كمرضاته‪.‬‬
‫نعلمكم أف إيطاليا إذ ا أرادت أف تبحث معنا في أم موضوع تعتقد أنه يهمها كيهمنا فما عليها إال أف تتصل بصاحب‬
‫األمر كموالق سيدم السيد محمد إدريس ابن السيد محمد المهدم ابن السيد محمد السنوسي رضي اهلل عنهم جميعان‪،‬‬
‫فهو الذم يستطيع قبوؿ البحث معهم أك رفضه‪ ،‬كأنتم ال تجهلوف هذا بل كتعرفوف إذا شئتم أكثر من هذا كمكاف‬
‫سيدم إدريس في مصر معركؼ عندكم كأما أنا كبقية االخواف المجاهدين ال نزيد عن كوننا جند من جنودق النعصي له‬
‫أمران كنرجو من اهلل سبحانه كتعالى أف اليقدر علينا مخالفته فنقع فيما النريد الوقوع فيه حفظنا اهلل كإياكم من الزلل‬
‫نحن ال حاجة عندنا إال مقاتلة أعداء اهلل كالوطن كأعدائنا كليس لنا من االمر شيء إذا ما أمرنا سيدنا ككلى نعمتنا رضي‬
‫اهلل عنه كنفعنا به بوقف القتاؿ نوقفه كإذا لم يأمرنا بذلك فنحن كاقفوف عند ما أمرنا به كال نخاؼ طيارات العدك‬
‫كمدافعه كدباباته كجنودق من الطلياف كالحبش كالسبايس المكسرين (هؤالء اآلخرين هم المجندكف من بعض الليبيين)‬
‫كال نخاؼ حتى من السم الذم كضعوق في اآلبار كبخوا به الزركع النابتة في األرض نحن من جنود اهلل كجنودق هم‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.39،40‬‬


‫الغالبوف كنحن ال نريد لكم مايدفعكم إليه النصارل كظننا بكم خير كاهلل يوفقنا كيهدينا كإياكم الى سبل الرشاد كإلى‬
‫خدمة المسلمين كرضاء سيدنا رضي اهلل عنه كسبلـ االسبلـ على من تبع االسبلـ‪.‬‬
‫‪ 13‬ربيع الثاني ‪1344‬هػ‬
‫نائب المنطقة الجبلية عمر المختار(‪)1‬‬
‫كمحل الشاهد من هذق الرسالة قوله‪( :‬كال نخاؼ طيارات العدك كمدافعه كدباباته كجنودق من الطلياف كالحبش‬
‫كالسبايس ‪ ،‬كال نخاؼ حتى من السم الذم كضعوق في اآلبار ككضعوق على الزركع النابتة في األرض نحن من جنود اهلل‬
‫كجنودق هم الغالبوف)‪.‬‬
‫إف صفة الشجاعة مبلزمة لصفة الكرـ‪ ،‬كما أف الجبن كالبخل ال يفترقاف كلقد حفظ لنا التاريخ عبارة جميلة كاف‬
‫يرددها عمر المختار بين ضيوفه ‪( :‬اننا ال نبخل بالموجود كال نأسف لمفقود)‪.‬‬
‫لقد تضافرت نصوص الكتاب كالسنة بمدح الكرـ كاالنفاؽ كذـ البخل كاالمساؾ‪ ،‬قاؿ تعالى ‪{ :‬تتجافى جنوبهم‬
‫عن المضاجع يدعوف ربهم خوفان كطمعان كمما رزقناهم ينفقوف فبل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءن بما كانوا‬
‫يعملوف} (سورة السجدة‪ ،‬آية ‪.)16‬‬
‫لم تكن همة عمر المختار منصرفة الى جمع الماؿ كالثركة كالغنى كإف كاف قد كرث عن كالدق بعض الماشية إال أنه‬
‫تركها في رعاية بعض أقاربه في القبيلة كترؾ أرضه كموطنه منذ أف كاف عمرق ‪ 16‬عامان‪ ،‬ككاف طيلة فترة إقامته في‬
‫معهد الجغبوب تتكفل إدا رة المعهد بمصركفاته كبعد أف تزكج ككوّف أسرة أصبح مورد رزقه مايتحصل عليه من نتاج‬
‫الحيوانات القليلة كلم يكن يومان من األياـ متفرغان لجمع الماؿ‪ ،‬كإنما عاش للعلم كالدعوة كالجهاد‪ ،‬كانشغل عن جمع‬
‫االمواؿ كالثركات كقضى حياته فقيران مقتنعان بما رزقه اهلل من القناعة كالرضى بالكفاؼ ككاف يبذؿ مافي كسعة‬
‫لضيوفه كجنودق كينفق على أفراد جيشه ما اليخشى الفقر‪ ،‬كيقدـ إخوانه على نفسه كأصبح شعارق (إننا ال نبخل‬
‫بالموجود كال نأسف لمفقود)(‪.)2‬‬

‫خامسان‪ :‬الدعوة كالجهاد قبل االحتبلؿ االيطالي‪:‬‬


‫تفوؽ عمر المختار على اقرانه بصفات عدة منها‪ ،‬متانة الخلق‪ ،‬كرجاحة العقل‪ ،‬كحب الدعوة‪ ،‬ككصل أمرق الى الزعيم‬
‫الثاني للحركة السنوسية محمد المهدم السنوسي فقدمه على غيرق كاصطحبه معه في رحلته الشهيرة من الجغبوب‬
‫الى الكفرة عاـ ‪1895‬ـ كفي عاـ ‪1897‬ـ أصدر محمد المهدم قراران بتعيين عمر المختار شيخان لزاكية القصور بالجبل‬
‫األخضر قرب المرج‪ ،‬كقاـ عمر المختار بأعباء المهمة خير قياـ‪ ،‬فعلمّ الناس أمور دينهم‪ ،‬كساهم في فض النزعات بين‬
‫القبائل كعمل على جمع كلمتهم كسعى في مصالحهم ‪ ،‬كسار في الناس سيرة حميدة‪ ،‬فظهر في شخصيته أخبلؽ‬
‫الدعاة من حلم كتأني‪ ،‬كصبر‪ ،‬كرفق‪ ،‬كعلم ‪ ،‬كزهد‪.‬‬
‫كمما تجدر االشارة إليه أف كقوع االختيار عليه للقياـ بأمور هذق الزاكية كاف مقصودان من قبل قيادة الحركة‬
‫السنوسية حيث أف هذق الزاكية كانت في ارض قبيلة العبيد التي عرفت بقوة الشكيمة‪ ،‬كشدة المراس‪ ،‬فوفقه اهلل‬
‫في سياسة هذق القبيلة ‪ ،‬كنجح في قيادتها بفضل اهلل كبما أكدع اهلل فيه من صفات قيادية من حكمة كعلم كحلم‬
‫كصبر كاخبلص‪.‬‬
‫إف الفترة التي قضاها في زاكية القصور تدلنا كتشهد لنا على أعماله الجليلة ؛ كداعية رباني يدعو الى االسبلـ‬
‫كنشرق بالفكرة كاالقناع كاالرشاد التوجيه‪ ،‬فهو قمة شامخة في هذا المجاؿ‪ ،‬فهو لم يدخل مجاؿ الدعوة كاالرشاد إال‬
‫بعد أف تعلم من أمور دينه الكثير‪ ،‬فشق طريق الدعوة بزاد علمي‪ ،‬كثقافة متميزة‪ ،‬كتفوؽ ركحي‪ ،‬كرجاحة عقل‪ ،‬كقوة‬
‫حجة كرحابة صدر‪ ،‬كسماحة نفس لقد كاف حريصان على تعلم العلم كالعمل به كتعليمه كعندما زحف االستعمار الفرنسي‬
‫على مراكز الحركة السنوسية في تشاد‪ ،‬نظمت الحركة السنوسية نفسها كأعدت للجهاد عدتها‪ ،‬كاختارت من القادة‬

‫( ) أظش‪:‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫من هم أكلى بهذا العمل الجليل‪ ،‬فكاف عمر المختار من ضمنهم فقارع االستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية‬
‫المجاهدة في تشاد كبذؿ مافي كسعه حتى لفت االنظار الى حزمه كعزمه كفراسته كبعد نظرق كحسن قيادته فقاؿ‬
‫عنه محمد المهدم السنوسي‪( :‬لو كاف لدينا عشرة مثل المختار الكتفينا)(‪.)1‬‬
‫كبقي عمر المختار في تشاد يعمل على نشر االسبلـ كدعوة الناس كتربيتهم الى جانب جهادق ضد فرنسا‪ ،‬فحمل‬
‫الكتاب الذم يهدم بيد كالسيف الذم يحمي باليد االخرل‪ ،‬كظهرت منه شجاعة كبطولة كبسالة نادرة في الدفاع عن‬
‫ديار المسلمين‪ ،‬ككانت المناطق التي يتولى أمرها أمنع من عرين االسد‪ ،‬كال يخفى مافي ذلك من ادراؾ القيادم المسلم‬
‫لواجبه تجاق دينه كعقيدته كأمته(‪.)2‬‬
‫كعندما أصيبت األبل التي كانت تحمل االثقاؿ للمجاهدين بمرض الجرب‪ ،‬ككاف عددها ال يقل عن أربعة آالؼ بعير‬
‫ككانت تلك االبل هي قواـ الحياة بالنسبة للمجاهدين كاهتم السيد المهدم السنوسي بشأف عبلجها ككقع اختيارق على‬
‫عمر المختار ليكوف المسؤكؿ عن هذق المهمة التي شغلت باؿ المجاهدين‪ ،‬فأمرق بأف يذهب باالبل الى موقع (عين‬
‫كلك) نظران لوفرة مائه كلصبلحيته‪ ،‬ككاف على عمر المختار مهمة اخرل كهي االحتياط كالحرص الشديد كاتخاذ التدابير‬
‫البلزمة للدفاع‪ ،‬كاختار عمر المختار من المجاهدين مجموعة خيرة‪ ،‬كذهب لتنفيذ أمر القيادة ككاف توفيق اهلل له عظيمان في‬
‫مهمته العسيرة فناؿ أعجاب السيد المهدم(‪.)3‬‬
‫كفي عاـ ‪1906‬ـ رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل االخضر ليستأنف عمله في زاكية القصور‪،‬‬
‫كلكن ذلك لم يستمر طويبلن‪ ،‬فقد بدأت المعارؾ الضارية بين الحركة السنوسية كالبريطانيين في منطقة البردل‬
‫كمساعد كالسلوـ على الحدكد الليبية المصرية‪ .‬كلقد شهد عاـ ‪1908‬ـ أشد المعارؾ ضراكة كانتهت بضم السلوـ‬
‫الى األراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدكلة العثمانية‪ ،‬كعاد الشيخ عمر المختار الى زاكية القصور كبرزت‬
‫شخصيته بين زمبلئه مشايخ الزكايا‪ ،‬كبين شيوخ كأعياف القبائل‪ ،‬كلدل الدكائر الحكومية العثمانية‪ ،‬كظهرت مقدرته في‬
‫مهمته الجديدة بصورة تلفت النظر‪ ،‬كأصبح متميزان في حزمه في ادارة الزاكية كفي تعاكنه مع زمبلئه اآلخرين كفي‬
‫معالجته للمشاكل القبلية‪ ،‬كفي ميداف االصبلح العاـ مضربنا لبلمثاؿ‪.‬‬
‫ككانت تربطه صبلت شخصية مع عدد كبير من زعماء‪ ،‬كأعياف القبائل في برقة‪ ،‬ككذلك زعماء المدف‪ ،‬ككاف زعماء‬
‫البراعصة يحبوف عمر المختار حبان نابعان من قلوبهم في حين أنهم لم يكونوا من القبائل التابعة لزاكيته ÷ كارتبطت‬
‫عبلقاته االخوية مع شيوخ الزكايا كالسادة السنوسي األشهب شيخ زاكية مسوس‪ ،‬كعمراف السكورم شيخ زاكية المرج‪،‬‬
‫كعبد ربه بوشناؼ الشيخي‪ ،‬كالحسن الغمارم شيخ زاكية دريانه(‪.)4‬‬

‫سادسان‪ :‬الشيخ عمر المختار في معاركه األكلى ضد إيطاليا‪:‬‬


‫عندما اندلعت الحرب الليبية االيطالية عاـ ‪1911‬ـ كاف عمر المختار كقتها بواحة (جالو) خفّ مسرعان الى زاكية‬
‫(القصور) كامر بتجنيد كل من كاف صالحا نللجهاد من قبيلة العبيد التابعة لزكاية (القصور) ‪ ،‬فاستجابوا نداءق‪ ،‬كاحضركا‬
‫لوازمهم‪ ،‬كحضر أكثر من ألف مقاتل‪ ،‬ككاف عيد االضحى من نفس السنة الهجرية على األبواب أم لم يبق عنه إال ثبلثة‬
‫أياـ فقط‪ ،‬كلم ينتظر السيد عمر المختار عند أهله حتى يشاركهم فرحة العيد‪ ،‬فتحرؾ بجنودق كقضوا يوـ العيد في‬
‫الطريق ككانت الذبائح التي اكل المجاهدين من لحومها يوـ العيد من السيد عمر المختار شخصيان‪ ،‬ككصل المجاهدكف‬
‫كعلى راسهم عمر المختار كبرفقته احمد العيساكم الى موقع بنينه حيث معسكر المجاهدين الذم فرح بقدكـ نجدة عمر‬
‫المختار كرفقائه ثم شرعوا يهاجموف العدك ليبلن كنهاران ككانت غنائمهم من العدك تفوؽ الحصر(‪ )5‬كقد بينت دكر الزكايا‬

‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت اٌّسٍُ‪.‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.40،41‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫في جهادها ضد ايطاليا في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية كالذم سميته سيرة الزعمين محمد المهدم السنوسي ‪،‬‬
‫كأحمد الشريف‪.‬‬
‫كيذكر الشيخ محمد األخضر العيساكم بأنه كاف قريبان من عمر المختار في معركة السبلكم عاـ ‪1911‬ـ فوصف لنا‬
‫بعض احداث تلك المعركة فقاؿ‪..( :‬كقد فاجأنا العدك فقابله من المجاهدين الخيالة‪ ،‬بينما كاف العدك يضربنا بمدافعه‬
‫الرشاشة كاضطررنا للنزكؿ في مكاف منخفض مزركعان بالشعير ككانت السنابل تتطاير بفعل الرصاص المنهمر‪ ،‬فكأنها‬
‫تحصد بالمناجل‪ ،‬كبينما نحن كذلك إذ رأينا مكانان منخفضان أكثر من المكاف الذم نحن فيه‪ ،‬كأردنا أف يأكل إليه السيد عمر‬
‫المختار بسبب خوفنا عليه فرفض بشدة حتى جاءق احد أتباعه يدعى السيد األمين كدفعه بقوة الى المكاف الذم اخترناق‬
‫اليوائه كحاكؿ الخركج منه فمنعناق بصورة جماعية‪.)1()......‬‬
‫كما أشار الشيخ محمد األخضر الى إعجاب الضباط األتراؾ به كبشجاعته كباآلراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي‬
‫تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية عسكرية‪ ،‬ككاف قدكمه الى معسكرات المجاهدين مشجعان كباعثان للركح المعنوية في‬
‫قوة خارقة كقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها‬
‫األكلى ضد ايطاليا‪ ،‬ككاف عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي‪ ،‬كبعد هجرته الزـ عمر المختار األمير‬
‫محمد ادريس كقاـ بواجباته خير قياـ كبعد هجرة األمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل االخضر‪ ،‬كأخذ في‬
‫تهيئة النفوس لمجابهة العدك كبدأ جوالته في أنحاء المنطقة لبلتصاؿ باالهالي كزعمائهم‪ ،‬بل كباألفراد كخطوة اكلى‬
‫للعمل الجديد الشاؽ في نفس الوقت‪ ،‬كقاـ بفتح باب التطوع للجهاد‪ ،‬فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوق‬
‫مستبشرة كقلوب مطمئنة كتلهف على مجابهة العدك الغادر‪ ،‬ككانت ترافقه لجنة مكونة من أعياف كشيوخ قبائل‬
‫المنطقة (البراغيث‪ ،‬كالحرابي‪ ،‬كالمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم ككاف من بينهم ؛ بوشديق بومازؽ حدكث‪،‬‬
‫الصيفاط بوفركة‪ ،‬محمد بولقاسم جلغاؼ‪ ،‬حمد الصغير حدكث‪ ،‬دالؼ بوعبداهلل‪ ،‬محمد العلواني‪ ،‬سويكر عبدالجليل‪،‬‬
‫موسى بوغيضاف‪ ،‬الغرياني عبدربه بوشناؼ‪ ،‬عبداهلل الخرساني‪ ،‬عوض العبيدم‪ ،‬رجب بوسيحة‪ ،‬ركاؽ بودرماف‪ ،‬كريم بوراقي‬
‫‪ ،‬قطيط الحاسي‪ ،‬كغير هؤالء من علية القوـ‪ ،‬فزار أغلب منطق الجبل كالبطناف‪ ،‬ككاف سمو األمير قد كصل الى مصر‬
‫(يناير ‪1923‬ـ) كما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذق كيطمئن للنتائج حتى قرر االلتحاؽ بسمو االمير في مصر‬
‫ليعرض عليه نتيجة عمله كيتلقى منه التوجيهات البلزمة(‪.)2‬‬

‫سابعان‪ :‬سفرق الى مصر ‪:‬‬


‫سافر في شهر مارس سنة ‪1923‬ـ الى مصر بصحبة علي باشا العبيدم كترؾ رفقائه عند بئر الغبي حتى يعود‬
‫إليهم‪ ،‬كاستطاع اجتياز الحدكد المصرية كتمكن من مقابلة السيد ادريس بمصر الجديدة ‪ ،‬ككاف عمر المختار عظيم الوالء‬
‫للسنوسية كزعمائها كشيوخها كظهر ذلك الوالء في إقامته بمصر عندما حاكؿ جماعة من قبيلة المنفة كهي قبيلة‬
‫السيد عمر المختار‪ ،‬ككانوا قد اقاموا بمصر‪ ،‬أف يقابلوا السيد عمر للترحيب به‪ ،‬فاستفسر المختار قبل اف يأذف لهم بذلك‬
‫عما أذا كانوا قد سعوا لمقابلة األمير عند حضورق الى مصر‪ ،‬فلما أجاب هؤالء بالنفي معتذرين بأف أسبابان عائلية قهرية‬
‫منعتهم من تأدية هذا الواجب رفض المختار مقابلتهم قائبلن‪( :‬ككيف تظهركف لي العناية كتحضركف لمقابلتي كأنتم الذين‬
‫تركتم شيخي الذم هو كلي نعمتي كسبب خيرم‪ .‬أما كقد فعلتم ذلك فإني ال أسمح لكم بمقابلتي كال عبلقة من اآلف‬
‫بيني كبينكم)(‪.)3‬‬
‫فما إف بلغ السيد ادريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من أبناء قبيلته حتى أصدر امرق بمقابلتهم فامتثل‬
‫المختار المرق(‪.)4‬‬
‫حاكلت ايطاليا بواسطة عمبلئها بمصر االتصاؿ بالسيد عمر المختار كعرضت عليه بأنها سوؼ تقدـ له مساعدة إذا‬

‫( ) أظش ‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.6‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب ‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫ماتعهد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازم أك المرج‪ ،‬كمبلزمة بيته تحت رعاية كعطف ايطاليا‪ ،‬كأف حكومة ركما مستعدة‬
‫بأف تجعل من عمر المختار الشخصية االكلى في ليبيا كلها كتتبلشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتع‬
‫بمكانتها عن د ايطاليا في طرابلس كبنغازم‪ ،‬كإذا ما اراد البقاء في مصر فما عليه إال أف يتعهد بأف يكوف الجئان كيقطع‬
‫عبلقته بادريس السنوسي‪ ،‬كفي هذق الحالة تتعهد حكومة ركما باف توفر له راتبان ضخمان يمكنهّ من حياة رغدة‪ ،‬كهي‬
‫على استعداد أف يكوف االتفاؽ بصورة سرية كتوفير الضمانات لعمر المختار كيتم كل شيء بدكف ضجيج تطمينان لعمر‬
‫المختار كقد طلبت منه نصح االهالي باالقبلع عن فكرة القياـ في كجه ايطاليا(‪ ،)1‬كقد أكد عمر المختار هذا االتصاؿ‬
‫كهو في مصر لما سئل عن ذلك كقاؿ‪ :‬ثقوا أنني لم أكن لقمة طائبة يسهل بلعها على من يريد‪ ،‬كمهما حاكؿ أحد أف‬
‫يغير من عقيدتي كرأم كاتجاهي‪ ،‬فإف اهلل سيخيبه‪ ،‬كمن (طياح سعد) إيطاليا كرسلها هو جهلها بالحقيقة‪ .‬كأنا لم اكن‬
‫من الجاهلين كالموتورين فادعي أنني أقدر أعمل شيئان في برقة‪ ،‬كلست من المغركرين الذين يركبوف رؤسهم كيدعوف‬
‫أنهم يستطيعوف أف ينصحوا األهالي باالستسبلـ‪ ،‬انني أعيذ نفسي من أف أكوف في يوـ من االياـ مطية للعدك كأذنابه‬
‫فأدعوا األهالي بعدـ الحرب ضد الطلياف‪ ،‬كإذا السمح اهلل قدّر عليّ بأف أكوف موتوران فإف اهل برقة اليطيعوف لي امرنا‬
‫يتعلق بإلقاء السبلح إنني أعرؼ أف قيمتي في ببلدم إذا ماكانت لي قيمة أنا كأمثالي فأنها مستمدة من السنوسية(‪.)2‬‬
‫لقد استمرت عركض االيطاليين على عمر المختار حتى بعد رجوعه للببلد كحاكلوا استمالته بالماؿ الطائل‪ ،‬كالمناصب‬
‫الرفيعة ‪ ،‬كالجاق العريض في ظل حياة رغيدة ناعمة كلكنهم لم يفلحوا ‪ ،‬لقد كاف عمر المختار رجل عقيدة‪ ،‬كصاحب‬
‫دعوة كمؤمنان بفكرة استمدت اصولها كتصوراتها من كتاب اهلل تعالى كسنة نبيه ‪ ‬كيفهم جيدان معنى قوؿ اهلل‬
‫تعالى‪ { :‬من كاف يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصبلها مذمومان مدحوران كمن أراد‬
‫اآلخرة كسعى لها سعيها كهو مؤمن فأكلئك كاف سعيهم مشكوران} (االسراء ‪ ،‬اآلية )‪.‬‬
‫كعندما خرج السيد عمر المختار من مصر قاصدان برقة لمواصلة الجهاد اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودكف بمصر من‬
‫المتقدمين في السن كحاكلوا أف يثنوق عن عزمه بدعول أنه قد بلغ من الكبر عتيا كاف الراحة كالهدكء ألزـ له من أم‬
‫شيء آخر كأف باستطاعة السنوسية أف تجد قائدان غيرق لتزعم حركة الجهاد في برقة‪ ،‬فغضب عمر المختار غضبان شديدنا‬
‫ككاف جوابه قاطعان فاصبلن فقاؿ لمحدثيه‪ ( :‬إف كل من يقوؿ لي هذا الكبلـ ال يريد خيران لي ألف ما أسير فيه إنما هو‬
‫طريق خير كال ينبغي ألحد أف ينهاني عن سلوكها‪ ،‬ككل من يحاكؿ ذلك فهو عدك لي)(‪.)3‬‬
‫لقد كاف عمر المختار يعتقد اعتقادان راسخان أف ماكاف يقوـ به من الجهاد إنما هو فرض يؤديه ككاجب ديني المناص‬
‫منه كال محيد عنه كلذلك أخلص في عمله كسكناته كاحواله كأقواله لقضية الجهاد في ليبيا ككاف يكثر من الدعاء هلل‬
‫تعالى بأف يجعل موته في سبيل هذق القضية المباركة‪ ،‬فكاف يقوؿ‪( :‬اللهم اجعل موتي في سبيل هذق القضية‬
‫المباركة)(‪ ،)4‬كأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب كقاؿ‪( :‬ال أغادر هذا الوطن حتى أالقي كجه ربي كالموت أقرب‬
‫الى من كل شيء فإني أترقبه بالدقيقة)(‪.)5‬‬
‫كعندما عرض عليه أف يترؾ ساحة الجهاد‪ ،‬كيسافر الى الحج قاؿ ‪( :‬لن أذهب كلن أبرح هذق البقعة حتى يأتي رسل‬
‫ربي كاف ثواب الحج اليفوؽ ثواب دفاعنا عن الوطن كالدين كالعقيدة)(‪.)6‬‬
‫كقاؿ‪( :‬كل مسلم الجهاد كاجب عليه كليس منه‪ ،‬كليس لغرض اشخاص كإنما هو هلل كحدق)(‪.)7‬‬
‫إف هذق الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات تاريخنا المجيد نابعة من فهم عمر المختار لقوله تعالى‪:‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.56‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت ‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ ٌٍذسا‪ ،ٞٚ‬ص‪.36‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫{أجعلتم سقاية الحاج كعمارة المسجد الحراـ كمن آمن باهلل كاليوـ اآلخر كجاهد في سبيل اهلل اليستوكف عند اهلل كاهلل‬
‫اليهدم القوـ الظالمين‪‬الذين آمنوا كهاجركا كجاهدكا في سبيل اهلل باموالهم كأنفسهم أعظم درجة عند اهلل كأكلئك‬
‫هم الفائزكف يبشرهم ربهم برحمة منه كرضواف كجنات لهم فيها نعيم مقيم‪‬خالدين فيها أبدان إف اهلل عندق أجر‬
‫عظيم} (سورة التوبة‪ ،‬اآليات ‪.)20،21 ،29‬‬
‫كمن فهمه ألحاديث رسوؿ اهلل ‪( :‬من قاتل لتكوف كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل)(‪.)1‬‬
‫كلقوله ‪( :‬من قتل دكف ماله فهو شهيد‪ ،‬كمن قتل دكف دمه فهو شهيد‪ ،‬كمن قتل دكف دينه فهو شهيد‪،‬‬
‫كمن قتل دكف أهله فهو شهيد)(‪.)2‬‬
‫إف هذق اآليات الكريمة كاالحاديث الشريفة‪ ،‬كانت المنهج العقدم كالفكرم الذم تربت عليها كتائب المجاهدين‬
‫كقادتها الكراـ الذين تربوا في احضاف الحركة السنوسية‪.‬‬
‫تم االتفاؽ بي ن األمير ادريس كعمر المختار على تفاصيل الخطة التي يجب أف يتبعها المجاهدكف في جهادهم ضد‬
‫العدك الغاشم المعتدم على اساس تشكيل المعسكرات‪ ،‬كاختيار القيادة الصالحة لهذق االدكار‪ ،‬كأف تظل القيادة العليا‬
‫من نصيب عمر المختار نفسه كزكدق األمير بكتاب الى السيد الرضا بهذا المعنى كتم االتفاؽ على بقاء االمير في مصر‬
‫ليقود العمل السياسي‪ ،‬كيهتم بأمر المهاجرين كيضغط على الحكومة المصرية كاالنكليزية بالسماح للمجاهدين بااللتجاء‬
‫الى مصر‪ ،‬كيشرؼ على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر‪ ،‬كيرسل االرشادات كالتعليمات البلزمة الى‬
‫عمر المختار في الجبل كاتفق على أف يكوف الحاج التواتي البرعصي حلقة الوصل بين األمير كقائد الجهاد‪ ،‬كبعد ذلك‬
‫االتفاؽ غادر عمر المختار القاهرة‪ ،‬كعند كصوله الى السلوـ كجد بعض رفقائه في انتظارق‪ ،‬فأخذ الجميع حاجتهم من المؤف‬
‫الكافية لرحلتهم الى الجبل األخضر كغادركا السلوـ الى برقة(‪.)3‬‬
‫كقد حدث في أثناء كجود عمر المختار أف اشتبك المجاهدكف مع الطلياف في معركتين كبيرتين في بير ببلؿ كالبريقة‬
‫في ذم القعدة ‪1341‬هػ‪1923 /‬ـ ‪ ،‬فأنتصر المجاهدكف على الطلياف في معركة بير ببلؿ بقيادة المجاهد قجة‬
‫عبداهلل السوداني كاستشهد كل من المهدم الحرنة‪ ،‬كالشيخ نصر األعمى كغيرهم‪ ،‬كقد ساهم في هذق المعركة صالح‬
‫االطيوش‪ ،‬كالفضيل المهشهش ككانت نفقات المجاهدين في هذق المعركة على حساب الفضيل المهشهش ككقعة‬
‫معركة البريقة بعد بير ببلؿ بأربعة أياـ كاستشهد فيها من أبطاؿ الجهاد ابراهيم الفيل(‪.)4‬‬
‫كمع هذق االنتصارات إال أف الطلياف استطاعوا احتبلؿ اماكن للمجاهدين في برقة‪ ،‬كزحفوا على معسكر العواقير‬
‫بموقع البدين كبعد معركة شديدة كبدت الطرفين خسائر فادحة انسحب المعسكر الى اجدابية كاستمر الزحف االيطالي‬
‫يبلحق المجاهدين حتى اشتبك مع طبلئع معسكر المغاربة في الزكيتينه؛ كلم يطل الدفاع عنها حتى احتلها الطلياف‬
‫ككاصلوا زحفهم الى اجدابية حيث احتلوها في (ابريل ‪1923‬ـ)(‪.)5‬‬

‫ثامنان‪ :‬معركة بئر الغبي‪:‬‬


‫كانت عيوف ايطاليا تترصد حركة عمر المختار في عودته الى برقة كلكنها فشلت في اللقاء به قبل أف يصل الى‬
‫رفاقه كما كاد يصل الى بئر الغبي حتى فؤجئ بعدد من المصفحات االيطالية كإليك أحداث المعركة كما ركاها عمر‬
‫المختار بنفسه‪( :‬كنا النتجاكز الخمسين شخصان من المشايخ كالعساكر كبينما تجمع هؤالء حولنا لسؤالنا عن صحة سمو‬
‫االمير‪ ،‬ككنا صائمين رمضاف كإذا بسبعة سيارات ايطالية قادمة صوبنا فشعرنا بالقلق ألف مجيئها كاف محل استغرابنا‬
‫كمفاجأة لم نتوقعها‪ ،‬ككنا لم نسمع عن هجوـ الطلياف على المعسكرات السنوسية‪ ،‬كاحتبللهم اجدابية‪ ،‬فأخذنا نستعد‬

‫( ) س‪ٚ‬اٖ ِسٍُ‪.‬‬
‫( ) أظش‪ :‬صذ‪١‬خ سٕٓ اب‪ ٟ‬دا‪ٚ‬د ٌألٌبأ‪.ٟ‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.273‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.273،274‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫في هدكء كالسيارات تدنوا منا في سير بطيء فأراد علي باشا العبيدم أف يطلق الرصاص من بندقيته كلكنني منعته‬
‫قائبلن‪ :‬البد أف نتحقق قببلن من الغرض كنعرؼ شيئان عن مجيء هذق السيارات كي النكوف البادئين بمثل هذق الحوادث‬
‫كبينما نحن في أخذ كرد كإذا بالسيارات تفترؽ في خطة منظمة المراد منها تطويقنا‪ ،‬كشاهدنا المدافع الرشاشة مصوبة‬
‫نحونا فلم يبق هنا أم شك فيما يراد بنا فأمطرناهم كاببلن من رصاص بنادقنا‪ ،‬كإذا بالسيارات قد كلت االدبار الى منتجع‬
‫قريب منا كعادت بسرعة تحمل صوفا‪ ،‬كلما دنت منا توزعت توزيعان محكمان كأخذ الجنود ينزلوف كيضعوف األصواؼ‬
‫(الخاـ) أمامهم ليتحصنوا بها من رصاصنا(‪ )1‬كبادرنا بطلق األعيرة فأخذ علي باشا يولع سيجارة كقلت له رمضاف‬
‫ياعلي باشا منبهنا إياق للصوـ فأجابني قائبلن‪( :‬مو يوـ صياـ المنشرزاـ)(‪.)2‬‬
‫كفي أسرع مدة انجلت المعركة عن خسارة الطلياف كأخذت النار تلتهم السيارات إال كاحدة فرت راجعة‪ ،‬كغنمنا جميع‬
‫ماكاف معهم من األسلحة)(‪.)3‬‬
‫ثم استمر المجاهدكف في سيرهم حتى بلغوا الجبل االخضر ككصلوا الى زاكية القطوفية (مكاف معسكر المغاربة)‬
‫كقابلهم صالح االطيوش كالفضيل المهشهش‪ ،‬ككقف عمر المختار على تفاصيل معركة البريقة كحاؿ المجاهدين ثم‬
‫كاصل سيرق الى جالو مقر السيد محمد الرضا ليبلغ التعليمات التي أخذها من سمو االمير‪.‬‬
‫كبعد أف تم اللقاء بين عمر المختار كالسيد الرضا اتفقا على تنظيم حركة الجهاد كإنشاء المعسكرات في الجبل‬
‫االخضر كاقترح عمر المختار على الرضا أف يرسل ابنه الصديق الى معسكر المغاربة عند صالح االطيوش كمعسكر العواقير‬
‫بقيادة قجة عبداهلل السوداني‪ ،‬كهي معسكرات قريبة من بعضها ثم غادر عمر جالو الى الجبل االخضر كشرع في‬
‫تشكيل المعسكرات للمجاهدين ‪ ،‬كأنشئت معسكرات البراعصة كالعبيد كالحاسة‪ ،‬فاختار الرضا حسين الجويفي‬
‫البرعصي لقيادة البراعصة‪ ،‬كيوسف بورحيل المسمارم لمعسكر البراغيث كالفضيل بوعمر لمعسكر الحاسة كأصبح عمر‬
‫المختار القائد األعلى لتلك المعسكرات‪.‬‬
‫بل كمن غير هوداة حوالي ثمانية اعواـ‪.‬‬
‫كبدأ الجهاد الشاؽ كالطويل كاستمر متص ن‬
‫ككانت عامي ‪1924‬ـ‪1925 ،‬ـ قد شاهدت مناكشات عدة كمعارؾ دامية‪ ،‬ككسع المجاهدكف نشاطهم‬
‫العسكرم في الجبل االخضر كلمع اسم عمر المختار نجمه كقائد بارع يتقن اساليب الكر كالفر كيتمتع بنفوذ عظيم بين‬
‫القبائل كأخذ العرب من أبناء القبائل ينضموف الى صفوؼ المجاهدين كبادرت القبائل بإمداد المجاهدين بما يحتاجوف من‬
‫مؤف كعتاد كأسلحة‪ ،‬ككاف لقبائل العبيد‪ ،‬كالبراعصة‪ ،‬كالحاسة كالدرسة كالعواقير كأكالد الشيخ كالعوامة‪ ،‬كالشهيبات‬
‫كالمنفا كالمسامير أكبر نصيب في حركة الجهاد‪.‬‬
‫كاف معسكر البراغيث هو مركز الرياسة العامة كمقر القائد العاـ عمر المختار‪ :‬كهو النواة االكلى كحجر االساس‬
‫لمعسكرات الجبل االخضر الثبلثة ككاف عمر المختار يلقب بنائب الوكيل العاـ‪ ،‬ككاف السيد يوسف بورحيل يعرؼ‬
‫بوكيل النائب كهكذا فقد تنظم الجهاز الحكومي في هذق المنطقة الواسعة بتشكيل المحاكم الشرعية كالصلحية‬
‫كإدارة المالية (المحاسبة‪ ،‬كاالرزاؽ كجباية الزكاة الشرعية كالخمس من الغنائم) كاستمر التعاكف بين هذق المعسكرات‬
‫الثبلثة كفركعها في السراء كالضراء كأخذت تقوـ بحركات عظيمة ضد العدك كشن الغرة عليه في معاقله؛ كما كانت‬
‫تتصدل لزحفه عليها‪ ،‬فتهجم حيننا ‪ ،‬كتنسحب حيننا آخر حسب ظركؼ الحرب(‪.)4‬‬
‫أصبح تفكير إيطاليا محصوران في برقة التي لم يتمكن الطلياف منذ زحفهم على اجدابية سنة ‪1923‬ـ من احتبلؿ‬
‫مواقع تذكر عدا مدينة اجدابية كلذلك اهتمت ايطاليا ببرقة كانحصرت مجهوداتها في الفترة الواقعة بين سنة‬
‫‪1923‬ـ كبين ‪1927‬ـ على معسكرات عمر المختار الذم لم يخرج يومان من معركة إال ليدخل في معركة أخرل‪.‬‬
‫كفي عاـ ‪1927‬ـ كقع الوكيل العاـ السيد رضا المهدم السنوسي في األسر بطريق الخديعة كالخيانة كالغدر‬

‫( ) واْ اٌص‪ٛ‬ف اٌخاَ اٌىث‪١‬ف ‪٠‬سخؼًّ ضذ اٌشصاص‪.‬‬


‫( ) ٘زا اٌّثً باٌٍ‪ٙ‬جت اٌبذ‪٠ٚ‬ت ‪ِٚ‬ؼٕاٖ ٌُ ‪٠‬ىٓ اٌ‪ ِٓ َٛ١‬ا‪٠‬اَ اٌص‪١‬اَ د‪١‬ذ أْ ص‪ٛ‬ث اٌبٕادق آخز ‪٠‬ذ‪ٚ ٞٚ‬وٍّت إٌّشش ٘‪ ٟ‬اسُ ٌٕ‪ٛ‬ع‬
‫ِٓ اٌبٕادق ‪ٚ‬وٍّت صاَ د‪ ِٓ ٜٚ‬األد‪٠ٚ‬ت‪.‬‬
‫( ) أظش ‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫كسقطت مناطق برقة الحمراء كالبيضاء تدريجيان‪.‬‬
‫كانت قيادة الجيش االيطالي في برقة قد بدلت كتولى أمرها لتنفيذ الخطة الجديدة التي تستهدؼ ضرب الحصار‬
‫على حركة الجهاد في الجبل االخضر (ميزتي) كما استبدؿ كالي بنغازم االيطالي (مومبيلي) بخلفه الجنراؿ (تيركتس)‬
‫كه و من زعماء الحزب الفاشيستين كزكد الجنراؿ ميزتي بعدد كبير من الجنراالت ككبار الضباط كأركاف الحرب لمساعدته‬
‫كفي نفس السنة تقدمت القوات االيطالية من طرابلس بقيادة الجنراؿ غرسياني فاحتلت كاحة الجفرة كالقسم االكبر‬
‫من فزاف كاشتبكت قبائل المغاربة بزعامة صالح االطيوش كقبائل اكالد سليماف بزعامة عبدالجليل سيف النصر‪ ،‬كدكر‬
‫حمد بك سيف النصر‪ ،‬كبعض البلجئين الى تلك الجهات من قبائل العواقير بزعامتي عبدالسبلـ باشا الكزة‪ ،‬كالشيخ‬
‫سليماف رقرؽ‪ ،‬كدخلت هذق القبائل في معارؾ بجهات الخشة ككاف الغلبة فيها للجيش االيطالي الزاحف فالتجأ‬
‫المجاهدكف الى منطقة الهاركج من الصحراء كمن ثم اشتركوا مع العدك في معارؾ عنيفة منها معركة الهاركج‪ ،‬كمعركة‬
‫جبل السوداء‪ ،‬كمعركة قارة عافية ككاف من بين من حضركا هذق المعركة االخيرة السيد محمود بوقويطين أمير اللواء‬
‫كقائد عاـ قوة دفاع برقة في زمن المملكة الليبية المتحدة‪ ،‬كالسيد السنوسي االشهب(‪.)1‬‬
‫كانت القيادة االيطالية حريصة على االستيبلء على فزاف فخرجت في اكاخر يناير ‪1928‬ـ قوتاف ‪ ..‬احدهما من‬
‫غدامس كاالخرل من الجبل االخضر‪ ،‬ككاف الجيش بقيادة غراسياني كالتحم المجاهدكف مع ذلك الجيش في معركة دامية‬
‫استمرت خمسة أياـ بتمامها‪ ،‬انهزـ فيها الطلياف شر هزيمة فتقهقركا تاركين مالديهم من مؤف كذخائر ثم مالبث أف‬
‫خرجت قوة اخرل قصدت فزاف مباشرة‪ ،‬فعلم المجاهدكف بامرها بعد خركجها بثبلث أياـ كانسحبوا الى الداخل‪ ،‬حتى اذا‬
‫كصل هذا الجيش الجديد الى مكاف يقع بين جبلين يعرفاف بالجباؿ السود انقض المجاهدكف على الطلياف كأرغموهم على‬
‫التقهقر‪ ،‬فعمل قواد الحملة الى الفرار بسياراتهم تاركين كراءهم الجيش ‪ ،‬الذم كقع أكثرق في قبضة المجاهدين‪،‬‬
‫فأستأصلوهم عن آخرهم‪ ،‬كعندئذ لم يجد الطلياف مناصا من أف يجددكا محاكلتهم ‪ ،‬فخرجت هذق المرة قوات عظيمة من‬
‫جهات متعددة غير أف الطلياف ما لبثوا اف انهزموا في هذق المعارؾ كتركوا كراءهم غنائم كأسبلبا كثيرة(‪ ، )2‬كجدد‬
‫الطلياف المسعى كخرجوا من الجفرة في ‪ 30‬فبراير ‪1928‬ـ بجيش كبير كزحفوا على زله كاحتلتها في ‪ 22‬فبراير‬
‫ككاصلت القوات االيطالية سيرها كاحتلت آبار تقرفت في ‪ 25‬فبراير كاستمرت العمليات كانتهت باحتبلؿ مرادق‪،‬‬
‫كاصبحت زلة كجالو‪ ،‬كاكجله كمرادق تحت سيطرتهم‪ ،‬كمما ساعد الطلياف على احتبللهم لتلك الواحات سقوط الجغبوب‬
‫قبل ذلك في ايديهم‪ ،‬كسياستهم الرامية لتفتيت الصف بواسطة بعض عمبلئهم ككاف الطلياف يبذلوف األمواؿ‬
‫كالوعود لزعماء القبائل‪ ،‬لوقف القتاؿ كقد نجحوا في ذلك نجاحان كبيران‪.‬‬
‫كاف احتبلؿ الجغبوب ‪ ،‬جالو‪ ،‬اكجلو‪ ،‬كفزاف كغيرها من الواحات قد جعل عمر المختار في عزلة تامة في الجبل االخضر‬
‫كمع هذا ظل عمر المختار يشن الغارات على درنة كماحولها حتى أرغم الطلياف على الخركج بجيوشهم لمقابلته ‪ ،‬فاشتبك‬
‫معهم في معركة شديدة استمرت يومين كاف النصر فيها حليفه كفرّ الطلياف تاركين عددان من السيارات كالمدافع‬
‫الجبلية كصناديق الذخيرة كالجماؿ‪ ،‬كدكاب النقل(‪.)3‬‬
‫ككانت القبائل تتعاكف مع قائد حركة الجهاد تمدق بالرجاؿ‪ ،‬كالمؤف كالمعلومات كعلى سبيل المثاؿ كاف حامد‬
‫عبدا لقادر المبركؾ من شيوخ قبيلة المسامير يمد المختار بالمعلومات المهمة دكف تأخر‪ ،‬كيشارؾ في عمليات الجهاد مع‬
‫أبناء قبيلته بدكف علم الطلياف كيرجع من كتبت له الحياة إلى موطنه كيستشهد من يستشهد ككاف زعماء القبائل‬
‫التابعة للحركة السنوسية يجمعوف االعشار كالزكاة كيمدكف بها حركة الجهاد بالرغم من كجود الكثير منهم تحت‬
‫السلطات اإليطالية‪ ،‬كخصوصان من كاف في المدف كبنغازم‪ ،‬كالمرج‪ ،‬كدرنة‪ ،‬كطبرؽ كغيرها‪ ،‬ككانت كسائل مد‬
‫المجاهدين بأمواؿ الزكاة كاألعشار تتم في غاية السرية كعجزت المخابرات اإليطالية عن اكتشاؼ اللجاف الخاصة بالدعم‬
‫المالي للمجاهدين‪ ،‬كمن كقع في أيدم السلطات اإليطالية كانت عقوبة اإلعداـ ككانت الغنائم تمثل مصدران مهمنا‬
‫لتمويل حركة الجهاد في فترة عمر المختار‪ ،‬كمعظم الغنائم تم الحصوؿ عليها في المعارؾ التي تمكن فيها المجاهدكف‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.73‬‬


‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ِ ،‬ذّ‪ٛ‬د شٍب‪ ،ٟ‬ص‪.115 ،114‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫من هزيمة اإليطاليين مثل معركة الرحيبة في مارس ‪1927‬ـ(‪ )1‬كقد كصف حافظ إبراهيم هذا المصدر في أبياته‬
‫الشعرية فقاؿ‪:‬‬
‫حاتم الطلياف قد قلدتنا‬
‫منة نذكرها عامان فعامػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػا‬
‫أنت أهديت إلينا عدة‬
‫كلباسنا كشرابنا كطعامػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػان‬
‫كسبلحنا كاف في أيديكم‬
‫ذا مبلؿ فغدا يفرم العظامػػػػػػػػا‬
‫أكثركا النزهة في أحيائنا‬
‫كربانا إنها تشفى السقامػػػػػػػػػػػا‬
‫لست أدرم بت ترعى أمة‬
‫من بني الطلياف أـ ترعى سواما(‪)2‬‬
‫كقاؿ األستاذ أحمد كاشف ذك الفقار‪:‬‬
‫يآؿ ركمة تطلبوف أمانينا‬
‫ختالة أـ تطلبوف منونػػػػػػػػػػػػػػػػػػػا‬
‫جئتم تجركف الحديد كرحتم‬
‫بحديدكم في اليم مغلولينػػػػػػػػػػػا‬
‫كرقصتم فيه سكارل فارقصوا‬
‫في الليلة السوداء مذبوحينػػػػػػػػا‬
‫لكن استفزكم صليل سيوفكم‬
‫فلقد تبدؿ زفرة كأنينػػػػػػػػػػػػػػػػػػػا‬
‫إلى أف قاؿ‪:‬‬
‫هاتوا الذئاب إلى الليوث فخمسة‬
‫منهم أبادكا منكم خمسينػػػػػػػػػػػػا‬
‫كاستجمعوا حيتانكم كنسوركم‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬ػم‪ ً١‬اٌبشباس‪ ،‬ص‪.82،83‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫فالصائدكف هناؾ مرتقبػػػػػػػػػػوف‬
‫كاستكثركا الزاد الشهي فإنكم‬
‫كسبلحكم كالزاد مأخوذينػػػػػػػػػػػػػا‬
‫لم يبق منهم معسر أك أعزؿ‬
‫بعد الذم غنموق منتصرينػػػػػػػػػػػػػا‬
‫كاستكملوا المدد الكبير بفتية‬
‫سيقوا إلى الهيجاء هيابينػػػػػػػػػػػا‬
‫أحسبتم بطحاء برقة حانة‬
‫لكم كغزك القيركاف مجونػػػػػػػػػػػػػػػا(‪)1‬‬
‫ككانت كل عائلة قد أخذت على عاتقها تزكيد مجاهديها بما يلزـ من شؤكف كمبلبس‪ ،‬ترسله شهريان إلى الدكر‬
‫(المعسكر)‪.‬‬
‫ككاف األمير ادريس يتحين الفرص لتزكيد المجاهدين فقد ذكر األشهب بأف قافلة كصلت للمجاهدين قادمة من‬
‫مصر ككاف فيها سليماف العميرم (من قبيلة أكالد علي) كبو منيقر المنفى (من رفاؽ عمر المختار) يحمبلف رسائل من‬
‫سمو األمير ككانت القافلة محملة باألرز كالدقيق كالسكر كالشام كبعض المبلبس‪ ،‬ككاف الطيب األشهب موجودان في‬
‫معسكر المجاهدين كقت كصوؿ القافلة(‪ )2‬كقد ذكر صاحب كتاب حياة عمر المختار بأف قافلة استطاعت أف تخرج‬
‫من السلوـ محملة بمختلف العتاد كالمؤف قاصدة معسكر المجاهدين في الجبل األخضر‪ ،‬فعلم الطلياف بذلك كأرسلوا‬
‫سياراتهم المسلحة لتعقبها‪ ،‬كلكن المجاهدين صمدكا لهم‪ ،‬كأطلقوا رصاص بنادقهم على العجبلت فتعطلت السيارات‪،‬‬
‫كعندئذ انقض المجاهدكف على القوة اإليطالية فأبادكها عن آخرها ككاف ذلك في عاـ ‪1928‬ـ(‪ .)3‬ككاف المجاهدكف‬
‫يستفيدكف من تلك المصادر كيقوموف بشراء حاجيات المجاهدين من األسواؽ في المدف كالقرل‪ ،‬كيشتركف مايلزمهم من‬
‫المؤف‪ ،‬كاألسلحة كيجمعوف المعلومات عن تحركات العدك العسكرية‪ ،‬كل هذق األعماؿ يقوـ بها أتباع عمر المختار‬
‫كبمساعدة سكاف المدف كالقرل الذين يخفوف المجاهدين في بيوتهم كمخيماتهم‪ ،‬ككاف المتطوعوف يتدفقوف على‬
‫معسكرات الجهاد‪ ،‬ككانوا يعتمدكف على أنفسهم في توفير السبلح ككسيلة الركوب كالتموين‪ ،‬ككاف نظاـ األدكار‬
‫(المعسكرات) يتميز باآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬يلتزـ كل دكر بتوفير التموين البلزـ ألفرادق‪ ،‬فهم باإلضافة إلى اشتراكهم في عمل كاحد هم أبناء عشيرة كاحدة‬
‫مترابطة‪ ،‬كيوجد بالدكر أشخاص‪ ،‬مكلفوف بجباية الزكاة كجمع األعشار‪ ،‬كهؤالء يقوموف بعملهم بناء على تكليف كتابي‬
‫من عمر المختار كهم بدكرهم يجركف اتصاالت (كوشاف) بقيمة المبالغ كاألشياء التي استلموها‪.‬‬
‫كقد عين لكل دكر رئيس إدارة يشرؼ على تموين الدكر من حيث التوزيع كالتخزين كالتدبير كتسلم األمواؿ كالتبرعات‬
‫التي تصل لقيادة الدكر‪ ،‬فقد عين عمراف راشد القطعاني رئيسان إلدارة دكر البراعصة كالدرسة كعين التواتي العرابي رئيسنا‬
‫إل دارة دكر العبيدات كالحاسة‪ ،‬كعين الصديق بو هزاكم مأموران لؤلعشار كيتبع عمر المختار مباشرة كعين داكد الفسي‬
‫رئيسان إلدارة دكر العواقير(‪.)4‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.95‬‬


‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ٌ ،‬شٍب‪ ،ٟ‬ص‪.117،118‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬د‪١‬احٗ‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫‪ -2‬يقوـ كل دكر بتعويض الشهداء من المقاتلين بآخرين من قبائلهم كهكذا اليتأثر الدكر كثيران لفقد الشهداء‪،‬‬
‫فبعد كل معركة يت م حصر الشهداء كإلى أم القبائل ينتموف ثم يرسل إلى كل قبيلة العدد الذم يجب أف تعوضه عن‬
‫شهدائها‪ ،‬كإذا لم تجد العدد المطلوب تدفع لقيادة الجهاد ‪ 1000‬فرنك عن كل شهيد لكي يجند بها العدد البلزـ‪.‬‬
‫‪ -3‬تتبارل مجموعات القبائل في تقديم البطوالت كالتضحيات حتى التكوف موضع سخرية كاستهزاء أماـ بقية‬
‫القبائل‪ ،‬ككاف المجاهد الليبي يغضب غضبان شديدان كيحزف إذا فاته اإلشتراؾ في إحدل المعارؾ أك تخلف عنها لسبب‬
‫من األسباب‪ ،‬كابراهيم الفيل العريبي نموذج لهؤالء فقد فاته أف يشارؾ في معركة ببلؿ فحزف حزنان شديدان‪ ،‬إال أف‬
‫قادة الجهاد طمأنوق كقالوا له‪ :‬إف أياـ الجهاد كثيرة‪ ،‬كفي اليوـ التالي جرت معركة البريقة فاشترؾ فيها كهجم‬
‫بفرسه على سيارات األعداء كصار يقاتل حتى أكرمه اهلل بالشهادة‪.‬‬
‫‪ -4‬يسهل على كل دكر توفير الحماية البلزمة لذكيه عن طريق الدكريات‪ ،‬كالرباطات التي تراقب تحركات القوات‬
‫اإليطالي ة أك أية تحركات غير عادية لمعرفتهم بمسالك المنطقة كدركبها كأماكن المياق بها‪ ،‬فعندما يحل الدكر بمنطقة‬
‫ال‬
‫ما يضع دكرية في كل اتجاق لتراقب كضع القوات اإليطالية في تلك المنطقة كتغطى أخبار تحركاتها للمجاهدين أك ن‬
‫بأكؿ حتى يكونوا على علم باتجاق كتحركات العدك‪ ،‬كحين يلتقي أفراد الدكرية باألعداء يطلقوف ثبلث اطبلقات كعند‬
‫سماع تلك اإلطبلقات يستعد الجميع لمبلقاة األعداء في الجهة التي سمع منها اطبلؽ الرصاص‪.‬‬
‫كما تقوـ دكريات أخرل تعرؼ باسم (الرباط) بمراقبة اإليطاليين في مراكزهم التي يحتلونها للحصوؿ على معلومات‬
‫عن تحركاتهم عن طريق األهالي الموجودين داخل تلك المدف‪ ،‬ككثيران مايتعرض بعض هؤالء األهالي بسبب تعاكنهم مع‬
‫المجاهدين لعقوبة اإلعداـ‪ ،‬كما حدث مع سليماف بن سعيد العرفي الذم أدانته المحاكم اإليطالية بالتعاكف مع‬
‫المجاهدين كحكمت عليه باإلعداـ‪ ،‬فأعدـ شنقان(‪.)1‬‬
‫كاف نظاـ األدكار يقوـ على أساس قبلي كيعتبر الدكر كحدة عسكرية كإدارية‪ ،‬كاجتماعية يرأسها قائمقاـ‪ ،‬كتتمثل‬
‫فيه السلطة اإلدارية كالعسكرية يساعدق قومانداف (قائد) أك أكثر حسب حجم الدكر كالقبائل المنضوية تحته‪.‬‬
‫كقد استخدـ عمر المختار النظاـ العسكرم العثماني‪ ،‬فباإلضافة إلى القائمقاـ كالقومانداف هناؾ الرتب اآلتية‪-:‬‬
‫بكباشي ‪ -‬يوزباشي ‪ -‬مبلزـ أكؿ ‪ -‬مبلزـ ثاني ‪ -‬كوجك ضابط (ضابط صغير) باش شاكش ‪ -‬شاكش ‪ -‬أمباشي‪.‬‬
‫ككانت الترقيات تتم على أسس ميدانية بناء على مايقدمه الشخص من أعماؿ كبطوالت في ميادين المعارؾ‬
‫كالمواقف الدقيقة‪ ،‬إذ يرفع إلى عمر المختار تقرير من الرئيس المباشر بشرح الحالة التي استحق عليها المعني الترقية‪،‬‬
‫كيصدر بذلك أمر كتابي من عمر المختار على بقية المجاهدين(‪.)2‬‬
‫ككاف هناؾ مجلس أعلى يرأسه المختار يتكوف من‪ :‬يوسف بورحيل‪ ،‬حسين الجويفي‪ ،‬الفضيل بوعمر‪ ،‬محمد‬
‫السركسي‪ ،‬موسى غيضاف‪ ،‬محمد ماز ؽ‪ ،‬محمد العلواني‪ ،‬جربوع سويكر‪ ،‬قطيط الحاسي‪ ،‬ركاؽ درماف كفي حالة غياب عمر‬
‫المختار يرأس المجلس يوسف بورحيل(‪.)3‬‬
‫ككاف لكل من األدكار مجلس يتكوف من مشائخ القبائل كأعيانها من المعركفين بالحكمة كسداد الرأم‪ :‬كمهمة هذا‬
‫المجلس استشارية كهو في حالة انعقاد دائم لمواجهة الطوارئ كاالسهاـ في حل المشاكل التي قد تحدث بالدكر(‪.)4‬‬

‫تاسعان‪ :‬معركة أـ الشافتير (عقيرة الدـ)‪:‬‬


‫استمر المجاهدكف في الجبل األخضر يشنوف الهجمات على القوات اإليطالية كحققوا انتصارات رائعة من أشهرها‬
‫موقعة يوـ الرحيبة بتاريخ ‪ 28‬مارس ‪1927‬ـ(‪ )5‬جنوب شرقي المرج قرب جردس العبيد ككقعت بعد معركة‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬د‪١‬احٗ‪ ،‬ص‪.106‬‬


‫( ) أظش ‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ٔ ،‬ذ‪ٚ‬ة ػٍّ‪١‬ت‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫( ) أظش ‪ :‬بشلت اٌؼشب‪١‬ت ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.425‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫( ) أظش‪ِ :‬ؼجُ ِؼاسن اٌج‪ٙ‬اد‪ ،‬خٍ‪١‬فت اٌخٍ‪١‬س‪ ،ٟ‬ص‪.79‬‬
‫الرحيبة معارؾ ضارية في بئر الزيتوف ‪ 10‬محرـ ‪1335‬هػ‪ 10 ،‬يوليو ‪1927‬ـ‪ ،‬كراس الجبلز ‪ 13‬محرـ ‪1335‬هػ‪،‬‬
‫‪ 13‬أكتوبر ‪1927‬ـ‪.‬‬
‫أراد اإليطاليوف أف ينتقموف لقتبلهم في معركة الرحيبة‪ ،‬فشرعت تعد العدة لبلنتقاـ لقتبلها الضباط الستة كأعوانهم‬
‫المرتزقة البالغ عددهم (‪ )312‬في محاكلة إلعادة معنوياتهم المنهارة نتيجة لتلك الهزيمة الساحقة تمّ اعداد الجيوش‬
‫الجرارة‪ ،‬لتتخذ من الجبل األخضر قاعدة لها على النحو التالي(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬الجنراؿ مازيتي القائد العاـ للقوات اإليطالية قائدنا إلحدل الفرؽ فوؽ الجبل األخضر ‪ 8‬يوليو من مراكة‪:‬‬
‫أربع فرؽ أرترية ‪ -‬فرقة ليبية ‪ -‬أربع فرؽ ‪ -‬خيالة ‪ -‬بطارية ارترية‪.‬‬
‫‪ -2‬الكورنيل اسبيرا إنذائي‪ 8 :‬يوليو من الجرارم (جردس الجرارم) أكجردس البراعصة أربع فرؽ أرترية ‪ -‬فرقة ليبية ‪-‬‬
‫بطارية ليبية ‪ -‬فرقة غيرنظامية‪.‬‬
‫‪ -3‬الكورنيل منتارم‪ 8 :‬يوليو من خوالف ‪ -‬فرقة أرتريا‪ -‬فرقة غير نظامية‪.‬‬
‫‪ -4‬الماجور بولي‪ 9 :‬يوليو غوط الجمل ‪ -‬فرقة مهما ريستا ‪ -‬فرقة سيارات مصفحة ‪ -‬نصف فرقة ليبلير ‪ -‬فصيلين‬
‫قناصة على الدبابات‪.‬‬
‫كيضاؼ الى تلك االستعدادت سبلح الطيراف الذم انطلق من قواعدق بالمرج كمراكق كسلنطة‪.‬‬
‫لقد كانت قوات االيطاليين ضخمة مما تدلنا على خوفهم كرهبتهم من قوات المجاهدين‪.‬‬
‫كاف عدد المجاهدين مابين ‪ 1500‬الى ‪ 2000‬مجاهدان(‪ )2‬منهم حوالي ‪ %25‬من سبلح الفرساف كيرفقهم حوالي‬
‫‪ 12‬ألف جمل(‪ )3‬كمايثقل تحركاتهم من النساء كاالطفاؿ كالشيوخ كاألثاث علمت ايطاليا بواسطة جواسيسها‬
‫بموقع المجاهدين في عقيرة اـ الشفاتير فارادت أف تحكم الطوؽ على المجاهدين فزحفت القوات االيطالية نحو العقيرة‬
‫بعد مسيرة دامت يومين كاملين كاستطاعت أف تضرب حصاران حوؿ المجاهدين من ثبلث جهات‪ ،‬كبقوات جرارة‬
‫تكونت من حوالي (‪ )2000‬بغل ك‪ 5000‬جندم‪ 1000 ،‬جمل باالضافة الى السيارات المصفحة كالناقلة‪.‬‬
‫علم المجاهدكف بذلك كأخذكا يعدكف العدة لمبلقاة العدك فأعدكا خطة حربية كقاموا بحفر الخنادؽ حوؿ أطراؼ‬
‫المنخفض ليستتر بها المجاهدكف كخنادؽ اخرل لتحتمي بها األسر من نساء كأطفاؿ كشيوخ‪ ،‬كتم ترتيب المجاهدين على‬
‫شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ككضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين‪ ،‬ككاف قائد تلك المعركة التقي‬
‫الزاهد الورع الشيخ حسين الجويفي البرعصي ككاف عمر المختار من ضمن الموجودين في تلك المعركة‪.‬‬
‫كاف الشيخ حسين الجويفي ممن تجرد للجهاد في سبيل اهلل كطلب رحمة اهلل تعالى ككاف يقوؿ‪( :‬أنا ال أريد قيادة‬
‫كال منصبنا بل أريد جهادنا رغبة في ثواب اهلل تعالى)(‪.)4‬‬
‫كاف ذلك الصنديد محل تقدير من قبل إخوانه قاؿ في حقه قائدق األعلى عمر المختار عقب استشهادق‪ :‬أتذكر‬
‫حسين الجويفي عند اللقاء مع العدك أك عند قراءة القرآف الكريم كقت الورد(‪.)5‬‬
‫كما عرؼ ع نه انه لم يبرح فرسه يومان أثناء المعركة ليناؿ من اسبلب العدك‪ ،‬بل يتركها للمجاهدين لعفته كقناعته‬
‫بما يملك من أمواؿ كمواشي‪.‬‬
‫لقد أسندت إليه قيادة المعركة لمعرفته بشعاب كدركب المنطقة التي كاف يسكنها مع كونه احد قادة الجهاد‪،‬‬
‫كأحد المستشارين لعمر المختار‪ ،‬كقائمقاـ البراعصة كالدرسة في فترة سابقة‪ ،‬فكاف في تلك المعركة فوؽ جوادق‬
‫يجوب الميمنة كالميسرة كالقلب كهو عارم الرأس اليخشى الموت يوزع صناديق الذخيرة على المقاتلين تارة كيطلق‬
‫عبارات التشجيع مرة أخرل‪ ،‬كيقوـ بتحريك جبهات القتاؿ‪ ،‬كتنظيم هجومات المجاهدين‪ ،‬كترتيب صفوفهم‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬جز‪ٚ‬س إٌضاي اٌؼشب‪ِ ،ٟ‬ذّذ ػبذاٌشصاق ِٕاع‪ ،‬ص‪.130‬‬


‫( ) أظش‪ :‬جز‪ٚ‬س إٌضاي اٌؼشب‪ ،ٟ‬ص‪.137‬‬
‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت اٌبذ‪ٛ‬د اٌخاس‪٠‬خ‪١‬ت‪ ،‬اٌؼذد اال‪ٚ‬ي‪ ،‬اٌسٕت اٌسادست‪ ،‬ػاَ ‪ ،َ1984‬ص‪.9‬‬
‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت اٌبذ‪ٛ‬د‪ ،‬اٌسٕت اٌسادست‪ َ1984 ،‬اٌؼذد اال‪ٚ‬ي‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.10،11‬‬
‫كسقط الشهداء كاشتدت المعركة ‪ ،‬كارتفعت درجة حرارة البنادؽ بسبب استمرار اطبلؽ العيارات النارية كاستعمل‬
‫المجاهدكف الخرؽ البالية لتقيهم حرارة مواسير البنادؽ التي ال تطيقها يد المجاهد‪ .‬ككاف بعض المجاهدين يملك‬
‫بندقيتين يستعمل الواحد مدة ثم يتركها حتى تبرد كيتناكؿ االخرل‪. ،‬‬
‫كخصص القائد حسين فرقة من المجاهدين للتصدم للمصفحات المهاجمة من الجنوب كعددها ثبلثوف مصفحة‬
‫كلعب كومندار طابور المعية المجاهد سعد العبد السوداني دكران بارزان كأظهر شجاعة نادرة بأف قاد تلك الفرقة المواجهة‬
‫للمصفحات االيطالية كتمكن من تدمير أغلبها مع رجاله كانتزع المجاهد رمضاف العبيدم العلم االيطالي من على أحد‬
‫المصفحات ‪ ،‬كبدأ الجيش االيطالي في التقهقر كدخل الرعب نفوس ضباطه كجنودق الذين كجدكا فرصة الحياة في‬
‫الهركب كبالرغم من قصف الطائرات إال أف االيماف القوم ‪ ،‬كاحتساب األجر عند اهلل كاف دافعان مهمنا لدل المجاهدين‪.‬‬
‫كانت خسائر المجاهدين في االركاح ‪ 200‬شهيد من بينهم القائمقاـ محمد بونجول المسمارم الذم استشهد في‬
‫اليوـ الثالث أثر اصابته بجرح مميت‪ ،‬ككانت له مكانة عظيمة في نفوس المجاهدين ككالد زكجة عمر المختار الذم بكاءق‬
‫بكا نء حارنا كقاؿ بعد أف سمع باسشهادق (راحو الكل ياعين الجيراف كأصحاب الغبل)(‪.)1‬‬
‫كاستشهد كل من جبريل العوامي‪ ،‬كستة من قبيلة العوامة‪ ،‬كمحمد بو معير الدرسي كالشلحي الدرسي‪ ،‬كمحمد‬
‫الصغير البرعصي كفقد المجاهدكف في تلك المعركة عددان كبيران من االبل كالمواشي كتم حرؽ بعض الخياـ من جراء‬
‫الغارات الجوية‪.‬‬
‫كمكث المجاهدكف طيلة الليل يدفنوف الشهداء كينقلوف الجرحى‪ ،‬كقبل بزكغ الفجر رحلوا عن ذلك الموقع‪ ،‬بهدؼ‬
‫االعداد كاالستعداد للقاء العدك في موقع جديد من مواقع القتاؿ(‪ )2‬كاصبحت القوات اإليطالية كما يقوؿ تيركتسي ‪:‬‬
‫(أصبحت اآلف منهوكة القول تخور إعياء من شدة المعارؾ المستمرة منذ فترة طويلة دكف توقف‪.)3()...‬‬
‫ككانت نتائج تلك المعركة فيما يلي‪:‬‬
‫كانت معركة اـ الشفاتير بداية نقطة فاصلة في اتباع استراتيجية جديدة عند عمر المختار‪ ،‬كهي ضركرة إعادة‬
‫تنظيم المجاهدين على هيئة فرؽ صغيرة(‪ ،)4‬تلتحم مع العدك عند الضركرة‪ ،‬كتشغله في أغلب األكقات مما يقلل في‬
‫عدد الشهداء أثناء المعارؾ كيلحق الخسائر الفادحة باألعداء كفق التكتيك الجديد لحرب العصابات (اهجم في الوقت‬
‫المناسب كانسحب عند الضرركة)‪.‬‬
‫لمح عمر المختار بنظرق الثاقب مبلمح السياسة الفاشستية الجديدة كهي االبادة كالتدمير (للمصالح كالرجاؿ)‪ ،‬فاتخذ‬
‫اجراءات ترحيل النساء كاالطفاؿ كالشيوخ الى السلوـ لحمايتهم من الغارات الجوية االيطالية ‪ ،‬كتيسيران لسهولة تحرؾ‬
‫المجاهدين كفق مايتطلبه الموقف الجديد‪.‬‬
‫كما سُمَحَ ألحد االخوين بالهجرة للمحافظة على كريث لهما فيما بعد حتى يكوف دائمان هناؾ من يطالب بحقوقه‬
‫كيزعج المستعمرين الطلياف‪ ،‬كللتعريف بالقضية الليبية بتلك البلداف كنتج عنه فيما بعد تشكيل الجاليات الليبية في‬
‫الخارج(‪.)5‬‬
‫أيقن االيطاليوف أنه الجدكل من االستمرار في العمليات العسكرية ضد المجاهدين‪ ،‬مما كاف سببان في توقفها طلية‬
‫سنة ‪1928‬ـ(‪ .)6‬لقد تحققت لموسليني ماقله من قبل ‪ ( :‬اننا النحارب ذئابان كما يقوؿ غراتسياني بل نحارب‬
‫أسودنا يدافعوف بشجاعة عن ببلدهم ‪..‬إف أمد الحرب سيكوف طويبلن)(‪.)7‬‬

‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌؼشب‪١‬ت‪ ،‬ص‪.440‬‬


‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت اٌبذ‪ٛ‬د‪ ،‬اٌسٕت اٌسادست‪ ،َ1984 ،‬اٌؼذد اال‪ٚ‬ي‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫( ) أظش‪ :‬حاس‪٠‬خ ٌ‪١‬ب‪١‬ا‪ ،‬ج‪ ْٛ‬سأ‪٠‬ج‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫( ) أظش‪ :‬وفاح اٌٍ‪١‬ب‪ ٓ١١‬اٌس‪١‬اس‪ ٟ‬ف‪ ٟ‬بالد اٌشاَ (‪ )1950-192‬ح‪١‬س‪١‬ش بٓ ِ‪ٛ‬س‪.ٝ‬‬
‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت اٌبذ‪ٛ‬د‪ ،‬اٌسٕت اٌسادست‪ ،‬اٌؼذد اال‪ٚ‬ي‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫عاشران‪ :‬استشهاد حسين الجويفي كالمختار بن محمد في‬
‫معركة ابيار الزكزات ‪1927/8/13‬ـ ‪:‬‬
‫استشهد الشيخ حسين الجويفي رئيس دكر البراعصة‪ ،‬ككاف صاحب مكانة عظيمة عند المختار(‪ ،)1‬كاف حسين‬
‫الجويفي سباقان للخيرات‪ ،‬حريصان على الشهادة في سبيل اهلل‪ ،‬ككاف يحرص على الخركج للمعارؾ مع مرضه حتى أف عمر‬
‫المختار في احدل المعارؾ طلب منه أف يبقي حفاظان على صحته كقاؿ له (الجايات اكثر من الفايتات) كالطلياف‬
‫اليبطلوا لمحاربتنا كنحن النبطل الهجوـ عليهم كستشبع من القتاؿ فأيامه كثيرة(‪.)2‬‬
‫لقد تأثر عمر المختار الستشهاد القائد العظيم الجويفي ككقف عند قبرق كقاؿ‪:‬‬
‫شهير َلسَم كَاؼِ الدين‬
‫تمَّا غفير في فاهق خػػػػػػػػػػػبل‬
‫لقد فقد عمر المختار عددان كبيران من رفاقه االبطاؿ الذين كقعوا شهداء في ساحة الوغى ككاف من بينهم المختار ابن‬
‫شقيقه محمد فشق عليه فقدق رغم انه ال يزيد مكانة عند عمه السيد عمر المختار أكثر من إخوانه المجاهدين‪ ،‬لقد كاف‬
‫ابن أخيه عائبلن له يهتم بشؤكف أسرة عمر المختار كيشرؼ على شؤكنه الخاصة كخدمته الشخصية ككاف بمثابة االبن‬
‫حيث لم يكن لعمر ابن يتولى شؤكف العائلة ألف ابنه الوحيد محمد صالح كاف اليزاؿ طفبلن‪ ،‬ثم إف السيد عمر المختار‬
‫تعود مصاحبة الفقيد منذ سنة ‪1916‬ـ كالى جانب كل ذلك فإنه من أبطاؿ الجهاد كمن االبناء البررة‪ .‬لقد احتسب‬
‫بل ككاف يقوؿ لكل من جاء لتعزيته‪:‬‬ ‫المختار كأظهر التجلد كصبر صبرنا جمي ن‬
‫إف كل فرد من رفاقي المجاهدين هو عندم بمنزلة المختار‪ .‬إنني فقدت مختاران كاحدان ‪ ،‬كلكنني أعيش بين عددنا من‬
‫المختارين كل منهم يمؤل مكاف ابن اخي كردد قوؿ الشاعر الشعبي‪:‬‬
‫الدنيا أمفيت اهلل من كاليها‬
‫كين الصحابا قبلنا أك نبيها‬
‫كيػػػػن بػػػػوف يػػػػػادـ‬
‫كين الشيوخ اللي كبار مقاكـ‬
‫اللّي يندهوا للعبد هو كالخادـ‬
‫َكفْ جاهم الطالب حاجتا يقضيها‬
‫كمعنى االبيات‪:‬‬
‫أف اهلل سبحانه كتعالى كلي الدنيا ككارثها ككل مافي هذق الدنيا مصيرق الفناء‪ ،‬فأين رسوؿ اهلل كصحابته كهم أكرـ‬
‫خلق اهلل عليه‪ ،‬كأين السادة الكبار الذين سبقونا ككاف من شمائلهم المناداة للخدـ من أجل خدمة الضيف ككل من‬
‫جاء يطلب حاجة تقضي له‪ ،‬كمما قاله عمر المختار من الشعر‪:‬‬
‫ياعين كفى راق يومك قادـ‬
‫صيور البنا دـ حفرتا ماليها‬
‫كمعنى البيت أنه يخاطب نفسه بأف تكفى عن البكاء ألف أجله في طريقه إليه كمصير بني آدـ هو تلك الحفرة‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.284‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(القبر) التي يملؤها رفاته بعد الموت(‪.)1‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.101 ،100‬‬


‫استمرار العمليات‬
‫كالدخوؿ في المفاكضة‬

‫في سبتمبر عاـ ‪ 1927‬ـ غزت جموع الزكية الجخرة كمرسى بريقة كجالو كأكجلة‪ ،‬كأنزلوا بالطلياف خسائر فادحة‪،‬‬
‫كاشتدت مقاكمة المجاهدين في الجبل األخضر على الرغم من احتبلؿ الطلياف للواحات كمراكز السنوسية الهامة‪ ،‬فلم‬
‫يعد هناؾ مناصا من أف يعيد الطلياف النظر في خططهم‪ ،‬مما أدل إلى كقوع أزمة كبيرة في ركما‪ ،‬كبدأت الحكومة‬
‫تبحث بصورة جدية كسائل إخماد المقاكمة كترسم الخطط السياسية الجديدة التي ترأل ضركرة التقيد بها في كل من‬
‫برقة كطرابلس‪ ،‬كقد اضطر فيدرزكني كزير المستعمرات‪ ،‬كديبونو كالي طرابلس كتيركتزم كالي برقة لبلستقالة في‬
‫ديسمبر ‪ 1928‬ـ‪ ،‬فعين ديبونو كزيران للمستعمرات كأعلن موسوليني توحيد اإلدارة في القطرين الليبيين‪ ،‬كعين‬
‫الماريشاؿ بادكليو حاكمنا على طرابلس كبرقة‪.‬‬
‫كاف مجئ بادكليو إلى ليبيا بداية مرحلة الجهاد الحاسمة بالنسبة للمجاهدين ككاف تاريخ تعيينه في شهر يناير من‬
‫عاـ ‪1929‬ـ ككاف برنامجه الجديد يتلخص في تخفيض الجيش إلى القدر الذم يكفي للقياـ (بحرب العصابات)‬
‫كالمحافظة على على هيبة الحكومة مع انفاؽ األمواؿ المتوفرة في مد الطرؽ في الجبل األخضر مما يسهل عليه‬
‫التنقبلت العسكرية‪ ،‬فإذا ما أتم له ذلك قاـ بهجوـ شامل كاسح على المجاهدين يقضي على المقاكمة نهائيان‪ ،‬كمن‬
‫أجل ذلك سعت إيطاليا إلى مفاكضة السيد عمر المختار لتهدئة األحواؿ(‪ ،)1‬فكاف برنامج بادكليو مبنيان على كسب‬
‫الوقت أكالن ثم العمل ركيدنا ركيدان من أجل تقوية المراكز المحتلة‪.‬‬
‫كاهتم بادكليو بكسب الرأم العاـ كتخويفه‪ ،‬فأعلن العفو عن األفراد الذين يسلموف أنفسهم كسبلحهم مختارين‬
‫للحكومة‪ ،‬كيتوعد كل معاند بالعقوبة الصارمة كقد اسقطت الطائرات هذا المنشور من الجو على البلداف كالقرل‬
‫كالنواجع في أنحاء ليبيا جميعها ككاف لهذا المنشور آثار مباشرة‪ ،‬فظن بعض زعماء ليبيا بمدينة طرابلس الضعف ككهن‬
‫العزيمة في الحكومة كقاـ أحمد سيف النصر كمحمد بن الحاج حسن (من قبيلة المشاشة) بالزحف على منطقة القبلة‬
‫لجمع البدك المحاربين كإرسالهم إلى الجبل األخضر حتى يعززكا قوات المجاهدين في الجبل كيرغموا الحكومة على اتخاذ‬
‫لهجة متواضعة عند بدء المفاكضات مع عمر المختار كصحبه‪ ،‬كشرع صالح األطيوش ينظم في جبل الهركج جماعات من‬
‫المحاربين لبلشتباؾ مع الطلياف في برقة أك في طرابلس كفي منتصف فبراير ‪1929‬ـ نزلت قوات المجاهدين من‬
‫الهركج األسود لبلنقضاض على النوفلية من جانب كعلى إجدابية من جانب آخر‪ ،‬فاجتمعت من الجيفة ثم انقسمت ثبلث‬
‫فرؽ التحمت إحداها مع الطلياف في معركة عند قارة سويد في ‪ 5‬مارس‪ ،‬كاشتبكت الثانية معهم في معركة كبيرة‬
‫عن النوفلية في ‪ 14‬مارس كاتجهت الثالثة بقيادة عبدالقادر األطيوش من الجيفة صوب منطقة العقيلة في ‪23‬‬
‫مارس‪ ،‬ثم استقر المجاهدكف في جبل سلطاف كاضطر المجاهدكف إلى االنسحاب أماـ قوات العدك العظيمة صوب كادم‬
‫الفارغ(‪.)2‬‬
‫كانت لتلك األعماؿ أكبر األثر في إقناع بادكليو بضركرة العمل فوران من أجل استمالة المجاهدين إلى المفاكضة إذا‬
‫أراد أف يضع برنامجه الواسع موضع التنفيذ فبدأ من ثم متصرؼ المرج الكولونيل باريبل من أكائل مارس ‪1929‬ـ‬
‫يطلب االجتماع بالسيد عمر المختار للمفاكضة في شركط الصلح‪ ،‬كحدد باريبل موعدان لبلجتماع غير أف باريبل لم ينتظر‬
‫جواب المختار كأراد أف ينتهز فرصة اطمئناف المجاهدين لقرب بداية المفاكضات كانشغالهم بعيد الفطر المبارؾ‪ ،‬فانقض‬
‫الطلياف على المجاهدين كهم يقوموف بصبلة العيد (‪1347‬هػ) كردهم المجاهدكف على أعقابهم‪ ،‬كلكن مناكشات صالح‬
‫األطيوش كجماعته كنشوب المعارؾ المستمرة اضطرت بادكليو إلى تحديد المسعى‪ ،‬فكلف متصرؼ درنة دكدياشي‬
‫لتمهيد المفاكضة مع عمر المختار كصحبه‪ ،‬فاتصل بالمجاهدين كاقترح على السيد عمر أف يكوف االجتماع يوـ ‪ 2‬مارس‬
‫في منزؿ علي باشا العبيدم للبحث في موضوع الصلح كأصر عمر المختار على أف تظهر الحكومة اإليطالية حسن نواياها‬
‫كيكوف ذلك بإطبلؽ السيد محمد الرضا كإعادته إلى برقة كاضطرت الحكومة اإليطالية للرضوخ كاحضرت السيد محمد‬
‫الرضا من جزيرة أكستيكا إلى بنغازم كاجتمع بعد ذلك عمر المختار مع مندكب الحكومة دكدياشي في منزؿ على العبيدم‬
‫في ‪ 20‬مارس‪ ،‬كحضر االجتماع عدد كبير من مشايخ الببلد كأعيانها ثم أجلت المفاكضة إلى أسبوع كانعقد اجتماع آخر‬
‫في سانية القبقب كلم يستطيع المتفاكضوف الوصوؿ إلى نتيجة مجدية‪ ،‬كاجتمع المختار مع باريبل في الشليوني في‬
‫الجبل األخضر في يوـ ‪ 6‬إبريل كلم يصل المتفاكضوف إلى نتيجة كفي ‪ 20‬إبريل عادت المباحثات في بئر المغارة (في‬
‫كادم القصور) ‪ ،‬كقد حضر هذا اإلجتماع محمد الرضا كالشارؼ الغرياني‪ ،‬كخالد الحمرم‪ ،‬كعبداهلل فركاش كركيفع فركاش‬
‫كعلي باشا العبيدم كعبداهلل بلعوف مدير المرج‪ ،‬كحضر كل هؤالء اجتماع المختار بالسيد رضا‪ ،‬ثم خير مندكب الحكومة‬
‫عمر بين ثبلثة أمور‪:‬‬
‫الذهاب إلى الحجاز‪ ،‬أك إلى مصر‪ ،‬أك البقاء في برقة‪ ،‬فإذا رضي بالبقاء في برقة أجرت عليه الحكومة مرتبان ضخمنا‬
‫كعاملته بكل احتراـ كلكن المختار رفض هذق الشركط ككاف السيد رضا يخضع لرقابة صارمة منعته من تبادؿ الرأم مع‬
‫عمر المختار‪.‬‬
‫كاستؤنفت المفاكضات في هذق المرة في مكاف يسمى قندكلة بالقرب من سيدم ركيفع كحضر اجتماع قندكلة‬
‫باريبل‪ ،‬ككمباني كعدد من الضباط كاألعياف ككاف سيشلياني قد بيت النية على اإليقاع بالمختار كأسرق‪ ،‬كلكن عمر المختار‬
‫احتاط لؤلمر كلم يسفر هذا اإلجتماع عن شيء‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.321‬‬
‫كفي ‪ 26‬مايو بدأت المفاكضات من جديد‪ ،‬فحضر المختار إلى مكاف قريب من القبقب‪ .‬كفي هذا اإلجتماع دارت‬
‫المباحثات على أساس ماجاء في منشور بادكليو فعرض دكدياشي شركط الحكومة كهي (أكالن) عودة السيد إدريس‪،‬‬
‫كأحمد الشريف كالسيد صفي الدين كسائر أعضاء األسرة السنوسية إلى الببلد على أف يكونوا تحت إشراؼ الحكومة‬
‫كأف يتم رجوعهم بترخيص من الحكومة بوصفهم مهاجرين يبغوف العودة إلى أكطانهم كتعهدت الحكومة بعاملتهم‬
‫المعاملة البلئقة بهم على غرار ماتفعله مع السيد الرضا‪.‬‬
‫ثانيان‪ :‬احتراـ الزكايا كأكقافها كدفع المرتبات لشيوخها‪.‬‬
‫ثالثان‪ :‬إرجاع أمبلؾ األسرة السنوسية‪.‬‬
‫رابعان‪ :‬إعفاء الزكايا كأمبلؾ السنوسية من الضرائب‪.‬‬
‫خامسان‪ :‬تسليم المجاهدين نصف مامعهم من أسلحة لقاء ألف ليرة إيطالية تدفع ثمنان لكل بندقية يسلمونها‪ ،‬كعلى‬
‫أف ينضم بقية المجاهدين المسلحين إلى المنظمات التي تنشئها الحكومة تحت إشرافها كإدارتها كذلك لمدة معينة‬
‫تحددها الحكومة فيما بعد في نظير أف تعد أماكن إلقامتهم يسهل على الحكومة إمدادهم فيها بالمؤف فضبل عن‬
‫إحكاـ الرقابة عليهم‪.‬‬
‫سادسان‪ :‬إبعاد كل اإلخواف السنوسيين من األدكار كتتعهد الحكومة بإعطائهم المرتبات التي تناسب مراكزهم‪،‬‬
‫فاعت رض المختار على تسليم األسلحة كحل األدكار‪ ،‬كأصر على بقاء األدكار تحت قيادة السيد حسن الرضا على أف يكوف‬
‫للحكومة نوع من اإلشراؼ العاـ فحسب كأيد رأم المختار عبدالحميد العبار‪ ،‬كرفض دكدياشي عركض المختار كانفض‬
‫اإلجتماع على أف يعرض دكدياشي هذا الحل ‪ -‬كما طلب المختار من نائب الوالي في برقة حتى يفصل فيه سيشلياني‬
‫بنفسه(‪.)1‬‬
‫كبعد أربعة أياـ فقط طلب دكدياشي مقابلة المختار في قندكلة (‪30‬مايو) فجاء المختار إلى نجع علي العبيدم شيخ‬
‫العبيدات بالقرب من القبقب‪ ،‬كحضر معه السيد حسن الرضا كالفضيل بو عمر كعبدالحميد العبار كحامد القماص كآخركف‬
‫كمعهم حرس يتألف من مائة كخمسين فارسان كجاء من طرؼ الحكومة دكدياشي كباريبل كما حضر هذا االجتماع علي‬
‫العبيدم كخالد الحمرم كركيفع فركاش‪ ،‬كأظهر فيها المختار استعدادق للتفاهم طالما أنه يؤدم إلى المحافظة على كرامة‬
‫السنوسية‪ .‬كفضبلن عن ذلك فقد أصر المختار على عدـ حدكث أم اتفاؽ بينه كبين الحكومة اإليطالية إال إذا حضر‬
‫مندكب عن الحكومة المصرية كآخر عن الحكومة السنوسية كدليل على رغبة الطرفين الصادقة في االتفاؽ بصورة‬
‫قاطعة كلكن دكدياشي اعترض على هذا الطلب‪ ،‬كقاؿ بأف الطلياف معركفين بوفائهم للعهود كحفظهم للمواثيق‪ ،‬فرد‬
‫عليه عمر المختار كذكر مافعله الجنراؿ متزتي بقبيلة العبيدات‪ ،‬كهي من القبائل التي سالمت الطلياف‪ ،‬عندما اغتصب‬
‫هؤالء كل ماتمتلكه هذق القبيلة حتى انهم نزعوا حلي النساء من آذانهن‪ ،‬كذكر مافعله لويللو مع أسرة إبراهيم من‬
‫قبيلة العواقير‪ ،‬كقد سالم هؤالء الطلياف كذلك‪ ،‬فأخذ لويللو منهم أربعين رجبلن قتلهم رميان بالرصاص ثم جعل السيارات‬
‫تمر على جثثهم (فما زالت السيارات تدهسهم ذهابان كإيابنا حتى اختلطوا بالتراب كتدخل بعض الحاضركف لتهدئة الموقف‬
‫كتمسك المختار بحقوؽ الحركة السنوسية كزعامتها كأصر على أف يكوف للقطر البرقاكم الطرابلسي نفس االمتيازات التي‬
‫تتمتع بها جاراته مصر كتونس ككاف عمر المختار كحدق هو الذم يتحدث‪ ،‬كأما سائر المجاهدين فقد صمتوا ثم قرر‬
‫الذهاب إلى معسكرق كقاؿ إذا أراد المتصرؼ دكدياشي الحديث فإف موعد ذلك جلسة أخرل‪ ،‬كبعد أياـ اتصل علي‬
‫العبيدم بالسيد عمر‪ ،‬كقبل عمر المختار استئناؼ المفاكضة‪ ،‬فعقد اجتماع آخر في يوـ ‪ 7‬يونيه حضرق دكدياشي كباريبل‬
‫ثم سيشلياني الذم جاء االجتماع موفد من قبل الماريشاؿ بادكليو بغية الوصوؿ إلى اتفاؽ حاسم مع العرب‪ ،‬كجدد‬
‫الطلياف عركضهم القديمة كتمسك المختار بمطالبه‪ ،‬كأصر على حضور مندكبين من قبل الحكومتين المصرية كالتونسية‬
‫ككعد سيشلياني بأف يحمل مطالب المختار إلى بادكليو‪ .‬كفي ‪ 13‬يونيه اجتمع نائب الوالي سيشلياني بالسيد عمر في‬
‫قلعة شليوتي‪ ،‬كأظهر المختار رغبته الصادقة في االتفاؽ إذا أقرت الحكومة اإليطالية مطالبه‪ ،‬كهي نفس المطالب‬
‫السابقة كتأجل االجتماع إلى يوـ آخر حتى يتم االتفاؽ النهائي بحضور كالي طرابلس كبرقة نفسه كفي يوـ ‪ 19‬يونيه‬
‫حصل االجتماع سيدم رحومه المشهور بحضور بادكليو كسيشلياني كعدد من الطلياف كاألعياف كالشارؼ الغرياني‪ ،‬كعلي‬
‫باشا العبيدم‪ ،‬كظل عمر المختار متمسكان بضركرة حضور مندكبين عن الحكومتين المصرية كالتونسية كعرض شركطه‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت ‪ ،‬ص‪.392،296‬‬


‫النهائية بحضور كالي ليبيا‪ ،‬فقرأ الفضيل بو عمر هذق الشركط ككافق الطلياف عليها‪ ،‬ثم تسلمها بادكليو ككعد بأف يعمل‬
‫على حضور مندكبي الحكومتين المصرية كالتونسية في اجتماع يحدد فيما بعد قريبان‪ ،‬كاتفق الفريقاف على عقد هدنة لمدة‬
‫شهرين حتى يتسنى لكل منهما مراسلة مرجعه(‪ .)1‬كقاؿ بادكليو إنه على استعداد تاـ لقبوؿ عودة أمير الببلد السيد‬
‫محمد إدريس إلى برقة ماداـ المختار كالمجاهدكف يصركف على ذلك‪.‬‬
‫ككانت الشركط التي عرضها المختار تكفل المحافظة على هوية الشعب كعقيدته كدينه كلغته‪ ،‬كتحفظ أكقاؼ‬
‫الزكايا كتعطي عمر المختار الحق في أخذ الزكاة الشرعية من القبائل كمن أهم هذق الشركط‪:‬‬
‫‪ -1‬أف التتدخل الحكومة في أمور ديننا‪ ،‬كأف تكوف اللغة العربية لغة رسمية معترفان بها في دكاكين الحكومة‬
‫اإليطالية‪.‬‬
‫‪ -2‬أف تفتح مدارس خاصة يدرس فيها التوحيد‪ ،‬كالتفسير‪ ،‬كالحديث‪ ،‬كالفقه‪ ،‬كسائر العلوـ‪.‬‬
‫‪ -3‬كأف يلغى القانوف الذم كضعته إيطاليا كالذم ينص على عدـ المساكاة في الحقوؽ بين الوطني كاإليطالي إال إذا‬
‫تجنس األكؿ بالجنسية اإليطالية(‪ )2‬كما كانت شركط المجاهدين تنص على إرجاع جميع الممتلكات التي اغتصبتها‬
‫الحكومة من األهالي كإعطائهم مطلق الحرية في حمل السبلح كجلبه من الخارج إذا امتنعت الحكومة عن بيع السبلح‬
‫لهم‪ ،‬كما نصت هذق الشركط على أف يكوف لؤلمة رئيس منها تختارق بنفسها كيكوف لهذا الرئيس مجلس من كبار‬
‫األمة له حق اإلشراؼ على مصالحها‪ ،‬كما يكوف للقاضي اإلسبلمي كحدق الفصل بين المسلمين كطالب عمر المختار‬
‫بإعبلف العفو الشامل عن جميع من عدتهم إيطاليا مجرمين سياسيين سواء كانوا داخل ليبيا أـ خارجها‪ ،‬كإطبلؽ سراح‬
‫المسجونين‪ ،‬كسحب كل المراكز التي استحدثها الطلياف في أثناء الحرب بما في ذلك مراكزهم في الجغبوب كجالو(‪)3‬‬
‫كما اشترط بأف لزعماء المسلمين الحق في تأديب من يخرج عن الدين أك يهزأ بتعاليمه أك يتهاكف في القياـ‬
‫بواجباته(‪ .)4‬إف حرص عمر المختار على رفض الخضوع ألم إرادة أك سلطة غير سلطة اهلل كاضح في حياته‪ ،‬كيظهر‬
‫ذلك جليان في شركطه‪ ،‬فقد كاف دائمنا مصران على شرط تطبيق الشريعة اإلسبلمية بين المسلمين كرفض كل ماعداق‬
‫من قوانين كضعية في مفاكضاته(‪ .)5‬أظهر بادكليو قبوؿ الشركط كلكنه نكث بوعودق كأخذ يستعد للقضاء على‬
‫المجاهدين‪ ،‬كشرع الطلياف يبذركف بذكر الشقاؽ في صفوؼ المجاهدين على أمل أف يضعفوا من قوتهم‪ ،‬كفي اجتماع‬
‫سيدم ركيفع ادعى سيشلياني أنه اليمكن إبراـ االتفاؽ النهائي إال في بنغازم(‪.)6‬‬
‫أراد المجاهدكف أف يقطعوا حجة الطلياف فاتفقوا على أف يحضر اجتماع بنغازم السيد الحسن رضا السنوسي‪ ،‬ككاف‬
‫عمر المختار مقتنعان بعدـ جدكل االجتماع كلكنه اضطر مكرهان‪ ،‬كعاد الحسن يحمل شركطان إيطالية مجحفة فرفضها عمر‬
‫المختار كالمجاهدكف‪ ،‬ككتب المختار إلى نائب الوالي يخبرق برفض الشركط اإليطالية جملة كتفصيبلن‪ ،‬كيلفت في هذق‬
‫الرسالة نظر الحكومة اإليطالية إلى الشركط السابقة التي تسلمها المارشاؿ بادكليو من السيد عمر نفسه كقطع على‬
‫نفسه عهدان باإلجابة عنها بعد دراستها إذ اليوجد سبيل لحل المشكلة بدكنها‪ ،‬كطلب عمر في نفس الرسالة تحديد‬
‫موعد لمقابلة الجنراؿ سيشلياني نائب الوالي‪ ،‬كفي حالة الرفض أك عدـ اإلجابة يكوف السيد عمر المختار في حل مما‬
‫قيدته به آداب المجاملة في انتظار نتيجة المفاكضات كسوؼ تعود األمور لما كانت عليه‪ ،‬ككاف جواب إيطاليا هو أنها‬
‫على استعداد كالداعي لئلنذار بإعادة الحرب(‪.)7‬‬
‫لما ذهب الحسن بن الرضا إلى بنغازم تأثر ببعض أقواؿ الليبيين التابعين للحكومة اإليطالية كقبل أف يوقع على‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.298‬‬


‫( ) أظش‪ :‬شش‪ٚ‬ط ػّش اٌّخخاس ف‪ ٟ‬لض‪١‬ت ٌ‪١‬ب‪١‬ا‪ ،‬ص‪.114-111‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت ‪ ،‬ص‪.298‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬د‪١‬احٗ‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪.299 ،‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.112 ،111‬‬
‫شركط الصلح التي خالفت ماطلبه المجاهدكف‪ ،‬فلما رفض عمر المختار تلك الشركط عز على الحسن أف ينقض المختار‬
‫كلمته كانفصل بجماعته من البراعصة كالدرسة‪ ،‬ككانوا يبلغوف حوالي الثبلثمائة كاتخذ مكانه في غوط الجبل كهو مكاف‬
‫قريب من مراكز الطلياف في مراكة(‪.)1‬‬
‫كاف عمر المختار بجانب إيمانه الراسخ كاسع األفق عالمان بواقعه مدركان لما يجرم حوله متابعان له كقد كاف ذلك أكبر‬
‫عوف له بعد اهلل على صحة مواقفه كقوتها التي فرضت االحتراـ على اعدائه قبل أصدقائه‪ ،‬كما أعظم أف يجتمع اإليماف‬
‫كالفقه بالواقع‪ ،‬كما أقبح أف يتفرقا‪ ،‬كلئن كاف هذا كاضحنا جليان في كل المواقف التي خاضها عمر المختار رحمه اهلل كآرائه‬
‫التي قالها إال إنه يتجلى كأكضح مايكوف في إدراكه لعدـ جدكل المفاكضات السياسية(‪.)2‬‬

‫أكالن‪ :‬النداء األخير ‪:‬‬


‫خاطب السيد عمر المختار المجاهدين كأبناء شعبه قائبل‪ :‬فليعلم إذان كل مجاهد أف غرض الحكومة اإليطالية إنما بث‬
‫الفتن كالدسائس بيننا لتمزيق شملنا كتفكيك أكاصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا كاغتصاب كل حق مشركع لنا كما‬
‫حدث كثير من هذا خبلؿ الهدنة‪ ،‬كلكن بحمد اهلل لم توفق إلى شيء من ذلك‪ .‬كليشهد العالم أجمع أف نوايانا نحو‬
‫الحكومة اإليطالية شريفة‪ ،‬كما مقاصدنا إال المطالبة بالحرية كإف مقاصد إيطاليا كأغراضها ترمي إلى القضاء على كل‬
‫حركة قومية تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي كتقدمه ‪ ...‬فهيهات أف يصل الطلياف إلى غرضهم مادامت لنا‬
‫قلوب تعرؼ أف في سبيل الحرية يجب بذؿ كل مرتخص كغاؿ‪ ،‬ثم ختم المختار هذا النداء بقوله‪( :‬لهذا نحن غير‬
‫مسؤكلين عن بقاء هذق الحالة الحاضرة على ماهي عليه حتى يتوب أكلئك األفراد النزاعوف إلى القضاء علينا إلى رشدهم‬
‫كيسلكوا السبيل القويم كيستعملوا معنا الصراحة بعد المداهنة كالخداع(‪ .)3‬كقد نشرت بعض الصحف المصرية هذا‬
‫النداء في ‪ 2‬يناير ‪1929‬ـ‪ .‬من كاف عبدان هلل يستحيل أف يرضى بأف يكوف عبدنا لحكومة ظالمة كافرة أك لدنيا أك ماؿ‬
‫أك لهول‪ ،‬فأكثر الناس أحراران كتحقيقان للحرية على مفهومها الصحيح ذلك العبد الذم رضى باهلل ربان كباإلسبلـ دينان كمحمد‬
‫‪ ‬نبينا كرسوالن‪.‬‬

‫ثانيان‪ :‬غدر كخيانة ‪:‬‬


‫لقد نقضت الحكومة عهودها كغدرت بالمجاهدين ككاف السيد حسن الرضا أكؿ من ذاؽ مرارة غدرهم‪ ،‬فقد غادر‬
‫المعسكر في غوط الجبل جماعة من عائلة عريف كانتهز الطلياف هذق الفرصة فطلبوا من الحسن أف يتقدـ بالدكر إلى‬
‫ناحية مراكة كأجاب ا لحسن رغبتهم كعندئذ سيرت الحكومة قوة كبيرة على الدكر لجمع األسلحة من أتباعه بدعول أف‬
‫رجاله قد (غزكا) بعض األهلين في مراكة‪ .‬كأبدل الحسن كرجاله معارضة شديدة‪ ،‬كلكن معارضتهم هذق سرعاف ما‬
‫أكدت للطلياف ‪ -‬على حد قوؿ هؤالء ‪ -‬أف الدكر كاف مركزان لدعاية سنوسية خطيرة‪ ،‬كأف حل الدكر قد بات لذلك أمرنا‬
‫المناص منه كالمحيد عنه‪ ،‬ككاف مما جعل الطلياف ينقلبوف على الحسن أف امتنع في المدة األخيرة عن إجابة رغبتهم‬
‫عندما طلبوا منه االنتقاؿ إلى بنغازم‪ ،‬كعلى ذلك فقد اشتبكت القوات اإليطالية مع الدكر في قتاؿ عنيف ذهب‬
‫ضحيته كثير من المجاهدين ككقع الباقوف في أسر هذق القوات كفي ‪ 10‬يناير ‪1930‬ـ قبض الطلياف على الحسن‬
‫نفسه كساقوق أسيران إلى بنغازم ثم مالبثوا حتى نفوق إلى جزيرة اكستيكا ثم إلى فلورنسه بعد ذلك‪ .‬كقد بقى الحسن‬
‫منفيان بهذق المدينة األخيرة حتى كفاته في عاـ ‪ ،1936‬كبعد ذلك اندلعت المعارؾ بين المجاهدين كالطلياف في‬
‫الجبل األخضر ككانت الطائرات اإليطالية تلقي قذائفها على معسكرات المجاهدين كنشطت عمليات الطلياف‬
‫العسكرية بعد أف غدركا بالحسن كهاجموا دكر المجاهدين في كادم مهجة (‪ 28‬يناير ‪ )1930‬كألقت الطائرات‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت ‪ ،‬ص‪.300‬‬


‫( ) ِجٍت اٌب‪١‬اْ اٌؼذد اٌخاِس ػشش ‪ ،‬سب‪١‬غ اٌثأ‪ ،1988 ،ٟ‬ص‪.87‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت ‪ ،‬ص‪.303‬‬
‫قذائفها على العرب‪ ،‬كانتشرت المعارؾ في منطقة الجبل حتى أقفلت جميع الطرؽ(‪.)1‬‬

‫ثالثان‪ :‬تعيين الجنراؿ غراسياني حاكمان لبرقة كنائبان للمرشاؿ‬


‫بادكليو الحاكم العاـ‬
‫كاف الجنراؿ غراسياني عند قومه معظمان كمقدمان كقد قاـ بأعماؿ عسكرية في فزاف شنيعة للغاية كاستطاع أف‬
‫يقضي على حركة الجهاد في فزاف بدخوله غات في ‪ 25‬فبراير ‪1930‬ـ ككاف نصرانيان حقودان على اإلسبلـ كالمسلمين‬
‫لم يرقب في مؤمن إالن كال ذمة‪.‬‬
‫بعد بقائه في ليبيا لمدة تسع سنوات متتالية كبعد احتبلله الغاشم لفزاف‪ ،‬دعى إلى إيطاليا لتشريفه كتكليفه‪.‬‬
‫ذكر في مذكراته كداعه لطرابلس فقاؿ‪( :‬كداعان طرابلس أرض آالمي كعذابي‪ ،‬غير انه تبقى في ركحي‪ ،‬كداخل نفسي‬
‫ذكريات كل حجر مرتفع في جبالك‪ ،‬كفي صحرائك الواسعة‪ ،‬كلكن لن ينطفئ أبدان ألمي كعذابي من أجل افريقيا كأنت‬
‫ياطرابلس‪.‬‬
‫كفي ركما كانت تنتظرني االحتفاالت التي يطمع كل جندم مخلص أمين يحظى برضا كتصفيق الزعيم الدكتشي‬
‫(موسليني) ‪ ..‬كقد نلت هذا كصفق الزعيم كمجلس األمة اإليطالي لي في جلسة بتاريخ ‪1930/3/21‬ـ‪ ،‬هذا‬
‫االحتفاء كهذا الرضا‪ ،‬كاف أعظم مكافأة في حياتي‪ ،‬فلقد جددت في نفسي حب العمل كالتضحية في سبيل الواجب‬
‫الكبير الذم ينتظرني في ليبيا بجسم متعب في األعماؿ التي تحملها في الماضي‪ ،‬كلكن بالركح كالقلب الحريص كالحاضر‬
‫للعمل‪ ..‬كبعد أف استلمت التعليمات العليا سافرت على السفينة إلى برقة ‪ ..‬كيوـ ‪1930/3/27‬ـ كصلت بنغازم‬
‫التي غادرتها سنة ‪1914‬ـ خبلؿ الحرب العالمية األكلى ككانت رتبتي مبلزـ أكؿ في الجيش اإليطالي‪.‬‬
‫إف التعليمات التي صدرت عن رغبة الزعيم الدكتشي‪ ،‬كقسمت كنظمت من قبل صاحب السيادة دم بونو (كالفريق)‬
‫الماريشاؿ بادكليو‪ ،‬بيتوا فيها تصميم الحكومة الفاشستية القضاء المبرـ على الحركة الوطنية (الثورة) مهما كلف ذلك‬
‫كبكل الطرؽ كالوسائل ألنها القضية البرقاكية(‪.)2‬‬
‫كالتعليمات هي‪:‬‬
‫‪ -1‬تصفية حقيقية لكل العبلقات بين الخاضعين كغير الخاضعين من الثوار سواء في قاعدة العبلقات الشخصية‬
‫أك األعماؿ كالحركات التجارية‪.‬‬
‫‪ -2‬إعطاء الخاضعين أمننا كحماية كلكن مراقبة لكل نشاطاتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬عزؿ الخاضعين عن أم تأثير سنوسي كمنع أم كائن منعنا باتان من قبض أم مبالغ من األعشار كالزكاة‪.‬‬
‫‪ -4‬مراقبة مستمرة كدقيقة في األسواؽ كقفل الحدكد المصرية بكل صرامة بحيث تمنع أم محاكلة تموين لقوافل‬
‫العدك (أم المجاهدين)‪.‬‬
‫‪ -5‬تنقية األكساط المحلية التي توجد بها عناصر تدعي الوطنية ابتداءن بالمدف الكبيرة كخاصة بنغازم‪.‬‬
‫‪ -6‬تعيين عناصر غير نظامية من الطرابلسيين لكي يكونوا قوة مضادة للمجاهدين كتعني بتطهير األقليم من كل‬
‫تمرد أك ثورة‪.‬‬
‫‪ -7‬حركة دقيقة كخفية لكل قواتنا (الطلياف) المسلحة في المنطقة لخلق جو مذبذب ضد كل (األدكار)‪،‬‬
‫كالمعسكرات‪ ،‬كالضغط عليها حتى تتكبد الخسائر كتشعر بأف قواتنا موجودة دائمنا كفي كل مكاف مستعدة للهجوـ‪.‬‬
‫‪ -8‬االتجاق السريع لبلحتبلؿ الكامل لكل أراضي مستعمرة الكفرة(‪.)3‬‬
‫بل لتنفيذ األكامر السالفة الذكر من أسيادق في ركما الكاثوليكية الفاشستية‬
‫هذا هو جزار ليبيا غرسياني الذم جاء محم ن‬
‫الميكيافلية‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت ‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت ‪ٌٍ ،‬جٕشاي غشاس‪١‬أ‪ ،ٟ‬ص‪.84 ،82،83‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت ‪ ،‬ص‪.85 ،84‬‬
‫كمنذ عودة غراسيا ني إلى بنغازم‪ ،‬بدأ نائب الوالي الجديد يضع هذا البرنامج موضع التنفيذ من غير إبطاء معلننا إنه‬
‫سوؼ ‪( :‬يتبع بكل إخبلص تعاليم الدكلة الفاشستية كيسير على مبادئها‪ ،‬ألنه كإف كاف قائد من قواد الجيش كأحد‬
‫الرجاؿ العسكريين إال أنه يدين بمبادئ فاشستية محضة كيعلن هذق الحقيقة بكل كضوح كصراحة تامة)(‪.)1‬‬
‫كاف الجنراؿ غراسياني معركفان بالعجرفة كالطيش كبالجبركت الوهمي‪ ،‬ككاف أكؿ عمل قاـ به في الدكائر المدنية بعد‬
‫كصوله هو إستبداؿ غالب الموظفين اإليطاليين بآخرين ممن يتمتعوف بثقته عندما كاف يعمل في طرابلس‪ ،‬كما جاء‬
‫بقائد جديد للكربنير (الضابطية) هو الكولونيل كاستريوتا‪ ،‬كبالجنراؿ نازم ليكوف مساعدق األكؿ في القيادة العسكرية‪،‬‬
‫كاستعاف بعصابة من المدنيين قد أخذكا ينفذكف أهدافه الشريرة كأفكارق الشاذة بكل الوسائل كمن هذق العصابة‬
‫الكمندتور موريتي (السكرتير العاـ) الكمندتور أجيدم متصرؼ لواء بنغازم‪ ،‬ثم بدأ زيارته للمناطق الخاضعة لنفوذ إيطاليا‬
‫ككانت السلطات تجمع الستقباله جميع األهالي بما في ذلك النساء كاألطفاؿ كالعجزة‪ ،‬فيخطب فيهم متوعدنا‬
‫كمهددان(‪ ،)2‬ككاف يستفتح خطاباته الطائشة بقوله (صموا أفواهكم كافتحوا آذانكم) ليلقى الرعب في نفوس‬
‫المستضعفين الذين استسلموا كخضعوا إليطاليا ككاف قد ألقى كلمة تهديدية في جموع حشدتها السلطات في‬
‫موقع (البريقة) إستهلها بقوله (ما أنتم إال مثل سيجارة موقودة من الجانبين تلتهمها النار من هنا كمن هناؾ حتى‬
‫تصبح رمادان كهاهو ذا أنا أكلع السيجارة من جانبي كيوقدها عمر المختار من جانبه حتى يؤتى عليكم)(‪.)3‬‬
‫كقاؿ في خطاب ألقاق من شرفة قصرق في بنغازم (تحت يدم كتصرفي باخرة تقف في الميناء كبأقل إشارة مني‬
‫تنقل كل من أرل من الصواب نقله إلى إيطاليا كهذا أخف مانعاقب به)(‪ )4‬كفي خطاب تهديدم آخر قاؿ‪ ( :‬عندم‬
‫لكم ثبلثة حاالت‪ ،‬الباخرة الموجودة في الميناء‪ ،‬كأربعة أمتار فوؽ األرض ‪ -‬مشيران إلى أعمدة المشنقة ‪ -‬كرصاص بنادؽ‬
‫جندنا ‪ -‬مشيران إلى القتل رميان بالرصاص)(‪ ،)5‬لقد قاـ غرسياني كحكومته بحشد المجهودات الضخمة للقضاء على عمر‬
‫المختار بالصورة التي كلفت الخزانة اإليطالية في سنة كاحدة ماال يقل عن النفقات التي تتكبدها دكلة عظيمة لمجابهة‬
‫دكلة تماثلها في عدة سنوات‪.‬‬
‫فقد قاؿ السنيور فيتيتي ككيل كزارة الخارجية في حديث له مع سماحة مفتي فلسطين األكبر األستاذ محمد أمين‬
‫الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين‪ ،‬كقد أكرد سماحته هذا الحديث في مذكراته التي أخذت تنشرها جريدة‬
‫أخبار اليوـ‪ ،‬قاؿ ككيل كزارة الخارجية المذكور‪ :‬حقان أف ماكقع في ليبيا سبب لنا متاعب كثيرة فعندما كانت السياسة‬
‫االيطالية تتأثر في الماضي كثيران بالسياسة البريطانية قبل عهد الفاشيست خدعتنا انكلترا كفرنسا فاستولت على أغنى‬
‫كأغلى أقطار أفريقيا‪ ،‬كأغرتنا باقتحاـ ليبيا عاـ ‪1911‬ـ‪ ،‬فلم نجد فيها رغم الجهود المضنية كالخسائر الفادحة في‬
‫األنفس كاألمواؿ غير الرصاص كالرماؿ‪ ،‬كلم نجن من ذلك إال بغض العرب كمقت المسلمين لنا(‪.)6‬‬

‫رابعان‪ :‬المحكمة الطائرة‪:‬‬


‫لم يمض على كصوؿ غراسياني سول اياـ قبلئل حتى أنشاء ماعرؼ في تاريخ االستعمار االيطالي االسود باسم‬
‫المحكمة الطائرة (ابريل ‪1930‬ـ) ‪ ،‬كانت تلك المحكمة تقطع الببلد على متوف الطيارات كتحكم على األهالي بالموت‬
‫كمصادرة األمبلؾ ألقل شبهة كتمنحها للمرتزقة الفاشست ككانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة كتصدر‬
‫احكامها كتنفذ في دقائق كبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أف تغادر الموقع الذم انعقدت فيه لتنعقد‬
‫في نفس اليوـ بموقع آخر‪ ،‬كفتحت أبواب السجوف في كل مدينة كقرية ببرقة كانتزعت األمواؿ من المسلمين بدكف‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ‪ِ ،‬ذّ‪ٛ‬د شٍب‪ ،ٟ‬ص‪.126‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.125‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.126‬‬
‫مبرر‪ ،‬كنصبت أعواد المشانق في كل من العقيلة‪ ،‬كجدابية‪ ،‬كبنغازم‪ ،‬كسلوؽ‪ ،‬كالمرج‪ ،‬كشحات كدرنة‪ ،‬كعين الغزالة‪،‬‬
‫كطبرؽ‪ ،‬كألتفه شبهة كأقل فرية يصدر حكم االعداـ كينفذ في حينه شنقان أك رميان بالرصاص‪ ،‬ككاف مما قتل شنقنا اك‬
‫رميان بالرصاص في مدة ال تزيد عن شهرين من استبلـ غرسياني مقاليد الحكم في برقة؛ المشايخ بحيح الصبحي‪ ،‬على‬
‫بويس العربي كابنه عبدربه بوموصاخ‪ ،‬خيراهلل هليل‪ ،‬محمد يونس بوقادـ‪ ،‬علي حميد ابوضفيرة‪ ،‬إثناف من قبيلة سعيد‬
‫أشقاء حمد الرقيق‪ ،‬كهؤالء من منطقة جدابية‪ ،‬ثم محمد الحداد كابنه بنغازم‪ ،‬كعبدالسبلـ محبوب من االخواف‬
‫السنوسين‪ ،‬سليماف سعيد العرفي (المرج) ‪ ،‬كخمسة عشر شخص بينهم الشيخ سعيد الرفادم (عين الغزالة كغيرهم‬
‫كثير)(‪.)1‬‬

‫خامسان‪ :‬عزؿ المجاهدين ككضع القبائل في معسكرات االعتقاؿ‬


‫الجماعية‪:‬‬
‫بدأ غراسياني ينفذ سياسة عزؿ االهالي الخاضعين عن المجاهدين ‪ ،‬كشرع في جمع االخواف السنوسيين من شيوخ‬
‫الزكايا كأئمة المساجد كمعلمي القرآف بها مع ذكيهم جميعان‪ ،‬ككل من تربطه بأحد هؤالء أية صلة‪ ،‬ككذلك بمشايخ‬
‫كأعياف القبائل‪ ،‬كبكل من يربطه أم نوع من أنواع الصبلت بأحد المجاهدين اك المهاجرين‪ ،‬جيء بهذق المجموعات‬
‫يساقوف الى مراكز التعذيب ثم الى السجوف كلم يشفع في أحدهم سن الشيخوخة الطاعنة‪ ،‬اك الطفولة البريئة أك‬
‫المرض المقعد‪ ،‬اك الضرر المبلزـ‪ ،‬كانشئت معتقبلت جديدة في بنينه كالرجمة‪ ،‬كبرج توبليك كخصص غراسياني مواقع‬
‫العقيلة كالبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء‪ ،‬كالمقركف كسلوؽ في أكاسط برقة الحمراء لتكوف مواقع االعتقاؿ كالنفي‬
‫كالتشريد كالتعذيب لجميع سكاف منطقتي الجبل االخضر كالبطناف بصورة جماعية‪ ،‬كبغير سكاف هذين المنطقتين ممن‬
‫تحوـ حولهم أية شبهة‪ ،‬اك تلفق ضدهم اقل فرية‪ ،‬كأمر بنقل قبائل هاتين المنطقتين المذكورتين الى هذق المعتقبلت‬
‫الخاصة بهم ثمانين ألفان‪ ،‬كماهي في الحقيقة إال مقابر يدفن فيها االحياء كأدان ‪ ،‬فخصص معتقل العقيلة كالبريقة لقبائل‬
‫العبيدات كالمنفا‪ ،‬كالقطعاف ‪ ،‬كالشواعر‪ ،‬كالمسامير‪ ...،‬كلبعض عائبلت االخواف السنوسيين بما في ذلك سكاف‬
‫الجغبوب‪ ،‬كلبعض من سكاف مدينتي بنغازم كدرنه‪ ،‬كاسند حكم هذين المعتقلين لممثلي الظلم كالجبركت كالوحشية‬
‫الفظيعة لكل من كسوني‪ ،‬باريبل (غير باريبل متصرؼ المرج)‪.‬‬
‫كخصص معتقبلن المقركف كسلوؽ لكل من قبائل البراعصة كالدرسا كالعرفا كالعبيد كأتباعهم كشطر كبير من عائبلت‬
‫االخواف السنوسييين الذين سبق أف أبعد غرسياني رجاالتهم الى ايطاليا أك فرقهم بين السجوف المختلفة‪ ،‬جيء بهذق‬
‫القبائل التي بلغ تعدادها الثمانين ألف نسمة يساقوف زمران الى المعتقبلت المذكورة‪ ،‬فمنهم من جاءها عن طريق البحر‬
‫حيث حشركا بالمراكب حشران كمنهم من جاءها عن طريق البر بعد أف أتت إيطاليا على جميع المنقوالت حرقان بالنار‪ ،‬كما‬
‫أحرقت الزراعة كمحصوالتها‪ ،‬كأهلكت الحيوانات فيما عدا ما استعملته للنقل‪ ،‬كأحيط القسم المساؽ عن طريق البر‬
‫بجنود من الصوماليين كاالريتريين ليتعقبوا كل من يتخلف عن المساقين الى حتفهم‪ ،‬كيرمى المتخلف بالرصاص ‪ ،‬ككاف‬
‫الرامي غير مسؤكؿ عن عمله هذا‪ ،‬كأصبحت جميع مناطق الجبل كالبطناف هبلكان تلعب فيه الرياح(‪.)2‬‬
‫لقد اراد غراسياني االنتقاـ من القبائل التي اثبتت االياـ انها نعم العوف للمجاهدين بعد اهلل‪ ،‬فجمع النواجع المنتشرة‬
‫في منطقة الجبل االخضر في أماكن احاطها باالسبلؾ كحدث في تلك المعتقبلت الجماعية مالم يصدقه بشر كال خطر‬
‫على باؿ انساف يعقل‪ ،‬لقد اشتدت المحنة كاعتدل االيطاليوف على االبداف كاالمواؿ كاالعراض في تلك المعتقبلت كلقد‬
‫قاـ الباحث يوسف سالم البرغثي بدراسة متميزة سماها المعتقبلت كاالضرار الناجمة عن الغزك االيطالي كذكر فيها‬
‫بل محزنان‪ ،‬ككثائق تاريخية من أفواق من عاش تلك المرحلة العصيبة التي مربها شعبنا المظلوـ(‪.)3‬‬ ‫تفصي ن‬
‫لقد كصف مراسل جريدة ألمانية زار معسكرات الموت التي جمع فيها غراسياني أكثر من ‪ 80‬ألف نسمة فقاؿ‪ :‬إف‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.126،127‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬ص‪ 113‬اٌ‪.149 ٝ‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪.‬‬
‫االنتقادات التي يوجهها اآلف الفرنسيين كاالنكليز الى خطة الفاشيست في برقة‪ ،‬موجهة في الدرجة االكلى الى التدابير‬
‫التي اتخذها الجنراؿ غراسياني إلجبلء ‪ 80‬ألف بدكم عن اراضيهم ‪ ،‬دكف أف يرعوا حالة هؤالء البدك الركحية‪ ،‬أك يبلحظوا‬
‫تأثير مثل هذا القيد كالحصار فيهم‪ ،‬كال يجوز ألحد أف يخرج من نطاؽ الحصار إال في النهار‪ ،‬بشرط أف يرجع الى مكانه‬
‫قبل أف يخيم الظبلـ ككل كاحد من رؤساء القبائل مسؤكؿ عن اتباعه فردنا فردان‪.‬‬
‫يجب أف نقوؿ أف الحالة السيئة للغاية تفوؽ كل تصور ‪ ،‬فاف معدؿ االموات من األطفاؿ يبلغ ‪ %90‬كأمراض‬
‫العيوف التي ينتهي اكثرها بالعمى كثيرة جدان كمنتشرة كيكاد ال ينجو احد من االمراض‪ ،‬أما غذاء هؤالء المساكين‪،‬‬
‫فاألحسن أف ال نتكلم عنه بالمرة‪ ،‬كمن الطبيعي أف نرل هؤالء يتألموف أشد األلم‪ ،‬كفي الدرجة االكلى من هذق االسبلؾ‬
‫الشائكة ‪ ،‬رمز االسر‪ ،‬كرغم تبلصق الخياـ ‪ ،‬كشدة تقاربها ببعضها‪ ،‬فإف حصرها ضمن اسبلؾ شائكة ‪ ،‬يجب اف‬
‫نعتبرق من المتناقضات الغريبة التي اليتصورها العقل(‪.)1‬‬
‫إف ماارتكب في العقيلة كالبريقة كغيرها من المعتقبلت من جرائم جعل المناضلين في العالم يصرخوف كينددكف‬
‫باالستعمار الفاشيستي في ليبيا فقاؿ عبدالرحمن عزاـ يصف حالة المعتقلين كيلفت األنظار إليهم‪( :‬يبحثوف عن اخبار‬
‫االندلس ككيف اجرل االسبانيوف بالمسلمين هناؾ كمالهم كاالندلس كاالمور جرت في القركف الوسطى فأماـ أعينهم‬
‫طرابلس الغرب فليذهبوا كيشاهدكا باعينهم في هذق االياـ فضائح التقل عما جرل باالندلس)(‪.)2‬‬
‫كعبرّ غراسياني نفسه عن المأساة التي كانت اكبر من قلبه القاس فقاؿ‪( :‬لقد نتج عن هذا كله اف اكثر الناس‬
‫هاجرت كنزحت الى مصر كتونس كالسوداف تاركة كراءها اهلها كذكيها‪...‬فاني حاسبت نفسي كضميرم‪ ..‬االمر الذم‬
‫جعلني لم أنم هادئان اكثر الليالي)(‪ )3‬كيقوؿ مبرران جرائمه البشعة النستطيع انشاء حاضر جديد اذا لم نقض على الماضي‬
‫القديم)(‪.)4‬‬

‫سادسان‪ :‬عمر المختار يغير استراتيجية الحرب‪:‬‬


‫كانت معسكرات المجاهدين قريبة من نواجع االهالي حتى يسهل على المختار كصحبه أخذ العشور كالحصوؿ على‬
‫الذخائر كاألسلحة كالمؤف كلكن بعد حشر القبائل في المعتقبلت الجماعية تغيرت خطة عمر المختار كطور اساليبه‬
‫القتالية لما يتماشى مع المرحلة كاعتمد على عنصر المباغتة كركن الى مفاجأة القوات االيطالية بعد كشفها كاالستطبلع‬
‫عليها في اماكن متفرقة(‪.)5‬‬
‫يقوؿ غراسياني‪ ( :‬بالرغم من ابعاد النواجع كالسكاف الخاضعين لحكمنا يستمر عمر المختار في المقاكمة بشدة كيبلحق‬
‫قواتنا في كل مكاف)(‪.)6‬‬
‫كقاؿ عنه ايضان‪ ( :‬عمر المختار قبل كل شيء لن يسلم أبدان الف طريقته في القتاؿ ليست كالقادة االخرين فهو‬
‫بطل في إفساد الخطط كسرعة التنقل بحيث اليمكن تحديد موقعه لتسديد الضربات له كلجنودق‪ ،‬أما غيرق من‬
‫الرؤساء ‪ ...‬فإنهم أسرع من البرؽ عند الخطر‪ ،‬فيهربوف الى القطر المصرم تاركين جنودهم على كفة القدر معرضين‬
‫لخطر الفناء‪ ،‬عمر المختار عكس هذا فهو يكافح الى أبعد حد لدرجة العجز ثم يغير خطته كيسعى دائمان للحصوؿ على أم‬
‫ال كهنا‬
‫تقدـ مهما كاف ضئيبلن بحيث يتمكن من رفع الركح العسكرية ماديان كمعنويان حتى يقضي اهلل امران كاف مفعو ن‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ‪ ،‬شٍب‪ ،ٟ‬ص‪.188‬‬


‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.346‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌّذّ‪ٛ‬د شٍب‪ ،ٟ‬ص‪.127،128‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫يسلم امرق هلل كمسلم مخلص لدينه)(‪.)1‬‬
‫كاف عمر المختار قطب تدكر عليه رحى االعماؿ‪ ،‬كالتف المجاهدكف حوله التفاؼ السوار بالمعصم كاستمر العمل‬
‫بقيادته كمساعدة معاكنيه كيوسف بورحيل‪ ،‬كالفضيل بوعمر‪ ،‬كعصماف الشامي‪ ،‬عوض العبيدم‪ ،‬كعيسى الوكواؾ‬
‫العرفي‪ ،‬عبداهلل بوسلوـ‪ ،‬كعبدالحميد العبار ككانت مواقف عمر المختار تدؿ على شخصيته القيادية البارعة في أحلك‬
‫الظركؼ كاثناء المحن‪ ،‬ففي احد االياـ كعقب انتقاـ االيطاليين من احد المنتجعات التي كانت تقدـ مساعدات‬
‫للمجاهدين تقدـ بعض زعماء القبائل باحتجاج الى عمر المختار كطلبوا منه اما اف يسلم الى االيطاليين اك أف يرحل عن‬
‫مواطنهم أك انهم سوؼ يحاربونه لكي يتجنبوا انتقاـ االيطاليين‪ ،‬كعلى اثر تسلم هذا االنذار دعا عمر المختار الى عقد‬
‫اجتماع في منطقة قصر المجاهير كقد ساد هذا اللقاء حالة من التوتر كشدة في النقاش في محاكلة لتجنب حرب اهلية‬
‫بين المجاهدين كالليبيين الواقعين في المناطق الخاضعة لبلحتبلؿ ‪ ،‬فرأل بعض المجاهدين تجنبان لهذا الوضع الحرج أف‬
‫يهاجركا الى مصر لكي ال يتعرض األهالي الى االنتقاـ كبعد حوار طويل‪ ،‬اظهر المختار مصحفه كاقسم عليه بأنه لن‬
‫يتوقف عن مجاهدة االيطاليين‪ ،‬كانه لن يترؾ الجبل االخضر حتى يتحقق النصر اك الشهادة‪ ،‬كفي نفس الوقت أعلن‬
‫للم جاهدين انه من يريد الهجرة الى مصر فله مطلق الحرية في السفر اك التسليم لبليطاليين كعندما رأل المجاهدكف‬
‫موقف قائدهم عدلوا عن رأيهم كاطاعوق كانفض االجتماع على كحدة صف المجاهدين(‪.)2‬‬
‫استمر غرسياني في تدابيرق العسكرية‪ ،‬فلم يأت يوـ ‪ 14‬يونيو حتى كاف الطلياف قد استولوا على منطقة الفايدية‪،‬‬
‫بأجمعها كاحتلوها كنزعوا من االهالي الخاضعين لهم ‪ 3175‬بندقية ‪ 60.000 ،‬خرطوش‪.‬‬
‫نقل عمر المختار دائرة عملياته الى الناحية الشرقية في الدفنا نظران لقربها من الحدكد المصرية كذلك حتى يتمكن من‬
‫إرساؿ المواشي التي يأتيه بها األهالي الى االسواؽ المصرية في نظير أخذ حاجته من هذق االسواؽ ‪ ،‬مما جعل‬
‫غراسياني يقرر إقامة االسبلؾ الشائكة على طوؿ الحدكد الشرقية‪ .‬قاؿ‪ ... :‬أف أطمأف على خطوط تمونيه البعيدة‬
‫أصدر أمرق الى قواته الموزعة في كل مكاف أال تزعج بعد اآلف الليبيين الخاضعين لسلطاتنا حتى اليكونوا سبلحان آخر‬
‫ضدق كأال يغضبوا من حركته‪ ،‬كهكذا يصبح أماـ ضميرق بأنه مسلم حقيقي‪ ،‬كنظيف أف مد االسبلؾ الشائكة‬
‫المكهربة على حدكد مصر كادت أف تنتهي كستضيق الخناؽ عليه تدريجيان حتى يقع في الفخ الذم سننصبه له إف مصر‬
‫هي المأكل اآلمين لعدد كبير من اآلالؼ المؤلفة من البرقاكيين الذين ينتموف الى القبائل العمامة كالتي لها امكانياتها‬
‫البشرية كالمادية‪ ،‬ككذلك لها التأثير الكبير على كثير من النفوس التي يسهل تجنيدها كتوجيهها نحو القتاؿ مقتنعين‬
‫بأنهم يدافعوف عن الدين االسبلمي كعن كيانهم معتبرين أننا مغتصبين كمعتدين على حقوقهم ‪ ...‬هؤالء الخارجين عن‬
‫القانوف كمن بينهم اعداؤنا يكونوف المخازف الثانية لتمويل الثورة باالسلحة كالمؤف كالرجاؿ لكل االدكار رغم كل‬
‫االحتياطات التي اتخذتها سلطاتنا الحاكمة‪ ،‬زد على ذلك االمواؿ التي تجمع من لجاف التبرعات من االقطار العربية‬
‫لمساعدة الثوار القائمين بالحرب المقدسة فوؽ الجبل االخضر في برقة كحتى أف اتخذنا كل االحتياطات ضد الخاضعين‬
‫لسلطاتنا كابعادهم فالثوار اليزالوف اقوياء يهاجموننا في كل مكاف(‪.)3‬‬
‫عزـ غراسياني على مد االسبلؾ الشائكة في الحدكد الليبية المصرية المصطنعة من قبل االستعمار مايزيد على‬
‫‪300‬كم من البحر المتوسط الى مابعد الجغبوب كقد كلف الدكلة االيطالية عشرين مليونان فرنكان ايطاليان‪ .‬كقد حقق‬
‫لهم ذلك العمل أمور عدة ذكرها غراسياني في كتابه منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قضى على الثوار‪.‬‬
‫‪ -2‬قضى على التهريب كأصبح دخل الدكلة االيطالية في ازدياد من ناحية الضرائب الجمركية‪.‬‬
‫‪ -3‬قضى على حركة االمدادات التي كانت تأتي للثوار المجاهدين من مصر عن طريق المهاجرين(‪.)4‬‬

‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.129‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٔشأحٗ ‪ٚ‬ج‪ٙ‬ادٖ‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت ‪ ،‬ص‪.229‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.232،233‬‬
‫سابعان‪ :‬استشهاد الفضيل بوعمر‪:‬‬
‫استمرت المعارؾ بين االيطاليين كالمجاهدين كمن اشهر تلك المعارؾ (كرسة) التي كقعت في يوـ ‪ 20‬ديسمبر‬
‫كقد استشهد في هذق المعركة الساعد االيمن لعمر المختار الشيخ الجليل كالمجاهد الفذ الفضيل بوعمر الذم شارؾ في‬
‫مسيرة الجهاد منذ دخوؿ الغزك االيطالي في ‪ 1911‬ـ كشهد له بالشجاعة كاالخبلص في جهادق كقد ذكر عمر المختار‬
‫تفاصيل هذق المعركة في رسالة له جاء فيها اف العدك هاجم المعسكر‪ ،‬ككاف رئيسه السيد فضيل بوعمر كقد‬
‫استشهد في هذق المعركة الى جانب الفضيل اربعوف شهيدنا كقد كجدنا في ميداف القتاؿ مايزيد عن ‪ 500‬من العدك‬
‫كبينهم ماجور كثبلثة ضباط‪ ،‬كشدد الطلياف عملياتهم العسكرية في منطقة الجبل االخضر بعد هذق الواقعة‪ ،‬كاستمرت‬
‫جموعهم تناكش المجاهدين مدة اسبوعين‪ ،‬كلكن دكف الوصوؿ الى نتيجة‪.‬‬
‫كفي اكتوبر ‪ 1930‬ـ تمكن الطلياف من االشتباؾ مع المجاهدين في معركة كبيرة عثر الطلياف عقب انتهائها على‬
‫(نظارات) السيد المختار‪ ،‬كما عثركا على جوادق المعركؼ مجندال في ميداف المعركة؛ فثبت لهم أف المختار مازاؿ على قيد‬
‫الحياة‪ ،‬كأصدر غراسياني منشوران ضمنه هذا الحادث حاكؿ فيه أف يقضي على (اسطورة المختار الذم اليقهر أبدان) كقاؿ‬
‫متوعدنا ‪( :‬لقد أخذنا اليوـ نظارات المختار كغدنا نأتي برأسه)(‪.)1‬‬
‫كمع شدة قبضة االستعمار االيطالي على المدف إال أف ذلك لم يمنع االهالي من القياـ بواجبهم المقدس ‪،‬‬
‫كاستطاعت المخابرات االيطالية اف تقبض على عدد من الليبيين الذين يزكدكف حركة الجهاد بالمؤف كالمعلومات كتم‬
‫اعدامهم كقد ذكر غراسياني بعض االشخاص في كتابه فقاؿ‪ :‬كهنا اعرض بعض االحواؿ الهامة لبعض االشخاص‬
‫الليبيين الذين نفذت فيهم المحكمة الخاصة حكم االعداـ في ‪ 14‬يونيو ‪1930‬ـ عقدت المحكمة الخاصة في‬
‫شحات لمحاكمة المواطن حمد بوعبد ربه الدرسي في الميداف العاـ‪ ،‬باعتبارق خائنان للدكلة االيطالية‪ ،‬ألنه كاف شيخنا‬
‫لبيت من بيوت قبيلته الدرسة‪ ،‬ككاف محترمان من سلطاتنا كلكن اتضح لدل قسم المخابرات إنه يتعاكف مع الثوار في‬
‫امدادهم بالمؤف كالسبلح‪ ،‬ككانت مخياماته تعتبر شبه استراحة لجنود الثوار (المجاهدين) كعدد هذق الخياـ يزيد عن‬
‫عشرين خيمة بمنطقة (قصر بن قدين) المكاف الذم يتزكد منه الثوار بالمؤف كالسبلح‪ ،‬كقد حكم عليه باالعداـ رمينا‬
‫بالرصاص في الميداف بشحات كأماـ الجماهير ‪ ،‬كبعد اسبوع من هذا الحادث حصلت حركة انتقامية من الثوار‬
‫(المجاهدين)‪ .‬هجموا على نفس الميداف ‪ ،‬كفي كضح النهار قتل فيه عدد كبير من جنودنا‪ ...‬ككذلك تاجر من تجار‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫كفي شهر سبتمبر ‪ 1930‬ـ اكتشفت قوة االمن بمنطقة البركة ببنغازم أف المواطن محمد الحداد احد اعياف بنغازم‬
‫كمن تجارها يتعاكف مع ا لثوار كعن طريقه تتم حركة االمدادات من المؤف كاالسلحة ككاف يستضيف في بيته الثوار‬
‫كيمدهم بما يلزمهم كفي الوقت كالحين حضرت المحكمة الخاصة كحكمت على األب كاالبن باالعداـ شنقان أماـ الجماهير‬
‫التي ارادت السلطات االيطالية إحضارهم خصيصان لمشاهدة تنفيذ الحكم‪ ،‬كهذا مثاؿ آخر سليماف سيد شيخ قبيلة‬
‫الطرش‪ ،‬كاف عضوان في مجلس النواب‪ ،‬حامبلن لوساـ النجمة االيطالية للمستعمرات برتبة ضابط‪ ،‬ككاف يرتدم برنوس‬
‫الشرؼ الخاص بالنواب الليبيين كنا نعتمد على آرائه كلم نفكر في يوـ من االياـ أف يكوف ضدنا حكمت عليه المحكمة‬
‫باالعداـ ‪ ،‬ألنه كاف يستغل نفوذق كيتعاكف مع الثوار‪...‬كمن هذا النوع الكثير من المشاهد التي اليمكن حصرها كقد‬
‫نفذ مع مجيء المحكمة الطائرة ‪ 250‬حكمان باالعداـ‪ ،‬كنفذ فيهم الحكم في مدة كجيزة كرغم ذلك الزاؿ الشعب الليبي‬
‫يتعاكف مع الثوار الى درجة الضياع التاـ(‪.)2‬‬
‫إف هذق الحقائق كالم واقف التاريخية تشير الى فاعلية أهل المدف في جمع المعلومات كاألمواؿ كالمؤف كاألسلحة‪،‬‬
‫كتهريبها الى قادة حركة الجهاد المبارؾ‪ ،‬كحرصهم على استمرارية جذكة الجهاد‪.‬‬
‫لقد كجد االيطاليوف أنفسهم في حرب مع شعب دفع بكافة طاقاته نحو ساحات الوغى كالفداء‪ ،‬كشارؾ معظم‬
‫ابنائه بكافة مايملكوف في حركة الجهاد المقدس‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس ‪ ،‬ص‪ 130‬اٌ‪.133 ٝ‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.153،154‬‬
‫ثامنان‪ :‬احتبلؿ الكفرة‪:‬‬
‫بعد اف استطاعت القوات االيطالية أف تعتقل قبائل برقة في معسكرات كاسعة‪ ،‬كاخذ غراسياني في مد االسبلؾ‬
‫الشائكة على طوؿ الطريق على البحر المتوسط الى مابعد الجغبوب ليفصل برقة عن مصر ككاف قد شرع في جمع‬
‫قواته الضخمة من مختلف كحدات الجيش االيطالي كالجيوش الملونة من المرتزقة كمن المعدات الحربية إلحتبلؿ‬
‫الكفرة‪.‬‬
‫كانت نقاط االحتشاد هي العقيلة‪ ،‬كمرادة كجدابية كجالوا‪ ،‬كحشدت ايطاليا عددان كبيران من االبل استعدادان لنقل‬
‫المؤف الى جانب سيارات النقل الكثيرة‪ ،‬هذا ماكاف عن استعداد القيادة االيطالية ببرقة‪ ،‬أما عن القيادة االيطالية‬
‫بطرابلس فقد جهزت هي االخرل حملةمماثلة بقيادة الكونيل قالينا ككانت نقطة ارتكاز هذق الحملة كاحة زلة ككانت‬
‫القيادة العامة للحملة الموحدة تتمثل في شخص الجنراؿ ركنكيتي تحت اشراؼ الجنراؿ غرسياني مباشرة كتحركت‬
‫الجيوش االيطالية من طرابلس كبرقة في كقت كاحد كبنظاـ موحد تسلك طريق الصحراء الى الكفرة‪ ،‬كتجمعت يوـ‬
‫‪ 29‬شعباف سنة ‪ 1349‬هػ بموقع الهوارم‪ ،‬كهناؾ اشتبكت قواتهم مع المجاهدين في اكلى المعارؾ ككانت معركة‬
‫غير متكافئة‪ ،‬كقد اشترؾ قسم من الطائرات االيطالية مكوف من عشرين طائرة‪ ،‬كاستمرت المعركة ثبلثة ساعات‬
‫قتل اثناؤها العدد الكثير من االيطاليين كمن المدافعين الذين ماكانوا يفكركف في صد العدكاف طويبلن كلكنهم يحاكلوف‬
‫إيقافه بعض الوقت ريثما يتمكن من يستطيع الفرار ليأخذ طريقه الى السوداف أك مصر(‪ ،)1‬لقد قاتل المجاهدكف‬
‫جميعان بشجاعة كبسالة نادرة ‪ ،‬فلم يكفوا عن القتاؿ‪ ،‬كاستشهد العشرات ككقع في أسر الطلياف ثبلثة عشر فقط‪،‬‬
‫كغنم الطلياف مائة بندقية‪ ،‬كاحتلوا الكفرة‪ ،‬كهتكوا االعراضن كفعلوا مالم يفعله انساف‪.‬‬
‫لقد كتب غراسياني عن اهتمامه بإحتبلؿ الكفرة‪ ،‬كعن االستعدادات التي اتخذتها الحكومة االيطالية اكثر من‬
‫خمسة كاربعين صفحة‪ ،‬لقد اعترؼ غراسياني بقوة كشجاعة المجاهدين الذين تعرضوا لقتاؿ االيطاليين عبر الصحراء‬
‫الكبرل‪ .‬قاؿ غراسياني ‪ :‬لقد حملتنا خسائر فادحة ككنا حريصين على تحقيق النصر بأم ثمن لكوف قوات المجاهدين غير‬
‫متكافئة‪ ،‬رغم هذا كله كانوا اشداء اقوياء صامدين ‪ ،‬صابرين اليتقهقركف ابدان حتى كلو ادل ذلك لفنائهم جميعنا‬
‫مؤمنين بأنهم اصحاب حق كشجاعة(‪.)2‬‬
‫لقد اعترؼ العدك بهم كاف زادهم التمر كالشعير كمع ذلك دكخوا ايطاليا‪ ،‬ككاف من بين القادة الذين اثخنوا في‬
‫االعداء عبدالحميد بومطارم الذم تزعم قيادة الزكية كالمغاربة في تلك المرحلة في جهادها ضد ايطاليا‪ ،‬كصالح االطيوش‬
‫كسيف النصر الذم قاؿ فيهم غراسياني‪( :‬لقد كصل سيف النصر‪ ،‬كصالح االطيوش الى المنطقة كبصحبتهم الذين‬
‫هاجركا من القطر الطرابلسي فأصبح الموضوع دقيقان كباالخص صالح االطيوش فهو مكابر كشديد المراس(‪.)3‬‬
‫إف المجاهد صالح االطيوش من المجاهدين العظاـ الذين ساهموا في الذكد عن حياض المسلمين لقد شهد له‬
‫عدكق غراسياني بشدة مراسه‪ ،‬فله منا الدعاء بالمغفرة كالرحمة كالرضواف كله كلجميع اخوانه الذين سطركا لنا صفحات‬
‫من البطولة كالرجولة للذكد عن ديننا العظيم‪.‬‬
‫إف ع ائلة آؿ االطيوش تعرضت لببلء عظيم ‪ ،‬كلقد اعطى السنوسي االطيوش صورة حية عن ذلك الببلء الذم‬
‫كابدق الفاركف من جحيم الكفرة في ذلك الوقت‪.‬‬
‫إف اسرة عائلة االطيوش أسرة مشيخة أصيلة في قبيلة المغاربة‪ ،‬تعد نموذجان لما قاسته مختلف العائبلت الليبية‬
‫البارزة عبر فترة الكفاح الطويل ضد االيطاليين‪ ،‬فمن المعلوـ أف الكيبلني األطيوش‪ ،‬الذم عينه الوالي التركي في منصب‬
‫القائمقاـ الكفرة سنة ‪ 1910‬ـ ‪ ،‬توفي في العاـ التالي مباشرة كهو في طريقه الى جالوا لبللتحاؽ بقوات المقاكمة‬
‫التركية ضد الغزك االيطالي‪ ،‬كأخوق سعيد قضى نحبه خلف اسوار معتقل ايطالي في العقيلة كمن بني أخيه كاحد شنقه‬
‫الطلياف في سرت‪ ،‬كعبداهلل استشهد في معركة النوفلية‪ ،‬كما قتل في البريقة اثناف آخراف هما علي كاحمد عبد‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.129،130‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫عبدالقادر الذم قتل في سرت سنة ‪1918‬ـ كاآلخر استشهد في معركة سرت بالقرب من اجدابية‪ ،‬ككذلك فقدت‬
‫هذق العائلة مااليقل عن اربعة آخرين ماتوا في أثناء محاكلة النجاة بأركاحهم من الكفرة‪.‬‬
‫فعندما هاجم االيطاليوف الكفرة رحل صالح باشا االطيوش بأهل بيته‪ ،‬ككاف من بينهم السنوسي ابن أخيه‪ ،‬كبضعة‬
‫اشخاص آخرين ‪ ،‬في قافلة من االبل اتجهوا بها أكالن صوب العوينات على حدكد السوداف‪ ،‬فبلغوها بعد ستة اياـ‪،‬‬
‫كهناؾ مؤلك قربهم بالماء كانقسموا الى فريقين‪ ،‬توجه أحدهما الى الشماؿ نحو كادم النيل‪ ،‬بينما عمد الفريق اآلخر الى‬
‫مرقة كهي كاحة صغير غير مأهولة تقع في ناحية الجنوب الشرقي بالسوداف‪ .‬كيبلغ طوؿ هاتين المسافتين ‪ 500‬ميل‬
‫ك ‪ 300‬ميل على التوالي‪ ،‬أم مسيرة ‪ 25‬يومان ك‪ 15‬يومنا بمعدؿ سير االبل العادم‪ ،‬كلم يكن ثمة أم أثر يمكن للمسافر‬
‫اقتفاؤق كال مورد ماء في الطريق‪ ،‬كال احد يستطيع اف يتصور مدل خطورة رحلة كهذق مالم يكن قد جرب اجتياز تلك‬
‫الصحارل على ظهر جمل كقد حكى السنوسي االطيوش قصة تلك الرحلة فقاؿ‪( :‬بعد مسيرة عدة أياـ اخفقنا في‬
‫الوصوؿ الى مرقة كعرفنا أننا تائهوف في الصحراء ‪ ،‬فرجعنا ادراجنا نقصد العوينات‪ .‬لما كنا استنفذنا مؤنتنا من المياق‪،‬‬
‫أصبحنا مضطرين الى نحر ناقة أك جمل كل يوـ لشرب الماء المخزكف في بطوف االبل‪ ،‬ككاف كل منا يحمل في مخبلته‬
‫بعض لحم الذبيحة كيأكل اثناء السير كمع اف المسافة التي قطعناها منذ خركجنا من العوينات كانت قد استغرقت منا‬
‫ثمانية اياـ كاملة‪ ،‬فقد بلغت بنا شدة المحنة اننا في طريق العودة قطعنا نفس المسافة خبلؿ أربعة اياـ فقط‪،‬‬
‫راكبين اك ماشين ليل كنهار كفي العوينات مؤلنا قرب الماء من جديد‪ ،‬كبعد استراحة قصيرة كاصلنا السفر عامدين نهر‬
‫النيل رأسان‪ ،‬باقتفاء آثار الفريق اآلخر من جماعتنا‪ ،‬كعثرنا في الطرؽ على جثث البعض‪ ،‬كمن بينهم امي كأختي كاثنين من‬
‫اخوتي قصفتهم طائرات الطلياف‪ ،‬اك ماتوا عطشا‪ .‬ككنا نغذ السير ليل نهار حتى كصلنا آبار كريم بعد تسعة اياـ كنحن‬
‫اقرب الى الموت منا الى الحياة‪ ،‬كهناؾ اسعفنا الحظ بلقاء بعثة استكشافية كاف قد نظمها االمير عمر طوسوف‬
‫بقيادة ضابط بريطاني ‪ ،‬فحملتنا معها الى كاحة الخارجة ثم الى الداخلة‪ .‬كمنها انتقلنا الى المنيا حيث استقر بنا المقاـ مع‬
‫ناس من قبيلة الجوازم التي تربطنا بها صلة القرابة‪ .‬كمكثنا هناؾ حتى عاـ ‪1940‬ـ كعندها التحقنا بالقوات الليبية‬
‫تلبية لنداء االمير)(‪.)1‬‬
‫إف هذق القصة الحزينة تعطينا صورة كاضحة عن ماكابدق الليبيوف الذين استطاعوا الهركب من هجمة غراسياني‬
‫الوحشية على الكفرة‪ ،‬كتلك الغارة الهمجية‪ ،‬كلقد تأثر العالم االسبلمي من األخبار التي سمعوها من العوائل الليبية التي‬
‫كتب اهلل لها النجاة‪ ،‬كقد قاـ االمير شكيب ارسبلف بدكر مشكور في توضيح تلك االعماؿ‪ ،‬ككتب مقاالت صادقة‬
‫أصبحت كثائق مهمة للمؤرخ لتلك المحنة العظيمة التي مرّ بها الشعب الليبي المسلم فقد قاؿ‪....( :‬إنهم لما احتلوا‬
‫كاحة الكفرة في ‪ 13‬يناير من سنة ‪1931‬ـ استباحوا قراها ثبلث أياـ فقتلوا ماصادفوق من األهالي ككاف من جملة‬
‫القتلى بعض الشيوخ االجبلء مثل محمد عمر الفضيل‪ ،‬كالسيد حميد الفضيل‪ ،‬كالشيخ فضيل الديفار كغيرهم ممن قتلوق‬
‫صبران غير داخل في ذلك من قتلوا من المعركة التي جرت بين االهالي كجيش الحملة الطليانية كهم ‪ 200‬شخص ثم‬
‫اف الطلياف انتشركا في القرل كالبساتين كنهبوا كل ماكقع في ايديهم كلم يرحموا الشيوخ كال االطفاؿ كال النساء‬
‫كصادفوا الشيخ مختار الغدامسي كهو شيخ فاف بلغ ثبلثان كتسعين سنة‪ ،‬كمن جلة علماء السنوسية فحملوق مقيدان‬
‫بالحباؿ على جمل كنفوق من الكفرة فمات في الطريق‪ .‬ثم اغتصبوا النساء في اعراضهن كقتلوا منهن كثيران ممن دافعن‬
‫الى اآلخر عن اعراضهن‪ .‬ككاف نحو من ‪ 200‬امرأة من نساء االشراؼ قد فررف الى الصحراء قبل كصوؿ الجيش‬
‫االيطالي‪ ،‬فأرسلوا قوة في أثرهن حتى قبضوا عليهن كسحبوهن الى الكفرة حين خبل بهن ضباط الجيش الطلياني‬
‫كاغتصبوهن كهكذا نزلوا المعرات بسبعين اسرة شريفة من أشراؼ الكفرة الذين كانت الشمس تقريبان الترل كجههن‬
‫من الصوف‪ ،‬كالعفاؼ‪ ،‬كقد أشارت الصحف الطليانية الى هذق الحادثة كصرحت في باب االفتخار قائلة‪( :‬إف الجيش‬
‫قبض على ‪ 200‬امرأة من نساء الزعماء) كقرأنا ذلك باعيننا كلحضنا اف مقصود الببلغ العسكرم االيطالي التبجح بكوف‬
‫حبلئل زعماء الكفرة صرف الى الضباط إال اننا انتظرنا جبلء االخبار من الجهة الثانية حتى نعلم ماذا جرل بعد التثبت ‪،‬‬
‫فمضى شهر حتى كردت االخبار من المهاجرين الذين دخلوا حدكد مصر بأف هؤالء السيدات المقصورات الناشئات في‬
‫اكرـ بيوت الطهارة كالصوف قد قبضوا عليهن في الصحراء كصرف الى أكلئك الفجرة الذين اليعرفوف لصيانة العرض‬
‫معنى كاليقيموف للشرؼ كزنا‪ .‬كعلمنا أف بعض شيوخ الكفرة الذين احتجوا على هتك اعراض السيدات المذكورات قد‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌٍّه ادس‪٠‬س ػاً٘ ٌ‪١‬ب‪١‬ا‪ ،‬ص‪.58،59‬‬


‫أمر القائد بقتلهم ثم لما هج هائج العالم االسبلمي من جراء هذا الخبر كاشباهه اذاعت الحكومة االيطالية تمويهان ظاهرنا‬
‫زعمت فيه أف الجيش تأثر للنسوة المائتين المذكورات شفقة عليهن كألجل أف يرجعن الى بيوتهن آمنات كغير ذلك‬
‫من االقاكيل التي قصدت ايطاليا بها تخدير اعصاب المسلمين الذين بلغهم ماكاف جرل بالكفرة من هذق الفضائع من‬
‫هتك اعراض مخدرات المسلمين كمن استباحة الزاكية السنوسية المسماة (التاج) كأراقة الخمور فيها‪ ،‬كدكس المصاحف‬
‫الشريفة باالقداـ هذا منظمان الى ماكن بلغهم من قبل من اجبلء ‪ 80‬ألفان من عرب الجبل االخضر عن اكطانهم كاماتتهم‬
‫بالجوع كالعطش‪ ،‬كاخذ اطفالهم قهران الى ايطاليا ألجل تنصيرهم الى ماكاف بلغهم من فظائع كثيرة مثل حمل الشيخ‬
‫سعد شيخ قبيلة (الفوائد) كخمسة عشر شيخان من رفاقه بالطائرات كقذفهم بهم من الجو على مشهد من أهلهم حتى‬
‫إذا كصل احدهم الى االرض كتقطع اربان صفق الطلياف طربان كنادكا العرب قائلين (ليأت محمد هذا نبيكم البدكم الذم‬
‫أمركم بالجهاد كينقذكم من أيدينا) هذق حادثة كغيرق من األمور في هذا الشأف كثيرة جرحت قلوب المسلمين‪ ،‬فجرت‬
‫مظاهرات بالشاـ‪ ،‬كحلب ‪ ،‬كطرابلس الشاـ‪ ،‬كبيركت‪ ،‬كفلسطين ‪ ،‬كانعقدت اجتماعات في كل مكاف لبلحتجاج على‬
‫أعماؿ إيطاليا‪ ،‬كأبرؽ المسلموف باالحتجاجات الشديدة الى جمعية االمم بجنيف كالى نفس موسيلني بالعبارات القاسية‬
‫كقامت قيامة الجرائد العربية كحملت على توحش الفاشيت من كل جانب كامتؤلت جرائد مصر باالحتجاج كالطعن في‬
‫ايطاليا الى أف عطلتها الحكومة المصرية اجابة لطلب الحكومة االيطالية ككصل الصريخ الى الهند كالجاكل كأضج‬
‫المسلموف لهذق االخبار كانعقد في الجاكل اجتماع كبير حضرق ألوؼ مؤلفة من المسلمين كخطبوا خطبان شديدة كدعوا‬
‫الى مقاطعة البضائع االيطالية ‪ ،‬كتدخلت الحكومة الهندية في األمر كانتصرت اليطاليا بمقتضى قاعدة التكامل‬
‫االكركبي بوجه المسلمين ‪ ،‬كقاعدة التكافل االستعمارم بوجه االمم المقهورة كاشاع قناصل ايطاليا اف كل هذق‬
‫االخبار عمّا حل بمسلمي طرابلس ملفقة ال أصل لها كبلغت بهم الوقاحة أنهم كانوا يخاطركف الناس مخاطرة على أف‬
‫يذهبوا الى طرابلس بأنفسهم ليشهدكا كذب هذق االقاكيل كبلغ بهم البهتاف أنهم اشاعوا ايضان أف ايطاليا اقترحت‬
‫على جمعية االمم اف ترسل الى طرابلس لجنة من عندهم للتحقيق عما ينسب الى رجالها من األعماؿ الشنيعة التي هم‬
‫أبرياء منها‪ ،‬ككل هذا اختبلؽ محض قصدت به ايطاليا التمويه كتخدير االعصاب كصرؼ المسلمين عن مقاطعة‬
‫بضائعها‪ ،‬كقد سكن كثير من المسلمين الى هذق التكذيبات كهدأ بالهم كالحق خبلؼ ذلك‪ ،‬ككل ماشاع من االخبار‬
‫عن اعماؿ الطلياف السيما بعد مجيء دكؿ الفاشيست هو دكف الواقع‪ ،‬كلو تأمل المسلموف فيما يأتيه الفاشيست في‬
‫نفس ايطاليا من الموبقات كمن اغتياؿ اعدائهم السياسيين ‪ ،‬كمن حجر كل حرية كمن منع تأليف كل حزب يخالف‬
‫حزبهم كأماـ هذا االنتقاـ الرهيب من المسلمين في قتلهم كتغريبهم عن ديارهم‪ ،‬فبل تسأؿ ‪ ،‬فقد أصبحت في حكم‬
‫المتواتر الذم اليصح فيه المراء باالتفاؽ عشرات االلوؼ من االهلين على ركايته فقد نزح عن طرابلس كبرقة نحو من‬
‫مائتي ألف نسمة كقيل من ‪ 300‬الف نسمة منهم ‪ 20‬ألف دخلوا تونس كالجزائر‪ ،‬كمنهم ‪ 60‬الفان دخلوا مصر‪ ،‬كمنهم‬
‫من شردكا الى السوداف‪ ،‬كمنهم من تفرقوا في الصحارل كقد اطبقوا بأجمعهم على صحة هذق االخبار كمشاهدتهم تلك‬
‫االفعاؿ بالعياف‪ ،‬كانه ليستحيل اتفاؽ األلوؼ المؤلفة على الكذب هذا فضبلن كوف هذق المظالم حقيقة راهنة ماكاف‬
‫هذا العدد الكبير من االهالي يترؾ كطنه كيهيم على كجهه في البرارم اك يلتمس الرزؽ عامبلن في أرض غيرق بعد اف كاف‬
‫سيدان في أرضه‪ ،‬كمن أغرب المتناقضات كالتناقض من عادة كل كاذب‪ ،‬أنه بينما ممثلوا ايطاليا في ببلد االسبلـ‬
‫يذيعوف أف من شاء أف يذهب الى طرابلس بنفسه ليتحقق من كذب تلك االخبار عن فظائع الطلياف فيها فإف ابواب‬
‫طرابلس مفتوحة لمن شاء الذهاب الى هناؾ كبينما قنصلهم في بيركت يشيع ذلك في بيركت‪ ،‬كبينما الحكومة‬
‫االيطالية تقوؿ هذا القوؿ لشوكت علي الزعيم المسلم الهندم أذا بقيت ايطاليا مدة طويلة بعد احتبلؿ الكفرة‬
‫كحوادثها المؤلمة تمنع كل دخوؿ كخركج بين الحدكد المصرية كالحدكد البرقاكية لئبل يقف اهل مصر على الحقائق‬
‫كاالخبار فيزدادكا هياجان‪ .‬كلكن الحقائق البد أف تظهر كاليمكن ايطاليا اخفاء كل ماتأتيه من االعماؿ الوحشية في‬
‫طرابلس كليس المسلموف كحدهم هم الذين شاهدكا أعماؿ الطلياف كضجوا منها بل ثمة كثير من االفرنج شاهدكها‬
‫كأنكركها(‪.)1‬‬
‫لقد قاـ االمير شكيب ارسبلف بدكر مشكور في الدفاع عن الليبيين كاظهار كحشية االيطاليين ‪ ،‬كلقد كتب في‬
‫صحف ذلك الزماف مقاالت حزينة‪ ،‬بيّن فيها االعماؿ الوحشية التي قاـ بها االيطاليوف ضد الشعب الليبي المظلوـ‬

‫( ) أظش‪ :‬داضش اٌؼاٌُ االسالِ‪.)69،70،71،72/2( ٟ‬‬


‫كهذق كثيقة اخرل تاريخية لمقاؿ كتبه االمير شكيب في مجلة الدكلة العربية كلقد انتشر هذا المقاؿ شرقان كغربان كنص‬
‫هذا المقاؿ‪:‬‬

‫تاسعان‪ :‬دكر الصحافة االسبلمية‪:‬‬


‫التعذيب االيطالي في طرابلس‬
‫تحرير االمير شكيب ارسبلف‬
‫كانت الحركة االسبلمية تائهة عن كل مايحدث في طرابلس من تعذيب كهمجية من البرابرة االيطاليين الذين‬
‫ماأتوا الى هذق األرض إال ليؤخركها عن التقدـ كالمدنية‪ ،‬بعكس ماكانوا يقولوف كيكتبوف ‪ ..‬نعم اف الناس علمت بأف‬
‫الحكومة ايطاليا الفاشيستية نقلت مايزيد عن ‪ 80‬ألف عربي من الجبل االخضر ككضعتهم في الصحراء (سرت) ‪...‬‬
‫نزعت منهم اراضيهم بحجة التعمير كاف المعمرمين االيطاليين هم احق من أم أحد آخر‪ ،‬النهم يتقنوف هذا العمل أكثر‬
‫كأحسن من العرب‪.‬‬
‫إف العالم علم بأف الجيش االيطالي احتل الكفرة ككاحاتها بعد قتل السكاف العزؿ كالثوار الذين دافعوا عن كطنهم‬
‫الى النهاية‪ ،‬كاف الصحافة االيطالية تتبجح كتنشر بأف جيشها اسر مائة امرأة كهن زكجات الشيوخ هناؾ‪.‬‬
‫كفي مجلتنا (الدكلة العربية) كجهنا سؤالنا الى االيطاليين الفاشستيين عن معنى هذا التبجح باسر مائة امرأة‪.‬‬
‫مع العلم باف التقاليد كالعادات العالمية كباالخص البيئة العربية التي تنفي اضطهاد المرأة أك النساء خصوصان اثناء‬
‫قياـ الحرب‪ .‬كلكن ماكنا نعتقد أف دكلة تعتبر نفسها من دكؿ البحر االبيض المتوسط مهد الحضارة االكركبية اف تصل‬
‫الى هذق الدرجة من االنحراؼ كالخركج عن جادة التمدف كالرقي‪ .‬لم يسبق في تاريخ البشرية بل في تاريخ البربرية ‪ ،‬أف‬
‫معاملة الجيش االيطالي الفاشيستي للنساء هي معاملة كحشية بدرجة تتقزز منها النفوس‪ ،‬فهي معاملة سيئة سواء‬
‫في طرابلس أك في برقة‪.‬‬
‫اف هذق االخبار لم تكن نسيجان من خياؿ اكفكرة طارئة كانما هي حقائق يركيها من اسعدق الحظ بالنجاة من المذابح‬
‫التي قاـ بها الجيش االيطالي الفاشيستي‪.‬‬
‫شرحوا لنا مايلي‪:‬‬
‫‪ -1‬عندما اتجهت القوات االيطالية الحتبلؿ الكفرة كانت معززة بالطائرات التي تلقي قنابلها على السكاف العزؿ من‬
‫شيوخ كنساء كاطفاؿ كخبلؼ هذا سمحوا لجنودهم اف يعبثوا بالسكاف لمدة ثبلثة أياـ مطلقي االيادم في البيوت‬
‫كاألسواؽ كالمساجد كفي كل النواحي تصرفات كحشية لم تخطر عللباؿ احد نهبوا كقتلوا كاحرقوا كل مامركا به كلم‬
‫يتركوا أم جريمة تخطر ببالهم إال كارتكبوها‪ ،‬قتلوا العلماء كالمشائخ‪ ،‬هتكوا حرمات البيوت كبقركا بطوف النساء كاف عدد‬
‫العائبلت التي قضي عليها عند احتبلؿ الكفرة يزيد عن ‪ 70‬عائلة من علية القوـ‪ ،‬كعبلكة على هذا فقد اتخذكا زاكية‬
‫السنوسي (التاج) كحانة شربوا فيها الخمر حتى ثمالة الجنوف كشربوا نخب القضاء على المسلمين كاحتبلؿ طرابلس‬
‫كبرقة ‪ ..‬ألقوا بالمصاحف القرآنية في االصطببلت تحت سنابك الخيل كبالكتب العلمية اكقدكا بها النار تحت قدكرهم‬
‫لطهي طعامهم‪ .‬كقد استشهد من الثوار في احتبلؿ الكفرة مايزيد عن (‪ )200‬شهيد من بينهم المشايخ اآلتية‬
‫أسماؤهم‪:‬‬
‫الشيخ صالح العبادية‪ ،‬الحاج سليماف بومطاكم‪ ،‬الشيخ غيث بوقنديل ‪ ،‬الشيخ سليماف الشريف‪ ،‬الشيخ محمد يونس‪،‬‬
‫الشيخ احمد بو اشناؾ كحفيدق الشيخ عمر‪ ،‬الشيخ حمد الحامي ‪ ،‬الشيخ عبدالسبلـ بوسريويل‪ ،‬الشيخ محمد المسحوؽ‬
‫كحفيدق على بن حسين ‪ ،‬الشيخ محمد العربي‪ ،‬الشيخ محمد بوسجادة الشيخ محمد الفايدم الجلولي ‪ ،‬الشيخ خليفة‬
‫الدالؿ‪ .‬أما الركاية الثانية هي كيف تم احتبلؿ الكفرة من اكلئك الغاشمين المتوحشين من مشاهدين حقيقيين لتلك‬
‫االحداث‪ ،‬قبل دخوؿ االيطاليين الى الكفرة قامت طائراتهم بقصف كاحات الكفرة بقنابلهم الفتاكة فوؽ السكاف‬
‫العزؿ حيث قتل عدد كبير من النساء كالشيوخ كاالطفاؿ ‪ ،‬كبعد أف دخلوا الكفرة اطلقوا أيدم جنودهم لمدة ثبلثة أياـ‬
‫للعبث كالتخريب في الكفرة فقد اطلقوا بغالهم كخيولهم حيث دكت كل المزركعات فاستولوا على كل المواد الغذائية‬
‫كقطعاف االغناـ كالبقر لتموين جنودهم المحتلين دكف مقابل كعبلكة على هذا نهبوا اثاث السكاف كقسموها على ادارات‬
‫الجيش الزاحف كذلك مبلبس النساء كحليها‪ ،‬هذا قليل من كثير زد على ذلك اعتداءاتهم على حرمات الناس العزؿ‬
‫دكف كازع من ضمير‪ ،‬كعندما اتجه بعض المشايخ الى قائد الحملة راجين منه اصدار امرق الى الجنود بالكف عن هذق‬
‫االعتداءات على الناس كاف مصيرهم القتل رميان بالرصاص باعتبارهم خونة‪ ،‬كباالختصار اف االيطاليين عندما احتلوا الكفرة‬
‫قاموا بأعماؿ كحشية لم يسبق اف حدثت في التاريخ حتى في القركف الوسطى عهد الهمجية‪.‬‬
‫اف قضية الػ ‪ 80.000‬عربي الذين نقلتهم القوات الغاشمة من اراضيهم الخصبة في الجبل االخضر الى مناطق‬
‫جدبة صحركاية ال ماء فيها كال كؤل‪ ،‬هي منطقة (سرت) كي تموت المواشي جوعان‪ ،‬كعطشان ‪ .‬أما البقية فقد استولى‬
‫عليها الجنود االيطاليوف كاصبحوا فقراء تدفع لهم الحكومة االيطالية فرنكين عن كل يوـ لكل شخص مهما كاف عدد‬
‫عائلته‪ .‬اما بالنسبة لحلي النساء كمبلبسها فقد نهبها الجنود االيطاليوف‪ ،‬كاصبحت العائبلت في هوة الفقر سواسية‪.‬‬
‫كفي اثناء مرافقة هذا العدد الضخم من رجاؿ كنساء كأطفاؿ‪ ،‬كاف الجنود يسومونهم سوء العذاب ككل من يعجز عن‬
‫المسير مصيرق الموت فيقتلونه كيتركونه يتخبط في دمه‪.‬‬
‫اف الرجاؿ كالشباف الذين تتركاح اعمارهم من ‪ 15‬الى ‪ 40‬سنة اجبركا على االنخراط في قوات الجيش‪ .‬كاما الصغار‬
‫الذين تتركاح اعمارهم من ‪ 14‬سنة فقد اخذكا بالقوة من أهليهم كارسلوا الى ايطاليابحجة تعليمهم‪ ،‬كلكن في الحقيقة‬
‫من اجل تنصيرهم‪.‬‬
‫كهذا ماكاف يتحدث به سكاف (ركما) كهو تنصير الليبيين بصورة عامة كالطرابلسيين بصورة خاصة‪ .‬كرغبة‬
‫االيطاليين الفاشستيين هي القضاء المبرـ على العنصر االسبلمي في ليبيا‪ ،‬فاذا ليبيا تصير ايطالية كبجوارها مصر‪،‬‬
‫سوؼ تتعرض الى أكبر خطر‪ .‬كاف مصر لن تسكت عن هذا االجراء الف االيطاليين في اعتقادهم المريض اف مصر‬
‫ليست دكلة عربية‪ ،‬كانما هي خليط من عدة اجناس‪ ..‬األمر الذم يجعل ايطاليا تحكم بأف تغزك مصر كتتمكن من اراضها‬
‫كشعبها كما تمكنت من طرابلس ‪ .‬اف الوعود المعسولة التي كانت تصرح بها السلطات االيطالية‪ .‬كتمنياتها الطيبة‬
‫التي كانت تعرضها على الشعب الليبي كانها ‪-‬يعني ايطاليا‪ -‬ما أتت إال لتخلص الشعب الليبي من االستبداد التركي‪.‬‬
‫كألجل اف تذر الرماد في أعين الناس‪ ،‬أتت بادريس كقلدته لقب االمارة ككعدته بالحكم الذاتي‪ ،‬كلكن كانت دائمان كعودان‬
‫فقط‪ .‬كهاهي ايطاليا تلغي كل شيء كتبدأ في سفك الدماء كتطرد السكاف من اراضيهم كأموالهم كأخذت اكالدهم‬
‫كبناتهم الى ايطاليا من أجل تعليمهم‪ ،‬كفي الواقع من أجل تنصيرهم‪ ..‬اني اقل على المسلمين اف يتذكركا هذق كله‬
‫كاف يتفهموق ‪ ..‬فاف هناؾ من يتفلسف كيتشدؽ بالقوؿ بأف في اكركبا تسود العدالة كالحرية‪ ،‬كاف الدكؿ االكركبية ال‬
‫تتعرض للقضايا الدينية‪ ،‬كاف السبب في سقوط المسلمين هو التعصب االعمى‪ :‬اف هذق االلفاظ كهذق المغالطات‬
‫تنذر المسلمين جميعان بأنهم إذا لم يتحدكا كيذكدكا عن حياضهم سوؼ يتعرضوف الى القضاء كيفقدكف قواتهم‬
‫المسلحة كحرياتهم السياسية‪ ،‬سوؼ يحدث لهم كما حدث لطرابلس إذا لم يحافظوا على حريتهم كاستقبللهم اف‬
‫موقف ايطاليا من حضارة القرف العشرين موقف غير مشرؼ فقد رجعت الى معامبلت القركف الوسطى‪.‬‬
‫اف االيطاليين المتوحشين لم يتحرجوا ال كبيران كال صغيران فقد اعتدكا على الحريات اغتصبوا النساء كهتكوا االعراض‪.‬‬
‫كل هذق االعماؿ من أجل اضطهاد المسلمين كركحهم االنتقامية‪.‬‬
‫لقد زجّ االيطاليوف في السجوف الكثير من االهالي كمشايخ القبائل كقد عارضهم كندد بأعمالهم الشيخ سعد الفايدم‬
‫شيخ قبيلة الفوايد فما كاف منهم إال أف قتلوق كمعه ‪ 15‬من ابناء قبيلته البعض منهم ألقي من الطائرة من علو‬
‫‪ 400‬متر ككلما كانت الطائرة تلقي بواحد منهم هناؾ كاف الهتاؼ يعلو كصياح الجنود يزداد‪.‬‬
‫إف الصحفي الدانماركي الشهير (كنود هولمبوم) الذم اعتنق االسبلـ كقاـ بجولة سياحية أثناء هذق الفترة في ليبيا‪،‬‬
‫قد شاهد بنفسه كعينيه كل التعذيب كاالضطهاد الذم يقوـ به الجنود االيطاليوف الفاشيست يقوؿ‪:‬‬
‫شاهدت ‪ 20‬عربيان مسلسلين ‪ ..‬شنقهم الجنود بأمر من ضابطهم دكف محاكمة كلم تكن هناؾ محكمة‪ ..‬هذا‬
‫المنظر البشع أثر في نفسي كلم يكن في اعتقادق اف دكؿ مثل ايطاليا الفاشستية كهي احدل دكؿ البحر االبيض‬
‫المتوسط تقوـ بمثل هذق القسوة كهذق الوحشية‪ .‬إنها جرائم سيسجلها التاريخ في صفحة سوداء ‪ ،‬كسيبقى كصمة‬
‫عار في جبين الدكلة االيطالية على مدل الدهر كاالزماف‪.‬‬
‫إف ايطاليا ارادت اف تحذك حذك فرنسا في تنصير المسلمين إباف حكمها في المغرب فقد عملت ككزعت المبشرين‬
‫في طوؿ الببلد كعرضها كبنت العديد من المعابد كالكنائس في كل المدف كالقرل لتقضي على الدين االسبلمي كهكذا‬
‫عملت ايطاليا فقد بنت المعابد في طرابلس كبنغازم ككل القرل كأمرت المبشرين بأف يسعوا بكل الوسائل لتنصير‬
‫العرب مهما كاف الثمن‪ .‬كقد فاقت على فرنسا بطريقة اخرل فأخذت االطفاؿ من حجور امهاتهم كبعثت بهم الى‬
‫ايطاليا الى تلك المعاهد المسيحية لتعليم هؤالء االطفاؿ الدين المسيحي‪ ..‬كعزلهم عزالن كليان عن كطنهم كبيئتهم‬
‫‪...‬بحيث يشبوف كيترعرعوف في الجو الفاشستي كالكنيسة المسيحية‪.‬‬
‫اف سياسة ايطاليا الفاشستية هي القضاء على الدين كالعقيدة كابعاد المسلمين عن معابدهم كمساجدهم ككم من‬
‫مرة صرح موسوليني رئيس الحكومة كالحزب الفاشستي في خطاباته بعد احتبلؿ (الكفرة) بأنه عازـ على تثبيت ثبلثة‬
‫مبليين من السكاف االيطاليين في االراضي الليبية الخصبة‪ .‬كقد ايد هذا الرأم الكثير من السياسيين كأبرزها الكثير من‬
‫الصحفيين على صفحات جرائدهم كمجبلتهم‪.‬‬
‫منذ أياـ قرأت بالجريدة الرسمية المرسوـ الملكي القاضي بمصادرة أمبلؾ المواطنين كأكقاؼ المسلمين كالزكايا‬
‫السنوسية كأكقافها‪ .‬كبهذق الطريقة الجهنمية عملت ايطاليا الفاشستية على تملك االيطاليين كل الممتلكات الليبية‬
‫كبالتدريج كابعاد الليبيين من كل المجاالت حتى تصبح ليبيا خالية من كل العناصر كال يبقى بها إال االيطالي المسيحي‬
‫الكاثوليكي‪.‬‬
‫إذ الكبلـ الصادر من الجنراؿ اك المارشاؿ لم يكن إال ذكدان كبهتانان كتضليبلن لتهدئة المسلمين ؟ حتى تستطيع‬
‫السلطات االيطالية الفاشستية تنفيذ أغراضها االستعمارية‪ .‬كهي اف استحوذت على المبليين من هكتارات االراضي‬
‫الزراعية كغيرها (من أين لها هذق االراضي) فالجواب معركؼ‪ .‬استحوذت عليها بطرد أهلها الحقيقين كنقلهم الى‬
‫المناطق الهبلؾ هم كمواشيهم على السواء اماـ أعين العالم المتمدف‪.‬‬
‫كأماـ عصبة االمم‪ .‬كباالختصار تبجح االيطاليوف بقولهم اف طرابلس كبرقة كانتا ركمانيتين ‪ ..‬فبلبد أف ترجعا‬
‫ركمانيتين كما كانتا ‪ -‬هذا هو هدؼ الفاشيست بدكف تردد‪.‬‬
‫إننا النصدؽ مايقولوف لقد خالفوا القواعد الدكلية كاالنسانية‪ ،‬كلم ينفذكا حرفان كاحدان من تعهداتهم الى الطرابلسيين‬
‫كالبرقاكيين‪ ،‬حتى التعهدات الكتابية كاالتفاقات المبرمة بينهم كبين ادريس السنوسي‪ ،‬فكانت عبارة عن اكاذيب‬
‫ككسب للوقت‪ .‬نحن مقتنعوف بأف كل ماكتبناق كأعلناق على المؤل أجمع ستكذبه السلطات الفاشيستية‪ ،‬كستوجد لنا‬
‫مضابط لكي تدحض أقوال نا كلكن كل ماكتبناق ثابت كصحيح كمصدرق من جهة عاصرت االحداث كهي هيئة التحرير‬
‫الليبية في دمشق فقد أثبتت الحوادث كاالعتداءات بالوثائق الرسمية‪ ،‬كباالخص في احتبلؿ الكفرة فقد ارتكب الجنود‬
‫االيطاليوف الفاشيست أبشع الجرائم باعتداءاتهم على النساء كقتلهم الشيوخ كاالطفاؿ‪ .‬كاعتدكا على حرمات المساجد‬
‫كالمقدسات‪ .‬كقد ادعت ايطاليا بأف كل االعماؿ العسكرية التي قامت بها ماهي إال تأديب الناس أعلنوا العصياف على‬
‫دكلتهم‪ ،‬كهذق حجة كاهية اليقبلها العقل كال تقوـ بها دكلة متمدنة كما تدعيه ايطاليا الفاشيستية‪ .‬كاف الثوار في‬
‫العرؼ الدكلي لم يكونوا من العصاة على الدكلة كإنما هم أصحاب حق يدافعوف عنه ‪ ،‬اغتصبه عدك دخيل‪.‬‬
‫بقي علي أف اختتم مقالي هذا الذم كتبته ال أريد منه تحريض المسلمين على أف ينتقموا من االيطاليين الذين‬
‫يعيشوف معهم حاشا هلل نحن لسنا من االنتقاميين كال في الجهل مثل االيطاليين الفاشيست كليس من شيم أخبلقنا‬
‫أف نستعمل القوة على من هو أضعف منا‪.‬‬
‫كاف المسلمين لن يغيركا أبدنا تراثهم الخلقي الذم كرثوق أبنا عن جد‪ .‬كلكني أقترح ماهو آت‪:‬‬
‫‪ -1‬جمعية الشباف المسلمين في كل بلد عليها أف تحتج على كل أساليب االعتداء كاالجراـ التي ارتكبتها ايطاليا‬
‫الفاشيستية في ليبيا‪ .‬كاف ترسل برقية احتجاج شديدة اللهجة الى عصبة االمم كتنشر على الصحف العالمية‪.‬‬
‫‪ -2‬كل المدف كالمقاطعات االسبلمية التي تتقد حماسان كالدـ الساخن الذم يجرم في عركقهم‪ ،‬عليهم أف يقدموا‬
‫احتجاجاتهم الى عصبة االمم برقينا مستعجبلن كنشرها جميعنا على صفحات مجبلتهم كجرائدهم المحلية ‪.‬‬
‫‪ -3‬اف مجموعة الدكؿ الشرقية بالقاهرة هي كذلك عليها اف تحتج كتندد بأعماؿ القمع كالعنف التي تقوـ بها ايطاليا‬
‫الفاشيستية كتقدمه الى عصبة االمم مثل الهيئات االخرل‪.‬‬
‫‪ -4‬كل الهيئات االسبلمية كالعربية كالشرقية بالقاهرة كسوريا كالعراؽ كالعربية السعودية كالهند كجاكا كغيرها البد‬
‫كاف يقوموا بواجبهم نحو القضية الليبية‪.‬‬
‫‪ -5‬عقد اجتماعات شعبية في المدف االسبلمية كإلقاء الخطب الحماسية لشرح ظلم كاستبداد السلطات االيطالية‬
‫الفاشيستية كهتافات بسقوط العدك الغاصب‪.‬‬
‫‪ -6‬يجب على كل المسلمين أف يقاطعوا كل البضائع االيطالية كالسفن ككل الوسائل كاالعماؿ ككل شيء يحمل‬
‫اسم ايطاليا‪ ،‬كقطع كل العبلقات السياسية كاالقتصادية كاالجتماعية‪ .‬ككذلك تكوين لجاف شعبية خاصة بمراقبة‬
‫البضائع االيطالية‪.‬‬
‫‪ -7‬طبع المنشورات ككتيبات تبين فيها تصرفات ايطاليا الفاشيستية كاضطهادها للشعب الليبي‪ ،‬كيكوف طبعها‬
‫كذلك باللغة االنكليزية كالفرنسية كااللمانية كااليطالية كيكوف توزيعها باآلالؼ في اكركبا كفي كل العالم كمن كاجب‬
‫كل مسلم اف يقوـ بالصاؽ هذق المنشورات في كل الشوارع كالميادين‪ ،‬كتوزيع الكتيبات في كل مكاف من العالم‪.‬‬
‫كذلك على كل مسلم أف يعلق في بيته بعضان من هذق المنشورات حتى الينسى مايعانيه الشعب الليبي من اضطهاد‬
‫كتعذيب‪.‬‬
‫أيها المسلموف‪:‬‬
‫ال تقولوا بأف هذا الحديث في طرابلس كليبيا فقط كإنما الليبيوف الشرفاء طعنوا في شرفهم‪ ..‬في دمائهم‪ ..‬في‬
‫دينهم كفي أموالهم كممتلكاتهم ككذلك سيحدث لكم أنتم مثل هذق المأساة كسيحل بكم العذاب كما حل بالليبيين‬
‫الشرفاء إذا لم تدافعوا عن أنفسكم ‪ ،‬إذا لم تبينوا أنفسكم أنكم أحياء‪.‬‬
‫أيها المسلموف‪:‬‬
‫في الوقت الحالي لن تستطيعوا الدفاع عن انفسكم كبسبلحكم فقط بل سخركا أقبلمكم ككذلك باحتهادكم‬
‫كبصبركم على المكائد‪ ،‬لتدافعوا عن كيانكم كعن ارضكم كعن مقدساتكم كتثبتوا للعالم بأنكم شعب يعرؼ كيف‬
‫يقاكـ ‪.‬‬
‫لوزاف ‪ 12‬ذك القعدة‬
‫‪ 7‬ابريل ‪1931‬ـ‬
‫شكيب ارسبلف‬
‫قاؿ شكيب ارسبلف كلما حررت المقالة التي نشرتها عن فجائع طرابلس كبرقة سنة ‪1931‬ـ على أثر دخوؿ‬
‫الطلياف الى الكفرة كارتجف لها العالم االسبلمي غضبان كعبل الصراخ من كل جهة جاءني من الشيهد االكبر بطل الجبل‬
‫االخضر السيد عمر المختار الكتاب اآلتي‪:‬‬

‫عاشران‪ :‬رسالة من عمر المختار إلى شكيب أرسبلف‪:‬‬


‫كانت تلك الجهود التي قاـ بها األمير شكيب أرسبلف كصلت أخبارها للمجاهدين‪ ،‬فأرسل قائد حركة الجهاد رسالة‬
‫شكر كاحتراـ كتقدير لتلك األعماؿ كهذا نص الرسالة (إنه من خادـ المسلمين عمر المختار إلى المجاهد األمير الخطير‬
‫أخينا في اهلل كزميلنا في سبيل اهلل األمير شكيب أرسبلف حفظه اهلل بعد السبلـ األتم كالرضواف الشامل األعم كرحمة‬
‫اهلل كبركاته قد قرأنا مادبجه قلمكم السياؿ عن فظائع الطلياف كما اقترفته األيدم األثيمة من الظلم كالعدكاف بهذق‬
‫الديار فإني كعموـ إخواني المجاهدين نقدـ لسامي مقامكم خالص الشكر‪ ،‬كعظيم الممنونية‪ .‬كل ماذكرتموق عما اقترفته‬
‫أيدم اإليطاليين هو قليل من كثير كقد اقتصدتم كاحتطتم كثيرنا كلو يذكر للعالم كل مايقع من اإليطاليين التوجد اذف‬
‫تصغي لما يركل من استحالة كقوعه‪ ،‬كالحقيقة كاهلل كمبلئكته شهود أنه صحيح كأننا في الدفاع عن ديننا ككطننا‬
‫صامدكف‪ ،‬كعلى اهلل في نصرنا متوكلوف كقد قاؿ اهلل تعالى‪( :‬ككاف حقان علينا نصر المؤمنين‪ ،‬كعليكم السبلـ كرحمة‬
‫اهلل كبركاته في ‪ 20‬ذم الحجة ‪1349‬هػ)(‪.)1‬‬
‫كقد علق شكيب أرسبلف على تلك الرسالة فقاؿ‪ :‬كماالحظه الشهيد المشار إليه هو عين الحقيقة فإف الناس‬
‫يصعب عليهم أف يصدقوا الشناعات كالدناءات كالنذاالت التي أقدـ عليها الطلياف في طرابلس كالسيما الفاشيست‬
‫منهم(‪.)2‬‬
‫إف رسالة عمر المختار لؤلمير شكيب أرسبلف نستخلص منها فوائد جمّة‪ ،‬ففي قوله من خادـ المسلمين دليل على‬
‫تواضعه كافتخارق بكونه من خدّاـ المسلمين كهذا المعنى له مدلوؿ عند الشيخ عمر المختار‪ ،‬فهو يتقرب إلى اهلل تعالى‬
‫بخدمة المسلمين كهي من أعظم القربات عند اهلل تعالى‪ ،‬كفي قوله إلى المجاهد األمير الخطير‪ :‬كصف األمير شكيب‬

‫( ) أظش‪ :‬داضش اٌؼاٌُ االسالِ‪.)84/2( ٟ‬‬


‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ (‪.)84/2‬‬
‫بالمجاهد كهو بالفعل جاهد مع الليبيين بجانب جنود األتراؾ ضد الطلياف‪ ،‬كفيه داللة على اهتماـ عمر المختار‬
‫بالمصطلحات الشرعية فلم يقل مناضل‪ ،‬أك مكافح‪ ،‬أك ثائر ‪ ..‬كإنما تقيد بوصفه مجاهد لداللة هذق الكلمة كعمقها في‬
‫أكساط المسلمين‪ ،‬ككصفه بالخطير كيف ال كقد كانت مقاالته أنفذ من الرصاص في قلوب اإليطاليين‪ ،‬كساهمت في‬
‫تشكيل تعاطف إسبلمي كعربي كبير مع القضية الليبية العادلة‪ ،‬كفي قوله أخينا في اهلل فيه داللة رابطة العقيدة التي‬
‫جعلت المسلمين أخوة‪ ،‬فهي فوؽ كل الركابط األرضية‪ ،‬كفي قوله بعد السبلـ األتم كالرضواف الشامل األعم‪ :‬فيها‬
‫قوة العبارة‪ ،‬كببلغة األسلوب‪ ،‬كركعة المدخل‪ ،‬كفي قوله‪ :‬قد قرأنا مادبجه قلمكم السياؿ عن فظائع الطلياف‪ ،‬دليل‬
‫على متابعة المجاهدين لما يجرم خارج الببلد كله عبلقة بقضية شعبنا‪ ،‬كأما بقية الرسالة ففيها تأكيد لؤلمير شكيب عن‬
‫المعلومات التي كصلت إليه كقاـ بنشرها‪ ،‬كفيها إصرار قوم على مواصلة الجهاد كالدفاع عن الدين كالوطن‪ ،‬كفيها‬
‫توكل على اهلل عظيم هذا كقد قامت جمعية الشباف المسلمين بمصر بنشر بياف عن سياسة اإلبادة كاالستئصاؿ التي‬
‫تبعتها ايطاليا في طرابلس الغرب كألقي ذلك البياف في اجتماع عظيم في نادم جمعية الشباف المسلمين ككقع عليه‬
‫أهل الرأم‪ ،‬كالمكانة في مصر ليرسل إلى جمعية األمم‪ ،‬كيذاع في العالم اإلسبلمي كجاء في ذلك البياف الحديث عن‪:‬‬
‫‪ -1‬سياسة التهجير‪:‬‬
‫لقد شهدت مصر مشهدان التستطيع اإلنسانية أف تعرض عنه متجاهلة ما انطول عليه من اآلالـ كذلك أف مئات‬
‫من بني اإلنساف بين رجاؿ كنساء كأطفاؿ كشيوخ اضطركا تحت ضغط الجور إلى أف يتركوا أكطانهم تخلصان من الظلم‪،‬‬
‫كأ ف يهيموا على كجوههم في القفار‪ ،‬كلوال مركءة مأجور الواحات المصرم الذم خرج هو كرجاله للبحث عنهم حتى لقيهم‬
‫كأنقذهم لهلكوا عطشان كجوعان أكلئك هم فريق من إخواننا الطرابلسيين الذين خرجوا من قسوة الحكم اإليطالي الذم‬
‫اليطاؽ‪.‬‬
‫‪ -2‬سياسة القتل كالرمي في البحر‪:‬‬
‫كلم ت كد أعيننا تكفكف الدموع على هذا المشهد الذم شهدته على اليابسة حتى حملت إلينا أمواج البحر في السلوـ‬
‫مشهدان آخر أفظع من هذا كأشنع‪ ،‬فرمى البحر إلى هذا الساحل المصرم أربع عشرة جثة من جثث هؤالء الطرابلسيين‬
‫مغلولة في سلسلة كاحدة‪.‬‬
‫‪ -3‬عمل اإليطاليين في الكفرة‪:‬‬
‫ثم توالت األخبار بأف زاكية الكفرة المنقطع أهلها للعبادة قد أمطرتها طائرات اإليطاليين بالقنابل كفتكت بأهلها‬
‫فتكان ذريعان‪ ،‬كبعد ذلك هاجمها الجيش‪ ،‬ككاد يأتي على البقية من أهلها كلم يتعفف عن هتك األعراض كسلب األمواؿ‬
‫كبقر بطوف الحوامل‪.‬‬
‫‪ -4‬قتلهم ألهل العلم‪:‬‬
‫كقد قتل من أهل الكفرة في هذق النازلة كثيركف منهم الشيخ أبو شنة‪ ،‬كابن أخيه الشيخ عمر كالشيخ حامد الهامة‪،‬‬
‫كالشيخ عبدالسبلـ أبو سريويل‪ ،‬كالشيخ محمد المنشوؼ‪ ،‬كابن أخيه على بن حسين‪ ،‬كالشيخ محمد العربي‪ ،‬كالشيخ محمد‬
‫أبو سجادة‪ ،‬كالشيخ أحمد الفاندم الجلولي‪ ،‬كالشيخ خليفة الدالية‪.‬‬
‫‪ -5‬قتلهم لكبار شيوخ الكفرة‪:‬‬
‫كلما ذهب كبار شيوخ زاكية الكفرة إلى القائد الكبير يرجونه كضع حد لهذق المذابح أمر بذبحهم فذبحوا أمامه كما‬
‫تذبح الشياق‪.‬‬
‫‪ -6‬قتل األبرياء برميهم من الطائرات‪:‬‬
‫كمن الفظائع التي ارتكبها اإليطاليوف في برقة‪ ،‬كنقلها الركاة الصادقوف أنهم كضعوا أحد مشايخ عائلة الفوائد المدعو‬
‫الشيخ سعد كخمسة عشر شخصان من العرب في الطائرات كارتفعوا بهم عن سطح األرض ثم جعلوا يلقونهم كاحد بعد‬
‫اآلخر ليموتوا موتة لم يسبق لها مثيل‪.‬‬
‫‪ -7‬انتزاع األراضي من أهاليها كتجويعهم‪:‬‬
‫كمن الفظائع التي ارتكبوه ا في الجبل األخضر إخراج أهله منه كهم اليقل عددهم عن ثمانين ألف عربي إلى بادية‬
‫سرت القاحلة‪ ،‬ثم أذاعوا بواسطة قنصليتهم في ببلد األرجنتين أف حكومة طرابلس ك برقة تعطي األراضي الخصبة‬
‫فيها لكل إيطالي يريد النقلة إليها‪ ،‬كبلغت مساحة األراضي التي أخذت غصبان نحو من مائتي ألف هكتار كالتزاؿ‬
‫الحكومة اإليطالية تحث اإليطاليين على استعمار هذق األراضي كقبل انتزاع أراضي الجبل األخضر من أهله في هذق‬
‫السنة انتزعت في سنة ‪1924‬ـ ما مساحته ‪ 420‬ألف هكتار بدكف مقابل‪ ،‬كفي بعض األحياف كاف المقابل عن‬
‫المائة ألف هكتار ستة آالؼ فرنك إيطالي ‪ -‬أم خمسين جنيها تقريبان‪ ،‬كقد خرج أهالي الجبل األخضر عند انجبلئهم منه‬
‫كهم اليملكوف مايقتاتوف به فرتبوا لكل عائلة فرنكين في اليوـ كهم اآلف يعيشوف بهذا المرتب عيشة بؤس تفتت‬
‫األكباد‪ ،‬كفي أثناء نقلهم إلى صحراء سرت كاف كلما عجز كاحد منهم عن مواصلة المشي يرمى بالرصاص‪.‬‬
‫‪ -8‬ترحيل األطفاؿ إلى إيطاليا لتنصيرهم‪:‬‬
‫كفضبلن عن كل ذلك فقد جمع اإليطاليوف األطفاؿ الوطنيين من ‪ 3‬إلى ‪ 14‬كأخذكهم من أهلهم كأرسلوهم إلى‬
‫إيطاليا بزعم تعليمهم فيها‪ ،‬كجمعوا الشباف من سن ‪ 15‬إلى ‪ 40‬كألحقوهم بالجيش كاستخدموهم في محاربة أهلهم‬
‫كببلدهم‪.‬‬
‫‪ -9‬أرساليات التبشير بين األهالي‪:‬‬
‫كبلغ االستهتار بالشعور اإلسبلمي مبلغان عظيمان بين إرساليات التبشير المنبثة اآلف بين األهالي‪ ،‬كمن صدكر األكامر‬
‫المشددة على الخطباء في الجوامع بالدعاء لملك إيطاليا على المنابر‪.‬‬
‫‪ -10‬خداعها لؤلهالي(‪:)1‬‬
‫كقد حدث مراران أف الحكومة تعلن عن العفو كاألماف‪ ،‬فإذا كقع العفو عنهم كغدك في قبضتهم غدرت بهم‪ ،‬كممن‬
‫ذهبوا ضحية هذا الغدر من رؤساء القبائل خليفة بن عسكر‪ ،‬كالشيخ عبيدة الصرماني‪ ،‬كأحمد الباشا‪ ،‬كابراهيم بن عباد‪،‬‬
‫كالهادم كعبار كابنه محمد كعبار‪ ،‬كالشيخ أحمد أحمد الحجاكم‪ ،‬كالشيخ علي الشويخ‪ ،‬كالشيخ عبدالسبلـ بن عامر‪ ،‬كالشيخ‬
‫محمد التريكي‪ ،‬كالشيخ شرؼ الدين العمامي‪ ،‬كالشيخ أحمد بن حسن بن المنتصر‪ ،‬كالشيخ عمر العوراني‪ ،‬كالشيخ محمد‬
‫عبدالعاؿ‪ ،‬كمن الضحايا اليعرؼ لهم ذنب‪ ،‬الشيخ صالح العوامي كهو شيخ يبلغ التسعين عامان من أهل العلم كالصبلح‬
‫قبضت عليه إيطاليا سنة ‪ 1923‬كزجته في سجن بنغازم إلى أف مات فدفن بمحل مجهوؿ‪ ،‬فأركاح هؤالء الضحايا‬
‫تصيح باإلنسانية جميعها‪ ،‬كبجمعية األمم بنوع خاص أف هلمي إلى انقاذ البقية الباقية من أبناء اإلنسانية المعذبة في‬
‫هذق الربوع من سياسة الفتك كاالستئصاؿ كاإلبادة التي تتبعها إيطاليا في طرابلس المنكودة كأف العالم اإلسبلمي‬
‫يعتبر ماكقع كيقع في طرابلس الغرب عدكانان مباشران على كل مسلم مهما كانت جنسيته ككطنه‪ ،‬كسيبقى عار هذق‬
‫األعماؿ الصقان إلجراء تحقيق دكلي حر دقيق في نفس ببلد برقة كطرابلس عن كل ماجرل فيها كإعبلف نتيجته كما‬
‫تقتضيه العدالة كالحق‪ ،‬كالموقعوف على هذا يطلبوف من جمعية األمم اجراء هذا التحقيق تنزيهان لئلنسانية عن لحوؽ هذا‬
‫العار بها إلى األبد كيرجوف بالحاح أف يكوف لهم مندكب يختاركنه مع لجنة التحقيق‪ ،‬كهم ينتظركف ماتقررق العصبة في‬
‫هذا الشأف بفارغ الصبر‪.‬‬
‫التوقيعات‪:‬‬
‫‪ -1‬محمد الشرقاكم‪.‬‬
‫‪ -2‬خليل الخالدم رئيس االستئناؼ الشرعي بفلسطين‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار اإلسبلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬محمد عبداللطيف دراز من العلماء كعضو مجلس إدارة‪.‬‬
‫‪ -5‬جمعية الشباف المسلمين بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ -6‬محمد عبدالرحمن قراعة من العلماء كمدرس باألزهر الشريف‪.‬‬
‫‪ -7‬عبدالوهاب النجار‪ ،‬ككيل جمعية الشباف المسلمين بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ -8‬محمد كامل القصاب‪.‬‬
‫‪ -9‬محمد تقي الدين الهبللي‪ ،‬األستاذ األكؿ لآلداب العربية بندكة العلماء بالهند‪.‬‬
‫‪ -10‬علي سركر الزنكلوني‪ ،‬المدرس بقسم التخصص باألزهر‪.‬‬

‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت إٌّاس (ج‪ ،3َ9‬ص‪.)714،715،716‬‬


‫لقد عبث الجنود اإليطاليين بالمكتبة السنوسية‪ ،‬التي كانت ثركة علمية ضخمة فأخذت أيدم الجنود تبددها ذات‬
‫اليمين كذات الشماؿ كتقد بها النيراف للطعاـ‪ ،‬كأخيران صدرت األكامر بجمع ماتبقى منها كنقله إلى بنغازم فنقلته أربعوف‬
‫سيارة شحن كبيرة كعدد كبير من اإلبل‪ ،‬كلم تنج هذق المكتبة بعد كصولها إلى بنغازم من العبث فقد تسرب الكثير‬
‫منها إلى أيدم األفراد‪ ،‬كنقل قسم كبير منه إلى إيطاليا‪ ،‬كهكذا كصلت يد الفساد اإليطالية إلى كل شيء في‬
‫ليبيا(‪.)1‬‬
‫عندما تم اعتقاؿ جميع أهالي برقة كحصرهم‪ ،‬كتم احتبلؿ كاحة الكفرة لم يعد إذف أماـ سفاح برقة إال شيء كاحد هو‬
‫اتماـ كضعية مد األسبلؾ الشائكة التي ستفصل بين برقة كمصر فصبلن نهائيان‪ ،‬فأخذ في سرعة تتميمها مجندان لذلك‬
‫كل مالديه من إمكانيات‪ ،‬ككاف قد استدعى شركات المقاكالت الخاصة من إيطاليا‪ ،‬فتعهدت كل شركة منها بإتماـ‬
‫الجزء المخصص لها تحت إشراؼ القيادة العسكرية التي كضعت مهندسيها تحت تصرؼ هذق الشركات‪ ،‬كقد‬
‫استوردت الحكومة اإليطالية معدات خاصة من ألمانيا فضبل عما جاءت به من إيطاليا لهذا الغرض المطلوب‪ ،‬ككضعت‬
‫تحت تصرؼ هذق الشركات عشرات اآلالؼ من العماؿ الذين جندتهم من المعتقبلت تلهب ظهورهم السياط‪ ،‬كهكذا‬
‫امتد خط األسبلؾ الشائكة من البحر المتوسط إلى مابعد الجغبوب فكاف طوله حوالي ثبلثمائة كيلومتر‪ ،‬ثم كضع‬
‫غرسياني نقاط عسكرية مزكدة بجميع المعدات الحربية‪ ،‬كربط بعضها ببعض من حيث االتصاؿ فيما إذا احتاجت نقطة‬
‫لمساعدة األخرل تهب بسرعة‪ ،‬كمن هذق النقاط‪ :‬مساعد‪ ،‬كالشقة كبئر الغبي‪ ،‬كقبر صالح‪ ،‬كسيدم عمر‪ ،‬كبئر حكيم‪ ،‬ثم‬
‫زكّ د غرسياني هذا السياج المحكم بمولدات كهربائية لمدق بالنور حتى اليستطاع االفبلت منه مهما تكن األحواؿ‪ ،‬كإذا‬
‫ماقدر ألم إنساف أف يصل إليه فسيواجه معركتين عسيرتين السبيل إلفبلته من إحداهما إذا ماتيسر له اإلفبلت من‬
‫األخرل‪ ،‬كتتمثل المعركتاف في محاكلة تقطيع األسبلؾ‪ ،‬كفي الدفاع عن النفس‪ ،‬كتقطيع األسبلؾ يحتاج إلى معدات‬
‫فنية كإلى كقت من الزمن فكيف إذف لمن يتمكن من الوصوؿ إلى هذا السياج إجراء عملية التقطيع كعملية الدفاع في‬
‫آف كاحد(‪.)2‬‬
‫كاف المجاهدكف مستمرين في جهادهم كالقوات اإليطالية تشتبك معهم كهي مجهزة بالمصفحات كالطائرات‬
‫كالمدفعية ككاف القتاؿ اليتوقف كقد أكرد الجنراؿ غرسياني في كتابه أنه التقى مع عمر المختار في مائتين كستين‬
‫معركة خبلؿ الثمانية عشر شهران ابتداء من حكمه في برقة إلى أف كقع عمر المختار أسيران كقد ثبت المجاهدكف في‬
‫حالتي الدفاع كالهجوـ‪.‬‬
‫كاف المجاهدكف يقضو ف معظم أكقاتهم في حالة استعداد قصول كيوجهوف الضربات المحكمة للطلياف كحار سفاح‬
‫برقة في أمر المجاهدين‪ ،‬كرغم اإلجراءات التي اتخذها كالتي كاف يثق في فائدتها إال أنه أصيب بالقنوط كاليأس كأصبح‬
‫كل أمله في موت عمر المختار الطبيعي قائبلن لكبار مرؤسيه في أكثر من مناسبة‪ :‬إف عمر المختار شيخ كبير كالبد من‬
‫موته عاجبلن أك آجبلن فعلينا أف ننتظر تلك الساعة كلعلها التكوف بعيدة‪ ،‬كفكر غرسياني ذات مرة تفكيران غريبان كإف كاف‬
‫اليستغرب على تفكيرق أم شيء‪ ،‬فكر في إحراؽ جميع غابات الجبل األخضر‪ ،‬كدرس هذا الموضوع جديان مع مستشاريه‬
‫السياسيين كالعسكريين(‪ .)3‬إال أف السيد صالح بك المهدكم أحد زعماء بنغازم استطاع أف يثني غرسياني عن هدفه‬
‫بعد أف اجتمع به كشرع غرسياني يتكلم عن عمر المختار محمبلن مسؤكلية ذلك إلى جميع أهل الببلد‪ ،‬كقاؿ عنهم لو أنهم‬
‫صدقوا معنا لما استمر عمر المختار في موقفه اليائس يقاتل جنودنا‪ ،‬ثم انتقل فجأة ليتحدث عن موضع حرؽ غابات‬
‫الجبل األخضر كقاؿ‪ :‬إف الحكومة اإليطالية يهمها أف تنهض بهذق الببلد‪ ،‬كإف عمر المختار كقف عقبة في سبيل‬
‫النهوض‪ ،‬كحاكلت الحكومة أكثر من مرة أف تنصحه لئلقبلع عن محاربتنا كلكنه رفض االنصياع إلى نصائح الحكومة‬
‫معت مدان على إختفائه في مغارات الجبل كغاباته‪ ،‬كلقد صممت أف أزيل هذق الغابة التي يحتمي كراءها ساخرنا بقوة‬
‫الحكومة‪ ،‬كسكت الجنراؿ قليبلن‪ ،‬ثم طلب من صالح بك المهدكم أف يشاركه البحث في هذا الموضوع فأجابه بقوؿ‪:‬‬
‫إف عمر المختار سينتهي ببلشك فقاطعني عند كلمتي هذق بقوله (إكُّو إكُّو ‪ ...‬كويستا لفيريتا ‪ ..‬يانوتا يانوتا ‪...‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.134‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫سينتا ‪ ...‬سينتا ‪ ...‬ديرم ‪ ..‬ديرم ‪ ..‬أكانتي ‪ ...‬أكانتي ‪ )..‬كمعنى هذق الكلمات اإليطالية هو‪ :‬هكذا ‪ ..‬هكذا ‪..‬‬
‫هذق هي الحقيقة (‪ ...‬إسمع يايانوتا (الترجماف) إسمع ‪ ...‬إسمع ‪ ...‬قل ‪ ...‬قل ‪ ...‬استمر ‪ ....‬استمر) إنكم يادكلة‬
‫الوالي اتخذتم بحزـ جميع اإلحتياطات التي من شأنها القضاء عليه‪ ،‬كالمسألة مسألة كقت ال أقل كال أكثر كهنا تحمس‬
‫الجنراؿ لكلماتي هذق كأنها صادفت هول في نفسه‪ ،‬أك كأنني قلت له شيئان كاف يريد أف يسمعه‪.‬‬
‫كقلت له مواصبلن الحديث‪ :‬إف الدكلة اإليطالية في حاجة الستثمار كل شجرة في هذق الببلد‪ ،‬كسوؼ يكوف فضل‬
‫هذا االستثمار المنتظر على أيديكم فإذا ما أقدمتم على حرؽ الغابات كالكلمة األخيرة لدكلتكم فسوؼ يمر زمن طويل‬
‫كطويل جدان دكف إعادتها من جديد لما كانت عليه‪ ،‬هذا إذا لم يكن إعادتها مستحيبلن‪ ،‬كإليكم يادكلة الوالي نذكر مسألة‬
‫لها كجه الشبه برأيكم هذا‪ .‬في عهد الدكلة العثمانية قامت قبيلة البراعصة بعصياف ضد الحكومة كتعذر على الحكومة‬
‫انهاء العصياف‪ ،‬كاعتبرت أف غابات الجبل األخضر كانت أكبر مشجع للقبائل على العصياف فتتخذ منه مخابئ اليقول‬
‫الجنود العثمانيوف على إكتشافها فأرادت الحكومة أف تقوـ بحرؽ جميع الغابات كسمع السلطاف بذلك فاعترض على‬
‫هذق الفكرة قائبلن‪ :‬إذا كاف الموجب لعصياف األهالي هو تمنعهم عن دفع العشور كالعوائد الحكومية فإنني أدفعها‬
‫عنهم من جيبي الخاص حماية للغابات في الجبل األخضر‪ ،‬كال أكافق على حرقها‪ .‬كعندما إنتهيت من الحديث معه كدعني‬
‫شاكران)(‪.)1‬‬
‫لقد حرص صالح بك المهدكم على حماية الجبل األخضر من عبث غرسياني الذم كانت في يدق إمكانات إيطاليا‬
‫للقضاء على حركة الجهاد كلذلك جادؿ كناقش كحاكؿ أف يقنع غرسياني باإلقبلع عن تلك الفكرة الجهنمية لقد قاؿ‬
‫صالح بك عندما سئل عن صحة ما إذا كانت الحكومة العثمانية فكرت في إحراؽ غابات الجبل األخضر‪ ،‬فأجاب بقوله‪:‬‬
‫إف المسألة التي ضربت بها المثل للجنراؿ غرسياني كانت لها أثر في عهد قديم كالحديث عنها يطوؿ‪ ،‬كالطلياف‬
‫اليريدكف ذكرها من كجهة سياسية محضة كعلى كل حاؿ كنت أرمي بذكرها للجنراؿ غرسياني إلى حماية جبلنا من‬
‫عبث هذا المجنوف الذم كضعوا في يدق سيفنا حادان‪.‬‬
‫كاف غرسياني يملك القوات الضخمة في البر كالبحر كالجو‪ ،‬كالسلطة الغاشمة المستبدة في برقة‪ ،‬كالخزائن المرصوفة‬
‫باألمواؿ‪ ،‬كالسجوف كالمعتقبلت كالمشانق‪ ،‬كمع هذا يضعف كيسيطر عليه العجز أماـ المجاهدين كقائدهم العظيم حتى‬
‫دفعه تفكيرق إلى حرؽ الغابات بعد أف تمكن من حرؽ األكباد‪ ،‬كاألفئدة كاألجساـ لقد كقع تحت تأثير عصبي حاد من‬
‫جراء ما أصابه من الفشل الذريع ككاف في طريقه إلى اإلستقالة أك اإلقالة لوال تقدير اهلل بوقوع عمر المختار في‬
‫األسر(‪.)2‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.139‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫األياـ األخيرة من حياة المختار‬
‫ككقوعه في األسر ثم إعدامه‬
‫أكالن‪ :‬أحمد الشريف يحترؽ على ببلدق كيرسل محمد أسد لمعرفة أخبار المجاهدين‪:‬‬
‫كاف محمد أسد صاحب كتاب الطريق إلى اإلسبلـ قد تعرؼ على أحمد الشريف أثناء إقامته في الحجاز كقد تأثر به‬
‫غاية التأثر‪ ،‬كأحبه حبان عظيمان‪ ،‬يقوؿ محمد أسد‪( :‬ليس في الجزيرة العربية كلها شخص أحببته كما أحببت السيد أحمد‪،‬‬
‫ذلك أنه مامن رجل ضحى بنفسه تضحية كاملة مجردة عن كل غاية في سبيل مثل أعلى‪ ،‬كما فعل هو‪ .‬لقد كقف‬
‫حياته كلها‪ ،‬عالمان كمحاربان‪ ،‬على بعث المجتمع اإلسبلمي بعثان ركحيان‪ ،‬كعلى نضاله في سبيل االستقبلؿ السياسي ذلك‬
‫أنه كاف يعرؼ جيدان أف الواحد اليمكن أف يتحقق من دكف اآلخر)(‪.)1‬‬
‫لقد تعرؼ محمد أسد على أحمد الشريف بواسطة المجاهد األندكنيسي حاجي آغوس سالم الذم كاف يمثل مركز‬
‫القيادة في جهاد اندكنيسيا ضد أعدائها‪ ،‬ككاف قد جاء معه بقصد الحج كعندما عرؼ السيد أحمد الشريف أف محمد‬
‫أسد حديث عهد باإلسبلـ‪ ،‬مد إليه يدق كقاؿ‪( :‬مرحبان بك بين إخوانك‪ ،‬يا أخي الشاب ‪ .)2()..‬لقد أحب محمد أسد‬
‫أحمد الشريف كتفاعل مع قضية ليبيا ككاف يمضي معه كبصحبة السيد محمد الزكم الساعات الطواؿ للبحث في كضع‬
‫المجاهدين في ليبيا كاستمرت اإلجتماعات في مساء كل يوـ طيلة أسبوع تقريبان لبحث ماكاف باإلمكاف صنعه‪ ،‬كقد‬
‫رأل الشيخ محمد الزكم أف إمداد المجاهدين بين الفينة كاألخرل لم يكن من شأنه أف يحل المشكلة‪ ،‬فقد كاف يعتقد أف‬
‫كاحة الكفرة‪ ،‬في الجنوب من صحراء ليبيا يجب أف تكوف ثاني محور لكل العمليات الحربية في المستقبل ككاف يظن‬
‫أف الكفرة كانت ماتزاؿ بعيدة عن تناكؿ الجيوش اإليطالية‪ ،‬كفوؽ ذلك فقد كانت تقع على طريق القوافل (كلو كاف‬
‫طويبلن كشاقان) إلى كاحتي بحرية كفرفرة المصريتين‪ ،‬كلذا كاف يمكن تموينها بصورة جادة أكثر من أم موقع آخر في‬
‫ليبيا‪ ،‬كما كاف يمكن أف يتحوؿ كثير من المهاجرين إلى مصر إليها لتكوف مستودعان دائمان إلمداد عمر المختار في الشماؿ‪،‬‬
‫ككاف أحمد الشريف مستعدان للذهاب بنفسه‪ ،‬لو أمكن إعادة تنظيم القتاؿ على تلك الصورة‪ ،‬لئلشراؼ على العمليات‬
‫الجهادية بنفسه(‪.)3‬‬
‫لقد تحدث محمد أسد عن سبب اهتمامه بالقضية السنوسية فقاؿ‪ :‬لم يكن اهتمامي البالغ بمصير السنوسيين‬
‫ناشئان عن إعجابي ببطولتهم المتناهية في قضية عادلة مقسطة فحسب‪ ،‬بل اف ماكاف يهمني أكثر من ذلك هو ماكاف‬
‫يمكن أف يحدثه انتصار السنوسيين من تأثير على العالم العربي بأكمله إذ أنني لم استطع أف أرل في العالم اإلسبلمي‬
‫كله إال حركة كاحدة كانت تسعى صادقة إلى تحقيق المجتمع اإلسبلمي المثالي‪ :‬الحركة السنوسية‪ ،‬التي كانت تحارب‬
‫اآلف معركتها األخيرة في سبيل الحياة كبسبب أف السيد أحمد كاف يعرؼ مبلغ عطفي الشديد على القضية‬
‫السنوسية‪ ،‬فقد التفت إلي كسدد نظرق إلى عيني كسألني قائبلن‪( :‬هل تذهب‪ ،‬يامحمد إلى برقة بالنيابة عنا‪ ،‬فتقف على‬
‫مايمكن صنعه للمجاهدين؟ لعلك تستطيع أف ترل األمور بأجلى مما يراها بنو قومي ‪.)4()...‬‬
‫كبعد أف كافق محمد أسد على تلك المهمة الصعبة تناكؿ أحمد الشريف من على أحد الرفوؼ نسخة من القرآف‬
‫الكريم ملفوفة بغبلؼ من الحرير‪ ،‬كبعد أف كضعها على ركبتيه أمسك بيدم اليمنى بين يديه ككضعها على الكتاب‪:‬‬
‫(أقسم يامحمد‪ ،‬باهلل الذم يعلم مافي القلوب‪ ،‬على أنك ستبقى أمينان للمجاهدين ‪.)...‬‬
‫قاؿ محمد أسد‪ :‬فأقسمت كلم أشعر في حياتي يومنا أنني كنت أكثر كثوقنا بوعدم مما كنت في تلك اللحظة(‪.)5‬‬
‫قاـ أحمد الشريف بترتيب أمور هذق الرحلة كاتصل باتباع الحركة في مصر ككصل الخبر إلى عمر المختار كاستعد محمد‬
‫أسد لهذق الرحلة المثيرة مع رفيقه زيد من قبيلة شمّر‪ ،‬كشرع في تنفيذ خطواته ككاف رجاؿ الحركة السنوسية‬
‫يقودكنه بمهارة بارعة حتى كجد نفسه أماـ عمر المختار في الجبل األخضر كقد فصل األستاذ محمد أسد تلك الرحلة‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.331‬‬


‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.446‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪.‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.347‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.348‬‬
‫في كتابه المشهور(‪.)1‬‬
‫لقاءق بعمر المختار ‪:‬‬
‫بعد دخوؿ محمد أسد إلى الجبل األخضر من جهة الصحراء الغربية المصرية بواسطة المجاهدين الذين أرسلهم عمر‬
‫المختار الستقباله كجد محمد أسد نفسه أماـ قائد حركة الجهاد كيصف لنا محمد أسد ذلك اللقاء فيقوؿ‪ :‬كاف يحيط‬
‫به رجبلف من كل جانب‪ ،‬كيتبعه كذلك عدد آخر‪ ،‬كعندما كصل إلى الصخور التي كنا ننتظر عندها‪ ،‬ساعدق أحد رجاله‬
‫على النزكؿ‪ ،‬كرأيت انه كاف يمشي بصعوبة (عرفت بعدئذ أنه قد جرح إباف إحدل المناكشات قبل ذلك بعشرة أياـ)‬
‫كعلى ضوء القمر المشرؽ استطعت اآلف أف أراق بوضوح‪ :‬كاف رجبلن معتدؿ القامة قوم البنية ذا لحية قصيرة بيضاء‬
‫كالثلج تحيط بوجهه الكئيب ذم الخطوط العميقة‪ .‬ككانت عيناق عميقتين‪ ،‬كمن الغضوف المحيطة بهما كاف باستطاعة‬
‫المرء أف يعرؼ انهما كانتا ضاحكتين براقتين في غير هذق الظركؼ‪ ،‬إال انهما لم يكن فيهما اآلف شيء غير الظلمة‬
‫كاأللم كالشجاعة‪.‬‬
‫كاقتربت منه ألحييه‪ ،‬كشعرت بالقوة التي ضغطت بها يدق على يدم (مرحبانبك‪ ،‬يا ابني) قاؿ ذلك كأخذ يجيل‬
‫عينيه في متفحصان‪ :‬لقد كانت عيني رجل كاف الخطر خبزق اليومي‪.‬‬
‫كفرش أحد رجاله حرامان على األرض فجلس سيدم عمر عليه متثاقبلن‪ .‬كانحنى عبدالرحمن(‪ )2‬ليقبل يدق ثم شرع بعد‬
‫استئذانه‪ ،‬يوقد ناران خفيفة تحت الصخرة التي كنا محتمين بها كعلى ضوء النار الخافت‪ ،‬قرأ سيدم عمر الكتاب الذم‬
‫حملنيه السيد أحمد إليه‪ .‬لقد قرأق باهتماـ كعناية‪ ،‬ثم طواق ككضعه لحظة فوؽ رأسه ‪ -‬كهي إمارة اإلحتراـ كالحب‬
‫اليكاد المرء يراها في جزيرة العرب كلكنه كثيران مايراها في شمالي افريقيا ‪ -‬ثم التفت إلي مبتسمانكقاؿ‪( :‬لقد أطراؾ‬
‫السيد أحمد‪ ،‬أطاؿ اهلل عمرق‪ ،‬في كتابه‪ .‬أنت على استعداد لمساعدتنا‪ ،‬كلكنني ال أعلم من أين يمكن أف تأتينا النجدة‪،‬‬
‫إال من اهلل العلي الكريم‪ .‬إننا حقنا على كشك أف نبلغ نهاية أجلنا ‪.)..‬‬
‫فقلت‪( :‬كلكن ‪ ..‬هذق الخطة التي كضعها السيد أحمد‪ ،‬أال يمكن أف تكوف بداية جديدة؟ كإذا أمكن تدبير‬
‫الحصوؿ على المؤف كالذخائر من الكفرة بصورة ثابتة‪ ،‬أفبل يمكن صد اإليطاليين؟ )(‪.)3‬‬
‫لم أرل في حياتي ابتسامة تدؿ على ذلك القدر من المرارة كاليأس كتلك االبتسامة التي رافقت جواب سيدم عمر‪:‬‬
‫(الكفرة ‪...‬؟ لقد خسرنا الكفرة‪ ،‬فاإليطاليوف قد احتلوها منذ أسبوعين تقريبنا ‪.)4()...‬‬
‫كأذهلني الخبر‪ ،‬ذلك إنني كالسيد أحمد‪ ،‬طواؿ تلك األشهر الماضية‪ ،‬كنا نبني خططنا على افتراض أف الكفرة يمكن‬
‫أف تكوف نقطة تجمع لتقوية المقاكمة‪ ،‬أما كقد ضاعت كفرة فإنه لم يبق للسنوسيين سول نجد الجبل األخضر‬
‫الشيء سول كماشة اإليطاليين التي كانوا يضيقونها بثبات كاستمرار ‪ ..‬كخسارة نقطة بعد نقطة ‪ ..‬كاختناؽ بطئ)‪.‬‬
‫‪ -‬ككيف سقطت الكفرة؟‬
‫فأكمأ سيدم عمر إيماءة متعبة إلى أحد رجاله أف يقترب‪( :‬دع هذا الرجل يقص عليك الخبر ‪ ..‬إنه كاحد من أكلئك‬
‫القبلئل الذين هربوا من الكفرة‪ ،‬كلم يصل عندم إال باألمس)‪.‬‬
‫كجلس الكفرم على ردفيه أمامي كجذب برنسه البالي حوله كتكلم ببطء دكف أف يبدك في صوته أم أثر لبلنفعاؿ‪،‬‬
‫كلكن كجهه الناحل كاف يعكس جميع األهواؿ التي شهدها‪.‬‬
‫‪( -‬لقد خرجوا علينا في ثبلث فرؽ من ثبلث جهات‪ ،‬ككاف معهم سيارات مصفحة كمدافع ثقيلة كثيرة‪ .‬أما‬
‫طائراتهم فقد حلقت على علو منخفض كرمت بالقنابل البيوت كالمساجد كغياض النخيل‪ .‬لم يكن لدينا سول بضع مئات‬
‫من الرجاؿ يستطيعوف حمل السبلح‪ ،‬أما الباقوف فقد كانوا نساء كأطفاالن كشيوخان‪ .‬لقد دافعنا عن أنفسنا بيتنا بيتان‪،‬‬
‫كلكنهم كانوا أقول كثيران منا‪ ،‬كفي النهاية لم يبق إال قرية الهوارم‪ .‬لم تنفع بنادقنا في سياراتهم المصفحة فطغوا‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪ 348‬اٌ‪.360 ٝ‬‬


‫( ) ٘زا ِٓ اٌّجا٘ذ‪ ٓ٠‬اٌز‪ ٓ٠‬اسخٍّ‪ٛ‬ا ِذّذ اسذ ‪ٚ‬سف‪١‬مٗ ػٕذ اٌذذ‪ٚ‬د اٌّصش‪٠‬ت‪.‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.360،361‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.361‬‬
‫علينا‪ ،‬كتمكن عدد قليل جدان من الهرب‪ .‬أما أنا فقد اختبأت في حدائق النخيل‪ ،‬مترقبان الفرصة لشق طريقي خبلؿ‬
‫الخطوط اإليطالية‪ ،‬ككنت طواؿ الليل أسمع كلولة النساء اللواتي كاف الجنود اإليطاليوف كالعساكر االريتريوف‬
‫يغتصبونهن كفي اليوـ التالي احضرت لي امرأة عجوز بعض الماء كالخبز‪ ،‬كاخبرتني أف الجنراؿ اإليطالي قد حشد كل‬
‫ماتبقى على قيد الحياة أماـ قبر السيد محمد المهدم كأماـ أعينهم مزؽ نسخة من القرآف الكريم ثم رماها الى االرض‬
‫كداس عليها بحذائه صائحان‪( :‬دعوا نبيكم البدكم يساعدكم اآلف‪ ،‬اذا استطاع!) ثم أمر بقطع اشجار النخيل في الواحة‬
‫كهدـ آبارها‪ ،‬كاحرؽ كل ماكاف في مكتبة السيد احمد البدكم من كتب كفي اليوـ التالي اصدر امرق بوضع بعض‬
‫شيوخنا كعلمائنا في طائرة حلقت بهم كرمتهم من علو شاهق‪ ،‬كطواؿ الليلة التالية كنت اسمع من مخبئي صرخات‬
‫النساء كضحكات الجنود كطلقات بنادقهم ‪ ...‬كاخيران زحفت الى الصحراء في ظبلـ الليل فوجدت جمبلن شاردان امتطيته‬
‫ككليت فراران‪.)1()...‬‬
‫كعندما انهى الرجل قصته المركعة قربني سيدم عمر إليه بلطف ككرر قوله‪( :‬انك تستطيع اف ترل‪ ،‬يابني‪ ،‬اننا قد‬
‫اقتربنا فعبلن من نهاية أجلنا) ثم اضاؼ‪ ( :‬اننا نقاتل ألف علينا اف نقاتل في سبيل ديننا كحريتنا حتى نطرد الغزاة اك‬
‫نموت نحن كليس لنا اف نختار غير ذلك‪ .‬إنا هلل كإنا إليه راجعوف ‪ -‬لقد ارسلنا نساءنا كاكالدنا الى مصر كيما نطمئن على‬
‫سبلمتهم متى شاء اهلل لنا أف نموت)‪.‬‬
‫قلت‪ ( :‬كلكن ياسيدم عمر‪ ،‬اليس من االفضل لك كللمجاهدين اف تنسحبوا الى مصر بينما اليزاؿ هناؾ طريق‬
‫مفتوح امامكم؟ فلقد يكوف من الممكن في مصر جمع المهاجرين الكثيرين من برقة كتنظيم قوة اكثر فعالية كجدكل‪.‬‬
‫اف القتاؿ هناؾ يجب اف يوقف بعض الوقت حتى يستعد الرجاؿ شيئان من قوتهم ‪ ...‬انا اعرؼ اف البريطانيين في‬
‫مصر الينظركف بعين الرضى الى كجود قوات ايطالية راسخة االقداـ على خاصرتهم‪ ،‬فقد يغضوف الطرؼ‪ ،‬كاهلل اعلم‪،‬‬
‫عن استعداداتكم فيما اذا اقنعتموهم بانكم ال تعتبركنهم اعداء‪.)...‬‬
‫فأجاب ‪( :‬كبل ياابني‪ ،‬لم يعد هذا يجدم اآلف‪ .‬اف ماتقوله كاف ممكنان منذ خمس عشرة اك ست عشرة سنة‪ ،‬قبل‬
‫اف يقوـ السيد احمد‪ ،‬اطاؿ اهلل عمرق‪ ،‬بمهاجمة البريطانيين كي يساعد االتراؾ ‪ -‬الذين لم يساعدكنا ‪ ...‬أما اآلف فلم‬
‫يعد في االمر مايجدم‪ ..‬اف البريطانيين لن يحركوا اصبعان لكي يسهلوا علينا امرنا‪ ،‬كااليطاليوف مصمموف على اف يقاتلونا‬
‫حتى النهاية‪ ،‬كعلى سحق كل إمكانية للمقاكمة في المستقبل‪ ،‬فاذا ذهبت كاتباعي اآلف الى مصر‪ ،‬فاننا لن نتمكن‬
‫مطلقان من العودة ثانية‪ ،‬ككيف نستطيع اف نتخلى عن قومنا كنتركهم كال زعيم لهم‪ ،‬العداء اهلل يفترسونهم؟)‪.‬‬
‫‪ -‬كما قوؿ السيد ادريس؟ هل يشاركك الرأم ياسيد عمر ؟‬
‫‪( -‬إف السيد ادريس رجل طيب‪ .‬انه كلد طيب لوالد عظيم‪ ،‬كلكن اهلل لم يعطه قلبان يمكنه من تحمل مثل هذا‬
‫الصراع‪.)2()...‬‬
‫كاف زيد الشمّرم رفيق محمد اسد في رحلته بصحبة خليل احد المجاهدين ألحضار قرب الماء‪ ،‬كبعدما رجع كقع بصر‬
‫خليل على سيد م عمر هجم لتقبيل يدق‪ ،‬كبعد ذلك قدـ محمد اسد زيدان الى عمر المختار فوضع المختار يدق على كتفه‬
‫كقاؿ‪:‬‬
‫‪( -‬مرحبان بك‪ ،‬ياأخي‪ ،‬من أرض اجدادم‪ .‬من أم العرب انت؟" كعندما اخبرق زيد انه من قبيلة شمر‪ ،‬أكمأ عمر برأسه‬
‫مبتسمان ‪( :‬آق ‪ ،‬اذف انت من قبيلة حاتم الطائي‪ ،‬اكرـ الناس يدان‪.)...‬‬
‫كقدـ لهم رجاؿ المختار بعض التمر كدعاهم المختار الى ذلك الطعاـ البسيط فأكلوا‪ ،‬كنهض قائد المجاهدين كقاؿ‪:‬‬
‫(آف لنا أف نتحرؾ من هنا‪ .‬اننا على مقرب من المركز االيطالي في بوصفية‪ ،‬كلذا ال نستطيع اف نتأخر حتى الفجر‪.)..‬‬
‫كتحرؾ محمد اسد مع قائد حركة الجهاد ككصل الى معسكر المجاهدين ككقعت عيناق على امرأتين احدهما مسنة‬
‫كاالخرل شابة ‪ -‬في المعسكر كانتا جالستين بالقرب من احد النيراف‪ ،‬مستغرقتين في اصبلح سرج ممزؽ بمخرز غليظ‪.‬‬
‫كعندما لحظ الشيخ عمر المختار دهشة محمد اسد قاؿ‪( :‬إف اختينا هاتين تذهباف معنا حيثما نذهب‪ .‬لقد رفضتا اف‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.362‬‬


‫( ) أظش‪:‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.363‬‬
‫تسعيا الى امن مصر مع سائر نسائنا كاكالدنا‪ .‬انهما اـ كابنتها‪ ،‬كقد فقدتا جميع رجالهما في الحرب‪.)1()...‬‬
‫اتفق عمر المختار مع محمد اسد على طريقة امداد المجاهدين بالمؤف كالعتاد كالسبلح عن طريق الطريق التي جاء منها‬
‫محمد اسد‪ ،‬مع انشاء مستودعات سرية في كاحات بحرية كفرفرة كسيوق ‪ ،‬ككاف عمر المختار يشك في امكانية‬
‫االفبلت من مراقبة االيطاليين بهذق الطريقة مدة طويلة‪.‬‬
‫كقد تبين بعد ذلك اف ظنونه كمخاكفه كانت في محلها‪ ،‬ذلك انه بعد بضعة اشهر تمكنت قافلة تحمل المؤمن‬
‫كالذخائر من الوصوؿ فعبلن الى المجاهدين ‪ ،‬إال اف االيطاليين اكتشفوها بينما كانت تجتاز الفجوة بين الجغبوب كجالو‪،‬‬
‫كسريعان ما انشأكا بعد ذلك مركزان محصنان في بير طرفاكم على نصف المسافة تقريبان بين الواحتين‪ ،‬مما جعل‪ ،‬باالضافة‬
‫الى الدكريات الجوية المستمرة‪ ،‬كل مسعى آخر من هذا النوع خطرنا الى أبعد الحدكد(‪.)2‬‬
‫ككا ف قد تقرر رجوع محمد اسد كزيد الشمرّم الى الحجاز كرجوع من حيث أتوا بواسطة المجاهدين البواسل الذم رتبوا‬
‫االمور‪ ،‬كأخذكا باالسباب‪ ،‬كحافظوا على ضيوفهم الكراـ‪.‬‬
‫يقوؿ محمد اسد‪ :‬ككدعت كزيد عمر المختار‪ ،‬كلم نرق بعد ذلك اطبلقان‪ ،‬ذلك انه بعد ثمانية أشهر‪ ،‬قبض عليه‬
‫االيطاليوف كاعدموق‪.‬‬
‫كقدكصف لنا محمد اسد آخر لقاء مع السيد احمد الشريف فقاؿ‪ :‬كمرة اخرل كقفت اماـ إماـ السنوسية كنظرت الى‬
‫كجه ذلك المحارب القديم المرهق ‪ ،‬كمرة اخرل قبلت اليد التي حملت السيف طويبلن جدان حتى انها لم تعد تستطيع بعد‬
‫اف تحمله‪.‬‬
‫‪( -‬بارؾ اهلل فيك‪ ،‬يابني‪ ..‬لقد مضت سنة منذ اف التقينا اكؿ مرة‪ ،‬كهذق السنة قد شهدت نهاية آمالنا كلكن‬
‫الحمدهلل على كل حاؿ‪.)...‬‬
‫كالحق انها كانت سنة مفعمة بالهموـ كاالكدار بالنسبة الى احمد‪ :‬لقد اصبحت االخاديد حوؿ فمه اكثر عمقان‪،‬‬
‫كاصبح صوته اكثر انخفاضان من أم كقت مضى‪.‬‬
‫لقد هول النسر‪ .‬انه يجلس منكمشان على السجادة‪ ،‬كقد لف نفسه ببرنسه االبيض كأنما يطلب الدؼء‪ ،‬كيحدؽ‬
‫بصمت في الفراغ كهمس‪( :‬لو اننا استطعنا فقط اف ننقذ عمر المختار‪ .‬لو اننا تمكنا من اقناعه بالهرب الى مصر بينما‬
‫كاف هناؾ متسع من الوقت‪.)...‬‬
‫فقلت له ‪( :‬لم يكن باستطاعة احد اف ينقذ سيدم عمر‪ .‬انه لم يرد اف ينقذ‪ .‬لقد فضل اف يموت اذا لم يستطع‬
‫اف ينتصر‪ .‬لقد عرفت ذلك عندما فارقته ياسيدم احمد ‪.)3()....‬‬
‫إف احمد الشريف اهتم بببلدق بمجرد هجرته منها ككاف على إتصاؿ بالمجاهدين كقد حدثني السيد عبدالقادر بن علي‬
‫أف احمد الشريف قاـ بكتابة رسائل الى قبائل برقة يحثهم فيها على السمع كالطاعة للشيخ عمر المختار رحمهم اهلل‪.‬‬

‫ثانيان‪ :‬االسد يقع اسيران‪:‬‬


‫ظل المختار في الجبل االخضر يقاكـ الطلياف على الرغم من هذق الصعوبات الجسيمة التي كانت تحيط به كبرجاله‬
‫ككانت من عادة عمر المختار االنتقاؿ في كل سنة من مركز اقامته الى المراكز االخرل التي يقيم فيها إخوانه المجاهدكف‬
‫لتفقد احوالهم‪ ،‬ككاف إذا ذهب لهذا الغرض يستعد للطوارئ ‪ ،‬كيأخذ معه قوة كافية تحرسه من العدك الذم يتربص به‬
‫الدكائر في كل زماف كمكاف‪ ،‬كلما أراد اهلل أف يختم له بالشهادة ذهب في هذق السنة كعادته في نفر قليل يقدر‬
‫بمائة فارس‪ ،‬كلكنه عاد فرد من هذا العدد ستين فارسان كذهب في اربعين فقط‪ .‬كيوجد في الجبل األخضر كاد عظيم‬
‫معترض بين المجاهدين اسمه كادم الجريب (بالتصغير) كهو صعب المسالك كثير الغابات‪ ،‬كاف البد من اجتيازق ‪ ،‬فمر‬
‫به عمر المختار كمن معه ‪ ،‬كباتوا فيه ليلتين ‪ ،‬كعلمت بهذا ايطاليا بواسطة جواسيسها في كل مكاف ‪ ،‬فأمرت‬
‫بتطويق الوادم على عجل من جميع الجهات بعد أف جمعت كل ماعندها من قوة قريبة كبعيدة‪ ،‬فما شعر عمر المختار‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.365‬‬


‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.366‬‬
‫( ) أظش‪ :‬اٌطش‪٠‬ك اٌ‪ ٝ‬االسالَ‪ ،‬ص‪.370‬‬
‫كمن معه إال كهم كسط العدك(‪)1‬؛ كقرر منازلة االعداء كجهان لوجه فأما أف يشق طريقان يمكنه من النجاة أك يلقى ربه‬
‫شهيدان في الميداف الذم ألف فيه مصارعة األعداء‪ ،‬كالتحمت المعركة داخل الوادم‪ ،‬كحصد رصاص المجاهدين عددنا‬
‫كبيران من األعداء‪ ،‬كسقط الشهداء‪ ،‬كأصيب عمر المختار بجراح في يدق‪ ،‬كأصيب فرسه بضربة قاتلة‪ ،‬كحصلت يدق‬
‫السليمة تحت الفرس فلم يتمكن من سحبها ‪ ،‬كلم تسعفه يدق الجريحة كأصبح لساف حاله يقوؿ‪:‬‬
‫أسرت كماصحبي بعزؿ لدل الوغى‬
‫ككم من صدل صوتي ليوث الشرل فػركا‬
‫كما أحد في الحرب يجهل سطوتي كال‬
‫فرسي مهر كال ربه غمػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػر‬
‫كلكن إذا حم القضاء على أمرئ‬
‫يكوف كال يغني من القدر الحػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػذر‬
‫كمن راـ من أمر االله كقايه‬
‫فليس له بر يقيه كال بحػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػر(‪)2‬‬
‫كالتفت المجاهد بن قويرش فرأل الموقف المحزف كصاح في إخوانه الذين شقوا الطريق للخركج من الحصار قائبلن‪:‬‬
‫(الحاجة التي تنفع عقبت أم تخلفت) ‪ ،‬فعادكا لتخليص قائدهم كلكن رصاص الطلياف حصد أغلبهم‪ ،‬ككاف ابن قويرش‬
‫اكؿ من قتل كهو يحاكؿ انقاذ الشيخ الجليل ‪ ،‬كهجم جنود الطلياف على االسد الجريح دكف اف يعرفوا شخصيته في‬
‫البداية‪ ،‬كتم القبض عليه كتعرؼ عليه احد الخونة‪ ،‬كجاء الكمندتور داكد باتشي متصرؼ درنة ليتعرؼ على االسير كبمثل‬
‫سرعة البرؽ نقل عمر المختار الى ميناء سوسة محاطان بعدد كبير من الضباط كالجنود االيطاليين‪ ،‬كأخذت كافة‬
‫ا الحتياطات لحراسة جميع الطرؽ كالمواقع القريبة لتأمين كصوؿ المجاهد العظيم الى سوسة كمن ثم نقل فورنا الى‬
‫بنغازم عن طريق البحر(‪.)3‬‬
‫يقوؿ غراسياني في مذكراته‪ :‬في صباح يوـ ‪ 11‬سبتمبر ‪1931‬ـ كصل الخبر برقيان الى الحكومة من متصرفية‬
‫الجبل هذا نصها‪( :‬بالقرب من (سلطنة) فرقة الفرساف (الصوارم) قبضت على كطني كقع من على جوادق اثناء‬
‫المعركة كقد تعرؼ عليه عساكرنا بأنه عمر المختار كنظران للخبر المهم كمن اجل التأكد كالتحقق أمرت الحكومة متصرؼ‬
‫الجبل الحكومندتور (الوجيه داكد ياتشي) فجهزت طائرة خاصة لنقله الى (سلطنة) على الفور للتعرؼ على شخصية‬
‫االسير كتثبت هويته اف كاف هو زعيم المجاهدين عمر المختار كتأكد متصرؼ الجبل من انه عمر المختار كسرل الخبر‬
‫سرياف البرؽ كصدرت االكامر بنقله الى سلطنة كمنها الى سوسة تحت حراسة شديدة حيث كصلها عند السابعة‬
‫عشر من مساء نفس اليوـ سبتمر ‪1931‬ـ دكف أم عائق ‪ ،‬اك حادث اثناء الطريق من سلطنة الى سوسة مكث‬
‫هناؾ في انتظار الطراد الحربي (اكرسيني) الذم تحرؾ من بنغازم خصيصان ليعود باالسير الى بنغازم كفي اثناء الرحلة‬
‫تحدث معه بعض السياسيين التابعين الدارتنا ككجهوا إليه االسئلة‪ ،‬فكاف يجيب بكل هدكء كبصوت ثابت كقوم‬
‫دكف أم تأثر بالموقف الذم هو فيه كفي يوـ ‪ 12‬سبتمر ‪1931‬ـ عند الساعة السابعة عشر كصل الطراد اكرسيني‬
‫الى ميناء بنغازم حامبلن معه االسير عمر المختار‪ )4()...‬كقاؿ أيضان هذا الرجل اسطورة الزماف الذم نجا آالؼ المرات من‬

‫( ) أظش‪ :‬اٌسٕ‪ٛ‬س‪١‬ت د‪ٚ ٓ٠‬د‪ٌٚ‬ت‪ ،‬ص‪.313‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب ‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.274‬‬
‫الموت كمن االسر كاشتهر عند الجنود بالقداسة كاالحتراـ ألنه الرأس المفكر كالقلب النابض للثورة العربية (االسبلمية)‬
‫في برقة ككذلك كاف المنظم للقتاؿ بصبر كمهارة فريدة ال مثيل لها سنين طويلة كاآلف كقع اسيرنا في ايدينا(‪.)1‬‬
‫كهذا االعتراؼ من غراسياني الخسيس في كتابه بأف عمر المختار قاد المعارؾ سنين طويلة كاعترؼ بانه محترـ من‬
‫اتباعه الى مكانة عالية جدان ثم بأنه الرأس المفكر كالقلب النابض للجهاد االسبلمي المقدس في برقة ثم الصبر كالمهارة‬
‫التي ال مثيل لها فهذا اعتراؼ من الجنراؿ غراسياني خريج الكليات الحربية كاالكاديمية العسكرية كله تجارب طويلة في‬
‫حرب االحتبلؿ الى حرب العالمية االكلى كحركبه الصحراكية حتى لقبه بنو قومه بلقب اسد الصحراء كالفضل ما شهدت‬
‫به االعداء‪.‬‬
‫كيقوؿ الجنراؿ غراسياني عن عمر المختار ايضان‪( :‬كاف عمر المختار كرئيس عربي مؤمن بقضية كطنه كله تأثير كبير‬
‫على اتباعه مثل الرؤساء الطرابلسيين يحاربوف بكل صدؽ كاخبلص اقوؿ ذلك عن تجارب مرت بي اثناء الحركب الليبية‬
‫ككاف عمر المختار من المجاهدين الكبار لما له من مكانة مقدسة بين اتباعه كمحبيه‪ ،‬اف عمر المختار يختلف عن اآلخرين‬
‫فهو شيخ متدين بدكف شك‪ ،‬قاسي كشديد التعصب للدين كرحيم عند المقدرة ذنبه الوحيد يكرهنا كثيران كفي بعض‬
‫ا الكقات يسلط علينا لسانه كيعاملنا بغلظة ‪ ،‬مثل الجبليين كاف دائمان مضادان لنا كلسياستنا في كل األحواؿ ال يلين‬
‫ابدان كال يهادف إال اذا كاف الموضوع في صالح الوطن العربي الليبي‪ ،‬كلم يخن ابدان مبادئه فهو دائمان موضع االحتراـ رغم‬
‫التصرفات التي تحدث منه في غير صالحنا اف خيانة موقعة (قصر بنقدين) ضيعت على عمر المختار كل الفرص التي‬
‫يمكن للدكلة االيطالية اف ترحمه فيها(‪.)2‬‬
‫كقاؿ غراسياني في مذكراته‪( :‬أما كصف عمر المختار فهو معتدؿ الجسم عريض المنكبين شعر رأسه كلحيته‬
‫كشواربه بيضاء ناصعة‪ ،‬يتمتع بذكاء حاضر كحاد‪ ،‬كاف مثقفان ثقافة علمية دينية له طبع حاد كمندفع يتمتع بنزاهة‬
‫خارقة لم يحسب للمادة أم حساب متصلب كمتعصب لدينه‪ ،‬كاخيران كاف فقيران ال يملك شيئان من حطاـ الدنيا إال حبه‬
‫لدينه ككطنه رغم انه كصل الى أعلى الدرجات حتى اصبح ممثبلن كبيران للسنوسية كلها)(‪ )3‬كهذا كصف دقيق يدؿ‬
‫بوضوح على عظمة المختار كامكانياته الذاتية التي كهبه اهلل اياها فتقلد بسببها اكبر المناصب كخاض اكثر المعارؾ‬
‫كصفه عدكق بصفات الورع كالتدين كمثقف ثقافة دينية كعلمية كصفه بشدة المراس كالصبر على الشدائد كهكذا‬
‫ياأخي المسلم الكريم يصنع االسبلـ من اتباعه‪.‬‬

‫ثالثان‪ :‬دخوؿ المختار في سجن بنغازم‪:‬‬


‫كعندما كصل االسير الى بنغازم لم يسمح ألم مراسل جريدة اك مجلة بنشر اخبار اك مقاببلت ككاف على الرصيف‬
‫مئات من المشاهدين عند نزكله في الميناء كلم يتمكن أم شخص مهما كاف مركزق اف يقترب من الموكب المحاط‬
‫بالجنود المدججين بالسبلح كنقل فوؽ سيارة السجن تصحبه قوة مسلحة بالمدافع الرشاشة حيث اكدع في زنزانة‬
‫صغيرة خاصة منعزلة عن كافة السجناء السياسيين كتحت حراسة شديدة كجديدة كيقوؿ مترجم كتاب برقة الهادئة‬
‫االستاذ ابراهيم سالم عامر كنت من الذين أسعدهم الحظ على اف يتكلموا مع بطل الجهاد عمر المختار اثناء قيامه في‬
‫السجن فقد أكق فوا كل االهالي المعتبرين في مراكز االمن كالسجوف ككاف نصيبي في سجن بنغازم المركزم كعندماأتى‬
‫بعمر المختار غيركا الحراس المحليين بحراس أريتريين كالموظفين بااليطاليين من الحزب الفاشيستي كبعد اف اكدعوق في‬
‫الزنزانة كاف هناؾ سرير من خشب كقماش كعلى االرض قطعة من السجاد البالي ألجل كقع الرجلين عليه فسحبها‬
‫الشهيد بقرب الجدراف كجلس عليها كاستند على الجدراف كمد رجليه الى االماـ كعندما كاف مدير السجن يتجوؿ على‬
‫زنزانات السجناء رأل الشهيد جالسنا على االرض كلم يستطيع اف يساله لماذا هو جالس على االرض‪ .‬كألف المدير اليعرؼ‬
‫الع ربية فناداني من بين السجناء السياسيين كطلب مني اف اترجم سؤاله فسألت الشهيد‪ ،‬فاجاب بصوت هادر‬
‫كاألسد الهصور‪ :‬قل له أنا اعرؼ اين اجلس ال يحمل همنا فهذا ليس من شأنه فترجمت الكبلـ فانصعق المدير كاصفر‬

‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.266،267‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.268‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫كجهه كقاؿ هيا ارجع الى مكانك بلهجة االمر غير اف قلبي كاد يطير من صدرم فرحان عندما سمعت هذق االجابة‬
‫القاطعة رحم اهلل عمر المختار كم كاف عظيمان كهو قائم كاعظم كهو اسير(‪.)1‬‬
‫كيقوؿ غراسياني الجنراؿ االيطالي السفاؾ الجبلد‪( :‬كاثناء الرحلة من سوسة الى بنغازم أعطى لنا معلومات هامة عن‬
‫كيفية سقوطه في األسر كالقبض عليه قائبلن عندما ضرب جوادق كسقط على االرض فجرحت يدق اليمنى مما سببت‬
‫له بعض التشقق في عظاـ ذراعه كرغم هذا اآللم حاكؿ جر نفسه ليبتعد كيختفي في احد الشجرات التي في الغابة‬
‫كلكن فرقة الفرساف حالت بينه كبين غرضه كقد تعرؼ عليه احد الصوارم من فرقة الفرساف كسرعاف ما أحاطت به‬
‫قوتنا كقد تأسف كثيران اثناء حديثه بأف رفاقه حاكلوا انقاذق بكل كسيلة كقد ضاع منهم بعض الرفاؽ كلكن الكثرة‬
‫حالت دكف بغيتهم كذلك قلة الذخيرة لها عاملها االصلي في عدـ انقاذم كاثبت كذلك اف كقوعه في االسر ال يعني‬
‫توقف الثورة كالجهاد بل هناؾ اربعة من القادة يحلوف محلي كهم الشيخ حمد بوموسى‪ ،‬عثماف الشامي كعبدالحميد‬
‫العبار كيوسف بورحيل المسمارم كهذا االخير هو أقربهم إليه النه كاف دائمان بجانبه ‪ ،‬كلقد بالغ كثيران بالنسبة لعدد‬
‫الجنود فقد قاؿ اف دكرق يتكوف من ‪ 500‬مقاتل عادم‪ 400 ،‬فارس‪ .‬كاستطرد قائبلن شارحان اف كقوعه في األسر ال‬
‫يؤثر كال يغير سير القتاؿ اك كضع الدكر بل سيزداد قساكة ثم اضاؼ اني احارب االيطاليين الفاشيستيين ال ألني اكرق‬
‫الشعب االيطالي كلكن ديني أمرني بالجهاد فيكم ألنكم أعداء الوطن(‪.)2‬‬
‫قلت ما أعلم احد من المسلمين الصادقين يجد في نفسه كدان للنصارل على العموـ فكيف بالذين يقولوف اهلل ثالث‬
‫ثبلثة كيقولوف عيسى ابن اهلل‪ ،‬لكن قوؿ غراسياني اف عمر المختار ال يبغض الشعب االيطالي فهذا ادعاء منه كاما قوؿ‬
‫عمر المختار ديني امرني بقتالكم فهذا الذم يليق بحاله كبغض المسلم للنصارل الكفرة يدينوف بها خالقهم كرازقهم ‪،‬‬
‫كمالكهم كمتولي أمورهم سبحانه كتعالى عما يقولوف الظالموف علوان كبيران‪.‬‬
‫قاؿ تعالى‪ { :‬لقد كفر الذين قالوا اف اهلل ثالث ثبلثة كمامن إله إال اله كاحد كإف لم ينتهوا عما يقولوف ليمسن‬
‫الذين كفركا منهم عذاب إليم ‪ ‬أفبل يتوبوف الى اهلل كيستغفورنه كاهلل غفور رحيم}‪( .‬سورة المائدة ‪،‬‬
‫اآليات‪.)72،73،74:‬‬
‫كقاؿ تعالى ‪ { :‬كقالوا اتخذ الرحمن كلدان لقد جئتم شيئان إدّ تكاد السموات يتفطرف منه كتنشق االرض كتخر الجباؿ‬
‫هدان اف دعو للرحمن كلدان} ( سورة مريم‪ :‬اآليات ‪ 88‬الى ‪.)91‬‬
‫فاآليات السابقة الواضحة البينة تمنع العالم الرباني كالشيخ الجليل اف يقوؿ بأنه ال يبغض اعداء اهلل حمات‬
‫الصليب‪.‬‬
‫كاستطرد غراسياني في كتابه برقة الهادئة قاؿ ‪( :‬لقد قاؿ عمر المختار كلمات تاريخية ‪ :‬إف كقوعي في األسر‬
‫تأكيد بأمر اهلل كسابق في علمه سبحانه كتعالى كاآلف أنا بين يدم الحكومة االيطالية الفاشيستية كأصبحت أسيرنا‬
‫عندها كاهلل يفعل بي مايشاء‪ .‬أخذتموني أسيران كلكم القدرة أف تفعلوا بي ماتشاؤكف كالذم اريد أف أقوله بكل تأكيد لم‬
‫أفكر في يوـ من االياـ أف أسلم نفسي لكم مهما كاف الضغط شديدان كلكن مشيئة اهلل ارادت هذا فبل راد لقضاء‬
‫اهلل)(‪.)3‬‬
‫كهذق بعينها عقيدة القضاء كالقدر كهي من اركاف االيماف التي جاء بها االسبلـ كقد تجسدت في حياة عمر المختار‬
‫فهذق اآليات الكريمة تبين ماكقع لبلنساف قد كتب فعليه أالّ يحزف كالييأس الف األمور بقضائه كقدرق قاؿ تعالى‪:‬‬
‫{ ما أصاب من مصيبة في االرض كال في أنفسكم إال في كتاب من قبل اف نبرأها اف ذلك على اهلل يسير لكي‬
‫التأسوا على مافاتكم كال تفرحوا بما آتاكم كاهلل اليحب كل مختاؿ فخور}( سورة الحديد‪ ،‬آية ‪.)22‬‬
‫كقد تربى المختار رحمه اهلل تعالى على االيات القرآنية كاحاديث المصطفى ‪ ‬فعن ابن عباس عن رسوؿ اهلل ‪: ‬‬
‫كاعلم اف األمة لو اجتمعت على أف ينفعوؾ بشيء لم ينفعوؾ إال بشيء قد كتبه اهلل لك كإف اجتمعوا على أف‬

‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.274،275‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫يضركؾ بشيء لم يضركؾ إال بشيء قد كتبه اهلل عليك رفعت االقبلـ كجفت الصحف(‪.)1‬‬
‫كهذق العقيدة الصحيحة كانت مستقرة في قلب الشيخ الجليل رحمه اهلل كتحولت الى عمل في حياته جسدته‬
‫مواقف عقدية كمشاهد بطولية كال نكوف مخطيئن اف قلنا كانت مواقفه كسيرته العطرة تدؿ على أنه رجل عقيدة‪.‬‬

‫رابعان‪ :‬من مواقف العزة داخل السجن‪:‬‬


‫اراد الكمندتور رينسي (السكرتير العاـ لحكومة برقة) في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أف يقحم الشارؼ الغرياني‬
‫في موقف حرج مع عمر المختار كهو في السجن كابلغ الشارؼ الغرياني بأف المختار طلب مقابلتك كالحكومة االيطالية‬
‫الترل مانعان من تلبية طلبه‪ ،‬كذهب الشارؼ الغرياني الى السجن لمقابلة الشيخ الجليل كعندما ألتقيا خيم السكوت‬
‫الرهيب كلم يتكلم المختار فقاؿ الشارؼ الغرياني هذا المثل الشعبي مخاطبان به السيد عمر (الحاصلة سقيمة كالصقر‬
‫مايتخبل) كماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه كنظر بحدة الى الشارؼ الغرياني كقاؿ له‪ :‬الحمد هلل الذم‬
‫اليحمد على مكركق سواق كسكت هنيئة ثم اردؼ قائبلن‪ :‬رب هب لي من لدنك رحمة كهيئ لنا من أمرنا رشدا‪ ،‬أنني لم‬
‫أكن في حا جة الى كعظ اك تلقين‪ ،‬أنني أكمن بالقضاء كالقدر‪ ،‬كأعرؼ فضائل الصبر كالتسليم إلرادة اهلل ‪ ،‬أنني متعب‬
‫من الجلوس هنا فقل لي ماذا تريد‪ ،‬كهنا أيقن الشارؼ الغرياني بأنه غرّر به فزاد تأثرق كقاؿ للمختار‪ :‬ماكددت أف أراؾ‬
‫هكذا كلقد أرغمت نفسي للمجيء بناءن على طلبك‪ ...‬فقاؿ الشيخ الجليل‪ ،‬كالجبل الشامخ أنا لم أطلبك كلن أطلب أحدان‬
‫كال حاجة لي عند أحد‪ ،‬ككقف دكف أف ينتظر جوابان من الشارؼ الغرياني‪ ،‬كعاد االخير الى منزله كهو مهموـ حزين كقد‬
‫صرّح بأنه شعر في ذلك اليوـ بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته‪ ،‬كلما سئل الشارؼ الغرياني عن نوع‬
‫الثياب التي كاف يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن اـ ثيابه التي كقع بها في االسر كاف جوابه هو البيتاف اآلتياف‬
‫مستشهدنا بهما‪:‬‬

‫عليه ثياب لو تقاس جميعها‬


‫بفلسٍ لكاف الفلس منهن اكثرا‬
‫كفيهن نفس لو تقاس ببعضها‬
‫نفوس الورل كانت أجل كأكبػػػرا(‪)2‬‬

‫خامسان‪ :‬عمر المختار أماـ غراسياني السفاح‪:‬‬


‫اراد المولى عز كجل لحكمة يريدها أف يقف البطل األشم كالطود الشامخ الذم حير ايطاليا الكافرة النصرانية‬
‫الكاثوليكية كاشاع الرعب في قلوب جيوشها‪ ،‬أماـ الرجل التافه الحقير المدعو غراسياني هذا حقير النفسية ‪ ،‬كضيع‬
‫االخبلؽ ‪ ،‬من أكلئك الذين يرتفعوف في كل عهد‪ ،‬كيأكلوف على كل مائدة ككاف من قادة الجيش االيطالي فلما جاء‬
‫موسوليني ذلك الطبل االجوؼ‪ ،‬كادعّى الزعامة على ايطاليا كحشر نفسه حشران في صفوؼ الزعامات العالمية‪ ،‬كاف‬
‫غراسياني اكؿ من صفق كقرع الطبوؿ للزعامة الجديدة‪ ،‬كصار فاشيستيان أكثر من الفاشيستيين أنفسهم‪ ،‬اماـ هذا‬
‫الرجل الحقير الذليل الخسيس التافة كقف البطل األشم كالطود المنيف شيخنا عمر المختار رحمه اهلل كتستطيع أف‬
‫تفكر في هذا الموقف كتطيل التفكير‪ ،‬فإف النفوس الحقيرة الوضيعة ‪ ،‬التعرؼ الشرؼ‪ ،‬كال الرجولة كال الكرامة كال‬
‫االخبلؽ إ ذا خاصمت‪ ،‬فما يكاد عدكها يقع في يدها حتى تفعل به االفاعيل ‪ ،‬كتصب عليه أصنافنا كألونان من العذاب!!‬

‫( ) أظش‪ :‬اص‪ٛ‬ي اً٘ اٌسٕت ‪ٚ‬اٌجّاػت اٌالٌىأ‪/2( ٟ‬ح ‪.)1095‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌالش‪ٙ‬ب ‪ ،‬ص‪.166،167‬‬
‫يدفعها الى ذلك ‪ ،‬شدة إحساسها بحقدها كعظمة عدكها‪ ،‬كشدة شعورها بنقصها ككماؿ اسيرها(‪.)1‬‬
‫من اجل ذلك دفعت الشماتة هذا الرجل الحقير أف يقطع رحلته الى باريس كاف يعود فوران الى بنغازم‪ ،‬كأف يدعوا‬
‫المحكمة الطائرة الى االنعقاد كدفعت غريزة الشماته غراسياني أف يستدعي البطل في صبيحة اليوـ نفسه‪ ،‬كقبل‬
‫المحاكمة بقليل(‪.)2‬‬
‫يقوؿ غراسياني في مذكراته ‪( :‬كعندما حضر اماـ مدخل مكتبي تهيأ لي أني ارل فيه شخصية آالؼ المرابطين الذين‬
‫التقيت بهم اثناء قيامي بالحركب الصحراكية‪ ،‬يداق مكبلتاف بالسبلسل‪ ،‬رغم الكسور كالجركح التي أصيب بها أثناء‬
‫المعركة كجهه مضغوطان ألنه كاف مغطيان رأسه (بالجرد) كيجر نفسه بصعوبة نظران لتعبه أثناء السفر بالبحر‪ ،‬كباالجماؿ‬
‫يخيل لي أف الذم يقف أمامي رجل ليس كالرجاؿ منظرق كهيبته رغم إنه يشعر بمرارة االسر‪ .‬هاهو كاقف أماـ مكتبي‬
‫نسأله كيجيب بصوت هادئ‪ ،‬ككاضح ككاف ترجماني المخلص النقيب (كابتن) خليفة خالد الغرياني الذم احضرته معي‬
‫خصيصان من طرابلس ككجهت له اكؿ سؤاؿ ‪ :‬لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشيستية؟(‪)3‬‬

‫ج‪ -‬ألف ديني يأمرني بذلك(‪.)4‬‬


‫س‪ -‬هل كنت تأمل في يوـ من االياـ أف تطردنا من برقة بامكانياتك الضئيلة كعددؾ القليل‪.‬‬
‫ج‪ -‬ال هذا كاف مستحيبلن‪.‬‬
‫س‪ -‬إذان ماالذم كاف في اعتقادؾ الوصوؿ إليه؟‬
‫ج‪ -‬ال شيء إال طردكم من ببلدم ألنكم مغتصبوف ‪ ،‬أما الحرب فهو فرض علينا كماالنصر إال من عند اهلل‪.‬‬
‫س‪ -‬لكن كتابك يقوؿ‪{ :‬كال تلقوا بأيديكم الى التهلكة} بمعنى التجلبوا الضرر ألنفسكم كال لغيركم من الناس‪،‬‬
‫القرآف يقوؿ هذا‪.‬‬
‫ج‪ -‬نعم‪.‬‬
‫س‪ -‬إذان لماذا تحارب؟‬
‫ج‪ -‬كما قلت من أجل كطني كديني(‪.)5‬‬
‫قاؿ غراسياني ‪ :‬فما كاف مني إال أف قلت له أنت تحارب من أجل السنوسية تلك المنظمة التي كانت السبب في‬
‫تدمير الشعب كالببلد على السواء كفي الوقت نفسه كانت المنظمة تستغل أمواؿ الناس بدكف حق هذا هو الحافز‬
‫الذم جعلك تحاربنا ال الدين كالوطن كما قلت ‪.‬‬
‫عمر المختار‪ :‬نظر اليّ نظرة حادة كالوحش المفترس‪ :‬لست على حق فيما تقوؿ كلك أف تظن ماظننت كلكن‬
‫الحقيقة الساطعة التي ال غبار عليها أنني أحاربكم من أجل ديني ككطني ال كما قلت باف عليّ كجهه بعد أف زاؿ الجرد‬
‫من على رأسه كاستطردت في توجيه االسئلة إليه‪:‬‬
‫س‪ -‬لماذا قطعت المهادنة السارية كامرت بالهجوـ على (قصر بن قدين) ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ألنه منذ شهر ارسلت الى المارشاؿ (بادكليو) كلم يجيبني عنها كبقيت بدكف رد حتى اآلف‪.‬‬
‫يقوؿ الجنراؿ ال أنت أردت قطع المهادنة لحاجة في نفسك كهاؾ الدليل كقرأت له البياف الذم نشرق فوؽ الجرائد‬
‫المصرية بتوقيعه؟كلم يرد في بادئ األمر كحنى رأسه مفكران ثم قاؿ‪:‬‬
‫عمر المختار ‪ -‬نعم نشرت البياف في مصر بتوقيعي كلكن ليس هذا هو الدليل كإنما هو عدـ تجاكبكم معنا في تنفيذ‬
‫شركط الهدنة‪ ،‬كلم يزد شيئنا بل حنى راسه اعياء‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ِ ،‬ذّ‪ٛ‬د شٍب‪ ٟ‬بخصشف‪ ،‬ص‪.142‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌشٍب‪ ،ٟ‬ص‪.142‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.279‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت ‪ ،‬ص‪.280‬‬
‫س‪ -‬هل أمرت بقتل الطيارين هوبر كبياتي‪.‬‬
‫ج‪ -‬نعم‪ :‬كل االخطاء كالتهم في الواقع هي مسؤكلية الرئيس كالحرب هي الحرب‪.‬‬
‫الجنراؿ ‪ :‬قلت له هذا صحيح لو كاف حربنا حقيقية ال قتل كسلب مثل حركبك‪.‬‬
‫عمر المختار‪ :‬هذا رأم‪ ،‬فيه إعادة نظر كانت الذم تقوؿ هذا الكبلـ كالزلت أكرر لك الحرب هي الحرب‪.‬‬
‫الجنراؿ‪ :‬بموقفك في موقعة (قصربن قدين) ضيعت كل أمل ككل حق في الحصوؿ على رحمة كعفو الحكومة‬
‫االيطالية الفاشيستية‪.‬‬
‫عمر المختار‪ :‬مكتوب (كلمة لتفسير معنى القضاء كالقدر في العقيدة االسبلمية) كعلى كل عندما كقع جوادم كألقي‬
‫القبض عليّ كانت معي ست طلقات ككاف في استطاعتي أف أدافع عن نفسي كأقتل كل من يقترب مني حتى الذم‬
‫قبض عل ّي كهو أحد الجنود من فرقة الصوارم المتطوعين معكم ككاف في إمكاني كذلك أف أقتل نفسي‪.‬‬
‫الجنراؿ‪ :‬كلماذا لم تفعل؟‬
‫عمر المختار‪ :‬ألنه كاف مقدرنا أف يكوف‪.‬‬
‫الجنراؿ‪ :‬كلكن قد تحقق فيما بعد إلقاء القبض عليه كانت بندقيته فوؽ ظهرق كبسقوطه على األرض لم يستطيع‬
‫نزعها كبالتالي لم يتمكن من استعمالها بسرعة ككذلك من أثر الجركح كالكسر الذم بيدق اليمنى كهذا في الحقيقة جدير‬
‫باالعتبار كالتقدير(‪.)1‬‬
‫كهذا اعتراؼ من السفاح إباف تجبرق كطغيانه كنشوة انتصارق يعترؼ بقوة عمر المختار كيقدر فيه بطولته كجهادق‬
‫التي لم يرلها مثيل كقاؿ شوقي رحمه اهلل في رثاء عمر المختار مايجسد هذا الموقف‪:‬‬
‫جرح يصيح على المدل كضحيه‬
‫تلتمس الحرية الحمػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػراء(‪)2‬‬
‫عمر المختار‪ :‬كما ترل أنا طاعن في السن على االقل اتركني بأف أجلس ‪.‬‬
‫الجنراؿ‪ :‬أشرت له فجلس على كرسيه أماـ مكتبي كفي هذق االثناء ظهر لي كجهه بوضوح كقد زالت رهبة الموقف‬
‫كقد تأملته جانبيان فرأيت بعض االحمرار في كجهه كبدأت أفكر كيف كاف يحكم كيقود المعارؾ‪ .‬كبينما هو يتكلم‬
‫كانت نظراته ثابتة الى االماـ كصوته نابع من أعماقه كيخرج من بين شفتيه بكلمات ثابتة كبكل هدكء كفكرت ثانية‬
‫هذا هو القديس‪ ،‬الف كبلمه عن الدين كالجهاد يدؿ بكل تأكيد أنه مؤمن صادؽ يتكلم عن الدين بكل حماس كتأثر ‪.‬‬
‫ثم قلت له فجأة‪ :‬بمالك من نفوذ كجاق كم يوـ يمكنك أف تأمر العصاة (يعني المجاهدين) بأف يخضعوا لحكمنا‬
‫كيسلموا اسلحتنا كينهوا الحرب‪.‬‬
‫عمر المختار‪ :‬مجيبان أبدان كأسير اليمكنني أف أعمل أم شيء كاستطرد قائبلن‪ :‬كبدكف جدكل نحن الثوار سبق أف أقسمنا‬
‫أف نموت كلنا ال واحد بعد اآلخر كالنسلّم أك نلقى السبلح كأنا هنا لم يسبق لي أف استسلمت هنا على ماأظن حقيقي‬
‫كثابت عندكم‪.‬‬
‫الجنراؿ‪ :‬قلت له كانا متماسك يمكن ذلك لو تم تعارفنا في كقت سابق كالخبرة طويلة التي أخذتها عليكم لكاف‬
‫علينا اف نصل الى احسن حاؿ في سبيل تهدئة الببلد كازدهارها‪.‬‬
‫(عمر المختار) ‪ :‬رفع حاجيبه بكل عمق كبصوت جهورم‪ ،‬كثابت قاؿ‪ :‬كلم ال يكن اليوـ هو ذلك اليوـ الذم تقوؿ‬
‫عنه‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.280،281،282‬‬


‫( ) أظش‪ :‬حؼٍ‪١‬ك اٌّخشجُ‪ ،‬ابشا٘‪ ُ١‬بٓ ػاِش ‪ ،‬ص‪.282‬‬
‫الجنراؿ‪ :‬فأجبته‪ :‬لقد فات األكاف‪.‬‬
‫كعند هذا الحد رأيت اف نوقف المحادثة فيما بيننا ربما عمر المختار فكر في تلك اللحظة أف الحكومة االيطالية‬
‫ستبعثه الى الجبل من أجل أف يسلّم أتباعه السبلح كيخضعوا الى سلطتنا كلكن ال ‪ :‬لقد قالها منذ لحظات بأنهم‬
‫يموتوف جميعان كلن يستسلموا كعليه لقد فات األكاف كقلتها بنفسك ال فائدة من المحاكلة إف االمل الذم الح منذ‬
‫قليل قد انهار كلم يعد ‪ .‬ثم قلت له‪ :‬هل تعرؼ هذق كعرضت عليه نظاراته في إطارها الفضي‪.‬‬
‫عمر المختار‪ :‬نعم إنها لي كقد كقعت مني اثناء احدل المعارؾ كهي معركة (كادم السانية)‪.‬‬
‫(الجنراؿ) فأجبته‪ :‬منذ ذلك اليوـ اقتنعت بأنك ستقع أسيرنا بين يدم‪.‬‬
‫عمر المختار‪ :‬مكتوب ‪ :‬هل ترجعها لي ألني لم أعد أبصر جيدان بدكنها‪.‬‬
‫كاستطرد يقوؿ كلكن ما الفائدة منها اآلف هي كصاحبها بين يديك‪.‬‬
‫(الجنراؿ) قلت له‪ :‬مرة اخرل أنت تعتبر نفسك محميان من اهلل تحارب من أجل قضية مقدسة كعادلة؟‬
‫(عمر المختار) نعم كليس هناؾ أم شك في ذلك‪ .‬قاؿ اهلل تعالى‪ { :‬قل لن يصيبنا إال ماكتب اهلل لنا} صدؽ‬
‫اهلل العظيم‪.‬‬
‫إذان استمع الى ماأقوله لك‪ .‬أماـ قواتي المسلحة من نالوت الى الجبل االخضر في برقة كل مشايخ كرؤساء العصاة‬
‫(يعني رؤساء المجاهدين) منهم من هرب كمنهم من قتل في ميداف القتاؿ كلم يقع منهم أم احد حيان في يدم أليس‬
‫من العجيب أف يقع أسيرنا بين يدم حيان من كاف يعتبر اسطورة الزمن الذم لم يغلب ابدنا المحمي من اهلل دكف سواق؟؟‬
‫(عمر المختار) تلك مشيئة اهلل ‪ ...‬قالها بصوت يدؿ على قوة كعزـ‪.‬‬
‫(الجنراؿ) قلت له‪ :‬الحياة كتجاربها تجعلني أعتقد كأؤمن بأنك كنت دائمان قويان كلهذا فإني أتمنى أف تكوف كذلك‬
‫مهما يحدث لك كمهما تكن الظركؼ‪.‬‬
‫(عمر المختار) عندما كقف ليتهيأ لبلنصراؼ ‪ ،‬كاف جبينه كضاء كأف هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جبللة‬
‫الموقف أنا الذم خاض المعارؾ كالحركب العالمية ‪ ،‬كالصحراكية ‪ ،‬كلقبت باسد الصحراء‪ ،‬كرغم هذا فقط كانت شفتام‬
‫ترتعشاف كلم استطع أف أنبس بحرؼ كاحد فأنتهت المقابلة كأمرت بإرجاعه الى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء‬
‫كعند كقوفه حاكؿ أف يمد يدق لمصافحتي كلكنه لم يتمكن ألف يديه كانت مكبلة بالحديد‪.‬‬
‫لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ كأنا أنظر إليه بكل إعجاب كتقدير(‪.)1‬‬
‫قاؿ شوقي رحمه اهلل‪:‬‬
‫كاتى االمير يجر ثقل حديدق‬
‫أسد يجرجر حية رقطاء‬

‫سادسان‪ :‬محاكمة عمر المختار رحمه اهلل ‪:‬‬


‫في الساعة الخامسة مساءن في ‪ 15‬سبتمبر ‪1931‬ـ جرت تلك المحاكمة التي أعد لها الطلياف مكاف بناء (برلماف‬
‫بل كموضوعان‪.‬‬
‫برقة) القديم ككانت محاكمة صورية شك ن‬
‫كدليل ذلك أف الطلياف قبحهم اهلل كانوا قبل بدء المحاكمة بيوـ كاحد قد أعدكا (المشنقة) كانتهوا من ترتيبات‬
‫اإلعداـ كتنفيذ الحكم قبل صدكرق‪ ،‬كإنك لتلمس ذلك في نهاية الحديث الذم دار بين البطل كبين غراسياني حيث‬
‫قاؿ له (إني ألرجو أف تظل شجاعان مهما حدث لك أك نزؿ بك)‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.285‬‬


‫كإنها لكلمات تفوح بالخبث كالدناءة كالشماتة‪ ،‬كمعناها إنك يامختار سوؼ تعدـ شنقان‪ ،‬فبل تجبن أماـ المشنقة‬
‫كالشك عندم لو كاف غراسياني في موقف شيخنا لمات من الجبن قبل أف يساؽ للمشنقة كلكن شيخنا الجليل‬
‫كأستاذنا الكريم كقائد الجهاد يزداد سمونا بعد سمو ثم يقوؿ (إف شاء اهلل)‪.‬‬
‫كيصف الدكتور العنيزم ذلك فيقوؿ (جاء الطلياف بالسيد عمر المختار إلى قاعة الجلسة مكببلن بالحديد‪ ،‬كحوله‬
‫الحرس من كل جانب ‪ ..‬ككاف مكاني في القاعة بجوار السيد عمر كأحضر الطلياف أحد التراجمة الرسميين كاسمه نصرت‬
‫هرمس ( فلما افتتحت الجلسة كبدأ استجواب السيد‪ ،‬بلغ التأثر بالترجماف‪ ،‬حدان جعله اليستطيع إخفاء تأثرق كظهر عليه‬
‫االرتباؾ‪ ،‬فأمر رئيس المحكمة بإستبعادق كإحضار ترجماف آخر فوقع االختيار على أحد اليهود‪ ،‬كهو لمبركزك‪ ،‬من بين‬
‫الحاضرين في الجلسة (كقاـ لمبركزك بدكر المترجم‪ ،‬ككاف السيد عمر رحمه اهلل جريئان صريحان‪ ،‬يصحح للمحكمة بعض‬
‫الوقائع‪ ،‬خصوصنا حادث الطيارين اإليطاليين أكبر كبياتي(‪.)1‬‬
‫كبعد استجواب السيد كمناقشته كقف المدعي العاـ بيدندك‪ ،‬فطلب الحكم على السيد باإلعداـ‪.‬‬
‫( كعندما جاء دكر المحامي المعهود إليه بالدفاع عن السيد عمر ككاف ضابطان إيطاليان يدعى الكابتن لونتانو‪ ،‬كقف‬
‫كقاؿ‪( :‬كجندم ال أتردد البته إذا كقعت عينام على عمر المختار في ميداف القتاؿ‪ ،‬في إطبلؽ الرصاص عليه كقتله‬
‫كافعل ذلك كإيطالي أمقته كأكرهه‪ ،‬كلكنني كقد كلفت الدفاع عنه فإني اطلب حكمان‪ ،‬هو في نظرم أشد هوالن من‬
‫اإلعداـ نفسه‪ ،‬كأقصد بذلك الحكم عليه بالسجن مدل الحياة نظرنا لكبر سنه كشيخوخته)‪.‬‬
‫كعندئذ تدخل المدعي العمومي‪ ،‬كقطع الحديث على المحامي كطلب من رئيس المحكمة أف يمنعه من إتماـ مرافعته‬
‫مستندان في طلبه هذا إلى أف الدفاع خرج عن الموضوع‪ ،‬كليس من حقه أف يتكلم عن كبر سن عمر المختار كشيخوخته‬
‫ككافقت المحكمة(‪ ،)2‬أمر القاضي المحامي بأف اليخرج عن الموضوع كيتكلم بإيجاز‪ ،‬كهنا تكلم المحامي بحدة كقاؿ‪ :‬إف‬
‫عمر المختار الذم هو أمامكم كليد هذق األرض قبل كجودكم فيها كيعتبر كل من احتلها عنوة عدك له كمن حقه أف‬
‫يقاكمه بكل مايملك من قوة حتى يخرجه منها أك يهلك دكنها هذا حق أعطته له الطبيعة كاإلنسانية‪ ،‬كهنا كثر‬
‫بل‬
‫الصياح من الحاضرين بإخراج المحامي كإصدار الحكم على المتهم الذم طالب به المدعي العاـ‪ .‬كلكن المحامي استمر قائ ن‬
‫العدالة الحقة التخضع ألم سلطاف كال ألية غوغاء كإنما يجب أف تنبع من ضميرنا كإنسانيتنا كهنا قامت الفوضى خارج‬
‫المحكمة‪ ،‬كقاـ المدعي العاـ محتجان على المحامي‪ ،‬كلكن المحامي استمر في دفاعه غير مباؿ بكل هذا بل حذر القاضي أف‬
‫يحكم ضميرق قائبلن‪ :‬إف هذا المتهم عمر المختار الذم انتدبت من سوء حظي أف أدافع عنه شيخ هرـ حنت كاهله‬
‫السنوف كماذا بقي له من العمر بعد ما أتم السبعين سنة كإني أطلب من عدالة المحكمة أف تكوف رحيمة من (تحقيق)‬
‫العقوبة عنه ألنه صاحب حق كاليضر العدالة إذا انصفته بحكم أخف كإنني أحذر عدالة محكمتكم حكم التاريخ ألنه‬
‫اليرحم فهو عجلة تدكر كتسجل كل مايحدث في هذا العالم المضطرب كهنا كثر الضجيج في الخارج ضد المحامي‬
‫كدفاعه‪.‬‬
‫كلكن المحامي استمر في دفاعه قائبلن‪ :‬سيدم القاضي حضرات المستشارين لقد حذرت المحكمة من مغبة العالم‬
‫اإلنساني كالتاريخ كليس لدم ما أضيفه إالّ طلب تخفيف الحكم على هذا الرجل صاحب الحق من الذكد عن أرضه كدينه‬
‫كشكران)‪.‬‬
‫كعندما قاـ النائب العاـ لمواصلة احتجاجه قاطعه القاضي برفع الجلسة للمداكلة كبعد مضي فترة قصيرة من‬
‫االنت ظار دخل القاضي كالمستشاراف كالمدعي العاـ بينما المحامي لم يحضر لتبلكة الحكم القاضي بإعداـ عمر المختار شنقنا‬
‫حتى الموت كعندما ترجم الحكم إلى عمر المختار قهقه بكل شجاعة قائبلن الحكم حكم اهلل الحكمكم المزيف ‪ -‬إنا هلل كإنا‬
‫إليه راجعوف(‪.)3‬‬
‫كأراد رئيس المحكمة أف يعرؼ ماقاله السيد عمر ‪ ..‬فسأؿ الترجماف أف ينقل إليه عبارته‪ ،‬ففعل‪ ،‬كعندئذ‪ ،‬بدا التأثير‬
‫العميق على كجوق اإليطاليين أنفسهم الذين حضركا هذق المحكمة الصورية كأظهركا إعجابهم لشجاعة شيخ المجاهدين‬

‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.153،154،155‬‬


‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.286،287‬‬
‫بليبيا الحبيبة كبسالته في آف كاحد‪.‬‬
‫كأما المحكمة‪ ،‬فقد استغرقت من بدئها إلى نهايتها ساعة كاحدة كخمس عشرة دقيقة فحسب‪ ،‬من الساعة‬
‫الخامسة مساء إلى الساعة السادسة كالربع ككذلك قضت إرادة اهلل تعالى أف يتحكم الطلياف في مصير البطل‪ ،‬لتتم‬
‫اإلرادة اإللهية كتمضي الحكمة الربانية(‪.)1‬‬
‫{كربك يخلق مايشاء كيختار ماكاف لهم الخيرة سبحاف اهلل كتعالى عمّا يشركوف} (سورة القصص‪ ،‬آية ‪.)68‬‬
‫{ما أصاب من مصيبة إالّ بإذف اهلل كمن يؤمن باهلل يهد قلبه كاهلل بكل شيء عليم} (سورة التغابن‪ :‬آية‬
‫‪.)110‬‬

‫سابعان‪ :‬إعداـ شيخ الجهاد في ببلدنا الحبيبة‪:‬‬


‫كفي يوـ ‪ 16‬سبتمبر من صباح يوـ األربعاء من سنة ‪ 1931‬عند الساعة التاسعة صباحان نفذ الطلياف في‬
‫(سلوؽ) جنوب مدينة بنغازم حكم االعداـ شنقان في شيخ الجهاد كأسد الجبل االخضر بعد جهاد طويل كمرير ‪.‬‬
‫كدفعت الخسة بااليطاليين أف يفعلوا عجبان في تاريخ الشعوب ‪ ،‬كذلك انهم حرصوا على اف يجمعوا حشدان عظيمنا‬
‫لمشاهدة التنفيذ فأرغموا أعيا ف بنغازم‪ ،‬كعددان كبيران من االهالي من مختلف الجهات على حضور عملية التنفيذ فحضر ماال‬
‫يقل عن عشرين الف نسمة ‪ .‬على حد قوؿ غراسياني في كتاب برقة الهادئة(‪.)2‬‬
‫كيقوؿ الدكتور العنيزم ( لقد ارغم الطلياف االهالي كاالعياف المعتقلين في معسكرات االعتقاؿ كالنازلين في بنغازم‬
‫على حضور المحاكمة‪ ،‬كحضور التنفيذ ككنت احد اكلئك الذين ارغمهم الطلياف على المحاكمة‪ ،‬كلكني كقد استبد بي‬
‫الحزف شأني في ذلك شأف سائر ابناء جلدتي‪ ،‬لم اكن استطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت‪ ،‬كلم‬
‫يعفني الطلياف من حضور التنفيذ في ذلك اليوـ المشئوـ‪ ،‬اال عندما تيقنوا من مرضي كعجزم عن الحضور ‪.‬‬
‫كيالها من ساعة رهيبة تلك التي سار المختار فيها بقدـ ثابتة كشجاعة نادرة كهو ينطق بالشهادتين الى حبل‬
‫المشنقة ‪ ،‬كقد ضل المختار يردد الشهادتين أشهد اف الاله اال اهلل ‪ ،‬كأشهد اف محمد رسوؿ اهلل‪.‬‬
‫لقد كاف الشيخ الجليل يتهلهل كجه استبشاران بالشهادة كارتياحان لقضاء اهلل كقدرق‪ ،‬كبمجرد كصوله الى موقع‬
‫المشنقة اخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوؽ ساحة االعداـ على إنخفاض‪ ،‬كبصوت مدكم لمنع االهالي من االستماع‬
‫الى عمر المختار اذا ربما يتحدث اليهم اك يقوؿ كبلمان يسمعونه كصعد حبل المشنقة في ثبات كهدكء ‪.‬‬
‫كهناؾ اعمل فيه الجبلد حبل المظالم فصعدت ركحه الطاهرة الى ربها راضية مرضية ‪ ،‬هذا ككاف الجميع من اكلئك‬
‫الذين جاءكا يساقوف الى هذا المشهد الرهيب ينظركف اللالسيد عمر كهو يسير الى المشنقة بخطى ثابتة‪ ،‬ككانت يداق‬
‫مكبلتين با لحديد كعلى ثغرق ابتسامة راضية‪ ،‬تلك االبتسامة التي كانت بمثابة التحية األخيرة ألبناء كطنه‪ ،‬كقد سمعه‬
‫بعض المقربين منه كمنهم ليبيوف أنه صعد سبللم المشنقة كهو يؤذف بصوت هادئ آذاف الصبلة ككاف أحد الموظفين‬
‫الليبيين من أقرب الحاضرين إليه‪ ،‬فسمعه عندما كضع الجبلد حبل المشنقة في عنقه يقوؿ‪{ :‬يا أيتها النفس‬
‫المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية} (سورة الفجر‪ :‬آية ‪.)27،28‬‬
‫لقد استجاب اهلل دعاء الشيخ الجليل كجعل موته في سبيل عقيدته كدينه ككطنه لقد كاف يقوؿ اللهم اجعل‬
‫موتي في سبيل هذق القضية المباركة)(‪.)3‬‬
‫كيقوؿ شاعر القطرين خليل مطراف‪:‬‬
‫أبيت كالسيف يعلو الرأس تسليمنا‬
‫كجدت بالركح جود الحر أف ضيمػػػػا‬

‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.156،157‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.288‬‬
‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.159،160‬‬
‫هلل ياعمر المختار حكمته‬
‫في اف تبلقي ماالقيت مظلومػػػػػػػػا‬
‫اف يقتلوؾ فما اف عجلوا أجبل‬
‫قد كاف مذ كنت مقدكرنا كمحتوما‬
‫كلقد رثاق الشعراء كتكلم في تأبينه االدباء كالكتاب كلو تتبعنا ذلك لوجدناها أكثر من مجلد(‪.)1‬‬
‫كنختم استشهاد عمر المختار رحمه اهلل بقوؿ اهلل تعالى ‪{ :‬كماكاف لنفس أف تموت إال بإذف اهلل كتابان مؤجبل كمن‬
‫يريد ثواب الدنيا نؤته منها كمن يرد ثواب اآلخرة نؤتها منها كسنجزم الشاكرين ككأين من نبي قاتل معه ربيوف كثير‬
‫فما كهنوا لما أصابهم في سبيل اهلل كماضعفوا كما استكانوا كاهلل يحب الصابرين} (سورة آؿ عمراف ‪ :‬آية ‪.)145‬‬
‫كمن سيرة عمر المختار العطرة نستخلص دركسان كعبران تفيدنا كثيران في حياتنا المعاصرة ليس عمر المختار رحمه اهلل‬
‫أكؿ من جاهد كال أكؿ من استشهد كلكن كاف حاله كما قاؿ تعالى ‪{ :‬الذين قاؿ لهم الناس إف الناس قد جمعوا‬
‫لكم فاخشوهم فزادهم إيماننا كقالوا حسبنا اهلل كنعم الوكيل} (سورة آؿ عمراف ‪ :‬آية‪.)172‬‬
‫كمفتاح شخصيته الفذة إنه آمن باهلل كاستقرت معانيه في قلبه فأصبح اليخشى إال اهلل كهذا الصنف من‬
‫المسلمين هو اقول ماعرفته البشرية كهو االنساف الحر في أعلى معاني الحرية‪.‬‬
‫جرد قلبه من االكهاـ كمن الشركيات كالضبلؿ كمن الشبهات كالشهوات كخلص قلبه من كل ظلمة تحيل بينه‬
‫كبين دخوؿ التوحيد الصحيح إليه‪ ،‬كاف كثير المراقبة هلل‪ ،‬كمن هنا كاف شديد الخوؼ من اهلل يعلم إنه شديد العقاب‬
‫كخوفه من اهلل جعله اهبلن لتوفيق اهلل كلذلك كاف راسخان كالجبل االشم(‪.)2‬‬
‫فالفريد في سيرته ‪ ،‬إنه أحيا شيئان كاد يندثر ‪ ،‬أحيا معاني االيماف التي كاف الناس قد بدأكا ينصرفوف عنها إنه بنياف‬
‫اسس على التقول فعاش مباركنا في حياته كفي مماته‪.‬‬
‫كالعبرة الثانية ‪ ،‬إنه كاف داعيا الى اهلل بإذنه ‪ ،‬تربى على ايدم دعاة السنوسية فلما اكتمل كترعرع ‪ ،‬ادل الرسالة‬
‫كبلغ االمانة كأنذر كبشر‪ ،‬كخيركم من تعلم القرآف كعلمه‪.‬‬
‫كالعبرة االخرل‪ ،‬إنه كاف على فهم صحيح لدينه‪ ،‬يأخذ كبلن اليتجزأ‪ ،‬فبل هو بالتدين المنحرؼ‪ ،‬كال هو بالتدين البعيد‬
‫عن جوهر الدين ‪ ،‬كإنما هو رجل مؤمن‪ ،‬يعلم اف االسبلـ اليصح أف يؤخذ بعضه كيترؾ بعضه‪ ،‬كإنما عليه أف يعمل به‬
‫كله‪.‬‬
‫ككاف في حرارة الشباب كحيويتهم رغم شيخوخته كتلك طبيعية المقاتلين في سبيل اهلل‪ ،‬الذين يخشوف اهلل‬
‫كاليخشوف أحدان غيرق كالعبرة االخرل‪ ،‬انه لم يسع للشهرة ‪ ،‬الف المخلصين اليبحثوف عن الشهرة كإنما يبحثوف عن رضى‬
‫اهلل سبحانه كتعالى(‪.)3‬‬
‫كلذلك جعل اهلل له ذكران في الدنيا كنسأؿ اهلل أف يتغمدق برحمته في اآلخرة إف اعداءق االكركبيين اعجبتهم سيرته‬
‫البطولية كالكفاحية كالجهادية فهذق صحيفة التايمز البريطانية في مقاؿ نشرته في ‪ 17‬سبتمبر سنة ‪1931‬ـ تحت‬
‫عنواف نصر إيطالي‪( :‬حقق االيطاليوف انتصاران خطيران كنجاحان حاسمان في حملتهم على المتمردين السنوسيين في برقة‪،‬‬
‫فلقد أسركا كأعدموا الرجل الرهيب عمر المختار شيخ القبيلة العنيف الضارم‪ )...‬ثم تستمر الصحيفة حتى تقوؿ‪( :‬كمن‬
‫المحتمل جدان أف مصيرق سيشل مقاكمة بقية الثوار‪ ،‬كالمختار الذم لم يقبل أم منحة مالية من ايطاليا‪ ،‬كأنفق كل ماعندق‬
‫في سبيل الجهاد كعاش على ماكاف يقدمه له اتباعه‪ ،‬كاعتبر االتفاقيات مع الكفار مجرد قصاصات كرؽ ‪ ،‬كاف محل‬

‫( ) أظش‪ :‬ابشا٘‪ ُ١‬ساٌُ بٓ ػاِش ِخشجُ بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.289‬‬


‫( ) أظش ‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫( ) اٌّصذس اٌسابك ٔفسٗ‪ ،‬ص‪.194 ،193‬‬
‫اعجاب لحماسته كاخبلصه الديني ‪ ،‬انه كاف مرموقان لشجاعته(‪.)1‬‬
‫بل (كاف عمر المختار مخلصان كذكيان‪ ،‬ككاف عقل الثورة كقلبها ببرقة)‪.‬‬
‫كقد كصفه أحد اإليطاليين قائ ن‬
‫كقاؿ آخر‪ :‬كاف انجازق رائعان‪ ،‬فقد حارب إيطاليا الفاشستية تسع سنوات من حرب فدائية لم تكن ضعيفة في‬
‫ذاتها ككاف التحدم كالتضحية كاالستشهاد بالنفس عند عمر المختار كاتباعه شيئنا نبيبلن(‪.)2‬‬
‫كنحن نقوؿ‪:‬‬
‫كمليحة شهدت لها ضراتها كالفضل ماشهدت به األعداء‬
‫لقد كانت حياة عمر المختار شيخ المجاهدين في الجبل األخضر بليبيا مكرسة كلها للعلم كالدعوة كتربية الناس على‬
‫اإلسبلـ كالجهاد في سبيل اهلل ككاف من ركاد الحركة السنوسية فقضى حياته حين نادل منادم الجهاد معتليان صهوة‬
‫جوادق ممسكان سبلحه‪ ،‬لم يهادف كلم يستسلم بل قارع أعداء دينه مقارعة الند للند رغم قلة اإلمكانات كرغم عدـ‬
‫التكافؤ في العدد كالعدة كلكنه استعبلء اإليماف كقوة اليقين‪ ،‬الذم ازداد صبلبة كعمقان في ميادين الجهاد كساحات‬
‫المعارؾ‪ ،‬إف جهاد عمر المختار رحمه اهلل سيظل معلمان بارزان في تاريخ ليبيا خاصة كتاريخ األمة اإلسبلمية عامة كسيظل‬
‫دليبلن على أف اإلسبلـ صنع كاليزاؿ نماذج عظيمة من البطوالت على مر العصور كعلى أف العطاء الحقيقي إنما هو عطاء‬
‫اإليماف(‪.)3‬‬
‫إف الشيخ الجليل عمر المختار رحمه اهلل مدرسة تستحق الدراسة كالبحث في جوانب متعددة في شخصيته العلمية‬
‫كالدعوية كالترب وية كالجهادية كيعلم اهلل ما أعطيت الشيخ حقه كال حتى بعض حقه كأحس إحساسان عميقان صادقان في‬
‫قرارة نفسي إنه أعظم مما كتبت كأجل مما توهمت كأفضل من عايشت من سيرة أبطاؿ الجهاد في ليبيا الحبيبة‬
‫فعليه من اهلل الرحمة كالمغفرة كالرضواف كعلى إخوانه الميامين الكراـ كنفعنا اهلل بسيرته الزكية العطرة النقية‪.‬‬
‫كهكذا يا أخي الكريم يصنع اإلسبلـ من اتباعه في ميادين النزاؿ كساحات القتاؿ ككذلك عند الوقوؼ أماـ الطغاة‬
‫كالجبلكدة الظلمة‪ ،‬ألف العقيدة تحركه كرعاية اهلل تحفه كإف هذق الوقفات الخالدة من سيرة شيخ الجهاد في ليبيا‬
‫لحرم بنا أف نكتبها بحركؼ من ذهب كنعلمها لؤلجياؿ كنربي عليها األشباؿ لغد مشرؽ مجيد قد بدأت بوادرق تلوح في‬
‫عناف السماء كمظاهرها متجسدة في رجوع شعوب المسلمين لدينها مع مايحف هذا الرجوع من مخاطر عديدة من قبل‬
‫اليهود كالنصارل كالمبلحدة كالحكاـ الظلمة كأنى لهم أف يطفؤا نور اهلل كاهلل متم نورق كلو كرق الكافركف‪.‬‬
‫فما علينا إال أف نستعين باهلل في تحقيق كتطبيق دينه على نفوسنا كأسرنا كمن حولنا ثم على الناس أجمعين‪.‬‬
‫قاؿ تعالى‪ { :‬كعد اهلل الذين آمنوا منكم كعملوا الصالحات ليستخلفنهم في األرض كما استخلف الذين من قبلهم‬
‫كليمكنن لهم دينهم الذم ارتضى لهم كليبدلنهم من بعد خوفهم أمنان يعبدكنني اليشركوف بي شيئا} (سورة النور‪:‬‬
‫آية‪.)55‬‬
‫{كلينصرف اهلل من ينصرق إف اهلل لقوم عزيز} (سورة الحج‪ ،‬آية‪.)40‬‬
‫{من كاف يريد العزة فاهلل العزة جميعان} (سورة فاطر‪ ،‬آية‪.)10‬‬

‫ثامنان‪ :‬بعض ماقيل في تأبين الشيخ عمر المختار من الشعر‬


‫أ‪ -‬قاؿ أمير الشعراء أحمد شوقي‪:‬‬
‫يستنهض الوادم صباح مساء‬ ‫ركزكا رفاتك في الرماؿ لواء‬

‫( ) ِٓ ِجٍت اٌب‪١‬اْ اٌؼذد اٌخاِس ػشش ‪ ،‬سب‪١‬غ اٌثأ‪٘1409 ٟ‬ـ‪ ،‬ص‪.82‬‬


‫( ) أظش‪ :‬ج‪ ْٛ‬سأ‪٠‬ج حاس‪٠‬خ ٌ‪١‬ب‪١‬ا‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫( ) ِٓ ِجٍت اٌب‪١‬اْ اٌؼذد اٌخاِس ػشش‪ ،‬ص‪.82،83‬‬
‫يوحي إلى جيل الغد البغضاء‬ ‫يا كيحهم نصبوا مناران من دـ‬
‫بين الشعوب مودة كإخاء‬ ‫ماضر لو جعلوا العبلقة في غد‬
‫الحمراء‬ ‫الحرية‬ ‫تتلمس‬ ‫جرح يصيح على المدل كضحية‬
‫يكسو السيوؼ على الزماف مضاء‬ ‫يا أيها السيف المجرد بالفبل‬
‫أبلى فأحسن في العدك ببلء‬ ‫تلك الصحارل غمد كل مهند‬
‫ككهولهم لم يبرحوا إحياء‬ ‫كقبور موتى من شباب أمية‬
‫دخلوا على أبراجها الجوزاء‬ ‫لو الذ بالجوزاء منهم معقل‬
‫كتوغلوا فاستعمركا الخضراء‬ ‫فتحوا الشماؿ سهوله كجباله‬
‫دار السبلـ كجلق الشماء‬ ‫كبنوا حضارتهم فطاكؿ ركنها‬
‫لم تبن جاها أك تلم ثراء‬ ‫خيرت فأخترت المبيت على الطو‬
‫ليس البطولة أف تعب الماء‬ ‫إف البطولة أف تموت على الضما‬
‫ضجت عليك أراجبل كنساء‬ ‫افريقيا مهد األسود كلحدها‬
‫اليملكوف مع المصاب عزاء‬ ‫كالمسلموف على اختبلؼ ديارهم‬
‫يبكوف زيد الخيل كالفلحاء‬ ‫كالجاهلية من كراء قبورهم‬
‫جسد ببرقة كسد الصحراء‬ ‫في ذمة اهلل الكريم كحفظه‬
‫تبلى‪ ،‬كلم تبق الرماح دماء‬ ‫لم تبق منه رحى الوقائع أعظما‬
‫باتا كراء السافيات هباء‬ ‫كرفات نسر أك بقية ضيغم‬
‫(تنك) كلم يك يركب لبلجواء‬ ‫بطل البداكة لم يكن يغزك على‬
‫كأدار من أعرافها الهيجاء‬ ‫لكن أخو خيل حمى صهواتها‬
‫لم تخش إال للسماء قضاء‬ ‫لبى قضاء األرض أمسى بمهجة‬
‫سقراط جر إلى القضاة رداء‬ ‫كأنه‬ ‫الجبين‬ ‫مرفوع‬ ‫كفاق‬
‫كالطفل من خوؼ العقاب بكاء‬ ‫شيخ تمالك سنه لم ينفجر‬
‫الضراء‬ ‫فتوقع‬ ‫فتغيرت‬ ‫كأخو أمور عاش في سرائها‬
‫في السجن ضرغاما بكى استخذاء‬ ‫األسد تزأر في الحديد‪ ،‬كلن ترل‬
‫رقطاء‬ ‫حية‬ ‫يجرجر‬ ‫أسد‬ ‫كأتى األسير يجر ثقل حديدق‬
‫كمشت بهيكله السنوف فناء‬ ‫عضت بساقيه القيود فلم ينوء‬
‫أعياء‬ ‫هضباته‬ ‫لترجلت‬ ‫سبعوف لو ركبت مناكب شاهق‬
‫من رفق جند قادة نببلء‬ ‫خفيت عن القاضي‪،‬كفات نصيبها‬
‫عرؼ الجدكد كأدرؾ اآلباء‬ ‫كالسن تعطف كل قلب مهذب‬
‫يأسو الجراح كيطلق االسراء‬ ‫دفعوا إلى الجبلد أغلب ماجدا‬
‫كيصف حوؿ خوانه األعداء‬ ‫كيشاطر األقراف ذخر سبلحه‬
‫لليث يلفظ حوله الحوباء‬ ‫كتخيركا الحبل المهين منية‬
‫من كاف يعطي الطعنة النجبلء‬ ‫حرموا الممات على الصوارـ كالقنا‬
‫كبناء‬ ‫تارة‬ ‫هدما‬ ‫بالحق‬ ‫إني رأيت يد الحضارة أكلغت‬
‫إال أُبات الضيم كالضعفاء‬ ‫شرعت حقوؽ الناس في أكطانهم‬
‫فأصوغ في عمر الشهيد رثاء‬ ‫يا أيها الشعب القريب أسامعُ‬
‫أذنيك حين تخُاطبُ األصغاء‬ ‫أـ الجمت فاؾ الخطوب كحرمت‬
‫فانقد رجالك كاختر الزعماء‬ ‫ذهب الزعيم كأنت باؽ خالدُ‬
‫كأحمل على فتيانك األعباء(‪)1‬‬ ‫كأرح شيوخك من تكاليف الوغى‬
‫ب‪ -‬قاؿ األستاذ نعماف عبدالوهاب ناظر مدرسة لملوـ بمغاغة بمصر كذلك بمناسبة أكؿ ذكرل للشهيد قاـ بها‬
‫الليبيوف أثناء الحرب العالمية الثانية‪:‬‬
‫كأسى له صلد الصخور يلي‬ ‫ذكرل بها ألم النفوس دفين‬
‫كنداء قطر بالفبلة سجين‬ ‫ف‬ ‫كسقاـ شعب في رفاة ضحية‬
‫(سفاح برقة) كالرحاب أمين‬ ‫كدموع ثكلى من دـ أذراعها‬
‫إذ قاؿ‪ :‬عرضي‪ ،‬كالحمى‪ ،‬كالدين‬ ‫صاحت على بطل يساؽ مكببل‬
‫في كل ركن في الببلد عرين‬ ‫لكما‬ ‫أعزؿ‬ ‫شعب‬ ‫فارتاع‬
‫باهلل يربطها هدل كيقين‬ ‫من كاحت الجغبوب قامت أسرة‬
‫كالعزـ ماجدت هناؾ شئوف‬ ‫بيت األمارة كالمهابة كالتقى‬
‫كالمسنوف‬ ‫الهندم‬ ‫كتجرد‬ ‫فاصطفت األبطاؿ تحت لوائها‬
‫بالحزـ كاالقداـ ضل يبين‬ ‫كالسيد المهدم يذكى نارها‬
‫كالشعب منقاد له كرهين‬ ‫يستنهض الفرساف في ساحتها‬
‫في حب برقة يضحك المطعوف‬ ‫يستعذبوف الموت في إرضائها‬
‫لم تكتحل فيها المناـ جفوف‬ ‫عشركف عامان في الجهاد بهمة‬
‫كتسوركا األيواف كهو حصين‬ ‫صبر األلى فتحوا ممالك قيصر‬
‫كالجار للجار الضعيف معين‬ ‫لو كاف لئلسبلـ سالف عهدق‬
‫يستنجدكف الشرؽ كهو ضنين‬ ‫مابات أبطاؿ الجهاد على الطول‬
‫من كاف للسرج الرهيب يزين‬ ‫يالهف نفسي كيف سار بغله‬
‫في كل قلب لوعة كحنين‬ ‫عمر بن مختار الشهيد كمن له‬
‫حتى حلى لي فيهما التأبين‬ ‫فختامه يحكي نهاية (جعفر)‬

‫( ) األػّاي اٌشؼش‪٠‬ت اٌىاٍِت‪ ،‬ادّذ ش‪ٛ‬ل‪.)18،19/2( ٟ‬‬


‫كالجو أطبق كالرصاص هتوف‬ ‫عيناق قد رأت الحصاف مجندال‬
‫يلقيه حتى أف يحين الحين‬ ‫كالسيف في اليمنى كإف قطعت فما‬
‫كالحق يعلم أنه المغبوف‬ ‫من كاف هلل القدير جهادق‬
‫حبل المشانق جاثم مرهوف‬ ‫الينثني عن عزمه كالموت في‬
‫نعم‪ ،‬كفي الصوت الجهور رنين‬ ‫ماردَّ إال حيث قاؿ قضاتهم‬
‫كاهلل قدر ما عليه تكوف‬ ‫فاضت على حبل المظالم ركحه‬
‫موت المعزة بالكماة قمين‬ ‫دار السنوسي لقنت أشبالها‬
‫يامرسل الشكول كأنت حزين‬ ‫فالصبر ياشعب الجهاد فضيلة‬
‫اف غاب عنها ليس عنك يبين‬ ‫الزاؿ رب الدار ليثا رابضا‬
‫كالحر للعهد النزيه يصوف‬ ‫الزاؿ ادريس الوفي بعهدكم‬
‫منكم‪ ،‬كقد سهرت عليه‬ ‫الزاؿ يسعى للخبلص بفتية‬
‫عيوف(‪)1‬‬ ‫ج‪-‬كقاؿ أحد الشعراء الليبيين األستاذ أبو الخير الطرابلسي‪:‬‬
‫كثول الحر في مهاكم الظبلـ‬ ‫دؾ طود الجهاد باسم السبلـ‬
‫زلزؿ األمن في ربوع األناـ‬ ‫لما‬ ‫الحق‬ ‫معالم‬ ‫كأبيدت‬
‫اإلسبلـ‬ ‫منارة‬ ‫كأزيلت‬ ‫كأميتت مبادئ الدين كفرا‬
‫م‪ ،‬كزلت مواطئ األقداـ‬ ‫كأقيمت مجازر األثم كالبغػ‬
‫ف‪ ،‬فهدت دعائم األقداـ‬ ‫كتحامت عناصر الظلم كالعدكا‬
‫كيف حيكت مؤامرات اللئاـ‬ ‫ليت تلك السماء تحكي فتركم‬
‫الطغاـ‬ ‫مخلفات‬ ‫فيوارم‬ ‫ليت هذا األديم ينشق توا‬
‫طارؼ العز‪ ..‬تالد المجد‪ ..‬سامي‬ ‫يهذا الشهيد!‪ .‬ما أنت إال‬
‫قدكة لجيش‪ ..‬في اللواء األمامي‬ ‫أيهذا الشهيد!‪ .‬ما أنت إال‬
‫ر‪ ،‬كخص الطغاة باألحجاـ‬ ‫خصك اهلل بالعزيمة كالصبػ‬
‫باآلثاـ‬ ‫الدناة‬ ‫كخص‬ ‫ر‪،‬‬ ‫خصك اهلل بالعقيدة كالطهػ‬
‫رأسها‪ ..‬ياجبلؿ هذا المقاـ‬ ‫أمم األرض ‪ ...‬طأطأت في احتراـ‬
‫كازدراء بهم أحط كساـ‬ ‫أمم األرض‪ ...‬قلدتهم هوانا‬
‫بيد الغدر‪ .‬ذقت كأس الحماـ‬ ‫أيهذا الشهيد قدمت شنقا‬
‫كاختفى البدر في ليالي التماـ‬ ‫فتوارت غزالة الصبح حزنا‬
‫(عمر) أنت‪ ...‬كالردل تتعامى‬ ‫خالد أنت‪ ...‬رغم أنف المنايا‬
‫ليس ينسى على مدل األعواـ‬ ‫اف تناسوؾ‪ ،‬فالثمانوف عاما‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس ٌألش‪ٙ‬ب‪ ،‬ص‪.187،188‬‬


‫فتوثبت قاهران في اعتصاـ‬ ‫كللت كاهليك بالعزـ تاجا‬
‫ؾ القضا‪ ..‬بالردل كنصل الختاـ‬ ‫ماتحدكؾ ‪ ..‬إنما قد تحدا‬
‫ثم أعلوؾ فوؽ أسمى مقاـ‬ ‫فخر‬ ‫حلة‬ ‫البسوؾ‬ ‫انهم‬
‫جسمك الحر‪ ..‬خيفة االيبلـ‬ ‫طوقوا جيدؾ األغر كغطوا‬
‫ة‪ ،‬كخبث الجباف في االيهاـ‬ ‫سنة الغدر‪ ..‬رحمة الذئب بالشا‬
‫في األعالي مبلئك السبلـ‬ ‫ارجحوا جسمك الضعيف فضجػػػػػػػت‬
‫فاشهدكا مصرع الزعيم الهماـ‬ ‫كعوكا كالذئاب‪ :‬هيا تعالوا‬
‫من تأبى حضور ملقى الزكاـ‬ ‫فأبوا‪ .‬ثم سيق قهرا كجلدا‬
‫صارخات على العدا كل عاـ‬ ‫ثم دقوا الطبوؿ للموت تدكل‬
‫بشواظ على الكوافر جامي‬ ‫لعنة اهلل‪ ..‬لعنة الحق صبي‬
‫ر كلعنة الثاكبلت الدكامي‬ ‫لعنة الكهل ‪ ..‬لعنة الطفل كالخد‬
‫دائمات إلى نشور العظاـ‬ ‫لعنات على الجناة السفالى‬
‫فأفاضت لنا الدموع الهوامى‬ ‫يا أخي! عبرة الخطب هاجت‬
‫ديدف الحقد‪ ،‬مبعث االنتقاـ‬ ‫كلغ القوـ في الدما فأثاركا‬
‫تفيض الشعور صاخب األنغاـ‬ ‫ردد اللحن هائجان مائجان مسػ‬
‫ب يا حثيث النساء لبلقحاـ‬ ‫ياجهاد الشيوخ يافداء الشبا‬
‫قد شهدنا مفاصل االعداـ‬ ‫يادعاة السبلـ صمتا فانا‬
‫هاكيات على رؤس الشهاـ‬ ‫قد شهدنا قذائف الموت تعوم‬
‫رغاـ‬ ‫فوؽ‬ ‫تفور‬ ‫كدماء‬ ‫فشهيد يميل فوؽ شهيد‬
‫في المآقي قذل القنا كالسهاـ‬ ‫كذرم‬ ‫هبي‬ ‫الفناء!‬ ‫يارياح‬
‫كاطربي يافتوتي! لن تضامي‬ ‫كارقصي ثورتي كميدم جنونا‬
‫زرم ناطح السحب شاهق األكاـ‬ ‫كتمطى عزيمتي للعبل كاستػ‬
‫خانه العزـ بالوغى كالسقاـ‬ ‫رب شعب عن المعالي قعيد‬
‫كاأللجاـ‬ ‫بالقيود‬ ‫كارتضى‬ ‫كرمته الخطوب لما توانى‬
‫داعيات إلى البنا كالقياـ‬ ‫فعلت من ثراق صيحات جد‬
‫ل على مصرع األبناء المساـ‬ ‫كنمت فيه بنتة النهضة الغضػ‬
‫صقلتها يد العرمى بالنظاـ‬ ‫كتقوت سواعد النشء لما‬
‫كالخنى مستسر قد استضاـ‬ ‫أمة المجد!‪ .‬انه المجد صعب‬
‫كنشأنا في أحلك األياـ‬ ‫سائلي األمس‪ ..‬كيف أنا كلدنا‬
‫األحبلـ‬ ‫لباطل‬ ‫كاستنمنا‬ ‫عبيدا‬ ‫جهبل‬ ‫سنين‬ ‫كلبثنا‬
‫ب كتهنا بمهمه األكهاـ‬ ‫كقعدنا عن النهوض ففات الركػ‬
‫ر! فقد طاؿ‪ .‬طاؿ عهد المناـ‬ ‫فالمضاء المضاء يافتية النصػ‬
‫ر! فحسب الحصاد‪ .‬نيل المراـ‬ ‫كالبدار البدار يا أمة الفخػ‬
‫د‪ -‬كقاؿ األستاذ حسين الغنام أحد شعراء الشباب الليبيين‪:‬‬
‫جدته‬ ‫الخبلئق‬ ‫كتفنى‬ ‫كمدته‬ ‫الزماف‬ ‫يبيد‬
‫كتبقى من المرء سيرته‬ ‫كتطول الدهور سجل الحياة‬
‫كعزيمته‬ ‫الفتى‬ ‫مضاء‬ ‫كمن أخلد الذكر في العالمين‬
‫مهجته‬ ‫الحق‬ ‫عن‬ ‫تذكد‬ ‫السبلح‬ ‫قرع‬ ‫عند‬ ‫ككقفته‬
‫مهجته‬ ‫بالصبر‬ ‫تدرع‬ ‫إذا عجمته شداد الخطوب‬
‫كاستقامته‬ ‫عدله‬ ‫كذا‬ ‫سواء لديه اعوجاج الزماف‬
‫نسبته‬ ‫برقة‬ ‫أرض‬ ‫إلى‬ ‫فتى‬ ‫الذائدين‬ ‫أبرز‬ ‫كمن‬
‫كأركمته‬ ‫جبلته‬ ‫من العرب الشوس كالفاتحين‬
‫صحابته‬ ‫ثم‬ ‫(عقبة)‬ ‫ك‬ ‫اذا عد (عمر) ك (ابن الوليد)‬
‫كقادته‬ ‫الفتوح‬ ‫رجاؿ‬ ‫المسلمين‬ ‫نخبة‬ ‫كأمثالهم‬
‫الذم طافت األرض شهرته‬ ‫فػ (مختار) برقة ذاؾ األبي‬
‫صبلبته‬ ‫عنهم‬ ‫كتمتاز‬ ‫لصنو لهم في قياس الفحوؿ‬
‫حرمته‬ ‫للشعب‬ ‫لتحفظ‬ ‫عقيدته في الحياة الجهاد‬
‫كمهابته‬ ‫فضله‬ ‫له‬ ‫كتلقاق في اليأس كالمكرمات‬
‫كبانت من العدؿ كجهته‬ ‫إذا اتصفت بالدهاء الرجاؿ‬
‫سياسته‬ ‫السبلح‬ ‫كصوت‬ ‫مبدأ‬ ‫له‬ ‫الكتاب‬ ‫فقوؿ‬
‫كأف تلقى السيف راحته‬ ‫أبى شرفا أف يفك الركاب‬
‫بندقيته‬ ‫توشحه‬ ‫كمازاؿ في السرج شاكي السػػػػػػػػبلح‬
‫رصاصته‬ ‫طلق‬ ‫كأكؿ‬ ‫يصادـ في طلعة الهاجمين‬
‫فتفضي إلى النصر غزكته‬ ‫كيغزك عللالقوـ في دارهم‬
‫نهايته‬ ‫فكانت‬ ‫شهيدان‬ ‫إلى أف قضى تحت حكم القضاء‬
‫رسالته‬ ‫تحقق‬ ‫كلما‬ ‫لئن مات شهم الوغى عمر‬
‫عقيدته‬ ‫يشع‬ ‫نوران‬ ‫فقد أكجدت في شعور العركبة‬
‫فتهدم إلى الحق لمعته‬ ‫يسير بها في دركب الظبلـ‬
‫كبغيته‬ ‫العربي‬ ‫منى‬ ‫كما علم الركـ أف الجهاد‬
‫كطأته‬ ‫البوـ‬ ‫على‬ ‫حراـ‬ ‫النسور‬ ‫ككر‬ ‫أف‬ ‫كعلمهم‬
‫ركايته‬ ‫النفوس‬ ‫تغذل‬ ‫الخيرين‬ ‫عمر‬ ‫يا‬ ‫حديثك‬
‫به تختم المجد صفحته(‪)1‬‬ ‫الخالدين‬ ‫مع‬ ‫باؽ‬ ‫كذكرؾ‬

‫تاسعان‪ :‬آخر كثيقة من أحمد الشريف كصلت للمجاهدين في‬


‫ليبيا‪:‬‬
‫ككانت آخر كثيقة أرسلها أحمد الشريف ردان على رسالة المجاهد الكبير يوسف بورحيل الذم تولى األمر مؤقتان بعد‬
‫استشهاد عمر المختار رحمه اهلل تعالى كقد أعلم في رسالته أحمد الشريف باستشهاد عمر المختار كطلب منه أف يعين‬
‫من يقوـ بهذا الدكر العظيم‪.‬‬
‫نص الرسالة التي بعث بها أحمد الشريف رحمه اهلل‪:‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫كصلى اهلل على سيدنا محمد كآله كصحبه كسلم‬
‫من عبد ربه سبحانه‪ ،‬خادـ اإلسبلـ‪ ،‬أحمد الشريف السنوسي‪،‬‬
‫إلى حضرة الفاضل المحترـ‪ ،‬كالجليل المفخم‪ ،‬المجاهد الصادؽ‪ ،‬كاللبيب الحاذؽ‪ ،‬قائم مقاـ دكر العواقير كلدنا الشيخ‬
‫عبدالحميد العبار‪ ،‬ككافة أكالدنا العواقير حفظهم اهلل كرعاهم كحرسهم كحماهم آمين آمين‪.‬‬
‫السبلـ عليكم كرحمة اهلل تعالى كبركاته كمغفرته كمرضاته كتحياته كرضوانه كعميم فضله كإحسانه‪ ،‬كبعد‪ ،‬فالمرجو‬
‫من اهلل تعالى أف تكونوا جميعان على أيسر األحواؿ محفوظين باهلل كمنصورين به كإننا لن نغفل عنكم كقت من األكقات‬
‫من الدعاء لكم عند بيت اهلل الحراـ كفي حضرة موالنا رسوؿ اهلل عليه الصبلة كالسبلـ‪ ،‬كعلى اهلل القبوؿ‪ ،‬إنه أكرـ‬
‫مسؤكؿ‪ ،‬كخير مأموؿ هذا كقد بلغنا ما أزعجنا ككدرنا غاية الكدر‪ ،‬كهو استشهاد حضرة النائب العاـ سيدم عمر المختار‬
‫رحمه اهلل كرضي اهلل عنه كجعل جنة الفردكس مسكنه كمحله‪ ،‬كجزاق اهلل عنا كعن اإلسبلـ أحسن الجزاء‪ ،‬فإنه كاف‬
‫عامبلن صادقان ناصحان‪ ،‬كأننا لم نتكدر على نيله للشهادة بل نحمد اهلل على ذلك كالنقوؿ أنه مات‪ ،‬بل إنه حي لقوؿ اهلل‬
‫{كالتقولوا لمن يقتل في سبيل اهلل أمواتا‪ ،‬بل أحياء} كإنما كدرنا فقدانه من بينكم كغيابه عنكم‪ ،‬كلكن هذا أمر اهلل‬
‫الذم يفعل مايشاء كيحكم مايريد‪ ،‬فبل يمكننا إال تسليمنا هلل كرجوعنا إليه‪ ،‬كالنقوؿ إال مايقوؿ الصابركف‪ ،‬إنا هلل كإنا‬
‫إليه راجعوف‪ ،‬نعم استشهد سيدم عمر المختار كلكنه أبقى العمل الطيب كالذكر الحسن إلى يوـ القيامة فهذا ليس‬
‫بميت كلن يموت أبدان‪ ،‬مادامت الدنيا أنه شهيد‪ ،‬كالشهيد ليس بميت لقوله تعالى {كالتحسبن الذين قتلوا في سبيل‬
‫اهلل أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقوف فرحين بما أتاهم اهلل من فضله ‪ ...‬الخ اآلية} فاهلل يا أكالدم في التمسك‬
‫كإياكم كاليأس إياكم كالقنوط‪ ،‬إياكم كأقاكيل الناس الفاسدة فجدكا كاجتهدكا كما كنتم‪ ،‬كاجعلوا أعمالكم هلل ألنه لنا‬
‫كاللغيرنا ألف من قاتل اهلل‪ ،‬فاهلل حي باقي‪ ،‬كمن قاتل لغير اهلل فعمله اليفيدق شيئان‪ ،‬كاعلموا أف اهلل معكم‪ ،‬كلن يتركم‬
‫أعمالكم‪ ،‬فاصبركا كصابركا كاعلموا أف العاقبة للمتقين‪ ،‬كأف اهلل مخزم الكافرين‪ ،‬كماتركنه من األهواؿ‪ ،‬فإنه كاهلل ثم كاهلل‬
‫زائل عن قريب كستركف مايسركم دنيا كأخرل‪ ،‬ففي الدنيا ستركف بحوؿ اهلل العز كالنصر كالفتح الذم اليخطر لكم على‬
‫باؿ‪ ،‬كفي اآلخرة رضاء اهلل كرسوله كالنعيم المقيم‪ ،‬فأنتم في الخير أحياء كأمواتان‪ ،‬كها نحن نوبنا عنا عليكم حضرة أخيكم‬
‫المجاهد الغيور الصادؽ‪ ،‬كلدنا الشيخ يوسف بورحيل‪ ،‬فإنكم ستلقونه بعوف اهلل كقوته‪ ،‬مثل السيد عمر كأكثر‪ ،‬كنحن‬
‫ماقدم ناق إال بتقديم سيدم عمر له في حياته‪ ،‬كامتثلوا أمرق كاسمعوا كبلمه‪ ،‬ككونوا له عونان معينان‪ ،‬كمن خالفه منكم فبل‬

‫( ) أظش‪ :‬ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.190،191‬‬


‫يلومن إال نفسه‪ ،‬كمن تبعه كامتثل أمرق‪ ،‬فهو الذم منا كعلينا‪ ،‬ككلدنا الشيخ يوسف المذكور هو النائب عنا عمومان‪ ،‬فبل‬
‫تركق إالّ بالعين التي تركننا بها‪ ،‬كبذلك يتم باهلل أمركم‪ ،‬كتجتمع كلمتكم كتقهركف عدككم‪ ،‬كإياكم ثم إياكم كالمخالفة‬
‫كالنزاع‪ ،‬قاؿ اهلل تعالى {كالتنازعوا فتفشلوا كتذهب ريحكم كاصبركا إف اهلل مع الصابرين} كاعلموا يا أكالدم أف العدك‬
‫خيبه اهلل ساعي بكل جهدق في القضاء عليكم في هذق المدة القريبة‪ ،‬البلغه اهلل مناق‪ ،‬ألنه بعد مدة قليلة يقوـ معه‬
‫حرب عظيم يشغله عنكم كهو مع الفرنسيين‪ ،‬كالدكؿ األخرل‪ ،‬فعند ذلك اليقدر على دكاـ القتاؿ معكم‪ ،‬كالحرب قريب‬
‫النشوب‪ ،‬فجدكا في عملكم‪ ،‬كاصبركا كأبشركا بالنصر كالفتح كالتيأسوا من ركح اهلل‪ ،‬انه الييأس من ركح اهلل إال القوـ‬
‫الكافركف قاؿ تعالى {حتى إذا استيأس الرسل كظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ‪ ...‬الخ اآلية} كالنشك يا أكالدم‬
‫أف اهلل منجز كعدق ألف اهلل اليخلف الميعاد‪ ،‬كإني كاهلل ثم كاهلل مايمنعني من الوصوؿ إليكم إال عدـ الطريق‪ ،‬كلكن‬
‫بحوؿ اهلل‪ ،‬الزلت مجتهدان بكل جهدم في كصولي إليكم كعن قريب يتم ذلك بحوؿ اهلل كقوته‪ ،‬هذا كسلموا منا على‬
‫عموـ أكالدنا المجاهدين كالبارئ يحفظكم كينصركم كيجمعنا بكم عن قريب(‪.)1‬‬
‫‪ 16‬جمادل الثاني سنة ‪1350‬هػ‬

‫عاشران‪ :‬ايطاليا تحاكؿ اف تستفيد بعد مقتل عمر المختار‪:‬‬


‫يقوؿ غراسياني عن عمر المختار في كتابه برقة الهادئة‪ :‬إف خبر القبض على عمر المختار كاعدامه سرل في كل مكاف‬
‫كفي االكساط المحلية بين األهالي كالخاضعين لسلطاتنا كبين الثوار الخارجين عن طاعتنا كالمهاجرين في مصر كفي كل‬
‫البلداف من المشرؽ الى المغرب‪ .‬كلها تأثرت من هذا الحادث الجلل‪ ،‬كاعداـ عمر المختار كلكي ننتهز هذق الفرصة في‬
‫هذا الظرؼ الدقيق من أجل أثارة الفوضى بين القادة الذين خلفوا عمر المختار في القيادة رأينا اف ننشر بيانان الى كافة‬
‫اك البقية من العصاة نعلن لهم فيه اف الحكومة االيطالية الفاشيستية مستعدة أف تقبل استسبلمهم كتسليم‬
‫السبلح كتضمن لهم الحياة كفي ‪ 17‬سبتمبر ‪1931‬ـ نشرت التعليمات اآلتية من أجل توزيعها كهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أف نعطي للثوار االحساس بسخاء الدكلة االيطالية الفاشيستية ككذلك للسكاف المحليين‪.‬‬
‫‪ -2‬افراد الحالة أماـ العالم االسبلمي كغير االسبلمي بكل دقة كاف تصرفاتنا ال لبس فيها فهي من اختصاصنا‬
‫ككذلك من مسؤكل ياتنا في كل العمليات الحربية التي أجريت في برقة كلهذا فقد قامت طائرتنا بقذؼ المنشورات على‬
‫المناطق الجبلية كعلى المدف كالقرل كبها البياف اآلتي‪:‬‬
‫الى ادكار عمر المختار‬
‫إف الرئيس العظيم رئيس الثوار عمر المختار يحارب منذ عشرين سنة كاف يقودكم فيها الى الخراب كالدمار كالتأخر‬
‫كاالنحطاط قبضت عليه قواتنا المظفرة قوات ايطاليا الفاشيستية كقد حكمت عليه المحكمة الخاصة باالعداـ كهذا‬
‫انتقاـ من اهلل من اجل المساكين الذين بسببه تركوا اراضيهم كمسقط رأسهم(‪.)2‬‬
‫قاؿ مترجم كتاب برقة الهادئة ابراهيم بن عامر عن هذا المنشور سبحاف اهلل ياجنراؿ من الذم شرد الناس من‬
‫أراضيهم؟ كمن الذم أفنى ثمانين ألف من المواطنين في المعتقبلت ألم تكن أنت الذم قضى على الناس كأموالهم؟ كفي‬
‫نفس الصفحة تعترؼ بأف عمر المختار منذ عشرين سنة يحارب من أجل من ؟ من أجل أف يطردؾ كيطرد قوات إيطاليا‬
‫الغاصبة(‪.)3‬‬
‫كاستمر غراسياني في المنشور‪ :‬ياأهل الدكر إف الحكومة االيطالية الفاشيستية القوية كالسخية تحذركم مرة اخرل‬
‫إنه بعد كفاة كاختفاء عمر المختار أنها مستعدة بأف تعفو عن كل الذين يخضعوف لحكمنا كيسلموف اسلحتهم كمن غير‬

‫( ) أظش‪ِ :‬جٍت االٔمار اٌؼذد ‪٘1412 ،39‬ـ‪ ،‬د‪٠‬سّبش ‪ ، َ1991‬ص‪.25‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.294،295‬‬
‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.294،295‬‬
‫بل أك آجبلن‪ .‬اسمعوا كبلمي‬
‫هذا فالحكومة كما قضت على عمر المختار ستقضي على كل الذين يواصلوف العصياف أما عاج ن‬
‫كسلموا أنفسكم كفي نفس الوقت أصدرت األكامر الى قوات الجيش بعد أف قذفت الطائرات المنشورات باالستمرار‬
‫في القتاؿ دكف توقف بل بذؿ أكثر من الجهد دكف تردد حتى نجعل أماـ العصاة (يعني الثوار) الطريق الوحيد هو‬
‫االستسبلـ دكف قيد اك شرط كخبلؼ القاء البياف بالطائرات مايزيد عن ‪ 35.000‬منشور كأكثر منها كزعت من‬
‫الدكريات الكشافة على كل بئر كفي كل حقل كمرعى ككل هذق االماكن التي يمر بها العصاة (يعني المجاهدكف) أما‬
‫(المريشاؿ بادكليو) من جانبه كجه الى قوات الجيش البرقية التالية‪:‬‬
‫أ كجه الى قوات الجيش الشجاعة ببرقة أعظم الثناء كأحر تهنئتي على كل ماقاموا به من عمل مجيد كانتصار باهر في‬
‫هذق الحركب كالنتيجة المرضية التي كنا نتمناها أف نهاية عمر المختار يجب أف التؤثر على السير فوؽ الطريق التي‬
‫رسمناها كهي مطاردة العصاة أينما كجدكا كاقتفاء أثرهم كضربهم بكل شدة كدكف هوادة أك رحمة الى آخر كاحد منهم‬
‫كليكن شعارنا‪.‬‬
‫التوقف كال ارتخاء كاصلوا الزحف بكل حماس متجرد كلسوؼ نقضي على العصاة نهائيان(‪.)1‬‬
‫انظركا اخواني الى هذا الحقد كالبغض كالكيد كالمكر الذم ظهر من أفواهم كماتخفي صدكرهم أكبر كصدؽ اهلل حيث‬
‫قاؿ‪{ :‬كال يزالوف يقاتلونكم حتى يردككم عن دينكم إف استطاعوا‪( }....‬سورة البقرة‪ ،‬آية‪.)217‬‬

‫الحادم عشر‪ :‬تعيين يوسف بورحيل قائد للحركة الجهادية‪:‬‬


‫كبعد سقوط عمر المختار رحمه اهلل في االسر تجمع المجاهدكف بين يوـ كليلة كاجمعوا على تنصيب الشيخ المجاهد‬
‫(يوسف بورحيل) قائدان للجهاد االسبلمي كككيبلن عامان للجهاد كعلى أثر هذا التنصيب كلف الشيخ عبدالحميد العبار‬
‫بالرحيل نحو شرؽ الببلد للقياـ بحث الناس على االنخراط في جيش المجاهدين كحمل السبلح لمكافحة الجيوش كالجهاد‬
‫في سبيل العقيدة االسبلمية كالدين‪.‬‬
‫كاستقبل المجاهدكف خبر استشهاد قائدهم العظيم بالعزيمة في االستمرار كمواصلة للسير أما الشهادة أك النصر‬
‫على النصارل الحاقدين‪.‬‬
‫ككاصلت الحكومة االيطالية حمبلت االنتقاـ ضد أكلئك االبطاؿ كبرز في تلك المرحلة الحاسمة كالتي ندر فيها كجود‬
‫الرجاؿ الشيوخ الفرساف كالقادة األبطاؿ كالميامين الكراـ اجدادنا البواسل كل من عبدالحميد العبار كيوسف بورحيل‬
‫كعصماف الشامي كحشدت ايطاليا قواتها ككاصلت شن حمبلتها بشراسة منقطعة النظير‪ .‬كبعد قتاؿ عنيف عند‬
‫الحدكد المصري ة قرب االسبلؾ الشائكة فاجتاز االسبلؾ بعض المجاهدين ببطولة منقطعة النظير كفركسية عالية‬
‫القياس كقتل من قتل كاسر من اسر كبقي الزعماء األربعة يقاكموف فقتل حمد بوخيرا هلل احد الزعماء كقتل يوسف‬
‫بورحيل كجرح عصماف الشامي فأخذ أسيران كأما الفارس المغوار عبدالحميد العبار فاستطاع اف يجتاز االسبلؾ الشائكة‬
‫بجوادق رغم مطاردة القوات االيطالية له(‪.)2‬‬
‫كبهذق النهاية المؤلمة الحزينة انكسرت شوكة المجاهدين كتعثرت خطواتهم كاخمدت حركة الجهاد كذهب االجداد‬
‫تاركين خلفهم تاريخان بطوليان كفاحيان جهاديان رائعان من اجل العقيدة كالدين كالشرؼ كالكرامة فعلى طريق االسبلـ نحن‬
‫سائركف كمن اجل اعزاز دين اهلل عاملوف كرفع راية التوحيد مجاهدكف كنسأؿ اهلل المغفرة كالرحمة كالرضواف لبلجداد‬
‫كاالبطاؿ الكراـ من أمثاؿ رمضاف السويحلي كسليماف الباركني كالفضيل بوعمر كاحمد الشريف السنوسي كصالح‬
‫االطيوش كابراهيم الفيل كاحمد سيف النصر كسعدكف كعبدالحميد العبار كغيرهم كثير‪.‬‬
‫إف عبدالحميد العبار قد امد اهلل في عمرق كقد شاهدته مرات عديدة كأنا طفل لم اتجاكز الرابعة عشر ككنت أراق كل‬
‫يوـ بعد صبلة الفجر اماـ بيته في الحي الذم كنت أسكن فيه بمدينة بنغازم كالذم يسمى مدينة الحدائق بقرب مسجد‬
‫السيد بالقاسم احمد الشريف السنوسي المعركؼ بمسجد األنصار ككاف منظرق كهو يتلو كتاب اهلل كقد تقدمت به‬
‫السن مؤثران في نفسي كببلدنا في تلك الفترة عمّها الفساد كماكنا نرل كنحن اطفاالن من يحافظ على تبلكة القرآف الكريم‬

‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.296‬‬


‫( ) أظش‪ :‬بشلت اٌ‪ٙ‬ادئت‪ ،‬ص‪.304‬‬
‫بالكيفية المذكورة كأخبرت كالد م عن ذلك الذم اسر قلبي بتبلكته القرآف الكريم فقاؿ لي يابني ذاؾ الشيخ عبدالحميد‬
‫العبار من كبار المجاهدين كبدأت جدتي كهي من قبائل برقة من قبيلة الدرسة كقد كانت ضمن المعتقلين بمعتقل‬
‫المقركف تسرد لي أمورنا عجيبة عن جهادق كفركسيته كشجاعته كنجدته كالزالت صورته في ذهني الى كقت كتابتي هذق‬
‫كعندما توفى رحمه اهلل كانت لوفاته مأتم مشهود كحضرت جموع غفيرة من شرؽ الببلد كغربها كاستمر المأتم ايامنا‬
‫عديدة فرحمة اهلل على أكلئك األبطاؿ‪.‬‬

‫الثاني عشر‪ :‬اضطهاد الشعب‪:‬‬


‫كباستشهاد عمر المختار كيوسف بورحيل كاسر عصماف الشامي بعد جرحه كهجرة عبدالحميد العبار الى مصر كقتل‬
‫كثير من المجاهدين إنتهت حركة الجهاد الفعلية كمع كجود معظم السكاف في معسكرات االعتقاؿ حكم االيطاليوف‬
‫البلد من الحصوف المحاطة باالسبلؾ الشائكة كالدركيات كالمصفحات كالسيارات المسلحة كالرشاشات كاالنوار‬
‫الكاشفة كالطائرات كفي يناير ‪1932‬ـ أعلن بادكليو حاكم ليبيا العسكرم االيطالي أف الثورة قد انتهت كلية كتمامنا‬
‫كاصرت ايطاليا على جعل ليبيا الشاطئ الرابع إليطاليا‪ .‬كأعلن موسليني ذلك الطبل االجوؼ سنة ‪1934‬ـ بأف‬
‫الحضارة الحقيقية هي ماتخلقها ايطاليا على الشاطئ الرابع لبحرنا‪ ،‬الحضارة الغربية بصفة عامة‪ ،‬كالحضارة الفاشيستية‬
‫بصفة خاصة) كأخذ الرأسماليوف االيطاليوف يقسموف ممتلكات الشعب المسلم على بعضهم البعض كيرحّلوف االسر‬
‫االيطالية الستيطاف الكامل في ليبيا المسلمة كأصبح الليبيوف عماؿ مستأجرين كخداـ للعائبلت االيطالية في مزارعهم‬
‫التي نزعت من ايديهم كسلمت لبليطاليين كأصدرت كسنت القوانين التي تخدـ مصالح الحكومة االيطالية في مصادرة‬
‫االمبلؾ كاالستيبلء عليها كنزعها من المواطنين بمبالغ زهيدة باسم المصلحة العامة كاهتمت ايطاليا بليبيا اهتمامنا بالغنا‬
‫من اجل جعلها قطعة ايطالية لها دكرها في توسيع مستعمراتها نحو الجزائر كمالطا كجبل طارؽ كشجعت ايطاليا هجرة‬
‫االلوؼ من العائبلت االيطالية ضمن شركط البد من توفرها في الراغبين باالستيطاف في ليبيا المسلمة كمن هذق‬
‫الشركط‪ :‬كثرة عدد افراد االسرة بحيث تكوف اكثر من سبعة ‪ ،‬كايضان الصحة‪ ،‬كالقراءة كالكتابة كاف تكوف هذق‬
‫االسر ة من اعضاء الحزب الفشيستي‪ ،‬اك ذات الوعي السياسي‪ ،‬ككاف معظم القادمين هم من المناطق الفقيرة في‬
‫شماؿ ايطاليا كخرجوا من ايطاليا كسط دعاية عالمية‪ .‬كاستقبلوا في طرابلس كبنغازم استقباؿ االبطاؿ كنقلوا في‬
‫سيارات الجيش الى القرل التي كانت جاهزة لهم ككاف بالبو يرافقهم من نابولي حتى القرل التي اغتصبوها من الشعب‬
‫المسلم المسكين كأعطيت كل اسرة منزالن كمزرعة جاهزة للعمل ككانت الحقوؿ قد زرعت كفي كل اسطبل كاف يوجد‬
‫بقرة كبغل ‪ ،‬كادكات كحبوب كعلف ككذلك عربات كخشب للوقود كفي كل بيت كاف هناؾ طعاـ يكفي‬
‫السبوع(‪ ،)1‬حتى الكبريت كالشمع كاف موجودان جاهزان كسخر الشعب الليبي المسلم لخدمة النصارل كاستعبد النصارل‬
‫الحاقدكف المسلمين في حربهم لليبيا كاهتموا بطرابلس كلبدق كصبراته كشحات لجعلها دعاية للحكومة االيطالية‬
‫كدعوة انحبللية للخمور كالدعارة في حوض البحر المتوسط على مستول عالمي ككانت اهداؼ االمبراطورية الفاشيستية‬
‫حسب تعبير الطبل االجوؼ موسليني (تغييران اقليميان حربيان تجاريان فحسب بل تغييران ركحيان كاخبلقيان ايضان) كعمل على‬
‫إنسبلخ المسلمين من اخبلقهم كدينهم كرضوا بأف يحصر دين المسلمين في الشعائر التعبدية‪ .‬كقد أعلن بالبو مرة إنه‬
‫(لن يكوف في ليبيا حكاـ كمحكوموف‪ ،‬كبدالن من ذلك سيكوف فيها ايطاليوف كاثوليك‪ ،‬كايطاليوف مسلموف‪ ،‬متحدين‬
‫من جماعة مشتركة كعناصر بناءة في تنظيم جبار لبلمبراطورية الفاشيستية) كحرموا الشعب الليبي المسلم من كل‬
‫حقوقه الطبيعية فبل فرصة في التعلم كالتعليم كالثقافة كالتثقيف كلم يكن الفاشيستيوف يركف نهاية لوجودهم في‬
‫ببلدنا العزيزة ككانت الطبقة المثقفة الصغيرة اما في المنفى ‪ ،‬اك الصوت لها‪ .‬كقد أخمدت كل معارضة بقسوة بالغة‬
‫كأضعف البناء القبلي التقليدم بتعيين زعيم لكل عدد من القبائل كالفاشيستيوف يأمركف كالشعب المستضعف ينفذ‬
‫بدكف سؤاؿ اك تعليل ككاف التعليل الكافي الذم ربى عليه الشعب (يجب عليك ألنه يجب عليك أف تفعل كذا‬
‫ككذا) ككانت السياسة التعليمية االيطالية رسمت من اجل تخريج عدد كبير من التبلميذ الليبيين الذين يتكلموف‬

‫( ) أظش‪ :‬حاس‪٠‬خ ٌ‪١‬ب‪١‬ا ‪ ،‬ص‪.158،159،160،163‬‬


‫االيطالية كيخلصوف الوالء إليطاليا(‪.)1‬‬
‫كعملوا على القضاء على االخبلؽ االسبلمية كبث ركح الكثلكة في المدارس بين االطفاؿ ‪ ،‬كالقضاء على مصارؼ‬
‫اهل الببلد كالتعليم الديني كاغلقوا الكتاتيب كدكر العلم الوطنية كأكثركا من إقامة دكر الفحش كمنعوا الليبيين من اداء‬
‫فريضة الحج كازداد امتهانهم للدين االسبلمي بدرجة شنيعة فكاف من اسوء فعالهم‪ ،‬إف القى قائد طبرؽ االيطالي‬
‫بالمصحف الشريف الى االرض‪ ،‬ثم اخذ يطأ عليه بقدمه على مشهد من جماعة من المسلمين (إنكم معشر المسلمين‬
‫اليمكن أف تصيركا بشران ماداـ هذا الكتاب بين ايديكم)‪.‬‬
‫كسخركا المسلمين كاستعبدكهم في بناء الطرؽ كالقبلع كالمزارع كالقرل كنشط المبشركف الطلياف في دعوتهم‪،‬‬
‫كعمدت الحكومة الى تشجيعهم كارغمت النساء على التنصير كالزكاج من الطلياف‪.‬‬
‫كزاحموا أهالي الببلد في الصناعة كالتجارة كسيطركا عليها سيطرة كاملة كمنعوا الناس من التظلم ‪ ،‬كقيدكا حرياتهم‪،‬‬
‫فمنعوهم من محادثة بعضهم بعضان‪ ،‬كمن قراءة الصحف كالمجبلت كالكتب‪ ،‬كمن مراسلة اقاربهم في الخارج‪ ،‬حتى صاركا‬
‫في سجن داخل ببلدهم محركمين من كل صلة تربطهم بالعالم العربي كاالسبلمي‪.‬‬
‫لقد كاف من احبلـ الفاشيست اعادة االمبراطورية الركمانية الغابرة فقرركا لذلك امتبلؾ البلداف االسبلمية القائمة‬
‫على شواطئ البحر االبيض المتوسط‪ ،‬ثم ابادة أهل هذق الببلد كافنائهم كتحويلها الى رقعة التينية ‪ ،‬كانها لوقاحة‬
‫منقطعة النظير اف يعمل شعب على ابادة شعوب ليحل محلها بالقوة كلكن هذا هو منطق الصليبيين الحاقدين كبلغ‬
‫استهتارهم‪ ،‬أنهم ألزموا خطباء الجمعة بالدعاء على المنابر لملك ايطاليا‪ ،‬عم نويل الثالث‪ ،‬كعندئذ امتنع المسلموف عن‬
‫صبلة الجمعة فلما هاج الرأم العاـ االسبلمي على هذا الفعل‪ ،‬استكتبوا األئمة تكذيبان بتوقيعاتهم‪ ،‬جاء فيه اف الدعاء‬
‫كاف بمحض ارادتهم‪ ،‬كمن تلقاء أنفسهم ‪ ،‬كمن غير تدخل من جانب الحكومة الفاشيستية!!‬
‫فهل رأيت كقاحة ابلغ من هذق؟‬
‫كفي عهد بادكليو صاركا يمنعوف الناس من اداء الحج كيضعوف العراقيل في سبيلهم‪ ،‬حتى يجبركا على تركه‪.‬‬
‫كاف اقبح مافعل المارشاؿ بادكليو إنه امر بأف ترصف (الصالة) في قصرق بالببلط المنقوش عليه (محمد) ‪ ‬كبعد‬
‫انتهاء مرحلة الحرب المسلحة كما علمنا نفذ الشطر الثاني من برنامج إبادة الليبيين كإفنائهم‪ ،‬كنعني ذلك ما أغتصبه‬
‫الطلياف من االراضي كالمزارع كإعطائها للعائبلت الفاشيستية بالقوة‪ ،‬كترؾ اصحاب االرض الحقيقين كابناء الببلد‬
‫يتضوركف جوعنا كيخدموف هؤالء الحاقدين كخدمان كعبيدان(‪.)2‬‬
‫كاراد اهلل اف ينتقم للمجاهدين من الطلياف بقدرته كجبركته كعزته كحكمته النافذة التي ال يعلمها كثير من عبادق‬
‫كبعد أف اطمأف النصارل الكاثوليك في ليبيا جاءت الحرب العالمية الثانية قدران من اهلل كتسليطان من اهلل من ظالم على‬
‫ظالم {ككذلك نولى بعض الظالمين بعضنا بما كانوا يكسبوف} (سورة االنعاـ‪ ،‬آية‪.)129‬‬
‫كبعد أف اطمأنت االمبراطورية االيطالية الى سلطانها‪ ،‬كدانت لها االقطار الليبية من اقصاها الى أقصاها من بعد‬
‫استشهاد المختار عاـ ‪1931‬ـ حتى عاـ ‪1942‬ـ‪.‬‬
‫احد عشر عامان من اليأس المطلق الذم اليبشر بشيء من االمل‪ ،‬أهل الحل كالعقد الليبيين بعيدين عن الببلد‪.‬‬
‫نصف الشعب اك يزيد اهلكوا‪ ،‬اك اخرجوا من ديارهم ظلمان كعدكانان البقية الباقية مستضعفة في ببلدها ال حوؿ كال‬
‫قوة بها‪.‬‬
‫غراسياني ينفخ اكداجه‪ ،‬كيختاؿ على ارض المسلمين يمنة كيسرة حيث شاء(‪.)3‬‬
‫ثم جاء من كرائه بادكليو الماريشاؿ العجوز ليتم قصة ابادة الشعب الليبي كيسلم االراضي الى رعاع الطلياف‪.‬‬
‫ليل هنا كليل هناؾ كظبلـ دامس كظلم مخيم كيأس مرير كذلة اصابت المسلمين كعزة زائفة سيطرت على النصارل‬
‫الحاقدين ككانت قصة خركج الطلياف من ببلدنا غريبة جدان ينبغي أف يتدبر فيها ليعلم الناس كليطمئنوا الى عدؿ اهلل‬
‫المنتقم الجبار كلو بعد حين ككانت قصة هزيمة ايطاليا في ليبيا بدأت في الحرب الثانية في سبتمبر كحرصت ايطاليا‬

‫( ) أظش‪ :‬حاس‪٠‬خ ٌ‪١‬ب‪١‬ا‪ ،‬ص‪.164،167،170‬‬


‫( ) أظش ‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫( ) د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫أكؿ االمر على عدـ دخولها حتى اذا رأت فرنسا تنهار على أثر الزحف االلماني الخاطف عليها أعلنت ايطاليا الحرب على‬
‫انكلترا كفرنسا في ‪ 10‬يوليو ‪1940‬ـ كبدأ الجبل االخضر يضيق حوؿ عنق االمبراطورية الجوفاء العرجاء كدخلت‬
‫ايطاليا الحرب بقيادة زعيمها موسوليني الطبل االجوؼ طمعان في الغنائم ‪ ،‬ككانت توقن اف االرض قد دانت لحليفتها‬
‫ألمانيا فأخلف اهلل ظنها كافضى االمر الى زكالها نهائيان من الوجود كامبراطورية صاحبة مستعمرات كاندحرت ايطاليا‬
‫باندحار المانيا في شماؿ افريقيا‪ ،‬كلم تغرب شمس يوـ ‪ 7‬ابريل عاـ ‪1943‬ـ حتى كانت جيوش المانيا كايطاليا‬
‫بقيادة ركمل المنهزمة قد اخلت القطر الطرابلسي بأجمعه‪.‬‬
‫ككانت فرحة عظيمة شاملة عمت قلوب الناس كعبر عنها الملك السابق بقوله‪( :‬إني احمد اهلل الذم جعلني أشهد‬
‫خركج هؤالء الطلياف الظالمين من ببلدنا) كتدفق الليبيوف الى ببلدهم التي ترعوعوا فيها كأُخرجوا منها ظلمان كزكران كهكذا‬
‫استدار الزماف كسلط اهلل االنكليز على الطلياف كنزؿ العار بهم(‪. )1‬‬
‫لقد ارادت إيطاليا إبادة المسلمين في ليبيا فبادكا هم كبقي المسلموف في ليبيا كاراد غرسياني إعداـ المختار فهلك‬
‫كبقي المختار علمنا كقدكة ألجياؿ المسلمين‪.‬‬

‫( ) أظش‪ :‬د‪١‬اة ػّش اٌّخخاس بخصشف ‪ ،‬ص‪ 185‬اٌ‪.188 ٝ‬‬

You might also like