Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫َتفْرْي ُغ خُطْ َبةِ‬

‫ك إِبْرَاهِيمُ الفُوكِي‬
‫فَرَّغَهَا وَاعْتَنَى بِهَا أَبُو مَالِ ٍ‬

‫كَانَ اهللُ لَ ُه‬

‫‪Majaliss.com‬‬
‫تَنْبِيه‪:‬‬

‫هَذَا التَّفْرِيغُ بِإِذنٍ مِنَ‬


‫‪Benkhadda.com‬‬
‫الشَّيْخِ وَ ْمل يُرَا ِجعْهُ‬
‫‪1‬‬
‫اجلمعة (‪ 18‬ربيع اثلاين ‪ 1437‬ـهاملوافق ‪ 30‬جانيف ‪2016‬م)‬
‫[اخلطبة األوىل]‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمانلا من يهده اهلل فال مضل هل ومن يضلل فال هادي هل وأشهد أن ال هلإ إال اهلل وحده‬
‫ال رشيك هل وأشهد أن حممدا عبده ورسوهل‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ ذ ذ ََ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{يا أيها اَّلِين آمنوا اتقوا اَّلل حق تقات ِ ِه وال تموتن إِال وأنتم مسلِمون} آل عمران‪.102‬‬
‫َ َ َ ََ َْ َ َ َ َ ذ‬ ‫َ ََ ُ ْ ْ َْ‬ ‫ُ ذُ َذ ُ ذ‬ ‫َ َ ُّ َ‬
‫حد ٍة َوخلق مِنها ز ْوجها َوبث‬
‫{يا أيها انلذاس اتقوا ربك ُم اَّلِي خلقكم مِن نف ٍس وا ِ‬
‫ُْ َ َ ً َ ً َ َ ً َ ذُ ذَ ذ ََ َُ َ َ ْ َْ َ َ ذ ذَ َ َ َ َْ ُ ْ‬
‫مِنهما ِرجاال كثِريا ون ِساء واتقوا اَّلل اَّلِي تساءلون ب ِ ِه واألرحام إِن اَّلل َكن عليكم‬
‫ً‬
‫َرقِيبا} النساء‪.1‬‬
‫ُ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ‬
‫ك ْم َويَ ْغفرْ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ ذ َ َ ُ ُ َ ْ ً َ‬
‫ِ‬ ‫{يا أيها اَّلِين آمنوا اتقوا اَّلل وقولوا قوال س ِديدا (‪ ،)70‬يصلِح لكم أعمال‬
‫ً‬ ‫ذَ َ َ ُ َُ َ َ ْ َ َ َْ ً َ‬ ‫َ ُ ْ ُُ َ ُ ْ َ ْ ُ‬
‫وَل فقد فاز فوزا ع ِظيما} األحزاب‪.71-70‬‬ ‫لكم ذنوبكم َومن ي ِط ِع اَّلل ورس‬

‫أما بعد‪ :‬فإن خري الالكم الكم اهلل‪ ،‬وخري اهلدى هدى حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ورش‬
‫األمور حمدثاتها‪ ،‬ولك حمدثة بدعة‪ ،‬ولك بدعة ضاللة‪ ،‬ولك ضاللة يف انلار‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬إن من خري ما نتواىص به اتلقوى‪ ،‬فانلتق اهلل جل وعال ‪-‬عباد اهلل‪ ،-‬ولرناقب‬
‫مطلع علينا‪ ،‬يعلم ّ‬ ‫ّ‬
‫جل وعال‪ ،‬فإنه سبحانه وتعاىل ّ‬
‫رسنا وجهرنا‪ ،‬ويعلم خائنة األعني‬ ‫اهلل‬
‫ُّ ُ‬ ‫ذ ذَ َ ٌ َ‬
‫ور} املائدة‪.7‬‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫الص‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫ذ‬‫وما ختيف الصدور‪{ ،‬إِن اَّلل علِيم ب ِ‬
‫ّ‬
‫يوفق هل العبد‪ ،‬أن يرشح ُ‬
‫اهلل صدره لإلسالم‪ ،‬ذلك أنه إذا‬ ‫عباد اهلل‪ :‬إن من أعظم ما‬
‫بالقبول‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وتقبلتها وأنت‬ ‫رشح اهلل صدرك لإلسالم أقبلت عليه‪ ،‬وتلقيت تعايلم اإلسالم‬
‫جل وعال ىلع ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف اغية الراحة والسكينة‪ ،‬ويف اغية الطمأنينة‪ ،‬وقد ّ‬
‫نبيه صىل اهلل‬ ‫امنت اهلل‬
‫ََْ َْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬بأن رشح صدره لإلسالم‪ ،‬فقال جل وعال {ألم نْشح لك صدرك} الرشح‪،1‬‬
‫روى إلمام احلاكم يف مستدركه‪ ،‬بسند جيد إىل ابن عباس ريض اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال‬

‫‪2‬‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم (سألت ريب مسألة وددت أين لم أسأَل‪ ،‬قلت‪ :‬يارب َكنت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قبيل رسل منهم من سخرت َل الرياح‪ ،‬ومنهم من َكن حييي املوىت‪ ،‬ولكمت موىس‪ ،‬قال‬
‫ّ‬
‫جل وعال‪ :‬ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضاال فهديتك؟ ألم أجدك اعئال‬
‫فأغنيتك؟ ألم أرشح لك صدرك؟ ووضعت عنك وزرك؟ فقلت‪ :‬بىل يا رب‪ ،‬وددت أن لم‬
‫ّ‬ ‫أسأَل)‪ ،1‬فقد ّ‬
‫من اهلل جل وعال ىلع نبيه صىل اهلل عليه وسلم بأن رشح صدره لإلسالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومن ثمة عباد اهلل داع موىس ربه أن يعطيه ذلك‪ّ ،‬‬
‫لما أرسله جل وعال إىل فرعون‪ ،‬فقال‬
‫َ ْ ُْ ُْ َ ً ْ‬ ‫َ َ ِّ ْ َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ ِّ ْ َ ْ‬
‫ارشح ِِل صد ِري (‪ )25‬ويِّس ِِل أم ِري (‪ )26‬واحلل عقدة مِن‬ ‫كما قال ربنا {قال رب‬
‫َْ َ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫ل ِس ِاين (‪ )27‬يفقهوا قو ِل} طه‪.28-25‬‬
‫ّ‬
‫فرشح الصدر ‪-‬عباد اهلل‪ -‬نعمة من نعم اهلل جل وعال‪ ،‬نعمة عظيمة من اهلل ىلع العبد‪،‬‬
‫ْ ِّ َ ْ ٌ ْ َ َ‬ ‫ََ َ ْ َ َ َ ذُ َ ْ َُ ْ ْ َ ََُ ََ ُ‬ ‫ّ‬
‫ور مِن َرب ِه ف َويل ل ِلقا ِسي ِة‬
‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫لَع‬ ‫و‬‫ه‬‫ف‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫ِْل‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫اَّلل‬ ‫ح‬‫رش‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫{‬ ‫وعال‬ ‫جل‬ ‫وهلذا قال‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُُ ُُْ ْ ْ ذ ُ َ َ‬
‫ي} الزمر‪ ،22‬أي أنه ال يستوي من رشح اهلل‬ ‫قلوبهم مِن ذِك ِر اَّللِ أوَل ِك ِِف ضال ٍل مب ِ ٍ‬
‫ذُ ْ َْ َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫صدره لإلسالم‪ ،‬ومن اكن قلبه قاسيا‪ ،‬وقال ربنا جل وعال {فمن ي ِر ِد اَّلل أن يه ِديه‬
‫َ ْ ُ ْ َ ْ ُ ذ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ ِّ ً َ ً َ َ ذ َ َ ذ ذ ُ‬ ‫َْ َ ْ َ ْ ْ ْ َ‬
‫ْشح صد َرهُ ل ِِْلسال ِم َومن ي ِرد أن ي ِضله َيعل صد َرهُ ضيقا ح َرجا كأنما يصعد ِِف‬ ‫ي‬
‫ذ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ذ ُ ِّ ْ َ َ َ ذ َ َ ُ ْ ُ َ‬
‫السماءِ كذل ِك َيعل اَّلل الرجس لَع اَّلِين ال يؤمِنون} األنعام ‪ ،125‬أي من عالمة‬
‫سعادة العبد وهداية أن يرشح اهلل صدره لإلسالم‪ ،‬أي ّ‬
‫يوسعه هل‪ ،‬ويتسع وينفسح ذللك‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ابن عباس ريض اهلل عنهما (يوسع قلبه للتوحيد واإليمان به)‪ ،2‬وقال اإلمام‬
‫ّ‬
‫القرطيب رمحه اهلل (وسعه بابليان َّللك)‪ ،3‬وعندها ‪-‬عباد اهلل‪ -‬يستنري القلب بنور‬
‫ّ‬
‫وحتب اخلري‪ ،‬وتقبل عليه‪،‬‬ ‫اإليمان‪ ،‬وحيىي بضوء ايلقني‪ ،‬فتطمنئ انلفس عند ذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتطوع هل انلفس فيلتذ بذلك الفعل‪.‬‬

‫‪ [ 1‬السلسلة الصحيحة ‪.]2538‬‬


‫‪[ 2‬تفسير ابن كثير ‪.]334/3‬‬
‫‪[ 3‬تفسير القرطبي ‪.]81-7‬‬

‫‪3‬‬
‫ُ‬
‫ومن عالمة شقاوة العبد وضالهل‪ ،‬أن ُيعل صدره ضيقا عن قبول اإلسالم‪ ،‬فينفر عن‬
‫ّ‬
‫هذا ادلين‪ ،‬ويراه تكلفا يف القيام به‪ ،‬كحال من يتلكف الصعود يف السماء وهو ال يقدر‬
‫ىلع ذلك‪.‬‬

‫قال ابن عباس ريض اهلل عنهما (احلرج موضع الشجر امللتف‪ ،‬فكأن قلب الاكفر ال‬
‫تصل إيله احلكمة‪ ،‬كما ال تصل الراعية ‪-‬أي الشاة‪ -‬إىل املوضع اَّلي اتلف شجره)‪،4‬‬
‫وروي عن عمر ريض اهلل عنه يف تفسري ذلك أن احلرجة يه الشجرة تكون بني‬ ‫ُ‬

‫األشجار‪ ،‬اليت ال تصل إيلها راعية‪ ،‬وال وحشية‪ ،‬وال يشء‪ ،‬فقال‪ :‬وكذلك قلب املنافق‪ ،‬ال‬
‫يصل إيله يشء من اخلري‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولما اكن انرشاح الصدر لإلسالم ‪-‬عباد اهلل‪ ،-‬من انلعم العظيمة‪ ،‬فاعلموا أن ذللك‬
‫أسباب‪ ،‬ينبيغ ىلع العبد أن حيرص عليها‪ ،‬أن حيرص عليها أشد احلرص‪ ،‬وقد أشار‬
‫اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‪ ،‬إىل مجلة من هذه األسباب‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ =1‬فأوهلا اتلوحيد‪ ،‬صفاء توحيد العبد لربه جل وعال‪ ،‬سالمة العقيدة‪ ،‬وصحة اإليمان‪،‬‬
‫ّ‬
‫أن ال تعبد إال اهلل‪ ،‬وأن ال تتوجه بأي نوع من أنواع العبادة إال إىل اهلل جل وعال‪ ،‬سواء‬
‫يف ذلك اكنت العبادة قويلة أو فعلية أو قلبية‪ ،‬فإنما تتوجه بها إىل اهلل‪ ،‬فبصفاء القلب‬
‫ُ ََ‬ ‫َ َ َ ذُ ًََ ُ ً‬ ‫ّ‬
‫رشَك ُء‬ ‫َضب اَّلل مثال َرجال فِي ِه‬ ‫والعمل‪ ،‬يكون العبد منرشح الصدر‪ ،‬قال جل وعال {‬
‫ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ً َ َ ً َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ً َْ ْ ُ ذ َ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َ‬
‫ان مثال احلمد َِّللِ بل أكَثهم ال‬ ‫متشاك ِسون ورجال سلما ل ِرج ٍل هل يست ِوي ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ََُْ َ‬
‫يعلمون}الزمر‪ ،29‬فهذا مثل رضبه اهلل جل وعال‪ ،‬مثل العبد اذلي يتشاركه رشاكء‪ ،‬لك‬
‫يأمره بما ال يأمره به اآلخر‪ ،‬فيكون العبد مشوش القلب‪ ،‬وعبد آخر ليس هل إال سيد‬
‫واحد‪ ،‬يأتمر بأمره وينتيه بنهيه‪ ،‬فإنه منرشح ابلال والصدر‪ ،‬قال ابن عباس ريض اهلل‬
‫ُ‬
‫عنهما (هذه اآلية َضبت مثال للمْشك واملخلص)‪ 5‬انتىه الكمه ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫‪[ 4‬تفسير القرطبي ‪.]81/7‬‬


‫‪[ 5‬تفسير ابن كثير ‪.]86/7‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ =2‬ومن أسباب انرشاح الصدر انلور اذلي يقذفه اهلل جل وعال يف قلب العبد‪ ،‬وهو نور‬
‫َ‬
‫القلب‪ ،‬ومما يساعد ىلع حتصيل هذا انلور‬ ‫اإليمان‪ ،‬فهذا يرشح الصدر ويوسعه ويفرح‬
‫من عند اهلل جل وعال‪ ،‬االشتغال بطاعة اهلل‪ ،‬واالشتغال بذكر اهلل‪ ،‬وكرثة ذكره‬
‫واستغفاره‪ ،‬فإن املؤمن إذا فعل الطاعة‪ ،‬وترك املعصية‪ ،‬وجد ذللك أثرا من حالوة ونور‬
‫يف القلب‪ ،‬فذلك سبب من أسباب انرشاح الصدر‪.‬‬

‫‪ =3‬ومن األسباب العلم عباد اهلل‪ ،‬واملراد به العلم املوروث عن الرسول صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو العلم انلافع‪ ،‬فأهل العلم ‪-‬عباد اهلل‪ -‬أرشح انلاس صدرا‪ ،‬وأوسعهم قلوبا‪،‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪ ،‬فيما رواه مسلم (من سلك طريقا يلتمس فيه علما‪ ،‬سهل‬
‫ّ‬
‫اهلل َل به طريقا إىل اجلنة)‪ ،6‬والشك أنه إذا ُسهل هذا الطريق إىل اجلنة‪ ،‬فإن ذلك من‬
‫عالمة انرشاح صدر العبد املؤمن‪.‬‬

‫‪ =4‬ومن األسباب أيضا اإلنابة إىل اهلل جل وعال‪ ،‬وحمبته تعاىل بكل القلب‪ ،‬واإلقبال‬
‫ّ‬
‫واتلنعم بعبادته‪ ،‬فال يشء ‪-‬عباد اهلل‪ -‬أرشح للصدر من ذلك‪ ،‬حىت إنه يلقول‬ ‫ىلع اهلل‪،‬‬
‫بعض أهل العلم‪ ،‬وقد وجد من نعيم القلب ورسوره وفرحه‪ ،‬قال‪ :‬إن اكن أهل اجلنة يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مثل هذا‪ ،‬إنهم ليف عيش طيب‪ ،‬فلكما ازداد حال العبد يف هذا اجلانب إنابة وحمبة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتنعما بالعبادة واإلقبال ىلع اهلل‪ ،‬لكما ازداد أنسه باهلل‪ ،‬وازداد انرشاح صدره أيضا‪ ،‬يدل‬
‫تقرب ذ‬‫جل وعال (وما ذ‬ ‫ّ‬
‫إِل عبدي‬ ‫ىلع ذلك قوهل صىل اهلل عليه وسلم فيما يرويه عن ربه‬
‫ذ ُ ذ‬ ‫ذ ُ ذ ذ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذ ذ ذ‬
‫وافل حَّت أحبه ‪،‬‬
‫بيش ٍء أحب إِل مما افرتضت عليه ‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب إِل بانل ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ذ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فإذا أحببته ‪ :‬كنت سمعه اَّلي يسمع به‪ 7)...‬رواه ابلخاري‪.‬‬

‫وهذا ‪-‬عباد اهلل‪ -‬من أذل ما ُيد العبد وهو ينيب إىل ربه‪ ،‬ويسىع يف حمبته‪ ،‬ويقبل ىلع‬
‫ينغص عليك ذلك أيخ املؤمن‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يضيقه عليك إال إذا‬ ‫ويتنعم بعبادته‪ ،‬وال‬ ‫اهلل‪،‬‬

‫‪[ 6‬رواه مسلم ‪.]2699‬‬


‫‪[ 7‬رواه البخاري ‪.]6502‬‬

‫‪5‬‬
‫خالطت ّ‬
‫ابلطالني‪ ،‬الفارغني من هذا الشأن‪ ،‬فرؤيتهم ‪-‬كما قال بعض أهل العلم‪ً -‬‬
‫قذى‬
‫يف العني‪ ،‬وخمالطتهم ّ‬
‫حّم للروح ‪-‬عياذا باهلل تعاىل‪.-‬‬

‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم إنه غفور رحيم‪.‬‬

‫[اخلطبة اثلانية]‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم ىلع أرشف األنبياء واملرسلني‪ّ ،‬‬
‫نبينا حممد وىلع‬
‫آهل وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪ =5‬ومن أسباب انرشاح الصدر عباد اهلل‪ ،‬املداومة ىلع ذكر اهلل عز وجل يف لك حال ويف‬
‫لك موطن‪ ،‬فإن ذلك هل تأثري عظيم يف انرشاح صدر العبد‪ ،‬قالت اعئشة ريض اهلل عنها‬
‫كما يف الصحيحني (َكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يذكر اهلل ِف لك أحواَل)‪ ،8‬ويف‬
‫ّ‬
‫صحيح مسلم أنهم عليهم الرضوان ‪-‬أي الصحابة الكرام‪ -‬ربما عدوا للنيب صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬يف املجلس الواحد (أستغفر اهلل وأتوب إيله سبعي مرة أو أزيد من ذلك)‪.‬‬

‫‪ =6‬ومن أسباب انرشاح الصدر عباد اهلل‪ ،‬اإلحسان إىل اخللق‪ ،‬ونفع اخللق بما يمكن‬
‫نفع بدين‪ ،‬أو‬
‫أن ينفعهم به اإلنسان‪ ،‬وبما يمكن أن حيسن إيلهم به‪ ،‬من مال أو جاه‪ ،‬أو ٍ‬
‫غري ذلك من سائر أنواع اإلحسان‪ ،‬وقد رضب انليب عليه الصالة والسالم مثال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للمتصدقني‪ ،‬بمن عليه جنة من حديد‪ ،‬لكما تصدق اتسعت عليه‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه‬
‫ُذ‬ ‫ُ‬
‫تان‬
‫واملنفق‪ ،‬كمثل رجلي‪ ،‬عليهما جب ِ‬
‫ِ‬ ‫ابلخيل‬
‫ِ‬ ‫وسلم ‪-‬فيما رواه ابلخاري ومسلم‪( -‬مثل‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حديد‪ ،‬من ثديهما إىل تراقيهما‪ ،‬فأما املنفق ‪ :‬فال ينفق إال سبغت‪ ،‬أو وفرت لَع‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫جدلِه‪ ،‬حَّت ختيف بنانَه‪ ،‬وتعفو َ‬
‫أثره) أي أنها تتسع عليه (وأما ابلخيل ‪ :‬فال يريد أن ينفق‬

‫‪[ 8‬متفق عليه]‬

‫‪6‬‬
‫ْ ُّ‬ ‫ً‬
‫شيئا إال لزقت لك حلق ٍة ماكنها‪ ،‬فهو يوسعها وال تتسع)‪ ،9‬فهذا مثل املنفق يف سبيل اهلل‪،‬‬
‫فلكما سعيت يف اإلحسان إىل اخللق‪ ،‬لكما ازداد صدرك انرشاحا باإلسالم‪.‬‬

‫‪ =7‬ومن أسباب انرشاح الصدر ‪-‬عباد اهلل‪ -‬الشجاعة‪ ،‬فالشجاع منرشح الصدر‪ ،‬متسع‬
‫القلب‪ ،‬ليس حاهل كحال اجلبان‪.‬‬

‫‪ =8‬ومن أسباب انرشاح الصدر أيضا‪ ،‬إخراج دخن القلب من الصفات املذمومة‪ ،‬اليت‬
‫توجب ضيقه وعذابه‪ ،‬الصفات املذمومة يف القلب ‪-‬عباد اهلل‪ -‬تضيق الصدر ىلع‬
‫صاحبه‪ ،‬وهذه الصفات اكحلقد والكره‪ ،‬والغيض وابلغض واحلسد والغيبة‪ ،‬وانلميمة‬
‫والكذب‪ ،‬واخليانة‪ ،‬واخلديعة‪ ،‬واملكر والغدر‪ ،‬وغري ذلك من الصفات املذمومة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن من أىت بأسباب انرشاح الصدر‪ ،‬ولكنه لم يصف قلبه من هذه الصفات املذمومة‪،‬‬
‫لم حيصل هل ذلك االنرشاح‪.‬‬

‫‪ =9‬ومن أسباب انرشاح الصدر ‪-‬عباد اهلل‪ -‬ترك الفضول‪ ،‬وجماوزة احلد يف انلظر‬
‫والالكم‪ ،‬واالستماع‪ ،‬واملخالطة‪ ،‬واألكل وانلوم‪ ،‬فهذا الفضول حيدث آالما وغموما‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتضيقه وتعذبه‪.‬‬ ‫وهموما يف القلب‪ ،‬حترصه وحتبسه‬

‫ثم اعلموا عباد اهلل إن اكنت هذه األسباب اليت سبق ذكرها يه أسباب انرشاح الصدر‪،‬‬
‫فإن عكس هذه األسباب‪ ،‬يه أسباب لضيق الصدر‪ ،‬واحنرافه‪ ،‬فأسباب ضيق الصدر‬
‫واحنرافه‪:‬‬
‫الرشك باهلل جل وعال‪ ،‬والضالل جبميع أنواعه‪ ،‬وفقدان انلور‪ ،‬اذلي يقذفه اهلل يف قلب‬
‫العبد‪ ،‬وهذا يكون بأن يفقد اإلنسان أسباب هذا انلور‬

‫ومن أسباب ضيق الصدر واحنرافه اجلهل بالعلم املوروث عن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ّ‬
‫وسلم‪ ،‬واإلعراض عن اهلل جل وعال‪ ،‬وتعلق القلب بغري اهلل تعاىل‪ ،‬والغفلة عن دين اهلل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عز وجل‪ ،‬والغفلة عن ّ‬
‫املحبة بسوى اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫حمبة اهلل عز وجل‪ ،‬وتعلق‬

‫‪[ 9‬متفق عليه]‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ومن األسباب أيضا ابلخل‪ ،‬وعدم اإلحسان‪ ،‬ومن األسباب كذلك اجلنب‪ ،‬ومنها أيضا أن‬
‫ومكر‬
‫ٍ‬ ‫يمتلئ القلب بالصفات املذمومة من حقد‪ ،‬وحسد‪ ،‬وغيض‪ ،‬وغدر‪ ،‬وخديعة‪،‬‬
‫وغري ذلك‪.‬‬

‫ومن األسباب الفضول والزيادة يف انلظر والالكم‪ ،‬واالستماع‪ ،‬واألكل وانلوم‪ ،‬واملخالطة‪.‬‬
‫فهذه عباد اهلل أسباب ّ‬
‫تضيق الصدر‪ ،‬وتوقعه يف احلرج‪ ،‬فال هلإ إال اهلل ما أضيق صدر‬
‫من رضب يف لك آفة من هذه اآلفات بسهم‪ ،‬وما أنكد عيشه‪ ،‬وما أسوأ حاهل‪ ،‬وما أشد‬
‫حرسة قلبه‪.‬‬

‫وال هلإ إال اهلل ما أنعم عيش من رضب يف لك خصلة من تلك اخلصال املحمودة بسهم‪،‬‬
‫ذ ْ ََْ َ َ‬
‫واكنت همته دائرة عليها‪ ،‬حائمة حوهلا‪ ،‬فلهذا نصيب وافر من قوهل تعاىل {إِن األبرار ل ِيف‬
‫َ‬
‫يم}االنفطار‪ ،13‬وذللك نصيب وافر‪ ،‬أي من مجع أسباب ضيق الصدر‪ ،‬من قوهل تعاىل‬ ‫ن ِع ٍ‬
‫ذ ُْ ذ َ َ َ‬
‫يم}االنفطار‪ ،14‬وبينهما مراتب ال حيصيها إال اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬‫ح ٍ‬‫{ َوإِن الفجار ل ِيف ج ِ‬

‫فهما صدران ‪-‬عباد اهلل‪ -‬وهما قلبان‪ ،‬صدر وقلب فيه نعيم ورسور‪ ،‬يصري يف قربه رياضا‬
‫حرج‪ ،‬يصري يف قربه عذابا وسجنا‪ ،‬فحال العبد يف القرب‪،‬‬ ‫ٌ ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫وجنة‪ ،‬وصدر وقلب ضيق ِ‬
‫كحال القلب يف ّ‬
‫الصدر‪ ،‬فإما نعيم وإما عذاب‪.‬‬
‫يزنعجن أحد عباد اهلل من أن منرشح ّ‬
‫الصدر قد يصيبه ضيق‪ ،‬وض ّيق الصدر قد‬ ‫ّ‬ ‫وال‬
‫لعارض‬
‫ٍ‬ ‫صدر‬
‫ٍ‬ ‫لعارض ما‪ ،‬وال عربة بضيق‬
‫ٍ‬ ‫يصيبه انرشاح‪ ،‬ألنه ال عربة بانرشاح الصدر‬
‫ما‪ ،‬فإن العوارض رساعن ما تزول‪ ،‬بزوال أسبابها‪ ،‬وإنما ّ‬
‫املعول ‪-‬عباد اهلل‪ -‬ىلع الصفة‬
‫اليت قامت بالقلب‪ ،‬توجب انرشاحه وحبسه‪ ،‬فهذا هو املزيان‪.‬‬

‫وحاصل ما سبق ‪-‬عباد اهلل‪ -‬أن نقول‪ :‬لقد اكن انليب صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬أكمل اخللق‬
‫لك صف ٍة حيصل بها انرشاح الصدر‪ ،‬واتساع القلب‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وقرة العني‪ ،‬وحياة الروح‪ ،‬فأكمل‬ ‫يف‬
‫ًّ‬
‫عني‪،‬‬
‫صدر‪ ،‬وذلة‪ ،‬وقرة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫انلاس متابعة هل عليه الصالة والسالم‪ ،‬هو أكملهم انرشاح‬
‫روح‪.‬‬
‫وحياة ٍ‬

‫‪8‬‬
‫وىلع حسب املتابعة للنيب عليه الصالة والسالم‪ ،‬ينال العبد من انرشاح الصدر‪ّ ،‬‬
‫وقرة‬
‫العني‪ ،‬وذلة الروح ما ينال‪ ،‬فهو صىل اهلل عليه وسلم يف اذلروة من رشح الصدر‪ ،‬ورفع‬
‫اذلكر‪ ،‬ووضع الوزر‪ ،‬وألتباعه من ذلك حبسب نصيبهم من اتباعهم للنيب صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫وكذلك ألتباعه صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬نصيب من حفظ اهلل عز وجل هلم‪ ،‬وعصمته‬
‫إياهم‪ ،‬ودفاعه عنهم‪ ،‬وإعزازه هلم‪ ،‬ونرصه هلم حبسب نصيبهم من املتابعة للنيب صىل اهلل‬
‫ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وانلاس يف ذلك ‪-‬عباد اهلل‪ -‬بني مستقل من االتباع‪ ،‬ومستكرث ذللك‪ ،‬ويوم‬
‫ّ‬
‫يلومن إال نفسه‪ ،‬واهلل‬ ‫اللقاء من وجد خريا فليحمد اهلل‪ ،‬ومن وجد غري ذلك‪ ،‬فال‬
‫املستعان‪.‬‬
‫ّ‬
‫نسأهل تبارك وتعاىل‪ ،‬أن يوفقنا ألسباب انرشاح الصدر‪ ،‬وأن يرشح صدورنا لإلسالم‪ ،‬إنه‬
‫سميع قريب جميب‪ ،‬كما نسأهل تبارك وتعاىل‪ ،‬أن ينرص اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وأن خيذل‬
‫ّ‬
‫الكفرة واملنافقني‪ ،‬وأن يعيل راية ادلين‪ ،‬ونسأهل جل وعال أن ُيعل كيد األعداء يف‬
‫حنورهم‪ ،‬وأن ُيعل تدبريهم ىلع املسلمني تدمريا ألعداء اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬كما نسأهل‬
‫ّ‬
‫جل وعال أن يغيثنا‪ ،‬وأن يسقينا‪ ،‬وأن يرزقنا من فضله‪ ،‬إنه سميع قريب جميب‪.‬‬
‫ّ‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم إنه غفور رحيم‪ ،‬وسبحانك امهلل وحبمدك‪ ،‬أشهد أال‬
‫إيه إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إيلك‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like