As Syukr

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 42

‫سلسلة أعمال القلوب‬

‫جد‬
‫للشيخ محمد بن صالح المن ج‬

‫ما‬
‫الشكر خير عيش السعداء لم يترقوا إلى أعلى المنازل إل بشكرهم ‪ ،‬ول ج‬
‫ف صبر ‪ ،‬كان حقيقا ا على من نصح‬
‫ف شكر ونص ف‬ ‫كان اليمان صفين ‪ ،‬نص ف‬
‫نفسه وآثر نجاتها وسعادتها‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫تعريف الشكر‬
‫ة‪ ً:‬العتراف بالحسان‪ ،‬شكرت الله‪ -‬شكرت لله‪ -‬شكرت نعمة الله ‪.‬‬ ‫الشكر لغ ا‬
‫فالشكر في اللغة هو ظهور أذر الغذاء في جسم الحيوان‪ ،‬والشكور من‬
‫الدواب ما يكفيه العلف القليل أو الذي يسمن على العلف القليل‪ .‬والشكر‬
‫خلف الكفر‪.‬‬
‫والشكر الثناء على المحسن بما أولها من معروف ‪ ،‬وتقول شكرته وشكرت‬
‫له وقيل اللما أنصح ‪ ،‬والشكران خلف الكفران‪.‬‬
‫اشتكرت السماء أي اشتد وقع مطرها‪ .‬واشتكر الضرع أي امتل لبنا ا ‪.‬‬
‫والشكر الزيادة والنماء‪.‬‬
‫والشكر في الصطلحا‪ ً:‬ظهور أثر النعم اللهية على العبد في قلبه إيمانا ا‬
‫وفي لسانه حمدا ا وثناءا وفي جوارحه عبادة وطاعة ويكون القليل من النعمة‬
‫مستوحيا ا الكثير من الشكر فكيف إذا كانت النعم كثيرة؟‪ ،‬ومن العباد من هو‬
‫شاكر ومنهم من هو كافر‪.‬‬
‫شكرت له‪ ،‬يتعدى باللما ‪ ،‬وكفرت به ؛ يتعدى بالباء!‪ ،‬ولبن القيم نكتة طرفة‬
‫في هذا فيقول‪] ً:‬المشكور في الحقيقة هي النعمة وهي مضافة إلى المنعم‬
‫لذلك تقول شكرت له فيتعدى باللما ‪ ،‬أما الكفر ففيه تكذيب وجحد بالنعمة‬
‫لذلك قالوا كفر بالله وكفر بنعمته وكفر بآلئاه فلذلك تعدى بالباء[‪.‬‬
‫هذا الشكر له مقامات عظيمة في الدين‪ً:‬‬
‫‪ -1‬قرن الله ذكرها بشكرها وكلهما المراد بالخلق والمر والصبر خادما لهما‬
‫ووسيلة إليهما وعونا ا عليهما‪ ،‬فقد قرن الله الشكر بالذكر فقال‪ً:‬‬
‫))فاذكروني أذكركم واشكروني ول تكفرون((‪.‬‬
‫‪ -2‬قرن الشكر باليمان ‪ ،‬وأنه ل غرض له في عذاب الخلق إذا قالوا آمنا‬
‫)) ماذا يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم((‪ ،‬أي وفيتم حقه وما‬
‫خلقتم من أجله وهو الشكر باليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عبادها فقال تعالى‪ً:‬‬
‫ن الله عليهم من‬ ‫)) وكذلك فتجنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء الذين م ج‬
‫بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين((‪.‬‬
‫‪ -4‬قسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الشياء إليه الكفر وأهل الكفر‬
‫وأحب الشياء إليه الشكر وأهل الشكر )) إنا هديناها السبيل إما شاكرا ا‬
‫وإما كفوراا((‪.‬‬
‫‪ -5‬يبتلي عبادها ليستخرج الشكور فقال تعالى على لسان سليمان عليه‬
‫السلما ‪)) ً:‬هذا من فضل ربي يبلوني أءشكر أما أكفر ومن شكر فإنما‬
‫يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم((‪.‬‬
‫‪ -6‬وعد الشاكرين بالزيادة )) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن‬
‫كفرتم إن عذابي لشديد((‪.‬‬
‫‪ -7‬الله يرضى عمل الشاكرين ويرضى الشكر )) إن تكفروا فإن الله غني‬
‫عنكم ول يرضى لعبادها الكفر وإن تشكروا يرضه لكم((‪ .‬فيقارن الله‬
‫دان )) وما محمد إل رسول قد خلت من‬ ‫بين الشكر والكفر وأنهما ض ج‬
‫قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على‬
‫عقبيه فلن يضجر الله شيئا ا وسيجزي الله الشاكرين((‪ .‬والشاكرون في‬
‫هذها اليات الذين ثبتوا على نعمة اليمان ولم ينقلبوا على أعقابهم‪.‬‬
‫فمن الناس من ل يصمد عند البتلء والمحنة فيكفر ول يثبت‪ ،‬ومنهم‬

‫‪58‬‬
‫من يظهر لربه حقيقة ما في قلبه عند المحنة والبتلء ‪ ،‬فيتعالى لسانه‬
‫بذكر ربه وحمدها فيثبت ويشكر شكرا ا عمليا ا بالقلب واللسان والجوارحا‪.‬‬
‫‪ -8‬عجلق الله المزيد بالشكر والمزيد من ل نهاية له‪ ،‬كما أن الشكر ل نهاية‬
‫له‪ ،‬ووقف الله الكثير من الجزاء على المشيئة‪..‬‬
‫‪ )) -‬فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء((‪.‬‬
‫‪ -‬في الجابة )) فيكشف ما تدعون إليه إن شاء((‪.‬‬
‫‪ -‬في المغفرة ))يغفر لمن يشاء((‪.‬‬
‫‪ -‬في الرزق )) يرزق من يشاء((‪.‬‬
‫‪ -‬في التوبة ))ويتوب الله على من يشاء((‪.‬‬
‫أما الشكر فإنه أطلقه )) وسنجزي الشاكرين((‪))،‬وسيجزي الله الشاكرين(‬
‫ولم يقل ))إن شاء((!!‬
‫‪ -9‬أخبر سبحانه وتعالى أن إبليس من مقاصدها أن يمنع العباد من الشكر‪،‬‬
‫فتعهد إبليس بأشياء )) ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن‬
‫أيمانهم وعن شمائالهم ول تجد أكثرهم شاكرين(( فإبليس يريد‬
‫حرمانهم من الشكر والقعود بينهم وبينه‪.‬‬
‫وصف الله الشاكرين بأنهم قليل من عبادها )) وقليل من عبادي‬ ‫‪-10‬‬
‫الشكور((‪ ،‬وذكر الماما أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه‬
‫سمع رجل ا يقول‪] ً:‬اللهم اجعلني من القلين[ فقال ما هذا؟ قال‪ ] ً:‬يا‬
‫أمير المؤمنين ‪ ً:‬الله تعالى يقول ))وما آمن معه إل قليل(( ويقول‬
‫)) وقليل من عبادي الشكور(( ويقول ))إن الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات وقليل ما هم(([ قال عمر‪ ً:‬صدقت‪ ،!!..‬وإذا كان الشكر من‬
‫صفات النبياء والمؤمنين فإنه ليس كذلك عند كل الناس فإن كثيرا ا‬
‫منهم يتمتعون بالنعم ول يشكرونها‪.‬‬
‫أثنى الله على أول رسول بعثه إلى أهل الرض بالشكر وهو نوحا‬ ‫‪-11‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫عليه السلما )) ذرية من حملنا مع نوحا إنه كان عبدا شكورا(( إشارة‬
‫إلى القتداء به‪.‬‬
‫أخبر الله أنه يعبدها من شكرها وأن من لم يشكرها فإنه ليس من‬ ‫‪-12‬‬
‫أهل عبادته ‪ )) ً:‬واشكروا لله إن كنتم إياها تعبدون((‪.‬‬
‫أمر سبحانه وتعالى عبدها موسى أن يتلقى ما آتاها من النبوة‬ ‫‪-13‬‬
‫والرسالة والتكليف بالشكر )) يا موسى إني اصطفيتك على الناس‬
‫برسالتي وبكلمي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين((‪.‬‬
‫أول وصية أوصى بها النسان بعدما عقل أن يشكر له ثم لوالديه‬ ‫‪-14‬‬
‫ا‬
‫)) ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في‬
‫عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير((‪.‬‬
‫أخبر الله أن رضاها في شكرها )) إن تشكروا يرضه لكم((‪.‬‬ ‫‪-15‬‬
‫أخبر عن خليله إبراهيم بشكر نعمته )) إن إبراهيم كان أمة قانتا ا‬ ‫‪-16‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫لله حنيفا ولم يكن من المشركين شاكرا لنعمي اجتباها وهداها إلى‬
‫صراط مستقيم((‪ .‬فمن صفات المة القدوة الذي يؤتم به بالخير يعدل‬
‫مثاقيل من أهل الرض أنه كان قانتا ا لله شاكرا ا لنعمه فجعل الشكر‬
‫غاية خليله‪.‬‬
‫الشكر هو الغاية من الخلق)) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ل‬ ‫‪-17‬‬
‫تعلمون شيئا ا وجعل لكم السمع والبصار والفئدة لعلكم تشكرون((‪.‬‬
‫فهذها غاية الخلق‪ ،‬أما غاية المر )) ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة‬

‫‪59‬‬
‫فاتقوا الله لعلكم تشكرون((فكما قضى الله لهم بالنصر فليشكروا‬
‫هذها النعمة‪.‬‬
‫والخلصة أن الشكر غاية الخلق وغاية المر فخلق ليشكر وأمر ليشكر‬
‫)) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ول تكفرون((‪ ،‬والشكر مراد لنفسه‬
‫والصبر مراد لغيرها‪ ،‬أنت تصبر لجل أن يحدث ما يترتب عليه وما يؤدي إليه‬
‫من الشياء‪ ،‬والشكر غاية في نفسه والصبر وسيلة إلى غيرها وإلى ما‬
‫يحمد وليس مقصودا ا لنفسه‪.‬‬
‫وفي منازل )) إياك نعبد وإياك نستعين (( ذكر ابن القيم في الشكر أيضا ا‬
‫سبعة عشر وجها ا وهي‪ً:‬‬
‫‪ -1‬أنه من أعلى المنازل‪.‬‬
‫‪ -2‬فوق منزلة الرضا والزيادة‪ ،‬فالرضا مندرج في الشكر ويستحيل وجود‬
‫الشكر بدونه‪.‬‬
‫‪ -3‬نصف اليمان شكر ونصفه صبر‪.‬‬
‫‪ -4‬أمر الله به ونهى عن ضدها‪.‬‬
‫‪ -5‬أثنى على أهله ووصفهم بخواص خلقه‪.‬‬
‫‪ -6‬جعله غاية خلقه وأمرها‪.‬‬
‫‪ -7‬وعد أهله بأحسن الجزاء‪.‬‬
‫‪ -8‬جعله سببا ا للمزيد من فضله‪.‬‬
‫‪ -9‬حارسا ا وحافظا ا للنعمة‪.‬‬
‫أهل الشكر هم المنتفعون بآياته‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫اشتق لهم اسما ا من أسمائاه )الشكور( وهو يوصل الشاكر إلى‬ ‫‪-11‬‬
‫مشكورها بل يعيد الشاكر مشكورا‪.‬ا‬
‫غاية الرب من عبدها‪.‬‬ ‫‪-12‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫سمى نفسه شاكرا وشكورا ‪ ،‬وسمى الشاكرين بهذا السم‬ ‫‪-13‬‬
‫فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين‬
‫وفض ا‬
‫ل‪.‬‬
‫أخبر الله عن قلة الشاكرين في عبادها‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫الشكر لبد معه من مزيد‪.‬‬ ‫‪-15‬‬
‫الشكر عكوف القلب على محبة المنعم‪ ،‬والجوارحا على طاعته وجريان‬
‫اللسان بذكرها والثناء عليه‪.‬‬
‫والشكر يتعلق بأمور ثلث ‪ ً:‬القلب واللسان والجوارحا‪،‬‬
‫ومعنى الشكر ينطوي على معرفة ثلثة أمور وهي معاني‬
‫الشكر الثلثة‪.‬‬
‫‪ -1‬معرفة النعمة‪ ً:‬استحضارها في الذهن وتمييزها والتيقن منها‪ ،‬فإذا‬
‫عرف النعمة توصل إلى معرفتها بمعرفة المنعم بها ولو على وجه‬
‫التفصيل‪ ،‬وهذا ما نجدها في القرآن الكريم ليستحضر العبد هذها النعم‬
‫فيشكر‪ .‬وإذا عرف النعمة سيبحث العقل عن المنعم فإذا عرف المنعم‬
‫أحجبه فإذا أحبه جد في طلبه وشكرها ومن هنا تحصل العبادة لنها طريق‬
‫شكر المنعم وهو الله‪.‬‬
‫‪ -2‬قبول النعمة‪ ً:‬تلقيها بإظهار الفقر إلى المنعم والحاجة إليه وأن‬
‫ضل ‪.‬‬‫م بغير استحقاق ‪ ،‬فالله أعطانا النعم مجنة وتف ج‬‫وصول النعم ت ج‬
‫‪ -3‬الثناء بها‪ ً:‬الثناء على المنعم المتعلق بالنعمة نوعان ‪ً:‬‬

‫‪60‬‬
‫عاما ‪ ‬وهو أن تصفه بالجود والكرما والبر والحسان وسعة العطاء ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫خاص ‪ ‬أن تتحدث بنعمه عليك وتخبر بوصولها إليك )) وأما بنعمة ربك‬
‫فحدث((‪.‬‬
‫والتحديث المأمور به هنا فيه قولن‪ً:‬‬
‫‪ -1‬أن تذكر وتعدد ) أنعم الله علي بكذا وكذا‪ (...‬ولذلك قال بعض‬
‫المفسرين اشكر ما ذكرها من النعم عليك في هذها السورة من جبرك‬
‫يتيما ا وهدايتك بعد الضلل وإغنائاك بعد العيلة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تستعملها في طاعته‪.‬‬
‫فالتحدث بالنعمة من الثناء على الله‪ ،‬فتثني على الله بالسماء المناسبة‬
‫لمقاما الشكر)المنان‪-‬الكريم‪-‬ذو الفضل العظيم – الله واسع – عطاؤها‬
‫كثير(‪.‬‬
‫ز به فإن لم يجد ما يجزي‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫حديث جابر مرفوعا‪ ] ً:‬من صنع إليه معروفا فليج ز‬
‫ج‬
‫به فليثني فإنه إذا أثنى عليه فقد شكرها وإن كتمه فقد كفرها ومن تحلى‬
‫ط كان كلبس ثوبي زور(‪.‬‬ ‫بما لم ييع ط‬
‫ومن الثناء كقول جزاك الله خير‪ ،‬و الدعاء أيضا ا وسيلة للشكر‪.‬‬
‫أقساما الخلق في شكر النعمة ثلثة‪ً:‬‬
‫‪ -1‬شاكر للنعمة مثني بها‪.‬‬
‫‪ -2‬جاحد لها كاتم لها‪.‬‬
‫‪ -3‬مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها ‪ ،‬وكما في الحديث فالمتشبع‬
‫ط كلبس ثوبي زور‪.‬‬ ‫بما لم يع ط‬
‫وقد روى النعمان بن بشير‪ ] ً:‬من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير‪ ،‬ومن‬
‫لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله[‪ .‬والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر‬
‫والجماعة رحمة والفرقة عذاب ] رواها أحمد[‪.‬‬
‫والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الخرين‬
‫ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم‬
‫ذكر النعمة شحا ا بذلك وتقصيرا ا في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد‬
‫صاحب العين وكيدها وضررها ودفع الضرر من المقاصد الشرعية‪.‬‬
‫أما مقابلة النعمة فليمكن في حق الله )) لن ينال الله لحومها ول‬
‫دماءها(( ‪ ،‬فل سبيل إلى المجازاة ويبقى في قضية الثناء عليه استعمالها‬
‫فيما يرضيه ‪ ،‬أما المجازاة فل سبيل إليها ول ينتفع الله بخلقه شيء‪.‬‬
‫و واجبنا نحو الله في النعم ‪ً:‬‬
‫‪ -1‬الخضوع له‪ ،‬خضوع الشاكر للمشكور‪.‬‬
‫‪ -2‬حبه له‪ ،‬حب الشاكر للمشكور‪.‬‬
‫‪ -3‬اعترافه بنعمته عليه) القرار(‪.‬‬
‫‪ -4‬الثناء عليه بها‪.‬‬
‫‪ -5‬أن ل يستعملها فيما يكرها بل يستعملها فيما يرضيه ‪.‬‬
‫وإذا كانت النعم تتفاضل فهل يتفاضل الشكر؟ نعم‪.‬‬
‫والشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارحا‪.‬‬
‫الشكر بالقلب‬
‫علم القلب وذلك بأن يعلم أن الله هو المنعم بكل النعم التي يتقلب فيها‬
‫]الناس يشكرون المعبر ول يشكرون المصدر!![‪ ،‬وهذا مهم في تربية‬
‫الطفال‪ ،‬أن ييعررف من أين جاءت النعم))يا أيها الناس اذكروا نعمة الله‬
‫‪61‬‬
‫عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والرض ل إله إل هو‬
‫فأنى تؤفكون أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون((!!‬
‫أول نعمة ؛ نعمة الخلق واليجاد‪ ،‬ورصد النعم والتعرف إليها مرحلة‬
‫تمهيدية للشكر‪ ،‬وجاءت كثير من اليات بإحصاء النعم ليكتشف النسان‬
‫كثرتها فيعلم أن النعم ل يمكن حصرها )) وإن تعدوا نعمة الله ل‬
‫تحصوها((‪.‬‬
‫كر لنا أشياء فرعية وأصلية ‪ ،‬والفروع نردها إلى أصولها ‪ ،‬كالصحة‬ ‫ولكن ذي ز‬
‫فهي نعمة أصلية وما يتفرع منها من النعم ) الحركة‪ -‬المشي‪-‬العمل –‬
‫الرياضة‪-‬النوما‪ -‬الكل – الشرب ‪ -‬السفر(‪ ،‬كذلك المال والوقت والعلم‬
‫كلها نعم أصلية‪.‬‬
‫وتستطيع أن تضم النعم إلى ما يحاذيها ويشابهها‪ ،‬أنعم علينا بوصفنا‬
‫مخلوقات بعد الخلق واليجاد ثم نعمة الدمية والنسانية وأنعم علينا‬
‫بوصفنا مسلمين من نعمة الهداية واليمان‪ .‬ونعمة التربية التي ترتقي‬
‫بالفرد درجة بعد درجة وتعلم علما ا بعد علم حتى يبلغ كماله‪ ،‬وفوق كل ذلك‬
‫نعمة النبوة للذين اصطفاهم الله ‪ ،‬والصديقين والشهداء و الصالحين‪.‬‬
‫إن عرض النعم على العامة أمر مهم جدا ا وهو قضية في الدعوة‪ ،‬فالله‬
‫عزوجل خص الدمي أنه خلقه بيدها )) لما خلقت بيدي((‪.‬‬
‫)) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الرض وأسبغ‬
‫عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات‬
‫رزقا ا لكم وسخر لكم النهار وسخر لكم الشمس والقمر دائابين وسخر لكم‬
‫الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموها وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها‬
‫إن النسان لظلوما كفار((‪.‬‬
‫وذكر في سورة النحل)سورة النعم(‪ )) ً:‬وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه‬
‫لحما ا طريا ا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه‬
‫ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون* وألقى في الرض رواسي أن تميد‬
‫بكم وأنهارا ا وسبل ا لعلكم تهتدون * وعلمات وبالنجم هم يهتدون * أفمن‬
‫يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون* و إن تعدوا نعمة الله ل تحصوها إن الله‬
‫لغفور رحيم(( ‪.‬‬
‫ا‬
‫)) والله جعل لكم مما خلق ظلل ا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم‬
‫سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم‬
‫تسلمون((‪.‬‬
‫هذها المنة لليمان بعد السلما أو السلما اول ا )) يمنون عليك أن أسلموا‬
‫قل ل تمنوا علي إسلمكم بل الله يمن عليكم أن هداكم لليمان إن كنتم‬
‫صادقين((‪.‬‬
‫)) اليوما أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلما‬
‫ديناا((‪.‬‬
‫ومن نعمة الهداية يكون المن والسكينة والفرج والمغفرة والرحمة‬
‫والبركة والتيسير وسعة الرزق‪.‬‬
‫ومن مقاصد ووسائال الدعوة أنك تحدث المدعوين بنعم الله عليهم ليحصل‬
‫الشكر )) إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون((‪.‬‬
‫فبعض الناس اتجهوا إلى أشياء غريبة في تفسير النعم أو نسبتها إلى‬
‫مصادر باطلة ليست هي‪ ،‬مثل الذي فعله قارون لما ذكر بنعمة الله عليه‬
‫فقال )) إنما أوتيته على علم عندي((‪ ،‬فالغرور يجعلهم ينسبون النعمة‬
‫إلى غير المنعم‪ ،‬وهذا فعل الشقياء فالله تعالى يقول‪ )) ً:‬وما بكم من‬
‫‪62‬‬
‫نعمة فمن الله(())فلينظر النسان مما خلق(())فلينظر النسان إلى‬
‫طعامه(())أءنتم أنزلتموها من المزن(( )) وما أنتم له بخازنين((‬
‫)) أفرءيتم الماء الذي تشربون*أءنتم أنزلتموها من المزن أما نحن‬
‫المنزلون * لو نشاء لجعلناها أجاجا ا فلول تشكرون((‪.‬‬
‫الشكر باللسان‬
‫لسان المرء يعرب عما في قلبه ‪ ،‬فإذا امتل القلب بشكر الله لهج اللسان‬
‫بحمدها والثناء عليه‪ ،‬وتأمل ما في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫الحمد والشكر لرب العالمين‪..‬‬
‫‪ -1‬كان لما يفيق من نومه يقول ‪]ً:‬الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه‬
‫النشور[‪] ،‬الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي‬
‫بذكرها[‪.‬‬
‫‪ -2‬وإذا أوى إلى فراشه ليناما يقول‪] ً:‬الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا‬
‫وآوانا فكم ممن ل كافي له ومل مؤوي[‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن أذكار الصباحا والمساء] اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من‬
‫خلقك فمنك وحدك ل شريك لك فلك الحمد والشكر[ من قالها حين‬
‫يصبح فقد أدى شكر ليله‪.‬‬
‫‪ -4‬سيد الستغفار]أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي[ اعتراف بالنعمة‬
‫واعتراف بالتقصير في شكرها لنه يذنب‪.‬‬
‫‪ -5‬يفتتح الدعية بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله‪.‬‬
‫‪ -6‬في كل خطبة أو نكاحا أو أمر ذي بال يحمد الله‪.‬‬
‫‪ -7‬دعاء الستفتاحا – سورة الفاتحة – الرفع من الركوع – أذكار ما بعد‬
‫السلما – ربنا ولك الحمد – أدعية التهجد – اللهم لك الحمد أنت نور‬
‫السموات والرض ومن فيهن – الله أكبر كبيرا ا والحمد لله كثيرا ا‬
‫وسبحان الله بكرة وأصي ا‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -8‬إذا أكل أو شرب أو سئل عن حال أو سافر أو عطس‪.‬‬
‫‪ -9‬في أي ساعة يحمد ربه من ليل ونهار ‪ ،‬له في كل تحميدة صدقة‪.‬‬
‫وقعت يد عائاشة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في بطن‬
‫الليل وقدماها منصوبتان يقول‪ ] ً:‬اللهم إني أعوذ برضاك من‬
‫سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك ل أحصي ثناء عليك أنت كما‬
‫أثنيت على نفسك[‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ ] ً:‬يا معاذ إني أحبك فل تدع أن تقول دبر كل‬
‫صلة اللهم أعجني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك[‪.‬‬
‫الشكر بالجوارحا‬
‫وهي ما سوى القلب واللسان من جوارحا‪ ،‬فما من عمل يعمله ابن آدما من‬
‫الطاعات والعبادات إل وهو شاكر فيه لنعم ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والخلصة في الشكر بالجوارحا ؛ العمل الصالح‪ ،‬فعند بلوغ الربعين )) حتى‬
‫إذا بلغ أشدها وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي‬
‫أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ا ترضاها((‪ ،‬فسأل الله العمل‬
‫الصالح عقب سؤاله التوفيق على شكر نعمته يعني أن الشكر باللسان‬
‫وحدها ل يكفي‪.‬‬
‫ومن وسائال الشكر بالجوارحا حديث )) كل ابن آدما يصبح وعلى كل سلما‬
‫ومفصل صدقة(( فكيف يؤدي شكر ‪ 360‬مفصل؟‪ ،‬كل تحميدة صدقة‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫وكل تهليلة صدقة‪ ،‬وأمر بالمعروف صدقة‪ ،‬وإماطة الذى عن الطريق‬
‫صدقة‪ ،‬وعدد المفاصل ‪ 360‬إذا شكرها المرء ]أمسى يومه وقد زحزحا عن‬
‫النار[‪.‬‬
‫والصدقات كثيرة جمعها ابن رجب في شرحه الربعين النووية]الصدقات‬
‫البدنية‪ -‬المالية‪-‬الخبرة من تعليم صنعة أو تصنع لخرق‪ -‬التفهيم – التعليم‬
‫– الوقت – الجاها‪ ،[...‬فذو القرنين مثل ا علم شعبا ا جاهل ا صناعة السدود‬
‫حتى تقيهم شر أعدائاهم‪.‬‬
‫المقصود أن المسلم عليه أن يشكر ربه بجوارحه بسائار أنواع الصدقات‬
‫وكل معروف صدقة ول يغني شكر يوما عن يوما آخر‪.‬‬
‫وليس هناك تعارض بين شكر الله وشكر الناس‪ ،‬لن الله أمر بشكر الناس‬
‫‪ ،‬وهو سبحانه الذي أرشدنا إلى شكر الناس إذا صنعوا لنا معروفا ا أن‬
‫نكافئهم وأولهم الوالدين )) اشكر لي ولوالديك(( )) ل يشكر الله من ل‬
‫يشكر الناس((‪ ،‬فليس شكر المخلوق قادحا ا في شكر الخالق بل المشكلة‬
‫فيمن يشكر المخلوق ول يشكر الخالق وهذها هي المصيبة‪ ،‬وهناك فرق‬
‫بين شكر العبد وشكر الرب‪ ،‬فشكر الرب فيه خضوع وذل وعبودية ول‬
‫يجوز لشكر العبد أن تعبدها وإنما تعطيه شيء مقابل شيء‪ ،‬وتدعو له‬
‫وتثني عليه ‪..‬‬
‫شكر الله أيضا ا يختلف عن شكر الناس من جهة العبودية والدرجة ومافيه‬
‫من أنواع الطاعات له سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫ي به أن ل يشكر الله‪..‬‬ ‫والنسان الذي ل يشكر الناس إنسان لئيم وحر ف‬
‫والنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر))لئن شكرتم لزيدنكم((‬
‫)) ول تتمنوا مافضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا‬
‫وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله((‪.‬‬
‫من الشياء التي تؤدي إلى الشكر‪ً:‬‬
‫‪ -1‬أنك تنظر إلى من هو دونك‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪] ً:‬انظروا إلى‬
‫من هو أسفل منكم ول تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أل تزدروا‬
‫نعمة الله [‪ .‬فمما يحفظ العبد من ترك الشكر عندما ينظر إلى من هو‬
‫فوقه أن هذها قسمة الله )) وهو الذي جعلكم خلئاف الرض ورفع‬
‫بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما أتاكم((‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يعلم العبد أنه مسئول عن النعمة )) ثم ليتسألن يومئذ عن النعيم((‬
‫ذب‪.‬‬‫ع ذ‬
‫ومحاسب عليها حتى الماء البارد‪ ،‬ومن نوقش الحساب ي‬
‫ويشتط الناس في فهم شكر ما أسبغ الله عليهم من النعم لدرجة أنهم‬
‫يحرمون أنفسهم منها‪ ،‬والله رضي لنا أن نستمتع وأن نشكر )) كلوا واشربوا‬
‫من رزق الله ول تعثوا في الرض مفسدين(())كلوا من طيبات ما رزقناكم‬
‫واشكروا لله إن كنتم إياها تعبدون((‪.‬‬
‫فل يمكن أن يكون الشكر بتحريم الحلل وهذا من مباديء الصوفية‪ ،‬فالله‬
‫رضي لنا أن نستخدما النعم المباحات ونشكرها عليها سبحانه وتعالى‪ ،‬ولو كان‬
‫فت كل أعمال العباد ول‬ ‫شرطا ا في النتفاع بالنعمة أداء ثمنها شكرا ا ؛ ما و ج‬
‫على نعمة واحدة]أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي [ فتشكر الله وتعترف بالنعم‬
‫وتستغفر من التقصير بشكر النعمة‪.‬‬
‫فالحل أن نستخدما النعم فيما يرضي الله ونثني عليه ونشكرها ونستغفرها من‬
‫التقصير في الشكر وهو تعالى رضي منا بهذا‪..‬‬

‫‪64‬‬
‫وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاما حتى تفطرت‬
‫قدماها وتشققت قيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدما من ذنبك وما‬
‫تأخر؟قال‪ ] ً:‬أفل كون عبدا ا شكوراا!![‪ .‬فتشكر الله على المغفرة‪.‬‬
‫ومن الوسائال أن ندعو الله أن يعيننا على الشكر] اللهم أعني على ذكرك‬
‫وشكرك وحسن عبادتك[‪ ،‬قالها لمعاذ‪ ،‬وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ً:‬‬
‫أي المال نتخذ؟ فلفت نظرهم صلى الله عليه وسلم فقال‪ ] ً:‬ليتخذ أحدكم‬
‫قلبا ا شاكرا ا ولسانا ا ذاكرا ا وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر دينه ودنياها[‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) ً:‬إن الله ليرضى على العبد أن يأكل الكلة‬
‫فيحمدها عليها أو يشرب الشربة فيحمدها عليها((‪.‬‬
‫قال الحسن البصري رحمه الله ‪ ً:‬إن الله ليمتع بالنعمة ماشاء فإذا لم يشكر‬
‫عليها قلبها عذابا ا ولهذا كانوا يسمون الشكر)الحافظ( لنه يحفظ النعم‬
‫الموجودة و ) الجالب( لنه يجلب النعم المفقودة‪.‬‬
‫صل من علو منزلة الشكر وعظمه عند الله‪ ،‬ول ينقطع المزيد‬ ‫هكذا يحفظ ويح ج‬
‫من الله حتى ينقطع الشكر من العبد ‪ ‬قيد النعم‪ ،‬فهو يقيد النعمة أل تنقلب‬
‫ول تهرب‪.‬‬
‫قال عمر بن عبد العزيز‪] ً:‬قيدوا نعم الله بشكر الله[‪ ،‬والشكر مع المعافاة‬
‫عند بعض أهل العلم أعظم من الصبر على البتلء‪ .‬فقال مطرف بن عبد‬
‫ي من أن يأبتلى فأصبر[‪.‬‬ ‫ب إل ج‬
‫الله‪] ً:‬لن أعافي فأشكر أح ب‬
‫فإذا رزقت الشكر على النعمة فإن هذا ل يقل عن الصبر على المصيبة‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ ] ً:‬أكثروا من ذكر هذها النعم فإن ذكرها شكر وقد أمر الله‬
‫تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه )) وأما بنعمة ربك فحدث(( والله يحب من‬
‫عبدها أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال[‪.‬‬
‫وقال أبو رجاء العطاردي‪ ً:‬خرج علينا عمران بن حصين وعليه معطف من خجز‬
‫لم نرها عليه من قبل ول من بعد فقال‪] ً:‬إن رسول الله قال إذا أنعم الله على‬
‫عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبدها[‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪] ً:‬كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ول‬
‫سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبدها[‪ ،‬وهنا الضابط والحد‬
‫الشرعي‪ ،‬فإذا أردت أن تظهر نعم الله عليك فإن ذلك مقيد في عدما الخيلء‬
‫والسراف ‪.‬‬
‫عن أبي الحوص عن أبيه قال‪ ً:‬أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل‬
‫لك من مال؟قلت نعم قال من أي المال؟ قلت من كل المال ‪ ،‬البل ‪ ،‬الرقيق‪،‬‬
‫النعم‪ ،‬الخيل‪ ..‬قال‪ ] ً:‬إذا آتاك الله مال ا فليطر عليك[‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ ً:‬إذا أنعم الله على قوما سألهم الشكر فإذا شكروها كان قادرا ا‬
‫على أن يزيدهم وإذا كفروها كان قادرا ا على أن يبعث عليهم عذاباا‪.‬‬
‫وقد ذما الله الكنود وهو الذي ل يشكر نعمه ‪ ،‬قال الحسن‪) ً:‬إن النسان لربه‬
‫لكنود( أي يعد المصائاب وينسى النعم‪.‬‬
‫وفي النساء أظهر‪ ،‬فلو أحسنت إلى إحداهن الدهر وطيلة العمر ثم رأت منك‬
‫تقصيرا ا قالت مارأيت منك خيرا ا قط!‪ ،‬وهذا ظلم ‪ ،‬والنساء أكثر أهل النار‬
‫لنهم يكفرن العشير‪ ،‬وإذا كان ترك شكر نعمة الزوج يؤدي إلى جهنم فما‬
‫حال من يكفر نعمة الله‪..‬؟!!‬

‫يا أيها الظالم في فعله‬

‫‪65‬‬
‫والظلم مردود على من‬
‫ظلم‬
‫إلى متى أنت وحتى متى‬
‫تشكو المصيبات وتنسى‬
‫النعم‬
‫والتحدث بالنعم شكر وتركها كفر ومن ل يشكر القليل ل يشكر الكثير ومن ل‬
‫يشكر الناس ل يشكر الله‪.‬‬
‫قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه سورة الرحمن من أولها إلى‬
‫آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا ا‬
‫منكم فلما قرأت )فبأي آلء ربكما تكذبان( قالوا‪ ً:‬ل شيء من نعمك ربنا‬
‫نكذب ربنا ولك الحمد‪..‬‬
‫شريح‪ ً:‬وما أصيب عبد بمصيبة إل كان لله عليه فيها ثلث نعم‪ً:‬‬ ‫وقال ي‬
‫‪ -1‬أل تكون في دينك‪.‬‬
‫‪ -2‬أنها ل تكون أعظم مما كانت‪.‬‬
‫‪ -3‬أنها لبد كائانة فقد كانت‪.‬‬
‫)) ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن‬
‫نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما‬
‫آتاكم((‪.‬‬
‫ج‬
‫كان عمر بن عبد العزيز إذا قلب بصرها في نعمة أنعمها الله عليه قال‪ً:‬‬
‫دل نعمتك كفرا ا وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن‬ ‫] اللهم إني أعوذ بك أن أب ج‬
‫أنساها ول أثني بها[‪ ،‬لن الله ذما الذين بدلوا نعمة الله كفرا ا وأحلوا قومهم‬
‫دار البوار‪.‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا يرفعت مائادته قال‪ ] ً:‬الحمد لله الذي‬
‫دع ول‬ ‫ي ول مكفور‪ ،‬الحمد لله ربنا غير مكفي ول مو ج‬ ‫كفانا وأروانا غير مكف ي‬
‫ن ربنا[‪.‬‬‫مستغ ن‬
‫وكذلك من شكر النعم المتجددة أنك تسجد سجود الشكر وفي ذلك أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أتاها أمر فسجر به فخجر لله ساجداا‪ ،‬وأبو بكر لما جاءها قتل‬
‫مسيلمة المرتد الذي ألب عليه العرب وأشد الناس على المسلمين خجر لله‬
‫دج‬ ‫ساجداا‪ ،‬وعلي رضي الله عنه لما رأى ذا الثدية في الخوارج أسود مخ ج‬
‫مقطوع اليد عند العضد مثل حلمة المرأة‪ ،‬وأنه علمة وآية أنه سيقاتل‬
‫الخوارج أمرهم فبحثوا في جثث القتلى وأخرجوها ؛ سجد علي رضي الله عنه‬
‫شكرا ا لله‪ .‬وكعب بن مالك سجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر‬
‫بتوبة الله عليه‪.‬‬
‫والسنة لم ترد بسجود الشكر يوميا ا لكنها وردت في النعم المتجددة والتي‬
‫تذكر بالنعمة المستديمة‪ ،‬ولن هذها النعم المتجددة العظيمة لها وقع في‬
‫النفوس والقلوب أعلق بها وأهنأ والنسان ييعجزى بفقدها فإن ما توجبه من‬
‫فرحا النفس وانبساطها والذي يدفع الشر والبطر عند نزول النعمة فجأة‪.‬‬
‫شرت الحسن بموت الحجاج‬ ‫ومن النعم المتجددة كما يقول أحد السلف‪ ً:‬ب ج‬
‫ف فخجر لله ساجداا‪،‬فموت ظالم نعمة و ولدة مولود ‪ ،‬وجاء الخبر في‬ ‫وهو مخت ن‬
‫النتصار‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ ] ً:‬الدين نصفان‪ ،‬نصف شكر ونصف صبر‪ ،‬فهو قاعدة كل‬
‫ة[‪،‬‬‫خير‪ ،‬والشكر مما يحبه الله فهو يحب أن ييشكر عقل ا وشرعا ا وفطر ي‬
‫‪66‬‬
‫فوجوب شكرها أظهر من كل واجب‪ ،‬وقد فاوت الله بين عبادها بالنسبة للنعم‬
‫الظاهرة والباطنة وفي خلقهم وأخلقهم و أديانهم وأرزاقهم ومعايشهم‪.‬‬
‫لذلك فقد روى الماما أحمد في كتاب الزهد‪ ] ً:‬قال موسى هل ج سويت بين‬
‫عبادك قال إني أحببت أن أشكر[‪ ،‬فالتفاوت بين العباد يؤدي إلى الشكر‪.‬‬
‫وقد تنازع أهل العلم بين الفقير الصابر والغني الشاكر‪ ،‬أيهما أفضل في‬
‫كلما طويل‪ ،‬والظاهر أن كل واحد في حق صاحبه أفضل‪ ،‬فالشطر في حق‬
‫الغني أفضل والصبر في حق الفقير أفضل‪.‬‬
‫أسئلة من درس الشكر‬
‫كيف نوفق بين )) وأما بنعمة ربك فحدث(( و )) استعينوا على قضاء‬
‫حوائاجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود((؟‬
‫إظهار النعم عاما‪ ،‬كيف يحدث بنعم الله قول ا وفعل ا بأن يظهرها وأن الظهار‬
‫ليس فيه إسراف ول خيلء ول كسر لنفوس الفقراء‪ ،‬وأن ل يغتجر بها ‪ ،‬كذلك‬
‫وجد حاسد فله أن يكتم النعمة عندها فهذا خاص‪ .‬فإذا وجد حاسد فكتمانها‬ ‫إن ي‬
‫لجل الحسد وليس كفران بالنعمة‪.‬‬
‫ما هو الفرق بين الحمد والشكر؟‬
‫الحمد يتضمن مدحا المحمود والثناء عليه بذكر محاسنه ولو لم يحسن إليك‬
‫بشيء لنه مستحق للحمد بصفاته‪ ،‬ويكون باللسان أكثر ما يكون بغيرها‪،‬‬
‫والشكر لمن أحسن إليك و إحسان الشاكر إلى المشكور يكون بالقلب‬
‫واللسان والجوارحا‪.‬‬
‫كيف نجمع بين شكر الله على اليجاد وتمني أبو بكر لو كان طيرا؟ا‬
‫أبو بكر رضي الله عنه قال ذلك لما عرض عليه الخوف من الله‪ ،‬قالها خوفا ا‬
‫من رجبه وليس في سائار أحواله‪.‬‬
‫هل الحمد بعد العطاس واجب؟‬
‫قال بعض العلماء بوجوبه لورودها في الحديث بصيغة المر]فليقل الحمد لله‬
‫وليقل صاحبه يرحمك الله [ ‪.‬‬
‫ماذا عن شكر المفاصل؟‬
‫إذا لم يستطع فإن ركعتي الضحى تجزيان عن ذلك وتصلى ركعتان أو أربع أو‬
‫ستة أو ثمانية أو اثنتا عشرة‪ ،‬من بعد ارتفاع الشمس إلى قبيل الظهر قبل‬
‫أن تسير الشمس في وسط السماء‪ ،‬وقبل أذان الظهر بيربع ساعة‪.‬‬
‫هل هناك تسليم في سجود الشكر؟‬
‫ل‪ ،‬بل يخجر ساجد ثم يرفع‪.‬‬
‫هل المال والولد نعمة وهم فتنة؟‬
‫نعم )) المال والبنون زينة الحياة الدنيا((‪ ،‬والنعم كلها ممكن أن يفتن بها إذا‬
‫استعملت في معصية الله‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫سلسلة أعمال القلوب‬

‫جد‬
‫للشيخ محمد بن صالح المن ج‬

‫‪ 0‬عمل عظيم من أعمال القلوب و من رؤوسها ‪.‬‬


‫الرضا ‪ ً:‬ضد السخط " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " ‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫ة ذات رضا ‪.‬‬‫ة ( ‪ ،‬أي ‪ ً:‬مرضي ن‬ ‫ة راضي ن‬
‫الرضا ‪ ً:‬يقال ) في عيش ن‬
‫الرضوان ‪ ً:‬الرضا الكثير ‪.‬‬
‫الرضا في الشرع ‪ ً:‬رضا العبد عن الله ‪ ً:‬أن ل يكرها ما يجري به قضاؤها ‪ ،‬و‬
‫رضا الله عن العبد أن يراها مؤتمرا ا بأمرها منتهيا ا عن نهيه ‪.‬‬
‫ضاها ‪ ً:‬أي طلب رضاها ‪.‬‬ ‫أرضاها ‪ ً:‬أي أعطاها ما يرضى به ‪ ،‬و تر ر‬
‫إذا العجوز غضبت‬
‫ق‬ ‫ذ‬
‫فطل ز‬
‫ضاها و ل‬
‫و ل تر ر‬
‫ق‬ ‫ر‬
‫تمل ز‬
‫ص لفظ الرضوان بما‬ ‫خ ر‬‫ما كان أعظم رضا هو رضا الله سبحانه و تعالى ؛ ي‬ ‫ول ر‬
‫كان من الله عز وجل )) يبتغون فضل ا من الله و رضوانا ا (( و قال عز و جل ‪ً:‬‬
‫)) يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان (( ‪ .‬و إذا نظرنا إلى هذا الرضا في‬
‫القرآن فإننا سنجدها في عدد من المواضع ‪. . .‬‬
‫‪ /1‬قال الله عز و جل في العمل ابتغاء مرضاته سبحانه ‪ )) ً:‬و من الناس من‬
‫يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤوف بالعباد (( ‪ ،‬يشري نفسه ‪ ً:‬يبيع‬
‫نفسه بما وعد الله به المجاهدين في سبيله ‪ ،‬ابتغاء مرضاة الله ‪ ً:‬أي أن‬
‫هذا الشاري يشري ) يكون مشتريا ا حقاا(‬
‫إذا اشترى طلب مرضاة الله ‪. .‬‬
‫* كذلك في الصدقات ‪ ،‬قال تعالى ‪ )) ً:‬و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء‬
‫مرضاة الله (( ‪،‬‬
‫وون أهل الحاجة من الغزاة‬ ‫أي ‪ ً:‬يتصدقون بها و يحملون في سبيل الله و يق ج‬
‫ة لله و طلبا ا لمرضاته ‪. .‬‬ ‫و المجاهدين طاع ا‬
‫* و قال الله عن الذين يعملون أعمال البر ابتغاء رضاها ‪. .‬‬
‫ف أو إصلحا ن بين‬‫ة أو معرو ن‬ ‫)) ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدق ن‬
‫الناس و من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا ا عظيماا(( ‪،‬‬
‫فأخبر تعالى عن عاقبة هذا بقوله ‪ )) ً:‬فسوف نؤتيه أجرا ا عظيما ا (( إذا فعله‬
‫ابتغاء مرضاة الله ‪. .‬‬
‫‪ ㄱ‬و قد رضي الله السلما دينا ا لهذها المة ‪ ،‬فهذا مما رضيه سبحانه ‪. .‬‬
‫)) اليوما أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم السلما دينا ا‬
‫((‬
‫ت لكم أن تستسلموا لمري و تنقادوا لطاعتي على ما شرعته لكم‬ ‫أي ‪ ً:‬رضي ي‬
‫ة منكم لي‬ ‫و أن تستسلموا لشرعي و تنقادوا إليه طاع ا‬
‫‪ ㄱ‬و كذلك قوله تعالى ‪ )) ً:‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبجين لكم كثيرا ا‬
‫مما كنتم يتخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور و‬
‫كتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلما و يخرجهم من‬
‫الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم (( ‪ ،‬فيهدي‬
‫دد ‪. .‬‬
‫سبحانه بهذا الكتاب المبين و يرشد و يس ذ‬
‫* و الرضا من الله سبحانه و تعالى أن يقبل العبد و هو مدحا و ثناء ‪ ،‬و كذلك‬
‫عز و جل يرضى عنه و يقتضي رضاها على العبد الثناء عليه ومدحه‬ ‫فإنه‬
‫‪..‬‬
‫و قال عز و جل عن المنافقين و هم يحلفون اليمان ‪. .‬‬ ‫‪ㄱ‬‬
‫‪69‬‬
‫)) يحلفون بالله لكم ليرضوكم و الله و رسوله أحق أن يرضوها إن كانوا‬
‫مؤمنين ((‬
‫فهؤلء المنافقين يريدون باليمان الكاذبة الخداع ‪ ،‬و يريدون الكيد‬
‫للمسلمين و يحلفون اليمان الفاجرة أنهم ل يريدون شرا ا بالمسلمين و‬
‫ن الله أبى أن يقبل المسلمون منهم هذا‬ ‫أنهم ل يريدون المكيدة لهم ‪ ،‬و لك ج‬
‫‪ . .‬و لو أنهم كانوا صادقين لرضوا ربهم تبارك و تعالى و ليس أن يسعوا في‬
‫إرضاء المخلوقين ‪. .‬‬
‫* و كذلك فإن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيز الذي يبني المساجد ابتغاء‬
‫مرضاة الله ‪..‬‬
‫من بنيانه على شفا‬ ‫سس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أ ج‬ ‫)) أ فمن أ ج‬
‫جرف هار فانهار به في نار جهنم (( فهؤلء الذين بنوا المساجد خير أيها‬
‫الناس عندكم من الذين ابتدؤوا البناء على اتقاء الله بطاعته في بنائاه و أداء‬
‫فرائاضه و رضا من الله لبنائاهم ‪ ،‬فما فعلوها هو خير لهم ‪ .‬أما الذين ابتدؤوا‬
‫ي الفريقين خيفر‬ ‫بناءهم على شفا جرف هار فستكون عاقبتهم في النار ‪ ،‬فأ ج‬
‫إذا ا ؟!!‬
‫‪ ㄱ‬كذلك أثنى الله على الفقراء المهاجرين الذين خرجوا من مكة إلى‬
‫المدينة و تركوا ديارهم و أموالهم يبتغون فضل ا من الله و رضوانا ا‬
‫ول النبي صلى‬ ‫قبلة يرضاها فجعل يح ج‬ ‫‪ ㄱ‬و كذلك أراد الله أن يوجلي نبيه ز‬
‫الله عليه و سلم‬
‫قبلة من بيت المقدس إلى‬ ‫ول ال ز‬
‫و يصرف بصرها في السماء يتمنى أن تح ج‬
‫الكعبة حتى أنزل الله‬
‫قبلة‬
‫قبلة ترضاها (( أي ‪ ً:‬فلنصرفجنك عن بيت المقدس إلى ز‬ ‫)) فلنوجليجنك ز‬
‫تهواها و تحجبها ‪.‬‬
‫‪ ㄱ‬أداء الواجبات سبيل إلى رضوان الله عز و جل ‪. .‬‬
‫)) الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم‬
‫درجة عند الله و أولئك هم الفائازون (( ‪ . .‬و النتيجة ؟!! )) يبشرهم ربهم‬
‫برحمة منه و رضوان‬
‫و جنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا ا إن الله عندها أجر عظيم (( ‪. .‬‬
‫‪ ㄱ‬وكذلك الصبر على الطاعة و العبادة يؤدي إلى حصول الرضا من العبد‬
‫على الرب و من الرب على العبد ‪ ،‬و من العبد عن الرب و من الرب عن‬
‫العبد ‪. .‬‬
‫)) فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل‬
‫ح و أطراف النهار لعرلك ترضى (( ‪. .‬‬ ‫غروبها و من آناء الليل فسب ذ ح‬
‫حوا في سبيله ‪ ،‬يرضيهم و يعطيهم‬ ‫ما ض ر‬ ‫* و الله يرضي أهل اليمان و الدين ل ط ر‬
‫يوما القيامة‬
‫حتى يأخذوا كل ما كانوا يرجونه و زيادة ‪. .‬‬
‫قت زيلوا أو ماتوا ليرزقجنهم الله رزقا ا حسنا ا‬‫)) و الذين هاجروا في سبيل الله ثم ي‬
‫خل ا يرضونه و إن الله لعليم حليم‬‫مد ح ط‬
‫و إن الله لهو خير الرازقين * ليدخلجنهم ي‬
‫(( ‪. .‬‬
‫‪ ㄱ‬و إن الصحابة لما جاهدوا في سبيله و اتبعوا نبيه و دافعوا عن شريعته‬
‫و نشروا دينه و بجلغوا شريعته ‪. .‬‬

‫‪70‬‬
‫)) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في‬
‫قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا ا قريبا ا (( ‪. .‬‬
‫دون من حادج الله و رسوله و لو‬ ‫و هؤلء الذين هاجروا في سبيل الله ل يوا ج‬
‫كانوا آباءهم‬
‫أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان و أجيدهم‬
‫حا منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها رضي الله‬ ‫برو ن‬
‫عنهم و رضوا عنه ‪..‬‬
‫فالرضا هنا متبادل بين الرب و العبد ‪. .‬‬
‫و يوما القيامة ستكون العيشة الراضية عاقبة هؤلء و أهل اليمين ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ )) ً:‬فأما من أوتي كتابه بيمينه * فيقول هاؤما اقرؤوا كتابيه * إني‬
‫ق حسابيه * فهو في عيشة راضية (( ‪ ،‬و قال تعالى ‪ )) ً:‬وجوها‬ ‫مل ن‬
‫ظننت أني ي‬
‫ذ ناعمة * لسعيها راضية (( ‪ ،‬و قال تعالى ‪ )) ً:‬يا أجيتها النفس المطمئنة‬ ‫يومئ ن‬
‫* ارجعي إلى ربك راضية مرضجية (( ‪ ،‬و قال تعالى ‪ )) ً:‬و سيججنبها التقى *‬
‫جطزى * إل ابتغاء وجه ربه‬ ‫ة تي ح‬
‫د عندها من نعم ن‬ ‫كى * و ما لح ن‬ ‫الذي يؤتي ماله يتز ج‬
‫ت موازينه *فهو‬ ‫قل ط ح‬
‫العلى * و لسوف يرضى ((‪،‬و قال تعالى ‪ )) ً:‬فأما من ث ط ي‬
‫في عيشة راضية (( ‪. .‬‬
‫‪ ㄱ‬رضا الله عز و جل أعلى مطلوب للنبجيين و الصديقين ‪. .‬‬
‫ب إجني وهن‬ ‫)) ذكر رحمت ربك عبدها زكرجيا * إذ نادى ربه نداءا خفيا ا * قال ر ذ‬
‫ب شقيا ا * و إني خفت‬ ‫العظم مجني و اشتعل الرأس شيبا ا و لم أكن بدعائاك ر ذ‬
‫الموالي من ورائاي و كانت امرأتي عاقرا ا فهب لي من لدنك ولي جا ا * يرثني و‬
‫ضي را ا (( ‪.‬‬
‫بر ز‬‫يرث من آل يعقوب و اجعله ر ذ‬
‫ا‬
‫)) و اذكر في الكتاب إسماعيل إن كان صادق الوعد و كان رسول ا نبيا * و‬
‫كان يأمر أهله بالصلة و الزكاة و كان عند ربه مرضي را ا (( ‪. .‬‬
‫ماذا فعل موسى عندما استعجل لقاء الله ؟! و لماذا استعجل ؟!!‬
‫ت إليك‬ ‫)) و ما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولء على أثري و عجل ي‬
‫ب لترضى (( ‪ ..‬استعجل الخير و اللقاء لينال رضا الله ‪. .‬‬ ‫ر ذ‬
‫و كذلك سليمان عليه السلما لما سمع كلما النملة تبسم ضاحكا ا من قولها ‪،‬‬
‫و قال ‪ً:‬‬
‫ي و أن أعمل‬ ‫ب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ر و على والد ر‬ ‫)) ر ذ‬
‫ا‬
‫صالحا ترضاها (( ‪. .‬‬
‫وكذلك فإن هذا النسان الذي يبلغ أشدها و يبلغ أربعين سنة يقول صاحبه ‪ً:‬‬
‫ي و أن أعمل‬ ‫ي و على والد ر‬ ‫ب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عل ر‬ ‫)) ر ذ‬
‫ا‬
‫صالحا ترضاها (( ‪. .‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ما عبدوا الله يبتغون فضل من الله و رضوانا ‪..‬‬ ‫و هذا مطلوب الصحابة ل ج‬
‫ي عنها هي التي تشفع و الذين ل يرضى‬ ‫و يوما القيامة ‪ ً:‬الفئة هذها المرض ج‬
‫الله عنهم‬
‫ليسوا من أهل الشفاعة ‪. .‬‬
‫ذ ل تنفع الشفاعة إل من أذن له الرحمن و رضي له قول ا (( ‪. .‬‬ ‫)) يومئ ن‬
‫فأهل رضاها يشفعون ‪. .‬‬
‫و قال عز و جل ‪ )) ً:‬و ل يشفعون إل لمن ارتضى (( ‪..‬‬
‫ن لهم دينهم الذي ارتضى لهم (( ‪. .‬‬ ‫و شرع الله لنا دينا ا يرضيه لنا )) و ليم ج‬
‫كن ج‬
‫و من المور التي ينبغي على العبد ‪ ً:‬أن يرضى بما قسم الله له ‪. .‬‬

‫‪71‬‬
‫ن )) * ترجي من‬ ‫ن بالعدل بينه ج‬‫و يعمل الزوج لكي ترضى زوجاته عن عيشه ج‬
‫ن و تؤوي إليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فل جناحا عليك‬ ‫تشاء منه ج‬
‫ن (( ‪..‬‬
‫ن كله ج‬
‫ن و يرضين بما آتيته ج‬
‫ن و ل يحز ج‬
‫ذلك أدنى أن تقرر أعينه ج‬
‫إذا انتقلنا إلى سجنة النبي صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬نجد طائافة من الحاديث‬
‫عن الرضا ‪ً:‬‬
‫‪ ㄱ‬أخبر أن الله يرضى عن العبد يأكل الكلة فيحمدها عليها و يشرب‬
‫الشربة فيحمدها عليها ‪.‬‬
‫‪ ㄱ‬أخبر أن الله رضي لنا أن نعبدها ل نشرك به شيئا ا و أن نعتصم بحبله و أل‬
‫نتفرق ‪،‬‬
‫و كرها لنا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال ‪.‬‬
‫أخبر أن رضا الرب في رضا الوالد ‪.‬‬ ‫‪ㄱ‬‬
‫أخبر أن السواك مطهرة للفم و مرضاة للرب ‪.‬‬ ‫‪ㄱ‬‬
‫أخبر أن من التمس رضا الله بسخط الله رضي الله عنه و أرضى عنه‬ ‫‪ㄱ‬‬
‫الناس ‪.‬‬
‫‪ ㄱ‬أخبر أن ملئاكته تلعن المتمردة على زوجها الناشزة عن فراشه حتى‬
‫يرضى عنها ‪.‬‬
‫‪ ㄱ‬أخبر أنه عندما مات ولدها ل يقول إل ما ييرضي الرب ‪ ،‬فلما مات إبراهيم‬
‫ة أخرى ‪ ،‬و قال ‪ )) ً:‬إن العين‬ ‫جعلت عيناها تذرفان ‪ ،‬ثم أتبع الدمعة بدمع ن‬
‫لتدمع ‪ ،‬و إن القلب ليحزن ‪ ،‬و ل نقول إل ما ييرضي ربنا ‪ ،‬و إنا بفراقك يا‬
‫إبراهيم لمحزونون (( ‪.‬‬
‫‪ ㄱ‬عجلمنا في السجود في الدعاء ‪.‬‬
‫)) نستعيذ برضا الله من سخطه (( ‪.‬‬
‫هذا الرضا شأنه عظيم و أمرها كبير و منزلته في الدين عالية ‪..‬‬
‫ة من المور الصالحات ‪ ،‬هذا الرضا الذي هو‬ ‫ر كثير ن‬‫هذا الرضا عليه مدار أمو ن‬
‫من منازل السائارين و السالكين ‪ ،‬ما حكمه ؟‬
‫ب ؟!‬‫ب ؟! أما مستح ف‬ ‫هل هو واج ف‬
‫قال شيخ السلما ابن تيمجية رحمه الله ‪ ً:‬و أما الرضا فقد تنازع العلماء و‬
‫ب‬
‫المشايخ من أصحاب الماما أحمد و غيرهم في الرضا بالقضاء ‪ ،‬هل هو واج ف‬
‫ب على قولين ‪ ً:‬فعلى الول يكون من أعمال المقتصدين ‪ ،‬و على‬ ‫أو مستح ف‬
‫الثاني يكون من أعمال المقرربين ‪ .‬و الخلصة ‪ ً:‬أن أصل الرضا واجب و‬
‫منازله العليا مستحجبة ‪.‬‬
‫ب أعلى من الصل ‪. .‬‬ ‫ل و مرات ف‬ ‫و الرضا له أص ف‬
‫فيجب الرضا من جهة الصل ‪ ) ً:‬فالذي ليس عندها رضا عن الله و الدين و‬
‫الشرع و الحكاما فهذا ليس بمسلم ن ( ‪..‬‬
‫ة من الرضا ‪ ،‬أصل‬ ‫د يؤمن بالله و اليوما الخر من درج ن‬ ‫ح ن‬‫ل مسلم ن مو ج‬ ‫فلبد لك ذ‬
‫ب ‪ ..‬فقد قال صلى الله عليه و سلم ‪ً:‬‬ ‫فرا ا ؛ لنه واج ف‬ ‫الرضا لبد أن يكون متو ج‬
‫)) ذاق طعم اليمان من رضي بالله ربا ا و بالسلما دينا ا و بمحمد نبيا ا (( ‪..‬‬
‫كموك فيما شجر بينهم ثم ل‬ ‫ح ذ‬‫قال تعالى ‪ )) ً:‬فل و ربك ل يؤمنون حتى ي ي ط‬
‫سذلموا تسليما (( و هذا هو الرضا‬
‫ا‬ ‫ت و يي ط‬‫يجدوا في أنفسهم حرجا ا مما قضي ط‬
‫)) و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله ‪ )) .. ((..‬ذلك‬
‫بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (( ‪..‬‬
‫‪72‬‬
‫حتى المنهجيات لبد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهجيات ؟!‬
‫شطرع الرضا بالمنهجيات طبعا ا ‪..‬‬ ‫ل يي ح‬
‫شطرع محبتها ؛ لن الله ل يرضاها و ل يحبها‪..‬‬ ‫كما ل ت ي ح‬
‫و الله ل يحب الفساد و ل يرضى لعبادها الكفر ‪ ..‬و هؤلء المنافقين ي يب طجيتون ما‬
‫ل يرضى من القول ‪ ،‬بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط‬
‫أعمالهم ‪. .‬‬
‫د صلى‬ ‫فالرضا الثابت بالنص هو أن يرضى بالله ربا ا و بالسلما دينا ا و بمحم ن‬
‫الله عليه و سلم نبيا ا ‪،‬يرضى بما شرعه الله لعبادها من تحريم حراما ن أو إيجاب‬
‫حا ‪ ،‬يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائاه و‬ ‫ب أو إباحة مبا ن‬ ‫واج ن‬
‫ة ‪ ،‬و إن حصل التألم بوقوع‬ ‫ل و يعلم أن ذلك لحكم ن‬ ‫قدرها و يحمدها على كل حا ن‬
‫المقدور ‪..‬‬
‫سه الضراء ؟‪..‬‬ ‫فإن قال قائال ‪ ً:‬لماذا يحمد العبدي رربه على الضراء ؟ إذا م ج‬
‫فالجواب من وجهين ‪ً:‬‬
‫ض عما يقع في‬ ‫ط‬
‫ء خلقه و أتقطنه ‪ ،‬فأنت را ن‬ ‫ن كل شي ن‬ ‫‪ /1‬أن تعلم أن الله أحس ط‬
‫ة‪.‬‬ ‫أفعاله؛ لن هذا من خلقه الذي خلقه ‪ ،‬فالله حكيم لم يفعله إل لحكم ن‬
‫‪ /2‬أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك ‪ ،‬و اختيارها لك خيفر من‬
‫اختيارك لنفسك ‪.‬‬
‫ن‬
‫قال صلى الله عليه و سلم ‪ )) ً:‬و الذي نفسي بيدها ل يقضي الله لمؤم ن‬
‫قضاءا إل كان خيرا ا له (( و ليس ذلك إل للمؤمن )) ذاق طعم اليمان من‬
‫رضي بالله ربا ا ((‬
‫م ‪ ً:‬فالمسلم في أذكار الصباحا و المساء و في أذكار الذان‬ ‫ث عظي ف‬ ‫فهذا حدي ف‬
‫ا‬
‫ت بالله ربا و‬ ‫بعد " أشهد أن محمدا رسول الله " الثانية يقول ‪ )) ً:‬رضي ي‬ ‫ا‬
‫بالسلما دينا ا و بمحمد نبيا ا (( ‪..‬‬
‫رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و النقياد و‬
‫التسليم و لذلك من حصلت له هذها المور الربعة ‪ ً:‬الرضا بربوبيته و ألوهيته‬
‫سبحانه و الرضا برسوله و النقياد له و الرضا بدينه و التسليم له فهو‬
‫ديق حقا ا ‪..‬‬ ‫الص ذ‬
‫ة بالدعوى ‪ ،‬و لكن ما أصعبها عند المتحان !!!‬ ‫و هي سهل ف‬
‫من الرضا بمحبته وحدها و الرضا بعبادته وحدها أن تخافه‬ ‫أما الرضا بالله ‪ ً:‬فيتض ج‬
‫وحدها ترجوها و تتبجتل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيرها و تحب ذلك و‬
‫تفردها بالتوكل عليه و الستعانة به و تكون راضيا ا عما يفعل عز و جل فهذا‬
‫رضا بالله ‪..‬‬
‫ما ‪ ،‬و أن بر‬ ‫ما ‪ ،‬و أن الربا حرا ف‬ ‫كم أن الزنا حرا ف‬ ‫ح ط‬‫در و حكم ‪ ..‬ط‬ ‫ترضى بما ق ج‬
‫ض ‪ ،‬فيجب أن ترضى بحكمه ‪..‬‬ ‫ب ‪ ،‬و أن الزكاة فر ف‬ ‫الوالدين واج ف‬
‫ل ‪ ،‬فيجب أن ترضى ‪..‬‬ ‫ر ‪ ،‬و ضيق حا ن‬ ‫در عليك أشياء من فق ن‬ ‫ق ج‬
‫ا‬
‫د صلى الله عليه و سلم نبيا ‪ ً:‬أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم‬ ‫الرضا بمحم ن‬
‫ا‬
‫لمرها و يكون أولى بك من نفسك ‪ ،‬و أنه لو كان موجودا صلى الله عليه و‬
‫م وجب عليك أن تتلقاها عنه و أن تفتديه بنفسك ‪ ،‬و أن‬ ‫ه إليه سه ف‬ ‫ج ط‬‫سلم و و ذ‬
‫تموت فداءا له ‪.‬‬
‫و ترضى بسجنته فل تتحاكم إل إليها ‪..‬‬
‫حكم إل هي ‪..‬‬ ‫ذ‬ ‫ترضى بسجنته فل ترجع إل إليها و ل ت ي ط‬
‫ي فإنك ترضى‬ ‫ر أو نه ن‬ ‫الرضا بالسلما دينا ا ‪ ً:‬فما في السلما من حكم ن أو أم ن‬
‫سذلم تسليما ا كامل ا لذلك و لو خالف‬ ‫ج و تي ط‬ ‫ي حر ن‬ ‫عنه تماما ا و ليس في نفسك أ ج‬
‫ة و لو كانت عليك‬ ‫ت في غرب ن‬ ‫هواك و لو كان أكثر الناس على خلفه و لو كن ط‬
‫‪73‬‬
‫العداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكاما الدين و تسعى لتنفيذها و إن‬
‫ت العالم ‪..‬‬ ‫خالف ط‬
‫ب من الله أما‬ ‫ه ي‬
‫ي ؟ أي ‪ ً:‬هل ييو ط‬ ‫ي أما كسب ي‬ ‫سؤال ‪ /‬الرضا هل هو شيءف موهب ي‬
‫صل هذا بالمجاهدة و رياضة‬ ‫ح ذ‬‫ي أما العبد ي ي ط‬ ‫يمكن للعبد تحصيله ؟ هل هو فطر ي‬
‫وض نفسه ؟!!‬ ‫النفس إذا ر ر‬
‫ي باعتبار حقيقته ‪..‬‬ ‫ي باعتبار سببه ‪ ،‬موهب ي‬ ‫الرضا كسب ي‬
‫فإذا تمكن العبد في أسباب الرضا و غرس شجرة الرضا في قلبه جنى الثمرة‬
‫‪..‬‬
‫لن الرضا آخر التوكل ‪..‬‬
‫بعدما يعجز التوكل يأتي الرضا ‪..‬‬
‫و الذي ترسخ قدمه في طريق التوكل ينال الرضا ‪..‬‬
‫صل الرضا ‪ ،‬و بدونها ل يحصل الرضا‬ ‫لن بعد التوكل و التسليم و التفويض يح ي‬
‫‪،‬‬
‫و لذلك لو قال أحدهم ‪ ً:‬نريد تحصيل الرضا ‪ ،‬نقول له ‪ ً:‬يجب أن يكون لديك‬
‫ض ثم ينتج الرضا بعد ذلك ‪..‬‬ ‫م و تفوي ف‬ ‫ح و تسلي ف‬ ‫ل صحي ف‬ ‫توك ف‬
‫جب الله على عبادها المنازل العالية من الرضا ؛ لن ذلك شيءف‬ ‫و لذلك لم ييو ز‬
‫صل لها ذلك ‪..‬‬ ‫ب جدا ا ‪ ،‬و أكثر النفوس ربما ل يح ي‬ ‫صع ف‬
‫فالله ندب إليه و لم يوجبه ) ليس أساس الرضا و إنما ما فوق ذلك ( ‪..‬‬
‫فإذا حصل للعبد شيءف فإنه لبد أن يكون محفوفا ا بنوعيه من الرضا ‪ ً:‬رضا‬
‫قبله ‪ ،‬و رضا بعدها ‪..‬‬
‫و كذلك الرضا من الله عز و جل عن العبد إنما هو ثمرة رضا العبد عن الرب‬
‫ت عن الله رضي الله عنك ‪..‬‬ ‫سبحانه ‪ ،‬فإذا رضي ط‬
‫سطتراحا العارفين و حياة المحبين و‬ ‫م ح‬‫جنة الدنيا و ي‬ ‫و الرضا باب الله العظم و ط‬
‫نعيم العابدين و هو من أعظم أعمال القلوب ‪..‬‬
‫قال يحيى بن معاذ لما سئل ‪ ً:‬متى يبلغ العبد إلى مقاما الرضا ؟ قال ‪ )) ً:‬إذا‬
‫مل بها ربه ‪..‬‬ ‫ل ييعا ز‬‫ة أصو ن‬‫أقاما نفسه على أربع ز‬
‫ت ‪ ،‬و إن‬ ‫ت ‪ ،‬و إن تركتني عبد ي‬ ‫ت ‪ ،‬و إن منعتني رضي ي‬ ‫يقول ‪ ً:‬إن أعطيتني قبل ي‬
‫ت ‪.. (( ..‬‬ ‫دعوتني أجب ي‬
‫و الرضا إذا باشر القلب ؛ فإنه يدل على صحة العلم و ليس الرضا و المحبة‬
‫كالرجاء و الخوف ‪ ،‬فمن الفروق أن أهل الجنة مثل ا ل يخافون في الجنة و ل‬
‫يرجون مثل رجاء الدنيا ‪ ..‬لكن ل يفارقهم الرضا أبدا ا ‪..‬‬
‫ف عليهم و ل هم يحزنون (( ‪..‬‬ ‫فإن دخلوا الجنة فارقهم الخوف )) ل خو ف‬
‫في الدنيا هناك خوف ‪ ..‬إذا دخلوا الجنة زال الخوف ‪ ..‬أما الرضا فل يزول ‪..‬‬
‫خارج الجنة و داخلها ‪ ..‬الرضا موجودف ‪..‬‬
‫الخوف و الرجاء في الدنيا ليس موجودا ا عند أهل الجنة يفارقون العبد في‬
‫أحوال‪..‬‬
‫أما الرضا فل يفارق العبد ل في الدنيا و ل في البرزخ و ل في الخرة و ل في‬
‫منوها بدخولهم‬ ‫الجنة ‪ ،‬ينقطع عنهم الخوف ؛ لن الشيء الذي كانوا يخافونه أ ز‬
‫الجنة ‪ ،‬و أما الشيء الذي كانوا يرجونه فقد حصل لهم ‪ ،‬أما الرضا فإنه ل‬
‫ة و هم راضون ‪ ،‬و رضوا عن‬ ‫يزال معهم و إن دخلوا الجنة ‪ ً:‬معيشتهم راضي ف‬
‫الله ‪ ،‬و راضون بثوابه و ما آتاهم في دار السلما ‪..‬‬
‫م عند وقوع مصيبة ؟!‬
‫هل يشترط أن الرضا إذا حصل ل يكون هناك أل ف‬ ‫‪ㄱ‬‬

‫‪74‬‬
‫الجواب ‪ ً:‬ليس من شروط الرضا أل يحس العبد باللم و المكارها ‪ ،‬بل من‬
‫شروط الرضا عدما العتراض على الحكم و أل يسخط ‪ ،‬و لذلك فإن الرضا ل‬
‫يتناقض مع وجود التألم و كراهة النفس لما يحصل من مكروها ‪..‬‬
‫‪ ㄱ‬فالمريض مثل ا يرضى بشرب الدواء مع أنه يشعر بمرارته و يتألم‬
‫ل على أخذها ‪ ،‬لكنه في ذات‬‫ن بأخذها مقب ف‬
‫ض بالدواء مطمئ ف‬
‫لمرارته ‪ ،‬لكنه را ن‬
‫الوقت ي ططح ط‬
‫عم مرارة الدواء ‪..‬‬
‫سرر بذلك ‪ ..‬لكنه يشعر بألم الجوع ‪ ..‬هل‬ ‫‪ ㄱ‬الصائام رضي بالصوما و صاما و ي‬
‫ض بالصياما و‬ ‫ض بالصياما ؟! ل ‪ ..‬هو را ن‬ ‫بشعورها بألم الجوع يكون غير را ن‬
‫يشعر بالجوع ‪..‬‬
‫ما عليه ‪..‬‬ ‫د ف‬ ‫ح‬
‫مق ز‬ ‫ض عند الخروج للجهاد ‪ ..‬و ي‬ ‫* المجاهد المخلص في سبيل الله را ن‬
‫مقتنع به ‪..‬‬
‫لكن يحس باللم ‪ ..‬و التعب ‪ ..‬و الغبار ‪ ..‬و النعاس ‪ ..‬و الجراحا ‪..‬‬
‫إذا ا ل يشترط أن يزول اللم و الكراهية للشيء إذا حصل الرضا ‪ ،‬لكن بعض‬
‫ذون باللم إذا حصل في الجهاد أو الصياما‬ ‫أصحاب المقامات العالية جدا ا يستل ج‬
‫‪..‬‬
‫ض ‪..‬‬
‫لكن ل يشترط أن الفرد إذا أحس باللم في العبادة أن يكون غير را ن‬
‫ليس شرطا ا ‪.,.‬‬
‫ة ‪ ،‬و ليست مشقتها‬ ‫ة جدا ا ‪ ،‬لكن فيها مشق ف‬ ‫ق مختصفر قريب ف‬ ‫و طريق الرضا طري ف‬
‫ة‪،‬‬
‫ة عالي ف‬ ‫أصعب من مشقة المجاهدة ‪ ،‬و لكن تعتريها عقبتان أو ثلث ‪ /1 ً:‬هم ف‬
‫ردي عليها من الله تعالى ‪..‬‬ ‫ة ‪ /3 ،‬توطين النفس على كل ما ي ط ز‬ ‫س زكي ج ف‬ ‫‪ /2‬نف ف‬
‫هل ذلك على العبد إذا عرف ضعفه و قوة ربه ‪ ،‬و جهله و علم ربه ‪،‬‬ ‫و يس ي‬
‫ق به ‪ ،‬باير به ‪ ،‬فهو الببر الرحيم ‪..‬‬ ‫م شفي ف‬ ‫و عجزها و قدرة ربه ‪ ..‬و أن الله رحي ف‬
‫ف ‪ ،‬وهو‬ ‫م وهو رؤو ف‬ ‫م حكي ف‬‫فالعبد إذا شهد هذها المقامات رضي ‪ ،‬فالله علي ف‬
‫صزلح العبد من العبد ‪ ،‬و توقن أن ما اختارها لك هو الفضل و‬ ‫أعلم بما ي ي ح‬
‫الحسن ‪..‬‬
‫ت أحيانا ترد لكن النسان إذا آمن بها وصل إلى المطلوب ‪..‬‬ ‫ا‬ ‫عبارا ف‬
‫ة يبلغها النسان بقلبه و يأخذ بها أجرا ا عظيما ا‬ ‫ت إيماني ف‬ ‫أحيانا ا هناك مقاما ف‬
‫كر فيها فيهتدي إليها فيأخذ‬ ‫ت ) يف ج‬ ‫كرا ن‬ ‫يرتقي بها عند الله وهي عبارةف عن تف ج‬
‫ة ( ‪..‬‬ ‫بها فيحصل على المطلوب فلم يبذل جهدا ا بل هي أشياءف تأملي ف‬
‫كر من أعظم العبادات ‪...‬‬ ‫فالتف ج‬
‫كر العبد أن ما يختارها له ربه هو الحسن و الفضل ‪..‬‬ ‫فإذا تف ج‬
‫فإذا آمن بها النسان رضي ‪..‬‬
‫د ‪ ..‬كيف ؟!‬ ‫ق ن‬‫و تحصيل الرضا غير مع ج‬
‫ء لك ‪ ..‬سواءا كان‬ ‫درها عليك هو أحسن شي ن‬ ‫أن تؤمن بأن ما اختارها الله لك وق ج‬
‫ة ‪..‬‬
‫ك وظيف ن‬ ‫ض أو تر ي‬‫د أو مر ن‬ ‫ت ول ن‬ ‫مو ي‬
‫ء !! أنت ل تعلم لماذا لو أعطاك ليس‬ ‫لكن أنت قد تجهل لماذا هو أحسن شي ن‬
‫مصلحتك !!‬
‫صل المال ‪ ..‬و‬ ‫أنت في حال الفقر ل تعلم لماذا ليس في مصلحتك أن تح ج‬
‫هكذا ‪..‬‬
‫فنتيجة إذا اعترف العبد بجهله و آمن بعلم ربه و أن اختيارها له أولى و أفضل‬
‫و أحسن من اختيارها لنفسه ‪..‬‬
‫وصلنا إلى الرضا ‪..‬‬

‫‪75‬‬
‫ق على فراشه فيصير أماما‬ ‫* فطريق المحبة و الرضا تسير بالعبد و هو مستل ن‬
‫الركب بمراحل !!‬
‫س يعملون و يجهدون و صاحب الرضا بعبادته القلبية يسبقهم‬ ‫هناك أنا ف‬
‫بمراحل ‪،‬‬
‫كر‬‫ض عن الله و يتف ج‬ ‫و هم من خلفه مع أنه على فراشه و هم يعملون ؛ لنه را ن‬
‫س لم يصلوا لهذا المستوى و‬ ‫في هذا المر و يؤمن به فيقترب من الله و أنا ف‬
‫يعملون و يجهدون ‪...‬‬
‫ة جدا ا ؛ لن المرء يمكن يبلغ بها مراتب عند الله و‬ ‫لذلك أعمال القلوب مهم ف‬
‫هو قاعدف ‪..‬‬
‫و هذا ل يعني أل يعمل و ل يصلي ‪..‬‬
‫ا‬
‫س آخرين أكثر منه عمل ) صياما ــ صدقة ــ حج ( ‪ ،‬لكنهم‬ ‫و قد يكون هناك أنا ف‬
‫ة ‪..‬‬
‫أقل منه درج ا‬
‫لماذا ؟!!‬
‫صل مراتب عند الله أكثر منهم ؛ لن‬ ‫لنك بهذا العلم بأعمال القلوب قد تح ج‬
‫ر من الحيان أكثر من عمل الجوارحا …‬ ‫عمل القلب نفسه يرفع العبد في كثي ن‬
‫ا‬
‫فأبو بكر ما سبق أهل هذها المة لنه أكثرهم صلةا و قياما في الليل ‪ ...‬هناك‬
‫قطر في‬ ‫و ط‬
‫ء ط‬
‫س أكثر منه في عمل العبادات و الجوارحا ‪ ...‬لكن سبقهم بشي ن‬ ‫أنا ف‬
‫نفسه ‪..‬‬
‫الرضا عن الله لو تحققت في صدر العبد ؛ تميز بين مستويات العباد و ترفع‬
‫ب‬ ‫طن لها ‪ ..‬كما تعمل بالجوارحا هناك أعمال قلو ن‬ ‫هذا فوق هذا ‪ ..‬ينبغي التف ج‬
‫ة بل هي أعلى منها ‪ ،‬مع الجمع بين الواجب من هذا و ذاك ‪..‬‬ ‫ل تقل أهمي ا‬
‫ج‬ ‫ج‬ ‫ا‬
‫و لكن قد يدرك النسان أحيانا بتفطنه و تأمله و تفكرها و إيمانه مراتب أعلى‬
‫من الذي أكثر منه عمل ا بالجوارحا ‪ ..‬و لذلك يقول ابن القجيم ‪ ))ً:‬فطريق‬
‫ق على فراشه فيصبح أماما الركب‬ ‫الرضا و المحبة تسجير العبد و هو مستل ن‬
‫بمراحل (( " و هو على فراشه " ‪..‬‬
‫ت فمنها ‪ً:‬‬
‫الرضا مقاما ف‬
‫ما ‪..‬‬
‫ن يجيدها بعض العوا ج‬‫‪ /3‬الرضا بما قسم الله و أعطاها من الرزق و هذا ممك ف‬
‫و المرتبة العلى ‪ً:‬‬
‫درها الله و قضاها ‪..‬‬
‫‪ /2‬الرضا بما ق ج‬
‫ة أعلى من هذها ‪..‬‬ ‫و مرتب ف‬
‫‪ /1‬أن يرضى بالله بدل ا من كل ما سواها ‪..‬‬
‫ة و ل يقدر على الخرى ‪ ،‬و قد يأتي البعض‬ ‫هذها منازل قد يأتي البعض بواحد ن‬
‫ء من الدرجة ‪ ..‬و ل يحقق كل الدرجة ‪..‬‬ ‫بجز ن‬
‫قد يرضى عن الله فيما قسم له من الزوجة و ل يرضى بما قسم له في‬
‫الراتب ‪ ..‬مثل ا ‪..‬‬
‫قد يصبر على سرقة المال ‪ ..‬و ل يصبر على فقد الولد ‪..‬‬
‫‪ ㄱ‬و أما أن النسان يرضى بالله عن كل ما سواها ‪ ،‬معنى ذلك أن يهجر كل‬
‫ة ل تقود إلى الله (‬ ‫ها ــ ألعاب ــ أموفر مباح ف‬
‫ء ل يؤدي إلى الله ) مل ن‬
‫شي ن‬
‫ة‬
‫ة خاص ف‬‫فالمشتغل بها ل يعتبر أنه رضي بالله عن كل ما سواها ‪ ..‬هذها حال ف‬
‫ق‬
‫ة كلها طري ف‬ ‫ة أي سكن ن‬ ‫ل أي حرك ن‬‫ء أي عم ن‬‫ص مع الله دائاماا‪ ،‬كل شي ن‬
‫لشخ ن‬
‫إلى الله تؤدي إلى مرضاة الله ‪.‬‬
‫درجات الرضا ‪ً:‬‬
‫‪76‬‬
‫خط عبادة ما دون الله ‪ ،‬و هذا قطب رحا‬ ‫‪ ㄱ‬منها الرضا بالله ربا ا و تس ج‬
‫ه آخر ‪ ) ..‬بوذا ‪ ..‬ما‬
‫السلما لبد منه ‪ ،‬أن ترضى بالله و ل ترضى بأي إل ن‬
‫ا‬
‫يعبدها المشركون ‪ ..‬اليهود ‪ ..‬النصارى ( ‪ ،‬لم يتخذ غير الله ربا يسكن إليه‬
‫في تدبيرها و ينزل به حوائاجه ‪..‬‬
‫ما منه غلة الصوفية المشركون عجباد القبور ‪ ،‬فينزلون‬ ‫‪ ㄱ‬و هذا محرو ف‬
‫كلون‬ ‫حوائاجهم بالولياء و القطاب و يسألونهم و يستغيثون بهم و يتو ج‬
‫عليهم و يرجون منهم ما ل يقدر عليه إل الله ‪..‬‬
‫لو آمنوا بالله حقا ا لطلبوا المدد من الله و لم يذهبوا إلى المخلوقين في‬
‫قبورهم ‪ ،‬يقولون ‪ً:‬‬
‫يا فلن المدد ‪ ،‬يا فلن أغثنا ‪!!..‬‬
‫صصون بالقلوب و قد ضجيعوا الساس‬ ‫ثم يأتي الصوفية و يقولون ‪ ً:‬نحن متخ ج‬
‫‪!!..‬‬
‫ء ((؟ قال ابن عباس ‪ " ً:‬يعني‬ ‫ب كل شي ن‬ ‫ا‬
‫)) قل أ غير الله أبغي ربا و هو ر ب‬
‫ء ؟!! "‬
‫ب كل شي ن‬ ‫سيدا ا و إلها ا ‪ ،‬فكيف أطلب ربا ا غيرها و هو ر ب‬
‫ر السماوات و الرض (( يعني ‪ ً:‬أ غير الله أتخذ‬ ‫)) قل أ غير الله أتخذ وليا ا فاط ز‬
‫معبودا ا‬
‫معينا ا و ملجأ ا ؟!!‬ ‫و ناصرا و ي‬
‫من الحب و الطاعة ‪..‬‬ ‫وليا ا من الموالة التي تتض ج‬
‫صل ا (( هل أرضى‬ ‫)) أ فغير الله أبتغي حكما ا و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مف ج‬
‫حك طم ن آخر يحكم بيني و بينكم غير الله بكتابه و سجنة نبيه صلى اله عليه و سلم‬ ‫ب ط‬
‫‪..‬‬
‫ي يحكم بيننا ‪ ..‬هذا ل يمكن أن‬ ‫فلو قال أحدهم ‪ ً:‬أنا أرضى بالقانون الوضع ج‬
‫دعون الرضا بالله ثم‬ ‫ينطبق عليه أنه يؤمن بالله ربا ‪ !!..‬إذا ا هناك أنا ف‬
‫سي ج‬
‫يخالفون في تعاملتهم قاعدةا و أساسا ا من أعظم السس ‪ ،..‬فإذا رضيت‬
‫م إل لله (( و من خصائاصه‬ ‫حك ح ي‬ ‫ن ال ي‬ ‫كما ا )) إ ز‬ ‫ح ط‬‫بالله ربا ا ‪ ً:‬يجب أن ترضى به ط‬
‫م له سبحانه وحدها ‪..‬‬ ‫حك ح ط‬‫سبحانه ‪ ً:‬أن التحكيم و ال ي‬
‫ا‬
‫دعون الرضا بالله ربا و‬ ‫ت أن كثيرا من الناس ي ج‬ ‫ا‬ ‫ت هذها المور عرف ط‬ ‫ثم إذا تأمل ط‬
‫د نبيا ثم هنا يخالفون حكم الله و يرضون بحكم غيرها و‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫بالسلما دينا و بمحم ن‬
‫ت أخرى ‪ ،‬فأين هم من‬ ‫يخالفون السجنة و هناك يميلون و يوالون أصحاب ديانا ن‬
‫هذها الثلثة ؟؟!!‬
‫و القرآن مليءف بوصف المشركين أنهم اتخذوا من دون الله أولياء !! من‬
‫تماما اليمان صحة الموالة و مدار السلما على أن يرضى العبد بعبادة الله‬
‫وحدها و يسخط عبادة غيرها ‪ ،..‬و الفرق بين الرضا بالله والرضا عن الله ‪ً:‬‬
‫أ ــ الرضا بالله ‪ ً:‬تحدثنا عنه ‪.‬بأنه الله و أنه المعبود فقط ل غيرها و أن الحكم‬
‫له فقط ل لغيرها و أن نرضى بما شرع ‪ .‬و ل يمكن أن يدخل فيه المؤمن و‬
‫الكافر معاا‪ .‬ل يكون إل للمؤمن ‪..‬‬
‫در ‪ ..‬تكون راضيا ا عن ربك‬ ‫ب ــ الرضا عن الله ‪ ً:‬أي ‪ ً:‬ترضى بما قضى و ق ج‬
‫فيما أحدث لك و خطلق من المقادير ‪ ..‬و يدخل فيه المؤمن و الكافر ‪..‬‬
‫فلبد من اجتماع المرين معا ا ‪ ً:‬الرضا بالله و لرضا عن الله ‪ ،‬و الرضا بالله‬
‫ة‬
‫ة بالمؤمنين ‪ .‬و الرضا عن الله مشترك ف‬ ‫أعلى شأنا ا و أرفع قدرا ا ؛ لنها مخت ج‬
‫ص ف‬
‫بين المؤمن و الكافر ؛ لن الرضا بالقضاء قد يصح من المؤمن و الكافر ‪ ،‬فقد‬
‫ض بالقضاء و مسجلم و ل اعتراض عندها ‪،‬‬ ‫ر فتقول ‪ ً:‬هذا را ن‬ ‫تجد تصجرف كاف ن‬
‫ا‬
‫ض بالله ربا ‪.‬‬ ‫لكنه لم ير ط‬
‫‪77‬‬
‫مة ‪ ..‬فمن ل يرضى بالله ربا ا فل يصح‬
‫فالرضا بالله ربا ا آكد الفروض باتفاق ال ج‬
‫ما و ل عم ف‬
‫ل ‪..‬‬ ‫له إسل ف‬
‫‪ ㄱ‬الرضا عن الله ‪ ..‬الرضا بالقضاء ‪ ..‬ما حكمه ؟!‬
‫يجب التفصيل أول ا في قضجية القضاء ‪ً:‬‬
‫ي ‪ ً:‬و هو ما شرعه الله لعبادها )) و قضى ربك أل تعبدوا إل إجياها‬ ‫‪ /1‬قضاءف شرع ي‬
‫و بالوالدين إحسانا (( قضى علينا و شرع ‪ ..‬قد يلتزما العباد به و قد ل‬ ‫ا‬
‫يلتزمون به ‪..‬‬
‫ض ‪ ..‬أو‬ ‫ص ‪ ..‬أو مر ن‬ ‫ت شخ ن‬ ‫ن فيكون ‪ ..‬إذا قضى الله بمو ز‬ ‫ي‬
‫ي ‪ ً:‬ك ح‬ ‫‪ /2‬قضاءف كون ي‬
‫ر ‪ ..‬إذا قضاها فل رادج لقضائاه ‪،‬‬ ‫ل مط ن‬ ‫ر ‪ ..‬أو نزو ز‬ ‫ى ‪ ..‬أو فق ن‬ ‫ء ‪ ..‬أو غن ا‬ ‫شفا ن‬
‫ن فيكون ‪..‬‬ ‫ي ‪ ..‬ل يستخلف ‪ ..‬لبد أن يقع ‪ ..‬ك ي ح‬ ‫قضاءف كون ي‬
‫ا‬
‫فبالنسبة للقضاء الشرعي أن يكون عندنا رضا به قطعا و هو أساس السلما‬
‫ة ‪..‬‬‫ة و ل معارض ن‬ ‫ج و ل منازع ن‬ ‫و قاعدة اليمان ‪ ..‬لبد أن نرضى بدون أي حر ن‬
‫كموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في‬ ‫)) فل و ربك ل يؤمنون حتى يح ج‬
‫ت و يسجلموا تسليما ا (( ‪..‬‬ ‫أنفسهم حرجا ا مما قضي ط‬
‫لكن الرضا بالمقادير التي تقع ‪ ،‬هناك فرقف بين الرضا و الصبر ‪ ،‬الرضا‬
‫بالمقدور‬
‫ة أعلى من الصبر ‪..‬‬ ‫و الصبر على المقدور ‪ ..‬الرضا درج ف‬
‫مل كلما من قال من العلماء إن‬ ‫ح ط‬‫ة ‪ ..‬و على ذلك ي ي ح‬ ‫ة سهل ا‬ ‫ليس الرضا عملي ا‬
‫ب في المقدور ‪..‬‬ ‫الرضا ليس بواج ن‬
‫الله لم يوجب على عبادها أن يرضوا بالمقدور ) المصائاب ( ؛ لن هذها الدرجة‬
‫ل يستطيعها كل العباد ‪ ،‬و لكن أوجب عليهم الصب ‪ ،‬و هناك فرقف بين الرضا‬
‫و الصبر ‪..‬‬
‫قد يصبر النسان و هو يتججرع المرارة و ألم المصيبة ‪ ،‬و يمسك نفسه و‬
‫ء خطأ ن ‪ ،‬فنقول ‪ ً:‬هو صابفر ‪..‬‬ ‫ق الجيب أو قول شي ن‬ ‫يحبسها عن النياحة و ش ج‬
‫لكن هل وصل إلى مرحلة الرضا ؟!!‬
‫يعني هل وصل إلى مرحلة الطمأنينة و الرضا بهذها المصيبة ؟!!‬
‫ليس كل الناس يصلون إلى هذا ‪..‬‬
‫ق الجيب ؛ لن هذا ضد الصبر الواجب‪،‬‬ ‫ل يجوز لطم الخدود و ل النياحة و ل ش ج‬
‫م‬‫فالرضا لم يوجبه الله على كل عبادها ‪ ..‬لكن من وصل إلى الرضا شأنه عظي ف‬
‫‪..‬‬
‫ع ‪ً:‬‬
‫قال شيخ السلما ابن تيمية رحمه الله ‪ ) ً:‬الرضا بالقضاء ثلثة أنوا ن‬
‫ة ‪..‬‬ ‫‪1‬ــ أحدها ‪ ً:‬الرضا بالطاعات ‪ ً:‬و حكمها طاع ف‬
‫ب ‪..‬‬
‫ب أو مستح ي‬ ‫‪2‬ــ الرضا بالمصائاب ‪ ً:‬فهذا مأموفر به ‪ ،‬فهو إما واج ف‬
‫أما الواجب ‪ ً:‬فهو ما يوازي الصبر و هو الدرجة الولى من الرضا ‪..‬‬
‫أما الدرجة العليا من الرضا عند المصيبة التي فيها سكينة النفس التامة ‪ً:‬‬
‫ة من المخلوقين ‪..‬‬ ‫فهذا عزيفز ل يصل إليه إل قل ج ف‬
‫و الله من رحمته لم يوجبه عليهم ؛ لنهم ل يستطيعونه ‪..‬‬
‫ة ‪.. ( ..‬‬‫‪3‬ــ الرضا بالمعصية ‪ ً:‬معصي ف‬
‫‪ ㄱ‬فما حكم الرضا بالكفر و الفسوق و العصيان ؟!‬
‫ما ‪..‬‬
‫ة حرا ف‬
‫ض ‪ ..‬الرضا بالمعصية معصي ف‬
‫يرى في أهله الخبث و هو را ن‬
‫الرضا بالكفر ‪ ..‬كففر ‪..‬‬
‫حكم الرضا بالمعصية ‪ ..‬ل يجوز ‪..‬‬

‫‪78‬‬
‫بل النسان مأموفر ببغض المعصية ‪ ،‬و الله ل يحب الفساد و ل يرضى لعبادها‬
‫الكفر و ل يحب المعتدين و ل يحب الظلم و ل الظالمين ‪..‬‬
‫ثمرات الرضا‪ً:‬‬
‫ت كثيرةف ‪ ..‬على رأسها ‪..‬‬ ‫إن للرضا ثمرا ف‬
‫‪1‬ــ الرضا و الفرحا و السرور بالرب تبارك و تعالى ‪ ..‬و النبي صلى الله عليه‬
‫و سلم كان أرضى الناس بالله و أسجر الناس بربه و أفرحهم به تبارك و تعالى‬
‫‪..‬‬
‫لو‬ ‫ل و رضا و ذ ي‬ ‫ر و توك ن‬ ‫فالرضا من تماما العبودية و ل تتم العبودية بدون صب ن‬
‫ر إلى الله ‪..‬‬ ‫ع و افتقا ن‬ ‫خضو ن‬
‫‪2‬ــ إن الرضا يثمر رضا الرب عن عبدها ‪ ،‬فإن الله عز و جل رضي بمن يعبدها‬
‫ت إليه أقبل‬ ‫ت عليه و طلبطته و تذجلل ط‬ ‫من يعبدها على من يعبدها و إذا ألحح ط‬ ‫ع ج‬
‫عليك‪.‬‬
‫م و الحزن و شتات القلب و كسف البال و‬ ‫م و الغ ج‬ ‫ج‬
‫‪3‬ــ الرضا يخلص من اله ج‬
‫سوء الحال ‪ ،‬و لذلك فإن باب جنة الدنيا يفطتح بالرضا قبل جنة الخرة ؛‬
‫فالرضا يوجب طمأنينة القلب و ب طحردها و سكونه و قرارها بعكس السخط الذي‬
‫يؤدي إلى اضطراب القلب و ريبته و انزعاجه و عدما قرارها‬
‫ة ل تتنجزل عليه بغيرها و ل أنفع له منها ؛‬ ‫زل على قلب العبد سكين ا‬ ‫فالرضا ين ز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫لنه متى ما نزلت على قلب العبد السكينة ‪ ً:‬استقاما و صلحت أحواله و صلح‬
‫ش ‪..‬‬
‫ب عي ن‬ ‫ة و طي ز‬ ‫ع ن‬‫ن و دط ط‬ ‫باله ‪ ،‬و يكون في أم ن‬
‫‪4‬ــ الرضا يخجلص العبد من مخاصمة الرب في الشرائاع و الحكاما و القضية ‪..‬‬
‫ي‬
‫مر بالسجود عصى ؟ رفض ؟‬ ‫مثل ا إبليس لما أ ز‬
‫دى‬ ‫ب ؟ ‪ ..‬فعدما الرضا من إبليس أ ج‬ ‫ر خلقطته من ترا ن‬ ‫ض ‪ ..‬كيف أسجد لبش ن‬ ‫لم ير ط‬
‫ض على أمر الله ‪ ..‬فإذا منافقو عصرنا الذين ل يرضون بحكم الله‬ ‫ا‬
‫إلى اعترا ن‬
‫ة مع الرب‬ ‫دد الزوجات في كل مقالتهم في مخاصم ن‬ ‫في الربا و الحجاب و تع ج‬
‫سبحانه ‪ ..‬لماذا ؟!!! … كلمهم يدور على مخاصمة الرب في شرعه و إن لم‬
‫يصجرحوا بهذا ‪ ! ..‬فالرضا يخجلص النسان من هذها المخاصمة ‪..‬‬
‫عر العبد بعدل الرب ‪..‬و لذلك كان صلى الله‬ ‫ش ز‬ ‫‪5‬ــ الرضا من العدل ‪ ..‬الرضا ي ي ح‬
‫ي قضاؤك (( ‪ ..‬و الذي ل يشعر بعدل الرب فهو‬ ‫لف ر‬ ‫عليه و سلم يقول ‪ )) ً:‬عد ف‬
‫م ‪ ،‬فالله أعدل العادلين حتى في العقوبات ‪..‬‬ ‫جائافر ظال ف‬
‫عطترض عليه‬ ‫دل في قضائاه و عقوباته فل ي ي ح‬ ‫ة ‪،‬فالله ع ط‬ ‫فقطع يد السارق عقوب ف‬
‫ل في قضائاه و ل في عقوباته ‪..‬‬
‫ء أخطأك و أنت تحبه و تريدها ‪..‬‬ ‫ت شي ن‬ ‫‪6‬ــ و عدما الرضا إما ‪1 ً:‬ــ لفوا ز‬
‫ء أصابك و أنت تكرهه و تسخطه ‪ ..‬فيحصل للشخص الذي ليس‬ ‫‪2‬ــ أو لشي ن‬
‫ب إذا نزل به ما يكرها و فاته ما يحب حصل له أنواع‬ ‫ق و اضطرا ف‬ ‫عندها رضا قل ف‬
‫ا‬
‫الشقاء النفسي‪ ،‬و إذا كان راضيا لو نزل به ما يكرها أو فاته ما يحب ما شقي‬
‫و ل تأجلم ؛ لن الرضا يمنع عنه هذا اللم ‪ ،‬فل هو يأسى على ما فاته و ل يفرحا‬
‫بما أوتي ‪ )) ..‬لكيل تأسوا على ما فاتكم و ل تفرحوا بما آتاكم (( ‪..‬‬
‫در‬‫* الرضا مفيدف جدا ا أن المرء ل يأسف على ما فاته و ل يحزن و ل يتك ج‬
‫ب ‪..‬‬ ‫على ما أصابه ؛ لنه مقدجفر مكتو ف‬
‫ش و الحقد و الحسد ؛ لن المرء إذا لم‬ ‫‪7‬ــ الرضا يفتح باب السلمة من الغ ج‬
‫ن ‪ ..‬فيبقى دائاما ا عينه ضيق ف‬
‫ة‬ ‫ن و فل ن‬‫ض بقسمة الله سيبقى ينظر إلى فل ن‬ ‫ير ط‬
‫و حاسدف‬

‫‪79‬‬
‫ن زوال النعمة عن الخرين ‪ ..‬و السخط يدخل هذها الشياء في قلب‬ ‫و متم ي‬
‫صاحبه ‪..‬‬
‫ك في قضاء الله و قدرها و حكمته و علمه ‪ ..‬فتكون‬ ‫‪8‬ــ الرضا يجعلك ل تش ج‬
‫م مهما حصل ‪ ..‬لكن النسان الساخط يش ج‬
‫ك‬ ‫مستسلما ا لمرها معتقدا ا أنه حكي ف‬
‫و يوسوس له الشيطان ما الحكمة هنا و هنا ؟؟‪!! ..‬‬
‫و لذلك ) الرضا و اليقين ( أخوان مصطحبان ‪..‬‬
‫ك ( توأمان متلصقان ‪!! ..‬‬ ‫و ) السخط و الش ج‬
‫ت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل ‪ ،‬فإن لم تستطع فإن‬ ‫‪ ㄱ‬إذا استطع ط‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫في الصبر خيرا كثيرا ‪..‬‬
‫‪9‬ــ من أهم ثمرات الرضا ‪ ً:‬أنه يثمر الشكر ‪. . .‬‬
‫ج‬
‫ص و حظه‬ ‫قه منقو ف‬ ‫نوح ج‬ ‫فصاحب السخط ل يشكر ‪ ..‬فهو يشعر أنه مغبو ف‬
‫س ‪ !! ..‬لنه يرى أنه ل نعمة له أصل ا ‪!!..‬‬ ‫مبخو ف‬
‫السخط نتيجة كفران المنعم و النعم ‪!!!..‬‬
‫الرضا نتيجة شكران المنعم و النعم ‪!!!..‬‬
‫‪10‬ــ الرضا يجعل النسان ل يقول إل ما يرضي الرب ‪..‬‬
‫ض على الرب ‪ ،‬و ربما يكون فيه‬ ‫السخط يجعل النسان يتكجلم بما فيه اعترا ف‬
‫حا في الرب عز و جل ‪..‬‬ ‫قد ف‬
‫ع للهوى ‪..‬‬ ‫صاحب الرضا متججردف عن الهوى ‪ ..‬و صاحب السخط مجتب ف‬
‫و ل يجتمع الرضا و اتباع الهوى ‪ ،‬لذلك الرضا بالله و عن الله يطرد الهوى ‪..‬‬
‫ف مع اختيار الله ‪..‬‬ ‫صاحب الرضا و اق ف‬
‫س أن عندها كنفز إذا رضي الله عنه أكبر من الجنة ‪..‬‬ ‫يح ج‬
‫ن من الله أكبر (( ‪..‬‬ ‫لن الله عندما ذكر نعيم الجنة قال ‪ )) ً:‬و رضوا ف‬
‫رضا الله إذا حصل هو أكبر من الجنة و ما فيها ‪..‬‬
‫ة ‪ ..‬و صفة الله أكبر من مخلوقاته كلها ‪..‬‬ ‫و الرضا صفة الله و الجنة مخلوق ف‬
‫ت تجري من تحتها النهار خالدين فيها‬ ‫)) وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنا ن‬
‫ن من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم‬ ‫ن و رضوا ف‬ ‫ت عد ح ن‬‫ة في جنا ز‬ ‫ن طيب ا‬
‫و مساك ط‬
‫((‪..‬‬
‫رضا الله أكبر من الجنة ‪!!!..‬‬
‫‪11‬ــ الرضا يخجلص العبد من سخط الناس ‪ ..‬لن الله إذا رضي عن العبد‬
‫أرضى عنه الناس ‪ ..‬و العبد إذا سعى في مرضاة الله ل يبالي بكلما الناس ‪..‬‬
‫أما المشكلة إذا سعى في مرضاة الناس فسيجد نفسه متعبا ا ؛ لنه لن‬
‫ء ‪ ..‬أما من يسعى لرضا الله فل يحسب‬ ‫يستطيع إرضاءهم فيعيش في شقا ن‬
‫ب نفسيا ‪ ..‬و لو وصل إليه كلما الناس فلن‬ ‫ا‬ ‫ب و لن يتع ط‬ ‫لكلما الناس أي حسا ن‬
‫يؤذطيه نفسيا ا و لن يبالي ماداما الله راضيا عنه ‪..‬‬
‫ا‬
‫‪12‬ــ الله يعطي الراضي عنه أشياءط لم يسألها ‪ ،‬و ل تكون عطايا الله نتيجة‬
‫الدعاء فقط ماداما في مصلحته ‪..‬‬
‫ل قليبه من الوساوس‬ ‫‪13‬ـ الرضا يفجرغ قلب العبد للعبادة ‪ ..‬فهو في صلته خا ن‬
‫كز و‬ ‫‪ ..‬في الطاعة غير مشجتت الذهن ‪ ..‬فيستفيد من العبادة ‪..‬الرضا ير ج‬
‫في الذهن فينتفع صاحبه بالعبادة ‪..‬‬ ‫يص ج‬
‫ب مع بقية أعمال القلوب الصالحة ‪ ،‬فأجرها ل ينقطع‬ ‫ن عجي ف‬ ‫‪14‬ــ الرضا له شأ ف‬
‫ة ‪..‬‬ ‫ة معين ن‬‫و ليس له حدي بخلف أعمال الجوارحا ‪ ،‬فأجرها له حدي تنتهي بمدج ن‬
‫فعمل الجوارحا محدودف ‪ ..‬لكن عمل القلب غير محدوند ‪..‬‬

‫‪80‬‬
‫ب ‪ ..‬أما أعمال القلوب فل‬ ‫فأعمال الجوارحا تتضاعف على حدي معلوما ن محسو ن‬
‫ينتهي تضعيفها و إن غابت عن بال صاحبها ‪ ..‬كيف ؟؟!!‬
‫ض عن الله و عن قضائاه ‪ ،‬عرضت له‬ ‫كر بذهنه و قلبه أنه را ن‬ ‫ض يف ج‬ ‫ن را ن‬ ‫إنسا ف‬
‫ة فانشغل ذهنه بها ‪ ..‬العلماء يقولون ‪ ً:‬أجر الرضا ل ينقطع و‬ ‫ة حسابي ج ف‬ ‫مسأل ف‬
‫ن‬
‫ء ثا ن‬‫ن ؛ لن أصله موجودف و لو انشغل القلب بشي ن‬ ‫ء ثا ن‬
‫غل الذهن بشي ن‬ ‫ش ز‬ ‫إن ي‬
‫الن ‪..‬‬
‫ل نتيجة هذا الخوف ‪ ،‬لو انشغل‬ ‫ن يخاف الله ‪ ،‬أحيانا ا يحصل له بكاءف و وج ف‬ ‫إنسا ف‬
‫مد جراحا ولدها و نسي موضوع التأمل في الخوف و ما يوجب‬ ‫باله مع ولدها يض ج‬
‫ي مركوفز‬ ‫ف‬ ‫ا‬
‫البكاء و الخشية فلزال أجرها على الخوف مستمجرا ؛ لنه عمل قلب ي‬
‫ه أجرها بل هو مستمير ‪ ..‬و هذا من عجائاب أعمال القلوب ‪. .‬‬ ‫في الداخل لم ينت ز‬
‫‪.‬‬
‫ضح لماذا أجر أعمال القلوب أكثر من أجر أعمال الجوارحا ‪،‬‬ ‫و هذا يمكن أن يو ذ‬
‫ا‬
‫مع أنه لبد من أعمال الجوارحا طبعا ‪ ..‬لنه إذا لم يكن هناك أعمال جوارحا‬
‫ب ‪..‬‬ ‫ر ف‬ ‫فالقلب خ ز‬
‫‪ ㄱ‬هل الرضا يتنافى ) يتعارض ( مع الدعاء ؟!!‬
‫ل ‪ ..‬لسبب أن الدعاء يرضي الله و هو مما أمر الله به ‪..‬‬
‫ة ل يكون راضيا ا ؟!!‬ ‫‪ ㄱ‬هل النسان إذا دعا أن يزيل الله عنه مصيب ا‬
‫الجواب ‪ ً:‬ل ‪ ..‬ليس هكذا ‪ ..‬لن الله قال ‪ )) ً:‬ادعوني أستجب لكم ((‬
‫و قال ‪ )) ً:‬يدعون ربهم خوفا ا و طمعا ا (( يدعون ربهم يريدون نعما ا و دف ط‬
‫ع‬
‫نقم ن ‪.‬‬
‫ة ‪ ..‬فلن الله قال ‪ ً:‬ادعوني و لن الدعاء‬ ‫ع مضجر ن‬
‫ة أو دف ز‬ ‫ب منفع ن‬ ‫الدعاء لجل ز‬
‫يرضي الله ‪ ،‬فإن الدعاء ل يتعارض مع الرضا ‪..‬‬
‫ا‬
‫وضه خيرا ‪ ،‬لم‬ ‫فالمرء لو كان راضيا ا بالمعصية و سأل الله أن يزيل أثرها أو يع ج‬
‫ض الدعاءي الرضا ‪ ..‬لن الله أمرنا أن نسأله الرزق فقال ‪ )) ً:‬فابتغوا عند‬ ‫يعار ز‬
‫الله الرزق (( ‪..‬‬
‫‪ ㄱ‬هل الرضا يتنافى مع البكاء على المجيت ؟!!‬
‫بو‬ ‫ن مستح ي‬ ‫قال شيخ السلما ‪ ) ً:‬البكاء على الميت على وجه الرحمة حس ف‬
‫عطرف‬ ‫ذلك ل ينافي الرضا ‪ ،‬بخلف البكاء عليه لفوات حظه منه ( ‪ ..‬و بهذا ي ي ح‬
‫ة جعلها الله‬ ‫قوله صلى الله عليه و سلم لما بكى على الميت ‪ )) ً:‬إن هذها رحم ف‬
‫في قلوب عبادها و إنما يرحم الله من عبادها الرحماء ‪..‬‬
‫و ينبغي أن نفجرق ؛ لن النبي صلى الله عليه و سلم لما رأى ولدها إبراهيم‬
‫سفا ا على فقد الولد !!‪..‬‬ ‫ة أو تأ ج‬
‫يموت بكى لماذا بكى ؟‪ ..‬رحم ا‬
‫ذ‬
‫و إن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه إل لرحمة الميت ‪ ،‬فإن الفضيل بن‬
‫ت أن‬‫عياض لما مات ابنه علي ضحك و قال ‪ ) ً:‬رأيت أن الله قد قضى ‪ ،‬فأحبب ي‬
‫ن بالنسبة لهل الجزع ‪ ،‬و أما‬ ‫ل حس ف‬ ‫أرضى بما قضى الله به ( ‪ ..‬فحاله حا ف‬
‫ل كما قال صلى الله‬ ‫رحمة الميت مع الرضا بالقضاء و حمد الله على كل حا ن‬
‫عليه و سلم فهذا أكمل ‪..‬‬
‫ة بالميت أو‬ ‫فإذا قيل ‪ ً:‬أيهما أكمل ‪ ً:‬النبي صلى الله عليه و سلم بكى رحم ا‬
‫الذي من السلف ضحك ؟؟!!‬
‫بكاء رحمة الميت مع حمد الله و الرضا بالقضاء أكمل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ )) ً:‬ثم‬
‫كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة (( فذكر الله‬
‫التواصي بالصبر‬
‫و التواصي بالمرحمة ‪..‬‬
‫‪81‬‬
‫ة ) ما فيه رحمة ( ‪.‬‬ ‫الناس أربعة أقساما ن ‪1 ً:‬ــ منهم من يكون فيه صبفر بقو ن‬
‫ة ) ينهار ( ‪.‬‬‫ة بقو ن‬
‫‪2‬ــ و منهم من يكون فيه رحم ف‬
‫‪3‬ــ و منهم من يكون فيه القسوة و الجزع ) جمع الشر من‬
‫الطرفين ( ‪.‬‬
‫‪4‬ـ المؤمن المحمود الذي يصبر على ما يصيبه و يرحم الناس‬
‫‪.‬‬
‫و مما يجب أن يعلم أنه ل يسوغ في العقل و ل في الدين طلب رضا‬
‫المخلوقين‬
‫ق ؛ لوجهين ‪1 ً:‬ــ أحدهما أن هذا غير ممكن ‪ ،‬كما قال الشافعي ‪ ) ً:‬رضا‬ ‫بإطل ن‬
‫ة ل ت يدحطرك ( ‪ ،‬فعليك بالمر الذي يصلحك فالزمه و دع ما سواها و ل‬ ‫الناس غاي ف‬
‫تعازنه …‬
‫ق أن‬‫‪2‬ــ أجننا مأمورون أن نتحجرى رضا الله و رسوله )) و الله و رسوله أح ب‬
‫ي يحرضوها ((‪..‬‬
‫‪ ㄱ‬هل نحن مكجلفون أن نرضي الناس كلهم ؟!!‬
‫ن ‪2،‬ــ لننا مكجلفون بإرضاء الله‬ ‫ج‬
‫ل ‪ ،‬لسنا مكلفين ؛ لسببين ‪1 ً:‬ــ لنه غير ممك ن‬
‫و ليس بإرضاء الناس ‪..‬‬
‫ذكر السلف رحمهم الله أقوال ا في الرضا ‪ً:‬‬
‫ب أن ييرضى‬ ‫‪1‬ــ قال أبو الدرداء رضي الله عنه ‪ ) ً:‬إن الله إذا قضى قضاءا أح ر‬
‫قطبل العباد ( ‪..‬‬ ‫به من ز‬
‫‪2‬ــ قال ابن مسعود رضي الله عنه ‪ ) ً:‬إن الله بقسطه و عدله جعل الرروحا و‬
‫ك ( ‪..‬‬ ‫م و الحزن في الش ج‬ ‫الفرحا في اليقين و الرضا و جعل اله ج‬
‫ت و ما لي سروفر إل في‬ ‫‪3‬ــ قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله ‪ ) ً:‬أصبح ي‬
‫مواضع القضاء و القدر ( ‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬و من وصل إلى هذها الدرجة‬ ‫فينعكس هذا على نفسه انشراحا ا و طمأنين ا‬
‫ر أو أنثى و هو‬ ‫ر )) من عمل صالحا ا من ذك ن‬ ‫كان عيشه كله في نعيم ن و سرو ن‬
‫ة (( ‪..‬‬ ‫ن فلنحييجنه حياةا طيب ا‬ ‫مؤم ف‬
‫‪4‬ــ قال بعض السلف ‪ ) ً:‬الحياة الطيبة هي الرضا و القناعة ( ‪..‬‬
‫د رحمه الله ‪ ) ً:‬الرضا باب الله العظم و جنة الدنيا‬ ‫‪5‬ــ قال عبد الواحد بن زي ن‬
‫عدح يشعر باللم ‪..‬‬ ‫مستراحا العابدين ( ‪ ..‬و ربما رضي المبتلى حتى لم ي ط ي‬ ‫و ي‬
‫ب ‪!..‬‬ ‫قحر ز‬ ‫ل ي‬ ‫دها ن طي ح ي‬
‫ع ي‬
‫و بي ح‬ ‫ب***‬ ‫عذابه فيك عذ ي‬
‫‪6‬ــ و كذلك قال عمر بن الخطاب لبي موسى رضي الله عنهما ‪ ) ً:‬أما بعد ‪ً:‬‬
‫ت أن ترضى و إل فاصبر( ‪ ..‬هذا مما‬ ‫فإن الخير كله في الرضا ‪ ،‬فإن استطع ط‬
‫ة أعلى من الصبر ‪..‬‬ ‫دما أن الرضا منزل ف‬ ‫تق ج‬
‫في العبد المؤمن‬ ‫و ذ‬‫‪7‬ــ و قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ‪ ) ً:‬إذا ت ي ي‬
‫ة من الجنة ‪ ،‬فيقال ‪ ً:‬اخرجي أيتها النفس‬ ‫مطلكين و تحف ا‬ ‫أرسل الله إليه ط‬
‫ض ( ‪..‬‬ ‫ك را ن‬ ‫ب عن ز‬
‫نور ي‬ ‫حا و ريحا ن‬ ‫و ن‬‫المطمئنة إلى طر ح‬
‫ض بالقضاء فليس لحمقه‬ ‫‪8‬ــ و قال ميمون بن مهران رحمه الله ‪ ) ً:‬من لم ير ط‬
‫دواءف (( ‪..‬‬
‫ل على‬ ‫ي إنما تستد ج‬ ‫‪9‬ــ و نقل عبد الله بن المبارك رحمه الله عبارة ‪ ) ً:‬يا بن ج‬
‫سن رضاها‬ ‫ح ح‬
‫سن توكله على الله فيما ناطبه ‪ ،‬و ل ي‬ ‫ح ح‬ ‫ء ‪ ً:‬ل ي‬ ‫تقوى الرجل بثلثة أشيا ن‬
‫سن زهدها فيما فاته ( ‪..‬‬ ‫ح ح‬ ‫فيما آتاها ‪ ،‬و ل ي‬
‫منزلة الرضا هي التي تثمر محبة الله و النجاة من النار و الفوز بالجنة و‬
‫ن العبد بربه و النفس المطمئجنة و الحياة الطيبة ‪..‬‬ ‫سن ظ ج‬ ‫ح ح‬ ‫رضوان الله و ي‬
‫‪82‬‬
‫و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و صلى الله على نبينا محمد و على آله‬
‫و صحبه و سلم تسليما ا كثيرا ا ‪...‬‬

‫‪83‬‬
‫سلسلة أعمال القلوب‬

‫جد‬
‫للشيخ محمد بن صالح المن ج‬

‫الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ..‬وبعد‪..‬‬
‫‪84‬‬
‫فإن الله جعل الصبر جوادا ا ل يكبو‪ ،‬وصـارما ا ل ينبـو‪ ،‬وجنـدا ا ل ييهـزما‪ ،‬وحصـنا ا‬
‫حصـــينا ا ل ييهـــدما‪،‬وهـــو مطجيـــة ل يضـــل راكبهـــا فهـــو والنصـــر أخـــوان‬
‫دة ول عــدد‪،‬‬ ‫شقيقان‪،‬فالنصر مع الصبر‪ ،‬وهو أنصر لصاحبه من الرجــال بل عــ ج‬
‫ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد‪ ،‬وهو ســبيل النجــاحا والفلحا‪ ،‬وهــو‬
‫فضيلة يحتاج إليه النسان في دينه ودنياها‪ ،‬فحال النسان إما بين صــبر علــى‬
‫أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذها ‪ ،‬ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه‪ ،‬وقــدر يجــري‬
‫عليه اتفاقاا‪ ،‬ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها‪ ،‬وإذا كــانت هــذها الحــوال ل‬
‫تفارقه فالصبر لزما إلى الممات‪ ،‬فالحيــاة ل تســتقيم إل بالصــبر‪ ،‬فهــو دواء‬
‫المشكلت لدار البتلء‪ ،‬والصبر زاد المجاهد إذا أبطأ عنه الصبر‪ ،‬وزاد الداعيــة‬
‫إذا أبطأ عنه الناس بالجابة‪ ،‬وزاد الع الم ف ي زمـن غربـة العلـم‪ ،‬ب ل هـو زاد‬
‫الكبير والصغير ‪ ،‬والرجــل والمــرأة ‪ ،‬فبالصــبر يعتصــمون وإليــه يلجئــون وبــه‬
‫ينطلقون‪.‬‬
‫قال الماما أحمد – رحمه الله – في كتاب الزهد عن عمــر بــن الخطــاب رضــي‬
‫الله عنه ‪ )) ً:‬وجدنا خير عيشنا بالصــبر((‪،‬إن اللــه وصــف الصــابرين بأوصــاف‬
‫صهم بخصائاص لم تكن لغيرهم‪،‬وذكر الصبر في نحــو تســعين موضــعا ا مــن‬ ‫وخ ج‬
‫الكتاب الكريم‪ ،‬وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له‪.‬‬
‫إن للصابرين معجية مع الله ‪ ،‬ظفروا بها بخير الدنيا والخرة‪ ،‬وفازوا بها بنعمة‬
‫الله الظاهرة والباطنة ‪ ،‬وجعل الله سبحانه المامة في الدين منوطة بالصــبر‬
‫واليقين فقال تعالى‪} ً:‬وجعلنا منهم أئامة يهــدون بأمرنــا لمــا صــبروا وكــانوا‬
‫بآيتنا يوقنون{‪ ،‬قال شيخ السلما ابن تيمية رحمه الله ‪ )) ً:‬بالصبر واليقين ؛‬
‫يتنال المامة في الدين((‪.‬‬
‫تعريف الصبر‬
‫الصبر لغة‪ ً:‬الحبس والكف‪ ،‬قـال تع الى‪} ً:‬واصـبر نفسـك مـع الـذين ي دعون‬
‫ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه{‪ ،‬يعني احبــس نفســك معهــم‪ ،‬والصــبر‬
‫حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشــكي والجــوارحا عــن لطــم الخــدود‬
‫وشق الثياب ونحوهما‪ ،‬ويقال صبر يصبر صبراا‪ ،‬وصطبر نفسه‪.‬‬
‫والصبر في الصطلحا الشرعي‪ ً:‬حبس النفس على فعل شــيء أرادها اللــه أو‬
‫عن فعل شيء نهى الله عنه فهو صبر على شيء أمر به الله وصبر عن شيء‬
‫نهى الله عنه ‪ ،‬جعل الله فيه الجر العظيم لمــن أراد بــه وجهــه‪ ،‬وكافــأ أهــل‬
‫الجنة لنهم صــبروا ابتغــاء وجــه ربهــم ‪ ،‬والصــبر فيــه معنــى المنــع والشــدة‬
‫ن‪ ،‬و تصجبر رجل يعني تكجلف الصبر وجاهد نفسه عليه وحمل نفسه على‬ ‫والض ج‬
‫هذا الخلق‪ ،‬وصجبرها إذا حملها على الصبر وهو ثبات على الدين إذا جاء بــاعث‬
‫الشهوات ‪ ،‬وهو ثبات على الكتاب والسنة ‪ ،‬لن من أخذ بهما فقــد صــبر علــى‬
‫المصائاب وصبر على العبادات وصبر علــى اجتنــاب المحرمــات ‪ ،‬فهــذها أنــواع‬
‫الصبر الثلثة إذاا‪ً:‬‬
‫‪ -1‬صبر على طاعة الله‪.‬‬
‫‪ -2‬صبر عن معصية الله‪.‬‬
‫‪ -3‬صبر على أقدار الله المؤلمة‪.‬‬
‫هذا الصبر عجلق القرآن الفلحا عليــه فقــال اللــه ســبحانه وتعــالى‪ } ً:‬يــا أيهــا‬
‫الــذين آمنــوا اصــبروا وصــابروا واتقــوا اللــه لعلكــم تفلحـون{‪ ،‬فعل جــق الفلحا‬
‫بمجموع هذها المور ‪،‬ونهى عن ما يضاد الصبر فقال ‪} ً:‬فاصبر كما صبر أولو‬
‫العزما من اليرســل ول تســتعجل لهــم {‪ ،‬كمــا قــال‪} ً:‬ول تهنــوا ول تحزنــوا{‪،‬‬
‫وكذلك فإنه سبحانه وتعالى أخــبر عـن مضـاعفة الجــر للصــابرين ‪ } ً:‬أولئــك‬
‫يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا{‪ ،‬وإذا كانت العمال لها أجــر معلــوما محــدود‬
‫‪85‬‬
‫فى الصــابرون أجرهــم بغيــر‬ ‫فإن الصبر أجرها ل حد له ‪ ،‬قال تعالى‪} ً:‬إنمــا يــو ج‬
‫حساب{‪ ،‬قال سليمان بن القاسم‪ً:‬كل عمل يعرف ثوابه إل الصبر لجل هــذها‬
‫فى الصابرون أجرهــم بغيــر حســاب{‪ ،‬قــال ‪ ً:‬كالمــاء المنهمــر‪،‬‬ ‫الية}إنما يو ج‬
‫وعلق الله المامة في الدين علــى الصــبر وعلــى اليقيــن كمــا مــجر فــي اليــة‬
‫‪،‬وجعل الله الظفــر بمعيــة الصــبر فقـال‪ } ً:‬إن اللــه مـع الصـابرين{‪ ،‬وجعــل‬
‫للصــابرين أمــورا ا ثلثــة لــم يجعلهــا لغيرهــم‪ ،‬وهــي الصــلة منــه والرحمــة‬
‫والهداية}وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصــيبة قــالوا إنــا للــه وإنــا إليــه‬
‫راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون{‪.‬‬
‫وجعــل الصــبر ســبحانه وتعــالى عونــا ا وعــدة وأمــر بالســتعانة بــه‪ ،‬فقــال ‪ً:‬‬
‫}واستعينوا بالصبر والصلة {‪ ،‬فمن ل صبر له؛ ل عون له‪ ،‬وعجلق النصر علــى‬
‫الصبر والتقوى فقال تعالى‪} ً:‬بلى إن تصبروا وتتقــوا ويــأتوكم مــن فــورهم‬
‫هذا يمددكم ربكم بخمسة آلف من الملئاكة مسومين{‪ ،‬وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) ً:‬واعلم أن النصر مع الصبر((‪،‬وجعل سبحانه الصــبر والتقــوى جنــة‬
‫عظيمة من كيد العدو ومكرها فقال ‪ }ً:‬وإن تصبروا وتتقــوا ل يضــركم كيــدهم‬
‫شيئاا{‪ ،‬وأخبر أن ملئاكتـه تسـجلم فـي الجنـة علـى الصـابرين فق ال‪} ً:‬سـل ف‬
‫ما‬
‫عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار{‪ ،‬وجعل اللــه الصــبر منزلــة فــوق منزلــة‬
‫قب لمن عاقبه بمثــل العقوبــة فهــو أفضــل وأكــثر أجــرا ا فقــال‪ } ً:‬وإن‬ ‫المعا ز‬
‫عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيفر للصابرين{‪ ،‬فتأمـل‬
‫ما أخرى للتأكيد)لهو(‪.‬‬ ‫هذا التأكيد )لئن( اللما ول ف‬
‫ورتب المغفرة والجر الكبير على الصبر مع العمل الصالح فقال ‪}ً:‬إل الــذين‬
‫صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير{‪ ،‬وجعــل الصــبر علــى‬
‫المصائاب من عزما المور وهذها مرتبة ل ينالها أي أحد فقال عز وجل ‪}ً:‬ولمن‬
‫صبر وغفر إن ذلك لمن عزما المور{‪ ،‬وأوصى لقمان الرجل الصــالح الحكيــم‬
‫ولدها بأن يصبر على ما أصــابه فــي ســبيل اللــه ‪}ً:‬يــا بنــي أقــم الصــلة وأمــر‬
‫بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزما المور{‪.‬‬
‫ووعد الله المؤمنين بالنصر والظفر‪ ،‬وهي كلمتــه الــتي ســبقت لهــم نالوهــا‬
‫مــت كلمــة ربــك الحســنى علــى بنــي إســرائايل بمــا‬ ‫بالصبر فقال تعالى‪} ً:‬وت ج‬
‫صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون{‪.‬‬
‫وعجلق تعالى محبته بالصبر ‪ ،‬وجعلهــا لهــل الصــبر فقــال‪} ً:‬وكــأين مــن نــبي‬
‫قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ومــا ضــعفوا ومــا‬
‫استكانوا والله يحب الصــابرين{‪ ،‬وأخــبر عــن خصــال مــن الخيــر ل يلقاهــا إل‬
‫الصــابرون فقــال تعــالى فــي أهــل العلــم الــذين علمــوا قــومهم المفتــونين‬
‫بقــارون ‪} ً:‬ويلكــم ثــواب اللــه خيــر لمــن آمــن وعمــل صــالحا ول يلقاهــا إل‬
‫الصابرون{‪ ،‬وعند الدفع بالتي هي أحسن} وما يلقاها إل الــذين صــبروا ومــا‬
‫يلقاهــا إل ذو حــظ عظيــم{‪ ،‬وأخــبر أنــه ل ينتفــع بآيــاته ول يســتفيد منهــا إل‬
‫صاحب الصبر المكثر منه فأتى به بصيغة المبالغة فــي قــوله تعــالى ‪ }ً:‬ولقــد‬
‫أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النــور وذكرهــم بأيــاما‬
‫الله إن في ذلك ليات لكل صجبار شكور{‪ ،‬وفي سورة لقمـان قـال‪} ً:‬ألـم تـر‬
‫أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك ليــات لكــل‬
‫صبار شكور{‪ ،‬وبعد قصة سبأ قال‪}ً:‬فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممــزق‬
‫إن في ذلك ليات لكل صبار شكور{‪ ،‬وفي ذكر النعمــة بالســفن علــى العبــاد‬
‫تنقل أنفسهم وبضائاعهم قال‪} ً:‬ومن آياته الجوار في البحر كالعلما إن يشأ‬
‫يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهرها إن في ذلك ليات لكل صبار شكور{‪،‬‬
‫فهذها أربع مواضع في القرآن الكريم تدل على أنــه ل ينتفــع باليــات إل أهــل‬
‫‪86‬‬
‫الصبر والشكر‪ ،‬الدين كلــه صــبر وشـكر‪ ،‬اليمـان نصــفان صـبر وشــكر‪ ،‬حيـاة‬
‫المسلم كلها صبر وشكر‪،‬ماذا يوجد فــي الطاعــات والعبــادات والتقــرب إلــى‬
‫الله غير الصبر والشكر‪..‬؟!‬
‫وأثنى الله على عبدها أيوب بأحسن الثناء لنه صبر فقال‪} ً:‬إنا وجدناها صــابرا ا‬
‫واب{‪ ،‬فمدحه بقوله نعم العبد لنه صبر‪ ،‬وحكم الله بالخســران‬ ‫نعم العبد إنه أ ج‬
‫حكما ا عاما ا على من لم يكن من أهل الصبر فقال‪} ً:‬والعصر*إن النسان لفي‬
‫خسر*إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصــوا بــالحق وتواصــوا بالصــبر{‪،‬‬
‫وخص الله أهل الميمنة) أصحاب اليمين( بأنهم أهل الصبر والمرحمــة فقــال‬
‫تعالى‪} ً:‬ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة{‪ ،‬وقرن‬
‫الصبر بأركان السلما ومقامات اليمان فقرنه بالصــلة فقــال‪} ً:‬واســتعينوا‬
‫بالصبر والصلة{‪ ،‬وقرنه بالعمال الصالحة فقال‪ } ً:‬إل الذين صبروا وعملوا‬
‫ق ويصبر {‪ ،‬وقرنه بالتواصــي‬ ‫الصالحات{‪ ،‬وقرنه بالتقوى فقال ‪} ً:‬إنه من يت ز‬
‫بالحق فقال‪ } ً:‬وتواصوا بالحق وتواصــوا بالصــبر{‪ ،‬وقرنــه بالرحمــة فقــال‪ً:‬‬
‫} وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة{‪ ،‬وقرنه باليقين فقال‪ } ً:‬لمــا صــبروا‬
‫وكانوا بآياتنا يوقنــون{‪ ،‬وقرنــه بالصــدق فقــال‪ } ً:‬والصــادقين والصــادقات‬
‫والصابرين والصابرات{‪ ،‬فنعم المنزلة منزلة الصبر ونعم الخلق خلــق الصــبر‬
‫ونعم أهله أهل الصبر ‪ ،‬فالصبر طريــق الجنــة‪} ً:‬أما حســبتم أن تــدخلوا الجنــة‬
‫ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلـوا حـتى‬
‫يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله أل إن نصر الله قريب{‪.‬‬
‫هذا الصبر العناية به في القرآن الكريم كــبيرة جــدا ا دليل ا علــى أهميتــه‪ ،‬دليل ا‬
‫على أنه خلق عظيم‪ً:‬‬
‫ن وإن طالت‬‫ل تيأس ج‬
‫مطالبة‬
‫إذا استعنت بصبر أن ترى‬
‫الفرج‬
‫أخلق بذي الصبر أن‬
‫يحظى بحاجته‬
‫ومدمن القرع للبواب أن‬
‫يلج‬
‫وقل من جد في أمر‬
‫يحاوله‬
‫واستصحب الصـبر إل فاز‬
‫بالظفر‬
‫والصبر لدخول الجنة وسبب النجاة من النار‪ ،‬فالجنة حفــت بالمكــارها‪ ،‬والنــار‬
‫حفت بالشهوات‪ ،‬فكيف تدخل الجنة بدون صبر على المكــارها؟ ‪ ،‬وكيــف تقــي‬
‫نفسك النار بدون صبر عن الشهوات؟‪ ،‬وقد نجبه شيخ السلما ابن تيمية رحمه‬
‫الله على المعنى اللطيف في هذا الحديث‪ ،‬حفت الجنة بالمكارها؛ علمنا أنه ل‬
‫فت‪ ،‬من جميع الجهات‪ ،‬فإذا ما ركبت‬ ‫ح ج‬
‫طريق للجنة إل عبر المكارها‪ ،‬لنه قال ي‬
‫المكارها ل تدخل الجنة‪ ،‬والمكارها هي ما تكرهه النفس من المجاهــدة اللزمــة‬
‫لداء العبــادات) صــلة الفجــر – الوضــوء فــي الــبرد‪ -‬الصــبر علــى المصــائاب‪-‬‬
‫‪87‬‬
‫الجهاد ‪،(....‬فل يمكن دخول الجنة إل باختراق المكارها‪ ،‬ول يمكن اختراقها إل‬
‫بالصبر‪ ،‬وأما النار فإنها حفت بالشهوات‪ ،‬ول يمكن منع النفس مــن الــدخول‬
‫في النار إل إذا صبر عن المعاصي وامتنع عن المعصية وحبس نفسه عن ذلك‬
‫فهذها إذا ا فضائال هذا الخلق الكريم‪.‬‬
‫ما حكم الصبر؟‬
‫أصل الصبر واجب‪ ،‬الصبر من حيث الجملة واجب‪ ،‬والله أمــر بــه } واســتعينوا‬
‫بالصبر والصلة{}اصبروا وصابروا{‪ ،‬ونهــى عــن ضــدها}ول تســتعجل لهــم{‬
‫}فل تولــوهم الدبــار{}ول تبطلــوا أعمــالكم{‪ ،‬ورتــب عليــه خيــري الــدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬لكن عندما نأتي إلى التفصيل فالصبر منه ما هو صــبر واجــب‪ ،‬يــأثم‬
‫النسان إذا لم يصبر ومنه ما هو صبر مســتحب فهــو واجــب فــي الواجبــات و‬
‫واجب عن المحرمات و مستحب عن المكروهات و إذا صبر عن المستحب ولم‬
‫يفعله فصبرها مكروها ‪ ،‬ومما يدل علىأن الصبر قد يكون لزما ا قول الله تعالى‪ً:‬‬
‫}ولئن صبرتم لهو خير للصابرين{‪،‬فهذا يدل على أن الصبر قد ل يكون لزما ا‬
‫كقوله ‪} ً:‬وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل مــا عــوقبتم بــه ولئــن صــبرتم لهــو خيــر‬
‫للصابرين{‪ ،‬فما حكم الصبر هنا ؟‪ ،‬أنت مخجير بين أن تعاقب من عاقبــك؟‪ ،‬مــا‬
‫الحكم الشرعي؟‪،‬يجوز لك القصاص فتنتق م منـه بمثـل م ا ظلمـك‪ ،‬م ا حكـم‬
‫الصبر وعدما النتقاما؟‪ ،‬مستحب ‪ ،‬فإذا ا لــو قلــت مــا حكــم الصــبر علــى صــلة‬
‫الفجر؟ ‪ ،‬واجب‪ ،‬ما حكم الصبر عند المصيبة بمنع النفس عن النياحة؟ واجب‪،‬‬
‫ما حكم الصبر عن النتقاما ممن أساء إليك بمثل ما أساء؟ مستحب‪..‬‬
‫فالصبر إذا ا منه ما يكون واجبا ا ومنه ما يكون مستحبا ا والصبر جــاء فــي صــيغة‬
‫المفاعلة في القرآن فقال } وصابروا{‪ ،‬وهذها عادة ما تكون إل بين طرفين‬
‫}وصابروا{‪ ،‬فمعنى ذلك أن هناك مغالبات بين المسلم والعدو‪ ،‬وأننا لبــد أن‬
‫نصابر أنفسنا على باطلهم وعلى جهادهم وعلــى مقــاتلتهم ومرابطتنــا فــي‬
‫الثغور وثباتنا عليها حتى ل ينفذوا إلينا من هذها الجهات فهذا صبر مهــم جــدا ا‬
‫‪..‬‬
‫الصبر نوعان ‪ً:‬‬
‫‪ -1‬بدني ‪.‬‬
‫‪ -2‬نفسي‪.‬‬
‫وكل منهما قسمان ‪ ً:‬اختياري واضطراري‪ ،‬فصارت القسمة أربعة‪..‬‬
‫‪ -1‬بدني اختياري‪ ً:‬تعاطي العمال الشاقة‪.‬‬
‫‪ -2‬بدني اضطراري‪ ً:‬الصبر على ألم الضرب‪ ،‬لنه يضرب وماله حيلة إل الصبر‪.‬‬
‫‪ -3‬نفسي اختياري‪ ً:‬صبر النفس عن فعل مال يحسن شرعاا‪ ،‬مكروها مث ا‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -4‬نفسي اضطراري‪ً:‬صبر النفس عن فقد المحبوب الذي حيل بينها وبينه بحيث‬
‫لو لم تصبر هذا الصبر لوقعت في الجزع المحرما أو النياحة أو لطم الخدود أو‬
‫شق الجيوب أو قص وحلق الشعور ونحو ذلك‪.‬‬
‫والبهائام تشارك النسان في النوعين الضطراريين ولكن الصــبر الختيــاري‬
‫هو الذي يميز النسان عن البهيمة‪ ،‬فقال رجل من أهل الحكمة‪ )) ً:‬ما غلبني‬
‫رجل كما غلبني شاب من مرو‪ ،‬قال لي مرة ما الصبر‪ ،‬قلت ‪ ً:‬إن وجــدنا أكلنــا‬
‫وإن فقدنا صبرنا‪ ،‬قال ‪ ً:‬هذا مــا تفعلــه كلب مــرو عنــدنا!‪ ،‬قلــت فمــا الصــبر‬
‫عندكم؟ قال‪ ً:‬إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا وأعطينا لغيرنــا((‪ ،‬فــإذا ا هنــاك‬
‫صبر تشارك فيه البهائام النسان ولكن هناك صبر يتفوق به المسلم النســان‬
‫على البهيمة والدابة ‪ ،‬وقد تجد من الكفار من يصبر على المصائاب ويتجلد ول‬
‫ينهار ولكن ل يرجو من وراء ذلك جزاء من عند ربه ول أجرا ا يوما القيامة‪..‬‬

‫‪88‬‬
‫وكذلك فإن الصبر متعلــق بــالتكليف لن اللــه ابتلــى العبــاد بواجبــات لبــد أن‬
‫يفعلوها ومحرمات لبد أن يتركوها‪ ،‬وأقدار لبد أن يصــبروا عليهــا‪،‬فل يقعــوا‬
‫في الجزع والتسخط و شكوى الخالق إلى المخلوقين‪.‬‬
‫وقد ورد الصبر في السنة أيضا ا في مواضع متعددة‪ً:‬‬
‫‪ -1‬بشر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يصــبر علــى فقــد عينيــه بالجنــة ‪)) ً:‬إن‬
‫الله تعالى قال إذا ابتليــت عبــدي بحبيبــتيه ثــم صــبر عوضــته منهمــا الجنــة((‬
‫]رواها البخاري[‪.‬‬
‫‪ )) -2‬ومال عبد مؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفجيه من أهل الدنيا ثم احتســبه إل‬
‫الجنة((‪.‬‬
‫‪ -3‬لما مرضت المة السوداء بالصرع جاءت تشتكي للنبي صلى الله عليــه وســلم‬
‫ت صــبرتي‬ ‫فقالت ‪ ً:‬إني يأصرع وإني أتكشف فاد ي‬
‫ع الله لــي‪ ،‬قــال ‪ )) ً:‬إن شــئ ز‬
‫ك(( فقـالت‪ ً:‬أصـبر ولكـن ادع اللـه‬ ‫ولك الجنة‪ ،‬وإن شئت دعوت الله أن يعافي ز‬
‫لي أل أتكشف‪ .‬فدعا لها فكانت تصرع ول تتكشف‪] .‬متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ -4‬ورد في السنة ما يفيد أن الصبر خلق يمكن تحصيله‪ ،‬فهناك أناس جبلهم الله‬
‫على الصبر وبعضهم جبله على قليل منه‪ ،‬فلو كان عند المرء نقــص فــي هــذا‬
‫العمــل مــن أعمــال القلــوب فيمكــن تحصــيله بــالمران والرياضــة النفســية‬
‫والتدريب عليه والمجاهدة‪ ،‬فهو شــيء ممكــن اكتســابه وليــس شــيئا ا فطريــا ا‬
‫فقط ل يمكن الزيادة عليه‪ ،‬والدليل على أن الصبر خلق مكتسب وليس خلــق‬
‫فطري فقط أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم قــال‪ )) ً:‬ومــن يتصــجبر يصــجبرها‬
‫الله((‪ ،‬فقد يكون إنسان جزع بأصل طبعه لكن لما علــم فضــل الصــبر وأجــرها‬
‫وأهميتــه ومكــانته فــي الــدين قــرر أل يمــر بحــادث وموقــف فــي حيــاته إل‬
‫ويستعمل الصبر ويجاهد نفسه عليه ويجبرها عليه حتى تصبح صجبارة‪.‬‬
‫‪ -5‬بينت السنة أن الصبر للمؤمن خير عظيم‪ ،‬إذا أصابته ضراء يكون الخير له‪.‬‬
‫‪ -6‬بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصبر ضياء ‪ ،‬كما جاء في حديث مسلم‬
‫فقال‪)) ً:‬الصلة نور‪ ،‬والصـدقة برهــان‪ ،‬والصـبر ضـياء والقــرآن حجــة لـك أو‬
‫عليك((‪.‬‬
‫‪ -7‬لما مر النبي صلى الله عليه وسلم عند امرأة تبكي عند قبر فــأراد أن يعظهــا‬
‫فقــال لهــا ‪ )) ً:‬اتقــي اللــه واصــبري(( قــالت‪ ً:‬إليــك عنــي فإنــك لــم تصــب‬
‫بمصيبتي‪ ،‬ولم تعرفه‪.‬فلما مضى صلى اللــه عليــه وســلم لــم يشــأ أن يجــادل‬
‫المرأة في هذها الحالة‪ ،‬وهذا هو الموقف الصحيح للداعية في مثل هذا الحــال‬
‫‪ ،‬فلما مضى صلى الله عليه وسلم قيل لها إنه النبي صـلى اللـه عليـه وسـلم‬
‫فأخذها مثل الموت لنه ردت عليه هذا الــرد وهــو نــبي اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم فأتت بابه لتعتذر فلم تجد عندها بوابين ول حرس مــن تواضــعه فقــالت‬
‫معتــذرة ‪ ً:‬لــم أعرفــك‪ .‬فقــال‪ )) ً:‬إنمــا الصــبر عنــد الصــدمة الولــى((‪].‬رواها‬
‫البخاري[‪.‬‬
‫‪ -8‬كذلك لما مات أبو سلمة ‪ ،‬ماذا تقول أما سلمة وزوجها بهــذها المكانــة الكــبيرة‬
‫في نفسها‪ ،‬قالت ما تعلمته سابقاا‪)) ً:‬إنا لله وإنا إليه راجعون ‪ ،‬اللهم آجرنــي‬
‫في مصيبتي واخلف لي خيرا ا منها((‪ ،‬ولما مات زوجها وجاءت لتقول العبارة‬
‫فقالت أي المســلمين خيــر مــن أبــي ســلمة؟بعــدما رأت مــن حســن معشــرها‬
‫وطيب خصاله‪،‬ولنها مؤمنة قالت ما تعلمته‪ ،‬قالت‪ ً:‬فأخلف اللــه لــي رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فقد خطبها وتزوجها ‪.‬‬
‫‪ -9‬وإذا صبر العبد على فقد الولد‪ ،‬يقول صلى الله عليه وسلم ‪ )) ً:‬إذا مــات ولــد‬
‫العبد قال الله لملئاكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعــم‪ ،‬قــال قبضــتم ثمــرة‬
‫فؤادها فيقولون نعم‪ ،‬فيقول ماذا قــال عبــدي‪ ،‬فيقولــون حمــدك واســترجع‪،‬‬
‫‪89‬‬
‫فقال‪ ً:‬ابنوا لعبدي بيتا ا في الجنة وســموها بيــت الحمــد((‪ .‬فل يقبــض لمــؤمن‬
‫صفي من أهل الرض فيصبر ويحتسب إل وكان له ثواب إل الجنة‪.‬‬
‫كذلك فالناس يبتلون على حسب دينهم وعلــى حســب صــبرهم )) أشــد‬ ‫‪-10‬‬
‫الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان‬
‫دينه صلبا ا وعندها صبر قوي زيد له في البلء ليزداد أجــراا((‪.‬يــوما القيامــة يــود‬
‫أهل العافية عندما يعطى أهل البلء الثــواب ويقســم عليهــم ‪ ،‬الــذين صــبروا‬
‫فــي الــدنيا‪،‬يتمنــون لــو أن جلــودهم كــانت قرضــت فــي الــدنيا بمقــاريض‪!..‬‬
‫]الحديث في الترمذي وحسنه اللباني[‪.‬‬
‫ج‬ ‫ا‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم مما ورد في سنته أيضا وعلمنا إياها تمهيد‬ ‫‪-11‬‬
‫نفسي للمواجهة ‪ )) ً:‬إن من ورائاكم أياما الصبر للمتمسك فيهن يومئــذ بمــا‬
‫أنتم عليــه أجــر خمســين منكــم((‪ .‬أيــاما الصــبر هــي أيــا ما البتلء فــي الــدين‬
‫والشهوات المستعرة والشبهات المســتحكمة ومــع ذلــك المــرء صــابر لــدينه‪.‬‬
‫ل إل الصــبر‪.‬‬ ‫فســماها أيــاما الصــبر لنــه ل يســتعمل فيهــا إل الصــبر ول حــ ج‬
‫المؤمنون في مكة ابتلوا فيأتي الصحابي فيأتي الصحابي يقول للنبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم ادع الله لنا ‪ ،‬أل تستنصر لنا؟‪ ،‬فصبرهم صلى الله عليه وسلم‬
‫بأنه كان من قبلهم كان الرجل ييحفر له في الرض فيجــاء بالمئشــار فيوضــع‬
‫على رأسه فيشق اثنتين‪ ،‬وما يصدها ذلك عن دينه‪ ،‬ويمشط بأمشاط الحديد ما‬
‫بين لحمه وعظمه وعصبه ما يصدها ذلك عن دينه‪ .‬فهناك مواقف والصــبر هــو‬
‫القائاد وهو الملذ والحصن الحصين ‪ ،‬من دخله عصم‪..‬‬
‫الناس في الصبر أنواع وهذا تقسيم شيخ السلما ابن تيمية لنه سبر نفــوس‬
‫الناس حسب ما رأى من الدين‪ً:‬‬
‫‪ -1‬أهل الصبر والتقوى‪ ،‬وهم الذين أنعم الله عليهم من أهل السعادة في الــدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬صبروا على طاعته وصبروا على ترك محارمه‪.‬‬
‫‪ -2‬ناس عندهم تقوى بل صبر‪ ،‬فقد يكــون هنــاك رجــل عابــد زاهــد قــواما صــواما‬
‫متصدق منفق ذاكر قانت لكن إذا نزلت به المصيبة ينهار‪ ،‬فعنــدها تقــوى لكــن‬
‫إذا نزلت به مصيبة انهار‪ .‬يقول ابن الجوزي‪ ً:‬رأيت كبيرا ا قارب الثمانين كــان‬
‫يحافظ على الجماعة فمات ولد لبنته فقال ما ينبغــي لحــد أن يــدعو فــإنه ل‬
‫يستجيب‪ .‬فإذا ا من الناس من عندها عبــادة لكــن ل يصــبر ول يتجلــد ول يقــاوما‬
‫عند المصيبة فينهار‪ .‬بل إن أحد هؤلء قال‪ ً:‬عندي كذا أولد ل أخشــى عليهــم‬
‫إل منه!‪ -‬تعالى الله انظر إلى الكفر إذا وصــل إلــى درجــات فــي هــذا البــاب ‪،‬‬
‫سوء ظنه بالله‪ ،‬ماذا تنفع الصلة وهذها عقيــدته الــتي فــي قلبــه؟ }قــل مــن‬
‫يكلكم بالليل والنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظــونه مــن أمــر‬
‫الله{‪ .-‬إذا ا الذي ليس عندها صبر ل تنفعه عبادته‪.‬‬
‫‪ -3‬ناس لــديهم صــبر بل تقــوى‪ .‬مثــل الفجــار لكنهــم جلــدين يصــبرون علــى مــا‬
‫يصيبهم ككثير من اللصوص وقطــاع الطــرق يصــبرون علــى اللما والمشــاق‬
‫لنيل الحراما‪ ،‬وكذلك طلب الرياسة والعلو ‪ ،‬يصبرون على أنــواع مــن الذى ل‬
‫يصبر عليها أكثر الناس‪.‬فهو من أجل أن يصل إلى هدفه يضيع صلوات ويأكل‬
‫حراما ول يبالي فعندها صبر بل تقوى وغالب هــؤلء ل يرجــون مــن اللــه جــزاء‬
‫على صبرهم‪ ،‬فالصبر لديهم خلق مفطــورين عليــه‪ .‬ويوجــد مــن الكفــار مــن‬
‫يتججلد عند المصيبة فقد جاء مدحا الروما في حديث عمرو بن العاص‪ )) ً:‬أســرع‬
‫الناس إفاقة بعد مصيبة((‪ ،‬تقع عليهم الكارثــة فيســتدركونها بســرعة‪ ،‬ومــن‬
‫تأمل ما حدث لهم وهم النصارى بعد الحرب العالميــة الولــى والثانيــة‪ ،‬كيــف‬
‫تهدمت بلدهم فما أسرع ما أعادوا بنائاها و أعادوا مسيرة القتصــاد و النتـاج‬
‫والزراعة والصناعة وقد مات منهم أكثر من ‪ 40‬مليــون ‪.‬قــال‪ ً:‬وكــذلك أهــل‬
‫‪90‬‬
‫المحبة للصور المحرمة من العشق‪ ،‬يصبرون على ما يهــوونه مــن المحرمــات‬
‫من أنواع الذى‪ ،‬فربما هذا المعشوق يجعل العاشق يتعذب من أجله ويشــتغل‬
‫لجلــه ويحــاول إرضــائاه بشــتى الطــرق ‪ ،‬فعنــدها صــبر ولكــن بل تقــوى‬
‫وهكذا‪،..‬وقد يصبر الرجل على ما يصــيبه مــن مصــائاب كــالمرض والفقــر ول‬
‫يكون فيه تقوى إذا قدر ‪ ،‬إذا قدر صار جبارا ا شقياا‪.‬‬
‫‪ -4‬وهو شر القســاما‪ ،‬ل يتقــون إذا قــدروا ول يصــبرون إذا ابتلــوا }إن النســان‬
‫خلق هلوعا ا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا{‪.‬‬
‫مراتب الصبر‬
‫والصبر مراتب فالصبر على طاعة الله أعلى منزلة من الصــبر عــن المعاصــي‬
‫والصبر عن المعاصي أعلــى منزلــة مــن الصــبر علــى القــدار‪ .‬فالصــبر علــى‬
‫الواجبات أعلى أنواع الصبر لن جنس فعل الواجبات أعلى درجة عند الله من‬
‫جنــس تــرك المحرمــات ‪ ،‬وأجــر تــرك المحرمــات أكــبر مــن أجــر الصــبر علــى‬
‫المصائاب ‪ ،‬لن الصبر على الواجب والصبر على ترك الحراما عملية اختياريــة‪،‬‬
‫لكن لما نزلت ب ه المصـيبة ‪ ،‬ش يء ب دون اختيـارها‪ ،‬ليـس ل ه إل كـف النفـس‬
‫والصبر‪ .‬فقال شيخ السلما ابن تيمية رحمه الله عن يوسف عليه الســلما‪" ً:‬‬
‫كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شــأنها الــذي دعتــه إليــه مــن‬
‫ب"‪ ،‬فصــبرها علــى‬ ‫الحــراما أكمــل مــن صــبرها علــى إلقــاء أخــوته لــه فــي الجــ ج‬
‫الفاحشة أكمل وأعظم وأكثر أجرا ا من صبرها على الســجن وإلقــاء أخــوته لــه‬
‫لن الول فيه شيءاختياري وصبرها عليها صبر رضا ومحاربة للنفس ل ســيما‬
‫مع وجود السباب القوية المزينة للحراما فكان شابا ا أعزبا ا وغريبا ا عند البلد و‬
‫عبدا ا مملوكــا ا والمــرأة جميلــة وصــاحبة منصــب وهــي الــتي دعتــه فســقطت‬
‫الحواجز النفسية ثم استعانت عليــه بكيــد النســوة وهــددته بالســجن ‪ ،‬ثــم إن‬
‫زوجهــا ليســت عنــدها غيــرة }يوســف أعــرض عــن هــذا واســتغفري لــذنبك{‪،‬‬
‫غجلقت البواب وغاب الرقيب‪ ،‬فصار داعي الزنا قوي جــدا ا جــدا ا ولكنــه صــبر‬ ‫و ي‬
‫عليه الصلة و السلما‪،‬أما المور الخرى مــن الســجن وإلقــاء أخــوته لــه فــي‬
‫ب فجرت عليه بغير اختيارها ول كسب له فيها‪.‬‬ ‫الج ج‬
‫مجالت الصبر‬
‫الصبر على بلء الــدنيا }لقــد خلقنــا النســان فــي كبــد{ مشــقة وعنــاء وبلء‬ ‫‪-1‬‬
‫وفتن‪ ،‬والله تعالى قال‪}ً:‬ولنبلونكم بشيء مـن الخــوف والجــوع ونقــص مـن‬
‫الموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين{‪.‬‬
‫الصبر علــى مشــتهيات النفــس }يــا أيهــا الــذين آمنــوا ل تلهكــم أمــوالكم ول‬ ‫‪-2‬‬
‫أولدكم عن ذكر الله { ‪ ،‬ولذلك قال بعض السلف‪ " ً:‬ابتلينا بالضــراء فصــبرنا‬
‫وابتلينا بالسراء فلم نصبر‪."!..‬وقالوا‪ " ً:‬البلء يصبر عليــه المــؤمن والعافيــة‬
‫ديق"‪ .‬والصبر على مشتهيات النفس لبــدج أن يكــون مــن‬ ‫ل يصبر عليها إل ص ج‬
‫وجوها أربعة كما قال ابن القيم رحمه الله ‪ً:‬‬
‫‪ -1‬أن ل يركن إليها ول يغتجر بها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائاها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يصبر على أداء حق الله فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ل يصرفها في حراما‪.‬‬
‫الصبر عن التطلع إلى ما بيد الخرين‪ ،‬وعن الغترار بما ينعمون به مــن مــال‬ ‫‪-3‬‬
‫وبنين‪ ،‬فبعــض قــوما قــارون مــا صــبروا فقــالوا‪} ً:‬يــاليت لنــا مثــل مــا أوتــي‬
‫قارون{ ‪ ،‬والله تعالى قال‪} ً:‬أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نســارع‬
‫دن عينيك إلى ما متعنا بــه أزواجــا ا‬ ‫لهم في الخيرات بل ل يشعرون{‪} ،‬ول تم ر‬
‫‪91‬‬
‫منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه{‪ } ،‬إنما أعطيناهم لنفتنهم ورزق ربك‬
‫خيفر وأبقى{‪.‬‬
‫الصـــبر علـــى طاعـــة اللـــه‪ ،‬وهـــذا أعظـــم أنـــواع الصـــبر وأشـــدها علـــى‬ ‫‪-4‬‬
‫النفوس} فاعبدها واصطبر لعبادته{‪ ،‬اصطبر أكمل وأبلغ من اصــبر فالزيــادة‬
‫في المبنى تدل علــى الزيــادة فــي المعنــى }وأمــر أهلــك بالصــلة واصــطبر‬
‫عليها{ على الصلة وعلى أمر الزوجة بالصلة‪ ،‬والصبر على الطاعة لــه ثلث‬
‫أحوال‪ً:‬‬
‫قبل الطاعة بتصحيح النية وطرد شوائاب الرياء ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ح ال الطاعـة أن ل تغفـل عـن اللـه فيهـا ول تتكاسـل عـن أدائاهـا وتراع ي‬ ‫‪-2‬‬
‫واجباتها وأركانها والخشوع في الصلة‪.‬‬
‫مع بــه فــي‬‫ســ ج‬
‫جــب بــه وت ي ط‬
‫بعــد الفــراغ منهــا بــأن ل تفشــي مــا عملــت ويتع ط‬ ‫‪-3‬‬
‫ن والذى{‪} ،‬ول تبطلوا أعمالكم{‪.‬‬ ‫المجالس}ل تبطلوا صدقاتكم بالم ج‬
‫ف على الدعاة‬ ‫الصبر على مشاق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فإنه غير خا ن‬ ‫‪-5‬‬
‫حال الناس اليوما من البعد عن الدين و البعد هذا يستلزما دعوة كبيرة وإنكــارا ا‬
‫للمنكرات وصدع بالحق ‪ ،‬عمر بن عبد العزيز لما استشعر المسؤولية الكــبيرة‬
‫في تغيير النحرافات المتراكمة من سنوات طويلة في العهود السابقة قــال‬
‫‪" ً:‬إني أعاجل أمرا ا ل يعين عليه إل الله"‪.!..‬فنوحا عليه السلما صبر هذا الصبر‬
‫العظيم في الدعوة ‪ 950‬سنة ‪ ،‬ألف سنة إل خمسين عاما ا علــى جميــع أنــواع‬
‫البتلءات }دعوت قومي ليل ا ونهارا ا فلم يزدهــم دعــائاي إل فــرارا ا {‪ ،‬وهكــذا‬
‫سرا ا وجهارا ا ماترك فرصة إل قاما بالدعوة‪ ،‬ثم الدعوة ليست عملية سهلة لن‬
‫النسان يجد كيد من العــداء وحســد حــتى مــن النــاس الــذين يظنهــم معهــم‬
‫والقريبين منــه علــى مــا آتــاها اللــه مــن فضــله فيتمنــون أن يوقــع بــه ويضــر‬
‫ويتوقــف ولــذلك لبــد للداعيــة أن يصــبر فــي الــداخل والخــارج‪ ،‬القريــبين‬
‫والبعيدين‪ ،‬مع الناس الذين هم ضدها علنــا ا أو الــذين يضــمرون لــه الشــر فــي‬
‫ن مـن الــذين أوتـوا‬ ‫داخل أنفسهم‪} ،‬لتبلون في أموالكم وأنفســكم ولتسـمع ج‬
‫ى كــثيرا ا { ‪ ،‬والحــل ‪}..‬وإن تصــبروا‬ ‫الكتاب من قبلكم ومن الذين أشــركوا أذ ا‬
‫وتتقوا فإن ذلك من عزما المور{‪ } ،‬واصبر على ما يقولون واهجرهم هجــرا ا‬
‫ل{‪ ،‬الرسل كان من رأس مالهم وبضاعتهم الصبر على إيذاء أقوامهم بل‬ ‫جمي ا‬
‫ن علــى مــا آذيتمونــا‬ ‫كدوا على ذلــك وقــالت الرســل لقــوامهم‪ } ً:‬ولنصــبر ج‬ ‫أ ج‬
‫كذبت رسل من قبلك فصبروا علــى‬ ‫وعلى الله فليتوكل المتوكلون{‪} ،‬ولقد ي‬
‫ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا {‪ ،‬وهكذا يصبر الداعية على طول الطريــق‬
‫وعقباته وبطء النصر وتأخرها ‪} ،‬أما حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يــأتكم مثــل‬
‫الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقــول الرســول‬
‫والذين آمنوا معه متى نصر الله أل إن نصر اللــه قريــب{} حــتى إذا اســتيئس‬
‫الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا فنجي مــن نشــاء ول يــرد بأســنا عــن‬
‫القوما المجرمين{‪.‬‬
‫إن هناك صبرا ا حين البأس وفي الحرب وعند لقاء العــدو والتحــاما الصــفين‬ ‫‪-6‬‬
‫فيكون الصبر شرط للنصر والفرار كبيرة ولذلك أوجب الله الثبات}إذا لقيتــم‬
‫فئة فــاثبتوا{ وحـذر مـن الفــرار وتــولي الدبــار وعنــدما تضــطرب المعركــة‬
‫وينفرط العقد فيكون الصبر أشد }أما حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اللــه‬
‫الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين{‪} ،‬وما محمــد إل رســول قــد خلــت مــن‬
‫قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه‬
‫فلن يضر الله شيئاا{‪ ،‬وحدثنا الله عن الثلة المؤمنة البقية الباقية بعد عمليات‬
‫الترشيح المستمرة في قصة طالوت‪} ،‬إن اللــه مبتليكــم بنهــر{وعصــوها مــن‬
‫‪92‬‬
‫قبل ومن بعد وما بقي معه إل قليل‪} ،‬فلما جاوزها هــو والــذين آمنــوا معــه{‪،‬‬
‫حتى الذين جاوزا النهر كان بعضهم استسلميين فقالوا‪} ً:‬ل طاقة لنا اليــوما‬
‫بجالوت وجنودها{‪} ،‬قال الذين يظنون أنهم ملقــوا اللــه كــم مــن فئــة قليلــة‬
‫صيبر عنــد اللقــاء‪ ،‬يصــبرون‬ ‫غلبت فئة كثيرة بإذن الله{‪ ،‬لذلك كان المسلمون ي‬
‫وكانوا يتناقلون بينهم عبارة " إنما النصر صبير ساعة"‪ ،‬والمراغمة والمدافعة‬
‫الن بين فريقين‪ ،‬الــذي يصــبر أكــثر هــو الــذي ينتصــر‪ ،‬فأوصــى اللــه عبــادها‬
‫بالصبر على ما يلقونه من ضــرر النــاس وأن ل يقــابلوا الســيئة بمثلهــا } ول‬
‫تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بــالتي هــي أحســن{‪ ،‬فالصــبر يكــون أحيانــا ا‬
‫و‪ ،‬للمربــي علــى أذى‬ ‫للمعلــم علــى أذى التلميــذ‪ ،‬للداعيــة علــى أذى المــدع ج‬
‫المتربي وهكذا‪ ، ..‬ولــذلك يقــول الخضــر لموســى‪}ً:‬إنــك لــن تســتطيع معــي‬
‫هد وقال‪}ً:‬ستجدني إن شــاء‬ ‫صبراا*وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا{‪ ،‬فتع ج‬
‫الله صابراا{‪ ،‬تعهد ولكنه لم يستطع أن يصبر في تلك المواقف‪ ،‬فــإذا ا الصــبر‬
‫له مواقف ومواطن وحالت ومجالت ينبغي علينا أن نكون من الصابرين للــه‬
‫فيها‪...‬‬
‫ماهي السباب المعينة على الصبر؟‬
‫جزبلت عليـه مـن المشـقة والعنـاء وأن اللـه‬
‫‪ -1‬المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا وما ي‬
‫ا‬
‫خلق النسان في كبد وأنه كادحا إلى ربه كدحا فملقيــه وأن اللما والتنغيــص‬
‫من طبيعة هذها الدنيا والبتلءات}ولنبلوجنكم{‪..‬‬
‫ر وأنت تريدها‬‫جبلت على كد ن‬
‫صفو من اللما والكدار‬
‫ومكلف الياما ضد طباعها‬
‫متقلب في الماء جذوة نار‬
‫ومن ل يعرف هذها الحقيقة سيتفاجأ بالحداث‪ ،‬أما الذي يعرف طبيعة الحيــاة‬
‫الدنيا إذا حصل له أي ابتلء ومنغصات فإن المر عندها يهون‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بأن الدنيا كلها ملك لله تعــالى‪ ،‬يعطــي مــن يشــاء ويمنــع مــن يشــاء‪،‬‬
‫}ومابكم من نعمة فمن اللــه{‪ ،‬ولــذلك النســان إذا حــرما مــن شــيء وابتلــي‬
‫يقول‪} ً:‬إنا لله وإنا إليــه راجعــون{ ‪ ،‬ل يوجــد كلمــة أبلــغ فــي علج المصــاب‬
‫وأنفع له عند المصيبة من تذكير العبد نفسه بهذين الصلين ‪ .‬والــدنيا فانيــة‪،‬‬
‫والعبد وأهله وماله ملــك للــه‪ ،‬والمــال وأولدها جعلــوا عنــدها عاري جــة‪ ،‬وصــاحب‬
‫العارية متى ما شاء استردها‪ ،‬ومصير الناس العودة إلى الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وأما سليم لما فقهت هذا كان لها مع أبي طلحة ذلك الموقف المشهور فلمــا‬
‫مات ولدها الذي يحبه فقالت‪ ) ً:‬يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما ا أعاروا أهل بيت‬
‫عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟(قال‪ ً:‬ل ‪..‬إن العارية مؤداة‪ ،‬قالت‪ً:‬‬
‫) إن الله أعارنا فلنا ا – ولدنا‪ -‬ثم أخذها منا( فاسترجع‪..‬‬
‫‪ -3‬معرفة الجزاء والثواب على هذا الصبر ‪ ..‬وقد تقدما ذكر شيء من هذا‪} ..‬نعم‬
‫أجـر الع املين الـذين صـبروا وعلـى ربهـم يتوكلـون{‪ ،‬يوفـون أجرهـم بغيـر‬
‫حساب‪..‬‬
‫‪ -4‬الثقة بحصول الفرج‪ ،‬والله جعل مــع كــل عســر يســرين رحمــة منــه عزوجــل‬
‫}فإن مع العسر يسرا ا إن مع العسر يسراا{‪ ،‬العسر معرفة بأل ‪ ،‬و يسر نكرة ‪،‬‬
‫ن‪ ،‬ولن يغلب عسفر يسرين‪ .‬والله تعالى جعل‬ ‫فالعسر هو نفسه و يسر يسر فثا ن‬
‫اليسر مع العسر وليس بعدها‪ ،‬ولــذلك فــالله ينــزل المعونــة علــى قــدر البلء‪،‬‬
‫فنك الــذين ل‬ ‫واللــه ل يخلــف الميعــاد‪} ،‬فاصــبر إن وعــد اللــه حــق ول يســتخ ج‬
‫يوقنون{‪ ،‬والفجر ينبلج ولو بعد ليل طويل‪..‬‬
‫‪93‬‬
‫اشتدي يا أزمة‬
‫تنفرجي‬
‫قد آذن ليلك بالبلج‬
‫يعقوب صبر علـى فقــد يوســف والولــد الثــاني‪ ،‬وقــال ‪ } ً:‬فصــبر جميــل{ ل‬
‫خط فيه ول جزع ‪ ،‬وقال‪ } ً:‬عســى اللــه أن يــأتيني بهــم جميعــاا{‪ ،‬فبعــض‬ ‫تس ج‬
‫ج‬ ‫ا‬
‫النــاس يصــبرون صــبرا غيــر جميــل‪ ،‬والصــبر الجميــل ليــس فيــه تشــكي‬
‫للمخلوقين‪}،‬إنما أشكو بذثي وحزني إلى الله{ وليس إليكم‪.‬‬
‫‪ -5‬الستعانة بالله تعالى واللجوء إلى حماها وطلبة معونته سبحانه‪،‬قالها موســى‬
‫لقومه‪} ً:‬إن الرض للــه يورثهــا مــن يشــاء مــن عبــادها والعاقبــة للمتقيــن{ ‪،‬‬
‫وحاجة الصابرين إلى الستعانة عظيمة جدا ا ولذلك كان التوكل جانبا ا للمعونة‬
‫من الله } إل الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون{‪.‬‬
‫‪ -6‬اليمان بالقضاء والقدر من أعظم ما يعيــن علــى الصــبر‪ ،‬وأن يعلــم العبــد أن‬
‫قضاء الله نافذ وأن يستسلم لما قضاها وقدرها مما ل حيلة له بــه‪} ،‬مــا أصــاب‬
‫من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها {‪ ،‬ثــم‬
‫كي والتضــجر ل‬ ‫إن العبد يعلم أن الجــزع والهلــع والتــبرما والعــتراض والتشــ ج‬
‫ل إل بالصبر‪ ،‬والعاقل يفعل فــي أول يــوما‬ ‫يجدي شيئا ا ول يعيد مفقودا ا فل ح ج‬
‫من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد سبعة أياما‪ ،!..‬أي يستسلم‪.‬‬
‫آفات في طريق الصبر‬
‫‪ -1‬قضية الســتعجال }خلــق النســان مــن عجــل{‪ ،‬النســان يجــب أن يصــبر‬
‫ويتأنى والثمـرة تـأتي ولـو بعـد حيـن‪} ،..‬فاصـبر كمـا صـبر أولـو العـزما مـن‬
‫الرسل{‪..‬لقد باءت دعوات بالفشل‪ ..‬لماذا؟ ‪ ..‬لن أصحابها لم يصبروا‪..‬‬
‫‪ -2‬الغضب ينافي الصبر‪ ،‬ولذلك لما خرج يونس مغاضبا ا قومه ابتلها الله بالحوت‪،‬‬
‫فتعلــم الصــبر فــي بطــن الحــوت} فاصــبر لحكــم ربــك ول تكــن كصــاحب‬
‫الحوت{‪ ،..‬ولول أنه كان من المسجبحين قبل أن يبتلعه الحوت للبث في بطنه‬
‫إلى يوما يبعث ون ‪ ،‬ل ذلك العبـادة فـي وقـت الرخـاء تجلـب الفـرج فـي وقـت‬
‫الشدة‪ ،‬تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة‪ ،‬ولذلك لما نــادى يــونس‬
‫في بطن الحوت؛ عرفت الملئاكة صوته لنها كانت تسمعه وهو يذكر الله في‬
‫حال الرخاء‪..‬‬
‫‪ -3‬اليأس أعظم عوائاق الصبر‪ ،‬ولذلك حــذر يعقــوب أولدها منــه }يــا بنـي اذهبــوا‬
‫فتحسسوا من يوسف وأخيه ول تيأسوا من روحا الله{‪ }.‬ول تهنوا ول تحزنوا‬
‫وأنتم العلون{‪} ،‬والله معكم ولن يتركم أعمالكم{‪ ،‬إذا ا إضاءة شــمعة المــل‬
‫دواء اليأس والستعانة بالله هي المل ‪ ،‬لن الله ل يخيب ول يضيع مــن رجــاها‬
‫ويأتي الفرج ولو بعد حين‪..‬‬
‫التأمل في قصــص الصــابرين مــن أعظــم الســباب المعينــة‬
‫على الصبر‪ً:‬‬
‫حا عليه السلما صبر في دعوته لقومه صبرا ا عظيمــا ا داما ألــف ســنة إل‬ ‫فهذا نو ف‬
‫ا‬
‫خمسين عاما جاهد ودعوة‪ ،‬وصبر على اليــذاء والســخرية‪ ،‬اتهمــوها بــالجنون‬
‫والسحر والضلل وهو يقابل ذلك بالصبر حتى قــالوا‪} ً:‬لئــن لـم تنتــه يــا نــوحا‬
‫لتكونن من المرجومين{‪ ،‬وصبر‪..‬‬
‫إبراهيم تعرض لمحنة عظيمة ويصبر صبر الموحد الموقن بوعد الله‪ ،‬حتى لما‬
‫مــر بذبــح ولــدها‬ ‫ي‬
‫ألقي في النار قال‪} ً:‬حسبي الله ونعم الوكيل{‪ ،‬حــتى لمــا أ ز‬

‫‪94‬‬
‫م بذبح الولد ‪ ،‬وأخــذ الســكين وأضــطجع الولــد استســلما ا لمــر اللــه‪،‬‬ ‫صبر وه ج‬
‫والله ابتلها بهذا المر فصبر‪.‬‬
‫وموسى واجه التهديد واليذاء من قومه وقوما فرعــون قبلهــم‪ ،‬فصــبر علــى‬
‫دعوة قومين!‪.‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم قال لما تذكرأخيه موسى‪ } ً:‬يرحم الله موســى‬
‫قد أوذي بأكثر من هذا فصبر{‪.‬‬
‫مر بترك ولدها وهو حـديث عهـد ولدة ‪ ،‬وقـد كــان عقيمـا ا ‪ ،‬جـاءها‬ ‫ي‬
‫إبراهيم لما أ ز‬
‫اسماعيل بعد سنوات طويلة جدا ا وهو شيخ كبير‪ ،‬وجاءها المر من اللــه اتركــه‬
‫وأمه فــي واند غيــر ذي زرع!‪ ،‬مانــال الخليــل هــذها المرتبــة مــن شــيء قليــل‪،‬‬
‫فمضى ولم يلتفت ولم يتحسر ولم يتردد ‪ ،‬حتى قالت هاجر‪ ً:‬لمن تتركنا؟آلله‬
‫أمرك بهذا؟ قال‪ ً:‬نعم‪ ،‬فرجع للشــاما ورزقــه اللــه مــن ســارة بإســحاق ومــن‬
‫ورائاه يعقوب‪.‬‬
‫وعيسى عانى من بني إسرائايل من التهم الباطلة‪ ،‬تآمروا على قتلــه وصــلبه‬
‫وصبر حتى رفعه الله إليه‪.‬‬
‫وخاتم النبياء صلى الله عليه وسلم كم تعرض للذى والضطهاد‪ ،‬قــالوا عنــه‬
‫مجنون ساحر كذاب خائان‪ ،‬وأشد شيء على الصــادق أن يتهــم بالكــذب ‪,‬أشــد‬
‫شيء على العاقل أن يقال عنه مجنون‪ ،‬وأشــد شــيء علــى الميــن أن يتهــم‬
‫بالخيانة‪ ،‬وأشد شيء على المؤمن أن يقال عنه شــاعر ســاحر بــه جن جــة‪ ،‬وهــو‬
‫أكمل الخلق وأصدقهم وأعقلهم ‪ ،‬ووضعوا الشوك وأخرجوها من بلدها ‪ ،‬وذهب‬
‫س بالضــطهاد وخــرج مــن مكــة ل‬ ‫للطائاف يعرض نفسه علــى القبائاــل‪ ،‬وأحــ ج‬
‫يــدري مــن الهــم لــم يســتفق إلــى فــي قــرن الثعــالب‪ ،‬حــتى تــآمروا علــى‬
‫قتله}لييثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك{‪ ،‬وقتلوا بعض أصحابه وعذبوا بعضــهم‪،‬‬
‫وأشد شيء على النبي أن يرى أتباعه يضطهدون ويقتلون أمامه‪ ،‬يمر عليهم‬
‫فيقول‪ ) ً:‬صبرا ا آل ياسر فإن موعدكم الجنة(‪ ،‬وهكــذا صــبر صــلى اللــه عليــه‬
‫دى المانــة حــتى لمــا ذهــب‬ ‫وسلم حتى أتاها اليقين مــن رب جــه بل جــغ الرســالة وأ ج‬
‫فت لنه عانى مــن المنــافقين معانــاة‬ ‫ن أن مجالت الصبر قد خ ج‬ ‫المدينة ل ي يظط ج‬
‫عظيمة‪ ،‬يكفي حادثــة الفــك‪ ،‬وصــبر علــى كيــد اليهــود ‪ ،‬ووضــعوا لــه الســم‪،‬‬
‫وكانت نوبات الحمى تنتابه حتى مات في آخر نوبة منها فكان في ذلــك أجلــه‬
‫وهكذا أصحابه‪ ،‬بلل ‪ ،‬سمية‪،‬صهيب‪،‬عمــار‪ ،‬مقــداد ‪ ،‬أبــو بكــر‪ ،‬صــهروهم فــي‬
‫الشمس وعذبوهم‪..‬‬
‫وهذا الصحابي خبيب ‪ ،‬يسجن ليقتل ويصلب‪..‬‬
‫ولست أبالي حين أقتل‬
‫مسلما ا‬
‫ب كان في الله‬ ‫على أي جن ن‬
‫مصرعي‬
‫قزتل أبوها وأخوها وزوجها في يوما أحد فصــبرت علــى مــا حصــل‬ ‫المرأة التي ي‬
‫لها من هذها القدار‪ ،‬فماتوا في رفعــة الــدين ونصــرة الــدين وجهــاد الكفــار‪،‬‬
‫وهكذا سار على هذا المنوال التابعون وتابعو التابعين‪..‬‬
‫عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين‪ ،‬كان له ولد اسمه محمــد‬
‫من أحسن الناس وجهاا‪ ،‬دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليــد‪ً:‬هكــذا‬
‫تكون فتيان قريش‪ ،‬ول دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين‪،‬خرج هــذا محمــد‬
‫بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فل زالــت الــدواب‬
‫تطأها حتى مات‪ ،‬ثم مباشرة وقعت الكلة)الغرغرينا(في رجــل عــروة وقــالوا‬
‫لبد من نشــرها بالمنشــار وقطعهــا حــتى ل تســري لمــاكن الجســد فيهلــك‪،‬‬
‫‪95‬‬
‫فنشروها فلما وصل المنشــار إلــى القصــبة)وط الســاق( وضــع رأســه علــى‬
‫در مــن وجهــه وهــو يهلــل ويكب جــر‬ ‫الوسادة فغشي عليه ثم أفــاق والعــرق يتحــ ج‬
‫ويذكر الله‪ ،‬فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يدها وقال‪)) ً:‬أما والذي حملنــي‬
‫عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلــى حــراما ول إلــى معصــية ول إلــى مــا ل‬
‫يرضي الله((‪ ،‬ثم أمر بها فغســلت وطيبــت وكفنــت وأمــر بهــا أن تقــدما إلــى‬
‫المقبرة‪ ،‬لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولدها قال لقد لقينا مــن‬
‫سفرنا هذا نصبا ا ‪ ،‬ولما قالوا‪ ً:‬نسقيك شيئا ا يزيل عقلــك؟قــال‪ ً:‬إنمــا ابتلنــي‬
‫ليرى صبري‪ ،‬ورفض‪.‬‬
‫أبوقلبة ممن ابتلي في بــدنه ودينــه‪،‬وأريــدعلى القضــاء وهــرب إلــى الشــاما‬
‫فمات بعريضة وقد ذهبت يداها ورجلها وبصرها وهو مع ذلك حامد شاكر‪.‬‬
‫أحمد بــن بنصــر الخزاعــي مــن كبــار علمــاء الســلف كــان قــوال ا بــالحق آمــرا ا‬
‫بالمعروف‪ ،‬نهاءا عن المنكر ‪،‬ثبت في محنة خلق القرآن‪ ،‬حملوها إلــى ســامراء‬
‫فجلس مقيدا ا وعرض عليه الرجوع عن القول بأن القــرآن كلما اللــه المنــزل‬
‫وعــرض عليــه القــول بخلــق القــرآن فرفــض ‪ ،‬وقــاموا عليــه بحــرب نفســية‬
‫وجسدية‪ ،..‬فيقوما القاضي عند خليفة السوء فيقول إنه حلل الدما‪ ،‬ووافقــه‬
‫من كان حاضراا‪ ،‬وأحمد بن أبي دؤاد قال شيخ كبير ‪ ،‬يتظاهر بالشــفقة عليــه‪،‬‬
‫فقال الخليفة‪ً:‬ما أراها إل مؤديا ا لكفرها فأخذ السيف وقال إني أحتسب خطاي‬
‫إلى هذا الكافر‪ ،!..‬فضرب به عنقه بعد أن مــدوا رأســه بحبــل‪ ،‬ونصــب رأســه‬
‫بالجانب الشرقي من بغداد‪ ،‬يقول أحد أهــل العلــم جعفــر بــن محمــد الصــائاغ‬
‫قت زــل قــال رأســه ل إلــه إل اللــه وهــذا مــن‬ ‫رأيت أحمد بن نصر الخزاعي حين ي‬
‫كراماته رحمه الله‪ ،‬قال الماما أحمد رحمه الله عنه‪ ً:‬جاد بنفسه فــي ســبيل‬
‫الله‪.‬‬
‫مل هــو ومحمــد بــن‬ ‫ح ز‬ ‫والماما أحمد نفسه كيف صبر في محنة خلق القرآن؟‪ ،‬ي‬
‫مـل إلـى الم أمون‪،‬‬ ‫ح ز‬ ‫نوحا وهو شاب وليس عالما ا لكن صبر مع الماما أحمد ‪ ،‬ف ي‬
‫يشاء الله أن محمد بن نوحا يمرض ويوصي الماما أحمد‪ ً:‬أنت إماما وأنــا أمــوت‬
‫ول أحد يأبه لي‪ ،‬فاصبر‪ ،..‬ويموت محمــد فــي الطريــق‪ ،‬ويؤخــذ المــاما أحمــد‬
‫رحمه الله مقيد ‪ ،‬ودخل عليه بعض الناس قبل الدخول على الخليفــة ) هنــاك‬
‫أحاديث في التقية والمرء عند الشدة يمكن أن يوذري حتى تمض ي العاصـفة(‪،‬‬
‫شر أحــدهم بالمنشــار‬ ‫قال‪ ً:‬كيف تصنعون بحديث خجباب؟ إنه من كان قبلكم يين ط‬
‫ثم ل يصدها ذلك عن دينــه فيئسـوا منـه وتركـوها‪ ،‬وقـال اللهــم ل ترينـي وجــه‬
‫المأمون‪،‬فم ات الم أمون قبـل أن يصـل أحمـد‪ ،‬ووصـل الخليفـة الـذي بعـدها‬
‫والمحنة مازالت مستمرة‪ ،‬فيقول له‪ ً:‬يا أحمد إنها والله نفسك ‪ ،‬إنه ل يقتلــك‬
‫ظر ابــن أبــي دؤاد‪،‬‬ ‫بالسيف ولكن يضربك ضربا ا بعد ضرب حتى تموت ‪ ،‬قال نا ط‬
‫فأسكت‪ ،‬هاتوا شيء من القرآن أقول به‪ ،‬هاتوا شيء من السنة أقول بــه فل‬
‫يأتون بدليل‪ ،‬يقول الخليفـة لحمــد ‪ً:‬تعــرف صـالح الرشــيدي؟‪،‬قـال ‪ً:‬ســمعت‬
‫باسمه‪ ،‬قال‪ً:‬كان مؤدبي‪ ،‬فسألته عن القرآن فخالفني‪ ،‬ولما خــالفني وأصــر‬
‫ب حتى مات‪ ،‬قـال‪ ً:‬ه اتوا‬ ‫ي‬
‫ح ط‬
‫س ز‬
‫مرت به فوطيء و ي‬ ‫على أن القرآن غير مخلوق أ ز‬
‫العقابين والسياط‪ ،‬قال‪ً:‬اءتوني بغيرها‪ ،‬ثم قال الخليفة للجلديــن ‪ ً:‬تقــدموا‬
‫واضربوها ‪ ،‬وربطوا الماما أحمد‪ ،‬وكل فرد منهم يضرب سوطين و بــأقوى مــا‬
‫عندها ويقول الخليفة للجلد‪ ً:‬شدج يدا ا قطع الله يدك‪،..‬لينال أحمــد رحمــه اللــه‬
‫ما تقتل نفسك إنــي‬ ‫أعظم العذاب بالضرب على أيديهم‪ ،‬ثم يقول الخليفة عل ط‬
‫عليك لشفيق وجعل ذلك القائام على رأسه الحــارس ينخســه بالســيف‪ ،‬وذاك‬
‫يقول ويحك يا أحمد ما أجبتني ‪ ،‬أجبني إلى أي شيء يكون لك فيه فرج حــتى‬
‫أطلقك فيقول‪ ً:‬يا أمير المــؤمنين أعطنــي شــيئا ا مــن كتــاب اللــه ومــن ســنة‬
‫‪96‬‬
‫رسول الله صلى اللـه عليــه وســلم‪ ،‬ثـم يـأتي الجلد ويضــرب وهكـذا تسـتمر‬
‫عملية الضرب حتى قال ذهب عقلي فأفقت والقياد في يدي فقال لي رجل‬
‫كببناك على وجهك وجعلنا فوقك حصيرا ا ووطئنا عليك فقال ماشعرت بذلك‪،‬‬
‫أتوني بأكل فقلت ل أفطر وكان صائاماا‪ ،‬ثم جاؤوا به والــدما يســيل فــي ثــوبه‬
‫فصلى فقال أحدهم‪ ً:‬صليت والدما يسيل في ثوبــك؟ قـال أحمـد‪ً:‬صــلى عمــر‬
‫عــل‬‫ج ز‬‫خجلي عنه بعــد ‪ 28‬شـهراا‪ ،‬ثـم ي‬
‫وجرحه يثعب دماا‪ ،‬ثم مكث في السجن ثم ي‬
‫في القامة الجبرية‪ ،‬في بيته‪ ،‬وليس هناك أصعب على العالم من أن يتوقــف‬
‫عن نشر العلم‪ ،‬سئل أحدهم عن الماما أحمد رحمه اللــه فقــال‪ ً:‬رجــل هــانت‬
‫عليه نفسه في سبيل اللــه فبــذلها كمــا هــانت علــى بلل نفســه‪ ،‬لــول أحمــد‬
‫لذهب السلما‪.‬‬
‫فيا ضعيف العزما الطريق طويل‪..‬تعب فيه آدما‪ ..‬وجاهد فيه نوحا‪ ..‬وألقي في‬
‫النــار إبراهيــم‪ ..‬واضــطجع للذبــح إســماعيل‪ ..‬وشــق بالمنشــار زكريــا وذبــح‬
‫الحصــور يحيــى وقاســى الضــر أيــوب وزاد علــى المقــدار بكــاء داود‪ ،‬واتهــم‬
‫بالسحر والجنون نبي الله الكريم وكسرت رباعيته وشج رأسه ووجهــه و ي‬
‫قت زــل‬
‫عمــر مطعونــا ا وذو النــورين علــي والحســين وســعيد بــن جــبير وعــذب ابــن‬
‫المسيب ومالك‪ ،..‬فالشاهد أنه في النهاية ل سبيل إل الصبر‪..‬‬
‫ولذلك يقول عمر رضي الله عنه ‪ )) ً:‬أدركنا أفضل عيشنا بالصبر((‪،‬يعنــي مــا‬
‫طابت الحياة إل بالصــبر مــع مافيهــا مــن المنغصــات والشــدائاد‪ ،‬فهــو العمــل‬
‫القلبي الذي تطيب معه الحياة ول تطيب بدونه‪ ،‬ولذلك ينبغي على العبد أن ل‬
‫يفعل شيئا ا ينافي الصبر ‪ ،‬مثــل شــكوى الخــالق للمخلــوق والتــبرما والتضــجر‬
‫فإما أن يخبر النسان الطبيب بعلته ليداويه فل بأس‪..‬‬
‫والنين ‪ ..‬اللم ‪ ..‬ما يحــدث مــن صــوت مــن المريــض المتــألم‪ ،..‬هنــاك أنيــن‬
‫استراحة وتفريح فل يكرها‪ ،‬وأنين شكوى فيكرها ففيه تفصيله‪..‬‬
‫ومما ينافي الصبر ما يحدث من النائاحات وغيرهم وحتى من الرجال الن مــن‬
‫لطــم الــرأس والخــد و ضــرب الــوجه باليــدين والكفيــن والنياحــة‪ ..‬واويلها‪..‬‬
‫واثبوراها‪..‬‬
‫ولذلك فإن المسلم عليــه أن يتقــي اللــه ســبحانه وتعــالى وأن يســلك ســبيل‬
‫الصابرين‪ ،‬نسأل الله عزوجل أن يجعلنا منهم‪ ،‬وأن يرزقنا هذا الخلق الكريم‪،‬‬
‫إنه جواد كريم‪..‬‬

‫أسئلة من درس الصبر‬


‫كيف يصبر النسان على غض البصر عن المحرمات؟‬
‫يصبر بأمور فمن ذلك أن ل يغشى الماكن التي فيها هذها المنكرات‪،‬يبتعد عن‬
‫الفتن ويفر منها‪ ،‬ثم إذا علم حلوة غض البصر ومافيه من الجــر ومــا يــورثه‬
‫الله في قلبه من عاقبة الصبر عليه هان عليه غض البصر‪ ،‬ثــم إذا علــم منــاتن‬
‫الصورة في ذهنه فهو مفيد في النفرة وعدما التعلق‪..‬‬
‫زوجها يفرض عليها حضور حفلت فيها أقــاربه وفيهــا مزاميــر فــإذا امتنعــت‬
‫تعتبر عاصية له؟‬

‫‪97‬‬
‫نعم لكنها معصية واجبة‪ ،‬يجب أن تعصــي زوجهــا لنــه ل طاعــة لمخلــوق فــي‬
‫معصية الخالق‪ ،‬وهناك طاعة أوجب من طاعة الزوج‪.‬‬
‫كلما المرأة في البال توك مع الرجال؟‬
‫باب فتنة عظيم‪ ،‬وسبق التنبيه عليه والتحذير منه‪ ،‬والتي تريد أن تكتب شــيئا ا‬
‫في مكان بأسلوب شرعي مـؤدب تكتـب وييعل جــق أمـا الحـوارات المباشــرة فل‬
‫لنها طريق فتنة‪.‬‬
‫إذا لم تدرس فإن أمها ستغضب عليها والدراسة فيها منكرات؟‬
‫ل طاعة لمخلوق في طاعــة الخــالق‪ ،‬فــإذا كــانت الدراســة مختلطــة‪ ،‬والبنــت‬
‫عليها خوف وخشية من هذها الماكن المختلطة‪ ،‬فإنها ل تطيع أمهــا ول أباهــا‬
‫في هذا‪ ،‬وتنتظر فرج الله بزوج ينقذها من المحنة التي هي فيها‪.‬‬
‫ذهبنا إلى مكة لزيارة أحد الصدقاء‪،‬وأدوا صلة العصر ‪ ،‬هل يلزما الحراما؟‬
‫من أدى عمرة الفريضة من قبل فل يلزمه أن يــدخل مكــة محرمــاا‪ ،‬لن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم دخل مكة وقـد دخـل وعلـى رأس ه المغفـر‪ ،‬م اداما أدى‬
‫عمرة وحج الفريضة فل يجب عليه الحراما ولو كان في وقت الحج‪.‬‬

‫‪98‬‬

You might also like