Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 96

w

‫للباحثين الكاتبين‬

‫الدكتور التهامي محمد الوكيلي ‪ -‬السأتاذ نور الدين عبد الحق‬

‫الريشة الذهبية‬

‫باسم ا الرحمن الرحيم هل أتى على النإسان حين من{‬


‫الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنإا خلقنا النإسان من نإطفة‬
‫أمشاج نإبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا * إنإا هديناه السبيل‬
‫}*إما شاكرا وإما كفورا‬
‫)الية ‪(3،2،1‬‬
‫من سأورة النسان‬

‫مؤسأسة دار العماق الرباط‬


‫التصال الباطني‬

‫ما أجمل معاني المعاني في المعنى الذي له معنى ‪ ،‬إذ يظهر أن ل معنى في ما ليس بمعنى‬
‫يدل على المعنى ‪ .‬فإن قيل وما المعنى ؟ يقال إن المعنى يعننى به شيء له معنى ‪ ،‬مظهرا لكل‬
‫ما ليس فيه معنى ‪ ،‬يدل على معاني الشياء الظاهرة في معناها الحقيقي ‪ .‬فالمعنى كعنوان‬
‫لشيء يدل على شيء آخر ‪ ،‬له معنى آخر غير ظاهر في معناه ‪ .‬لن له معنى آخر غيبيا‬
‫حقيقيا ‪ ،‬أعطى له معنى أنه شيء يعنى به شيء ‪ ،‬فذاك هو المعنى ‪ .‬وإن قيل فما معنى‬
‫المعنى ؟ يقال ‪ :‬ل معنى في ما ليس فيه معنى ‪ ،‬الصألي لكل معنى ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬إن هذا غير‬
‫مفهوم ‪ ،‬يرد بجواب على سأؤال غير مطروح ‪ ،‬بمعنى أن الفهم يقال فهم لوجود معان‬
‫أعطيت معنى لشيء مجهول عرف معناه بما هو مفهوم ‪ .‬فهناك ما وراء الفهم والمفهوم يفهم‬
‫به أن كل ما يفهم به النسان إنما هو فهم يدل على فهم عرف بفهم مفهوم ‪ ،‬وليس بفهم نفسه ‪،‬‬
‫ولو قيل ما معنى هذا ؟ يقال إن هذا إشارة إلى معنى قيل عنه غير مفهوم ‪ ،‬بينما كان الفهم‬
‫بعدم الفهم بمعنى ل يعني ما ففهم أنه فهم غير مفهوم في كل هذا ‪ .‬فكل تستعمل عند جمع فهم‬
‫كان مفهوما أو غير مفهوم ‪ ،‬له معنى أو خال من كل معنى ل يعني ما يفهم في كل ‪ .‬وفي ‪،‬‬
‫هي جمع لفهم في فهم لعطائه معنى على أنه مفهوم في معناه الذي يعني أن فيه فهما مدركا‬
‫بفهم المعنى المدرك في المفهوم ‪ ،‬وإدراك الفهم ل يكون إل إذا أدرك فهم المفهوم‬
‫نفسه ‪ ،‬بوجود معنى يعطي له فهما مفهوما أعطي للنسان ليفهم به ‪ ،‬فكان الكلم المعقول‬
‫هو كلم يعتبر ككلم لدليل الفهم ‪ ،‬ولدراك معنى الكلم المنطوق به أو المكتوب بإثبات‬
‫فهم معقول على حسب ما يفهمه النسان ‪ .‬ولو لم يكن هذا ‪ ،‬لكان كل كلم يقال مجرد كلم‬
‫ل يفهم في معناه ‪ ،‬وبفقدان الفهم ل يعتبر الكلم ككلم مفهوم في ما يعنى به إذا أردنا فهما‬
‫لمعناه المدرك بالعقل ‪ ،‬قيل ما السؤال ؟ يقال إن هذا سأؤال نفسه ‪ ،‬فالسؤال سأؤال ‪ ،‬وإن‬
‫أعطي له معنى يصبح سأؤال ‪ ،‬وإن قيل ما الدليل قيل إن – ما – لها معنى وجود سأؤال‬
‫كماذا ‪ .‬ولو قيل فماذا ماذا ؟ يقال وجود – ما – يعني معنى – ذا – ‪ ،‬إذا يوجد شيء‬
‫يعنى به شيء آخر موجود دلت عليه – فاء – فأصأبح السؤال معناه في المعنى أن له‬
‫كلماا يطرح كطلب لفهم شيء كلمه السابق له كان هو السؤال ‪ ،‬ولو لم يكن الليل والنهار‬
‫لسأتفسر النسان عن معنى عدم وجود الليل والنهار ‪ ،‬وما يسعى الوضع بينهما ‪ ،‬وهذا‬
‫الوضع هو الفلق يوضح أن بين‬
‫‪5‬‬

‫معنيين معنى يعنى المعنيين في آن واحد له معنى آخر ل يعني المعنى الول ‪ ،‬إن الفهم‬
‫الثالث بين كل فهمين كان وسأيلة اعتماد الفهوم الكونية الغير المفهومة بالفهم الول أو الفهم‬
‫الثاني ‪ ،‬واعتمد القدماء على هذا النمط من الفهم سأعيا وراء معرفة أسأباب الكون ومعرفة‬
‫الخالق بنفسه أو التصال معه ‪ ،‬وكانت هذه الفهوم فوق كل فلسفة ‪ ،‬وفوق كل أصأول النحـو‬
‫المعروفة ‪ ،‬وتسمى بالعلوم اللدنية عند المتصوفة ‪ ،‬واسأمها الحقيقي معروف بالفهوم النمطية‬
‫‪ .‬فهم القدماء بمعنى الفهم المجرد عن المعنى الغير المدرك ‪ ،‬أن الرجل رجل والمرأة امرأة ‪،‬‬
‫فالفهم يعني الرجل ‪ ،‬والفهم الثاني يعني المرأة ‪ ،‬ولكنهم بحثوا في معنى فهم يعطي فهما آخر‬
‫يعنى به فهم الرجل والمرأة إذا ما اختلطا بينهما ‪ ،‬هل يصبح الوضع في هذا الحال وضع‬
‫الرجل أم وضع المرأة أم كلهما ‪ ،‬أو اضمحلل علمة الرجولة وعلمة ‪ ،‬النوثة فظنوا أن‬
‫خلطهما يعني معنى أن هذا الوضع وضع ألوهية ‪ .‬ووضعت الوضاع النمطية والطلسأم‬
‫الخلطية لخلط القوى الكامنة في الرجل والمرأة للوصأول إلى النمط اللهي ‪ .‬ولم يكن هذا‬
‫بالمكان ‪ ،‬لن الخلط مثل هذا حتى ولو كان بخلط القوى يصبح الوضع المفهوم معناه فـي‬
‫خلطه غير مفهوم ‪ ،‬فل يعرف في ذلك أرجل هذا أم امرأة ؟ ودون الفهم الول والثانـي ‪،‬‬
‫دخل المعنى الحقيقي الذي يعني النملننك ‪ ،‬إذ ل أنوثة له ول ذكورة ‪ ،‬فالرجل هو المعنى الول‪،‬‬
‫والمرأة تعني وجود الرجل ‪ ،‬والنملننك معناه دليل الفهم الثالث أنه ليس برجل ول بامرأة‬
‫يعني معناه أن له معنى كامنا فيه يجعل سأره ‪ ،‬والخلط الول يعني بمعنى أنه ليس له معنى‬
‫يدل على معناه الحقيقي ‪ ،‬إن الذكورة ل تعني النوثة ‪ ،‬والنوثة ل تعني الذكورة ‪ ،‬فكانت‬
‫المباشرة بين الرجل والمرأة هي التي تعني المعنى بالتحام القوتين وجعلهما في وضع فيه‬
‫ذكورة وأنوثة ‪ ،‬تعني في معناها الحقيقي ‪ ،‬أن الرجل والمرأة بشر لوجود المباشرة تعنى في‬
‫معناها جمعا لمعنى ليس له دليل عن معناه الحقيقي ‪ ،‬إل بمفهوم في الفهم ‪ .‬أن بهذه المباشرة‬
‫يعني أن الرجل والمرأة في اجتماعهما معناه أنهما ليسا إلهين ‪ .‬بحث النسان منذ القديم عن‬
‫فهم ثالث يكون كل معناه ل يعني ما هو مفهوما ظاهريا بل يعني فهما وراء الفهم الذي‬
‫ظهر معناه ‪ .‬كان البحث في الكون عن الكون نفسه في أي كون هو كائن ‪ ،‬ثم ما وراءه ‪:‬‬
‫أكون هـو أو كائن ؟ كل شيء في الكون قوتان ‪ ،‬والقوة الثالثة جامعة للثنتين ‪ ،‬ولم تدرك‬
‫في مفـهوم معناها ل قوة ول معنى ‪ ،‬إذ كان التساؤل هل القوتان منها ‪ ،‬أو انفصال يعني‬
‫معنى آخـر لشيء لم يكن شيئا مفهوما ‪ ،‬وليس كمثله شيء ‪ ،‬مما له معنى بين المعاني ؟ قيل‬
‫للناس إن مـا يبحثون عنه بين معاني المعاني في معنى المعنى هو ا ‪ ،‬وقيل لهم أن ليس‬
‫كمثله شيء وهـو السميع البصير ‪ ،‬ولم يكن القتناع بما أعطي من فهم ‪ ،‬لـيس فيـه معنـى‬
‫الفـهم نفسه ‪ ،‬أو الدراك في معناه ‪ .‬وبحث النسان عن الخالق بفهم الفهم الثالث ‪،‬‬
‫وتركزت البحوث كلها عن خالق كون في الكون نفسه ‪ ،‬ظنا أن معاني كل شيء وجودي ‪،‬‬
‫تعني معاني معنى شيء غير وجودي ظاهري ‪ .‬إن الحاضر والمضي فهمان شاملن‬
‫لمعنيين ‪ ،‬والغيب فهمهما الثالث ‪ ،‬والغيب معناه شيء غاب معناه ‪ ،‬وليس له معنى يظهره‬
‫بين كل المعاني الموجودة ‪ ،‬وكـل شيء موجود مفهوم فهو معنى في نفسه يعني أمرا‬
‫غيبيا ل يعرف معناه ‪ ،‬فإن قيل مـا النسان ‪ ،‬وجدنا أن المعنى هو معنى في نفسه ‪،‬‬
‫نفهم له معنى ظاهريا ‪ ،‬على أن النسان إنسان ‪ ،‬أما المعنى الغيبي عن كنهه في حد ذاته‬
‫‪6‬‬ ‫فغيبي ‪ ،‬ول يمكن أن نقول إن النسان من‬

‫خالقه ‪ ،‬إذ خالقه هو المعنى نفسه الذي يعني النسان ‪ ،‬لول وجود الوجود هل يكون الوجود‬
‫وجود أم وجودا عدميا غيبيا ل معنى له في ظاهر المعاني ؟ والمعنى في هذا هل الخالق‬
‫يعرف نفسه بنفسه دون وجود الوجود ‪ ،‬والخلق الذي أعطي به معنى ظهور الشيء الغيبي‬
‫العدمي حتى أصأبح ظاهر فهم وجودي ‪ ،‬يعني معنى الشيء الغيبي ؟ ففكر من لم يدرك معنى‬
‫التفكير أن ا خلق ليعرف نفسه بالخلق ‪ ،‬ولم يكن هذا صأحيحا لوجود العدم ل إدراك فيه‬
‫لفهم ول لمعنى يعني شيئا وجوديا ‪ ،‬وا خالق العدم ‪ ،‬والوجود يستغني عن الخلق كله ‪ ،‬وهو‬
‫منفصل كل انفصال ‪ ،‬وفكر النسان في الحياة والموت ‪ ،‬فما الذي بينهما ‪ ،‬وظن كثير أن لو‬
‫أدرك معنى الحياة ومعنى الموت في معنى يعنيهما ‪ ،‬لتمكن النسان من إدراك معنى الخلود‬
‫دون موت ول حياة ‪ ،‬ولكن معنى الحياة يعني وجود الموت في معناه ‪ ،‬أنه موت فوق الحياة ‪،‬‬
‫لنه يوقفها ‪ ،‬ولكن في معنى آخر ‪ ،‬فإن الحياة بالخلود توقف الموت ‪ ،‬فهي فوق الموت تعني‬
‫قوة اضمحلل معنى غير وجودي يدل على العدم ‪ ،‬فالحياة تدل على الوجود ‪ ،‬والموت يـدل‬
‫على العدم ‪ ،‬وبين الوجود والعدم ما هو معناهما مجتمعيين ‪ ،‬وما بينهما في المعنى الثالث‬
‫لهما ‪ ،‬لو فكرنا بالتفكير المجرد من معنى عدم وجود التفكير ‪ ،‬لما وجدنا حل يعطي فيه‬
‫معنى ‪ ،‬فالعدم والوجود وجودان في كونين مختلفين منفصلين ومرتبطين في عالم ثالث يعني‬
‫وجوديا عدميا علمه عند ا ‪ .‬فالعدم حتى ولو لم يكن وجودا فهو موجود ‪ ،‬وكل موجود فهو‬
‫منفصل عن خالق الكونين ‪ :‬العدم والوجود ولو فكرنا بعدم التفكير لكان تفكيرنا قوة مـن‬
‫التفكير نفسه وعدمه ‪ ،‬فالتفكير معنى لوجود الوجود ‪ ،‬وعدم التفكير له معنى وجود الـعدم ‪،‬‬
‫لذا اعتمد النسان منذ القديم على توقيف حركة التفكير حتى يتم له فهم المعنى الكامن بينهما ‪،‬‬
‫وحتى لو بلغ النسان لهذا ‪ ،‬فإن المعنى يبقى معناه أن بالتفكير كان عدم التفكير ‪ .‬وظن‬
‫النسان أن العالم الوجودي الظاهري والباطني مسجون فيهما ‪ ،‬وفكر في ما بين الظاهـر‬
‫والباطن ‪ ،‬هل بالمكان إدراك بينهما في معناه بالمعنيين الظاهر و الباطن ‪ ،‬إن الظاهـر‬
‫والباطن ظاهران باطنان لظاهر حقيقي يعرف بالجنة ‪ ،‬فالجنة جامعة في معناها الوجودي‬
‫لكل ما في الباطن والظاهر ‪،‬ولم يكن بين الظاهر والباطن خالق الكون ‪ ،‬فكيف يمكن ذلك‬
‫وا خلق الكونين العالمين الظاهر والباطن ‪ .‬ولو فكرنا في التفكير نفسه ‪ ،‬لوجدنا معناه في‬
‫معانيه وقوته ‪ ،‬له قوتان يتم بهما التفكير ‪ ،‬وبين القوتين نجد العالـم الصوري الذي يـدل‬
‫بمعنى واضح على قوتي التفكير والخيال وبينهما الصور التي تعني في معناها وجود تفكير و‬
‫خيال يكون بالصور المسجلة في الدماغ ‪ ،‬إن النسان خلق في ظلمات ثلث ‪ ،‬ولو فكر فـي‬
‫معنى المعنى ‪ ،‬بكل معاني المعاني الموجودة والعدمية لما بلغ إلى أكثر من فهم ثلثي دل‬
‫عليه سأبحانه وتعالى في ما أنزله على النبياء والرسأل عليهم السلم ‪ ،‬فالفهم الثلثي هو مـا‬
‫‪ .‬يصل إلـيه النـسان مـن فـهم لفــهم معانـي الشــياء المــوجــودة على حقيقتها الــوجــودية‬
‫إن ما وراء الوجود والعدم وجود وجودي عدمي ‪ ،‬يعني في معناه وجــود الوجــود ووجــود‬
‫العدم ‪ ،‬وما وراء الظاهر والباطن في الوجود ‪ ،‬وباطن في العدم الوجودي ‪ ،‬ولم يكن خالق‬
‫الكون في العدم حتى يقول النسان إنه إن رجع إلى العدم يرجع إلى خالقه ‪ ،‬ولم يكن الخالق‬
‫أصأل الخلق ‪ ،‬بل هو خالق الخلق ‪ ،‬وأصأول الخلق ل يرجع إليه منها شيء ‪ ،‬ولم تكن منه‬
‫‪7‬‬

‫حتى تعطي معنى كامنا فيه معنى وجود الخـالق في الشياء ‪ .‬إن لكل الشياء الظاهريـة‬
‫معاني تعني أشياء غيبية ل تدرك معانيها أو سأرها الخلقي ‪ ،‬ومعاني الشياء الغيبية تعني‬
‫معاني الشياء الظاهرية ‪ ،‬إن النسان إن يفكر في نفسه بأن له حياة وحركة ‪ ،‬ويفكر في‬
‫الشياء الجامدة ‪ ،‬فالشياء الجامدة والشياء الحية معناهما في المعاني ‪ ،‬وجود مادة متحركـة‬
‫‪ ،‬وأخرى غير متحركة مستقرة ‪ ،‬ولكن فهم النسان ل يستقر كالجماد ‪ ،‬بل يتحرك لوجود‬
‫الحركة فيه ‪ ،‬ويبحث عن معنى الجمود والحركة وفي ما بينهما ‪ ،‬بمعنى أن مـا معنى شيء‬
‫يعني فيه ‪ ،‬وفي معانيه الجمود والحركة مجتمعان في آن واحد ‪ ،‬ليعنيا معنى شامل لمعناهما‬
‫‪ ،‬ولو فكرنا في هذا لوجدنا اسأتحالة في الفهم ‪ ،‬والفهم الول بالمعنى التفكيري ‪ ،‬والفهم الثاني‬
‫بالمعنى الصوري يكون هو الدراك ‪ ،‬وما بينهما هو السأتحالة ‪ ،‬وبين العلم والجهل توجـد‬
‫الحقيقة ‪ ،‬والنسان إن يأبى الفهم بالفهم المفهوم في المعاني الظاهرية ‪ ،‬يعذب بعذاب غـير‬
‫مفهوم ‪ ،‬وإذا بالكافر يوم القيامة يعذب في جهنم ‪ ،‬ثم ل يموت فيها ول يحيى ‪ ،‬ألم يكن يبحث‬
‫عما هو بين الحياة والموت ؟ إن بين الحياة والموت الخلود ‪ .‬وبين المعنى معان تعنى المعنى‬
‫الول ‪ ،‬ومعان أخرى تعني المعنى الثاني ‪ ،‬فمعاني المعاني هي المعنى الثالث للمعنييــن‬
‫الولين ‪ ،‬وبين الجمود والحركة سأر الحياة ‪ ،‬وبين العلم والجهل سأر الحقيقة ‪ ،‬وبين العقل‬
‫والنسان سأر الروح ‪ ،‬ومعنى الروح يبقى معنى ل يعنى ظاهريا مدركا ‪ ،‬لذا كان الروح من‬
‫أمر ا ‪ ،‬وقد يوضع السؤال في معنى يراد به معرفة المعنى الذي يعني ‪ ،‬الملئكة لهم روح‬
‫أم ل ؟ ما أعظم السؤال ! وما أعجب المعنى ! لن الملئكة في خلود ‪ ،‬فهل لهم حيـاة ؟‬
‫لن من كانت له حياة ‪ ،‬فإن معناها في معاني الصأل تستوجب الموت ‪ ،‬لذا كل نفس ذائقــة‬
‫الموت ‪ ،‬والنفس قد ألهمها ا فجورها وتقواها ‪ ،‬فكان بين الفجور والتقوى معنى ما يدلي بــه‬
‫الشيطان ‪ ،‬فبين الملك والنس يوجد الجن ‪ ،‬فبين الخلق يوجد خلق ‪ ،‬وبين الخلق والخالق‬
‫يوجد الفاصأل في معاني الفهم والدراك ‪ ،‬وأن ا ليس كمثله شيء ‪ ،‬وهو السميع البصير ‪،‬‬
‫وليكن معنى ما نفهمه له معنى يعنى به ما هو مدرك في المعاني ‪ ،‬إن ا سأبحانه وتعالى له‬
‫صأفات ‪ ،‬وصأفاته ل تعني معنى تشخيصه ‪ ،‬فهو سأميع بصير ‪ ،‬دون وجود أسأاس معنـى‬
‫السمع بالذن ‪ ،‬والبصر بالعين ‪ ،‬فالذن تعني وجود السمع ‪ ،‬والعين تعني وجود البصر ‪،‬‬
‫وبين الذن والبصر في المعنى الثالث نجد البصيرة ‪ ،‬وبين المحبة والكراهية ‪ ،‬نجد الفؤاد ‪،‬‬
‫فالمعنى الثالث يعني وجود معنيين يعطيان معنى آخر غيبيا ‪ ،‬لن البصيرة والفؤاد يدركان ‪،‬‬
‫ولكن القلب يعني وجود البصيرة فيه ‪ ،‬لذا ل تعمى البصار بل تعمى القلوب التـي فـي‬
‫الصدور ‪ .‬إن ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬يقلب القلوب والبصار ‪ ،‬ويولج الليل فـي النهار والليل ‪،‬‬
‫يمحو آية النهار فيصبح ليل ‪ ،‬ويجعل آية النهار مبصرة ‪ ،‬فكان المعنى في هذه المعاني ‪ ،‬أن‬
‫النور أسأاس البصيرة ‪ ،‬والظلم أسأاس العمى ‪ ،‬لذا ل تستوي الظلمات والنور ‪ ،‬ول العمـى‬
‫والبصير ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى يخرج المؤمن المسلم من الظلمات إلى النور ‪ ،‬ويخرج الحـي‬
‫من الميت والميت من الحي ‪ ،‬وبقي النسان يبحث عن المعنى الذي يعني المعاني كلها فـي‬
‫معنى واحد يعنيها ‪ ،‬ولكن ا سأبحانه وتعالى يعجز الخلق في المعرفة المعروفة لــدى‬
‫النسان ‪ ،‬وحتى لو كان النسان ذا علم وبصيرة ‪ ،‬وبعيدا عن الجهل ‪ ،‬فهذا ل يعني أنه يعلـم‬
‫الغيب ‪ ،‬فالغيب هنا هو المعنى ‪ ،‬والعلم ل يعني المعنى ‪ ،‬أو معنى المعنـى فــي معانــي علــم‬
‫‪8‬‬

‫الغيب ومعرفة الحقيقة ‪ ،‬وإذا عرف النسان حقيقة ما ‪ ،‬فإنه ل يدركها في حد ذاتها حتى يعلم‬
‫كنهها ‪ ،‬فالمعنى بعيد كل البعد عن المعاني الظاهرية والباطنية ‪ ،‬لذا كانــت مشيئة ا هــي‬
‫القصوى ‪ ،‬وإذا بحث النسان عن معنى الشمس في المعاني الغيبية وعن معنى القمر ومعنـى‬
‫ما بينهما ‪ ،‬فإن الشمس والقمر يجمعان فتقوم الساعة ليظهر مـا بينهما ‪ ،‬وليفكر النسان بينـه‬
‫وبين نفسه ‪ ،‬هل بينهما حاجز أو اتصال ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالى جعل بحرين أحدهما حلـواا‬
‫وآخر ملحا أجاجا ‪ ،‬وبينهما برزخ ل يبغيان ‪ ،‬هل بين النسان والنفس يــوجد الشيطــان أو‬
‫وسأاوس النسان ؟ إن الجن خلقوا من مارج من نار ‪ ،‬فهل نفخ ا فيهم من روحه أم ل ؟ إن‬
‫المعاني هي وضع السؤال ؟والجواب هل يعني معنى الجواب عن السؤال ‪ ،‬أم يعني معنـى ل‬
‫يعرف معناه ‪ ،‬إن النسان ل يهدأ حتى يعرف معاني المعاني في معنى المعنى ‪ ،‬لذا كان أكثر‬
‫جدل ‪ ،‬إن قيل له إنك فوق الرض ‪ ،‬يقول ‪ :‬وماذا في الفوق ‪ ،‬وإن قيل له ‪ :‬إن في الفـوق‬
‫سأماء ‪ ،‬إذا به يسأل ‪ :‬وماذا بينهما ؟ لعل النسان يفهم أن وجود الرض كتحت ‪ ،‬يعني وجـود‬
‫السماء كفوق ‪ ،‬لكن المعنيين معنى ما بين السموات والرض ‪ ،‬ول ما بينهما ‪ ،‬أل يكتفي‬
‫النسان بما يعرف من معرفة معناها علم يني معنى الحقيقة أن الحقيقة ل تدرك ؟ ما القـول‬
‫بين القول وما الفعل بين الفعل وما العلم أمام الجهل ‪ ،‬إن الجهل يعنـي معـنى وجود العلم ‪،‬‬
‫والعلم معناه نفي لمعنى وجود الجهل ‪ ،‬هل التراب يعني شيئا له معنى آخر غير ما نعرف في‬
‫معناه ؟ نعم ‪ ،‬ولم ل ‪ ،‬وقد خلق منه النسان ‪ ،‬وهل الماء يعني شيئا ؟ ومن يقول ل ‪ ،‬اللـــه‬
‫سأبحانه وتعالى جعل منه كل شيء حي ‪ ،‬لعل النسان ل يقدر ا حق قدره ‪ ،‬ول يعطي للماء‬
‫والتراب قيمتهما ‪ ،‬أل يعنيان وجود سأر ل يدرك النسان معناه ؟ ألم يخلق عيسى عليه السلم‬
‫من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طائرا بإذن ا ؟ لعل المعنى أن النفخ في الطين يعنـي‬
‫شيئا آخر ‪ ،‬ولعل السر في الروح ل في النفخ بل لعل النفخ معناه الروح ‪ ،‬بلى يوم ينفخ فـي‬
‫الصور يصعق من في السماوات والرض إل من شاء ا ‪ ،‬وكما أعطى النفخ فـي أول مـرة‬
‫معنى الحياة ‪ ،‬فإنه يعطي مرة أخرى معنى الموت ‪ ،‬لعل المعنى هنا ل يعني شيئا ‪ ،‬بلى ‪ ،‬إن‬
‫ا فعال لما يريد ذو بطش شديد ‪ ،‬ل تعرف معنى معانيه ‪ ،‬لذا ضرب للنسان من كل مثل ‪،‬‬
‫وجعل له الماء يرويه ‪ ،‬وهو الذي يفقره ويغنيه ‪ ،‬وا ضرب للناس مثل الفقر والغنى ‪،‬‬
‫وفكر النسان في ما هو معنى بينهما ‪ ،‬فأوتي سأليمان عليه السلم ملكا ل ينبغي لحد مـن‬
‫بعده ‪ ،‬وليس فيه فقر ول غنى ‪ ،‬وسأخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصأاب ‪ ،‬وكــان‬
‫المعنى ‪ ،‬أن ا سأبحانه وتعالى لم يكن بالريح ول في الريح ‪ ،‬فليقل النسان لماذا عبدت النار‬
‫؟ لعل الذين كانوا يعبدونها ظنوا أن معناها يكمن في م عنى إذا دخلوا جهنم ترحمهم النار‬
‫لنهم كانوا يعبدونها ‪،‬إن معنى العذاب في النار يعني أن ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬ليس له اتصال‬
‫بالنار ‪ ،‬بل هي تحت أمره ‪ ،‬والباحث عن معنى وجود الجنة وعن معناها في المعاني الكونـية‬
‫الموجودة ظاهريا ‪ ،‬قد يدخل جهنم ليدرك معنى المعنيين ‪ ،‬أن بين الجنة والنار سأعيا وراء‬
‫ملك ل يبلى ‪ ،‬فالنسان بين الجنة والنار ‪ ،‬وغريب أن يسأل أين هو إذا ؟ قد ينسى أنه فــي‬
‫الحياة الدنيا يسعى إلى الخلود وإلى الملك الذي ل يبلى ‪ ،‬فإن بين الجنة والنار الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫وهذه الحياة معناها ل يعني حياة كحياة في معناها ‪ ،‬بل وجودا بين الحياة والموت ‪ ،‬فالنسان‬
‫منذ أن يولد إل وهو بين الحياة والموت ‪ ،‬ول يمكن أن نـقول بأنه فـي الحياة ‪ ،‬لن الموت‬
‫‪9‬‬

‫يهدده ‪ ،‬لذا سأميت الحياة الدنيا بالحياة الدنيا ‪ ،‬فهي معنى يعنــي عــدم وجــود اسأتقرار ‪،‬‬
‫ويعنـي وجــود متـاع إلى حين ‪ ،‬والمتاع الـذي يكون إلى حين ‪ ،‬ل يسمى ملكــا لنه يفقــد‬
‫ويضمحل ‪ ،‬فما المعنى في القول إذاا هل لشيء معنى أم ل ؟ إن الشياء تعني أنها أشياء ‪،‬‬
‫فلها معنى كأشياء ‪ ،‬ولو لم تكن لفقد المعنى ‪ ،‬ويبقى معنى العدم أن له معنى غيبيا ‪ ،‬لــذا‬
‫النسان ولم يكن شيئا مذكورا ‪ ،‬ما أيأس الشيطان حين ل يعرف المعنى في كونه شيطانـا ‪،‬‬
‫لنه يعني ثبات إيمان المؤمن ‪ ،‬ويعني ثبات كفر الكافر ‪ ،‬والشيطان بين الكفر واليمــان‪،‬‬
‫يخاف ا رب العالمين ‪ ،‬وبعزة ا يغوي القوم الكافرين ‪ ،‬ولكن ا سأبحانه وتعالى أثبت‬
‫القول أن الشيطان كان من الكافرين ‪ ،‬والكافر كذلك يؤمن بال ‪ ،‬أليس كذلك ؟ وإذا فعل الشـر‬
‫يقول بإذن ا ‪ .‬إن المعنى فوق المعنى ‪ ،‬ويعني معاني أخرى ‪ ،‬إن ا سأبحانه وتعالى فوق‬
‫كل شيء له الكرسأي والعرش وله الملك الذي ل يبلى ‪ ،‬أمر النسان بأن يقـول ‪ :‬اللـه ويــذر‬
‫القوم الكافرين في خوضهم يلعبون ‪ ،‬إن بين الكذب والصدق حكم ا ‪ ،‬وبين الرجل والمرأة‬
‫ذرية ‪ ،‬وخلق الناس من نفس واحدة بث ا منها زوجها وجعل منهما رجال كثيرين ونساء ‪،‬‬
‫فكان بين آدم عليه السلم ونفسه زوجة وبينه وبين زوجه أبناؤه ‪ ،‬ويخاطب اللــه سأبحانـــــه‬
‫وتعالى بني آدم ‪ ،‬مثل ومعنى لعلهم يفهمون بفهم معنى المثل أنهم قد يخطئون ‪ ،‬كما لم‬
‫يكــــن لدم عليه السلم عزم ‪ ،‬ولكن ليتوبوا إلى ا فيتوب عليهم ‪ ،‬كما تاب على آدم عليه‬
‫الســلم ‪ ،‬وليبقى المعنى بعيدا كل البعد عن معناه الذي له معنى آخر فيه سأــر الخلق‬
‫وأسأبابه ‪ ،‬والمعنى المفهوم ‪ ،‬وهو أن ا سأبحانه وتعالى خلق النس والجن ليعبــدوه ‪ ،‬فكان‬
‫المعنــى هو أن يعبد النسان اللـه ول يشرك به شيـئا ‪ ،‬حتى يبقى المعنى أن النسان خلق من‬
‫أجل العبادة ‪ ،‬أما إذا لم يعبد النسان اللـه ‪ ،‬فإنه سأيبحث عن المعنى الذي خلق من أجله ‪ ،‬فل‬
‫يجد جوابا آخر ‪ ،‬لن المعنى الحقيقي قد رفضه ‪ ،‬ولن النسان رفـض المعنى الذي خـلــق‬
‫من أجله ‪ ،‬إذا به يعطي معنى آخر لوجود أنه هو إله أيضا ‪ ،‬فكان القول عجبا ‪ ،‬والمعنى ل‬
‫معنى له ‪ ،‬ولكن هذا يعني معنى آخر أن القائل قد كفر ‪ ،‬وكفره هو المعنى الصحيح ‪ ،‬ويدل‬
‫على معنى آخر أنه يعبد ا كرها ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالى خلقه من أجل العبادة ‪ ،‬لذا ل‬
‫تبديل لكلمات ا ‪ ،‬وسأبحان اللــه عما يشرك الناس ‪ .‬وبعد هذا فإن الكافر ل يمكنه أن يجد‬
‫معنى آخر ينفي المعنى الحـقيـقي ‪ ،‬فيقول الكافر حين يرى العذاب ليته كان ترابا ‪ ،‬ألم يكن‬
‫ترابا ؟ إنه لـعجب حقا أن ل يـدرك النسان معاني ما حوله ‪ ،‬ويبحث عن عدم المعنى ‪،‬‬
‫فيعطي معاني أخرى لشياء لــها معــان حقيقية ‪ .‬إن المعنى الذي ليس له معنى هو أن يهتم‬
‫بأشياء ل معاني فيها ‪ ،‬ليكن الهتـمام كلــه في كل ما هو مهم ‪ ،‬وإذا ما أعطينا الهمية لما‬
‫ليس له أهمية ‪ ،‬فإن أهميتنا ل تبقى لـها أهمية ‪ ،‬وفي الحقيقة لماذا يهتم النسان ؟ هل يهتم‬
‫بنفسه ؟ فما هي أهميتها وما المهم فيها ؟ لعلها تعني المعنى ‪ ،‬أن النفس أمارة بالسوء ‪ ،‬ثم‬
‫ما معنى السـوء نفسه ؟ لعلـه ضد الحســان ‪ ،‬والحسان ما هي أهميته وما هو معناه ؟‬
‫إن الحسان ل معنى له إذا كان النسان ليس له معنى ‪ ،‬وليكون للنسان معنى فماذا‬
‫يجب عليه ؟ إنه قيل أن النسان ليس له معنــى ‪ ،‬ول تكون له معان إذا لم يعط له معنى‬
‫يعني معناه أن للنسان معنى ‪ ،‬وقيل أيضا إن النسان ل يكون له معنى كإنسان إل علم‬
‫معاني المعاني في معنى المعنى ‪ ،‬وقد قال من مكــر فـــي المعاني ‪ :‬إن المعاني كلها‬
‫تعني أن النسان تضرب به المثل كمعان ‪ ،‬وضرب مثل النسـان‬
‫‪10‬‬

‫في الكفر والطغيان والنسيان ‪ ،‬فهذه معان للنسان ضربت بمثل تعني أن النسان إنسان‬
‫ينسى كل ما ل يجب أن ينسيه أنه إنسان ‪ ،‬فإذا نسي النسان أنه إنسان ‪ ،‬فكيف سأيصبح‬
‫المعنـى ‪ ،‬إذ يفقد النسان معناه ؟ لعل المعنى أن النسان ل يعرف معناه بين المعاني التي لها‬
‫معنى ‪ ،‬لن كل شيء في الكون يبقى معناه ما شمل في المعاني ول يتغير في معناه ‪ ،‬إل‬
‫النسان ‪ ،‬فإنـه يفقد معناه ‪ ،‬لنه يسعى أن يبدل معاني المعاني ‪ ،‬لذا يضرب بـه المثل ‪،‬‬
‫وعندما يفقد معنـــاه يكون من شر الدواب عند ا ‪ ،‬لو احتفظ النسان بمعناه كإنسان خلق‬
‫من صألصال كالفخـار ‪ ،‬وخلق من أجل العبادة لما ضرب به المثل ‪ ،‬ولما كان مــن شـر‬
‫الدواب عنـد ا ‪ .‬لنـه يفقـد معناه كإنسان ‪ ،‬فلبد أن يشبه بالدواب ويجعل منه القرة‬
‫والخنازير وعبدة الطاغوت ‪ .‬إن اللـه سأبحانه وتعالى لم يكن ظلما للعبيد ول يعذب إل من‬
‫فقد معناه ‪ ،‬وغيير معاني المعاني التي تعني أن ا هو خالق كل شيء وأن المعاني كلها‬
‫ترجع ل ‪ .‬إن كل شيء موجود إل ويعنـي أن ا سأبحانه وتعالى هو رب الوجود ‪ ،‬وهو‬
‫الذي جعل للشياء معاني ‪ ،‬وجعل الشـمـس تعطي وجود النهار ‪ ،‬وغروبها يعني حلول‬
‫الليل ‪ .‬ليقل النسان ما هو دليل الليل ؟ هــل هــو وجود الظلم أو غروب الشمس ؟ لعل‬
‫المعنيين ل يعنيان معنى ‪ ،‬لن القمر يعني دليل تغييــر الظلم ‪ ،‬ولكن القمر يكون بالنهار ‪،‬‬
‫فلعل الذيــن فكروا في الليــل والنهار ‪ ،‬قــد فكــروا فــي السماوات والرض فقالوا ربنا ما‬
‫خلقت هذا باطل سأبحانك ‪ ،‬فقنا عذاب النار ‪ ،‬إن دليل القول فيه معنى وخوف من النار ‪،‬‬
‫وهذا يعني أن لو أعطى النسان معنى آخر للسمـاوات والرض فإنه يدخل النار ‪ ،‬والدخول‬
‫للنار يعني أن النسان فقد معنــاه ‪ ،‬لنــه أعطــى معانــي أخــرى لشياء أخرى ‪ ،‬جعل لها‬
‫‪ .‬سأبحانه وتعالى معاني حقيقية‬
‫فالنسان إذن ل يفقد معناه حتى يعطي للمعاني معاني ل تعنيــها ‪ ،‬يعطيها على حســب ما لــم‬
‫يكن له معنى ‪ ،‬فرأي النسان له معنى يعني حقيقة لها معان ‪ ،‬بل الرأي هو العلم ‪ ،‬لن العلــم‬
‫يعني رأي الصواب ‪ ،‬والرأي من الرؤيا التي تتم بها رؤية معاني المعاني ومعنــى المعــنى ‪،‬‬
‫فالمعنى ل يفقد معناه إل إذا فقد العلم ‪ ،‬لن بفقدانه يفقد المعنى ‪ ،‬قيل للنسان ما ظنـك بــرب‬
‫العالمين ؟ لن النسان يعطي معاني أخرى ‪ ،‬لكل ما ل يعرف معناه ‪ ،‬فيظن بال السـوء ‪ ،‬إن‬
‫كل ما ل يعرف النسان ‪ ،‬وجب عليه أن يطلب معناه ‪ ،‬حتى ل يضل فيشقــى ‪ ،‬ثم ينسـى أن‬
‫إلى ربه الرجعى ‪ ،‬فكلما أعطى النسان معانــي أخــرى لــما لــم يعرف معناه ‪ ،‬يفهم معانــي‬
‫مغايرة فيضل ويشقى ‪ ،‬فيقول كيف تكون ل الرجعى ‪ ،‬وكأنه يبحث عن المعنى ‪ ،‬وماذا يعني‬
‫الرجوع إلى ا ‪ ،‬ثم كيف الجسد يبعث بعد أن يبلى ‪ ،‬وكيف للروح أن ترجع مرة أخرى ‪ ،‬إن‬
‫النسان يبحـث عـن المعنى الذي لم يعط معناه ‪ ،‬لماذا سأأل النسان عن الروح ويسأل عنـها ؟‬
‫إنه سأعي وراء الخلود ‪ .‬فهذا سأؤال له معنى كسؤال أريد به معنى آخر ل يظهـر النسـان فـي‬
‫معناه ‪ ،‬فلم ل يسأل النسان عن الخلود بدل من أن يسأل عن الروح ؟ ظنا منه أن الـروح لـها‬
‫خلود ‪ ،‬ولكن هل في النار تنزع من النسان الروح أم ل ؟ ربمـا إذا نــزعت الــروح تبقـى‬
‫الحياة ‪ ،‬ولكن كيف ذلك ‪ ،‬والكافر في جهنم ل يموت فيها ول يحيى ‪ ،‬لعلها حياة أخـرى ‪ ،‬لـها‬
‫معنـى آخر تبقي النسان ل يموت ول يحيى ‪ ،‬إن الكافر يحشر أعمى يوم القيامة ‪ ،‬ولـم يكـن‬
‫المشكل هو أنه فقد بصره ‪ ،‬بل المشكل أنه فقد المعنى ‪ ،‬إذ ليس من المعنى أن يكون له بصـر‬
‫ل يرى به شيئا يعطيه معناه ‪ ،‬إنه ل حاجة للكافر يوم القيامة بالبصر ‪ ،‬لنه عـاش فـي الحياة‬
‫‪11‬‬

‫الدنيا ‪ ،‬ولم ير شيئا له معنى ‪ ،‬فقال إنما الحياة الدنيا يموت فيهـا ويحيـى ‪ ،‬ولم يعط أهمـيـة‬
‫لمعنى الموت والحياة ‪ ،‬وما بينهما إل الخلود ‪ ،‬فيخلد الكافر في النار ‪ ،‬لنه بحث عن الخلـود‬
‫في الحياة الدنيا ‪ ،‬بعدما أعطى معنى آخر للموت والحياة ‪ ،‬لعل النسـان إن احتفظ بالمعانـي‬
‫يدرك معنى المعنى ‪ ،‬أن للمعاني معاني أخرى ل تعني المعاني المدركة ‪ ،‬بـل تعنـي معانـي‬
‫غيبية ل يدرك معناها ‪ ،‬وما الموت إل مثل للنسان ‪ ،‬معناه أن النسان يفنى ‪ ،‬وكل ما فيـه ل‬
‫يبقى ‪ ،‬لنه خلق من قبل ولم يكن شيئا مذكورا ‪ ،‬كذلك الكافر في جهنم ينسى ‪ ،‬وإذا ما نسـي‬
‫فما هو المعنى ؟ ‪ .‬إن ذلك يعني أن ا غني عن العالمين ‪ ،‬لن يعطوه نفعا ‪ ، ،‬ول يضرونه‬
‫شيئا ‪ ،‬ولو قابلنا معنى بمعنى لكان لنا معنى آخر يعني المعنيين ‪ ،‬ويعني معنى ثالثا لهما ‪ ،‬كم‬
‫من كلم أعطي له معنى ولم يكن له أصأل في المعنى ‪ ،‬إذا كتبنا كلمة كلمـة ‪ ،‬فإن الكلمة تعني‬
‫معناها أنها كلمة ‪ ،‬ولكن إن كتبنا كلمأات أخرى ‪ ،‬فإن تلك الكلمات تعني أشيـاء أخـرى ‪ ،‬هل‬
‫فكر النسان في الميزان أم ل ؟ إن فيه معنـيين ‪ ،‬وحامله معنى آخر يعني أن بيـن المعنـييـن‬
‫معنى بالتوازي أو فرق بينهما ‪ ،‬كم هو الضوء قوي عندمـا يخرج النسـان من الظلم ‪،‬‬
‫والضوء يعني أن النسان كان في ظلم ‪ ،‬ولول خروجه إلى الضوء لما عرف أنه في‬
‫ظلم ‪ ،‬وهذا يعني أن النسان قد يسيء ويظن أنه يحسن صأنعا ‪ ،‬إن قوة النسـان ل تعني‬
‫شيئا لن قوة ل جميعا ‪ ،‬فلو كانت قوة حقيقية لما أصأيب بالضعف ‪ ،‬فهذا معنى ينفي معنى ‪.‬‬
‫إن معرفة معاني المعاني علم فيه التفاني في المعاني ‪ ،‬لذا كان المعنى أنه يخشنى ا من‬
‫عباده العلمـاء ‪ ،‬لن الجاهل ل يخاف اللـه ‪ ،‬وكيف يخافه وهو ل يدري معنى الخوف ‪ ،‬ول‬
‫معنـى الدراك ‪ ،‬ول معنى العلم ‪ ،‬ول معنى الجهل ‪ ،‬ول معنى المعنى ‪ ،‬لذا فهو يتمتع في‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬لن متاع الحياة الدنيا ليس فيه معنى ‪ ،‬ومعنى المتـاع الحقيقي ‪ .‬هـو فـي‬
‫الجنة حيـث النسـان ل يشقى ‪ ،‬وحيث يبقى المعنى ل يغير معناه ‪ .‬إن القوة والضعـف‬
‫بينهما معنـى يعطـي معنـى للسكينـة ‪ ،‬والسكينـة معنـى ودلـيـل الحكمة ‪ ،‬ومن أوتـي‬
‫الحكمـة فقد أوتي خيـرا كثيـرا ‪ .‬إن المعاني تعني حكمة ‪ ،‬والحكمة تعطي الطمأنينة ‪،‬‬
‫والنفس المطمئنة ترجع إلى ربها راضية مرضية ‪ ،‬وتدخل الجنة بإذن ربها ‪ ،‬والحكيم هو‬
‫الذي يدرك أن الحكم ل والرجوع إلى اللـه ‪ ،‬وغير هذا ليس بحكمة ‪ ،‬وليس له معنى ‪،‬‬
‫والقول إن لم تكن فيه حكمة ‪ ،‬فإنه ل يعتبر قول بـل كلما ‪ ،‬والكلم قد يكون فيه معنى ‪ ،‬كما‬
‫قد يفقد معناه ‪ ،‬والكافر إنما يقول كلما ‪ ،‬هـو قائلـه حتى يظهر القول وصأحته حين تظهر‬
‫المعاني ‪ ،‬لتعني في معانيـها أن النسان ظالم لنفسـه مبين ‪ ،‬إن النسان مسئول ويسأل عن‬
‫كل كلم جعل له معاني ل تعنـي القـول الحقيقـي ‪ ،‬لــذا فإن الكافر يوم القيامة ل ينطق بشيء‬
‫وينزع منه الكلم ‪ ،‬لنه كلما تكلم إل ويقول شيئا لـيس فيه معنى ‪ ،‬أو يقول قول ل يعرف‬
‫معناه إل بمعنـى الكـفر ‪ ،‬هـل رأى النسـان حربـا بيـن المعاني ‪ ،‬ينتصر فيها معنى على‬
‫معنى آخر ‪ ،‬وقد يكون هنـاك معنى يحكـم بـين المعـنـيين المتحاربين ‪ ،‬ويعطي بحكم معنى‬
‫لئق قد يقبله المعنى الول والمعنى الثـاني ‪ ،‬تلك حـرب الفكار والمباديء والعقائد ‪،‬‬
‫فيأتي حكم الدين بما حكم ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬ويعطـي للفكـار البالية والمباديء الخالية من‬
‫المعاني ‪ ،‬معنى أن كل ذلك ليس له شيئا ‪ ،‬بل ا هو الذي يعلـــم الحق في القول ويضرب‬
‫الكذب بالصــدق ‪ ،‬ول داعــي للتساؤل ‪ ،‬فإن بين الصــدق والكــذب يوجد النفاق ‪ ،‬والنفاق‬
‫ريبا في النفس ‪ ،‬وشكا في الحق ‪ ،‬وهو معنى للكفر ‪ ،‬وما هــو المعنــى‬
‫‪12‬‬

‫الذي ل يفهم معناه ؟ قـد يكون لغـزا ‪ ،‬لن اللغـز معان تعني شيئا أو أشياء معينة ‪ ،‬وفي هــذا‬
‫‪ ،‬الحال ‪ ،‬فلنقل ما هو لغـز النسان ؟ وإن قيـل لحد إن فـي الرض شيئا يمشي على رجليـن‬
‫وله يدان وسأمع وبصر ‪ ،‬قد يقول إن ذاك معنى لقرد ‪ ،‬ولكن إن زيدنا أن لذلك الشيء عقل ‪،‬‬
‫فقد يعرف المعنى أن ذاك هو النسان ‪ ،‬إذا فالنسان إنسان لن له عقل ‪ ،‬وهـل المعنى أن‬
‫العقل ل يوجد إل عند النسان ؟ بلى ‪ ،‬إن المعنى بعيد عن معنى العقل ‪ ،‬لن العقل ل يدرك‬
‫هذا ‪ ،‬والنسان لم يشهد خلقة نفسه ‪ ،‬ولم ير خلق ا كله ‪ ،‬فال يخلق ما ل نعلم ‪ ،‬وليكن‬
‫المر كذلك ‪ ،‬فالمعنى في القول لم يفهم ‪ ،‬ولكن ليفهم النسان فهما ‪ ،‬أن هناك معانـي تعنـي‬
‫أشياء عندنا وأشياء أخرى عن قوم آخرين ‪ ،‬وتعني معنى آخر غيبيا ‪ ،‬ولنذكر مثل عـن‬
‫الناقوس ‪ ،‬كل الناس يعرفون معناه ‪ ،‬ولكن ما هو الناقور ؟ إن المعنى الول يعني المعنـى‬
‫الثاني ‪ ،‬جعل الناقوس لن الناس كذبوا بالناقور ‪ ،‬فأصأبح الناقوس معناه اسأتهزاء بالمعنـى‬
‫الحقيقي الذي هو الناقور ‪ ،‬ومثال آخر يعني معنى آخر مشابها للمعنى الول في المثل ‪ ،‬جعل‬
‫النسان البوق اسأتهزاء بالصور ‪ ،‬وينفخ في البوق ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالـى يقـول سأينفخ فـي‬
‫الصور ل في البوق ‪ ،‬فكان المعنى دليل المعاني ‪ ،‬إذ يعني صأراعا بين معان مزيفة ومعـان‬
‫حقيقية ‪ ،‬كذلك النور والظلمات ‪ ،‬فينفخ في الصور يوم القيامة فيتحطم البـوق ‪ ،‬وينقر فـي‬
‫الناقور فيتحطم الناقوس ‪ ،‬ما أعظم معاني حكمة ا ‪ ،‬إنه ليحكم بما حكم بـه النسان علـى‬
‫نفسه ‪ ،‬لن من يعمل سأوء يجز به ‪ ،‬ولكن الواقع هو الواقع نفسه ل واقعا آخر مزيفا ‪ ،‬وليكـن‬
‫المعنى هو المعنى الذي يعني معناه ‪ ،‬إن المر لواضح ‪ ،‬كم من كلم ونطق بلسان نعني بــــه‬
‫أشياء ‪ ،‬بينما ذلك الكلم يعني كلما خبيثا عند قوم آخرين ‪ ،‬ومن يعرف لغات كثيرة قد يفهــم‬
‫معنى القول ‪ ،‬والسـبب في ذلك هو أن النسان انحرف عن أصأــل اللغات المنــزلة ‪ ،‬وجعـــل‬
‫لنفسه لغة على حسب هواه ‪ ،‬وبهذا يفقد معنى الكلم ‪ ،‬ويكون الخبث نطقا باللسان ‪ ،‬وهــذا ل‬
‫يحتاج إلى مثال لن المعنى مفهوم ‪ .‬إن الواقع واقع له معنى ‪ ،‬والواقع الذي ليــس له معـنى ‪،‬‬
‫فهو واقع خيالي أعطاه النسان معنى ‪ ،‬ومثل المعنى في الذهب يحبه الناس ‪ ،‬أعطي له قيمـة‬
‫‪ ،‬ومعناه أنه أعطي له معنى ‪ ،‬فأصأبح يعني مال ‪ ،‬والنسان هـو الذي اهتم بهذا ‪ ،‬ولم يكن‬
‫لهذا معنى له أصأل ‪ ،‬لن المال زينة الحياة الدنيا ومتاع الغـرور ‪ ،‬والذيــن يكنزون الذهــب‬
‫والفضة يعذبون ‪ ،‬كم من قائل قال إن ا سأبحانه وتعالى يستهزيء بالخلق ‪ ،‬ولم يكن للقــول‬
‫المزيف معنى ‪ ،‬وما قيل ذلك إل لن ا يمنع الناس عن الفساد والفسوق ‪ ،‬ولو أباح لهم ذلــك‬
‫لقالوا إن ا على حـق ‪ ،‬لـذلك لو اتبع اللـه سأبحانـه وتعالـى أهواء الناس لفســدت السمــاوات‬
‫والرض ‪ ،‬ولنبق في المعنى أن الذيــن قالــوا قولهــم ما قالوه إل لنهــم هــم المستهزئون ؛‬
‫وغريب أن نفكر قليل كيف عرف النسان السخرية ‪ .‬إن السخرية تكذيـب ؛ وبيـن السخريـــة‬
‫والجد يوجد الفساد ‪ ،‬فكان المعنى أن النسان هـو موضع السخرية ‪ ،‬لنه جمع حوله ما ليــس‬
‫له معنى ‪ ،‬هل فكر النسان يوما في ما يجمعه حوله من شيء لم يكن شيئا له معنى ‪ ،‬إن عـدم‬
‫وجود أشياء لها معان أرغمت النسان أن يجمع أشيــاء ويعطيهــا معانــي غير واقعية ‪ ،‬لـــذا‬
‫وجدت الملهي واللعاب ‪ ،‬واللـه سأبحانه وتعالى يترك الناس يلعبون ‪ ،‬لنهم فقدوا معناهـم ‪،‬‬
‫فاللعب أولى لهم ‪ ،‬وا يستهزيء بالكافرين ويمــدهم في طغيانــهم يعمهون ‪ ،‬وليكــن المــر‬
‫واضحا أن كل شيء له معنى ‪ ،‬ومعنى اللهو هو الهزء ‪ ،‬ومعنــى اللعب سأخرية ‪ ،‬ومعناهــما‬
‫‪13‬‬

‫كفر ونكران لما جعل ا بالحق ‪ ،‬وجعل ا سأبحانه وتعالى بين الكفر والشرك الهدى ‪ ،‬ومن‬
‫يهديه اللـه فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ؛ فكان المعنى أن اللـه يهـدي من يشاء ‪،‬‬
‫وهناك معنى آخر في القول ‪ ،‬فإن ا يهدي من الناس من شاء منهم أن يهتدي ‪ ،‬وليكن المر‬
‫واضحا ‪ ،‬وأي أمر هو حتى يتضح ؟ لعل المعنى ل يعني معناه في أشياء لم تتضح معانيها ‪،‬‬
‫ما أغرب ما قـال النسان على نفسـه ‪ ،‬إذ قيل إن النسان من سأللـة من قرد ‪ ،‬واللـه سأبحانـه‬
‫وتعالى يقول إن النسان من سأللة من طين ‪ ،‬لذا فإن المر لواقع ما له من دافع ‪ ،‬لن المعنى‬
‫من القول لم يكن هو المعنى الول ‪ ،‬بل قول عني به أن قول ا سأبحانه وتعالى لم يكن على‬
‫حق ‪ ،‬وأنه لم يعط الحل للنسان ‪ ،‬بلى إن المعاني لها معان أخرى تعني معناها ‪ ،‬إن النسان‬
‫إن كفر ودخل النار ‪ ،‬فإنه يخسر نفسه وأهله ‪ ،‬ول يكلمه ا ول يزكيه ‪ ،‬ألم يقل النسان على‬
‫ا شططا وقال كذبا ؟ ألم يقل اللــه إنه فضل النسان على كثير ممن خلق تفضيل ؟ ليـكـن‬
‫المر كذلك بأنــه ل معنى لمن ل يــريد أن يفهم المعنــى ‪ ،‬ويبحث عن معاني المعانــي ‪ ،‬إن‬
‫الشمس تشرق كل يوم دالة على أن ا سأبحانه وتعالى على وعده أن رحمته سأبقت عذابــه ‪،‬‬
‫ويوم ل تشرق الشمس ‪ ،‬ويأتي العذاب ‪ ،‬فإن ا سأبحانه وتعالى غيير ما بالنـاس لنهم غيـروا‬
‫ما بأنفسهم ‪ ،‬لذلك فإن ا ل يخلف الميعاد ‪ ،‬إن المعنى الحقيقي هو أن يبحــث النســان عــن‬
‫الصواب ليعرف معنى الخطأ ‪ ،‬فالخطأ يوقع النسان في الشــرك ‪ ،‬ومنه يكــون الصأــرار ‪،‬‬
‫وأهل الصأرار هم أهل النار ‪ ،‬إن المعنى شامل لمعان للباحث عن نعنى الصواب ‪ ،‬والنسان‬
‫تأخذه العزة بالثم ‪ ،‬لنه ل يعرف معنى الثم ‪ ،‬ول يعرف معنى الفتخار ‪ ،‬وكل افتخار فـهو‬
‫جهل ‪ ،‬وما أعظم معنى الجهل ‪ ،‬وما أقبح أن يقال للنسان إنه جاهل ‪ ،‬لنـه إن قيل لــه ذلك ‪،‬‬
‫إذا به يدافع عن جهله بمعاني وسأيلة دفاع تدفع عنها المعاني الحقيقية ‪ ،‬وليكن أمــر النســان‬
‫كما هو من آمن بال واليوم الخر يدخل الجنة ‪ ،‬ومن كفر يدخل النار ‪ ،‬وبين المؤمن والكافـر‬
‫يصل النبياء عليهم السلم بالحق ‪ ،‬فيعطوا معاني اليمان ومعاني الكفــر ‪ ،‬وكلهما معنيــان‬
‫أن المر بيد ا ‪ ،‬قال قائل لم يعرف من هو بل عرف معنى قوله وسأؤاله في معنى دخـول‬
‫الكافر إلى جهنم ‪ ،‬وماذا سأيفعل الكفار في جهنم ؟ فـقيل له إن الكفار لن يفعلوا شيــئا ‪ ،‬لنــهم‬
‫فعلوا كل شيء في الحياة الدنيا ‪ ،‬وفي الخرة تفعل بهم أشياء ؛ هكذا ‪ ،‬فإن المعنى يعني معناه‬
‫أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ‪ ،‬وليبقى المعنـى كـما هــو‬
‫خفيا في المعاني وما فوق المعاني ‪ ،‬فهي مثل ا سأبحانه وتعالـى ‪ ،‬إذ يضــرب للنسان مــن‬
‫كل مثل ‪ ،‬وإذ قال طفل لوالده أي أبتتاه إني رأيت رجل شيخا يصفق بيديه ‪ ،‬فقال الوالـد ‪ :‬إن‬
‫معنى ذلك أن الشيخ يندب حاله ‪ ،‬ويعبر عن ندم فوق طاقته ‪ ،‬فقال الولد إن الشيخ كان يغني ‪،‬‬
‫فأجابه والده إن المر سأــواء والغناء بكــاء ‪ ،‬فليضحك الناس قليل لنهم سأيبكون كثيــرا ‪ ،‬إن‬
‫المعنى في هذا يعني معناه أن الغناء اسأتهزاء وضد لمعنى قراءة القرآن ‪ ،‬وكــم من معنــى ل‬
‫نعرف معناه ‪ ،‬إذا كان الغناء اسأتهزاء فماذا يكون الرقص ؟ لعله عبادة يعبد بها الشيطان ‪،‬‬
‫ربما نسي النسان الشيطان ‪ ،‬إنه لمر حقيقي ل يصدق به الناس ‪ ،‬لن المعنى غيبـي ‪ ،‬وكـم‬
‫من قائل قال إن كان الشيطان موجود فأخرجه ‪ ،‬ولو خرج الشيطـان للنـاس لرحبوا به ‪ ،‬ولــم‬
‫ل ؟ وهــم أخلء يكونون يوم القيامة لبعضهم البعض أعــداء ‪ ،‬وقال قائل كــأن الشياء يــوم‬
‫القيامة تنقلب كلها ‪ ،‬فأجابه من عرف معنى القول ‪ ،‬معنى القول ‪ ،‬نعم لن يوم القيامــة تأتي‬
‫‪14‬‬

‫الزلزلة ‪ ،‬وينقلب كل شيء ‪ ،‬ما أعظـم معنـى المعاني في المعنى الذي ليس لــه معنــى ‪ ،‬أل‬
‫يبدل ا سأبحانه وتعالى السيآت حسنان ‪ ،‬فما المعنى في ذلك ‪ ،‬كذلك ا سأبحانه وتعالى قـادر‬
‫على كل شيء ‪ ،‬لــذا قــال للنسان بأن ل يزكي نفسه ‪ ،‬لنه قد يجعل عمله هبــاء منثــورا ‪،‬‬
‫‪ .‬وليعرف النسان أن الذين دخلوا الجنة ما دخلوها وهم يطمعون‬

‫إن ا مالك الملك يؤتي الملك من يشاء ‪ ،‬وينزعه ممن يشاء ‪ ،‬هل من إنسان له ملك الفكـار؟‬
‫ليتخيل النسان ملكا على الفكار كيف سأيكون عرشه ؟ ربما يكون من أفكار ‪ ،‬ولكن مـا هـي‬
‫الفكار ؟ إن الفكار تعني أشياء حقيقية ‪ ،‬وأشياء أخـرى غيبية ‪ ،‬ومعانيها مختلفة كلها تعنـي‬
‫معنى واحدا أن ا سأبحانه وتعالى هو مالك الملك ‪ ،‬فالمعنى ينفي معناه لن ا له الملك وله‬
‫الحمد ‪ ،‬ومن يحمد اللـه ويشكـره يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب ‪ ،‬كذلــك فــإن‬
‫المعنى أن من يؤمن باللـه قد يجعـل لـه اللـه ملكا في الجنة ‪ ،‬ولكن معاني المعانــي ل تعنــي‬
‫معانيها ‪ ،‬لذا فالنسان يحب العاجلة لنه ل يصدق بالغيب ول يؤمــن بالحق ‪ ،‬وكــل معنــى‬
‫يعطى إل ويبحث له عن معنى آخر لينفي المعنى الول ‪ ،‬وليكن النسان صأادقا فــي معانيـــه‬
‫التي يعني بها ما ل يظهره ‪ ،‬لذا فإن اللـه سأبحانه وتعالى يعلم ما نخفيه في صأدورنا ويعلم مــا‬
‫نعلم ‪ ،‬فإن كان من باحث عن معاني المعاني في معنى المعنى ‪ ،‬فإن اللـه ولي التوفيق ‪ ،‬وكـل‬
‫الحروف لها معانيها ‪ ،‬والكلم معناه فيها ‪ ،‬كما أن كــل ما في الكــون كتابــة ‪ ،‬فليقرأ النسان‬
‫باسأم ربه الذي خلقه وعلم آدم السأماء كلها ‪ ،‬أن ا سأبحانه وتعالى أعجــز المعانــي ليظهـر‬
‫شرك النسان وكفره ‪ ،‬لن اللـه سأبحانه وتعالى لو شاء لخرج أضغان الناس ‪ ،‬ومن معانـــي‬
‫المعاني قول ل إله إل ا ‪ ،‬فإن معنى القول يظهر أن هناك من قال إنه إله ‪ ،‬لذا قيل ل إلـه إل‬
‫ا نفيا لمعنى ليس له معنى ‪ ،‬وإثباتا للمعنى الحقيقي أن ا سأبحانه وتعالى هو اللـه ‪ ،‬فاسأــم‬
‫ا شامل للبعد والقرب والكل والمعاني كلها ‪ ،‬واسأم اللـه بمعنى الله اسأم يعني رب البعد كله‬
‫واللنهاية ‪ ،‬فاللـه إله ل إله إل هـو ‪ ،‬رب العرش العظيم ‪ ،‬واشتملت المعاني كلها في قـول ل‬
‫إله إل ا ‪ ،‬إله ل إله إل هو الرب ‪ ،‬إن المعاني انطوت على المعنى بالمفهوم الثلثي ‪ ،‬وهــو‬
‫وسأيلة الخروج من الظلمات الثلث التي خلق فيها النسان ‪ ،‬وليكن العلم كما هـو لـه معنــاه ‪،‬‬
‫فل داعي لللحاد في أسأماء اللـه ‪ .‬إن الفهم الثلثي يمكن معرفة أصأول الذكر وأسأس اللحـاد‬
‫وتصحيح العتقاد ‪ ،‬ومعاني المعاني لها معنى آخر في كتاب اللـه ‪ ،‬لن القـرآن مثاني ‪ ،‬وفيه‬
‫آيات محكمات وأخر متشابهات ‪ .‬وكل المعانــي تبقى معانيــها ل تبديل لـها ‪ ،‬لنـه ل تبديــل‬
‫لكلمات ا ‪ ،‬وقد غير الكثير الفهم الثلثي ‪ ،‬وأعطى للمعاني معاني أخرى ل تعنــي المعنــى‬
‫الحقيق ‪ ،‬وكل تغــيير في أسأمـاء اللـه وفي أصأـول الدين يخلط المعاني بالمعانـي فل يصبــح‬
‫للمعنى معناه ‪ ،‬وقد خاض الكثير في المعانــي ‪ ،‬وفي الفهم الثلثي ‪ ،‬ومنهم أولئك الذين قالــوا‬

‫‪15‬‬

‫إن اللــه ثالث ثلثة ‪ ،‬ولم يكن لهذا معنــى ثابت لن المعنــى الحقيقــي يعنـي اللـــه ‪ ،‬الله ‪،‬‬
‫الـــرب ‪ ،‬ثلثة أسأماء للــه شاملة لسأماء اللــه الحسنى كلها ‪ ،‬والباحــث عـن المعنـى ليفهـــم‬
‫‪ .‬المعنـى الول بالمعنى الثاني ‪ ،‬فإن فيه معاني المعاني في معنى المعنى‬
16

17
‫ما أعجب معنى المعنى في المعاني التي لها معاني ‪ ،‬إذ تظهــر معانـي المعاني في كل شامـل‬
‫لمعنى ‪ ،‬فإن قيل إن المعاني لم تفهم ‪ ،‬يقـال إن الفهم رباعـي ل ثلثي ‪ ،‬وليدرك المعنـى فـــي‬
‫معناه ‪ ،‬فإن القلم ليكتب فلبد من موضع للكتابة ‪ ،‬والقلـم دليل الكتابة ‪ ،‬ولبـد من كاتب يكتـب‬
‫بالقلم كتابة في موضع الكتابة ‪ ،‬فهـذا معنـى لمعنـى يعنـى به معنى ومعنـى ‪ ،‬والورقـة كمثـال‬
‫للمعنى الول ‪ ،‬واليد للمعنى الثاني والقلم للمعنى الثالث ‪ ،‬والكتابة للمعنـى الرابـع ‪ .‬إن الفـهـم‬
‫الرباعي يفهم به الفهـم الثلثـي ‪ ،‬والفهم المثينـى فهو فهم فكري صأوري ‪ ،‬والفهم الفردي هـو‬
‫صأوري ‪ ،‬أمـا الفهـم الثلثــي فأسأاسأه فهم فكري صأوري عقلي ‪،‬تفهـم المعاني كلها بالقـــــوة‬
‫الكامنة في الشياء ‪ ،‬والفهم الرباعي هو فهم بقوة الشياء في قواها ‪،‬فهو إدراك فكري عقلي‪،‬‬
‫الفهم المثنى تفهم فيه الفكار والصور بقوى العقل فقـط ‪ ،‬ليس فيه اتصال بالعقل نفســـه ‪ ،‬ول‬
‫يمكن به إدراك المعاني في معانيها الصألية ‪ ،‬ولكن المر كذلك أن النسان إن عجز عن فهـم‬
‫معاني المعاني في معنى المعنى ‪ ،‬فلبد أن يسعى إلى فهم ما لم يفهم بمعنى المعنى في معاني‬
‫المعاني ‪ ،‬خلق النسان من صألصال من حمإ مسنون ‪ ،‬إن فكر وقدر قتل كيف قدر ‪ ،‬فالمربـع‬
‫معناه القبر ‪ ،‬ومعنى الموت سأؤال في ما بعد الموت ‪ ،‬وإن لم يفهم النسان معنى الحياة فكيف‬
‫سأيفهم معنى الموت ‪ ،‬وكل نفس ذائقة الموت ‪ ،‬إن الموت موت بمعنى عدم وجود بعد وجود ‪،‬‬
‫أمــا معنــى ما قبــل الحياة فل يعتبــر موتا ‪ ،‬لن قبــل الحياة عدما ‪ ،‬فهو شيء في اللشيء‪،‬‬
‫واللشيء شيء في العدم ‪ ،‬لن العدم وجود بالنسبة ل خالق كل شيء ‪ ،‬فالكون معانيه ثلثــة‬
‫‪ ،‬كون ظاهري ‪ ،‬وكون باطني ‪ ،‬وكون عدمي ‪ ،‬والكون الرابع شامل للثلثة ‪ ،‬فهو وجودي ‪،‬‬
‫فالظلمات الثلث التي خلق فيها النسان أولها عدم ‪ ،‬ثم ظاهر ‪ ،‬وباطـن ‪ ،‬ومن الثلثة خــرج‬
‫النسان للوجود ولم يكن شيئا مذكورا ‪ ،‬فبالوجود الذي له معنى المعنى تفهم الظلمات الثـلث‬
‫في معاني المعاني ‪ ،‬وليكن المعنى كما هــو ‪ ،‬فالنسان له جسـم ‪ ،‬معنى لظاهر ‪ ،‬وله عقــل ‪،‬‬
‫بمعنى باطن ‪ ،‬والنسان يموت ليشمل المعنى معاني العدم ‪ ،‬والحياة معنى للمعاني أنها وجود‬
‫‪ ،‬ليقل النسان ما بنفسه ‪ ،‬ألم يخلق كذلك ‪ ،‬لذا ل يمكن أن يشهـد النسان خلقه ‪ ،‬ول أن يعيــد‬
‫نفسه إلى العدم بعد أن وجد في الوجود ‪ ،‬إن المعاني شاملة لمعنى بأن النسان ‪ ،‬خلق النسان‬
‫ولم يكن شيئا مذكورا ‪ ،‬وهذا معناه أنه ليس له اتصال بخالقــه ‪ ،‬ومعنــى التصال والنفصال‬
‫ليس له معنى في المعاني ‪ ،‬لن قبل النسان خلق ا سأبحانه وتعالى الملئكة ‪ ،‬وخلق الكــون‬
‫‪ ،‬وكل شيء إل ويسبــح للــه ‪ ،‬فكيف للنسان أن يخرج من طاعــة اللــه ويرفض العبـــادة ؟‬
‫والمعنى هــو أن النسان حامل للظلمات والنـــور ‪ ،‬فالظلمات من معنى غيبي ‪ ،‬والنـــور من‬
‫معنى وجودي ظاهري ‪ ،‬فالظلمات أسأاسأها بعث في الغيــب والعــدم ‪ ،‬والنـــور أسأاسأه اتبــاع‬
‫للمعنى الظاهري في معناه ‪ ،‬بأن اللــه ل إله إل هــو ‪ .‬إن المعاني شاملة لمعنى العبادة ‪ .‬كـــل‬
‫شيء في الوجود يعبد ا طوعا وكرها ‪ ،‬فكان المعنى أصأله ثابتا أن اللــه هو الخالق ‪ ،‬خلــق‬
‫‪،‬العدم والوجود ‪ ،‬أما الذين قالـوا إن اللــه سأبحانـه وتعالـى هــو العدم ‪ ،‬فقد خسـروا أنفسهــم‬
‫‪18‬‬
‫والخسران هذا ‪ ،‬دخول لعذاب ا في النار ‪ ،‬وينسى الكافر كما نسى ا ‪ ،‬وهذا النسيان عدم‬
‫‪ .‬في الوجود‬

‫إن معاني المعجزات تعني معنى وجــود النور فوق كل الظلمات ‪ ،‬والذين لم يؤمنوا باللــه إل‬
‫لظهور المعجزات ‪ ،‬فإنهم قد أخطأوا في فهم معنى العجــاز بقوى النــور ‪ ،‬لن المعجزة ل‬
‫تظهر ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وكان معناها الحقيقي هو وجوب اليمان بالرسأل والنبياء عليهــم‬
‫السلم ‪ ،‬لن المعجزة تثبت وجود نور عند الرسأـل والنبيــاء لتصدق رسأالتهم ‪ ،‬ولو قــارن‬
‫النسان الشيـاء في ما بينها ‪ ،‬لوجد أنها ل تقــارن ‪ ،‬لن معنى شيء ل يعنــي معنــى شــيء‬
‫آخر ‪ ،‬لذا فكل معنى لــه معنى يعنى بــه معناه أن لــه معنى بين المعاني كلها التي لها معنــى‬
‫والتي ليس لها معنى ‪ ،‬لذا يوجد الفــرق بين الظلمات والنور ‪ ،‬حتى ولو كان هناك تشابه فــي‬
‫ما بينها ‪ ،‬وكل معجــزة ظهــرت إل ولها شبــهها في الظلمات ‪ ،‬وكان لكل نبي عدو عندمـــا‬
‫يظهر النبي المرسأل معجزة ‪ ،‬فإن الناس يسعون في الظلمات حتى يستخرجوا شبهها ‪ ،‬وبقــي‬
‫معنى الطوفان إذ لم يظهر أحد بالظلمات مشابهه ‪ ،‬ذلك لن الطوفان لم يكن معجزة بل عذابـا‬
‫من عند ا ‪ ،‬وهذا هو الفرق بين التشابه في المعاني ‪ ،‬ولو كان المعنى واحداا شامل لما وجـد‬
‫الكون ‪ ،‬لذا يوجــد اختلف اللــيل والنهار ‪ .‬والشمس والقمر دليلن علـى الشياء المثناة فــي‬
‫المعاني ‪ ،‬وفي الليل عند حلول الظلم يبحث النسان عن دليل النـور ليضيء بـه ويــرى مــا‬
‫حوله ‪ ،‬كذلــك الظلمــات فيها نــور تستخرج به آيات الظلمات المتشابهة للمعجـزات ‪ ،‬فكــان‬
‫المعنى ثابتا ‪ .‬إن الخير قد يكون فيه شر ‪ ،‬وإن ما يراه النسان شراا قد يكون فيه خير ‪ ،‬وقـيل‬
‫للنسان إن عسى أن يكره شيئا وهــو خير لـه ‪ ،‬وعســى أن يحب شيئا وهو شر له ‪ ،‬وما مـن‬
‫قائل يخاطب النسان فيعتبر قوله إل قول ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬أو قول من يقول الحق الثابت‪،‬‬
‫لنه قول من عند ا ‪ ،‬لذا كان النسان في الرض خليفة ‪ ،‬ل بمعنى أن النســان جزء مــن‬
‫ا ‪ ،‬بل بمعنـى أن النسان وجب عليــه أن يخلف في الرض ويحتفظ بكل ما حولـه دون أن‬
‫يبعث فيه ‪ ،‬ويكون ذا رحمة وخير ‪ ،‬لن اللــه سأبحانــه وتعالــى رؤوف رحيــم ‪ ،‬وإذا ابتعــد‬
‫النسان عن المعنى الحقيقي ‪ ،‬إذ جعل خليفة ‪ ،‬فإن المعنى يصبح فيه معنيان ‪ ،‬قد يوجد في ما‬
‫يفعله النسان خير كما قد يوجد في عمله شر ‪ ،‬وهذا ظاهر معنى يعني أن ا سأبحانه وتعالى‬
‫يقلب معاني الشياء التي أعطاها النسان معنى من نفســه بهواه ‪ ،‬فل يفرض الحسان علــى‬
‫ا ‪ ،‬لذلك يجعل اللــه سأبحانـه وتعالـى عمل الكافرين هباء منثورا ‪ ،‬لنهم ظنوا أنهم يحسنون‬
‫صأنعا ‪ ،‬فكان المعنى كالميزان يوزن به الخير والشر على حسب اليمان أو الكفر ‪ ،‬لذا كانـت‬
‫الموازين ‪ ،‬وتعني كل المعاني الجمالية للخير والشر الذي يحمله النسان ‪ .‬إن المعاني كلــها‬
‫شملت معنى أن اللـه طيب ل يقبل إل طيبا ‪ ،‬وكانت معانـي المعانـي في ذلك أن اللـه فعال لما‬
‫يريد ‪ ،‬لــذا فإن الذين دخلــوا الجنة ما دخلــوها وهم يطمعــون ‪ .‬ليكن المعنـى الحقيقي هو أن‬
‫المعاني ل تعني المعنــى الذي يعني به النسان معانــي يفرضها ‪ ،‬وما خلصا النسان بثابت‬
‫إل بعد أن يتخلص من المعاني المتشابهة كما تشتبه آيات الظلمات بالمعجزات ‪ ،‬ومعنى الفهـم‬
‫الرباعي كمكعب كيفما قلبه النسان إل ويبقى معناه ‪ ،‬فكانت الكعبة في معناها أن نـور ا ل‬
‫تبديل فيه كيفما انقلب المعنى ‪ ،‬إل ويبقــى المعنــى يــدل على كل المعانــي ‪ ،‬ومن آمن باللــه‬
‫‪19‬‬
‫وبالنبي عليه السلم ‪ ،‬وجب عليه أن يؤمن بالنبياء جميعا ‪ ،‬لنـه ل فرق بينهــم ‪ ،‬وإن كــان‬
‫هناك معنى تفضيل بين النبياء في الدرجات ‪ ،‬فمعناه أن النسان لن يدرك معنى هذا ‪ ،‬ولن‬
‫المعنى الحقيقي غير مدرك ‪ ،‬فليس من واجب إعطاء معاني تعني فرقا بين النبيـاء والرسأــل‬
‫عليهم السلم ‪ ،‬لن المعنــى الحقيقي غير مدرك ‪ ،‬كذلك الحقيقة تبقى حقيقة لنهــا حقيقة فــي‬
‫نفسها ومعناها ‪ ،‬فإذا عرفها النسان فإنه ل يدرك معنــاها ‪ ،‬ولكن فهما واقعيا صأحــيحا‬
‫بعلــم ثابت فيه الفرق بين المتشابه ‪ ،‬فآيات ا المحكمات ل تعني معاني اليات‬
‫المـتشابـهات ‪ ،‬لن كل آية متشابهة تعني وجود آية محكمة ‪ ،‬ولكن معناها غير محكم ‪ ،‬لذا‬
‫كانت متشابهة ‪ ،‬وكـل معرفة عند النسان لم تكن معانيها محكمة فمعناها متشابه فالكون غير‬
‫متشابه بل محكــم فـي معانيه ‪ ،‬والظلمــات هي وحدها المتشابهـة في معانيـها ‪ ،‬إذ تعني‬
‫وجود حقيقة ومعاني ثابتة ‪ ،‬إنما بها ل تدرك الحقيقة ‪ ،‬فالفتـراء هو كل معرفة مأخـوذة من‬
‫متشابه فيـه كل شيء لتشابــه المعاني الغير المدركة ‪ ،‬بالمعانــي الحقيقـيـة الغير المدركة ‪،‬‬
‫حتى بالمعاني المحكمة ‪ ،‬وكــل حكمة فهي مما أحكم ا سأبحانه وتعالى فهمه ‪ ،‬وعلــم قانونه‬
‫‪ ،‬وأظهر المتشابه فيه ‪ ،‬وكل ما هو مشابه للحكمة بتشابه المعاني يوجب حكما متشابها بحكـم‬
‫حقيقي غير متشابه في حكمــه ‪ ،‬والحكم هو الفصل في المعاني المتشابهة ‪ ،‬وإن كان الحكم‬
‫ظاهريا دون بحث في ما هو غيبي ‪ ،‬فإن الحكم يكون غير محكم في أحكامه ‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يحكم بين المتخاصأميـن حتى فيظههــرا سأبب خصامهما ‪ ،‬وهـذا السـبــب هــو غيبي بالنسبة‬
‫لمن يحكم ‪ ،‬وإذا لم يعرف السبب ‪ ،‬فــإن الحكم ل يكون حكما ‪ ،‬والنسان ل يمكن أن يظهر‬
‫له ا سأبحانه وتعالى أسأباب الحكم اللهـي الغيبي ‪ ،‬لن معنى الظهار هو معنى الحكم ‪،‬‬
‫فالنسان بهذا كأنـه يريد أن يحكم على ا فـي حكمه ‪ ،‬لذا فإن ا ل يشرك في حكمه أحذا ‪،‬‬
‫ويسأل الناس عما فعلوا ول يسـأل عن شــيء ‪ ،‬فكان ا هو الحكم الحاكم ذو الحكمة‬
‫المحكمة في أحكامها الغيبية أو الظاهريـة المعلومة فــي معانيها السطحيــة ‪ ،‬فالسأباب إذا ل‬
‫أسأباب لــها بالنسبــة للنســان ‪ ،‬لن النسان خلــق فــي السأباب ‪ ،‬ولم يكن النسان سأببا في‬
‫السأبـاب ‪ ،‬إل أن يعطــى له سأبب ‪ ،‬وآتــى الـله سأبحانــه وتعالى ‪ ،‬ذا القرنين من كل سأبب‬
‫ول يؤتى أحد السأباب في معناها ‪ ،‬بل يــؤتى من السأبــاب معاني تعني معناها في‬
‫المعجزات ‪ ،‬فظهور المعجزات لزم لوجــود الظلمات ‪ ،‬فالمعجــزات نـور ‪ ،‬وبيـن النـور‬
‫يوجد فـرق ظاهري وفـرق باطني ‪ ،‬كـما أن الظلمات ظلمات في قوتين ‪ ،‬وهذا يشكل الفهم‬
‫الرباعـي الذي تفهم بـه كل قـوة في نور أو ظلمات ‪ ،‬ويعرف بع الفـرق بيـن النور والنور ‪،‬‬
‫وبين الظلمات والظلمات ‪ ،‬فهذه معان بينها فرق في معانيها لكل معنى شامــل لمعنيين ‪.‬‬
‫متشابهين في معنيين آخرين مختلفين متشابهين بالوليين مضادين في قواهما وفــي‬
‫معانيهما ‪ .‬إن النــور ل يضــاد النــور ‪ ،‬ولكــن الظلمات تضــاد الظلمــات ‪ ،‬وبيــن الظلمات‬
‫والظلمات يوجد نور معبر عن معنى قوتين متضاربتين ‪ ،‬والنور نور في معناه وفيــه نــور ‪،‬‬
‫وهذا معنى في معنى له معنى واحد ‪ ،‬فكان معنى البشـر فيه معنى وجــود الذكــر والنثــى ‪،‬‬
‫وكانت النثى في معناها كامنة في معنى معاني الذكر ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى خلق البشر مـــن‬
‫نفس واحدة وبث منها زوجها ‪ ،‬وهــذا معنى كــان كامنا في معنى ‪ ،‬وظهر معناه بعد ظهــور‬
‫المعنى الثاني وهو النثـى ‪ ،‬ولتكـن المعاني كمعان نفهمها في المعنى فقط دون أن ندركــها ‪،‬‬
‫وقد سأعى النسان قديما بخلط قوى الرجل بقوى المرأة بحثا عن المعنى الوجودي ‪ ،‬وظــنا أن‬
‫‪20‬‬
‫بذلك يمكن الرجوع إلى الصأل الجامع للذكــر والنثــى قبل الخلق ‪ ،‬ومعنى ذلك فهو سأعــي‬
‫لفهم العدم بقــوى الوجــود حتى يفهم أصأل الخلــق وتعرف أسأبابه ومعانيه الكاملة في المعنى‬
‫الحقيقي قبل الوجود ‪ ،‬وهذا ل يمكن أبدا ‪ ،‬لن النفصال هو الوجود من العدم ‪ ،‬وكذلـك فــإن‬
‫اللـه سأبحانـه وتعالـى ‪ ،‬لم يكن في عدم ‪ ،‬ول في وجود ‪ ،‬بل هو موجود بالمعنى المفهوم فــي‬
‫معناه أنه موجود دون جعل السأباب في وجوده ‪ ،‬وهو موجود ل وجوديا بمعنى مادي أو نور‬
‫يرى أو قوة ل ترى ‪ ،‬فالمعنى خفي في معانيه ل يعني ما نعنيه بالفهم المجرد ‪ ،‬وا سأبحانــه‬
‫وتعالى ‪ ،‬ل يعرف بمعنى أن يعرف في كنهه ‪ ،‬ولم يكن له كنه يعرف ول معنــى معرف بــه‬
‫في المعنى المدرك ‪ ،‬لــذا جعل اللــه للناس السأماء الحسنــى لنــدعوه بها دون أن نشكله فــي‬
‫معانيها ‪ ،‬وإن ا سأبحانـه وتعالى سأميع بصير ‪ ،‬ولم يكن المعنى هــو وجود بصــر أو قــوى‬
‫بصر أو نور بصر ‪ ،‬وهـذه معــان تنفي كل المعانــي التي يعطيها النسان كمعنى سأعيا وراء‬
‫فهم السأباب كلها ‪ ،‬وفهم أسأباب المعاني الملخصة في أسأماء اللــه الحسنى ‪ ،‬هل يعلم النسان‬
‫ل سأميا ؟ بلى إن اللـه هو اللـه ‪ ،‬واسأم اللـه اسأم ل يدل على اللـه في نفسه ‪ ،‬بل له معنى معين‬
‫يعني به ا خالق كل شيء ورب كل شيء حتى ل يبحث النسان عن خالقه بالصفة البهامية‬
‫‪ ،‬لن النسان يفهم بكل ما هو معلوم ‪ ،‬ول يفهم النسان بما هو مجهول ‪ ،‬ول ما هـو غيبـي ‪،‬‬
‫لذا فإنه لن يعرف اللـه سأبحانـه وتعالـى بمعنى معرفته ‪ ،‬ولم يكن ل سأمي ‪ ،‬وأعطي للنسـان‬
‫معنى أن ا لم يلد ولم يولد بمعنى مقارن للمفهوم المعلوم لمعنى الخلق الموجود ‪ ،‬أو لمعنــى‬
‫العدم ‪ ،‬وبيـن الــولدة وعــدم الولدة عــدم بالنسبة للنســان ‪ ،‬ووجود عدمي كذلك ‪ ،‬فالعــدم‬
‫والوجود خلقا في عالم موجــود كامن في سأر الوجــود وسأر العدم ‪ ،‬فالفهم الرباعي أيضــا ل‬
‫يمكن به فهم الخالق ول فهم أسأبــاب كـل ما هو مخلوق ‪ ،‬ول يمكن أن يعتقد النسان أن اللــه‬
‫يرى لنه ل يرى ‪ ،‬فالرؤيا من نور ترى به معان ظاهرية ‪ ،‬وتعني ما يراه النسان ‪ ،‬وكل ما‬
‫تراه العين مدرك في القوى دون إدراك القوى نفسها ‪ ،‬وأعطي مثل للنسان أنه يجعل أشيــاء‬
‫تضيء وتلقي الضوء ‪ ،‬ول يمكن مهما تبلغ معرفة النسان أن يجعل شيئا يظلم ويلقي الظـلم‬
‫‪ ،‬وهذا هو المعنى السأتحالي في معناه ‪ ،‬فالظلم فمحيت آيته ‪ ،‬فأصأبح ظلما بمعنى ظـــلم ‪،‬‬
‫والعدم ظهرت آيته فكانت نورا ‪ ،‬ولــم يخلــق النسان نــورا عدمــيا ظاهريا حتى يتمكن مـن‬
‫الرجوع إلى العدم ‪ ،‬فتمحى آيته التي أظهـرها اللــه سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وإذ خلــق النسان مــن‬
‫تراب ونفخ فيه من روحه ولم تكن ل روح ‪ ،‬بل الروح من أمر ا أنها جعلت ولم تكن منه ‪،‬‬
‫ول تدرك ‪ ،‬لنها سأر خلق النسان ‪ ،‬وكيف خلق النسان ؟ ثم هـل النسان في عالم‬
‫وجــودي أو في عالم وجودي وجـودي في معنى الوجــود ؟ فالــوجود عدم والعدم وجود ‪،‬‬
‫إن لم يفهـــم المعنى ‪ ،‬وليتربص النسان علـى نفســه ‪ ،‬فما دليلــه على أنــه إنســان ‪ ،‬وهــل‬
‫تفكيره دليــل وجودي؟ ما معنى التفكير في معناه أو الدراك في معانيه إن لم يفهم النسان‬
‫معنى التفكيـر ‪ ،‬ذلك كظلمات مــن فوقــها ظلمــات دون وجود نور فيها ‪ ،‬حتى يعرف‬
‫التفكير بالتفكــير ‪ ،‬ول العقل بالعقل ول الخيال بالخيال ‪ ،‬فلبد من ثالث فهم في معنى تفكير‬
‫ثالث ‪ ،‬ثم لبد من معنى ثالث لفهم معنى العقل ‪ ،‬ولبد من واقع فهمي في معناه لفهم الخيال ‪،‬‬
‫ول يفهم التفكير والخيال والعقل إل بشامل لمعنى رابع فيه التفكير والخيال والعقل ‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك فإن الرابع لن يكـون العقل ‪ ،‬لن العقل ل يفهم بالعقل ‪ ،‬والشيء الرابع هـو الروح ‪ ،‬فمن‬
‫يســأل عــن الروح فإنــه‬
‫‪21‬‬
‫يسأل عن العقل ‪ ،‬ومن يسأل عن العقل فإنه يسأل عن الخالق ‪ ،‬ومن يسأل عن الخالق بمعنى‬
‫معرفته في نفسه ‪ ،‬فإنه قد فقد معناه أنه مخلوق فيما يعنيه في نفسه ‪ ،‬فقال ا سأبحانه وتعالـى‬
‫ل تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ‪ ،‬وكل شيء يسأل عنه النسان ‪ ،‬ول يجد له جوابا فـإن‬
‫ذلك يسوءه ‪ ،‬والنسان يكثر الجدل ‪ ،‬لذا فهو إنسان في مشكل بين نور وظلمات ‪ ،‬والهدى هو‬
‫الذي بين النور والظلمات ‪ ،‬ثم إن الهدى من عند ا ‪ ،‬فكـان المعنى رباعيا في معانيه ‪ ،‬وكـل‬
‫فهم مفهوم فهو غيــر مفهوم في حقيقتــه ‪ ،‬ولكنــه مفهوم بمجــرد الفهم فقط ‪ ،‬وحتى ل يكـون‬
‫النسان فهمه إبهاميا ل معنى فيه ‪ ،‬كم من كثل يراه النسان مثل وما هو بمثل ‪ ،‬وكم من مثل‬
‫هو مثل فل يرى فيــه النسان مثل ‪ ،‬وكــل المثل التي يعطيها النسان ‪ ،‬ل تكون مثـل إل إن‬
‫أعطي بها ا مثل ‪ ،‬وا هو الذي يضرب للناس المثل بكل مثل ‪ ،‬وإن ا سأبحانه وتعالـى ل‬
‫يستحيي أن يضـرب مثل ما بعوضـة فما فوقــها ‪ ،‬وما للنسان من مثل حتى يضربه ‪ ،‬إل أن‬
‫يضرب بالنسان المثل على أنه يقفو ما ليس به علم ‪ ،‬لذا فإن ا سأبحانه وتعالى يبـدل أمثــال‬
‫الناس ‪ ،‬وما ا بمسبوق على أن يبدل أمثال الناس وينشئهم فينا ل يعلمون ‪ ،‬ولقد أصأاب اللـه‬
‫الناس بما يستعجلون من العذاب ‪ ،‬فجعل من الكفار القردة والخنازير وعبـدة الطاغوت ‪ ،‬فهذا‬
‫مثل يضربه ا سأبحانه وتعالى للنسان ‪ ،‬إن النسان قد يخلقه ا قردا أو خنزيرا إن كفر فل‬
‫يعلم من ذلك شيئا ‪ ،‬واللــه ولــي المر ينسخ اليات ويأتي بمثلها أو بأحسن منـها ‪ ،‬ذلــك لن‬
‫النسان يحاول أن يعطـي لشيء معنى ليـس فيه معنـى ‪ ،‬وا جعل لذلك الشيء معنـى آخـــر‬
‫‪ .‬يعني معناه‬

‫إن النسان فقد معناه ‪ ،‬فكان كاليتيم فيقهر ‪ ،‬وكالسائـل فيحرم ‪ ،‬إن اليتيــم ليس الذي فقد أهلــه‬
‫فقط ‪ ،‬بل اليتيم من خسر نفسه فخسر أهله يــوم القيامة ‪ ،‬والسائــل المحروم هو الذي يضــــع‬
‫السأئلة فل يجد الجواب ‪ ،‬لذا فإن القرآن مثانـي في المعنى وفـي المعانــي ‪ ،‬وكذلك في القــوة‬
‫الكامنة فيه ‪ ،‬وفي اليات ‪ ،‬آيات محكمات وأخر متشابهات ‪ ،‬أما اليتيم الذي نعرفه فالناس قــد‬
‫عرفوه ولم يحسنوا إليه ‪ ،‬والذي ظن أنه لم يكن يتيما ول سأائل محروما ‪ ،‬فإن ا سأينزع منـه‬
‫أهله يوم القيامة ليعرف أنه اليتيم وأنه السائل المحروم ‪ ،‬ويوم القيامة فإن الكافر لن يسأل اللـه‬
‫عـن شـيء ‪ ،‬بـل اللـه هو الذي سأيسـأل عما فعل ‪ ،‬فالكافر هو السائل المحروم ‪ ،‬وأما اليتيم أو‬
‫السـائل أو ابـن السبيـل فـلم يحـرم مـن شـيء لنـه غنيـا مـن التعفـف ‪ ،‬فـذلك ما يراه الجاهـل‬
‫ويحسبه ‪ ،‬والجاهل يرى ما ل يراه المؤمن ‪ ،‬لن الجاهل يرى بالجهــل فيجهل نفسـه ويجهـل‬
‫الجهل نفسه ‪ ،‬ونفسه لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ‪ ،‬لذا يكون يوم القيامة على نفسه حسيبـا‬
‫ويوم الحساب ل تفهم فيه قوانين الحساب ‪ ،‬لن الحساب بالنور قانون آخر فيه حكم الحساب ‪،‬‬
‫وا أحكم الحاكمين ‪ ،‬جعل اثني عشر شهرا في كتابه لنعلم عدد السنين والحساب ‪ ،‬فإن قلنـــا‬
‫إن يوم القيامة فيه معنى لحساب ‪ ،‬فلن يكون حسابنا موافقا للحساب الذي جعل ا ‪ ،‬لن يومـا‬
‫عند ا كان مقداره خمسون ألف سأنة مما نعد ‪ ،‬لذا فإن يوم الحساب يكــون حسابه غيــر مــا‬
‫يتوقعه النسان ‪ ،‬لن كل شيء يقلب في معناه ‪ ،‬لن ا يبدل السيآت حسنات ‪ ،‬ويجعل عمــل‬
‫الكافر هباء منثورا ‪ ،‬وقد يشقى من ظن أنه عمل عمل صأالحا ‪ ،‬فلنسان لن يدري ما يفعله‬
‫به ا ‪ ،‬فهو إلى ما شاء ا ‪ ،‬ول يمكن للنسان أن يزكـي نفســه ‪ ،‬كذلك اللــه يفعــل ما‬
‫‪22‬‬ ‫شــاء ‪،‬‬
‫فالمعاني في معانيها ل تعني معنى يمكن أن فيصير به النسان ‪ .‬إن العبادة معناها طاعة اللــه‬
‫واعتبار مثله وأحكامه وأقواله دون لزوم لتصحيحها ‪ .‬فالنسان لن يعرف هل هو بين السمـاء‬
‫والرض أو هو في السماء أو في الرض ‪ ،‬ويوم ينفخ في الصـور صأعـق من في السمـاوات‬
‫ومن في الرض إل من شاء ا ‪ ،‬ترى هل المعنى في هذا أن الملئكة سأتأتيهم الساعة وهـــم‬
‫يعبدون ا ويقدسأونه تقديســا ؟ إن النســان ليقفـو ما ليس له به علـم ‪ ،‬لنــه يجهل أن معنـى‬
‫العبادة هي طاعة ا ‪ ،‬فإن قيل للنسان إنك في السماء ‪ ،‬ليقل آمنت بال دون أن يبحث عـــن‬
‫المعنى الحقيقي ابتغاء تأويل ذلك وتصحيحـه ‪ ،‬وبأي دليل يعرف النسان أنه فــوق الرض ‪،‬‬
‫عرف النسان ذلك لن ا سأبحانه وتعالى هو الذي قال ذلك ‪ ،‬وإذا أراد النسان أن يتيقن منه‬
‫ليعرف مكانه ‪ ،‬فإن المعنى ينقلب ‪ ،‬فلن يعرف مستقره ‪ ،‬وقد يجد نفسه في مكان غير موجود‬
‫وله صأبغة الوجود ‪ ،‬إن ا شديد المحال ‪ ،‬ل يشرك في حكمه أحــدا ‪ ،‬وهو خير الماكريــن ‪،‬‬
‫وإن قيل للنسان إنه فوق الرض فليقل آمنـت باللـه ‪ ،‬وهذا هو اليمــان بالغيب ‪ .‬إن الجبــال‬
‫لتمر مر السحاب ‪ ،‬وليس معنى ذلك يعني دوران الرض ‪ ،‬لن ا ل يقـول إن الرض تمـر‬
‫مر السحاب ‪ ،‬وهو أعلم بسر القول ‪ ،‬بل النسان يرى الجبال يحسبها راسأية وهي تمــر مـــر‬
‫السحاب ‪ ،‬ليكن المعنى كما هو ‪ ،‬إذ النسان قد أعطى للمعاني الحقيقية معاني أخـرى ثانيـة ل‬
‫تعني المعنى الصألي ‪ ،‬وهــذا معنــاه أن النســان أعطى معرفة أخرى يتباهى بها أمام العلـم‬
‫الذي أنزله ا ‪ .‬وإن المر كما هــو وعد اللـه بيوم لن يخلفه الكافـر أبــدا ‪ ،‬لذا فإن اللــه يمــد‬
‫الكافرين في طغيانهم يعمهون ‪ ،‬ومعنى هذا فليستمـر النسان فــي ما هــو عليه حتى تعــرف‬
‫النتيجة ‪ ،‬وكــان المشكــل أسأاسأــه ‪ :‬أن النــاس ظنوا أن المعرفة التي يدلي بها الكافر حقيقة ‪،‬‬
‫وانفضوا حول من ظنوا أنهم أهدى سأبيــل ‪ ،‬وتغير المعنــى وتغير كل شيء ‪ .‬وإذا بالنســان‬
‫يقول إن الطبيعة خالقة نفسها ‪ ،‬وما هذا إل قـول ‪ ،‬والكافــر قائلــه ‪ .‬وحكــم اللــه غيــر ذلك ‪،‬‬
‫والمعنى غير المعنى الذي يراه النسان كمعنى ‪ ،‬فحقيقـة السماوات والرض حقيقة‬
‫أخــرى ‪ ،‬ولو عرف النسان شيئا عن الرض لوصأل إلى الراضي السبع وعرفها ‪،‬‬
‫ولبتغى إلــى ذي العرش سأبيل ‪ ،‬فالمعنى هو أن النسان في الرض إذا آمــن بذلك إيمان‬
‫بالغيــب دون تأويــل المعنى في الحقيقة والمعرفة ‪ ،‬والنسان في مكان غير الرض التي هو‬
‫عليها إذا سأعــى إلــى معرفة الكون بنفسه دون علم من عند ا ‪ ،‬واللـه يستــدرج الكافرين‬
‫يوم القيامة من حيــث ل يعلمون ‪ ،‬ويبدل المعنى الذي جعله النسان ‪ ،‬ويبقى المعنى الـذي‬
‫أعطاه ا ‪ ،‬فيبــدل الرض غير التي نحن عليها ‪ ،‬وإذا بالناس في الساهرة وبرزت الجحيم ‪،‬‬
‫إن الملــك للـه ل يعلمــه إل هو ‪ ،‬وقد أعطى علما ونورا ‪ ،‬إن ا سأبحانه وتعالى مكن لذي‬
‫القرنين في الرض وآتاه مــن كل شيء سأببا ‪ ،‬وإن ذي القرنين بلــغ معــرب الشمس‬
‫فوجــدها تغرب في عين حمئة ‪ ،‬ومـن يعتقد غير الذي أنزل ا في كتابه ‪ ،‬فإنه مشرك حتى‬
‫ولو كان مؤمنا ‪ ،‬وما يؤمن أكثـر الناس بال إل وهم مشركون ‪ ،‬فاليمان ل يكفـي ‪ ،‬والفـرق‬
‫بيـن اليمان والسألم بوجـود العبـادة أو الشرك ‪ ،‬فإن المعنى كــما هــو ‪ ،‬معناه أن النســان‬
‫قد يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضــه ‪ ،‬والكافر لن يهتدي أبدا إلى معاني الشياء ‪ ،‬ولن‬
‫يعرف أبدا واقع الكون ‪ ،‬لنه لو عرفه لمــن بال ‪ ،‬ولنه لم يؤمن ‪ ،‬فمعنى ذلك أنه لم يعرف‬
‫المعنى ول الحقيقة ‪ ،‬إن المعنى واضح لمـــن آمن بال ‪ ،‬وغير واضح لمن كفر بال ‪ ،‬وإن‬
‫المؤمن كافر والكافر مؤمن ‪ ،‬ومعنــى ذلــك لــه‬
‫‪23‬‬
‫معان رباعية متضاربة فـي معانيــها ‪ ،‬فــإن المؤمــن كافــر بالطاغــوت ‪ ،‬والكافــر مؤمــن‬
‫بالطاغوت ‪ ،‬وقد يكون المؤمن كافرا باللـه وأشرك بـه ‪ ،‬وهذا معنـاه أن الكافر قد يؤمـن باللـه‬
‫وهو كافر ‪ ،‬واللـه يقـول ‪ :‬ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ا ‪ ،‬فإن لم يكن الخشوع‬
‫يكن الكفر رغم وجود اليمان ‪ ،‬وما كانـت أمة لينفعـها إيمانها إل أمـة يونس متعهم اللـه إلــى‬
‫حين ‪ ،‬فما الذي يعني هذا ‪ ،‬وليكفر النسان قليل لعــل المعنى خفي ‪ ،‬هل المم الخرى التــي‬
‫آمنت بربها كافرة ؟ إن المعنى كان فيه مثــل للناس ‪ ،‬إن بنــي إسأرائيل قالـوا إنهم أبنـاء اللــه‬
‫وأحباؤه فعذبهم بذنوبهم ‪ ،‬وإن الناس اليوم ليعتقدون معنى ل يعني شيئا في معناه أنهم من أمة‬
‫محمد صألى ا عليه وسألم تسليما ‪ ،‬وأنه سأيغفر لهم مهما كانت خطاياهم ‪ ،‬بلى ‪ ،‬إن ا يعذب‬
‫كل من أحاطت به خطيئاته ‪ ،‬ولقد كان الناس أمة واحدة ‪ ،‬والبشر بني آدم عليه السلم ‪ ،‬ومن‬
‫آدم افترق الناس فمؤمن وكافر ‪ ،‬فلم ل يكون هذا شأن المم كلها ؟ ولم ل نقـول إن مــن أمــة‬
‫محمد عليه السلم يكون كذلك مؤمنون وكفار ؟ لذا قال ا سأبحانه وتعالى إنــه ما كانت أمــة‬
‫لينفعها إيمانها إل أمة يونس ‪ ،‬وذلك معناه أن أمة يونس عليه السلم آمنــت كلها فكانوا مائــة‬
‫ألف أو يزيدون ‪ ،‬فل ينفع الناس اليوم إيمانهم إن لم يكونوا مسلمين ‪ ،‬فما للكافرين يوم القيامة‬
‫من حميم ول شفيع يطاع ‪ ،‬وإن إبراهيم عليه السلم سأأل ا سأبحانه وتعالى أن يرحم ذريته ‪،‬‬
‫وا سأبحانه وتعالى أثبت أنه ل ينال عهده الظالمون ‪ ،‬فليقل المؤمنون اليوم والذين لم يسلموا‬
‫بعد ‪ ،‬هل اتخذوا عند ا عهدا ‪ ،‬فإن كان كذلك فإن ا لن يخلف عهده ‪ ،‬ومعنى عهد ا فــي‬
‫هذا المعنى ‪ ،‬أنه وعد الكافر بالعذاب والمؤمن بالرحمة ‪ ،‬فالمعنى ثابت فـي معناه أنــه يعنــي‬
‫معانيه ‪ ،‬ليدخل المؤمن المسلم إلى الجنة بغير حساب ‪ ،‬إن ا مالــك الملك ‪ ،‬وكل نفس لها ما‬
‫كسبت وعليها ما اكتسبت ‪ ،‬وهذا شأن المم كلها ‪ ،‬والمعنى بقي معناه أن من تبع هدى ا فل‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون ‪ ،‬والمعنى الثاني في الفهم الرباعـي معنـاه أن العـراب قــالــوا‬
‫آمنا ‪ ،‬فقال لهم ا سأبحانه وتعالى بأن ل يقولوا أنهم آمنـوا ‪ ،‬بل أسألموا ‪ ،‬ولما يدخل اليمــان‬
‫فـي قلوبهم ‪ ،‬وهذا معناه في فهمـه أن النسان قــد يكون مسلما بتطبيقــه للديــن ‪ ،‬ولكــن دون‬
‫وجــود إيمان ‪ ،‬والفهم الرباعي في هذا هو معنى اليمان والسألم ‪ ،‬والمعنى الثاني السألم‬
‫واليمــان ‪ ،‬فالمعنــى ل ينفصــل فــي معانيــه ‪ ،‬وأن يفهم المعنى فمعناه أن العلم قد ل يغني‬
‫النسان شيئا إيمانا باللـه دون إسألم ‪ ،‬أو إسألما دون إيمان ‪ ،‬والعبادة شاملة للربعة معاني ‪،‬‬
‫ولن تكمل العبادة إل بهذا إن النسان قــد يكـون ظلــوما كفارا ‪ ،‬إن لم يصــدق بمعاني الكفــر‬
‫وبمعاني اليمان المختلط بالكفر ‪ ،‬ثم معاني الكفر المختلط باليمان ‪ ،‬ويكون النسان جهــول‬
‫متى جعل معاني مثل ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬لن ا يضرب المثال للناس لعلهم يهتدون ‪ ،‬وإن‬
‫ضرب ا مثل للناس إذا بالكافر يقول مــاذا أراد اللـه هـذا مثل ؟ وما كان المثل إل إظهــارا‬
‫لكفر الكافر وللكافر نفسه ‪ ،‬لنه يسأل عما يريد ا بمثله ‪ ،‬ول يعتبرها مثل بل يتخذها هزؤا‪،‬‬
‫وا سأبحانه وتعالى يستهزيء بالكافرين ويختم على قلوبهم وعلى سأمعهم وعلى أبصارهــــم‬
‫غشاوة ‪ ،‬لذا فإن الكفار مفســدون ‪ ،‬ولكن ل يشعــرون ‪ ،‬فالشعور إذا أسأاس المعانـي وأصأــل‬
‫الخشوع ‪ ،‬لذا فإن المؤمـن يخشع قلبـه لذكر اللـه ‪ ،‬وإن معنـى المعنـى في معانـي المعاني لــه‬
‫‪ .‬معنى ومعان أخرى‬

‫‪24‬‬
25
‫إن معنى المعاني في معاني المعنى ما هو إل وزن الكلم لفهمه بمعنـى مفهوم ‪ ،‬ل يمكــن أن‬
‫نفهمه دون إدخـال معنــى مفهوم لمعــان غير مفهومة ‪ ،‬فالمعاني هي كل مثال يضربــه اللــه‬
‫سأبحانه وتعالى للناس ليفهموا معنى وضعهم ‪ ،‬ومعنى معاني الفهم الصحيح بالعتقاد الثابت ‪.‬‬
‫إن ا قال للناس إن مثل عيسى عند ا كمثل آدم خلقه من تراب فقال له كن فيكون ‪،‬‬
‫ومعنــى هذا أن من لم يهتد إلى فهم معنى خلق عيسى عليه السلم ‪ ،‬فليفهم بمعنى آخر فيه‬
‫مثال لخلــق ا ‪ ،‬إذ خلق آدم عليه السلم من تراب فقـال له كن فيكون ‪ ،‬فالمعاني لهــا وزن‬
‫فــي ميــزان تعادلي في الفهم ‪ ،‬له معــان شاملــة للفهم المفهوم بالمعنى ‪ .‬والنسان إن فكــر‬
‫فــي الميــزان الكوني وفي معانيه ل يجد في خلق الرحمن من تفاوت ‪،‬والنسان إن يفكر‬
‫يرجع البصـر فــل يرى من فطور ‪ ،‬وإن يرجع البصر كرتين ينقلب البصر خاسأئا وهو‬
‫حسير ‪ ،‬فل يمكن معرفة حقيقة ما خلق ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬ول يمكن إدراك أسأباب الخلق‬
‫لذا يعجز النسان عن فهــم بعد أن يرجع البصر كرتين في فهمين لهمــا معنييــن مختلفيــن ‪،‬‬
‫فينقلب البصر خاسأئا وهــو حسير ‪ ،‬إن المعنى شامل في معناه أن ما على المؤمن المسلم إل‬
‫أن يفكر في خلــق السماوات والرض ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ربنا ما خلقت هذا باطل سأبحانك فقنا عذاب‬
‫النار ‪ .‬إنه لحق أن من يسعى إلى معرفة السماوات والرض يعذب في النار ‪ ،‬ول ينجو من‬
‫عذاب ا إل من قـال سأبحــان ا ‪ ،‬وأدرك المعنى الحقيقي في معناه ‪ ،‬أنه يسبح ل ما في‬
‫السماوات وما في الرض ‪ ،‬مثـال ومعنى أن كل من فـي السمـاوات والرض ل يبحـث فـي‬
‫الغـيب إل النسـان ‪ ،‬فكان النسـان ظلوما كفورا ‪ ،‬وكان جهول لنه ل يطيع ا في‬
‫أوامـره ‪ ،‬إذ اللــه يأمر بعبادتــه ‪ ،‬ول يأمــر بالبحث في الكـون ل بصفــة ول بأخــرى ‪ ،‬لم‬
‫ل يأخذ النسان مفهوم معان تنطــوي عليــه ‪ ،‬فالنسان إن ملك شيئا حازه إليه ‪ ،‬ول يترك‬
‫من يحيــط به معنا لفهم معنى ما يمتلكه ‪ ،‬فكيــف للنسان أن يقبل فهما معناه أن ا سأيقبل أن‬
‫يبحث النسان في ملكه ‪ ،‬والنسان نفسه من ملك ا ‪ ،‬إن ا مالك الملك ‪ ،‬يحكم بالحق ‪ ،‬ول‬
‫يشرك في حكمه أحـدا ‪ ،‬يجــب على النســان أن يرى عدل ا في كل شيء ‪ ،‬في رحمته ‪،‬‬
‫وفي عذابه ‪ ،‬وفي الخير ‪ ،‬وفي الشـر ‪ ،‬لن الخيـر والشر من عند ا ‪ ،‬وا يرحم ويعذب‬
‫من يشاء ‪ .‬إن عدل ا في كل شيء ‪ ،‬لن معنى ذلـك أن كل ما يصاب به النسان من‬
‫مصائب ما هي إل من نفسه ‪ ،‬وليكن المعنى ظاهرا في معناه أن اللــه ليس بظلم للعبيــد ‪،‬‬
‫ومن يــرى الظلم في حكــم ا يحكم عليه بحكم ل ظلم فيه ‪ .‬إن النسان يرى معاني من‬
‫جهته ‪ ،‬ول يرى معاني مثل اللــه ‪ .‬إن الذيــن قالوا إن ا فقير وهــم أغنياء ‪ ،‬لم يفهموا معنى‬
‫الفقر والغنى إن النسان فقير مهما كان غناه ‪ ،‬لنه فقير إلــى اللــه ‪ ،‬فقير لمعنى رحمة ا ‪،‬‬
‫فقير إلى العلم والحق والهدى ‪ ،‬ولهذا فإن أموال الناس ل تغني شيئـــا أمام ا ‪ ،‬لنه هو الذي‬
‫أغنى وأضحك وأبكى ‪ ،‬إن الذي يضحك كثيرا ما هو إل ضحك قليل يأتي بيعــفد بكــاء‬
‫كثيــر ‪ .‬فليكـن المعنى كما هو في معناه أن النسان يفرح بما يؤتى ‪ ،‬وا ل يحب الفرحين‬
‫ول يحب القانطين ‪ ،‬وبين الفرح والقنوط توجد السكينة والطمئنان ‪ ،‬لــذا فــإن قلوب‬
‫المؤمنين تطمئن بذكر ا ‪ ،‬فذكر اللـه أسأاس الطمئنـان ‪ ،‬وإن اطمـأن القلب اطمأنت‬
‫‪26‬‬

‫النفس ‪ ،‬فترجع إلى ربها راضية مرضية وتدخل الجنة لتسكن فيها ‪ ،‬والجنة هي مكــان كـــل‬
‫سأكون ‪ ،‬ول يسمع فيها لغو ول يوجد فيها غل ‪ ،‬لذا فإن ا يأمر بالصبر حتـى يمكــن للنــاس‬
‫دينهم الذي ارتضى لهم ‪ ،‬وهذا معناه أن ا يرى الظلم الموجـود في الرض ‪ ،‬ول يمكــن أن‬
‫نرى في هذا غير العدل ‪ ،‬والمعنى لهذه المعاني ‪ ،‬أن النسان ل يجب عليه أن يفكر في الحياة‬
‫الدنيا ومشاكلها ‪ ،‬بل عليه أن يفكر في مشكله الخاصا به ‪ ،‬ويبحث عن الطمئنان حتى ترجـع‬
‫النفس راضية مرضية إلى ربها ‪ ،‬وهذا يظهر أن على النسان أن يفكر في اليوم الخـر حيـن‬
‫يحشر فردا ‪ ،‬فكان حكم ا على من يسمع إلى فهـم معنــى مثل ا في كتابه أن ل يصل إلـى‬
‫شيء في الحياة ‪ ،‬إل لما شاء ا ليعذبه به ‪ .‬لذا فإن الحياة الدنيا صأعبة ‪ .‬لن النسـان يسعــى‬
‫إلى ما لم يأمر به ا ‪ ،‬فكان أن من أراد حرث الخـرة يزد له اللـه في حرثه ‪ ،‬دون أن يطلب‬
‫النسان ذلك ‪،‬ومن أراد حرث الحياة الدنيا يؤتيه ا منها مـا شــاء اللــه ‪ ،‬ولهذا فإن النســان‬
‫يطلب الزيادة في الحياة الدنيا ‪ ،‬فل ينال شيئا إل من كفر فإنه يقول ليؤتين مـال وولـدا‪ .‬واللــه‬
‫سأبحانه وتعالى يرثه ما يقول ويحشره فردا ‪ ،‬إن كلم ا ثابت في معانيه إل أن النسان يبدل‬
‫المعنى ليفقد معناه كإنسان ‪ ،‬فل يمكن لمؤمــن أن يفرض إيمانه ‪ ،‬لن ا يمـن عليه أن هــداه‬
‫لليمان ‪ ،‬ول يمكن أن يقال إن كل من آمن بال ل يصاب بشيء ‪ ،‬لن المؤمن وجب عليه أن‬
‫يثبت إيمانه ‪ ،‬ول يمكن للنسان أن يقول آمنت بال ثم ل يفتن ‪ ،‬وا يعلم الصـادق والكاذب ‪،‬‬
‫وا هو الذي يظهر صأدق النسان ويظهر كذبه ‪ ،‬لذا أرسأــل النبيــاء والرسأل عليهم السـلم‬
‫مبشرين ومنذرين ‪ ،‬ولو ترك ا النــاس دون أن يرسأــل الرسأـل لما تبين لنا حقيقــة النـاس ‪،‬‬
‫وكأن الناس ل يكفرون ‪ ،‬وإذا قيل لهم إن شيئـا هـو ل فل يمسـوه ‪ ،‬إذا بهم يمسوه ‪ ،‬وقـد قـال‬
‫صأالح عليه الســلم لقومه هــذه ناقة ا فل تمسوهـا ‪ ،‬وإذا بقومه عقروها ‪ ،‬ولو لم يظهر ا‬
‫مثل في الناقة لما تبين للناس شدة كفر قوم صأالح عليه السلم ‪ ،‬ولـو شــاء الرحمــن لخــرج‬
‫أضغان الناس ‪ ،‬لن اليمان بال ل يكون سأهل ‪ ،‬وليس المعنى أن ا هو الذي جعله صأعبـا ‪،‬‬
‫بل الذين يسر ‪ ،‬ولكن النسان هو الذي يكثر الجدل ويستفسر المعنى ولسأيما معنــى المنــع ‪،‬‬
‫وضرب ا مثل بآدم عليه السلم ‪ ،‬إذ لم يجد له عزما ‪ ،‬منعه عن الكل من الشجرة ‪ ،‬ولو لم‬
‫يبحث في معنى المنع لما غره إبليس ‪ ،‬ولما أكل من الشجرة ‪ ،‬وقـد تـاب الـله علـى آدم عليــه‬
‫السلم مثال لنبي آدم أن من يفعل سأوءا ثم تاب فل إثم عليه ‪ ،‬إن اللـه أصأدق القائليـن وأحكــم‬
‫الحاكمين ‪ ،‬ومن يصدق من الناس في القول ‪ ،‬فإن ا يجعله من المحسنين ‪ ،‬ويحكم بالحــق ‪،‬‬
‫ويرجع الحكم ل رب العالمين ‪ ،‬ويدخل جنة النعيم ‪ ،‬ويحشر مع الصالحين ‪ ،‬إن المعاني كلها‬
‫لها معنى أن ا هو الملك الوهاب ‪ ،‬يهب ما يشاء لمن يشاء ‪ ،‬ويفتن من يشــاء ويتوب عمــن‬
‫يشاء ‪ ،‬إن ا هو التواب ‪ ،‬إن النسان لن يهتدي إلى شيء من علم ا إل إذا هداه اللـه ‪ ،‬ومـا‬
‫قول الذين قالوا بجهل إنهم يعلمون إل إظهارا لمعنى يعني أنهم ل يعلمون ‪ ،‬ولو كان النسـان‬
‫صأادقا في القول إذ يدعي العلم ‪ ،‬لما أصأابه ا بمصـائـب ل علم للنسـان عليها ‪ ،‬كذلـك اللـه‬
‫يضرب المثال حتى يعلموا أنهم ل يعلمون ‪ ،‬ومن علم أنه ل يعلم ‪ ،‬فليطلب العلم من ا ‪ .‬إن‬
‫من المعاني ما فيها معنيان اثنان ‪ ،‬نرى الحجر حجرا مجردا من المعنى ‪ ،‬إن لم نفهم أن مــن‬
‫الحجارة لما يتفجر منه النهار ‪ ،‬وأن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ‪ ،‬وأن منــها لما يهبــط‬
‫من خشية ا ‪ ،‬كذلك أظهر ا في كتابه ‪ ،‬وإن من لم يؤمن بما جعـل اللـه ‪ ،‬فإن اللـه قد أعــد‬
‫‪27‬‬

‫جهنم وقودها الناس والحجارة ‪ ،‬أعدت للكافرين ‪ ،‬فالنسان يجزى بســوء عملــه ‪ ،‬ويجــزى‬
‫بالمعنى الحقيقي للمعنى الذي يعطيه النسان للمعاني التي أظهر ا معناها ‪ .‬إن من الكفـر أن‬
‫تخفى معاني الشياء إظهارا لمعان أخرى لم يكـن لهـا أصأـل ول معنـى ‪ ،‬إن معانـي المعانـي‬
‫معناها معرفة معنى المثل واليات التي أنزلها ا معنى ثابتا ل تغيير فيه انطلقا من المعنـى‬
‫الحقيقي ‪ ،‬مع ترك كل معنى هـو غيبي ل يمـكـن إدراكـه ول إدراك معنـاه ‪ ،‬فالعاقل عليـه أن‬
‫يكتفي بما علم ا ‪ ،‬ول يقفو ما ليس له به علم ‪ ،‬إن النــاس قــد غـيـروا معانـي الشيـاء ‪ ،‬إن‬
‫القرآن لم يغير ‪ ،‬ولكن الناس بدلوا معاني القرآن ‪ ،‬وهــذا معناه تحريف الكلــم عن مواضعــه‬
‫حتى ولو لم يكن هناك تغيير ظاهري في ما كتب في القرآن ‪ ،‬بل تغــيير في المعنى ‪ ،‬والــذي‬
‫غير معاني المثل التي علمـها اللـه وأظهرها في كتابه ‪ ،‬فإنه قد حرف الكلم عــن مواضعــه ‪،‬‬
‫ومن أحل شيئا بغير علم إسأنادا بمعنى أعطاه لية بتغيير معناها ‪ ،‬فإنه قد اشترى بآيـات اللــه‬
‫ثمنا قليل ‪ ،‬وقد سأبق من شرب الخمر وأحله بمعنى آيــة أن ل جنـاح على المؤمنيــن فــي مـا‬
‫طعموا ‪ ،‬وقد غير الناس معنى آية في معناها أن الرجال قوامون على النساء بإعطــاء معنــى‬
‫آخر أن المرأة بإمكانها أن تعمل وتشتغل ‪ ،‬وبإثبات خاطيء أن اليــة ل معنى فيها للمنع مــع‬
‫إبقاء حق معناه أنر الرجال قوامون على النساء في أشياء أخرى ‪ .‬وإن من يقـول إن اللـه حـل‬
‫في جسمه فمعناه أنه يدعي الولهية ‪ ،‬حتى ولو لم يقل إنه إله ‪ ،‬ومن قال إن النبي عليه السلم‬
‫يحل في جسمه فكأنه قال إنه نبي ‪ ،‬حتى ولو لم يقل إنه نبي ‪ ،‬ومن قال إنـه ل إثبـات لتحـريـم‬
‫الخمر ‪ ،‬فإنه أحل الخمر ‪ ،‬وكل تغيير لمعان لم تقارن بمعان أخـرى فــي القــرآن ‪ ،‬وإن هــذا‬
‫المر في معانيه كثير ‪ ،‬ولكن معناه الحقيقي ثابت ل تغيير في معانيه ‪ ،‬إنما النسان هو الـذي‬
‫يغير ما بنفسه ليغير ا ما بالنسان ‪ .‬إن الصدق صأدق في معانيه ‪ ،‬وهو فرق الكذب ‪ ،‬ولول‬
‫وجود الصدق لما عرف النسان الكذب ‪ ،‬ولول وجود العلم لما عـرف النسان الجهــل ‪ ،‬وإن‬
‫الناس ليحكمون على أنفسهـم ‪ ،‬وهـذا فـي الحـياة الدنيا فقط لن يوم القيامة ل ينفــع الكاذبيــن‬
‫صأدقهم ‪ ،‬لن القول قد حق عليهم ‪ .‬إن الصدق هو صأدق القول ‪ ،‬والقول هو ما قال ا ‪ ،‬لن‬
‫في قول ا صأدقا ‪ ،‬إن الكافر لن يصدق في قولـه أبـدا ‪ ،‬ولـن يصـدق فـي معرفتـه مهـما بلـغ‬
‫تطورها ‪ ،‬وقد لبس المؤمن اليوم لباس الكافر ‪ ،‬فلم يعد هناك فرق بينهما ‪ ،‬وهذا بلء من عند‬
‫ا عظيم ‪ ،‬ولو لم يكن هناك تغيير لما تغير أصأـل المؤمـن ‪ ،‬وإن قـال النـاس إنهـم لم يكونـوا‬
‫للحق عالمين لقيل لهم إنهم كانوا للكذب متبعين ‪ ،‬وإن ا سأبحانه وتعالى قد أظهـر لــنــا فــي‬
‫كتابه أن المنافق إذا رأيناه يعجبنا جسمه ‪ ،‬وإن يقل نسمع لقوله ‪ ،‬ولكـن ا يصــف المنافقيــن‬
‫كأنهم خشب مسندة ‪ ،‬يحسبون كل صأيحة عليهم ‪ ،‬وإن ا يحذرنا بأنهم العدو لنحذرهم ‪ ،‬وإن‬
‫الذين يتبعون معرفة الذين ل يعرفون ‪ ،‬فكأنهم يقولون بأن هتم أهـدى سأبيـل ‪ ،‬وإن قيـل اليـوم‬
‫لحد إن ما يفعله بدعة فــي الدين ‪ ،‬إذ بــه ينكر ذلــك ‪ ،‬وكأنـه يقـول ‪ :‬أن هكـذا وجدنـا آباءنـا‬
‫يفعلون ‪ .‬إن المر له واقعه ‪ ،‬حتى ولو أخفى النسان معناه ‪ ،‬فإن معاني المعانــي التــي فــي‬
‫القرآن تنطبق على النسان في أي عصر كان ‪ ،‬وهذا معناه أن كل ما يفعله النسان له معــان‬
‫في القرآن غير ظاهرية في معانيها ‪ ،‬ولكن ل تخلــو من معنـاها الحقيقـي ‪ ،‬وإذ يعنــى بها أن‬
‫النسان فقد معناه الحقيقـي ‪ ،‬فأصأبــح النسان اليــوم دون معنى يليــق به ‪ ،‬ومــن يفقد معنــاه‬
‫كمؤمن بال ‪ ،‬فإن ا يعطيه معنى آخر يعني حقيقة المعنى أنه كافر ‪ ،‬فاليمان والتقـوى همــا‬
‫‪28‬‬

‫جاعل الفرق بمعناه بين الناس ‪ ،‬لتلبس النفس التقوى ‪ ،‬فيكون النسان تقيا ‪ ،‬وليلبـس الجســم‬
‫التقوى ‪ ،‬فيه سأتر فذلك خيـر ‪ ،‬مـا مهمة النســان ؟ وكيف جعل لنفســه مهاما أخــرى ؟ ومـا‬
‫المهم في الحياة الدنيا ؟ حمل النسان مهمة أخرى فيه مسؤولية ل معنـى فيهــا بينمـا المعنـى‬
‫الحقيقي هو أن النسان قد حمل المانة فغفل عنها ‪ ،‬إن الشر قــد انتشر فــي الرض ومعنــاه‬
‫دليل الخير ‪ ،‬وهذا يدل على أن أمر ا قريـب ‪ ،‬وكان دائما قريبا ‪ ،‬وكل عذاب يأتــي النــاس‬
‫فهو شر على الكافر وخير على المؤمن ‪ ،‬وهذا معناه أيضا معان تعني معاني أخرى ل تثبت‬
‫إل بمعان أخرى تجعل واقعها وسأرها ‪ ،‬ولو فكر النسان في سأر الشياء لوجــد أن السأــرار‬
‫كلها غيبية ‪ ،‬لذا وجب اليمان بالغيب ‪ ،‬فالساعة قائمة ل ريب فيها ‪ ،‬وليكن معنى النسان أنه‬
‫إنسان خلق من أجل عبادة ا ‪ ،‬والعبادة تلزم احترام حدود ا وتقديـره ‪ ،‬والنسـان إن يغفـل‬
‫عن الحق ‪ ،‬فإن ا يتركه في غفلة حتى تأتي الساعــة بغتــة ‪ ،‬وقد ظــن الكثيـر أن مـن مـات‬
‫مــن القوم الكافرين ل يحضرون في قيام الساعة ‪ ،‬لنهم ماتوا قبل أن تأتي الساعـة ‪ ،‬ما هــذا‬
‫إل قول الجاهلين ‪ ،‬بل كل من كفر بال سأيكون حاضرا يوم تقوم الساعة ‪ ،‬وليفكر النسان في‬
‫معنى ذلك ‪ ،‬حتى ولو خفي المعنى ‪ ،‬فإن الناس سأيحشرون في الحشر الول ‪ ،‬وتأتيهم الساعة‬
‫بغتة كما وعد ا ‪ ،‬فإن المعاني تبقى معاني على أصألها في كل قول يقوله سأبحانـه وتعالــى ‪،‬‬
‫وكان على المسلمين أن أدخلوا معرفة قوم جاهلين ‪ ،‬وكان أولى لتلك المم أن تأخذ العلم مــن‬
‫المسلمين لمعرفة الحق ‪ ،‬وكأن السألم لم تبق له دعوى ‪ ،‬وكأن الناس لـم يصبحــوا قادريــن‬
‫على أن يفهموا معنى الخبيث ومعنى الطيب ‪ ،‬لنهم ل يـرون منكـرا لنهوا عنـه ول معروفــا‬
‫ليأمروا به ‪ ،‬ولكن الشيطان يرى ما ل يراه الناس ‪ ،‬لنهم اتبعوه ‪ ،‬ويوم القيامـة يتبرأ منهــم ‪،‬‬
‫فالنسان في مشكله‪ ،‬ولن يجد له حل إن لم يعرف أنه مشكل ‪ ،‬ومشكل النسان معناه غـرور‪،‬‬
‫وقد غرت به الحياة الدنيا ‪ ،‬ومتاع الحياة الدنيا فهو متاع الغرور ليس له حقيقة ‪ ،‬بــل خيـال ‪،‬‬
‫لنه يوم القيامة ل يبقى ‪ .‬ولو كان حقيقة لما فني ‪ ،‬ولدخل الكافر جهنم دون أن تقوم الساعة‪،‬‬
‫ولكن قيام السعة دليل معناه أن النسان يعيش عالما لم يكن واقعيا ‪ ،‬فالحقيقة عنـد ا ل تفنى‪،‬‬
‫وكل شيء له خلود ‪ ،‬فهذا معنى في معنى أسأاس معاني المعنى ‪ ،‬وما هي شروط النسان فـي‬
‫الحياة الدنيا ؟ كأنه يشترط على ا أن يعيش في عزة وفي رفاهية وفي ملك ل يبلـى ‪ ،‬وكــان‬
‫أسأاس المعنى أن ا أخذ من النسان عهدا وميثاقا أن ل يعبـد إل اللـه ول يشرك بــه شيــئا ‪،‬‬
‫والنسان لم يوف بعهد ا ‪ ،‬ويشترط على النسان شروطا أخرى ظاهرة في كل المحـرمات‬
‫‪ ،‬لهذا فإن النسان يعيش في عالم قديم في المعنى ‪ ،‬إذ ل وجـود للرفاهيـة فيـه ‪ ،‬وكـم يتخـيـل‬
‫النسان السعادة ‪ ،‬ويتخيل أن ل يشقى ‪ ،‬وكيف يكون ذلـك وهـو يلعـب ضحـى ويـنام دون أن‬
‫يذكر ا ول قليل ؟ إن اليام تمر كالجبال مر السحاب ‪ ،‬وإذا بيوم يفاجأ فيه الناس تسير فيـــه‬
‫الجبال فكانت سأرابا ‪ ،‬وما السراب ؟ إنه شيء يوهم به ا النسان ‪ ،‬ومعناه يعني شيــئا غيـر‬
‫موجود ‪ ،‬كذلك هو مكر ا ‪ ،‬لنه خير الماكرين ‪ ،‬ل يمكنه أن يترك للنسان شيـئا يفسد فيــه‬
‫إل أن يكون ذلك الشيء سأرابا ‪ ،‬ومعــناه أنــه غيـر موجود ‪ ،‬ولم ل ؟ وقــد عــرف الناس أن‬
‫بالسحر يظهر الساحر أشياء غير موجودة ‪ ،‬ألم يكن ا بقادر علـى أكثر من هذا ؟ بلــى ‪ ،‬إن‬
‫المر معناه حقيقي ‪ ،‬وواقع فوق كل واقع يعرفه النسان ‪ ،‬يوم تبدل الرض غير التي عليــها‬
‫النسان ‪ .‬إن معنى هذا أن الواقع بعيد في معناه عن النسان ‪ ،‬فالنسان لـم يفسد فــي الرض‬
‫‪29‬‬

‫الحقيقية ‪ .‬وكيف له أن يفسد في ملك ا ‪ ،‬وا قد أحكم ملكه ‪ ،‬ولو أفســد النسـان في أرض‬
‫حقيقية لخذته العزة بالثم يوم القيامة ‪ ،‬وحتى لو أدخل النار لقال الكافر بعزة بالثم ‪ ،‬إنـه قـد‬
‫تمكن من الفساد ‪ ،‬وأفسد في الرض ‪ ،‬ليعرف النسان أن معاني المعاني ليست واضحـة فـي‬
‫معناها ‪ .‬فلنسان يأكل ويسرف ويبذر ‪ ،‬إنه لم يطعم أبــدا طعاما حقيقــيا ‪ ،‬بل طــعاما خيالــيا‬
‫كسراب ‪ ،‬لن ا وعد الكافر بأن يطعمه من شجرة الزقوم ‪ ،‬وإن قيل للمؤمن بـأن ل يسعــى‬
‫وراء عرض الحياة الدنيا ‪ ،‬فلن ا سأبحانه وتعالى يرشده إلى الحقيقة بأن متاع الغرور كـان‬
‫غرورا ‪ ،‬ومعنى ذلك أنه غير موجود في الحقيقة ‪ ،‬ولو كان ذلك حقيقـيا لورث اللـه الرض‬
‫للمؤمنين ‪ ،‬ولسأكنهم فيها ‪ ،‬ثم يعذب الكافرين في النار دون حاجــة إلى الجنـة ‪ .‬ولكن الجنــة‬
‫هي الواقع الكوني الحقيقي الذي يعيش فيــه المؤمن بعد الخــروج من عالم غير مــوجود‬
‫فــي وجود حقيقي ‪ ،‬ليتصور النسان فهما بسيطا في معناه أن رجـل مشــركا بغــى علــى‬
‫مؤمنــة ونزع منها طهارتها ظلما ‪ ،‬فكيف يكون المر لفهم معناه عندما تدخل المؤمنة الجنة‬
‫وتتـزوج مؤمنا آخر ‪ ،‬فإن المعنى المراد به معناه أن المؤمنة لن تهدأ أبدا حتى ولو دخلت‬
‫الجنـة لنـهـا سأتفكر في المر الذي وقع في الرض وفي الحياة الدنيا ‪ ،‬وليكن المعنى أن ا‬
‫جعـل أمــره ‪ ،‬فهو سأيبدل الجسام يوم القيامة للمؤمنين ن ومعنى هذا أن الجسام التي يعيش‬
‫بها المؤمن في الحياة الدنيا لم تكن جسما حقيقيا في معناه جسما صأوريا ويضمحل كالسراب‬
‫كما سأتضمحـــل الجبال ‪ ،‬والقول الصحيح أن معنى كل هذا يعني كذلك أن الذين ماتوا في‬
‫سأبيل ا لم يكونــوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ‪ ،‬فالجسم الذي قتـل لـم يكن حقيقيا ‪.‬‬
‫إن المـر بسيط ‪ ،‬فـإن الكافر يفسد في عالم غير وجودي في معنى الوجود ‪ ،‬بل موجود في‬
‫وجود غاب معناه ‪ ،‬وإن كان المؤمن ليس له جسم حقيقي في الحياة الدنيا فما هو الجسم‬
‫الحقيقي للنسان ؟ كذلك كــان السؤال ‪ ،‬ولم يعط له جواب ‪ ،‬لن اللــه يبــدل أمثال الناس‬
‫وينشئهم فيما يعلمون ‪ ،‬وكــل مــن عرف معاني المعاني ‪ ،‬وعمل بحكمتها فإنه يحكم بحكمة‬
‫ا ‪ ،‬ويدرك معنى أن ا قد أعطـى مثل ‪ ،‬إذ جعل من الذين كفروا القردة والخنازير وعبـدة‬
‫الطاغـوت ‪ ،‬فأمـر الكافر علمـه عنـد ا ‪ ،‬لن ا يأمر المؤمن بأن يذره هو ومن خلق وحيدا‬
‫‪ ،‬فيومئذ سأيعرف الكافر أمره ‪ ،‬إنما الوصأية للمؤمن ‪ ،‬وما أنزل اللــه القــرآن إل ليــزداد‬
‫المــؤمـن إيمانا ‪ ،‬ويزداد الكافر كفــرا ‪ ،‬فالمعاني لها معانيها أن الرض ليست كما نراها ‪،‬‬
‫ولـن يحيط الكافر بأقطارها ‪ ،‬ولــن يدخـل حجبها ‪ ،‬ولن يخرج منها ‪ ،‬فهو فيها يفسد فيها إلى‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬إن ا سأبحانه وتعالــى شــدد أسأر الكافرين ‪ ،‬ولو شــاء بــدل أمثالهم تبديل ‪ ،‬إينا‬
‫بهذا القــول الــذي فيه معان شاملة لمعــان أخرى ‪ ،‬ل نبتغي عن الحقيقة تحويل ‪ .‬إن المر‬
‫الواقع واقع حقيقـي وحـق ‪ ،‬والحقيقــة فوقـها سأواء إن أظهرنا قبولها أو إن كرهنا ‪ ،‬وسأــواء‬
‫أشكــرنا أم كفرنا ‪ ،‬لن من شكر فإنما يشكــر لنفسه ‪ ،‬ومن كفر فإن ا غني عن العالمين ‪،‬‬
‫‪ .‬وقــول الصــدق قد ينفع يوم القيامة ‪ ،‬يـوم ينفـع الصادقين صأدقهم‬

‫‪30‬‬

‫الرض المباركة‬ ‫أرض الظلمات‬


‫وهي القطعة‬ ‫وهي القطعة‬
‫الولى من القطع‬ ‫السابعة من‬
‫الرضية التسع‬ ‫الرض التي‬ ‫القطع الرضية‬
‫المتجاورة‬ ‫نعيش على‬ ‫التسع المتجاورة‬
‫سطحها وهي‬
‫القطعة الرابعة من‬
‫القطع التسع‬
‫المتجاورة‬
‫إن الرض المباركة يعيش فيها المؤمنون في أجسام حقيقية ‪ ،‬ثم يخلقون في أجسام ثانية في الرض‬
‫التي نعيش على سأطحها ‪ ،‬والكافر اسأتمداده من أرض الظلمات ‪ ،‬ويعيش على سأطح الرض التــي‬
‫نعرفها ‪ ،‬والتي هي موضع الصراع بين النور والظلمات ‪ ،‬إن العقل قواه بإمكانها أن تنقسم إلى عدة‬
‫أقسام على حسب قوى الجسم ‪ ،‬وقد يكون ذلك ظاهريا ‪ ،‬ومعنى هذا أن العقل بعيد عن قوى العقـــل‬
‫‪ :‬في الجسم ‪ ،‬فالعقل بإمكانه أن ينفق على قوتين‬

‫العقل‬
‫الثابت‬

‫مثــــلــث‬
‫قوى عقل‬
‫قوى العقل‬ ‫قوى عقل‬
‫الجسم‬ ‫الفعال‬ ‫الجسم‬
‫الظاهري‬ ‫الظاهري‬
‫الثانإي‬ ‫الول‬
‫‪31‬‬

‫إن المعنى الكامن في المعاني ‪ ،‬هو أن النسان بإمكانه أن يكون له جسمان ظاهران ‪ ،‬والعقل‬
‫ينفـق عليهما في آن واحد بقوى العقل المسمى بالعقل الفعال ‪ ،‬والعقل الفعال هو وسأيلة انتقال‬
‫الـقوى بيــن العقل ‪ ،‬والجسم الول ‪ ،‬والجسم الثاني ‪ .‬إن المر بســيــط بإمكــان كــل متصـل‬
‫بالباطــن الحقيــقــي ‪ ،‬أن يدرك هذا المر الواقعي ‪ ،‬والذي يظهــره العلم الدينــي وإن بحــث‬
‫النسان عن دليـل في القــرآن ‪ ،‬فإنا ذكرنا معاني ثابتة في ذلك ‪ ،‬وخلصأة المعنى فـي هـذا ‪،‬‬
‫معناه أن المــر واقعــه عندما يــزوج اللــه النفوس ‪ ،‬فيتبين للنسان أن ا سأبحانـه وتعالــى‬
‫شديد المحال ‪ ،‬جعـل للواقــع واقعــا آخــر واقعــيا ‪ ،‬وجعل للمعانـي معانـي أخرى ثابتـة فـي‬
‫معانيها ‪ ،‬وما كان للنسان أن يعلــم شيـئا إن لــم يعلمــه اللــه سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وحتى لو بلـغ‬
‫النسان مبلغا كبيرا في علم المعاني ‪ ،‬فإن المعنى الحقيقي يبقى معناه أن النسان لم يؤت مـن‬
‫العلم إل قليل ‪ ،‬ولو كانـت الحضــارة الحديثة حضارة لتمكن النــاس من معرفــة أمــر خفــي‬
‫واقعي ‪ ،‬دون الخوض في علم جهلي أصأله عدمي غيبـي ‪ ،‬ل يمكـن للنسـان أن يعـرف عنـه‬
‫شيـئا إل إن توفر علم من عند ا أنزله وأثبته ‪ ،‬وليكن المر الواقعي أمرا نفهمـه في معنـاه ‪،‬‬
‫وليكن السؤال واضحا ‪ ،‬معناه هل بإمكان من كفر بال أن يعلم أصأـل الشـيـاء وحقيقتـها ؟ إن‬
‫الكافر لو بلغ إلى علم فيه حقيقة لما عذبه اللــه ‪ ،‬لن بهـدى ا يبلغ النسان إلى العلم الدينــي‬
‫الحقيقي ‪ ،‬ومن هدى ا فقد آمن بال ‪ ،‬أما الكافر فإن ا ل يهديـه إلـى شـيء ‪ ،‬لن اللـه قــد‬
‫أضله ‪ ،‬فما بال الذين يتحدثون عن العقل وقواه دون علم ديني ظاهري وباطنــي ؟ ومــا بــال‬
‫الذين يقولون إنهم عرفوا الرض بأكملها ومواقع النجوم ؟ إنه ل يوجد علم آخر غير ما أنزل‬
‫‪ .‬ا في كتابه‬

‫إن الواقع الذي نجهله هو الذي يهم في كل بحث حتى يتمكن النسان من معرفة الواقع الـــذي‬
‫يعيشه ‪ ،‬لنه واقع يجهله ‪ ،‬فالواقــع المجهــول هو الواقع الــذي نظن أنه معلوم ‪ ،‬بينــما هـــو‬
‫مجهول ‪ ،‬إن لم يتوفر العلم المثبت لمعنويته في كل معانيه المحيطة به ‪ ،‬والصورية‬
‫المتشابهة فيه ‪ ،‬والتي تدل على واقع آخر عن النسان وبعيد فـي معانيــه ‪ .‬إن المعنى هو‬
‫دليــل الواقــع المجهول ‪ ،‬والذي ل نفهمه إل بمثل ضربها ا سأبحانه وتعالى للنسان ‪ ،‬وكل‬
‫مثال فهو يـدل على معان تعني معاني كثيرة ‪ ،‬مختلفة في معانيها وفي أصأولها ‪ ،‬فالنسان ل‬
‫يجب عليــه أن يدعي العلم مادام ل يعلم ‪ ،‬فكان المبدأ العلمي الول والديني في معرفة معاني‬
‫المعاني ‪ ،‬هـــو وسأيلة فهم مقتصر في المعنى ‪ ،‬ليتمكن النسان من فهم معان معناها أنه ل‬
‫يعلم ‪ ،‬وكل بالــــغ في العلم الديني ‪ ،‬فإنه ل يصر علــى معرفــة ‪ ،‬ول يثبتها إل في معان‬
‫يمكن تبديل معانيــها ‪ ،‬حتى ل يكون العلم محصورا ‪ ،‬فالمتدين عليه أن يعيش واقعا آخر ‪،‬‬
‫ويؤمن به ‪ ،‬وكــل معنــاه غيبي ‪ ،‬فمن واجب المسلم أن يفكر فــي الجنة وفي النار ‪ ،‬ويثبت‬
‫وجودهما في المعاني التــي يفهمها ‪ ،‬وبهذا فإنه يعيش عالما آخر واقعيا ‪ ،‬ولكنـه غيبي في‬
‫المعنى المدرك والمفهوم ‪ ،‬أمـا إن بحث المؤمن في الرض وفي السماء بالوسأائل الحديثة‬
‫الغير الدينية ‪ ،‬فإنه سأيعتقد اعتقـادا آخر يضله بمعانيه الغيــر الواقعيــة ‪ ،‬فيصبــح يعيش‬
‫واقعــا خيالــيا ل وجود له في المعانــي الحقيقية ‪ ،‬وإن أصأيب النسان بهــذا العتقاد فإنه‬
‫يصبح يرى الكون صأغيرا أمام عينيه ‪ ،‬ول يمكــن بذلك أن يقدر ا حق قدره ‪ ،‬أمـا إن فكــر‬
‫المؤمــن بالصفة المركــزة فــي القــرآن أن الرض واسأعة فيها حجب ثمانية ‪ ،‬وفي كل‬
‫حجاب ثمانية حجب أخرى ‪ ،‬ثم أن السماء سأبـــع‬
‫‪32‬‬

‫سأماوات طباقا ‪ ،‬وأن من الرض يوجد مثلـهـم ‪ ،‬لتمكن المؤمن من تعظيــــم الخالق بظهــور‬
‫عظمة الخلق ‪ ،‬فالوجود مظهر لقدرة الخالق ‪ ،‬وإذا ظن النسان أن الرض ما هي إل البقعــة‬
‫التي يعيش فيها ‪ ،‬فإن المعنى يفقد معناه وعظمة الخالق ل تصبــح متجلية في ظاهــر الكــون‬
‫المعلوم والمجهول ‪ ،‬فالمعنى الصحيح في المعاني أن المؤمن عليه أن يفكر مثل في الوجــود‬
‫وما بعد الظاهر لنا ‪ ،‬بصفة فيها معان فقــط ‪ ،‬فالوجود الظاهــري يعني دليــل وجود‬
‫غيبــي ‪ ،‬وعلمه عند ا ‪ ،‬فليفكر النسان في الملئكة وفي السماوات السبع وفي الرض ‪،‬‬
‫ليجد اللــــه كبيرا ‪ ،‬وبهذه الطريقة ‪ ،‬تتطور قوى العقل والجسم بالعلم الديني الثابت في‬
‫معانيه ‪ ،‬وليفكـــر النسان قليل في اللنهاية ‪ .‬إن العلم الكوني ل نهاية له ‪ ،‬والكوان كلـها‬
‫تسمــى بالعــروش ‪ ،‬والسماوات والرض تسمى عند ا بالكرسأــي ‪ ،‬لن الكــرسأي وسأــع‬
‫السمـاوات والرض ‪ ،‬والجنة عرضها السماوات والرض ‪ ،‬بمعـنى أن السمــاوات‬
‫والرض كلها جنــة إل الرض التي نعيش على سأطحها فهي مستــودع الحياة الدنــيا ‪،‬‬
‫والجنة هي المستقر ‪ ،‬وليمكــن إدراك المعنى فلبد من فهم أول ‪ ،‬يتعلق بالفجاج الرضية ‪.‬‬
‫إن الفج وسأيلة انتقال من مكان إلى آخـر في ظرف وقت قصير ‪ ،‬والسبب هو وجود نور‬
‫يمكن به الرحيل دون أن يتمكن النسان مــن إدراك تلك القوة ليعرفها ‪ ،‬والفجــاج وجـدت‬
‫قديــما بصفــة كان النــاس يعرفونها ‪ ،‬والفجــاج الموجودة اليوم فهي فجاج خفية ‪ ،‬وقل من‬
‫يعرفها ‪ ،‬فكان النسان يدخل كهفا في أرض ‪ ،‬وإذا به يجد نفسه في أرض أخرى ‪ ،‬سأدت‬
‫الفجاج لسأباب كثيرة ‪ ،‬والمهم معرفتـه هــو أن النــاس بعد الطوفان انتشروا في الرض‬
‫ودخلوا من الفجاج إلى الحجب الرضية الخرى ‪ ،‬وجعــل ا سأبحانه وتعالى من بين أيديهم‬
‫سأدا ومن خلفهم سأدا ‪ ،‬وسأدت الفجاج ‪ ،‬وتكاثـر النــاس فــي الراضي المحجوبة ‪ ،‬وسأكون‬
‫فيها ‪ ،‬كما تكاثر الناس في هـذه الرض وسأكنوها فالذيــن فـي الحجب ل يعلم أغلبهم أن بشرا‬
‫آخرين موجودون في الرض ‪ ،‬كـما أن الناس اليوم يجهلــون ذلك أيضا ‪ ،‬وعندما يظهر ا‬
‫الواقع المجهول ‪ ،‬فإن معنى الفجاج يظهر للناس ‪ ،‬ويتبين لهـــم أن كل فئة لم تكن وحدها في‬
‫‪ .‬الرض ‪ ،‬وأن ا سأبحانه وتعالى يخلق ما ل نعلم‬

‫أرض‬ ‫أرض‬
‫محجوبة‬
‫مخر‬ ‫ظاهرية‬
‫مدخ‬
‫ج‬ ‫ل‬
‫الفج‬ ‫الفج‬

‫يتم التنقل بواسأطة الفجاج بقوى النور الكامن في عمق الفج ‪ ،‬ول يمكــن معرفة المسافـة بيــن‬
‫الرضين ‪ :‬الرض الظاهريــة والرض المحجوبــة وكــل الرضين لـهــا مساحة واحــدة ‪،‬‬
‫والنسان ل يشعر بالمسافة المقطوعة بين الرضين ‪ ،‬رغم أن المسافة فــي حقيقتها كبيــرة ‪،‬‬
‫ويظهر للنسان بعد ذلك أن الرض الظاهرية والرض المحجوبة ما هي إل واحدة محجوبـة‬
‫‪ .‬في الخرى ‪ ،‬والواقع هو غير ذلك ‪ ،‬ول يمكن الفهم الصحيح إل بقوة باطنية‬
‫أعماق الفج الموصل بين الرضين‬

‫‪33‬‬

‫الرض الظاهرية في‬


‫ملتق المحجوبة‬
‫الرض‬
‫ى‬
‫الفج‬
‫ين‬

‫مدخل الحجب الرضية‬


‫إن هذا هو مثل المعنى في معنـى يعنــي معنييــن متشابهيــن مفترقيــن ومختلفيــن ‪ ،‬فالواقــع‬
‫الظاهري ل يعني الواقع كله ‪ .‬إن الفجاج موجودة في الرض بكثـرة ‪ ،‬والسيــر فيــها يسمــى‬
‫‪ :‬بالسأراء ونظهر في ذلك في الفج الذي بين المسجد الحرام والمسجد القصى‬

‫المس‬ ‫الفج بينهما‬ ‫المس‬


‫جد‬ ‫جد‬
‫القص‬ ‫الحرام‬
‫ى‬
‫والفج بين المسجدين مختلف عن الفجاج الخرى ‪ ،‬والخلط في المعاني قد ل يؤدي إلى معنـى‬
‫مظهر لواقع السأراء والمعراج ‪ ،‬أما المعارج فمعنى المعراج صأعود ‪ ،‬بينما السأراء سأيــر ‪،‬‬
‫والفج بين المسجد الحرام والمسجد القصى ل يمكن السأراء فيه إل لنبي أو رسأول ‪ ،‬لنه فج‬
‫‪ ،‬موصأل إلى المعراج الثاني الموجود في المسجد القصى‬
‫إن المعارج كالفجاج بالنسبة لقوى النور الكامن فيــها ‪ ،‬إل أن المعارج وسأيلــة صأعــود إلــى‬
‫السماء ‪ ،‬ول يوجد في الرض إل معراجان ‪ ،‬الول في المسجد الحرام ‪ ،‬والثاني في المسجـد‬
‫‪ :‬القصى ‪ ،‬ويلتقيان في معراج واحد هو المدخل إلى السماء‬

‫‪34‬‬
‫إن النبي محمد صألــى اللــه عليه وسألــم تسليما ‪ ،‬أسأري به من المسجد الحرام إلــى المسجــد‬
‫القصى ‪ ،‬وعرج به إلى السماء ‪ ،‬وبين السماوات السبع يوجد معـراج إلى سأــدرة المنتهــى ‪،‬‬
‫وسأدرة المنتهى هي ملتقـى كل المـعارج السماويـة ومــعارج الراضي السبعة ‪ ،‬ومن سأــدرة‬
‫المنتهى يتم الخروج من الكون الول ‪ ،‬والدخول إلى عالم العروش كلها التي ل نهايــة لــها ‪،‬‬
‫ولم تكن سأدرة المنتهى هي الحد الكوني ‪ ،‬بل هي بداية المــعارج كلها التــي بعــد الســماوات‬
‫والرض ‪ ،‬وبعد الكون الول الظاهري ‪ ،‬والكون الشامل للسماوات والرض سأابح في كـون‬
‫آخر ول يمكن البلوغ أبدا إلى نهاية الكوان ‪ ،‬لن كل كون إل وهو سأابـح فــي كــون آخــر ‪،‬‬
‫فاللنهاية ل نهاية لها ‪ ،‬ويبقى المعنى كما هو أن ا سأبحانه وتعالى ل يرى بصفــة نهائيــة ‪،‬‬
‫لن وراء كل كون كونا ‪ ،‬فالمعنى الصحيح هو أن ا سأبحانه وتعالى دون كل كون ‪ ،‬بمعنـى‬

‫‪35‬‬

‫أنه ل وجود لمعنى أن ا يرى كشيء يمكن للعين أن تراه ‪ ،‬والمعنى الثابت هو أن كــل مــا‬
‫‪ .‬يرى فهو مخلوق ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى فإنه تعالى عما يشرك الناس علوا كبيرا‬
‫إن الفهم واضح بالنسبة للمؤمن ‪ ،‬والذين سأعوا إلى تغيير المعنى الحقيقي لم يغيروه في أصألـه‬
‫‪ ،‬فإن تكلموا ويتكلمون كتبوا وما زالوا يكتبون ضلوا وما زالوا يضلون ‪ ،‬ولكن من هدى اللـه‬
‫فل مضل له ‪ ،‬وكل قائل ل يقول حقا فإنما يقول ‪ ،‬ويبقى معنى مجرد قول ل يغير شيئا ‪ ،‬لن‬
‫الكون ما زال على حاله ‪ ،‬والدين ما زال ثابتاا ‪ ،‬إنما النسان هو الذي يفكر على حسب هــواه‬
‫‪ ،‬ولم يكن الكرسأي شيئا للجلوس ‪ ،‬بمعنى معناه نعرفــه ‪ ،‬بلى ‪ ،‬إن الواقع لـه معناه الحقيقـي ‪،‬‬
‫وا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬تكون الرض يوم القيامة قبضته والسمــاوات مطويات بيمينــه ‪ ،‬ولــو‬
‫فكرنا بالمعنى المجــرد لشركــنا باللــه ‪ ،‬لن القول ظاهر معناه ‪ ،‬يمكن به تشخيـص اللــه ‪،‬‬
‫وسأبحان ا عما يشرك النــاس ‪ ،‬إن المــر غير ما يمكــن تصــوره ‪ ،‬وإن لم نثبت المعانــي‬
‫كمعان لها أصأل ‪ ،‬فإن الكفر يكون أقرب من اليمان ؛ والشرك معناه البتـعاد عن الحقيقــة ‪،‬‬
‫فالرض تكون قبضة ا يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ‪ ،‬وإن من يحاول أن يعــرف‬
‫المعنى في ذلك فإنه قد يصل بين المعاني ‪ ،‬ويفقد المعنــى الحقيقــي ‪ ،‬إن لـــم يكن هناك علــم‬
‫مظهري للمعنى الصألي ‪ ،‬وإن ل المشارق والمغارب ‪ ،‬ول المشرق والمغرب ‪ ،‬فالمشــارق‬
‫والمغارب ‪ ،‬اتجاهية في كل الجهات الكونية ‪ ،‬والمشرق معــناه تصاعــد ‪ ،‬والمغــرب معــناه‬
‫‪ .‬هبوط‬

‫‪36‬‬

‫إن المعنى في المشارق والمغارب أن اللــه سأبحانه وتعالــى لم يجعــل للكون فهــما مفهومــا‬
‫مدركا ‪ ،‬ولنفهم بمعنى حتى ولو لم يكن له معنــى أصألــي ‪ ،‬وذلك في فهــم دوران الرض ‪،‬‬
‫فالناس فوق ثم يصبحون تحت علــى حسب الــدوران ‪ ،‬وبهذا فالكون ليس له اتجاه فيه فــوق‬
‫وتحت ‪ ،‬بمعنى مفهوم مدرك ‪ ،‬فالكوان كلها بما شملت لها معنى في الدوران الكوني ‪ ،‬فكـأن‬
‫الكوان كلها لها دوران كمثل في الرض ‪ ،‬لذا فإن المفهوم هو أن ل المشارق والمغــارب ل‬
‫يعلمها إل هو ‪ ،‬فنحن فوق الرض ‪ ،‬وهناك من هـــو فــوق السماء ‪ ،‬ولكــن الكــون الشامــل‬
‫للسماوات والرض ‪ ،‬فإن النسان ل يمكنه أن يعلم هل هو فـوق كون أم تحتــه ‪ ،‬لن للكــون‬
‫الول دورانا ‪ ،‬كذلك فإن الرض يوم القيامة هي في قبضة ا يقبضها من كل مكان بأمـره ‪،‬‬
‫فل يمين ول شمال في الكوان بما يمكن أن يفهمه النسان ‪ ،‬كذلك فإن السمــاوات مطويــات‬
‫بيمين ا يوم القيامة ‪ ،‬فاليمين يسار واليسار يمين‪ ،‬فكان كل شيء يمينا ‪ ،‬فالمشرق والمغرب‬
‫مشرقان ومغربان مشارق ومغارب ‪ ،‬أما الشرق والغرب والشمال والجنوب فميــدان معنــى‬
‫آخر كذلك في معناه ‪ ،‬لنه يعني نفس الشيء ‪ ،‬وإنا لنفهم علــى حسب الفهــم أن الشــرق هــو‬
‫الجهة التي تشرق منه الشمس ‪ ،‬ولو اتبعنا الشمس في شروقها دون تأخر حتى تغرب ‪ ،‬فـــإن‬
‫الغرب يصبح شرقا ‪ ،‬كذلك المر بالنسبة للشمال والجنوب ‪ ،‬وإن المعنى فــي هــذا ظاهــر ‪،‬‬
‫ومعنى آخر مفهوم في معناه ‪ ،‬إذا ما وجد النسان في مكان في الرض ‪ ،‬حتى تصبح الكعبـة‬
‫في الجهة الخرى المقابلة من الرض ‪ ،‬فلي اتجاه سأيتجـه النسان قبلة ليصـلـي ‪ ،‬هـل إلـى‬
‫الجهة الشرقية أم إلى الجهة الغربية أم إلــى الجهة الشمالية أو إلى الجهــة الجنوبية ‪ ،‬كــذلــك‬
‫‪ :‬المر‬

‫‪37‬‬

‫إن بهذا الفهم يتضح المر الحقيقي ‪ ،‬وإذا اتضح المعنى ‪ ،‬فإن النسان يكزن بإمكانه أن يبتعد‬
‫عن الشرك ‪ ،‬لن الشرك أصأله فقدان المعنى بإعطاء فهم آخر لمعان لم يكن الفهم يــدل علـى‬
‫معناها ‪ .‬إن ما أظهرناه بسيط في حقيقته ‪ ،‬وبهذا المثال يمكن فهم المعنى المعقـد ‪ ،‬فإن المثــل‬
‫التي جعل ا سأبحانه وتعالى هي مثل عظيمة ‪ ،‬ل يمكن الفهم بغيرها ‪ ،‬لنها إظهار علم مــن‬
‫عند ا ‪ ،‬وكان المعنى أن ما أظهرناه ما هو إل معنى للفهـم يتجرد منــه النسان بعد فهمــه ‪،‬‬
‫لن الرض لها أسأرار أخرى ‪ ،‬ومعان أخرى مظهرة لحقيقتها ‪ ،‬فالفهم هو أسأــاس كــل فهــم‬
‫صأحيح في معناه الحقيقي ‪ ،‬ومن فهم معنى الشياء على أصألها فقد بلغ إلى علم جعله ا فــي‬
‫‪ .‬الكون ‪ ،‬وهو معنى المعاني في معاني المعنى‬

‫‪38‬‬
‫‪39‬‬

‫إن الذين اعتمدوا على التنجيم لفهم فعالية النجوم على النسان ‪ ،‬لو اعتمدوا على فهم ما أراد‬
‫ا سأبحانه وتعالى إظهارا لمثل في النجوم ‪ ،‬لتمكنــوا من فهــم معانــي المعنــى فــي معانــي‬
‫المعاني ‪ .‬إن النجوم مثل للكون ‪ ،‬فالكوان في الكون الكلي ل نهاية لها وكلها كنجوم ‪ .‬أمـا إن‬
‫فهم النسان معنى غير هذا ‪ ،‬فإن المعنى يفقد معناه ‪ ،‬فالنجـوم لهـا وضـع ركـزت فيـه بصفـة‬
‫تقابلية في القوة ‪ ،‬كذلك خلقها ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬ونعطي مثـال لصفـة مواضع النجـوم فــي‬
‫‪ .‬الرسأم التالي بمعنى كل نقطة كنجم‬
‫بين كل نجم ونجم توجد هذه الثماني قوات من نور ول يوجد غيرها ‪ ،‬والمعنــى يطبق كذلــك‬
‫‪ .‬على العروش الكونية في الكون كلي اللنهائي ‪ ،‬إل أن الوضع يختلف ويصبح هكذا‬

‫‪40‬‬
‫إن ا رب السماوات والرض وما بينهما ‪ ،‬وما بين السماوات والرض ‪ ،‬والشمس والقمــر‬
‫والنجوم ‪ ،‬فالشمس جعلها اللــه سأبحانــه وتعالى سأراجا وهاجا ‪ ،‬بمعنى نورا ل نارا ‪ ،‬ونــور‬
‫الشمس أصأله من النور الصأفر ‪ ،‬ومــورده من سأدرة المنتهــى ‪ ،‬والقمر جعله ا نــورا ‪ ،‬ل‬
‫بمعنى أرض كما هو معتقد ‪ ،‬ولم يكن نور القمر بمعنى ضوء يلقى عليــه من الشمــس ‪ ،‬بــل‬
‫نور أبيــض ومــورده مــن سأدرة المنتهى ‪ ،‬فسدرة المنتهى هــي مجمع النورين فـي القوتيــن‬
‫النورانية البيضاء ‪ ،‬والقوة النورانية الصفراء ‪ .‬والبالغ إلى سأدرة المنتهى يرى منـها ملكــوت‬
‫السماوات والرض ‪ ،‬وما يبلغ إليها في الرض من الجن والــنس إل مــن كانــت لــه نبــوة‬
‫ورسأالة ‪ .‬وقد اختص بعلوم سأدرة المنتهى النبي محمد صألى ا عليه وسألم تسليما ‪ ،‬وكل مـن‬
‫كان له علم من هذا فمما أنزل على محمد من فهم وعلم ‪ .‬وأمرنا ا سأبحانه وتعالى بالصــلة‬
‫والتسليم عليه ‪ ،‬وكان المعنى الموضوع هو السؤال يعني سأؤال عن الكيفية التي وجبــت بــها‬
‫الصلة والسلم على النبي صألى ا عليه وسألم تسليما ‪ ،‬وإن لم يفهم المعنى ‪ ،‬إذ ا سأبحانــه‬
‫وتعالى والملئكة يصلون على النبي ‪ ،‬فإن الفهم في عدمه يبقى حاجزا في الوصأل هـو أن ا‬
‫سأبحانه وتعالى يوصأل إلى النبي عليه الصلة والسلم النـور ‪ ،‬والملئكــة كذلــك ‪ ،‬فالصــلة‬
‫وصأل النور وإيصاله للنور الذي أنزل ا ‪ ،‬والمعنى به القرآن ‪ ،‬وإن قلنا ‪ ،‬اللهم صأــل علــى‬
‫محمد وسألم عليه تسليما ‪ ،‬فقد دعونا ا أن يزيد لمحمد عليه الصـلة والســلم نــورا ليــزداد‬
‫‪41‬‬

‫المؤمنون نورا ‪ ،‬وإن أخذنا ما أنزل على النبي فتلك صألة عليه ‪ ،‬فالصلة على النبي واجبـة‬
‫لنها وسأيلة اسأتمداد النور ‪ ،‬وفي الفهم معنيان ‪ ،‬وأخذ وصأل ‪ ،‬ودعاء من أجل الوصأـل ‪ ،‬وإن‬
‫ا سأبحانه وتعالى يصلي على المؤمنين ‪ ،‬بمعنى يمدهم بنـور يوصألـه إليهم ليمـشـوا به بيــن‬
‫الناس وليزكيهم ويزيدهم هدى وثباتا في اليمان ‪ ،‬فالمعانـي هنا شاملة لمعـنـى الصـلة ‪ .‬أمـا‬
‫الصلة بالوقوف والركوع والسجود فهي تمام كل وصأــل ‪ ،‬فهــي وصأل النــور ‪ ،‬ولــم تكــن‬
‫الصلة مجرد حركات أو مجرد امتثال لمر ‪ ،‬وإن لم تتوفر في النسان قوى من نور متركز‬
‫في الجسم والعقل ‪ ،‬فإن الصلة ل يتـم وصألــها ول تكــون عبادة في أتمــها ‪ .‬والجسم يكســى‬
‫بالنور متى تركز العقل في كل ما هو شامل للتقوى ‪ ،‬وكان المعنى أن اللــه سأبحانه وتعالى ل‬
‫يناله شيء ‪ ،‬ولكن يناله التقوى منا ‪ ،‬وا غني عن العالمين ‪ ،‬ل نضـره ول ننفعـه فـي شـيء‬
‫لذا كان النسان مسؤول ‪ .‬إن كل فهم يفهمه النسان إل وله معنى في الدين إما إيمانا أو كفرا‪،‬‬
‫ول وجود لعمل بينهما ل يعرف معناه أصأالة في اليمان أو في الكفر ‪ ،‬وكل ما يعمله النسان‬
‫بجهالة دون إدراك لمعناه ‪ ،‬قد يصبح عمل له معنــى أنــه عمــل جهلــي إن وجد التقوى دون‬
‫عدوان أو بغي ‪ .‬أما إن كان إصأرار في عمل على أنه عمل صأالح ‪ ،‬ومعناه الصألـي لـم يكـن‬
‫كذلك ‪ ،‬فإن النسان بذلك يكون في كفر ثابت في الشرك ‪ ،‬وعلــى النـســان أن يراقــب كــل‬
‫أعماله ‪ ،‬وتصبح النية أسأاس العمال في الدين على شرط السعي وراء البينة واسأتشارة أهــل‬
‫الذكر ‪ ،‬إن كان النسان ل يعلم ‪ ،‬ثم إن كل معرفة كلم منصوصا بحسن تعبيــر وأقــوال فـي‬
‫تطوير ‪ ،‬فإن معناها مفقود ‪ ،‬إن لم يكن كلما دينيا ‪ ،‬أو يدنو إليـه اعتــبارا لفائــدة مستدرجــة‬
‫بالكلم في مضمون الفهم ‪ ،‬فالثقافة في الدين ل معنى لها أصأل ‪ ،‬لن معناها في ما ليس فيــه‬
‫معنى ‪ ،‬ما هي إل معرفة ل تنطوي على أصأل ثابت بعلم ديني ‪ ،‬وكل ثقافــة معتــرف بـها ل‬
‫تكون إل تفقها في الدين ؛ إن الثقافة صأبغة كلم مفقود أمام معنى التفقه في الـدين ‪ ،‬فالمعانــي‬
‫كلها وزن في الكلم مقارنة أمام الحكام الدينية ‪ ،‬لهذا ل وجود لفلسفة فـي الديــن ‪ ،‬والمعنــى‬
‫الصألي حكمة بعلم ديني ‪ ،‬فالكلمات الدخيلة في المعاني ل يبقى لـها أمـام المعنـى الصألــي ‪،‬‬
‫ولنفهم أن ميزان وزن الكلم بالمعاني ‪ ،‬هو كالرياضيات في احتمالت الفهـم ‪ ،‬إنــما بالكــلم‬
‫المنطوق والمكتوب في كل فهم مفهوم ومدرك في معناه السطحي ‪ ،‬أو فـي معانيه العميقـــة ‪،‬‬
‫‪ :‬ومن المثل في هذا ‪ ،‬إن أعطينا طريقة للفهم النمطي كنمــوذج بالفهــم والحســاب نقــول إن‬
‫‪1 + ... = 5‬‬
‫‪ :‬فالمعنى الول بالضافة معنى ثان مجهول يكون مجمــوع الفهم في معان خمســة وإن قلــنا‬
‫‪1 + ... + ... = 5‬‬
‫فالمعنى يختلف في فهمه ‪ ،‬رغم أنه يختلف في مجموع معانيه ‪ ،‬لن المعنى الول أضفنا إليه‬
‫معنيين بدل من معنى واحد ‪ ،‬والمعنيان مجهولن ولكنهــما مــدركان ‪ .‬وهذا يعنــي أن‬
‫الفهــم المدرك قد يختلف في فهمه ‪ ،‬ول يختلف في مضمون فهمــه ‪ .‬فالرياضــيات‬
‫المعروفــة هــي وسأيلة فهم معان مجهولة قد تكون غيبية ‪ ،‬وكذلك معاني المعنــى فــي‬
‫معانــي المعانــي هــي مسطرة فهم مدرك لفهـم بمعنــى غيبــي مدرك ‪ ،‬ولفهم الكلم‬
‫بالمعاني المنفردة والمجموعــة حول معنى ‪ ،‬فلبد من فهم الكلم الصألي العربي الذي ل‬
‫عوج فيه ‪ ،‬ول يتم ذلـك إل بعــزل‬
‫‪42‬‬

‫كل معنى كلم دخيل على العربية ‪ ،‬وما أصأبح القرآن يستلــزم تفسيــرا إل بعــد أن انفقــدت‬
‫معان أصألية عربيـة ‪ ،‬بإدخــال معان أخرى تفسيريــة ظاهـريـة كأنها لغة عربية ‪ ،‬إن اللـغــة‬
‫العربية التي ل عوج فيها ‪ ،‬لها فرق واضح في معانيها ‪ ،‬مقارنة باللغة الفصحـى ‪ ،‬والمنتميـة‬
‫بالسأتدراج النطقي للغة العربية ‪ ،‬فمعنى الثقافة في اللغة العربية ل وجـود لــه ‪ ،‬لنه ديــنا ل‬
‫يوجد إل معنى التفقه في الدين ‪ ،‬ومعنى أولي اللـباب كمعنـى العباقـرة بكـلم مغايـر للمعنـى‬
‫الصألي ‪ ،‬والحكمة تحل محل الفلسفة في المعنى ‪ ،‬فاللغة الفصحى المقارنة باللغة العربية مــا‬
‫هي إل اسأتدراج فهم معاني أشياء ‪ ،‬لـم يكن لــها وجود من قبــل ‪ .‬ول يمكن بمعانيها أن يفهـم‬
‫المعنى الحقيقي الكامن في اللغة العربية ‪ ،‬التي ل عوج فيها ‪ ،‬وكثير مـن اليــات فـي القـرآن‬
‫انفقد معناها لدخول معان أخرى في اللغة ‪ ،‬وتستوجب تفسيرا ‪ ،‬وهذا لم يكن مشكل سأابقا عند‬
‫العرب ‪ ،‬لنهم كانوا يعرفون وزن الكلم ‪ ،‬ولم تكن هناك قواعد نحوية مدروسأة ‪ ،‬واسأتخراج‬
‫النحو كوسأيلة للتأويل سأعيا وراء الفهم الغبي في معاني اليات ‪ ،‬والمشكل أعمـق مــن هــذا ‪،‬‬
‫فالمعاني دخات عليها معان أخرى ‪ ،‬سأعيا وراء معرفة المعنى الغيبي ‪ ،‬ووضع السؤال ‪ :‬هـل‬
‫القرآن مخلوق أو غير مخلوق ؟ وهذا سأؤال كان له معنى فيه شرك وكفر ‪ ،‬لن السائل يبحث‬
‫عن المعنى الغيبي ليظهر معنى مظهرا إن كان للــه سأبحانه وتعالى كلم أو ل ‪ ،‬وقـال النـاس‬
‫هل ا سأبحانه وتعالى أزلي أم ل ؟ كما دخلت معان أخرى لفهم معنى القضاء والقدر ‪ ،‬سأعـيا‬
‫وراء تثبيت معنى ظاهر معناه في حرية النسان ‪ ،‬إن كان أصأـل المعنى مخيــرا أم‬
‫مسيــرا ‪ ،‬إدلل بغيب أريد فيه حكم ‪ ،‬لن من لم يستطع من أئمة الدين أن يثبت للسائل‬
‫معنــى القضــاء والقدر ‪ ،‬يجعل الفرق بينهما ‪ ،‬فإنه يقول إن النسان مهما أنه مسير فل ذنب‬
‫عليه في شـيء ‪ ،‬ول يسأل عن شيء ‪ ،‬فهذه الوسأائل كلها بمعان في السأئلة ‪ ،‬ل يطرحها‬
‫الناس إل سأعـيا وراء إثبات التكذيب ‪ ،‬وقد فتن الناس بكلم لم يكن له معنى ول أصأل في‬
‫الدين ‪ ،‬فالقـرآن لـه أصأـل في المعنى بمعنى القراءة ‪ ،‬وأول سأورة نزلت على النبي صألى ا‬
‫عليه وسألــم تسليــما هــي سأورة العلق ‪ ،‬إذ قيل للنبي عليه السلم ‪ : -‬اقرأ باسأم ربك خلق –‬
‫وا سأبحانــه وتعالــى هــو الذي علم بالقلم ‪ ،‬علم النسان ما لم يعلم ‪ ،‬واللوح المحفوظ عند‬
‫ا سأبحانه وتعالى كتب بالقلم ‪ ،‬ومنه تكون القراءة بالوحي ‪ ،‬والوحي من عند ا ‪ ،‬فالقرآن‬
‫هو وحي اللـه ‪ ،‬وما كتــب فــي القرآن فهو مما أوحي للنبي صألى ا عليه وسألم تسليما ‪،‬‬
‫وأمره ا سأبحانه وتعالى أل يحرك به لسانه ليعجل به ‪ ،‬والمعنى هو أن القرآن فيه نور‬
‫جمعه ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وأعطى بيانـه في كلم مفهوم للنسان ‪ ،‬لذا لم يكن مجال فهم‬
‫معنى غيـر مفهــوم ‪ ،‬بــأن يقـال هــل القــرآن مخلوق أو غير مخلوق ‪ ،‬كما أنه ل يوجد‬
‫معنى لقول بسؤال هل ا سأبحانه وتعالى أزلــي أم ل ؟ لن ا مالك الملك ‪ ،‬بمعنى أنه دون‬
‫كل ملكه ‪ ،‬ل دخول لمعنى الزل في هذا المعنــى ‪ ،‬والنسان إن يقل هل هو مسير أم‬
‫مخير ‪ ،‬فإن ا يقول للنسان إن من شـاء فليؤمــن ‪ ،‬ومــن شاء أن يكفر ‪ ،‬وما يشاء النسان‬
‫إل أن يشاء ا رب العالمين – والمعنى الكامن في هذا هــو أن النسان حتى لو شاء أن يكفر‬
‫فلبد أن يقبل ا كفره ليمده في كفره ‪ ،‬وإن شاء النسان أن يؤمن فالمر كذلك حتى يقبل ا‬
‫إيمان عباده ‪ ،‬ليهديهم إلى الهدى ودين الحــق ‪ ،‬إن المعانــي مختلفة في معانيها ‪ .‬فالية في‬
‫القرآن ليست بجملة ‪ ،‬بل هي آية ‪ ،‬ول يطبق عليها من شروط النحو ‪ ،‬كما أنها ل تخضع‬
‫‪ ،‬لقانون نحوية ‪ ،‬ول وجـود لكلم ناسأـخ ليــة أو لكــلم منســوخ‬
‫‪43‬‬

‫والقرآن قرآن فيه نور وذكر للناس ‪ ،‬والذي يسعى إلى فهم ما لم يكن فيه فهم له أصأـل ‪ ،‬فإنـه‬
‫سأيفهم أشياء ل فهم فيها فاقدة للمعنى ‪ ،‬وقد قال كثير إن القرآن فيه تناقض ‪ ،‬ولم يكن التناقض‬
‫إل في أفكار القائل ‪ ،‬لنه يحكم على المعاني بما لم يكن حكما فيه معنى الحكم كمعنى محكـــم‬
‫‪ .‬في القول‬

‫إن معنى المعنى هو القصد ‪ ،‬فماذا يقصد من قول معناه أن الطبيعة خالقة لنفسـها ‪ ،‬وبالمعنـى‬
‫الصأح فما المعنى من القول ؟ قد يقول النسان قول بعزم وإصأرار وحكم ‪ ،‬بمجرد اكتشــاف‬
‫قانون محرك لشيء بسيط في الطبيعة ‪ ،‬وكل ما بلغ إليه النسان لــم يكــن هــو فهــم‬
‫المعنــى العلى لفهم معاني الشياء ‪ ،‬والنسان إن ظن أن هناك من بلغ إلى القمر ‪ ،‬فإن هذا‬
‫الظن إثـم قد يؤدي إلى كفر بإصأرار في القول ‪ ،‬وحتى لو بلغ النسان إلى معرفة قد أعمته ‪،‬‬
‫فإن المـر لم ينته بعد ‪ ،‬لن ل أمراا آخر ‪ ،‬ويأتي عذاب ا متى ظن النسان أنه تمكن من‬
‫شيء هو ل ‪ ،‬فالمؤمن وجب عليه أن يستغني عـن بعـض الفهـوم التـي إن سأعـى وراءهـا قد‬
‫تـؤدي بـه إلـى انهيار فكري ‪ ،‬واعتماد على معرفة لم تنزل أصأالتــها فــي كــتاب من كتــب‬
‫اللــه ‪ ،‬فالمتبــع المستطلع إلى ما بلغ إليه من يظن أنه بلغ إلى شيء ‪ ،‬قد تنطوي أفكاره علــى‬
‫معــان مضــادة لصأول علوم الدين ‪ ،‬فيخيب ظنه يوم يعلم الذي يظن أنه يعلم بأنه ل يعلم‬
‫شيئا ‪ ،‬وإن كان من اعتماد فكري اعتقادي له أصأل ‪ ،‬فلن يكون أبدا غير العلم الديني ‪ ،‬لنه‬
‫منــزل مــن عند اللــه عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬ولو اتبعنا أهواء الناس اعتقادا في كل ما يدلون‬
‫به مـن معرفــة لظـنـنا بال ظن السوء ‪ ،‬ودليل من ل يعلمون هو أنهم ل يهتدون ‪ ،‬فلو كان‬
‫فيما يعلمــون خيــرا لــما ظنوا بال ظن السوء ‪ ،‬ولما قالوا بأن الطبيعة خالقة لنفسها ‪ ،‬إن‬
‫زخرف القول ل يغنـي شيــئا أمام الواقع الذي جعله ا ‪ ،‬ومهما بلغت معرفة من ليس له علم‬
‫ديني ‪ ،‬فإنه أمي بالنسبة للدين ‪ ،‬ويحكم عليه بالجهل ‪ ،‬لنه لم يتوفر لديه يقين ‪ ،‬ويحكم عليه‬
‫بالكفر والشرك لنه يعتمـد فــي معرفته على من لم تكن معرفته من الدين ‪ .‬وهكذا يصبح‬
‫النســان مشـــركا بجهالــة ‪ ،‬ودون إدراك منه ‪ ،‬لنه لم ينسب العلم ل ‪ ،‬وهؤلء يسمون‬
‫بالمقتسمين الذين جعلوا القرآن غضين ‪ ،‬يحاولون أن يجعلوا ما بلغوا إليه من معرفة جهلية‬
‫مطابقة لما في القـرآن بصفــة مزعومــة ‪ ،‬وذلك ل ينطبــق أبــدا لن ما يثبتـه اللــه فهو‬
‫مخالف لما يريد إثباته المقتسمون ‪ .‬إن العصــر الحالي هو عصر المقتسمين ‪ ،‬قالوا إن حرية‬
‫المرأة أصألها في الدين ‪ ،‬وقسـموا أمــور الديــن بوجوب الحياة الدنيا أن لها خاصأية أخرى ‪،‬‬
‫وأن الخرة لها شروط ل دخل لحكام ضرورية فيها ‪ ،‬أما المرأة فإن حريتها كانت في بيتها‬
‫تحت تصرف زوجها ورضاه ‪ ،‬وشهادة المـرأة ل تقبل إل إن وجدت امرأتان ورجل ‪ ،‬لتذكر‬
‫إحداهم الخرى ‪ ،‬فالمعنى هنا ل ينفرد في معنـاه ‪ ،‬وله معنيان بمعنى ثالث ثابت في انفراد‬
‫معناه ‪ ،‬وإن المرأة لم تعرف لها نبوة ول رسأالة ولـــم يعط لها حكم دنيا ‪ ،‬وإن كان الناس‬
‫ضربوا مثل بملكة سأبإ ‪ ،‬فإن ملكة سأبإ أسألمت مع سأليـمان ل رب العالمين ‪ ،‬وما كانت تملكه‬
‫وتتصرف فيه صأار ملكا لسليمان عليه السلم ‪ ،‬وإن كانت من امرأة فضلت عن العالمين ‪،‬‬
‫فإن ا سأبحانه وتعالى اصأطفى مريم على نسـاء العالميــن ‪ ،‬ولم يؤتها ملكا ول حكما ‪.‬‬
‫فالمعنى الصأح هو أن المرأة اليوم فقدت معناها ‪ ،‬وأصأبح المؤمـن ل يتمنى لقياها ول يسكن‬
‫إليها لنها لم تعد حرثا ول يكمن فيـها نـور ‪ ،‬ولـن يغير معنـى هــذا‬
‫‪44‬‬

‫القول إل إذا تغيرت المرأة ‪ ،‬ودخلت بيتها وما لباسأها تقوى باعتبار حـدود ا ‪ ،‬فالمقتسمــون‬
‫جعلوا للمرأة حكما في الدين ‪ ،‬وبهذا جعلوا القرآن عضين ‪ .‬ولن تنفك كلمات ا أبـدا لنــه ل‬
‫مغير ل مغير لكلماته ‪ ،‬فالمعنى يبقى معناه أن للرجال على النساء درجة ‪ ،‬ولكن هناك معنـى‬
‫هو أن الرجل ل تعتبر له رجولة إل إن كان متدينا ‪ ،‬وإن لم يكن له دين فل بأس أن تحكم فيـه‬
‫المرأة ‪ ،‬لن ذلك بلء من عند ا يبتلى به من ل يؤمن بال ‪ ،‬فالمعنيان لهما معنــى أن حكــم‬
‫ا ثابت ل تغيير فيه ‪ ،‬ولو كان ما يزعمه الناس عن حرية المرأة حق ‪ ،‬لما تحكم النساء فــي‬
‫الرجال ‪ ،‬إن الرجل له معنى أول ‪ ،‬والمرأة لها معنى ثان ‪ ،‬مختلفان في معانيها وفي قوتهما ‪،‬‬
‫فالرجل كل قواه اسأتمدادها من دائرة مـن نـور صأفـراء ‪ ،‬والمـرأة اسأتمـداد قـواها من الدائـرة‬
‫البيضاء ‪ ،‬فالمثل في هذا كالشمس والقمر ‪ ،‬ولفهم المعنى الذي هو وراء الكــون الظاهــري ‪،‬‬
‫‪ :‬فالدائرتات ‪ :‬الصفراء والبيضاء موقعهما الحقيقي هو وراء سأدرة المنتهى‬

‫سدرة‬
‫المنتهى‬

‫السماوات السبع‬

‫مواقع النجوم‬

‫الراضي السبع‬

‫‪45‬‬
‫إن سأدرة المنتهى يتمم منها الخروج من السماوات والرض ‪ ،‬ومنها يتم كذلــك المعــراج‬
‫‪ :‬إلى العروش الثمانية ثم إلى العروش الخرى‬

‫‪46‬‬
‫لنتمكن من الفهم ‪ ،‬فإن الكرسأي شمل السماوات والرض ‪ ،‬وسأدرة المنتهـى هـي فوق السمـاء‬
‫السابعة ‪ ،‬والكرسأــي محاط به ثمانيــة عــروش ‪ ،‬بمعنــى كـون ‪ ،‬وبعد الثمانية توجد ثمانيــة‬
‫عروش ‪ ،‬بمعنى ثمانية أكوان فوق الكرسأي ‪ ،‬والرسأــم السابــق يظهــر ذلك ‪ ،‬وبعــد الربــع‬
‫والستين عرشا توجد الدائرة الصفــراء والبيضــاء كاملتيــن كالشمــس والقمــر ‪ .‬والدائرتــان‬
‫سأابحتان في عالم ثان فوق العالم الول ‪ ،‬وبعد الدائرتين يوجد عالم آخر فيه ثمانية عـروش ‪،‬‬
‫‪ :‬وبالرسأم التالي نظهر ذلك‬

‫‪47‬‬
‫وكما هو ملحظ فإن بعد الدائرتين الصفراء والبيضاء توجد ثمانية عوالــم دون العالــم الول‬
‫الشامل للعروش والكرسأي ‪ ،‬وبعد الثمانية عوالم توجد ثماني دوائر لكــل واحدة قوة ظاهريــة‬
‫في لون مختلف ‪ ،‬وبعد هذه الدوائر توجد ثمانية أكوان أخرى ‪ ،‬نعطي مثـل للفهــم ‪ :‬كقــوس‬
‫قزح المعروف ‪ ،‬لكل لون نور له لون ‪ ،‬وبعد ذلك يوجد نــور أصأفــر شامــل ونــور أبيــض‬
‫‪ .‬شامل ‪ ،‬والرسأم بالتالي نظهر ذلك‬

‫‪48‬‬
‫ونقــف فــي هذا الحـد أمـام اللنهايـة ‪ ،‬والمهم بعد كل ما ذكر هو إظهار حقيقة قوة المثــلــث‬
‫‪ :‬النوراني الظاهر في ثلث دوائر‬

‫النور‬
‫النور‬ ‫النور‬
‫الوردي‬
‫البيض‬ ‫الصأفر‬
‫اللون‬

‫إن الدوائر الثلث تعبر عن ثلث قوات أسأاس كل فهم عميق وثابت ‪ ،‬ومـن هـذه القـوات مـن‬
‫نور ‪ ،‬تظهر حقيقة الفهم الثلثــي الــذي شمـل معناه أن كل معنيين بينهما معنى ثالث مظهــر‬
‫لحقيقة المعنيين ‪ ،‬فالفهم الثالث ‪ ،‬هو المعنى الثالث ‪ ،‬وحقيقتــه غير ظاهرة رغم أنها ظاهــرة‬
‫فهي غيبية ومعلومة في آن واحد ‪ ،‬ول ترى بالعين ولكنها ترى بالبصيـرة ‪ ،‬ل تدرك بالعقــل‬
‫ولكنها تدرك بالقلب ‪ ،‬وإنها ل تعمى العين ‪ ،‬ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ‪ ،‬واللــــه‬
‫سأبحانه وتعالى جعل في الرجل قوة من النور الصأفر ‪ ،‬وجعل فـي المــرأة قــوة مــن النــور‬
‫البيض ‪ ،‬وتتم العبادة بالتحام النورين الصأفر والبيض ‪ ،‬وبعد اللتحام يظهر النور الوردي‬
‫‪49‬‬

‫اللون أسأاس كل شيء موجود ‪ ،‬فالفهم الكلي بثماني درجات في العقل ‪ ،‬يكون بواسأطة القــوة‬
‫الثالثة التي منها انشقت القوتان أسأاس الكون ‪ ،‬وجسم النسان إن فقد النور الكامن فيـه ‪ ،‬فــإن‬
‫الظلمات تحل محله ‪ ،‬والظلمات أصألها تغيير النور البيض الذي جعل منه مثــلـث الظلمــات‬
‫أسأاس السحر باتصال قوى عقل النسان بقوى الطبيعة ‪ ،‬والنسان خلق فــي ظلمات ثــلث ‪،‬‬
‫‪ .‬ول يفهم قوى التغيير والسحر والظلمات إل البالغ إلى الفهم الثلثـي الشامـل لمعنـى المعنـى‬

‫‪50‬‬
‫إن ا سأبحانه وتعالى جعل أسأاسأا للخلق له معنى ظاهر في نور وردي اللون شامل لكل قوة‬
‫ونور ‪ ،‬ومنه خلق الكون كله ‪ ،‬فهو عدم في عـدم ل يــدرك بشــيء مــدرك ول فــي المعنــى‬
‫المفهوم ‪ ،‬خلق ا آدم عليه الســلم من تراب ‪ ،‬فــقال لــه كن فيكون ‪ ،‬وكان في جسمه نــور‬
‫وردي اللون ‪ ،‬ولما بث ا من آدم زوجه أصأبح لدم عليـه الســلم قوة صأفراء في جسمــه ‪،‬‬
‫ولزوجه قوة بيضاء ‪ ،‬فكان المعنى في التحام النورين ‪ ،‬وبالمعنى الول ل يفهم المعنى الثاني‬
‫‪ ،‬والعبادة أسأاسأها هو إيصال النور البيض بالنور الصأفر ‪ ،‬وبهذا يتم وصأــل المانــة التــي‬
‫حملها النســان إذ كــان جهول ‪ ،‬ولــم يكن يعلم أن المشكل في المعنيين أصألهما من المعنــى‬
‫الثالث الذي ظاهره الغيبي في معنى النور الـوردي اللــون ‪ ،‬ولما نزل آدم عليــه السلم إلــى‬
‫النور‬ ‫قوى‬ ‫النور‬
‫البيض‬ ‫الظلمات‬ ‫الصأفر‬
‫الرض ‪ ،‬ومعه زوجــه والشيطان ‪ ،‬أصأبـح للمثـلــث الحقيقي معنى آخـر بوجود الظلمــات ‪،‬‬
‫فأصأبح بين النور البيض والصأفر قوة الظلمات ‪ ،‬ووقع النسان في المشكل الذي أسأاسأه أنه‬
‫إذا أراد إيصال النور البيض بالنور الصأفر ‪ ،‬لبد له من المرور على قوى الظلمات حتـــى‬
‫‪ .‬يتم وصأل المانة‬

‫وهكذا تغيرت الحقيقة وألبس الحق بالباطل ‪ ،‬فكانت الظلمات أصأعب شــيء فــي معناه ‪ ،‬لن‬
‫بها يدعي النسان الولهية ويكفر بال ‪ ،‬فالظلمات حلت محل النور الوردي اللون ‪ ،‬لوم يكــن‬
‫من الواجب السعي في البحث فيه لنه أمر غيبي ‪ ،‬وأصأبح النسان يبحث عن الــروح أصأــل‬
‫خلقته ‪ ،‬ثم يبحث في الكون ‪ ،‬والظلمات تنقسم إلــى ثلث قــوات بالتطبيــق ‪ ،‬فالقــوة الولــى‬
‫تستعمل فيها الحركة الشاملة للجسم ‪ ،‬والقوة الثانية تستعمل فيها قوى العقـل ‪ ،‬والقــوة الثالثــة‬
‫تستعمل فيها الرموز كتابة ونقشا ‪ .‬إن حركات جسم النسان فيها سأر لوجود نور في الجسـم ‪،‬‬
‫والتغيير في الحركات كالتغيير في الصلة ‪ ،‬وقد اسأتعمل القدماء طرقا تطبيقية لتغــيير قــوى‬
‫النور باسأتعمال وسأائل خاصأة في الجماع ‪ ،‬وبترتيب نماذج متناسأقة في الحركات ‪ .‬أما القــوة‬
‫الثانية المطبقة لسأتخراج الظلمات ‪ ،‬فباسأتعمـال وسأائـل خاصأـة أيضـا لتقويـة قـوى الحـواس‬
‫وقوى العقل بطريقة ظن بها الناس أنها تمكنهم من خلصا الروح والرجوع إلى أصأل إلهـــي‬
‫مزعوم ‪ ،‬والمطبق يتصل بالباطن ‪ ،‬ويخيل إليه أن الكــون فيه ‪ ،‬وأن خـالـق الكـون يحـل فـي‬
‫جسمه ‪ ،‬أما القوة الثالثة فتطبيقها يتم بتغيير ما أنزل في كتب ا بجعل أوضـاع فيــها رمــوز‬
‫‪52‬‬

‫تسيمــى بالطــلسأم ‪ ،‬وكل هذا سأعيا وراء الخلود الغير الممكن بصفة نهائية ‪ .‬ولـو لـم يبحث‬
‫النسان في المعنى الثالث الشامل لمعنيين ‪ ،‬لما وقع في مشكله الحـالـي الــذي تطــورت فيــه‬
‫الظلمات بصفة شاملة لكل تغيير ‪ ،‬وعلى المؤمن أن يفكر فـي المــر ويوجــه نفســه لوجهــة‬
‫حسنة يرضاها ا ‪ ،‬وليحذر من التغيير الكامن في الحركات ‪ ،‬والتغيير المدرك بقوى العقل ‪،‬‬
‫ثــم مــن التغــييـر الكامن في الرموز ‪ ،‬وكـل ما يفعلـه النسـان فإنـه مسؤول عليه ‪ ،‬وليعرف‬
‫المؤمن أن ا لم يخلق شيئا عبثا ‪ ،‬وأن النور الكامن في الجسـم وجــب الحفــاظ عليه باتخــاذ‬
‫طرق في الجماع أصألها من الدين ‪ ،‬وليتحرك بكل حركة اسأتقامية ‪ ،‬وليكتب ما يسره أن يـراه‬
‫يوم القيامة معروضا عليه ‪ ،‬كذلك وجب على المؤمن أن يجاهد في سأبيل اللــه ‪ ،‬إن لــم يكــن‬
‫جهاد ظاهريا فجهادا باطنيا ‪ ،‬إن فهم معنى المعنى ل يعنــي فهــم المعانــي ‪ ،‬ول إدراك فهــم‬
‫معاني المعاني ؛ فمعنى المعنى معناه كامن في سأــر حركــة القوتين الظاهرتيــن فــي النــور‬
‫الصأفر والنور البيض ‪ ،‬ولقد عبد الناس من قبل الشمس والقمر ‪ ،‬وجعلـت أصأنــام ركــزت‬
‫فيها قوى من ظلمات تضل النسان ‪ ،‬وإن إبراهيم عليه السلم سأأل اللــه سأبحانـه وتعالــى أن‬
‫يجنبه عبادة الصأنام ‪ ،‬وذلك لوجود أثـر فيــها وفعاليــة في القــوة الكامنة فيــها ‪ .‬وإن عبــادة‬
‫الصأنام ل تعني إل ما هو ظاهر ‪ ،‬فالذي ل يعبد الصأنام ظاهريا قد يكـون لــه اتصال معــها‬
‫باطنيا ‪ ،‬والسر في ذلك هو سأر السأتمداد والسأتمداد إن لم يكن من النورين ‪ ،‬فإنه يكون مــن‬
‫الظلمات ؛ والغائص في الظلمات يصعب عليه الخروج منها ‪ ،‬وإن الصــلة ل تكفــي إن لــم‬
‫يتوفر في الجسم نور ‪ ،‬فالمستمد من الظلمات تكون صألته لغـير ا ‪ .‬والمستمــد من نــور ‪،‬‬
‫فإن صألته ل ل شك في ذلك ‪ ،‬ولقد اختلطت الفهوم الدينيـة بفهـوم غيـر دينيـة ‪ ،‬وإنا نعـيـش‬
‫عصرا بلغت فيه قوى الظلمات إلى الدرجة العاشرة ‪ ،‬والتي ل وجود لقوة أخرى بعدها ‪ .‬وقد‬
‫كملت الظلمات في معانيها ‪ ،‬والعصر الحديث شمل كل تغيير سأابق عند كل المم ‪ ،‬وكل شـر‬
‫يصاب به النسان فإن أصأله من ظلمات ‪ ،‬وإن الفهم بعد كل ما ذكر لمفهوم ومعنــى المعنــى‬
‫ظاهر في معناه ‪ ،‬إن المعاني تغيرت معانيها بدخول معنى أصأـلــه من ظلــمات ‪ ،‬والظلــمات‬
‫تطورت وما زالت تطور بكل تطبيق ليس له أصأل في الدين ‪ .‬وقوى الظلمات تزداد بازديــاد‬
‫اللت والمصانع ‪ ،‬وحتى لو كان ظاهرا أن النسان له نفــع فــي مــا يكتسيه ‪ ،‬فإن الضــرر‬
‫أعظم من النفع في هذا الحال والعصر الحديث هو خلصأـة كل العصــور ‪ ،‬ولبد أن ينتظــر‬
‫النسان اليوم الموعود ‪ ،‬لن المعاني الصأليــة تغيــرت معانيــها ‪ ،‬وأصأبح بين أيدي النــاس‬
‫نماذج معرفة شائعة ‪ ،‬لم يكن لها أصأل حقيقي ‪ ،‬واعتبـرت أنـها علـم أصأـلـي ‪ ،‬لذا فالـمعانــي‬
‫تغيرت ‪ ،‬ولكن معنى المعنى باق معناه ‪ ،‬إن ا سأبحانه وتعالى غالب علــى أمـره ل يضــره‬
‫شيء ‪ ،‬والحضارة الحالية ل تعني حضارة أصألية ‪ ،‬والنسان يعذب بحكم إلهي ‪ ،‬يحكــم فيــه‬
‫بعذاب على حسب ما بلغ إليه النسان ولم يؤمن ‪ ،‬ولكل شيء نهاية طبقا لما علم ا علــى أن‬
‫الساعة آتية ل ريب فيها ‪ ،‬وخلق ا سأبحانه وتعالى آدم من تراب ‪ ،‬ونفخ فيه من روحه ‪ ،‬ولم‬
‫يكن المعنى أن ل روحا من نفسه ‪ ،‬وقد أظهر ا معجزة عند عيسى عليه السلم إذ خلق مـن‬
‫الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طائرا بإذن ا ‪ ،‬ولم يكن عيسى عليه السلم خالــقا بمعنـى‬
‫الخلق والبداع ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالى ضرب مثل أم مثل عيسى عند اللـه كمثـل آدم خلقــه‬
‫من تراب ‪ ،‬فقال له كن فيكون ‪ ،‬وا بديع السماوات والرض ‪ ،‬أوجدها ولم تكن موجــودة ل‬
‫‪53‬‬

‫في العدم ول في وجود عدمي قبل الوجود الوجـودي الظاهــري أو الباطنــي ‪ ،‬لذا فالبــداع‬
‫إبداع في معناه الذي ل وجود فيه لمعنى قبل المعنى ‪ ،‬والشــيء بعــد البــداع يكــون‬
‫خلــقا ‪ ،‬فيخلق الخلق في عالم البداع والختراع ‪ ،‬والنسان ل يخلق شيئا كخلق ‪ ،‬بمعنى‬
‫خلق ‪ ،‬فيــه إبداع ‪ ،‬ول يمكن أن نغير لغة بنطق معناه خلق أو إبــداع أو اختــراع ‪ ،‬ول‬
‫يختــرع النسان شيئا ‪ ،‬ولكن ما خلق ا في الظاهر والباطن ‪ ،‬ويكتشف مصدرها من عالم‬
‫الشياء الموجـودة في الوجود ‪ ،‬لذا فكل ما في الرض موجود في السماء ‪ ،‬لن في السماء‬
‫كل مـا وعد ا بـه ‪ ،‬كذلك هو المر قبل وجود قلم فوق الرض ؛ فكر النسان في وسأيلة‬
‫نقــش وكتابــة فاكتشــف النسان بعقله أشياء جعل منها قلــما وأشــياء أخرى جعل منها لوحا‬
‫‪ ،‬وتطور المـر إلــى أن أصأبحت من القلم أنواع ‪ ،‬ومن الوراق أصأناف ‪ ،‬والكل راجع‬
‫إلى أصأــل كان فيـه معـنـى البداع ‪ ،‬فال هو المخترع ‪ ،‬بديع القلم واللــوح وهــو البديــع ‪،‬‬
‫بــديع الســماوات والرض ‪ ،‬فالعقل له اتصال بعالم باطني ‪ ،‬أودع ا فيه من كل ما خلق في‬
‫صأور من نور لها أصأل فــي العالم الغيبي الغائب عنا ‪ ،‬والمعلوم في الجنة ‪ .‬لهذا فإن النسان‬
‫ليس له اختراع ‪ ،‬ول يكـــون له إبداع ‪ ،‬بل النسان يستخرج بالعقل صأورا الشياء لزمــة‬
‫لعيشــه ‪ ،‬ويجعــل لــها صأبغــة مغايرة للصأل تقريبية فـي المعنــى ‪ ،‬والنســان في معنــى‬
‫المعنى لم يختــرع طائــرات ول غواصأات ول صأواريخ ول شيئا مما بين يديه ‪ ،‬لن كل‬
‫شيء بين يدي اللـه ‪ ،‬واللــه لم يكــن مسبوقا في شيء ‪ ،‬بل الطائرات صأورة لشبهها لها‬
‫معنى في المعنى الصألـي الموجــود فــي الجنة ‪ ،‬والنسان اسأتخرج شيئا مشابها لشيء هـو‬
‫عنــد اللــه ‪ ،‬وظهر هذا الشيء على شكــل طائرة نعرفها اليوم ‪ ،‬لذا فإن معنى المعنى كامن‬
‫معناه في أن المؤمن يؤتى في الجنة مـا هــو متشابه في الرض ‪ ،‬له شبه لم يكن معنى‬
‫المعنى ‪ ،‬وهذا شأن الغواصأـات والصواريـخ وكـل ما تملكه يد النسان وما ملكته في كل‬
‫العصور ‪ ،‬والنسان فــوق الرض كل محــاولته لــها معنى واحد معناه ‪ :‬أنه يريد أن يجعل‬
‫جنة فوق الرض ‪ ،‬ويخلد فيها ‪ ،‬ويجلب إليها السعادة ‪ ،‬ولن تكون الرض جنة ‪ ،‬وحتى لو‬
‫اسأتطاع النسان أن يجعل فيها شيئا فإن ذلك يكـون شبــها للجنة فقط ‪ ،‬وا يحطم هذا الشبه ‪،‬‬
‫لنه كفر بما عند ا ‪ ،‬لهـذا لـم يستخـرج النبـياء قوانـيـن آلت حتى ل يتمتعوا بما لم يكن‬
‫حقيقيا في أصأل معناه ‪ ،‬يعني معنـى المعنــى ‪ ،‬واللــه يقــول للكافرين إنهم اخذوا نصيبهم‬
‫وتمتعوا في الحياة الدنيا ‪ ،‬والنسان يحسب أن ما يمده به ا من متاع هو خير ‪ ،‬بل هو شر‬
‫لمن لم يؤمن بال ‪ ،‬فكان المعنى أن النسان اليوم وقع فـي مشكــل ل يمكنه الخروج منه إل‬
‫بفناء الحياة الدنيا ‪ ،‬وقد كلف ا سأبحانه وتعالى ملكين ببابل هاروت وماروت ‪ ،‬يعلمان من‬
‫أراد أن يكفر بال ‪ ،‬فهما فتنة ‪ ،‬وبما يتعلمه النسان منهما تستخرج كل الكتشافات الظاهرة ‪،‬‬
‫كاللت ‪ ،‬وتعرف كل الفلسفات والتغييرات الدينيــة ‪ ،‬والمــر بسيــط للتصال بهما ‪ ،‬لن‬
‫النسان له اتصال باطني شعوري ول شعوري ‪ ،‬وا سأبحانــه وتعالــى جعل علم الفكار ‪،‬‬
‫وأودع قوى الفكار في أرض ‪ ،‬فالكافر لـه اتصــال بــأرض الظلمــات ‪ ،‬يستخرج منها كل‬
‫وسأائل اللحاد والكفر والشرك ‪ ،‬يظهر ذلك في أفكاره وتصرفاته وأعمالــه ‪ ،‬والمؤمن له‬
‫اتصال بأرض النور يستخرج منها كل الوسأائل التي لم يجعل فيها اللـه كفــرا ‪ ،‬وبين أرض‬
‫‪ :‬النور و أرض الظلمات توجد الجنة‬

‫‪54‬‬

‫أرض الظلمات‬ ‫الجــنــة‬ ‫أرض النور‬

‫ونرجع إلى الفهم الثالث ‪ ،‬وهو كما هو ظاهر هنا أن بين المعنيين معنى ثالثا يعني الجنـة ‪ ،‬إذ‬
‫فيها ما في أرض النور وما تمناه النسان مما في أرض الظلمات ‪ ،‬فالجنة عرضها السماوات‬
‫والرض ‪ ،‬وأرض النور فهي محجوبة ‪ ،‬وأرض الظلمات كذلك واللـه سأبحانـه وتعالى أودع‬
‫كل ما أبدع في أماكن في الكون يستمد منها النسان ‪ ،‬فيكون سأر اختراعه إما فـي الرض أو‬
‫في السماء ‪ ،‬فالرض ل نهاية لها في وسأعها ‪ ،‬رغم وجود حدود في أبعدها ‪ ،‬إن قوى السمــع‬
‫والبصر موضوعتان في أرض كذلك ‪ ،‬والبالغ في العلم يدرك المعنـى ‪ ،‬بمعنــى أن النســان‬
‫ليس له اتصال بانفصال مع الخالق ول انفصـال باتصــال ‪ ،‬والراضــي التــي يستمــد منــها‬
‫النسان قواه كلها ‪ ،‬هي قطع كذلك متجاورة ‪ ،‬وكل واحدة منها تكبر الخرى بمائة مرة ‪ ،‬إلى‬
‫حد بشكل دائري ‪ ،‬وهذا الحد لم يكن حدا نهائيا ‪ ،‬لن الرض ل نهاية لها في امتدادها ‪ ،‬وهذه‬
‫القوى الخاصأة بمن فــي الرض مــودعة فــي الرض الولــى ‪ ،‬وتـــب قطعـهـا كـتـرتـيـب‬
‫العروش حول الكرسأي ‪ ،‬والــذي سأبــق تفسيــره ‪ .‬أما الراضــي الستة الخرى فهـي طبقات‬
‫واحدة فوق الخرى ‪ ،‬وموضوعها موضوع آخر بعيد عن دليــل المعانــي بالفهــم الثلثــي ‪،‬‬
‫والمهم في الفهم الول ‪ ،‬معناه أن الرض حـولها قــوة تشبــه الســراب الحاجــب عن رؤيــة‬
‫‪ :‬الرض وواقعها ‪ ،‬وموقعها الصألي في الرض الولى‬

‫‪55‬‬

‫أرض التي نعيش‬


‫على سطحها‬

‫قوى السراب المحيطة‬


‫بالرض‬

‫إن الرض التي نعيش على سأطحها ما هي إل قطعــة مــن القطــع العديدة المتجاورة والتـــي‬
‫مستقرها كلها فوق الولى وبين هذه القطع كلها قوى سأراب يجعلها كنجوم بعيدة عن بعضــها‬
‫‪ :‬البعض‬
‫إن المؤمن بال يؤمن بما في كتاب ا ول يفسره على حسب هواه ‪ ،‬وقــد ذكر اللــه سأبحانــه‬
‫وتعالى في القرآن ذا القرنين عليه السلم بلغ إلـى معـرب الشمس فوجـدها تـغـرب فـي عـيـن‬
‫حمئة ووجد عندها قوما ‪ ،‬ووجد قوما آخــرين عند مطلع الشمس ‪ ،‬والذيــن عرفوا الحق مــن‬
‫بعدما أظهره ا ‪ ،‬فإنهم ل يغيرون معنى المعنى ول يؤمنون بغير مــا أنــزل فــي الكــتاب ‪.‬‬
‫والقطع الرضية كلها محجوبة عنا ‪ ،‬والقطعة الرضية الوسأطى تكبر القطعة الرضية التـي‬
‫نعيش على سأطحها بمائة مرة ‪ ،‬ومطلع الشمس قطعة تكبر القطعة الوسأطى بمائة مرة ‪ ،‬وبعد‬
‫هذه القطع ثماني قطع أخرى تكبر القطع المتجاورة الولى ‪ ،‬وكل واحدة بمائة مـرة ‪ ،‬وكلــها‬
‫مسكونة كذلك ‪ ،‬فالفهم واضح ‪ ،‬وترتيب القطع المتجاورة سأيرته ثمانـي قطــع بثمانــي قطــع‬
‫مفصولت عن بعضها البعض ‪ ،‬إن القطعة الوسأطى والثماني قطـع حولــها المحاطــة بقــوى‬
‫السراب هي القطع الرضية المتجاورة الولى ‪ ،‬ومطلع الشمس ومغربها ‪ ،‬والستة قطع حول‬
‫القطع الولى هي القطع الرضية المتجاورة الثانية ‪ .‬أما القطع الثمانية الثالثـة فرسأمــها كــما‬
‫‪ :‬يلي‬
‫في هذا الرسأم أظهرنا موقع القطعة الرضية التــي تسكنــها دابــة تخــرج للــناس فتكلمهــم ‪،‬‬
‫وأظهرنا كذلك موقع أرض السمـع وأرض البصــر ‪ ،‬والقطــع التــي لــم نذكــر عنــها شيــئا‬
‫فموضوعها موضوع آخر ‪ ،‬وبعد القطع الثالثة تأتي قطع ثمانيـة أخــرى ‪ ،‬فيها نــور القــرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬وهي غير محصورة ‪ ،‬ومن بينها توجد قطع فيها السبعة أبحر ‪ ،‬والقطع التي توضـع‬
‫‪57‬‬

‫فيها أرواح البشر ‪ ،‬وقطع خاصأة بالملئكة عليهم السلم ‪ ،‬إن أرض ا واسأعة وملكه أوسأــع‬
‫بكثير ‪ .‬إن ل ملكا عظيما ل يحصيه النسان ‪ ،‬وهذه القطع الرضية قد بلغ إليها ذو القرنيـــن‬
‫عليه السلم ‪ ،‬والمتصل بالباطــن يراها كلـها دون أن يتجاوز العلم الــذي بلــغ إليــه النبــياء‬
‫والمرسألون عليهم الســلم ‪ ،‬ونقــف عنــد هــذا الحــد مـن الفهم في ما يخص القطع الرضية‬
‫المتجاورة والمحجوبة عن النس والجن ‪ ،‬فالسبعة أبحر تمدها أبحر أخرى من بعدها ‪ ،‬وكـان‬
‫عرش الرحمن على الماء ‪ ،‬أسأاسأه كله ماء ‪ ،‬ومن الماء جعل ا كل شيء حي ‪ ،‬أما السمـــاء‬
‫وما فيها ‪ ،‬فمختلف عما في الرض ‪ ،‬فيها المعصرات ‪ ،‬وفيها جبال أخرى غير الجبال التــي‬
‫نعرفها ونراها راسأية وهي تمر مر السحاب ‪ ،‬فالعالم كله له واقع آخر مغاير لما نظنه واقعا ‪،‬‬
‫ول يمكن لمخلوق أن يعطي علما عن الرض أو عن ملك ا إل أعطاه ا ‪ ،‬ول يمكن لحـد‬
‫أن يعرف شيئا فوق الذي عرفه النبياء والمرسألون عليهم السلم ‪ .‬فمعنى المعنى ثابت معناه‬
‫أن النسان لم يؤت من العلم إل قليل ‪ ،‬ليقرأ النسان القرآن لعله يستفيد كثيرا ‪ ،‬والذين كفروا‬
‫يستعجلون عذاب ا ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى قد ردف لهم الذي يستعجلون ‪ ،‬وجعل لهم عذابا‬
‫في الحياة الدنيا ‪ ،‬في مكان خصه لهم في أرض السد ‪ ،‬وهي القطعة الوسأطى المحاطة‬
‫‪ :‬بالثماني قطع الولى‬
‫أرض‬ ‫أرض‬
‫النور‬ ‫الظلمات‬

‫السور بأرض السد‬


‫الخاص بتعذيب أئمة‬
‫الكفر‬

‫يأجوج‬
‫ومأجوج‬
‫الرض‬
‫التي نإعيش‬
‫على‬
‫أرض‬
‫سطحها‬ ‫الجن‬

‫‪58‬‬

‫إن السور المربع سأور كبير ذو علو شاهق ‪ ،‬مبني في القطعــة الرضية الوسأطــى ‪ ،‬والتــي‬
‫تكبر الرض التي نعيش على سأطحها بمائة مرة ‪ ،‬أمر بنيانها موضوع آخر ‪ ،‬إنما المهـم هـو‬
‫أن السور خاصا بالعذاب ‪ ،‬يعذب فيه القوم الكافرون ومنهم أئمة الكفر بصفة خاصأة ‪ ،‬كعاد ‪،‬‬
‫وثمود ‪ ،‬وفرعن ‪ ،‬وهامان ‪ .‬وقد سأجن فيها يأجوج ومأجوج ؛ وأئمـة الكفــر يعذبهــم ملئكــة‬
‫العذاب في الحياة الدنيا ‪ ،‬فبعد موت الكافر ‪ ،‬ينشأ مرة أخرى في أرض السد فــي جســم ثــان‬
‫ليعذب بكل أنواع العذاب قبل عذاب الخرة ‪ ،‬وفي السد أماكن خاصأة بتعذيب الكافرين كافة ‪،‬‬
‫دون أئمة الكفر ‪،‬ول يعذب في السد الموتى فقـط من الكافرين ‪ ،‬بــل النسان إن كفــر يدخــل‬
‫أرض السد عند نومه ‪ ،‬وا يتوفى النفس عند منامها وينشئها في جسم آخر لتعذب ‪ ،‬وهــــذا‬
‫دون شعور الكافر ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالـى يقطــع الحبل المــوصأل للدراك ‪ ،‬واليوم ‪ ،‬فــي‬
‫أرض السد مقداره ألف سأنة مما نعد ‪ ،‬وهذا أمر بسيط ‪ ،‬فاليام في القطع المتجاورة متفاوتــة‬
‫في ما بينها ‪ ،‬والرض المباركة اليوم فيها مقدار أثنا عشر يوما مما نعد ‪ ،‬وأرض الجن اليوم‬
‫عندها بخمسمائة سأنة عندهم ‪ ،‬وا شديد المحال فعال لما يريد ذو بطش شـديــد ‪ ،‬فالكافــر ل‬
‫ينجو من العذاب في حياته أو في مماته ‪ ،‬وكما هو معلوم ومعـروف ‪ ،‬فـإن المتصـل بالباطـن‬
‫يعلم أنه بالمكان أن يكون للنسان جسمان في آن واحد ‪ ،‬ويقطع الوصأل بينهما ‪ ،‬فل يـــدرك‬
‫النسان أن له جسمين ‪ ،‬وا لم يكن مسبوقا لينشئنا في ما ل نعلم ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى قـادر‬
‫أن يمسخ النسان على مكانته فل يستطيع مضيا ول يرجع ‪ ،‬وقد جعل من الذين كفروا القردة‬
‫والخنازير وعبدة الطاغوت ‪ ،‬والطاغوت هم أحياء في أرض السد يعذبون ‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫يمدون من يعبدهم ويستمد منهم ‪ ،‬فنهفيم في طغيانهم يعمهون ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى جعــل مــن‬
‫بين أيدي الكافرين سأدا ومن خلفهــم سأــدا فهم ل يبصرون ‪ ،‬والرض سأدت من كل جهــة ل‬
‫يمكن الخروج منها ‪ ،‬سأدت بنـور كالســراب ‪ ،‬وهو مانع نشبهــه بالزجاج ‪ ،‬تدخل منه أشعــة‬
‫الشمس دون التمكن من الخروج من الرض ‪ ،‬والجن لمسوا السماء فوجـدوها ملئــت حــرسأا‬
‫شديدا ؛ ووسأائل الجن أغلب من وسأائل النس ‪ ،‬وهم أقوى بحثا في الفضــاء ‪ ،‬ول يجتــازون‬
‫الحجاب الول الذي هو فوق الرض ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى جعل الشمس تجري لمستقر لها ‪،‬‬
‫‪ :‬والقمر قدره منازل حتى عاد كالعرجون القديم‬

‫إن الشمس تجري من مطلعها لتستقر في مغربها ‪ ،‬حيث تغرب في العين الحمئة ‪ .‬ولن يكـون‬
‫المر معناه كما هو معروف اليوم بمعرفة ل أصأل لها في الديـن ‪ ،‬بل اللــه سأبحانــه وتعالــى‬
‫أعطى علما في القرآن وجب اليمان به إيمانا بالغيــب ‪ ،‬ولــن يستطيـــع النســان بالوسأائــل‬
‫الحديثة أن يعلم ما أخفى ا في كونه ‪ ،‬لن الكون ملك ا ‪ ،‬ول يمكن للكافر أن يعلم شيئا من‬
‫علم ا ‪ ،‬بل الكافر في ضللة ‪ ،‬والمؤمن ليس من واجبه أن يتخــذ الكافريــن أولياء ليعلمــوه‬
‫شيئا ‪ ،‬ومعنى المعنى معناه الشامل هو أن ما يدلي به الكافرون من علم فهـو غير صأـحيــح ‪،‬‬
‫ولن يكون صأحيحا أبدا مهما بلغ ‪ ،‬المر ‪ ،‬بدلئل لم يكن مثلـها كمـثـل المعجــزات ‪ ،‬وإنــه ل‬
‫يؤمن مكر ا إل القوم الخاسأرون ‪ ،‬وليكمل الموضوع فله موضوع آخر في مكان آخر ‪ ،‬كما‬
‫‪ .‬أن للمعنى معنى آخر يعني معاني أخرى فهي معاني المعاني‬
60
‫إن معاني المعاني شملت معنى المعنى في معانيها ‪ ،‬والنسان يعيـش عالما لــم يكن حقيقــيا ‪،‬‬
‫فهذا العالم مستودع والجنة هي المستقر ‪ ،‬اسأتودع ا في الرض في المعاني الغيبيـة ‪ ،‬فهــي‬
‫معان صأورية لها أصأل في الجنة ‪ ،‬والنسان إن أفسد شيئا فــي هــذه الرض ‪ ،‬فإنه ل يفســد‬
‫شيئا ‪ ،‬لن ا محيط بالكافرين ‪ ،‬والكافر إن أكل أو شرب فإن ذلك ل يعني أنه أكل حقا مـــما‬
‫جعل ا ‪ ،‬بل يأكل مما له شبه ‪ ،‬ومن أجل الفهم فإن فإن كل ما في الرض التي نعيش علــى‬
‫سأطحها ما هو قوة أخذت أشكال ملموسأة واقعية دون أن يكون لها واقع أصألي ‪ ،‬والمـؤمـن ل‬
‫يصل إليه الكافر بشيء ‪ ،‬لن الجسم الحقيقي للمؤمن ‪ ،‬هــو مــودع فــي الرض المباركــة ‪،‬‬
‫والجسم الذي يعيش به في الرض التي على سأطحها ‪ ،‬ما هو إل لبس جعلـه اللـه ‪ ،‬والمـؤمـن‬
‫يحشر في جسم آخر مليء نورا ‪ ،‬ولم يمسـس بســوء ول بفاحشــة ‪ ،‬فالكــل يشبــه للــناس ‪،‬‬
‫والجسام كذلك ‪ ،‬والوقع الحقيقي بعيد جدا عن متناول النسان ‪ ،‬والساعة هي يوم يظهر فيــه‬
‫الواقع وتبدل الرض غير الرض التي نحن عليها ‪ ،‬وإذا بالكافرين في الساهرة ‪ ،‬والساهــرة‬
‫‪ :‬هي أرض محجوبة عنا إل أننا فوقها‬

‫الجحيم‬

‫أرض‬
‫الساهرة‬

‫جهنم‬

‫وكما هو ظاهر في الرسأم ‪ ،‬فإن بعد الساهرة توجـد النــار في مكانين ‪ ،‬لكــل مكان قــوة نــار‬
‫مختلفة عن الخرى ‪ ،‬فالولى نارها صأفراء ‪ ،‬وقد خصــها اللــه لتعذيــب أصأحــاب مثــلــث‬
‫الظلمات ‪ ،‬والثانية فنارها بيضاء ‪ ،‬وبهذا نرجع إلى الواقع الول الذي أظـهـرنــا بــه الدائــرة‬
‫الصفراء ‪،‬و الدائرة البيضاء ‪ ،‬وبينهما الدائرة الوردية اللون ‪ ،‬ومعناها هــنا الساهــرة وفيــها‬
‫‪62‬‬

‫يكون الحساب ‪ ،‬وبعد زلـزلـة الساعـة يظـهـر العالـم الحقيقــي ‪ ،‬وتظهـر الشمس الصأليــة ‪،‬‬
‫وتعرف حرارتها الحقيقية ‪ ،‬وهكذا فإن وراء الواقع الذي نعرفــه يوجــد واقــع آخــر ‪ ،‬وفــي‬
‫الرض والسماوات ما ل نعلم ‪ ،‬وا وحده هو الذي يعلم غيب السماوات والرض ‪ ،‬ورغـــم‬
‫كل ما علم ا ‪ ،‬فإن وراء العلم علما آخر وحقيقـة أخـرى ‪ ،‬ول يجـب علـى النسـان أن يهتـم‬
‫بمعرفة أخرى لم يظهرها ا في كتابه كعلم علمه للناس ‪ ،‬كما أنـه ل يجـب علـى النسـان أن‬
‫يقفو ما ليس له به علم ‪ ،‬وكل ما ذكر هنا فمما فــي القرآن ‪ ،‬وكــل تفصيل ما هــو إل إعانـــة‬
‫للفهـم ‪ ،‬أما المعرفة التي انتشرت فإنا ل نهتم بها إل إن كانت علما من عند ا ‪ ،‬والدين ليـس‬
‫فيه تجارب من أجل التصحيح ‪ ،‬بل اليمان بالغيب هو ما فرض ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وليبــق‬
‫الذين كفروا في خوضهم يلعبون ‪ ،‬وما ذكر في القرآن ل يجب أن يقارن بمعرفــة بلــغ إليــها‬
‫النسان بوسأائل كان أصألها كفراا بال ‪ ،‬وحتى لو كان النس والجن لبعضـهم ظاهـريـن ‪ ،‬لـما‬
‫اسأتطاعوا شيئا ‪ ،‬وإذا سأعوا أن ينفذوا في أقطار السماوات والرض ‪ ،‬فإن ا يرسأل عليهــما‬
‫شواظا من نار ونحاس فل ينتصران ‪ ،‬ومهما كان لديهم من سألطان ‪ ،‬والذين غيروا معانــــي‬
‫آيات ا ‪ ،‬وما كان عليهم أن يفعلوا ذلك ‪ ،‬وإنهم لغافلون ‪ ،‬ثم إنهم بعـذاب اللـه ل يشعــرون ‪،‬‬
‫وباليوم الخر هم مكذبون ‪ ،‬وما علينا إل أن نبحث في العلـوم الدينيــة ‪ ،‬ونـتـدارس القــرآن ‪،‬‬
‫ونتفقه في الدين ‪ ،‬كذلك أوجب ا على المؤمنين ‪ ،‬وفي السماء أقطار أخـرى غيــر القطــار‬
‫التي هي على الرض ‪ ،‬فأقطار الرض قد سأبق ذكرها ‪ ،‬أما أقطار السماء فوق الرض فهي‬
‫النجوم ‪ ،‬زينة السماء و رجوم الشياطين ‪ ،‬فالنجم الحمــر ‪ ،‬هو الذي سأيهوي علـى الرض ‪،‬‬
‫وهو النجم الوسأط يكبر النجوم كلها ‪ ،‬ومواقع النجوم هي من بعد الشمس والقمر ‪ ،‬ونراها من‬
‫تحت الحجاب الثاني ‪ ،‬والنجم الحمر تحيط به النجــوم كلــها ‪ ،‬ومنــه يستمــد النسان قــوى‬
‫‪ :‬الخوف والفزع ‪ ،‬وتحيط به أربعة نجوم أولى‬
‫النجم‬
‫الخضر‬

‫النجم‬ ‫النجم‬
‫البيض‬ ‫النجم الحمر‬ ‫الصأفر‬

‫النجم‬
‫الزأرق‬
‫‪63‬‬

‫ومن النجم الحمر يرسأل شواظ من نار ونحــاس ‪ ،‬ومــن الربعــة نجوم الخــرى ‪ ،‬تــرجم‬
‫‪ :‬الشياطين ‪ ،‬وبعد هذه النجوم توجد نجوم أربعة أخرى‬

‫النجم‬
‫الحمر‬

‫ولكل نجم دور خاصا وقوى لها أهمية عظمى ‪ ،‬ومعرفة التنجيم المعروفة ام يكــن لها أصأــل‬
‫في الصأل ‪ ،‬لن النجوم الظاهرة ما هي إل صأورة لواقع هو عند ا ‪ ،‬فالنجم الحمر كله نار‬
‫‪ ،‬ونشبهه بحجر أصأبح أحمر تحــت فعاليــة نـار قويــة ‪ ،‬إل أنه من نحاس ‪ ،‬وهــذا ل يعنــي‬
‫النحاس الذي نعرفه ‪ ،‬وسأيرة النجوم هي بالعـدد التســع ‪ ،‬والقــوى الموجــودة فــي السماوات‬
‫والرض لها سأيرة في سأتة أيام وسأيرة أخرى في يومين ‪ ،‬ول يجب أن نفهم فهما معناه أن ا‬
‫سأبحانه وتعالى خلق السموات والرض في سأتة أيام بمعنى اليام التـي نعدها ‪ ،‬ول يجــب أن‬
‫ننسى أن ا إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكـون ‪ ،‬وهــنا يكمــن المعنــى ‪ ،‬وسأـــر معانــي‬
‫المعاني ‪ ،‬أما غدو الرياح فشهر ‪ ،‬ورواحها شهر كذلك ‪ ،‬وذلك لن الـريح تأتــي من مصــدر‬
‫هو مكان أودعها ا فيه ‪ ،‬كما أن الليل له مكان أيضا ‪ ،‬وكل شيء جعل له ا مستقرا ‪ ،‬لهـذا‬
‫‪64‬‬
‫فإن ا سأبحانه وتعالى ل يوجد في الطبيعة ‪ ،‬ول يمكن التصال بــه ‪ .‬وبع كل كــون يوجــد‬
‫كون آخر ‪ ،‬وبعد السماوات والرض توجد العـروش ‪ ،‬وهكــذا إلى ما ل نهايــة لــه ‪ ،‬وعلــم‬
‫اللنهاية فهو عند ا ‪ ،‬وعلى النسان أن يفكر في نهايته ‪ ،‬ويفكـر فــي المــوت ‪ ،‬وفي اليــوم‬
‫الخر ‪ ،‬قبل أن ينفخ في الصور ‪ ،‬فالصور وضعه ا في مكان بعيد يـرى منه كــل مــا فــي‬
‫السماوات وما في الرض أكبيرا كان أم صأغيرا ‪ ،‬وا ل يهمل شيـئا ‪ ،‬وإن كــان قــد أمهــل‬
‫الكافرين ‪ ،‬فلنه قد جعل لهم يوما لن يخلفه أحـد ‪ ،‬يحشــر فيــه الطيــر والوحــوش والنــس‬
‫والشياطين ‪ ،‬وأمر ا واقع ما له من دافع ‪ .‬وبين النجوم توجد معارج أخرى يتم بــها التنقــل‬
‫من نجم لخر ‪ ،‬وإن ذلك ل يتم بالصواريخ ‪ ،‬بل بإذن اللــه الذي جعل لذلــك سأبـبا ل يدركــه‬
‫النسان ‪ .‬وقد بحث الناس في كل شيء منذ العصور الولى ‪ ،‬ولم يبلغوا إلى شيء ‪ ،‬واللت‬
‫عرفت عند الجن قبل أن تعرف عند النس ‪ ،‬وإن النسان كان جهول يكثر الجدل ‪ ،‬وظلوما ‪،‬‬
‫ولو فكرنا في موقفنا أمام ا لوجدنا موقفا حرجا ‪ ،‬لن النسان جعل دون علم ا علما آخــر‬
‫يعتمد عليه ويصدق بدلئله ‪ ،‬وليرتفع النسان إلى سأمو العلم فإن عليـه أن يعتــرف بجهلـــه ‪،‬‬
‫والعتراف بالجهل هو أول طريق يسلكه النسان ‪ ،‬والتفكير في الحق هو أول سأـلح فكــري‬
‫يجتاز به النسان عالم الخيال المسيطر على قوى عقل النسان ‪ ،‬ومعنى التفكير فــي الدمــاغ‬
‫كمعنى النجوم في السماء ‪ ،‬وسأر السأتمداد كامن في سأر الفهم فقط ‪ ،‬فالـذي رسأــخ في ذهنــه‬
‫علم عن النجوم ‪ ،‬لم يكن إل معرفة بالظن ‪ ،‬فإنه يستمد من قوى الظلمات ‪ ،‬والذي يفكــر فــي‬
‫علم هو علم حقيقي عن النجوم والرض وكل ما خلق ا ‪ ،‬فإن اسأتمداده يكون من نور ‪ ،‬وإن‬
‫المشكل أعظم مما يظنه النسان ‪ ،‬فبالتفكير يتم التصاعد الفكري ‪ ،‬وبالتأمل يتــم السأتمــداد ‪،‬‬
‫وعلى النسان أن يهتم بهذا ‪ ،‬لن فيه معاني اختياره ‪ ،‬إما باتجاه نحـو الصــواب ‪ ،‬أو باتجــاه‬
‫نحو الخطأ ‪ ،‬وإن فكر النسان في العقل فلينظر إلى النجوم لن العقل والدماغ لهما في القـوى‬
‫‪ ،‬وترتيب من إبداع الخالق ‪ ،‬والنسان إن كان له اتصال بقوى الطبيعة فإن ذلك سأببه وجــود‬
‫اسأتمداد القوى البشرية من قوى وضعت في أماكن معينة خلقها ا ‪ ،‬ولم يكن المعنى هــو أن‬
‫النسان شامل للطبيعة ‪ ،‬بمعنى يوجب الخلود ‪ ،‬فإن تفنى الرض يفنى النسان ‪ ،‬حتــى ولــو‬
‫كان في الفضاء ‪ ،‬لن من الرض خلق النسان ‪ ،‬فيــها يعيــش ‪ ،‬ومنــها يأكــل ‪ ،‬ول وجــود‬
‫للنسان الكوني ‪ ،‬كما زعم الكثير ‪ ،‬وكل التطبيقات من أجل خلصا الروح ‪ ،‬فإنـه ل أسأــاس‬
‫لها ول تنفع إل عبادة ا ‪ ،‬وا جعل للناس قبلة ليتجهوا إليها ‪ ،‬والكعبة ترى في كــل القطــع‬
‫الرضية المتجاورة ‪ ،‬فالجن يطوفون حولها والنس كذلك ‪ ،‬والمر كذلك بالنسبـة لقــوم فــي‬
‫أرض محجوبة أخرى ‪ ،‬وكل إل ويكسوها برداء خاصا ‪ ،‬وكيف الواقع فــي هــذا ؟ فالقــرآن‬
‫يوجد عند الجن والنس ‪ ،‬وقد بلغ إليه كما بلغ إلينا ‪ ،‬والبشر الخرون بلغ إليهم كذلك ‪ ،‬وعلى‬
‫النسان أن يفكر قليل لعله يجد إلى الفهم سأبيل ‪ ،‬إنه ل يجب علينا أن نحصر أمــر اللــه فــي‬
‫شيء ‪ ،‬لن ا على كل شيء قدير ‪ ،‬ولن نعجــز اللــه شيئا ‪ ،‬والظاهر الذي نراه يوجد بعــده‬
‫ظاهر ل نراه ‪ ،‬ويوجد بيننا من الخلق ما علمه عـند اللـه ‪ ،‬من الملئكة ما يتشكل في صأــورة‬
‫إنسان ‪ ،‬ومن الشياطين ما يظهر للناس دون أن يعرف ذلك ‪ ،‬والنسـان لــن يحصــي للخلــق‬
‫عددا ‪ ،‬ولن يعرفهم أبدا ‪ ،‬بل يحشر فردا ‪ ،‬والكافرون يوم القيامة يسألون عن أشخاصا كانـوا‬
‫يعدونهم من الشرار ‪ ،‬تلك من أسأرار ا ‪ ،‬وعلى النسـان أن يلجأ إلى اللـه ويعبــده دون أن‬
‫‪65‬‬
‫يشرك به شيئا ‪ ،‬وقد جعل ا كل شيء بمقدار ‪ ،‬وجعل النهار والليل ‪ ،‬وعلم النسان مــا لــم‬
‫يعلم ‪ ،‬وإن الذي اسأتهوته الشياطين نجده في الرض حيرانا ‪ ،‬وله أصأحاب يدعونه إلى الهدى‬
‫ايتنا ‪ ،‬ولكن هدى ا هو الهدى ‪ ،‬وقد أمرنا أن نسلم ل رب العالمين ‪ ،‬كذلك نجد اليــوم أناسأا‬
‫يدعون إلى معرفة أخرى يظنونها علما ‪ ،‬ونجدهم في حيرة يتساءلوت عن سأر النسان وسأـر‬
‫الكون ‪ .‬إن المر ل يستلزم تساؤل ‪ ،‬لن ا هو خـالق كــل شــيء ‪ ،‬قــد فصل اليات للناس‬
‫لعلهم يهتدون ؛ وإن الذين يدعون على المعرفة الخرى يظنـون أنهــم أهدى سأبيل ‪ ،‬وكأنهــم‬
‫يدعون إلى الهدى ‪ ، ،‬وا قد أثبت في كتابه أن الهدى هدى ا ‪ ،‬وأن العلم هو ما علم اللـته ‪،‬‬
‫لن العلم ل ‪ ،‬وكل علم ثابت فهو دين ‪ ،‬ومن يبتغي غير السألم دينا ‪ ،‬فإنه يكون في شقـــاق‬
‫بعيد ‪ ،‬والشقاق ظاهر للناس ‪ ،‬لن أولئــك الذيــن يبحـثـون في الكـون وفـي الخلق ‪ ،‬كل مـرة‬
‫يغيرون ما بلغوا إليه من معرفة ‪ ،‬وكل ما بين أيديهم يجهلون سأره وسأـبــب فعـاليـته ‪ ،‬كذلــك‬
‫يكون النسان في حيرة من أمره عندما يكون في ضلل بعيد ‪ ،‬ومن كـان يظـن أنـه بلـغ إلـى‬
‫علم دون العلم فليظهر للمؤمنين ‪ ،‬الجن ‪ ،‬وليظهــر حــجــب الرض ‪ ،‬وليبلغ إلى الراضــي‬
‫السبع ‪ .‬وكيف يكون ذلك من المكان ‪ ،‬إن النسان في اسأتحالة الفهم ‪ ،‬ل ينطبق ما يعرفه في‬
‫معانيه معنى على معنى ‪ ،‬بل الكافرون في فهم ينفي فهماا ‪ ،‬وفي علم ليس بعلم ‪ ،‬كذلـك كتــب‬
‫ا أن الكافرين في أرض لم تكن بالرض ‪ ،‬وأن المعاني عند الذين ل يعلمون مختلفة ‪ ،‬نجــد‬
‫معنى يتغير معناه في كل يوم ‪ ،‬ومعاني ل تعني شيئا ‪ ،‬ثم معاني ل تعني واقــعا ‪ ،‬تلــك هــي‬
‫الضللة ‪ ،‬والضللة لم تكن لها معان ‪ ،‬بل معنى واحد ‪ ،‬إنها كفر بال وبما أنزل ا ‪ ،‬وكــأن‬
‫النسان ل يثق في ا ‪ ،‬فسار يبحث في الكون بنفسه ‪ ،‬ويبحث في نفسه عن نفسه ‪ ،‬ويبحـــث‬
‫في عقله بعقله ‪ ،‬ويبحث عن معنى بمعناه ‪ ،‬ول يمكن ذلك لن المعنى له معان ‪ ،‬وليفهم العقل‬
‫‪ ،‬وجب شيء آخر فوق العقل ‪ ،‬وليفهم الخيال وجب الواقع ‪ ،‬وليفهم الواقع وجبت هناك حقيقة‬
‫‪ ،‬وللبلوغ إلى معرفة الحقيقة ‪ ،‬فلبد من علم ‪ ،‬والعلم من عند ا وهو عند ا يؤتيه من يشاء‬
‫من عباده ‪ ،‬كذلك المور كلها ترجع ل ‪ ،‬والنسان مرجعه إلى ا فيحكم ا في مــا اختلــف‬
‫فيه الناس ‪ .‬وإن المعاني العلمية الدينية لها صأراع مع جهلية إلحادية مضلة ‪ ،‬ومن لم يحـارب‬
‫الكفار جهادا في سأبيل ا ‪ ،‬فليحارب أفكار من ضلوا السبيل ‪ ،‬أولئك الذيــن يبغونهــا عوجــا‬
‫ويرضون بالحياة الدنيا ‪ ،‬وظنوا أنهم سأيجدون إلى ذي العرش سأبيل ‪،‬بلى ‪،‬إن ا بالمرصأاد‪،‬‬
‫يعلم ما يخوض فيه النسان ‪ ،‬وهو الذي يمد الكافرين في طـغـيـانـهم يعمهون ‪ ،‬لتكن أفــكــار‬
‫المؤمن كشهاب ثاقب ‪ ،‬ترجم به كل الفكار التي تتشكل في خيال كـما تـتـشكــل الشياطيــن ‪،‬‬
‫وليكن لعقل النسان سأور كسور السد ‪ ،‬تعذب فيه أفكار الجهــال ‪ ،‬ولتكــن كذلـك قــوى عقـل‬
‫النسان كالقطع المتجاورة منيعة ‪ ،‬ثم لتكن العلـوم الدينيــة كنجوم بعيدة ل يمكن البلوغ إليــها‬
‫ول يمكن تحطيمها ‪ ،‬إن من واجب المؤمن أن يحصن نفسه بحصن منيع كله من نــور بــمــا‬
‫أنزل ا ‪ .‬إن المعاني الموجودة لها معان تنطبق على النسان ‪ ،‬كذلك ضــرب اللــه المثــال‬
‫للناس لعلهم يعقلون ‪ ،‬إن الذين فكروا في خلق السماوات والرض لم يفكروا في البلوغ إليــها‬
‫‪ ،‬ولم يهتموا باتخاذ المصانع لعلهم يخلدون ‪ .‬إن النجـوم بعـيـدة ومحصـنـة ‪ ،‬والسـمـاء ملئـت‬
‫حرسأا شديدا ‪ ،‬ول يمكن العتراف بمعرفة ليس لها أصأل في الدين ‪ ،‬ول وجود لعالم ل يعلــم‬
‫شيئا مما علم ا ‪ ،‬ول يخشى ا إل العلماء ‪ ،‬والذين لهم معرفة دون علم ‪ ،‬وقيل عنهم إنهـــم‬
‫‪66‬‬
‫علماء ‪ ،‬فإنهم ل يخافون ا ‪ ،‬لــذا فإنـهـم ليسـوا بعلـمـاء ‪ ،‬وقد أعطـوا معاني كثيرة مخالفــة‬
‫للمعنى الحقيقي ‪ ،‬وإنهم في غرور ويقولون ما ل يعلمــون ‪ ،‬ويتبعهم الجاهلون الذين يظــنون‬
‫بال ظن السوء ‪ ،‬وقالوا إن الدين ل تتوفر فيه العلوم عن الكون ول العلوم عن النسان ‪ ،‬فـمـا‬
‫خطب الذين يفسرون القرآن تفسيرا لم يكن فيه يقينا ؟ يلبسون الحــق بالباطل ‪ ،‬ويحلــون مــا‬
‫حرم ا ‪ ،‬وقد منعنا ا من اتخاذ علوم لم تكن دينية ‪ ،‬ول يرضى أن نتخذ الكافرين أوليــاء ‪،‬‬
‫وقد تعجبنا أجسامهم ‪ ،‬وإن يقولوا نسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ‪ ،‬ولقد لعنهم ا ‪ ،‬وأثـبــت‬
‫لنا أنهم العدو وأمرنا أن نحذر منهم ‪ ،‬فأما صأـور القـوم الكافــرين فإنها ليسـت لهـم ‪،‬‬
‫والكفـار يحشرون زرقا ثم صأما وعميا وبكما ‪ ،‬ذلك أن ا جعل سأرا في ذلك ‪ ،‬ويركب‬
‫النســان فــي أي صأورة ما شاء ويبدل الناس تبديل ‪ ،‬فالنسان قد ينام ول يعود إلى جسمه‬
‫ويدخل في جسم آخر ‪ ،‬ويفقد ما ملك من وعي ‪ ،‬ويظن أنه هو ذلك الشخص ليكفر ويتـم‬
‫كفــره ‪ ،‬ونجــد كــأن الناس ل يسيئون شيئا ‪ ،‬ل يسرقون ‪ ،‬ول يزنون ‪ ،‬وهم قد كفروا ‪،‬‬
‫فهؤلء يدخلـون أجســامــا أخرى ‪ ،‬ويسرقون بها ‪ ،‬ويزنون كذلك ‪ ،‬ول يعرف النسان سأر‬
‫هذا إلى يوم القيــامـة ‪ ،‬يــوم يعود إليه كل شيء فعله ‪ ،‬وتزوج النفوس ويتبين له أنه قد كفر‬
‫بأنواع الكفـر كلـها ‪ ،‬وقد رحل من جسم لخر ‪ ،‬وعاش حياة مليئة بالخبث ‪ .‬والمؤمن أمره ل‬
‫يكون كذلك ‪ ،‬وتـرحال العقـول يكون بقوى مثلث النور ‪ ،‬ومثلث له أسأرار كثيرة في كل‬
‫حكمة ‪ ،‬والفهم الثلثي هو فهم شامل للمعاني ‪ ،‬والفهم بقوى المربع قد ذكرنا منه قليل ‪ .‬أما‬
‫الفهم الخماسأي ‪ ،‬فإنـه أشــد صأعوبــة ‪ ،‬لن بمعنى واحد تستخرج خمس معان ‪ ،‬كمـا أن‬
‫بخمـس معـان يستخـرج معنـى واحـد ؛ وقـد اختص بعلوم الفهم الخماسأي سأليمان عليه السلم‬
‫‪ ،‬إذا سأخرت لـه الجـن والشياطيـن والطـيـر والجبال والرياح ‪ ،‬وأوتي ملكا ل ينبغي لحد من‬
‫بعده ‪ ،‬وملك سأليمـان عليـه السـلم ل يمكـن أن يفسر عنه شيء بفهم ثنائي بمعنى الفهم‬
‫العادي ‪ ،‬الذي يفهم فيه النسـان بمعانـي الـحـرارة والبرودة والليل والنهار والذكر والنثى ‪،‬‬
‫وقـد سأبـق أن ذكـرنـا أن بيــن الرجـل والمـرأة فـي المعنى ومعاني المعاني ‪ ،‬يوجد الملك ‪،‬‬
‫وبين الليل والنهار يوجد الفلق ‪ ،‬والفهم الثلثي خاصا بالملئكة عليهم السلم ‪ ،‬وقد اختص به‬
‫جبريل عليه السلم ‪ ،‬وإن بلغ إلينا شيء من هذا العلم فلن جبريل عليه السلم ‪ ،‬علمه بإذن‬
‫ا للنبي محمد صألى ا عليـه وسألـم ‪ ،‬وقـد ذكرنا منـه واقع القطع الرضية المتجاورة ‪ ،‬لن‬
‫ذا القرنيــن عليــه الســلم بلــغ إلــى معــرب الـشمـس ومطلعها ‪ ،‬ويعرف عنده المثلث‬
‫‪ :‬الرابع بهذه الصفة كتابة‬
‫‪ :‬وسأليمان عليه السلم له وحي بإدراك فهم خماسأي يعرف بالنجمة الخماسأية أو كتابـة هكـذا‬

‫والفهم السداسأي خص به ا الملكين هاروت وماروت ‪ ،‬ولكل منها مثلث بمعنى وجود مثلثين‬
‫متضاربين ‪ ،‬ويأخذ الكافر من الملكين من القوة وعلم التغيير بقوى مثلث الظلمات لتغيير‬
‫‪ .‬مثلث النور‬

‫فمثلثا الفهم السداسأي‬

‫إن الفهم السداسأي هو أصأعب فهم بالنسبة للغائص فيه ‪ ،‬لن المعاني المدركة فيه هي معان‬
‫لها أصأل من ظلمات يظن بها النسان أنه بالغ إلى علم من نور فيه هدى ‪ ،‬والفهم السداسأي‬
‫هذا اختص بتطبيقاته كل متصل بقوى الطبيعة ‪ ،‬والذين يعتمدون على السحر ‪ ،‬ول يفهم‬
‫الوضع ويضيع المعنى ‪ ،‬والملكان لهما فهم سأداسأي مشترك بينهما ‪ ،‬ول يعلمان من أحد حتى‬
‫يقول إنهما فتنة ‪ ،‬ويأمران النسان البالغ إليهما بأن ل يكفر ‪ ،‬لن مــن يأخذ علـوما مثناة فـي‬
‫مثلثين ‪ ،‬يبحث عن المثلث الثالث الموجود بين المثلثين ‪ ،‬والمعنى الصأح أن البالــغ يــبحــث‬
‫بفهومه عن معنى الولهية وينسبها لنفسه ‪ ،‬ولهذا يبلـغ النســان إلــى مرحلــة فــي الكفـــر ‪،‬‬
‫‪ ،‬ويستخرج الكرامات المشابهة للمعجزات ‪ ،‬فالمثلثان بمثلث ثالث لهم معنى الفهم بتسع قوات‬
‫‪68‬‬
‫والفهم بتسع قوات اختص به النافخ في الصور ‪ ،‬وكــل معانيه كالنجــوم متفرقــة ومتعــددة ‪،‬‬
‫والفهم بالدرجة الثامنة يكون فهما بالتصال الباطني ‪ ،‬يعني أن البالــغ فــي الــدين إلــى هــذه‬
‫الدرجة يعرف قوات الظلمات وتقلبها ؟ ويعرف الفهــم الثلثــي ‪ ،‬والرباعــي ‪،‬‬
‫والخماسأــي ‪ ،‬والسباعــي ‪ ،‬والمثـمـن ‪ ،‬والمتسـع ‪ ،‬ذلك لنه يتعلمه من الباطن دون إدراك‬
‫الفهم بإدراك تام يستوجب نبوة أو رسأالة أو معجزات ‪ ،‬فالمؤمنون يفهمون بثماني قـوات ‪،‬‬
‫وذلــك بالمعانــي ‪ ،‬ويضادون بما يعلمون الفهم السداسأي بست قوات من نور ‪ ،‬ظاهرة في‬
‫‪ :‬المعاني بـدرجة أولــى فيها‬

‫معاني المعاني في معنى المعنـى ‪1-‬‬


‫معنى المعنى في معاني المعانـي ‪2-‬‬
‫معنى المعاني في معاني المعنـى ‪3-‬‬
‫معاني المعني في معاني المعاني ‪4-‬‬
‫مــــعــــنــــى الــــمــــعــــنــــى ‪5-‬‬
‫مـــعــــانــــي الـــمــــعــــانــــي ‪6-‬‬

‫فالفهم بثماني قــوات لــه ثمانيــة رمــوز مــن نـور ‪ ،‬تحيط بمثلث واحد ‪ ،‬له معنى مثلثين في‬
‫‪ :‬قوتيــن‬

‫الممثلثان‬

‫‪69‬‬
‫إن القدماء الذين اعتمدوا على التأويـل الخاصا بفهــم معنــى المثــلـث ‪ ،‬قد سأفكــوا الدمــاء ‪،‬‬
‫واتخذوا بعضهم البعض آلهة ‪ ،‬وطوروا طرقا خاصأة لجلب قوى الظلمات سأعيا وراء الخلـود‬
‫‪ ،‬وقد ظنوا أن النسان جزء إلهي ‪ ،‬واعتمدوا على تقوية قوى العقل ‪ ،‬وأسأسوا مباني وأبراجا‬
‫مشيدة لتركيز قواهم فيها ‪ ،‬وقد كانت لهم قوة وبطش ‪ ،‬وكانوا جبارين ‪ ،‬وعتوا عتـوا كبيـرا ‪،‬‬
‫وأن أغلب القوى المستمدة من الظلمات ‪ ،‬قد اسأتعملت قبـل الطوفــان ‪ ،‬فلم يكتســب الناس إل‬
‫قوة قليلة لم تمكنهم من السيطرة الكلية للطبيعة ‪ ،‬وضعفت الكرامات كما أنها تكاد تنفقـد اليـوم‬
‫تماما ‪ ،‬وأصأبح النسان اليوم يعيش مرحلة أخرى في الحياة الدنيا ‪ .‬ول يظـن النسـان اليــوم‬
‫أن ما سأبق من التطبيقات السحرية الولى لها آثار وفعالية عليه ‪ ،‬رغم أن كــل قــوة ركــزها‬
‫القدماء يعمل بها الناس اليوم ‪ ،‬والقدماء هم الذين جعلوا قوات مركزة في أماكن أرضية هامـة‬
‫تمكن بها الناس اليوم من اسأتخراج الوسأائل الجديدة الظاهرة في اللت التـي جعلــت أسأــاس‬
‫الحضارة اليوم ‪ ،‬وإذا ما أراد الناس أن يتيقنوا من هذا فما عليهــم إل أن يحطمــوا كــل آثــار‬
‫قديمة جعلها القدماء ليتبين المر ‪ ،‬فالنسان الحديث ما هو إل في مجال تطوير ما اسأتخـرجه‬
‫القدماء ‪ ،‬ولو بقي القدماء أحياء إلى اليوم هذا لبلغوا أيضا إلى ما نراه اليوم ‪ ،‬ولـو لــم تحطــم‬
‫المراكز السحرية بالطوفان لبلغ النسان إلى أشياء أخطر مما وجد الن ‪ ،‬فالحضارة الحديثــة‬
‫حتى ولو كانت آلية فقد سأبقتها حضارة أسأاسأها قوى عقليـة ورثــها النســان ‪ ،‬وزاد عليــها ‪،‬‬
‫وأظهرها في آلت ‪ ،‬والمهم في الفهم هو أن قوى الظلمات تخنق نارها في هذا العصـر ‪ ،‬لن‬
‫الطلسأم الموضوعة والتي كانت ملك العقـول قديــما ‪ ،‬أصأبحــت ظاهــرة بارزة فــي آلت ‪،‬‬
‫ويمكن تغييرها بسهولة ‪ ،‬وإرجاع قواها من نور ؛ وهذا هو المر الواقع ‪ ،‬فإن كــل مــا فــي‬
‫الرض من ظلمات أصأبح يتحول إلى نور مسيطر يقي علـى الظلمـات ‪ ،‬فالظلمـات فـي هــذا‬
‫العصر تضاد قواها نفسها ‪ ،‬ويتسرب النور إلى كل شيء ‪ ،‬والتحطيم باطنيا يراه كل متصــل‬
‫بالباطن ‪ ،‬والنسان بوسأائله الحديثة قد دخل إلى دائرة مقفلة ‪ ،‬هي دائرة الحاطــة ‪ ،‬ونــورها‬
‫وردي اللون ‪ ،‬ول يمكن لفيها لي قوة من ظلمات أن تسيطر على قوى النور ‪ ،‬وكما قد سأبق‬
‫للظلمات أن تطورت ‪ ،‬فإن النور يتطور بدوره ليظهر ا أمره ‪ ،‬وإن كان من سأابق إلحــاد ‪،‬‬
‫فإن الطلسأم يكسوها نور عم كل قواها ‪ ،‬وهذا العصر يسمـى بعصــر التبنــي ‪ ،‬ترجــع فيــه‬
‫الظلمات نورا ‪ ،‬لن الظلمات ما هي إل نور قد تغير فأصأبح ظلمات ‪ ،‬وبإمكانه أن يرجع إلى‬
‫أصأله بإذن ا ‪ ،‬وحراس النار المقدسأة زعما ‪ ،‬فإنهم أصأيبوا بقلق وخــوف عظيمــيــن ‪ ،‬لن‬
‫كثيرا من المنافذ الباطنية سأدت في وجوههم ‪ ،‬وضعــف السأتمداد عندهم ‪ ،‬وقد اعتمدوا فــي‬
‫هذا العصر على نشر طرقهم الكثيرة ابتغاء اسأترجاع القـوى الباطنيـة ‪ .‬والمتصلـون بالباطـن‬
‫بالطرق الدينية يكثر عددهم ‪ ،‬والقرآن يقوى نوره ‪ ،‬وهذا ل يشعر به إل مـن يهتــم بالمــر ‪،‬‬
‫وقد وجدنا نماذج الفهم الثلثي عند كثير من الناس ‪ ،‬يهتمون بالعلوم الدينية ‪ ،‬وأكبـر الشيــوخ‬
‫في الهند والصين ‪ ،‬وقد غيروا وسأائل تطبيقاتهم ‪ ،‬ويعملون لتطوير قــوى النـور ‪ ،‬والمشكــل‬
‫كله متركز في قوى الدائرة البيضاء ‪ ،‬لنها هي التي غيرت واسأتعملت قواهـا فــي السحــر ‪،‬‬
‫ومها اسأتخرجـت الكرامــات المشابهــة للمعجـزات ‪ ،‬ولـم يبـق لئمة الكفـر دور السأتمـداد ‪،‬‬
‫وتسمى قوة الظلمات الحالية بالقوة الدخانية ‪ ،‬يسهل إطفاء نارها ‪ ،‬فتخمد بصفة نهائية ‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك جعل له ا أجل ‪ .‬وكل ما يهمنا هو أن نفهم الوضع الحالي بالنسبـة للديــن ‪ ،‬وإن كانــت‬
‫‪70‬‬
‫هناك مبان قديمة تنفق منها قوى الظلمات فإنها قد أصأبحت قواها من نور ‪ ،‬وهكذا تضمحــل‬
‫الظلمات ‪ ،‬ولبد من وقت لجل ذلك ‪ ،‬إن دليل النسان ليبقى إنسانا معناه فــي اليمــان ‪،‬‬
‫لن الكفار يصفهم ا سأبحانه وتعالى بشر الدواب ‪ ،‬وإن ا قادر أن يبدل أمثال الناس‬
‫وينشئــهــم فيما ل يعلمون ‪ ،‬وهذا يعني أن الكفار قد جعل منهم ا القردة والخنازير وعبدة‬
‫الطاغــوت ‪ ،‬وهذا ل يعني تناسأخا في الرواح بالمعنى المعتقد عند كثير من الشعوب ‪ ،‬وا‬
‫ل يعييه الخلق وله النشأة الخرى ‪ ،‬فالنسان قد يخلق مرتين ‪ ،‬وينشأ في لبس من خلـق جديـد‬
‫‪ ،‬كمـا أنـه قـد يخلق عدة مرات ‪ ،‬وهذا مشكل ل يقع فيه المؤمن أبدا ‪ ،‬بل هذا أمر خصه ا‬
‫سأبحانه وتعالى بمن كفر وعصي وآمن بالطاغوت ‪ ،‬وبهذه الطريقة يوصأل ا الدين‬
‫للنسان ‪ ،‬حتى ل تكـون للناس حجة على أن الدين لم يبلغ إليهم في مكان ‪ ،‬وإنه لشيء‬
‫معروف أن السحـرة بإمكانهــم أن يتشكلوا في رهط كثير ‪ ،‬وا يعاقبهم على ذلك فيبــدل‬
‫مكانتهم فل يستطيعــون مضيـا ول يرجعون ‪ ،‬أما المؤمن بال فإنا ل نقول إنه ينشأ فيما ل‬
‫يعلم بالمعنى الذي ينشأ فيه الكافر ‪ ،‬إن ا ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء ‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن تكون حياة المؤمن ومماته كمثل الكافر ‪ ،‬بل ل أحكام ‪ ،‬وله مكر عظيم ‪ ،‬إن مكر ا‬
‫حقا ‪ ،‬وبمكــره يجازي القوم الكافريــن ؛ جعل في الرض حجبا فيــها الشياطيــن يؤزون‬
‫الكافــرين أزا ‪ ،‬ويــرون الناس من حيــث ل يرونهم ‪ .‬وإن الشيطان يشارك الناس في‬
‫الموال والولد ويعدهم غــرورا ‪ ،‬ويدخل بجسمـه جسم النسان ويشاركه في كل شيء ‪.‬‬
‫هذا لمن ل يخشى الرحمن ولم يستعذ بال من الشيطـان الرجيم ‪ ،‬فالشياطين في حجاب‬
‫أرضي محجوبين عنا ل نراهــم ‪ ،‬أما نحـن فلسـنا محجوبـيــن عنهم ‪ ،‬ول نحجب عنهم إل‬
‫إن كان هناك نور مانع لهم ‪ ،‬فالحجب الرضية الولـى ثمانيــة ‪ ،‬نعيش في أولها ‪،‬‬
‫والشياطين في الحجاب الثاني ‪ ،‬والحجاب الثالث فيه الملئكة الكاتبون ‪ ،‬مع كل شخص‬
‫ملكان ‪ ،‬الول عن اليمين ‪ ،‬والثاني عــن الشمـال ‪ ،‬فهــم محجوبــون عــنا وعــن الشياطين ‪،‬‬
‫وهم يروننا ويرون كذلك الشياطين ‪ ،‬والحجاب الرابع فيه شخص واحد ل يعرف اسأمه ‪ ،‬وله‬
‫دور في الدين ‪ ،‬والحجاب الخامس فيه ملك سأليمـان عليــه الســلم ‪ ،‬والحــجــاب السادس‬
‫فيه قوى الظلمات ‪ ،‬أما الحجاب السابع ففيه الفجاج الرضية كلها ‪ ،‬والحجاب الثامـن فيه‬
‫أرض النور ‪ ،‬وبعد هذه الحجب توجد ثمانية حجب أخرى ثانية ‪ ،‬وبعدها ثمانيـة حــجــب‬
‫أخرى ثالثة ‪ ،‬فيها صأورة للرض منذ هبط آدم عليه السلم إلــى الرض إلــى يومــنا هــذا ‪،‬‬
‫وفيها الملكان هاروت وماروت ‪ ،‬والحجب الثمانية الرابعة نجد فيها مطلع الشمس ومغربـها ‪،‬‬
‫والحجب الثمانية الخامسة فيها مواقع النجوم ‪ ،‬والحجب الثمانية السادسأة فيها فضاء ‪ ،‬وهكــذا‬
‫فالحجب الرضية ل نهاية لها ‪ ،‬والمتصل بالباطن يراهــا دون أن يجتــاز الحجــاب الكونــي‬
‫الول ‪ ،‬وفي هذه الحجب نجد صأورة للواقع الحقيقــي ‪ ،‬إذ بــها تعــرف مــواقع النجــوم دون‬
‫الصعود إلى السماء ‪ ،‬ويمكن الدخول إلى هذه الحجب الرضية بالجسم الظاهري ‪ ،‬إذا توفــر‬
‫نور عظيم وعلم عن حقيقتها ‪ .‬إن الحجب الرضية ل تعني القطع المتجــاورة فــي الرض ‪،‬‬
‫والتي يمكن رؤيتها بواسأطة التصال الباطني ‪ ،‬والتصال الباطني له علقة بالمنام ‪ ،‬وبعيــدا‬
‫عن الحلم هو رؤيا لبد من تصديقها ‪ ،‬لنه ل دخل للشيطان فيها إن كانت من نــور ‪ ،‬وقــد‬
‫أعطى ا سأبحانه وتعالى مثل بإبراهيم إذ صأدق الرؤيا بعد أن رأى في المنام أنه يذبـح ابنــه‬
‫إسأماعيل عليه السلم ‪ ،‬فالمعنى في تلك الرؤيا لم تكن الهدف منها ذبح إسأماعيل عليه السلم‪،‬‬
‫‪71‬‬
‫لن ا افتداه بذبح عظيم ‪ ،‬ولكن الهدف كان فــي تصديق الــرؤيا التي أراهـا اللــه سأبحانــه‬
‫وتعالى لبراهيم عليه السلم ‪ ،‬ولبد من اتباع أوامر ا في كل شيء دون البحث فيـها ‪ ،‬لن‬
‫ا علم لبراهيم من قبل ‪ ،‬أن النسان ل يذبح كقربان ل ‪ ،‬فالمعنى الثاني ينفي المعنـى الول‬
‫وبما افتدي إسأماعيل عليه السلم ثبـت المعنــى الول ‪ ،‬فهــذا معنى ثان نفي المعنــى الول ‪،‬‬
‫والمعنى الثالث أثبت المعنى الول ‪ ،‬فالمعاني الثلثة لها معنى واحد في معنــى طاعــة اللـــه‬
‫والتصديق المثبت لمعنى اليمان ‪ ،‬فطاعة ا أسأاس العبادة ‪ ،‬والعبادة تنفيذ أوامر ا بإظهـار‬
‫معنى الطاعة ‪ ،‬وعلى النسان أن يصدق ما في كتاب اللـه دون السعــي وراء التصــحيــح أو‬
‫التجربة ‪ ،‬فاليمان بال هو إيمان بالغيب ل يستلزم بحثا في الكون ول بحثا في الخلق أو فـــي‬
‫النفس لجل البلوغ إلى معنى الدراك ‪ ،‬فإن قيل ما ا ؟ قيل إن المعنى معناه أن ا هو الله‬
‫‪ ،‬فإن قيل وما الله ؟ يقال إن الله هو ا الذي ل إلـه إل هــو ‪ ،‬فهــذه معـان تـثـبــت معنــى‬
‫اللوهية بمعنى ا الله ‪ ،‬كذلك ترجع المعاني لتثبت معانيــها أن اللــه ل نعرف لــه سأمــيا ‪،‬‬
‫وأسأماؤه الحسنى ما كانت إل لندعوه بها ‪ ،‬حتى ل يكون معنى الدعاء مبهما إبهاميا في‬
‫معنتى غير مدرك في معناه ‪ ،‬وأوصأاف ا ل تنطبق على نفسه ‪ ،‬فال سأميع وعليــم بفقــدان‬
‫معنــى السمع والعلم الكامن معناه في سأمع بأذن أو علم بإدراك يحتاج إلى موصأل للمعنى ‪،‬‬
‫وهذا يدل على أن ا لم نكن لنعلم له سأميا ‪ ،‬فهو السميع بمعنى جعل السمع ‪ ،‬وقد جعل‬
‫البصــر وجعـل الفهم ‪ /‬والنسان ل يفهم شيئا إن لم يكن هناك أمر من عند ا سأابق الفهــم‬
‫فــي فهــم معانــي الشياء ‪ ،‬ويجب أن يكون لنا فهم بمعنى أننا في الوجود ‪ ،‬دون أن يكون لنا‬
‫وجود معنــاه فــي الخلود مجبر للبقاء الزلي ‪ ،‬بل النسان لم يكن من قبل شيئا مذكورا ‪،‬‬
‫فأصأبح إنسـانا بمعنــى نخيلق فيه إبداع الخالق ‪ ،‬والنسان يخاطب على حسب المعاني التي‬
‫تتوفر لديه من أجــل فهــم المعنى ‪ ،‬والمعاني يختلف فهمها عند الملئكة ‪ ،‬لن لهم مفهوما‬
‫معناه لم يشركوا بال شيــئا ‪ ،‬فمعنى ل إله إل ا يفقد معناه بالنسبة للملئكة لنهم ل يعلمون‬
‫من إلــه آخــر إل اللـه ‪ ،‬فهــم يذكرون ا بذكر مختلف عما يذكره به البشر ‪ ،‬فقول ل إله إل‬
‫ا إثبات للوهية ا ‪ ،‬ونفــي لولهية أخرى مزعومة ‪ ،‬لذا كانت الشهادة لزمة بقـول ل‬
‫إلــه إل اللــه بـزيادة معنــى آخــر يستوجب إثبات اليمان بالرسأل ‪ ،‬لن هناك زعما معناه‬
‫يدعي فيه أحد آخر بوجود علم معـناه كرسأالة أو نبوة ‪ ،‬وفهم المعاني لزم لثبات المعنى‬
‫الذي معناه كامن في العتقاد ‪ ،‬فل وجـود لحرية العتقاد ‪ ،‬ول يمكن اليمان بال بمجرد قول‬
‫دون تصحيح ثابت معناه يظـهـر حـقـيـقـة اليمان ‪ ،‬ولهذا يفتن النسان بمعان كثيرة عندما‬
‫يقول إنه آمـن بال ‪ ،‬واللــه يعلــم الكاذبــيــن والصادقين ‪ ،‬ويظهر الناس على حقيقتهم في كل‬
‫حين ‪ ،‬وقد نجد من يؤمن بال ‪ ،‬وإذا أصأيـب بمصيبة إذا به يكفر بال ‪ ،‬فكان معنى إيمانه له‬
‫معنى آخر فيه كفر بال ‪ ،‬ولو لم يكن المعنــى كذلك ‪ ،‬لما كفر بعد أن أصأيب بمصيبة لهذا ما‬
‫يؤمن أكثر الناس بال إل وهم مشـركون ‪ ،‬ول يوجد كفر دون شرك ‪ ،‬كما ل يوجد إيمان‬
‫دون إسأــلم ‪ ،‬فالكافــر مشرك والمـؤمـن مـسـلـم ‪ ،‬فالكفر في ميزان المعنى هو معان ‪،‬‬
‫والشرك معنى للمعانــي ‪ ،‬فــكان سأــر الفهـم فـي معانـي المعاني ‪ ،‬كذلك أوصأى ا بالوالدين‬
‫إحسانا ‪ ،‬وبذي القربى ‪ ،‬واليتامـى ‪ ،‬والمساكيــن ‪،‬وابــن السبيل ‪ ،‬فهذه خمسة معان لها معنى‬
‫واحد معناه في الحسان ‪ ،‬وإن لم يكن الحسان بالمـال ‪ ،‬فإن ا يأمرنا أن نقول للناس حسنا‬
‫كامنا معناه في الحسان ‪ ،‬ومن أوصأل علما أوصأى به ا‬
‫‪72‬‬
‫بأن يوصأل ‪ ،‬وقاله للناس ‪ ،‬فقد أحسن صأنعا ‪ ،‬فأصأبح معنى القول عمل جعل ا لـه‬
‫أجــــرا ‪ ،‬فأصأبح معنى الجر إحسانا من عند ا ‪ ،‬لذا كان جـزاء الحســان هــــو‬
‫الحســان ‪ ،‬فهــذا هــو معاني المعاني في معنى المعنى ‪ ،‬ومن يعمل سأوءا يجز به ‪ ،‬وعلـى‬
‫النسان أن يـتـبـيـن معانــي الحسان ‪ ،‬حتى يكون عمه مشكورا ‪ ،‬وقد أوصأى ا بالصدقة ‪،‬‬
‫وعلى النسان أن ل يـتـيـمـم الخبيث منه ينفق ‪ ،‬لن صأدقته تصبح معانيها شاملة لخبــث ‪،‬‬
‫فيكــون جـزاء الخـبـث سأوءا ‪ ،‬فــل يعطي طعاما قد أكل منه ‪ ،‬ول لباسأا قد لبسه إل إن كان‬
‫معناه ل يعنـي صأدقــة ‪ ،‬فالعطاء معنـاه لم يكن هو معنى الحسان ‪ ،‬وإنــه ل وجــود لمعنـى‬
‫فيــه معنـى العطـاء ‪ ،‬ول معنـى لـه مـعانـي الهدايا ‪ ،‬وبين العطاء والهدية يوجد الحسان ‪،‬‬
‫والحســان إن كان عــطـاء فمعناه صأدقة ‪ ،‬واللـه أمر بأن تعطى لهلها ‪ ،‬والمعنى معناه فيه‬
‫أمر أن ل يمنــع الماعــون ‪ ،‬فمن لم يستطع أن يعطي طعاما لم يؤكل منه ‪ ،‬فعليه أن يضيف‬
‫المحروم ليأكـل معــه لـيـبـقى معنى الحسان هـو الحسـان ‪ ،‬وقد يغيب معنى الحسان في‬
‫معان كثيرة ‪ ،‬وقد قال شيخ لبنه ‪ :‬يا بني إني ل أعرف معنـى الحسان ‪ ،‬فقال البن أن‬
‫انتظرني يا أبتاه حتـى أرجـع فـأقـــول لـك مـا الحسـان ‪ ،‬ذهـب البــن وغاب سأاعات ‪،‬‬
‫فقلــق عليه الب وتبعه ‪ ،‬ولم يكـن بعيــدا ‪ ،‬فقال البــن إنك قد أحسنت يا أبتاه فإن قلقك علي‬
‫إحسان لم يكن معناه عطاء ‪ ،‬إن المحسـنـيـن هم عباد ا الصالحون ‪ ،‬فالحسـان والصألح‬
‫معنيان لهما معنى واحد في المر بالمعـروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وقد قال الشيــخ لبنه مـرة‬
‫أخــرى ‪ ،‬أن ‪ :‬بيــن إني لــم أسأتطــع أن آمـر بالمعروف ول أن أنهى عن المنكـر ‪ ،‬فـقـال‬
‫البــن ‪ ،‬أتحب الخير يا أبتاه ؟ قال الب ‪ :‬نعـم ‪ ،‬وقال البن ‪ :‬وهل تحب الشـر ؟ ‪ ،‬قـال الب‬
‫‪ :‬ل يا بني ‪ ،‬فقال البن كذلك ‪ :‬أنت أنرت نفسك بالمعروف ‪ ،‬ونهيتها عن المنكر ‪ ،‬فكان سأر‬
‫المعاني في هـذه المعانـــي معنــى للنفــس ‪ ،‬وإن النفس لمارة بالسوء ‪ ،‬إل ما رحم ا ‪،‬‬
‫ومن لم يهتم بنفسه فقد يفقد نفسه ‪ ،‬والنفس ل تطمئــن إل بعبادة ا ‪ ،‬وبذكر ا تطمئن‬
‫القلوب ‪ ،‬والذاكر ل يذكر ا فقط بوسأائل الذكر ‪ ،‬بل يذكـره في أوامره ونواهيه ليعرف‬
‫الخير والشر ‪ ،‬وإن لم تفهم المعاني فإن الذكر يصبح معنـاه بحــثا عن سأبيل الرشاد ول معنى‬
‫للعبادة فيه ‪ ،‬والعبادة تستوجب الفهم والدراك لفهم معنـى طاعــة ا ‪ ،‬ولو لم يكن المر‬
‫كذلك ‪ ،‬لكان في كتاب ا آية واحدة يؤمر فيها الناس بعبـادة اللـه دون تفصيل ‪ .‬ولكن ا‬
‫فصل آياته للناس ليتبين لهم الحق ‪ ،‬وليعرفوا الباطل ‪ .‬فالقـرآن هـو كــتاب ا ‪ ،‬ولم يكن من‬
‫اللزم أن توجد في الرض كتب أخرى مهما يكن نوعها ‪ ،‬ولكـن مهــما أن الملحدين‬
‫يكتبون ‪ ،‬فإن أهل الذكر هم أيضا كاتبـون ‪ ،‬واللـه يحكــم يــوم القيامــة فــي ما هــم مختلفون‬
‫‪ ،‬فالكلم معناه كسلح ‪ ،‬والمعاني كلها صأراع بين الحق والباطل ‪ ،‬والذين قالـوا إن النسان‬
‫له تركيب من طبيعة خالقة لنفسها ‪ ،‬ما كان معنى قولهم إل كفراا بما خلق ا سأبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬وقد خلق ا آدم من تراب ‪ ،‬فقال له كن فيكون ‪ ،‬والكتب كلها فيها إثبــات للمعانــي‬
‫الولى كلها التي فصل فيها ا معاني الوجود ‪ ،‬والقرآن شامل للكتب الخرى ‪ ،‬ولو بحثنا في‬
‫كل معرفة لم يكن لها أصأل ديني ‪ ،‬لوجدناها تبتعد لمعانيها لتتجه إلى معنى فيه كفــر وإلحــاد‬
‫وشرك بال ‪ ،‬وقد غابت عن الناس معاني الشرك في أبعاده ‪ ،‬وإن من المثـل السهلــة للفهــم ‪،‬‬
‫وإن كان النسان به خصاصأة ‪ ،‬فإنه يفكر في فلن وفلن ‪ ،‬ولعلهم يمنون عليــه بعطـاء لسـد‬
‫حاجته ‪ ،‬فإن ذلك معناه شرك بال ‪ ،‬لن الناس ل يملكون نفعا ول ضـرا ‪ ،‬بل بينهــم معاملــة‬
‫‪73‬‬
‫فقط ‪ ،‬وللمعاملة بين الناس شروط في الدين ‪ ،‬والبيع والشراء ل بد مـن تــراض فيهــما بـيـن‬
‫الناس ‪ ،‬وإن لم يكن المر كذلك فقد يدخل الربا وينفقـد المعنــى ‪ ،‬وقــد أمــر اللــه بالتقــوى ‪،‬‬
‫والتقوى شاملة للمعاني كلها ‪ ،‬وإذا انفقدت فإن الفساد يلبس معناه بالصألح ‪ ،‬والسـوء يلـبـس‬
‫معناه بالحسان ‪ ،‬والحق يلبس بالباطل ‪ ،‬فيأتي أمر ا المظهر للمعنى الحقيقي ‪ :‬أن النســان‬
‫أفسد ولم يصلح شيئا ‪ ،‬واليوم إن قيل للناس إنهم مفسدون يقولون ل ‪ ،‬إنهم مصلحون ‪ ،‬واللــه‬
‫يشهد إنهم مفسدون ‪ ،‬وإن المعاني إذا طمست معانيها في عصرنا هذا ‪ ،‬فإنه لن يأتـي نـبـي أو‬
‫رسأول ليرشد الناس مرة أخرى ‪ ،‬بل يأتي عذاب ا ‪ ،‬وتأتي الساعــة التــي ل ريــب فيــها ‪،‬‬
‫وأقوال الناس لن تصح معانيها إن لم تكن مستوردة من القرآن بدليل ظاهــري أو باطنــي لــه‬
‫دليل بما ظهر في القرآن ‪ ،‬والقرآن ل بيع فيه بشراء ثمن قليل بآيات اللــه ‪ ،‬مما يستعمل فــي‬
‫أغراض خاصأة ‪ ،‬بل القرآن هو لذكر ا فقط ‪ ،‬دون لزوم لبحث عن تأويل ‪ ،‬ودراسأته معناها‬
‫فهم للمعاني الكامنة في اليات ‪ ،‬وإذا قلبت آياته كتابة لغـرض معيــن ‪ ،‬فذلــك إلحاد وابتــغاء‬
‫للفتنة ‪ ،‬والذين بلغوا في معرفة أصأول التغييـر كـان لهــم اتصـال بالباطــن الخيالــي بالقــوى‬
‫الشعورية ‪ ،‬أو اللشعورية ‪ ،‬فكل المعاني الظاهرية لها معان أخرى باطنية ‪ ،‬قد تختلف تماما‬
‫عن الواقع الظاهري ‪ ،‬وخيال النسان له في الباطن معنى تشكيلي يأخذ صأورة مغايرة للواقع‬
‫باتصال مع قوى من ظلمات ‪ ،‬فالصأنام باطنيا ترى كشخص متحـرك لــه قــوة وسأــيطــرة ‪،‬‬
‫وأغلب الفكار تتشكل في الباطن في حيوانات يفهم بها المعنى ‪ ،‬والنسان إن كان له غــدر ‪،‬‬
‫يرى في الباطن كأنه أفعى ‪ ،‬وقد ضرب ا مثل بالكافر يكون كالكلب إن تحمل عليه يلهـث ‪،‬‬
‫وإن نتركه يلهث ‪ ،‬والفهم ليكون له معنى مفهوما في معناه فإنه يكون في سأير بإدراك المعنـى‬
‫كسير السلحفاة ‪ ،‬تسير ببطء ‪ ،‬فالحيوانات كلها لها معـان ثابتــة فيــها ‪ ،‬فالسلحفــاة إذ تـدخــل‬
‫أعضاءها في نفسها ‪ ،‬كان المعنــى بأن النســان عليــه أن يدخــل في نفسـه ‪ ،‬بمعنى أن عليه‬
‫خاصأة نفسه ‪ ،‬ول يجب على النسان أن يكون كالفعى أو كالحربـاء يتقلب فـي معانيه ‪ ،‬وقـد‬
‫وصأف ا الذين كفروا بشر الدواب عنده ‪ ،‬فهـم كالحمــر المستنفــرة ‪ ،‬يفرون من الفهم ‪ ،‬ول‬
‫يفقهون شيئا ‪ ،‬وضرب ا المثل بالبل ‪ ،‬وأمرنا أن ننظر إليـها كيـف خلقــت ‪ ،‬وضــرب ا‬
‫مثل بالنعام ‪ ،‬إن الكافرين يأكلون كما تأكل النعام ‪ ،‬والطير أمم أمثالنا ‪ ،‬والوحـوش تحشــر‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬فعلى النسان أن يفكر في كل المعانــي ليجـد أن كل شيء له معنى والســر فــي‬
‫الفهم ‪ ،‬ومن بلغ إلى فهم معاني كل شيء ‪ ،‬فإنه يدرك أن كل شيء يسبح ل ‪ ،‬فيبلغ إلى عبـادة‬
‫ا بالتسبيح ‪ ،‬والملئكة يسبحون ل ويقدسأونه تقديسا ‪ ،‬يسبحون ا بحمــده ويقــدسأــون لـه ‪،‬‬
‫فالمعاني مختلفة في كل معانيها ‪ ،‬وكل ما في السماوات وما في الرض يسبح للــه ‪ ،‬فالنجـــم‬
‫والشجر يسجدان ‪ ،‬ومعنى سأجودهما هو غير السجـود الـذي نعـرف في هيئــة يسجــد فـيـــها‬
‫النسان ل ‪ .‬وإنا ل نفقه سأجود كل شيء إل بالمعنى ‪ ،‬كذلك ل نفهم أمر ا إل بمعنى مفهـوم‬
‫لدينا ‪ ،‬وليس له معنى الفهم ‪،‬كما هو معناه في الصأل ‪ ،‬فكان علم الغيـــب عند اللـــه ‪ ،‬ومـــن‬
‫الملئكة من ل يعرف عن وجود النسان شيئا ‪ ،‬ومنهم من يستغفر لمن فـي الرض ‪ ،‬ومنهـم‬
‫ملئكة رسأل ‪ ،‬وملئكة غلظ شداد ل يرحمون ‪ ،‬وهؤلء هم خزنة النار ‪ ،‬ولكنهم ل يعذبـون‬
‫ول تمسهم النار بسوء ‪ ،‬فالعذاب هو عذاب ا يعذب من يشاء ‪ .‬وقد ضرب ا مثل بإبراهيم‬
‫إذ ألقوه في النار ‪ ،‬فكانت النار بنيرداا وسألما على إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬فالمعاني توصأل إلــى‬
‫‪74‬‬
‫معان أخرى ‪ ،‬كما انطلق الفهم من مـثـل لـها معـان فـي الحيـوانـات ‪ .‬فالـفهـم الثلثي عـرف‬
‫منذ القديم أنه فهم متفرع ومجتمع ظاهر معناه في الطاووس ‪ ،‬إن ا سأبحانـه وتعالى سأــخــر‬
‫لسليمان الوحوش والطير ‪ ،‬ولقد جاءه الهدهد من سأبإ بنبإ يقين ‪ ،‬وعلـم سأليمان عليــه الســلم‬
‫منطق الطير ‪ ،‬وكان المعنى أن كل ما خلق ا سأبحانه وتعالى له فهم وعلم ‪ ،‬وقد علم الهدهـد‬
‫أن الناس في سأبإ كانوا يعبدون الشمس من دون اللــه رب العالمـين ‪ .‬فكل ما خلق ا إل ولـه‬
‫إدراك مفهوم عند النسان أو غيبي ل يمكن معرفته إل بوحي من عند ا ‪ .‬والنسان إذا أفسد‬
‫شيئا كبيرا أو صأغيرا مما تصل إليه يداه فإن المعنى كان عظيما في معناه ‪ ،‬ويحسب النسـان‬
‫ذلك هينا ‪ ،‬وهو عند ا عظيم ‪ ،‬لذا لو فكر النسان في مدى عمره ‪ ،‬يجده قليل مهما عمــر ‪،‬‬
‫ولكن ا يحكم على الكافر بالخلود في جهنم أبدا ‪ ،‬ولو لم يكن ما فعله الكافر عظيما في معنى‬
‫فساده لما حكم عليه بمثل ذلك ‪ ،‬فالشياء كلها تسبح ل ول نفقه تسبيحــها ‪ ،‬وإذا أفسـد النسان‬
‫شيئا ‪ ،‬فإن التسبيح ينفقد بانفقاد النور الكامن في تلك الشياء ‪ ،‬فتـحل الظلــمات محل النــور ‪،‬‬
‫وا هو الصانع ‪ ،‬صأنع كل شيء بإبداع أظهره في كل ما خلقه ‪ ،‬وفي صأنعه يتجلى تسبيح له‬
‫‪ ،‬ولو فكر النسان قليل في ما صأنع بيديه من أشياء خاصأة لمصالحه ‪ ،‬هل هذه المصانع هي‬
‫أيضا تسبح ل أم ل ؟ إن ا سأبحانه وتعالى علم لسليمان عليه السلم منطـق الطيــر ‪ ،‬فــزاده‬
‫ذلك علما وإيمانا وهدى ورحمة من عند ا ‪ ،‬ولو في عصرنا هذا علمنا منطق اللت لفهمنا‬
‫هل سأتزيدنا رحمـة أم تـزيدنـا شقـاء ‪ ،‬أيمكـن أن يعقـل بـأن يكـون ما فـي السماوات ومـا فـي‬
‫الرض يسبح ل باسأتثناء الكافر وما صأنع الكافر ؟ بلى ‪ ،‬إن كـل شــيء يعبـد اللــه طوعـا أو‬
‫كرها ‪ ،‬فالعبادة كرها هي للكافر ‪ ،‬واللة ل طوعا لها ول كرها ‪ ،‬لنها صأنعت بيد النسـان ‪،‬‬
‫ويبقى مشكلها ‪ ،‬هل تسبح ل أم ل ؟ وليسبح ما يصنعه النسان فإن الصنع لبد له أن يكــــون‬
‫بوحي ا ‪ ،‬أو صأنعا موروثا في صأنعه مما أوحى به ا ‪ ،‬ولقد صأنع نوح عليه السلم الفلـك‬
‫بأعين ا ووحيه ‪ ،‬فما كان عليه إل أن يقول باسأـم ا مجراها ومـرسأاها ‪ ،‬لتسـيـر السفينـة ‪،‬‬
‫فالسفينة التي صأنع نوح عليه السلم كان تسبيحها ل ‪ ،‬لذا سأارت باسأـم اللــه ‪ ،‬ولنها صأنعت‬
‫بوحي ا ‪ ،‬وقد ألن ا الحديد لداوود عليه السلم ‪ ،‬وأمر آل داوود أن يعملوا شكرا بمعنى ‪،‬‬
‫معناه أن يكون عملهم مشكورا ‪ ،‬لنه عمل بإذن ا ورث مما علم ا ‪ ،‬فكــل مـا في الرض‬
‫ل يجب أن يصنع منه شيء بجهالة ‪ ،‬وإن كان النسان ظن أنه صأنع شيئا لن يسأل عنه ‪ ،‬فإن‬
‫ا قد أعد للكافرين سألسأل وأغلل ‪ ،‬وسأاءت جهنم مستقـرا ومقامـا ‪ .‬فـاللت هــي وسأائــل‬
‫تطوير قوى الظلمات ‪ ،‬لذا لم يختص بها أحد من النبياء والرسأل ‪ ،‬وبالمكان تغييـر اسأتمـداد‬
‫قواها ‪ ،‬وللبلوغ إلى ذلك ‪ ،‬وجب أن نعرف اللت ‪ ،‬ومعناها في المعاني التـي ل معنـى لها ‪،‬‬
‫أمام الحقيقة التي جعل ا وعلم أصأولها ‪ .‬وإن كان النسان اليوم فـي حـرج مـما هـو عليـه ‪،‬‬
‫واشتدت حاجته لما صأنعه بيديه وتقوت ضرورته ‪ ،‬فإنه ل يعني أن الضرورة تنفي حكم اللـه‬
‫في هذا ‪ ،‬ونفي معنى المعنى في هذا المر يعني أن الكفار كلهم يدخلون الجنة ‪ ،‬لن كفــرهـم‬
‫كان ضرورة ولم يكونوا على بينة مما فعله آباؤهم ‪ ،‬والنسان اليوم يولد ويجد الدنيا كما هي‪،‬‬
‫فيستحسنها فمعناه أنه قد رضي بها ‪ ،‬وإن كان الحال يرضيه فإنه سأيسأل هو كذلـك ‪ ،‬والحكـم‬
‫ل ‪ ،‬وعلينا أن نطلب رضاه ليرضى عنا ‪ ،‬لن رضى ا يعني مغفرته ‪ ،‬والمغفرة من رحمة‬
‫ا ‪ ،‬كذلك وجب أن نفهم معاني الظلمات لنفهم معاني النور ‪ ،‬فالمعنيان لهما معنى ثالث ‪ ،‬إن‬
‫‪75‬‬
‫الذين خلطوا الطيب بالخبيث ‪ ،‬فإن ا يغفر منهم لمن يشاء ويعذب من يشاء ‪ ،‬فالمعنى ثابـت‬
‫‪ .‬معناه في النسان إلى ما شاء ا‬

‫‪76‬‬
‫إن المعنى الثالث هو أول فهم من الفهم الثلثي الواضح في معانيه ‪ ،‬فالظاهر له المعنى الول‬
‫‪ ،‬والباطن له المعنى الثاني ‪ ،‬والعالم المجهول له المعنى الثالث ‪ ،‬وقد ذكـرنا بالمعانـي أن‬
‫كـل مفسد في الظاهر إل وفساده له تسرب إلى الباطن فينطوي فهم معنى الفساد علـى فهـم‬
‫باطنـي مغاير للمعنى الذي فسد في الظاهر ‪ .‬ولنـفهـم الـوضـع فـي المعانـي لبـد أن نـعـرف‬
‫بداية أن الخيال لم يكن له واقع أصألي ‪ ،‬ومستودع قوى الخيال في حجــاب أرضـي ثالــث‬
‫بعيــد عــن الحجب الرضية المتكلم عنها ‪ ،‬وللعقل اتصال بهذا العالم الذي كان خاليا في‬
‫مثلث الخيالـي ‪ ،‬ولما بدأ النسان يهتم بالرموز ومعانيها في الظلمات ضد النور ‪ ،‬أصأبح‬
‫المثلث الخالـي مليــئا بالمعاني التي معناها خيال في الفهم الثلثي ‪،‬وبالتصال الباطني يعرف‬
‫هذا الواقع الــذي بــه يفهم كل متخيل ‪ ،‬ويغيب عن الفهم المدرك لمعرفة حقيقته ‪ .‬فالنسان إذا‬
‫رسأم شجرة في ورقة وتمكن من قوة تركيزية ‪ ،‬فإن الشجرة في العالم الخيالي تصبح لها‬
‫صأورة مطابقة للحركة في الظاهر ‪ ،‬ومناسأبة للرسأم المطبق بقوة في الورقة ‪ ،‬وإذا رسأم‬
‫النسـان وحشــا ‪ ،‬فإن الوحــش تصبح له حركة في العالم الصوري الخيالي ‪ ،‬فما يتخيله‬
‫الناس اليوم ويرسأمونه ما هـو إل مـا رسأمه الولون دون أن يتخيلوه ‪ ،‬لن رسأمهم كـان‬
‫تحريفـا لواقـع معلـوم أو مجهـول متحـدث عنه ‪ ،‬فالرسأوم التشكيلية المعروفة في عصرنا هذا‬
‫‪ ،‬كان لها واقع جهلي ظهر معنــاه رسأمــا لقوى من ظلمات تتشكل في الباطن الخيالي على‬
‫حسب تصرف النسان ‪ ،‬وقد ذكرنا أن كــل مفسد يصبح له معنى آخر في الباطن يظهر‬
‫معنى الفساد الكامن في نفس الشخص ‪ ،‬ولهذا لـم تكـن للنسـان مكانـة فـي الختـراع ‪ ،‬ول‬
‫البـداع ‪ ،‬ودينا ل يعترف بـما يستخـرج مـن عالـم الظلمات المنطوي على معان مغايرة في‬
‫الدين ‪ ،‬ولهـذا ل يعتـرف بـأي فيلســوف كـان ‪ ،‬لن فلسفته هي معطاة من عند ا ‪ ،‬تملى‬
‫على النسان بواسأطة الملكين هاروت وماروت ‪ ،‬فاللــه سأبحانه وتعالى هو الذي جعل‬
‫الفكار الطيبة والخبيثة ‪ ،‬وأودعها في العوالم التي تتصــل بـها بقوى العقل ‪ ،‬والنسان يأخذ‬
‫على حسب سأعيه إما ليشكر أو ليكفر ‪ ،‬وهنا يظهر واقع الختيار إذ بإمكان النسان أن يختار‬
‫إمـا الكفـر وإمـا اليمـان واللــه سأبحانـه وتعالـى هـو الـذي أودع أسأراره في الكون ‪ ،‬وكل‬
‫من يستخرج أصأول مصانع ‪ ،‬فإنه دينا ل يعترف بـه كصانـع ‪ ،‬لن ا هو الصانع ‪ ،‬وأودع‬
‫ما يصنع بالظلمات فـي أرض الظلمات ‪ ،‬وسأـر كـل صأنـع فـي كـفـر يكون بعد اتصال‬
‫بالملكين هاروت وماروت ‪ ،‬وما بلغ إليه النسان اليوم في صأنع اللت مــا هو إل سأحر‬
‫أسأاسأه ظلمات بظلمات ‪ ،‬ولو كان في ذلك حق لمر به المرسألون ‪ ،‬والموضـوع في المعنى‬
‫الثالث أول أصأوله هو فهم معنى الرسأوم الخيالية الكامنة في الحجاب الخيالي طبقا لصورة‬
‫كان لها معنى فساد ظاهري ‪ ،‬فالنسان في الظاهر قد يرسأم خطاا فـيـأخـذ فـي الباطـن‬
‫‪78‬‬

‫معنى يصبح فيه كحاجز يضـر من يتصـل بالعالـم الخيالـي ‪ ،‬والمتصـل بالعالـم الخيالـي فإنـه‬
‫يتخيل الشباح ويراها في أحلمه ‪ ،‬ول يتمكن من الخروج إلى العالم الباطني الحقيقي ‪ ،‬ومنذ‬
‫القديم والناس يرسأمون ما ل يعلمون سأره ‪ ،‬ول معنـاه حتـى ملـيء العالـم الخيـالــي بأشـبــاح‬
‫دخانية متحركة ‪ ،‬كما ملئت الرض بالناس ‪ ،‬ومن جملـة مـا رسأمــه القدمـاء نظهـر الـرسأـوم‬
‫التالية ‪ ،‬والكامن فيها معنى لقوى الظلمات ‪ ،‬والمعبر بها عن فساد كـان لـه معنــى ظاهـري ‪،‬‬
‫‪ .‬فأصأبح له معنى آخر باطني يضر بالنسان‬
‫صأورة باطنية لشخص سأمي بعاد ‪ ،‬جمع ظاهريا من قوى الظلمات ما جعله يأخذ هذا الشكـل‬
‫الذي أصأبح معناه ضمن معاني الخيال ‪ ،‬فأعمال النسان لها أشكال في الباطن ‪ ،‬والمعنـى لــه‬
‫اتصال بالمعاني الصورية في الحلم ‪ ،‬لذا كانت الحلم تستلزم تأويل لحاديثــها الصوريـة‬
‫‪ .‬والتي يخاطب بها النسان ليتبع عمل طيبا أو ليتجنب عمل فيه سأوء‬

‫‪79‬‬
‫صأورة ثانية باطنية وهي لثمود تظهر قوى جمع الذي جمع قوى من ظلمات أيضــا ‪ ،‬سأيطــر‬
‫بها في فترة حياته ‪ ،‬وبعد موته تصبح هذه القوة حاجزا في الباطن يصعــب اقتحامــه ‪ ،‬وقـــد‬
‫يستمد من هذه القوة كل من يعتمد على أصأول التغيير ويهتم بالسحـر ‪ ،‬وكــل هــذه الشكـــال‬
‫‪ .‬تكون لها قوة وفعالية تضر بالنسان ويصعب تحطيمها‬
‫‪80‬‬
‫هذه الصورة الثالثة مظهر باطني لفرعون ذي الوتاد ‪ ،‬ولمعنى القوة الظلمانية التي اكتسبهــا‬
‫عقليا وجسميا ‪ ،‬وبهذا يتضح لنا أن كل عمل يعمله النسان إل وله صأورة تأخذ شكل مثاليــــا‬
‫يمثل قوة إما في النور أو في الظلمات ‪ ،‬ولهذه الشكال تفاسأير أخـرى رمــوزها لــها معـــان‬
‫أخرى ثانية في أصألها المظهر لحقيقة الناس في الباطن ‪ ،‬فالشكال قد تكون هزلية لشـخاصا‬
‫طوروا قوى الخيال واعتمدوا على ما ل معنى فيه ‪ ،‬ومن المهم جدا أن يعرف النسان مبلـــغ‬
‫المعاني بأقواله ‪ ،‬لن الكلم يصبح له كذلك رسأم تشكيلي في أشكال مختلفة مثل هذه وأكـثـــر‬
‫‪81‬‬

‫تعقيدا ‪ ،‬والذين لهم اتصال باطني ديني ‪ ،‬فإن بإمكانهم أن يستخرجوا ألوفا من هذه الشكــال‬
‫بهدف معناه تحطيم لقواه ‪ ،‬لن كل شكل من هذه الشكال يستخرج بوسأائل من نور يجعلـهـــا‬
‫تضمحل ‪ ،‬وكثير ممن لهم اتصال بالباطن يستخرجون هذه الشكال فيحرقونها حتى ل تبقــى‬
‫لها فعالية في الباطن ‪ ،‬وإن عرضناها هنا فلن لها معاني ثلثية فـي الفهــم ‪ ،‬تعنــي أسأــبـاب‬
‫وقوع النسان حاليا ‪ ،‬باتصال دائم بقوى الخيال ‪ ،‬مما يجعله ل يبلغ إلى معرفة علم حقيقــي ‪،‬‬
‫وهناك أشكال هندسأية أخرى ترمز إلى أشياء مختلفة اعتمد عليها القدماء في السحر لتغيــيــر‬
‫‪ :‬قوى النور وسأد الفجاج الباطنية ‪ ،‬فالخطوط تصبح لها معان أخرى باطنيا‬

‫‪ .‬وإن هذه الخطوط البسيطة تصبح في الباطن درجا إذا رسأمت بقوة تركيزية‬

‫وهذا الشكل الهندسأي سأد به قديما فج باطني من نور ‪ ،‬وهكـذا عرفـت الطلسأـم ‪ ،‬وكـأن بهـذا‬
‫تبنى في الباطن مدن بقوى من ظلمات تسكنها الشكال السابق بيانــها ‪ ،‬والذيــن ل يملــكــون‬
‫‪82‬‬

‫قوة باطنية أسأاسأها ظلمات ل تخضع لهم هذه الشكال في قواها ‪ ،‬وتصبح مجـرد شكــل فــي‬
‫العالم الخيالي متركز بقوى شبه دخانية ‪ ،‬وقد أدرك القدمــاء هــذه الفعاليــة ‪ ،‬وطــوروا هــذه‬
‫المعرفة ‪ ،‬وأسأسوا مباني ظاهرية لتحل أماكن باطنية كأبواب الشـمـس المعــروفــة فــي كــل‬
‫الحضارات القديمة ‪ ،‬والتماثيل ‪ ،‬والصأنام التي خصصت لها عبادة للتطور فعاليتها ‪ ،‬وهـــذه‬
‫الرسأوم قد تصبح ضخمة في قواها متى اعتمـد عليـها النسـان ‪ ،‬واهتـم بها اهتـماما شـديـدا ‪،‬‬
‫والمثل في هذا ينطبق كذلك في معناه على اللواح المرسأومة فيها مناظر طبيعية أو أشخـاصا‬
‫في زينة أو عري ‪ ،‬فالنسان قد جلب عليه من الشر ما يصعب الخروج منه وما دام النســان‬
‫يستصغر أعماله وأفكاره ‪ ،‬فل يلزمه أن يستغرب يوم القيامة إذا وجد معانيها ضخمة ‪ ،‬ولــها‬
‫معاني أخرى ثابتة في الكفر ‪ ،‬والنسان لم يخلق في الرض ليعبث أو ليلهو ‪ ،‬بـل خلــق مــن‬
‫أجل عبادة ا ‪ ،‬أما الرموز التي اسأتخرجها النسان دون علم ديني ‪ ،‬فإن لها أصأــل سأحــريا‬
‫خاضعا لقانون الظلمات ‪ ،‬وعلى المسلم أن يتجنب ما ليس له به علــم ‪ ،‬وعليــه أن يحطــم ما‬
‫ليس فيه فائدة ‪ ،‬فالمعنى الباطني هو المعنى الثانــي ‪ ،‬أما المعنى الثالث فمعناه أن كــل شــيء‬
‫ظاهري ‪ ،‬فإن له واقعا ظاهريا آخر وحقيقيا ‪ ،‬والمفسد في الرض يكون معنى فساده له أبعاد‬
‫كبيرة ‪ ،‬إن جبل طور سأيناء الذي نعـرفـه فـي الرض يــوجد لــه أصأــل في القطع الرضيـة‬
‫المتجاورة ‪ ،‬ويبعــد عــن الرض التــي نعيــش علــى سأـطـحها بخمسة آلف قطعة أرضـيـة‬
‫متجاورة ‪ ،‬وكما سأبق أن ذكرنا ‪ ،‬فإن كل قطعة تكبر الخرى بمائة مــرة وعلــى الباحــث أن‬
‫‪ :‬يجعل حسابا في ذلك ليعرف أن جبل الطور هو أعظم جبل في الرض كلها‬

‫‪83‬‬

‫إن قرب جبل الطور يوجد الواد المقدس طوى ‪ ،‬لهذا ل يمكن أن يقبل الفسـاد فــي الرض ‪،‬‬
‫لن لها صأورة من الجنة في واقعــها ‪ ،‬والــواد المقدس طــوى ‪ ،‬هو أكبـر واد الرض ‪،‬‬
‫وقـد أظهر ا لبني إسأرائيل حقيقة جبل الطور إذ رأوه مرفوعا فوقهم بعلوه الشاهــق ‪ ،‬ولــم‬
‫يكــن معنى الرفع المذكور في القرآن كما ظن كثير ‪ ،‬رفع ا الجبـل فــوق بنــي إسأرائيل‬
‫بإظــهار حقيقة كانت غائبة عن الناس ‪ ،‬وأغلب الوديان والجبال في هذه الرض أعطـيت لها‬
‫أهميــة ‪ ،‬لن الدين منذ القديم كان يظهر للناس أن واقع الرض وراءه واقع آخـر حقـيـقـي ‪،‬‬
‫وقـيـل إن النيل ونهر العنج بالهند منبعهما من الجنــة ‪ ،‬بينــما الحقيقـة أنهما صأورة لوديان‬
‫في الجنــة ‪ ،‬والنسان إن أفسد في هذه الرض ‪ ،‬فكأنما يفسد في الجنة ‪ ،‬مثال معناه أن‬
‫الكافر لو كان فــي الجنة لفسد فيها ‪ ،‬لهذا لم يخلق النسان في الجنة ‪ ،‬ول يدخلها حتى يظهر‬
‫حقيقته في اليمـان بال أو في الكفر ‪ ،‬والكعبة لها أصأل في الرض المباركة ‪ ،‬وفي سأدرة‬
‫المنتهى ‪ ،‬كما أن ملـك سأليمان عليه السلم موقعه في أرض تبعد عن أرضنا بثلثة آلف‬
‫قطعــة أرضيــة متجــاورة كذلك ‪ ،‬ويسع مساحة يمكن أن يجتمع فيها النس والجن جميعا ‪،‬‬
‫فـأرض اللــه واسأعة وملـكـه عظيم ‪ ،‬وإن الرض التي نسكنها ما هي إل كنقطة صأغيرة أمام‬
‫أرض اللــه الواسأعــة ‪ .‬وأول شرط في الدين هو اليمان بالغيب ‪ ،‬والذين سأعوا إلى معرفة‬
‫موقع الرض ومواقع النجــوم ‪ ،‬ما هم إل في ضلل مبين ‪ ،‬يظهره ا في يوم كان عظيما ‪،‬‬
‫وـلو اتبعنــا الذيــن ل يعلمــون ‪ ،‬لنفقد المعنى في الدين أن ا يعلم غيب السماوات‬
‫والرض وعلى النسان أن يهتــم بما هــو مهم ‪ .‬وإن النبياء عندما ذكروا الحقيقة للناس‬
‫اعتبروا مجانين ‪ ،‬ولكـن ا أحكــم الحاكميــن ‪ ،‬هو صأاحب السلطان المبين ‪ ،‬وترجع له‬
‫الحجة على الناس أجمعين ‪ ،‬وإن أئمة الدين لصادقون إذ ل يؤمنون بقول الكاذبين ‪ ،‬والناس‬
‫إن كانوا في حيرة ‪ ،‬فلنهم ل يعلمون ‪ ،‬تبنوا معرفة لــم تكن علما ‪ ،‬واتخذوا الجاهلين أولياء‬
‫كأنهم تتنزل عليهم الملئكة أو يـوحى إليهــم ‪ ،‬بلــى إنــه لتتنزل عليهم الشياطين ‪ ،‬ويملي لهم‬
‫الشيطان سأوء أعمالهم ليلهيهم بمثل ما ألهى بــه الوليــن ممن كذبوا بآيات ا ولم يكونوا من‬
‫المحسنين ‪ ،‬ولقد جاءنا مـن أنبــاء الوليــن ‪ ،‬وفــي يــوم القيامة فإن الولين سأيعرفون نبأ‬
‫الخرين ‪ ،‬الذين ظنوا أن لهـم سألطانا مبيــنا ‪ ،‬وأن اللــه لــن يوقفهم إذا أكثروا في الرض‬
‫فسادا ‪ ،‬أو بحثوا فــي أقطــار السمــاوات والرض ‪ ،‬فـمـا ظـن الناس بال رب العالمين ‪،‬‬
‫‪ .‬ربما يظل الناس في فتنتهم هذه إلى يوم الدين‬

‫‪84‬‬
‫إن المعنى الثاني كان معناه أن بالمعنى الول يفهم المعنى الثاني ‪ ،‬فهو معـان تفهـم بـها معـان‬
‫أخرى ‪ ،‬ومثال المعنى معناه أنه لو لم تكن الحرارة لما أدرك النسان معنى البرودة ‪ ،‬ولو لــم‬
‫يكن النور لما فهم النسان معنى الظلمات ‪ ،‬والغائص في الظلمات ل يدرك معنى النور لنـه‬
‫في ظلمات ‪ ،‬كما أن السابح في الخيال ل يدرك معنى الخيال لنه فيه ‪ ،‬فالشياء لها ترابط في‬
‫ما بينها ‪ ،‬والمعنى الثاني له معنى في المعاني أن الفوق تحت والتحت فوق إن لم يكـن هنــاك‬
‫أصأل مظهر للمعنى الثابت للفوق والتحت ‪ ،‬وكم من أناس أعطيت لهم قيمة ‪ ، ،‬وفي الدين لـم‬
‫تعط لهم قيمة ‪ ،‬فالمتدين يراهم جاهلين وفي أسأفل المعنى ‪ ،‬وبينما هم كذلك يرون المتديــن ل‬
‫تعني ظواهفره شيئا ‪،‬والمعاني الثنائية إذا اختلطت يصبح الحق يرى باطل والباطل يرى حــقا‬
‫‪ ،‬وهذا مشكل وقعت فيه الشعوب كلها فـي وقــت يكــون فيــه السحر يرى دينا قويما ‪ ،‬ويرى‬
‫الدين الحقيقي سأحرا ‪ ،‬تلك فترة يفقد فيها الديــن معنــاه الصألي ‪ ،‬فالحياة هي المعنى الول ‪،‬‬
‫والموت هو المعنى الثاني ‪ ،‬وإن النسان إن ظن أنه قد عاش حياته وعرفــها فهو‬
‫مخطــىء ‪ ،‬لنه قد يعيش لشيء آخر ل لنفسه ‪ ،‬هذا إن لم يكن هناك إيمان بال ‪ ،‬والمــوت‬
‫يأتـي النسـان في فترة فيها غفلة فتنزع الروح وهي شاملة للعقــل والحياــة ‪ ،‬وتبقــى قــوى‬
‫العقــل الشاملـة للحواس ‪ ،‬فالروح تودع في مكـان خـاصا لها ‪ ،‬وقــوى العقل تبقى في العالـم‬
‫الباطني يستـمـد منها ‪ ،‬وقد عرفت منذ القديم وسأاـئل التحـنيـط التـي اعتقـد مستعملـوها أن‬
‫الـروح بإمكانها أن ترجع إلى الجسد مرة أخرى للخلد ‪ ،‬وكانت بداية هذه الوسأائل التحنيطية‬
‫لمـا اكتـشـف مطبقـوا القوى السحرية أن النسان بعد موته يبقى منه شيء في الرض ‪،‬‬
‫وظنوا أن ذلك الشـيء هـو الروح ‪ ،‬وفي الحقيقة أن ما يبقى من النسان بعد موته في‬
‫الرض ما هو إل قوى من ظلمات جمعت بالعقل والجسد ‪ ،‬وأخذت صأورة في الباطن ‪ ،‬أما‬
‫الروح فـل تبقـى أبـدا ‪ .‬وقـوى عقـل المؤمن ل تبقى كذلك ‪ ،‬إنما الكافر فقط الذي تبقى قواه‬
‫العقليـة ‪ ،‬لها تجـوال باطنـي ‪ ،‬والـذيـن يستحضرون الرواح كما يظنون ‪ ،‬فإنهـم ل‬
‫يستحضـرون أرواح الموتـى ‪ ،‬بل يستحضـرون قوى عقول الموتى التي هي صأورة من قوى‬
‫الظلمات ‪ ،‬والتي تشـكلت فـي صأـورة الشخـص مستعملها ‪ ،‬والدين في كل عصر يعطي‬
‫الوسأيلـة اللزمـة فـي تحنيـط الموتـى حتـى ل تكـون هناك قوى عقول يكون لها تجوال‬
‫باطني أو ظهور ظاهري ‪ ،‬يمكن مستعملي قوى الظلـمـات من التصال بها واسأتعمال‬
‫قواها ‪ ،‬فالكفن يكون من ثوب أبيض مربـع يوضـع فيـه الـمـيـت ‪ ،‬ويحنط فيه ‪ ،‬دون أن‬
‫يخاط ‪ ،‬والميت يطهر بالماء تبعا لترتيب الغسل ‪ ،‬وتختم أعضاؤه بصفة‬

‫‪86‬‬

‫دينية لم يعد هناك من يعرف اسأتعمالها الن ‪ ،‬ورجل الميت في قبره تكونان في اتجاه القبلة ‪،‬‬
‫‪ .‬وبعد ردم القبر بالتراب يوضع مربع حوله‬

‫الجهة الشرقية‬
‫رجل الميت‬
‫القبر‬

‫رأس الميت‬
‫المربع‬

‫بهذه الطريقة الدينية ل يمكن أبدا أن تستعمل قوى عقول الموتى ممن بقيت قواهـم في تجـوال‬
‫باطني ‪ ،‬ودون الطريقة الدينية ‪ ،‬فإنــه ل يمكــن سأـجـن قوى عـقـل الـمـيـت ‪ ،‬وهــذه الطريقة‬
‫الصحيحة انفقدت وأصأبح الباطن مليئا بقوى العقول التي تمكن مستعملـي قـوى الظلمـات مـن‬
‫تطوير قواهم ‪ ،‬ودور الكفن بالثوب البيض له اسأتمداد من قوى الدائرة البيضاء ‪ ،‬والمــربــع‬
‫المحاط بالقبر له اسأتمداد من النور الصأفر ‪ ،‬وهكذا يكسى الميت بنـور مانـع لقـوى الظلمـات‬
‫واتصالتها ‪ ،‬ولو كانت هذه الطريقة متبعة لما تمكن أحد مـن اسأتحضــار قــوى الموتــى ول‬
‫اسأتنطاقهم ‪ .‬إن الشر قد انتشر بكل أنواعه في عصرنا هذا ‪ ،‬ولم نذكر ما يخص بالدفن إل مـا‬
‫تغير معناه ‪ ،‬والناس قد أصأبحت لهم عادات تجاه موتاهم ‪ ،‬لم تعرف في الدين من قبـل ‪ ،‬ولـم‬
‫يكن لها أصأل ‪ ،‬ككتابة آيات من القرآن على جسد الميت ‪ ،‬إلى ما هنالك من بدع ل تجـلـب إل‬
‫الشر ‪ ،‬وقد اسأتصغر الناس من قـبـل جعـل المـربع حـول القبـر ‪ ،‬وهـو أسأـاس في هذا ‪ ،‬لنـه‬
‫يجلب قوى نور من الكعبة ‪ ،‬وهناك أشياء أخرى قد أفرط فيها الناس ‪ ،‬ول يمكن ذكرها كلها‬
‫‪ ،‬لن موضوع المعنى الثاني ل يختص إل بمعاني العقل فـقــط ‪ ،‬إن قــوى العقــل بعد مــوت‬
‫النسان يمكنها أن تتطور وتكبر إذا ما اهتم النسان بالميت ‪ ،‬وقرب له ذبائح ‪ ،‬وكثرت حوله‬
‫التجمعات البشرية ‪ ،‬كما هو الشأن اليوم ‪ ،‬ولم يكن لهذا المر أصأل في الدين ‪ ،‬وعلى النــاس‬
‫أن يذكروا موتاهم بخير ويتركوهم ‪ ،‬ول يمكن اتخاذ ميت كوسأيلة للتوسأل والتقرب إلى‬
‫اللـه ‪ ،‬أو ذكر اسأمه عند الشدة ‪ ،‬وابتغـاء قضاء الحاجات ‪ ،‬والـذيـن يقـولـون إن الذيـن‬
‫عـرفـت لـهـم كرامات هم أولياء ا فإنهم مخطئون ‪ ،‬لن المؤمنين أجمعين هم أولياء ا ول‬
‫خوف عليهــم ول هم يحزنون ‪ ،‬ولـيكـون النـسـان مـؤمـنا فـإنـه ل حـاجـة لكـرامـات‬
‫كوسأيلة إثبات لوجود اليمان ‪ ،‬وقد اختلف الناس في الدين لدخول المعنى الثانـي الــذي‬
‫تغيـرت بــه أصأـول الــدين‬
‫‪87‬‬

‫والشامل لكل معرفة جهلية ‪ ،‬فالصأنام لها دور فعال ‪ ،‬وكل تمثال موضوع فهو صأنم يكتسـب‬
‫قوة وفعالية ضد النسان ‪ ،‬والدمى المنتشرة لها نفس الــدور بالنسبــة لتطوير قوى الظلمات ‪،‬‬
‫وإن هذه الحقيقة ل يمكن تغييـرها أبـدا إل بإبادة ما يحيــط بـنا مــن وسأائل شنيعة في معنـاهـا‬
‫وجالبة للشر بوجودها ‪ ،‬فلن يعيش النسان حياة ظاهرة مادامت هناك أشياء ل نفع فيها إل أن‬
‫تكون مضرة ‪ ،‬واللواح المرسأومة بإظهار وجوه بشرية مـا كانـت لتـكـون خيالـيـة ‪ ،‬بـل كـل‬
‫صأورة موضوعة يظنها صأاحبها من وحي خياله لم تكـن إل صأــورة لـشـخـص قـد وجـد فـي‬
‫الحياة أو موجود ‪ ،‬فالنسان ل يكتسب وحيا خياليا يخلق به نماذج لصور بشـريـة ‪ ،‬لن اللــه‬
‫سأبحانه وتعالى أكمل الخلق في الحتمالت كلها سأواء في النور أو فـي الظلمـات ‪ ،‬والنسـان‬
‫يبقى له دور العبث ليحق عليه القول أنه كان من العابثين ‪ ،‬وكل المـزايا التـي يـراها النسـان‬
‫مزايا ‪ ،‬ل تعتبر كذلك ‪ ،‬لن ا جعلها وأودعـها ‪ ،‬وينالـها النسـان بعد البحث فيـها أو إظهار‬
‫رغبة لنيلها ‪ ،‬كذلك ا سأبحانه وتعالـى يـمــد الناس إمـا بالخيـر أو بالشـر علـى حسـب سأعـي‬
‫النسان في الحياة الدنيا ‪ ،‬وإن الحياة لحافلة بالسأرار ‪ ،‬ما كان النسان ليحيـط بها أو لـيـعـلـم‬
‫أمر ا ‪ ،‬وا كل يوم هو في شأن ‪ ،‬ولو بحثنا في المعاني كلها لنفقد الفهـم ‪ ،‬ولصأـبـحـنا ل‬
‫ندري أشرا أريد بمن في الرض أم أراد بهم ربهم رشدا ‪ ،‬وإن ا أنزل الهدى ودين الحـق ‪،‬‬
‫وحتى لو تفرقت السبل ‪ ،‬فإن سأبيل ا واحد ‪ ،‬ومن يجاهد في ا ليهـديـه اللـه سأبلـه ‪ ،‬وعلـى‬
‫النسان أن يبحث في الواقع الذي يعيشه الن لينجو بنفسه ويخلـص من الشـر ‪ ،‬أمـا إن تركـنا‬
‫الشياء كما هي فإن المشاكل تزداد حدة كـل يـوم ‪ ،‬ويصعـب الحـل ‪ ،‬فالمعنـى الثانـي أسأـاس‬
‫فهمه يتعلق بقوى العقل ‪ .‬وكما ذكرنا فإن المؤمن بعد موته ل يبقى منه شيء فــي‬
‫البــاطــن ‪ ،‬لهذا فإن قبور المؤمنين ل يجوز التجمع حولها ‪ ،‬لن أهلها ليسوا فيها ‪،‬‬
‫وبالتجمــع الــبشــري تحل في القبر قوة من ظلمات لشخص اختص بها لتتطور قواه الباطنية‬
‫‪ ،‬والمؤمن بعـد مـوتـه يلتحق بجسمه الصألي في الرض المباركة التي هي شبه الجنة ل‬
‫تصل إليها قوى الظـلـمات ‪ ،‬يمتع فيها المؤمن إلى ما شاء ا ‪ ،‬وإن فيها من كل شيء بهيج ‪،‬‬
‫وللمـؤمـنـيـن فيـهـا أجسـام مكسوة بنور ظاهري ‪ ،‬والبنيان فيها له أشكال مختلفة طبقا‬
‫لهندسأـة معماريـة كأن أصألـها مـن دين ‪ ،‬جالبة للنور ‪ ،‬أبواب بيوتها قبلة ‪ ،‬ول وجود لطبقات‬
‫فوقها ‪ ،‬البواب مـربعـة والبـيـوت مكعبة ‪ ،‬والجدران حجرية لم تكسر حجارتها ‪ ،‬وكل ما‬
‫فيها يخضع لثمانية أشكـال هندسأـيـة ‪ ،‬وقد سأبق بيانها ‪ ،‬وهذه الشكال لها فعاليـة قصـوى ‪،‬‬
‫وبالتصـال الباطـنـي يـمـكـن اسأتخـراج نماذج بنيانه مشابهة لها ‪ ،‬والمعنى يبقى أصأله في‬
‫القرآن ‪ ،‬وإن الذين ماتوا في سأبيل اللــه هم أحياء عند ربهم يرزقون ‪ ،‬والذين يكذبون بما في‬
‫القرآن ‪ ،‬فإنهـم ل يؤمـنـون ‪ ،‬سأـواء عليـهـم أفهموا أم لم يفهموا فل حاجة لهم بالفهم ‪ ،‬إن لم‬
‫يكن هناك هدى ‪ ،‬وفي الرض المباركة توجد ثماني قطع أرضية ‪ ،‬كل قطعة تسكنها أمة‬
‫مسلمة ‪ ،‬ول يمـكـن الدخـول إلـى هـذه الرض إل بالموت ‪ ،‬لهذا ل تبقى عقول المؤمنين في‬
‫الرض ‪ ،‬والذيـن يعيشـون فـي الرض المبـاركــة يعرفون كل ما يجري في أرضنا هذه ‪،‬‬
‫ويستطلعون أخبارها ‪ ،‬إن كل ما في الرض المباركة يعجز النسـان عـن وصأفـه ‪ ،‬فيـها‬
‫حضـارة أصألـها نـور ل ظلمـات فيـها ‪ ،‬ول تغـيـيـر ‪ ،‬ول أمراض ‪ ،‬ول شكوى ‪ ،‬مكن ا‬
‫‪ .‬فيها للناس الدين الذي ارتضى لهم ‪ ،‬وهكذا يتم اللـــه كلمـاتـه ونوره للمؤمنين‬
‫فهم المعنى الول فهم فردي وهو خلصأة المعاني ‪ ،‬ومفتاح الفهم الثلثي ‪ ،‬تفكيرا في نقصان‬
‫المعنى الثاني ‪ ،‬بمعنى إذا لم يكن في الرض ليل ‪ .‬فكيف يكون الفهم ‪ .‬وإذا فقد النهار فكـيـف‬
‫يكون المر ‪ ،‬ثم انفقد المعنى الظاهر في الرجل ‪ ،‬أو في المرأة ‪ ،‬فمـاذا يكـون مصيـرها أمـام‬
‫المعاني ‪ ،‬ولقد فكر القدماء في هذا ‪ ،‬ونجد المتصوفــة ل يتــزوجــون ول ينامـون إل فــتــرة‬
‫يعتبرونها موتا ‪ ،‬واليقظة حياة أخرى ‪ ،‬في يوم دون وجود ليل بالنسبة للعقل ‪ .‬فهذه التطبيقات‬
‫حاول بها مستعملوها أن يفهموا معنى الفردانية الخاصأة بال سأعيا وراء اتصال دائم بالخالق ‪،‬‬
‫ولم يكن هذا إل انحرافا عن الدين ‪ ،‬واليوغيون يطبقون نفس الشكل ‪ ،‬وبهذه الطــريقة يــنــال‬
‫النسان كرامات يعتمدون عليها اعتمادا كليا ‪ ،‬وخلفا للناس قديما في التطبيقات العقلية التــي‬
‫أسأاس اعتمادها فهم ثلثي ‪ ،‬فإن الناس بالفهم الفردي لسر المعنى الول ‪ ،‬لم ينالـوا مـن القـوة‬
‫ما ناله القدماء أصأحاب الفهم الثلثي ‪ ،‬فالفهم بالمعاني الثلثي أقوى فعالية بالنسبة لجلب قوى‬
‫الظلمات ‪ ،‬إذ كان القدماء يعتبرون أنفسهم بشـرا رجـال باعتـقـاد معنـاه أن فيهـم قـوى المـرأة‬
‫وفيهم ما بينهما بظاهر غيبي معتقد فيه ‪ ،‬معناه أنهم ملئكة ‪ ،‬وأنهم بالثلث معـان هـم آلـهـة ‪،‬‬
‫أما الفهم الفردي فيعتقد فيه أن النسان راجع إلى أصأل لم تكن المرأة فيه موجودة ‪ ،‬كما خلـق‬
‫آدم عليه السلم أول مرة قبل أن يبث ا من آدم زوجه ‪ ،‬وهذا أيضا لم يكن له أصأل في الفهم‬
‫الموزون بالمعاني لن آدم عليه السلم بشر أيضا ‪ ،‬ولم يكن ملكا ‪ ،‬ولم يخلـق مــن نـور ‪ ،‬بل‬
‫خلقه ا من تراب ‪ ،‬فقال له كن فيكـون ‪ ،‬وإن أصأـحـاب الفهــم المثنــى اعتقــدوا أن الــرجل‬
‫والمرأة إلهان ‪ ،‬وهذا أيضا ما هــو إل فهــم رجعت العبادة فيـه للشمس والقمر ‪ ،‬وكل الشياء‬
‫الثنائية في الكون ‪ ،‬أما الذين تمكنوا من جلب قوى الظلمات بالفهم الرباعي ‪ ،‬فإنهــم اعتقــدوا‬
‫أن الرجل في جسمه قوى المرأة ‪ ،‬وأن المرأة في جسمها قوى الرجل ‪ ،‬والثنان معا يجعـلن‬
‫قوة رباعية يمكن بها إدماج القوى في بعضها البعـض ‪ ،‬وبهذا الفهم اعتقــد قــوم لــوط عليــه‬
‫السلم أن الذكورة أنوثة ‪ ،‬وأن القوة كلها لها أصأل من أنثى ‪ ،‬كما اعتقدوا أن الملئكـة إناث ‪،‬‬
‫وبهذا الفهم الخاطيء اتخذوا الرجال شهوة من دون النساء ‪ ،‬سأعـيا وراء تطبيق ظنــوه جالــبا‬
‫للقوى السأاسأية للخلود الغيبي ‪ ،‬والذين فكروا في الفهم الخماسأي هم أولئك الذيـن اعتــمــدوا‬
‫على تحنيط موتاهم ‪ ،‬أمل في الرجوع إلـى الجسـام ‪ ،‬ليتمكنـوا مـن الخلـود ‪ ،‬وكان فـهـمـهـم‬
‫خماسأي الشكل ‪ ،‬معناه أن الرجل أسأاسأه وشكله شكل كوني تطور في خمس مراحل راجـعــة‬
‫إلى أصأل إلهي ‪ ،‬أما الذيــن اعتبــروا الفهـوم فهــما فـي معـان سأداسأية ‪ ،‬فإنهم قالوا إن الناس‬
‫جمعاء جزء إلهي ‪ ،‬فجعلوا من عباد ا جزءا ‪ ،‬ثم إن أصأحاب الفهم السباعي ‪ ،‬قالوا إن اللــه‬
‫يحل في أجسامهم ‪ ،‬وإن النبياء والرسأل عليهم السلم لهم أجسام باطنية تحل في أجسامهــم ‪،‬‬
‫والفهم المثمن خاصا بالمؤمنين يفهمون به واقع المعانـــي والفهوم كـلـها ‪ ،‬بتصديــق وإيمــان‬
‫بالغيب ‪ ،‬معناه أن النسان خلق لجـل عـبادة اللــه ‪ ،‬وأن اللــه ل إله إل هــو ‪ .‬فهذا فهم ديني‬
‫‪90‬‬

‫خالص بعيد من كل فهم أصأله ظلماني ‪ .‬والفهم بثلث مثلثات في المعنى التاسأع ‪ ،‬اختص بــه‬
‫الذين اعتقدوا أنهم خلقوا النجوم والكواكب ‪ ،‬وأنهــم آلهـة يخلقون ما يشاؤون ‪ ،‬والفهم العاشر‬
‫‪ .‬فهو خال من المعاني التطبيقية ‪ ،‬وهو فهم عصرنا هذا يعتمد عليه من ل يؤمن بال‬

‫عرفت كل المم نوعا معينا من التغييرات الدينية بتطبيقات ‪ ،‬أسأاس معانيها سأحريـة ‪ ،‬بأصأـل‬
‫من ظلمات لم تكن لو لم يغير النسان المعاني الدينية ‪ ،‬والظلمات لها تسـع قـوات قـد طـبـقـت‬
‫وانتهت مراحلها ‪ ،‬والقوة العاشرة شاملة لكل فساد ‪ ،‬بجـمـع ما عـرف مـنـذ القـديـم ‪ ،‬وهـذا ما‬
‫يغوصا في الناس اليوم ‪ ،‬ول توجد مرحلة أخرى فوق هذا إل أن يأتي عذاب اللــه ليضمـحـل‬
‫أصأل كل فساد في الرض ‪ ،‬والمعنى الول طبقا للفهم ل يكون فهما مفهوما معنـاه فــي وزن‬
‫المعاني التي كل معانيها تنفي الفهم الفردي ‪ ،‬فال أحد صأمد ‪ ،‬لم يلد ولم يولد ‪ ،‬والمعنى معناه‬
‫أن الفهم في هذا هو غير ما يظنه النسان على حسب ما يعرفه ‪ ،‬والملئكة ل يقال لهم إن ا‬
‫لم يلد ولم يولد ‪ ،‬لنهم ل يولدون أيضا ‪ ،‬فمعاني الفهم الول تنطبق على البـشــر وحده طبـقـا‬
‫للمعاني التي فهم بها فقط ‪ ،‬ومن قبل آدم عليه الســلم سأـكـنـت الرض ‪ ،‬وبـقـيـت مـسـكـونـة‬
‫بالحيوانات والجن ‪ ،‬وقد خلق ا الجن من قبل من نار السموم ‪ ،‬والجن أكــثــر مــن الــبشــر‬
‫عـددا‪ ،‬والشيطان من الجن ‪ ،‬وكان من الكافـريــن ‪ ،‬فـبـقـيـت المانــة التــي حــملــها‬
‫النسان مجـهـولـة فـي معناها الكلي ‪ ،‬فإن قيل إن المانة هي العبادة ‪ ،‬قيل إن الكفر‬
‫واليـمــان وجــدا من قبل عند الجن ‪ ،‬والملئكة يعبدون ا ‪ ،‬ولم يحملوا المانة ‪،‬‬
‫والسماوات والرض أبـيــن أن يحملن المانة لما عرضت عليهن ‪ ،‬وا قد أشفق منهن ‪،‬‬
‫وحملها النسان وكان جـهـول ‪ ،‬ومـن هـنا بـدأ جـهـل النسان يظهر في المعاني الجهلية مـما‬
‫جعلــه فــي مشكــل فيـــه نـــور وظلمـات فـي صأراع دائـم ‪ ،‬والمانة معناها غيبي ‪ ،‬ولم‬
‫يذكر ا سأبحانه وتعالــى أن الجــن حمل المانة ‪ ،‬فالثقلن بيـنـهـما فرق ‪ ،‬والفرق غير‬
‫ظاهر في معناه ‪ ،‬والمعنى الول يعـتـمـد على هذا النوع من الفهوم ‪ .‬والذين عـرفـوا الفـهـم‬
‫الفردي بحثوا في هذه المعاني ‪ ،‬سأعيا وراء فهم حقيقي ثابت في معنى مفهوم ‪ ،‬والفهم في‬
‫نفسه غامض لنه يستلزم فهـما ثانيا يــدرك بــه الفهم الول ‪ ،‬وفهما ثالثا يدرك به المعنيان ‪،‬‬
‫فكل المعاني المعروفـة ل تـدل بدليـل فيـه معنـى على معنى المانة التي حملها النسان ‪،‬‬
‫وإن قال النسان شيئا معرفا عن المانة ‪ ،‬فإنما يقول معنى مشابها ليعرف أنه حامل لمانة‬
‫كان بحملها جهول ‪ ،‬وخلق ا سأبحانه وتعالـى آدم مـن تراب ‪ ،‬وأمر الملئكة أن يقعوا له‬
‫سأاجدين ‪ ،‬ولم يكن يعرف عـند الـخـلـق أن السجـود يكـون لغير ا ‪ ،‬وا قد أثبت للملئكة‬
‫أنه يعلـم غـيـب السمــاوات والرض ويعلــم ما يسـرون وما يعلنون ‪ ،‬فسجد الملئكة لدم‬
‫عليه السلم دون أن يدرك المعنــى الول فــي معنــى السجــود لدم ‪ ،‬وقال إبليس إنه خير‬
‫من آدم إذ خلق من نار ‪ ،‬والشيطان يأمر الناس بعبادته وبالسجـود له في الرض ‪ ،‬ويأمر‬
‫بعبادة النار كأسأاس أصألي للخلق قبل خلق البشر ‪ .‬فالمشكل الذي فــي البداية هو نفس‬
‫المشكل الذي ظهر معناه فـي الرض ‪ ،‬وا يأمر أن ل يكون السجــود لغيــر ا ‪ ،‬وإن كان‬
‫الناس قد فكروا في هذا المر ‪ ،‬فإن المعنى غير ثابت ‪ ،‬والساجـد للـه يعلــم أن اللــه غني عن‬
‫العالمين ‪ .‬وبقي معنى السجود غـيـبـيا ‪ ،‬كما هــو كان ‪ ،‬ول يعـــرف للسجــود معنـى فـي‬
‫معـنـاه الصألـي الموصأـل لعبـادة اللــه ‪ ،‬فبقـي سأر العبـادة فهـما غيـر مفهــوم ول‬
‫‪91‬‬

‫معلـوم فـي وزن المعنى الول ‪ ،‬وظهر المشكل مرة أخرى بالنسبة للباحثين في هذا ‪ ،‬إذ لـمـا‬
‫رفع يوسأف عليــه السلم أبويه على العرش خروا له سأجدا ‪ ،‬وهكـذا بحـث الناس فـي معنــى‬
‫السجـود دون اهتـداء للفهم الكامن فيه ‪ ،‬وكل ما هو معروف في الدين هو أن السجود ل‬
‫يكون لغير ا ‪ ،‬والسجود قبل المشرق يقف عند الكعبة ‪ ،‬ويتم السجود وجهتها ‪ ،‬وإن ظـن‬
‫النـسـان أنه يعرف معنى السجود ‪ ،‬فإنه قد يخسر نفسه كما خسر الشيطان ‪ .‬إن ا أمر‬
‫بالسجـود وهـو يعلم ما ل نعلم ‪ ،‬ولم يظهر الحقيقـة من أجـل الفهـم الجزئـي أو الكلـي فـي‬
‫هـذا المعنـى الول الشامل لمعاني المشكل الخاصا والمتعلق بالمانة التي حملها ‪ .‬ولم نكن‬
‫لنعلم الغيـب ول سأــر السجود ‪ ،‬فالعبادة في فهمها الول بالمعنى الول هي طاعة اللــه إذ‬
‫أمـر أل نـعـبـد إل إيــاه ‪ ،‬فالعبادة وأسأاسأها مجهول تماما ومعلومة في معنى واحد لتأديــة‬
‫الصــلة ‪ ،‬الـتـي هـي وصأـل لمعنى العبادة ‪ ،‬وإن ذكرنا الفهم الول فلن المعنى مفقود ‪،‬‬
‫وبهذا أظهرنا أن الذيـن اعتمــدوا على الفهم الفردي لمعرفة ا كانوا خاطئين ‪ ،‬وا سأبحانه‬
‫وتعالى ل يعرف بقوة ظاهرية ول باطنية ‪ ،‬ول يعرف له معنى ‪ ،‬لذلـك فـقـد السجود كل‬
‫معـنـى مفهوم أو مـدرك ‪ ،‬ولو تمــكــن النسان من فهم معنى السجود ل لدرك المعاني‬
‫المعرفة بال في فهم مدرك ‪ ،‬فالسجود غـيـر مفهوم في معنى تأديته ‪ ،‬لننا لن نعرف ا في‬
‫نفسه ‪ ،‬وا لم تكن له ذات إلهيـة ليقــال عـنـه أأزلي أم ل ‪ ،‬فهذا قول قيل ‪ ،‬وفيه غرض‬
‫معناه فتنة لمن يؤمن بال ؟ فال إله ل إلـه إل هـو ‪ ،‬له السأماء الحسنى ‪ ،‬ول نعرف له‬
‫سأميا ‪ ،‬خالق كل شـيء وهـو فـوق الخلـق ‪ ،‬وتعالـى عـما يشرك الناس علوا كبيرا ‪ ،‬وإن كان‬
‫مغيروا معنى الفهم الول قد جمعوا معانـي تنطـوي علـى إعجاز في فهـم معنـى السجـود ‪،‬‬
‫فلنهــم اعتبـروا أنفسهـم أجزاء اللــه ‪ ،‬وأن اللــه يحـل فـي أجسامهم ‪ ،‬وقالوا إن آدم عليه‬
‫السلم قد حـل ا فـي جسمـه لمـا نفـخ فيـه مـن روحـه ‪ ،‬لذلـك اسأتوجب أن يسجد له الملئكة‬
‫‪ ،‬ولم يكن هذا صأحـيحا ‪ ،‬لن اللـه أظهر سأـر الـنـفـخ إذ خـلـق عيسى عليه السلم من الطين‬
‫كهيأة الطير فنفخ فيه ‪ ،‬فكان طائرا بإذن ا ‪ ،‬وقد ضـرب اللــه مثل عيسى عند ا كمثل‬
‫آدم ‪ ،‬خلقه من تراب ‪ ،‬وقال له كن فيكون ‪ ،‬فالروح لم تكن من اللـه بمعنى أنها من نفسه ‪،‬‬
‫ولـما سأـدت المعانـي فـي هـذا اعتقـد النـاس في ألوهيـة عيسـى عليـه السلم ‪ ،‬وقال ا إن ا‬
‫لم يلد ولم يولد ‪ ،‬فالمعنى الثلثي الذي اعتقد فيه أن ا ثالث ثلثــة ‪ ،‬كان معناه أن الفهم في‬
‫هذا شيء إن يسأل عنه الناس يسؤهم ‪ ،‬ولم يكن سأـر المعنـى إل فـرديا ل جزئية فيه ‪ ،‬ولم‬
‫يكن النسان جـزءا إلهـيا ‪ ،‬ويعبـد اللـه دون أن يكـون هناك إدراك لمعنـى العبادة ويسجد له ‪،‬‬
‫وإن فكر الناس في معنى السجود ليوسأف عليه السلم ‪ ،‬إذ لما رفـع أبويـه على العرش خروا‬
‫له سأجدا ‪ ،‬فل ننسى أن يعقوب عليه السلم كان نبيا يعلم من ا ما لم يكن يعلمه الخرون ‪،‬‬
‫فالسجود له معنى ظاهر فيـه ‪ ،‬فهو سأجــود ل يكــون إل للــه بظاهر غــاب معناه ‪ ،‬لن الفهم‬
‫فيه فهم أول وفردي ‪ ،‬ل يوجد فيه فهم ثان لفهمه بفهم ثلثي ‪ ،‬ولكي ل يقــع النسان في‬
‫مشكل معنى السجود ‪ ،‬كان المعنى الول في فهم ل تتم الصلة بالسجود فقط ‪ ،‬بل لزم‬
‫الركوع والوقوف ‪ ،‬فالثلثة حركات كان لها معنى واحد تؤدى به الصلة ‪ ،‬والصلة هي‬
‫نفس الصلة التي عرفت منذ القديم في الدين ‪ ،‬والمعاني بقيت كلها في أصألها كما كانـت ‪ ،‬إل‬
‫أنها غربت في فهمها ‪ ،‬فأصأبح النسان يفهم معاني أخرى ‪ ،‬ل فهم فيها ول معنى ‪ ،‬إن أصأـل‬
‫المعاني تفكير ‪ ،‬والتفكير فهم مدرك بالنطق المسموع والصور المرئية والشيــاء الملـموسأــة‬
‫‪92‬‬

‫والمحسوسأة ‪ ،‬فالحواس الخمس أسأاس التفكيـر ‪ ،‬والخيــال هو تطـويـر التفكـيــر فــي معـان‬
‫غــيــر أصألية ‪ ،‬أما التفكير بمعان حقيقية ‪ ،‬فيؤدي دائما إلى اتصال باطني بعيد عن الخيـال ‪،‬‬
‫متطـور بين قوى الحلم والمنام ‪ ،‬وهذا أمر ديني يستلزم تصحيح العتقـاد ‪ ،‬وفهــم معانــي‬
‫اللحاد ‪ ،‬ومعرفة قوى الظلمات لجتناب فعاليتـها ‪ ،‬والنسـان إذا نجـا مـن الشـر الكامـن فـي‬
‫نفسه ‪ ،‬فقد نجا بنفسه من نفسه ‪ ،‬والمعنى الكامن في النسان هــو أن يفـهــم النسـان مــعنــاه‬
‫كإنسان يستوجب الفهم ليتجنب كل طغيان ‪ ،‬ويهتدي إلى الصراط القويـم ‪ ،‬وإن كـان النسـان‬
‫يظن أن له أبعادا كونية متصلة به ‪ ،‬فإنه يفقد معناه كإنسان ‪ ،‬لنه يظن بفهمه أنه كوني شامـل‬
‫لمعاني الكون بالكواكب والنجوم ‪ ،‬وهذا ظن الولين الذين عوقبوا على سأوء فهمهم الظـاهــر‬
‫في أعمالهم وتطبيقاتهم الغير الصحيحة ‪ ،‬وإذا ظن النسان أن المعانــي الكونـيــة مفهومــة ل‬
‫تعقيد فيها ‪ ،‬ول وجود لسأرار كامنة في الشياء ‪ ،‬فإن النسان بهذا يفقـد معناه أيضـا كإنسـان‬
‫يعتقد أن له سأرا ظاهرا فيه ‪ ،‬وآخر غيبيا ل يعلمـه ‪ ،‬وليتمكـن النسـان مـن البلوغ إلى معنـى‬
‫يربطه بالواقع ‪ ،‬فإن عليه أن يعترف بوجود الخير والشر الكامنين فـي النفـس ‪ ،‬وأن النسـان‬
‫في نفسه غل ل ينزع منه إل إذا دخل الجنة ‪ ،‬ومادام النسان في الرض حيا ويـرزق فيـها ‪،‬‬
‫فإن عليه أن يعتني بالمعاني المحيطة به ‪ ،‬ويصحـح مـا بظاهـره ومـا بـبـاطـنـه علـى حـسـب‬
‫الشروط الدينية الموجبة لمعنى السأتقامة ‪ .‬إن الكلم أصأـون فـي معانـيـه ‪ ،‬هـو مـا أنـزل فـي‬
‫القرآن ‪ ،‬ولم يكن أصأل المعاني فلسفة متخبـطـة فـي معانيـهـا كأفعـى قـطـع رأسأـهـا ‪ ،‬والذيـن‬
‫يعتقدون أن الفلسأفة كانوا عظماء بما يقولون ‪،‬فإن عليهم أن يعلموا أن كل قول جميل هو كل‬
‫كلم منطوق أو مكتوب حامل لحق ولو دون حسن تعبير ‪ ،‬ورجوع معانيه راجع لما علم اللـه‬
‫رب العالمين ‪ ،‬ولو كانت المعرفة الحقيقية ملك يدي القوم الكافرين لمسكوها ‪ ،‬ولـما علـمـوا‬
‫منها شيئا ‪ ،‬ولو كانت معرفتهم ذات أصأالة فكرية مستوعبة راجعة لعلم ديني لما ظهر الفسـاد‬
‫في الرض كما هو الن ‪ ،‬فالكافر كان شكل غيبيا مشكل في عدم الشكال وفاقدا للمعنى ‪ ،‬ثم‬
‫إنه وجد وخلق ‪ ،‬وهو من شر ما خلق اللـه ‪ ،‬واتـخـذ شكـل النسـان ليكفـر بمعنـى النسـان ‪،‬‬
‫وبالمعاني كلها الغيبية منها والمعلومة ‪ ،‬ولم يبقى الكافر على هيئة النسان يوم القيامة لفرض‬
‫وجوده كذلك ولنسب لنفسه الخلود ‪ ،‬حتى ولو في العذاب ‪ ،‬والمؤمن إن فكر في الكافر فإنه ل‬
‫يجد حل أمام مشكل ل يعرف أصأله ‪ ،‬لن الكفر ل يعـرف معنـاه ‪ ،‬ول أسأبـاب وجـوده ‪ ،‬ول‬
‫الهدف منه ‪ ،‬ولو شاء ا لمن من في الرض جميعا ‪ ،‬ثم لو شاء كذلك لمـا اختلـف النـاس ‪،‬‬
‫وماذا يريد ا من تعذيب الناس وهو غني عن العالمين ‪ ،‬وذلك مـا غـاب معنـاه ‪ ،‬ولم تعـرف‬
‫معانيه ‪ ،‬والفهوم في المعنى الول كلها أسأئلة ل جواب فيها ‪ ،‬بمعنى ظاهر في ميزان المعاني‬
‫كلها ‪ ،‬إن ا ل يعذب من آمن ويعذب من كفر ‪ ،‬ثم إن الخير والشر من عنـده ‪ ،‬ولـو شـاء مـا‬
‫أفسد الناس في الرض ‪ ،‬ولكن ا فعال لما يريد ‪ ،‬ويفعل ما يشاء ‪ ،‬وليفهم معنى الكفر فلبـد‬
‫من فهم ثان ‪ ،‬معناه في فهم إرادة ا ‪ ،‬ولبد من فهم ثالث كامن معناه في فـهـم مشيئـة اللــه ‪،‬‬
‫والمعنيان فوق المعنى الول ‪ ،‬ول يمكن الوزن بينهما ‪ ،‬فـإرادة اللـه إرادتـه ل إرادة بعـدها ‪،‬‬
‫وإن فهمنا معناها ينفقد المعنى الديني الذي معناه أن اللـه فعـال لما يــريد ‪ ،‬فـإن أدرك‬
‫النسـان معنى الرادة لما بقيت إرادة ا ‪ ،‬لهذا فإن النسان ليس له إرادة ‪ ،‬ولن يفعل ما يريد‬
‫‪ ،‬وكـــل ما يفعله النسان فبإذن ا ‪ ،‬بمعنى بإرادة ا ‪ ،‬والنسان لن يفعل أبـدا مـا شـاء‬
‫‪93‬‬ ‫علـى حـسـب‬

‫هواه ‪ ،‬لذا فإنه ل يشاء النسان شيئا إل أن يشاء ا رب العالمين ‪ ،‬ولو فعل النسان ما شـاء‬
‫لقال إنه هو رب العالمين ‪ ،‬فالنسان مقيد في قدر قــدرة اللــه ‪ ،‬وعليـنا نحن أن نقدر ا حـق‬
‫قدره ليعطى لنا حرية في الجنة ‪ ،‬وإن حــريــة النســان لــن تكون أبدا حرية قلب المعاني أو‬
‫تغيير ما جعل ا بالحق ‪ ،‬بل المعنى أن النسان حر إذا أطاع ا ‪ ،‬وخضع لما كتـبه اللــه أن‬
‫النسان خلق ليعبد اللـه ‪ ،‬ولــو بحثــنا فــي أمــر مشكل النسان لوجدنا أن المشكل أمران في‬
‫معنيين مختلفين ‪ ،‬ومعناهما جعله ا اختياريا باتباع الهدى أو الضللــة ‪ ،‬وكــل المـعـنـيـيـن‬
‫أمرهما راجع ل ‪ ،‬لن ا يهدي من يشاء ويعذب من يشاء ‪ ،‬فالكفر واليمان بين يـدي اللـه ‪،‬‬
‫والنسان بينهما ‪ ،‬وهو إلى ما شاء ا ‪ ،‬لذا فإن النسان ل يملك شيئا في ملك ا ‪ ،‬ول يملـك‬
‫لنفسه ضرا ول نفعا ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالـى أثـبـت فـي كتابـه أنـه مـا كـان ليعبـأ بالنـاس لـول‬
‫دعاؤهم ‪ ،‬وأنه ما كان ليعذب الناس وهم يستغفرون ‪ ،‬وبهذا المعنى يظهر المعنى الختيـاري‬
‫أن من اختار اليمان بال ودعا ا واسأتغفره ـ فإنه يجد ا غفورا رحيما ‪ ،‬وهذا يدل على أن‬
‫النسان سأابق في الظلم لنفسه مبين ‪ ،‬وما ظهر ظلم النسان إل بعـد أن حمل المانــة وكــان‬
‫جهول ‪ ،‬وا ل يحب الجهل ؛ ومــا كان علــى النسان أن يأخذ المانة ويحملها حتــى يعلــم‬
‫أمرها بعلم من عند ا ‪ ،‬إن المر لم يكن هينا في الفهم ‪ ،‬وإن كـان النسان يتسـاءل عن ذنبـه‬
‫وعن وجوده في الرض ‪ ،‬فإن ا عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬وأشهد النسان على نفسه حين قـال‬
‫ا للناس ألست بربكم ‪ ،‬قالوا بلى ‪ ،‬وهذا يظهر أن النسان له مشكل غيبي غاب معناه ‪ ،‬ولــم‬
‫يظهر في المعاني ‪ ،‬والنسان قد يفقد المعنى أيضا إن لم يعتبر كل ما هو غـيـبــي وجد عليــه‬
‫علما مفهوما بالمعاني ضمن ما أنزل ا ‪ ،‬ومن كان يظن أنه قد بلغ إلى شيء فإن اللـه يلقيــه‬
‫في الهاوية ‪ ،‬لن النسان يظن أنه قد بلغ إلى علو فيه سأمو المعرفة ‪ ،‬وعلم المعانــي الولــى‬
‫الغير المدركة ‪ ،‬وبالظن فإن النسان يسير إلى الخلف ‪ ،‬ويعتقد أنه يسير إلـى المـام ‪ ،‬كذلــك‬
‫فإن ا يضل من يشاء ‪ ،‬ومن يظن أن معرفة جهلية كانت في نفسـه مستيقـنـة بـأن لـها أصأـل‬
‫دون أن يكون لديه بينة ‪ ،‬فإن تلك المعرفة قد تؤدي به إلى تحقيق ظن بدخـولـه إلـى جـهـنـم ‪،‬‬
‫فجهنم كان يظنها غير موجودة ‪ ،‬فالحقيقة الثابتة كلها غيبية ‪ ،‬وكل مؤمن مسلـم فإنـه ل يكـون‬
‫بالغيب ظنينا ‪ ،‬وإن كانت المعاني ل تـؤدي المعنــى فإن الفهم نفسه ما هــو إل معنــى للـفـهـم‬
‫الحقيقي ‪ ،‬إنه كيفما كان إيمان النسان قويا ‪،‬فإن النسان لن يقوى أبدا أن يفهم معنى اليمان‪،‬‬
‫واليمان معـناه منفـرد فـي المعاني ‪ ،‬لن من أجله يجازى النسان بأحسن جزاء ‪ ،‬ولـو أدرك‬
‫النسان معنى اليمان لدرك معنى الحكم اللهي ‪ ،‬وإذا أدرك ذلـك ‪ ،‬فإن المعنـى يـنـفـقـد فـي‬
‫المعنى الذي معناه أن ا ل يشرك في حكمه أحدا ‪ ،‬فالمعاني إذا ‪ ،‬كان سأــر فهمها هــو فهــم‬
‫تناسأق الشياء ‪ ،‬وصألتها مع بعضها البعض ‪ .‬وميزان المعانـي يظـهـر الحكـم فيـه بالـتسـاوي‬
‫عندما يمـس معنى أثبت معناه فـي كتاب ا ‪ ،‬فحكم على المعنى الذي مـس المعانـي الصأليـة‬
‫بأنه معنى فيه ‪ ،‬ويؤخذ المعنى الحقيقي الذي يظهر معناه الصألي ‪ ،‬وهكذا يظهر بمـا ذكـر‬
‫أن حكم ا على إيمان الناس حكم غيبي ‪ ،‬فكيف يمكن أن نشهد لشخص عرف بالصلة‬
‫والـزكاة والصيام والحج على أنه شخص آمن بال وأنه من أهل الجنة ‪ ،‬إل أن يكـون نـبـيا أو‬
‫رسأول ‪ ،‬وفي هذا الحال لن نشهد له بشيء بل نشهد أنه رسأول ا ‪ ،‬وا قـد كتـب لـه الـجـنة‬
‫‪ ،‬وبـهـذا‬
‫القول فإن الذين يعتقدون في أشخاصا يظنونهم أولياء فإنهـم اتخـذوا مـن دون اللـه ‪ ،‬وكل مـن‬
‫‪94‬‬

‫ظهر إسألمه فإنه ل يظهر إيمانه ‪ ،‬وا لم يوصأنا بالذين تظهر عندهم كرامات ‪ ،‬بل أوصأانـا‬
‫باتباع النبياء والرسأل ‪ ،‬ولو أوقف النسان عادات وتقاليد لم تكن فـرائـضا مـن الـديـن لـكـان‬
‫أطيب وأحسن لنفس المسلمين ‪ ،‬إنه ل وجود لعادات وتقاليد في الدين ‪ ،‬بل توجـد الفـرائــض‬
‫وسأنن النبيين والمرسألين عليهم السلم ‪ ،‬وغير هذا فهو بدعة ‪ ،‬وإن الناس ليـتـجـهـون اتجاهـا‬
‫فيه سأوء ‪ ،‬أحلوا الغناء والرقص والشعوذة كذلك ‪ ،‬ولم يكن أئمة الدين أحلوا هذا ‪ ،‬بـل النـاس‬
‫يختارون لنفسهم كل ما يلهيهم ‪ ،‬فهم مسؤولون عن أنفسهم ‪ ،‬والنسان إن سأئل عن نفسه يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬فكأنما أعطيت له ليحتفظ بها ولم يفعل ‪ ،‬كذلك كان المعنى أن الخلق ل رب العالمين‬
‫‪ ،‬إن النسان لم يكن ملكا لنفسه ‪ ،‬فهو ملك ل ‪ ،‬وا قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهـم‬
‫‪ ،‬وكان المال معناه إظهارا لمعنى الكسب ‪ ،‬وكل ما هو موجود حول النسان ومعانيه‬
‫وجــدت من أجل الفهم ‪ ،‬لعل النسان يهتدي إلى الحق ‪ ،‬وتبقى المعاني معانيها غيبية دائما‬
‫في المعنى الول ‪ ،‬وتعرف بالمعنى الثاني ‪ ،‬والمعنيان يعرفان بالمعنى الثالث ‪ ،‬وكل معنى‬
‫‪ .‬إل ويعـــرف بمعاني المعاني في معنى المعنى‬
‫‪95‬‬

‫هل النسان كان شمسا ؟ أم كان قمرا ؟ حتى يقـول إن لـه صألـة بالكواكب والبراج ‪ ،‬وإن لـه‬
‫اتصال بالكون أو بالحق ‪ .‬إن بقيام الساعة يظهـر اللــه أن النسـان لـم تـكـن صألـة بالـكـون ‪،‬‬
‫وعندما يفنى النسان فإن ا يظهر أن النسان لم تكن له صألة بالخالق ‪ ،‬لن اللــه ل يـفنـى ‪،‬‬
‫ماذا كان النسان قبل أن يخلق وأين كان ؟ إن النسـان لـم يكـن ‪ ،‬لنـه لم يكن شيئا‬
‫مذكـورا ‪ ،‬وإذا بالنسان يبحث عن سأر وجوده ‪ ،‬كأنه ل يعلم أن ا هو الذي خلقه ‪ ،‬وجعل‬
‫اللــه النــاس شعوبا وقبائل ليتعارفوا ‪ ،‬وكان الناس أمما ‪ ،‬ولم يكن النسان ليعلم ما العلم وما‬
‫اليمان ‪ ،‬ولو لم ينزل ا بيانه وأحكامه ‪ ،‬ولو لم يأت بالنبيئين والمرسألين ليرشدوا النـاس‬
‫إلـى الحـق ‪ .‬ولـم يعرف السحر حتى عرف الحق ‪ ،‬ولم تعـرف الضللة حتى عـرف‬
‫الهـدى ‪ ،‬وما عرف الشر حتى عرف الخير ولم يعرف الرجل نفسه كرجل حتى عـرف‬
‫المـرأة ‪ ،‬وهـل المـرأة تــعـرف نفسها ‪ ،‬ولماذا ل يوحى إليها ؟ لقد قال الناس ‪ :‬لم لم توجد‬
‫امرأة كلمـها اللــه تكليـما ‪ ،‬ولـم لـم توجد امرأة مكان نبي ‪ ،‬أو تكون رسأول ‪ ،‬كذلك قال‬
‫الناس لم ل يرسأل الملئكـة ليكـونـوا هـم المبشرين ‪ ،‬ويكونوا منذرين ‪ ،‬إن كل قول قيل من‬
‫هذا القبيـل ل يـزيد إل سأــوء فـهـم يـنـشـر ضللة وعدم يقين ‪ ،‬إن ا يصطفي من الملئكة‬
‫رسأل ومن البشر كذلك ‪ ،‬ويوحي لمن يشـاء من عباده ‪ ،‬وما كان للناس أن يحكموا في هذا‬
‫بشيء ‪ ،‬إنما الشيطان يملي للنسان ويستهويــه ليضله عن سأبيل ا ‪ ،‬ومـا كـان النسـان‬
‫ليعـلـم السأباب حتـى يجيـب عـن السـؤال يستوجب العقاب ‪ ،‬إن أصأر عليه النسان بإلحاد ‪،‬‬
‫وأعـطى جـوابا عــن هـذا للنـاس لـما آمنوا به ‪ ،‬وما يستوجبه اليمان هو أن نعلم أن ا ل‬
‫يشرك في حكمه أحد ‪ ،‬وليس شرطا على ا أن يعطي تفاصأيل الخلق ‪ ،‬وتفاصأيل ملكه للناس‬
‫‪ .‬وإن ا يعلم ما شاء ويهب ما يشاء لمـن يشـاء ‪ ،‬ومـا كان على النسان أن يطلب ما بعد‬
‫الهدى ‪ ،‬وديـن الحـق ‪ ،‬إنـه ل يـوجـد جـواب بين المـعانـي لسؤال كان معناه إعجازا ‪ ،‬فال‬
‫سأبحانه وتعالى قادر أن يجيب عباده عن كل سأـؤال بإقـنـاع ‪ ،‬ولكن النسان يسأل أسأئلة كان‬
‫معناها إعجازا ‪ ،‬لذا فإن ا قد أعجز الخلق وتركهم ل يعلمون ‪ ،‬ولن المؤمن مؤمن بال فل‬
‫حاجة له إلى تفاصأـيـل فـي المعانـي ‪ ،‬والجـوبة ل تفيد الكـافـر شيئا إل أن يزداد كفره‬
‫وطغيانه ‪ ،‬فالمعانـي فـي معـرفتـها لـها حـدود فـي الجوبة والسأئلـة ‪ ،‬وبين السؤال والجواب‬
‫حقيقة غيبية ‪ ،‬وبين حقيقة وحقيقة أخرى ‪ ،‬يوجد الغيب نفسه ‪ ،‬والغيب علمه عند ا ‪ ،‬ومما‬
‫أعطى ا من المثل لجل هذا الفهم ‪ ،‬هو أن آدم عليـه السـلم خلـق مـن تراب شامل للنورين‬
‫الصأفر والبيض ظاهر في النور الوردي اللون ‪ ،‬ولما بث اللـه من آدم زوجه ظهر آدم عليه‬
‫السلم في نور أصأفر ‪ ،‬وظهرت زوجته في نور أبيض ‪ ،‬ولما أكل مـن الشجرة بعد أن‬
‫أدلهما الشيطـان بـغـرور انـفـقـدت الـدائرة البيضاء ‪ ،‬واسأتعملـت قـواهـا فـي‬
‫‪96‬‬

‫السحر ‪ ،‬والوحي نوره وردي قابل لللتحام بالنور الصأـفـر ‪ ،‬وبهـذا ل يمكـن أن يـوحى‬
‫للمرأة شيء ‪ ،‬ورغم هذا الفهم المعلوم يوجد فهم غيـبي علمه عند اللــه ‪ ،‬فالمـعاني كلها يبقـى‬
‫سأرها عند ا ‪ ،‬وكل من تمكن من الفهم الثلثي في فهم المعاني يعرف أن السر كله في النور‬
‫الصأفر والبيض والنور الجامع لهما وهو النور الوردي اللون ‪ ،‬فالعبادة ل تتـم إل إذا تـوفـر‬
‫في الجسم نور أبيض وأصأفر ‪ ،‬أما النور الوردي اللون فهو نور الوحي ‪ ،‬والوحي اختص بـه‬
‫النبياء والرسأل عليهم السلم ‪ ،‬وبالوحي يعرفون من الجواب ما يأذن به ا سأبحانه وتعالـى‪،‬‬
‫وهكذا فإن المعرفة لها حدود بعلم محدود وحقيقة محدودة ومعان محدودة ‪ .‬والمؤمـن عنـدمــا‬
‫يكون في الجنة فإنه يفهم أشياء أخرى أعظـم مـما يعلمـه الن فـي الحياة الدنـيا ‪ ،‬وذلـك لـعـدم‬
‫‪ .‬وجود الظلمات ‪ ،‬والعلم في الجنة ل يتم كذلك‬
97

You might also like