‫بيعة العقبة الثانية‬

‫ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة بعد أن دعا إلى هللا بإخالص وعزيمة صادقة‪ ،‬وخرج من خرج من األنصار من‬
‫المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة‪ ،‬فوعدوا رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم العقبة من أوسط‬
‫أيام التشريق حين أراد بهم ما أراد من كرامته ونصر نبيه‪ ،‬وإعزاز اإلسالم وأهله‪ ،‬وإذالل الشرك وذويه‪ ،‬وكان في القوم كعب‬
‫بن مالك‪ ،‬والبراء بن معرور سيد من ساداتهم وكبير من كبرائهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إني قد رأيت رأيا فو هللا ما أرى أتوافقونني عليه أم‬
‫ال؟‬
‫فقالوا‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬قد رأيت أالأدع هذه البنيّة‪ -‬يعني الكعبة‪ -‬مني بظهر‪ ،‬وأن أصلي إليها‪ ،‬فقالوا له‪ :‬وهللا ما بلغنا أن النبي‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم يصلّي إال إلى الشام‪ -‬ببيت المقدس‪ -‬وما نريد أن نخالفه‪ ،‬فكانوا إذا حضرت الصالة صلّوا إلى بيت المقدس‪،‬‬
‫وصلّى هو إلى الكعبة‪ ،‬واستمروا كذلك حتى قدموا مكة‪ ،‬وتعرفوا إلى رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم وهو جالس مع عمه‬
‫العباس بالمسجد الحرام‪ ،‬فسأل النبي صلّى هللا عليه وسلّم العباس‪« :‬هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل» ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬هذا‬
‫البراء بن معرور سيد قومه‪ ،‬وهذا كعب بن مالك‪ ،‬فقال النبي صلّى هللا عليه وسلّم‪« :‬الشاعر؟» قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقصّ عليه البراء ما‬
‫صنع في سفره من صالته إلى الكعبة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪(1‬البداية والنهاية‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.156‬‬
‫وقال‪ :‬فماذا ترى يا رسول هللا؟ قال‪« :‬قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» «‪ »1‬قال كعب‪ :‬فرجع البراء إلى قبلة رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وصلّى معنا إلى الشام‪ ،‬فلما حضرته الوفاة أمر أهله أن يوجهوه قبل الكعبة‪ ،‬ومات في صفر قبل قدومه‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم بشهر‪ ،‬وأوصى بثلث ماله إلى النبي‪ ،‬فقبله ور ّده على ولده‪ ،‬وهو أول من أوصى بثلث ماله‪.‬‬