Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 202

‫المؤَبَّد آلل محمد‬

‫الشََّرف ُ‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫تأليف‬
‫ق اضي القضاة‬
‫يوسف بن إسماعيل النبهاني‬
‫الشافعي الف لسطيني‬

‫اعتنى به‬
‫خادم العلم الشريف‬
‫أب ي الفضل أحمد بن منصور قرطام‬
‫كان اهلل له ولوالديه ولمشايخه‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اَلطَّْب َع ةُ األولَى‬
‫‪ 1436‬ه ‪ 2015‬ر‬
‫‪ISBN: 978-9938-14-002-6‬‬

‫‪2‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بني يدي القارئ‬


‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل اذلي علم وفهم وأنعم وكرم‪ ،‬وصل اهلل ىلع سيدنا حممد‬
‫وىلع آهل وسلم‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫فإنا نلفت عناية القارئ الكريم أننا قد حرصنا بأن نطرح الكتاب‬
‫ىلع هيئته األصلية اليت صاغتها يد املؤلف رمحه اهلل‪ ،‬من غري زيادة‬
‫أو نقصان‪ ،‬إال ما اكن من قبيل ترمجة املؤلف ليك يكون القارئ ىلع‬
‫ُ‬
‫بينة من هذا العالم الرباين‪ ،‬ىلع أن ال يمتنع أن يُالحظ بعض القرا ِء‬
‫من العلماء وطلبة العلم الساعني للبحث عن احلق أن ما يف الكتاب‬
‫قد ال يتوافق مع آرائهم اليت حيملونها‪ ،‬ذلا نروو من ل من يطلع ىلع‬
‫ً‬
‫هذا الكتاب أن يتصفحه ويدا ويتدبر ما فيه من كيفية تزنيل‬
‫الفروع ىلع األصول واستخراج ادليلل‪ ،‬وتزنيله ىلع احلكم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون منصفا للحق وأهله‪ ،‬وإذا ما وود خطأ فليصلحه ويبني ذلك‬
‫وال يمس أصل الكتاب فقد قال الشاطيب يف حرز األماين ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وإن كـــــــان خــــر فادركــــه بفضــــلة‬


‫مـــن احلـــلم ويلصــلحه مــــن وــاد مقــوال‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‬
‫وصل امهلل ىلع سيدنا حممد وىلع آهل وصحبه الطيبني الطاهرين‬

‫إعداد‬
‫املركز الوطين للبحوث وادلراسات‬
‫آل ابليت ــ فلسطني‬
‫‪ 1‬رمضان ‪ 1436‬هجري املوافق ‪ 18‬يونيو ‪ 2015‬رويم‬

‫‪4‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫ترمجة الشيخ العالمة يوسف بن إسماعيل انلبهاين رمحه اهلل تعاىل‬

‫االسم والنسب‪:‬‬
‫هو العالم الراسخ املتقن الورع‪ ،‬احلجة اتليق العابد‪ ،‬القايض الفقيه‬
‫الصويف‪ ،‬املتفاين يف حب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬املكرث من‬
‫مداحئه‪ ،‬بوصريي عرصه‪ ،‬يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن‬
‫حممد نارص ادلين انلبهاين‪.‬‬
‫ْ‬
‫ونسبته إىل بين نبهان من عرب ابلادية بفلسطني‪ ،‬استوطنوا قرية إو ِز ْم‬
‫اتلابعة حليفا يف شمال فلسطني‪.‬‬
‫مودله‪:‬‬
‫ْ‬
‫ودل الشيخ يف قرية إو ِز ْم سنة ‪ 1265‬هجري املوافق ‪ 1849‬رويم‪ ،‬ونشأ يف‬
‫أرسة كريمة رشيفة ميسورة‪ ،‬مشهورة بالصالح واتلقوى‪ ،‬واكن وادله رمحه‬
‫ً‬
‫اهلل صاحب دين وخلق وعلم‪ ،‬ذا همة اعيلة‪ ،‬وثقافة واسعة‪ ،‬مستغرقا أكرث‬
‫أوقاته يف طاعة اهلل تعاىل‪ ،‬اكن ورده يف ل يوم ويللة ثلث القرآن‪ ،‬ثم صار‬
‫خيتم يف ل أسبوع ثالث ختمات‪.‬‬
‫نشأته وتعليمه‪:‬‬
‫قرأ القرآن ىلع وادله املتقن لكتاب اهلل الصالح الشيخ إسماعيل انلبهاين‪،‬‬
‫وحفظ ىلع يديه الكثري من املتون يف علوم الفقه وانلحو وابلالغة‪ ،‬ثم بعثه‬

‫‪5‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أبوه إىل مرص لطلب العلم‪ ،‬فدخل اجلامع األزهر يوم السبت غرة حمرم‬
‫احلرام‪ ،‬سنة ‪ 1283‬هجري‪ ،‬وبيق فيه إىل روب سنة ‪ 1289‬هجري‪ ،‬ويف هذه‬
‫الفرتة أخذ ما قدره اهلل هل من العلوم الرشعية ووسائلها‪ ،‬عن أساتذة‬
‫الشيوخ املحققني‪ ،‬ووهابذة العلماء الراسخني‪ ،‬من لو انفرد ل واحد منهم‬
‫يف إقليم‪ ،‬لاكن قائد أهله إىل ونة انلعيم‪ ،‬وكفاهم عن ل ما عداه يف مجيع‬
‫العلوم‪ ،‬وما حيتاوون إيله من منطو ومفهوم‪.‬‬
‫شيوخه‪:‬‬
‫األستاذ العالمة املحقق‪ ،‬واملالذ الفهامة املدقق‪ ،‬شيخ املشايخ‬ ‫‪‬‬

‫وأستاذ األساتذة الشيخ إبراهيم السقا الشافيع‪ ،‬املتوىف سنة ‪ 1298‬هجري‪،‬‬


‫ُ‬
‫عن حنو التسعني سنة‪ ،‬الزم الشيخ انلبهاين دروسه ثالث سنوات‪ ،‬وقرأ‬
‫عليه رشيح اتلحرير واملنهج لشيخ اإلسالم زكريا األنصاري حباشيتهما‬
‫للرشقاوي وابلجرييم‪ ،‬وقد أوازه رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الشيخ املعمر العالمة السيد حممد ادلمنهوري الشافيع‪ ،‬املتوىف سنة‬ ‫‪‬‬

‫‪ 1286‬هجري عن حنو التسعني سنة‪.‬‬


‫‪1287‬‬ ‫العالمة الشيخ إبراهيم الزرو اخللييل الشافيع‪ ،‬املتوىف سنة‬ ‫‪‬‬

‫هجري عن حنو السبعني‪.‬‬


‫العالمة الشيخ أمحد األوهوري الرضير الشافيع‪ ،‬املتوىف سنة ‪1293‬‬ ‫‪‬‬

‫هجري‪ ،‬عن حنو الستني‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫العالمة الشيخ حسن العدوي املاليك‪ ،‬املتوىف سنة ‪ 1298‬هجري‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫عن حنو اثلمانني‪.‬‬


‫العالمة الشيخ السيد عبد اهلادي جنا األبياري‪ ،‬املتوىف سنة ‪1305‬‬ ‫‪‬‬

‫هجري‪ ،‬وقد أناف ىلع السبعني‪.‬‬


‫العالمة وحيد مرص وفريد هذا العرص الشيخ شمس ادلين حممد‬ ‫‪‬‬

‫األنبايب الشافيع شيخ اجلامع األزهر‪ ،‬الزم دروسه سنتني يف رشح الغاية‬
‫البن قاسم‪ ،‬واخلطيب‪ ،‬ويف غريهما‪.‬‬
‫العالمة الشيخ عبد الرمحن الرشبيين الشافيع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العالمة الشيخ عبد القادر الرافيع احلنيف الطرابليس شيخ روا‬ ‫‪‬‬

‫الشوام‪.‬‬
‫العالمة الشيخ يوسف الربقاوي احلنبيل شيخ روا احلنابلة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وهل غريهم الكثري والكثري‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫طالبه‪:‬‬
‫مما نفهمه من سريته رمحه اهلل تعاىل جند أنه اكن مكرث من السفر واتلنقل‬
‫يف ابلالد‪ ،‬ومما ال شك يف أنه اكن رمحه اهلل تعاىل يف ل بدل هل طالب‪،‬‬
‫وهؤالء الطالب نبغوا يف علومهم وأصبحوا مراوع بالدهم‪ ،‬إذ إنهم محلوا‬
‫العلم عن فحل من فحول العلماء واألدباء واألتقياء واألوالء‪ ،‬فنذكر‬
‫منهم ىلع سبيل املثال ال ىلع احلرص‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ا‬
‫الصديق الغماري اإلدرييس احلسين‬ ‫العالمة املجتهد أمحد بن‬ ‫‪‬‬

‫املغريب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ا‬
‫العالمة ّ‬
‫الغمـاري اإلدرييس احلسين‬ ‫الصديق‬ ‫السيد عبد اهلل بن‬ ‫‪‬‬

‫املغريب‪.‬‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫العالمة ّ‬
‫الصديق الغماري‬ ‫السيد الرشيف عبد العزيز بن‬ ‫‪‬‬

‫اإلدرييس احلسين املغريب‪.‬‬


‫حممد راغب بن حممود ا‬ ‫ا‬
‫العالمة الشيخ ا‬
‫الطباخ احلليب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ِّ‬ ‫ا‬
‫اتل اباين اجلزائري امليك‪.‬‬ ‫العالمة الشيخ ا‬
‫حممد العريب بن ا‬ ‫‪‬‬
‫ِّ‬ ‫ا‬
‫‪ ‬العالمة الشيخ حسن بن سعيد يماين امليك املعروف بالشافيع‬
‫الصغري‪.‬‬
‫العالمة الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت احلميص‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العالمة الشيخ يلع األنيس ابلريويت وهو من آخر من أخذ عنه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مسرية العطاء‪:‬‬
‫أتم الشيخ ادلراسة يف اجلامع األزهر‪ ،‬ثم اعد بعد تلك املدة اليت قضاها يف‬
‫األزهر إىل فلسطني سنة ‪ 1289‬هجري املوافق هل ‪ 1872‬رويم‪ ،‬حيث أقام يف‬
‫ً‬
‫مدينة عاك مدرسا لدلين وعلوم العربية‪ ،‬توىل العديد من الوظائف‬
‫‪1290‬‬ ‫واملناصب غري اتلدريس‪ ،‬فقد توىل نيابة القضاء يف ونني سنة‬
‫هجري املوافق هل ‪ 1873‬رويم‪ ،‬ثم تووه إىل دار اخلالفة يف األستانة سنة‬
‫‪ 1293‬هجري املوافق هل ‪ 1876‬رويم‪ ،‬وظل فيها مدة سنتني ونصف‪ ،‬حيث‬

‫‪8‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمل حمررا يف وريدة اجلوانب‪ ،‬ثم عني قاضيا يف والية املوصل من أمهات‬
‫بالد األكراد‪ ،‬ملدة مخسة أشهر‪ ،‬ثم فارقها سنة ‪ 1296‬هجري إىل الشام‪ ،‬ثم‬
‫تووه إىل دار اخلالفة يف األستانة سنة ‪ 1297‬هجري‪ ،‬وأقام فيها حنو اعمني‪،‬‬
‫ً‬
‫ثم تووه إىل الالذقية وعمل رئيسا ملحكمة اجلزاء سنة ‪ 1300‬هجري‬
‫املوافق هل ‪ 1883‬رويم‪ ،‬فأقام بها حنو مخسة أعوام‪.‬‬
‫توىل بعد ذلك رئاسة حمكمة اجلزاء يف القدس‪ ،‬وظل بها أقل من سنة‪،‬‬
‫ً‬
‫حيث اغدرها رئيسا ملحكمة احلقو يف بريوت اليت وصلها سنة ‪1305‬‬
‫ً‬
‫هجري‪ ،‬وبيق فيها ما يقرب من عرشين اعما‪ ،‬وألف فيها سائر كتبه‪،‬‬
‫ً‬
‫وطبع أكرثها‪ ،‬ثم اغدرها إىل املدينة املنورة جماورا لرسول اهلل صىل اهلل‬
‫‪1331‬‬ ‫عليه وآهل وسلم‪ ،‬وظل بها حىت إعالن احلرب العاملية األوىل سنة‬
‫هجري املوافق هل ‪ 1914‬رويم‪ ،‬حيث اعد إىل قريته إوزم‪.‬‬
‫اتلصوف يف حياته‪:‬‬
‫يعد من الصوفية ابلارزين يف العرص احلديث‪ ،‬يشهد ىلع ذلك كتبه‬
‫احلافلة بآداب الصوفية وسريهم وأخالقهم‪ ،‬وحب الصاحلني‪ ،‬واإلكثار من‬
‫ذكرهم‪ ،‬وأخذ العديد من الطر الصوفية ىلع يد العديد من املشايخ‪ ،‬من‬
‫بني ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬الطريقة اإلدريسية‪ :‬أخذها عن الشيخ إسماعيل انلواب‪.‬‬
‫‪ .2‬الطريقة الشاذيلة‪ :‬أخذها عن حممد بن مسعود الفايس‪ ،‬ويلع نور‬
‫ادلين اليرشيط‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫‪ .3‬الطريقة انلقشبندية‪ :‬أخذها عن إمداد اهلل الفارويق‪ ،‬وغياث ادلين‬


‫اإلربيل‪.‬‬
‫‪ .4‬الطريقة القادرية‪ :‬أخذها عن حسن بن أيب حالوة الغزي‪.‬‬
‫‪ .5‬الطريقة الرفاعية‪ :‬أخذها عن عبد القادر بن أيب رباح ادلواين‬
‫ايلايف‪.‬‬
‫‪ .6‬الطريقة اخللوتية‪ :‬أخذها عن حسن رضوان الصعيدي‪.‬‬
‫مؤلفاته‪:‬‬
‫للشيخ مؤلفات عديدة يف شىت املجاالت‪ ،‬نذكر منها ىلع سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ .1‬إحتاف املسلم بإحتاف الرتهيب والرتغيب من ابلخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬األحاديث األربعني يف أمثال أفصح العاملني‪.‬‬
‫‪ .3‬األحاديث األربعني يف فضائل سيد املرسلني‪.‬‬
‫‪ .4‬أحاديث األربعني يف وووب طاعة أمري املؤمنني‪.‬‬
‫‪ .5‬إرشاد احليارى يف حتذير املسلمني من مدارس انلصارى‪.‬‬
‫‪ .6‬األسايلب ابلديعة يف فضل الصحابة وإقناع الشيعة‪.‬‬
‫‪ .7‬األسىم فيما لسيدنا حممد من األسما‪.‬‬
‫‪ .8‬أفضل الصلوات ىلع سيد السادات‪.‬‬
‫‪ .9‬االستغاثة الكربى بأسماء اهلل احلسىن‪.‬‬
‫‪ .10‬وامع كرامات األويلاء جمدلان‪.‬‬
‫‪ .11‬وواهر ابلحار يف فضائل انليب املختار‪ ،‬أربعة أوزاء‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫‪ .12‬حزب االستغاثات بسيد السادات‪.‬‬


‫ِّ‬
‫‪ .13‬حسن الرشعة يف مرشوعية صالة الظهر إذا تعددت اجلمعة‪.‬‬
‫‪ .14‬السابقات اجلياد يف مدح سيد العباد‪.‬‬
‫‪ .15‬سعادة ادلارين يف الصالة ىلع سيد الكونني‪.‬‬
‫‪ .16‬الرشف املؤبد آلل حممد وهو كتابنا هذا‪.‬‬
‫‪ .17‬شواهد احلق يف االستغاثة بسيد اخللق‪.‬‬
‫‪ .18‬القصيدة الرائية الصغرى يف ذم ابلدعة (الوهابية) ومدح السنة‬
‫الغراء‪.‬‬
‫‪ .19‬القصيدة الرائية الكربى يف الكماالت اإلهلية والسرية انلبوية‬
‫ووصف امللة اإلسالمية وامللل األخرى‪.‬‬
‫‪ .20‬القول احلق يف مدائح خري اخللق‪.‬‬
‫‪ .21‬كتاب األربعني‪ ،‬أربعني من أحاديث سيد املرسلني‪.‬‬
‫‪ .22‬املجموعة انلبهانية يف املدائح انلبوية أربعة أوزاء‪.‬‬
‫‪ .23‬انلظم ابلديع يف مودل الشفيع‪.‬‬
‫‪ .24‬هادي املريد إىل طر األسانيد‪ ،‬وهو ثبتُه‪.‬‬
‫‪ .25‬طيبة الغراء يف مدح سيد األنبياء صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫‪ .26‬وسائل الوصول إىل شمائل الرسول‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ماكنته عند العلماء‪:‬‬


‫قال ابليطار صاحب حلية البرش‪" :‬هذا اإلمام‪ ،‬والشهم األديب اهلمام‪ ،‬قد‬
‫طلعت فضائل حماسنه طلوع انلجوم الزواهر‪ ،‬وسعدت مطالع شمائله‬
‫بآدابه املعجبة ابلواهر‪ ،‬فهو األملىع املشهود هل بقوة اإلدراك‪ ،‬واللوذىع‬
‫املستوى مقامه ىلع ذروة األفالك‪ ،‬وهل ذاكء أحد من السيف إذا جترد من‬
‫قرابه‪ ،‬وفكر إذا أراد ابلحر أن حيكيه وقع يف اضطرابه‪ ،‬ونرث يزرى بالعقد‬
‫اثلمني وادلر املنثور‪ ،‬وشعر يدل ىلع كمال اإلدراك وتمام الشعور‪ ،‬فهو‬
‫فارس ميدان الرياع والصفاح‪ ،‬وصاحب الرماح اخلطية واألقالم الفصاح‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فلعمرى لقد أصبح يف الفضل وحيدا‪ ،‬ولم جتد عنه انلباهة حميصا وال‬
‫ً‬
‫حميدا‪ ،‬وناهيك بمحاسن قدلها‪ ،‬ومناقب أثبتها وخدلها‪ ،‬إذا تليت يف‬
‫املجامع‪ ،‬اهزتت هلا األعطاف وتشنفت املسامع"‪.‬‬
‫وقد أثىن عليه جمموعة من أكابر علماء عرصه‪ ،‬وقرظوا كتابه "شواهد‬
‫احلق يف االستغاثة بسيد اخللق"‪ ،‬ووافقوه ىلع ما كتبه من اآلراء‪ ،‬ومن‬
‫هؤالء‪:‬‬
‫‪ -‬الشيخ ىلع حممد ابلبالوي املاليك شيخ اجلامع األزهر املتوىف سنة‬
‫‪ 1323‬هجري‪.‬‬
‫‪ -‬مفىت ادليار املرصية الشيخ عبد القادر الرافيع شيخ السادة احلنفية‬
‫املشهور بأيب حنيفة الصغري املتوىف سنة ‪ 1323‬هجري‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ عبد الرمحن الرشبيين الشافيع شيخ اجلامع األزهر املتوىف‬

‫‪12‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫سنة ‪ 1326‬هجري‪.‬‬
‫‪ -‬مفىت ادليار املرصية الشيخ بكرى حممد اعشور الصديف شيخ‬
‫احلنفية‪.‬‬
‫‪ -‬احلافظ حممد عبد اليح بن عبد الكبري الكتاين احلسين املغريب‬
‫املتوىف سنة ‪ 1382‬هجري‪.‬‬
‫‪ -‬الفقيه أمحد بك احلسيىن الشافيع املتوىف سنة ‪ 1332‬هجري‪.‬‬
‫‪ -‬شيخ السادة الشافعية سليمان العبد‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ أمحد حسنني ابلواليق الشافيع‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ أمحد البسيوىن شيخ السادة احلنابلة‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ سعيد املويج الشافيع‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ حممد احلليب الشافيع‪.‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫ْ‬
‫‪1932‬‬ ‫تويف رمحه اهلل تعاىل يف بدلته إو ِزم سنة ‪ 1350‬هجري املوافق هل‬
‫رويم‪ ،‬رمحه اهلل رمحة واسعة‪ ،‬وأحلقنا به يف ادلنيا واآلخرة‪ ،‬امهلل آمني يا رب‬
‫العاملني‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‬
‫ِّ‬
‫وصل امهلل ىلع سيدنا وموالنا ا‬
‫حممد‬
‫وىلع آل بيته وصحبه الطيبني الطاهرين‬

‫‪13‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قال املؤلف رمحه اهلل‪:‬‬


‫آل طـــــــــه يـــــــــا آل خـــــــــري نـــــــــيب‬
‫وــــــــدأم خــــــــرية وأنــــــــتم خيــــــــار‬
‫أذهــــــب اهلل عــــــنكم الــــــروس أهــــــل ال‬
‫بيــــــــت قــــــــدما فــــــــأنتم األطهــــــــار‬
‫لـــــم يســـــل وـــــدأم ىلع ادليـــــن أوـــــرا‬
‫غـــــــري ود القـــــــر ونعـــــــم اإلوـــــــار‬
‫فــــــؤاد فيــــــه‬ ‫حــــــبكم ونــــــة لــــــ‬
‫حـــــــب األصـــــــحاب وابلغـــــــض نـــــــار‬
‫ريض اهلل عـــــــــنكم وأنـــــــــتم انلـــــــــور‬
‫فــــــــــــــــيكم وإن أيب الكفــــــــــــــــار‬

‫‪14‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫املقدمة‬
‫الرمحن الرحيم‬ ‫هلل‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫بسم ا ِ‬
‫ً‬ ‫ِّ ْ‬
‫احلمد هلل اذلي ط اهر أهل بيت ن ِبيِّنا من ل ِروس وآتاهم من دلنه فضال‬
‫ت‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬
‫ً‬
‫الروس أهل ابلي ِ‬ ‫كبريا‪ ،‬فقال تعاىل‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ريا‪."1"‬‬ ‫ِ‬
‫والصالة والسالم ىلع سيدنا حممد املبعوث من أفضل قبيلة وأكرم‬
‫فصيلة‪ ،‬وىلع آهل األرشاف السادة وأصحابه األئمة القادة‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫ا‬
‫فيقول الفقري يوسف بن إسماعيل انلبهاين عفا اهلل عنه‪ :‬إن من أهم‬
‫ا‬
‫األمور ادلينية وآكد العقائد اإلسالمية اعتقاد أن سيدنا حممد صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم أفضل من ل مل ٍك ورسول‪ ،‬وأصوهل وفروعه أرشف‬
‫فروع"‪ "2‬وأصول‪ ،‬كيف ال وقد اتصلت بنسبه أنسابهم‪ ،‬وارتبطت حبسبه‬
‫أحسابهم‪ ،‬فهم منه وإيله وأقرب انلاس دليه‪ ،‬وال ريب يف أن حمبته صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم فرض ىلع ل موحد‪ ،‬جمتهد ومقدل‪ ،‬وحبسب زيادتها‬
‫ا‬
‫ونقصانها تكون زيادة اإليمان ونقصانه‪ ،‬ومن ادىع اإليمان بدونها فقد‬
‫ُ‬
‫عظم نفاقه وبهتانه‪.‬‬
‫ومن حمبته عليه الصالة والسالم حمبة من اتصلوا به‪ ،‬وروعت أنسابهم‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬األصل أن تقدم اآلباء ىلع األبناء‪ ،‬ولكن كون اتلفضيل رشيع فيقدم األبناء ىلع‬
‫اآلباء‪ ،‬ألن املقدم هوالرشع وليس العرف والعادة والعقل‪ .‬ا‪.‬ه‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫كآبائه وأبنائه إىل نسبه‪ ،‬أما آباؤه فقد انقضت أعصارهم‪ ،‬وبقيت‬
‫ا‬
‫أخبارهم‪ ،‬فم ِن ادىع حمبتهم ألوله فال ترثيب عليه‪ ،‬وتسلم دعواه إيله‪ ،‬إذ‬
‫ال ديلل ىلع بطالن دعواه‪ ،‬ويولك أمر باطنه إىل اهلل‪ ،‬وأما أبناؤه فهم بركة‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫هذه األمة‪ ،‬الاكشفون عنها من غياهب الكون ل غ امة‪ ،‬فال بد وأن يوود‬
‫ا‬
‫يف ل عرص طائفة منهم يدفع اهلل بها عن انلاس ابلالء‪ ،‬فإنهم أمان ألهل‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫انلجوم أمان ألهل السماء"‪ ،"1‬فم ْن اعرصهم وادىع حمبتهم‬ ‫أن ن‬ ‫األرض كما‬
‫بزخارف أقواهل ولم يقم ىلع دعواه الرباهني من حماسن أفعاهل فدعواه‬
‫فاسدة باطلة‪ ،‬ومن ُحىل الصحة اعطلة‪ ،‬هذا إذا لم يؤذهم بقلم وال لسان‪،‬‬
‫ولم يرش إىل تنقيصهم بعني وال بنان‪ ،‬ا‬
‫أما من فعل ذلك وادىع حمبتهم فال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحسبه إال جمنونا‪ ،‬وبدينه مفتونا‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل ما وقع يف عرصنا يف القسطنطينية سنة سبع وتسعني‬
‫ومائتني وألف هجرية من قوم وهال‪ ،‬غرقوا من أحوال ابلغضاء آلل‬
‫سيدنا حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف أوحال‪ ،‬فأخذوا يتأولون جبهلهم‬
‫ما ورد من اآليات واألخبار يف فضل أهل بيت انلبوة‪ ،‬ومعدن الرسالة‪،‬‬
‫ومهبط الوىح‪ ،‬ومنبع احلكمة‪ ،‬وخيروونها عن ظواهرها بأفهامهم السقيمة‪،‬‬
‫وآرائهم اذلميمة‪ ،‬ومع ذلك فقد زعموا أنهم ألهل ابليت من أهل املحبة‬
‫والوداد‪ ،‬ولم يعلموا أنهم هائمون من اخلذالن يف ل واد‪ ،‬وملا أراد اهلل‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم والطرباين بمعىن هذا اللفظ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫سبحانه تمام غوايتهم قدر هلم االطالع ىلع كتاب نوادر األصول للحكيم‬
‫يد ا ُ‬
‫اَّلل‬ ‫الرتمذي وقد أىت فيه ريض اهلل عنه بتفسري قوهل تعاىل‪ :‬إ انما يُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريا‪ ،"1"‬وقوهل عليه‬ ‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬
‫الر‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ب‬‫ه‬
‫ُْ‬
‫ذ‬ ‫ِيل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"‪"2‬‬
‫الصالة والسالم‪( :‬إين تارك فيكم اثلقلني كتاب اهلل وأهل بييت)‬
‫احلديث‪ ،‬وقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬انلجوم أمان ألهل السماء‪،‬‬
‫وأهل بييت أمان ألهل األرض)"‪ "3‬بأقاويل ظاهرها خمالف ملا عليه مجهور‬
‫ا‬
‫العلماء‪ ،‬فزعم أن اآلية الكريمة خاصة بالزووات الطاهرات أمهات‬
‫ا‬
‫املؤمنني‪ ،‬وشنع ىلع م ْن ذهب إىل غري ذلك من املفرسين‪ ،‬وأغرب من هذا‬
‫ا‬
‫دعواه يف احلديث األول حديث اثلقلني أن املراد من أهل ابليت فيه‬
‫ا‬
‫األئمة‪ ،‬وفقهاء األمة‪ ،‬ومثله غرابة أو أغرب زعمه يف احلديث اثلاين أن‬
‫أهل بيته صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيه هم األبدال ال اذلرية‪ ،‬ومنع أن‬
‫ا‬ ‫ِّ‬
‫تكون يف العنرص الطاهر هذه املزية‪ ،‬وإين ىلع يقني ِم ْن أنه رمحه اهلل ىلع‬
‫تقدير ثبوت ذلك عنه‪ ،‬وحتقق صدوره منه‪ ،‬مع استبعاد صحة نسبته إيله‬
‫وقرب احتمال د ِّسه عليه‪ ،‬لم يقصد به إال إحقا احلق ىلع ووه السداد‪،‬‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬رواه احلاأم والزبار عن زيد بن أرقم‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه احلاأم عن سيدنا وابر ريض اهلل عنه‪( :‬انلجوم أمان ألهل السماء فإذا ذهبت‬
‫أتاها ما يوعدون وأنا أمان ألصحايب ما كنت فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون وأهل بييت‬
‫أمان ألميت فإذا ذهب أهل بييت أتاهم ما يوعدون) ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫حبسب ما أداه إيله االوتهاد وأروو أن ال يلحقه بذلك عتاب‪ ،‬وأن ال‬
‫ا‬
‫يفوته ىلع نيته اثلواب‪ ،‬فإنه نفعنا اهلل به من مشاهري األئمة ومصابيح هذه‬
‫ً‬
‫مسطورا‪.‬‬ ‫ً‬
‫معذورا‪ ،‬وقد اكن ذلك يف الكتاب‬ ‫األمة‪ ،‬ولعله اكن فيما أىت به‬
‫وىلع ل احلال فقد ا‬
‫تم العمل‪ ،‬وسبق السيف العذل‪ ،‬فأخذ أوئلك‬
‫املخذولون عبارته رمحه اهلل وصاروا يرووون بها بضاعتهم الاكسدة‪،‬‬
‫ويصلحون بها عقائدهم الفاسدة‪ ،‬ويتمشدقون بها يف جمالس إخوانهم‬
‫العوام‪ ،‬ويفهمونهم أن ال فر بني العرتة الطاهرة وبني أحد من أهل‬
‫اإلسالم‪ ،‬ا‬
‫فلما شاع أمرهم املذموم‪ ،‬وفشا رس ضالتلهم املكتوم‪ ،‬محلين ىلع‬
‫تزييف مداعهم ابلاطل الفاسد‪ ،‬وهدم ما استندوا إيله من واهيات‬
‫القواعد‪ ،‬أمر رشيف صدر من أحد أوالء العصابة املصطفوية‪ ،‬وافق مين‬
‫بواعث قلبية‪ ،‬ومداعهم وإن اكن بدييه ابلطالن‪ ،‬ال يرتاب فيه أحد ممن‬
‫ا‬
‫شم راحئة اإليمان‪ ،‬وقد يقال‪ :‬ال حاوة إىل إبطال ابلاطل وما هو إال من‬
‫قبيل حتصيل احلاصل‪ ،‬فهو منكر وإنكار املنكر أمر واوب‪ ،‬وإماطة‬
‫ابلدعة عن املسلمني رضبة الزب‪.‬‬
‫ً‬
‫فجمعت هذا الكتاب من كتب األئمة األعالم‪ ،‬ونقلت فيه أنموذوا من‬
‫الكتاب والسنة واآلثار يف فضل آهل عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولم أقرصه ىلع‬
‫رد تلك األقاويل الفاسدة تلتم به الفائدة وسميته‪ :‬الرشف املؤبد آلل حممد‬

‫‪18‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وأسأل اهلل العظيم رب العرش الكريم‪ ،‬أن ينفعين به واملسلمني‪،‬‬


‫وحيرشين حتت لواء سيد املرسلني يف زمرة املحبني هل وآلهل الطاهرين‪،‬‬
‫وأروو من أهل العلم والفهم أن يعذروين يف عدم استيفاء الالكم‪ ،‬ويغتفروا‬
‫ا‬
‫يل زلة القلم إن عرثوا عليها فقلما س ِلم أحد من زلة األقالم‪ ،‬ورتبته ىلع‬
‫ثالثة مقاصد وخاتمة‪.‬‬
‫املقصد األول‪ :‬وهو احلامل ىلع مجع الكتاب يف الالكم ىلع آية ‪‬إ انما يُر ُ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫وحديث (إين تارك فيكم اثلقلني‪( ،)...‬وأهل بييت أمان ألميت) ‪.‬‬ ‫اُ‬
‫اَّلل‪،‬‬
‫املقصد اثلاين‪ :‬يف الالكم ىلع رشفهم ومزاياهم وما اختصهم اهلل به دون‬
‫من عداهم‪.‬‬
‫املقصد اثلالث‪ :‬يف الالكم ىلع ما يف حبهم وتوابعه من الفوز العظيم‪ ،‬وما‬
‫يف بغضهم وتوابعه من املرتع الوخيم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُْ‬ ‫ا‬
‫اخلاتمة‪ :‬يف بيان فضل الصحابة وأن حمبة آل ابليت ال جت ِدي نفعا إذا‬
‫خالطها بغض أحد من أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫املقصد األول‬
‫ْ‬ ‫ا ُ ُ ا‬
‫وحديث‪:‬‬ ‫يد اَّلل‪‬‬‫وهو احلامل ىلع مجع الكتاب يف الالكم ىلع آية‪ِ  :‬إنما ي ِر‬
‫(إين تارك فيكم اثلقلني‪( ،)...‬وأهل بييت أمان ألميت) ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫الروس أهل‬ ‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬ ‫قال اهلل سبحانه وتعاىل‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ريا‪."1"‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال اإلمام أبو وعفر حممد بن ورير الطربي يف تفسريه "يقول اهلل تعاىل‬
‫ْ ُ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنك ُم السوء والفحشاء يا أهل حممد ويطهركم من‬ ‫ِإنما ي ِريد‬
‫ً‬
‫ادلنس اذلي يكون يف معايص اهلل تطهريا""‪."2‬‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫ور ِوي عن أيب زيد أن الروس ههنا الشيطان‪.‬‬
‫يد ا ُ‬
‫اَّلل‬ ‫وذكر أي الطربي بسنده إىل سعيد بن قتادة أنه قال قوهل‪ :‬إ انما يُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريا‪ ‬فهم أهل بيت‬ ‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬
‫ِيلُذ ِهب عنكم الر‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طهرهم اهلل من السوء وخ اصهم برمحة منه‪.‬‬
‫وقال ابن عطية‪" :‬والروس اسم يقع ىلع اإلثم والعذاب‪ ،‬وىلع انلجاسات‬
‫وانلقائص‪ ،‬فأذهب اهلل مجيع ذلك عن أهل ابليت"‪.‬‬
‫وقال اإلمام انلووي‪" :‬قيل هو الشك‪ ،‬وقيل العذاب‪ ،‬وقيل اإلثم"‪.‬‬
‫عمل وغريه"‪.‬‬
‫مستقذر من ٍ‬ ‫قال األزهري‪" :‬الروس اسم ل‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬قول اإلمام الطربي هذا تفسري ملعىن اآلية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫واختلف املفرسون يف أهل ابليت يف هذه اآلية‪ ،‬فذهبت طائفة منهم أبو‬
‫سعيد اخلدري ومجاعة من اتلابعني منهم جماهد وقتادة‪ ،‬وغريهم كما نقله‬
‫اإلمام ابلغوي وابن اخلازن وكثري من املفرسين إىل أنهم هنا أهل العباء‬
‫ّ‬
‫ويلع وفاطمة واحلسن واحلسني‬ ‫وهم‪ :‬رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫وذهب مجاعة منهم ابن عباس وعكرمة إىل أنهم أزواوه الطاهرات صىل‬
‫ا ن ُْ‬ ‫ن‬
‫يب قل‬ ‫ِ‬ ‫انل‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ي‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬قال هؤالء اآليات لكها من قوهل‪ :‬يا أ‬
‫يفا خب ً‬ ‫ً‬ ‫ا ا‬ ‫ْ‬
‫ريا‪ "1"‬منسو بعضها ىلع‬ ‫ِ‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫اك‬ ‫اَّلل‬ ‫اوك‪ ...‬إىل قوهل‪ِ ...‬إن‬
‫ألزو ِ‬
‫لغريهن وأواب عن هذا القائلون بأن‬ ‫ا‬ ‫بعض فكيف صار يف الوسط الكم‬
‫ا‬
‫املراد أهل العباء بأن الالكم العريب يدخله االستطراد واالعرتاض وهو‬
‫ا ْ ُ‬
‫ختلل اجلملة األونبية بني الالكم املتناسق كقوهل تعاىل‪ِ  :‬إن ال ُملوك إِذا‬
‫ِّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫اً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً ْ‬ ‫ُ‬
‫دخلوا ق ْرية أفس ُدوها ووعلوا أ ِع ازة أه ِلها أ ِذلة وكذلِك يفعلون وإِين ُم ْر ِسلة‬
‫ْ ُ‬
‫ِإيلْ ِه ْم بِه ِديا ٍة‪ ،"2"‬فقوهل‪ :‬وكذلِك يفعلون‪ ‬مجلة معرتضة من وهة اهلل بني‬
‫الكم بلقيس‪.‬‬
‫اُ‬ ‫ْ‬ ‫اُ‬ ‫انل ُ‬ ‫ُ‬
‫وقوهل تعاىل‪ :‬فال أقْ ِس ُم بمواقِع ن‬
‫جومِ وإِنه لقسم ل ْو تعل ُمون ع ِظيم ِإنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫لق ْرآن ك ِريم‪ ،"3"‬أي‪ :‬فال أقسم بمواقع انلجوم إنه لقرآن وما بينهما‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.34 -28‬‬


‫‪ -2‬انلمل آية ‪.35-34‬‬
‫‪ -3‬الواقعة آية ‪.75‬‬

‫‪21‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اعرتاض ىلع اعرتاض وهو كثري يف القرآن وغريه من الكم العرب‪.‬‬


‫ا‬
‫وقد ثبت من طر عديدة صحيحة أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫يلع وفاطمة وحسن وحسني‪ ،‬قد أخذ ل واحد منهما بيد‬ ‫وسلم واء ومعه ّ‬
‫ً‬ ‫عليا ً وفاطمة وأولسهما بني يديه وأولس حسنا ً ُ‬
‫حىت دخل فأدىن ّ‬
‫وحسينا‬
‫ ل واحد ىلع فخذه ثم ل اف عليهما كساء ا‬
‫ثم تال هذه اآلية‪ :‬إ انما يُر ُ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً "‪"1‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫اُ ْ‬
‫ت ويطهركم تط ِهريا‪ ، ‬ويف رواية‪:‬‬ ‫الروس أهل ابلي ِ‬ ‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬
‫(امهلل هؤالء أهل بييت فأذهب عنهم الروس وطهرهم تطهريا) ‪ ،‬قالت أم‬
‫سلمة ريض اهلل عنها‪ :‬فرفعت الكساء ألدخل معهم فجذبه من يدي‬
‫ا‬
‫فقلت‪ :‬وأنا معكم يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪( :‬إنك من أزواج انليب صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم ىلع خري)"‪."2‬‬
‫وروى أمحد والطرباين عن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل‬
‫ٍّ‬ ‫ا‬ ‫ُْ‬
‫ت هذه اآلية يف مخسة‪ ،‬يف ويف يلع وحسن وحسني‬ ‫عليه وآهل وسلم‪( :‬أن ِزل ِ‬
‫وفاطمة)‪.‬‬
‫ا‬
‫وروى من طر عديدة حسنة وصحيحة عن أنس ريض اهلل عنه أن‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم اكن بعد نزول هذه اآلية يمر ببيت‬
‫فاطمة إذا خرج إىل صالة الفجر يقول‪( :‬الصالة أهل ابليت‪ ،‬إ انما يُر ُ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬رواه أمحد واحلاأم والرتمذي والنسايئ والطرباين وغريهم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫اُ ْ‬


‫ت ويطهركم تط ِهريا‪. )‬‬
‫"‪"1‬‬
‫الروس أهل ابلي ِ‬ ‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم واء أربعني صباحا‬
‫يعين بعد نزول هذه اآلية إىل باب فاطمة يقول‪( :‬السالم عليكم أهل‬
‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب‬ ‫ابليت ورمحة اهلل وبراكته الصالة رمحكم اهلل ‪ِ ‬إنما ي ِريد‬
‫ريا‪ ،"2")‬وعن ابن عباس ريض‬ ‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬
‫عنكم الر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل عنهما (سبعة أشهر) ويف رواية (ثمانية أشهر)"‪ ،"3‬وهذا نص منه صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم ىلع أن املراد من أهل ابليت يف هذه اآلية هم اخلمسة‪.‬‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ْ‬
‫الروس‬ ‫قالوا ولو اكن املراد الزووات الطاهرات ملا قال‪ِ  :‬يلُذ ِهب عنكم‬
‫ُ‬
‫و ُيط ِّهرك ْم‪ ‬بضمري مجع اذلكور‪ ،‬بل اكن الالزم أن يقال يلذهب عنكن‬
‫ويطهركن‪ ،‬فأوابوا عن هذا بأن اتلذكري هنا باعتبار لفظ األهل فإن لفظه‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫مذكر وهلذا قال عنك ُم و ُيط ِّهرك ْم‪.‬‬
‫ً‬
‫واجلمهور ىلع أن املراد من أهل ابليت يف اآلية ما يشمل الفريقني معا‬
‫ً‬
‫عمال جبميع األدلة‪ ،‬قال املقريزي‪ :‬ومن ُح ا‬
‫جة اجلمهور قوهل‪ :‬عنكم‬
‫ويطهركم بامليم‪.‬‬
‫ولو اكن املراد النساء خاصة لاكن عنكن ويطهركن‪ ،‬وقال ابن عطية‪:‬‬
‫واذلي يظهر يل أن زوواته ال خيرون عن ذلك ابلتة فأهل ابليت زوواته‬

‫‪ -1‬رواه أمحد واحلاأم والرتمذي‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الطرباين‬
‫اآلثار تسعة أشهر‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذكر ذلك ابن أيب شيبة يف مسنده وذكر الطحاوي يف مش‬

‫‪23‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وبنته وبنوها وزووها‪.‬‬


‫ْ ُ‬ ‫ا‬
‫وقال النسيف‪ :‬وفيه ديلل ىلع أن نساءه من أهل بيته وقال‪ :‬عنك ُم‪‬‬
‫ألنه أراد الروال والنساء من آهل بداللة ‪‬و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ريا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعليه الزخمرشي وابليضاوي وأبو السعود‪ ،‬وهو كذلك يف معالم اتلزنيل‬
‫لإلمام ابلغوي ويف الرواية اليت ذكرها عن أم سلمة ريض اهلل عنها فقلت‪:‬‬
‫ألست منهم يا رسول اهلل ؟ قال‪( :‬بىل)‪.‬‬
‫وقال الفخر الرازي بعد الكم‪ " :‬ا‬
‫ثم إن اهلل ترك خطاب املؤنثات وخاطب‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ْ‬
‫الروس‪ ‬يلدخل فيه نساء أهل‬ ‫خبطاب املذكرين بقوهل‪ِ  :‬يلُذ ِهب عنكم‬
‫بيته ورواهلم‪ ،‬واختلفت األقوال يف أهل ابليت‪ ،‬واألوىل أن يقال هم أوالده‬
‫ّ‬
‫ويلع منهم‪ ،‬ألنه اكن من أهل بيته بسبب‬ ‫وأزواوه‪ ،‬واحلسن واحلسني منهم‬
‫معارشته بنت انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ومالزمته هل"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ا‬
‫وذكر ابن ورير يف تفسريه مخس عرشة رواية بأسانيد خمتلفة يف أن أهل‬
‫ّ‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ويلع وفاطمة وحسن‬ ‫ابليت يف اآلية‪ ،‬هم‬
‫ّ‬
‫وحسني‪ ،‬ثم أعقبها برواية واحدة يف أن املراد زوواته الطاهرات صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫ورأيت اإلمام اجلليل خاتمة احلفاظ والل ادلين السيويط يف تفسريه ادلر‬
‫ا‬
‫املنثور قد صدر الالكم عند تفسري هذه اآلية بثالث روايات يف أن أهل‬
‫ابليت فيها هم أزواوه صىل اهلل عليه وآهل وسلم؛ وأعقبها بعرشين رواية‬
‫ّ‬
‫ويلع‬ ‫من طر خمتلفة‪ ،‬يف أن املراد منهم انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬

‫‪24‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وفاطمة واحلسن واحلسني‪.‬‬


‫منها ما أخروه ابن ورير وابن املنذر وابن أيب حاتم والطرباين وابن‬
‫ا‬
‫مردوية عن أم سلمة زوج انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪" :‬أن رسول اهلل‬
‫ربي‬ ‫ْ‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم اكن يف بيتها ىلع مقامة هل‪ ،‬عليه ِكساء خي ِ‬
‫ُ ُ ا‬ ‫ُ‬
‫اَّلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫اطمة بربمة فيها خزيرة‪ ،‬فقال رسول ِ‬ ‫فجاءت ف ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫وسلم (اد ِيع ز ْوو ِك و ْابن ِك حسنا وحسينا) فدعت ُه ْم‪ ،‬فبينما هم يأكلون إذ‬
‫ْ ُ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنك ُم‬ ‫نزلت ىلع انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ‪‬إِنما ي ِريد‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ت ويطهركم تط ِهريا‪ ‬فأخذ انليب صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫الروس أهل ابلي ِ‬
‫وسلم بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إىل السماء‬
‫ب‬‫ُث ام قال‪( :‬امهلل ه ُؤالء أ ْه ُل بيْيت وحاميت)‪ ،‬ويف رواية‪( :‬وخاصيت فأ ْذه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬
‫وس وط ِّه ْر ُه ْم ت ْطه ً‬
‫ريا)‪ ،‬قاهلا ثالث مرات‪ ،‬قالت أم سلمة ريض‬ ‫ِ‬ ‫عنهم الر‬
‫اهلل عنها فأدخلت رأيس يف السرت فقلت‪ :‬يا رسول اهلل وأنا معكم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(إنك إىل خري مرتني)" ‪.‬‬
‫ومنها ما أخروه ابن أيب شيبة وأمحد ومسلم وابن ورير وابن أيب حاتم‬
‫يب صىل‬ ‫واحلاأم عن اعئشة أم املؤمنني ريض اهلل عنها قالت‪( :‬خرج ّ‬
‫انل ّ‬
‫مرحل من شعر أسود‪ ،‬فجاء احلسن‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم غداة وعليه م ْرط ّ‬
‫ِ‬
‫واحلسني فأدخلهما معه‪ ،‬ثم واءت فاطمة فأدخلها معه ثم واء ِّ‬
‫يلع‬
‫ت‬ ‫وس أ ْهل ْابليْ‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم الر‬ ‫فأدخله معهم‪ ،‬ثم قال‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫ِ‬
‫و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ريا‪.)‬‬ ‫ِ‬

‫‪25‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ومنها ما أخروه ابن أيب شيبة وأمحد وابن ورير وابن املنذر وابن أيب‬
‫حاتم والطرباين واحلاأم وصححه وابليهيق يف سننه عن واثلة بن األسقع‬
‫اَّلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم إىل فاطمة ومعه ِّ‬ ‫ُ ُ ا‬
‫يلع وحسن‬ ‫قال‪" :‬واء رسول ِ‬
‫ً‬
‫وحسني‪ ،‬حىت دخل فأدىن عليِّا وفاطمة وأولسهما بني يديه وأولس‬
‫لف عليهم ثوبه ّ‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم تال هذه‬ ‫حسنا وحسينا ل واحد منهما ىلع فخذه ثم‬
‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُكمْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم الر‬ ‫اآلية ‪‬إِنما ي ِريد‬
‫ِ‬
‫ريا‪ ‬وقال‪( :‬امهلل هؤالء أهل بييت‪ ،‬امهلل أذهب عنهم الروس وطهرهم‬ ‫ت ْطه ً‬
‫ِ‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫تطهريا)‪ ،‬ق ُ‬
‫لت‪ :‬يا رسول اَّلل وأنا من أهلك؟ قال‪( :‬وأنت من أه ِيل) قال‬
‫واثل ُة‪ :‬إنا ُه أل ْرَج ما أ ْر ُ‬
‫وو"‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وذكر اإلمام الواحدي يف كتابه أسباب الزنول اخلالف‪ ،‬وذكر يف ل‬
‫روايتني غري أنه صدر الالكم بقوهل عن عطية عن أيب سعيد‪ :‬إ انما يُر ُ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً "‪"1‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫اُ ْ‬
‫ت ويطهركم تط ِهري‪ ، ‬نزلت يف‬ ‫الروس أهل ابلي ِ‬ ‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬
‫ويلع وفاطمة واحلسن واحلسني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مخسة‪ :‬يف انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪،‬‬
‫وثىن بقوهل عن عطاء بن أيب رباح قال‪ :‬حدثين م ْن سمع أم سلمة ريض اهلل‬
‫عنها تذكر ورسد الرواية اليت تقدمت عن ادلر املنثور ثم ذكر الروايتني‬
‫األخريني يف أنها نزلت يف الزووات الطاهرات ريض اهلل عنهم‪ ،‬ووعل يف‬
‫ً‬
‫تفسريه اآلية شاملة للفريقني مجعا بني الروايات وكذا انليسابوري ذكر يف‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬

‫‪26‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬
‫تفسريه شموهلا للفريقني‪ ،‬وذكر يف ل روايات غري أن يف روايته عن أم‬
‫سلمة فقلت‪" :‬وأنا منهم؟" فقال‪( :‬نعم)‬
‫ثم قال‪ :‬قال مقاتل‪ :‬أزواج انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم داخالت يف‬
‫حكم هذه اآلية‪ ،‬وإذا اوتمع املذكر واملؤنث يف موضع غلب املذكر ىلع‬
‫املؤنث وهلذا قال‪ :‬عنكم ويطهركم‪.‬‬
‫وقال املقريزي‪ :‬واذلي يظهر من اآلية أنها اعمة يف مجيع أهل ابليت من‬
‫ا‬ ‫ُ‬
‫األزواج وغريهم‪ ،‬وإنما قال ‪‬و ُيط ِّهرك ْم‪ ‬ألن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬
‫وعليا وحسنا وحسينا اكنوا داخلني فيهم‪ ،‬وإذا اوتمع املذكر واملؤنث‬ ‫وسلم‬
‫ا‬
‫غلب املذكر‪ ،‬فاقتضت اآلية أن الزووات من أهل ابليت يدل عليه سيا‬
‫الالكم‪.‬‬
‫ثم قال ويروى حديث أم سلمة ريض اهلل عنها‪" :‬أدخلت رأيس يف الكساء‬
‫وقلت‪ :‬وأنا منهم؟" فقال‪( :‬نعم)‪.‬‬
‫ا‬
‫وقال املحقق ابن حجر يف الصواعق‪" :‬إن املراد بابليت يف اآلية ما يشمل‬
‫بيت انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم وبيت سكناه فتشمل اآلية أزواوه‬
‫عليه الصالة والسالم"‪.‬‬
‫ا‬
‫وقال اثلعليب‪" :‬قيل هم بنو هاشم‪ ،‬فهذا ىلع أن ابليت يراد به بيت‬
‫النسب‪ ،‬فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم‪ ،‬وهو قول زيد بن‬
‫أرقم كما يف اخلازن وغريه"‪.‬‬
‫وأعم من هذا ما ذكره العالمة اخلطيب يف تفسريه فقال‪" :‬واختلف يف‬

‫‪27‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬
‫أهل ابليت واألوىل فيهم ما قاهل ابلقايع‪" :‬إنهم ل من يكون من ألزام‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم من الروال والنساء واألزواج واإلماء‬
‫واألقارب‪ ،‬ولكما اكن اإلنسان منهم أقرب وبانليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫أخص وألزم اكن باإلرادة أحق وأودر"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ا‬
‫إذا علمت هذا تعلم أن مذهب مجهور املفرسين شمول اآلية للفريقني‬
‫أهل العباء وأمهات املؤمنني رضوان اهلل عليهم أمجعني‪.‬‬

‫عبارة الشيخ األكرب حمىي ادلين بن العريب يف الفتوحات املكية يف تطهري‬


‫اهلل هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وأهل بيته‬
‫وقال شيخ الصوفية وإمام العارفني الشيخ األكرب سيدى حمىي ادلين بن‬
‫العريب ريض اهلل عنه يف ابلاب اتلاسع والعرشين من الفتوحات املكية‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"وملا اكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم عبدا حمضا قد طهره اهلل‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫وأهل بيته تطهريا وأذهب عنهم الروس‪ ،‬وهو ل ما يشينهم‪ ،‬فإن الروس‬
‫يد ا ُ‬
‫اَّلل‬ ‫هو القذر عند العرب هكذا حىك الفراء‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬إ انما يُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريا‪ ،"1"‬فال يضاف إيلهم‬ ‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬
‫الر‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ب‬‫ه‬
‫ُْ‬
‫ذ‬ ‫ِيل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا‬
‫إال مطهر والبد فإن املضاف إيلهم هو اذلي يشبههم‪ ،‬فما يضيفون‬
‫يب صىل‬ ‫ألنفسهم إال من هل حكم الطهارة واتلقديس‪ ،‬فهذه شهادة من ّ‬
‫انل ّ‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم لسلمان الفاريس بالطهارة واحلفظ اإلليه والعصمة‪،‬‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬

‫‪28‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫حيث قال فيه رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬سلمان منا أهل‬
‫ابليت)"‪ ،"1‬وشهد اهلل هلم باتلطهري وذهاب الروس عنهم‪ ،‬وإذا اكن ال‬
‫يضاف إيلهم إال مطهر مقدس‪ ،‬وحصلت هل العناية الربانية اإلهلية بمجرد‬
‫اإلضافة‪ ،‬فما ظنك بأهل ابليت يف نفوسهم‪ ،‬فهم املطهرون‪ ،‬بل هم عني‬
‫الطهارة‪ ،‬فهذه اآلية تدل ىلع أن اهلل تعاىل قد رشك أهل ابليت مع رسول‬
‫ا‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف قوهل تعاىل‪ :‬يل ْغفر لك ا ُ‬
‫اَّلل ما تقدم ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫ا‬ ‫ْ‬
‫ذن ِبك وما تأخر‪ ،"2"‬وأي وسخ وقذر أقذر من اذلنوب وأوسخ‪ ،‬فطهر اهلل‬
‫سبحانه نبيه صىل اهلل عليه وآهل وسلم باملغفرة مما هو ذنب بالنسبة إيلنا‪،‬‬
‫ً‬
‫ولو وقع منه صىل اهلل عليه وآهل وسلم لاكن ذنبا يف الصورة ال يف املعىن‪،‬‬
‫ً‬
‫ألن اذلنب ال يلحق به ىلع ذلك من اهلل وال منا رشاع‪ ،‬فلو اكن حكمه‬
‫حكم اذلنب لصحبه ما يصحب اذلنب من املذمة ولم يكن يصد قوهل‪:‬‬
‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ريا‪ ،‬فدخل الرشفاء‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ِ ‬يلُذ ِهب عنكم الر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أوالد فاطمة لكهم ريض اهلل عنهم ومن هو من أهل ابليت‪ ،‬مثل سلمان‬
‫الفاريس ريض اهلل عنه إىل يوم القيامة يف حكم هذه اآلية من الغفران‪،‬‬
‫ً‬
‫فهم املطهرون اختصاصا من اهلل وعناية بهم‪ ،‬لرشف سيدنا حممد صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم وعناية اهلل به‪ ،‬وال يظهر حكم هذا الرشف ألهل ابليت‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬


‫‪ -2‬الفتح آية ‪.2‬‬

‫‪29‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫إال يف ادلار اآلخرة‪ ،‬فأنهم حيرشون مغفورا هلم‪ ،‬وأما يف ادلنيا فمن أىت منهم‬
‫ً‬
‫حدا أقيم عليه اكتلائب إذا بلغ احلاأم أمره‪ ،‬وقد زىن أو رس أو رشب‬
‫أقيم عليه احلد مع حتقق املغفرة كماعز وأمثاهل وال جيوز ذمه‪ ،‬وينبيغ ل‬
‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫مسلم مؤمن باهلل وبما أنزهل أن يصد اهلل يف قوهل‪ِ  :‬يلُذ ِهب عنك ُم‬
‫ريا‪ ‬فيعتقد يف مجيع ما يصدر من أهل‬ ‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ِّ ْ‬
‫الر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابليت أن اهلل تعاىل قد عفا عنهم فيه‪ ،‬فال ينبيغ ملسلم أن يلحق املذمة‬
‫بهم‪ ،‬وال ما يشنأ أعراض من قد شهد اهلل بتطهريهم وذهاب الروس‬
‫عنهم‪ ،‬ال بعمل عملوه وال خبري قدموه‪ ،‬بل بسابق عناية من اهلل بهم‪ :‬ذلِك‬
‫اَّلل ُذو الْف ْضل الْعظيم‪ ،"1"‬وإذا ا‬
‫صح اخلرب الوارد‬
‫ْ ُ ا‬
‫اَّلل يُ ْؤ ِتي ِه م ْن يش ُ‬
‫اء و ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فضل ِ‬
‫يف سلمان الفاريس فله هذه ادلروة‪ ،‬فإنه لو اكن سلمان ىلع أمر يشنؤه‬
‫ً‬
‫ظاهر الرشع وتلحق املذمة بعامله‪ ،‬لاكن مضافا إىل أهل ابليت من لم‬
‫يذهب عنه الروس‪ ،‬فيكون ألهل ابليت من ذلك بقدر ما أضيف إيلهم‬
‫وهم املطهرون بانلص" انتىه الكم الشيخ األكرب‪.‬‬
‫فقد رصح كما ترى وهو إمام الصوفية‪ ،‬وكىف به حجة بدخول الرشفاء‬
‫أوالد فاطمة لكهم ريض اهلل عنهم‪ ،‬وموايلهم كسلمان الفاريس ريض اهلل‬
‫عنه إىل يوم القيامة يف حكم هذه اآلية من الغفران‪ ،‬فهم املطهرون‬
‫ً‬
‫اختصاصا من اهلل وعناية بهم لرشف سيدنا حممد صىل اهلل عليه وآهل‬

‫‪ -1‬سورة اجلمعة آية ‪.4‬‬

‫‪30‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وسلم وعناية اهلل به‪.‬‬


‫وال تلتفت بعد ما رسدته عليك من الكم األئمة األعالم إىل ظاهر ما قاهل‬
‫الرتمذي احلكيم ريض اهلل عنه يف نوادر األصول وتمسك به بعض اجلهلة‬
‫املخذولني‪ ،‬من عدم شمول اآلية ألهل العباء‪ ،‬وهذه عبارته بعد الكم شنع‬
‫فيه ىلع الطائفة الزائفة املفتونة‪ ،‬وأحسبه عىن بها الغالة من الشيعة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ت‬ ‫وس أ ْهل ْابليْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم الر‬ ‫وتأولوا قوهل تعاىل‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫ِ‬
‫يلع وفاطمة واحلسن واحلسني‪ ،‬ويه هلم خاصة‬ ‫ريا‪ ‬إنّما هم ِّ‬ ‫و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ِ‬
‫ا ن ُْ‬ ‫ن‬
‫وكيف جيوز هذا ومبتدأ هذا اخلطاب قوهل عز وول‪ :‬يا أيها انل ِيب قل‬
‫ا‬ ‫انل ِّ‬ ‫و ًرا عظ ً‬
‫يما‪ ‬ثم قال‪ :‬يانِساء ا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يب‪ ‬إىل قوهل ‪ِ ‬إنما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬‫‪‬‬ ‫‪:‬‬‫قوهل‬ ‫إىل‬ ‫‪‬‬ ‫ك‬ ‫او‬
‫ِ‬ ‫و‬‫ألز‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ت‪ ‬ثم قال‪ :‬واذكرن ما يتىل‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬
‫الروس أهل ابلي ِ‬ ‫ي ِريد‬
‫ُ‬
‫ِيف ُبيُوتِك ان‪ ‬وهذا الكم منسو أثره ىلع أثر بعض‪ ،‬فكيف صارت هذه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املخاطبات لكها لنساء انليب عليه الصالة والسالم قبال وبعدا‪ ،‬وينرصف‬
‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫يف الوسط لغريهن وهو ىلع نسق ونظام واحد‪ ،‬ألنه قال‪ِ  :‬يلُذ ِهب عنك ُم‬
‫ُ ا "‪"1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ت‪ ‬ثم قال ىلع أثره ‪‬بيوتِكن‪ ‬فكيف صار الاكف‬ ‫الروس أهل ابلي ِ‬
‫ً‬
‫يل وفاطمة ريض اهلل عنهما‪ ،‬وأين ذكرهما‬ ‫اثلاين خطابا للنساء واألول لع ّ‬
‫ْ‬
‫يف هذه اآليات؟ فإن قال إن اكن اخلطاب لنسائه فكيف قال‪ِ  :‬يلُذ ِهب‬
‫ْ ُ‬
‫عنك ُم‪ ‬ولم يقل عنكن؟‪.‬‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.34-28‬‬

‫‪31‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قلنا‪" :‬إنما ذكره ألنه ينرصف إىل األهل واألهل مذكر فسماهن باسم‬
‫ً‬
‫اتلذكري وإن أن إناثا‪ ،‬وقد يروى عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫يلع وفاطمة واحلسن واحلسني رضوان‬ ‫أنه ملا نزلت هذه اآلية دخل عليه ّ‬
‫ا‬
‫اهلل عليهم‪ ،‬فعمد انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم إىل الكساء فلفها عليهم‬
‫ثم ألوى بيده إىل السماء فقال‪( :‬هؤالء أهيل أذهب عنهم الروس وطهرهم‬ ‫ا‬

‫تطهريا)"‪ ،"1‬فهذه دعوة منه هلم بعد نزول اآلية أحب أن يدخلهم يف اآلية‬
‫اليت خوطب بها األزواج رضوان اهلل عليهم أمجعني" انتىه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬أن الكمه ريض اهلل عنه غري مسلم‪ ،‬ليس من حيث قرصه أهل‬
‫ابليت يف اآلية ىلع الزووات الطاهرات‪ ،‬فإن هل يف ذلك رشاكء من األئمة‬
‫وإن قلوا كما علمت‪ ،‬ولكن من حيث تشنيعه ىلع القائلني باختصاص‬
‫فاطمة وزووها وابنيها بهذه اآلية بعباراته الشديدة‪ ،‬فإن اكن مراده بهم‬
‫غالة الشيعة وهو الظاهر من األوصاف اذلميمة اليت وصفهم بها ويقتضيه‬
‫حسن الظن به فال بأس‪ ،‬غري أن نسبة هذا القول إيلهم خاصة غري‬
‫صواب‪ ،‬فقد تقدم أنه قال به أبو سعيد اخلدري من الصحابة ومجاعة من‬
‫ّ‬
‫الشافيع ريض اهلل عنه‪:‬‬ ‫اتلابعني‪ ،‬منهم قتادة وجماهد اذلي قال فيه اإلمام‬
‫إذا واءك اتلفسري عن جماهد فحسبك به‪ ،‬وإذا تأملت يف عبارته رمحه اهلل‬
‫ً‬
‫ظهر لك منها أنه حنق أيضا ىلع القائلني بشمول اآلية ألهل العباء‬

‫‪ -1‬رواه أمحد‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫والزووات الطاهرات معا‪ ،‬وقد علمت مما تقدم أن هذا مذهب مجهور‬
‫املفرسين من أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وقد ظهر ذلهين الفاتر تعليل وويه‬
‫لشمول اآلية للفريقني‪ ،‬وهو إين نظرت إىل سابق هذه اآلية والحقها من‬
‫ْ ُ‬ ‫نْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُُْا ُ ْ‬ ‫قوهل تعاىل‪ :‬قُ ْل ْ‬
‫ادلنيا‪ ‬إىل قوهل‪ :‬واذك ْرن‬ ‫ُت ت ِردن احلياة‬‫اوك إِن كن‬
‫ِ‬ ‫و‬‫ألز‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ما يتىل ِيف ُبيُوتِك ان‪."1"‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فوودت ضمري مجع النسوة مذكورا يف اثنني وعرشين موضعا عرشين‬
‫قبلها واثنني بعدها‪ ،‬ولم يأيت ضمري مجع اذلكور إال يف عنكم ويطهركم‪،‬‬
‫فلو اكن املراد أزواوه صىل اهلل عليه وآهل وسلم خاصة لاكن إتباع هذين‬
‫ً‬
‫الضمريين لالثنني وعرشين ضمريا أوىل وأحرى يلكون الالكم ىلع نسق‬
‫واحد فلم حتصل املخالفة فيهما إال ملخالفة املراد منهما للمراد مما قبلهما‬
‫وبعدهما ويكون ذلك بشموهلما مع الزووات الطاهرات ما أفصح‬
‫احلديث بدخوهلم وهم أهل العباء‪.‬‬
‫وأما تذكري لفظ األهل فغاية ما يقتضيه وواز تذكري الضمري باعتباره كما‬
‫ً‬
‫جيوز تأنيثه أيضا باعتبار املعىن‪ ،‬ويروح وانب املعىن هنا إحاطة ضمائر‬
‫النسوة بهذين الضمريين من لكتا وهتيهما‪ ،‬فإذن لم يعدل عن اتلأنيث‬
‫للتذكري فيهما إال ألمر آخر وهو دخول أهل العباء يف اخلطاب‪ ،‬ويف األهل‬
‫ّ ً‬
‫نصا ال يقبل‬ ‫باملعىن اذلي نص عليه رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.34-28‬‬

‫‪33‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اتلأويل يف قوهل‪( :‬امهلل هؤالء أهل بييت فأذهب عنهم الروس وطهرهم‬
‫تطهريا) ‪.‬‬
‫ّ‬
‫انلاص ىلع‬ ‫وقد قال احلكيم يف آخر عبارته السابقة بعد رسده احلديث‬
‫دخوهلم‪" :‬فهذه دعوة منه صىل اهلل عليه وآهل وسلم هلم بعد نزول اآلية‬
‫أحب أن يدخلهم يف اآلية اليت خوطب بها األزواج" انتىه‪.‬‬
‫وكيف حيب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم دخول قوم يف آية من‬
‫كتاب اهلل لم يدخلهم اهلل فيها؟‬
‫ا‬
‫واذلي يدل داللة واضحة ىلع أن املراد من اآلية أهل العباء مع الزووات‬
‫إن لم نقل وحدهم الرواية اليت أخروها عن أم سلمة ريض اهلل عنها ابن‬
‫ورير وابن املنذر وابن أيب حاتم والطرباين وابن مردوية‪ ،‬وتقدمت عن‬
‫ا‬
‫ادلر املنثور للحافظ السيويط ويه‪" :‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ُ‬ ‫وسلم اكن يف بيتها ىلع مقامة هل‪ ،‬عليه كساء خيْ‬
‫اطمة بربمة‬‫ربي فجاءت ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ ا‬
‫اَّلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬اد ِيع ز ْوو ِك‬
‫فيها خ ِزيرة فقال رسول ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫نيك حسنا وحسينا) فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت ىلع انليب صىل‬ ‫وب ِ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫ت‬‫اهلل عليه وآهل وسلم ‪ِ ‬إنما ي ِريد اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم الروس أهل ابلي ِ‬
‫ا‬ ‫ْ‬
‫يب صىل اهلل عليه وآهل وسلم بفضلة فغشاهم‬ ‫و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ريا‪ ،‬فأخذ ّ‬
‫انل ّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إىل السماء ث ام قال‪( :‬امهلل هؤالء‬
‫أهل بييت وحاميت) ‪ ،‬ويف رواية‪( :‬وخاصيت فأذهب عنهم الروس وطهرهم‬
‫تطهريا)‪ ،‬قاهلا ثالث مرات‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬فأدخلت رأيس يف السرت‬

‫‪34‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فقلت‪ :‬يا رسول اهلل وأنا معكم‪ ،‬فقال‪( :‬إنك إىل خري) مرتني"‬
‫فأنت ترى هذه الرواية رصحية يف ختصيص اآلية يف أهل العباء‪ ،‬نعم ذكر‬
‫ُ‬
‫ألست‬ ‫اإلمام ابلغوي يف معالم اتلزنيل يف الرواية عن أم سلمة‪ :‬فقلت "‬
‫منهم يا رسول اهلل؟" قال‪( :‬بىل)‪ ،‬وذكر املقريزي رواية عنها‪ :‬فقلت "وأنا‬
‫منهم؟" فقال‪( :‬نعم) ‪.‬‬
‫فهاتان الروايتان مع سابق اآلية والحقها يدالن ىلع دخول الزووات‬
‫الطاهرات يف املراد منها‪ ،‬وحينئذ تكون شاملة للفريقني كما هو مذهب‬
‫ا‬
‫مجهور املفرسين‪ ،‬فقد تلخص أن يف املراد من أهل ابليت يف اآلية مخسة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬قول اجلمهور إنها شاملة للفريقني وهو اذلي عليه االعتماد‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬قول أيب سعيد اخلدري من الصحابة ومجاعة من اتلابعني منهم‬
‫جماهد وقتادة أن أهل ابليت فيها هم أهل العباء خاصة‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬قول ابن عباس من الصحابة وعكرمة من اتلابعني أن املراد‬
‫الزووات الطاهرات‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما نقله ابن حجر يف الصواعق عن اثلعليب من أنهم بنو هاشم‪ ،‬ىلع‬
‫ا‬
‫أن ابليت يراد به بيت النسب‪ ،‬فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه‬
‫منهم‪ ،‬قال يف اخلازن وهو قول زيد بن أرقم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اخلامس‪ :‬ما نقله اخلطيب الرشبيين عن ابلقايع قال‪" :‬وهو األوىل من‬
‫أنهم ل من يكون من ألزام ّ‬
‫انل ّ‬
‫يب صىل اهلل عليه وآهل وسلم من الروال‬
‫والنساء واألزواج واإلماء واألقارب‪ ،‬ولك ما اكن اإلنسان منهم أقرب‬
‫ّ‬
‫وبانليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم أخص وألزم اكن باإلرادة أحق وأودر"‪.‬‬
‫وحيث قد استوفينا الالكم وأشعبنا انلنقول ىلع اآلية بما ال مزيد عليه‬
‫فلنرشع يف الالكم عن احلديثني‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فصل‬
‫يف الالكم ىلع قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫(إين تارك فيكم اثلقلني كتاب اهلل وعرتيت)‬
‫أخرج اإلمام مسلم يف صحيحه عن يزيد بن حيان قال‪" :‬انطلقت أنا‬
‫وحصني بن سربة وعمر بن مسلم إىل زيد بن أرقم ريض اهلل عنه فلما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولسنا إيله قال هل حصني لقد لقيت يا زيد خريا كثريا رأيت رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم وسمعت حديثه‪ ،‬وغزوت معه‪ ،‬وصليت خلفه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد أوتيت خريا كثريا‪ ،‬حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم" فقال زيد‪( :‬قام رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فينا‬
‫ً‬
‫خطيبا فحمد اهلل وأثىن عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد أال أيها انلاس‬
‫فإنما أنا برش يوشك أن يأيت رسول ريب فأويبه وأنا تارك فيكم ثقلني‬
‫أوهلما كتاب اهلل فيه اهلدى وانلور فخذوا بكتاب اهلل واستمسكوا به‬
‫فحث ىلع كتاب اهلل ورغب فيه‪ ،‬ثم قال وأهل بييت أذكركم اهلل يف أهل‬
‫بييت أذكركم اهلل يف أهل بييت) فقال هل حصني‪" :‬ومن أهل بيته يا زيد‬
‫أليس نساؤه من أهل بيته" قال‪" :‬نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من‬
‫حرم عليهم الصدقة بعده" قال‪" :‬ومن هم" قال‪" :‬هم آل يلع وآل عقيل وآل‬
‫وعفر وآل عباس" قال‪ " :‬ل هؤالء حرم الصدقة" قال‪" :‬نعم" ‪.‬‬
‫ويف رواية ملسلم أيضا‪ :‬فقلنا‪ " :‬من أهل بيته؟ " قال‪" :‬ال‪ ،‬وايم اهلل إن املرأة‬
‫تكون مع الرول العرص من ادلهر‪ ،‬ثم يطلقها فرتوع إىل أبيها وقومها‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أهل بيته أصله‪ ،‬وعصبته اذلين حرموا الصدقة بعده" ‪.‬‬


‫قال اإلمام انلووي يف رشحه‪" :‬فهاتان الروايتان ظاهرهما اتلناقض‬
‫واملعروف يف معظم الروايات يف غري مسلم أنه قال‪ :‬نساؤه لسن من أهل‬
‫ا‬
‫بيته‪ ،‬فتؤول الرواية األوىل ىلع أن املراد أنهن من أهل بيته اذلين يساكنونه‬
‫ً‬
‫ويعوهلم وأمر باحرتامهم وإكرامهم‪ ،‬وسماهم ثقال‪ ،‬ووعظ يف حقوقهم‬
‫وذكر‪ ،‬فنساؤه داخالت يف هذا لكه وال يدخلن فيمن حرم الصدقة‪،‬‬
‫فاتفقت الروايتان"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وفيه قال العلماء‪ :‬سميا ثقلني لعظمهما وكرب شأنهما‪ ،‬ويف انلهاية البن‬
‫ً ْ‬ ‫ُ‬
‫األثري يقال ل خطري نفيس ثقل فس اماهما ثقلني إعظاما ِلقد ِرهما‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫وتفخيما لشأنِهما‪ ،‬ويف القاموس‪ :‬اثلقل حمركة ل يشء مصون نفيس ومنه‬
‫احلديث‪( :‬إين تارك فيكم اثلقلني كتاب اهلل وعرتيت)"‪ ،"1‬قال الصبان يف‬
‫إسعاف الراغبني‪ :‬ومعىن أذكركم اهلل يف أهل بييت‪ ،‬أحذركم اهلل يف شأن‬
‫أهل بييت‪ ،‬وقال ابن عالن يف رشح رياض الصاحلني‪" :‬ويف تكريره تأكيد‬
‫الوصاية بهم وطلب العناية بشأنهم‪ ،‬فيكون من قبيل الواوب املؤكد‬
‫املطلوب ىلع طريق احلث"‪.‬‬
‫ويف االسعاف‪" :‬ولفظ رواية اإلمام أمحد‪( :‬إين أوشك أن أدىع فأويب‬
‫وإين تارك فيكم اثلقلني كتاب اهلل حبل ممدود من السماء إىل األرض‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وعرتيت أهل بييت‪ ،‬وإن اللطيف اخلبري أخربين أنهما لن يتفرقا حىت يردا‬
‫يلع احلوض يوم القيامة‪ ،‬فانظروا فيما ختلفوين فيهما)‪ ،‬وقوهل حبل ممدود‪:‬‬
‫املراد منه عهد اهلل أو السبب املوصل إىل رمحته ورضاه قاهل انلووي‪ ،‬ورواية‬
‫وابر ريض اهلل عنه‪( :‬أيها انلاس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن‬
‫تضلوا كتاب اهلل وعرتيت أهل بييت)‪.‬‬
‫وقد قرص الرتمذي احلكيم يف (نوادر األصول) العرتة أهل ابليت يف‬
‫احلديث ىلع أئمتهم وأطال يف ذلك وهذه عبارته‪" :‬قال األصل اخلمسون يف‬
‫االعتصام بالكتاب والعرتة‪ ،‬وبيانها عن وابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنه‬
‫قال‪( :‬رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف حجته يوم عرفة وهو‬
‫ىلع ناقته القصواء‪ ،‬خيطب فسمعته يقول أيها انلاس قد تركت فيكم ما‬
‫إن أخذتم به لن تضلوا كتاب اهلل وعرتيت أهل بييت)"‪ ،"1‬وعن حذيفة بن‬
‫أسيد الغفاري ريض اهلل عنه قال‪ :‬ملا صدر رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫نبأين اللطيف‬‫وسلم من حجة الوداع خطب فقال‪( :‬أيها انلاس‪ :‬إنه قد ا‬

‫اخلبري أنه لن يعمر نيب إال مثل نصف عمر اذلي يليه من قبل وإين أظن أن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يوشك أن أدىع فأويب‪ ،‬وإين فرطكم ىلع احلوض وإين سائلكم حني‬
‫تردون يلع عن اثلقلني فانظروا كيف ختلفوين فيهما‪ ،‬اثلقل األكرب كتاب‬
‫اهلل سبب طرفه بيد اهلل‪ ،‬وطرف بأيديكم‪ ،‬فاستمسكوا فال تضلوا وال‬

‫‪ -1‬رواه الرتمذي والطرباين‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫تبدلوا‪ ،‬واثلقل األصغر عرتيت أهل بييت فإين قد نبأين اللطيف اخلبري أنهما‬
‫يلع احلوض)"‪ ،"1‬روي عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫لن يتفرقا حىت يردا ا‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫الروس‬ ‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬ ‫وسلم أنه داعهم ثم تال هذه اآلية‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫ريا‪ ‬فذريتهم منهم‪ ،‬فهم صفوة وليسوا بأهل‬ ‫أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عصمة‪ ،‬إنما العصمة للنبيني عليهم الصالة والسالم واملحنة ملن دونهم‪،‬‬
‫وإنما يمتحن من اكنت األمور حمجوبة عنه‪ ،‬فأما من صارت األمور هل‬
‫معاينة ومشاهدة فقد ارتفع عن املحنة‪ ،‬وقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫(لن يتفرقا حىت يردا ا‬
‫ىلع احلوض)‪ ،‬وقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ما إِن‬
‫ن‬ ‫ُْ‬
‫أخذت ْم بِ ِه ل ْن ت ِضلوا) واقع ىلع األئمة منهم السادة ال ىلع غريهم‪ ،‬وليس‬
‫امليسء املخلط قدوة واكئن فيهم املخلطون واملسيؤون ألنهم لم يعروا من‬
‫شهوات اآلدميني وال عصموا عصمة انلبيني‪ ،‬وكذلك كتاب اهلل من قبل‬
‫مأمنه ناسخ ومنسوخ‪ ،‬فكما ارتفع احلكم باملنسوخ منه كذلك ارتفعت‬
‫ّ‬
‫القدوة باملخذولني منهم‪ ،‬وإنما يلزمنا االقتداء بالفقهاء العلماء منهم‬
‫بالفقه والعلم اذلي ضمن اهلل تعاىل بني أحشائهم ال باألصل والعنرص‪،‬‬
‫ً‬
‫فإذا اكن هذا العلم والفقه مووودا يف غري عنرصهم لزمنا االقتداء بهم‬
‫ا‬
‫اَّلل وأط ُ‬ ‫اكالقتداء بهؤالء‪ ،‬وقد قال تعاىل يف تزنيله الكريم‪ :‬أط ُ‬
‫يعوا‬ ‫ِ‬ ‫يعوا‬ ‫ِ‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬ ‫ْ ْ ُ ْ "‪ّ "1‬‬ ‫ُ‬ ‫اُ‬
‫وِل األم ِر ِمنكم‪ ‬فإنما ييل األمر منا من فهم عن اهلل تعاىل‬
‫الرسول وأ ِ‬
‫وعن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما يهم احلاوة إيله من العلم يف‬
‫ّ‬
‫أمر رشيعته‪ ،‬وإنما أشار رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيما نرى‬
‫ً‬
‫إيلهم ألن العنرص إذا طاب اكن معينا هلم ىلع فهم ما حيتاج إيله‪ ،‬وطيب‬
‫العنرص يؤدي إىل حماسن األخال ‪ ،‬وحماسن األخال تؤدي إىل صفاء‬
‫ً‬
‫القلب ونزاهته‪ ،‬وإذا نزه القلب وصفا اكن انلور أعظم وأرش الصدر‬
‫ً‬
‫بنوره‪ ،‬فاكن ذلك عونا هل ىلع درك ما به احلاوة من رشيعته" انتهت عبارته‬
‫حبروفها‪.‬‬
‫ا‬
‫قلت قوهل‪" :‬واقع ىلع األئمة منهم السادة" غري ُمسلم‪ ،‬وإنما هو واقع ىلع‬
‫اعمة أهل ابليت وخاصتهم مسيئهم وحمسنهم‪ ،‬إمامهم ومأمومهم‪.‬‬
‫إذ ليس معىن قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬لن يتفرقا حىت يردا ا‬
‫يلع‬
‫احلوض) مالزمتهم لكتاب اهلل من حيث العمل جبميع أحاكمه حىت يرد‬
‫قوهل‪" :‬واكئن فيهم املخلطون واملسيئون‪ ...‬الخ"‪.‬‬
‫بل هو حتريض ىلع إكرامهم وتبشري هلم بأنهم ال يفارقون دين اإلسالم‬
‫حىت يدخلوا اجلنة بسالم‪ ،‬ويكيف هذا يف معىن عدم تفرقهم من كتاب‬
‫اهلل إىل ورود احلوض‪ ،‬ويدل ملالزمتهم دين اإلسالم من الكتاب قوهل تعاىل‪:‬‬
‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُكم ت ْطه ً‬
‫ريا‪‬‬
‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬
‫الر‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ب‬‫ه‬‫ِ‬
‫ا ُ ُ اُ ُ ْ‬
‫ذ‬ ‫‪ِ ‬إنما ي ِريد اَّلل ِيل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪ -1‬النساء آية ‪.59‬‬

‫‪41‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬
‫وقد علمت مما تقدم أن الروس شامل جلميع اذلنوب وانلقائص اليت‬
‫أقبحها الكفر‪ ،‬فهم قوم مطهرون من قبل اهلل‪ ،‬فال يتطرأ إيلهم يف دينهم‬
‫خلل وال يقع يف عقائدهم زيغ وال زلل‪.‬‬
‫ا‬
‫فإن قلت‪ :‬ديللك هذا غري مقبول عند احلكيم فإن رأيه ختصيص اآلية‬
‫بأزواوه صىل اهلل عليه وآهل وسلم كما تقدم‪.‬‬
‫ا‬
‫أن ا‬ ‫ا‬
‫انليب صىل‬ ‫قلت‪ :‬نعم وهو وإن رأى ذلك إال أنه هنا وفيما تقدم أثبت‬
‫ًّ‬
‫عليا وفاطمة واحلسن واحلسني وتال هذه اآلية‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم داع‬
‫وزاد هنا قوهل‪ :‬فذريتهم منهم فهم صفوة‪ ،‬وقال هناك هذه دعوة منه صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم بعد نزول اآلية أحب أن يدخلهم فيها‪ ،‬فهو البد وأن‬
‫يعتقد أن دعوة انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم استجيبت فيهم‪ ،‬وإذا اكن‬
‫ً‬
‫كذلك فهم ىلع ل حال داخلون يف حكم اآلية أوال وباذلات كما هو‬
‫ً‬
‫رأي اجلمهور أو آخرا وبالعرض ىلع رأيه‪ ،‬فقد ثبت عدم تفرقهم من كتاب‬
‫اهلل بعدم احنرافهم عن دين اإلسالم إىل ورود احلوض‪ ،‬ويدل ذللك قوهل‬
‫ُْ‬
‫تعاىل‪ :‬ولس ْوف يع ِطيك ر نبك فرتيض‪ ،"1"‬نقل القرطيب عن ابن عباس‬
‫ريض اهلل عنهما يف تفسري هذه اآلية أنه قال‪" :‬رضا سيدنا حممد صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم أن ال يدخل أحد من أهل بيته انلار"‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأدلة ذلك من السنة كثرية قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن‬

‫‪ -1‬الضىح آية ‪.5‬‬

‫‪42‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فاطمة قد أحصنت فروها فحرمها اهلل وذريتها ىلع انلار) ‪ ،‬قال احلاأم‪:‬‬
‫حديث صحيح‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصني ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬
‫وآهل وسلم‪( :‬سألت ر أن ال يدخل انلار أحدا من أهل بييت فأعطانيها)"‪،"1‬‬
‫وسيأيت يف املقصد اثلاين زيادة تفصيل يف هذا املعىن‪.‬‬
‫ً‬
‫وأذكر هنا ديلال لطيفا ظهر يل من قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ( :‬ل‬
‫سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إال سبيب ونسيب)"‪."2‬‬
‫ا‬
‫فإنه يتضمن عصمة أهل بيت انلبوة من الكفر‪ ،‬إذ لو واز عليهم ملا‬
‫ساغ هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم هذا االستثناء‪ ،‬فإن الكفر أكرب قاطع‬
‫للسبب والنسب‪ ،‬فاتصال نسبهم يوم القيامة به عليه الصالة والسالم‬
‫حجة ىلع عدم مفارقتهم ادلين بيقني‪.‬‬
‫وأما قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬قد تركت فيكم ما إن أخذتم به‬
‫لن تضلوا كتاب اهلل وعرتيت أهل بييت)"‪ ،"3‬فاألخذ بكل منهما بما يناسبه‪،‬‬
‫فاألخذ بكتاب اهلل اتلمسك به بالعمل بأحاكمه وحتليل حالهل وحتريم‬
‫حرامه‪ ،‬واألخذ بالعرتة أهل ابليت اتلمسك بما يقتضيه حقهم من املحبة‬

‫‪ -1‬ذكره ابن برشان يف أمايله عن عمران بن حصني ريض اهلل عنه وذكره السيويط يف‬
‫احلاوي للفتاوي وعزاه للمحب الطربي يف ذخائر العقىب‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الرتمذي والنسايئ والطرباين‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫والعناية واتلبجيل واإلعظام واإلعزاز واإلكرام‪ ،‬فهو شامل هلم مجيعا‬
‫حمسنهم ومسيئهم‪ ،‬وحينئذ يسقط ما أورده احلكيم بناء ىلع ما فهمه يف‬
‫احلديث‪ ،‬وبىن ىلع ذلك ختصيصه باألئمة منهم ويشهد ذللك الروايات‬
‫األخر‪ ،‬كرواية زيد بن أرقم ريض اهلل عنه السابقة‪( :‬وأنا تارك فيكم‬
‫ثقلني أوهلما كتاب اهلل فيه اهلدى وانلور فخذوا بكتاب اهلل واستمسكوا‬
‫ا‬
‫به) فحث ىلع كتاب اهلل ورغب فيه ثم قال‪( :‬وأهل بييت أذكركم اهلل يف‬
‫أهل بييت‪ ،‬أذكركم اهلل يف أهل بييت)‪.‬‬
‫فأنت تراه صىل اهلل عليه وآهل وسلم ا‬
‫خص األخذ واالستمساك من حيث‬
‫اهلداية بكتاب اهلل‪ ،‬وذكر حكمة ذلك بقوهل‪( :‬فيه اهلدى وانلور)‪ ،‬ثم بعد‬
‫تم معىن األخذ واالستمساك ذكر أهل بيته صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬‫أن ا‬
‫ً‬
‫وقال‪( :‬أذكركم اهلل يف أهل بييت)‪ ،‬وكرره تأكيدا للوصاية بهم والعناية‬
‫بشأنهم ولم خيص منهم أحد دون أحد‪ ،‬وانظر إىل قول زيد ملا سأهل احلصني‬
‫ً‬
‫عن أهل ابليت من هم؟ أهل بيته من حرم عليهم الصدقة بعده‪ ،‬جتده نصا‬
‫يف املقصود‪ ،‬وكرواية زيد فيما قلناه رواية حذيفة بن أسيد اليت ذكرها‬
‫احلكيم فإنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال فيها‪( :‬وإين سائلكم حني‬
‫تردون يلع عن اثلقلني فانظروا كيف ختلفونين فيهما اثلقل األكرب‪ ،‬كتاب‬
‫اهلل تعاىل سبب طرفه بيد اهلل‪ ،‬وطرف بأيديكم‪ ،‬فاستمسكوا فال تضلوا‬
‫وال تبدلوا‪ ،‬واثلقل األصغر عرتيت أهل بييت فإين قد نبأين اللطيف اخلبري‬
‫أنهما لن يتفرقا حىت يردا ا‬
‫يلع احلوض)‬

‫‪44‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فقوهل عليه الصالة والسالم‪( :‬فاستمسكوا فال تضلوا وال تبدلوا) بعد‬
‫قوهل‪( :‬اثلقل األكرب‪ ،‬كتاب اهلل تعاىل سبب طرفه بيد اهلل‪ ،‬وطرف‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫بأيديكم) يوضح لك أن االستمساك للهداية وعدم الضالل إنما هو خاص‬
‫باثلقل األكرب كتاب اهلل‪ ،‬وبني سبب ذلك بقوهل (سبب طرفه بيد اهلل‪،‬‬
‫وطرف بأيديكم) وبعد تمام ما يتعلق باثلقل األكرب قال صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪( :‬واثلقل األصغر عرتيت أهل بييت)‪.‬‬
‫ً‬
‫ولو اكن املراد االستمساك بهما معا للهداية كما فهمه احلكيم فأدخل‬
‫ً‬
‫قوما من العرتة الطاهرة وأخرج آخرين لووب تأخري (فاستمسكوا فال‬
‫تضلوا) ىلع قوهل‪( :‬واثلقل األصغر عرتيت أهل بييت) أو تكريره هناك‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬فظهر أن عرتته أهل بيته صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف هذه‬
‫األحاديث ل من حرم عليه الصدقة أي الزاكة كما قال زيد بن أرقم ريض‬
‫ً‬
‫اهلل عنه‪ ،‬وقرنهم صىل اهلل عليه وآهل وسلم بكتاب اهلل تعظيما لشأنهم‬
‫ً‬
‫وتأكيدا لطلب العناية بهم ريض اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬
‫ً‬
‫وأغرب ما يف عبارة احلكيم قوهل‪ :‬فإذا اكن هذا العلم والفقه مووودا يف‬
‫غري عنرصهم لزمنا االقتداء بهم اكالقتداء بهؤالء فقد وره الالكم إىل أن‬
‫ساوى عرتته صىل اهلل عليه وآهل وسلم بغريهم‪ ،‬إذ لم جيعل مزية لعنرصهم‪،‬‬
‫ا‬
‫وإنما وعل املزية للعلم والفقه اذلي يوود فيهم ويف غريهم‪ ،‬فصار معىن‬
‫العرتة أهل ابليت يف هذه األحاديث علماء األمة وفقهاؤها‪ ،‬وهل اكن هذا‬
‫ً‬
‫مراده صىل اهلل عليه وآهل وسلم؟ ال واهلل‪ ،‬ما أراد إال عرتته األقرباء وهاال‬

‫‪45‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وعلماء أتقياء وغري أتقياء‪.‬‬


‫أما فقهاء اإلسالم والعلماء األعالم‪ ،‬فهم قدوة األمة‪ ،‬ومصابيح الظلمة‪،‬‬
‫ولكن هذا غري ذاك‪ ،‬وهم نفسهم من ادلاخلني حتت اخلطاب يف هذه‬
‫األحاديث لراعية عرتته صىل اهلل عليه وآهل وسلم وتعظيم شأنهم بووه‬
‫العموم‪ ،‬بل هم أحق بذلك من مجيع انلاس‪.‬‬

‫خطبته صىل اهلل عليه وآهل وسلم اليت أوىص فيها باثلقلني‬
‫تنبيه‪ :‬خطب صىل اهلل عليه وآهل وسلم خطبته هذه اليت أوىص فيها‬
‫باثلقلني‪ :‬كتاب اهلل‪ ،‬وعرتته أهل بيته يف املأل العظيم ىلع رؤوس األشهاد‪،‬‬
‫عندما صدر من حجة الوداع‪ ،‬واكن قد خرج معه من املدينة ألدائها أكرث‬
‫من مائة ألف غري من صحبوه من مكة ومن حرضوا من ايلمن‪ ،‬وهؤالء‬
‫هم معظم األمة املحمدية إذ ذاك‪ ،‬وفيهم أوالء الصحابة وعلماؤهم‪،‬‬
‫ً‬
‫وفقهاؤهم أبو بكر الصديق فمن دونه‪ ،‬وال يشك أن كثريا منهم أعلم‬
‫ا‬
‫وأفقه من كثري من العرتة أهل ابليت‪ ،‬فهل أحد من ذلك اجلمع فهم أن‬
‫ا‬
‫انل ّ‬
‫يب صىل اهلل عليه وآهل وسلم أوىص أقرباءه وغريهم يف هذه اخلطبة‬
‫ا‬
‫بتعظيم شأن العلماء‪ ،‬وأن عرتته أهل بيته هم أبو بكر وعمر وزيد بن‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ثابت وأيب ومعاذ وعبد اهلل بن سالم وأمثاهلم من علماء املهاورين‬
‫ا‬
‫واألنصار وغريهم‪ ،‬أم فهموا أنه عليه الصالة والسالم أوىص هؤالء‬
‫وغريهم من العلماء وسائر الصحابة ومجيع األمة براعية أقربائه والعناية‬

‫‪46‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ّ‬
‫بشأنهم‪ ،‬وأن عرتته أهل بيته هم هم ال غريهم‪ ،‬إذ ال معىن للعرتة وأهل‬
‫ابليت غري ذلك‪ ،‬وهل يقول باألول أحد‪.‬‬
‫بيق يشء يف دعوى احلكيم أن املراد من العرتة األئمة منهم ألنهم هم‬
‫اذلين يلزمنا االقتداء بعلمهم وفقههم كما لو وود العلم والفقه عند‬
‫غريهم لزمنا االقتداء به اكالقتداء بهم‪ ،‬فاملعول عليه ىلع رأيه هو العلم ال‬
‫العنرص‪ ،‬وقد انقطع االوتهاد منذ قرون لفقد رشوطه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأهل السنة مجيعا يف مشار األرض ومغاربها‪ ،‬مقتدون بهؤالء األئمة‬
‫األربعة ريض اهلل عنهم يف األحاكم الفقهية وباإلمامني األشعري‬
‫واملاتريدي يف العقائد‪ ،‬وأهل ابليت وإن اكن قد ظهر منهم يف األعرص‬
‫األول كثري من األئمة املجتهدين أصحاب املذاهب إال أن مذاهبهم لم‬
‫تدون ولم تشتهر‪ ،‬فانقرضت بانقراض أهلها‪ ،‬وما ينسبه إيلهم بعض الفر‬
‫الضالة مما خيالف مذاهب أهل السنة باطل مكذوب عليهم‪ ،‬وىلع هذا لم‬
‫يبىق هلم نصيب يف هذه األحاديث اليت هم أصل موردها فقد خرووا منها‬
‫مجلة واحدة وهو أمر ظاهر ابلطالن‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن قلت‪ :‬لم يرد احلكيم املجتهدين منهم وإنما أراد العلماء منهم وهم‬
‫كثريون يف ل عرص‪.‬‬
‫قلت‪ :‬األوصاف اليت ذكرها من كونهم أئمة قدوة لغريهم بالفقه والعلم‬
‫ال تصد إال ىلع املجتهدين إذ هم اذلين جيوز االقتداء بهم يف ذلك‪،‬‬
‫والعلماء اذلين وودوا منهم يف األعرص األخرية هم مقدلون ألحد املذاهب‬

‫‪47‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫األربعة فال يكونون قدوة لغريهم‪ ،‬وقوهل‪" :‬وإنما أشار إيلهم رسول اهلل‬
‫ا‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيما نرى‪ ،‬أي يف الظاهر ألن العنرص إذا طاب‬
‫ً‬
‫اكن معينا هلم ىلع فهم ما حيتاج إيله‪ ..‬الخ" الكم نفيس غري أنه ال ينهض‬
‫ً‬
‫حجة ذلكر رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم إياهم مريدا منهم علماء‬
‫ً‬
‫األمة‪ ،‬فقد اكن يمكنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم اتلرصيح بأن يقول مثال‬
‫إين تارك فيكم اثلقلني كتاب اهلل وعلماء أميت يلفهمه السامع ال سيما يف‬
‫ذلك املجمع العظيم املشتمل ىلع الفهيم وغري الفهيم‪.‬‬
‫استطراد‪ :‬إذا تصفحنا أخبار علماء األمة يف بعض القرون السالفة جند‬
‫ً‬
‫من اكن منهم من املوايل واألاعوم أكرث عددا ممن اكنوا من قريش والعرب‪،‬‬
‫ا‬
‫واحلكمة يف ذلك واهلل أعلم أن أوئلك ملا رأوا هؤالء متقدمني عليهم يف‬
‫رشف احلسب والنسب أرادوا أن يلحقوهم فلم جيدوا وسيلة للحا بهم‬
‫غري العلم فجدوا فيه واوتهدوا حىت أدركوا منه بغيتهم‪ ،‬ووصلوا إىل‬
‫ا‬
‫اغيتهم‪ ،‬ويزاد ىلع ذلك أن العرب اكنوا يشتغلون بالعلم حىت إذا بلغوا منه‬
‫ً ا‬
‫مبلغا ول ْوا األعمال وتنافسوا فيها فال يتمكنون من مالزمة القراءة‬
‫واإلقراء‪ ،‬وهذا أمر أغليب وقع يف بعض األعرص‪ ،‬وإال فأنت ىلع علم من‬
‫ا‬
‫أن األربعة األئمة اذلين هم قدوة األمة املحمدية عربيها وعجميها منذ‬
‫زمنهم إىل اآلن وإىل يوم القيامة ثالثة منهم من العرب‪ ،‬مالك والشافيع‬
‫وأمحد ريض اهلل عنهم‪ ،‬وواحد من غريهم وهو أبو حنيفة ريض اهلل عنه‪،‬‬
‫وكيفما اكن األمر فيه أمة مرحومة معبودها واحد ونبيها واحد فمهما اكن‬

‫‪48‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫من خري يف عربها أو عجمها فهو واصل إىل اآلخرين وأي بأس باختالف‬
‫اجلنس إذا احتد ادلين‪.‬‬

‫قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬


‫(لواكن العلم بالرثيا تلناوهل قوم من أبناء فارس)‬
‫فائدة‪ :‬قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬لواكن العلم بالرثيا تلناوهل قوم من‬
‫أبناء فارس)"‪ ،"1‬محله بعضهم ىلع اإلمام األعظم أيب حنيفة ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫قال املناوي‪" :‬فيه فضيلة هلم وتنبيه ىلع علو هممهم‪ ،‬قال يف معجم ابلدل‬
‫ا‬
‫أن العرب إذا ذكرت املرش لكه قالوا فارس‪ ،‬وإنما عين يف احلديث أهل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خراسان ألنك إذا طلبت مصداقه يف فارس لم جتده ال أوال وال آخرا‪ ،‬وجتد‬
‫هذه الصفة نفسها يف أهل خراسان دخلوا يف اإلسالم رغبة ومنهم العلماء‬
‫وانلبالء واملحدثون واملتعبدون‪ ،‬وإذا أحرزت املحدثني من ل بدل وودت‬
‫نصفهم من خراسان وول رواة الروال منها‪ ،‬وأما أهل فارس فكفار مخدوا‬
‫ولم يبق هلم بقية بذكر وال رشف"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وأما قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬لو اكن اإليمان عند الرثيا) ويف رواية‪:‬‬
‫ً‬
‫(معلقا بالرثيا تلناوهل روال من فارس)"‪ ،"2‬فهو حممول ىلع سلمان الفاريس‬
‫ريض اهلل عنه كما ذكره سيدى الشيخ األكرب يف الفتوحات وكثري من العلماء‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ -2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فصل‬
‫يف قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أهل بييت أمان ألميت)‬
‫" ‪"1‬‬

‫قال احلكيم الرتمذي ريض اهلل عنه يف رشح هذا احلديث‪" :‬أهل بيته من‬
‫خلفه من بعده ىلع منهاوه‪ ،‬وهم الصديقون واألبدال اذلين روى فيهم يلع‬
‫كرم اهلل ووهه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يقول‪( :‬إن‬
‫ً‬
‫األبدال يكونون بالشام وهم أربعون روال لكما مات منهم رول أبدل اهلل‬
‫ً‬
‫ماكنه روال‪ ،‬بهم يسىق الغيث وينرص بهم ىلع األعداء ويرصف عن أهل‬
‫األرض بهم ابلالء)"‪ ،"2‬فهؤالء أهل بيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم وأمان هذه األمة‪ ،‬فإذا ماتوا فسدت األرض وخربت ادلنيا‪ ،‬وال جيوز‬
‫أن حيمل ىلع أهل بيت النسب ملعان‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه ُر ِوي يف احلديث‪( :‬فإذا ذهب أهل بييت أىت أميت ما‬
‫يوعدون)‪ ،‬فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته حىت ال يبىق منهم أحد وهم‬
‫أكرث من أن حيىص وبركة اهلل عليهم دائمة ورمحته مظلة من فوقهم؟ وقد‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪ ( :‬ل سبب ونسب ينقطع إال سبيب ونسيب)‬
‫"‪"3‬‬

‫ً‬
‫واثلاين‪ :‬أن أهل بيته نسبة بنو هاشم وبنو عبد املطلب‪ ،‬ولم يكونوا أمانا‬
‫هلذه األمة حىت إذا ذهبوا ذهبت ادلنيا‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫واثلالث‪ :‬أنه قد يوود منهم الفساد كما يوود يف غريهم‪ ،‬ومنهم املحسن‬
‫ً‬
‫ومنهم امليسء‪ ،‬فبأي يشء‪ ،‬صاروا أمانا ألهل األرض فعلم أن املراد به م ْن‬
‫به تقوم ادلنيا وهم أعالمه وأدلة اهلدى يف ل وقت فإذا تفانوا لم يبق‬
‫لألرض حرمة فعمهم ابلالء‪.‬‬
‫فإن قال قائل حبرمة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وقربهم منه‬
‫صاروا أمان ألهل األرض‪ ،‬قيل‪ :‬حرمة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫عظيمة وليلة ويف األرض ما هو أعظم من حرمة ذريته وهو كتاب اهلل‬
‫فال جند ذكره يف احلديث ثم احلرمة ألهل اتلقوى ألنه إنما عظمت حرمة‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم لفضل انلبوة وما أكرمه اهلل تعاىل به‪،‬‬
‫وادليلل ىلع ذلك ما روى أبو هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬دخل رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم ىلع فاطمة وعندها صفية عمة رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم فقال‪( :‬يا بين عبد مناف يا بين عبد املطلب يا فاطمة‬
‫عمة رسول اهلل اشرتوا أنفسكم من اهلل ال أغين‬ ‫صفية ّ‬
‫ّ‬ ‫بنت حممد يا‬
‫ً‬
‫عنكم من اهلل شيئا‪ ،‬سلوين من مايل ما شئتم‪ ،‬واعلموا أن أوىل انلاس يب‬
‫يوم القيامة املتقون وأن تكونوا أنتم مع قرابتكم فذلك ال يأتيين انلاس‬
‫باألعمال وتأتوين بادلنيا حتملونها ىلع أعناقكم فتقولون يا حممد فأقول‬
‫هكذا ثم تقولون يا حممد فأقول هكذا أعرض بوويه عنكم فتقولون يا‬
‫حممد أنا فالن بن فالن‪ ،‬فأقول أما النسب فأعرف وأما العمل فال أعرف‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫نبذتم الكتاب فاروعوا إىل قرابة بيين وبينكم)"‪ُ ،"1‬‬
‫ور ِوي أنه قال وهارا‬
‫غري رس‪( :‬أال إن أويلايئ منكم ليسوا بأيب فالن‪ ،‬لكن أويلايئ منكم‬
‫املتقون من اكنوا وحيث اكنوا)"‪ "2‬ا‪.‬ه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬روى مجاعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة أن انليب‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬مثل أهل بييت فيكم كسفينة نوح من‬
‫ركبها جنا ومن ختلف عنها هلك)‪ ،‬ويف رواية (غر )‪ ،‬ويف أخرى‪( :‬زج يف‬
‫انلار)"‪ ,"3‬وعن أيب ذر سمعته صىل اهلل عليه وآهل وسلم يقول‪( :‬اوعلوا أهل‬
‫بييت منكم ماكن الرأس من اجلسد وماكن العينني من الرأس‪ ،‬وال تهتدي‬
‫الرأس إال بالعينني)"‪ ،"4‬وروى احلاأم وصححه ىلع رشط الشيخني‪:‬‬
‫(انلجوم أمان ألهل األرض من الغر ‪ ،‬وأهل بييت أمان ألميت من‬
‫االختالف‪ ،‬فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس)‪،‬‬
‫وأخرج مجاعة من أصحاب السنن أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪:‬‬
‫(انلجوم أمان ألهل السماء‪ ،‬وأهل بييت أمان ألميت) ويف رواية‪( :‬أهل بييت‬

‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه الطرباين بلفظ‪ :‬عن سلمان قال ‪" :‬انزلوا آل حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم بمزنلة‬
‫الرأس من اجلسد وبمزنلة العني من الرأس فإن اجلسد ال يهتدي إال بالرأس وإن الرأس‬
‫ال يهتدي إال بالعينني"‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أمان ألهل األرض‪ ،‬فإذا هلك أهل بييت واء أهل األرض من اآليات ما‬
‫اكنوا يوعدون)"‪ ،"1‬ورواية أمحد‪( :‬إذا ذهب انلجوم ذهب أهل السماء وإذا‬
‫ذهب أهل بييت ذهب أهل األرض)‪.‬‬
‫ا‬
‫ومعناه ىلع ل حال أن ووودهم ريض اهلل عنهم يف األرض أمان ألهلها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عموما‪ ،‬وألمته صىل اهلل عليه وآهل وسلم خصوصا من العذاب‪ ،‬وليس‬
‫ا‬
‫القصد منه صلحاءهم خاصة‪ ،‬فإن هذه املزية الرشيفة للعنرص انلبوي‬
‫بقطع انلظر عما يعرض ىلع أهله من األوصاف حممودة أو غري حممودة‪.‬‬
‫قال العالمة الصبان يف إسعاف الراغبني‪" :‬وقد يشري إىل هذا املعىن قوهل‬
‫ا ُ ُ ِّ ُ ْ ْ‬
‫يه ْم‪ ،"2"‬أقيم أهل بيته مقامه يف‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫تعاىل‪ :‬وما اكن اَّلل ِيلعذبهم وأن‬
‫األمان ألنهم منه وهو منهم كما ورد يف بعض الطر "ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫فأنت تراه رصحيا يف أن املراد العنرص الطاهر جمردا عن األوصاف‬
‫ً‬
‫وأرصح منه يف ذلك قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أول انلاس هالاك‬
‫قريش‪ ،‬وأول قريش هالاك ً أهل بييت)"‪ ،"3‬ويف رواية بدل هالاك ً ً‬
‫فناء‪ ،‬وبدل‬
‫أهل بييت بنو هاشم‪.‬‬
‫قال رشاح احلديث منهم املناوي وغريه‪ :‬فهالكهم من أرشاط الساعة‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬


‫‪ -2‬األنفال آية ‪.33‬‬
‫‪ -3‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث واملتيق اهلندي يف كزن العمال وعزوه إىل احلاأم يف‬
‫الكىن والطرباين‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وأمارتها ادلالة ىلع قرب قيامها‪ ،‬إذ ال تقوم الساعة إال ىلع رشار انلاس‬
‫يعين وهم خيارهم‪ ،‬فهذا احلديث اكتلفسري ذللك وخري ما فرسته بالوارد‪،‬‬
‫ا‬
‫وبهذا يظهر بطالن ما اداعه احلكيم الرتمذي من أن أهل بيته صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم يف هذا احلديث هم األبدال والصديقون‪.‬‬
‫واجلواب عن الشبهة األوىل‪ :‬ويه قوهل‪ :‬فكيف يتصور أن يذهب أهل‬
‫بيته حىت ال يبىق منهم أحد وهم أكرث من أن حيىص وبركة اهلل عليهم‬
‫دائمة ورمحته مظلة من فوقهم‪ ،‬أنه ال مانع من تصور ذلك وأي حرج فيه؟‬
‫ال سيما وقد رصح به احلديث اآلخر اذلي تقدم وهو قوهل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وآهل وسلم‪( :‬أول انلاس هالاك قريش‪ ،‬وأول قريش هالاك أهل بييت) وذلك‬
‫من مجلة رمحة اهلل هلم‪ ،‬ملا تقرر من أن الساعة ال تقوم إال ىلع رشار انلاس‬
‫ً‬
‫وهم خيارهم وذللك اكنوا أول انلاس هالاك‪ ،‬وويلتهم قريش ألنها تليهم يف‬
‫الفضل واملزنلة والقرب من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فما ذاك‬
‫إال من رمحة اهلل هلم وإكرامه إياهم‪ ،‬وأما قوهل وقد قال صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم‪ ( :‬ل سبب ونسب ينقطع إال سبيب ونسيب) فليس معناه أن‬
‫االنقطاع انقراض اذلرية ولكنه خمصوص بيوم القيامة كما هو رصيح‬
‫الروايات الصحيحة‪ ،‬ومعىن االنقطاع عدم االنتفاع باألنساب إذ ذاك كما‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ال أنْساب بيْ ْ‬
‫نهم ي ْوم ِئ ٍذ‪ ،"1"‬واستثىن صىل اهلل عليه وآهل‬

‫‪ -1‬املؤمنون آية‪.101‬‬

‫‪54‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وسلم سببه ويكون بالزتويج‪ ،‬ونسبه ويكون بالوالدة ألن انلفع بهما‬
‫متصل ال ينقطع يف ادلنيا واآلخرة‪ ،‬ويؤيده ما ا‬
‫صح عنه صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم من قوهل ىلع املنرب‪( :‬ما بال أقوام يقولون‪ :‬إن رحم رسول اهلل ال تنفع‬
‫ا‬
‫يوم القيامة‪ ،‬بىل إن رحيم موصولة يف ادلنيا واآلخرة)"‪."1‬‬
‫واجلواب عن الشبهة اثلانية‪ :‬وىه قوهل‪ :‬أن أهل بيته نسبة بنو هاشم وبنو‬
‫ً‬
‫عبد املطلب‪ ،‬ولم يكونوا أمانا هلذه األمة حىت إذا ذهبوا ذهبت ادلنيا‪ ،‬أن‬
‫ً‬
‫معىن كونهم أمانا هلذه األمة بل ألهل األرض أن ووودهم فيها عالمة ىلع‬
‫أن ادلنيا لم حين وقت ذهابها فإذا هلكوا واء أهل األرض من اآليات‬
‫ادلالة ىلع قيام الساعة وذهاب ادلنيا ما يوعدون‪ ،‬فهم ما داموا فيها يف‬
‫أمان من ذلك‪.‬‬
‫واجلواب عن الشبهة اثلاثلة‪ :‬وىه قوهل‪ :‬أنه قد يوود منهم الفساد كما‬
‫ً‬
‫يوود يف غريهم‪ ،‬ومنهم املحسن ومنهم امليسء‪ ،‬فبأي يشء صاروا أمانا‬
‫ً‬
‫ألهل األرض‪ ،‬أنهم صاروا أمانا ألهل األرض ال بعمل عملوه‪ ،‬وال بصالح‬
‫قدموه‪ ،‬ولكن بعنرصهم انلبوي الطاهر اذلي خصهم اهلل به يف األزل‬
‫ومزيهم ألوله بمزايا لم توود ولن توود يف غريهم‪ ،‬ومنها هذه املزية‬
‫اجلليلة اليت يه من رمحة اهلل اخلاصة بأهل بيت انلبوة ومعدن الرسالة‪،‬‬
‫ومهبط الوىح اليت ال تدخل حتت قياس وال يشاركهم فيها أحد من‬

‫‪ -1‬رواه أمحد‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫انلاس‪ ،‬وهذان اجلوابان يعلمان من وواب الشبهة األوىل فافهمه تفهمهما‪.‬‬


‫وقوهل‪ :‬ويف األرض ما هو أعظم حرمة من ذريته صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم وهو كتاب اهلل فال جند ذكره يف احلديث اعرتاض غري وارد فإنه ال‬
‫يلزم من ذكره صىل اهلل عليه وآهل وسلم حرمة ذريته يف حديث أن يذكر‬
‫معهم حرمة كتاب اهلل وإن اكنت أعظم من حرمتهم‪ ،‬وقد قرنهم به يف‬
‫ّ‬
‫حديث اثلقلني وهو غري الزم يف ل حديث ولم يدع أحد أنهم أعظم‬
‫حرمة من كتاب اهلل أو مساوون هل حىت يعرتض بهذا وهم لم يفضلوه بهذه‬
‫ً‬
‫املزية فإنه أيضا يرفع قبل قيام الساعة‪ ،‬واكن ابن مسعود ريض اهلل عنه‬
‫يقول‪" :‬اقرءوا القرآن قبل أن يرفع‪ ،‬فإنه ال تقوم الساعة حىت يرفع" قيل يا‬
‫أبا عبد الرمحن كيف يرفع وقد أثبتناه يف صدورنا ومصاحفنا؟ قال‪" :‬يرسي‬
‫عليه يلل فال يذكر وال يقرأ""‪."1‬‬
‫ومعلوم أن ابن مسعود ال يقول هذا برأيه إذ ال مدخل للرأي فيه‪ ،‬فهذا‬
‫كتاب اهلل أمان ألهل األرض ما دام فيهم من العذاب وذهاب ادلنيا‪ ،‬ولم‬
‫توصف اذلرية الطاهرة بأكرث من ذلك‪.‬‬
‫بيق قوهل‪ :‬ثم احلرمة ألهل اتلقوى‪ ،‬وقوهل‪ :‬وادليلل ىلع ذلك ما روي عن‬
‫أيب هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬دخل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ىلع فاطمة وعندها صفية عمة رسول اهلل‪ ،‬فقال‪( :‬يا بين عبد مناف يا بين‬

‫‪ -1‬رواه ابليهيق يف الشعب وادلارايم يف سننه‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫عبد املطلب الخ‪)...‬‬


‫وقد أواب عن هذا املحب الطربي جبواب شاف نقله عنه املناوي يف‬
‫الكبري والصبان يف اإلسعاف وهو أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم ال يملك‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رضا لكن اهلل عز وول يملكه نفع أقاربه ومجيع‬ ‫ألحد شيئا ال نفعا وال‬
‫أمته بالشفاعة العامة واخلاصة‪ ،‬فهو ال يملك إال ما يملكه هل مواله كما‬
‫أشار إيله يف رواية ابلخاري بقوهل‪( :‬ولكن هلم رحم أبلها ببالها) أي‬
‫ً‬ ‫ُ ْ‬
‫أصلها بصلتها وكذا معىن قوهل‪( :‬ال أغ ِين عنكم من اهلل شيئا) أي بمجرد‬
‫نفيس من غري ما يكرمين به اهلل من حنو شفاعة أو مغفرة‪ ،‬وخاطبهم‬
‫بذلك راعية ملقام اتلخويف واحلث ىلع العمل واتلحريض ىلع أن يكونوا‬
‫ً‬
‫أوىل انلاس حظا يف تقوى اهلل وخشيته‪ ،‬قال الصبان‪" :‬وقيل هذا قبل علمه‬
‫بنفع االنتساب إيله ىلع أن اللغة العربية ال تساعد احلكيم ىلع ما فرس به‬
‫احلديث وهل أحد يفهم معىن األبدال من لفظ أهل بييت؟ الك واهلل ال‬
‫يفهم أحد من املخاطبني بهذا سوى أهل بيت نسبه صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم كما هو وضع اللغة العربية اليت يه لغته عليه الصالة والسالم"‪.‬‬
‫وفضل األبدال ريض اهلل عنهم ونفعنا بهم وعلو مزنتلهم وقربهم من اهلل‬
‫ورسوهل مما ال يشك فيه مؤمن ولكنهم أنفسهم ال يرضون بإبلاسهم حلة‬
‫كرامة خلعها اهلل ىلع عرتة حبيبه صىل اهلل عليه وآهل وسلم حاشاهم ثم‬
‫حاشاهم‪.‬‬
‫ا‬
‫وإين ىلع يقني من أن احلكيم الرتمذي ريض اهلل عنه اكن من أكابر‬

‫‪57‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬
‫األويلاء وأكاد أوزم أن ما م ار عنه حممول ىلع أحد ووهني‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬وهو األقرب أن مجيع ذلك مدسوس يف كتابه من أحد مبغضيه‬
‫أو مبغيض أهل ابليت كما وقع ذلك لكثري من العلماء واألويلاء منهم‬
‫الشيخ األكرب سيدى حميي ادلين بن العريب والعارف املحقق سيدى الشيخ‬
‫عبد الوهاب الشعراين وغريهما‪.‬‬
‫ً‬
‫واثلاين‪ :‬أنه اكن جماورا لقوم من غالة الشيعة اذلين أفرطوا بالزتامهم‬
‫وانب أهل ابليت ريض اهلل عنهم وضلوا برفضهم مواالة كثري من أوالء‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫الصحابة وال سيما أبو بكر وعمر ريض اهلل عنهما فرد عليهم وشنع كما‬
‫يتضح من عباراته‪ ،‬ومحله ذلك ىلع ما ذكره يف شأن أهل ابليت ومع هذا‬
‫فقد وصفهم يف غضون الكمه بأوصاف مجيلة واعرتف هلم بمزايا وليلة‬
‫كما هو شأنه وشأن أمثاهل ريض اهلل عنه وأروو أن يثيبين اهلل ىلع ما‬
‫أقدمت عليه وأن ال يلحقين ندم فيما ورى به القلم فإن القصد مجيل‪،‬‬
‫واهلل ىلع ما أقول وكيل‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫املقصد اثلاين‬
‫يف الالكم ىلع رشفهم ومزاياهم وما اختصهم اهلل به دون من عداهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫اعلم أن مجيع ما ذكر يف هذا الكتاب أوال وآخرا هو من خصوصياتهم‬
‫اليت ال ينازعهم فيها منازع وال يدافعهم عنها مدافع‪ ،‬ولكن ربما اكن‬
‫بعضها خصوصية نسبية أي بالنسبة ملن لم توود فيهم‪ ،‬اكلقطع هلم باجلنة‬
‫وحتريمهم ىلع انلار‪ ،‬فإن هذا املعىن مووود يف املبرشين باجلنة من‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم اكلعرشة وغريهم‪ ،‬ولكعن مبغضهم‪ ،‬ووصفه‬
‫بانلفا والكفر يف بعض األحاديث‪ ،‬وكذا الصحابة ورد يف حقهم مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وإين ذاكر يف هذا املقصد بعض اخلصائص اليت ال توود يف غريهم‬
‫ابلتة‪.‬‬
‫فمن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬حتريم الزاكة عليهم قال اإلمام انلووي‬
‫ا‬
‫انل ّ‬
‫يب صىل اهلل عليه وآهل وسلم وىلع آهل‪،‬‬ ‫يف رشح مسلم‪" :‬حترم الزاكة ىلع ِ‬
‫وهم بنو هاشم وبنو املطلب‪ ،‬هذا مذهب الشافيع وموافقيه‪ ،‬وبه قال بعض‬
‫املالكية‪ ،‬وقال أبو حنيفة ومالك هم بنو هاشم خاصة‪ ،‬قال القايض عياض‬
‫وقال بعض العلماء هم قريش لكها‪ ،‬وقال أصبغ املاليك‪" :‬هم بنو قيص" ديلل‬
‫الشافيع أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬إن بين هاشم وبين‬
‫املطلب يشء واحد)"‪ ،"1‬وقسم بينهم سهم ذوي القر وأما صدقة اتلطوع‬

‫‪ -1‬رواه أمحد وابلخاري‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فللشافيع فيها ثالثة أقوال‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫أصحها‪ :‬أنها حترم ىلع رسول اَّلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وحتل آلهل‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬حترم عليه وعليهم‪.‬‬
‫واثلالث‪ :‬حتل هل وهلم‪.‬‬
‫وأما موايل بين هاشم وبين املطلب فهل حترم عليهم الزاكة فيه ووهان‬
‫ألصحابنا‪ :‬أصحهما‪ :‬حترم واثلاين حتل‪ ،‬وباتلحريم قال أبو حنيفة وسائر‬
‫الكوفيني وبعض املالكية‪ ،‬وباإلباحة قال مالك وادىع ابن بطال املاليك أن‬
‫اخلالف إنما هو يف موايل بين هاشم وأما موايل غريهم فتباح هلم باإلمجاع‬
‫وليس كما قال بل األصح عند أصحابنا حتريمها ىلع موايل بين هاشم وبين‬
‫ا‬
‫املطلب وال فر بينهما واَّلل أعلم "ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وعبارة الصبان يف اإلسعاف‪" :‬قرص مالك وأبو حنيفة ريض اهلل عنهما‬
‫حتريمها ىلع بين هاشم‪ ،‬وقال الشافيع وأمحد‪ :‬بتحريمها ىلع بين هاشم وبين‬
‫ً‬
‫املطلب‪ ،‬وروى عن أيب حنيفة ووازها بلين هاشم مطلقا‪ ،‬وقال أبو يوسف‪:‬‬
‫حتل من بعضهم بلعض‪ ،‬ومذهب أكرث احلنفية والشافعية وأمحد‪ :‬وواز‬
‫أخذهم صدقة انلفل وهو رواية عن مالك‪ ،‬وروى عنه حل أخذ الفرض‬
‫دون اتلطوع ألن اذلل فيه أكرث"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ويف كشف الغمة‪" :‬قال ابن عباس ريض اهلل عنهما‪ :‬اكن صىل اهلل عليه‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫وآهل وسلم كثريا ما يقول عن الصدقة‪( :‬إنما يه أوساخ انلاس‪ ،‬وإنها ال‬

‫‪60‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫حتل ملحمد وال آلل حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم)"‪ ،"1‬واكن أنس ريض اهلل‬
‫ً‬
‫عنه يقول‪ :‬أخذ احلسن بن يلع ريض اهلل عنهما يوما تمرة من تمر الصدقة‪،‬‬
‫فجعلها يف فيه‪ ،‬فقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ‪( :‬كخ كخ ارم‬
‫ا‬
‫بها‪ ،‬أما علمت أنا ال نأكل الصدقة)"‪ ،"2‬واكن صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫يقول بلين هاشم وبين املطلب‪( :‬أن لكم يف مخس اخلمس ما يكفيكم‬
‫أو يغنيكم)"‪ ،"3‬وعن أنس‪ :‬اكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يقسم‬
‫سهم ذوي القر ىلع بين هاشم وبين املطلب دون بين نوفل وعبد شمس‬
‫ويقول‪( :‬إنما بنو هاشم وبنو املطلب يشء واحد)"‪ ،"4‬وقال ابن عباس ريض‬
‫اهلل عنهما‪ :‬واء أبو رافع موىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫ً‬
‫رسول اهلل إن فالن اعملك ىلع الصدقة داعين ألكون مساعدا هل ويعطيين‬
‫منها فقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن الصدقة ال حتل نلا‪،‬‬
‫وإن موىل القوم منهم)"‪"5‬ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقال املناوي‪ :‬قوهل إنما يه أوساخ انلاس‪ :‬أي أدناسهم وأقذارهم ألنها‬
‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫تطهر أدرانهم‪ ،‬وتزىك أمواهلم ونفوسهم ‪‬خذ ِم ْن أموال ِ ِه ْم صدقة تط ِّه ُره ْم‬

‫‪ -1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -5‬رواه الرتمذي والنسايئ واحلاأم‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ُ ِّ‬
‫يه ْم بِها‪ "1"‬كغسالة األوساخ فيه حمرمة عليهم بعمل أو غريه‪ ،‬حىت‬
‫و تز ِ‬
‫ك‬
‫من بعضهم بلعض‪ ،‬ومن زعم استثناءه فقد أبعد‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد سأل بعض اآلل عمر أو غريه مجال من الصدقة فقال‪" :‬أحتب أن‬
‫ً‬
‫روال بادنا يف يوم حر غسل ما حتت كذا فرشبته‪ ،‬فغضب وقال أتقول يل‬
‫هذا؟ قال‪ :‬إنما يه أوساخ انلاس يغسلونها""‪"2‬ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ويف ابلحر املورود لسيدي الوِل الكبري الشيخ عبد الوهاب الشعراين ريض‬
‫اهلل عنه ملا سأل الفضل بن عباس ريض اهلل عنهما انليب صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم أن يستعمله ىلع الصدقات قال هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫(معاذ اهلل أن أستعملك ىلع غسالة ذنوب انلاس)‪.‬‬
‫ا‬
‫وقد قال بعض أئمة اللغة‪" :‬إن الوسخ يشمل الغائط فما دونه‪ ،‬ولكنه صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم اكن يكين عن القبيح ما أمكن‪ ،‬ثم اعلم يا أيخ أن‬
‫الوسخ يزيد يف القبح وينقص حبسب كسب املتصد ‪ ،‬فإن اكن يرايب‬
‫ويغش يف املعاملة‪ ،‬ويأخذ املكس من اتلجار‪ ،‬ويأكل الرشوة‪ ،‬فحكمه‬
‫اكخلرا والقيح‪ ،‬وإن اكن ينصح يف املعاملة‪ ،‬ولكنه يبيع ىلع من يفعل ذلك‬
‫من الظلمة والقضاة‪ ،‬فحكمه اكبلول وادلم وقس ىلع ذلك وأقل املراتب أن‬
‫يكون اكبلصا "ا‪.‬ه‪.‬‬

‫‪ -1‬اتلوبة آية ‪.103‬‬


‫‪ -2‬رواه مالك يف املوطأ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قال الطييب‪" :‬ال يقال كيف أباحها بلعض أمته‪ ،‬ومن كمال إيمان املرء أن‬
‫ً‬
‫حيب ألخيه ما حيب نلفسه‪ ،‬ألنا نقول ما أباحه هلم عزيمة بل اضطرارا‪،‬‬
‫وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال فعىل احلازم أن يراها اكمليتة ‪‬فم ِن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اغ وال اع ٍد فال ِإثم عليْ ِه‪."1"‬‬
‫اض ُط ار غ ْري ب ٍ‬
‫وقوهل‪ :‬وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال‪.‬‬
‫ا‬
‫منها أن حكيم بن حزام ريض اهلل عنه سأل انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم من غنائم حنني فأعطاه مائة من اإلبل‪ ،‬ثم سأهل فأعطاه مائة‪ ،‬ثم‬
‫سأهل فأعطاه مائة ثم قال هل‪ :‬يا حكيم هذا املال خرض حلو فمن أخذه‬
‫بسخاوة نفس بورك هل فيه‪ ،‬ومن أخذه بإرشاف نفس لم يبارك هل فيه واكن‬
‫اكذلي يأكل وال يشبع وايلد العليا خري من ايلد السفىل‪ ،‬فأخذ حكيم املائة‬
‫ً‬
‫األوىل وترك ما عداها وقال‪ :‬يا رسول اهلل واذلي بعثك باحلق ال أرزأ أحدا‬
‫ً‬
‫بعدك شيئا حىت أفار ادلنيا واكن كذلك ريض اهلل عنه‪ ،‬فاكن أبو بكر‬
‫وعمر ريض اهلل عنهما يعرضان عليه العطاء فيأىب"‪."2‬‬
‫ً‬
‫قال العارف الشعراين‪" :‬وقد رأيت مرة شخصا واء إىل سيدى يلع‬
‫اخلواص بمال والشيخ رمد‪ ،‬وهو والس يضفر اخلوص‪ ،‬فقال هل‪ :‬يا سيدي‬
‫خذ هذه ادلراهم فاستعن بها ىلع نفقة ابليت واترك الضفر حىت تربأ‪ ،‬فرده‬

‫‪ -1‬ابلقرة آية ‪.173‬‬


‫‪ -2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وقال‪ :‬واهلل إين كما تراين أضفر يف هذا الرمد وال يطيب يل أن آكل من‬
‫كسيب هذا فكيف آكل من كسبك أنت؟ فقال‪ :‬يا سيدي إن مثلك ال‬
‫يغش يف صنعته فكيف ال تطيب نفسك أن تأكل من صنعتك؟ فقال‬
‫صحيح ما ث ام إن شاء اهلل غش ولكن أبيع ىلع من؟ ومجيع الفقهاء‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫واتلجار والزياتني وغريهم إذا أتاه ماكس أو قاض يشرتي منه شيئا ال يرده‬
‫قط بل يفرح بفلوسه اغية الفرح‪ ،‬وإذا أخذنا فلوس الظلمة واملاكسني‬
‫فنحن سواء الحتاد العني املتداولة بأيديهم فقال‪ :‬يا سيدي هذا يشء ما‬
‫اكن يل ىلع بال وتركه وانرصف‪ ،‬وهو يقول‪ :‬هلل يا أويلاء اهلل"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وهذا اتلدقيق من الشيخ ريض اهلل عنه ال يقتيض منع غريه من قبول‬
‫ً‬
‫الصدقة‪ ،‬فإنها مباحة حىت ألهل ابليت إن اكنت نفال كما تقدم مالم‬
‫يتحقق أنها من مال حرام‪ ،‬وىه مع إباحتها أمر مرغوب عنه إال للرضورة‪،‬‬
‫وانظر إىل قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬وايلد العليا خري من ايلد‬
‫السفىل) تعرف ذلك‪ ،‬فإن قلت قد ثبت حتريم صدقة الفرض ىلع آهل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم وصدقة انلفل وإن اكنت مباحة هلم ىلع الصحيح إال‬
‫أن نفوسهم الرشيفة ربما تأباها إال ملن يرى لقوة إيمانه ونفاذ بصريته أن‬
‫هلم الفضل واملنة عليه بقبول صدقته وقليل ما هم‪ ،‬فمن أين يتعيش من‬
‫ً‬
‫ال مال هل منهم؟ قلت‪ :‬أما سمعت قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم خماطبا‬
‫هلم‪( :‬إن لكم يف مخس اخلمس ما يكفيكم) ويف بدل مخس اخلمس‬
‫ً‬
‫اذلي هو حقهم يف بيت مال املسلمني أدامه اهلل اعمرا ما يف كفايتهم‬

‫‪64‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫وليس القصد إال ذلك ال أن يكرث ماهلم‪ ،‬فإن بينهم وبني ذلك سدا‬
‫ً‬
‫حاوزا من قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬امهلل اوعل رز آل حممد‬
‫ً‬
‫قوتا)"‪ ،"1‬وما أشبهه من األحاديث الواردة يف هذا املعىن‪.‬‬
‫قال الشعراين ريض اهلل عنه‪" :‬نعمة اتلقلل من ادلنيا أكرب من نعمة‬
‫اإلكثار منها ألنها طريق األنبياء واألصفياء‪ ،‬ولوال أن اتلقلل أفضل وأكرث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أورا ما قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬امهلل اوعل رز آل حممد قوتا)‬
‫والقوت هو اذلي ال يفضل منه يشء عن الغداء والعشاء‪ ،‬فيشء اختاره‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم نلفسه وأهل بيته ال أكمل منه" ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقد داع صىل اهلل عليه وآهل وسلم ملبغضه وأهل بيته بعكس ذاك فعن‬
‫يلع ريض اهلل عنه‪( :‬امهلل ارز من أبغضين وأهل بييت كرثة املال‬ ‫ّ‬
‫والعيال)"رواه ادليليم"‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬كفاهم أن يكرث ماهلم فيطول‬
‫هذا بادلاعء‬ ‫حسابهم‪ ،‬وأن تكرث عياهلم فتكرث شياطينهم‪ ،‬وال يش‬
‫ألنس بمثل ذلك ألن ذلك نعمة يف حقه يتوصل بها إىل كثري من األمور‬
‫املطلوبة خبالفه يف حق مبغضهم‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬كونهم أرشف انلاس نسبا وأفضل‬
‫ً‬
‫اخللق حسبا‪ :‬عن ابن عباس ريض اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل‬
‫ً‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬إن اهلل قسم اخللق قسمني‪ ،‬فجعلين يف خريهما قسما‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ال‬ ‫م‬
‫ُ ِّ‬
‫الش‬ ‫اب‬‫ح‬ ‫اب ْايلمني وأ ْ‬
‫ص‬ ‫اب ْايلمني ما أ ْصح ُ‬
‫فذلك قوهل تعاىل‪ :‬وأ ْصح ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ ِّ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ ‬فأنا من أصحاب ايلمني وأنا خري أصحاب ايلمني‪ ،‬ثم‬ ‫ما أصحاب الشم ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعل القسمني أثالثا فجعلين يف خريهم ثلثا‪ ،‬فذلك قوهل تعاىل‪:‬‬
‫اب‬ ‫اب الْم ْشأمة ما أ ْصح ُ‬ ‫اب الْميْمنة وأ ْصح ُ‬
‫اب الْميْمنة ما أ ْصح ُ‬
‫‪‬فأ ْصح ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ُ‬ ‫ا ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫السابِقون‪ ‬فأنا من السابقني‪ ،‬وأنا خري السابقني ثم‬ ‫السابِقون‬ ‫المشأم ِة و‬
‫وعل األثالث قبائل فجعلين يف خريها قبيلة وذلك قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ ْ ا ْ‬ ‫ُ ا ْ‬ ‫ْ ُ ْ ُ ُ ً‬
‫اَّلل أتقاأ ْم‪ ‬فأنا‬
‫‪‬ووعلناأم شعوبا وقبائِل ِتلعارفوا إِن أكرمكم ِعند ِ‬
‫ً‬
‫أتىق ودل آدم وأكرمهم ىلع اهلل وال فخر‪ ،‬ثم وعل القبائل بيوتا فجعلين يف‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ ُ ِّ ْ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬ ‫ً‬
‫الروس أهل‬ ‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنكم‬ ‫خريها بيتا فذلك قوهل تعاىل‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫ريا‪ ،"1"(‬وعن ابن عمر ريض اهلل عنهما قال صىل اهلل‬ ‫ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬إن اهلل اصطىف كنانة من ودل إسماعيل‪ ،‬واصطىف من‬
‫ً‬
‫كنانة قريشا‪ ،‬واصطىف من قريش بين هاشم‪ ،‬واصطفاين من بين هاشم)"‪،"2‬‬
‫وعن ابن عمر ريض اهلل عنهما‪( :‬إن اهلل خلق اخللق فاختار منهم بين آدم‪،‬‬
‫ثم اختار من بين آدم العرب‪ ،‬ثم اختار من العرب مرض‪ ،‬ثم اختار من مرض‬
‫ً‬
‫قريشا ثم اختار من قريش بين هاشم‪ ،‬ثم اختارين من بين هاشم‪ ،‬فلم أزل‬
‫ً‬
‫خيارا من خيار)"‪ ،"3‬وأخرج أمحد واملحاميل وغريهما عن اعئشة ريض اهلل‬

‫‪ -1‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث وعزاه للطرباين‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه مسلم عن واثلة بن األصقع‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه ابليهيق‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫عنها أنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬قال يل وربيل‬
‫ً‬
‫قلبت مشار األرض ومغاربها فلم أود روال أفضل من حممد‪ ،‬وقلبت‬
‫مشار األرض ومغاربها فلم أود بين أب أفضل من بين هاشم)‪ ،‬قال‬
‫احلافظ ابن حجر‪ :‬أنوار الصحة تلوح ىلع صفحات مُت هذا احلديث‪.‬‬
‫وعن وعفر الصاد عن أبيه حممد ابلاقر ريض اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أتاين وربيل ريض اهلل عنه فقال‪ :‬يا حممد‬
‫ً‬
‫إن اهلل بعثين فطفت رش األرض وغربها وسهلها ووبلها فلم أود حيا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خريا من العرب‪ ،‬ثم أمرين فطفت يف العرب فلم أود حيا خريا من مرض‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم أمرين فطفت يف مرض فلم أود حيا خريا من كنانة‪ ،‬ثم أمرين فطفت يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كنانة فلم أود حيا خريا من قريش ثم أمرين فطفت يف قريش فلم أود‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيا خريا من بين هاشم‪ ،‬ثم أمرين أن أختار من أنفسهم فلم أود فيهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفسا خريا من نفسك)"‪ ،"1‬وأخرج اإلمام أمحد بسند ويد عن العباس ريض‬
‫اهلل عنه أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم صعد املنرب فقال‪( :‬من أنا؟) قالوا‬
‫أنت رسول اهلل فقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أنا حممد بن عبد اهلل بن‬
‫عبد املطلب‪ ،‬إن اهلل خلق اخللق فجعلين يف خري خلقه ووعلهم فرقتني‬
‫ً‬
‫فجعلين يف خري فرقة‪ ،‬وخلق القبائل فجعلين يف خري قبيلة‪ ،‬ووعلهم بيوتا‬
‫ً‬
‫فجعلين يف خريهم بيتا)‪ ،‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أول من أشفع هل‬

‫‪ -1‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث واملتيق اهلندي يف كزن العمال‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫يوم القيامة من أميت أهل بييت‪ ،‬ثم األقرب فاألقرب من قريش‪ ،‬ثم‬
‫األنصار‪ ،‬ثم من آمن يب واتبعين من ايلمن‪ ،‬ثم سائر العرب‪ ،‬ثم األاعوم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرفواع‪.‬‬ ‫ومن أشفع هل أوال أفضل) أخروه الطرباين وادلارقطين‬
‫فهذه أحاديث صحيحة ونصوص رصحية تدل ىلع أن أهل ابليت أفضل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انلاس حسبا ونسبا‪ ،‬ويتفرع ىلع هذا أنهم ال يكافئهم يف انلاكح أحد من‬
‫انلاس‪ ،‬وبه رصح غري واحد من األئمة‪ ،‬قال اجلالل السيويط يف‬
‫اخلصائص‪" :‬ومن خصائصه صىل اهلل عليه وآهل وسلم أن آهل ال يكافئهم‬
‫يف انلاكح أحد من اخللق"‪.‬‬
‫ا‬
‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬أن ل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة‬
‫إال سببه ونسبه صىل اهلل عليه وآهل وسلم كما ورد ذلك يف احلديث‬
‫الصحيح وتقدم يف املقصد األول‪.‬‬
‫وصح أن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه خطب نلفسه أم لكثوم بنت‬ ‫ا‬

‫فاطمة ريض اهلل عنهما من أبيها يلع بن أيب طالب كرم اهلل ووهه فاعتل‬
‫بصغرها وبأنه حابسها لودل أخيه وعفر‪ ،‬فألح عليه عمر ثم صعد املنرب‬
‫فقال‪ :‬أيها انلاس واهلل ما محلين ىلع اإلحلاح ىلع يلع يف ابنته إال إين‬
‫سمعت انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يقول‪ ( :‬ل سبب ونسب وصهر‬
‫ينقطع يوم القيامة إال سبيب ونسيب وصهري) فأمر بها يلع فزينت وبعث‬
‫بها إيله فلما رآها قام وأولسها يف حجره فقبلها وداع هلا‪ ،‬فلما قامت أخذ‬
‫بساقها وقال هلا قوِل ألبيك قد رضيت‪ ،‬فلما واءت قال هلا ما قال لك؟‬

‫‪68‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫فذكرت هل مجيع ما فعله وما قاهل‪ ،‬فأنكحها إياه فودلت هل زيدا مات‬
‫روال"‪."1‬‬
‫قال الطييب‪" :‬والنسب ما يروع إىل والدة قريبة من وهة اآلباء‪ ،‬والصهر‬
‫ما اكن من خلطة تشبه القرابة حيدثها الزتوج والسبب كذلك يكون‬
‫بالزتويج"‪.‬‬
‫ُ‬
‫وعلم بهذا احلديث وحنوه عظيم نفع األنساب إيله صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫وسلم‪ ،‬وال يعارضه ما يف أخبار أخر من حثه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ً‬
‫ألهل بيته ىلع خشية اهلل واتقائه وطاعته‪ ،‬وأنه ال يغين عنهم من اهلل شيئا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألنه ال يملك ألحد نفعا وال رضا‪ ،‬لكن اهلل يملكه نفع أقاربه فقوهل‪( :‬ال‬
‫ً‬
‫أغين عنكم شيئا) أي بمجرد نفيس من غري ما يكرمين اهلل به من حنو‬
‫شفاعة أو مغفرة فخاطبهم بذلك راعية ملقام اتلخويف‪.‬‬
‫واعلم أنه ال ينبيغ ملنسوب إيله صىل اهلل عليه وآهل وسلم أن يعتمد ىلع‬
‫ما ذكر‪ ،‬ألنه إنما ثبت ملن هو يف الواقع متصل به عليه الصالة والسالم‬
‫ومن آل بيته‪ ،‬ومن أين حتقق ذلك لقيام احتمال زلل بعض النساء وكذب‬
‫بعض األصول يف االنتساب وإن اكن خالف الظاهر‪ ،‬ىلع أن املأثور عن‬
‫أكابر آل ابليت شدة خشيتهم من اهلل تعاىل وعظم خوفهم من عذابه‬
‫وكرثة تأسفهم ىلع أدىن تقصري وقع منهم ريض اهلل عنهم ونفعنا بهم‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين وابليهيق وعبد الرزا يف مصنفه‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬االصطالح يف الصدر األول ىلع إطال‬
‫اسم األرشاف عليهم دون غريهم ثم خص منهم باحلسنيني واحلسينيني‬
‫فقط‪.‬‬
‫قال السيويط يف رساتله الزينبية‪" :‬اسم الرشيف يطلق يف الصدر األول‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫علويا من‬ ‫حسينيا أم‬ ‫حسنيا أم‬ ‫ىلع ل من اكن من أهل ابليت سواء اكن‬
‫ذرية سيدنا حممد بن احلنفية أو غريه من أوالد يلع بن أيب طالب ريض اهلل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عنه أم وعفريا أم عقيليا أم عباسيا‪ ،‬فلما وِل اخلالفة الفاطميون بمرص‬
‫قرصوا اسم الرشيف ىلع ذرية احلسن واحلسني فقط واستمر ذلك بمرص‬
‫إىل اآلن"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت‪ :‬وهذا االصطالح عم اآلن ابلالد اإلسالمية رشقا وغربا فمىت أطلق‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫حسينيا‪،‬‬ ‫حسنيا أو‬ ‫لفظ الرشيف يف اللغة العربية ال ينرصف إال ملن اكن‬
‫ً‬
‫وحدث يف كثري من ابلالد االصطالح أيضا ىلع لفظ السيد ىلع ل منهما‬
‫خاصة‪ ،‬فمىت أطلق ال ينرصف لسواهم وهذا يف غري احلجاز فإنهم‬
‫ً‬
‫اصطلحوا فيه ىلع إطال الرشيف ىلع من اكن حسنيا والسيد ىلع من‬
‫ً‬
‫اكن حسينيا للتفرقة بينهما‪.‬‬
‫قال ابن حجر امليك‪" :‬وال يدخل غري ذرية احلسن واحلسني يف الوقف ىلع‬
‫األرشاف والوصية هلم‪ ،‬ألن الوقف والوصية منوطان بعرف ابلدل وعرف‬
‫مرص وحنوها اختصاصهم بذرية احلسن واحلسني"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقد علمت العرف الطارئ يف احلجاز‪ ،‬ا‬
‫وأما ختصيص العمامة اخلرضاء بهم‬

‫‪70‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬
‫فأصله أن ملك مرص األرشف شعبان بن حسني أمر يف سنة ثالث وسبعني‬
‫وسبعمائة بتقديم املوحدة فيهما بتخصيصهم بعالمة خرضاء توضع ىلع‬
‫عمامة أحدهم للفر بني الرشيف وغري الرشيف‪ ،‬ثم توسع فيها حىت‬
‫ً‬
‫وعلت العمامة لكها خرضاء‪ ،‬ونظم األدباء يف ذلك أشعارا منها قول وابر بن‬
‫عبد اهلل األندليس‪:‬‬
‫وعلــــــوا ألبنــــــاء انلــــــيب عالمــــــة‬
‫إن العالمــــة شــــأن مــــن لــــم يشــــهر‬
‫نـــــور انلبـــــوة يف وســـــيم ووـــــوههم‬
‫يغـــين الــــرشيف عـــن الطـــراز األخــــرض‬
‫وقول شمس ادلين حممد بن إبراهيم ادلمشيق‪:‬‬
‫أطـــــراف تيجـــــان أتـــــت مـــــن ســـــندس‬
‫خــــــــــــــرض بـــــــــــــأعالم ىلع األرشاف‬
‫واألرشف الســــــــلطان خصــــــــهم بهــــــــا‬
‫ً‬
‫رشفـــــــا يلفـــــــرقهم مـــــــن األطــــــــراف‬
‫ولعل اختيار هذا اللون لكونه أفضل األلوان‪ ،‬أو كونه لون احللة اليت‬
‫يكساها يف املوقف نبينا صىل اهلل عليه وآهل وسلم أو كونه لون ثياب أهل‬
‫اجلنة"ا‪ .‬ـهإسعاف‪.‬‬
‫قال اإلمام السيويط‪" :‬لبس هذه العالمة بدعة مباحة ال يمنع منها من‬

‫‪71‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أرادها من رشيف وغريه‪ ،‬وال يؤمر بها من تركها من رشيف وغريه‪ ،‬واملنع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منها ألحد من انلاس اكئنا من اكن ليس أمرا رشعيا‪ ،‬ألن انلاس مضبطون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بأنسابهم اثلابتة‪ ،‬وليس لبس العالمة مما ورد به الرشع فيتبع إباحة ومنعا‪،‬‬
‫أقىص ما يف ابلاب أنه أحدث اتلميزي بها هلؤالء عن غريهم‪ ،‬وقد يستأنس‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ن ُْ‬ ‫ن‬
‫اوك وبناتِك ونِسا ِء ال ُمؤ ِمنِني‬
‫يب قل ألزو ِ‬‫ِ‬ ‫انل‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ي‬ ‫فيها بقوهل تعاىل‪ :‬يا أ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ُْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫يُ ْدنني عليْه ان م ْ‬
‫يب ِه ان ذلِك أدىن أن يعرفن فال يُؤذين‪ ،"1"‬فقد‬ ‫ِ ِ‬ ‫الب‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫استدل بها بعض العلماء ىلع ختصيص أهل العلم بلباس يلعرفوا فيجلوا‬
‫ً‬
‫تكريما للعلم وهذا ووه حسن واهلل أعلم"‪.‬‬
‫ا‬
‫الصبان‪" :‬يؤخذ من اآلية اليت استأنس بها يف لبس العالمة‬ ‫قال العالمة‬
‫اخلرضاء استحباب لبسها لألرشاف وهو اذلي ينبيغ اعتماده وتكره‬
‫ً‬
‫لغريهم‪ ،‬ألن فيها انتسابا بلسان احلال إىل غري من ينسب إيله الشخص يف‬
‫نفس األمر‪ ،‬وانتساب الشخص إىل غري من ينسب إيله يف نفس األمر‬
‫منىه عنه حمذر منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولم يكتف يف هذه األعصار بتلك العالمة بل وعلت العمامة‬
‫لكها خرضاء وحكمها حكم تلك العالمة" انتىه‪.‬‬
‫وهذا إنما يظهر يف ابلالد اليت بيق أهلها ىلع اصطالح ختصيص العمائم‬
‫اخلرض باألرشاف كمرص‪ ،‬أما يف غريها اكلقسطنطينية فال‪ ،‬فإن العالمة‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.59‬‬

‫‪72‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫اخلرضاء فيها ال داللة هلا ىلع الرشف أصال‪ ،‬ملا أن العلماء فيها والطلبة‬
‫وغريهم من أرباب العمائم ال خيلو أحدهم يف الغالب من عمامة خرضاء‬
‫يستعملها يف بعض األحيان‪ ،‬وقد يكرث استعماهلا يف فصل الشتاء لعدم‬
‫ظهور الوسخ فيها بل جتاوزهم األمر إىل كثري من أهل احلرف وباعة‬
‫ً‬
‫الشوارع‪ ،‬فإنهم كثريا ما يتعممون بالعمائم اخلرض هلذه العلة وهكذا لفظ‬
‫ً‬
‫السيد عندهم ليس خاصا بالرشيف‪ ،‬فإنك إذا ذهبت إىل سو احلاككني‪،‬‬
‫ً‬
‫واوتهدت يف أن ترى ختما لم يكتب فيه السيد فالن ال تكاد تراه إال‬
‫أن يكون لسيد رشيف صحيح النسب أو لرول من أهل ادلين واحلياء‬
‫وإنما ال يكتب األرشاف لفظ السيد يف أختامهم خلوف االشتباه يف‬
‫أنسابهم حينئذ بسبب كرثة استعمال األغيار إياه‪ ،‬ومن هنا ترى أكرثهم ال‬
‫سيما أرشاف احلجاز ال يلبسون العمائم اخلرض هلذه احلكمة فقد زال‬
‫اتلميزي‪ ،‬واختلط الصفر باإلبريز‪ ،‬واألرشاف مضبوطون بأنسابهم‪ ،‬ال‬
‫بألقابهم‪ ،‬ومعروفون بأحسابهم ال بأثوابهم‪ ،‬ولقد أفحش يف اخلطأ من ظن‬
‫ً‬
‫الرشف باأللوان‪ ،‬أو بقول انلاس يا سيد فالن‪ ،‬فرحم اهلل إمرءا عرف حده‪،‬‬
‫فثبت عنده وعلم مقامه‪ ،‬فلم يتقدم أمامه‪ ،‬فإن الكذب مداه قصري‪،‬‬
‫والزيف ال خييف ىلع انلاقد ابلصري‪.‬‬
‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬استعمال انلقباء منهم عليهم‪ ،‬وهذه‬
‫انلقابة وضعت يف األصل لصيانتهم عن أن يتوىل عليهم من ال يكافئهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف النسب وال يساويهم يف الرشف‪ ،‬وخيتار هلا أولهم بيتا وأكرثهم فضال‬

‫‪73‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫وأوزهلم رأيا تلجتمع فيه رشوط الرياسة والسياسة فيرسعوا إىل طاعته‬
‫ًّ‬
‫برياسته وتستقيم أمورهم بسياسته‪ ،‬ويلزمه هلم بتقدلها اثنا عرش حقا‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها أو خارج عنها وهو منها‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬معرفة أنسابهم وتميزي بطونهم ويثبتهم يف ديوانه ىلع اتلميزي‪.‬‬
‫واثلالث‪ :‬معرفة من ودل منهم من ذكر أو أنىث فيثبته ومعرفة من مات‬
‫فيذكره‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن حيملهم ىلع اآلداب اليت تضايه رشف أنسابهم وكرم حمتدهم‬
‫تلكون حشمتهم يف انلفوس موفورة وحرمة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم فيهم حمفوظة‪.‬‬
‫واخلامس‪ :‬أن يزنههم عن املاكسب ادلنيئة‪ ،‬ويمنعهم من املطالب اخلبيثة‬
‫حىت ال يستقل وال يستضام منهم أحد‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬أن يكفهم عن ارتكاب املآثم ويمنعهم من انتهاك املحارم‪،‬‬
‫يلكونوا ىلع ادلين اذلي نرصوه أغري‪ ،‬وللمنكر اذلي أزالوه أنكر‪ ،‬فال‬
‫ينطلق بذمهم لسان وال يشنؤهم إنسان‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬أن يمنعهم من التسلط ىلع العامة لرشفهم والتشطط عليهم‬
‫لنسبهم فيدعوهم ذلك إىل املقت وابلغض ويبعثهم ىلع املناكرة وابلعد‪،‬‬
‫وأن يندبهم إىل استعطاف القلوب‪ ،‬وتألف انلفوس يلكون امليل إيلهم‬
‫أويف‪ ،‬والقلوب هلم أصيف‪.‬‬
‫ً‬
‫واثلامن‪ :‬أن يكون عونا هلم يف استيفاء حقوقهم حىت ال يضعفوا عنها‪،‬‬

‫‪74‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫وعونا عليهم يف أخذ احلقو منهم حىت ال يمنعوا أهلها منها‪ ،‬يلصريوا‬
‫باملعونة هلم منتصفني‪ ،‬وباملعونة عليهم منصفني‪ ،‬فإن من عدل السرية‬
‫فيهم إنصافهم وانتصافهم‪.‬‬
‫واتلاسع‪ :‬أن ينوب عنهم يف حقوقهم يف بيت مال املسلمني‪.‬‬
‫والعارش‪ :‬أن يمنع نساءهم أن يزتوون إال من األكفاء لرشفهن ىلع سائر‬
‫ً‬
‫النساء صيانة ألنسابهن وتعظيما حلرمتهن‪.‬‬
‫واحلادي عرش‪ :‬أن ِّ‬
‫يقوم ذوى اهلفوات منهم‪ ،‬ويقيل ذا اهليئة منهم عرثته‬
‫ويغفر بعد الوعظ زتله‪.‬‬
‫واثلاين عرش‪ :‬أن يرايع وقوفهم حبفظ أصوهلا وتنمية فروعها ويرايع‬
‫قسمتها عليهم حبسب الرشوط واألوصاف‪.‬‬
‫ويزاد ىلع ذلك يف انلقابة العامة مخسة أشياء أخرى‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬احلكم بينهم فيما تنازعوا فيه‪.‬‬
‫واثلاين‪ :‬الوالية ىلع أيتامهم فيما ملكوه‪.‬‬
‫واثلالث‪ :‬إقامة احلدود عليهم فيما ارتكبوه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فعضلوهن‪.‬‬ ‫والرابع‪ :‬تزويج األياىم الاليت ال يتعني أويلاؤهن أو قد تعينوا‬
‫واخلامس‪ :‬إيقاع احلجر ىلع من عته منهم أو سفه وفكه إذا أفا ورشد‪.‬‬
‫ً‬
‫انتىه ملخصا من األحاكم السلطانية لإلمام املاوردي‪.‬‬
‫هكذا اكنت نقباء األرشاف يف األزمنة السالفة‪ ،‬أما اآلن فهم كما ترى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ال جيدون طاعة وال سمعا وال يملكون رضا وال نفعا‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬طلب إكرام فاسقهم وتوقريه واعتقاد‬
‫أن ذنبه مغفور‪ ،‬وأن اهلل متجاوز عن سيئاته والبد ولو بتوفيق اهلل إياه‬
‫ْ ُ‬ ‫ا ُ ُ اُ ْ‬
‫اَّلل ِيلُذ ِهب عنك ُم‬ ‫للتوبة انلصوح قبل املوت قال تعاىل‪ِ  :‬إنما ي ِريد‬
‫ريا‪ ،"1"‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬ ‫وس أ ْهل ْابليْت و ُيط ِّهر ُك ْم ت ْطه ً‬
‫ِّ ْ‬
‫الر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫(يا بين عبد املطلب إين سألت اهلل لكم ثالثا‪ :‬أن يثبت قائمكم‪ ،‬وأن‬
‫يهدي ضالكم‪ ،‬وأن يعلم واهلكم)"‪ ،"2‬وقد تقدم قوهل صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪( :‬إن فاطمة أحصنت فروها فحرمها اهلل وذريتها ىلع انلار)"‪،"3‬‬
‫وغريه من األحاديث ادلالة ىلع القطع هلم باجلنة من غري سابقة عذاب‪،‬‬
‫فال حاوة إلاعدتها هنا‪ ،‬وإنما طلب إكرام فاسقهم‪ ،‬ألن إكرامه ليس‬
‫لفسقه وإنما هو لعنرصه الطاهر ونسبه الزاهر‪ ،‬وهذا مووود يف طاحلهم‬
‫كوووده يف صاحلهم‪ ،‬وفسق أحدهم ال خيروه عن بيت انلبوة وهم برش غري‬
‫معصومني‪ ،‬فال يطرأ بذلك خلل يف نسبهم وإن اكن يشني قدرهم الرفيع‪،‬‬
‫وحيط بني الصاحلني من رتبهم‪.‬‬
‫قال املقريزي‪" :‬حدثين الشيخ الفاضل يعقوب بن يوسف القريش‬
‫املكنايس قال‪ :‬أخربين أبو عبد اهلل حممد الفايس قال‪ :‬كنت أبغض بين‬
‫حسني أرشاف املدينة انلبوية ملا اكن يظهر يل من تعصبهم ىلع أهل السنة‪،‬‬

‫‪ -1‬األحزاب آية ‪.33‬‬


‫‪ -2‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه احلاأم‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فنمت مرة بانلهار باملسجد انلبوي جتاه القرب املقدس فرأيت رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم وهو يقول يل يا فالن باسيم مايل أراك تبغض‬
‫أوالدي؟ فقلت حاشا هلل يا رسول اهلل‪ ،‬ما أكرههم وإنما كرهت منهم ما‬
‫رأيت من تعصبهم ىلع أهل السنة‪ ،‬فقال يل‪ :‬مسألة فقهية أليس الودل‬
‫العا يلحق بالنسب؟ فقلت بىل يا رسول اهلل‪ ،‬فقال هذا ودل اع ‪ ،‬فانتبهت‬
‫ً‬
‫وقد زال بغيض هلم ثم رصت ال ألىق منهم أحدا إال بالغت يف إكرامه""‪"1‬ا‪.‬ه‪.‬‬
‫فانظر أيها الرشيف إىل تسمية انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم املتعصب‬
‫ً‬
‫ىلع أهل السنة ودل اعقا‪ ،‬وتذكر أن عقو مطلق الوادلين من الكبائر فما‬
‫بالك بعقو ودك املصطىف صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫قال العالمة ابن حجر يف خاتمة الفتاوى‪" :‬من علت نسبته إىل آل ابليت‬
‫انلبوي والرس العلوي ال خيروه عن ذلك عظيم ونايته وال عدم ديانته‬
‫وصيانته‪ ،‬ومن ثم قال بعض املحققني‪ :‬ما مثال الرشيف الزاين أو الشارب‪،‬‬
‫ً‬
‫أو السار مثال إذا أقمنا عليه احلد إال كأمري أو سلطان تلطخت رواله‬
‫بقذر فغسله عنها بعض خدمته‪ ،‬ولقد بر يف هذا املثال وحقق ويلتأمل قول‬
‫انلاس يف أمثاهلم‪ :‬الودل العا ال حيرم املرياث‪ ،‬نعم الكفر إن فرض وقوعه‬
‫ألحد من أهل ابليت والعياذ باهلل هو اذلي يقطع النسبة بني من وقع منه‬
‫وبني مرشفه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وإنما قلت إن فرض ألنين أكاد‬

‫‪ -1‬ذكر القصة امليناوي يف فيض القدير‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أوزم أن حقيقة الكفر ال تقع مما علم اتصال نسبه الصحيح بتلك‬
‫ابلضعة الكريمة حاشاهم اهلل من ذلك‪ ،‬وقد أحال بعضهم وقوع حنو الزنا‬
‫واللواط ممن علم رشفه فما ظنك بالكفر؟ هذا لكه فيمن علم رشفه كما‬
‫تقرر‪ ،‬وأما من يشك يف رشفه فإن ثبت نسبه بووه رشيع ووب ىلع ل أحد‬
‫ً‬
‫تعظيمه ملا فيه من الرشف واالنكار ىلع ما فيه من اخلالل اليت تنكر رشاع‪،‬‬
‫ً‬
‫ملا تقرر أنه ال يلزم من الرشف عدم الفسق‪ ،‬وإن لم يثبت نسبه رشاع واداعه‬
‫ولم يعلم كذبه تعني اتلوقف عن تكذيبه‪ ،‬ألن انلاس مأمونون ىلع‬
‫ً‬
‫أنسابهم فليسلم هل حاهل‪ ،‬وال ينبيغ لإلنسان أن يتحىس سما وهو قادر ىلع‬
‫السالمة‪ ،‬وإذا اكن املنسوبون لرول صالح يتوقاهم انلاس ويعظمونهم‬
‫ألول ذلك فما بالك باملنسوبني إىل سيد اخللق لكهم صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم ورشف وكرم وحرشنا يف زمرة حمبيه وحمىب آهل وأصحابه آمني" انتىه‪.‬‬
‫وهو الكم يف اغية اتلحقيق سوى أن قوهل أكاد أوزم أن حقيقة الكفر ال‬
‫تقع إىل آخره‪ ،‬األوىل فيه حذف اكد"‪ "1‬ملا تقدم يف املقصد األول من آية‬
‫اتلطهري واألحاديث الواردة بالقطع هلم يف اجلنة وعدم انقطاع نسبهم يوم‬
‫القيامة فإنه يدل ىلع عدم وقوع حقيقة الكفر منهم بيقني‪ ،‬وقوهل وإن لم‬
‫ً‬
‫يثبت نسبه رشاع واداعه الخ الكم حسن‪ ،‬وأحسن منه قول سيدي عبد‬
‫الوهاب الشعراين يف ابلحر املورود‪" :‬واعلم يا أيخ أن تعظيمنا للرشيف‬

‫‪ -1‬األصل أن تكون أكاد‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اذلي طعن يف صحة رشفه أووه عند رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫من تعظيم من صح نسبه‪ ،‬ألن املحقق رشفه ال مجيلة ألحد يف تعظيمه‬
‫خبالف غري املحقق الرشف إذا عظمناه ىلع الراحئة فتأمل" انتىه‪.‬‬
‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬اتصال نسبهم به صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم يوم القيامة وانتفاعهم به‪ ،‬خبالف سائر األنساب فإنها تنقطع وال‬
‫ينتفع بها كما رصح به حديث‪ ( :‬ل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إال‬
‫سبيب ونسيب) ‪ ،‬وحديث‪( :‬ما بال أقوام يقولون‪ :‬إن رحم رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم ال تنفع يوم القيـامة‪ ،‬بىل إن رحـيم موصـولة يف ادلنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وإين أيها انلـاس فرط لكم ىلع احلوض)"‪ ،"1‬وقوهل تعاىل‪ :‬ال‬
‫ْ ُ‬
‫أنساب بينه ْم ي ْوم ِئ ٍذ‪ "2"‬وحنوه خمصوص بغريهم‪.‬‬

‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬أن ووودهم يف األرض أمان ألهلها‬
‫كما وردت به األحاديث كقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬انلجوم أمان‬
‫ألهل السماء‪ ،‬وأهل بييت أمان ألهل األرض)"‪ "3‬ويف رواية‪( :‬أمان ألميت)‪،‬‬
‫وقد تقدم رشح ذلك يف املقصد األول‪.‬‬
‫واتفق رشاح احلديث ىلع تفسري أهل ابليت يف احلديث باذلرية‪ ،‬وانفرد‬

‫‪ -1‬رواه أمحد واحلاأم‪.‬‬


‫‪ -2‬املؤمنون آية ‪.101‬‬
‫‪ -3‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫الرتمذي فذهب إىل أن املراد منهم األبدال وقد سبق الرد عليه فاروع إيله‬
‫إن شئت‪.‬‬
‫قال العالمة ابن حجر‪ :‬واحلكمة يف اختصاص أوالد فاطمة بهذا الرشف‬
‫دون أوالد سائر بناته صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما اختصت به ريض اهلل‬
‫عنها من املزايا الكثرية ىلع أخواتها‪ ،‬منها ما ورد أن اهلل زووها لعيل كرم‬
‫اهلل ووهه يف السماء قبل أن يزتووها يف األرض‪ ،‬ومنها تميزيها عليهن بأنها‬
‫سيدة نساء أهل اجلنة‪ ،‬ومنها تميزيها عليهن بتسميتها بالزهراء إما لكونها ال‬
‫حتيض من غري علة فاكنت كنساء اجلنة‪ ،‬وإما لكونها ىلع ألوان نساء اجلنة‬
‫أو لغري ذلك‪ ،‬فهذه املذكورات وحنوها مما امتازت به من الفضائل ال يبعد أن‬
‫ً‬
‫يكون هو احلكمة يف بقاء نسلها يف العالم أمنا هل من عموم الفُت‪.‬‬
‫أخرب الصاد املصدو صىل اهلل عليه وآهل وسلم بذلك بأنهم يف ذلك‬
‫اكلقرآن بقوهل‪( :‬إين تارك فيكم اثلقلني‪ :‬كتاب اهلل‪ ،‬وعرتيت‪ ،‬لن تضلوا ما‬
‫ً‬
‫استمسكتم بهما أبدا)"‪."1‬‬
‫قال‪ :‬وأما الرشف انلاشئ عما فيهم من ابلضعة الكريمة فال خيتص‬
‫بأوالد فاطمة‪ ،‬فقد رصح املحققون بأنه لو اعش نسل زينب من أيب العاص‬
‫أو نسل رقية وأم لكثوم من عثمان ريض اهلل عنهم لاكن هلم من الرشف‬
‫والسيادة ما لنسل فاطمة ريض اهلل عنها‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم ‪ :‬أنهم أول من يدخل اجلنة‪ ،‬روى‬
‫اثلعليب عن يلع ريض اهلل عنه وكرم اهلل ووهه قال‪ :‬شكوت إىل رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم حسد انلاس فقال يل‪( :‬أما ترىض أن تكون‬
‫رابع أربعة‪ ،‬أول من يدخل اجلنة أنا وأنت واحلسن واحلسني وأزواونا عن‬
‫أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواونا)‪.‬‬
‫ومن خصائصهم ريض اهلل عنهم‪ :‬أنهم مع كونهم أوالد ابنته فاطمة‪،‬‬
‫يسمون أبناءه وينسبون إيله صىل اهلل عليه وآهل وسلم نسبة صحيحة‪،‬‬
‫أخرج الطرباين قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن اهلل عز وول وعل‬
‫ذرية ل نيب يف صلبه‪ ،‬وإن اهلل وعل ذرييت يف صلب يلع بن أيب طالب)‪،‬‬
‫وقوهل عليه الصالة والسالم‪ ( :‬ل بين أم ينتمون إىل عصبة إال ودل فاطمة‬
‫فأنا ويلهم وأنا عصبتهم)"‪."1‬‬
‫قال يف اإلسعاف‪" :‬هذه اخلصوصية ألوالد فاطمة فقط دون أوالد بقية‬
‫بناته صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فال يطلق عليه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫أنه أب هلم وأنهم بنوه كما يطلق ذلك يف أوالد فاطمة‪ ،‬نعم يطلق عليهم‬
‫أنهم من ذريته ونسله وعقبه" انتىه‪.‬‬
‫وتقدم لك عن ابن حجر أنهم لو اعشوا لاكن هلم من الرشف والسيادة ما‬
‫ألوالد فاطمة من حيث ابلضعة الرشيفة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫وعد الصبان من خصائصهم ريض اهلل عنهم‪" :‬أن م ْن صنع مع أحد منهم‬
‫ً‬
‫معروفا اكفأه انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يوم القيامة لقوهل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬من أراد اتلوسل وأن يكون هل عندي يد أشفع هل بها‬
‫ْ‬
‫يوم القيامة فلي ِصل أهل بييت ويدخل الرسور عليهم)"‪ ،"1‬قال‪ :‬ومنها أن‬
‫تطول العمر‪ ،‬وتبيض الووه يوم القيامة‪ ،‬وبضد ذلك بغضهن كما‬‫حمبتهم ِّ‬

‫يف خرب أورده يف الصواعق أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬من أحب أن‬
‫ُ‬
‫ينسأ ‪ -‬أي يؤخر‪ -‬أوله وأن يُمتاع بما خ ِّوهل فليخلفين يف أهيل خالفة‬
‫ً‬ ‫حسنة‪ ،‬فمن لم خيلفين فيهم برت عمره‪ ،‬وورد ا‬
‫يلع يوم القيامة مسودا‬
‫ووهه)"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وهذا املعىن يوود يف أصحابه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فإنا نرى‬
‫من يف قلبه‬ ‫مبغضيهم سود الوووه يف ادلنيا قبل اآلخرة كما هو مشاهد ل‬
‫إيمان‪ ،‬واملراد من طول العمر حصول الربكة فيه حىت تكرث حسنات‬
‫صاحبه وتقل سيئاته فافهم‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين بنفس املعىن‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فصل‬
‫يف بعض فضائل اخلمسة أهل العباء‬
‫فضائل سيدنا رسول اهلل صيل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫أما سيدهم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫فمبلــــــغ العلــــــم فيــــــه أنــــــه بـــــــرش‬
‫وأنــــــــه خــــــــري خلــــــــق اهلل لكهــــــــم‬
‫لم يصل إىل ما وصل إيله صىل اهلل عليه وآهل وسلم من الكمال والقرب‬
‫من ذي اجلالل نيب مرسل وال ملك مقرب‪ ،‬وقد رصح األئمة األعالم‬
‫اكلفخر الرازي وابن حجر وغريهما بأن فضائل سائر الرسل واألنبياء لو‬
‫اوتمعت يف واحد وقوبلت بفضائله صىل اهلل عليه وآهل وسلم لروحت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فضائله صىل اهلل عليه وآهل وسلم عليها‪ ،‬فهو أفضلهم خصوصا وعموما‪،‬‬
‫وكما أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم أفضل اخللق ىلع اإلطال ‪ ،‬فرشيعته‬
‫أفضل الرشائع‪ ،‬وأمته خري األمم‪ ،‬وآهل خري اآلل‪ ،‬وأصحابه خري‬
‫األصحاب‪ ،‬وجيب ىلع ل مسلم مطالعة الكتب اليت ألفت يف فضائله‬
‫وأوصافه الرشيفة صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬اكلشفاء واملواهب وكتب‬
‫السري حىت يعرف مزنلة نبيه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وما خوهل اهلل تعاىل‬
‫ً‬
‫مما تعجز عن بيان حقيقته األلسنة واألقالم‪ ،‬وال يزيد إال ودة ىلع تقادم‬
‫الليايل واأليام‪ ،‬وجممل القول فيه أنه خري خلق اهلل وليس فوقه إال اهلل‪،‬‬
‫أماتنا اهلل ىلع ملته وحرشنا يف زمرته جباهه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫كيفية جليلة يف الصالة عليه صيل اهلل عليه وآهل وسلم‬


‫لإلمام ابلكري الكبري املرصي‬
‫وقد حبب يل أن أذكر هنا كيفية صالة عليه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫لسيدي العارف باهلل حممد بن أيب احلسن ابلكري الكبري ريض اهلل عنه‬
‫ألنها من أبلغ الكيفيات وأمجع الصلوات‪ ،‬وقد اشتملت من صفاته‬
‫الرشيفة صىل اهلل عليه وآهل وسلم ىلع أكمل الصفات وىه‪:‬‬
‫امهلل صل وسلم ىلع نورك األسىن‪ ،‬ورسك األبىه‪ ،‬وحبيبك األىلع‪،‬‬
‫وصفيك األزىك‪ ،‬واسطة أهل احلب‪ ،‬وقبلة أهل القرب‪ ،‬روح املشاهد‬
‫امللكوتية‪ ،‬ولوح األرسار القيومية‪ ،‬ترمجان األزل واألبد‪ ،‬لسان الغيب‬
‫اذلي ال حييط به أحد‪ ،‬صورة احلقيقة الفردانية‪ ،‬وحقيقة الصورة املزينة‬
‫باألنوار الرمحانية‪ ،‬إنسان اهلل املختص بالعبارة عنه‪ ،‬رس قابلية اتلهيؤ‬
‫اإلماكين املتلقية منه‪ ،‬أمحد من محد ومحد عند ربه‪ ،‬حممد ابلاطن والظاهر‬
‫بتفعيل اتلكميل اذلايت يف مراتب قربه‪ ،‬اغية طريف ادلورة انلبوية املتصلة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫باألول نظرا وإمدادا‪ ،‬بداية نقطة االنفعال الووودي إرشادا وإسعادا‪ ،‬أمني‬
‫اهلل ىلع رس األلوهية املطلسم‪ ،‬وحفيظه ىلع غيب الالهوتية املكتم‪ ،‬من ال‬
‫تدرك العقول الاكملة منه إال مقدار ما تقوم عليها به حجته ابلاهرة‪ ،‬وال‬
‫تعرف انلفوس العرشية من حقيقته إال ما يتعرف هلا به من لوامع أنواره‬
‫الزاهرة‪ ،‬منتىه همم القدسيني وقد بدوا مما فو اعلم الطبائع‪ ،‬مرىم أبصار‬
‫املوحدين وقد طمحت ملشاهدة الرس اجلامع‪ ،‬من ال جتىل أشعة اهلل لقلب‬

‫‪84‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫إال من مرآة رسه‪ ،‬ويه انلور املطلق‪ ،‬وال تتىل مزامريه ىلع لسان إال برنات‬
‫ذكره وهو الوتر الشفيع املحقق‪ ،‬املحكوم باجلهل ىلع ل من ادىع معرفة‬
‫اهلل جمردة يف نفس األمر عن نفسه املحمدي‪ ،‬الفرع احلدثاين املرتعرع يف‬
‫نمائه بما يمد به ل أصل أبدي‪ ،‬وىن شجرة القدم‪ ،‬خالصة نسخيت‬
‫الووود والعدم‪ ،‬عبد اهلل ونعم العبد اذلي به كمال الكمال‪ ،‬واعبد اهلل باهلل‬
‫بال حلول وال احتاد وال اتصال وال انفصال‪ ،‬ادلايع إىل اهلل ىلع رصاط‬
‫مستقيم‪ ،‬نيب األنبياء وممد الرسل عليه باذلات وعليهم منه أفضل الصالة‬
‫وأرشف التسليم‪ ،‬يا اهلل يا رمحن يا رحيم‪ ،‬امهلل صل وسلم ىلع مجال‬
‫اتلجليات االختصاصية‪ ،‬ووالل اتلديلات االصطفائية‪ ،‬ابلاطن بك يف‬
‫غيابات العز األكرب‪ ،‬الظاهر بنورك يف مشار املجد األفخر‪ ،‬عزيز احلرضة‬
‫الصمدية‪ ،‬وسلطان اململكة األحدية‪ ،‬عبدك من حيث أنت كما هو عبدك‬
‫من حيث اكفة أسمائك وصفاتك‪ ،‬مستوى جتيل عظمتك وعلمك ورمحتك‬
‫وحكمك يف مجيع خملوقاتك‪ ،‬من كملت بنور قدسك مقلته فرأى ذاتك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العلية وهارا‪ ،‬وسرتت عن ل أحد من خلقك يف باطنه لك أرسارا‪،‬‬
‫وفلقت بكلمة خصوصيته املحمدية حبار اجلمع‪ ،‬ومتعت منه بمعرفتك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومجالك وخطابك القلب وابلرص والسمع‪ ،‬وأخرت عن مقامه تأخريا ذاتيا‬
‫ ل أحد‪ ،‬ووعلته حبكم أحديتك وتر العدد‪ ،‬لواء عزتك اخلافق‪ ،‬لسان‬
‫حكمتك انلاطق‪ ،‬سيدنا حممد وىلع آهل وصحبه‪ ،‬وشيعته ووارثيه وحزبه‪ ،‬يا‬
‫اهلل يا رمحن يا رحيم‪ ،‬امهلل صل وسلم ىلع دائرة اإلحاطة العظىم‪ ،‬ومركز‬

‫‪85‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫حميط الفلك األسىم‪ ،‬عبدك املختص من علومك بما لم تيهء هل أحدا من‬
‫عبادك‪ ،‬سلطان ممالك العزة بك يف اكفة بالدك‪ ،‬حبر أنوارك اذلي تالطمت‬
‫برياح اتلعني الصمداين أمواوه‪ ،‬قائد ويش انلبوة اذلي تسارعت بك‬
‫إيلك أفواوه‪ ،‬خليفتك ىلع اكفة خليقتك‪ ،‬أمينك ىلع مجيع بريتك‪ ،‬من‬
‫اغية املجد املجيد يف اثلناء عليه االعرتاف بالعجز عن اكتناه صفاته‪،‬‬
‫ونهاية ابلليغ املبالغ أن ال يصل إىل مبالغ احلمد ىلع ماكرمه وهباته‪ ،‬سيدنا‬
‫وسيد ل من لك عليه سيادة‪ ،‬حممدك اذلي استووب من احلمد بك لك‬
‫إصداره وإيراده‪ ،‬وىلع آهل الكرام‪ ،‬وأصحابه العظام‪ ،‬ووراثه الفخام‪ ،‬احلمد‬
‫هلل وسالم ىلع عباده اذلين اصطيف "سبعا" أي يكرر هذه اآلية تايل‬
‫الصلوات سبع مرات ثم يقول‪ :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم‬
‫ىلع املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬ويقرأ الفاحتة‪ ،‬ويهديها ملنشئ هذه‬
‫الصلوات ويقول‪ :‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ ،‬وتب علينا إنك‬
‫أنت اتلواب الرحيم‪ ،‬وصىل اهلل وسلم ىلع سيدنا حممد وىلع إخوانه من‬
‫األنبياء واملرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫هذه الصلوات الرشيفة تلقاها صاحبها القطب الكبري سيدى حممد‬
‫ابلكري ريض اهلل عنه من إمالء رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم كما‬
‫رصح بذلك سيدى العارف باهلل السيد مصطيف ابلكري ريض اهلل عنه يف‬
‫ً‬
‫رشحه عليها والشيخ حممد ابلديري القديس يف ثبتة‪ ،‬وذكر هلا فضال‬
‫ً‬
‫عظيما‪ ،‬ومزايا وليلة‪ ،‬ذكرتها يف كتايب (أفضل الصلوات ىلع سيد‬

‫‪86‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫السادات) فمن شاءها فلريوع إيله وهو كتاب نفيس يف بابه وامع لغرر‬
‫صيغ الصلوات ىلع انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ال يستغىن عنه ل‬
‫مسلم‪.‬‬
‫فضائل السيدة فاطمة الزهراء ريض اهلل عنها‬
‫روى الرتمذي وغريه عن أسامة بن زيد ريض اهلل عنهما أن رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬أحب أهيل ا‬
‫إيل فاطمة) ‪ ،‬وروى الطرباين‬
‫عن أيب هريرة أن يلع بن أيب طالب ريض اهلل عنه قال‪ :‬يا رسول اهلل أينا‬
‫إىل منك وأنت أعز ا‬
‫ىلع‬ ‫أحب إيلك أنا أم فاطمة؟ قال‪( :‬فاطمة أحب ا‬

‫فرصح صىل اهلل عليه وآهل‬ ‫منها)‪ ،‬قال سيدي عبد الوهاب الشعراين‪ " :‬ا‬

‫وسلم بأن فاطمة أحب إيله من يلع‪ ،‬وأما كونه أعز فنحتاج إىل ديلل هل‬
‫هو أىلع من أحب أم دونه؟ فتأمل" اه‪.‬‬
‫وروي عن كثري من الصحابة أن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬إذا‬
‫اكن يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش‪ :‬يا أهل اجلمع نكسوا‬
‫رؤوسكم وغضوا أبصاركم حىت تمر فاطمة بنت حممد ىلع الرصاط إىل‬
‫اجلنة)"‪ ،"1‬وعن أيب أيوب‪( :‬فتمر مع سبعني ألف وارية من احلور العني كمر‬
‫ً‬
‫الرب )‪ ،‬وروى ابن حبان عن اعئشة ريض اهلل عنها قالت‪" :‬ما رأيت أحدا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أشبه الكما وحديثا برسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم من فاطمة‪ ،‬واكنت‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫إذا دخلت قام إيلها ورحب بها وأخذ بيدها وأولسها يف جملسه"‪.‬‬
‫وروى الطرباين بإسناد صحيح ىلع رشط الشيخني‪ ،‬قالت اعئشة ريض اهلل‬
‫ً‬
‫عنها‪( :‬ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غري أبيها)‪ ،‬وروى الطرباين‬
‫وغريه بإسناد حسن عن يلع أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‬
‫لفاطمة‪( :‬إن اهلل يغضب لغضبك ويريض لرضاك)‪ ،‬ويف اجلامع الصغري‪:‬‬
‫(فاطمة بضعة مين يقبضين ما يقبضها ويبسطين ما يبسطها)‪ ،‬وروى‬
‫ابلخاري أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬فاطمة بضعة مين يغضبين ما‬
‫يغضبها)‪ ،‬ويف رواية‪( :‬فمن أغضبها أغضبين)‪ ،‬وروى ابن حبان وغريه عن‬
‫أيب هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن‬
‫ً‬
‫ملاك من السماء لم يكن زارين فاستأذن ر يف زياريت فبرشين وأخربين‬
‫أن فاطمة سيدة نساء أميت)‪ ،‬وروى ابن عبد الرب أنه صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم قال هلا‪( :‬يا ا‬
‫بنية أال ترضني أنك سيدة نساء العاملني؟) قالت‪ :‬يا أبت‬
‫فأين مريم؟ قال‪( :‬تلك سيدة نساء اعملها)‪ ،‬ورصح بأفضليتها ىلع سائر‬
‫النساء حىت السيدة مريم كثري من العلماء املحققني منهم اتليق السبيك‬
‫واجلالل السيويط وابلدر الزركيش واتليق املقريزي‪.‬‬
‫وعبارة السبيك حني سأل عن ذلك‪ :‬اذلي خنتاره وندين اهلل به أن فاطمة‬
‫بنت سيدنا حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم أفضل‪ ،‬وسئل عن مثل ذلك‬
‫ابن أيب داود فقال‪ :‬إن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬فاطمة‬
‫ً‬
‫بضعة مين وال أعدل ببضعة رسول اهلل أحدا)‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وعبارة املناوي يف رشح قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬فضل اعئشة ىلع‬
‫النساء كفضل الرثيد ىلع سائر الطعام)"‪ ،"1‬قال مجع من السلف واخللف‪:‬‬
‫ً‬
‫"ال نعدل ببضعة املصطيف صىل اهلل عليه وآهل وسلم أحدا"‪ ،‬قال ابلعض‪:‬‬
‫"وبه يعلم أن بقية أوالده صىل اهلل عليه وآهل وسلم كفاطمة ريض اهلل‬
‫عنها" انتىه‪.‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬يدل تلفضيل بناته ىلع زوواته خرب أيب يعىل عن‬
‫ً‬
‫عمر مرفواع‪( :‬تزوج حفصة خري من عثمان‪ ،‬وتزوج عثمان خريا من‬
‫حفصة)‪ ،‬وروى النسايئ أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬إن ابنيت‬
‫فاطمة حوراء آدمية لم حتض ولم تطمث)"‪.‬‬
‫قال احلافظ السيويط يف اخلصائص‪" :‬ومن خصائص ابنته فاطمة ريض‬
‫اهلل عنها أنها اكنت ال حتيض‪ ،‬واكنت إذا ودلت طهرت من نفاسها بعد‬
‫ساعة حىت ال تفوتها صالة وذللك سميت الزهراء‪ ،‬وملا واعت وضع رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يده ىلع صدرها فما واعت بعد‪ ،‬وملا‬
‫احترضت غسلت نفسها‪ ،‬وأوصت أن ال يكشفها أحد فدفنها يلع ريض‬
‫اهلل عنه بغسلها ذلك"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وأما تسميتها بابلتول فقال الصبان‪" :‬سميت بذلك النقطاعها عن نساء‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫زمانها فضال ودينا ونسبا‪ ،‬وابلتل يف اللغة‪ :‬القطع‪ ،‬قال‪ :‬ومع كونها يف تلك‬

‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫املزنلة الرفيعة اكنت ريض اهلل عنها يف اغية من ضيق العيش‪ ،‬تنبيها‬
‫للغافلني ىلع أن ادلنيا ليست مطمح نظر الاكملني"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫روى أمحد أن بالال أبطأ عن صالة الصبح فقال هل انليب صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪( :‬ما حبسك) قال‪" :‬مررت بفاطمة‪ ،‬ويه تطحن والصيب يبيك‬
‫فقلت‪ :‬إن شئت كفيتك الرحا‪ ،‬وإن شئت كفيتك الصيب‪ ،‬فقالت أنا أرفق‬
‫بابين منك‪ ،‬فذاك اذلي حبسين عنك"‪ ،‬وروى أمحد بسند ويد عن يلع‬
‫كرم اهلل ووهه أنه قال لفاطمة قد واء أباك خدم كثري فاذهيب‬
‫ً‬
‫فاستخدميه‪ ،‬ثم أتيا إيله مجيعا‪ ،‬فقالت فاطمة‪ :‬يا رسول اهلل لقد طحنت‬
‫حىت لكت يدى‪ ،‬وقد واءك اهلل بسعة فأخدمنا‪ :‬يعىن أعطنا خادما فقال‪:‬‬
‫ن ا‬
‫الصفة تطوي بطونهم من اجلوع)‪ ،‬ثم قال‪( :‬أال‬ ‫(واهلل ال أعطيك وأدع أهل‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫منيهن وربيل‪( :‬إذا‬ ‫أخربكما خبري مما سأتلماين؟) فقال بىل قال‪ :‬لكمات عل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫الكريس وسبحا ثالثا وثالثني وامحدا ثالثا‬ ‫أتيتما إىل فراشكما فاقرآ آية‬
‫ً‬
‫وثالثني وكربا أربعا وثالثني) ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقد زووها صىل اهلل عليه وآهل وسلم لعيل ريض اهلل عنه بأمر اهلل تعاىل‬
‫يف السنة اثلانية من اهلجرة‪ ،‬عقد عليها يف املحرم ىلع بعض الروايات‪،‬‬
‫ودخل بها يف ذي احلجة‪ ،‬وىه ابنة مخس عرشة سنة‪ ،‬وهو ابن إحدى‬
‫وعرشين سنة‪ ،‬ولم يزتوج عليها حىت ماتت وداع هلا صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم يللة ادلخول بقوهل‪( :‬امهلل إين أعيذها بك وذريتها من الشيطان‬
‫الرويم) وداع بمثله لعيل ريض اهلل عنه وهلما بقوهل أيضا‪( :‬مجع اهلل‬

‫‪90‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫شملكما فجعل اهلل نسلهما مفاتيح الرمحة‪ ،‬ومعادن احلكمة‪ ،‬وأمن األمة)‪.‬‬
‫ً‬
‫وبقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم خماطبا هلما‪( :‬بارك اهلل لكما‪ ،‬وبارك‬
‫ا‬
‫فيكما‪ ،‬وأعز ودكما‪ ،‬وأخرج منكما الكثري الطيب)‪ ،‬قال أنس ريض اهلل‬
‫عنه‪" :‬فواهلل لقد أخرج منهما الكثري الطيب"‪ ،‬وهذه خطبته عليه الصالة‬
‫والسالم حني عقد انلاكح بعد أن داع أوالء الصحابة من املهاورين‬
‫واألنصار‪ ،‬فلما اوتمعوا دليه وأخذوا جمالسهم واكن يلع ريض اهلل عنه‬
‫ً‬
‫اغئبا قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬احلمد هلل املحمود بنعمته‪ ،‬املعبود‬
‫بقدرته‪ ،‬املطاع سلطانه‪ ،‬املرهوب من عذابه وسطوته‪ ،‬انلافذ أمره يف سمائه‬
‫وأرضه‪ ،‬اذلي خلق اخللق بقدرته‪ ،‬ومزيهم بأحاكمه‪ ،‬وأعزهم بدينه‪،‬‬
‫وأكرمهم بنبيه حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬إن اهلل تبارك اسمه وتعالت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عظمته‪ ،‬وعل املصاهرة سببا الحقا‪ ،‬وأمرا مفرتضا أوشج به األرحام‪ ،‬وألزم‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫اذلي خلق ِمن الْما ِء ب ً‬
‫رشا فجعله نسبًا‬ ‫األنام‪ ،‬فقال عز من قائل‪ :‬وهو ِ‬
‫ْ‬
‫و ِصه ًرا‪ "1"‬فأمر اهلل جيري إىل قضائه‪ ،‬وقضاؤه جيرى إىل قدره‪ ،‬ول قضاء‬
‫اء و ُيثّب ُ‬
‫ت و ِعند ُه‬ ‫حوا ْ ا ُ‬
‫اَّلل ما يش ُ‬ ‫قدر‪ ،‬ول قدر أول‪ ،‬ول أول كتاب ‪‬ي ْم ُ‬
‫ِ‬
‫ُن ْ‬
‫كتا ِب‪ ، ‬ثم إن اهلل أمرين أن أزوج فاطمة من يلع بن أيب طالب‪،‬‬ ‫"‪"2‬‬
‫أم ال ِ‬
‫فاشهدوا أين قد زووته إياها ىلع أربعمائة مثقال فضة إن ريض بذلك ‪.‬‬

‫‪ -1‬الفرقان آية ‪.54‬‬


‫‪ -2‬الرعد آية ‪.39‬‬

‫‪91‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ثم دخل يلع ريض اهلل عنه‪ ،‬فتبسم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫يف ووهه وقال‪( :‬إن اهلل عز وول أمرين أن أزووك فاطمة ىلع أربعمائة‬
‫مثقال فضة أرضيت بذلك؟) فخطب خطبة وقال‪" :‬رضيت بذلك يا رسول‬
‫اهلل" "‪."1‬‬
‫ولم يزتوج عليها ريض اهلل عنها حىت ماتت‪ ،‬وملا خطب وويرية بنت أيب‬
‫وهل قام صىل اهلل عليه وآهل وسلم ىلع املنرب وقال‪( :‬إن بين هاشم بن‬
‫املغرية استأذنوين يف أن ينكحوا ابنتهم يلع بن أيب طالب‪ ،‬فال آذن هلم ثم ال‬
‫آذن هلم إال أن يريد ابن أيب طالب أن يطلق ابنيت وينكح ابنتهم‪ ،‬إنما يه‬
‫بضعة مين يريبين ما رابها ويؤذيين ما آذاها‪ ،‬واهلل ال جتتمع بنت رسول اهلل‬
‫وبنت عدو اهلل عند رول أبدا ً)‪ ،‬فرتك ّ‬
‫يلع اخلطبة‪ ،‬قال أبو داود‪ :‬ح ارم اهلل‬
‫ىلع يلع ريض اهلل عنه أن ينكح ىلع فاطمة ريض اهلل عنها مدة حياتها‪،‬‬
‫توفيت ريض اهلل عنها بعد أبيها صىل اهلل عليه وآهل وسلم بستة أشهر يللة‬
‫اثلالثاء ثلالث خلون من رمضان سنة إحدى عرشة‪.‬‬

‫‪ -1‬روى بعض احلديث الطرباين‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فضائل أبو احلسنني أمري املؤمنني يلع بن أيب طالب ريض اهلل عنه‬
‫ً‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪" :‬هو أول انلاس إسالما يف قول الكثري من أهل‬
‫العلم"‪ ،‬ودل قبل ابلعثة بعرش سنني ىلع الصحيح‪ ،‬فر يف حجر انليب صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم ولم يفارقه‪ ،‬وشهد معه املشاهد لكها إال غزوة تبوك‬
‫فقال هل بسبب تأخريه هل باملدينة‪( :‬أال تريض أن تكون ِّ‬
‫مىن بمزنلة هارون‬
‫من موىس)"‪ ،"1‬وزووه ابنته فاطمة‪ ،‬واكن اللواء بيده يف أكرث املشاهد‪ ،‬وملا‬
‫آىخ انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم بني أصحابه قال هل‪( :‬أنت أيخ)"‪،"2‬‬
‫ومناقبه كثرية حىت قال اإلمام أمحد‪" :‬لم ينقل ألحد من الصحابة ما نقل‬
‫لعيل"‪ ،‬وقال غريه‪" :‬واكن سبب ذلك تنقيص بين أمية هل‪ ،‬فاكن ل من اكن‬
‫عنده علم من يشء من مناقبه من الصحابة يثبته‪ ،‬ولكما أرادوا إمخاده‬
‫ً‬
‫وهددوا من حدث بمناقبه ال تزداد إال انتشارا‪ ،‬وقد ودل هل الرافضة مناقب‬
‫موضوعة هو غىن عنها‪ ،‬وتتبع النسايئ ما خص به دون الصحابة فجمع من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك شيئا كثريا أسانيد أكرثها وياد"‪ ،‬وأخرج الشيخان يف صحيحيهما أنه‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫ألرفعن ا‬
‫الراية غدا إىل رول حيب‬ ‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال يوم خيرب‪( :‬‬
‫اهلل ورسوهل وحيبه اهلل ورسوهل‪ ،‬يفتح اهلل ىلع يديه) فلما أصبح رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم غدوا ولك واحد منهم يروو أن يعطاها‪ ،‬فقال‬

‫‪ -1‬رواه ابلخاري‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه أمحد واحلاأم والطرباين‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أين يلع بن أيب طالب؟) فقالوا هو‬
‫ً‬
‫يشتىك عينيه‪ ،‬فأىت به فبصق يف عينيه فداع هل خريا فأعطاه الراية‪ ،‬وعن‬
‫عمر ريض اهلل عنه‪" :‬ما أحببت اإلمارة إال ذلك ايلوم""‪."1‬‬
‫أن ا‬‫ا‬
‫انليب صىل اهلل‬ ‫وروى عبد اهلل بن أمحد بن حنبل من حديث وابر‬
‫عليه وآهل وسلم ملا رفع الراية لع ّ‬
‫يل يوم خيرب أرسع فجعلوا يقولون هل ارفق‬
‫حىت انتىه إىل احلصن فاوتذب بابه فألقاه ىلع األرض‪ ،‬ثم اوتمع عليه‬
‫ً‬
‫سبعون روال حىت أاعدوه‪.‬‬
‫وبعثه صىل اهلل عليه وآهل وسلم يلقرأ سورة براءة ىلع قريش وقال‪( :‬ال‬
‫يذهب إال رول مىن وأنا منه)‪ ،‬وقال بلين عمه‪( :‬أينكم يوايلين يف ادلنيا‬
‫يلع‪" :‬أنا"‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إنه ِّ‬
‫وليي‬ ‫واآلخرة؟) ‪ ،‬فأب ْوا فقال ّ‬
‫يف ادلنيا واآلخرة)"‪ ،"2‬وعن عمران بن حصني ريض اهلل عنه أنه صىل اهلل‬
‫عليا ً مين وأنا من ّ‬
‫يلع وهو‬ ‫إن ّ‬‫ّ ّ‬
‫عليه وآهل وسلم قال‪( :‬ما تريدون من يلع‪،‬‬
‫ن‬
‫وِل ل مؤمن بعدي)"‪ ،"3‬ونقل احلافظ ابن حجر يف اإلصابة عن مسند‬
‫أمحد بن حنبل بسند ويد عن يلع ريض اهلل عنه قيل‪" :‬يا رسول اهلل‪ :‬من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نؤ ِّمر بعدك؟ قال‪( :‬إن تؤ ِّمروا أبا بكر جتدوه أمينا زاهدا يف ادلنيا راغبا‬
‫ً‬ ‫ُ ِّ‬
‫يف اآلخرة‪ ،‬وإن تؤمروا عمر جتدوه قويا أمينا ال خياف يف اهلل لومة الئم‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه النسايئ يف السنن‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الرتمذي والنسايئ واحلاأم وابن حبان يف صحيحه‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫عليا وما أراأم فاعلني جتدوه هاديا مهديا يأخذ بكم‬ ‫وإن تؤ ِّمروا‬
‫الطريق املستقيم)‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ريض اهلل عنهما قال‪ :‬قال يل ّ‬
‫يلع‪" :‬يا ابن عباس إذا‬
‫صليت العشاء اآلخرة فاحلق إىل اجلبانة قال‪ :‬فصليت وحلقته واكنت يللة‬
‫مقمرة قال فقال يل‪ :‬ما تفسري األلف من احلمد؟ قلت‪ :‬ال أعلم‪ ،‬فتلكم يف‬
‫تفسريها ساعة تامة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما تفسري الالم من احلمد؟ قلت‪ :‬ال أعلم‪،‬‬
‫فتلكم فيها ساعة تامة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما تفسري احلاء من احلمد؟ قال قلت‪ :‬ال‬
‫أعلم‪ ،‬فتلكم فيها ساعة تامة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما تفسري امليم من احلمد؟ قال‪ :‬قلت‬
‫ال أعلم قال فتلكم يف تفسريها ساعة تامة‪ ،‬قال‪ :‬فما تفسري ادلال من‬
‫احلمد؟ قال‪ :‬قلت ال أدرى‪ ،‬فتلكم فيها إىل أن بزغ عمود الفجر قال‪ :‬وقال‬
‫ُ‬
‫يل قم يا ابن عباس إىل مزنلك فتأهب لفرضك فقمت‪ ،‬وقد وعيت ما قال‬
‫ثم تفكرت فإذا عليم بالقرآن يف علم يلع‪ ،‬اكلقرارة يف املثعنجر"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫القرارة‪ :‬الغدير الصغري واملثعنجر‪ :‬ابلحر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وقال ابن عباس‪ِ " :‬علْ ُم رسول اهلل من ِعلْم اهلل‪ ،‬و ِعلْ ُم ّ‬
‫يلع من ِعلم رسول‬
‫يلع‪ ،‬وما عليم وعلم أصحاب حممد يف علم ِّ‬
‫يلع إال‬ ‫اهلل و ِعلْيم من ِعلْم ّ‬
‫كقطرة يف سبعة أحبر"‪ ،‬فانظر كيف تفاوت اخللق يف العلوم والفهوم‪ ،‬ويقال‬
‫يلع حىت ذهب برصه‪.‬‬‫أن عبد اهلل بن عباس أكرث ابلاكء ىلع ّ‬
‫ًّ‬
‫عليا خيطب وهو يقول‪" :‬سلوين فواهلل ال تسألوين‬ ‫قال أبو الطفيل‪ :‬شهدت‬
‫عن يشء إال أخربتكم به‪ ،‬وسلوين عن كتاب اهلل فواهلل ما من آية إال‬

‫‪95‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم يف سهل أم يف وبل‪ ،‬ولو شئت أوقرت‬
‫ً‬
‫سبعني بعريا من تفسري فاحتة الكتاب"‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ريض اهلل عنهما‪" :‬لقد أعطي ّ‬
‫يلع تسعة أعشار العلم‪،‬‬
‫وأيْم اهلل لقد شاركهم يف العرش العارش"‪ ،‬واكن معاوية يكتب فيما يزنل به‬
‫فيسأل يلع بن أيب طالب‪ ،‬فلما بلغه قتله قال‪" :‬لقد ذهب الفقه والعلم‬
‫بموت ابن أيب طالب"‪ ،‬واكن عمر يتعوذ من معضلة ليس هلا أبو احلسن‪،‬‬
‫ُ‬
‫وسئِل عطاء أكان يف أصحاب حممد أحد أعلم من ّ‬
‫يلع؟ قال‪ :‬ال واهلل ما‬
‫أعلمه‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقال معاوية يوما ً لرضار الصدايئ أحد أصحاب ّ‬
‫يلع صف يل عليا قال‪:‬‬
‫ا‬
‫أعفين يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪ :‬تل ِصفنه‪ ،‬قال‪" :‬أما إذ ال بد من وصفه‪ :‬فاكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واهلل بعيد املدى شديد القوى‪ ،‬يقول فصال وحيكم عدال‪ ،‬يتفجر العلم‬
‫من ووانبه‪ ،‬وتنطق احلكمة من نواحيه‪ ،‬يستوحش من ادلنيا وزهرتها‪،‬‬
‫ويأنس بالليل ووحشته‪ ،‬واكن غزير العربة طويل الفكرة‪ ،‬يعجبه من‬
‫اللباس ما قرص‪ ،‬ومن الطعام ما خشن‪ ،‬اكن فينا كأحدنا‪ ،‬جييبنا إذا سأنلاه‪،‬‬
‫وينبئنا إذا استنبأناه‪ ،‬وحنن واهلل مع تقريبه إيانا وقربه منا ال نكاد‬
‫ُ ِّ‬ ‫ً‬
‫نكلمه هيبة هل‪ ،‬يعظم ادلين ويقرب املساكني‪ ،‬ال يطمع القوي يف باطله‪،‬‬
‫وال ييأس الضعيف من عدهل‪ ،‬وأشهد باهلل لقد رأيته يف بعض مواقفه وقد‬
‫ً‬
‫أرىخ الليل سدوهل قابضا ىلع حليته يتململ تململ السليم‪ ،‬ويبيك بكاء‬
‫إيل تعرضت أم ا‬
‫إيل تشوفت هيهات قد‬ ‫احلزين ويقول‪ :‬يا دنيا ُغ ِّري غريي‪ّ ،‬‬

‫‪96‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫أبنتك ثالثا ال روعة فيها‪ ،‬فعمرك قصري‪ ،‬وخطرك قليل‪ ،‬آهٍ من قلة الزاد‪،‬‬
‫وبعد السفر‪ ،‬ووحشة الطريق"‪ ،‬فبىك معاوية وقال‪ :‬رحم اهلل أبا احلسن‪ ،‬اكن‬
‫واهلل كذلك‪ ،‬فكيف حزنك عليه يا رضار؟ قال‪ :‬حزين حزن من ذبح‬
‫ودلها ىلع حجرها‪.‬‬
‫ً‬
‫وسيأيت ختصيصه أيضا بذكر نبذة أخرى من فضائله مع اخللفاء‬
‫ً‬
‫الراشدين يف خاتمة هذا الكتاب إظهارا للمزيتني وإيفاء حبق الفضيلتني‪.‬‬

‫فضائل أبو حممد احلسن أمري املؤمنني سبط رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم ورحيانته ريض اهلل عنه‬

‫هو آخر اخللفاء الراشدين بنص احلديث‪ ،‬ودل ريض اهلل عنه يف نصف‬
‫شهر رمضان سنة ثالث من اهلجرة‪ ،‬سماه انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫احلسن‪ ،‬وع اق عنه يوم سابعه‪ ،‬وحلق شعره وأمر أن يتصد بزنة شعره‬
‫سماه انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬‫فضة‪ ،‬قال أبو أمحد العسكري‪ " :‬ا‬
‫ا‬
‫احلسن وكناه أبا حممد ولم يكن يعرف هذا االسم يف اجلاهلية"‪.‬‬
‫روى عكرمة عن ابن عباس ريض اهلل عنهما قال‪ :‬اكن رسول اهلل صىل‬
‫ْ‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم حامل احلسن ىلع اعتقه فقال رول‪ :‬نِعم املركب ركبت‬
‫يا غالم فقال انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ونعم الراكب)"‪ ،"1‬وعن‬

‫‪ -1‬رواه الرتمذي واحلاأم‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫الرباء بن اعزب ريض اهلل عنه قال‪ :‬رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم واضعا احلسن بن ّ‬
‫يلع ىلع اعتقه وهو يقول‪( :‬امهلل إين أحبه فأحبه)"‪،"1‬‬
‫ويف ابلخاري عن أيب بكرة ريض اهلل عنه‪ :‬رأيت انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫يلع معه وهو يقبل ىلع انلاس مرة وعليه مرة‬ ‫وسلم ىلع املنرب واحلسن بن ّ‬
‫ويقول‪( :‬إن ابين هذا سيد ولعل اهلل أن يصلح به بني فئتني من املسلمني)‪،‬‬
‫وعن أيب بكرة أيضا‪ :‬اكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يصيل‬
‫يلع يثب ىلع ظهره إذا سجد يفعل ذلك غري مرة‬ ‫بانلاس‪ ،‬واكن احلسن بن ّ‬
‫ً‬
‫قالوا إنك تلفعل بهذا شيئا ما رأيناك تفعله بأحد؟ قال‪( :‬إن ابين هذا سيد‬
‫وسيصلح اهلل به بني فئتني عظيمتني من املسلمني)"‪ ،"2‬وعن عبد اهلل بن‬
‫الزبري ريض اهلل عنه قال‪ :‬أشبه أهل انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم به‬
‫وأحبهم إيله احلسن‪ ،‬رأيته ييجء وهو ساود‪ ،‬فريكب رقبته أو قال ظهره فما‬
‫يزنهل حىت يكون هو اذلي يزنل‪ ،‬وقد رأيته وهو راكع يفرج هل بني روليه‪،‬‬
‫حىت خيرج من اجلانب اآلخر‪ ،‬ويف ابلخاري عن أيب مليكة عن عقبة بن‬
‫صىل بنا أبو بكر العرص ثم خرج‪ ،‬فرأى احلسن بن ّ‬ ‫ا‬
‫يلع‬ ‫احلارث قال‪:‬‬
‫ً‬
‫يلعب‪ ،‬فأخذه فحمله ىلع عنقه وهو يقول‪ :‬بأيب شبيه بانليب‪ ،‬ليس شبيها‬
‫بع ّ‬
‫يل‪ ،‬ويلع يضحك‪ ،‬واكنت فاطمة ريض اهلل عنها تهز احلسن وتقول‪ :‬مثل ذلك‪.‬‬

‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه أمحد‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وعن زهري بن األرقم قال‪ :‬قام احلسن بن ّ‬


‫يلع خيطب فقام رول من أزد‬
‫شنوءة فقال‪ :‬أشهد لقد رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم واضعه‬
‫ِّ‬
‫ىلع حبوته وهو يقول‪( :‬من أحبين فليحبه ويلبلغ الشاهد الغائب)‪ ،‬ولوال‬
‫ً‬ ‫كرامة ا‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما حدثت به أحدا‪ ،‬وعن أيب هريرة‬
‫ريض اهلل عنه عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬امهلل إين أحبه‬
‫وأحب من حيبه)‪ ،‬فما اكن أحد أحب ّ‬
‫إيل من احلسن بعد أن قال رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما قال"‪ ،"1‬وعنه ريض اهلل عنه قال‪ :‬ما رأيت‬
‫احلسن بن ّ‬
‫يلع قط إال فاضت عيناي دمواع‪ ،‬وذلك أن رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم خرج يوما وأنا يف املسجد وأخذ بيدي واتكأ يلع‪ ،‬حىت‬
‫وئنا سو قينقاع فنظر فيه‪ ،‬ثم روع حىت ولس يف املسجد‪ ،‬ثم قال ادع‬
‫ابين فأىت احلسن بن ّ‬
‫يلع يشتد حىت وقع يف حجره فجعل رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم يفتح فمه أي احلسن ثم يدخل فمه يف فمه ويقول‪:‬‬
‫(امهلل إين أحبه وأحب من حيبه ثالث مرات)"‪."2‬‬
‫ً‬
‫قيل أنه ريض اهلل عنه حج عرش حجات ماشيا واكن يقول‪ :‬إين ألستيح‬
‫من ر أن ألقاه ولم أمش إىل بيته‪ ،‬وقاسم اهلل تعاىل ماهل ثالث مرات‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاكن يرتك نعال ويأخذ نعال‪ ،‬وخرج من ماهل لكه مرتني‪ ،‬وحتقق فيه قوهل‬

‫‪ -1‬رواه ابلخاري‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه الزبار وابلخاري يف األدب املفرد‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن ابىن هذا سيد‪ )...‬احلديث‪.‬‬
‫ً‬
‫فإنه ملا و ِِل اخلالفة بعد قتل أبيه بايعه أكرث من أربعني ألفا اكنوا بايعوا‬
‫أباه ىلع املوت‪ ،‬واكنوا أطوع للحسن وأحب هل‪ ،‬وبىق خليفة حنو سبعة أشهر‬
‫يف العرا وخراسان وايلمن واحلجاز وغري ذلك‪ ،‬ثم سلم األمر إىل معاوية‬
‫ً‬
‫بدون حرب وهو العزيز خوفا من إراقة دماء املسلمني‪ ،‬فلما بايعه خطب‬
‫انلاس قبل دخول معاوية الكوفة فقال‪" :‬أيها انلاس إنما حنن أمراؤكم‬
‫وضيفانكم وحنن أهل بيت نبيكم اذلين أذهب اهلل عنهم الروس‬
‫وطهرهم تطهريا" وكرر ذلك حىت ما بيق إال من بكى حىت سمع نشيجه‪،‬‬
‫وملا دخل معاوية الكوفة قال هل قم يا حسن فلكم انلاس فيما ورى بيننا‬
‫فقام احلسن يف أمر لم ّ‬
‫يرتو فيه فحمد اهلل وأثىن عليه ثم قال يف بديهته‪:‬‬
‫"أما بعد‪ :‬أيها انلاس فإن اهلل هداأم بأونلا وحقن دماءأم بآخرنا أال‬
‫إن أكيس الكيس اتلىق وإن أعجز العجز الفجور‪ ،‬وإن هذا األمر اذلي‬
‫ا‬
‫اختلفت أنا ومعاوية فيه‪ ،‬إما أن يكون أحق به مين وإما أن يكون حيق‬
‫تركته هلل عز وول وإلصالح أمة حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم وحقن‬
‫ُ‬ ‫اُ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫دمائكم‪ ،‬ثم اتلفت إىل معاوية وقال‪ :‬وإِن أد ِري لعله فِتنة لك ْم ومتاع‬
‫ني‪."1""‬‬
‫ِإىل ِح ٍ‬
‫قال العالمة الصبان‪" :‬وملا نزل عنها أي اخلالفة ابتغاء ووه اهلل تعاىل‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫عوضه اهلل وأهل بيته عنها باخلالفة ابلاطنية‪ ،‬حىت ذهب قوم أن قطب‬
‫األويلاء يف ل زمان ال يكون إال من أهل ابليت‪ ،‬وممن قال يكون من‬
‫غريهم األستاذ أبو العباس املريس كما نقله عنه تلميذه اتلاج ابن عطاء‬
‫اهلل‪ ،‬وهل أول األقطاب احلسن أو أول من تلىق القطبانية من املصطيف‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم فاطمة الزهراء مدة حياتها‪ ،‬ثم انتقلت منها إىل‬
‫أيب بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ّ ،‬‬
‫يلع‪ ،‬ثم احلسن؟‪ ،‬ذهب إىل األول أبو العباس‬
‫املريس‪ ،‬وإىل اثلاين أبو املواهب اتلونيس كما يف طبقات املناوي‪.‬‬
‫ورأيت يف رشح املناوي الكبري ىلع اجلامع الصغري ما نصه‪ :‬قال احلرايل‪:‬‬
‫سلسلة أهل الطريق تنتيه من ل ووه من وهة املشايخ واملريدين إىل‬
‫أهل ابليت‪ ،‬فجهات طر املشايخ تروع اعمتها إىل تاج العارفني أيب‬
‫القاسم اجلنيد‪ ،‬وبداية أيب القاسم أخذها من خاهل الرسى‪ ،‬والرسى ائتم‬
‫بمعروف‪ ،‬واكن معروف موىل ّ‬
‫يلع بن موىس الرىض وهو عن آبائه ريض اهلل‬
‫ْ ُ ا‬ ‫ُ‬
‫اَّلل‪ ‬ا‪.‬ه‪ .‬ثم‬
‫ِ‬ ‫ب‬‫ز‬ ‫ح‬ ‫تعاىل عنهم‪ ،‬فروع ال إىل ّ‬
‫يلع كرم اهلل ووهه‪‬أ ِ ِ‬
‫ك‬ ‫وئل‬
‫ذكر من الكمه ريض اهلل عنه‪ :‬املروءة العفاف‪ ،‬وإصالح احلال‪ ،‬اإلخاء‬
‫املواساة يف الشدة والرخاء‪ ،‬الغنيمة ابلاردة‪ ،‬الرغبة يف اتلقوى‪ ،‬واكن يقول‬
‫بلنيه وبين أخيه‪" :‬تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه يف‬
‫بيوتكم"‪.‬‬
‫وملا احترض قال ألخيه احلسني ريض اهلل عنه‪" :‬يا أيخ أوصيك أن ال‬
‫تطلب اخلالفة فإين واهلل ما أرى أن جيمع اهلل فينا انلبوة واخلالفة‪ ،‬فإياك‬

‫‪101‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أن يستخفك سفهاء الكوفة وخيرووك فتندم حيث ال ينفعك انلدم"‪.‬‬


‫وأخرج بن سعد عن سعيد بن عبد الرمحن عن أبيه قال‪ :‬تفاخر قوم من‬
‫قريش فذكر ل رول ما عنده‪ ،‬فقال معاوية للحسن بن ّ‬
‫يلع ريض اهلل‬
‫عنهما‪ :‬ما يمنعك من القول؟ فما أنت بكليل اللسان‪ ،‬فقال‪ :‬ما ذكروا‬
‫ً‬
‫مكرمة وال فضيلة إال وِل حمضها وبلابها‪ ،‬ففيم الالكم وقد سبقت مربزا؟‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف املسامرات للشيخ األكرب قال معاوية يوما وعنده أرشاف انلاس من‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫قريش وغريهم‪ :‬أخربوين بأكرم انلاس أبا وأما وعما وعمة وخاال وخالة وودا‬
‫ً‬
‫وودة‪ ،‬فقام مالك بن عجالن وأومأ إىل احلسن عليه السالم فقال‪ :‬ها هو ذا‬
‫أبوه يلع بن أيب طالب وأمه فاطمة بنت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪،‬‬
‫وودته خدجية بنت خويدل‪ ،‬ووده رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وعمه‬
‫وعفر الطيار يف اجلنة‪ ،‬وعمته أم هانئ بنت أيب طالب‪ ،‬وأخواهل وخاالته أوالد‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فسكت القوم ونهض احلسن‪ ،‬فقام رول من‬
‫بين سهم وقال أنت أمرت ابن عجالن ىلع مقاتله؟ فقال ابن عجالن‪ :‬ما‬
‫ً‬
‫قلت إال حقا‪ ،‬وما أحد من انلاس يطلب مرضاة خملو بمعصية اخلالق إال‬
‫ً‬
‫لم يعط أمنيته يف دنياه‪ ،‬وختم هل بالشقاء يف آخرته‪ ،‬بنو هاشم أنرضكم عودا‬
‫ً‬
‫وأوراأم زندا كذلك يا معاوية؟ فقال معاوية‪ :‬امهلل نعم‪.‬‬
‫ً‬
‫تويف احلسن ريض اهلل عنه مسموما سنة مخسني ىلع أحد األقوال‪ ،‬ودفن‬
‫يف ابلقيع ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فائدة‪:‬‬
‫قال احلافظ السيويط يف (تاريخ اخللفاء)‪ :‬أخرج ابليهيق‪ ،‬وابن عساكر‬
‫من طريق أيب املنذر هشام بن حممد عن أبيه قال‪ :‬أضا احلسن بن يلع‬
‫ريض اهلل عنه واكن عطاؤه يف ل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية يف‬
‫إحدى السنني فأضا إضاقة شديدة‪ ،‬قال‪ :‬فدعوت بدواة ألكتب إىل‬
‫معاوية ألذكره نفيس ثم أمسكت فرأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم يف املنام‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أنت يا حسن؟ فقلت‪ :‬خبري يا أبت‪ ،‬وشكوت‬
‫إيله تأخر املال عين‪ ،‬فقال أدعوت بدواة تلكتب إىل خملو مثلك تذكره‬
‫ذلك؟ فقلت نعم يا رسول اهلل‪ ،‬فكيف أصنع؟ فقال‪ :‬قل امهلل اقذف يف‬
‫ً‬
‫قليب رواءك‪ ،‬واقطع روايئ عمن سواك حىت ال أروو أحدا غريك‪ ،‬امهلل وما‬
‫ضعفت عنه قويت وقرص عنه عميل ولم تنته إيله رغبيت ولم تبلغه مسأليت‪،‬‬
‫ً‬
‫ولم جير ىلع لساين مما أعطيت أحدا من األولني واآلخرين من ايلقني‬
‫ً‬
‫فخصين به يا رب العاملني‪ ،‬قال فواهلل ما أحلحت به أسبواع‪ ،‬حىت بعث إيل‬
‫معاوية بألف ألف ومخسمائة ألف فقلت‪ :‬احلمد هلل اذلي ال ينىس من‬
‫ذكره‪ ،‬وال خييب من داعه‪.‬‬
‫فرأيت انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف املنام فقال‪ :‬يا حسن كيف‬
‫أنت؟ فقلت‪ :‬خبري يا رسول اهلل‪ ،‬وحدثته حبديث فقال‪ :‬يا بين هكذا من‬
‫روا اخلالق ولم يرج املخلو ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فضائل أبو عبد اهلل احلسني سبط رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ورحيانته ريض اهلل عنه‬

‫ودل يف شعبان سنة أربع من اهلجرة‪ ،‬قال وعفر بن حممد‪ :‬لم يكن بني‬
‫احلمل باحلسني بعد والدة احلسن إال طهر واحد‪ ،‬وقيل مخسون يللة‪،‬‬
‫وحنكه صىل اهلل عليه وآهل وسلم بريقه‪ ،‬وأذن يف أذنه وتفل يف فمه وداع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هل‪ ،‬وسماه حسينا يوم السابع‪ ،‬وعق عنه‪ ،‬اكن شجااع مقداما من حني اكن‬
‫طفال قاهل يف اإلسعاف‪ ،‬وذكر يف فضله مجلة أحاديث منها قوهل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬حسني مين وأنا من حسني‪ ،‬امهلل أحب من أحب‬
‫ً‬
‫حسينا‪ ،‬حسني سبط من األسباط)"‪ ،"1‬وقوهل عليه الصالة والسالم‪( :‬م ْن‬
‫ا‬
‫رسه أن ينظر إىل رول من أهل اجلنة)‪ ،‬ويف لفظ (إىل سيد شباب أهل اجلنة‬
‫فلينظر إىل احلسني بن ّ‬
‫يلع)"‪ ،"2‬وعن أيب هريرة ريض اهلل عنه أن انليب صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم ولس يف املسجد فقال‪( :‬أين لكع‪ ،‬فجاء احلسني‬
‫يميش حىت سقط يف حجره فجعل أصابعه يف حلية رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪ ،‬ففتح صىل اهلل عليه وآهل وسلم فمه أي احلسني فأدخل‬
‫ً‬
‫فاه يف فيه ثم قال‪ :‬امهلل إين أحبه فأحبه وأحب من حيبه)"‪ ،"3‬وعنه أيضا قال‪:‬‬

‫‪ -1‬راه أمحد والرتمذي وابن ماوه والطرباين‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه ابن حبان يف صحيحه‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه ابلخاري يف قصة سيدنا احلسن ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫(رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يمتص لعاب احلسني كما‬
‫يمتص الرول اتلمرة)‪ ،‬وعنه أيضا‪( :‬اكن احلسني أشبههم برسول اهلل صىل‬
‫ً‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم)‪ ،‬واكن ابن عمر والسا يف ظل الكعبة إذ رأى احلسني‬
‫مقبال فقال‪" :‬هذا أحب أهل األرض إىل أهل السماء ايلوم""‪."1‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫وحج ريض اهلل عنه مخسا وعرشين حجة ماشيا‪ ،‬واكن فاضال كثري الصوم‬
‫والصالة واحلج والصدقة وأفعال اخلري مجيعها قاهل ابن األثري وغريه‪.‬‬
‫ً‬
‫قالوا واكن ريض اهلل عنه اكرها ملا فعله أخوه من تسليم األمر إىل معاوية‬
‫فقال هل‪" :‬أنشدك اهلل أن تصد أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة أبيك"‪،‬‬
‫فقال هل احلسن‪" :‬اسكت أنا أعلم بهذا األمر منك""‪."2‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر العسقالين يف (اإلصابة)‪" :‬اكنت إقامة احلسني‬
‫باملدينة إىل أن خرج مع أبيه إىل الكوفة‪ ،‬فشهد معه اجلمل‪ ،‬ثم صفني‪ ،‬ثم‬
‫قتال اخلوارج‪ ،‬وبيق معه إىل أن قتل‪ ،‬ثم مع أخيه إىل أن سلم األمر ملعاوية‪،‬‬
‫فتحول مع أخيه إىل املدينة واستمر بها إىل أن مات معاوية فخرج إىل مكة‬
‫ثم أتته كتب أهل العرا بأنهم بايعوه بعد موت معاوية فأرسل إيلهم ابن‬
‫عمه مسلم بن عقيل بن أيب طالب‪ ،‬فأخذ بيعتهم وأرسل إيله فتووه فاكن‬
‫من قضية قتله ما اكن"‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه بقصة لعمرو بن العاص‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه ابن األثري يف أسد الغابة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قال عمار بن معاوية اذلهيب‪ :‬قلت أليب وعفر حممد بن ّ‬


‫يلع بن احلسن‪:‬‬
‫حدثين عن مقتل احلسني حىت كأين أحرضه؟ قال‪" :‬مات معاوية والويلد بن‬
‫عقبة بن أيب سفيان ىلع املدينة‪ ،‬فأرسل إىل احلسني بن يلع يلأخذ بيعته‬
‫يللته‪ ،‬فقال‪ :‬أخرين وارفق يب فخرج إىل مكة فأتاه رسل أهل الكوفة‪ :‬إنا قد‬
‫حبسنا أنفسنا عليك‪ ،‬ولسنا حنرض اجلمعة مع الوايل فأقدم علينا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫واكن انلعمان بن بشري األنصاري ىلع الكوفة‪ ،‬فبعث احلسني بن يلع إيلهم‬
‫ً‬
‫مسلم بن عقيل فقال‪ :‬رس إىل الكوفة فانظر ما كتبوا به إيل فإن اكن حقا‬
‫قدمت إيلهم‪ ،‬فخرج مسلم حىت أىت املدينة‪ ،‬فأخذ منها ديللني‪ ،‬فمرا به يف‬
‫الربية فأصابهم عطش‪ ،‬فمات أحد ادليللني فقدم مسلم الكوفة فزنل ىلع‬
‫رول يقال هل عوسجة‪ ،‬فلما علم أهل الكوفة بقدومه دبوا إيله فبايعه منهم‬
‫ً‬
‫اثنا عرش ألفا فقام رول ممن يهوى يزيد بن معاوية إىل انلعمان بن بشري‬
‫فقال‪ :‬إنك ضعيف أو مستضعف قد فسد ابلدل‪ ،‬فقال هل انلعمان‪ :‬لنئ أكن‬
‫ً‬ ‫ضعيفا ً يف طاعة اهلل أحب ّ‬
‫إيل من أن أكون قويا يف معصيته ما كنت‬
‫ً‬
‫ألهتك سرتا‪ ،‬فكتب الرول بذلك إىل يزيد فداع يزيد موىل هل يقال هل‬
‫رسحون فاستشاره فقال هل‪ :‬ليس للكوفة إال عبيد اهلل بن زياد واكن يزيد‬
‫هم بعزهل عن ابلرصة فكتب إيله برضاه عنه‬ ‫ساخطا ً ىلع عبيد اهلل واكن ا‬

‫وأنه قد أضاف إيله الكوفة‪ ،‬وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل فإن ظفر به‬
‫قتله‪ ،‬فأقبل عبيد اهلل بن زياد يف وووه أهل ابلرصة حىت قدم الكوفة‬
‫ً‬
‫متلثما‪ ،‬فال يمر ىلع أحد فيسلم عليه إال قال هل أهل املجلس‪ :‬عليك‬

‫‪106‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫السالم يا ابن رسول اهلل‪ ،‬يظنونه احلسني بن يلع قدم عليهم‪ ،‬فلما نزل‬
‫عبيد اهلل القرص داع موىل هل‪ ،‬فدفع إيله ثالثة آالف درهم فقال اذهب‬
‫حىت تسأل عن الرول اذلي يبايعه أهل الكوفة فادخل عليه وأعلمه أنك‬
‫من محص وادفع إيله املال وبايعه‪ ،‬فلم يزل املوىل يتلطف حىت دلوه ىلع‬
‫شيخ ييل ابليعة‪ ،‬فذكر هل أمره فقال‪ :‬لقد رسين أن هداك اهلل وساءين أن‬
‫أمرنا لم يستحكم ثم أدخله ىلع مسلم بن عقيل‪ ،‬فبايعه ودفع هل املال‪،‬‬
‫وخرج حىت أىت عبيد اهلل‪ ،‬فأخربه وحتول مسلم حني قدم عبيد اهلل من‬
‫تلك ادلار إىل دار أخرى‪ ،‬فأقام عند هانئ بن عروة املرادي‪ ،‬واكن عبيد‬
‫اهلل قال ألهل الكوفة‪ :‬ما بال هانئ بن عروة لم يأتين؟ فخرج إيله حممد بن‬
‫األشعث يف أناس من وووه أهل الكوفة‪ ،‬وهو ىلع باب داره فقالوا هل إن‬
‫األمري قد ذكرك واستبطأك فانطلق إيله فركب معهم‪ ،‬حىت دخل ىلع عبيد‬
‫اهلل بن زياد وعنده رشيح القايض‪ ،‬فلما سلم عليه قال هل‪ :‬يا هانئ أين‬
‫مسلم بن عقيل ؟ فقال‪ :‬ال أدري‪ ،‬فأخرج إيله املوىل اذلي دفع ادلراهم إىل‬
‫مسلم‪ ،‬فلما رآه سقط يف يده وقال‪ :‬أيها األمري واهلل ما دعوته إىل مزنِل‬
‫ولكنه واء فطرح نفسه ّ‬
‫يلع فقال‪ :‬ائتين به فتلكأ فاستدناه‪ ،‬فأدنوه منه‬
‫فرضبه بالقضيب‪ ،‬وأمر حببسه فبلغ اخلرب قومه‪ ،‬فاوتمعوا ىلع باب القرص‪،‬‬
‫فسمع عبيد اهلل اجللبة فقال لرشيح القايض‪ :‬اخرج إيلهم فأعلمهم إنما‬
‫حبسته ألستخربه عن خرب مسلم وال بأس عليه‪ ،‬فبلغهم ذلك فتفرقوا‬
‫ً‬
‫ونادى مسلم بن عقيل ملا بلغه اخلرب بشعاره‪ ،‬فاوتمع إيله أربعون ألفا من‬

‫‪107‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أهل الكوفة فركب وبعث عبيد اهلل إىل وووه أهل الكوفة‪ ،‬فجمعهم عنده‬
‫يف القرص‪ ،‬فأمر ل واحد منهم أن يرشف ىلع عشريته‪ ،‬فريدهم فلكموهم‪،‬‬
‫فجعلوا يتسللون فأمىس مسلم وليس عنده إال عدد قليل منهم‪ ،‬فلما‬
‫ً‬
‫اختلط الظالم ذهب أوئلك أيضا فلما بيق وحده تردد يف الطر بالليل‬
‫ً‬
‫فأىت باب امرأة فقال هلا‪ :‬اسقيين ماء فسقته فاستمر قائما فقالت‪ :‬يا عبد‬
‫اهلل إنك مرتاب فما شأنك؟ قال‪ :‬أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى؟‬
‫قالت‪ :‬نعم ادخل فدخل واكن هلا ودل من موايل حممد بن األشعث فانطلق‬
‫ً‬
‫إىل حممد بن األشعث فأخربه‪ ،‬فلم يفجأ مسلما إال ادلار قد أحيط بها‪ ،‬فلما‬
‫رأى ذلك خرج بسيفه يدفعهم عن نفسه‪ ،‬فأعطاه حممد بن األشعث‬
‫األمان فأمكن من يده فأيت به عبيد اهلل‪ ،‬فأمر به فأصعد إىل القرص ثم‬
‫ً‬
‫قتله‪ ،‬وقتل هانئ بن عروة وصلبهما‪ ،‬فقال شاعرهم يف ذلك أبياتا منها‪:‬‬
‫فـــإن كنـــت ال تـــدرين مـــا املـــوت فـــانظري‬
‫إىل هــــــانئ يف الســــــو وابــــــن عقيــــــل‬
‫ولم يبلغ احلسني ذلك حىت اكن بينه وبني القادسية ثالثة أميال فلقيه‬
‫ً‬
‫احلر بن يزيد اتلمييم‪ ،‬فقال هل‪ :‬اروع فإين لم أدع لك خليف خريا‪ ،‬وأخربه‬
‫اخلرب فهم أن يروع واكن معه إخوة مسلم فقالوا‪ :‬واهلل ال نروع حىت نصيب‬
‫بثأرنا أو نقتل‪ ،‬فساروا واكن عبيد اهلل قد وهز اجليش ملالقاته‪ ،‬فوافوه‬
‫ً‬
‫بكربالء فزنهلا ومعه مخسة وأربعون نفسا من الفرسان وحنو مائة راول‪،‬‬
‫فلقيه اجليش وأمريهم عمرو بن سعيد بن أيب وقاص‪ ،‬واكن عبيد اهلل واله‬

‫‪108‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫الري وكتب هل بعهده عليها إذا روع من حرب احلسني‪ ،‬فلما اتلقيا قال هل‬
‫احلسني‪ :‬اخرت مين إحدى ثالث‪ :‬إما أن أحلق بثغر من اثلغور‪ ،‬وإما أن‬
‫أروع إىل املدينة‪ ،‬وإما أن أضع يدي يف يد يزيد بن معاوية فقبل ذلك‬
‫عمرو منه وكتب به إىل عبيد اهلل فكتب إيله ال أقبل منه حىت يضع يده يف‬
‫ً‬
‫يدي فامتنع احلسني‪ ،‬فقاتلوه فقتل أصحابه وفيهم سبعة عرش شابا من‬
‫أهل بيته‪ ،‬ثم اكن آخر ذلك أن قتل وأيت برأسه إىل عبيد اهلل فأرسله ومن‬
‫ً‬
‫بيق من أهل بيته إىل يزيد‪ ،‬ومنهم يلع بن احلسني اكن مريضا ومنهم عمته‬
‫زينب‪ ،‬فلما قدموا ىلع يزيد أدخلهم إىل عياهل‪ ،‬ثم وهزهم إىل املدينة‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر بعد أن سا هذه القصة قلت‪" :‬وقد صنف مجاعة‬
‫من القدماء يف مقتل احلسني تصانيف فيها الغث والسمني والصحيح‬
‫والسقيم‪ ،‬ويف هذه القصة اليت سقتها غىن"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد صح عن إبراهيم انلخيع أنه اكن يقول‪ :‬لو كنت فيمن قاتل‬
‫احلسني ثم أدخلت اجلنة الستحيت أن أنظر إىل ووه رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫وقال محاد بن سلمة عن عمار بن أيب عمار عن ابن عباس‪ :‬رأيت رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيما يرى انلائم نصف انلهار أشعث أغرب‬
‫بيده قارورة فيها دم‪ ،‬فقلت بأيب وأيم أنت يا رسول اهلل ما هذا؟ قال‪( :‬هذا‬
‫دم احلسني وأصحابه‪ ،‬لم أزل أتلقطه منذ ايلوم‪ ،‬فاكن ذلك ايلوم اذلي قتل‬

‫‪109‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فيه)"‪ ،"1‬وعن أم سلمة ريض اهلل عنها "أنها سمعت اجلن تنوح ىلع احلسني‬
‫بن يلع""‪ ،"2‬قال الزبري بن بكار‪" :‬قتل احلسني يوم اعشوراء سنة إحدى‬
‫وستني"‪ ،‬قال ابن األثري‪" :‬واكن ذلك ايلوم يوم اجلمعة وقيل يوم السبت"‪.‬‬
‫قال يف اإلسعاف‪ :‬واكن أكرث مقاتليه الاكتبني إيله واملبايعني هل‪ ،‬وقيل أن‬
‫قاتله سنان بن أنس انلخيع أو غريه ملا أىت ابن زياد أنشده‪:‬‬
‫ً‬
‫أوقـــــــــــر راكيب فضـــــــــــة وذهبـــــــــــا‬
‫إين قتلــــــــــت امللــــــــــك املحجبـــــــــــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قتلــــــت خــــــري انلــــــاس أمــــــا وأبــــــا‬
‫وخــــــــــريهم إذ يــــــــــذكرون نســــــــــبا‬
‫فغضب عليه ورضب عنقه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويف قصة قتله تصديق لقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن أهل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بييت سيلقون من بعدي من أميت قتال وترشيدا‪ ،‬وإن أشد قومنا نلا بغضا‬
‫بنو أمية‪ ،‬وبنو خمزوم)"رواه احلاأم"‪ ،‬وقىض اهلل تعاىل أن قتل عبيد اهلل بن‬
‫زياد وأصحابه يوم اعشوراء سنة سبع وستني‪ ،‬وهز إيله املختار بن عبيد‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫انلخيع‪ ،‬فقتله إبراهيم بنفسه يف‬ ‫ويشا حتت رئاسة إبراهيم بن األشرت‬
‫احلرب وبعث برأسه اخلبيث إىل املختار‪ ،‬فبعث به املختار إيل ابن الزبري‪،‬‬
‫فبعثه ابن الزبري إيل ّ‬
‫ىلع بن احلسني‪.‬‬

‫‪ -1‬ذكرها ابن حجر يف تهذيب اتلهذيب‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وروى الرتمذي أنه ملا يجء برأسه ونصب يف املسجد مع رؤوس أصحابه‪،‬‬
‫واءت حية فتخللت الرؤوس حىت دخلت يف منخره فمكثت هنيهة‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫خروت فعلت ذلك مرتني أو ثالثا‪.‬‬
‫أخرج احلاأم وصححه ىلع رشط مسلم عن ابن عباس ريض اهلل‬
‫عنهما قال‪( :‬أوىح اهلل إىل حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم إين قتلت بيحىي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بن زكريا سبعني ألفا‪ ،‬وإين قاتل بابن بنتك سبعني ألفا وسبعني ألفا)‪ ،‬وعنه‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬قاتل احلسني يف تابوت من نار عليه نصف‬
‫عذاب أهل ادلنيا)‪.‬‬
‫ً‬
‫قال العالمة الصبان‪" :‬إن اإلمام أمحد يقول بكفر يزيد وناهيك به وراع‬
‫ً‬
‫وعلما يقتضيان أنه لم يقل ذلك إال ملا ثبت عنده من أمور رصحية وقعت‬
‫منه تووب ذلك‪ ،‬ووافقه ىلع ذلك مجاعة اكبن اجلوزي وغريه‪ ،‬وأما فسقه‬
‫فقد أمجعوا عليه‪ ،‬وأواز قوم من العلماء لعنه خبصوص اسمه" انتىه‪.‬‬
‫وسئل ابن اجلوزي كيف يطلق ىلع يزيد أنه قاتل احلسني مع أنه اكن يف‬
‫الشام حني وقوع القتل بكربالء فأنشد‪:‬‬
‫ســـــهم أصـــــاب وراميـــــه بـــــذي ســـــلم‬
‫مـــــن بـــــالعرا لقـــــد أبعـــــدت مرمـــــاك‬

‫‪111‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قال ابن األثري‪ :‬وأكرث انلاس مراثيه‪ ،‬فمما قيل فيه ما قاهل سليمان بن قبة‬
‫اخلزايع‪:‬‬
‫مـــــــــررت ىلع أبيـــــــــات آل حممـــــــــد‬
‫فلـــــــم أر أمثاهلـــــــا حـــــــني حلـــــــت‬
‫فـــــــال يبعـــــــد اهلل ابليـــــــوت وأهلهـــــــا‬
‫إن أصــــــبحت مــــــنهم بــــــرغيم ختلــــــت‬
‫واكنـــــــوا روـــــــاء ثـــــــم اعدوا رزيـــــــة‬
‫لقـــــد عظمـــــت تلـــــك الرزايـــــا وولـــــت‬
‫أوئلـــــك قـــــوم لـــــم يشـــــيموا ســـــيوفهم‬
‫ولـــــم تنـــــك يف أعـــــدائهم حـــــني ســـــلت‬
‫وإن قتيــــــل الطــــــف مــــــن آل هاشــــــم‬
‫أذل رقـــــــــاب املســـــــــلمني فـــــــــذلت‬
‫ً‬
‫ألــــــم تــــــر أن األرض أضــــــحت مريضــــــة‬
‫لفقــــــد حســــــني وابلــــــالد اقشــــــعرت‬
‫وقـــــد اعولـــــت تـــــبيك الســـــماء لفقـــــده‬
‫وأجنمهـــــــا ناحـــــــت عليـــــــه وصـــــــلت‬

‫‪112‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ما ورد يف فضل احلسنني معا ريض اهلل عنهما‬


‫ً‬ ‫عن ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه وكرم ووهه قال‪ :‬ملا ودل احلسن سميته حربا فجاء‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فقال‪( :‬أروين ابين ما سميتموه؟) ‪ ،‬قلنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حربا قال‪( :‬بل هو حسن) ‪ ،‬فلما ودل احلسني سميته حربا فجاء انليب صىل‬
‫ً‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم فقال‪( :‬أروين ابين ما سميتموه؟) قلنا حربا قال‪( :‬بل‬
‫ً‬
‫هو حسني)‪ ،‬فلما ودل اثلالث سميته حربا فجاء انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ً‬
‫وسلم فقال‪( :‬أروين ابين ما سميتموه؟) قلنا حربا قال‪( :‬بل هو حمسن) ثم‬
‫قال‪( :‬سميتهم بأسماء ودل هارون شرب وشبري ومشرب)"‪ ،"1‬وعن عمران بن‬
‫سليمان قال‪" :‬احلسن واحلسني من أسماء أهل اجلنة لم يكونا يف‬
‫اجلاهلية"‪ ،‬وعن ابن األعرايب عن املفضل قال‪" :‬إن اهلل حجب اسم احلسن‬
‫واحلسني حىت ا‬
‫سىم بهما انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ابنيه احلسن‬
‫واحلسني"‪ ،‬وعن ابن عمر ريض اهلل عنهما سمعت رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم يقول‪( :‬احلسن واحلسني رحيانتاي من ادلنيا)"‪ ،"2‬وعن ّ‬
‫يلع‬
‫ريض اهلل عنه قال‪" :‬احلسن أشبه برسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما‬
‫بني الصدر إيل الرأس‪ ،‬واحلسني أشبه برسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬

‫‪ -1‬رواه أمحد والطرباين وابن حبان‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه ابلخاري‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ما اكن أسفل من ذلك""‪ ،"1‬وعن أيب هريرة ريض اهلل عنه اكن احلسن‬
‫واحلسني يصطراعن بني يدي رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ورسول‬
‫اهلل يقول‪( :‬يه حسن) قالت فاطمة‪ :‬لم تقول يه حسن؟ قال‪( :‬إن وربيل‬
‫يقول يه حسني)‪ ،‬وعن أيب سعيد اخلدري ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫ّ‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬احلسن واحلسني سيدا شباب أهل اجلنة إال‬
‫ابين اخلالة عيىس وحيىي بن زكريا عليهما السالم) ويف رواية‪( :‬وأبوهما‬
‫خري منهما)"‪ ،"2‬وعن أسامة بن زيد ريض اهلل عنهما قال‪ :‬طرقت انليب صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم ذات يللة يف بعض احلاوة‪ ،‬فخرج إيل وهو مشتمل‬
‫ىلع يشء ال أدري ما هو؟ فلما فرغت من حاويت قلت‪ :‬ما هذا اذلي أنت‬
‫مشتمل عليه؟ فكشفه‪ ،‬فإذا حسن وحسني ىلع وركيه فقال‪( :‬هذان ابناي‬
‫وابنا بنيت‪ ،‬امهلل إين أحبهما وأحب من حيبهما فأحبهما وأحب من‬
‫حيبهما)"‪ ،"3‬وعن أيب بريدة ريض اهلل عنه قال‪ :‬اكن انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم خيطبنا إذ واء احلسن واحلسني عليهما قميصان أمحران يمشيان‬
‫ويعرثان‪ ،‬فزنل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم من املنرب‪ ،‬فحملهما‬
‫ووضعهما بني يديه ثم قال‪( :‬صد اهلل إنما أموالكم وأوالدأم فتنة‬
‫نظرت إىل هذين الصبيني يمشيان ويعرثان فلم أصرب حىت قطعت حديث‬

‫‪ -1‬رواه أمحد والرتمذي‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه النسايئ والطرباين وابن حبان‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه ابن حبان‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ورفعتهما)"‪ ،"1‬وعن أيب هريرة قال‪ :‬خرج علينا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم ومعه حسن وحسني هذا ىلع اعتقه وهذا ىلع اعتقه‪ ،‬وهو يلثم‬
‫هذا مرة‪ ،‬وهذا مرة حىت انتيه إيلنا فقال‪( :‬من أحبهما فقد أحبين ومن‬
‫أبغضهما فقد أبغضين)"‪ ،"2‬وعن عبد اهلل بن مسعود‪ :‬اكن رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم يصىل فإذا سجد وثب احلسن واحلسني ىلع ظهره‪ ،‬فإذا‬
‫أرادوا أن يمنعوهما أشار إيلهم أن دعوهما فإذا قىض الصالة وضعهما يف‬
‫حجره فقال‪( :‬من أحبين فليحب هذين)"‪ ،"3‬وعن أنس ريض اهلل عنه أنه‬
‫أي أهل بيتك أحب إيلك؟ فقال‪( :‬احلسن‬‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ :‬سئل ّ‬

‫واحلسني)"‪ ،"4‬وعن فاطمة ريض اهلل عنها أنها أتت بهما إىل انليب صىل اهلل‬
‫ً‬
‫عليه وآهل وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اهلل هذان ابناك‪ ،‬فورثهما شيئا فقال‪( :‬أما‬
‫حسن فله هيبيت وسؤددي‪ ،‬وأما حسني فله ورأيت ووودي)"‪."5‬‬

‫‪ -1‬رواه أمحد وابن حبان‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه النسايئ والطرباين وابن حبان وابن خزيمة والزبار وابن أيب شيبة يف مصنفه وأبو‬
‫يعىل‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه الرتمذي‪.‬‬
‫‪ -5‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫املقصد اثلالث‬
‫يف الالكم ىلع ما يف حبهم وتوابعه من الفوز العظيم وما يف بغضهم‬
‫وتوابعه من املرتع الوخيم‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬قل ال أ ْسألك ْم عليْ ِه أو ًرا ِإال المودة ِيف الق ْر ‪ "1"‬القر ‪:‬‬
‫يعىن‬ ‫مصدر بمعىن القرابة‪ ،‬وهو يلع تقدير مضاف أي ذوي القر‬
‫األقرباء‪ ،‬وع ارب بيف ولم يعرب بالالم‪ ،‬ألن الظرفية أبلغ وآكد للمودة‪.‬‬
‫نقل اإلمام السيويط يف ادلر املنثور وكثري من املفرسين عند تفسري هذه‬
‫اآلية عن ابن عباس ريض اهلل عنهما قالوا‪ :‬يا رسول اهلل من قرابتك هؤالء‬
‫يلع وفاطمة وودلهما)‪.‬‬ ‫اذلين ووبت علينا مودتهم؟ قال‪ّ ( :‬‬
‫وفيه عن ابن عباس قال‪ :‬قالت األنصار‪ :‬فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا‪،‬‬
‫فقال العباس نلا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم فأتاهم يف جمالسهم‪ ،‬فقال‪( :‬يا معرش األنصار ألم تكونوا أذلة‬
‫فأعزكم اهلل يب؟) قالوا بيل يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪( :‬أفال جتيبوين؟) قالوا ما نقول‬
‫يا رسول اهلل؟ قال‪( :‬أال تقولون ألم خيروك قومك فآويناك؟ أولم يكذبوك‬
‫فصدقناك؟ أولم خيذلوك فنرصناك؟)‪ ،‬فما زال يقول حىت وثوا ىلع الركب‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫وقالوا أموانلا وما يف أيدينا هلل ورسوهل فزنلت‪ :‬قل ال أسألك ْم علي ِه أو ًرا‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬
‫ِإال المودة ِيف الق ْر ‪ ‬وعن طاووس قال‪ :‬سئل عنها ابن عباس فقال‪" :‬يه‬

‫‪ -1‬الشورى آية ‪.23‬‬

‫‪116‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قر آل حممد"‪ ،‬وقال املقريزي‪" :‬قال مجاعة من املفرسين يف تفسري اآلية‬


‫ً‬
‫قل ملن اتبعك من املؤمنني‪ ،‬ال أسألكم ىلع ما وئتكم به أورا إال أن‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬
‫تودوا قرابيت"‪ ،‬وعن أيب العايلة عن سعيد بن وبري‪ِ  :‬إال المودة ِيف الق ْر ‪‬‬
‫قال‪ :‬يه قر رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وعن ابن إسحا قال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫سألت عمرو بن شعيب عن قول اهلل تعاىل‪ :‬قل ال أ ْسألك ْم عليْ ِه أو ًرا‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬
‫ِإال المودة ِيف الق ْر ‪ ،‬قال‪ :‬قر انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫"تنبيه"‪ :‬فإن قيل‪ :‬طلب األور ىلع الويح ال جيوز لقوهل تعاىل يف قصة كثري‬
‫ُ ُ‬
‫من الرسل عليهم الصالة والسالم‪ :‬وما أ ْسألك ْم عليْ ِه ِم ْن‬
‫ْ‬
‫أو ٍر‪"1"‬ورسونلا أفضل منهم فهو أوىل بعدم طلب األور ىلع الرسالة‪ ،‬وقد‬
‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫رصح صىل اهلل عليه وآهل وسلم بنيف الطلب فقال‪ :‬قل ما أ ْسألك ْم عليْ ِه‬
‫ً‬ ‫ْ ِّ‬ ‫ْ‬
‫ِم ْن أو ٍر وما أنا ِمن ال ُمتلك ِفني‪ "2"‬وقد اكن اتلبليغ واوبا عليه قال تعاىل‪:‬‬
‫ِّ ْ ُ‬
‫‪‬بلغ ما أنزل ِإيلْك ِم ْن ر ِّبك‪ ،"3"‬وطلب األور ىلع أداء الواوب ال يليق‪،‬‬
‫ً‬
‫كما ال يليق مقابلة الرسالة ويه أرشف األشياء بمتاع ادلنيا‪ ،‬وأيضا طلب‬
‫األور يووب اتلهمة فثبت أنه ال جيوز هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم طلب‬
‫األور وها هنا قد ذكر ما جيري جمراه وهو املودة يف القر ‪.‬‬
‫أويب بأن هذا من باب قوهل ‪:‬‬

‫‪ -1‬الشعراء آية ‪.26‬‬


‫‪ -2‬ص آية ‪.86‬‬
‫‪ -3‬املائدة ‪.67‬‬

‫‪117‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وال عيــــــب فــــــيهم غــــــري أن ســــــيوفهم‬


‫بهـــــن فلـــــول مـــــن قـــــراع الكتائـــــب‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يعىن أين ال أطلب منكم إال هذا وهو ليس أورا ألن تواد املسلمني‬
‫ُْ ْ ُ ْ ُ ُ ْ ْ ُ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫اء بع ٍض‪ ،"1"‬وقال‬‫واوب قال تعاىل‪ :‬وال ُمؤ ِمنُون والمؤ ِمنات بعضهم أو ِيل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬املؤمنون اكبلنيان يشد بعضه بعضا)"‪ ،"2‬وإذا‬
‫اكنت املودة واوبة بلعض املسلمني ىلع بعض‪ ،‬فيه يف حق أرشف املرسلني‬
‫ً‬
‫وأهل بيته أوىل‪ ،‬أو أن هذا االستثناء منقطع وتم الالكم عند قوهل أورا ثم‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬
‫قال‪ِ  :‬إال المودة ِيف الق ْر ‪ ‬أي لكن أسألكم املودة يف القر ‪ ،‬انتىه‬
‫باختصار من اخلطيب واخلازن‪.‬‬
‫ً‬
‫الس ّدي عن أيب ادليلم قال‪ :‬ملا يجء بع ّ‬
‫يل بن احلسني أسريا وأقيم ىلع‬ ‫وعن ّ‬

‫درج دمشق‪ ،‬قام رول من أهل الشام فقال‪ :‬احلمد هلل اذلي قتلكم‬
‫واستأصلكم وقطع قرن الفتنة‪ ،‬فقال هل ّ‬
‫يلع‪ :‬أقرأت القرآن؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ُْ‬
‫قال‪ :‬قرأت أل حم؟ قال‪ :‬قرأت‪ ،‬ولم أقرأ أل حم قال‪ :‬ما قرأت ‪‬قل ال‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫أسألك ْم علي ِه أو ًرا ِإال المودة ِيف الق ْر ‪ ‬قال‪ :‬فإنكم إلياهم؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلت‪ :‬ما أحسب أن هذا الرول اكن مؤمنا‪ ،‬بيل اكن مؤمنا ولكن‬
‫باجلبت والطاغوت فإن هذا اهلذيان ال يصدر عن لسان مؤمن باهلل‬
‫ورسوهل‪ ،‬وكيف يستقر اإليمان يف قلب رول حيمد اهلل ىلع قتل آل‬

‫‪ -1‬اتلوبة آية ‪.71‬‬


‫‪ -2‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫املصطىف صىل اهلل عليه وآهل وسلم واستئصاهلم‪ ،‬وما أظن أن أبا وهل اكن‬
‫هلل ورسوهل أعدى من هذا امللحد‪ ،‬ولعلنا ال نعدم يف زماننا هذا من هو‬
‫ىلع شالكته يف الضالل بكراهة أهل بيت انلبوة‪ ،‬ومعدن الرسالة فقد رأينا‬
‫من إذا سمع بذكر مزية امتازوا بها أو منقبة أسندت إيلهم‪ ،‬ووصفوا بها من‬
‫اهلل أو رسوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم أو السلف الصالح‪ ،‬أو علماء األمة‬
‫وأويلائها يقطب ووهه ويتغري خلقه‪ ،‬ويود بلسان حاهل أن تلك املزية لم‬
‫تكن هلم‪ ،‬وقد يتلكف األقاويل الواهية واألخبار املوضوعة واآلثار‬
‫ْ‬ ‫اُ ُ ن ُ‬
‫ورهِ ول ْو ك ِره الاكفِ ُرون‪ ،"1"‬ورأيت‬
‫املصنوعة يلطفئ بها نور اهلل ‪‬واَّلل م ِتم ن ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الزخمرشي يف الكشاف عند هذه اآلية روى حديثا مطوال‪ ،‬ونقله عنه‬
‫الفخر الرازي يف الكبري وهو قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬من مات ىلع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حب آل حممد مات شهيدا‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب آل حممد مات مغفورا‬
‫ً‬
‫هل‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب آل حممد مات تائبا‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب آل‬
‫ً‬
‫حممد مات مؤمنا مستكمل اإليمان‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب آل حممد برشه‬
‫ملك املوت باجلنة‪ ،‬ثم منكر ونكري‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب آل حممد‬
‫يزف إىل اجلنة كما تزف العروس إىل بيت زووها‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب‬
‫آل حممد فتح هل يف قربه بابان إىل اجلنة‪ ،‬أال ومن مات ىلع حب آل حممد‬
‫مات ىلع السنة واجلماعة‪ ،‬أال ومن مات ىلع بغض آل حممد واء يوم‬

‫‪ -1‬الصف آية ‪.8‬‬

‫‪119‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫القيامة مكتوب بني عينيه آيس من رمحة اهلل‪ ،‬أال ومن مات ىلع بغض آل‬
‫ً‬
‫حممد مات اكفرا‪ ،‬أال ومن مات ىلع بغض آل حممد لم يشم راحئة اجلنة)‪.‬‬
‫قال الفخر‪ :‬وأنا أقول آل حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم هم اذلين يؤول‬
‫من اكن أمرهم إيله أشد وأكمل اكنوا هم اآلل‪ ،‬وال شك أن‬ ‫أمرهم إيله ف‬
‫ً‬
‫فاطمة وعليا واحلسن واحلسني اكن اتلعلق بينهم وبني رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم أشد اتلعلقات‪ ،‬وهذا اكملعلوم بانلقل املتواتر فووب أن‬
‫ً‬
‫يكونوا هم اآلل‪ ،‬وأيضا اختلف انلاس يف اآلل فقيل هم األقارب وقيل‬
‫هم أمته‪ ،‬فإن محلناه ىلع القرابة فهم اآلل‪ ،‬وإن محلناه ىلع األمة اذلين‬
‫ً‬
‫قبلوا دعوته فهم أيضا اآلل فثبت أنهم ىلع مجيع اتلقديرات اآلل‪ ،‬وأما‬
‫غريهم فهل يدخلون حتت لفظ اآلل؟ فمختلف فيه‪.‬‬
‫وروى صاحب (الكشاف) أنه ملا نزلت هذه اآلية قيل‪ :‬يا رسول اهلل من‬
‫قرابتك هؤالء اذلين ووبت علينا مودتهم؟ فقال‪( :‬يلع وفاطمة وابناهما)‬
‫فثبت أن هؤالء األربعة أقارب انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وإذا ثبت‬
‫هذا ووب أن يكونوا خمصوصني بمزيد اتلعظيم‪ ،‬ويدل عليه وووه‪.‬‬
‫ا‬
‫األول‪ :‬قوهل تعاىل‪ِ  :‬إال املودة يف القر ‪.‬‬
‫ا‬
‫اثلاين‪ :‬ال شك أن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم اكن حيب فاطمة عليها‬
‫السالم‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬فاطمة بضعة مين يؤذيين ما‬

‫‪120‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫يؤذيها)"‪ ،"1‬وثبت بانلقل املتواتر عن سيدنا حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ً‬
‫أنه اكن حيب عليا واحلسن واحلسني‪ ،‬وإذا ثبت ذلك ووب ىلع ل األمة‬
‫ْ ْ‬ ‫ّ ُ ُ ّ ُ ْ‬
‫وه لعلك ْم تهت ُدون‪ "2"‬ولقوهل تعاىل‪ :‬فليحذ ْر‬ ‫مثله لقوهل تعاىل‪ :‬وات ِبع‬
‫وين‬ ‫اَّلل فاتّب ُ‬
‫ع‬
‫ا‬
‫ون‬ ‫ّاذلين ُخيال ُفون ع ْن أ ْمره‪ ،"3"‬ولقوهل ‪‬قُ ْل إن ُكنتُ ْم ُحت ّبُ‬
‫ُِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ن‬ ‫ُْ ُ‬
‫ول اَّلل أ ْسوة‬ ‫ِ‬
‫ك ْم يف ر ُ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫اك‬ ‫د‬ ‫حي ِببْك ُم اَّلل‪ ،"4"‬ولقوهل سبحانه‪ :‬لق‬
‫حسنة‪."5"‬‬
‫اثلالث‪ :‬أن ادلاعء لآلل منصب عظيم‪ ،‬وذللك وعل هذا ادلاعء خاتمة‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫التشهد يف الصالة وهو قوهل‪( :‬اللهم صل ىلع حممد وىلع آل حممد)‪ ،‬وهذا‬
‫ذلك يدل ىلع أن حب آل حممد‬ ‫اتلعظيم لم يوود يف حق غري اآلل‪ ،‬ف‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم واوب‪ ،‬انتىه‪.‬‬

‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬األعراف آية ‪.158‬‬
‫‪ -3‬انلور آية ‪.63‬‬
‫‪ -4‬آل عمران آية ‪.31‬‬
‫‪ -5‬األحزاب آية ‪.21‬‬

‫‪121‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫عبارة الشيخ األكرب حمىي ادلين بن العريب يف الفتوحات املكية‬


‫يف ودهم واجتناب أذاهم وحتمل األذى منهم‬

‫وقال سلطان العارفني وإمام الصوفية الشيخ األكرب سيدي حميي ادلين بن‬
‫العريب ريض اهلل عنه يف ابلاب اتلاسع والعرشين من الفتوحات املكية بعد‬
‫الكم تقدم نقله يف املقصد األول‪" :‬وبعد أن تبني لك مزنلة أهل ابليت عند‬
‫ً‬
‫اهلل وأنه ال ينبيغ ملسلم أن يذمهم بما يقع منهم أصال فإن اهلل تعاىل‬
‫طهرهم‪ ،‬فليعلم اذلام هلم أن ذلك راوع إيله‪ ،‬ولو ظلموه فذلك الظلم هو يف‬
‫زعمه ظلم ال يف نفس األمر‪ ،‬وإن حكم عليه ظاهر الرشع بأدائه بل‬
‫حكم ظلمهم إيانا يف نفس األمر يشبه وري املقادير علينا‪ ،‬وىلع من‬
‫ورت عليه يف ماهل ونفسه بغر أو حبر أو غري ذلك من األمور املهلكة‬
‫فيحرت أو يموت هل أحد أحبائه أو يصاب يف نفسه وهذا لكه مما ال يوافق‬
‫غرضه‪ ،‬وال جيوز هل أن يذم قدر اهلل وال قضاءه‪ ،‬بل ينبيغ هل أن يقابل ذلك‬
‫لكه بالتسليم والرضا‪ ،‬وإن نزل عن هذه املرتبة فبالصرب‪ ،‬وإن ارتفع عن‬
‫ً‬
‫تلك املرتبة فبالشكر فإن يف يط ذلك نعما من اهلل هلذا املصاب وليس‬
‫وراء ما ذكرناه خري فإن ما وراءه ليس إال الضجر والسخط وعدم الرضا‬
‫وسوء األدب مع اهلل‪ ،‬فكذا ينبيغ أن يقابل املسلم مجيع ما يطرأ عليه من‬
‫أهل ابليت يف ماهل ونفسه وعرضه وأهله وذويه‪ ،‬فيقابل ذلك لكه بالرضا‬
‫ً‬
‫والتسليم والصرب وال يلحق املذمة بهم أصال‪ ،‬وإن تووهت عليهم األحاكم‬

‫‪122‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫املقررة رشاع فذلك ال يقدح يف هذا‪ ،‬بل جيريه جمرى املقادير‪ ،‬وإنما منعنا‬
‫تعليق اذلم بهم إذ مزيهم اهلل عنا بما ليس نلا معهم فيه قدم‪.‬‬
‫وأما أداء احلقو املرشوعة فهذا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم اكن‬
‫يقرتض من ايلهود‪ ،‬وإذا طابلوه حبقوقهم أداها ىلع أحسن ما يمكن‪ ،‬وإذا‬
‫ً‬
‫تطاول ايلهودي عليه بالقول يقول‪( :‬دعوه إن لصاحب احلق مقاال) ‪ ،‬وقال‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف قصة‪( :‬لو أن فاطمة بنت حممد رسقت‬
‫لقطعت يدها)"‪ ،"1‬وقد أاعذها اهلل من ذلك ريض اهلل عنها‪ ،‬فوضع األحاكم‬
‫هلل يضعها كيف يشاء وىلع أي حال يشاء‪ ،‬فهذه حقو اهلل تعاىل ومع هذا‬
‫لم يذمهم اهلل‪.‬‬
‫وإنما الكمنا يف حقوقنا وما نلا أن نطابلهم به‪ ،‬فنحن خمريون إن شئنا‬
‫ً‬
‫أخذنا وإن شئنا تركنا والرتك أفضل عموما‪ ،‬فكيف بأهل ابليت وليس نلا‬
‫ذم أحد؟ فكيف بأهل ابليت؟ فإنا إذا نزنلا عن طلب حقوقنا وعفونا‬
‫عنهم يف ذلك أي فيما أصابوه منا‪ ،‬اكنت نلا بذلك عند اهلل ايلد العظىم‪،‬‬
‫ا‬
‫واملاكنة الزلىف‪ ،‬فإن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما طلب منا عن أمر‬
‫اهلل إال املودة يف القر وفيه رس صلة األرحام‪ ،‬ومن لم يقبل سؤال نبيه‬
‫ً‬
‫فيما سأهل فيه مما هو قادر عليه‪ ،‬فبأي ووه يلقاه غدا‪ ،‬أو يروو شفاعته وهو‬
‫ما أسعف نبيه صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيما طلب منه من املودة يف قرابته‬

‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فكيف بأهل بيته‪ ،‬وهم أخص القرابة‪ ،‬ثم أنه واء بلفظ املودة ويه اثلبوت‬
‫ىلع املحبة‪ ،‬فإنه من ثبت وده يف أمر استصحبه يف ل حال وإذا استصحبته‬
‫املودة يف ل حال لم يؤاخذ أهل ابليت بما يطرأ منهم يف حقه مما هل أن‬
‫يطابلهم به فيرتكه ترك حمبة وإيثار ىلع نفسه ال هلا‪.‬‬
‫قال املحب الصاد ‪ :‬ولك ما يفعل املحبوب حمبوب‪.‬‬
‫وقال اآلخر‪:‬‬
‫أحـــــــب ألولهـــــــا الســـــــودان حـــــــىت‬
‫أحـــــــب ألولهـــــــا ســـــــود الـــــــالكب‬
‫ونلا يف هذا املعىن‪:‬‬
‫أحـــــــب حلبـــــــك احلبشـــــــان طـــــــرا‬
‫وأعشـــــــق الســـــــمك ابلـــــــدر املنـــــــريا‬
‫قيل اكنت الالكب السود تناوشه وهو يتحبب إيلها أعين املجنون‪ ،‬فهذا‬
‫فعل املحب يف حب من ال تسعده حمبته‪ ،‬وعند اهلل ال تورثه القربة من‬
‫اهلل‪ ،‬فهل هذا إال من صد املحبة وثبوت الود يف انلفس‪ ،‬فلو صحت‬
‫حمبتك هلل ولرسوهل أحببت أهل بيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪،‬‬
‫ورأيت ل ما يصدر منهم يف حقك مما ال يوافق طبعك وال غرضك‪ ،‬إنه‬
‫مجال تتنعم بوقوعه منهم فتعلم عند ذلك أن لك عناية عند اهلل اذلي‬
‫أحببتهم من أوله حيث ذكرك من حيبه وخطرت ىلع باهل‪ ،‬وهم أهل بيت‬
‫رسوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فتشكر اهلل تعاىل ىلع هذه انلعمة فإنهم‬

‫‪124‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ذكروك بألسنة طاهرة طهرها اهلل بتطهريه طهارة ال يبلغها علمك‪ ،‬وإذا‬
‫رأيناك ىلع ضد هذه احلالة مع أهل بيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم اذلي أنت حمتاج إيله وهل عليك املنة حيث هداك اهلل به‪ ،‬فكيف‬
‫أثق أنا بودك اذلي تزعم به أنك شديد احلب يف والراعية حلقويق ووانيب‬
‫وأنت يف حق أهل بيت نبيك بهذه املثابة من الوقوع فيهم؟ واهلل ما ذاك إال‬
‫من نقص إيمانك ومن مكر اهلل بك واستدراوه إياك من حيث ال تعلم‪.‬‬
‫وصورة املكر أن تقول وتعتقد أنك يف ذلك تذب عن دين اهلل ورشعه‬
‫وتقول يف طلب حقك أنك ما طلبت إال ما أباح اهلل لك طلبه‪ ،‬ويندرج‬
‫اذلم يف ذلك الطلب املرشوع وابلغض واملقت وإيثارك نفسك ىلع أهل‬
‫ابليت وأنت ال تشعر بذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وادلواء الشايف من هذا ادلاء العضال أن ال ترى نلفسك معهم حقا‪،‬‬
‫وتزنل عن حقك ئلال يندرج يف طلبه ما ذكرته لك‪ ،‬وما أنت من حاكم‬
‫ّ‬
‫املسلمني حىت يتعني عليك إقامة حد أو إنصاف مظلوم‪ ،‬أو رد حق إىل‬
‫ً‬
‫أهله‪ ،‬وإن كنت حاكما والبد فاِ ْسع يف استزنال صاحب احلق عن حقه إذا‬
‫اكن املحكوم عليه من أهل ابليت فإن أىب فحينئذ يتعني عليك إمضاء‬
‫حكم الرشع فيه‪ ،‬فلو كشف اهلل لك يا وِل عن منازهلم عند اهلل يف ادلار‬
‫اآلخرة لوددت أن تكون موىل من موايلهم فاهلل يلهمنا رشد أنفسنا" انتىه‬
‫الكم الشيخ األكرب ريض اهلل عنه ونفعنا به‪.‬‬
‫ثم قال بعد أسطر‪" :‬ومن أرسارهم يعين األقطاب ما قد ذكرناه من العلم‬

‫‪125‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بمزنلة أهل ابليت‪ ،‬وما قد نبه اهلل ىلع علو رتبتهم يف ذلك‪ ،‬ومن أرسارهم‬
‫علم املكر اذلي مكر اهلل بعباده يف بغضهم مع دعواهم حب رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وسؤاهل املودة يف القر وهو صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم من مجلة أهل ابليت‪ ،‬فما فعل أكرث انلاس ما سأهلم فيه رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم عن أمر اهلل فعصوا اهلل ورسوهل وما أحبوا من‬
‫قرابته إال من رأوا منه اإلحسان فبأغراضهم أحبوا وبأنفسهم تعشقوا"‪،‬‬
‫انتهت عبارة الشيخ األكرب ريض اهلل عنه ونفعنا بعلومه وبراكته‪.‬‬

‫ذكر فضل قريش والعرب‬


‫واعلم أن حكم مودة أهل ابليت بعضهم بلعض كحكم مودة األوانب‬
‫هلم يف الوووب بل يه أوىل ملا فيها من زيادة صلة الرحم‪ ،‬نروع لآلية‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إن القر هم ودل عبد املطلب وعليه مىش القسطالين يف املواهب‬
‫فقال‪ :‬املراد بالقر من ينسب إىل وده األقرب عبد املطلب‪.‬‬
‫وقال ابن حجر يف الصواعق‪ :‬املراد بأهل ابليت واآلل وذوي القر يف ل‬
‫ما واء يف فضلهم مؤمنوا بين هاشم واملطلب‪ ،‬وروحه الصبان يف إسعاف‬
‫الراغبني وزاد العرتة‪ ،‬قال فاأللفاظ األربعة بمعىن واحد كما يف املواهب‪،‬‬
‫وقال ابن عطية‪ :‬قريش لكها عندي قر وإن اكنت تتفاضل‪ ،‬وقال اإلمام‬
‫املقريزي‪ :‬ويظهر يل أن اخلطاب يف اآلية اعم جلميع من آمن‪ ،‬وذلك أن‬
‫العرب بأرسها قوم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم اذلين هو منهم‪،‬‬

‫‪126‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فيتعني ىلع من سواهم من العجم أن يودوهم وحيبوهم‪ ،‬وقد واءت يف‬


‫ً‬
‫األمر حبب العرب أحاديث‪ ،‬وإن قريشا أقرب إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬
‫وآهل وسلم من سائر العرب فعىل ل عريب أن يوقر قريشا وحيبهم من أول‬
‫أنهم قوم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث يف تفضيل قريش ويف تقديمها ىلع غريها وأن بين‬
‫هاشم رهط رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وأرسته‪ ،‬فيجب ىلع من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عداهم من قريش حمبتهم ومودتهم‪ ،‬وإن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا‬
‫وذريتهما ريض اهلل عنهم أقرب من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ُ ِّ‬
‫"‪"1‬‬
‫فيجب ىلع بين هاشم مودتهم وإكرامهم ‪‬وف ْو ل ِذي ِعل ٍم ع ِليم‪‬‬
‫انتيه‪.‬‬
‫قوهل‪ :‬فيجب ىلع بين هاشم مودتهم يعين وجتب ىلع قريش والعرب‬
‫والعجم‪ ،‬وهكذا اتلقدير فيما قبله‪.‬‬
‫وقوهل‪ :‬وقد واءت يف حب العرب أحاديث ثم قوهل‪ :‬وقد وردت أحاديث‬
‫يف تفضيل قريش وتقديمها يلع غريها‪.‬‬
‫فمما ورد يف فضل قريش قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬انلاس تبع‬
‫لقريش يف اخلري والرش)"‪ ،"2‬وقوهل عليه الصالة والسالم‪( :‬من يرد هوان‬

‫‪ -1‬يوسف آية ‪.76‬‬


‫‪ -2‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫قريش أهانه اهلل)"‪ ،"1‬وقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬فضل اهلل قريشا‬
‫بسبع خصال لم يعطها أحد قبلهم وال يعطاها أحد بعدهم‪ ،‬فضل اهلل‬
‫ً‬
‫قريشا بأين منهم‪ ،‬وإن انلبوة فيهم‪ ،‬وإن احلجابة فيهم‪ ،‬والسقاية فيهم‪،‬‬
‫ونرصهم اهلل ىلع الفيل وعبدوا اهلل عرش سنني ال يعبده غريهم وأنزل اهلل‬
‫ُ ْ‬
‫إليالف قري ٍش‪،"2")‬‬
‫ِ‬ ‫فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غريهم ‪‬‬
‫وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬انلاس تبع لقريش مسلمهم تبع ملسلمهم‬
‫واكفرهم تبع لاكفرهم وإن انلاس معادن خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف‬
‫اإلسالم إذا فقهوا)"‪ ،"3‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬يا أيها انلاس ال ن‬
‫تذموا‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫قريشا فتهلكوا وال ختلفوا عنها فتضلوا وال تعلموها وتعلموا منها فإنهم‬
‫أعلم منكم‪ ،‬لوال أن تبطر قريش ألعلمتها باذلي هلا عند اهلل عز‬
‫ً‬
‫وول)"‪ ،"4‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أحبوا قريشا فإنه من أحبهم‬
‫أحبه اهلل)"‪ ،"5‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬حب قريش إيمان‪ ،‬وبغضهم‬
‫ً‬
‫أفر)"‪ ،"6‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬قدموا قريشا وال تقدموها‪ ،‬ولوال‬

‫‪ -1‬رواه أمحد واحلاأم والطرباين‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ -5‬رواه الطرباين وابليهيق يف الشعب‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه الطرباين والزبار‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أن تبطر قريش ألخربتها بما هلا عند اهلل)"‪ ،"1‬وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫(قريش صالح انلاس وال يصلح انلاس إال بهم‪ ،‬كما أن الطعام ال يصلح‬
‫ً‬
‫إال بامللح‪ ،‬قريش خالصة اهلل فمن نصب هلا حربا سلب‪ ،‬ومن أرادها بسوء‬
‫ً‬
‫خزي يف ادلنيا واآلخرة)"‪ ،"2‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ال تسبوا قريشا‬
‫ً‬
‫فإن اعملها يمأل طبا األرض علما)"‪ ،"3‬قال اإلمام أمحد وغريه‪ :‬هذا العالم‬
‫هو الشافيع‪ ،‬ألنه لم حيفظ لقريش من انتشار علمه يف اآلفا ما حفظ‬
‫للشافيع‪.‬‬
‫من مناقب اإلمام الشافيع ريض اهلل عنه‬

‫ومن مناقبه ريض اهلل عنه ما حدث به صالح بن اإلمام أمحد بن حنبل‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬واء الشافيع يوما إيل أيب يعوده‪ ،‬واكن عليال فوثب إيله أيب وقبله بني‬
‫عينيه‪ ،‬ثم أولسه يف ماكنه وولس بني يديه‪ ،‬ثم أخذ يسأهل ساعة فساعة‪،‬‬
‫فلما قام الشافيع وركب أخذ أيب براكبه ومىش معه فبلغ حيىي بن معني ذلك‬
‫فقال‪ :‬يا سبحان اهلل لم فعلت ذلك؟ فقال‪ :‬إين لو مشيت من وانب وأنت يا‬
‫أبا زكريا لو مشيت من وانب آخر النتفعت به‪ ،‬من أراد الفقه فليشم ذنب‬
‫هذه ابلغلة وأشار إىل بغلة الشافيع ريض اهلل عنه وعن سائر األئمة‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه الزبار وابليهيق‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه املتيق اهلندي يف كزن العمال‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطياليس وابليهيق‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أما األحاديث الواردة يف حب العرب وفضلهم‪ ،‬فمنها قوهل صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪( :‬حب العرب إيمان وبغضهم أفر‪ ،‬فمن أحب العرب فقد‬
‫أحبين‪ ،‬ومن أبغض العرب فقد أبغضين)"‪ ،"1‬وقوهل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم‪( :‬أحبوا العرب ثلالث ألين عريب والقرآن عريب والكم أهل اجلنة‬
‫عريب)"‪ ،"2‬قال املناوي يف رشح هذا احلديث‪" :‬وهذه اجلمل واردة مورد احلث‬
‫ً‬
‫ىلع حب العرب وهو مزنل ىلع قيد احليثية أي من حيث كونهم عربا‪ ،‬وقد‬
‫يعرض هلم ما يقتيض الزيادة ىلع هذا احلب باعتبار ما يقوم بهم من وصف‬
‫اإليمان‪ ،‬واتلفاضل فيه حبسب املراتب‪ ،‬وقد يعرض ما يووب ابلغض‬
‫واالزدياد منه حبسب ما يعرض هلم من أفر ونفا ‪ ،‬قال سبحانه يف شأن‬
‫ن ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫األعر ُ‬
‫اب أشد أف ًرا‪ ،"3"‬فإذا وفق العبد ملحبتهم من حيث‬ ‫قوم منهم‪ :‬‬
‫كون املصطيف منهم‪ ،‬وأن القرآن أنزل بلغتهم‪ ،‬وأن الكم الرفيق األىلع‬
‫بلسانهم‪ ،‬لعذوبته وفصاحته‪ ،‬واستقامته‪ ،‬اكن ذلك واسطة يف حبه صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وإذا خذل فأبغضهم من اجلهات املذكورة اكن الزمه‬
‫بغضه عليه الصالة والسالم وهو أفر‪ ،‬وإذا أبغضهم من حيث أفرهم‬
‫ً‬
‫أو نفاقهم اكن ذلك واوبا‪ ،‬فاستبان أنه قد جيب احلب وقد جيب ابلغض‬
‫ويبىق مطلق احلب من احليثية اليت سبق الالكم عليها‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬اتلوبة آية ‪.97‬‬

‫‪130‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫واعلم أن ستة من األنبياء من العرب سيدنا نوح‪ ،‬وسيدنا هود‪ ،‬وسيدنا‬


‫إسماعيل‪ ،‬وسيدنا صالح‪ ،‬وسيدنا شعيب وسيدنا حممد صىل اهلل عليه‬
‫وعليهم وسلم‪ ،‬وباقيهم من غريهم" انتيه‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬من أحب العرب فهو حبييب حقا)"‪،"1‬‬
‫قال العزيزي‪ :‬ألنهم هم اذلين باعوا أنفسهم هلل تعاىل‪ ،‬حىت أظهروا‬
‫اإلسالم وأزاحوا ظلمة الكفر‪ ،‬ويف املناوي‪" :‬عالمة صد احلب حب ل‬
‫ا‬
‫ما ينسب إىل املحبوب‪ ،‬فإن من حيب إنسانا حيب لكب حملته‪ ،‬فاملحبة إذا‬
‫قويت تعدت من املحبوب إىل ل ما يكتنف باملحبوب‪ ،‬وحييط به‬
‫ويتعلق بأسبابه‪ ،‬وذلك ليس رشكة يف حب اهلل تعاىل‪ ،‬فإن من أحب رسول‬
‫املحبوب لكونه رسوهل والكمه لكونه الكمه ومن ينتيم إيله لكونه من‬
‫حزبه لم جياوز حبه إىل غريه بل هو ديلل كمال حبه"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقوهل عليه الصالة والسالم‪( :‬من سب العرب فأوئلك هم املرشكون)"‪،"2‬‬
‫ا‬
‫وقوهل عليه الصالة والسالم‪( :‬من غش العرب لم يدخل يف شفاعيت ولم‬
‫تنله موديت)"‪ ،"3‬وروى الرتمذي عن سلمان ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬يا سلمان ال تبغضين فتفار دينك)‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫‪ -1‬رواه الزبار عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬حب قريش إيمان‬
‫وبغضهم أفر من أحب العرب فقد أحبين‪ ،‬ومن أبغضهم فقد أبغضين)‬
‫‪ -2‬رواه ابليهيق يف الشعب‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه أمحد والرتمذي‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫يا رسول اهلل كيف أبغضك وبك هداين اهلل؟ قال‪( :‬تبغض العرب‬
‫فتبغضين)‪ ،‬وعن ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم‪( :‬ال يبغض العرب إال منافق)"‪ ،"1‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن‬
‫لواء احلمد بيدي يوم القيامة وإن أقرب اخلالئق من لوايئ يومئذ العرب)"‪،"2‬‬
‫وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إذا ذلت العرب ذل اإلسالم)"‪ ،"3‬قال‬
‫املناوي‪" :‬أي أهله أو نفسه‪ ،‬ألن شؤم ذلك يعود ىلع ادلين بالوهن‬
‫والضعف‪ ،‬وذلك ألن أصل اإلسالم نشأ منهم وبهم ظهر وانترش فإذا ذلوا‬
‫ذل أي نقص‪ ،‬وألن اإلسالم ال يصلح وينتظم حاهل إال باجلود والسماحة‬
‫واللني واملودة والرفق وجتنب ابلخل والضيق والعجلة واحلقد واحلرص‪،‬‬
‫والعرب سهلة نفوسها كريمة طباعها زكية أخالقها ال ينكر ذلك إال معاند‬
‫وال جيحده إال مارد‪ ،‬فإذا اكنوا يف عز فاإلسالم يف عز وإن ذلوا ذل‪ ،‬فبتلك‬
‫اخلالل فضلوا ال باللسان العريب فحسب‪ ،‬ومعىن إذا ذلت‪ :‬أي ضعف‬
‫أمرها وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا وفضل عليهم غريهم" انتيه‪.‬‬
‫وقال يف قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬حب العرب إيمان وبغضهم‬
‫نفا )‪ ،‬أي إذ أحبهم إنسان اكن حبهم آية إيمانه‪ ،‬وإذ أبغضهم اكن بغضهم‬
‫عالمة نفاقه‪ ،‬ألن هذا ادلين نشأ منهم‪ ،‬واكن قيامه بسيوفهم وهممهم‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه ابليهيق‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه أيب يعىل يف مسنده‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫والظاهر من حال من أبغضهم أنه إنما بغضهم ذللك وهو أفر‪.‬‬


‫وقد اطلعت ىلع كتاب (رس األدب يف جماري الكم العرب) أليب منصور‬
‫اثلعاليب‪ ،‬فوودته ذكر يف خطبته الكما يناسب ما حنن فيه‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل بعد البسملة واحلمدلة "أما بعد‪ ،‬فإن من أحب اهلل تعاىل‬
‫ً‬
‫أحب رسوهل حممدا املصطىف صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ومن أحب الرسول‬
‫أحب العرب‪ ،‬ومن أحب العرب أحب اللغة العربية اليت نزل بها أفضل‬
‫الكتب ىلع أفضل العرب والعجم‪ ،‬ومن أحب اللغة العربية عىن بها وثابر‬
‫عليها‪ ،‬ورصف همه إيلها ومن هداه اهلل لإلسالم‪ ،‬ورشح صدره لإليمان‪،‬‬
‫ً‬
‫وآتاه قوة بصرية‪ ،‬وحسن رسيرة‪ ،‬اعتقد أن حممدا صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫خري الرسل‪ ،‬واإلسالم خري امللل‪ ،‬والعرب خري األمم‪ ،‬والعربية خري اللغات‬
‫واأللسنة واإلقبال ىلع تفهمها من ادليانة‪ ،‬إذ يه أداة العلم‪ ،‬ومصباح‬
‫اتلفقه يف ادلين‪ ،‬ومفتاح إصالح املعاش واملعاد‪ ،‬ثم يه إلحراز الفضائل‬
‫واالحتواء ىلع املروءات واملناقب اكيلنبوع للماء والزند للنار‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫يف اإلحاطة خبصائصها‪ ،‬والوقوف ىلع جماريها ومصارفها‪ ،‬واتلبحر يف‬
‫والئلها ودقائقها إال قوة ايلقني يف إعجاز القرآن وزيادة ابلصرية يف إثبات‬
‫ً‬
‫انلبوة اذلي هو عمدة اإليمان لكىف به فضال حيسن أثره ويطيب ثمره‪،‬‬
‫فكيف وأيرس ما خصه اهلل به من رضوب املناقب‪ ،‬وفنون املحاسن‪ ،‬يكل‬
‫أقالم الكتبة ويتعب أنامل احلسبة"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬اعلم أن مجيع ما ورد عن الشارع مما فيه وصف املبغض لقريش أو‬

‫‪133‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫للعرب أو ألهل ابليت أو سابهم أو الغاش هلم بالكفر أو انلفا وحنوهما‪،‬‬


‫فهو حممول ىلع ما إذا اكن ذلك لكون رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫منهم‪ ،‬وكونهم ونسه‪ ،‬وحزبه‪ ،‬وأهل بيته‪ ،‬أما إذا اكن ابلغض وحنوه ملعىن‬
‫آخر ال تعلق هل باجلنسية واحلزبية واألهلية‪ ،‬فقد خيتلف حكمه كما يفهم‬
‫من رشوح احلديث وغريها‪ ،‬بل هو أمر معلوم من قواعد ادلين‪.‬‬
‫قال ابن تيمية يف قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن اهلل اصطيف كنانة‬
‫ً‬
‫من ودل إسماعيل‪ ،‬واصطيف قريشا من كنانة‪ ،‬واصطيف من قريش بين‬
‫ً‬
‫هاشم)"‪" :"1‬أفاد اخلرب أن العرب أفضل من ونس العجم‪ ،‬وأن قريشا أفضل‬
‫العرب‪ ،‬وأن بين هاشم أفضل قريش‪ ،‬وأن املصطيف صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ً‬
‫وسلم أفضل بين هاشم‪ ،‬فهو صىل اهلل عليه وآهل وسلم أفضل انلاس نفسا‬
‫ً‬
‫ونسبا‪ ،‬وليس فضل العرب فقريش فبين هاشم بمجرد كون انليب صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم منهم وإن اكن هذا من الفضل بل هلم يف أنفسهم فضل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبذلك يثبت للنيب صىل اهلل عليه وآهل وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإال‬
‫لزم ادلور" انتيه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إذا علمت هذا فاعلم أن مجيع ما ورد يف تفضيل العرب واإلغراء‬
‫بمحبتهم وإكرامهم واتلحذير من كراهتهم وأذاهم بالسب والغش‬
‫وحنوهما هو شامل لقريش ألنهم صفوة العرب وأن مجيع ذلك اكلوارد يف‬

‫‪ -1‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫خصوص قريش شامل بلين هاشم ألنهم صفوة قريش وما ورد يف بين هاشم‬
‫فمن فوقهم شامل ألهل ابليت سواء‪ ،‬قلنا‪ :‬هم بنو عبد املطلب أو خصوص‬
‫يلع وفاطمة واحلسن واحلسني ألنهم صفوة الصفوة وخالصة اخلالصة‬ ‫ّ‬
‫وخرية اخلرية وال ينعكس ذلك‪ ،‬فقد اختص أهل ابليت بمزايا لم توود يف‬
‫بين هاشم واختص بنو هاشم بمناقب عريت منها قريش واختصت قريش‬
‫بفضائل فقدها سائر العرب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ ُ ُ ْ ْ ًْ ا ْ ا‬ ‫ُْ‬
‫ويف قوهل تعاىل‪ :‬قل ال أسألكم علي ِه أورا إِال المودة ِيف القر ‪ ، ‬أقوال‬
‫"‪"1‬‬

‫ً‬
‫أخرى‪ :‬منها ما ذكره الطربي بقوهل معناه‪ :‬قل ال أسألكم عليه أورا يا‬
‫معرش قريش إال أن تودوين يف قرابيت منكم وتصلوا الرحم اليت بيين‬
‫وبينكم‪ ،‬قال ابن عباس وابن إسحا وقتادة‪ :‬لم يكن يف قريش بطن إال‬
‫ولرسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فيهم نسب أو صهر‪ ،‬فاآلية ىلع هذا‬
‫استعطاف دلفع أذاهم وطلب السالمة منهم‪ ،‬وقد علمت من انلقول‬
‫املتقدمة أن كونها يف ذوي قرابته صىل اهلل عليه وآهل وسلم هو الراوح‬
‫ّ‬
‫ويلع وفاطمة واحلسن واحلسني وبنوهما إيل يوم القيامة داخلون ىلع ل‬
‫حال سواء ورينا ىلع القول بأنها فيهم خاصة أو أنها يف مؤمين بين عبد‬
‫املطلب أو يف مؤمين بين هاشم‪.‬‬

‫‪ -1‬الشورى آية ‪.23‬‬

‫‪135‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فصل‬
‫يف اتلحريض ىلع مودة أهل ابليت وحبهم ريض اهلل عنهم‬

‫أخرج ابن أيب حاتم عن ابن عباس ريض اهلل عنهما يف قوهل تعاىل‪ :‬وم ْن‬
‫ً‬ ‫ْ ْ‬
‫رتف حسنة‪ ‬قال‪" :‬املودة آلل حممد"‪ ،‬وعنه ريض اهلل عنه‪ ،‬عن انليب‬ ‫يق ِ‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم أنه قال‪( :‬أحبوا اهلل ملا يغذوكم به من نعمة‪،‬‬
‫وأحبوين حبب اهلل وأحبوا أهل بييت حبيب)"‪ ،"1‬وعن ابن مسعود ريض اهلل‬
‫ً‬
‫عنه‪( :‬حب آل حممد يوما خري من عبادة سنة)‪ ،‬وعن أيب هريرة ريض اهلل‬
‫عنه‪ ،‬عن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬خريكم خريكم ألهيل من‬
‫بعدي)"‪ ،"2‬وأخرج الطرباين وغريه أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬ال‬
‫يؤمن عبد حىت أكون أحب إيله من نفسه وتكون عرتيت أحب إيله من‬
‫عرتته‪ ،‬وأهيل أحب إيله من أهله‪ ،‬وذايت أحب إيله من ذاته)‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصالة والسالم‪( :‬يرد احلوض أهل بييت ومن أحبهم من أميت كهاتني‬
‫السبابتني)‪ ،‬وروي عنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم أنه قال‪( :‬الزموا مودتنا‬
‫أهل ابليت فإنه من ليق اهلل عز وول وهو يودنا دخل اجلنة بشفاعتنا‪،‬‬
‫ً‬
‫واذلي نفيس بيده ال ينفع عبدا عمله إال بمعرفة حقنا)"‪ ،"3‬وقال صىل اهلل‬

‫‪ -1‬رواه الرتمذي واحلاأم‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه احلاأم‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫عليه وآهل وسلم‪( :‬من أراد اتلوسل وأن يكون هل عندي يد أشفع هل بها‬
‫يوم القيامة فليصل أهل بييت ويدخل الرسور عليهم) أخروه ادليليم‪،‬‬
‫وعن ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه أخربين رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن‬
‫أول من يدخل اجلنة أنا وفاطمة واحلسن واحلسني‪ ،‬فقلت يا رسول اهلل‬
‫فمحبونا؟ قال من ورائكم)"‪ ،"1‬وأخرج اإلمام أمحد أنه صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم أخذ بيد احلسنيني وقال‪( :‬من أحبين وأحب هذين وأمهما وأباهما‬
‫اكن ميع يف درويت يوم القيامة) واملراد معية املشاهدة ال معية املزنلة‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬من اصطنع ألحد من ودل عبد املطلب يدا‬
‫ً‬
‫فلم يكافئه بها يف ادلنيا فع ّ‬
‫يل ماكفئته غدا يوم القيامة إذا لقيين) أخروه‬
‫ً‬
‫الطرباين مرفواع‪ ،‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أربعة أنا هلم شفيع يوم‬
‫القيامة‪ ،‬املكرم ذلرييت والقايض هلم حواجئهم والسايع هلم يف أمورهم‬
‫عندما اضطروا إيله واملحب هلم بقلبه ولسانه)"‪ ،"2‬وأخرج ابن انلجار يف‬
‫تارخيه عن احلسن بن ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل‬
‫يشء أساس وأساس اإلسالم حب أصحاب رسول‬ ‫عليه وآهل وسلم‪( :‬ل‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وحب أهل بيته)‪ ،‬وأخرج الطرباين عن ابن‬
‫عباس ريض اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ال تزول‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكره املتيق اهلندي كزن العمال‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫قدما عبد يوم القيامة حىت يسأل عن أربع‪ :‬عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن وسده‬
‫فيما أباله‪ ،‬وعن ماهل فيما أنفقه‪ ،‬ومن أين كسبه‪ ،‬وعن حبنا أهل ابليت)‪،‬‬
‫يلع ريض اهلل عنه‪( :‬أثبتكم ىلع الرصاط أشدأم‬ ‫وأخرج ادليليم عن ّ‬
‫ً‬
‫حبا ألهل بييت وأصحايب)‪ ،‬ويف الصحيح أن العباس ريض اهلل عنه شاك إىل‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما تفعل قريش من تعبيسهم يف‬
‫وووههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم‪ ،‬فغضب رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وآهل وسلم غضبا شديدا حىت امحر ووهه ودر عر بني عينيه‪ ،‬وقال‪( :‬ما‬
‫بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرول من أهل بييت قطعوا حديثهم‪ ،‬واهلل ال‬
‫يدخل قلب رول اإليمان حىت حيبهم لقرابتهم مين)‪ ،‬ويف رواية‪( :‬واذلي‬
‫نفيس بيده ال يدخل قلب رول اإليمان حىت حيبكم هلل ورسوهل)"‪ ،"1‬وقال‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬مخس من أوتيهن لم يعذر ىلع ترك‬
‫عمل اآلخرة‪ ،‬زووة صاحلة‪ ،‬وبنون أبرار‪ ،‬وحسن خمالطة انلاس‪ ،‬ومعيشة‬
‫يف بدله‪ ،‬وحب آل حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم)"‪ ،"2‬وأخرج الطرباين يف‬
‫األوسط عن ابن عمر قال‪ :‬آخر ما تكلم به انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ِّ‬ ‫وسلم (اخلفوين يف أهل بييت)‪ ،‬وعن ّ‬
‫يلع كرم اهلل ووهه قال‪" :‬أدبوا‬
‫أوالدأم ىلع ثالث خصال‪ :‬حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم وابن ماوه‪.‬‬


‫‪ -2‬ذكره املتيق اهلين يف كزن العمال وعزاه إىل ادليليم‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫القرآن""‪ ،"1‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن هلل حرمات ثالثا من‬
‫ً‬
‫حفظهن حفظ اهلل أمر دينه ودنياه‪ ،‬ومن ضيعهن لم حيفظ اهلل هل شيئا)‪،‬‬
‫قيل وما يه يا رسول اهلل؟ قال‪( :‬حرمة اإلسالم‪ ،‬وحرميت‪ ،‬وحرمة‬
‫رحيم)"‪ ،"2‬وقد ورى ىلع كمال مودتهم أكابر السلف واخللف وسيدهم أبو‬
‫بكر الصديق‪ ،‬فقد ثبت عنه ريض اهلل عنه أنه قال‪" :‬صلة قرابة رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم أحب ّ‬
‫إيل من صلة قرابيت"‪ ،‬وأخرج ابلخاري‬
‫ً‬
‫عنه ريض اهلل عنه قوهل‪" :‬ارقبوا حممدا يف أهل بيته"‪ ،‬قال ابن عالن يف‬
‫رشح رياض الصاحلني‪" :‬قال املصنف يعين اإلمام انلووي ارقبوا أي راعوه‬
‫واحرتموه وأكرموه"ا‪.‬ه‪.‬‬

‫‪ -1‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ذكر مواالة األئمة األربعة هلم ريض اهلل عنهم أمجعني‬

‫وقال املناوي‪" :‬قال احلافظ الزرندي‪ :‬لم يكن أحد من العلماء‬


‫املجتهدين‪ ،‬واألئمة املهتدين إال وهل يف والية أهل ابليت احلظ الوافر‪،‬‬
‫ْ ا‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫والفخر الزاهر‪ ،‬كما أمر اهلل بقوهل‪ :‬قل ال أ ْسألك ْم عليْ ِه أو ًرا ِإال المودة‬
‫ُْ‬
‫ِيف الق ْر ‪ "1""‬ا‪.‬ه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإنما ق ايد احلافظ بالعلماء املجتهدين واألئمة املهتدين‪ ،‬ألنهم قدوة‬
‫األمة‪ ،‬فإذا اكنت هذه صفتهم فال ينبيغ ملؤمن أن يتخلف عنهم‪ ،‬فإن‬
‫وصف اإليمان اكف لوووب مودة أهل ابليت ريض اهلل عنهم‪ ،‬وبقدر‬
‫زيادته تكون زيادتها‪ ،‬ومن هنا اكن للعلماء املجتهدين واألئمة املهتدين‬
‫يف مواالتهم احلظ الوافر والفخر الزاهر‪.‬‬
‫هذا اإلمام األعظم أبو حنيفة انلعمان ريض اهلل عنه واىل إبراهيم بن‬
‫عبد اهلل املحض بن احلسن املثين بن احلسن السبط رضوان اهلل عليهم‪،‬‬
‫وأفىت انلاس بلزوم ووودهم معه ومع أخيه حممد‪ ،‬وقيل إن سجنه ريض‬
‫اهلل عنه اكن يف ابلاطن هلذا السبب‪ ،‬ويف الظاهر المتناعه عن القضاء‪.‬‬
‫وهذا إمام دار اهلجرة مالك بن أنس ريض اهلل عنه واىل إبراهيم بن زيد‬
‫يلع زين العابدين بن احلسني ريض اهلل عنهم‪ ،‬وأفىت انلاس بلزوم‬ ‫بن ّ‬
‫ووودهم معه واختىف من أوله عدة سنني‪ ،‬وقيل‪ :‬أن اذلي وااله اإلمام‬

‫‪ -1‬الشورى آية ‪.23‬‬

‫‪140‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫مالك هو حممد أخو إبراهيم بن عبد اهلل املحض ريض اهلل عنهم اذلي‬
‫وااله اإلمام أبو حنيفة‪.‬‬
‫ً‬
‫وال أحفظ عن اإلمام اجلليل أمحد بن حنبل ريض اهلل عنه شيئا‬
‫ً‬
‫خمصوصا يف ذلك غري أنه مع كمال ورعه ودقة نظره قال بكفر يزيد بن‬
‫معاوية ووواز لعنه وما ذاك إال لوالئه آلل املصطىف صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم مع ما ثبت عنده من ادليلل‪.‬‬
‫أما اإلمام القريش ابن عم انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم حممد بن‬
‫ً‬
‫إدريس الشافيع ريض اهلل عنه‪ ،‬فقد محل إىل بغداد مكبال بالقيود بسبب‬
‫شدة والئه آلل املصطىف صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ووقع هل يف ذلك أمور‬
‫يطول رشحها بل بلغ معه احلال يف حمبتهم إىل أن نسبه أهل الزيغ والضالل‬
‫إىل الرفض‪ ،‬وحاشاه ثم حاشاه‪.‬‬

‫وروى ابن السبيك يف طبقاته بسنده املتصل إيل الربيع بن سليمان املرادي‬
‫صاحب اإلمام الشافيع ريض اهلل عنه قال‪ :‬خرونا مع الشافيع من مكة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نريد مىن فلم يزنل واديا ولم يصعد شعبا إال وهو يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫يــــا راكبــــا قــــف باملحصــــب مــــن مــــىن‬
‫واهتــــــف بقاعــــــد خيفهــــــا وانلــــــاهض‬
‫ً‬
‫ســــــحرا إذا فــــــاض احلجــــــيج إىل مــــــىن‬
‫ً‬
‫فيضــــــا كملــــــتطم الفــــــرات الفــــــائض‬

‫‪141‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫إن اكن رفضـــــــــا حـــــــــب آل حممـــــــــد‬
‫فليشــــــــهد اثلقــــــــالن أين رافضـــــــــي‬

‫وقد نص ريض اهلل عنه ىلع فريضة حمبتهم بقوهل‪:‬‬


‫يـــــــا آل بيـــــــت رســـــــول اهلل حـــــــبكم‬
‫فــــــرض مــــــن اهلل يف القــــــرآن أنــــــزهل‬
‫يكفــــيكم مــــن عظــــيم الفخــــر أنكــــم‬
‫ّ‬
‫مـــــن لـــــم يصـــــل علـــــيكم ال صـــــالة هل‬
‫قال الصبان‪ :‬أي صالة اكملة أو صحيحة ىلع قول مرووح للشافيع‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫وقوهل‪ :‬يف القرآن أنزهل هو قوهل تعاىل‪ :‬قل ال أ ْسألك ْم عليْ ِه أو ًرا إِال‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬
‫المودة ِيف الق ْر ‪ ،"1"‬فانظر وفقنا اهلل وإياك إىل هؤالء األئمة وهداة األمة‬
‫واقف آثارهم يف حمبة أهل بيت انلبوة ريض اهلل عنهم‪ ،‬فإنك إن كنت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مسلما سنيا ال ختلو من أن تكون مقدلا يف أمر دينك أحد هؤالء األئمة‬
‫األربعة األعالم ومع كونهم ريض اهلل عنهم اختلفوا يف كثري من املسائل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما ترى‪ ،‬وإن كنت أيها انلاظر يف كتايب هذا يزيدياا أو زيادياا فانظر إىل‬
‫سرية أسالفك اللئام جتدها سرية أهل انلار‪ ،‬وتصفح أخبارهم جتدها أخبار‬
‫ً‬
‫اعر وشنار‪ ،‬فإن كنت اعقال فالبد وأن تعلم أنهم اكنوا ىلع أقبح ضالهل‪،‬‬
‫وأفضح وهاهل‪ ،‬فتكون ىلع خالف ما اكنوا عليه تدخل اجلنة دار املتقني‪،‬‬

‫‪ -1‬الشورى آية ‪.23‬‬

‫‪142‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وحترش يف زمرة اذلين أنعم اهلل عليهم من انلبيني والصديقني والشهداء‬


‫والصاحلني‪ ،‬وإن أبيت إال مشاركة سلفك يف السعري‪ ،‬وبئس املصري‪ ،‬فالزم‬
‫طريقتهم تفز بما فازوا به من السبق إىل اغيات الضالل‪ ،‬وحيق عليك كما‬
‫حق عليهم اهلالك والوبال‪ ،‬وتسحب إىل اجلحيم كما سحبوا بالسالسل‬
‫واألغالل‪ ،‬وال حميد لك عن إحدى هاتني ادلارين فاخرت منهما ما ختتار‪،‬‬
‫فليس ثمة إال اجلنة أو انلار‪.‬‬

‫نقل عبارات اإلمام الشعراين يف تعظيمهم ومودتهم ريض اهلل عنهم‬


‫قال سيدي عبد الوهاب الشعراين يف (املنن)‪" :‬ومما ّ‬
‫من اهلل تبارك وتعاىل‬
‫به ّ‬
‫يلع كرثة تعظييم للرشفاء وإن طعن انلاس يف نسبهم‪ ،‬وأرى ذلك‬
‫اتلعظيم من بعض ما يستحقونه ّ‬
‫يلع‪ ،‬وكذلك أوالد العلماء واألويلاء‬
‫وتعظيمهم وإكرامهم بطريقه الرشيع‪ ،‬ولو اكنوا ىلع غري قدم االستقامة ثم‬
‫من أقل ما أاعمل به الرشيف يف اإلوالل واتلعظيم أن أاعمله مثل ما‬
‫أاعمل نائب أي وايل مرص أو قايض العسكر‪.‬‬
‫ومن مجلة األدب مع الرشفاء أن ال جيلس أحدنا ىلع فرش أو مرتبة أو‬
‫صفة والرشيف بضد ذلك‪ ،‬وأن ال نزتوج هلم مطلقة أو زووة ماتوا عنها‪،‬‬
‫وكذلك ال نزتوج رشيفة إال إن اكن أحدنا يعرف من نفسه القدرة ىلع‬
‫القيام بواوب حقها وأن يعمل ىلع رضاها‪ ،‬فال يزتوج عليها وال يترسى‬
‫وال نقرت عليها يف املأكل وامللبس دون قدرتنا ونقول‪ :‬إن ودك رسول اهلل‬

‫‪143‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم اختار ذلك وكذلك ال نمنعها شهوة مباحة سأتلنا‬
‫فيها ونقدم هلا نعلها إذا قامت واحتاوت‪ ،‬ونقوم هلا إذا وردت علينا ألنها‬
‫ً‬
‫بضعة من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وكذلك ال ننظر هلا بدنا‬
‫ً‬
‫ولو بليع ورشاء إال إن تعني ذلك علينا رشاع‪ ،‬وال ننظر رولها إذا اكن‬
‫أحدنا بائع أخفاف‪ ،‬وال نمعن انلظر إيلها يف اإلزار إذا مرت علينا فإن‬
‫ذلك يغضب ودها رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم"‪.‬‬
‫وقال ريض اهلل عنه ونفعنا برباكته يف كتابه (ابلحر املورود يف املواثيق‬
‫والعهود)‪" :‬أخذ علينا العهود أن ال نزتوج قط رشيفة إال إن كنا نعد‬
‫أنفسنا من خدامها ألنها بضعة من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪،‬‬
‫ً‬
‫فمن اكن يرى نفسه رقيقا هلا ويعتقد أنه مىت خرج عن طاعتها أبق وأساء‬
‫فليزتوج ومن ال فال ينبيغ هل ذلك ويقال ملن تزووها للتربك السالمة‬
‫مقدمة ىلع الغنيمة‪ ،‬ال سيما إن تزوج عليها أو ترسى أو آذاها ببخله‬
‫ُ‬
‫وش ِّ‬
‫حه‪ ،‬ويمكن املؤمن اتلربك بها باإلحسان إيلها من غري تزوج"‪.‬‬
‫وباجلملة فال يقدر ىلع القيام حبق الرشيفة وإكرامها إال من ماتت نفسه‪،‬‬
‫وصح هل مقام الزهد يف ادلنيا وبارش اإليمان قلبه حبيث صار أوالد رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم أحب إيله من أهله وودله وماهل‪ ،‬فإن ل‬
‫يشء يؤذي الرشفاء يؤذي رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫واكن سيدي يلع اخلواص ينىه من ينظر للرشيفة ويه يف اإلزار وانلقاب‬
‫ً‬
‫واخلف ويقول للرايئ‪ :‬أنت لو رأيت شخصا يمعن انلظر إيل بنتك يف اإلزار‬

‫‪144‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أما كنت تتشوش فكذلك رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وينبيغ للمتدين إذا بايع الرشيفة أو فصدها أو داواها أن ال يفعل‬
‫ذلك إال وهو يف اغية اخلجل واحلياء من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم ال سيما بائع األخفاف‪ ،‬وإن كنت يا أيخ ممن يشدد يف العمل بفروع‬
‫ً‬
‫الرشيعة وأنه ال بد لك من رؤيتها لتشهد عليها مثال فاستأذن بقلبك‬
‫صاحب الرشع وانظر‪ ،‬وإن كنت يا أيخ اكمل املحبة ألوالد رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم فأهد إيلهم ما يريدون يشرتونه منك‪.‬‬
‫ثم قال ريض اهلل عنه‪" :‬أخذ علينا العهود إذا اكن نلا بنت أو أخت هلا‬
‫وهاز كبري وخطبها رشيف فقري ال يملك غري مهرها وقوت يومه ويللته‬
‫أن نزووه وال نرده‪ ،‬وذلك أن الفقر ليس بعيب نرد به اخلطبة بل هو‬
‫رشف‪ ،‬وقد تمىن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم بل سأل ربه عز وول‬
‫أن حيرشه يف زمرة الفقراء واملساكني وقال‪( :‬امهلل اوعل رز آل حممد‬
‫ً‬
‫قوتا)‪ ،‬أي ال يفضل منه يشء يف غداء وال عشاء‪ ،‬فيشء اختاره رسول اهلل‬
‫ً‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم ذلريته وأهل بيته هو اغية الرشف ومن رد رشيفا‬
‫ً‬
‫فقريا طلب تزويج ابنته خياف عليه من املقت‪ ،‬واهلل غين محيد‪.‬‬
‫وكذلك أخذ علينا العهود إذا مررنا ىلع رشيف أو رشيفة ىلع قوارع‬
‫الطريق يسأالن انلاس أن ندفع هلما ما نقدر عليه من ادلراهم أو الطعام‬
‫أو اثلياب أو نعرض عليهم اإلقامة عندنا نلقوم هلم بالكفاية الرشعية‪،‬‬
‫حيث استطعنا ذلك‪ ،‬ويقبح ىلع من يديع حمبة رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫‪145‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وآهل وسلم أن يمر ىلع أوالده وهم ىلع قوارع الطر يسألون انلاس فال‬
‫ً‬
‫يعطيهم شيئا واهلل غفور رحيم"‪ .‬انتيه الكمه ريض اهلل عنه حبروفه‪.‬‬
‫وأخرج املال يف سريته أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬استوصوا بأهل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بييت خريا فإين أخاصمكم عنهم غدا‪ ،‬ومن أكن خصمه أخصمه اهلل‪،‬‬
‫ومن أخصمه اهلل أدخله انلار)‪ ،‬ويف الصحيح‪ :‬أن بنت أيب هلب ملا هاورت‬
‫إيل املدينة قيل هلا لن تغين عنك هجرتك أنت بنت حطب انلار‪ ،‬فذكرت‬
‫ذلك للنيب صىل اهلل عليه وآهل وسلم فاشتد غضبه‪ ،‬ثم قال ىلع املنرب‪( :‬ما‬
‫بال أقوام يؤذوين يف نسيب وذوي رحيم أال ومن آذى نسيب وذوي رحيم فقد‬
‫آذاين ومن آذاين فقد آذى اهلل) أخروه كثري من أهل السنن‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين واحلاأم عن ابن عباس ريض اهلل عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬يا بين عبد املطلب إين سألت اهلل‬
‫ً‬
‫لكم ثالثا‪ :‬سأتله أن يثبت قائمكم‪ ،‬وأن يعلم واهلكم‪ ،‬ويهدي‬
‫ً‬
‫ضالكم‪ ،‬فلو أن روال صعد بني الركن واملقام فصىل وصام‪ ،‬ثم مات وهو‬
‫مبغض ألهل بيت حممد صىل اهلل عليه وآهل وسلم دخل انلار)‪ ،‬وأخرج‬
‫الطرباين عن ابن عباس‪( :‬بغض بين هاشم واألنصار أفر وبغض العرب‬
‫نفا )‪ ،‬وأخرج ابن عدي وابليهيق يف شعب اإليمان عن ّ‬
‫يلع ريض اهلل‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬من لم يعرف عرتيت‬
‫واألنصار فهو ألحد ثالث‪ :‬إما منافق وإما لزنية وإما لغري طهر) يعين‬
‫محلته أمه ىلع غري طهر‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وأخرج الطرباين يف األوسط عن وابر بن عبد اهلل قال‪ :‬خطبنا رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم فسمعته‪ ،‬وهو يقول‪( :‬أيها انلاس من أبغضنا أهل‬
‫ً‬
‫ابليت حرشه اهلل يوم القيامة يهوديا)‪ ،‬وعن أيب سعيد اخلدري ريض اهلل‬
‫عنه أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ال يبغضنا أهل‬
‫ابليت أحد إال أدخله اهلل انلار) رواه احلاأم وصححه ىلع رشط‬
‫الشيخني‪.‬‬
‫وعن ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه وكرم ووهه أنه قال ملعاوية‪ :‬إياك وبغضنا فإن‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬ال يبغضنا وال حيسدنا أحد إال‬
‫ذيد عن احلوض يوم القيامة بسياط من نار)"رواه الطرباين"‪.‬‬
‫ً‬
‫وروى أمحد مرفواع‪( :‬من أبغض أهل ابليت فهو منافق)‪ ،‬وقال صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬حرمت اجلنة ىلع من ظلم أهل بييت وآذاين يف عرتيت)‪،‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬سبعة لعنتهم ولك نيب جماب وعد منهم صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم املستحل من عرتته ما حرم اهلل)‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فصل‬
‫يف مجلة آثار وقصص يف إكرام السلف الصالح وغريهم هلم ريض اهلل عنهم‬

‫قال احلافظ ابن حجر العسقالين يف (اإلصابة)‪" :‬قال حيىي بن سعيد‬


‫األنصاري عن عبيد بن حنني‪ :‬حدثين احلسني بن يلع قال‪ :‬أتيت عمر‪،‬‬
‫وهو خيطب ىلع املنرب فصعدت إيله فقلت‪ :‬انزل عن منرب أيب واذهب إىل‬
‫منرب أبيك فقال عمر‪ :‬لم يكن أليب منرب وأخذين فأولسين معه أقلب‬
‫حىص بني يدي‪ ،‬فلما نزل انطلق يب إىل مزنهل ثم قال يل‪ :‬لو وعلت تغشانا‪،‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بابلاب‪ ،‬فروع ابن عمر‪،‬‬
‫فروعت معه‪ ،‬فلقيين بعد فقال يل‪ :‬لم أرك؟ قلت‪ :‬يا أمري املؤمنني إين وئت‬
‫وأنت خال بمعاوية‪ ،‬فروعت مع ابن عمر فقال‪ :‬أنت أحق من ابن عمر‪،‬‬
‫فإنما أنبت ما ترى يف رؤوسنا اهلل ثم أنتم"‪ ،‬قال احلافظ سنده صحيح‪.‬‬
‫وروى أبو الفرج األصفهاين من طريق عبيد اهلل بن عمر القواريري قال‪:‬‬
‫حدثنا حيىي بن سعيد عن سعيد بن أبان القريش‪ ،‬قال‪ :‬دخل عبد اهلل بن‬
‫حسن بن حسن ىلع عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن هل وفرة فرفع‬
‫جملسه وأقبل عليه وقىض حواجئه‪ ،‬ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها‪ ،‬حىت‬
‫أووعه وقال‪ :‬اذكرها عندك للشفاعة‪ ،‬فلما خرج المه قومه وقالوا‪ :‬فعلت‬
‫هذا بغالم حدث فقال‪ :‬إن اثلقة حدثين حىت كأين أسمعه من ّ‬
‫يف رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إنما فاطمة بضعة مين يرسين ما يرسها)‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وأنا أعلم أن فاطمة ريض اهلل عنها لو اكنت حية لرسها ما فعلت بابنها‬
‫قالوا فما معىن غمزك بطنه‪ ،‬وقولك ما قلت؟ قال‪ :‬أنه ليس أحد من بين‬
‫هاشم إال وهل شفاعة فرووت أن أكون يف شفاعة هذا‪.‬‬
‫وروي عن عبد اهلل هذا قال‪ :‬أتيت باب عمر بن عبد العزيز يف حاوة‬
‫فقال يل‪ :‬إذا اكنت لك حاوة فأرسل إيل أو اكتب فإين أستحيي من اهلل أن‬
‫أراك ىلع بايب‪.‬‬
‫ً‬
‫وروي أن اإلمام مالاك ملا رضبه وعفر بن سليمان ونال منه ما نال ومحل‬
‫ً‬
‫مغشيا عليه ودخل عليه انلاس فأفا فقال‪ :‬أشهدأم أين وعلت ضاريب‬
‫يف حل‪ ،‬فسئل بعد ذلك فقال‪ :‬خفت أن أموت فألىق انليب صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم فأستيح منه أن يدخل بعض آهل انلار بسبيب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن املنصور أقاده من وعفر فقال هل‪ :‬أعوذ باهلل واهلل ما ارتفع منها‬
‫سوط عن وسيم إال وقد وعلته يف حل لقرابته من رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫وحدث الشيخ األكرب ميح ادلين بن العريب ريض اهلل عنه يف كتابه‬
‫(مسامرات األخيار) بسنده املتصل إىل عبد اهلل بن املبارك‪ ،‬قال‪" :‬اكن‬
‫بعض املتقدمني قد حبب إيله احلج قال‪ :‬فحدثت أنه ورد احلاج يف بعض‬
‫السنني إىل بغداد فعزمت ىلع اخلروج معهم إىل احلج‪ ،‬فأخذت يف كيم‬
‫مخسمائة دينار‪ ،‬وخروت إيل السو ألشرتي آلة احلج‪ ،‬فبينما أنا يف بعض‬
‫الطريق اعرضتين امرأة فقالت‪ :‬يرمحك اهلل إين امرأة رشيفة‪ ،‬وِل بنات‬

‫‪149‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫عراة وايلوم الرابع ما أكلنا شيئا‪ ،‬قال فوقع الكمها يف قليب فطرحت‬
‫اخلمسمائة دينار يف طرف إزارها وقلت عودي إىل بيتك فاستعيين بهذه‬
‫ادلنانري ىلع وقتك‪ ،‬فحمدت اهلل وانرصفت ونزع اهلل عز وول من قليب‬
‫حالوة اخلروج يف تلك السنة‪ ،‬فخرج انلاس وحجوا واعدوا فقلت‪ :‬أخرج‬
‫ً‬
‫للقاء األصدقاء والسالم عليهم‪ ،‬فخروت فجعلت لكما لقيت صديقا‬
‫وسلمت عليه‪ ،‬وقلت هل‪ :‬قبل اهلل حجك وشكر سعيك يقول يل‪ :‬وأنت قبل‬
‫اهلل حجك‪ ،‬فطال يلع ذلك فلما اكن الليل نمت فرأيت انليب صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم يف املنام يقول يل ال تعجب من تهنئة انلاس لك باحلج‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أغثت ملهوفا وأغنيت ضعيفا فسألت اهلل فخلق يف صورتك ملاك فهو‬
‫حيج عنك يف ل اعم فإن شئت فحج وإن شئت ال حتج"‪.‬‬
‫وعن الشيخ زين ادلين عبد الرمحن اخلالل ابلغدادي أن بعض أمراء‬
‫ً‬
‫تيمورنلك أخربه أنه ملا م ِرض مرض املوت اضطرب ذات يوم اضطرابا‬
‫ً‬
‫شديدا واسود ووهه وتغري لونه ثم أفا فذكروا هل ذلك فقال إن مالئكة‬
‫العذاب أتوه فجاء رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فقال هلم اذهبوا‬
‫عنه فإنه اكن حيب ذرييت وحيسن إيلهم فذهبوا‪.‬‬
‫وعن شمس ادلين حممد بن حسن اخلادلي قال‪" :‬رأى بعض أصحابنا‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف املنام ورأى عنده تيمورنلك فقال هل‬
‫وصلت إىل هنا يا عدو اهلل فقال هل انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم إيلك يا‬
‫حممد فإنه اكن حيب ذرييت"‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وحىك العالمة ابن حجر اهليتيم عن اتليق الفاريس عن بعض األئمة أنه‬
‫اكن يبالغ يف تعظيم األرشاف‪ ،‬فسئل عن سبب تلك املبالغة فقال‪ :‬إن‬
‫ً‬
‫شخصا من األرشاف يقال هل مطري قد مات واكن كثري اللعب واللهو‬
‫فتوقف األستاذ عن الصالة عليه‪ ،‬فرأى انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف‬
‫املنام ومعه فاطمة الزهراء فأعرضت عنه فاستعطفها حىت أقبلت عليه‬
‫واعتبته وقالت هل أما يسع واهنا مطريا؟‪.‬‬
‫وقال املقريزي‪" :‬حدثين قايض القضاة عز ادلين عبد العزيز بن عبد‬
‫العزيز ابلكري ابلغدادي احلنبيل قال‪ :‬رأيت يف املنام كأين بمسجد رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وقد انفتح القرب املقدس‪ ،‬وخرج منه رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وولس وعليه أكفانه وأشار بيده املقدسة أن‬
‫تعال‪ ،‬فقمت ووئت حىت دنوت منه فقال يل‪ :‬قل للمؤيد يفرج عن‬
‫عجالن‪ ،‬فانتبهت وصعدت ىلع اعديت إىل جملس السلطان امللك املؤيد‬
‫ً‬
‫شيخ‪ ،‬وأخذت أحلف هل أيمانا حروة أين ما رأيت عجالن قط وال بيين‬
‫وبينه معرفة ثم قصصت عليه رؤياي فسكت وأقمنا حىت انفض‬
‫املجلس‪ ،‬فقام وخرج من جملسه إىل دراكه القلعة ووقف عند مرماة نشاب‬
‫استجدها ثم استدىع بالرشيف عجالن احلسيين أمري املدينة من سجنه‬
‫وأفرج عنه‪.‬‬
‫قال‪ :‬واتفق أن الرشيف رسداح بن مقبل احلسين قبض ىلع أبيه مقبل‬
‫أمري ينبع يف سنة مخس وعرشين وثمانمائة وأقيم عوضه يف إمرة ينبع ابن‬

‫‪151‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أخيه عقيل‪ ،‬ومحل حىت سجن باإلسكندرية ومات يف سجنه وكحل ابنه‬
‫رسداح هذا حىت سالت حدقتاه وورم دماغه ونُت‪ ،‬وأقام خارج القاهرة‬
‫مدة وهو أعىم‪ ،‬ثم مىض إىل املدينة انلبوية‪ ،‬ووقف جتاه قرب وده املصطىف‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وشاك ما به وبكى وداع اهلل‪ ،‬ثم انرصف وبات‬
‫تلك الليلة فرأى يف منامه رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وقد مسح‬
‫بيده املقدسة ىلع عينيه‪ ،‬فانتبه وقد رد اهلل عليه برصه فاشتهر خربه عند‬
‫أهل املدينة وأقام عندهم مدة ثم اعد إىل القاهرة فبلغ السلطان امللك‬
‫األرشف برسباي قدومه وأنه يبرص فقبض عليه وطلب املزينني الذلين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كحاله ورضبهما رضبا مربحا فأقاما عنده بينة يرتضيها من أتباعه بأنهم‬
‫شاهدوا امليل‪ ،‬وقد أحيم بانلار ثم كحل به رسداح فسالت حدقتاه‬
‫ً‬
‫حبضورهم فكف عنهما‪ ،‬وكذلك أخرب أهل املدينة أنهم شاهدوا رسداحا‬
‫وهو ذاهب احلدقتني ثم إنه أصبح عندهم وقد أبرص بعد عماه وقص‬
‫عليهم رؤياه فأفرج عنه حىت مات بالطاعون سنة ثالث وثالثني‬
‫وثمانمائة‪.‬‬
‫ونقل الشيخ العدوي يف مشار أنواره عن ابن اجلوزي يف كتابه امللتقط‪:‬‬
‫ً‬
‫أنه اكن رول ببلخ من العلويني نازال بها واكن هل زووة وبنات فتويف‬
‫ً‬
‫الرول‪ ،‬قالت املرأة‪ :‬فخروت بابلنات إىل سمرقند خوفا من شماتة‬
‫ً‬
‫األعداء‪ ،‬فوصلت يف شدة الربد فأدخلت ابلنات مسجدا‪ ،‬ومضيت ألحتال‬
‫هلن يف القوت‪ ،‬فرأيت انلاس جمتمعني ىلع شيخ‪ ،‬فسألت عنه‪ :‬فقالوا هذا‬

‫‪152‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫شيخ ابلدل‪ ،‬فتقدمت إيله‪ ،‬ورشحت حايل هل فقال‪ :‬أقييم عندي ابلينة أنك‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫علوية ولم يلتفت ّ‬
‫إيل فعدت إىل املسجد‪ ،‬فرأيت يف طرييق شيخا والسا‬
‫ىلع دكة وحوهل مجاعة فقلت من هذا‪ :‬فقالوا‪ :‬ضامن ابلدل وهو جمويس‬
‫فقلت عىس أن يكون عنده فرج‪ ،‬فتقدمت إيله وحدثته حديث وما‬
‫ورى يل مع شيخ ابلدل وأن بنايت يف املسجد ماهلن يشء يقتُت به‪ ،‬فصاح‬
‫خبادم هل فخرج فقال‪ :‬قل لسيدتك تلبس ثيابها فدخل وخروت ومعها‬
‫ووار‪ ،‬فقال هلا اذهيب مع هذه إىل املسجد الفالين وامحيل بناتها إيل ادلار‪،‬‬
‫ً‬
‫فجاءت ميع ومحلت بنايت إىل ادلار‪ ،‬وقد أفرد نلا دارا يف بيته‪ ،‬وأدخلنا‬
‫ً‬
‫احلمام‪ ،‬وكسانا ثيابا فاخرة‪ ،‬وأرغد علينا بألوان األطعمة‪ ،‬فلما اكن نصف‬
‫الليل رأى شيخ ابلدل كأن القيامة قد قامت وأن اللواء ىلع رأس حممد‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم فأعرض عنه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل تعرض عين‬
‫وأنا رول مسلم؟ فقال هل‪ :‬أقم ابلينة عندي أنك مسلم‪ ،‬فتحري الرول فقال‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ :‬نسيت ما قلت للعلوية‪ ،‬وهذا القرص‬
‫للشيخ اذلي يه يف داره اآلن‪ ،‬فانتبه الرول وهو يبيك ويلطم وبعث غلمانه‬
‫ُ‬
‫يف ابلدل‪ ،‬وخرج هو بنفسه يدور ىلع العلوية فأخرب أنها يف دار املجويس‬
‫فجاء إيله فقال‪ :‬أين العلوية؟ فقال عندي‪ ،‬فقال‪ :‬إين أريدها‪ ،‬قال‪ :‬ما إىل‬
‫هذا سبيل قال‪ :‬هذه ألف دينار وتسلمها ّ‬
‫إيل فقال‪ :‬ال واهلل وال بمائة ألف‬
‫ً‬
‫دينار‪ ،‬فلما ألح عليه قال هل‪ :‬املنام اذلي أنت رأيته أنا أيضا رأيته والقرص‬
‫اذلي رأيته يل حق وأنت تتعزز يلع بإسالمك‪ ،‬واهلل ما دخلت بيتنا إال‬

‫‪153‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وقد أسلمنا لكنا ىلع يديها واعدت براكتها علينا‪ ،‬ورأيت رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم فقال يل‪ :‬هذا القرص لك وألهلك بما فعلت مع‬
‫العلوية وأنتم من أهل اجلنة"‪.‬‬
‫وحدث سيدي عبد الوهاب الشعراين قال‪" :‬أخرب السيد الرشيف بزاوية‬
‫ً‬
‫احلطاب رمحه اهلل تعاىل قال‪ :‬رضب اكشف ابلحرية رشيفا فرأى رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم تلك الليلة يف منامه‪ ،‬وهو يعرض عنه فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل ما ذنيب؟ قال‪ :‬ترضبين وأنا شفيعك يوم القيامة؟ فقال يا رسول‬
‫اهلل ما أتذكر أين رضبتك‪ ،‬فقال‪ :‬أما رضبت ودلي؟ فقال‪ :‬نعم فقال‪ :‬ما‬
‫وقعت رضبتك إال ىلع ذرايع هذا‪ ،‬ثم أخرج صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ً‬
‫ذراعه متورما كخاليا انلحل نسأل اهلل العافية"‪.‬‬
‫وقال املقريزي‪ :‬حدثين الرئيس شمس ادلين حممد بن عبد اهلل العمري‬
‫ً‬
‫قال‪" :‬رست يوما يف خدمة القايض مجال ادلين حممود العجيم حمتسب‬
‫القاهرة من مزنهل حىت واء إىل بيت الرشيف عبد الرمحن الطباطيب املؤذن‬
‫ومعه نوابه وأتباعه فاستأذن عليه‪ ،‬فخرج من مزنهل وعظم عليه ميجء‬
‫املحتسب إيله‪ ،‬وأدخله مزنهل فدخلنا معه وولسنا بني يديه ىلع مراتبنا‪،‬‬
‫فلما اطمأن به اجللوس قال للرشيف‪ :‬يا سيد حاللين قال‪ :‬لم أحاللك يا‬
‫موالنا؟ قال‪ :‬ملا صعدت ابلارحة إىل القلعة‪ ،‬وولست بني يدي موالنا‬
‫السلطان يعين امللك الظاهر برقو ‪ ،‬فجئت أنت فجلست فويق يف‬
‫املجلس قلت يف نفيس كيف جيلس هذا فويق حبرضة السلطان‪ ،‬ثم ملا قمنا‬

‫‪154‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫واكن الليل‪ ،‬ونمت رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم فقال يل‪ :‬يا‬
‫حممود تأنف أن جتلس حتت ودلي‪ ،‬فبىك عند ذلك الرشيف عبد الرمحن‬
‫وقال يا موالنا ومن أنا حىت يذكرين رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫فبىك اجلماعة وسألوه ادلاعء وانرصفنا"‪.‬‬
‫وعن سيدي حممد الفاريس أنه قال‪" :‬كنت أبغض أرشاف املدينة بين‬
‫حسني ألنه اكن يرى منهم ما خيالف ظاهره السنة فقال يل انليب صىل اهلل‬
‫ً‬
‫عليه وآهل وسلم مناما‪ :‬يا فالن باسيم مايل أراك تبغض أوالدي فقلت‪:‬‬
‫حاشا هلل ما أكرههم يا رسول اهلل‪ ،‬وإنما كرهت ما رأيت من فعلهم فقال‬
‫يل مسألة فقهية‪ :‬أليس الودل العا يلحق بالنسب؟ قلت بىل يا رسول اهلل‪،‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬هذا ودل اع ‪ ،‬فلما انتبهت رصت ال ألىق منهم أحدا إال بالغت يف‬
‫إكرامه‪ ،‬وقد تقدمت هذه القصة يف خصائصهم‪.‬‬
‫ُ ْ ِّ‬ ‫ْ‬
‫قال ابن حجر اهليتيم‪ :‬قال تعاىل نلبيه يف عشريته ‪‬ف ِإن عص ْوك فقل ِإين‬
‫ْ ُ‬
‫ب ِريء ِم اما تعملون‪"1"‬ولم يقل إين بريء منكم مرااعة حلق القرابة وحلمة‬
‫النسب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحدثين أحد األوالء قال اكن أمري من أمراء العرا شديد املحبة‬
‫لألرشاف كثري اتلعظيم واإلوالل هلم‪ ،‬فاكن إذا حرض أحدهم يف جملسه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال جيلسه إال يف الصدر وإن اكن هناك من هو أكرث منه ماال وأعظم واها‬

‫‪ -1‬الشعراء آية ‪.216‬‬

‫‪155‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫من أبناء ادلنيا‪ ،‬فدخل عليه مرة رشيف ويف املجلس اعلم ذو مزنلة‪ ،‬فلم‬
‫يسع الرشيف إال اجللوس فوقه الستحقاقه وعلمه بأن ذلك يريض األمري‪،‬‬
‫فظهرت الكراهية يف ووه العالم وتكلم بما ال ينبيغ‪ ،‬فأعرض األمري عن‬
‫حديثه‪ ،‬وانتقل إىل حديث آخر ثم بعد أن تنويس هذا األمر سأهل عن ودل‬
‫هل يطلب العلم‪ ،‬فأوابه بأنه ما زال حيفظ املتون ويقرأ ادلروس وأنه علمه‬
‫ً‬
‫كذا وقرأ هل كذا‪ ،‬ورتب هل درسا يف الصباح‪ ،‬وآخر يف وقت آخر وأخذ خيربه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بأحواهل‪ ،‬فقال هل‪ :‬هال رتبت هل نسبا‪ ،‬وعلمته رشفا‪ ،‬حىت يكون من أوالد‬
‫انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم؟ فقال‪ :‬وقد غفل عما اقرتفه‪ :‬هذا ال‬
‫يكون بالرتتيب واتلعليم‪ ،‬وإنما هو بسابق عناية ال مدخل للكسب فيها‪،‬‬
‫فصاح به األمري‪ :‬إذا كنت تعلم هذا يا خبيث فلماذا أنفت من ولوس‬
‫ً‬
‫الرشيف فوقك‪ ،‬واهلل ال تطأ جمليس أبدا ثم أمر بطرده فطرد‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اخلاتمة‬
‫يف بيان فضل الصحابة وأن حمبة آل ابليت ال جتدي نفعا إذا خالطها‬
‫بغض أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬

‫إن أصحابه صىل اهلل عليه وآهل وسلم قد صحبوه يف الرساء والرضاء‪،‬‬
‫والزموه يف الشدة والرخاء‪ ،‬وفدوه باألموال واألرواح‪ ،‬ووادلوا أمامه‬
‫بالسيوف والرماح‪ ،‬ووالوا من وااله‪ ،‬واعدوا من اعداه‪ ،‬ولو اكنوا آباءهم أو‬
‫أبناءهم أو إخوانهم أو عشريتهم‪ ،‬واكنوا حيبون اخلري ألقارب رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم أكرث من أقارب أنفسهم‪ ،‬هذا سيدهم أبو بكر‬
‫الصديق ريض اهلل عنه ملا أسلم أبوه يوم الفتح‪ ،‬وهنأه رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم بذلك قال‪ :‬واهلل إلسالم أيب طالب اكن أحب إيل من‬
‫إسالمه‪ ،‬وما ذاك إال ألين أعلم أنه أحب إيلك يا رسول اهلل‪.‬‬
‫وهذا عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه ملا أسلم العباس عم انليب صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم قال‪ :‬واهلل إلسالمه أحب إيل من إسالم اخلطاب ألنه‬
‫أحب إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫وقد نال املهاورين منهم يف ابتداء اإلسالم من معاداة قريش وأذاهم هلم‬
‫وتعذيبهم إياهم بأنواع العذاب ما ال تثبت هل اجلبال الرواسخ‪ ،‬وهم مع‬
‫ً‬
‫ذلك ال يبغون بدين اهلل بدال‪ ،‬وال يصدهم عن حمبة رسول اهلل صاد‪.‬‬
‫وال تنس األنصار رحم اهلل األنصار وأبناء األنصار وأبناء أبناء األنصار‬

‫‪157‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فقد واسوه صىل اهلل عليه وآهل وسلم واملهاورين من أصحابه بأمواهلم‬
‫وفدوه بنفوسهم‪ ،‬حىت ظهر أمر اهلل‪ ،‬وانظر رمحك اهلل إىل وواب سيدهم‬
‫سعد بن معاذ حني قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم قبيل وقعة بدر (أشريوا‬
‫يلع)‪ ،‬فأوابه من املهاورين أبو بكر وعمر واملقداد ريض اهلل عنهم‬
‫فأحسنوا‪ ،‬فلم يقنع صىل اهلل عليه وآهل وسلم بأووبتهم وكرر قوهل‪( :‬أشريوا‬
‫يلع) ثالث مرات فقال سعد ريض اهلل عنه‪ :‬واهلل لكأنك تريدنا يا رسول‬
‫اهلل؟ قال‪( :‬أول) قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما وئت به هو‬
‫ً‬
‫احلق وأعطيناك ىلع ذلك عهودا ومواثيق ىلع السمع والطاعة فامض يا‬
‫رسول اهلل ملا شئت‪ ،‬وصل حبال من شئت‪ ،‬واقطع حبال من شئت‪ ،‬وسالم‬
‫من شئت‪ ،‬واعد من شئت‪ ،‬وخذ من أموانلا ما شئت‪ ،‬وأعطنا ما شئت‪ ،‬وما‬
‫أخذت منا اكن أحب إيلنا مما تركت‪ ،‬وما أمرت به من أمر فأمرنا نتبع‬
‫أمرك‪ ،‬فواذلي بعثك باحلق لو استعرضت بنا هذا ابلحر فخضته خلضناه‬
‫معك ما ختلف منا رول واحد‪ ،‬وما نكره أن نلىق عدونا‪ ،‬إنا لصرب عند‬
‫احلرب صد عند اللقاء ولعل اهلل يريك منا ما تقر به عينك فرس ىلع‬
‫بركة اهلل‪ ،‬فنحن عن يمينك وشمالك‪ ،‬وبني يديك وخلفك‪ ،‬وال نكون ان‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫اكذلين قالوا ملوىس عليه السالم‪ :‬فاذهب أنت ور نبك فقاتِال ِإنا هاهنا‬
‫قا ِع ُدون‪ "1"‬ولكن اذهب أنت وربك فقاتال إنا معكما متبعون‪.‬‬

‫‪ -1‬املائدة آية ‪.24‬‬

‫‪158‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫وهذه يف احلقيقة صفات الصحابة عموما املهاورين واألنصار ريض اهلل‬
‫عنهم أمجعني‪.‬‬
‫ُْ‬ ‫ّ ْ ّ‬
‫تنبيه‪ :‬قال الفخر الرازي‪" :‬قوهل تعايل‪ِ  :‬إال المودة ِيف الق ْر ى‪ ‬فيه منصب‬
‫ا ُ‬
‫السابِقون‬‫عظيم للصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬ألنه تعاىل قال‪ :‬و‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ا ُ‬
‫وئلك المقربون‪ ، ‬ف من أطاع اهلل اكن مقربا عند اهلل‪،‬‬
‫"‪"1‬‬
‫السابِقون‪ ،‬أ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ّ ْ ّ‬
‫فدخل حتت قوهل‪ِ  :‬إال المودة ِيف الق ْر ى‪ ‬واحلاصل أن هذه اآلية‪ :‬تدل ىلع‬
‫وووب حب آل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وحب أصحابه‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫املنصب ال يسلم إال ىلع قول أصحابنا أهل السنة واجلماعة اذلين مجعوا‬
‫بني حب العرتة والصحابة‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬مثل أهل بييت‬
‫كمثل سفينة نوح من ركب فيها جنا)"‪ "2‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫(أصحايب اكنلجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)"‪ ،"3‬وحنن اآلن يف حبر اتللكيف‪،‬‬
‫وترضبنا أمواج الشبهات والشهوات‪ ،‬وراكب ابلحر حيتاج إىل أمرين‪:‬‬
‫أحدهما السفينة اخلايلة من العيوب واثلقب‪ ،‬واثلاين‪ :‬الكواكب الظاهرة‬

‫‪ -1‬الواقعة آية ‪.10‬‬


‫‪ -2‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الشهاب يف املسند عن أيب هريرة عن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬مثل‬
‫أصحايب مثل انلجوم من اقتدى بيشء منها اهتدى)‪ ،‬وعبد بن محيد يف املسند عن ابن‬
‫عمر أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬مثل أصحايب مثل انلجوم يهتدي به‬
‫فأيهم أخذتم بقوهل اهتديتم)‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫الطالعة انلرية‪ ،‬فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره ىلع تلك الكواكب اكن‬
‫ً‬
‫رواء السالمة اغبلا‪ ،‬فذللك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل‬
‫حممد‪ ،‬ووضعوا أبصارهم ىلع جنوم الصحابة‪ ،‬فرووا من اهلل أن يفوزوا‬
‫بالسالمة والسعادة يف ادلينا واآلخرة"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫فمن فضائلهم رضوان اهلل عليهم بووه العموم‪ ،‬قوهل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم‪( :‬احفظوين يف أصحايب وأصهاري فمن حفظين فيهم حفظه اهلل يف‬
‫ادلنيا واآلخرة‪ ،‬ومن لم حيفظين فيهم ختىل اهلل عنه‪ ،‬ومن ختىل اهلل عنه‬
‫أوشك أن يأخذه)"‪ ،"1‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أكرموا أصحايب‬
‫فإنهم خياركم)"‪ ،"2‬وروى مسلم قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ال تسبوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدا من أصحايب فواذلي نفيس بيده لو أن أحدأم أنفق مثل أحد ذهبا‬
‫ما بلغ مد أحدهم وال نصيفه)‪.‬‬
‫فائدة نفيسة‪:‬‬
‫نقل احلافظ السيويط عن اإلمام السبيك رمحهما اهلل تعاىل أن اخلطاب يف‬
‫احلديث ملن أسلم بعد الفتح‪" :‬وقوهل‪( :‬أصحايب) املراد بهم‪ :‬من أسلم قبل‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكره عبد الرزا يف املصنف‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫الفتح قال‪ :‬ويرشد إيله قوهل‪( :‬لو أن أحدأم أنفق‪ ..‬الخ)"‪ "1‬مع قوهل تعاىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫‪‬ال ي ْست ِوي ِمنك ْم م ْن أنفق ِم ْن قبْ ِل الفت ِح وقاتل أوئلِك أعظم دروة ِمن‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ا‬
‫اذلين أنفقوا ِم ْن بع ُد وقاتلوا‪ ،"2"‬فاحلديث ىلع هذا يف حق املتقدمني قبل‬ ‫ِ‬
‫الفتح‪ ،‬ويدخل من بعدهم يف حكمهم فإنهم بالنسبة إىل من بعدهم اكذلين‬
‫من قبلهم بالنسبة إيلهم‪ ،‬قال يعين السبيك‪ :‬وسمعت شيخنا الشيخ تاج‬
‫ً‬
‫ادلين ابن عطاء اهلل يذكر يف جملسه يف الوعظ تأويال آخر يقول‪ :‬أن انليب‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم هل جتليات يرى فيها من بعده‪ ،‬فيكون الالكم منه‬
‫ً‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف تلك اتلجليات خطابا ملن بعده يف حق‬
‫الصحابة اذلين قبل الفتح وبعده"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ا‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬إن اهلل اختارين واختار يل أصحايب ووعل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يل منهم وزراء وأنصارا وأصهارا‪ ،‬فمن سبهم فعليه لعنة اهلل واملالئكة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وانلاس أمجعني‪ ،‬ال يقبل اهلل منه رصفا وال عدال)"رواه الطرباين"‪ ،‬وقوهل رصفا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وال عدال‪ :‬أي فرضا وال نفال‪.‬‬
‫وعن ابن عمر قال‪" :‬ال تسبوا أصحاب حممد فلمقام أحدهم ساعة خري‬

‫‪ -1‬رواه مسلم عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ال تسبوا‬
‫ً‬
‫أصحايب ال تسبوا أصحايب‪ ،‬فواذلي نفيس بيده لو أن أحدأم أنفق مثل أحد ذهبا ما‬
‫أدرك مد أحدهم وال نصيفه)‬
‫‪ -2‬احلديد آية ‪.10‬‬

‫‪161‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫من عمل أحدأم عمره""‪ ،"1‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬اهلل اهلل يف‬
‫ً‬
‫أصحايب ال تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحيب أحبهم ومن‬
‫أبغضهم فببغيض أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاين‪ ،‬ومن آذاين فقد آذى اهلل‪،‬‬
‫ومن آذي اهلل يوشك أن يأخذه)"‪ ،"2‬وعن وابر سمعت رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم يقول‪( :‬إن انلاس يكرثون وأصحايب يقلون فال تسبوهم‬
‫لعن اهلل من سبهم)"‪ ،"3‬وعن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬
‫وآهل وسلم‪( :‬إن أشد انلاس عذابا يوم القيامة من شتم األنبياء ثم أصحايب‬
‫ثم املسلمني)"‪ ،"4‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إذا أراد اهلل برول من‬
‫ً‬
‫أميت خريا ألىق حب أصحايب يف قلبه)"‪ ،"5‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬إذا‬
‫رشأم)"‪ ،"6‬وقال عليه‬‫رأيتم اذلين يسبون أصحايب فقولوا لعنة اهلل ىلع ِّ‬

‫الصالة والسالم‪( :‬إن رشار أميت أورؤهم ىلع صحابيت)"‪ ،"7‬وقال صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬سألت ريب فيما خيتلف فيه أصحايب من بعدي فأوىح‬

‫‪ -1‬رواه ابن ماوه‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه أمحد والرتمذي‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬ذكره أبو نعيم يف احللية‪.‬‬
‫‪ -5‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث وعزاه إىل ادليليم‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه الطرباين والرتمذي‪.‬‬
‫‪ -7‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫إيل‪ :‬يا حممد إن أصحابك عندي بمزنلة انلجوم يف السماء بعضها أضوأ من‬
‫بعض‪ ،‬فمن أخذ بيشء مما هم عليه فهو عندي ىلع هدى)‪ ،‬وقال صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬شفاعيت مباحة إال ملن سب أصحايب)"‪ ،"1‬وقال صىل اهلل‬
‫ً‬
‫عليه وآهل وسلم‪( :‬ما من أحد من أصحايب يموت بأرض إال بعث قائدا‬
‫ً‬
‫ونورا هلم يوم القيامة)"‪ ،"2‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إذا ذكر‬
‫أصحايب فأمسكوا)"‪."3‬‬
‫قال العلقيم‪" :‬هذا علم من أعالم انلبوة علم به عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫ً‬
‫وأمرنا أن نمسك عما شجر بني الصحابة أي وووبا‪ ،‬وما وقع بينهم من‬
‫احلروب واملنازاعت اليت قتل بسببها كثري منهم‪ ،‬فتلك دماء طهر اهلل منها‬
‫مأوورين يف ذلك‪ ،‬ألنه صدر‬ ‫أيدينا فال نلوث بها ألسنتنا‪ ،‬ونرى ال‬
‫منهم باوتهاد واملجتهد يف مسألة ظنية مأوور ولو أخطأ"‪.‬‬
‫وقال املناوي يف رشح قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬اهلل اهلل يف‬
‫ً‬
‫أصحايب ال تتخذوهم غرضا بعدي‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫وخص الوعيد بابلعدية ملا اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور ابلدع‬‫ا‬
‫ً‬
‫وإيذاء بعضهم‪ ،‬زعما منهم احلب بلعض آخر وهذا من باهر معجزاته‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫اكن يف حياته حريصا ىلع حفظهم‪ ،‬والشفقة عليهم‪.‬‬

‫‪ -1‬ذكره املتيق اهلندي يف كزن العمال‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الرتمذي‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أخرج ابليهيق عن ابن مسعود قال‪ :‬خرج علينا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬
‫وآهل وسلم فقال‪( :‬أال ال يبلغين أحد منكم ىلع أحد من أصحايب شيئا‬
‫فإين أحب أن أخرج إيلهم وأنا سليم الصدر)‪.‬‬
‫قال‪" :‬وإن ملحد تعرض إيلهم وكفر نعمة قد أنعم اهلل بها عليهم فجهل‬
‫منه وحرمان‪ ،‬وسوء فهم‪ ،‬وقلة إيمان إذ لو حلقهم نقص لم يبق يف ادلين‬
‫سا قائمة ألنهم انلقلة إيلنا فإذا ورح انلقلة دخل الطعن يف اآليات‬
‫واألحاديث وبذلك ذهاب األنام وخراب اإلسالم إذ ال ويح بعد املصطىف‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم وعدالة املبلغ رشط لصحة اتلبليغ"ا‪.‬ه‪.‬‬

‫مبحث لزوم اإلمساك عما شجر بني الصحابة ريض اهلل عنهم‬
‫وقال العالمة ابن حجر اهليتيم يف كتابه (أسىن املطالب يف صلة‬
‫األقارب)‪" :‬يلزم املسلم أن يتأدب مع صحابة رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم وأهل بيته بالرتيض عنهم‪ ،‬ومعرفة فضلهم وحقهم‪ ،‬واإلمساك‬
‫ً‬
‫عما شجر بينهم‪ ،‬مع نزاهة ل منهم عن ارتكابه شيئا يعتقد حرمته‪ ،‬بل‬
‫ ل منهم جمتهد‪ ،‬فهم جمتهدون مثابون املحق منهم بعرشة أوور‪ ،‬واملخطئ‬
‫بأور واحد والعقاب واللوم وانلقص مرفوع عن مجيعهم فتفطن ذللك وإال‬
‫زلت قدمك وحق هالكك وندمك"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقال العالمة اللقاين يف رشح ووهرته الكبري‪" :‬وسبب تلك احلروب أن‬
‫القضايا اكنت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اوتهادهم‪ ،‬وصاروا ثالثة‬

‫‪164‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أقسام‪ :‬قسم ظهر هل باالوتهاد أن احلق يف هذا الطرف وأن خمالفه باغ‪،‬‬
‫فووب عليهم نرصته‪ ،‬وقتال ابلايغ عليه فيما اعتقدوه‪ ،‬ففعلوا ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يكن حيل ملن هذه صفته اتلأخري عن مساعدة اإلمام العادل يف قتال‬
‫ابلغاة يف اعتقاده‪ ،‬وقسم عكسه سواء بسواء‪ ،‬وقسم ثالث اشتبهت عليهم‬
‫القضية وحتريوا فيها‪ ،‬فلم يظهر هلم ترويح أحد الطرفني فاعزتلوا‬
‫الفريقني‪ ،‬واكن هذا االعزتال هو الواوب يف حقهم‪ ،‬ألنه ال حيل اإلقدام‬
‫ىلع قتال مسلم حىت يظهر استحقاقه ذللك‪ ،‬وباجلملة‪ :‬فلكهم معذورون‬
‫مأوورون‪ ،‬وهلذا اتفق أهل احلق ومن يعتد به يف اإلمجاع ىلع قبول‬
‫شهادتهم وروايتهم وحتقق عداتلهم"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقال العالمة السعد‪" :‬واذلي اتفق عليه أهل احلق أن املصيب يف مجيع‬
‫يلع ريض اهلل عنه‪ ،‬واتلحقيق أنهم لكهم عدول متأولون يف تلك‬ ‫ذلك ّ‬
‫ً‬
‫احلروب وغريها من املخاصمات واملنازاعت لم خيرج يشء منها أحدا منهم‬
‫عن عداتله إذ هم جمتهدون"ا‪.‬ه‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫تنبيه يف بيان حكم ساب الصحابة ريض اهلل عنهم‬

‫تنبيه‪ :‬اطلعت للحافظ السيويط ىلع رسالة سماها (إلقام احلجر ملن زىك‬
‫ساب أيب بكر وعمر)‪ ،‬نقل فيها االتفا ىلع فسق ساب مطلق الصحابة‬
‫إذا لم يستحل ذلك وإذا استحله فهو اكفر ألن أدىن مراتبه أنه حمرم وفسق‬
‫ً‬
‫واستحالل احلرام أفر إذا اكن حتريمه معلوما من ادلين بالرضورة‬
‫وحتريم سب الصحابة كذلك‪.‬‬
‫قال‪" :‬وهو من الكبائر ألن الكبرية ىلع ما صححه املتأخرون ل وريمة‬
‫تؤذن بقلة اكرتاث مرتكبها بادلين ورقة ادليانة‪ ،‬وممن صحح ذلك ابن‬
‫السبيك يف مجع اجلوامع وسبهم كذلك‪ ،‬وما أورأ فاعله ىلع اهلل ورسوهل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم وأقل اكرتاثه بادلين‪ ،‬أظن اخلبيث لعنه اهلل أن‬
‫مثل هؤالء يستحق السب وهو مربأ تيق نيق مستأهل للمدح واثلناء‪ ،‬الك‬
‫واهلل بفيه احلجر بل إذا ظن أنهم يستحقون السب اعتقدنا أنه يستحق‬
‫احلر وزيادة"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وقال املناوي يف رشح قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬من سب أصحايب‬
‫فعليه لعنة اهلل واملالئكة وانلاس أمجعني)"‪" :"1‬هذا شامل ملن البس القتل‪،‬‬
‫ألنهم جمتهدون يف تلك احلروب متأولون فسبهم كبرية‪ ،‬ونسبتهم إيل‬
‫الضالل أو الكفر أفر"ا‪.‬ه‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫سب الصحابة وتنقيصهم حرام ملعون‬‫وقال القايض عياض يف الشفاء‪ " :‬ن‬
‫ً‬
‫فاعله‪ ،‬قال‪ :‬وقال مالك‪" :‬من قال أن أحدا منهم ىلع ضالل قتل ومن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شتمهم بغري هذا نكل نكاال شديدا"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫سب أحد الشيخني أيب بكر وعمر أو أحد‬‫هذا يف مطلق الصحابة وأما ن‬
‫ّ‬
‫ويلع‪ ،‬فيعلم حكمه مما نقله السيويط يف رساتله املذكورة‬ ‫اخلتنني عثمان‬
‫عن اإلمام السبيك‪ ،‬حيث قال‪" :‬ورأيت الشيخ تيق ادلين السبيك صنف‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫كتابا سماه (غرية اإليمان اجليل أليب بكر وعمر وعثمان ويلع) بسبب‬
‫ا‬
‫وسب الشيخني وعثمان ومجاعة من الصحابة‪،‬‬ ‫رافيض وقف يف املأل‬
‫ا‬
‫وصوبه السبيك فيما فعل وألف‬ ‫فاستتيب فلم يتب‪ ،‬فحكم املاليك بقتله‬
‫يف تصويبه الكتاب املذكور وذكر فيه عن القايض حسني من أصحابنا‬
‫ووهني فيمن ا‬
‫سب أحد الشيخني أو اخلتنني‪ :‬يكفر وإن لم يستحل ألن‬
‫األمة أمجعت ىلع إمامتهم‪ ،‬واثلاين‪ :‬يفسق وال يكفر‪ ،‬ثم نقل عن احلنفية‬
‫ً‬
‫نقوال كثرية بعضها باتلكفري‪ ،‬وبعضها باتلضليل ثم مال السبيك إىل‬
‫تصحيح اتلكفري ملآخذ ذكرها ثم نقل عن املالكية واحلنابلة نقول‬
‫كذلك"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫ً‬
‫ونلكتف بهذا هنا ونذكر شيئا من فضائل اخللفاء الراشدين األربعة‬
‫رضوان اهلل عليهم ونرتبهم حبسب االستحقا ال حبسب االتفا ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فضائل سيدنا أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه‬


‫ْ ْ‬ ‫ُ اُ ْ ْ ُ ا‬
‫اذلين أف ُ‬ ‫ْ ُ ُ ُ ْ‬
‫ني‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫اث‬ ‫اين‬
‫ِ‬ ‫ث‬ ‫وا‬‫ر‬ ‫ِ‬ ‫وه فقد نرصه اَّلل ِإذ أخروه‬ ‫قال اهلل‪ِ  :‬إال تنرص‬
‫ُ‬ ‫اُ‬ ‫ْ ْ ا ا‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫كينته‬ ‫اح ِب ِه ال حتزن إِن اَّلل معنا فأنزل اَّلل س ِ‬
‫ار ِإذ يقول لِص ِ‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫يف‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ِإذ‬
‫عليْ ِه‪ ،"1"‬قال املفرسون‪ :‬الصاحب‪ :‬هو أبو بكر الصديق‪ ،‬وهو املزنل عليه‬
‫يب صىل اهلل عليه وآهل وسلم ما زالت عليه السكينة‪ ،‬قال‬ ‫السكينة ألن ّ‬
‫انل ّ‬
‫احلسن ابلرصي ريض اهلل عنه‪ :‬اعتب اهلل مجيع أهل األرض غري أيب بكر‬
‫اَّلل‪ ‬اآلية‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫وه فق ْد نرص ُه ا ُ‬ ‫ريض اهلل عنه فقال‪ :‬إال تنْ ُ ُ‬
‫رص ُ‬
‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫اذلي يُ ْؤيت م ُ‬‫ا‬ ‫ُ اُ ْ ْ‬
‫اهل يزتىك‪ ،‬وما ِألح ٍد ِعند ُه ِم ْن نِعم ٍة جتزى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫ىق‬ ‫ت‬‫‪‬وسيجنبها األ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬
‫ِإال ابْ ِتغاء وو ِه ربِّ ِه األىلع‪ ،‬ولس ْوف ي ْرىض ‪ ،"2"‬نزلت يف أيب بكر ريض اهلل‬
‫عنه كما يف اتلفاسري‪ ،‬وعنه ريض اهلل عنه قال‪ :‬قلت للنيب صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم وأنا يف الغار لو أن أحدهم نظر حتت قدمه ألبرصنا قال‪( :‬ما‬
‫ظنك يا أبا بكر باثنني اهلل ثاثلهما)‪ ،‬أخروه ابلخاري ومسلم‪ ،‬وأخروا‬
‫عن عمرو بن العاص قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل أي انلاس أحب إيلك؟ قال‪:‬‬
‫اعئشة فقلت‪ :‬من الروال؟ قال أبوها‪ ،‬قال قلت ثم من؟ قال‪ :‬عمر بن‬
‫اخلطاب إن اهلل يكره فو السماء أن خيطأ أبو بكر الصديق يف األرض‪.‬‬
‫وعن اعئشة أم املؤمنني ريض اهلل عنها وعن أبيها قالت‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫‪ -1‬اتلوبة آية ‪.40‬‬


‫‪ -2‬الليل آية ‪.21-17‬‬

‫‪168‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم يف مرضه‪( :‬اديع يل أباك وأخاك حىت أكتب‬
‫ً‬
‫كتابا فإين أخاف أن يتمىن متمن ويقول قائل أنا أوىل ويأىب اهلل واملؤمنون‬
‫إال أبابكر)"رواه مسلم"‪.‬‬
‫وعن أيب موىس األشعري ريض اهلل عنه قال‪ :‬مرض انليب صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪ ،‬فاشتد مرضه‪ ،‬فقال‪ُ ( :‬مروا أبا بكر فليصل بانلاس)‪ ،‬فقالت‬
‫اعئشة‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أبا بكر رول رقيق القلب‪ ،‬إذا قام مقامك لم‬
‫يستطع أن يصيل بانلاس‪ ،‬فقال‪ُ ( :‬مري أبا بكر فليصل بانلاس)‪ ،‬فعادت‬
‫فقال‪ُ ( :‬مري أبا بكر فليصل بانلاس‪ ،‬فإنكن صواحب يوسف)‪ ،‬فأتاه‬
‫الرسول فصىل بانلاس يف حياة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬أخروه‬
‫ابلخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن عمار بن يارس قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أتاين‬
‫ً‬
‫وربيل آنفا فقلت‪ :‬يا وربيل حدثين بفضائل عمر بن اخلطاب؟ فقال‪ :‬يا‬
‫حممد لوحدثتك بفضائل عمر منذ ما بلث نوح يف قومه ألف سنة إال‬
‫ً‬
‫مخسني اعما ما نفدت فضائل عمر‪ ،‬وإن عمر حسنة من حسنات أيب‬
‫بكر)"‪ ،"1‬وعن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫(أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل اجلنة من أميت)"‪ ،"2‬وعن عمر بن‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه احلاأم وأبو داود‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اخلطاب أنه قال‪( :‬أبو بكر سيدنا وخرينا وأحبنا إىل رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم) رواه الرتمذي وقال‪ :‬صحيح‪ ،‬وعنه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ما ألحد عندنا يد إال وقد اكفأناه إال أبا بكر‬
‫ً‬
‫فإن هل عندنا يدا يكافئه اهلل بها يوم القيامة‪ ،‬وما نفعين مال أحد قط ما‬
‫نفعين مال أيب بكر)"‪ ،"1‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن اهلل بعثين‬
‫وماهل)"رواه‬
‫إيلكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساين بنفسه‬
‫ابلخاري"‪ ،‬وعن ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه أنه قال‪" :‬أيها انلاس أخربوين من هو‬
‫ً‬
‫أشجع انلاس؟ قالوا‪ :‬أنت قال‪ :‬إين ما بارزت أحدا إال انتصفت منه‪،‬‬
‫ولكن أخربوين بأشجع انلاس؟ قالوا ال نعلم‪ ،‬فمن؟ قال‪ :‬أبو بكر‪ ،‬إنه ملا‬
‫ً‬
‫اكن يوم بدر وعلنا لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم عريشا فقلنا‪ :‬من‬
‫يكون مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ئلال يهوي إيله أحد من‬
‫ً‬
‫املرشكني‪ ،‬فواهلل ما دنا منا أحد إال أبو بكر شاهرا بالسيف ىلع رأس‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم ال يهوي إيله أحد إال أهوى إيله‪،‬‬
‫فلهذا اكن أشجع انلاس" ذكره السيويط يف الرسالة املذكورة‪.‬‬
‫وفيها ويف (أسىن املطالب) البن حجر امليك أخرج الزبار وأبو نعيم يف‬
‫فضائل الصحابة عن ّ‬
‫يلع كرم اهلل ووهه أنه قال‪ :‬أيها انلاس أخربوين‬
‫بأشجع انلاس؟ قالوا‪ :‬ال نعلم فمن؟ قال‪ :‬أبو بكر‪ ،‬لقد رأيت رسول اهلل‬

‫‪ -1‬رواه الرتمذي‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم وأخذته قريش فهذا جيؤه‪ ،‬وهذا يتله‪ ،‬وهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقولون‪ :‬أنت اذلي وعلت اآلهلة إهلا واحدا قال‪ :‬فواهلل ما دنا منا أحد إال‬
‫أبو بكر‪ ،‬يرضب هذا‪ ،‬وجيأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول‪ :‬ويلكم أتقتلون‬
‫ً‬
‫روال أن يقول ريب اهلل‪ ،‬ثم رفع ّ‬
‫يلع بردة اكنت عليه‪ ،‬فبىك حىت اخضلت‬
‫حليته‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنشدأم أمؤمن آل فرعون خري أم أبو بكر؟ فسكت‬
‫القوم فقال‪ :‬أال جتيبوين؟ فواهلل لساعة من أيب بكر‪ ،‬خري من مثل مؤمن‬
‫آل فرعون ذاك رول يكتم إيمانه‪ ،‬وهذا رول أعلن إيمانه‪.‬‬
‫وأخرج الزبار عن أسيد بن صفوان قال‪ :‬ملا تويف أبو بكر سيج بثوب‬
‫فارجتت املدينة بابلاكء‪ ،‬ودهش انلاس كيوم قبض رسول اهلل صىل اهلل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عليه وآهل وسلم‪ ،‬وواء يلع كرم اهلل ووهه مرساع مسرتوعا‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫"ايلوم انقطعت خالفة انلبوة"‪ ،‬حىت وقف ىلع باب ابليت اذلي فيه أبو‬
‫ً‬
‫بكر فقال‪" :‬رمحك اهلل أبا بكر‪ ،‬كنت أول القوم إسالما وأخلصهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إيمانا‪ ،‬وأشدهم يقينا‪ ،‬وأخوفهم هلل‪ ،‬وأعظمهم عناء‪ ،‬وأحفظهم ىلع رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وأحدهم ىلع اإلسالم‪ ،‬وآمنهم ىلع الصحابة‪،‬‬
‫وأحسنهم صحبة‪ ،‬وأفضلهم مناقب‪ ،‬وأكرثهم سوابق‪ ،‬وأرفعهم دروة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأقربهم من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وأشبههم به هديا وخلقا‬
‫ً‬
‫وسنا‪ ،‬وأوثقهم عنده وأرشفهم مزنلة‪ ،‬وأكرمهم عليه‪ ،‬فجزاك اهلل عن‬
‫ً‬
‫اإلسالم‪ ،‬وعن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم وعن املسلمني خريا"‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فضائل سيدنا عمر الفاروق ريض اهلل عنه‬

‫أخرج الرتمذي عن عقبة بن اعمر قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪( :‬لو اكن بعدي نيب لاكن عمر بن اخلطاب)‪ ،‬وروي عن ابن عمر‪:‬‬
‫أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬إن اهلل وعل احلق ىلع لسان‬
‫عمر وقلبه)"‪ ،"1‬قال ابن عمر‪" :‬ما نزل بانلاس أمر قط فقالوا هل وقال إال نزل‬
‫القرآن ىلع حنو ما قال عمر"‪ ،‬وعن ابن عباس‪" :‬ملا أسلم عمر نزل وربيل‬
‫عليه السالم فقال‪ :‬يا حممد لقد استبرش أهل السماء بإسالم عمر" "رواه ابن‬

‫ماوه"‪ ،‬وعنه قال‪ :‬ملا أسلم عمر قال املرشكون‪ :‬قد انتصف القوم ايلوم منا‬
‫ْ ْ‬ ‫ا‬ ‫وأنزل اهلل‪ :‬يا أ نيها انلا ن‬
‫يب ح ْسبُك ا ُ‬
‫اَّلل وم ِن اتبعك ِمن ال ُمؤ ِم ِنني‪ ،"2"‬وعن‬ ‫ِ‬
‫ابن عمر قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬هذا غلق الفتنة‬
‫وأشار بيده إىل عمر‪ ،‬ال يزال بينكم وبني الفتنة باب شديد الغلق ما‬
‫اعش هذا بني أظهركم)"رواه الزبار"‪ ،‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن‬
‫الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إال خر لووهه)"‪ ،"3‬وقال عليه الصالة‬
‫والسالم‪( :‬إن الشيطان يلفر منك يا عمر)"‪ ،"4‬وقال صىل اهلل عليه وآهل‬

‫‪ -1‬رواه الرتمذي والطرباين وابن حبان‪.‬‬


‫‪ -2‬األنفال آية ‪.64‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه أمحد والزبار‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وسلم‪( :‬عمر بن اخلطاب رساج أهل اجلنة)"‪ ،"1‬وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫(قال يل وربيل يلبك اإلسالم ىلع موت عمر)"‪ ،"2‬وروي الرتمذي عن وابر‬
‫بن عبد اهلل أن عمر قال أليب بكر‪ :‬أخري انلاس بعد رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم فقال هل‪ :‬أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم يقول‪( :‬ما طلعت الشمس ىلع رول خري من عمر)‪ ،‬وقال‬
‫عليه الصالة والسالم‪( :‬ما يف السماء ملك إال وهو يوقر عمر)"‪ ،"3‬وعن يلع‬
‫ا‬
‫كرم اهلل ووهه قال‪" :‬كنا أصحاب حممد ال نشك أن السكينة تنطق ىلع‬
‫لسان عمر" رواه غري واحد"‪ ،"4‬وعن أسماء بنت عميس قالت‪" :‬دخل رول‬
‫من املهاورين ىلع أيب بكر‪ ،‬وهو يشتيك يف مرضه فقال هل‪ :‬أتستخلف‬
‫علينا عمر وقد عتا علينا وال سلطان هل؟ فكيف لو ملكنا اكن أعىت‬
‫وأعىت‪ ،‬فكيف تقول هلل إذا لقيته؟ فقال أبو بكر‪ :‬أولسوين فلما أولسوه‬
‫قال‪ :‬أنا هلل تعرفوين؟ فإين أقول إذا لقيته‪ :‬استخلفت عليهم خري أهلك""‪."5‬‬
‫ْ‬
‫وقال معاوية لصعصعة بن صوحان‪ِ :‬صف يل عمر بن اخلطاب‪ ،‬قال‪" :‬اكن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعملا برعيته‪ ،‬اعدال يف نفسه‪ ،‬قليل الكرب‪ ،‬قبوال للعذر‪ ،‬سهل احلجاب‪،‬‬

‫‪ -1‬رواه أمحد يف فضائل الصحابة‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث‪.‬‬
‫‪ -4‬ذكره السيويط يف وامع األحاديث وعزاه أليب نعيم يف احللية وابليهيق يف ادلالئل‪.‬‬
‫‪ -5‬رواه عبد الرزا وابن راهويه‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مفتوح ابلاب‪ ،‬متحري الصواب‪ ،‬بعيدا من اإلساءة‪ ،‬رفيقا بالضعيف‪ ،‬غري‬
‫ً‬
‫صخاب‪ ،‬كثري الصمت‪ ،‬بعيدا من العبث""‪ ،"1‬ويف طبقات ابن السبيك‪ ،‬عن‬
‫أيب بكرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬وقف أعرايب ىلع أمري املؤمنني عمر بن‬
‫اخلطاب ريض اهلل عنه فقال‪:‬‬
‫يــــــا عمــــــر اخلــــــري وزيــــــت اجلنــــــة‬
‫ْ‬
‫ـــــــــــس بنيـــــــــــايت وأمهنـــــــــــه‬
‫ِ‬ ‫اك‬
‫أقسم باهلل تلفعلنه فقال عمر‪ :‬وإن لم أفعل يكون ماذا؟ فقال األعرايب‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا أبا حفص ألمضينه قال‪ :‬فإن مضيت يكون ماذا؟ قال‪:‬‬
‫واهلل عـــــــــــــنهن لتســـــــــــــأنله‬
‫يـــــوم يكـــــون األعطيـــــات ثنـــــه‬
‫"‪"2‬‬

‫والواقــــــــف املســــــــئول بينهنــــــــه‬


‫إمـــــــا إىل نـــــــار وإمـــــــا ونـــــــة‬
‫فبىك عمر حىت اخضلت حليته‪ ،‬وقال لغالمه‪ :‬يا غالم أعطه قمييص هذا‬
‫ْ‬
‫لشعره‪ ،‬ثم قال‪" :‬واهلل ال أملك غريه""‪."3‬‬
‫ذللك ايلوم ال ِ‬
‫وقال أبو بكر اخلرائطي‪ :‬رحم اهلل عمر ما اكن أنظره بنور اهلل يف ذات‬
‫اهلل وأفرسه اكن واهلل كما قال الشاعر‪:‬‬

‫‪ -1‬ذكره ادلينوري يف املجالسة ووواهر العلم‪.‬‬


‫‪ -2‬أي ثمة أبدل امليم نونا ويه لغة‪.‬‬
‫‪ -3‬ذكره السبيك يف طبقات الشافعية‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بصـــــــري بأعقـــــــاب األمـــــــور برأيـــــــه‬


‫كـــــــأن هل يف ايلـــــــوم عينـــــــا ىلع غـــــــد‬

‫وورد فيهما قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إذا اكن يوم القيامة نادى‬
‫مناد ال يرفعن أحد من هذه األمة كتابه قبل أيب بكر وعمر)"‪ ،"1‬وقوهل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن اهلل تعاىل أيدين بأربعة وزراء‪ :‬اثنني من أهل‬
‫السماء وربيل ومياكئيل‪ ،‬واثنني من أهل األرض أيب بكر وعمر)"‪ ،"2‬وقال‬
‫نيب خاصة من أصحابه‪ ،‬وإن خاصيت‬ ‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إن ل‬
‫من أصحايب أبوبكر وعمر)"‪ ،"3‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬حب أيب‬
‫بكر وعمر إيمان وبغضهما نفا )"‪ ،"4‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫(خري أميت أبو بكر وعمر)"‪ ،"5‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬سيد كهول‬
‫اجلنة أبو بكر وعمر)"‪ ،"6‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬صالح املؤمنني‬

‫‪ -1‬عزاه السيويط البن عساكر‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬عزاه السيويط البن عساكر‪.‬‬
‫‪ -5‬رواه ابن عساكر يف تاريخ دمشق‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه أمحد والرتمذي وابن ماوه والطرباين والزبار وابن حبان‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫أبو بكر وعمر)"‪ ،"1‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬ما قدمت أبا بكر وعمر‬
‫ولكن اهلل قدمهما)"‪ ،"2‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أحرش أنا وأبو‬
‫بكر وعمر هكذا وأخرج السبابة والوسطي وابلنرص)"‪."3‬‬

‫فضائل سيدنا عثمان بن عفان ريض اهلل عنه‬

‫قال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬عثمان بن عفان ِّ‬


‫وِل يف ادلنيا ووِل يف‬
‫اآلخرة)‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬إن عثمان حيي ستري‪ ،‬تستيح منه‬
‫املالئكة)"‪ ،"4‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬عثمان أحىي أميت‬
‫نيب رفيق يف اجلنة‬ ‫وأكرمها)"‪ ،"5‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬ل‬
‫ورفييق فيها عثمان)"‪ ،"6‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬يلدخلن بشفاعة‬
‫ً‬
‫عثمان سبعون ألفا لكهم قد استووبوا انلار اجلنة بغري حساب)"‪ ،"7‬وقال‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬يلدخلن اجلنة بشفاعة رول من أميت أكرث من‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -2‬كزن العمال‪.‬‬
‫‪ -3‬كزن العمال‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -5‬ذكره املتيق اهلندي يف كزن العمال وعزاه أليب نعيم يف احللية‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه ابن ماوه‪.‬‬
‫‪ -7‬كزن العمال‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بين تميم)‪ ،‬قال املناوي‪ :‬قيل هو عثمان"‪ ،"1‬وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬ل‬
‫نيب خليل يف أمته‪ ،‬وإن خلييل عثمان بن عفان)"‪ ،"2‬وقال صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪( :‬امهلل ارض عن عثمان فإين عنه راض)"‪ ،"3‬قال ابن إسحا ‪:‬‬
‫أنفق عثمان يف ويش العرسة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‪ ،‬وروي عن‬
‫قتادة أنه قال‪ :‬محل عثمان ريض اهلل عنه يف ويش العرسة ىلع ألف بعري‬
‫ً‬
‫وسبعني فرسا‪ ،‬وعن حذيفة بن ايلمان ريض اهلل عنه‪ :‬أن عثمان ريض اهلل‬
‫عنه واء يومئذ بعرشة آالف دينار فصبت بني يديه صىل اهلل عليه وآهل‬
‫ً‬
‫وسلم‪ ،‬فجعل صىل اهلل عليه وآهل وسلم يقول بيده ويقلبها ظهرا بلطن‬
‫ويقول‪( :‬غفر اهلل لك يا عثمان ما أرسرت وما أعلنت وما هو اكئن إىل يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ما يبايل عثمان بعدها)"‪ ،"4‬وروى ابليهيق عن عبد الرمحن بن‬
‫خباب ريض اهلل عنه قال‪ :‬خطب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫فحث انلاس ىلع ويش العرسة‪ ،‬فقال عثمان‪ّ :‬‬
‫يلع مائة بعري بأحالسها‬
‫وأقتابها‪ ،‬ثم نزل مرقاة أخرى من املنرب‪ ،‬فحث انلاس فقال عثمان‪ّ :‬‬
‫يلع‬
‫مائة بعري أخرى بأحالسها وأقتابها‪ ،‬ثم نزل مرقاة أخرى‪ ،‬فحث فقال‬
‫عثمان‪ّ :‬‬
‫يلع مائة بعري أخرى بأحالسها وأقتابها‪ ،‬قال فرأيت رسول اهلل صىل‬

‫‪ -1‬رواه أمحد واحلاأم وابن حبان‪.‬‬


‫‪ -2‬كزن العمال‪.‬‬
‫‪ -3‬كزن العمال‪.‬‬
‫‪ -4‬ذكره أبو نعيم يف فضائل الصحابة‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫اهلل عليه وآهل وسلم يقول بيده هكذا‪ ،‬حيركها اكملتعجب وقال‪( :‬ما ىلع‬
‫عثمان بعد هذا ايلوم)‪.‬‬
‫وقد ورد يف حق اثلالثة قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬إذا أنا مت وأبو‬
‫بكر وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت)"‪."1‬‬
‫فضائل اإلمام يلع املرتىض ريض اهلل عنه وكرم وجهه‬

‫قال عليه الصالة والسالم‪( :‬من كنت مواله فع ّ‬


‫يل مواله)"‪ ،"2‬وقال صىل‬
‫فليأت‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ويلع بابها‪ ،‬فمن أراد العلم‬ ‫اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أنا مدينة العلم‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويلع‬ ‫ابلاب)"‪ ،"3‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أنا دار احلكمة‬
‫بابها)"‪ ،"4‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬خري إخواين ّ‬
‫يلع وخري أعمايم‬
‫يلع أيخ يف ادلنيا‬ ‫محزة)"‪ ،"5‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ّ ( :‬‬
‫ًّ‬
‫"‪"7‬‬
‫عليا فقد آذاين)‬ ‫واآلخرة)"‪ ،"6‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬من آذي‬
‫ًّ‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم‪( :‬من ا‬
‫عليا فقد سبين ومن سبين فقد‬ ‫سب‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -2‬رواه أمحد واحلاأم والرتمذي والنسايئ وابن ماوه وغريهم‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه احلاأم والطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬رواه الرتمذي‪.‬‬
‫‪ -5‬ذكره أبو نعيم يف معرفة الصحابة‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -7‬رواه أمحد واحلاأم وابن حبان‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ا‬
‫سب اهلل)"‪ ،"1‬وحينما استخلفه ىلع املدينة يوم غزوة تبوك أروف املنافقون‬
‫ً‬
‫بأنه إنما خلفه استثقاال‪ ،‬فأخذ سالحه وأىت انليب صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم‪ ،‬وأخربه اخلرب فقال‪( :‬كذبوا‪ ،‬ولكن خلفتك ملا تركت ورايئ‪ ،‬فاروع‬
‫يف أهيل وأهلك‪ ،‬أفال تريض يا ّ‬
‫يلع أن تكون مين بمزنلة هارون من موىس‬
‫إال أنه ال نيب بعدي فقال‪ :‬رضيت ثم رضيت ثم رضيت)"‪."2‬‬
‫قال السيد أمحد دحالن يف سريته‪" :‬قال أهل السنة‪ :‬إن هارون عليه‬
‫السالم إنما اكن خليفة يف حياة موىس عليه السالم حني ذهب إيل‬
‫امليقات‪ ،‬فدل ذلك ىلع ختصيص خالفة ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه يف أهل انليب‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم مدة غيبته يف تبوك‪ ،‬كما اكن هارون خليفة‬
‫موىس عليهما السالم يف قومه مدة غيبته عنهم للمناواة‪.‬‬
‫وقد استخلف صىل اهلل عليه وآهل وسلم غري يلع يف مرات أخر‪ ،‬فهل‬
‫يلزم أن يكون مستحقا ً للخالفة؟ وملا سئل ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه وكرم ووهه‬
‫يف زمن خالفته‪ :‬هل أوىص لك انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم باخلالفة؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬ولو أويص يل بها لقاتلت عليها‪ ،‬حىت لو لم يبق ميع إال سييف‬
‫وردايئ‪ ،‬ولو أوىص هل بها ملا بايع أبا بكر وعمر وعثمان ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫ا‬
‫وقول الرافضة إن ذلك اكن منه تقية كذب وزور‪ ،‬فإنه اكن ريض اهلل عنه‬

‫‪ -1‬رواه أمحد واحلاأم والنسايئ‪.‬‬


‫‪ -2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ذا قوة وشجاعة وقد توفرت عشريته من بين هاشم فاكنوا أهل قوة ومنعة‪،‬‬
‫فيلزم الرافضة نسبته للجنب واذلل وحاشاه اهلل من ذلك"ا‪.‬ه‪.‬‬
‫وأخرج احلافظ حمب ادلين بن انلجار يف (تاريخ بغداد) عن ابن املعتمر‬
‫مسلم بن أوس وحارثة بن قدامة السعدي أنهما حرضا ّ‬
‫يلع بن أيب طالب‬
‫ريض اهلل عنه خيطب وهو يقول‪" :‬سلوين قبل أن تفقدوين‪ ،‬فإين ال أسأل‬
‫عن يشء دون العرش إال أخربت عنه"‪ ،‬وأخرج أبو ُنعيْم يف احللية عن ّ‬
‫يلع‬
‫كرم اهلل ووهه قال‪" :‬واهلل ما نزلت آية إال وقد علمت فيم أنزلت وأين‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫نزلت؟ إن ريب وهب يل قلبا عقوال ولسانا سؤوال"‪ ،‬ويف صحيح مسلم عنه‬
‫ريض اهلل عنه أنه قال‪( :‬واذلي فلق احلبة وبرأ النسمة إنه لعهد انليب صىل‬
‫إيل‪ :‬ال حيبين إال مؤمن وال يبغضين إال منافق)‪،‬‬‫اهلل عليه وآهل وسلم ا‬

‫وأخرج ابن أيب شيبة وأبو نعيم عنه ريض اهلل عنه أنه قال ىلع منربه‪" :‬أما‬
‫إين فقأت عني الفتنة‪ ،‬وإين وأيم اهلل لوال أن تتلكوا فتدعوا العمل‬
‫حلدثتكم بما سبق ىلع لسان نبيكم صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫سلوين فإنكم ال تسألوين عن يشء فيما بينكم وبني الساعة إال‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫عليا أن أناسا‬ ‫حدثتكم"‪ ،‬وأخرج ابن أيب شيبة عن زيد بن ربيع قال‪ :‬بلغ‬
‫ً‬
‫يقولون فيه فصعد املنرب فقال‪" :‬أنشد اهلل روال سمع من انليب صىل اهلل‬
‫ً‬
‫عليه وآهل وسلم شيئا إال قام" فقام مجاعة‪ ،‬فقالوا‪ :‬نشهد أن رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم قال‪( :‬من كنت مواله فع ن‬
‫يل مواله‪ ،‬امهلل وال من وااله‬
‫واعد من اعداه)‪ ،‬وقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬أقضاأم يلع)‪ ،‬وأخرج‬

‫‪180‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫احلاأم وصححه عن ّ‬
‫يلع قال‪" :‬بعثين رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫إىل ايلمن‪ ،‬فقلت يا رسول اهلل بعثتين وأنا شاب أقيض بينهم وال أدري ما‬
‫القضاء فرضب صدري ثم قال‪( :‬امهلل اهد قلبه وثبت لسانه)‪ ،‬فواذلي فلق‬
‫احلبة ما شككت يف قضاء بني اثنني"‪ ،‬وروي أن سبب قوهل صىل اهلل عليه‬
‫ً‬ ‫وآهل وسلم‪( :‬أقضاأم ّ‬
‫يلع) أنه عليه الصالة والسالم اكن والسا مع‬
‫مجاعة من الصحابة‪ ،‬فجاء خصمان‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬يا رسول اهلل إن يل‬
‫ً‬
‫محارا وإن هلذا بقرة‪ ،‬وإن بقرته قتلت محاري‪ ،‬فبدأ رول من احلارضين‬
‫فقال‪ :‬ال ضمان ىلع ابلهائم‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬اقض بينهما‬
‫ً‬ ‫يلع)‪ ،‬فقال ّ‬
‫يا ّ‬
‫يلع هلما‪" :‬اكنا مرسلني أم مشدودين؟ أم أحدهما مشدودا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واآلخر مرسال؟" فقال‪ :‬اكن احلمار مشدودا وابلقرة مرسلة‪ ،‬وصاحبها معها‪،‬‬
‫فقال ّ‬
‫يلع‪" :‬صاحب ابلقرة ضامن احلمار"‪ ،‬فأقر صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫حكمه وأمىض قضاءه‪.‬‬
‫واكن صىل اهلل عليه وآهل وسلم إذا غضب ال جيرتئ أحد أن يكلمه إال‬
‫ّ‬
‫يلع‪ ،‬وروى ابن مسعود عن انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم أنه قال‪( :‬انلظر‬
‫إىل ّ‬
‫يلع عبادة)"‪."1‬‬
‫ومما ورد يف األربعة رضوان اهلل عليهم قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪:‬‬
‫(أرأف أميت بأميت أبو بكر‪ ،‬وأشدهم يف دين اهلل عمر‪ ،‬وأصدقهم حياء‬

‫‪ -1‬رواه احلاأم‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫عثمان وأقضاهم ّ‬
‫يلع)"‪ ،"1‬وقوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪( :‬رحم اهلل أبا‬
‫ً‬
‫بكر زووين ابنته ومحلين إىل دار اهلجرة وأعتق بالال من ماهل وما نفعين‬
‫مال يف اإلسالم ما نفعين مال أيب بكر‪ ،‬رحم اهلل عمر يقول احلق وإن اكن‬
‫ً‬
‫ُم ّرا لقد تركه احلق وماهل من صديق‪ ،‬رحم اهلل عثمان تستحييه املالئكة‬
‫ً‬
‫ووهز ويش العرسة وزاد يف مسجدنا حىت وسعنا‪ ،‬رحم اهلل عليا امهلل أدر‬
‫احلق معه حيث دار)"‪ ،"2‬وقد ورد يف فضائل ل منهم رضوان اهلل عليهم من‬
‫الكتاب والسنة والكم األئمة ودون يف اتلواريخ والسري‪ ،‬وكتب اتلفسري‬
‫واألثر من حماسن أقواهلم وأفعاهلم وأخالقهم وأحواهلم ما لو أريد‬
‫استقصاؤه ملأل جمدلات‪ ،‬واكن ما فات أكرث مما هو آت‪.‬‬

‫تنبيه يف بيان أفضلية بعض الصحابة ىلع بعض ريض اهلل عنهم‬
‫تنبيه‪ :‬قال اللقاين يف (هداية املريد جلوهرة اتلوحيد)‪" :‬أفضل الصحابة‬
‫أهل احلديبية‪ ،‬وأفضل أهل احلديبية‪ ،‬أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر‪،‬‬
‫وأفضل أهل بدر العرشة‪ ،‬وأفضل العرشة اخللفاء األربعة‪ ،‬وأفضل األربعة‬
‫أبو بكر‪ ،‬واملراد من األفضلية أكرثية اثلواب‪.‬‬
‫ومما جيب اعتقاده أن أفضل الصحابة ريض اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬هم اذلين‬
‫ولوا اخلالفة بعده صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وبني عليه الصالة والسالم‬

‫‪ -1‬رواه أمحد والنسايئ وابن حبان‪.‬‬


‫‪ -2‬رواه الرتمذي واحلاأم و الطرباين‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مدتها بقوهل‪( :‬اخلالفة بعدي ثالثون سنة ثم تصري ملاك عضوضا) ‪ ،‬فقد‬
‫"‪"1‬‬

‫رصح الكمه عليه الصالة والسالم بأن األئمة األربعة أفضل الصحابة‪،‬‬
‫ا‬
‫ألن هذه املدة اكنت دور واليتهم‪ ،‬وترتيبهم يف الفضل ىلع حسب ترتيبهم‬
‫ً‬
‫يف اخلالفة‪ ،‬فاألسبق فيها أكرثهم فضال ثم اتلايل فاتلايل عند أهل السنة‬
‫وإماميهم أيب احلسن األشعري وأيب منصور املاتريدي‪ ،‬فأفضلهم أبو بكر‬
‫فعمر‪ ،‬فعثمان‪ ،‬فع ّ‬
‫يل‪ ،‬رضوان اهلل عليهم‪.‬‬
‫قال اإلمام الغزايل‪" :‬حقيقة الفضل ما هو عند اهلل تعاىل وذلك مما ال يطلع‬
‫عليه إال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وقد ورد اثلناء عليهم يف‬
‫أخبار كثرية‪ ،‬وال يدرك دقائق الفضل والرتتيب فيه إال املشاهدون للويح‬
‫واتلزنيل بقرائن األحوال‪ ،‬فلوال فهمهم ذلك ملا رتبوا األمر كذلك إذ اكنوا‬
‫ال تأخذهم يف اهلل لومة الئم‪ ،‬وال يرصفهم عن احلق صارف"‪ ،‬وحنوه قول‬
‫السعد‪ :‬ىلع هذا وودنا السلف واخللف‪.‬‬
‫والظاهر أنهم لو لم يكن هلم ديلل ىلع ذلك ملا حكموا به‪ ،‬وقوهل يف رشح‬
‫ً‬
‫املقاصد‪ :‬يدل نلا إمجاال أن مجهور عظماء امللة وعلماء األمة أطبقوا ىلع‬
‫ذلك‪ ،‬وحسن الظن بهم يقيض بأنهم لو لم يعرفوه بدالئل وأمارات ملا‬
‫ً‬
‫أطبقوا عليه" اه‪ .‬الكم اللقاين ملخصا‪.‬‬
‫ًّ‬
‫إمجاعيا‪ ،‬وهو‬ ‫قلت‪ :‬وقول السعد مجهور عظماء امللة يفيد أن ذلك ليس‬

‫‪ -1‬رواه ابن حبان والزبار‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ّ‬
‫ويلع ريض اهلل عنهما‪ ،‬فقد قال بعض أكابر‬ ‫كذلك يف الرتتيب بني عثمان‬
‫أهل السنة بتفضيل ّ‬
‫يلع ىلع عثمان ومنهم سفيان اثلوري‪ ،‬واإلمام مالك يف‬
‫قوهل األول‪ ،‬ثم روع عنه إيل تفضيل عثمان ىلع ّ‬
‫يلع‪ ،‬قال انلووي‪ :‬وهو‬
‫الصحيح‪ ،‬وقال اللقاين‪ :‬وهو األصح‪.‬‬
‫أما تفضيل أيب بكر ىلع اثلالثة وعمر ىلع االثنني فهو أمر إمجايع كما‬
‫قال العالمة ابن حجر يف خاتمة الفتاوي‪ ،‬وعبارته‪ :‬قد صح عن ّ‬
‫يلع نفسه‪:‬‬
‫خري انلاس بعد انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رول‬
‫آخر‪ ،‬فقال هل ابنه حممد ريض اهلل عنهما‪ ،‬ثم أنت يا أبت فقال‪ :‬ما أبوك إال‬
‫رول من املسلمني‪.‬‬
‫ومن ثمة أمجع أهل السنة من الصحابة واتلابعني فمن بعدهم ىلع أن‬
‫أفضل الصحابة ىلع االطال ‪ :‬أبو بكر‪ ،‬ثم عمر ريض اهلل عنهما‪ ،‬ويف‬
‫موضع آخر منها سئل أي ابن حجر‪ :‬هل األفضلية بني اخللفاء األربعة‬
‫قطعية أم اوتهادية‪ ،‬إذ ال شاهد من العقل يقطع بأفضلية بعضهم ىلع‬
‫بعض‪ ،‬واألخبار الواردة يف فضائلهم متعارضة؟ فأواب رمحه اهلل بقوهل‪" :‬إن‬
‫أفضلية أيب بكر ريض اهلل عنه ىلع اثلالثة‪ ،‬ثم عمر ريض اهلل عنه ىلع‬
‫االثنني جممع عليها عند أهل السنة ال خالف بينهم يف ذلك‪ ،‬واالمجاع‬
‫يفيد القطع‪ ،‬وأما أفضلية عثمان ىلع ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنهما فظنية‪ ،‬ألن‬
‫ًّ‬
‫بعض أكابر أهل السنة كسفيان اثلوري فضل عليا ىلع عثمان‪ ،‬وما وقع‬
‫ً‬
‫فيه خالف بني أهل السنة فظين‪ ،‬وأما األحاديث يف ذلك فمتعارضة ودا‪،‬‬

‫‪184‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بل ّ‬
‫يلع كرم اهلل ووهه ورد فيه من األحاديث املشعرة بفضله مالم يرد يف‬
‫اثلالثة‪ ،‬وأواب عنه بعض األئمة بأن سبب ذلك أنه اعش إىل زمن الفُت‬
‫وكرثت أعداؤه وقدحهم فيه‪ ،‬وحطهم عليه‪ ،‬وغمصهم حلقه بباطلهم‪ ،‬فبادر‬
‫حفاظ الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم‪ ،‬وأخرووا ما عندهم يف حقه‬
‫ً‬
‫رداع ألوئلك الفسقة املارقني واخلوارج املخذولني‪ ،‬وأما بقية اثلالثة فلم‬
‫يقع هلم ما يدعوا انلاس إيل اإلتيان بمثل ذلك االستيعاب" اه‪.‬‬
‫وقال اإلمام الشعراين يف (املنن)‪" :‬قال أبو بكر بن عياش‪ :‬لو أتاين أبو‬
‫ويلع يف حاوة‪ ،‬بلدأت حباوة ّ‬
‫يلع قبلهما لقرباه من رسول اهلل‬ ‫ّ‬ ‫بكر وعمر‬
‫ا‬
‫صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ولنئ أخر من السماء إىل األرض‪ ،‬أحب إيل من‬
‫أن أقدمه عليهما"‪.‬‬
‫قال اللقاين‪" :‬وال خييف صحة شمول الفضل لسائر أسبابه من علم‬
‫وشجاعة‪ ،‬وحسن رأي‪ ،‬وقرب من اهلل ورسوهل وحمبة هلما ومنهما"‪.‬‬
‫لطيفة‪:‬‬
‫قرأت يف طبقات ابن السبيك يف ترمجة احلارث بن رسيج أن داود بن ّ‬
‫يلع‬
‫األصفهاين قال‪ :‬سمعت احلارث بن رسيج يقول‪ :‬سمعت إبراهيم بن عبد‬
‫ً‬
‫اهلل احلجيب يقول للشافيع ريض اهلل عنه‪ :‬ما رأيت هاشميا قط يفضل أبا‬
‫بكر وعمر ريض اهلل عنهما ىلع يلع كرم اهلل ووهه غريك‪ ،‬فقال الشافيع‪:‬‬
‫يلع ابن عيم وابن خاليت وأنا رول من بين عبد مناف وأنت رول من بين‬
‫عبد ادلار‪ ،‬فلو اكنت هذه مكرمة كنت أوىل بها منك ولكن ليس األمر‬

‫‪185‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ىلع ما حيسب‪.‬‬
‫وروي عنه ريض اهلل عنه أنه قال‪" :‬اضطرب انلاس بعد رسول اهلل صىل‬
‫ً‬
‫اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فلم جيدوا حتت أديم السماء خريا من أيب بكر‬
‫فذللك استعملوه ىلع رقاب انلاس""‪."1‬‬

‫تنبيه‪ :‬فيه أن فضل لك فريق من أهل ابليت والصحابة هو من مجلة‬


‫فضائل الفريق اآلخر‬

‫تنبيه‪ :‬قد ظهر ذلهين القارص معىن رشيف‪ ،‬وحجة قوية يف تأييد مذهب‬
‫أهل السنة اجلامعني بني حب الصحابة واآلل وتزييف مذهب املفرقني‬
‫بينهم من أهل الرفض والضالل‪ ،‬وذلك أن مجيع ما ثبت من فضل الصحابة‬
‫رضوان اهلل عليهم‪ ،‬هو يف احلقيقة من فضائل أهل بيت انلبوة‪ ،‬زيادة ىلع‬
‫ما نالوه بانتسابهم إىل حرضة صاحب الرسالة من الفضل‪ ،‬فإنهم صحابة‬
‫ودهم األعظم صىل اهلل عليه وآهل وسلم ال صحابة نيب سواه‪ ،‬وهم وإن‬
‫اكنوا يف أنفسهم فضالء نبالء حائزين من ل وصف مجيل حمضه وبلابه‬
‫إال أن أفضليتهم ىلع من سواهم من األمة إنما يه لفوزهم بتلك الصحبة‬
‫الرشيفة اليت ال يوازيها عمل اعمل‪ ،‬وال اوتهاد جمتهد‪ ،‬وما يلزمها من‬
‫ً‬
‫اقتباس األنوار واألرسار‪ ،‬فضال عن فدائهم هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬

‫‪ -1‬رواه ابليهيق‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫بكل ما قدروا عليه من نفس ومال وودل ووادل وخوض كثري منهم أمامه‬
‫يف غمار احلروب‪ ،‬وخمالطتهم املنايا‪ ،‬حىت ظهر دين اهلل املبني‪ ،‬وخفقت‬
‫أعالمه يف العاملني وإال فإنا جند يف اتلابعني فمن بعدهم من هو أعلم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وأعبد وأروع وأزهد وأكرث حربا ووهادا وطعانا ووالدا من بعض صغار‬
‫الصحابة اذلين لم تطل صحبتهم هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬ولم يالزموه‬
‫ً‬
‫يف كثري من مواطنه الرشيفة وغزواته املظفرة‪ ،‬ومع هذا فأقلهم فضال‬
‫أفضل من أفضل اتلابعني‪ ،‬فمن بعدهم إيل يوم القيامة‪.‬‬
‫فتلخص أنه صىل اهلل عليه وآهل وسلم هو األصل اذلي تفرع عنه فضل‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬وكذا مجيع ما ثبت ألهل ابليت من الفضل‬
‫ً‬
‫هو أيضا حيسب من فضائل الصحابة الكرام زيادة ىلع ما اتصفوا به من‬
‫الفضل والفخر بصحبتهم هل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فإنهم ذرية نبيهم‬
‫اذلي استنقذهم من ظلمات الرشك‪ ،‬وزوهم يف أنوار اتلوحيد‪ ،‬وفازوا بما‬
‫فازوا به بسببه من السيادة ادلنيوية والسعادة األبدية وذريته صىل اهلل‬
‫وهو انليب عليه الصالة‬ ‫عليه وآهل وسلم بعضه‪ ،‬فكما أن فضل ال‬
‫والسالم هو زيادة يف فضل أصحابه اذلي هو متفرع عن فضله فكذلك‬
‫بعضه وهم اذلرية الطاهرة‪ ،‬فإن فضلهم فرع عن فضله صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪.‬‬
‫فقد علمت أن أصل الفضلني فضل اذلرية‪ ،‬وفضل الصحابة هو رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬وهما فراعن عن أصل واحد‪ ،‬فمهما حصل‬

‫‪187‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ألحدهما من مدح أو ذم البد وأن يتعدى إيل اآلخر‪.‬‬


‫فلعنة اهلل ىلع من فر بينهما بوالء بعضهم ومعاداة ابلعض فإن من‬
‫اعدى أحدهما لم ينفعه والء اآلخر‪ ،‬واكن عدو اهلل ورسوهل وملن الزتم والءه‬
‫يلع زين العابدين ريض اهلل عنهما حني‬ ‫أيضا ً‪ ،‬وانظر إيل سيدنا زيد بن ّ‬
‫خرج ىلع هشام بن عبد امللك فقد بايعه وقتئذ ناس كثري من أهل‬
‫الكوفة‪ ،‬وطلبوا منه أن يتربأ من الشيخني أيب بكر وعمر يلنرصوه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ً‬
‫الك بل أتوالهما فقالوا‪ :‬إذا نرفضك‪ ،‬فقال‪ :‬اذهبوا فأنتم الرافضة فسموا‬
‫رافضة من حينئذ‪ ،‬وواءت طائفة وقالوا‪ :‬حنن نتوالهما ونتربأ ممن يتربأ‬
‫منهما فقبلهم‪ ،‬وقاتلوا معه فسموا الزيدية‪ ،‬غري أنهم خلف من بعدهم‬
‫خلف خرووا عن مذهب زيد‪ ،‬وبيق عليهم االسم فقط فمن أراد سعادة‬
‫ً‬
‫ادلارين فعليه بمحبة الطرفني‪ ،‬ملزتما يف ذلك الطريق الرشيع غري حائد‬
‫عن سنن السلف واخللف‪ ،‬وهو مذهب أهل السنة السنية‪ ،‬وهداة امللة‬
‫احلنيفية أماتنا اهلل ىلع ذلك غري مبدلني‪ ،‬وال مغريين‪ ،‬وال مفتونني‪ ،‬وال‬
‫فاتنني‪.‬‬
‫قال ابن السبيك يف الطبقات‪" :‬قال اإلمام عبد اهلل بن املبارك ريض اهلل‬
‫عنه‪:‬‬
‫إين امـــــــرؤ لـــــــيس يف ديـــــــين لغـــــــامزه‬
‫لــــــني ولســــــت ىلع اإلســــــالم طعانــــــا‬
‫فـــــال أســـــب أبـــــا بكـــــر وال عمـــــرا‬

‫‪188‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ولـــــــن أســـــــب معـــــــاذ اهلل عثمانـــــــا‬


‫وال الــــــــزبري حــــــــواري الرســــــــول وال‬
‫ً‬
‫أهـــــدي لطلحـــــة شـــــتما عـــــز أو هانـــــا‬
‫وال أقـــــــــــــول يلع يف الســـــــــــــحاب إذا‬
‫ً‬
‫قـــــد قلـــــت واهلل ظلمـــــا ثـــــم عـــــدوانا‬

‫ويه قصيدة طويلة منها‪:‬‬


‫اهلل يـــــــــدفع بالســـــــــلطان معضـــــــــلة‬
‫عــــــن ديننــــــا رمحــــــة منــــــه ورضــــــوانا‬
‫لـــــوال األئمـــــة لـــــم تـــــأمن نلـــــا ســـــبل‬
‫ً‬
‫واكن أضــــــــــعفنا نهبــــــــــا ألقوانــــــــــا‬

‫وقيل‪ :‬إن هارون الرشيد أعجبه‪ ،‬وملا بلغه موت ابن املبارك أذن للناس أن‬
‫يعزوه فيه‪ ،‬وقال أليس هو القائل اهلل "يدفع" ابليتني" اه‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬تفريعك هذين الفرعني أهل ابليت والصحابة رضوان اهلل‬
‫عليهم عن األصل الواحد وهو انليب صىل اهلل عليه وآهل وسلم بالصفة اليت‬
‫ذكرتها يشعر بتفضيل اذلرية الطاهرة ىلع الصحابة الكرام رضوان اهلل ىلع‬
‫اجلميع‪.‬‬

‫قلت‪ :‬نعم وهو كذلك من حيث أنهم ذريته صىل اهلل عليه وآهل وسلم ال‬

‫‪189‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫من ل حيثية‪ ،‬وهذا مما ال يشتبه فيه اعقل‪ ،‬فإن اذلرية الطاهرة من هذه‬
‫احليثية أفضل العاملني ىلع االطال ‪ ،‬فإن ذلك يروع تلفضيله عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وال يشك مؤمن بأنه أفضل اخللق اكفة وهو بمزنلة قولك ودهم‬
‫عليه الصالة والسالم أفضل من ل ود‪ ،‬وهل يرتاب يف هذا مؤمن‪ ،‬ومن‬
‫هنا قال اإلمام السبيك وغريه يف حق السيدة فاطمة ريض اهلل عنها‪ :‬ال‬
‫ً‬
‫نفضل ىلع بضعة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم أحدا فأنت تراهم‬
‫وصفوها بابلضعية اليت يه داعية اتلفضيل ىلع أمها خدجية ومريم‬
‫واعئشة‪ ،‬ولم يقولوا ال نفضل ىلع زووة ّ‬
‫يلع أو أم احلسنني أو غري ذلك من‬
‫أوصافها الرشيفة‪ ،‬وهذا املعين مووود يف سائر أوالده وبناته صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪ ،‬وأوالد فاطمة خصوصية منه صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪ ،‬فهم من‬
‫تلك احليثية أفضل انلاس‪ ،‬ورصح بأفضلية السيدة فاطمة ىلع مجيع‬
‫الصحابة الشيخني فمن عداهما الشمس العلقيم‪ ،‬وقيده املناوي حبيثية‬
‫ابلضعية قال‪ :‬فإن الشيخني بل اخللفاء األربعة أفضل منها من حيث‬
‫املعرفة والعلم ورفع منار اإلسالم‪ ،‬وهلذا نبه العالمة اللقاين يف رشح‬
‫اجلوهرة بعد ذكر أفضلية اخللفاء األربعة ىلع من سواهم بقوهل‪ :‬ال يش‬
‫احلكم املذكور باذلرية الرشيفة ألنه ال من حيث ابلضعية املكرمة يعين‬
‫وأما من حيث ابلضعية فاذلرية أفضل‪.‬‬

‫فاعلم ذلك واعرف مزنلة أهل بيت انلبوة وما خوهلم اهلل من الفضل‬

‫‪190‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫الوهيب‪ ،‬واختصهم به من الرشف القريب‪.‬‬


‫هــــم القــــوم مــــن أصــــفاهم الــــود خملصــــا‬
‫تمســــــك يف آخــــــراه بالســــــبب األقــــــوى‬
‫هـــــم القـــــوم فـــــاقوا العـــــاملني مناقبـــــا‬
‫حماســـــــنهم حتـــــــىك وآيـــــــاتهم تـــــــروى‬
‫مـــــــواالتهم فـــــــرض وحـــــــبهم هـــــــدى‬
‫وطــــــــــاعتهم ود وودهــــــــــم تقــــــــــوى‬

‫اعلم أن املحبة املعتربة ما اكنت مع اتباع حمبتهم‬

‫قال يف اإلسعاف‪" :‬واعلم إن املحبة املعتربة املمدوحة يه ما اكنت مع‬


‫اتباع لسنتهم املحبوبة إذ جمرد حمبتهم من غري اتباع لسنتهم كما تزعمه‬
‫ً‬
‫الشيعة والرافضة من حمبتهم مع جمانبتهم للسنة ال تفيد مدعيها شيئا من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اخلري بل تكون عليه وباال وعذابا يف ادلنيا واآلخرة‪ ،‬ىلع أن هذه ليست‬
‫حمبة يف احلقيقة إذ حقيقة املحبة امليل إيل املحبوب‪ ،‬وإيثار حمبوباته‬
‫ومرضياته ىلع حمبوبات انلفس‪ ،‬ومرضياتها واتلأدب بأخالقه وآدابه‪ ،‬ومن‬
‫يلع كرم اهلل ووهه‪" :‬ال جيتمع حيب وبغض أيب بكر وعمر‪ :‬أي‬ ‫ثم قال ّ‬
‫ألنهما ضدان وهما ال جيتمعان""‪."1‬‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬
‫ً‬
‫وأخرج ادلارقطين مرفواع‪" :‬يا أبا احلسن أما أنت وشيعتك يف اجلنة وأن‬
‫ً‬
‫قوما يزعمون أنهم حيبونك يصغرون اإلسالم‪ ،‬ثم يلفظونه‪ ،‬يمرقون منه‬
‫كما يمر السهم من الرمية هلم نبذ يقال هلم الرافضة فإذا أدركتهم‬
‫فقاتلهم‪ ،‬فإنهم مرشكون"‪ ،‬قال ادلارقطين‪" :‬وهلذا احلديث عندنا طرقات‬
‫كثرية" اه‪.‬‬
‫وقوهل‪ :‬الشيعة والرافضة أراد غالة الشيعة‪ ،‬فيكون عطف الرافضة‬
‫عليهم عطف مرادف أو عطف تفسري‪ ،‬أما شيعتهم اذلين لم يفارقوا‬
‫سنتهم من حمبة الصحابة ومعرفة منازهلم يف الفضل فهم القوم األخيار‬
‫املربؤون من ل اعر‪ ،‬وهم اذلين عناهم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل‬
‫وسلم بقوهل‪( :‬يا أبا احلسن أما أنت وشيعتك يف اجلنة)"‪."1‬‬
‫ً‬ ‫يلع بن احلسني بن ّ‬
‫قال مويس بن ّ‬
‫يلع واكن فاضال عن أبيه عن وده‪ :‬إنما‬
‫شيعتنا من أطاع اهلل‪ ،‬وعمل عملنا‪ ،‬كأصحاب ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه مدة‬
‫خالفته ومجيع من نرصه وخاض معه غمرات احلروب يف مجيع وقائعه‬
‫كوقعة اجلمل وصفني وانلهروان‪ ،‬فإنه ريض اهلل عنه وكرم ووهه هو‬
‫ىلع هدى الوتهادهم يف طلب‬ ‫املصيب يف مجيعها وغريه خمطئ‪ ،‬وال‬
‫احلق‪ ،‬ماعدا اخلوارج اذلين منهم أهل انلهروان‪ ،‬فإنهم أفرة فجرة‪ ،‬ألنهم‬
‫اكنوا يعتقدون معاذ اهلل أفره باتلحكيم وكفر كثري من الصحابة‬

‫‪ -1‬رواه الطرباين‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫واملسلمني اذلين رضوا بذلك‪.‬‬


‫وهناك طائفة من الشيعة يقال هلم املفضلة يقولون‪ :‬بتفضيل ّ‬
‫يلع كرم اهلل‬
‫ووهه ىلع سائر الصحابة مع اعتقاد فضلهم وعدهلم‪ ،‬واالعرتاف بما خوهلم‬
‫اهلل من الرشف وعلو املزنلة‪ ،‬وهؤالء وإن خالفوا ما انعقد عليه اإلمجاع‪،‬‬
‫يلع فهم أهل بدعة خفيفة ال يتفرع عليها خلل‬‫من تفضيل الشيخني ىلع ّ‬
‫يف ادلين‪ ،‬فقد ذكرهم احلافظ السيويط ولم يطعن يف عقيدتهم‪.‬‬
‫ونقل عن احلافظ اذلهيب وغريه أنهم عدول ثقات وأن روايتهم مقبولة‪،‬‬
‫وشهادتهم غري معلومة‪ ،‬هذا مع تدقيق اذلهيب يف روال احلديث إيل دروة‬
‫أدته للطعن يف بعض اثلقات اذلين زاكهم غريه‪.‬‬
‫قال‪" :‬ومن هذه الطائفة كثري من السلف واخللف وإذا أطلق لفظ الشيعة‬
‫يف الكتب‪ ،‬فاملراد منه هؤالء مالم يقيد بالغلو‪ ،‬كأن يقال شييع اغل أو‬
‫غالة الشيعة‪ ،‬أما الروافض فهم ما بني اكفر وفاسق‪ ،‬ألنهم رفضوا مواالة‬
‫كثري من الصحابة ريض اهلل عنهم‪ ،‬والاكفر من يطعن يف السيدة اعئشة أم‬
‫املؤمنني وينكر صحبة أبيها ريض اهلل عنهما‪ ،‬وال تشتبه بما سأتلوه عليك‬
‫من الكم العارف الشعراين فإنه إنما قصد من الروافض مفضلة الشيعة كما‬
‫ترصح به عبارته قال‪ :‬أخذ علينا العهود أن ال نسب الروافض اذلين‬
‫ً‬
‫يقدمون عليا يف املحبة ىلع أيب بكر وعمر ريض اهلل عنهما ال اذلين‬
‫ً‬
‫يسبونهما ال سيما إن اكنوا أرشافا من أوالد السيدة فاطمة ريض اهلل عنها‪،‬‬
‫أو من أهل القرآن‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫فإياك يا أيخ من قولك فالن رافيض لكب فإن ذلك ال ينبيغ‪ ،‬واذلي‬
‫يلع واحلسن واحلسني وذريتهما مطلوب بنص‬ ‫نعتقده إن اتلغايل يف حمبة ّ‬
‫ُْ‬ ‫ْ ا‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ‬
‫القرآن يف قوهل تعايل‪ :‬قل ال أ ْسألك ْم عليْ ِه أو ًرا إِال المودة ِيف الق ْر ‪،"1"‬‬
‫والود ثبات املحبة ودوامها‪ ،‬فنسكت عن سب من قدم وده يف املحبة ىلع‬
‫غريه ما لم يعارض انلصوص‪ ،‬وذلك ألن تعصب اإلنسان ألوداده اذلين‬
‫ً‬
‫حصل هل بهم الرشف‪ ،‬أمر واقع يف كثري من العلماء فضال عن آحاد انلاس‬
‫من الرشفاء‪ ،‬وذللك قالوا من انلوادر رشيف سين يقدم أبا بكر وعمر ىلع‬
‫وده ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫واكن اإلمام الشافيع ريض اهلل عنه ينشد‪:‬‬
‫ً‬
‫إن اكن رفضـــــــــا حـــــــــب آل حممـــــــــد‬
‫فليشــــــــهد اثلقــــــــالن أين رافضـــــــــي‬
‫ً‬
‫فاعذر يا أيخ ل من قامت هل شبهة ما لم تهدم شيئا من أصول ادلين‬
‫الرصحية‪ ،‬كإنكار صحبة أيب بكر لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫أو براءة اعئشة ريض اهلل عنها وعن أبيها واترك أمر الروافض إىل اهلل‬
‫يفصل بينهم يوم القيامة" اه‪ ،‬وهو الكم اعرف كبري منصف خبري ريض‬
‫اهلل عنه ونفعنا به‪.‬‬
‫وقوهل‪ :‬من انلوادر رشيف سين‪ ،‬ليس هو مقابل الرافيض بمعناه احلقييق‪،‬‬

‫‪ -1‬الشورى آية ‪.23‬‬

‫‪194‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫وإنما هو مقابل الشييع املفضل‪ ،‬وذللك قال بعده‪ :‬يقدم أبا بكر وعمر ىلع‬
‫يلع ريض اهلل عنهم‪ ،‬والرافيض ال يقر أليب بكر وعمر بفضل ال‬ ‫وده ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مقدما وال مؤخرا بل يصفهما بما ال ينبيغ‪ ،‬ومعاذ اهلل أن يقول بذلك أحد‬
‫ممن صحت نسبته إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪.‬‬
‫وحاصل العبارة أن الرشيف السين املوصوف بتقديم أيب بكر وعمر ىلع‬
‫وده ّ‬
‫يلع ريض اهلل عنه من انلوادر‪ ،‬وأكرثهم سنيون ال يقولون باتلقديم‬
‫ً‬
‫مع حب الشيخني والصحابة مجيعا واالعرتاف بفضلهم وهذا ال يرضهم‬
‫ً‬
‫يف دينهم شيئا وال سيما إذا اكن اتلقديم يف املحبة ال اتلفضيل وهو اذلي‬
‫ينبيغ محل العبارة عليه فافهم واهلل سبحانه وتعاىل أعلم‪.‬‬
‫قال وامعه‪ :‬هذا ما أراد اهلل إبرازه ىلع يد هذا العبد الضعيف وتم‬
‫تبييضه وطبعه يف بريوت يف شهر شوال سنة ‪ 1309‬هجري بعد أن بيق يف‬
‫مسودته إحدى عرشة سنة وأسأهل سبحانه أن يتقبله مين ويرىض به عين‪.‬‬
‫وصىل اهلل ىلع سيدنا حممد وىلع مجيع األنبياء واملرسلني وآهلم وصحبهم‬
‫أمجعني عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد لكماته لكما ذكره‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اذلاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون وسلم تسليما كثريا واحلمد هلل رب‬
‫العاملني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪195‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫‪‬‬

‫‪196‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫ـــات‬
‫ِ‬ ‫فهــرس المـــوضــوع‬
‫‪ -‬بني يدي القارئ‪3.................................................................................................. ......‬‬
‫‪ -‬ترمجة الشيخ العالمة يوسف بن إسماعيل انلبهاين‪5......................................................‬‬
‫‪ -‬املقدمة‪15...................................................................................................................‬‬
‫ْ َ ََْ ْ ْ‬ ‫َّ َ ُ ُ َّ ُ ْ َ َ ْ ُ‬
‫ت‬‫‪ -‬املقصد األول يف الالكم ىلع آية ‪‬إِنما ي ِريد اَّلل ِِلُذهِب عنك ُم الرجس أهل ابلَي ِ‬
‫َُ ُ َْ‬
‫َويطه َرك ْم تط ِهريا‪20.....................................................................................................‬‬
‫‪ -‬عبارة الشيخ األكرب حمىي ادلين بن العريب يف الفتوحات املكية يف تطهري اهلل هل صىل اهلل‬
‫عليه وآهل وسلم وأهل بيته‪28..........................................................................................‬‬
‫‪ -‬فصل يف الالكم ىلع قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم (إين تارك فيكم اثلقلني)‪37............‬‬
‫‪ -‬خطبته صىل اهلل عليه وآهل وسلم اليت أوىص فيها باثلقلني‪46........................................‬‬
‫‪ -‬قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم (لواكن العلم بالرثيا تلناوهل قوم من أبناء فارس)‪49.........‬‬
‫‪ -‬فصل يف قوهل صىل اهلل عليه وآهل وسلم (أهل بييت أمان ألميت)‪50.................................‬‬
‫‪ -‬املقصد اثلاين يف الالكم ىلع رشفهم ومزاياهم وما اختصهم اهلل به دون من عداهم‪59..............‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم حتريم الزاكة عليهم‪59..........................................................................‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬من خصائصهم أنهم أرشف انلاس نسبا وأفضل اخللق حسبا‪65....................................‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم أن ل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إال سببه و نسبه صىل اهلل عليه‬
‫وآهل وسلم‪68..................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم اطال اسم األرشاف عليهم‪70............................................................‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم استعمال انلقباء منهم عليهم‪73...........................................................‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم طلب إكرام فاسقهم وتوقريه واعتقاد أن ذنبه مغفور‪76 ........................‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم اتصال نسبهم به صىل اهلل عليه وآهل وسلم يوم القيامة وانتفاعهم به‪79...........‬‬
‫‪ -‬من خصائصهم أن ووودهم يف األرض أمان ألهلها‪79...................................................‬‬

‫‪197‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫‪ -‬من خصائصهم أنهم أول من يدخل اجلنة‪81.................................................................‬‬


‫‪ -‬من خصائصهم أنهم ي ُسمون أبناءه وينسبون إيله وهم أوالد ابنته صيل اهلل عليه وآهل وسلم‪81.‬‬
‫‪ -‬فصل يف بعض فضائل اخلمسة أهل العباء‪83................................................................‬‬
‫‪ -‬فضائل سيدنا رسول اهلل صيل اهلل عليه وآهل وسلم‪83...................................................‬‬
‫‪ -‬كيفية وليلة يف الصالة عليه صيل اهلل عليه وآهل وسلم لإلمام ابلكري الكبري املرصي‪84......‬‬
‫‪ -‬فضائل السيدة فاطمة الزهراء ريض اهلل عنها‪87...........................................................‬‬
‫‪ -‬فضائل أبو احلسنني أمري املؤمنني يلع بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪93............................‬‬
‫‪ -‬فضائل أبو حممد احلسن أمري املؤمنني سبط رسول اهلل صيل اهلل عليه وآهل وسلم‬
‫ورحيانته ريض اهلل عنه‪97...............................................................................................‬‬
‫‪ -‬فضائل أبو عبد اهلل احلسني سبط رسول اهلل صيل اهلل عليه وآهل وسلم ورحيانته ريض‬
‫اهلل عنه‪104................................................................................................................ ..‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ما ورد يف فضل احلسنني معا ريض اهلل عنهما‪113........................................................‬‬
‫‪ -‬املقصد اثلالث‪ :‬يف الالكم ىلع ما يف حبهم وتوابعه من الفوز العظيم وما يف بغضهم‬
‫وتوابعه من املرتع الوخيم‪116.........................................................................................‬‬
‫‪ -‬عبارة الشيخ األكرب حمىي ادلين بن العريب يف الفتوحات املكية يف ودهم واوتناب أذاهم‬
‫وحتمل األذى منهم‪122..................................................................................................‬‬
‫‪ -‬ذكر فضل قريش والعرب‪126......................................................................................‬‬
‫‪ -‬من مناقب اإلمام الشافيع ريض اهلل عنه‪129...............................................................‬‬
‫‪ -‬فصل يف اتلحريض ىلع مودة أهل ابليت وحبهم ريض اهلل عنهم‪136.............................‬‬
‫‪ -‬ذكر مواالة األئمة األربعة هلم ريض اهلل عنهم أمجعني‪140............................................‬‬
‫‪ -‬نقل عبارات اإلمام الشعراين يف تعظيمهم ومودتهم ريض اهلل عنهم‪143........................‬‬
‫‪ -‬فصل يف مجلة آثار وقصص يف إكرام السلف الصالح وغريهم هلم ريض اهلل عنهم‪148..............‬‬

‫‪198‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫‪ -‬اخلاتمة يف بيان فضل الصحابة وأن حمبة آل ابليت ال جتدي نفعا إذا خالطها بغض‬
‫أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآهل وسلم‪157..........................................................‬‬
‫‪ -‬مبحث لزوم اإلمساك عما شجر بني الصحابة ريض اهلل عنهم‪164...............................‬‬
‫‪ -‬تنبيه يف بيان حكم ساب الصحابة ريض اهلل عنهم‪166..............................................‬‬
‫‪ -‬فضائل سيدنا أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه‪168......................................................‬‬
‫‪ -‬فضائل سيدنا عمر الفارو ريض اهلل عنه‪172.............................................................‬‬
‫‪ -‬فضائل سيدنا عثمان بن عفان ريض اهلل عنه‪176........................................................‬‬
‫‪ -‬فضائل اإلمام يلع املرتىض ريض اهلل عنه وكرم ووهه‪178.............................................‬‬
‫‪ -‬تنبيه‪ :‬يف بيان أفضلية بعض الصحابة ىلع بعض ريض اهلل عنهم‪182............................‬‬
‫‪ -‬تنبيه‪ :‬فيه أن فضل ل فريق من أهل ابليت والصحابة هو من مجلة فضائل الفريق‬
‫اآلخر‪186......................................................................................................................‬‬
‫‪ -‬اعلم أن املحبة املعتربة ما اكنت مع اتباع حمبتهم‪191..................................................‬‬
‫‪ -‬فهرس املوضواعت‪197................................................................................................‬‬

‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫ت‬
‫َ‬
‫بَِح ْم ِد اللَِّه‬
‫‪‬‬

‫‪199‬‬
‫الشرف المؤبد آلل محمد‬

‫إصدار‬

‫المركز الوطني للبحوث والدراسات‬


‫التابع آلل البيت ــ فلسطين‬
‫الموقع االلكتروني‪www.alalbait.ps :‬‬
‫‪ISBN: 978-9938-14-002-6‬‬

‫‪200‬‬

You might also like