فاطمة الزهراء PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 66

‫اجلزء الرابع واخلامس من كتاب (أمهات املعصومني ‪ )b‬لإلمام املؤلف‬

‫مقدمة المؤلف‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على حممد وآله الطاهرين‪.‬‬
‫أجل النساء اليت خلقهن اهلل سبحانه‪،‬‬ ‫هن من ِّ‬ ‫أما بعد‪ ،‬فإن (أمهات املعصومني األربعة عشر –‪َّ )b‬‬
‫َص ُل إليها أحد منهن حتى السيدة‬ ‫نعم إن الصديقة املعصومة فاطمة الزهراء –عليها السالم‪ -‬الي ِ‬
‫آمنة –عليها السالم‪ -‬والدة رسول اهلل –‪.-k‬‬
‫أهلها اهلل سبحانه ألن تكون حمل نشوء الرسول –صلى اهلل عليه‬ ‫كما أن أرحامهن الطاهرات اليت َّ‬
‫وآله وسلم‪ -‬أو اإلمام –عليه السالم‪ -‬من أفضل أرحام النساء‪ ،‬ويؤيد ذلك قوله سبحانه ‪(:‬و ََت َق ُّلبَكَ يف‬
‫الس ِ‬
‫َّاجدِين)‪)1( .‬‬

‫والظاهر أن كلهن كن أبكاراً حتى وصلن إىل أزواجهن‪ ،‬وحتى السيدة خدجية –عليها السالم‪-‬‬
‫املختلف فيها (‪ ،)2‬وال يبعد أن األقالم اليت أرادت أن متيز بعض زوجات رسول اهلل –‪ -k‬املعروفة‬
‫بالبكارة اخرتعت عدم بكارة السيدة خدجية –‪ -h‬بزوج سابق‪.‬‬
‫ويؤيد ما ذكرناه تصريح والدة اإلمام موسى بن جعفر –عليه السالم‪ -‬بعدم مالمسة موالها هلا‬
‫حيث قالت‪ :‬كلما أراد ذلك ظهر وجه يهيب به فيصرفه عن املالمسة (‪ ،)3‬وكذلك قصة السيدة‬
‫نرجس –عليها السالم‪ -‬املعروفة‪)4( .‬‬

‫بعالم الغيوب واملعصومني –عليهم‬ ‫أما مراتبهن النفسية فال نعلم عنها شيئاً‪ ،‬إذ أن ذلك مرتبط َّ‬
‫السالم‪ -‬مما مل يصل إلينا شيء منهم‪ ،‬وما وصل كالذي ورد يف السيدة فاطمة املعصومة –عليها‬
‫السالم‪ -‬من أن‪( :‬من زارها وجبت له اجلنة) (‪ )5‬يدل على رفعة نفسية هي فوق مداركنا‪.‬‬
‫ويشرفنا بلقائه‬ ‫نسأل اهلل أن يعجل الفرج لولينا اإلمام املهدي –عجل اهلل تعاىل فرجه الشريف‪ِّ ،-‬‬
‫الذي من املمكن االستفادة من علومه يف هذا البعد أيضاً كسائر األبعاد بإذنه سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫قم املقدسة‪1419/‬هـ‬
‫حممد الشريازي‬ ‫ ‬

‫____________________________________‬
‫(‪)1‬سورة الشعراء ‪.219‬‬
‫(‪)2‬حيث قال البعض‪ :‬بأنها تزوجت قبل رسول اهلل –صلى اهلل عليه وآله وسلم – وكانت ثيِّبة‪.‬‬
‫(‪)3‬انظر الكايف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 477‬باب مولد أبي احلسن موسى بن جعفر –عليه السالم‪ -‬ح‪.1‬‬
‫(‪)4‬حيث أراد جدها أن يزوجها من ابن أخيه فلم يتمكن من ذلك‪.‬للتفصيل‪ ،‬انظر الفصل الرابع عشر من كتاب (أمهات املعصومني‪ )b‬للمؤلف‪.‬‬
‫(‪)5‬حبار األنوار ج‪ 99‬ص‪ 267‬ح‪.5‬‬

‫‪2‬‬
‫كلمة الناشر‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا حممد وعلى آله‬
‫الطيبني الطاهرين وصحبه املنتجبني‪ ،‬واللعن الدائم على أعدائهم من األولني واآلخرين إىل‬
‫قيام يوم الدين‪ ،‬سيما الظاملني لبضعة سيد املرسلني‪ ،‬الغاصبني فدكها‪،‬واملعتدين على حدود اهلل‪،‬‬
‫ومغتصيب خالفة املسلمني‪.‬‬

‫إن الكتابة عن الصديقة فاطمة الزهراء –عليها السالم‪ -‬حباجة إىل عمق حبثي وتدقيق يف‬
‫معاني ومضامني خطبها وكلماتها‪ ،‬ومراجعة مستفيضة لسريتها التارخيية من والدتها وحتى‬
‫والكتابة‪،‬صب جهده على‬
‫َّ‬ ‫ولعل أكثر من تناول شخصيتها –عليها السالم‪ -‬بالبحث‬ ‫استشهادها‪ّ ،‬‬
‫مظلوميتها باعتبارها احلدث األبرز تارخيياً واألكثر جد ًال وتنازعاً بني املؤيدين واملخالفني‪.‬‬

‫ورغم أهمية إظهار مظلوميتها –‪ -h‬إال أن ذلك اليستدعي إهمال عناوين غاية يف األهمية‬
‫ارتبطت بسريتها التارخيية وقدَّمتها قدوة للنساء والرجال‪ ،‬يف حماور الزواج واألسرة والرتبية‬
‫واحلجاب والعبادة وجمابهة الظاملني‪،‬وأخرى أتت جتسيداً عملياً ملبادئ اإلسالم العظيم وقيمه‬
‫العالية املضامني‪.‬‬

‫والصديقة الطاهرة –‪ -h‬هدية السماء‪ ،‬وسيدة نساء العاملني من األولني واآلخرين‪ ،‬بتعيني إهلي‬
‫أثبتتها األحاديث القدسية والنبوية وروايات أئمة أهل البيت –‪ -b‬وهي صفات حقيقية‪ ،‬صدرت‬
‫من احلكيم العزيز‪،‬التركن إىل الشك أو الظن‪ ،‬بإشارات واضحة نص عليها القرآن الكريم يف‬
‫أكثر من موضع‪ ،‬وأكدها اتفاق الفريقني –يف الغالب األعم‪ -‬والذي نقرأه يف عشرات التفاسري‬
‫القرآنية اليت ُكتبت على امتداد القرون املاضية‪.‬‬

‫ومع اإليغال يف الكتابة عن نتف تارخيية من حياتها –‪ -h‬ذات خصوصية خالفية‪ ،‬مع ثبوتها‬
‫لدى طرف ونفيها من طرف آخر‪ ،‬ومع ضرورة الغوص يف تفاصيل ومفاصل تلك احلقبة القاسية‬
‫اليت عاشتها الصديقة الطاهرة‪ ،h‬إلثبات حقائق مرتبطة بأحقية ما نادت به –‪،-h‬وإثباتها‬
‫االنقالب على الدين‪ ،‬وخمالفة سيد املرسلني‪،‬واغتصاب حق بعلها أمري املؤمنني –‪ ،-j‬واالستيالء‬
‫السياسي على خالفة املسلمني‪،‬واإلمعان يف الظلم بسلبها (فدك)‪ ،‬وتأكيدها على تالعبهم بالقرآن‬
‫الكريم وأحاديث رسول اهلل –‪ -k‬بصالفة وإصرار‪ ،‬إال أن كل ذلك حيتاج إىل التأمل والتفكر‬

‫‪3‬‬
‫والتأكيد على ضرورة االلتفات–أيضاً‪ -‬ألهمية الكتابة عن حياتها وتعريفها للمسلمني‪ ،‬ورفع‬
‫الطمس املتعمد ملعامل شخصيتها وسريتها العظيمة‪.‬‬

‫ومن الكتب اليت سلطت الضوء على تارخيها‪ ،‬واستعرضت تفاصيل مهمة يف حياتها‪ ،‬بدءاً من‬
‫والدتها –عليها السالم‪ -‬وحتى استشهادها‪ ،‬مع تركيز ملفت على عصمتها وعلمها ودورها‬
‫البارز يف الرسالة احملمدية ومواقفها التارخيية املفصل ّية ومنوذجيتها يف تطبيق املبادئ والقيم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬كتاب‪( :‬أمهات املعصومني‪ )b‬لسماحة آية اهلل العظمىاإلمام اجملدد السيد حممد‬
‫واف‬
‫احلسيين الشريازي –أعلى اهلل درجاته‪ -‬حيث تناول سريتها العطرة–عليها السالم‪ -‬بإجياز ٍ‬
‫كاف‪ّ ،‬‬
‫مركز يف التفاصيل املهمة واملواقف املفصل ّية‪ ،‬يُغين القارئ البعيد عن التخصص‬ ‫تام ٍ‬‫وإملام ٍ‬
‫من املطالعة املوسعة‪ ،‬ويفيض معرفته بعظمة الزهراء البتول‪.h‬‬

‫ومبناسبة ذكرى استشهادها–‪ -h‬تضع (مؤسسة األنوار األربعة عشر –‪ -b‬الثقافية) بني‬
‫خصصه–‪ -uz‬لسريتها‬ ‫يدي القارئ الكريم‪،‬الفصل الرابع واخلامس من كتابه الق ّيم والذي َّ‬
‫–عليها السالم‪ -‬راجني من العلي القدير‪ ،‬أن ينفع به املؤمنني السائرين على خطاها ‪ ،h‬ويهدي‬
‫به املخالفني إىل طريق احلق والصواب‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله الطيبني الطاهرين‬

‫مؤسسة األنوار األربعة عشر –ع – الثقافية‬


‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬
‫‪1433/3/8‬هـ‬

‫‪4‬‬
‫النسب الشريف‬
‫هي السيدة فاطمة بنت حممد ‪ k‬بن عبد اهلل بن عبد ّ‬
‫املطلب‪.‬‬
‫ّأمها‪ :‬السيدة خدجية سيدة نساء العرب‪ ،‬وأبوها سيد البشرية أمجعني من األولني واآلخرين حممد‬
‫بن عبد اهلل ‪.k‬‬
‫ولدت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ‪ h‬يف العشرين من مجادى اآلخرة سنة مخس وأربعني‬
‫من مولد النيب ‪ k‬وكان بعد مبعثه خبمس سنني‪.‬‬
‫ّأما فضائلها ومناقبها (سالم اهلل عليها)فهي كثرية ال ميكن استقصاؤها‪ ،‬وبيان شيء منها حباجة‬
‫إىل كتاب مستقل إ ّال أ ّننا نقتصر على ما يلي‪:‬‬

‫عند ما خلق اهلل آدم‪j‬‬


‫أن أهل البيت ‪ b‬خلقوا قبل سائر اخللق وكانوا أنواراً حمدقني حول‬ ‫تنص على ّ‬‫الروايات املتواترة ّ‬
‫وميجدونه‪ ،‬وهناك روايات أخرى تص ّرح مبكانة الصدّيقة‬ ‫ّ‬
‫العرش يسّبحون اهلل تعاىل ويهللونه ّ‬
‫–عز َّ‬
‫وجل‪ ،-‬منها‪:‬‬ ‫الزهراء ‪ h‬الرفيعة ومرتبتها العالية وجاهها العظيم عند اهلل َّ‬
‫ما روي عن أمري املؤمنني‪ j‬قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪« :k‬ملّا خلق اهلل آدم وحواء تبخرتا يف اجل ّنة‪ ،‬فقال آدم حلواء‪ :‬ما خلق اهلل خلقاً‬
‫فلما دخال الفردوس نظرا‬‫هو أحسن م ّنا‪ ،‬فأوحى اهلل إىل جربئيل‪ :‬ائت بعبدي الفردوس األعلى‪ّ ،‬‬
‫إىل جارية على درنوك من درانيك(‪ )1‬اجلنة وعلى رأسها تاج من نور ويف أذنيها قرطان من نور قد‬
‫أشرقت اجلنان من نور وجهها‪ ،‬فقال آدم‪ :‬حبييب جربئيل من هذه اجلارية اليت قد أشرقت اجلنان‬
‫من حسن وجهها؟‬
‫فقال‪ :‬هذه فاطمة بنت حممد ‪ k‬نيب من ولدك يكون يف آخر الزمان‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما هذا التاج الذي على رأسها؟‬
‫قال‪ :‬بعلها علي بن أبي طالب ‪.)2(j‬‬
‫قال‪ :‬فما القرطان اللذان يف أذنيها؟‬
‫قال‪ :‬ولداها احلسن واحلسني‪.j‬‬
‫قال آدم‪ :‬حبييب‪ ،‬أَ ُخِل ُقوا قبلي؟‬
‫قال‪ :‬هم موجودون يف غامض علم اهلل قبل أن خُت َلق بأربعة آالف سنة»(‪.) 3‬‬

‫( ‪ )1‬الدرانيك تكون سرتاً وفرشاً والدرنوك فيه الصفرة واخلضرة‪( ،‬لسان العرب) مادّة درنك‪.‬‬
‫( ‪ )2‬قال ابن خالويه‪ :‬البعل يف كالم العرب مخسة أشياء‪ :‬الزوج والصنم منه قوله‪« :‬أتدعون بع ً‬
‫ال» سورة الصافات‪،125 :‬‬
‫مسيت بعلبك‪ ،‬والبعل من النخل ما شرب بعروقه من غري سقي‪ ،‬والبعل السماء‪ ،‬والعرب تقول السماء‬ ‫والبعل اسم امرأة وبها ّ‬
‫بعل األرض‪.‬‬
‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.456‬‬
‫(‪ ) 3‬كشف ّ‬

‫‪5‬‬
‫نور الكون‬
‫أن الصدّيقة فاطمة ‪ h‬كانت نوراً قبل أن خيلق اهلل سبحانه الكون‪،‬‬ ‫ويستفاد من األخبار الشريفة ّ‬
‫نور اهلل بها السماوات واألرضني‪ ،‬ثم جعل ثواب تسبيح املالئكة وتقديسهم هلا وحملّبيها‪ ،‬وهذه‬ ‫وقد َّ‬
‫تدل على عظمتها وعظمة حمّبتها وفضيلة احملّبني هلا ‪. h‬‬ ‫مما ّ‬
‫الروايات ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فقد ورد عن سلمان الفارسي أنه قال‪ :‬كنت جالسا عند النيب املك ّرم ‪ k‬إذ دخل العباس بن عبد‬
‫علي بن‬ ‫ورحب به‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل! مب ُف ِّضل علينا َ‬
‫أهل البيت ُّ‬ ‫املطلب فسّلم‪ ،‬فر ّد النيب ‪ k‬عليه ّ‬ ‫ّ‬
‫أبي طالب ‪ j‬واملعادن واحدة؟‬
‫إن اهلل تبارك وتعاىل خلقين وخلق علياً وال مساء‬ ‫فقال لـه النيب املك ّرم ‪« :k‬إذاً أُخربك يا عم‪ّ ،‬‬
‫وال أرض‪ ،‬وال ج ّنة وال نار‪ ،‬وال لوح وال قلم‪ ،‬وملّا أراد اهلل تعاىل بدو خلقنا تكّلم بكلمة فكانت نوراً‪،‬‬
‫ثم تكّلم بكلمة ثانية فكانت روحاً‪ ،‬فمزج فيما بينهما فاعتدال فخلقين وعلياً منهما‪ ،‬ثم فتق من‬
‫أجل من نور العرش‪ ،‬ثم فتق من نور علي نور السماوات فعلي ّ‬
‫أجل من نور‬ ‫نوري نور العرش فأنا ّ‬
‫أجل من نور‬‫السماوات‪ ،‬ثم فتق من نور احلسن نور الشمس‪ ،‬ومن نور احلسني نور القمر‪ ،‬فهما ّ‬
‫الشمس ومن نور القمر‪ ،‬وكانت املالئكة تسّبح اهلل وتقدّسه وتقول يف تسبيحها‪ :‬سّبوح قدّوس من‬
‫جل جالله أن يبلو املالئكة أرسل عليهم سحاباً من‬ ‫فلما أراد اهلل ّ‬
‫أنوار ما أكرمها على اهلل تعاىل‪ّ ،‬‬
‫ظلمة فكانت املالئكة ال ينظر أوهلا من آخرها وال آخرها من أوهلا‪ ،‬فقالت املالئكة‪ :‬إهلنا وسيدنا منذ‬
‫خلقنا ما رأينا مثل ما حنن فيه فنسألك حبق هذه األنوار إ ّال ما كشفت ع ّنا‪.‬‬
‫ألفعلن‪ ،‬فخلق نور فاطمة يومئذ كالقنديل وعّلقه يف‬ ‫ّ‬ ‫فقال اهلل تبارك وتعاىل‪ :‬وع ّزتي وجاللي‬
‫مسيت فاطمة الزهراء‪،‬‬ ‫قرط العرش‪ ،‬فزهرت السماوات السبع واألرضون السبع‪ ،‬ومن أجل ذلك ّ‬
‫وكانت املالئكة تسّبح اهلل وتقدّسه‪.‬‬
‫ألجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إىل يوم القيامة حملبيّ هذه‬ ‫ّ‬ ‫فقال اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل‪ :‬وع ّزتي وجاللي‬
‫املرأة وأبيها وبعلها وبنيها»‪.‬‬
‫فضمه إىل صدره فقّبل ما بني عينيه‪ ،‬فقال‬ ‫قال سلمان‪ :‬فخرج العباس فلقيه أمري املؤمنني ‪ّ j‬‬
‫بأبي عرتة املصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على اهلل(‪.)4‬‬

‫حوراء إنسية‬
‫عن رسول اهلل ‪ k‬أنه قال‪« :‬خلق نور فاطمة قبل أن خيلق األرض والسماء»‪.‬‬
‫فقال بعض الناس‪ :‬يا نيب اهلل فليست هي إنسية؟‪.‬‬
‫فقال‪« :‬فاطمة حوراء إنسية»‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا نيب اهلل‪ ،‬وكيف هي حوراء إنسية؟‬
‫عز َّ‬
‫وجل آدم‬ ‫فلما خلق اهلل َّ‬ ‫قال‪« :‬خلقها اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل من نوره قبل أن خيلق آدم إذ كانت األرواح‪ّ ،‬‬
‫عرضت على آدم»‪.‬‬
‫(‪ )4‬إرشاد القلوب‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.403‬‬
‫‪6‬‬
‫قيل‪ :‬يا نيب اهلل وأين كانت فاطمة؟‬
‫قال‪« :‬كانت يف ح ّقة حتت ساق العرش»‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا نيب اهلل فما كان طعامها؟‬
‫قال‪« :‬التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد»‪.‬‬
‫ ‬
‫تفاحة الجنة‬
‫وأحب‬
‫وجل آدم وأخرجين من صلبه ّ‬ ‫«فلما خلق اهلل ع ّز ّ‬ ‫قال رسول اهلل ‪ k‬يف حديث عن فاطمة ‪ّ :h‬‬
‫وجل أن خيرجها من صليب جعلها تفاحة يف اجلنة وأتاني بها جربئيل ‪ ،j‬فقال لي‪ :‬السالم‬ ‫اهلل ع ّز ّ‬
‫عليك ورمحة اهلل وبركاته يا حممد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعليك السالم ورمحة اهلل حبييب جربئيل‪.‬‬
‫إن ربّك يقرؤك السالم‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬يا حممد! ّ‬
‫قلت‪ :‬منه السالم وإليه يعود السالم‪.‬‬
‫وجل إليك من اجل ّنة‪ ،‬فأخذتها وضممتها إىل صدري‪.‬‬ ‫إن هذه تفاحة أهداها اهلل ع ّز ّ‬ ‫قال‪ :‬يا حممد! ّ‬
‫جل جالله‪ :‬كلها‪.‬‬ ‫قال‪ :‬يا حممد يقول اهلل ّ‬
‫ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه‪.‬‬
‫فإن ذلك النور للمنصورة يف السماء وهي يف‬ ‫فقال‪ :‬يا حممد ما لك ال تأكل؟ كلها وال ختف‪ّ ،‬‬
‫األرض فاطمة‪.‬‬
‫مسيت يف السماء املنصورة ويف األرض فاطمة؟‬ ‫قلت‪ :‬حبييب جربئيل‪ ،‬ولمِ َ ّ‬
‫مسيت يف األرض فاطمة أل ّنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حّبها‪ ،‬وهي يف‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫هلل ي َْن ُص ُر َم ْ‬
‫ن يَشا ُء)( ‪)5‬‬ ‫وجل‪َ ( :‬وي َْو َم ِئ ٍذ ي َْف َر ُح المُْ ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ‪ِ -‬ب َن ْص ِر ا ِ‬ ‫السماء املنصورة وذلك قول اهلل ع ّز ّ‬
‫يعين نصر فاطمة حملّبيها»(‪.)6‬‬
‫ويف حديث آخر عن رسول اهلل ‪ k‬قال‪« :‬معاشر الناس تدرون ملا خلقت فاطمة؟» قالوا‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫قال‪« :‬خلقت فاطمة حوراء إنسية ال إنسية‪ ،‬قال‪ :‬خلقت من عرق جربئيل ومن َز َغ ِبه»(‪.)7‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل اشتكل ذلك علينا تقول حوراء إنسية ال إنسية ثم تقول من عرق جربئيل ومن‬
‫زغبه؟‬
‫فضمها إىل صدره فعرق‬ ‫إلي ربّي تفاحة من اجل ّنة أتاني بها جربئيل ‪ّ j‬‬ ‫قال‪« :‬إذاً أنبئكم‪ ،‬أهدى ّ‬
‫جربئيل ‪ j‬وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً ثم قال‪ :‬السالم عليك يا رسول اهلل ورمحة‬
‫اهلل وبركاته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعليك السالم يا جربئيل‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة الروم‪.4 :‬‬
‫(‪ ) 6‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪.4‬‬
‫(‪ )7‬زغب‪ :‬صغار الريش‪ ،‬كتاب العني مادّة‪ :‬زغب‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫إن اهلل أهدى إليك تفاحة من اجلنة فأخذتها فقّبلتها ووضعتها على عيين وضممتها إىل‬ ‫فقال‪ّ :‬‬
‫صدري ثم قال‪ :‬يا حممد كلها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا حبييب يا جربئيل هدية ربّي تؤكل؟‬
‫قال‪ :‬نعم قد أمرت بأكلها‪ ،‬فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور‪.‬‬
‫فإن ذلك نور املنصورة فاطمة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬كل‪ّ ،‬‬
‫قلت‪:‬يا جربئيل ومن املنصورة؟‬
‫قال‪ :‬جارية خترج من صلبك وامسها يف السماء منصورة ويف األرض فاطمة‪.‬‬
‫مسيت يف السماء منصورة ويف األرض فاطمة؟‬ ‫فقلت‪:‬يا جربئيل ولمِ َ ّ‬
‫مسيت فاطمة يف األرض ألنه فطمت شيعتها من النار وفطموا أعداؤها عن حّبها وذلك قول‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫اهلل يف كتابه (ويومئذ يفرح املؤمنون بنصر اهلل)(‪ )8‬بنصر فاطمة‪.)9(»h‬‬

‫إنها ‪ h‬هدية السماء‬


‫من اخلصائص املهمة للسيدة الزهراء ‪ h‬هو اصطفاء الباري تعاىل لنطفتها واستخالصه هلا‬
‫وانتخابها من صفوة مثار اجلنة‪.‬‬
‫عمن سواها من النساء حتى يف نطفتها‪ ،‬حيث ّ‬
‫إن اهلل‬ ‫فقد مت ّيزت الصدّيقة فاطمة (سالم اهلل عليها) َّ‬
‫تعاىل أحتف رسوله‪k‬بها من اجلنة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فعن اإلمام الرضا ‪ j‬قال‪ :‬قال النيب‪« :k‬ملا ُع ِر َج بي إىل السماء أخذ بيدي جربئيل ‪ j‬فأدخلين‬
‫فلما هبطت إىل األرض واقعت‬ ‫اجلنة فناولين من رطبها فأكلته‪ ،‬فتح ّول ذلك نطفة يف صليب‪ّ ،‬‬
‫خدجية ‪ h‬فحم َل ْت بفاطمة‪ ،h‬ففاطمة حوراء إنسية فكّلما اشتقت إىل رائحة اجلنة مشمت‬
‫رائحة ابنيت فاطمة»(‪.)10‬‬
‫وعن ابن عباس قال‪ :‬دخلت عائشة على رسول اهلل ‪ k‬وهو يقّبل فاطمة‪ ،h‬فقالت له‪ :‬أحتّبها يا‬
‫رسول اهلل؟‬
‫قال‪ :‬أما واهلل لو علمت حيب هلا الزددت هلا حباً‪ ،‬إنه ملا ُع ِر َج بي إىل السماء الرابعة أ ّذن جربئيل وأقام‬
‫ميكائيل‪ ،‬ثم قيل لي‪ :‬أ ّذن يا حممد‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬أتقدّم وأنت حبضرتي يا جربئيل؟‬
‫وفضلك أنت خاصة‪.‬‬‫فضل أنبياءه املرسلني على مالئكته املق ّربني ّ‬ ‫إن اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل ّ‬ ‫قال‪ :‬نعم ّ‬
‫فدنوت فصّليت بأهل السماء الرابعة‪ ،‬ثم التفت عن مييين فإذا أنا بإبراهيم‪j‬يف روضة من رياض‬
‫اجلنة وقد اكتنفها مجاعة من املالئكة‪ ،‬ثم إني صرت إىل السماء اخلامسة ومنها إىل السادسة‬
‫(‪ )8‬سورة الروم‪.4 :‬‬
‫(‪ )9‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )10‬عيون أخبار الرضا ‪ :8‬ج‪ 1‬ص‪ 115‬ح‪.3‬‬

‫‪8‬‬
‫فنوديت‪ :‬يا حممد‪ِ ،‬ن ْع َم األب أبوك إبراهيم ونعم األخ أخوك علي‪..‬‬
‫فلما صرت إىل احلجب أخذ جربئيل ‪ j‬بيدي فأدخلين اجلنة‪ ،‬فإذا أنا بشجرة من نور أصلها‬ ‫ّ‬
‫ملكان يطويان احللل واحللي فقلت‪ :‬حبييب جربئيل ملن هذه الشجرة؟‬
‫فقال‪ :‬هذه ألخيك علي بن أبي طالب ‪ ، j‬وهذان امللكان يطويان لـه احللي واحللل إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألني من الزبد وأطيب رائحة من املسك وأحلى من العسل‪ ،‬فأخذت‬
‫هبطت إىل األرض واقعت خدجية‬ ‫ُ‬ ‫فلما أن‬
‫رطبة فأكلتها فتح ّولت الرطبة نطفة يف صليب‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫مشمت رائحة فاطمة ‪.)11(h‬‬ ‫فحملت بفاطمة‪ ،‬ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إىل اجلنة‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬قيل يا رسول اهلل إنك تلثم(‪ )12‬فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها‬
‫ما ال تفعله بأحد من بناتك؟‬
‫«إن جربئيل ‪ j‬أتاني بتفاحة من تفاح اجلنة فأكلتها فتح ّولت ماء يف صليب ثم واقعت‬ ‫فقال‪ّ :‬‬
‫خدجية فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة اجلنة»(‪.)13‬‬

‫الذرية الطاهرة‬
‫إن اهلل تعاىل قد منح الصديقة الطاهرة‪ h‬تلك الذرية املباركة‪ ،‬حيث جعل منها األئمة‬
‫املعصومني األطهار ‪b‬وهذا مما يدل على شرفها‪.‬‬
‫عن سلمان الفارسي أ ّنه قال‪ :‬دخلت على فاطمة ‪ h‬واحلسن واحلسني ‪ c‬يلعبان بني يديها‪،‬‬
‫ففرحت بهما فرحاً شديداً‪ ،‬فلم ألبث حتى دخل رسول اهلل‪k‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل أخربني بفضيلة‬
‫هؤالء ألزداد هلم حباً‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا سلمان ليلة أُسري بي إىل السماء أدارني جربئيل يف مساواته وج ّناته‪ ،‬فبينا أنا أدور قصورها‬
‫وبساتينها ومقاصريها(‪ )14‬إذ مشمت رائحة طيبة فأعجبتين تلك الرائحة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا حبييب ما هذه‬
‫الرائحة اليت غلبت على روائح اجلنة كّلها؟‬
‫فقال‪ :‬يا حممد تفاحة خلقها اهلل تبارك وتعاىل بيده(‪ )15‬منذ ثالمثائة ألف عام ما ندري ما يريد بها‪.‬‬
‫فبينا أنا كذلك إذ رأيت مالئكة ومعهم تلك التفاحة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا حممد ربنا السالم يقرأ عليك‬
‫السالم وقد أحتفك بهذه التفاحة‪.‬‬
‫فلما هبط بي إىل األرض‬ ‫قال رسول اهلل ‪ :k‬فأخذت تلك التفاحة فوضعتها حتت جناح جربئيل‪ّ ،‬‬
‫أكلت تلك التفاحة فجمع اهلل ماءها يف ظهري‪ ،‬فغشيت خدجية بنت خويلد فحملت بفاطمة‬
‫وجل إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية فز ّوج النور من النور‪،‬‬‫من ماء تلك التفاحة‪ ،‬فأوحى اهلل ع ّز ّ‬
‫فاطمة من علي‪ ،‬فإني قد زوجتها يف السماء وجعلت مخس األرض مهرها وستخرج فيما بينهما‬
‫(‪ )13‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ 5‬ب‪ 1‬ح‪.4‬‬
‫(‪ )14‬مقاصري‪ :‬نواحي‪( ،‬لسان العرب) مادّة قصر‪.‬‬
‫(‪ )15‬اليد‪ :‬القدرة‪( ،‬لسان العرب) مادّة يدي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ذرية طيبة وهما سراجا اجلنة احلسن واحلسني وخيرج من صلب احلسني أئمة يُقتلون ويخُ ذلون‬
‫فالويل لقاتلهم وخاذهلم(‪.)16‬‬
‫ويف خرب طويل نذكر حمل احلاجة منه‪ ،‬قال هارون العباسي لإلمام الكاظم ‪ : j‬أريد أن أسألك‬
‫عن العباس وعلي‪ ،‬مب صار علي ‪ j‬أوىل مبرياث رسول اهلل‪k‬من العباس‪ ،‬والعباس عم رسول‬
‫اهلل‪k‬وصنو أبيه؟‬
‫فقال لـه موسى ‪ : j‬أعفين‪.‬‬
‫قال‪ :‬واهلل ال أعفيتك فأجبين‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن مل تعفين فآمين‪.‬‬
‫قال‪ :‬آمنتك‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال موسى ‪ : j‬إن النيب‪k‬مل يورث من قدر على اهلجرة فلم يهاجر‪ ،‬إن أباك العباس آمن ومل‬ ‫ّ‬
‫وإن علياً ‪ j‬آمن وهاجر وقال اهلل‪( :‬الَّذِينَ َآمَنُوا ولَمْ يُه ِ‬
‫َاجرُوا مَا لَ ُكمْ مِنْ و اََليَتِ ِهمْ مِنْ شَيْءٍ حَ َّتى‬ ‫يهاجر ّ‬
‫َاجرُوا)(‪)17‬‬‫يُه ِ‬
‫نسبون إىل رسول اهلل‬ ‫نسبون إىل علي وهو أبوكم و ُت َ‬ ‫فالتمع(‪ ) 18‬لون هارون وتغيرّ وقال‪ :‬ما لكم ال ُت َ‬
‫‪k‬وهو جدّكم؟‬
‫ُ‬
‫فقال موسى ‪« : j‬إن اهلل نسب املسيح عيسى ابن مريم ‪ j‬إىل خليله إبراهيم ‪ j‬بأ ّمه مريم‬ ‫ّ‬
‫ميسها بشر يف قوله ( وَمِنْ ُذ ِّريَّتِهِ دَاوُودَ وَسُ َليْمَانَ وَ َأيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ‬ ‫البكر البتول اليت مل ّ‬
‫وَك ََذلِكَ نَجْ ِزي الْمُحْسِنِنيَ (‪ )84‬و ََز َك ِريَّا ويَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ ُك ٌ ّل مِنَ ال ّصَالِحِنيَ)(‪ )19‬فنسبه بأ ّمه وحدها إىل‬
‫ُ‬
‫خليله إبراهيم ‪ j‬كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون ‪ c‬بآبائهم وأمهاتهم فضيلة‬
‫اك َو َط َّه َر ِك‬‫اص َط َف ِ‬
‫الل ْ‬ ‫بأمه وحدها‪ ،‬وذلك قوله يف قصة مريم ‪(h‬إ َّن َهَّ‬ ‫لعيسى ‪ j‬ومنزلة رفيعة ّ‬
‫ِ‬
‫ني )(‪ )20‬باملسيح من غري بشر‪ ،‬وكذلك اصطفى ربنا فاطمة ‪ h‬وطهّرها‬ ‫اك َع َلى ِن َسا ِء ْال َعالمَِ َ‬‫اص َط َف ِ‬‫َو ْ‬
‫وفضلها على نساء العاملني باحلسن واحلسني سيدي شباب أهل اجلنة»(‪.)21‬‬ ‫ّ‬

‫كيفية والدتها ‪h‬‬


‫بعد أن صدع رسول اهلل‪k‬مبا أمره اهلل تعاىل به أخذ مشركوا قريش يف أذيته وعكفوا على تفريق‬
‫الناس من حوله حتى آل األمر بهم إىل فرض حصار شديد عليه وعلى مجاعته وذلك يف شعب أبي‬
‫طالب ‪. j‬‬
‫ومل يكن األمر مقتصراً على الرسول‪k‬فحسب‪ ،‬بل مشل كل من انتمى إليه وإىل دينه وعلى‬
‫رأسهم السيدة خدجية‪h‬صاحبة اجلاه الرفيع واملقام العالي‪.‬‬

‫(‪ )16‬تأويل اآليات الظاهرة‪ :‬ص‪.240‬‬


‫( ‪ )17‬سورة األنفال‪.72 :‬‬
‫(‪ ) 18‬التمع لونه‪ :‬ذهب وتغيرّ ‪( ،‬لسان العرب) مادّة ملع‪.‬‬
‫(‪ ) 19‬سورة األنعام‪ 84 :‬ـ ‪.85‬‬
‫(‪ ) 20‬سورة آل عمران‪.42 :‬‬
‫(‪ )21‬حتف العقول‪ :‬ص‪.404‬‬
‫‪10‬‬
‫فقد هجرتها نساء قريش لنصرتها لرسول اهلل‪k‬وتضحيتها اجلليلة من أجل إعالء راية احلق‬
‫خ ّفاقة‪.‬‬
‫وتشاء إرادة السماء أن تبقى هذه السيدة اجلليلة وحيدة فريدة بال مؤنس سوى جنينها «الزهراء‬
‫‪ »h‬اليت كانت تؤنس وحشتها حبديثها إيّاها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بل يف أش ّد األوقات حني أخذ املخاض من بنت خويلد مأخذا عظيما بعثت إىل بعض نساء قريش‬
‫ني أن يأت َ‬
‫ني إليها‪..‬‬ ‫كي يلينها ما تلي النساء من النساء َ‬
‫فأب َ‬
‫عن املفضل بن عمر قال‪ :‬قلت ألبي عبد اهلل الصادق ‪ j‬كيف كان والدة فاطمة ‪ h‬؟‬
‫َ‬
‫يدخلن عليها وال‬ ‫إن خدجية ‪ h‬ملّا تز ّوج بها رسول اهلل‪k‬هجرتها نسوة مكة ّ‬
‫فكن ال‬ ‫قال‪« :‬نعم‪ّ ،‬‬
‫وغمها‬
‫من عليها وال يرتكن امرأة تدخل عليها‪ ،‬فاستوحشت خدجية لذلك وكان جزعها ّ‬ ‫يسّل َ‬
‫فلما محلت بفاطمة كانت فاطمة ‪ h‬حتدّثها من بطنها وتصبرّ ها‪ ،‬وكانت تكتم‬ ‫حذراً عليه ‪ّ ،k‬‬
‫ذلك من رسول اهلل‪k‬فدخل رسول اهلل‪k‬يوماً فسمع خدجية ‪h‬حتدّث فاطمة‪ ،h‬فقال هلا‪ :‬يا‬
‫خدجية من حتدّثني؟‬
‫قالت‪ :‬اجلنني الذي يف بطين حيدّثين ويؤنسين‪.‬‬
‫وأن اهلل تبارك‬‫قال‪ :‬ياخدجية هذا جربئيل خيربني أنها أنثى‪ ،‬وأنها النسلة الطاهرة امليمونة‪ّ ،‬‬
‫أئمة وجيعلهم خلفاءه يف أرضه بعد انقضاء وحيه‪.‬‬ ‫وتعاىل سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها ّ‬
‫فوجهت إىل نساء قريش وبين هاشم أن‬ ‫فلم تزل خدجية ‪ h‬على ذلك إىل أن حضرت والدتها‪ّ ،‬‬
‫تعالني لتلني مين ما تلي النساء‪ ،‬فأرسلن إليها أنت عصيتنا ومل تقبل قولنا وتز ّوجت حممداً يتيم‬
‫أبي طالب فقري ال مال لـه فلسنا جنيء وال نلي من أمرك شيئاً‪.‬‬
‫فاغتمت خدجية ‪ h‬لذلك‪ ،‬فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة مسر طوال كأنهن من نساء‬ ‫ّ‬
‫بين هاشم‪ ،‬ففزعت منهن ملا رأتهن‪.‬‬
‫فقالت إحداهن‪ :‬ال حتزني يا خدجية‪ ،‬أرسلنا ربك إليك وحنن أخواتك‪ ،‬أنا سارة‪ ،‬وهذه آسية بنت‬
‫مزاحم وهي رفيقتك يف اجل ّنة‪ ،‬وهذه مريم بنت عمران‪ ،‬وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران‪ ،‬بعثنا‬
‫اهلل إليك لنلي منك ما تلي النساء‪.‬‬
‫فجلست واحدة عن ميينها وأخرى عن يسارها والثالثة بني يديها والرابعة من خلفها فوضعت‬
‫فاطمة ‪h‬طاهرة مطهّرة‪.‬‬
‫فلما سقطت إىل األرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ومل يبق يف شرق األرض وال‬ ‫ّ‬
‫غربها موضع إال أشرق فيه ذلك النور‪ ،‬ودخل عشر من احلور العني كل واحدة منهن معها طست‬ ‫ّ‬
‫من اجلنة وإبريق من اجلنة‪ ،‬ويف اإلبريق ماء من الكوثر‪ ،‬فتناولتها املرأة اليت كانت بني يديها‬
‫فغسلتها مباء الكوثر وأخرجت خرقتني بيضاوين أشد بياضاً من اللنب وأطيب رحياً من املسك‬
‫والعنرب‪ ،‬فل ّفتها بواحدة وقنعتها بالثانية‪ ،‬ثم استنطقتها فنطقت فاطمة ‪ h‬بالشهادتني وقالت‪:‬‬
‫وأن بعلي سيد األوصياء وولدي سادة األسباط‪،‬‬ ‫وأن أبي رسول اهلل سيد األنبياء ّ‬‫أشهد أن ال إله إ ّال اهلل ّ‬

‫‪11‬‬
‫ومست كل واحدة منهن بامسها‪ ،‬وأقبلن يضحكن إليها‪ ،‬وتباشرت احلور العني‪،‬‬ ‫ثم سّلمت عليهن ّ‬
‫وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بوالدة فاطمة ‪ ،h‬وحدث يف السماء نور زاهر مل تره املالئكة‬ ‫ّ‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وقالت النسوة‪ :‬خذيها يا خدجية طاهرة مطهّرة‪ ،‬زكية ميمونة‪ ،‬بورك فيها ويف نسلها‪،‬‬
‫فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها‪ ،‬فكانت فاطمة ‪ h‬تنمي يف اليوم كما ينمي‬
‫الصيب يف الشهر‪ ،‬وتنمي يف الشهر كما ينمي الصيب يف السنة»(‪.)22‬‬

‫لماذا سمّيت بفاطمة؟‬


‫أن األمساء هلا دالالتها وآثارها اخلاصة على النفوس والنفسيات‪ ،‬ولذا أمر الشارع املقدس‬ ‫ال خيفى ّ‬
‫بانتخاب األمساء احلسنة‪ ،‬وجعله من مسؤولية الوالد بالذات(‪.)23‬‬
‫أن انتخاب أمساء األبناء ـ للناس العاديني ـ يكون من مسؤولية الوالدين إ ّال ّ‬
‫أن األئمة‬ ‫وبالرغم من ّ‬
‫أن السماء ختتار أمساءهم‪ ،‬وقد مت انتخاب هذه‬ ‫املعصومني ‪b‬خيتلفون عن غريهم يف ذلك‪ ،‬إذ ّ‬
‫تؤكده الروايات الشريفة‪.‬‬‫األمساء الطاهرة قبل خلق اخلليقة وهذا ما ّ‬
‫فعن ابن يونس بن ظبيان قال‪ :‬قال أبو عبد اهلل ‪« : j‬لفاطمة ‪ h‬تسعة أمساء عند اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل‪:‬‬
‫فاطمة‪ ،‬والصدّيقة‪ ،‬واملباركة‪ ،‬والطاهرة‪ ،‬والزكية‪ ،‬والراضية‪ ،‬واملرضية‪ ،‬واحملدّثة‪ ،‬والزهراء‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬أتدري أي شيء تفسري فاطمة ‪ h‬؟‬
‫قلت‪ :‬أخربني يا سيدي؟‬
‫قال‪ :‬فطمت من الشر‪.‬‬
‫أن أمري املؤمنني ‪ j‬تز ّوجها ما كان هلا كفؤ إىل يوم القيامة على وجه األرض‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ثم قال‪ :‬لوال ّ‬
‫آدم فمن دونه»(‪.)24‬‬
‫مسيت ابنيت فاطمة ّ‬
‫ألن‬ ‫وذكر ابن شريويه يف الفردوس عن جابر األنصاري قال النيب ‪« :k‬إمنا ّ‬
‫اهلل فطمها وفطم حمبيها عن النار»(‪.)25‬‬
‫مسيت فاطمة؟‬ ‫َ‬
‫وقال رسول اهلل‪« :k‬يا فاطمة أتدرين لمِ ّ‬
‫مسيت؟‬ ‫فقال علي ‪ : j‬يا رسول اهلل لمِ َ ّ‬
‫قال‪ :‬ألنها فطمت هي وشيعتها من النار»(‪.)26‬‬
‫وعن أبي جعفر ‪ j‬قال‪« :‬ملّا ولدت فاطمة ‪ h‬أوحى اهلل إىل م َلك فأنطق به لسان حممد‪k‬‬
‫فسماها فاطمة‪ ،‬ثم قال‪ :‬إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث‪ ،‬ثم قال أبو جعفر ‪ : j‬واهلل‬ ‫ّ‬

‫(‪ )22‬األمالي للصدوق‪ :‬ص‪ 594‬جملس‪ 87‬ح‪.1‬‬


‫(‪ )23‬يف وصية النيب‪k‬لعلي ‪ j‬قال‪« :‬يا علي ّ‬
‫حق الولد على والده أن يحُ ِّسن امسه»‪ ،‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ 21‬ص‪ 389‬ح‪.27377‬‬
‫(‪ )24‬علل الشرائع‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 178‬ح‪ 3‬ب‪.142‬‬
‫(‪ )25‬مناقب آل أبي طالب ‪ :j‬ج‪ 3‬ص‪.330‬‬
‫(‪ )26‬علل الشرائع‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 179‬ب‪ 142‬ح‪.5‬‬

‫‪12‬‬
‫(‪.)27‬‬‫لقد فطمها اهلل بالعلم وعن الطمث يف امليثاق»‬
‫مسيت فاطمة فاطمة؟‬ ‫كما روي عن عبد اهلل بن احلسن بن احلسن أ ّنه قال‪ :‬قال لي أبو احلسن لمِ َ ّ‬
‫قلت‪ :‬فرقاً بينه وبني األمساء‪.‬‬
‫إن اهلل تبارك وتعاىل علم ما كان قبل كونه‬ ‫إن ذلك ملَن األمساء ولكن اإلسم الذي ّ‬
‫مسيت به‪ّ ،‬‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫فلما ولدت‬‫أن رسول اهلل‪k‬يتز ّوج يف األحياء وأنهم يطمعون يف وراثة هذا األمر من قبله ّ‬ ‫فعلم ّ‬
‫عما طمعوا فبهذا‬
‫مساها اهلل تبارك وتعاىل فاطمة ملا أخرج منها وجعل يف ولدها ففطمهم ّ‬ ‫فاطمة ّ‬
‫مسيت فاطمة ألنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت قطعت»(‪.)28‬‬ ‫ّ‬
‫مسيت فاطمة ألنها فطمت‬ ‫ّ‬
‫وعن أمري املؤمنني ‪ j‬أنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل‪k‬يقول‪« :‬إني ّ‬
‫وذريتها من النار‪ ،‬من لقي اهلل منهم بالتوحيد واإلميان مبا جئت به»(‪.)29‬‬
‫وعن أبي عبد اهلل ‪ j‬أنه قال‪( :‬إنا أنزلناه يف ليلة القدر)(‪ )30‬الليلة فاطمة والقدر اهلل فمن عرف‬
‫ألن اخللق فطموا عن معرفتها(‪.)31‬‬ ‫مسيت فاطمة ّ‬ ‫فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر‪ ،‬وإمنا ّ‬

‫لماذا سمّيت بالزهراء؟‬


‫من سرية العقالء املتداولة أنهم يضعون األلفاظ بإزاء املعاني عند وجود علقة بينهما‪ ،‬فرتى أن‬
‫هناك علقة خاصة بني األلفاظ ومعانيها عادة‪ ،‬حبيث تصل هذه العلقة إىل مرحلة يذوب اللفظ‬
‫أن الناس ينظرون إىل املعنى ويهملون اللفظ‪.‬‬ ‫يف املعنى ويندك فيه ح ّتى ّ‬
‫أن كثرياً من األمساء توضع‪.‬‬‫ويف أمساء األشخاص كذلك‪ ،‬فلوجود مثل هذه العلقة املتينة جند ّ‬
‫ومن هنا مسيت الصديقة فاطمة‪ ،‬بالزهراء ‪. h‬‬
‫األئمة األطهار ‪b‬عن هذه العلقة فأجابوا وأشاروا به إىل عظمة السيدة فاطمة ‪.h‬‬ ‫وقد ُس ِئ َل ّ‬
‫فعن جعفر بن حممد بن عمارة عن أبيه قال‪ :‬سألت أبا عبد اهلل ‪ j‬عن فاطمة لمِ َ ّ‬
‫مسيت الزهراء؟‬
‫فقال‪« :‬ألنها كانت إذا قامت يف حمرابها زهر نورها ألهل السماء كما يزهر نور الكواكب ألهل‬
‫األرض»(‪.)32‬‬
‫مسيت الزهراء ‪ h‬زهراء؟‬ ‫وعن أبان بن تغلب قال‪ :‬قلت‪ :‬ألبي عبد اهلل ‪ j‬يا بن رسول اهلل لمِ َ ّ‬
‫فقال‪« :‬ألنها تزهر ألمري املؤمنني ‪ j‬يف النهار ثالث مرات بالنور‪ ،‬كان يزهر نور وجهها صالة‬
‫الغداة والناس يف فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إىل حجراتهم باملدينة فتبيض حيطانهم‬
‫عما رأوا فريسلهم إىل منزل فاطمة ‪ ،h‬فيأتون‬ ‫فيعجبون من ذلك فيأتون النيب ‪ r‬فيسألونه ّ‬
‫منزهلا فريونها قاعدة يف حمرابها تصّلي والنور يسطع من حمرابها من وجهها فيعلمون ّ‬
‫أن الذي‬
‫(‪ )27‬الكايف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 460‬باب مولد الزهراء ‪ h‬ح‪.6‬‬
‫(‪ )28‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ 13‬ب‪ 2‬ح‪.7‬‬
‫(‪ )29‬األمالي للطوسي‪ :‬ص‪ 570‬اجمللس‪ 22‬ح‪.1179‬‬
‫(‪ )30‬سورة القدر‪ :‬اآلية‪.1‬‬
‫(‪ )31‬تفسري فرات الكويف‪ :‬ص‪ 581‬ح‪.747‬‬
‫حممد وعلي وفاطمة ‪ h‬ح‪.15‬‬
‫(‪ )32‬معاني األخبار‪ :‬ص‪ 65‬باب معاني أمساء ّ‬

‫‪13‬‬
‫رأوه كان من نور فاطمة‪ ،‬فإذا نصف النهار وترتبت للصالة زهر وجهها ‪ h‬بالصفرة فتدخل‬
‫عما رأوا فريسلهم‬ ‫الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النيب ‪ r‬فيسألونه ّ‬
‫إىل منزل فاطمة ‪ h‬فريونها قائمة يف حمرابها وقد زهر نور وجهها صلوات اهلل عليها‪ ،‬فإذا كان‬
‫آخر النهار وغربت الشمس امح ّر وجه فاطمة ‪ h‬فأشرق وجهها باحلمرة فرحاً وشك ًرا هلل ع ّز‬
‫وجل فكان يدخل محرة وجهها حجرات القوم وحتم ّر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النيب‬ ‫ّ‬
‫ومتجده ونور وجهها‬ ‫‪k‬ويسألونه عن ذلك‪ ،‬فريسلهم إىل منزل فاطمة فريونها جالسة تسّبح اهلل ّ‬
‫أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة ‪ ،h‬فلم يزل ذلك النور يف وجهها‬ ‫يزهر باحلمرة فيعلمون ّ‬
‫األئمة م ّنا أهل البيت إمام بعد‬‫حتى ولد احلسني ‪ j‬فهو يتقّلب يف وجوهنا إىل يوم القيامة يف ّ‬
‫إمام»(‪.)33‬‬
‫ً‬
‫«إن اهلل خلقين وخلق عليا واحلسن واحلسني ‪j‬‬ ‫وعن ابن مسعود أ ّنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ّ :k‬‬
‫فلما أراد أن ينشئ الصنعة فتق نوري وخلق منه السماوات واألرض وأنا واهلل ّ‬
‫أجل‬ ‫من نور قدسه‪ّ ،‬‬
‫أجل من العرش‬ ‫من السماوات واألرض‪ ،‬وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي وعلي واهلل ّ‬
‫أجل من احلور العني‬ ‫والكرسي‪ ،‬وفتق نور احلسن وخلق منه احلور العني واملالئكة واحلسن واهلل ّ‬
‫أجل من اللوح والقلم‪ ،‬فعند‬ ‫واملالئكة‪ ،‬وفتق نور احلسني وخلق منه اللوح والقلم واحلسني واهلل ّ‬
‫فضجت املالئكة ونادت إهلنا‪ :‬وسيدنا حبق األشباح اليت خلقتها إ ّال ما‬ ‫ذلك أظلمت املشارق واملغارب ّ‬
‫ف ّرجت ع ّنا هذه الظلمة‪ ،‬فعند ذلك تكّلم اهلل بكلمة أخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح‬
‫مسيت‬ ‫فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت املشارق واملغارب فألجل ذلك ّ‬
‫الزهراء»(‪.)34‬‬
‫مسيت فاطمة الزهراء زهراء؟‬ ‫َ‬
‫وعن جابر‪ ،‬عن أبي عبد اهلل ‪ j‬قال‪ :‬قلت‪ :‬لمِ ّ‬
‫فلما أشرقت أضاءت السماوات واألرض بنورها‬ ‫وجل خلقها من نور عظمته‪ّ ،‬‬ ‫ألن اهلل عز ّ ّ‬‫فقال‪ّ :‬‬
‫وغشيت أبصار املالئكة وخ ّرت املالئكة هلل ساجدين وقالوا‪ :‬إهلنا وسيدنا ما هذا النور؟‬
‫فأوحى اهلل إليهم‪ :‬هذا نور من نوري‪ ،‬أسكنته يف مسائي‪ ،‬خلقته من عظميت‪ ،‬أخرجه من صلب نيب‬
‫أئمة يقومون بأمري‪ ،‬يهدون إىل‬ ‫فضله على مجيع األنبياء‪ ،‬وأُخرج من ذلك النور ّ‬ ‫من أنبيائي أُ ّ‬
‫ح ّقي‪ ،‬وأجعلهم خلفائي يف أرضي بعد انقضاء وحيي»(‪.)35‬‬
‫مسيت فاطمة ‪ h‬الزهراء؟‬ ‫وعن أبي هاشم العسكري قال‪ :‬سألت صاحب العسكر ‪ j‬لمِ َ ّ‬
‫فقال‪« :‬كان وجهها يزهر ألمري املؤمنني ‪ j‬من أول النهار كالشمس الضاحية‪ ،‬وعند الزوال‬

‫(‪ ) 33‬علل الشرائع‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 180‬ب‪ 143‬ح‪.2‬‬


‫( ‪ )34‬تأويل اآليات الظاهرة‪ :‬ص‪.591‬‬
‫( ‪ )35‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ 12‬ح‪.5‬‬

‫‪14‬‬
‫كالقمر املنري‪ ،‬وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الد ّري»(‪.)36‬‬
‫إىل غريها من الروايات‪.‬‬
‫ ‬
‫‪h‬‬ ‫من فضائلها وكراماتها‬

‫مائدة من السماء‬
‫تدل على عظمتها ومدى‬ ‫بني الفرتة واألخرى كانت تصدر من الزهراء ‪ h‬كرامات ومعاجز ّ‬
‫قداستها وعل ّو شأنها عند اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما روي عن أبي سعيد اخلدري أنه قال‪ :‬أصبح علي ‪ j‬ذات يوم فقال‪« :‬يا فاطمة عندك‬
‫شيء تغذينيه؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫قالت‪« :‬ال والذي أكرم أبي بالنب ّوة وأكرمك بالوصية‪ ،‬ما أصبح اليوم عندي شيء أغذيكاه‪ ،‬وما‬
‫كان عندي شيء منذ يومني إ ّال شيء كنت أُوثرك به على نفسي وعلى ابين هذين حسن وحسني»‪.‬‬
‫فقال علي ‪« : j‬يا فاطمة أ َال كنت أعلمتين فأبغيكم شيئاً؟»‪.‬‬
‫فقالت ‪« :h‬يا أبا احلسن‪ ،‬إني ألستحيي من إهلي أن تكّلف نفسك ما ال تقدر عليه»‪.‬‬
‫وجل فاستقرض ديناراً فأخذه‬‫الظن به ع ّز ّ‬
‫فخرج علي ‪ j‬من عند فاطمة ‪ h‬واثقاً باهلل‪ ،‬حسن ّ‬
‫ليشرتي لعياله ما يصلحهم‪ ،‬فعرض لـه املقداد بن األسود يف يوم شديد احلر قد لوحته الشمس من‬
‫فوقه وآذته من حتته‪.‬‬
‫فلما رآه علي ‪ j‬أنكر شأنه‪ ،‬فقال‪« :‬يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك»؟‬ ‫ّ‬
‫عما ورائي‪.‬‬
‫خل سبيلي وال تسألين ّ‬ ‫فقال‪ :‬يا أبا احلسن ‪ّ j‬‬
‫قال‪« :‬يا أخي ال يسعين أن جتاوزني حتى أعلم علمك»‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا أبا احلسن رغبت إىل اهلل وإليك أن ختّلي سبيلي وال تكشفين عن حالي‪.‬‬
‫فقال‪« :‬يا أخي إنه ال يسعك أن تكتمين حالك»‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا أبا احلسن أما إذا أبيت ف َو الذي أكرم حممداً ‪k‬بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجين‬
‫فلما مسعت بكاءهم مل حتملن األرض فخرجت‬ ‫من رحلي إ ّال اجلهد وقد تركت عيالي جياعاً‪ّ ،‬‬
‫مهموماً راكباً رأسي هذه حالي وقصيت‪.‬‬
‫فانهملت عينا علي ‪ j‬بالبكاء حتى بّلت دمعته حليته‪ ،‬فقال له‪« :‬أحلف بالذي حلفت به ما أزعجين‬
‫إ ّال الذي أزعجك‪ ،‬وقد اقرتضت ديناراً فهاكه‪ ،‬فقد آثرتك على نفسي»‪ .‬فدفع الدينار إليه ورجع‬
‫فلما قضى رسول اهلل‪k‬املغرب م ّر بعلي ‪j‬وهو‬ ‫حتى دخل املسجد فصّلى الظهر والعصر واملغرب‪ّ ،‬‬
‫يف الصف األول فغمزه برجله‪ ،‬فقام علي ‪ j‬فلحقه يف باب املسجد فسّلم عليه فر ّد رسول اهلل ‪،k‬‬

‫( ‪ )36‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 3‬ص‪ 330‬فصل يف منزلتها عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫تعشيناه فنميل معك»‪ .‬فمكث مطرقاً ال حيري جواباً حيا ًء من‬ ‫فقال‪« :‬يا أبا احلسن! هل عندك عشاء ّ‬
‫وجهه بوحي من اهلل إىل‬ ‫رسول اهلل‪ k‬وقد عرف‪k‬ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين ّ‬
‫فلما نظر إىل سكوته قال‪« :‬يا أبا احلسن‬ ‫يتعشى عند علي ‪-‬عليه السالم‪ -‬تلك الليلة‪ّ ،‬‬ ‫نبيه وأمره أن ّ‬
‫ما َل َك ال تقول ال فأنصرف أو تقول نعم فأمضي معك»؟‬
‫وتكرما‪« :‬فاذهب بنا»‪.‬حيا ًء‬
‫ً‬ ‫فقال حياء‬
‫الها قد قضت‬ ‫فأخذ رسول اهلل‪k‬بيد علي ‪ j‬فانطلقا حتى دخال على فاطمة ‪ h‬وهي يف مص ّ‬
‫الها فسّلمت‬ ‫فلما مسعت كالم رسول اهلل‪k‬خرجت من مص ّ‬ ‫صالتها وخلفها جفنة( ‪ )37‬تفور دخاناً‪ّ ،‬‬
‫عليه‪ ،‬وكانت أع ّز الناس عليه‪ ،‬فر ّد السالم ومسح بيده على رأسها وقال هلا‪« :‬يا بنتاه كيف أمسيت‬
‫رمحك اهلل»؟‬
‫قالت‪« :‬خبري»‪.‬‬
‫«عشينا رمحك اهلل وقد فعل‪ ،‬فأخذت اجلفنة فوضعتها بني يدي رسول اهلل‪k‬وعلي ‪، j‬‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫وشم رحيه رمى فاطمة ‪ h‬ببصره رمياً شحيحاً‪...‬‬ ‫فلما نظر علي ‪ j‬إىل الطعام ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قال‪ :‬فنظرت إىل السماء‪ ،‬فقالت‪« :‬إهلي يعلم ما يف مسائه وأرضه أني مل أقل إال حقا»‪.‬‬
‫فقال هلا‪« :‬يا فاطمة أ ّنى لك هذا الطعام الذي مل أنظر إىل مثل لونه ومل أشم مثل رائحته قط ومل‬
‫آكل أطيب منه»؟‬
‫قال‪ :‬فوضع رسول اهلل‪k‬ك ّفه الطيبة املباركة بني كتفي علي ‪ j‬فغمزها ثم قال‪« :‬يا علي‬
‫إن اهلل يرزق من يشاء بغري حساب»‪.‬‬ ‫هذا بدل عن دينارك‪ ،‬هذا جزاء دينارك من عند اهلل‪ّ ،‬‬
‫ثم استعرب النيب‪k‬باكياً ثم قال‪« :‬احلمد هلل الذي أبى لكم أن خترجا من الدنيا حتى جيريك يا‬
‫علي جمرى زكريا‪ ،‬وجيري فاطمة جمرى مريم بنت عمران»(‪.)38‬‬

‫إسالم اليهود‬
‫أن أهل البيت ‪b‬كانوا ميلكون الكثري من اخلريات إ ّال أنهم كانوا ال يُبقون شيئاً منها‬ ‫على الرغم ّ‬
‫ألنفسهم وإمنا ينفقونها لآلخرين كما ورد يف اآلية الشريفة (وَيُؤْثِرُونَ عَ َلى َأن ْ ُفسِ ِهمْ وَلوْ كَانَ ب ِ ِهمْ‬
‫خَصَاصَةٌ )( ‪.)39‬‬
‫بل إنهم ‪b‬يف بعض األحيان كانوا يضطرون إىل االقرتاض وما أشبه ليسدّوا به حاجتهم‬
‫وحيافظوا على أنفسهم من التلف والعطب‪ .‬ومثل هذه األخالقيات الرفيعة عند أهل البيت ‪b‬‬
‫ضحى أهل البيت ‪b‬‬ ‫عادة كانت تؤثر يف نفوس اآلخرين وجتعلهم يسريون على نهج احلق الذي ّ‬
‫من أجله‪.‬‬

‫(‪ )37‬اجلفنة‪ :‬أعظم ما يكون من القصاع‪( ،‬لسان العرب) مادّة جفن‪.‬‬


‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.469‬‬
‫(‪ )38‬كشف ّ‬
‫(‪ )39‬سورة احلشر‪.9 :‬‬

‫‪16‬‬
‫أن علياً ‪ j‬استقرض شعرياً من يهودي فاسرتهنه شيئاً فدفع إليه مالءة فاطمة ‪h‬‬ ‫فقد روي ّ‬
‫رهناً وكانت من الصوف‪ ،‬فأدخلها اليهودي إىل داره ووضعها يف بيت‪ّ .‬‬
‫فلما كانت الليلة دخلت‬
‫زوجته البيت الذي فيه املالءة لشغل فرأت نوراً ساطعاً أضاء به البيت‪ ،‬فانصرفت إىل زوجها وأخربته‬
‫فتعجب زوجها اليهودي من ذلك وقد نسي ّ‬
‫أن يف بيتهم مالءة‬ ‫بأنها رأت يف ذلك البيت ضو ًء عظيماً‪ّ ،‬‬
‫فاطمة‪ ،h‬فنهض مسرعاً ودخل البيت‪ ،‬فإذا ضياء املالءة ينتشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر‬
‫منري يلمع من قريب‪ ،‬فتعجب من ذلك فأنعم النظر يف موضع املالءة فعلم ّ‬
‫أن ذلك النور من مالءة‬
‫فاطمة ‪ h‬فخرج اليهودي يعدو إىل أقربائه وزوجته تعدو إىل أقربائها واستحضرهم دارهما‪،‬‬
‫فاستجمع نيف ومثانون نفراً من اليهود‪ ،‬فرأوا ذلك وأسلموا كّلهم(‪.)40‬‬

‫فضائل تج ّلت إلبراهيم الخليل ‪j‬‬


‫إن اهلل تعاىل كان يعرض على أنبيائه وخاصته من رسله أنوار أهل البيت‪b‬ويبينّ هلم مدى‬ ‫ّ‬
‫عظمتهم وارتفاع منزلتهم لديه‪ ،‬ومن ذلك هو ما حصل لنيب اهلل إبراهيم ‪ j‬عند خلقته‪ ،‬ففي‬
‫احلديث‪:‬عن رسول اهلل‪k‬أنه قال‪« :‬ملّا خلق اهلل إبراهيم اخلليل ‪ j‬كشف اهلل عن بصره فنظر‬
‫إىل جانب العرش فرأى نوراً‪ ،‬فقال‪ :‬إهلي وسيدي ما هذا النور؟‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم هذا حممد صفيي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إهلي وسيدي أرى إىل جانبه نوراً آخر‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا إبراهيم هذا علي ناصر ديين‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إهلي وسيدي أرى إىل جانبهما نوراً ثالثاً‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها وبعلها‪ ،‬فطمت حمبيها من النار‪.‬‬
‫قال‪ :‬إهلي وسيدي أرى نورين يليان الثالثة األنوار‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم هذان احلسن واحلسني يليان أباهما وجدّهما واُ ّمهما‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إهلي وسيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا باخلمسة األنوار‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم هؤالء األئمة من ولدهم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إهلي وسيدي فبمن يعرفون؟‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم أوهلم‪ :‬علي بن احلسني‪ ،‬وحممد ولد علي‪ ،‬وجعفر ولد حممد‪ ،‬وموسى ولد جعفر‪،‬‬
‫وعلي ولد موسى‪ ،‬وحممد ولد علي‪ ،‬وعلي ولد حممد‪ ،‬واحلسن ولد علي‪ ،‬وحممد ولد احلسن‬
‫القائم املهدي‪.‬‬
‫قال‪ :‬إهلي وسيدي أرى عدة أنوار حوهلم ال حيصي عدتهم إ ّال أنت‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا إبراهيم هؤالء شيعتهم وحمبوهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬إهلي ومبا يعرفون شيعتهم وحمبيهم؟‬
‫قال‪ :‬بصالة اإلحدى واخلمسني‪ ،‬واجلهر بـ «بسم اهلل الرمحن الرحيم»‪ ،‬والقنوت قبل الركوع‪،‬‬
‫(‪ )40‬اخلرائج واجلرائح‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.537‬‬

‫‪17‬‬
‫وسجدة الشكر‪ ،‬والتختم باليمني‪.‬‬
‫قال إبراهيم‪ :‬اللهم اجعلين من شيعتهم وحمبيهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد جعلتك‪ ،‬فأنزل اهلل فيه‪( :‬وَإِ ّنَ مِنْ شِيعَتِهِ إَلِبْرَاهِيمَ إِ ْذ جَاءَ رَبَّهُ ب ِ َقلْ ٍب سَلِي ٍم )(‪.) 42( ،) 41‬‬
‫التوسّل بالزهراء ‪h‬‬
‫إن كل من يتوسل بها إىل‬ ‫بلغ قداسة الصدّيقة الزهراء ‪ h‬وارتفاع مقامها عند اهلل تعاىل حبيث ّ‬
‫اهلل تعاىل بنية صافية‪ ،‬ويقدّمها بني يدي حوائجه‪ ،‬فإنه اليرد خائباً خالي اليدين‪ ،‬والشواهد الدالة‬
‫على ذلك كثرية‪ ،‬ولو أردنا استقصاءها الحتاج إىل مص ّنف ضخم‪.‬‬
‫ونقرأ يف دعاء التوسل‪« :‬يا فاطمة الزهراء‪ ،‬يا بنت حممد‪ ،‬يا قرة عني الرسول‪ ،‬يا سيدتنا وموالتنا‪،‬‬
‫إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إىل اهلل‪ ،‬وقدمناك بني يدي حاجاتنا‪ ،‬يا وجيهة عند اهلل اشفعي‬
‫لنا عند اهلل»(‪.)43‬‬
‫وصالة االستغاثة بالصديقة الطاهرة ‪ h‬معروفة‪.‬‬
‫ً‬
‫قال اإلمام الصادق ‪« : j‬إذا كانت لك حاجة إىل اهلل وضقت بها ذرعا فصل ركعتني‪ ،‬فإذا سلمت‬
‫كبرّ اهلل ثالثاً‪ ،‬وسبح تسبيح فاطمة ‪ ، h‬ثم اسجد وقل مائة مرة‪( :‬يا موالتي يا فاطمة أغيثيين)‬
‫ثم ضع خدك األمين على األرض وقل مثل ذلك‪ ،‬ثم عد إىل السجود وقل ذلك مائة مرة وعشر‬
‫مرات‪ ،‬واذكر حاجتك فإن اهلل يقضيها»(‪.)44‬‬
‫ونذكر هنا قصة أم أمين كشاهد على ذلك‪:‬‬

‫أنا خادمة فاطمة ‪h‬‬


‫أن اُ ّم أمين ملّا تو ّفيت فاطمة ‪ h‬حلفت أن ال تكون باملدينة إذ التطيق النظر إىل مواضع‬
‫روي ّ‬
‫فلما كانت يف بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً‪ ،‬فرفعت‬ ‫كانت ‪h‬فيها‪ ،‬فخرجت إىل مكة‪ّ ،‬‬
‫يديها وقالت‪ :‬يا رب أنا خادمة فاطمة تقتلين عطشاً؟!‬
‫فأنزل اهلل عليها دلواً من السماء فشربت‪ ،‬فلم حتتج إىل الطعام والشراب سبع سنني وكان الناس‬
‫يبعثونها يف اليوم الشديد احل ّر فما يصيبها عطش(‪.)45‬‬

‫إنه من عند اهلل‬


‫إن التاريخ مل ينقل لنا إ ّال القليل من مناقب وفضائل أهل البيت ‪b‬إ ّال ّ‬
‫أن الذي‬ ‫على الرغم من ّ‬
‫وواف ملعرفة أفضليتهم وشرافتهم على غريهم من الناس‪ ،‬فإنهم أفضل اخللق‬ ‫كاف ٍ‬ ‫وصلنا منها ٍ‬
‫(‪ )41‬سورة الصافات‪ 83 :‬ـ ‪.84‬‬
‫(‪ )42‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 36‬ص‪.213‬‬
‫(‪ )43‬البلد األمني‪ :‬ص‪.325‬‬
‫(‪ )44‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 6‬ص‪ 313‬ب‪ 22‬ح‪.6891‬‬
‫(‪ )45‬اخلرائج واجلرائح‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.530‬‬

‫‪18‬‬
‫بعد رسول اهلل ‪.k‬‬
‫أن فضائلها اليت وصلتنا‬ ‫ّ‬
‫إن التاريخ مل ينقل لنا إال القليل من فضائل الصدّيقة الزهراء ‪ h‬إال ّ‬ ‫ّ‬
‫كافية يف معرفة قداستها‪.‬‬
‫يقول أبو سعيد اخلدري‪ :‬أُهديت إىل رسول اهلل‪k‬قطيفة(‪ )46‬منسوجة بالذهب أهداها لـه ملك‬
‫ال حيب اهلل ورسوله‪ ،‬وحيّبه اهلل ورسوله»‪.‬‬ ‫احلبشة‪ ،‬فقال رسول اهلل‪« :k‬ألعطيها رج ً‬
‫فم ّد أصحاب حممد رسول اهلل‪k‬أعناقهم إليها‪.‬‬
‫فقال رسول اهلل‪« :k‬أين علي؟»‬
‫قال عمار بن ياسر‪ :‬فلما مسعت ذلك وث ْب ُت حتى أتيت علياً ‪ j‬فأخربته‪ ،‬فجاء‪ ،‬فدفع رسول اهلل‬
‫‪k‬القطيفة إليه فقال‪ :‬أنت هلا‪.‬‬
‫فقسمها يف املهاجرين واألنصار‪ ،‬ثم رجع ‪ j‬إىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فخرج بها إىل سوق املدينة فنقضها سلكا سلكا‪ّ ،‬‬
‫منزله وما معه منها دينار‪.‬‬
‫فلما كان من غد استقبله رسول اهلل‪k‬فقال‪ :‬يا أبا احلسن أخذت أمس ثالثة آالف مثقال من‬
‫ذهب فأنا واملهاجرون واألنصار نتغدى غداً عندك‪.‬‬
‫فقال علي ‪ : j‬نعم يا رسول اهلل‪.‬‬
‫فلما كان الغد أقبل رسول اهلل‪k‬يف املهاجرين واألنصار حتى قرعوا الباب‪ ،‬فخرج إليهم وقد عرق‬ ‫ّ‬
‫من احلياء ألنه ليس يف منزله قليل وال كثري‪ ،‬فدخل رسول اهلل‪k‬ودخل املهاجرون واألنصار حتى‬
‫جلسوا‪ ،‬ودخل علي وفاطمة ‪ h‬فإذا هم جبفنة مملوءة ثريداً عليها ُعراق(‪ ،)47‬يفور منها ريح املسك‬
‫األذفر‪ ،‬فضرب علي ‪ j‬بيده عليها فلم يقدر على محلها‪ ،‬فعاونته فاطمة ‪ h‬على محلها حتى‬
‫أخرجها فوضعها بني يدي رسول اهلل ‪.k‬‬
‫فدخل‪k‬على فاطمة فقال‪ :‬أي بنية أ ّنى لك هذا؟‬
‫إن اهلل يرزق من يشاء بغري حساب‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬يا أبت هو من عند اهلل ّ‬
‫فقال رسول اهلل‪ :k‬احلمد هلل الذي مل خيرجين من الدنيا حتى رأيت يف ابنيت ما رأى زكريا يف‬
‫مريم بنت عمران(‪.)48‬‬
‫من آذاها فقد آذى الرسول ‪k‬‬
‫أن من آذى الصديقة فاطمة ‪ h‬فقد آذى رسول اهلل‪k‬وأنها ‪-‬عليها‬ ‫الروايات الشريفة تؤكد على ّ‬
‫الصالة والسالم‪ -‬بضعته وروحه اليت بني جنبيه‪.‬‬
‫أن سخط اهلل تبارك وتعاىل ورضاه منوط بسخط ورضا الصدّيقة الطاهرة‬ ‫ويف الروايات أيضاً ّ‬
‫يدل على جاللة قدرها ‪-‬سالم اهلل عليها‪ -‬عند الباري سبحانه‬ ‫فاطمة الزهراء ‪ h‬األمر الذي ّ‬
‫ومدى علو شأنها‪.‬‬
‫(‪ ) 46‬القطيفة‪ :‬كساء لـه مخل‪ ،‬واخلمل‪ :‬ريش النعام‪( ،‬لسان العرب) مادّة قطف ومخل‪.‬‬
‫(‪ ) 47‬العُراق‪ :‬العظام إذا مل يكن عليها شيء من اللحم‪( ،‬لسان العرب) مادّة‪ :‬عرق‪.‬‬
‫( ‪ )48‬سعد السعود‪ :‬ص‪.90‬‬

‫‪19‬‬
‫فعن جماهد قال‪ :‬خرج رسول اهلل‪k‬وقد أخذ بيد فاطمة ‪ h‬وقال‪« :‬من عرف هذه فقد عرفها‪،‬‬
‫حممد‪ ،‬وهي بضعة منيّ ‪ ،‬وهي قليب الذي بني جنيب‪ ،‬فمن آذاها‬ ‫ومن مل يعرفها فهي فاطمة بنت ّ‬
‫فقد آذاني‪ ،‬ومن آذاني فقد آذى اهلل»(‪.)49‬‬
‫تدل بوضوح على سخط اهلل ورسوله على الذين آذوا الصديقة فاطمة‬ ‫فإن مثل هذه الروايات ّ‬‫وعليه ّ‬
‫‪ h‬بعد وفاة رسول اهلل‪k‬فضربوها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها‪ ،‬وغصبوا حنلتها وحرموها‬
‫إرثها‪ ،‬ومنعوها حتى من البكاء على أبيها (‪.)50‬‬
‫ال من أوالد الربامكة عرض لعلي‬ ‫أن رج ً‬ ‫ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط رفعه إىل الرضا ‪ّ j‬‬
‫بن موسى الرضا ‪ j‬فقال لـه ما تقول يف أبي بكر؟ قال له‪« :‬سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إ ّال اهلل‬
‫حل السائل عليه يف كشف اجلواب‪ ،‬فقال ‪« : j‬كانت لنا أم صاحلة ماتت وهي‬ ‫واهلل أكرب»‪ ،‬فأ ّ‬
‫عليهما ساخطة‪ ،‬ومل يأتنا بعد موتها خرب أنها رضيت عنهما»(‪.)51‬‬

‫يؤذيني من آذاها‬
‫وجل‪ ،‬ومن‬ ‫وأن فيها أذية هلل ع ّز ّ‬ ‫أن أذية الرسول‪k‬حم ّرمة ّ‬ ‫ومن املسّلمات عند كافة املسلمني ّ‬
‫تلك املوارد اليت ص ّرح رسول اهلل‪k‬نفسه أنها تؤذيه هي أذية ابنته الصديقة الزهراء ‪ h‬ففي‬
‫إن قومك يقولون إنك تؤثر عليهم‬ ‫أن سهل بن عبد اهلل جاء إىل عمر بن عبد العزيز فقال‪ّ :‬‬ ‫احلديث ّ‬
‫ولد فاطمة؟‬
‫أن النيب‪k‬قال‪ :‬فاطمة بضعة منيّ ‪ ،‬يرضيين ما أرضاها‪،‬‬ ‫فقال عمر‪ :‬مسعت الثقة من الصحابة ّ‬
‫ويسخطين ما أسخطها‪ ،‬فواهلل إني حلقيق أن أطلب رضى رسول اهلل ورضاه ورضاها يف رضى‬
‫ولدها‪.‬‬
‫وقــــــــد علــــــــموا أنّ النبـــــــي يسرّه‬
‫مســـــــــرّهتا جدّ ًا ويشين اغتـــمامها‬
‫ممن تقارف الذنوب ـ والعياذ باهلل من هذا‬ ‫يدل على عصمتها ‪ ، h‬ألنها لو كانت ّ‬ ‫وقوله‪k‬هذا ّ‬
‫القول ـ مل يكن مؤذيها ‪ h‬مؤذياً لـه‪k‬على كل حال‪.‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل‪:k‬‬
‫رها»(‪.) 52‬‬
‫إن فاطمة بضعة مين‪ ،‬وهي نور عيين‪ ،‬ومثرة فؤادي‪ ،‬يسوءني ما ساءها‪ ،‬ويس ّرني ما س ّ‬ ‫«ياعلي‪ّ ،‬‬
‫«إن فاطمة ‪ h‬شعرة مين‪ ،‬فمن آذى شعرة مين فقد‬ ‫وعن جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬قال رسول اهلل‪ّ :k‬‬
‫آذاني‪ ،‬ومن آذاني فقد آذى اهلل‪،‬ومن آذى اهلل لعنه مأل السماوات واألرض»(‪.)53‬‬

‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.467‬‬


‫(‪ ) 49‬كشف ّ‬
‫(‪ )50‬راجع كتاب حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ ،178‬وكتاب اخلصال‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.607‬‬
‫(‪ )51‬الطرائف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 252‬ح‪.351‬‬
‫(‪ ) 52‬األمالي للصدوق‪ :‬ص‪ 486‬اجمللس الثالث والسبعون ح‪.18‬‬
‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.467‬‬
‫(‪ )53‬كشف ّ‬

‫‪20‬‬
‫إن اهلل يرضى لرضاها ويسخط لسخطها‬
‫لقد كان رسول اهلل‪k‬شديد احملبة لفاطمة ‪ h‬وكان‪k‬بني احلني واآلخر يشيد بفضائلها‬
‫أن رضاها ‪-‬سالم اهلل عليها‪ -‬من رضا اهلل وسخطها من سخطه‪.‬‬ ‫ويؤكد على ّ‬ ‫أمام اآلخرين‪ّ ،‬‬
‫عن الصادق جعفر بن حممد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن احلسني‪ ،‬عن احلسني بن علي‪ ،‬عن علي بن أبي‬
‫إن اهلل تبارك وتعاىل ليغضب لغضبك‪،‬ويرضى‬ ‫طالب ‪ j‬عن رسول اهلل‪k‬أنه قال‪« :‬يا فاطمة‪ّ ،‬‬
‫لرضاك»‪.‬‬
‫قال‪ :‬فجاء صندل فقال جلعفر بن حممد ‪ّ : j‬‬
‫إن هؤالء الشباب جييئونا عنك بأحاديث منكرة‪.‬‬
‫فقال لـه جعفر ‪ : j‬وما ذاك يا صندل؟‬
‫أن اهلل يغضب لغضب فاطمة ‪ h‬ويرضى لرضاها‪.‬‬ ‫قال‪ :‬جاءنا عنك أنك حدّثتهم ّ‬
‫قال‪ :‬فقال جعفر ‪ : j‬يا صندل‪ ،‬ألستم رويتم فيما تروون ّ‬
‫إن اهلل تبارك وتعاىل ليغضب لغضب‬
‫عبده املؤمن ويرضى لرضاه‪.‬‬
‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما تنكرون أن تكون فاطمة ‪ h‬مؤمنة يغضب اهلل لغضبها ويرضى لرضاها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال (ال َّلهُ َأعْ َلمُ حَيْثُ يَجْع َُل ِرسَالَ َته)ُ(‪.)54‬‬

‫النبي‪k‬يقبِّل فاطمة ‪h‬‬


‫عن حذيفة بن اليمان قال‪ :‬دخلت عائشة على النيب‪k‬وهو يقّبل فاطمة ‪-‬صلوات اهلل عليها‪-‬‬
‫وقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أتقّبلها وهي ذات بعل؟‬
‫فقال هلا‪« :‬أما واهلل لو عرفت ودّي هلا الزددت هلا و ّداً‪ ،‬إنه ملّا ُعرج بي إىل السماء الرابعة أ ّذن جربئيل‬
‫‪ j‬وأقام ميكائيل ‪ j‬ثم قال لي‪ :‬أ ّذن‪ .‬قلت أؤ ّذن‪ ،‬وأنت حاضر؟‬
‫وفضلت أنت خاصة يا‬ ‫فضل أنبياءه املرسلني على مالئكته املق ّربني‪ّ ،‬‬ ‫إن اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل ّ‬ ‫فقال‪ :‬نعم‪ّ ،‬‬
‫فلما صرت إىل السماء السادسة إذا أنا مبلك من نور‬ ‫حممد‪ ،‬فدنوت‪ ،‬فصّليت بأهل السماء الرابعة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫علي السالم وهو متكئ‪ ،‬فأوحى‬ ‫على سرير من نور وحوله صف من املالئكة‪ ،‬فسّلمت عليه فر ّد ّ‬
‫اهلل تعاىل إليه أيّها امللك سّلم عليك حبييب وخريتي من خلقي‪ ،‬فرددت عليه السالم وأنت متكئ؟‬
‫وعانقنيثم قال‪ :‬ما‬ ‫ّ‬ ‫لتقومن ولتسّلمن عليه وال تقعد إىل يوم القيامة‪ ،‬فقام امللك‬ ‫ّ‬ ‫فوع ّزتي وجاللي‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫أكرمك على ّ‬
‫وقلت‪(:‬وَالْمُؤْمِنُونَ ُك ٌ ّل آمَنَ بِال َّلهِ‬
‫مت ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫ُ‬
‫فلما صرت إىل احلجب نوديت (آمَنَ الرَس ُُول بِمَا أن ِز َل إِلَيْهِ مِنْ رَب ِهِ) فأ ُِ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وَمَالئ َِكتِهِ وَ ُك ُت ِبهِ وَرُسُلِهِ)(‪ )55‬ثم أخذ جربئيل ‪ j‬بيدي فأدخلين اجلنة وأنا مسرور‪ ،‬فإذا أنا بشجرة‬
‫من نور مكّللة بالنور يف أصلها ملكان يطويان احللي واحللل إىل يوم القيامة‪ ،‬ثم تقدّمت أمامي فإذا‬
‫علي منها حوراء كأن أجناحها‬ ‫أنا بتفاح مل أر تفاحاً أعظم منه‪ ،‬فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت ّ‬
‫(‪ )54‬األمالي للصدوق‪ :‬ص‪ 383‬اجمللس احلادي والستون ح‪.1‬‬
‫(‪ )55‬سورة البقرة‪.285 :‬‬

‫‪21‬‬
‫مقاديم أجنحة النسور‪ ،‬فقلت‪ :‬ملن أنت؟ فبكت‪ ،‬وقالت‪ :‬البنك املقتول ظلماً احلسني بن علي بن أبي‬
‫طالب‪.‬‬
‫ّمت أمامي فإذا أنا برطب ألني من الزبد وأحلى من العسل‪ ،‬فأخذت رطبة فأكلتها وأنا‬ ‫ثم تقد ُ‬
‫فلما هبطت إىل األرض واقعت خدحية فحملت‬ ‫أشتهيها‪ ،‬فتح ّولت الرطبة نطفة يف صليب‪ّ ،‬‬
‫بفاطمة‪ ،‬ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إىل رائحة اجلنة مشمت رائحة ابنيت فاطمة صلوات‬
‫اهلل عليها(‪.)56‬‬

‫سيّدة نساء العالمين‬


‫بأن الصديقة الزهراء ‪ h‬هي سيدة نساء العاملني من األولني‬ ‫تظافرت األخبار عن اخلاصة والعامة ّ‬
‫واآلخرين‪ ،‬ومل يشكك يف مثل هذه املنقبة أحد حتى املخالفني‪ ،‬فعن أبي احلسن األول ‪ j‬قال‪ :‬قال‬
‫«إن اهلل تبارك وتعاىل اختار من النساء أربعاً‪ :‬مريم‪ ،‬وآسية‪ ،‬وخدجية‪ ،‬وفاطمة»(‪.) 57‬‬ ‫رسول اهلل ‪ّ :k‬‬
‫وعن رسول اهلل‪k‬أ ّنه قال‪« :‬اشتاقت اجلنة إىل أربع من النساء‪ :‬مريم بنت عمران‪ ،‬وآسية بنت‬
‫مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النيب‪k‬يف اجلنة‪ ،‬وخدجية بنت خويلد زوجة النيب‪k‬يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وفاطمة بنت حممد‪.)58(»k‬‬
‫خط رسول اهلل‪k‬يف األرض أربعة خطوط ثم قال‪« :‬أتدرون ما هذا»؟‬ ‫وعن ابن عباس قال‪ّ :‬‬
‫قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪.‬‬
‫فقال رسول اهلل‪« :k‬أفضل نساء أهل اجلنة خدجية بنت خويلد‪ ،‬وفاطمة بنت حممد ‪ ،k‬ومريم‬
‫بنت عمران‪ ،‬وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(‪.)59‬‬
‫كأن مشيتها مشية رسول اهلل‪k‬قال النيب‪« :k‬مرحباً‬ ‫وعن عائشة قالت‪ :‬أقبلت فاطمة متشي ّ‬
‫يا بنيت» فأجلسها عن ميينه أو عن مشاله ثم أس ّر إليها حديثاً فبكت‪ ،‬ثم أس ّر إليها حديثاً فضحكت‪.‬‬
‫ثم حدّثك حبديث فضحكت‪ ،‬فما رأيت كاليوم‬ ‫فقلت هلا‪ :‬حدّثك رسول اهلل‪k‬حبديث فبكيت‪ّ ،‬‬
‫أقرب فرحاً من حزن من فرحك؟‬
‫فقالت‪« :‬ما كنت ألفشي س ّر رسول اهلل‪.»k‬‬
‫إن جربئيل كان يعارضين بالقرآن كل سنة‬ ‫إلي فقال‪ّ :‬‬ ‫حتى أ ّنه إذا ُقبض سألتها‪ ،‬فقالت‪« :‬أس ّر ّ‬
‫مرة وإنه عارضين به العام مرتني وال أراني إ ّال قد حضر أجلي‪ِ ،‬‬
‫وإنك أول أهل بييت حلوقاً بي ونعم‬
‫ثم قال‪ :‬أال ترضني أن تكوني سيدة نساء هذه ُ‬
‫األمة أو س ّيدة نساء‬ ‫السلف أنا لك‪ ،‬فبكيت لذلك‪ّ ،‬‬
‫املؤمنني‪ ،‬فضحكت لذلك»(‪.)60‬‬

‫(‪ )56‬تفسري فرات الكويف‪ :‬ص‪ 75‬ح‪.49‬‬


‫(‪ )57‬اخلصال‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 225‬ح‪.58‬‬
‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪466‬‬
‫(‪ )58‬كشف ّ‬
‫(‪ )59‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 29‬ص‪.345‬‬
‫(‪ )60‬روضة الواعظني‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ ،151‬جملس يف ذكر وفاة فاطمة ‪. h‬‬

‫‪22‬‬
‫في القرآن‬ ‫‪h‬‬ ‫فاطمة‬
‫مما يدل على عظم شأن الصدّيقة الزهراء ‪ h‬وارتفاع مكانتها عند اهلل جل جالله‪ ،‬هو نزول الكثري‬
‫من آيات القرآن الكريم يف شأنها‪ ،‬وأشادت العديد منها إىل فضائلها وخصاهلا احلميدة‪.‬‬
‫ففي احلديث عن أنس بن مالك قال‪ :‬بينا رسول اهلل‪k‬صّلى صالة الفجر ثم استوى يف حمرابه‬
‫تفسر لنا هذه اآلية‪ ،‬قوله تعاىل‪َ ( :‬ف ُأوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ‬‫كالبدر يف متامه‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬إن رأيت أن ّ‬
‫َأنْعَمَ ال ّلهُ عَ َليْ ِهم ّمِنَ ال ّنَ ِب ِينيَ وَال ّصِ ّدِيقِنيَ وَال ّشُهَدَاء وَال ّصَالِحِنيَ )(‪.) 61‬‬
‫ّ‬
‫فعمي محزة‪،‬‬ ‫وأما الشهداء ّ‬ ‫وأما الصدّيقون فعلي بن أبي طالب‪ّ ،‬‬ ‫«أما النبيون فأنا‪ّ ،‬‬ ‫فقال النيب‪ّ :k‬‬
‫وأما الصاحلون فابنيت فاطمة وولداها احلسن واحلسني ‪ .» j‬فنهض العباس من زاوية املسجد‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫إىل بني يديه‪k‬وقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة واحلسن واحلسني من ينبوع‬
‫واحد؟‬
‫عماه؟»‬ ‫قال‪« :k‬وما وراء ذلك يا ّ‬
‫قال‪ :‬ألنك مل تذكرني حني ذكرتهم‪ ،‬ومل تش ّرفين حني ش ّرفتهم‪.‬‬
‫عماه ّأما قولك أنا وأنت وعلي واحلسن واحلسني من ينبوع واحد فصدقت‪،‬‬ ‫فقال رسول اهلل‪« :k‬يا ّ‬
‫ولكن خلقنا اهلل حنن حيث ال مساء مبنية وال أرض مدحية وال عرش وال جنة وال نار‪ ،‬كنا نسّبحه‬
‫فلما أراد اهلل بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش‪،‬‬ ‫حني ال تسبيح‪ ،‬ونقدّسه حني ال تقديس‪ّ ،‬‬
‫فنور العرش من نوري ونوري من نور اهلل وأنا أفضل من العرش‪ ،‬ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق‬
‫منه املالئكة‪ ،‬فنور املالئكة من نور ابن أبي طالب ونور ابن أبي طالب من نور اهلل ونور ابن أبي طالب‬
‫أفضل من املالئكة‪ ،‬وفتق نور ابنيت فاطمة منه فخلق السماوات واألرض‪ ،‬فنور السماوات واألرض‬
‫من نور ابنيت فاطمة ونور فاطمة من نور اهلل وفاطمة أفضل من السماوات واألرض‪ ،‬ثم فتق نور‬
‫احلسن فخلق منه الشمس والقمر‪ ،‬فنور الشمس والقمر من نور احلسن ونور احلسن من نور اهلل‬
‫واحلسن أفضل من الشمس والقمر‪ ،‬ثم فتق نور احلسني فخلق منه اجلنة واحلور العني‪ ،‬فنور‬
‫اجلنة واحلور العني من نور احلسني ونور احلسني من نور اهلل واحلسني أفضل من اجلنة واحلور‬
‫إن اهلل خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها يف سحائب البصر‪ ،‬فقالت املالئكة‪ :‬سّبوح قدّوس‬ ‫العني‪ ،‬ثم ّ‬
‫ربنا مذ عرفنا هذه األشباح ما رأينا سو ًء فبحرمتهم إ ّال كشفت ما نزل بنا‪ .‬فهنالك خلق اهلل تعاىل‬
‫قناديل الرمحة وعّلقها على سرادق العرش‪ .‬فقالت‪ :‬إهلنا ملن هذه الفضيلة وهذه األنوار؟ فقال‪:‬‬
‫ألن السماوات واألرضني بنورها‬ ‫مسيت أَ َميت الزهراء ّ‬ ‫هذا نور أَ َميت فاطمة الزهراء ‪ h‬فلذلك ّ‬
‫وحجيت على خلقي‪ ،‬أُشهدكم يا مالئكيت أني قد جعلت‬ ‫ظهرت‪ ،‬وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي ّ‬
‫ثواب تسبيحكم وتقديسكم هلذه املرأة وشيعتها إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫( ‪ )61‬سورة النساء‪.69 :‬‬

‫‪23‬‬
‫فعند ذلك نهض العباس إىل علي بن أبي طالب ‪ j‬وقّبل ما بني عينيه‪ ،‬وقال‪ :‬يا علي‪ ،‬لقد جعلك‬
‫حجة بالغة على العباد إىل يوم القيامة (‪.)62‬‬
‫اهلل ّ‬

‫عالمة آل محمد ‪k‬‬


‫اللدُني من اهلل فقد أُوتيت من العلم واملعرفة قدراً ال‬
‫إن الصدّيقة الزهراء ‪ h‬كانت عاملة بالعلم َّ‬ ‫ّ‬
‫يضاهيها فيه أحد سوى والدها الرسول األعظم‪k‬وبعلها أمري املؤمنني ‪. j‬‬
‫عما هو كائن وما كان وما سيكون‬ ‫كانت ‪-‬سالم اهلل عليها‪ -‬على قدر من املعرفة حبيث إنها خترب ّ‬
‫يدل على سعة علمها ‪ h‬وارتفاع مقامها‪.‬‬ ‫دل على شيء فإمنا ّ‬ ‫يف املستقبل‪ ،‬وهذا إن ّ‬
‫عمار وقال‪ :‬أُخربك عجباً؟‬ ‫فعن سلمان قال‪ :‬حدّثين ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حدّثين يا ّ‬
‫فلما أبصرت به نادت‪ :‬ادن‬ ‫قال‪ :‬نعم شهدت علي بن أبي طالب ‪ j‬وقد وجل على فاطمة ‪ّ h‬‬
‫ُألحدّثك مبا كان ومبا هو كائن ومبا مل يكن إىل يوم القيامة حني تقوم الساعة‪.‬‬
‫عمار‪ :‬فرأيت أمري املؤمنني ‪ j‬يرجع القهقرى(‪ ،)63‬فرجعت برجوعه إذ دخل على النيب ‪.k‬‬ ‫قال ّ‬
‫فقال له‪ :‬ادن يا أبا احلسن‪.‬‬
‫اطمأن به اجمللس قال له‪ :‬حتدّثين أم أُحدّثك؟‬ ‫َّ‬ ‫فلما‬
‫فدنا‪ّ ،‬‬
‫قال‪ :‬احلديث منك أحسن يا رسول اهلل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬كأ ّني بك وقد دخلت على فاطمة‪ ،‬وقالت لك كيت وكيت‪ ،‬فرجعت‪.‬‬
‫فقال علي ‪ : j‬نور فاطمة من نورنا‪.‬‬
‫فقال‪ :k‬أو ال تعلم‪.‬‬
‫فسجد علي ‪ j‬شكراً هلل تعاىل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ووجلت معه‪،‬‬ ‫عمار‪ :‬فخرج أمري املؤمنني ‪ j‬وخرجت خبروجه‪ ،‬فوجل على فاطمة ‪h‬‬ ‫قال ّ‬
‫فقالت‪ :‬كأ ّنك رجعت إىل أبي‪k‬فأخربته مبا قلته لك؟‬
‫قال‪ :‬كان كذلك يا فاطمة‪.‬‬
‫جل جالله ثم أودعه شجرة‬ ‫أن اهلل تعاىل خلق نوري وكان يسّبح اهلل ّ‬ ‫فقالت‪ :‬اعلم يا أبا احلسن ّ‬
‫فلما دخل أبي اجلنة أوحى اهلل تعاىل إليه إهلاماً أن اقتطف الثمرة من‬ ‫من شجر اجلنة فأضاءت‪ّ ،‬‬
‫تلك الشجرة وأدرها يف هلواتك ففعل‪ ،‬فأودعين اهلل سبحانه صلب أبي‪k‬ثم أودعين خدجية بنت‬
‫أعلم ما كان وما يكون وما مل يكن‪ ،‬يا أبا احلسن املؤمن‬ ‫خويلد ‪ h‬فوضعتين‪ ،‬وأنا من ذلك النور‪ُ ،‬‬
‫ينظر بنور اهلل تعاىل(‪.)64‬‬

‫(‪ ) 62‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 25‬ص‪ 16‬ب‪ 1‬ح‪ ،3‬وللمزيد راجع كتاب فاطمة الزهراء ‪ h‬يف القرآن‪ ،‬لسماحة آية اهلل العظمى السيد صادق الشريازي (دام ظله الوارف)‪.‬‬
‫(‪ ) 63‬القهقرى‪ :‬يرتاجع على قفاه‪ ،‬كتاب (العني) مادّة قهقر‪.‬‬
‫( ‪ )64‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ 8‬ب‪ 1‬ح‪.11‬‬

‫‪24‬‬
‫ضمت بني ط ّياتها العديد من‬
‫ومما يدل على عظيم علم الصدّيقة الزهراء ‪ h‬خطبتها الغ ّراء اليت ّ‬
‫األحكام الشرعية وفلسفتها والكثري من املفاهيم الغزيرة اليت ال يدرك غورها إ ّال من أجهد نفسه‬
‫من أجل فهمها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫كما كانت ‪ h‬تعلم النساء املسائل الشرعية واملعارف اإلسالمية‪ ،‬ففي احلديث املعروف الوارد‬
‫عن اإلمام احلسن العسكري ‪ j‬قال‪:‬‬
‫إن لي والدة ضعيفة‪ ،‬وقد ُلبس عليها يف‬ ‫«حضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء ‪ h‬فقالت‪ّ :‬‬
‫أمر صالتها شيء‪ ،‬وقد بعثتين إليك أسألك‪.‬‬
‫فأجابتها فاطمة ‪ h‬عن ذلك‪.‬‬
‫فث ّنت‪ ،‬فأجابت‪.‬‬
‫عشرت‪ ،‬فأجابت‪.‬‬ ‫ثم ثّلثت إىل أن ّ‬
‫ثم خجلت من الكثرة‪ ،‬فقالت‪ :‬ال ّ‬
‫أشق عليك يا ابنة رسول اهلل؟‬
‫عما بدا لك‪ ،‬أرأيت من اكرتى يوماً يصعد إىل سطح حبمل ثقيل‬ ‫قالت فاطمة ‪ : h‬هاتي وسلي ّ‬
‫وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟‬
‫فقالت‪ :‬ال‪.‬‬
‫اكرتيت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بني الثرى إىل العرش لؤلؤاً فأحرى أن ال يثقل‬
‫ُ‬ ‫فقالت‪:‬‬
‫إن علماء شيعتنا حيشرون‪ ،‬فيخلع عليهم من خلع الكرامات على كثرة‬ ‫علي‪.‬مسعت أبي‪k‬يقول‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫علومهم وجدّهم يف إرشاد عباد اهلل حتى خيلع على الواحد منهم ألف ألف حّلة من نور‪ ،‬ثم ينادي‬
‫وجل‪ :‬أيّها الكافلون أليتام آل حممد‪k‬الناعشون(‪ )65‬هلم عند انقطاعهم عن آبائهم‬ ‫منادي ربنا ع ّز ّ‬
‫أئمتهم‪ ،‬هؤالء تالمذتكم واأليتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع‬ ‫الذين هم ّ‬
‫العلوم يف الدنيا فيخلعون على كل واحد من اُولئك األيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم إىل‬
‫آخره»(‪.) 66‬‬

‫( ‪ )65‬تنعش الضعيف‪ :‬أي تقوّيه وتقيمه‪( ،‬جممع البحرين) مادّة نعش‪.‬‬


‫( ‪ )66‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 17‬ص‪ 318‬ب‪ 11‬ح‪.21460‬‬

‫‪25‬‬
‫مصحف فاطمة ‪h‬‬
‫وقد بقى منها ‪ h‬كتاب فيه علوم آل حممد‪k‬امسه (مصحف فاطمة ‪ ) h‬وهو اآلن عند اإلمام‬
‫احلجة (عج) وفيه تفسري القرآن وعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إىل يوم القيامة(‪.)67‬‬ ‫ّ‬
‫أما ما يتهم به بعض املخالفني من أنه قرآن غري هذا القرآن فهو باطل‪ ،‬فإن القرآن عند الشيعة‬
‫اإلمامية هو هذا القرآن املوجود اليوم يف أيدي مجيع املسلمني مل ينقص منه حرف ومل يزد فيه‬
‫شيء‪ ،‬وقد أمر الرسول األعظم‪k‬جبمعه وترتيب سوره وآياته على هذا النحو املوجود‪ ،‬فجمع‬
‫القرآن بهذه الكيفية املوجودة اليوم يف حياة رسول اهلل ‪.)68(k‬‬
‫وقد كان هناك أيضاً مصحف ألم سلمة وعائشة وحفصة وغريهن( ‪.)69‬‬
‫ ‬

‫(‪ ) 67‬انظر الكايف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 238‬باب فيه ذكر الصحيفة واجلفر واجلامعة ومصحف فاطمة ح‪.1‬‬
‫(‪ ) 68‬للتفصيل انظر كتاب (متى مجع القرآن) لإلمام املؤلف (أعلى اهلل درجاته)‪.‬‬
‫( ‪ )69‬انظر فالح السائل‪ :‬ص‪.94‬‬

‫‪26‬‬
‫زواجها‬
‫األمير يخطب الصدّيقة ‪h‬‬
‫عندما عرض بعض األنصار على أمري املؤمنني ‪ j‬الزواج من الصدّيقة الزهراء ‪ h‬جاء ‪-‬سالم‬
‫فرحب النيب‪k‬كثرياً وأبدى استيناسه بطلب‬ ‫اهلل عليه‪ -‬إىل رسول اهلل‪k‬وعرض عليه حاجته‪ّ ،‬‬
‫أمري املؤمنني ‪. j‬‬
‫فعن ابن بريدة عن أبيه قال‪ :‬قال نفر من األنصار لعلي بن أبي طالب ‪ : j‬اخطب فاطمة ‪. h‬‬
‫فأتى رسول اهلل‪k‬فسّلم عليه‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬ما حاجة علي بن أبي طالب؟‬
‫قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ذكرت فاطمة بنت رسول اهلل ‪.k‬‬
‫ال‪ ،‬مل يزد عليها‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬مرحباً وأه ً‬
‫فخرج علي على أُولئك الرهط من األنصار وكانوا ينتظرونه‪ ،‬قالوا‪ :‬ما وراءك؟‬
‫قال‪ :‬ما أدري غري أنه قال‪ :‬مرحباً وأه ً‬
‫ال‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يكفيك من رسول اهلل‪k‬أحدهما‪ ،‬أعطاك األهل والرحب‪.‬‬
‫فلما كان بعد ذلك قال ‪ :k‬يا علي إنه الب ّد للعرس من وليمة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فلما كان ليلة البناء قال‬
‫فقال سعد‪ :‬عندي كبش‪ ،‬ومجع لـه رهط من األنصار آصعا من ذرة‪ّ ،‬‬
‫ثن شيئاً حتى تلقاني‪.‬‬ ‫لعلي‪ :‬ال ْ‬
‫حت ِد ّ‬
‫فدعا رسول اهلل‪k‬مباء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي ‪ ، j‬وقال‪ :‬اللهم بارك فيهما‪ ،‬وبارك‬
‫عليهما‪ ،‬وبارك هلما يف شبليهما‪.‬‬
‫وقال ابن ناصر‪ :‬يف نسليهما(‪.)70‬‬

‫السماء تزوّج فاطمة ‪h‬‬


‫خاصة كان أمر‬ ‫ّ‬
‫بيدهن ّ‬ ‫ّ‬
‫زواجهن بيد آبائهن أو‬ ‫على خالف كل نساء العامل اللواتي يكون أمر‬
‫الصدّيقة الزهراء ‪ h‬بيد اهلل تعاىل فهو الذي اختار الكفؤ هلا‪.‬‬
‫ممن خطبوا الزهراء ‪ h‬جاءه األمر‬‫أن الرسول‪k‬بعد أن ر ّد الكثري ّ‬ ‫فقد ورد يف الكثري من األخبار ّ‬
‫اإلهلي بأن‪ :‬ز ّوج فاطمة من علي ‪. j‬‬
‫فلما أفاق قال لي‪ :‬يا أنس‪ ،‬أتدري ما جاءني به‬
‫عن أنس قال‪ :‬كنت عند النيب‪k‬فغشيه الوحي‪ّ ،‬‬
‫جربئيل من عند صاحب العرش؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أمرني أن أُز ّوج فاطمة من علي ‪. j‬‬

‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.365‬‬


‫( ‪ )70‬كشف ّ‬

‫‪27‬‬
‫فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبري وبعددهم من األنصار‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلقت‪ ،‬فدعوتهم له‪.‬‬
‫فلما أن أخذوا جمالسهم قال رسول اهلل‪ :k‬احلمد هلل احملمود بنعمته‪ ،‬املعبود بقدرته‪ ،‬املطاع‬ ‫ّ‬
‫بسلطانه‪ ،‬املرهوب من عذابه‪ ،‬املرغوب إليه فيما عنده‪ ،‬النافذ أمره يف أرضه ومسائه‪ ،‬الذي خلق‬
‫إن اهلل جعل املصاهرة‬ ‫اخللق بقدرته‪ ،‬وم ّيزهم بأحكامه‪ ،‬وأع ّزهم بدينه‪ ،‬وأكرمهم بنب ّيه حممد‪ .‬ثم ّ‬
‫نسباً الحقاً وأمراً مفرتضاً‪ ،‬وشبح بها األرحام‪ ،‬وألزمها األنام‪ ،‬فقال تبارك امسه وتعاىل جدّه‪( :‬وَهُوَ‬
‫الَّذِي خَ َلقَ مِنَ الْماءِ بَشَر ًا َفجَعَ َلهُ نَسَب ًا وَصِهْر ًا وَكانَ رَبُّكَ َقدِير ًا)(‪ )71‬فأمر اهلل جيري إىل قضائه‪ ،‬وقضاؤه‬
‫جيري إىل قدره‪ ،‬فلكل قضاء قدر‪ ،‬ولكل قدر أجل‪ ،‬ولكل أجل كتاب‪َ( ،‬ميْحُوا ا ُهلل ما يَشاءُ وَيُ ْث ِبتُ وَعِنْدَهُ‬
‫ِتاب)(‪ )72‬ثم إ ّني أُشهدكم أني قد ز ّوجت فاطمة من علي ‪ j‬على أربعمائة مثقال فضة إن‬ ‫ُأمُّ الْك ِ‬
‫رضي علي بذلك‪ ،‬وكان غائباً قد بعثه رسول اهلل‪k‬يف حاجة‪.‬‬
‫ثم أمر رسول اهلل‪k‬بطبق فيه بسر(‪ )73‬فوضع بني أيدينا ثم قال‪ :‬انتهبوا‪ ،‬فبينا حنن كذلك إذ أقبل‬
‫إن اهلل أمرني أن أُز ّوجك فاطمة‪ ،‬وقد زوجتكها‬ ‫فتبسم إليه رسول اهلل‪k‬ثم قال‪ :‬يا علي‪ّ ،‬‬ ‫علي ‪ّ ، j‬‬
‫على أربعمائة مثقال فضة‪ ،‬أرضيت؟‬
‫قال‪ :‬رضيت يا رسول اهلل‪.‬‬
‫ثم قام علي ‪ j‬فخ ّر هلل ساجدا‪ً.‬‬
‫فقال النيب ‪ :k‬جعل اهلل فيكما الكثري الط ّيب‪ ،‬وبارك فيكما‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬واهلل‪ ،‬لقد أخرج منهما الكثري الط ّيب(‪.)74‬‬
‫الضحاك بن مزاحم‪ ،‬قال‪ :‬مسعت علي بن أبي طالب ‪ j‬يقول‪« :‬أتاني أبو بكر وعمر‪،‬فقاال‪:‬‬ ‫وعن ّ‬
‫لو أتيت رسول اهلل‪k‬فذكرت لـه فاطمة‪.‬‬
‫فلما رآني رسول اهلل‪k‬ضحك‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما جاء بك يا أبا احلسن وما حاجتك؟‬ ‫قال‪ :‬فأتيته‪ّ ،‬‬
‫قال‪ :‬فذكرت لـه قرابيت‪ ،‬وقدمي يف اإلسالم‪ ،‬ونصرتي لـه‪ ،‬وجهادي‪.‬‬
‫مما تذكر‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬يا علي‪ ،‬صدقت‪ ،‬فأنت أفضل ّ‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فاطمة تز ّوجنيها؟‬
‫فقال‪ :‬يا علي‪ ،‬إنه قد ذكرها قبلك رجال‪ ،‬فذكرت ذلك هلا‪ ،‬فرأيت الكراهة يف وجهها‪ ،‬ولكن على‬
‫رسلك حتى أخرج إليك‪.‬‬
‫فوضأته بيدها‪ ،‬وغسلت‬ ‫فدخل‪k‬عليها فقامت إليه‪ ،‬فأخذت رداءه‪ ،‬ونزعت نعليه‪ ،‬وأتته بالوضوء‪ّ ،‬‬
‫رجليه‪ ،‬ثم قعدت‪ ،‬فقال هلا‪ :‬يا فاطمة‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬لّبيك‪ ،‬حاجتك يا رسول اهلل؟‬
‫( ‪ )71‬سورة الفرقان‪.54 :‬‬
‫(‪ ) 72‬سورة الرعد‪.39 :‬‬
‫ُسر‪ :‬مثر النخل قبل أن يرطب‪( ،‬جممع البحرين) مادّة بسر‪.‬‬‫( ‪ )73‬الب ْ‬
‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.348‬‬‫( ‪ )74‬كشف ّ‬

‫‪28‬‬
‫إن علي بن أبي طالب ‪َ j‬من قد عرفت قرابته وفضله وإسالمه‪ ،‬وإ ّني قد سألت ربي أن‬ ‫قال‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫يز ّوجك خري خلقه وأحّبهم إليه‪ ،‬وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين؟‬
‫تول وجهاً ومل ير فيه رسول اهلل‪k‬كراهة‪ ،‬فقام وهو يقول‪ :‬اهلل أكرب‪ ،‬سكوتها إقرارها‪،‬‬ ‫فسكتت ومل ّ‬
‫فأتاه جربئيل ‪ ، j‬فقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬ز ّوجها علي بن أبي طالب‪ّ ،‬‬
‫فإن اهلل قد رضيها لـه ورضيه هلا‪.‬‬
‫قال علي ‪ : j‬فز ّوجين رسول اهلل‪ ،k‬ثم أتاني فأخذ بيدي‪ ،‬فقال‪« :‬قم بسم اهلل‪ ،‬وقل على بركة‬
‫توكلت على اهلل»‪.‬‬‫اهلل‪ ،‬وما شاء اهلل‪ ،‬ال ق ّوة إ ّال باهلل‪ّ ،‬‬
‫إلي فأحّبهما‪ ،‬وبارك يف‬‫أحب خلقك ّ‬‫«اللهم إ ّنهما ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم جاءني حني أقعدني عندها ‪ ، h‬ثم قال‪:‬‬
‫ذريّتهما‪ ،‬واجعل عليهما منك حافظاً‪ ،‬وإ ّني أُعيذهما وذريتهما بك من الشيطان الرجيم»(‪.)75‬‬
‫واملستفاد من بعض األخبار أنه لوال علي أمري املؤمنني ‪ j‬مل يكن للصدّيقة الزهراء ‪ h‬كفؤ‬
‫أبداً (‪.) 76‬‬

‫من علي ‪j‬‬ ‫‪h‬‬ ‫اهلل زوّجها‬


‫عن ابن عباس وأنس بن مالك قاال‪ :‬بينما رسول اهلل‪k‬جالس إذ جاء علي‪ ،‬فقال‪ :‬يا علي‪ ،‬ما جاء بك؟‬
‫قال‪ :‬جئت أُسّلم عليك‪.‬‬
‫أن اهلل ز ّوجك فاطمة‪ ،‬وأشه َد على تزوجيها أربعني ألف ملك‪،‬وأوحى اهلل‬ ‫قال‪ :‬هذا جربئيل خيربني ّ‬
‫إىل شجرة طوبى أن انثري عليهم الد ّر والياقوت‪ ،‬فنثرت عليهم الد ّر والياقوت‪ ،‬فابتدرن إليه احلور‬
‫وهن يتهادي ّنه بينهن إىل يوم القيامة‪ ،‬وكانوا يتهادون‬
‫العني يلتقطن يف أطباق الد ّر والياقوت‪ّ ،‬‬
‫ويقولون‪ :‬هذه حتفة خري النساء(‪.) 77‬‬
‫وعن أمري املؤمنني ‪ j‬قال‪« :‬قال رسول اهلل ‪ :k‬أتاني ملك‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممد‪ّ ،‬‬
‫إن اهلل يقرأ عليك‬
‫السالم‪ ،‬ويقول لك‪ :‬إ ّني قد ز ّوجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب يف املأل األعلى‪ ،‬فز ّوجها منه‬
‫يف األرض»(‪.) 78‬‬
‫فلما أفاق قال لي‪« :‬يا أنس‪ ،‬أتدري ما جاءني به‬‫وعن أنس قال‪ :‬كنت عند النيب‪k‬فغشيه الوحي‪ّ ،‬‬
‫جربيل من عند صاحب العرش؟»‬
‫قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪.‬‬
‫قال‪« :‬أمرني أن أُز ّوج فاطمة من علي»(‪.)79‬‬

‫(‪ ) 75‬األمالي للطوسي‪ :‬ص‪ 39‬اجمللس‪ 2‬ح‪.43‬‬


‫( ‪ )76‬راجع تهذيب األحكام‪ :‬ج‪ 7‬ص‪ 470‬ب‪ 41‬ح‪.90‬‬
‫( ‪ )77‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.346‬‬
‫(‪ ) 78‬صحيفة الرضا ‪ :j‬ص‪ 94‬ح‪.32‬‬
‫الغمة‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.348‬‬
‫( ‪ )79‬كشف ّ‬
‫`‬ ‫ ‬

‫‪29‬‬
‫راحيل يخطب في أهل السماوات‬
‫وقد خطب امللك «راحيل» يوم تزويج الصدّيقة الزهراء ‪ h‬خطبة بليغة أشار فيها إىل اختيار‬
‫الباري تعاىل أمري املؤمنني ‪ j‬للسيدة الزهراء ‪ h‬فقال‪:‬‬
‫«احلمد هلل األول قبل أولية األولني‪ ،‬الباقي بعد فناء الباقني‪ ،‬حنمده إذ جعلنا مالئكة روحانيني‪،‬‬
‫وبربوبيته مذعنني‪ ،‬وله على ما أنعم علينا شاكرين‪ ،‬حجبنا من الذنوب‪ ،‬وسرتنا من العيوب‪،‬‬
‫وأسكننا يف السماوات‪ ،‬وق ّربنا إىل السرادقات‪ ،‬وحجب ع ّنا النهم للشهوات‪ ،‬وجعل نهمتنا وشهوتنا يف‬
‫جل عن إحلاد أهل األرض من املشركني‪ ،‬وتعاىل‬ ‫تهليله وتسبيحه‪ ،‬الباسط رمحته‪ ،‬الواهب نعمته‪ّ ،‬‬
‫ال يف امللكوت األعلى‪ ،‬واحتجب‬ ‫توحد فع ً‬
‫بعظمته عن إفك امللحدين‪ ،‬أنذرنا بأسه‪ ،‬وع ّرفنا سلطانه‪ّ ،‬‬
‫ركب الشهوات يف‬ ‫عن األبصار‪ ،‬وأظلم نور ع ّزته األنوار‪ ،‬وكان من إسباغ نعمته وإمتام قضيته أن ّ‬
‫وخصهم باألمر الالزم‪ ،‬ينشر هلم األوالد وينشئ هلم البالد‪ ،‬فجعل احلياة سبيل أُل َف ِت ِهم‬‫بين آدم ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫واملوت غاية فرقتهم‪ ،‬وإىل اهلل املصري‪ ،‬اختار امللك اجلّبار صفوة كرمه وعظمته أل َمته سيدة النساء‪،‬‬
‫بنت خري النبيني وسيد املرسلني وإمام املتقني‪ ،‬صاحب املقام احملمود واليوم املشهود واحلوض املورود‪،‬‬
‫فوصل حبله حببل رجل من أهله‪ ،‬صاحبه املصدّق دعوته‪ ،‬املبادر إىل كلمته‪ ،‬علي الوصول بفاطمة‬
‫وجل‪ :‬ز ّوجت عبدي من أَ َميت فاشهدوا مالئكيت»(‪.)80‬‬
‫البتول بنت الرسول‪ ،k‬قال اهلل ع ّز ّ‬

‫خطبة اإلمام علي ‪j‬‬


‫ّ‬
‫ثم قال ألمري املؤمنني ‪ : j‬تكلم‬ ‫ويف نفس جملس العقد خطب رسول اهلل‪k‬خبطبة شريفة‪ّ ،‬‬
‫خطيباً لنفسك‪.‬‬
‫فقال ‪« : j‬احلمد هلل الذي قرب من حامديه‪ ،‬ودنا من سائليه‪ ،‬ووعد اجل ّنة من ي ّتقيه‪ ،‬وأنذر‬
‫بالنار من يعصيه‪ ،‬حنمده على قديم إحسانه وأياديه‪ ،‬محد من يعلم أنه خالقه وباريه‪ ،‬ومميته‬
‫وحمييه‪ ،‬ومسائله عن مساويه‪ ،‬ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه‪ ،‬ونشهد أن ال إله إ ّال اهلل‬
‫وأن حممداً عبده ورسوله(صلى اهلل عليه وآله)صالة‬ ‫وحده ال شريك لـه شهاده تبلغه وترضيه‪ّ ،‬‬
‫مما قدّره اهلل وأ ِذن‬‫تزلفه وحتظيه وترفعه وتصطفيه‪ ،‬والنكاح ما أمر اهلل به ويرضيه‪ ،‬واجتماعنا ّ‬
‫فيه‪ ،‬وهذا رسول اهلل ز ّوجين ابنته فاطمة على مخسمائة درهم‪ ،‬وقد رضيت‪،‬فاسألوه واشهدوا»(‪.)81‬‬

‫( ‪ )80‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 14‬ص‪ 209‬ب‪ 33‬ح‪.16517‬‬


‫( ‪ )81‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.350‬‬

‫‪30‬‬
‫مهر فاطمة ‪h‬‬
‫يف الروايات الكثرية أن قلة املهر دليل على خري املرأة وبركتها‪ ،‬وكان مهر الصدّيقة الطاهرة‬
‫فاطمة الزهراء ‪ h‬كذلك‪ ،‬فاملشهور على أن مهرها مخسمائة درهم فقط‪ ،‬كما سبق‪.‬‬
‫ويف بعض الروايات أنه ثالثون درهماً‪ ،‬وال يستبعد ذلك‪.‬‬
‫عن اإلمام الصادق ‪ j‬قال‪« :‬ز ّوج رسول اهلل‪k‬علياً فاطمة ‪ h‬على درع حطمية يساوي ثالثني‬
‫درهماً»(‪.)82‬‬
‫وعن أبي جعفر الباقر ‪ j‬قال‪« :‬كان صداق فاطمة ‪ h‬جرد برد حربة ودرع حطمية‪ ،‬وكان‬
‫فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(‪.)83‬‬
‫ُ‬
‫وأما املهر املعنوي فقد جعله اهلل الشفاعة للمذنبني من أ ّمة حممد‪k‬من شيعة علي وأوالده‬
‫الطاهرين ‪.b‬‬
‫«إن اهلل تبارك وتعاىل أمهر فاطمة ‪ h‬ربع الدنيا فربعها‬ ‫فعن أبي بصري عن أبي عبد اهلل ‪ j‬قال‪ّ :‬‬
‫هلا‪ ،‬وأمهرها اجلنة والنار تدخل أعداءها النار وتدخل أولياءها اجلنة‪ ،‬وهي الصدّيقة الكربى وعلى‬
‫معرفتها دارت القرون ُ‬
‫األوىل»(‪.)84‬‬
‫ ‬
‫اإلمام يتباهى بالزهراء ‪h‬‬
‫ال وعلماً ومرتبة إ ّال‬
‫فضل اهلل أمري املؤمنني علياً ‪ j‬على من سواه بكل شيء‪ ،‬وفاق الناس فض ً‬ ‫لقد ّ‬
‫عمه النيب احلبيب املصطفى ‪.k‬‬ ‫ابن ّ‬
‫ّ‬
‫بل إنه ‪ j‬يف بعض األمور اختص خبصائص مل تكن للنيب‪k‬نفسه‪ ،‬وهذا ال يدل على شرافته‬ ‫ُ‬
‫عليه كما هو واضح‪ ،‬وإمنا هي خصائص انفرد بها اإلمام ‪. j‬‬
‫وقد أشار رسول اهلل ‪k‬نفسه إىل بعض هذه اخلصائص‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يت مثل زوجتك فاطمة ‪ ،h‬وأُعطيت‬ ‫عط َ‬‫يت صهراً مثلي‪ ،‬وأُ ِ‬ ‫عط َ‬ ‫عطها‪:‬أُ ِ‬‫يت ثالثاً مل أُ َ‬ ‫«يا علي‪،‬أُ ِ‬
‫عط َ‬
‫مثل ولديك احلسن واحلسني ‪.)85(» c‬‬
‫إن لك زوجة مثل فاطمة ‪ h‬وليس لي‬ ‫وعن النيب‪k‬أ ّنه قال‪« :‬يا علي‪،‬لك أشياء ليست لي منها‪ّ :‬‬
‫مثلها‪ ،‬ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صليب‪ ،‬ولك مثل خدجية أُ ّم أهلك وليس لي‬
‫مثلها محاة‪ ،‬ولك صهر مثلي وليس لي صهر مثلي‪ ،‬ولك أخ يف النسب مثل جعفر وليس لي مثله يف‬
‫النسب‪ ،‬ولك أُ ّم مثل فاطمة بنت أسد اهلامشية املهاجرة وليس لي مثلها»(‪.)86‬‬
‫ختص أمري املؤمنني ‪ j‬بتزوجيه من الزهراء ‪ h‬وبقي ‪ j‬يتباهى مبثل هذه‬ ‫نعم‪ ،‬فقد اُ ّ‬
‫اخلصلة‪ ،‬فمن كتاب لـه ‪ j‬إىل معاوية قال فيه‪:‬‬
‫«وم ّنا النيب ومنكم املك ّذب‪ ،‬وم ّنا أسد اهلل ومنكم أسد األحالف‪ ،‬وم ّنا سيدا شباب أهل اجلنة ومنكم‬
‫(‪ )82‬الكايف‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ 377‬باب ما تزوج عليه أمري املؤمنني فاطمة‪ c‬ح‪2‬و‪.4‬‬
‫(‪ ) 83‬الكايف‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ 378‬باب ما تزوج عليه أمري املؤمنني فاطمة‪ c‬ح‪.5‬‬
‫(‪ ) 84‬األمالي للطوسي‪ :‬ص‪ 686‬اجمللس ‪ 36‬ح‪.1399‬‬
‫(‪ ) 85‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 39‬ص‪.76‬‬
‫( ‪ )86‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 2‬ص‪170‬‬
‫‪31‬‬
‫صبية النار‪ ،‬وم ّنا خري نساء العاملني ومنكم ّ‬
‫محالة احلطب»‪ .‬قال ‪: j‬‬

‫حممد النـــــــــــيب أخي وصـــــنوي ومحزة سيـــــــــد الشهداء عمّ ي‬


‫وجعفر الذي ميسي ويضـــــــــحي يطــــــــري مع املالئـــــــكة ابن ُأمّي ‬
‫وبنت حممد ســـــــــكين وعرسي منـــــــــــوط حلمها بدمي وحلمي( ‪ )87‬‬

‫تربية الحسنين ‪c‬‬


‫األئمة املعصومني ‪b‬أدّبهم اهلل تعاىل وأحسن تربيتهم‪ ،‬ففي احلديث أنه قيل‬ ‫أن ّ‬ ‫من الواضح ّ‬
‫لرسول اهلل‪َ :k‬من أدّبك؟ قال‪« :‬أدّبين ربّي»‪.‬‬
‫ويف حديث آخر قال‪« :k‬أدّبين ربّي فأحسن تأدييب»( ‪.)88‬‬
‫فإن املعصومني ‪b‬كانوا يؤ دبون أوالدهم وذويهم‪ ،‬فكل إمام يأخذ العلم ممن‬ ‫باإلضافة إىل ذلك ّ‬
‫كان قبله أيضاً‪ ،‬فأمري املؤمنني والسيدة الزهراء ‪ h‬تأدّبا بآداب رسول اهلل‪ ،k‬كما ّ‬
‫أن احلسنني‬
‫‪ c‬تأدّبا بآداب النيب ‪k‬وفاطمة وأمري املؤمنني ‪. j‬‬
‫وكانت الصديقة الطاهرة فاطمة ‪ h‬تبذل جهدها يف تربية وتعليم احلسنني وسائر أوالدها ‪h‬‬
‫بالرتبية اإلميانية واإلسالمية اليت تليق باملعصومني ‪b‬وذويهم منذ الصغر‪.‬‬
‫أن احلسن بن علي ‪ j‬كان حيضر جملس رسول اهلل‪k‬وهو ابن سبع سنني‬ ‫ففي التاريخ‪ّ :‬‬
‫فيسمع الوحي فيحفظه‪ ،‬فيأتي أُ ّمه فيلقي إليها ما حفظه‪ ،‬وكّلما دخل علي ‪ j‬وجد عندها‬
‫علماً بالتنزيل‪،‬فيسأهلا عن ذلك؟‬
‫فقالت‪ :‬من ولدك احلسن‪.‬‬
‫فتخ ّفى يوماً يف الدار وقد دخل احلسن وقد مسع الوحي فأراد أن يلقيه إليها ّ‬
‫فارتج عليه‪ ،‬فعجبت‬
‫فإن كبرياً يسمعين‪ ،‬فاستماعه قد أوقفين‪.‬‬ ‫أُ ّمه من ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ال تعجبني يا أُ ّماه ّ‬
‫فخرج علي ‪ j‬فقّبله‪.‬‬
‫ّ‬
‫وكل لساني لعل س ّيداً يرعاني»(‪.)89‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف رواية قال‪« :‬يا أُ ّماه‪ ،‬قل بياني َ‬
‫ّ‬

‫الذرية الطاهرة‬
‫إن اهلل تعاىل قد وهب الصديقة الطاهرة ‪ h‬تلك الذرية املباركة‪ ،‬حيث جعل منها األئمة‬
‫املعصومني األطهار ‪ ،b‬وهذا خري دليل على شرافتها‪.‬‬
‫عن سلمان الفارسي أ ّنه قال‪ :‬دخلت على فاطمة ‪ h‬واحلسن واحلسني ‪ c‬يلعبان بني يديها‪،‬‬
‫( ‪ )78‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 38‬ص‪ 238‬ح‪.11‬‬
‫( ‪ )88‬راجع مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 8‬ص‪ 397‬ح‪ ،9785‬وحبار األنوار‪ :‬ج‪ 68‬ص‪.382‬‬
‫( ‪ )89‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ 338‬ح‪.11‬‬

‫‪32‬‬
‫ففرحت بهما فرحاً شديداً‪ ،‬فلم ألبث حتى دخل رسول اهلل‪k‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أخربني بفضيلة‬
‫هؤالء ألزداد هلم حباً‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا سلمان‪ ،‬ليلة أُسري بي إىل السماء أدارني جربئيل يف مساواته وج ّناته‪ ،‬فبينا أنا أدور قصورها‬
‫وبساتينها ومقاصريها(‪ )90‬إذ مشمت رائحة طيبة فأعجبتين تلك الرائحة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا حبييب‪ ،‬ما هذه‬
‫الرائحة اليت غلبت على روائح اجلنة كّلها؟‬
‫فقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬تفاحة خلقها اهلل تبارك وتعاىل بيده(‪ ) 91‬منذ ثالمثائة ألف عام ما ندري ما يريد‬
‫بها‪.‬‬
‫فبينا أنا كذلك إذ رأيت مالئكة ومعهم تلك التفاحة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا حممد‪ ،‬ربنا السالم يقرأ عليك‬
‫السالم وقد أحتفك بهذه التفاحة‪.‬‬
‫فلما هبط بي إىل األرض‬ ‫قال رسول اهلل‪ :k‬فأخذت تلك التفاحة فوضعتها حتت جناح جربئيل ّ‬
‫أكلت تلك التفاحة‪ ،‬فجمع اهلل ماءها يف ظهري فغشيت خدجية بنت خويلد فحملت بفاطمة من‬
‫إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية فز ّوج النور من النور‪ ،‬فاطمة‬ ‫ماء تلك التفاحة‪ ،‬فأوحى اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل ّ‬
‫من علي‪ ،‬فإني قد زوجتها يف السماء وجعلت مخس األرض مهرها‪ ،‬وستخرج فيما بينهما ذرية‬
‫طيبة وهما سراجا اجلنة احلسن واحلسني‪ ،‬وخيرج من صلب احلسني أئمة يُقتلون ويخُ ذلون‬
‫فالويل لقاتلهم وخاذهلم(‪.) 92‬‬
‫ُ‬
‫ويف خرب طويل نذكر حمل احلاجة منه‪ ،‬قال هارون العباسي لإلمام الكاظم ‪ : j‬أريد أن أسألك‬
‫عن العباس وعلي‪ ،‬مب صار علي أوىل مبرياث رسول اهلل‪k‬من العباس‪ ،‬والعباس عم رسول اهلل‪k‬‬
‫وصنو أبيه؟‬
‫فقال لـه موسى ‪ : j‬أعفين‪.‬‬
‫قال‪ :‬واهلل ال أعفيتك‪ ،‬فأجبين‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن مل تعفين‪ ،‬فآمين‪.‬‬
‫قال‪ :‬آمنتك‪.‬‬
‫إن أباك العباس آمن ومل‬ ‫إن النيب‪k‬مل يورث من قدر على اهلجرة فلم يهاجر‪ّ .‬‬ ‫قال موسى ‪ّ : j‬‬
‫ُهاجرُوا ما لَ ُكمْ مِنْ وَاليَتِ ِهمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَ َّتى‬
‫وإن علياً ‪ j‬آمن وهاجر‪ ،‬وقال اهلل‪( :‬وَالَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ ي ِ‬ ‫يهاجر‪ّ ،‬‬
‫ي ِ‬
‫ُهاجرُوا)( ‪.)93‬‬
‫نسبون إىل رسول‬ ‫نسبون إىل علي ‪ j‬هو أبوكم‪ ،‬و ُت َ‬ ‫فالتمع(‪ )94‬لون هارون وتغيرّ ‪ ،‬وقال‪ :‬ما لكم ال ُت َ‬

‫( ‪ )90‬مقاصري‪ :‬نواحي‪( ،‬لسان العرب) مادّة قصر‪.‬‬


‫( ‪ )91‬اليد‪ :‬القدرة‪( ،‬لسان العرب) مادّة يدي‪.‬‬
‫( ‪ )92‬تأويل اآليات الظاهرة‪ :‬ص‪.240‬‬
‫(‪ ) 93‬سورة األنفال‪.72 :‬‬
‫( ‪ )94‬التمع لونه‪ :‬ذهب وتغيرّ ‪( ،‬لسان العرب) مادّة ملع‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫اهلل‪k‬وهو جدّكم؟‬
‫ُ‬
‫«إن اهلل نسب املسيح عيسى ابن مريم ‪ j‬إىل خليله إبراهيم ‪ j‬بأ ّمه مريم‬ ‫فقال موسى ‪ّ : j‬‬
‫ميسها بشر يف قوله (وَمِنْ ُذرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُ َليْمانَ وَ َأيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ‬
‫البكر البتول اليت مل ّ‬
‫وَ َكذلِكَ نَجْ ِزي الْمُحْسِنِنيَ ‪-‬و ََز َك ِريَّا ويَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ ُك ٌّل مِنَ الصَّالِحِنيَ)(‪ )95‬فنسبه ُبأ ّمه وحدها إىل خليله‬
‫إبراهيم ‪ j‬كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون ‪ j‬بآبائهم وأُمهاتهم فضيلة‬
‫لعيسى ‪ j‬ومنزلة رفيعة بأُ ّمه وحدها‪ ،‬وذلك قوله يف قصة مريم ‪ِ ( :h‬إنَّ ا َهلل اص َْطفاكِ و ََطهَّرَكِ‬
‫وَاص َْطفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِنيَ)( ‪ )96‬باملسيح من غري بشر‪ ،‬وكذلك اصطفى ربنا فاطمة ‪ h‬وطهّرها‬
‫وفضلها على نساء العاملني باحلسن واحلسني سيدي شباب أهل اجلنة»(‪.)97‬‬ ‫ّ‬

‫( ‪ )95‬سورة األنعام‪ 84 :‬ـ ‪.85‬‬


‫(‪ ) 96‬سورة آل عمران‪.42 :‬‬
‫( ‪ )97‬حتف العقول‪ :‬ص‪.404‬‬

‫‪34‬‬
‫ عبادتها وأخالقها ‪h‬‬
‫تسبيح فاطمة ‪h‬‬
‫اختصت بها الصدّيقة الزهراء ‪ h‬هو تسبيحها املعروف الذي أحتفها‬ ‫املهمة اليت ّ‬ ‫ومن اخلصائص ّ‬
‫به رسول اهلل‪k‬بعد أن أشار عليها أمري املؤمنني ‪ j‬أن تذهب إليه‪k‬وتستخدمه إحدى اجلواري‪،‬‬
‫فعّلمها إيّاه‪.‬‬
‫فعن أمري املؤمنني ‪ j‬قال‪« :‬أهدى بعض ملوك األعاجم إىل رسول اهلل‪ k‬رقيقاً‪ ،‬فقلت لفاطمة‬
‫‪ :h‬اذهيب إىل رسول اهلل ‪ k‬فاستخدميه خادماً‪ ،‬فأتته فسألته ذلك‪ ...‬فقال هلا رسول اهلل‪ :k‬يا‬
‫فاطمة أُعطيك ما هو خري لك من خادم ومن الدنيا مبا فيها‪ ،‬تكبرّ ين اهلل بعد كل صالة ثالثاً‬
‫وثالثني تكبرية‪ ،‬وحتمدين اهلل ثالثاً وثالثني حتميدة‪ ،‬وتسّبحني اهلل ثالثاً وثالثني تسبيحة‪ ،‬ثم‬
‫ختتمني ذلك بال إله إ ّال اهلل‪ ،‬فذلك خري لك من الذي أردت ومن الدنيا مبا فيها‪ ،‬فلزمت ‪ h‬هذا‬
‫التسبيح بعد كل صالة ونسب إليها»(‪.)98‬‬
‫وعن أبي جعفر الباقر ‪j‬قال‪« :‬ما ُعبد اهلل بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة ‪ h‬ولو‬
‫كان شيء أفضل منه لنحله رسول اهلل ‪k‬فاطمة ‪.)99(»h‬‬
‫وروي عن حممد بن مسلم أ ّنه قال‪ :‬سألت أبا جعفر ‪j‬عن التسبيح‪ ،‬فقال‪« :‬ما علمت شيئاً موظفاً‬
‫غري تسبيح فاطمة ‪ ،h‬وعشر م ّرات بعد الفجر تقول‪ :‬ال إله إ ّال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬لـه امللك وله‬
‫احلمد‪ ،‬حييي ومييت‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬ويسّبح ما شاء تط ّوعاً»(‪.)100‬‬
‫وعن حممد بن مسلم قال‪ :‬قال أبو جعفر ‪« : j‬من سّبح تسبيح الزهراء ‪ h‬ثم استغفر‪ُ ،‬غ ِفر لـه‪،‬‬
‫وهي مائة باللسان‪ ،‬وألف يف امليزان‪ ،‬وتطرد الشيطان‪ ،‬وترضي الرمحن»(‪.)101‬‬
‫أن أمري املؤمنني ‪ j‬قال لرجل من بين سعد‪« :‬أال أُحد ّثك عنيّ وعن فاطمة الزهراء؟‬ ‫وروي ّ‬
‫ّ‬
‫إ ّنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر يف صدرها‪ ،‬وطحنت بالرحى حتى جملت(‪ )102‬يدها‪،‬‬
‫ربت ثيابها‪ ،‬وأوقدت حتت القدر حتى دكنت(‪ )103‬ثيابها‪ ،‬فأصابها من ذلك‬ ‫وكسحت البيت حتى اغ ّ‬
‫حر ما أنت فيه من هذا العمل؟‬ ‫أتيت أباك فسأل ِته خادماً يكفيك َّ‬ ‫ُض ّر شديد‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬لو ِ‬
‫فأتت النيب‪k‬فوجدت عنه حداثاً فاستحيت فانصرفت‪.‬‬
‫فعلم‪k‬أنها قد جاءت حلاجة‪ ،‬فغدا علينا وحنن يف حلافنا‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬فسكتنا واستحيينا‬
‫ملكاننا‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬فسكتنا‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬فخشينا إن مل نرد عليه أن ينصرف‪ ،‬وقد كان يفعل ذلك فيسّلم ثالثاً فإن‬
‫أُذن لـه وإ ّال انصرف‪.‬‬

‫( ‪ )98‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ 35‬ب‪ 6‬ح‪.5302‬‬


‫(‪ ) 99‬تهذيب األحكام‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ 105‬ب‪ 8‬ح‪.166‬‬
‫( ‪ )101‬الكايف‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ 533‬باب القول عند اإلصباح واإلمساء ح‪.34‬‬
‫( ‪ )102‬مجَ َلت‪ :‬أي َخشنت و َثخن جلدها ّ‬
‫وتعجر وظهر فيها ما يشبه البثر‪( ،‬لسان العرب) مادّة جمل‪.‬‬
‫( ‪ )103‬دَك َنت‪ :‬أي اغربّت‪( ،‬جممع البحرين) مادّة دكن‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫فقلنا‪ :‬وعليك السالم يا رسول اهلل اُدخل‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬ما كانت حاجتك أمس عند حممد؟‬ ‫فجلس عند رؤوسنا‪ّ ،‬‬
‫فخشيت إن مل جنبه أن يقوم‪ ،‬قال‪ :‬فأخرجت رأسي‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا واهلل أُخربك يا رسول اهلل‪ ،‬أنها استقت‬
‫ربت‬‫بالقربة حتى أ ّثر يف صدرها‪ ،‬وجرت بالرحى حتى جملت يداها‪ ،‬وكسحت البيت حتى اغ ّ‬
‫ثيابها‪ ،‬وأوقدت حتت القدر حتى دكنت ثيابها‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ح ّر‬
‫ما أنت فيه من هذا العمل‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفال أُعّلمكما ما هو خري لكما من اخلادم؟ إذا أخذمتا منامكما‪ ،‬فسّبحا ثالثاً وثالثني تسبيحة‪،‬‬
‫وامحدا ثالثاً وثالثني‪ ،‬وكبرّ ا أربعاً وثالثني‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخرجت فاطمة ‪ h‬رأسها‪ ،‬فقالت‪ :‬رضيت عن اهلل ورسوله‪ ،‬ورضيت عن اهلل ورسوله»( ‪.)104‬‬
‫وعن أبي هارون املكفوف عن أبي عبد اهلل ‪ j‬قال‪« :‬يا أبا هارون‪ ،‬إ ّنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة‬
‫‪ h‬كما نأمرهم بالصالة‪ ،‬فالزمه فإ ّنه مل يلزمه عبد فشقي»( ‪.)105‬‬
‫وعن عبد اهلل بن سنان عن أبي عبد اهلل ‪ j‬قال‪ :‬مسعته يقول‪« :‬من سّبح تسبيح فاطمة ‪ h‬يف‬
‫دبر املكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب اهلل لـه اجل ّنة»( ‪.)106‬‬

‫إنفاق الزهراء ‪h‬‬


‫ً‬
‫لقد كان بيت أمري املؤمنني ‪ j‬والصدّيقة الزهراء ‪ h‬ملجأ ومالذا للفقراء واحملتاجني الذين‬
‫ال معني هلم وال عائل يقضي حوائجهم ويس ّد احتياجاتهم املختلفة‪.‬‬
‫فبني احلني واآلخر كان الفقراء يلوذون برسول اهلل‪k‬ويلتمسون منه يد العون‪ ،‬وكثرياً َّما كان‬
‫بأن كل من يطرق هذه الدار ال يعود خائباً‬ ‫‪k‬حي ّوهلم على دار أمري املؤمنني ‪ j‬لعلمه الراسخ ّ‬
‫خالي اليدين‪ ،‬وإمنا يعود حبوائج مقضية‪ ،‬والقصص الد َّ‬
‫َّالة على ذلك كثرية منها‪:‬‬
‫فلما انفتل( ‪ )107‬جلس‬‫عن جابر بن عبد اهلل األنصاري قال‪ :‬صّلى بنا رسول اهلل‪k‬صالة العصر ّ‬
‫يف قبلته والناس حوله‪ ،‬فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب‪ ،‬مسل(‪ ) 108‬قد تهّلل‬
‫واختلق وهو ال يكاد يتمالك ضعفاً وكرباً‪.‬‬
‫فأقبل رسول اهلل‪k‬يستجليه اخلرب‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬يا نيب اهلل‪ ،‬أنا جائع الكبد فأطعمين‪ ،‬وعاري اجلسد فأكسين‪ ،‬وفقري فارشيين‪.‬‬
‫الدال على اخلري كفاعله‪ ،‬انطلق إىل منزل من حيب اهلل ورسوله‪،‬‬ ‫فقال ‪ :k‬ما أجد لك شيئاً ولكن ّ‬
‫وحيبه اهلل ورسوله‪ ،‬يؤثر اهلل على نفسه‪ ،‬انطلق إىل حجرة فاطمة ‪ h‬وكان بيتها مالصقاً بيت‬
‫رسول اهلل‪k‬الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه ـ‪ .‬يا بالل! قم فقف به على منزل فاطمة ‪.h‬‬
‫(‪ ) 104‬من ال حيضره الفقيه‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 32‬ح‪.947‬‬
‫( ‪ )105‬الكايف‪ :‬ج‪ 3‬ص‪ 343‬باب التعقيب بعد الصالة والدعاء ح‪13‬‬
‫( ‪ )106‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ 34‬ب‪ 6‬ح‪ )107 ( .5298‬انفتل‪ :‬انصرف‪( ،‬لسان العرب) مادّة َفتل‪.‬‬
‫( ‪ )108‬السمل‪ :‬الثوب اخللق‪ ،‬كتاب (العني) مادّة مسل‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫فلما وقف على باب فاطمة ‪ h‬نادى بأعلى صوته‪ :‬السالم عليكم يا أهل‬ ‫فانطلق األعرابي مع بالل‪ّ ،‬‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫بيت النب ّوة‪ ،‬وخمتلف املالئكة‪ ،‬ومهبط جربئيل الروح األمني بالتنزيل من عند ّ‬
‫فقالت فاطمة ‪ : h‬من أنت يا هذا؟‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجرا من شقة‪ ،‬وأنا يا بنت حممد عاري اجلسد‬
‫جائع الكبد‪ ،‬فواسيين رمحك اهلل‪.‬‬
‫وكان لفاطمة وعلي ‪ c‬يف تلك احلال ورسول اهلل‪k‬ثالثاً ما طعموا فيها طعاماً‪ ،‬وقد علم رسول‬
‫اهلل‪k‬ذلك من شأنهما‪.‬‬
‫فعمدت فاطمة ‪ h‬إىل جلد الكبش مدبوغ بالقرض كان ينام عليه احلسن واحلسني ‪ ،c‬فقالت‪:‬‬
‫خذ هذا أيّها الطارق فعسى اهلل أن يرتاح لك ما هو خري منه‪.‬‬
‫فقال األعرابي‪ :‬يا بنت حممد‪ ،‬شكوت إليك اجلوع فناولتين جلد كبش‪ ،‬ما أنا صانع به مع ما أجد‬
‫من السغب؟‬
‫عمها‬
‫قال‪ :‬فعمدت ‪h‬ل َّـما مسعت هذا من قوله إىل عقد كان يف عنقها أهدته هلا فاطمة بنت ّ‬
‫املطلب‪ ،‬فقطعته من عنقها‪ ،‬ونبذته إىل األعرابي‪ ،‬فقالت‪ :‬خذه وبعه فعسى اهلل أن‬ ‫محزة بن عبد ّ‬
‫يع ّوضك به ما هو خري منه‪.‬‬
‫فأخذ األعرابي العقد‪ ،‬وانطلق إىل مسجد رسول اهلل ‪ ،k‬والنيب‪k‬جالس يف أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أعطتين فاطمة بنت حممد هذا العقد‪ ،‬وقالت‪ِ :‬ب ْع ُه فعسى أن يصنع لك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبكى النيب ‪ ،k‬وقال‪ :‬ال‪ ،‬كيف يصنع اهلل لك وقد أعطتك فاطمة بنت حممد سيدة بنات آدم‪.‬‬
‫فقام عمار بن ياسر(رمحه اهلل) فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أتأذن لي بشراء هذا العقد؟‬
‫عمار‪ ،‬فلو اشرتك فيه الثقالن ما ع ّذبهم اهلل بالنار‪.‬‬ ‫قال‪ :k‬اشرته يا ّ‬
‫عمار‪ :‬بكم هذا العقد يا أعرابي؟‬‫فقال ّ‬
‫قال‪ :‬بشبعة من اخلبز واللحم‪ ،‬وبردة ميانية أسرت بها عورتي وأُصّلي فيها لربي‪ ،‬ودينار يبلغين إىل‬
‫أهلي‪.‬‬
‫ً‬
‫وكان عمار قد باع سهمه الذي نقله رسول اهلل‪k‬من خيرب ومل يبق منه شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬لك عشرون‬
‫ديناراً ومائتا درهم هجرية‪ ،‬وبردة ميانية‪ ،‬وراحليت تبلغك إىل أهلك‪ ،‬وشبعة من خبز الرب واللحم‪.‬‬
‫فقال األعرابي‪ :‬ما أسخاك باملال‪.‬‬
‫وانطلق به عمار‪ ،‬فو ّفاه ما ضمن له‪.‬‬
‫وعاد األعرابي إىل رسول اهلل ‪.k‬‬
‫فقال لـه رسول اهلل‪ :k‬أشبعت واكتسيت؟‬
‫ُ‬
‫قال األعرابي‪ :‬نعم يا رسول اهلل‪ ،‬واستغنيت بأبي أنت وأ ّمي‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫فاجز فاطمة ‪ h‬بصنيعها‪.‬‬ ‫قال‪ِ :k‬‬
‫فقال األعرابي‪ :‬اللهم‪ ،‬إنك إله ما استحدثناك‪ ،‬وال إله لنا نعبده سواك‪ ،‬وأنت رازقنا على كل‬
‫اجلهات‪ ،‬اللهم أعط فاطمة ما ال عني رأت‪ ،‬وال أُذن مسعت‪.‬‬
‫إن اهلل قد أعطى فاطمة ‪ h‬يف الدنيا‬ ‫فأمن النيب‪k‬على دعائه‪ ،‬وأقبل على أصحابه‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫ذلك‪ ،‬أنا أبوها وما أحد من العاملني مثلي‪ ،‬وعلي ‪ j‬بعلها ولوال علي ما كان لفاطمة كفؤ أبدا‪ً،‬‬
‫وأعطاها احلسن واحلسني ‪ c‬وما للعاملني مثلهما سيدا شباب أسباط األنبياء وسيدا أهل اجلنة‪.‬‬
‫وكان بإزائه‪k‬املقداد وابن عمر وعمار وسلمان‪ ،‬فقال‪ :‬وأزيدكم؟‬
‫فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬يا رسول اهلل‪.‬‬
‫قال‪ :k‬أتاني الروح األمني ‪-‬يعين جربئيل ‪ - j‬وقال‪ :‬إنها إذا هي قبضت ودفنت يسأهلا امللكان يف‬
‫قربها من ربك؟‬
‫فتقول‪ :‬اهلل ربي‪.‬‬
‫فيقوالن‪ :‬من نبيك؟‬
‫فتقول‪ :‬أبي‪.‬‬
‫فيقوالن‪ :‬فمن وليك؟‬
‫فتقول‪ :‬هذا القائم على شفري قربي علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫ال(‪ ) 109‬من املالئكة حيفظونها من بني يديها ومن‬ ‫وكل بها رعي ً‬ ‫أال وأُزيدكم من فضلها‪ّ ،‬‬
‫إن اهلل قد ّ‬
‫خلفها وعن ميينها وعن مشاهلا‪ ،‬وهم معها يف حياتها وعند قربها بعد موتها‪ ،‬يكثرون الصالة عليها‬
‫وعلى أبيها وبعلها وبنيها‪ ،‬فمن زارني بعد وفاتي فكأمنا زارني يف حياتي‪ ،‬ومن زار فاطمة فكأمنا‬
‫زارني‪ ،‬ومن زار علي بن أبي طالب فكأمنا زار فاطمة‪ ،‬ومن زار احلسن واحلسني فكأمنا زار علياً‪،‬‬
‫ومن زار ذريتهما فكأمنا زارهما‪.‬‬
‫فعمد عمار إىل العقد‪ ،‬وط ّيبه باملسك‪ ،‬ول ّفه يف بردة ميانية‪ ،‬وكان لـه عبد امسه سهم ابتاعه من‬
‫ذلك السهم الذي أصابه خبيرب‪ ،‬فدفع العقد إىل اململوك وقال له‪ :‬خذ هذا العقد‪ ،‬فادفعه إىل رسول‬
‫اهلل ‪ ،k‬وأنت له‪.‬‬
‫فأخذ العقد‪،‬فأتى به رسول اهلل ‪ ،k‬وأخربه بقول عمار(رمحه اهلل)‪.‬‬
‫فقال النيب‪ :k‬انطلق إىل فاطمة ‪،h‬فادفع إليها العقد‪ ،‬وأنت هلا‪.‬‬
‫فجاء اململوك بالعقد‪ ،‬وأخربها بقول رسول اهلل ‪ ،k‬فأخذت فاطمة ‪ h‬العقد‪ ،‬وأعتقت اململوك‪.‬‬
‫فضحك الغالم‪.‬‬
‫فقالت فاطمة ‪ : h‬ما يضحكك يا غالم؟‬
‫فقال‪ :‬أضحكين عظم بركة هذا العقد‪ ،‬أشبع جائعاً‪،‬وكسا عرياناً‪ ،‬وأغنى فقرياً‪ ،‬وأعتق عبدا‪ً،‬‬
‫ورجع إىل ربّه(‪.) 110‬‬
‫( ‪ )109‬الرعيل أي‪ :‬اجلماعة‪ ،‬كتاب (العني) مادّة رَعل‪.‬‬
‫( ‪ )110‬بشارة املصطفى‪ :‬ص‪.137‬‬

‫‪38‬‬
‫من أدعية الصدّيقة فاطمة ‪h‬‬
‫هجر الكثري من املسلمني أو ُم ِن ُعوا ـ وألسباب غري خفية ـ من بيت علي وفاطمة ‪ h‬بعد وفاة رسول‬
‫اهلل ‪.k‬‬
‫وقد بقي سلمان احملمدي بعد وفاة الرسول‪k‬معتز ًال عن اخللق حتى أرسلت خلفه الزهراء ‪h‬‬
‫فزارها‪ ،‬وشاهد من كراماتها العجيبة ما جعله يتي ّقن أكثر بعلو منزلتها وارتفاع شأنها ‪.h‬‬
‫فعن عبد اهلل بن سلمان الفارسي عن أبيه قال‪ :‬خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول اهلل‪k‬‬
‫بعشرة أيام‪ ،‬فلقيين علي بن أبي طالب ‪ j‬ابن عم الرسول ‪ ،k‬فقال لي‪ :‬يا سلمان‪،‬جفوتنا بعد‬
‫رسول اهلل ‪.k‬‬
‫أن حزني على رسول اهلل‪k‬طال‪ ،‬فهو الذي منعين‬ ‫فقلت‪ :‬حبييب أبا احلسن‪،‬مثلكم ال يجُ فى‪ ،‬غري ّ‬
‫من زيارتكم‪.‬‬
‫فقال ‪ j‬لي‪ :‬يا سلمان‪ ،‬ائت منزل فاطمة بنت رسول اهلل‪k‬فإنها إليك مشتاقة‪ ،‬تريد أن تتحفك‬
‫بتحفة قد أُحتفت بها من اجلنة‪.‬‬
‫قلت لعلي ‪ : j‬قد أحتفت فاطمة ‪ h‬بشيء من اجلنة بعد وفاة رسول اهلل ‪k‬؟‬
‫قال ‪ : j‬نعم‪ ،‬باألمس‪.‬‬
‫قال سلمان الفارسي‪ :‬فهرولت إىل منزل فاطمة ‪ h‬بنت حممد ‪.. k‬‬
‫ثم قالت ‪ :h‬يا سلمان‪ ،‬جفوتين بعد وفاة أبي ‪.k‬‬
‫قلت‪ :‬حبيبيت‪ ،‬مل أجفكم‪.‬‬
‫قالت ‪َ :h‬ف َم ْه‪ ،‬اُجلس واعقل ما أقول لك‪ .‬إني كنت جالسة باألمس يف هذا اجمللس وباب الدار‬
‫مغلق وأنا أتف ّكر يف انقطاع الوحي ع ّنا وانصراف املالئكة عن منزلنا‪ ،‬فإذا انفتح الباب من غري أن‬
‫ّ‬
‫وجوههن وال‬ ‫ّ‬
‫كهيئتهن وال نضارة‬ ‫ّ‬
‫حبسنهن وال‬ ‫علي ثالث جوار مل ي َر الراؤون‬
‫يفتحه أحد‪ ،‬فدخل ّ‬
‫نت‪ ،‬من أهل مكة أم من‬ ‫هلن‪ ،‬فقلت‪ :‬بأبي أن ّ‬
‫إليهن مستنكرة ّ‬
‫رأيتهن قمت ّ‬ ‫ّ‬ ‫فلما‬ ‫ّ‬
‫رحيهن‪ّ ،‬‬ ‫أزكى من‬
‫أهل املدينة؟‬
‫فقلن‪ :‬يا بنت حممد‪ ،‬لسنا من أهل مكة وال من أهل املدينة‪ ،‬وال من أهل األرض مجيعاً‪ ،‬غري أننا‬
‫رب العزة إليك يا بنت حممد أ ّنا إليك مشتاقات‪.‬‬
‫جوار من احلور العني من دار السالم‪ ،‬أرسلنا ّ‬
‫فقلت لليت أظن أنها أكرب س ّناً‪ :‬ما امسك؟‬

‫‪39‬‬
‫قالت‪ :‬امسي مقدودة‪.‬‬
‫مسيت مقدودة؟‬ ‫قلت‪ :‬ولمِ َ ّ‬
‫قالت‪ :‬خلقت للمقداد بن األسود الكندي صاحب رسول اهلل ‪.k‬‬
‫قلت للثانية‪ :‬ما امسك؟‬
‫قالت‪ :‬ذ ّرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولمِ َ ّ‬
‫مسيت ذ ّرة وأنت يف عيين نبيلة؟‬
‫قالت‪ :‬خلقت ألبي ذر الغفاري صاحب رسول اهلل ‪.k‬‬
‫فقلت للثالثة‪ :‬ما امسك؟‬
‫قالت‪ :‬سلمى‪.‬‬
‫مسيت سلمى؟‬ ‫قلت‪ :‬ولمِ َ ّ‬
‫قالت‪ :‬أنا لسلمان الفارسي موىل أبيك رسول اهلل ‪.k‬‬
‫قالت فاطمة ‪ :h‬ثم أخرجن لي رطباً أزرق كأمثال اخلشكنانج(‪ )111‬الكبار‪ ،‬أبيض من الثلج‪،‬‬
‫وأزكى رحياً من املسك األذفر‪ ،‬فقالت لي‪ :‬يا سلمان أفطر عليه عشيتك‪ ،‬فإذا كان غداً فجئين‬
‫بنواه أو قالت‪ :‬عجمه‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال سلمان‪ :‬فأخذت الرطب فما مررت جبمع من أصحاب رسول اهلل‪k‬إال قالوا‪ :‬يا سلمان‪ ،‬أمعك‬
‫مسك؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فلما كان وقت اإلفطار أفطرت عليه فلم أجد له‪ ،‬فمضيت إىل بنت رسول اهلل‪k‬يف اليوم الثاني‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فقلت هلا ‪ : h‬إني أفطرت على ما أحتفتين به‪ ،‬فما وجدت لـه عجما وال نوى‪.‬‬
‫قالت ‪ :h‬يا سلمان‪ ،‬ولن يكون لـه عجم وال نوى‪ ،‬وإمنا هو من خنل غرسه اهلل يف دار السالم‪ ،‬أال‬
‫أُعلمك بكالم عّلمنيه أبي‪ ،‬حممد ‪ ،k‬كنت أقوله غدوة وعشية؟‬
‫قال سلمان‪ :‬قلت‪ ،‬عّلميين الكالم يا سيدتي‪.‬‬
‫احلمى ما عشت يف دار الدنيا فواظب عليه‪.‬‬‫ميسك أذى ّ‬ ‫فقالت ‪ :h‬إن س ّرك أن ال ّ‬
‫ثم قال سلمان‪ :‬عّلميين هذا احلرز‪.‬‬
‫قالت ‪« :h‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬بسم اهلل النور‪ ،‬بسم اهلل نور النور‪ ،‬بسم اهلل نور على نور‪ ،‬بسم‬
‫األمور‪ ،‬بسم اهلل الذي خلق النور من النور‪ ،‬احلمد هلل الذي خلق النور من النور‪،‬‬ ‫اهلل الذي هو مدبّر ُ‬
‫وأنزل النور على الطور‪ ،‬يف كتاب مسطور‪ ،‬يف رق منشور‪ ،‬بقدر مقدور‪ ،‬على نيب حمبور‪ ،‬احلمد‬
‫هلل الذي هو بالع ّز مذكور‪ ،‬وبالفخر مشهور‪ ،‬وعلى الس ّراء والض ّراء مشكور‪ ،‬وصّلى اهلل على سيدنا‬
‫(‪ ) 111‬اخلشكنانج‪ :‬مع ّرب من خشك نانك وهو خبز يعمل من دقيق الرب ويعجن بزيت السمسم‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫حممد وآله الطاهرين»‪.‬‬
‫متهن أكثر من ألف نفس من أهل املدينة وم ّكة ّ‬
‫ممن بهم‬ ‫متهن‪ ،‬فواهلل ولقد عّل ّ‬
‫قال سلمان‪ :‬فتعّل ّ‬
‫احلمى فكل بريء من مرضه بإذن اهلل تعاىل( ‪.)112‬‬
‫علل ّ‬

‫إيثار الصديقة الطاهرة ‪h‬‬


‫كانت الصدّيقة الزهراء (سالم اهلل عليها) مضرباً للمثل يف التفاني يف ذات اهلل تعاىل حتى أنها ‪h‬‬
‫أرخصت كل ما متلك من أجل إقامة كلمة اإلسالم وترسيخ دعائم الدين القومية‪.‬‬
‫ولذا فإنها ‪ h‬كانت تؤ ِثر بكل شيء من أجل إعالء راية الدين خ ّفاقة‪ ،‬وليبقى ذكر اهلل تعاىل‬
‫عالياً يف كل مكان وعلى م ّر العصور‪.‬‬
‫ففي التاريخ أنه جاء رجل إىل رسول اهلل ‪ k‬فشكا إليه اجلوع‪ ،‬فبعث رسول اهلل‪k‬إىل أزواجه‪،‬‬
‫فقلن‪ :‬ما عندنا إ ّال املاء‪.‬‬
‫فقال ‪ : k‬من هلذا الرجل الليلة؟‬
‫فقال أمري املؤمنني ‪ : j‬أنا يا رسول اهلل‪ ،‬فأتى فاطمة ‪ h‬وسأهلا ما عندك يا بنت رسول اهلل؟‬
‫فقالت ‪ :h‬ما عندنا إ ّال قوت الصبية لك ّنا نؤثر ضيفنا به‪.‬‬
‫فلما فرغا من‬ ‫فقال‪ :j‬يا بنت حممد‪ ،‬ن ّومي الصبية وأطفئي املصباح‪ ،‬وجعال ميضغان بألسنتهما‪ّ ،‬‬
‫األكل‪ ،‬أتت فاطمة ‪ h‬بسراج فوجدت اجلفنة(‪ )113‬ممل ّوة من فضل اهلل‪.‬‬
‫فلما سّلم النيب‪k‬من صالته نظر إىل أمري املؤمنني ‪ ، j‬وبكى‬ ‫فلما أصبح صّلى مع النيب ‪ّ ، k‬‬ ‫ّ‬
‫الرب من فعلكم البارحة‪،‬اِقرأ (وَيُؤْثِرُونَ عَلى َأن ْ ُفسِ ِهمْ وَلوْ‬
‫بكا ًء شديداً‪ ،‬وقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬لقد عجب ّ‬
‫كانَ ب ِ ِهمْ خَصاص ٌَة)( ‪ )114‬أي جماعة(‪.) 115‬‬

‫نزول سورة اإلنسان‬


‫عن اإلمام الصادق ‪ j‬عن أبيه عن جدّه ‪ j‬قال‪ :‬مرض احلسن واحلسني ‪ c‬مرضاً شديداً‪،‬‬
‫فعادهما سيد ولد آدم حممد‪...k‬‬
‫ْ‬
‫فقال أمري املؤمنني ‪ : j‬إن عافى اهلل ولدي مما بهما صم ُت هلل ثالثة أيام متواليات‪.‬‬
‫وقالت فاطمة ‪ h‬مثل مقالة علي ‪. j‬‬
‫َي مما بهما صمت هلل ثالثة أيام‪.‬‬‫سيد َّ‬
‫وكانت هلم جارية نوبية تدعى (فضة) قالت‪ :‬إن عافى اهلل ِّ‬
‫فلما عافى اهلل الغالمني مما بهما انطلق علي ‪ j‬إىل جار يهودي يقال له‪ :‬مشعون بن حارا‪ ،‬فقال‬ ‫ّ‬
‫(‪ ) 112‬مهج الدعوات‪ :‬ص‪.5‬‬
‫(‪ ) 113‬اجلفنة‪ :‬أعظم ما يكون من القصاع‪( ،‬لسان العرب) مادّة جفن‪.‬‬
‫( ‪ )114‬سورة احلشر‪.9 :‬‬
‫(‪ ) 115‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 7‬ص‪ 214‬باب استحباب اإليثار ح‪.8073‬‬

‫‪41‬‬
‫شعري‪،‬وج َّزة( ‪ )116‬من صوف تغزله لك ابنة حممد ‪. k‬‬
‫ِ‬ ‫له‪ :‬يا مشعون‪ ،‬أعطين ثالثة أصيع من‬
‫فأعطاه اليهودي الشعري والصوف‪ ،‬فانطلق إىل منزل فاطمة ‪.h‬‬
‫فلما أمسوا قامت‬ ‫ً‬
‫فقال هلا‪ :‬يا بنت رسول اهلل‪k‬كلي هذا واغزلي هذا‪ ،‬فباتوا وأصبحوا صياما‪ّ ،‬‬
‫اجلارية إىل صاع من الشعري وعجنته وخبزت منه مخسة أقراص قرص لعلي وقرص لفاطمة‬
‫وقرص للحسن وقرص للحسني ‪ j‬وقرص للجارية‪.‬‬
‫وإن علياً ‪ j‬صّلى مع النيب‪k‬ثم أقبل إىل منزله ليفطر‪ّ ،‬‬
‫فلما أن وضع بني أيديهم الطعام‬ ‫ّ‬
‫وأرادوا أكله‪ ،‬فإذا سائل قد قام بالباب‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم يا أهل بيت حممد‪ ،‬أنا مسكني من‬
‫مساكني املسلمني‪ ،‬أطعموني أطعمكم اهلل من موائد اجلنة‪.‬‬
‫فألقى علي ‪ j‬وألقى القوم من أيديهم الطعام‪ ،‬وأنشأ علي بن أبي طالب ‪ j‬هذه األبيات‪:‬‬

‫يا بنت خري الن ـ ـ ــاس أمجعيـ ـ ــن‬ ‫فــاطم ذات ال ـ ـ ـ ـ ــو ّد واليقيـ ــن‬
‫قد جاء بالبـ ـ ـ ـ ـ ــاب لـه حن ـ ـيـ ـ ــن‬ ‫أما ترين البــائس املسكـ ـ ـ ـ ــني‬
‫يشكو إلينـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جائع حـ ـ ــزين‬ ‫يـ ـ ـ ــشكو إىل اهلل ويستـ ـ ـ ـ ــكني‬
‫من يفعل اخليـ ــر يقف مس ـ ــني‬ ‫كـل امرئ بكسب ـ ــه رهي ـ ـ ـ ــن‬
‫حرمت اجلن ــة على الضنـ ـ ـ ـ ــني‬ ‫ويدخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل اجلن ـ ــة آمن ـ ــني‬
‫ويـخرج منها إن خرج بعد حيـن‬ ‫يهوي من النار إىل سجيـ ـ ـ ـ ــن‬
‫قال‪ :‬فأنشأت فاطمة ‪ h‬وهي تقول‪:‬‬
‫ما بـ ـ ـ ـ ــي من لؤم وال ض ـ ــراعة‬ ‫أمرك يا بن العم مسع طاعة‬
‫غديت بالبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر لـه صن ــاعة‬ ‫أمط عنيّ الل ـ ــؤم والرق ـ ــاعة‬
‫أرجو إن أطعم ـ ــت من جمــاعة‬ ‫إني سأعطيه وال أنهيه ساعة‬
‫وأدخل اجلنــة لي شفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعة‬ ‫أن أحلق األخيار واجلم ـ ــاعة‬
‫فأعطوه طعامهم‪ ،‬وباتوا على صومهم مل يذوقوا إ ّال املاء‪.‬‬
‫وإن علياً ‪ j‬صّلى مع‬‫فلما أمسوا قامت اجلارية إىل الصاع الثاني فعجنته وخبزت منه أقراصاً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فلما وضع بني أيديهم الطعام وأرادوا أكله إذا يتيم قد قام‬ ‫النيب‪k‬ثم أقبل إىل منزله ليفطر‪ّ ،‬‬
‫بالباب‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم يا أهل بيت حممد‪ ،‬أنا يتيم من يتامى املسلمني‪ ،‬أطعموني أطعمكم‬
‫اهلل من موائد اجلنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فألقى علي ‪ j‬وألقى القوم من بني أيديهم الطعام‪ ،‬وأنشأ علي بن أبي طالب ‪ j‬وهو يقول‪:‬‬
‫بنت نيب لي ـ ـ ـ ــس بال ـ ـ ـ ــزنيم‬ ‫فاطم بنت السي ــد الك ـ ـ ـ ــريم‬
‫ومن ي ـ ـ ــسلم فه ــو الس ـ ـ ـ ـ ـ ــليم‬ ‫قد جـ ـ ـ ـ ــاءنا اهلل بذي اليـ ـ ــتيم‬
‫ال جيوز على الصراط املستقيم‬ ‫حرمت اجلنة على اللئ ـ ـ ـ ــيم‬
‫فصـ ـ ــاحب الب ـ ـ ـ ــخل يقف ذميم‬ ‫طع ـ ــامه الض ـ ــريع يف اجلحيم‬

‫(‪ِ ) 116‬ج َّزة‪ :‬أي صوف الشاة‪( ،‬لسان العرب) مادّة جزز‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قال‪ :‬فأنشأت فاطمة ‪ h‬وهي تقول هذه األبيات‪:‬‬
‫وأُوثر اهلل على عيالي‬ ‫إني سأعطيه وال أُبالي‬
‫أرجو بذاك الفوز يف املال‬ ‫وأقض هذا الغزل يف األغزال‬
‫همي يف أطفالي‬ ‫ويكفين ّ‬ ‫أن يقبل اهلل وينمي مالي‬
‫أن يقبل اهلل وينمي مالي‬ ‫أمسوا جياعاً وهم أشبالي‬
‫أمسوا جياعاً وهم أشبالي‬ ‫بكربالء يقتل باغتيال‬
‫كبؤله زادت على األكبال‬ ‫يهوى يف النار إىل سفال‬
‫قال‪ :‬فأعطوا طعامهم‪ ،‬وباتوا على صومهم ومل يذوقوا إ ّال املاء‪ ،‬وأصبحوا صياماً‪.‬‬
‫وإن علياً ‪j‬‬
‫فلما أمسوا قامت اجلارية إىل الصاع الثالث فعجنته وخبزت منه مخسة أقراص‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فلما وضع بني أيديهم الطعام وأرادوا أكله‬‫صّلى مع النيب‪k‬ثم أقبل إىل منزله يريد أن يفطر‪ّ ،‬‬
‫فإذا أسري كافر قد قام بالباب‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم يا أهل بيت حممد‪ ،‬واهلل ما أنصفتمونا من‬
‫أنفسكم‪ ،‬تأسرونا وتق ّيدونا وال تطعمونا‪ ،‬أطعموني فإني أسري حممد‪.‬‬
‫فألقى علي ‪ j‬وألقى القوم من بني أيديهم الطعام‪.‬‬
‫فأنشأ علي بن أبي طالب ‪ j‬هذه األبيات وهو يقول‪:‬‬
‫مساه اهلل فهو حممد‬
‫يا بنت من ّ‬ ‫يا فاطمة حبيبيت وبنت أمحد‬
‫قد جاءنا اهلل بذي املق ّيد‬ ‫قد زانه اهلل خبلق أغيد‬
‫من يطعم اليوم جيده يف غد‬ ‫بالقيد مأسور فليس يهتدي‬
‫وما زرعه الزارعون حيصد‬ ‫املوحد‬
‫ّ‬ ‫عند اإلله الواحد‬
‫ثم اطليب خزائن اليت مل تنفد‬ ‫أعطيه وال جتعليه أنكد‬

‫قال‪ :‬فأعطوه طعامهم وباتوا على صومهم ومل يذوقوا إ ّال املاء‪ ،‬فأصبحوا وقد قضى اهلل عليهم‬
‫يرتججان من اجلوع‪،‬‬ ‫وإن علياً ‪ j‬أخذ بيد الغالمني وهما كالفرخني ال ريش هلما ّ‬ ‫نذرهم‪ّ ،‬‬
‫فلما نظر إليهما رسول اهلل‪k‬اغرورقت عيناه بالدموع‪ ،‬وأخذ‬ ‫فانطلق بهما إىل منزل النيب ‪ّ ، k‬‬
‫فلما نظر إليها رسول اهلل ‪ j‬وقد تغيرّ لونها وإذا‬
‫بيد الغالمني‪ ،‬فانطلق بها إىل منزل فاطمة ‪ّ ،h‬‬
‫انكب عليها يقّبل بني عينيها‪ ،‬ونادته باكية‪ :‬وا غوثاه باهلل ثم بك يا رسول‬
‫بطنها الصق بظهرها ّ‬
‫اهلل من اجلوع‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرفع رأسه إىل السماء وهو يقول‪« :‬اللهم أشبع آل حممد»‪.‬‬
‫فهبط جربئيل ‪ ، j‬فقال‪ :‬يا حممد اقرأ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما أقرأ؟‬

‫‪43‬‬
‫قال‪ :‬فأنشأت فاطمة ‪ h‬وهي تقول‪:‬‬

‫قد دبرت الكف مع الذراع‬ ‫يا بن عم مل يبق إ ّال صاع‬


‫رب ال ترتكهما ضياع‬ ‫يا ّ‬ ‫ابين واهلل هما جياع‬
‫قد يصنع اخلري بابتداع‬ ‫أبوهما للخري صناع‬
‫وما على رأسي من قناع‬ ‫عبل الذراعني شديد الباع‬
‫إ ّال قناع نسجه نساع‬ ‫إ ّال قناع نسجه نساع‬
‫قال‪ :‬اقرأ (إِنَّ ا َألبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ َك ْأ ٍس كانَ مِزاجُها كا ُفور ًا ‪ -‬عَيْن ًا يَشْرَبُ ب ِها عِبادُ اهللِ ) إىل آخر ثالث‬
‫آيات(‪.) 117‬‬

‫إن علياً ‪ b j‬مضى من فور ذلك حتى أتى أبا جبلة األنصاري‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا جبلة‪ ،‬هل من‬ ‫ثم ّ‬
‫قرض دينار؟‬
‫أن أكثر مالي لك حالل من اهلل ومن رسوله‪.‬‬ ‫قال‪ :‬نعم يا أبا احلسن‪ ،‬أشهد اهلل ومالئكته ّ‬
‫قال‪ :‬ال حاجة لي يف شيء من ذلك إن يك قرضاً قبلته‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرفع إليه ديناراً‪.‬‬
‫وم ّر اإلمام علي بن أبي طالب ‪ j‬يتخ ّرق أز ّقة املدينة ليبتاع بالدينار طعاماً‪ ،‬فإذا هو مبقداد بن‬
‫األسود الكندي قاعد على الطريق فدنا منه وسّلم عليه‪ ،‬وقال‪ :‬يا مقداد‪ ،‬ما لي أراك يف هذا املوضع‬
‫كئيباً حزيناً؟‬
‫إلي من خري فقري‪.‬‬
‫رب إني ملا أنزلت ّ‬ ‫فقال‪ :‬أقول كما قال العبد الصاحل موسى بن عمران ‪ّ : j‬‬
‫قال ومنذ كم يا مقداد؟‬
‫قال‪ :‬هذا أربع‪.‬‬
‫فرجع علي ‪ j‬مل ّياً ثم قال‪ :‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬آل حممد‪k‬منذ ثالث وأنت يا مقداد مذ أربع‪،‬‬
‫أنت أحق بالدينار مين‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدفع إليه الدينار‪ ،‬ومضى حتى دخل على رسول اهلل‪k‬يف مسجده‪ ،‬فلما انفتل رسول اهلل‬
‫‪k‬ضرب بيده إىل كتفه ثم قال‪ :‬يا علي‪ ،‬انهض بنا إىل منزلك لعّلنا نصيب به طعاماً‪ ،‬فقد بلغنا‬
‫أخذك الدينار من أبي جبلة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمضى وعلي ‪ j‬يستحي من رسول اهلل‪k‬رابط على بطنه حجراً من اجلوع حتى قرعا على‬
‫فاطمة الباب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فلما نظرت فاطمة ‪ h‬إىل رسول اهلل‪k‬وقد أثر اجلوع يف وجهه ولت هاربة قالت‪ :‬واسوأتاه من‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اهلل ومن رسوله‪ ،‬كأن أبا احلسن ما علم أن ليس عندنا مذ ثالث‪ ،‬ثم دخلت خمدعا هلا فصلت‬

‫(‪ ) 117‬سورة اإلنسان‪ 5 :‬ـ ‪.7‬‬

‫‪44‬‬
‫عمه‬ ‫ركعتني ثم نادت‪ :‬يا إله حممد‪ ،‬هذا حممد نبيك وفاطمة بنت نبيك وعلي خنت نبيك وابن ّ‬
‫فإن بين إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من‬ ‫وهذان احلسن واحلسني سبطي نبيك‪ ،‬اللهم ّ‬
‫فإن آل حممد ال يكفروا بها‪ ،‬ثم التفتت مسّلمة فإذا‬ ‫السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها‪ ،‬اللهم ّ‬
‫هي بصحفة ( ‪ )118‬ممل ّوة ثريد ومرق فاحتملتها ووضعتها بني يدي رسول اهلل‪k‬فأهوي بيده إىل‬
‫الصحفة فسّبحت الصحفة والثريد واملرق فتال النيب ‪َ( k‬إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِ َّال يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)( ‪ )119‬ثم‬
‫فإن فيها الربكة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬كلوا من جوانب القصعة‪ ،‬وال تهدموا صومعتها ّ‬
‫فأكل النيب‪k‬وعلي وفاطمة واحلسن واحلسني ‪ ،c‬والنيب‪k‬يأكل وينظر إىل علي ‪j‬‬
‫متعجباً‪ ،‬فقال لـه النيب ‪ : k‬كل يا علي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متبسماً‪ ،‬وعلي ‪ j‬يأكل وينظر إىل فاطمة ‪h‬‬ ‫ّ‬
‫وال تسأل فاطمة عن شيء‪ ،‬احلمد هلل الذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا‬
‫‪(c‬ك ٌ َلما دَخ ََل عَ َليْها َز َك ِريَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها ِر ْزق ًا قا َل يا مَرْيَمُ َأنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اهللِ إِنَّ ا َهلل‬
‫ِساب)( ‪ .)120‬يا علي‪ ،‬هذا بالدينار الذي أقرضته‪ ،‬لقد أعطاك اهلل الليلة مخسة‬ ‫يَر ُْز ُق مَنْ يَشاءُ ب َِغيْ ِر ح ٍ‬
‫وأما أربعة‬ ‫فأما جزء واحد فجعل لك يف دنياك أن أطعمك من ج ّنته‪ّ ،‬‬ ‫وعشرين جز ًء من املعروف‪ّ ،‬‬
‫وعشرون جز ًء قد ذخرها لك آلخرتك( ‪.)121‬‬

‫سيدة النساء ‪ h‬بعد خاتم األنبياء‪k‬‬


‫الزهراء ‪ h‬تودع أباها ‪k‬‬
‫قال سلمان‪ :‬بينا أنا عند رسول اهلل‪k‬يف مرضه الذي قبض فيه‪ ،‬إذ دخلت عليه فاطمة ‪ h‬فلما‬
‫رأت ما به‪k‬خنقتها العربة حتى فاضت دموعها على خدّيها‪ ،‬فأبصر ذلك رسول اهلل ‪ ، k‬فقال‪ :‬ما‬
‫يبكيك يا بن ّية‪ ،‬أق ّر اهلل عينك وال أبكاها؟‬
‫قالت ‪ :h‬وكيف ال أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف؟ فمن لنا بعدك يا رسول اهلل؟‬
‫فتوكلي عليه‪ ،‬واصربي كما صرب آباؤك من األنبياء‪ ،‬وأُ ّمهاتك‬ ‫فقال‪k‬هلا ‪ :h‬يا فاطمة‪ ،‬لكم اهلل‪ّ ،‬‬
‫من أزواجهم‪ ،‬أال أُبشرك يا فاطمة؟‬
‫قالت ‪ :h‬بلى‪ ،‬يا أبه‪.‬‬
‫قال ‪ : k‬أما علمت أن اهلل تعاىل اختار أباك فجعله نبياً‪ ،‬وبعثه إىل كافة اخللق رسو ًال‪ ،‬ثم اختار‬
‫إن علياً أعظم املسلمني على‬ ‫علياً فأمرني فز ّوجتك إياه‪ ،‬واختذته بأمر ربّي وزيراً ووص ّياً‪ ،‬يا فاطمة ّ‬
‫يف غضباً‪،‬‬‫املسلمني بعدي حقاً‪ ،‬وأقدمهم سلماً‪ ،‬وأعزهم خطراً‪ ،‬وأمجلهم خلقاً‪ ،‬وأشدّهم يف اهلل و ّ‬
‫وأعلمهم علماً‪ ،‬وأحلمهم حلماً‪ ،‬وأثبتهم يف امليزان قدراً‪ ،‬وأشجعهم قلباً‪ ،‬وأربطهم جأشاً‪ ،‬وأسخاهم‬

‫( ‪ )118‬الصحفة‪ :‬القصعة الكبرية‪( ،‬جممع البحرين) مادّة صحف‪.‬‬


‫(‪ ) 119‬سورة اإلسراء‪.44 :‬‬
‫( ‪ )120‬سورة آل عمران‪.37 :‬‬
‫( ‪ )121‬تفسري فرات الكويف‪ :‬ص‪ 519‬ح‪.676‬‬

‫‪45‬‬
‫كفاً‪.‬‬
‫فاستبشرت فاطمة ‪ ،h‬فأقبل عليها رسول اهلل ‪ ، k‬وقال‪ :‬هل سررتك يا فاطمة؟‬
‫قالت ‪ :h‬نعم يا أبة‪ ،‬احلديث‪.‬‬
‫فساره طوي ً‬
‫ال ثم قال له‪ :‬يا علي‪ ،‬أنت‬ ‫وقال عمار‪ :‬ملا حضر رسول اهلل‪k‬أمر اهلل دعا بعلي ‪َّ ، j‬‬
‫مت ظهرت لك ضغائن يف صدور قوم‪ ،‬وغصبت‬ ‫وص ّيي ووارثي‪ ،‬قد أعطاك اهلل علمي وفهمي‪ ،‬فإذا ُّ‬
‫على حقك‪.‬‬
‫فبكت فاطمة ‪،h‬وبكى احلسن واحلسني ‪.c‬‬
‫مم بكاؤك؟‬
‫فقال‪k‬لفاطمة ‪ :h‬يا س ّيدة النسوان‪ّ ،‬‬
‫قالت ‪ :h‬يا أبة‪ ،‬أخشى الضيعة بعدك‪.‬‬
‫ّ‬
‫فقال ‪ : k‬أبشري يا فاطمة‪ ،‬فإنك أول من يلحقين من أهل بييت‪ ،‬ال تبكي وال حتزني‪ ،‬فإنك سيدة‬
‫نساء أهل اجل ّنة‪ ،‬وأباك سيد األنبياء‪ ،‬وابن عمك سيد األوصياء‪ ،‬وابناك سيدا شباب أهل اجل ّنة‪ ،‬ومن‬
‫األئمة التسعة مطهّرون معصومون‪ ،‬ومنك مهدي هذه ُ‬
‫األ ّمة‪.‬‬ ‫صلب احلسني ‪ j‬يخُ ِرج اهلل ّ‬

‫هذه وديعة اهلل‬


‫قال اإلمام موسى بن جعفر ‪ j‬يف حديث‪ :‬قلت ألبي ‪ : j‬فما كان بعد خروج املالئكة عن رسول‬
‫اهلل ‪ k‬؟‬
‫ً‬
‫فقال ‪ : j‬ثم دعا‪k‬عليا وفاطمة واحلسن واحلسني ‪ ،c‬وقال ملن يف بيته‪ :‬اخرجوا عين‪ ،‬وقال‬
‫ُألم سلمة‪ :‬كوني على الباب فال يقربه أحد‪ ،‬ثم التفت إىل علي ‪ ، j‬وقال له‪ :‬يا علي‪ ،‬ادن مين‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وأخذ بيد علي ‪ j‬بيده ُ‬
‫األخرى‪ ،‬فلما‬ ‫فدنا منه‪ ،‬فأخذ بيد فاطمة ‪ h‬فوضعها على صدره طوي ً‬
‫أراد رسول اهلل‪k‬الكالم غلبته العربة فلم يقدر على الكالم‪.‬‬
‫فبكت فاطمة ‪ h‬بكا ًء شديداً‪ ،‬وأكّبت على وجهه تقّبله‪ ،‬وبكى علي واحلسن واحلسني ‪ c‬لبكاء‬
‫رسول اهلل‪k‬ثم أكّبوا على وجهه‪.‬‬
‫فرفع رسول اهلل‪k‬رأسه إليهم ويدها يف يده‪ ،‬فوضعها يف يد علي ‪ ، j‬وقال له‪ :‬يا أبا احلسن‪ ،‬هذه‬
‫وديعة اهلل ووديعة رسوله حممد عندك فاحفظ اهلل واحفظين فيها‪ ،‬وإنك لفاعل هذا يا علي‪ ،‬هذه‬
‫واهلل س ّيدة نساء أهل اجل ّنة من األ ّولني واآلخرين‪ ،‬هذه واهلل مريم الكربى‪ ،‬أما واهلل ما بلغت نفسي‬
‫هذا املوضع حتى سألت اهلل هلا ولكم‪ ،‬فأعطاني ما سألته‪ ،‬يا علي أنفذ ملا أمرتك به فاطمة‪ ،‬فقد‬
‫أمرتها بأشياء أمر بها جربئيل‪ ،‬وأمرتها أن تلقيها إليك‪ ،‬فانفذها‪ ،‬فهي الصادقة الصدوقة‪ ،‬واعلم‬
‫عمن رض َيت عنه ابنيت فاطمة‪ ،‬وكذلك ربي ومالئكته‪ ،‬يا علي ويل ملن ظلمها‪،‬‬ ‫راض ّ‬
‫يا علي أني ٍ‬
‫وويل ملن ابت ّزها حقها‪ ،‬وويل ملن هتك حرمتها‪ ،‬وويل ملن أحرق بابها‪ ،‬وويل ملن آذى حليلها‪ ،‬وويل ملن‬
‫شا ّقها وبارزها‪ ،‬اللهم إني منهم بريء‪ ،‬وهم مين براء‪ ،‬ثم مساهم رسول اهلل ‪ّ ، k‬‬
‫وضم فاطمة إليه‬
‫وعلياً واحلسن واحلسني ‪ ،c‬احلديث‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫في بيت فاطمة ‪h‬‬
‫وملا كان صباح يوم اإلثنني لليلتني بقيتا من شهر صفر سنة إحدى عشرة من اهلجرة النبوية‬
‫املباركة استأذن على رسول اهلل‪k‬ملك املوت‪ ،‬وهو‪k‬يف بيت فاطمة ‪ h‬وعمر رسول اهلل‪k‬إذ‬
‫ذاك ثالث وس ّتون سنة‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬فلما طرق الباب قالت فاطمة ‪ :h‬من ذا؟‬
‫قال‪ :‬أنا غريب أتيت رسول اهلل ‪ ، k‬فهل تأذنون لي يف الدخول عليه؟‬
‫امض رمحك اهلل حلاجتك‪ ،‬فرسول اهلل‪k‬عنك مشغول‪.‬‬ ‫فأجابت ‪ِ :h‬‬
‫فدق الباب‪ ،‬وقال‪ :‬غريب يستأذن على رسول اهلل ‪ ، k‬فهل تأذنون للغرباء؟‬ ‫فمضى‪ ،‬ثم رجع ّ‬
‫فأفاق رسول اهلل ‪ ، k‬وقال‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬إن هذا مفرق اجلماعات‪ ،‬ومن ّغص الل ّذات‪ ،‬هذا ملك املوت‪ ،‬ما‬
‫علي لكراميت على اهلل‪ ،‬إئذني له‪.‬‬ ‫استأذن واهلل على أحد قبلي‪ ،‬وال يستأذن على أحد بعدي‪ ،‬استأذن َّ‬
‫فقالت ‪ :h‬اُدخل رمحك اهلل‪ ،‬فلما أُذن له دخل كريح ه ّفافة‪ ،‬وقال‪ :‬السالم عليك يا رسول اهلل‬
‫وعلى أهل بيتك‪.‬‬
‫قال ‪ : k‬وعليك السالم يا ملك املوت‪.‬‬
‫إن ربك أرسلين إليك‪ ،‬وهو يقرؤك السالم‪ ،‬وخييرّ ك بني لقائه والرجوع إىل الدنيا‪.‬‬ ‫فقال ‪ّ : j‬‬
‫فاستمهله‪k‬حتى ينزل جربئيل ‪ j‬ويستشريه‪ ،‬فخرج ملك املوت من عنده‪ ،‬وجاء جربئيل ‪j‬‬
‫فقال‪ :‬السالم عليك يا أبا القاسم‪.‬‬
‫قال ‪ : k‬وعليك السالم يا حبييب جربائيل‪.‬‬
‫إن ربك إليك مشتاق‪ ،‬وما استأذن ملك املوت على أحد قبلك‪ ،‬وال يستأذن على‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل ّ‬
‫أحد بعدك‪.‬‬
‫قال ‪ : k‬يا حبييب جربئيل إن ملك املوت قد خيرّ ني عن ربّي بني لقائه وبني الرجوع إىل الدنيا‪ ،‬فما‬
‫الذي ترى؟‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪(،‬وَلآلخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ ا ُألوىل ‪ -‬وَلسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ َف َترْضى)(‪.) 122‬‬
‫قال ‪ : k‬نعم‪ ،‬لقاء ربي خري لي‪ ،‬ال تربح يا حبييب جربئيل حتى ينزل ملك املوت‪ ،‬فنزل ملك املوت‪،‬‬
‫فقال له رسول اهلل ‪ : k‬امض ملا أُمرت له‪.‬‬
‫ثم مدّ‪k‬يده إىل علي ‪ ، j‬فجذبه إليه وهو يقول‪ :‬ادن مين يا أخي فقد جاء أمر اهلل‪ ،‬فدنا ‪j‬‬
‫ال حتى فارقت‬ ‫منه حتى أدخله حتت ثوبه الذي كان عليه‪ ،‬ووضع فاه يف أُذنه‪ ،‬وجعل يناجيه طوي ً‬
‫روحه الدنيا‪ ،‬صلوات اهلل عليه وآله‪ ،‬ويد أمري املؤمنني ‪ j‬اليمنى حتت حنكه‪ ،‬ففاضت نفسه فيها‪،‬‬
‫فرفعها ‪ j‬إىل وجهه فمسحه بها‪.‬‬
‫ثم انسل علي ‪ j‬من حتت ثيابه‪ ،‬وقال‪ :‬أعظم اهلل أُجوركم يف نب ّيكم‪ ،‬فقد قبضه اهلل إليه‪ ،‬ثم‬
‫م ّد عليه إزاره‪ ،‬وقال‪ :‬إ ّنا هلل وإ ّنا إليه راجعون‪ ،‬ياهلا من مصيبة خصت األقربني وعمت املؤمنني‪ ،‬ملا‬

‫‪47‬‬
‫يصابوا مبثلها قط‪ ،‬وال عاينوا مثلها‪.‬‬
‫بالضجة والبكاء‪ .‬فصاحت فاطمة ‪ h‬وصاح املسلمون‪ ،‬وصاروا يضعون‬ ‫ّ‬ ‫فارتفعت عندها األصوات‬
‫الرتاب على رؤوسهم‪ ،‬وفاطمة ‪ h‬تقول‪ :‬يا أبتاه إىل جربئيل ننعاه‪ ،‬يا أبتاه من ربّه ما أدناه‪ ،‬يا أبتاه‬
‫جنان الفردوس مأواه‪ ،‬يا أبتاه أجاب ر ّباً دعاه‪ ،‬واجتمعت نسوة بين هاشم وجعلن يذكرن النيب ‪. k‬‬

‫وبعد الوفاة‬
‫روي أ ّنه ملّا قبض النيب‪k‬امتنع بالل من األذان‪ ،‬وقال‪ :‬ال أُؤ ّذن ألحد بعد رسول اهلل ‪ّ ، k‬‬
‫وأن‬
‫فاطمة ‪ h‬قالت ذات يوم‪ :‬إ ّني أشتهي أن أمسع صوت مؤ ّذن أبي باألذان‪ ،‬فبلغ ذلك بال ًال‪ ،‬فأخذ يف‬
‫فلما قال‪« :‬اهلل أكرب‪ ،‬اهلل أكرب» ذكرت أباها‪k‬وأيّامه فلم تتمالك من البكاء‪.‬‬
‫األذان‪ّ ،‬‬
‫وغشي‬‫حممداً رسول اهلل»‪ ،‬شهقت فاطمة ‪ h‬شهقة وسقطت لوجهها ُ‬ ‫أن ّ‬‫فلما بلغ إىل قوله‪« :‬أشهد ّ‬
‫ّ‬
‫عليها‪.‬‬
‫فقال الناس لبالل‪ :‬أمسك يا بالل‪ ،‬فقد فارقت ابنة رسول اهلل‪k‬الدنيا‪ ،‬وظ ّنوا أ ّنها قد ماتت‪ ،‬فقطع‬
‫أذانه ومل يتمه‪.‬‬
‫فأفاقت فاطمة ‪ h‬وسألت أن يتم األذان‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬وقال هلا‪ :‬يا س ّيدة النسوان‪ ،‬إ ّني أخشى عليك‬
‫مما تنزلينه بنفسك إذا مسعت صوتي باألذان‪ ،‬فأعفته عن ذلك( ‪.)123‬‬‫ّ‬

‫( ‪ )122‬سورة الضحى‪.5-4 :‬‬


‫(‪ ) 123‬من ال حيضره الفقيه‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 297‬باب األذان واإلقامة وثواب املؤ ّذنني ح‪.907‬‬

‫‪48‬‬
‫في رثاء أبيها ‪k‬‬
‫كانت الصديقة الزهراء ‪ h‬ترثي أباها‪k‬بعد ما تأخذ من تراب القرب الشريف وتضعه على‬
‫عينيها‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫يشم مدى الزمان غواليا‬ ‫أن ال ّ‬ ‫شم تربة أمحد‬ ‫ماذا على من ّ‬
‫ص ّبت على األيّام عدن لياليا( ‪)124‬‬ ‫علي مصائب لو أ ّنها‬
‫صّبت ّ‬
‫وتقول ‪ h‬أيضا‪:‬‬
‫إن كنت تسمع صرخيت وندائيا‬ ‫للمغ ّيب حتت أطباق الثرى‬
‫قل ُ‬
‫ال أخشى من ضيم وكان محاً ليا‬ ‫حممد‬
‫بظل ّ‬ ‫كنت ذات محى ّ‬
‫قد ُ‬
‫ضيمي وأدفع ظاملي بردائيا‬ ‫فاليوم أخشع للذليل وأ ّتقي‬
‫شجناً على غصن بكيت صباحيا‬ ‫فإذا بكت قمرية يف ليلها‬
‫ّ‬
‫وألجعلن الدمع فيك وشاحيا(‪) 125‬‬ ‫ّ‬
‫فألجعلن احلزن بعدك مؤنسي‬
‫وتقول ‪ h‬ترثيه ‪: k‬‬
‫مشس النهار وأظلم العصران‬ ‫اغرب آفاق السماء وك ّورت‬
‫أسفاً عليه وكثرية الرجفان‬ ‫فاألرض من بعد النيب كئيبة‬
‫وليبكه مضر وكل ميان( ‪)126‬‬ ‫فليبكه شرق البالد وغربها‬
‫وتقول ‪ h‬أيضا‪:‬‬
‫تبـ ـ ـ ـ ــكي علي ـ ــك الـ ـ ـ ـ ــناظر‬ ‫كن ـ ـ ـ ــت الس ـ ـ ـ ـ ــواد ملقليت‬
‫فعلي ـ ـ ــك كن ــت أُحـ ـ ـ ــاذر(‪) 127‬‬ ‫من شـ ـ ـ ـ ــاء بعـ ـ ـ ــدك فليمت‬

‫( ‪ )124‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.242‬‬


‫(‪ ) 125‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.242‬‬
‫(‪ ) 126‬راجع كتاب عيون األخبار‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.434‬‬
‫(‪ ) 127‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.242‬‬

‫‪49‬‬
‫الهجوم على دارها ‪h‬‬
‫وقد هجم القوم بعد وفاة رسول اهلل‪k‬على دار الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ‪،h‬وذلك‬
‫طمعاً يف اخلالقة واغتصاباً حلق أمري املؤمنني ‪ ، j‬فأحرقوا الباب‪ ،‬وعصروها بني احلائط والباب‪،‬‬
‫وكسروا ضلعها‪ ،‬وضربوها حتى أسقطت جنينها الذي مساه رسول اهلل‪k‬حمسناً‪ ،‬وقد بقي أثر‬
‫السياط يف عضدها كمثل الدملج( ‪.)128‬‬

‫ ‬
‫خطبة الزهراء ‪h‬في نساء المهاجرين واألنصار‬
‫إن القوم مل يراعوا حرمة رسول اهلل‪k‬يف ابنته الصديقة فاطمة ‪ ،h‬وال يف وصيه اإلمام علي بن‬ ‫ّ‬
‫أبي طالب ‪ ، j‬فغصبوا اخلالفة منه ‪ j‬وغصبوا فدك فاطمة ‪ ،h‬ولكن الصدّيقة الزهراء ‪h‬‬
‫حق زوجها واالستيالء على فدكها مكتوفة األيدي‪،‬‬ ‫مل تقف أمام غصب اخلالفة والتعدي على ّ‬
‫ال وال يراها»(‪ ،) 129‬من أجل‬ ‫وإنمّ ا خرجت من منزهلا وهي القائلة‪« :‬خري للمرأة من أن ال ترى رج ً‬
‫اسرتجاع احلقوق املغصوبة اليت استولت عليها حكومة ابن أبي قحافة‪.‬‬
‫وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إ ّنها ‪ h‬خطبت خطبتان أحدهما يف املسجد وقد أشرنا إىل بعض أبعادها‬
‫الفقهية يف كتاب «من فقه الزهراء ‪.»h‬‬
‫وكان هلا خطبة أُخرى يف نساء املهاجرين واألنصار عندما أتني لعيادتها ‪ ،h‬ذكرناها يف نهاية‬
‫الفصل الثاني من الكتاب( ‪ )130‬مع بعض التفصيل‪ ،‬ونقتصر يف هذا الكتاب على أصل اخلطبة‪:‬‬
‫عن عبداهلل بن احلسن‪ ،‬عن أُ ّمه فاطمة بنت احلسني‪« :‬أ ّنها ملّا مرضت فاطمة الزهراء ‪ h‬املرضة‬
‫اليت تو ّفيت فيها‪ ،‬واشتدّت عليها عّلتها‪ ،‬اجتمعت إليها نساء املهاجرين واألنصار ليعدنها‪ ،‬فسّل ّ‬
‫من‬
‫عليها‪ ،‬وقلن هلا‪ :‬كيف أصبحت من عّلتك يا بنت رسول اهلل؟‬
‫ثم قالت‪:‬‬ ‫فحمدت اهلل وصّلت على أبيها‪ّ ،‬‬
‫أصبحت واهلل عائفة لدنياكن‪ ،‬قالية لرجالكن‪ ،‬لفظتهم(‪ ) 131‬بعد أن عجمتهم( ‪ ،)132‬وشنأتهم بعد أن‬
‫سربتهم‪ ،‬فقبحاً لفلول(( ‪)133‬احلدّ‪ ،‬واللعب بعد اجلدّ‪ ،‬وقرع الصفاة‪ ،‬وصدع القناة‪ ،‬وخطل( ‪ )134‬الرأي‪،‬‬
‫وزلل األهواء‪ ،‬و(لَ ِب ْئسَ ما َقدَّمَتْ لَهُمْ َأن ْ ُفسُهُمْ َأنْ سَخ َِط ا ُهلل عَ َليْ ِهمْ وَفِي الْع ِ‬
‫َذاب هُمْ خالِدُونَ) ( ‪.)135‬‬
‫ومحلتهم أوقتها‪ ،‬وشننت عليهم غارتها‪ ،‬فجدعاً وعقراً (‪ ،) 136‬وبعداً‬ ‫ال جرم واهلل لقد قّلدتهم ربقتها‪ّ ،‬‬
‫للقوم الظاملني‪.‬وحيهم أ ّنا زعزعوها (‪ ) 137‬عن رواسي الرسالة‪ ،‬وقواعد النب ّوة والداللة‪ ،‬ومهبط الروح‬
‫(‪ ) 128‬للتفصيل انظر كتاب سليم بن قيس‪ ،‬وكتاب (اهلجوم على بيت فاطمة)‪.‬‬
‫( ‪ )129‬مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 14‬ص‪ 183‬باب استحباب حبس املرأة يف بيتها ح‪.16452‬‬
‫(‪ ) 130‬تقع يف نهاية اجمللد اخلامس من كتاب (من فقه الزهراء ‪.) h‬‬
‫(‪ ) 131‬لفظت‪ :‬رميت به‪( ،‬جممع البحرين) مادّة لفظ‪.‬‬
‫(‪ ) 132‬عجمت‪ :‬خربت‪( ،‬لسان العرب) مادّة عجم‪.‬‬
‫( ‪ )133‬الفلول‪ :‬اجلماعة‪ ،‬كتاب (العني) مادّة فلل‪.‬‬
‫( ‪ )134‬اخلطل‪ :‬املنطق الفاسد املضطرب‪( ،‬لسان العرب) مادّة خطل‪.‬‬
‫( ‪ )135‬سورة املائدة‪.80 :‬‬
‫(‪ ) 136‬هذا ما يقال يف الدعاء على اإلنسان وشتمه‪( ،‬جممع البحرين) وكتاب (العني) مادّة عقر‪.‬‬
‫(‪ ) 137‬الزعزعة‪ :‬حتريك الشيء لتقلعه وتزيله‪ ،‬كتاب (العني) مادّة زعع‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫األمني‪ ،‬والطبني بأُمور الدنيا والدين (أ َال ذلِكَ هُوَ ال ْ ُخسْرانُ الْمُ ِبنيُ) (‪ ،) 138‬وما الذي نقموا من أبي‬
‫وتنمره(‪) 139‬‬ ‫احلسن‪ ،‬نقموا منه واهلل نكري سيفه‪ ،‬وقّلة مباالته حبتفه‪ ،‬وشدّة وطأته‪ ،‬ونكال وقعته‪ّ ،‬‬
‫احلجة الواضحة‪ ،‬لردّهم‬ ‫احملجة الالئحة‪ ،‬وزالوا عن قبول ّ‬ ‫وجل‪ ،‬وتاهلل لو مالوا عن ّ‬ ‫يف ذات اهلل ع ّز ّ‬
‫إليها‪ ،‬ومحلهم عليها‪ ،‬وتاهلل لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول اهلل‪k‬العتقله(‪ ،) 140‬ولسار بهم‬
‫ال منرياً (‪ ) 143‬صافياً‬ ‫ميل راكبه‪ ،‬وألوردهم منه ً‬ ‫يكل سائره‪ ،‬وال ّ‬ ‫سجحاً (‪ ،) 141‬ال يكّلم خشاشة( ‪ ،)142‬وال ّ‬
‫روياً فضفاضاً(‪ ) 144‬تطفح ض ّفتاه(‪ ،) 145‬وال يرت ّنق(‪ ) 146‬جانباه‪ ،‬وألصدرهم بطاناً‪ ،‬ونصح هلم س ّراً وإعالناً‪،‬‬
‫ومل يكن يتحّلى من الغنى بطائل‪ ،‬وال حيظى من الدنيا بنائل‪ ،‬غري ري الناهل وشبعة الكافل‪ ،‬ولبان‬
‫هلم الزاهد من الراغب‪ ،‬والصادق من الكاذب‪( ،‬وَلوْ َأنَّ َأه َْل ال ْ ُقرى آمَنُوا وَاتَّ َقوْا لَ َف َتحْنا عَ َليْ ِهمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ‬
‫وَا َألر ِْض وَلكِنْ ك ََّذبُوا َف َأخ َْذناهُمْ ب ِما كا ُنوا يَكْ سِبُونَ)(‪َ ( ،) 147‬والَّذِينَ َظ َلمُوا مِنْ هؤُالءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما َكسَبُوا‬
‫ْج ِزينَ)(‪ .) 148‬أال ه ّلم فاستمع‪ ،‬وما عشت أراك الدهر عجباً (وَإِنْ َتعْجَبْ َفعَجَبٌ َقوْ ُلهُمْ)(‪) 149‬‬ ‫وَما هُمْ بِمُع ِ‬
‫متسكوا؟‬ ‫ليت شعري إىل أي جلأ جلأوا؟ وإىل أي سناد استندوا؟ وعلى أي عماد اعتمدوا؟ وبأي عروة ّ‬
‫وعلى أي ذرية قدموا واحتنكوا؟ (لَ ِب ْئسَ الْمَوْىل وَل ِب ْئسَ الْعَشِريُ )(‪ ) 150‬و(ب ِ ْئسَ ل َِّلظالِمِنيَ بَدَالً)(‪.) 151‬‬
‫استبدلوا واهلل الذنابى بالقوادم‪ ،‬والعجز بالكاهل‪ ،‬فرغماً ملعاطس(‪ ) 152‬قوم حيسبون أ ّنهم حيسنون‬
‫صنعاً‪َ ( ،‬أال إِنَّهُمْ هُمُ الْمُ ْفسِدُونَ وَلكِنْ اليَشْعُرُونَ)( ‪ )153‬وحيهم (أ َفمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ َأحَقُّ َأنْ يُ َّتبَعَ َأمَّنْ ال يَ ِهدِّي‬
‫ال َأنْ يُهْدى َفما ل َ ُكمْ َكيْفَ َتح ُْكمُونَ)( ‪.)154‬‬
‫إِ َّ‬
‫ثم احتلبوا ملء العقب دماً عبيطاً وذعافاً ( ‪ ،)156‬واطمئ ّنوا‬ ‫أما لعمري لقد لقحت( ‪ )155‬فنظرة ريثما تنتج‪ّ ،‬‬
‫للفتنة جأشاً‪ ،‬وأبشروا بسيف صارم‪ ،‬وسطوة معت ٍد غاشم‪ ،‬وبهرج دائم شامل‪ ،‬واستبداد من الظاملني‬
‫ميت عليكم ( َأ ُنلْ ِزم ُُكمُوها وَ َأن ْ ُتمْ‬ ‫يدع في َئكم زهيداً‪ ،‬ومجعكم حصيداً‪ ،‬فيا حسرة لكم وأ ّنى بكم وقد ُع ِّ‬
‫لَها كا ِرهُونَ)(‪.) 157‬‬
‫ ‬
‫( ‪ )138‬سورة الزمر‪.15 :‬‬
‫( ‪ )139‬أي كأ ّنه السبع‪( ،‬لسان العرب) مادّة منر‪.‬‬
‫(‪ ) 140‬اعتقل‪ :‬امتسك‪( ،‬لسان العرب) مادّة عقل‪.‬‬
‫ال‪( ،‬جممع البحرين) مادّة سجح‪.‬‬ ‫(‪ ) 141‬سجحاً‪ :‬أي سه ً‬
‫(‪ ) 142‬أي ال يكّلم غضباً‪( ،‬لسان العرب) مادّة خشش‪.‬‬
‫(‪ ) 143‬النمري‪ :‬زاك‪( ،‬لسان العرب) مادّة منر‪.‬‬
‫(‪ ) 144‬الفضفاض‪ :‬الكثري‪( ،‬لسان العرب) مادّة فضض‪.‬‬
‫( ‪ )145‬جانباه‪( ،‬لسان العرب) مادّة ضفف‪.‬‬
‫( ‪ )146‬أي ال يكدر‪( ،‬لسان العرب) مادّة رنق‪.‬‬
‫(‪ ) 147‬سورة األعراف‪.96 :‬‬
‫‪ ) 148‬سورة الزمر‪.51 :‬‬
‫(‪ ) 149‬سورة الرعد‪.5 :‬‬
‫احلج‪.13 :‬‬
‫( ‪ )150‬سورة ّ‬
‫(‪ ) 151‬سورة الكهف‪.50 :‬‬
‫األنوف‪( ،‬لسان العرب) مادّة عطس‪.‬‬ ‫(‪ ) 152‬املعاطس‪ُ :‬‬
‫(‪ ) 153‬سورة البقرة‪.12 :‬‬
‫(‪ ) 154‬سورة يونس‪.35 :‬‬
‫(‪ ) 155‬لقحت‪ :‬محلت‪( ،‬لسان العرب) مادّة لقح‪.‬‬
‫( ‪)156‬ذعاف‪ :‬قاتل وحي‪( ،‬لسان العرب) مادّة ذعف‪.‬‬
‫( ‪ )157‬سورة هود‪.28 :‬‬

‫‪51‬‬
‫‪h‬‬ ‫استشهادها‬
‫تو ّفيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ‪ h‬مظلومة شهيدة‪ ،‬بعد ما جرى عليها من الظلم‬
‫واجلور‪ ،‬والضرب واللطم‪ ،‬وكسر الضلع وسقط اجلنني‪ ،‬وكان وفاتها يف الثالث من مجادى‬
‫اآلخرة سنة إحدى عشرة من اهلجرة النبوية على املشهور بني أصحابنا‪ ،‬وهو املروي عن اإلمام‬
‫الصادق ‪. j‬‬
‫ويف بعض الروايات‪ :‬إنها ‪ h‬توفيت بعد وفاة رسول اهلل‪k‬خبمسة وسبعني يوماً‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إ ّنها تو ّفيت لثالث عشرة ليلة خلت من ربيع اآلخر‪.‬‬
‫وكان عمرها (صلوات اهلل عليها وعلى أبيها) عند وفاتها مثاني عشرة سنة‪.‬‬
‫«إن فاطمة ‪ h‬مكثت بعد رسول اهلل‪k‬مخسة وسبعني‬ ‫عن أبي عبيدة‪ ،‬عن أبي عبد اهلل ‪ ، j‬قال‪ّ :‬‬
‫يوماً‪ ،‬وكان دخلها حزن شديد على أبيها‪ ،‬وكان يأتيها جربئيل ‪ h‬فيحسن عزاءها على أبيها‬
‫ويط ّيب نفسها وخيربها عن أبيها ومكانه‪ ،‬وخيربها مبا يكون بعدها يف ذريتها‪ ،‬وكان علي ‪j‬‬
‫يكتب ذلك»(‪.) 158‬‬
‫وعن اإلمام الصادق ‪ j‬قال‪« :‬عاشت فاطمة ‪ h‬بعد رسول اهلل‪k‬مخسة وسبعني يوماً‪ ،‬مل ُت َر‬
‫كاشرة وال ضاحكة‪ ،‬تأتي قبور الشهداء يف كل مجعة مرتني‪ ،‬اإلثنني واخلميس فتقول‪ :‬هاهنا‬
‫كان رسول اهلل‪k‬وهاهنا كان املشركون»‪.‬‬
‫ويف رواية عن اإلمام الصادق ‪« : j‬أ ّنها كانت تصّلي هناك وتدعو ح ّتى ماتت»( ‪.)159‬‬
‫قط منذ قبض رسول اهلل‪k‬ح ّتى قبضت»( ‪.)160‬‬ ‫وعن اإلمام الباقر ‪ ، j‬قال‪« :‬ما رؤيت فاطمة ضاحكة ّ‬
‫معصبة الرأس‪ ،‬ناحلة اجلسم‪ ،‬منهدّة الركن‪ ،‬باكية العني‪،‬‬ ‫وروي‪« :‬أ ّنها ما زالت بعد أبيها َّ‬
‫حمرتقة القلب‪ ،‬يغشى عليها ساعة بعد ساعة‪ ،‬وتقول لولديها‪ :‬أين أبوكما الذي كان يكرمكما‬
‫وحيملكما م ّرة بعد م ّرة‪ ،‬أين أبوكما الذي كان أش ّد الناس شفقة عليكما؟ فال يدعكما متشيان‬
‫على األرض‪ ،‬وال أراه يفتح هذا الباب أبداً وال حيملكما على عاتقه كما مل يزل يفعل بكما»(‪.) 161‬‬

‫وقال اإلمام الصادق ‪« : j‬قبضت فاطمة ‪ h‬يف مجادى اآلخرة يوم الثالثاء لثالث خلون منه‬
‫سنة إحدى عشرة من اهلجرة‪ ،‬وكان سبب وفاتها أن قنفذا موىل فالن لكزها بنعل السيف بأمره‬
‫فأسقطت حمسنا ومرضت من ذلك مرضاً شديداً‪،‬ومل تدع أحداً ممن آذاها أن يدخل عليها‪،)162 (»...‬‬
‫احلديث‬
‫هذا وقد أخرب رسول اهلل‪k‬مبا جيري عليها من الظلم كما يف (مستدرك الوسائل)‪:‬‬

‫( ‪ )158‬الكايف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 458‬باب مولد الزهراء ‪ h‬ح‪.1‬‬


‫( ‪ )159‬الكايف‪ :‬ج‪ 4‬ص‪ 561‬باب إتيان املشاهد وقبور الشهداء ح‪.3‬‬
‫( ‪ )160‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.341‬‬
‫(‪ )161‬مناقب آل أبي طالب‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.362‬‬
‫( ‪ )162‬انظر حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪ 170‬ح‪ 11‬‬

‫‪52‬‬
‫روي أنه دخل رسول اهلل‪k‬يوماً على فاطمة ‪ ،h‬فهيأت لـه طعاماً‬
‫من متر وقرص ومسن‪ ،‬فاجتمعوا على األكل هو وعلي وفاطمة واحلسن‬
‫واحلسني ‪ ،c‬فلما أكلوا سجد رسول اهلل‪k‬وأطال سجوده ثم بكى ثم ضحك وجلس‪ ،‬فقال علي‬
‫‪ : j‬يا رسول اهلل‪ ،‬رأينا فيك اليوم ما مل نره قبل ذلك؟‬
‫ً‬
‫فقال ‪ : k‬إني ملا أكلت معكم فرحت وسررت بسالمتكم‪ ،‬فسجدت هلل تعاىل شكرا‪ ،‬فهبط جربئيل‬
‫سجدت شكراً لفرحك بأهلك؟‬ ‫َ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أال أخربك مبا جيري عليهم بعدك؟‬
‫فقلت‪ :‬بلى‪ ،‬يا أخي جربئيل‪.‬‬
‫ً‬
‫فقال‪ :‬أما ابنتك فهي أول أهلك حلوقا بك بعد أن تظلم ويؤخذ حقها ومتنع إرثها ويظلم بعلها‬
‫ويكسر ضلعها‪ ،‬وأما ابن عمك فيظلم ومينع حقه ويقتل‪ ،‬وأما احلسن فإنه يظلم ومينع حقه‬
‫ويقتل بالسم‪ ،‬وأما احلسني فإنه يظلم ومينع حقه وتقتل عرتته وتطؤه اخليول ويُنهب رحله‬
‫و ُتسبى نساؤه وذراريه ويدفن مرم ً‬
‫ال بدمه ويدفنه الغرباء‪.‬‬
‫فبكيت وقلت‪ :‬هل يزوره أحد؟‬
‫قال‪ :‬يزوره الغرباء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فما ملن زاره من الثواب؟‬
‫قال‪ :‬يكتب لـه ثواب ألف حجة‪ ،‬وألف عمرة كلها معك‪.‬‬
‫فضحكت( ‪.)163‬‬

‫ونقرأ يف زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ‪ h‬اليت رواها السيد بن طاووس (رمحه اهلل)‬
‫يف كتاب إقبال األعمال‪:‬‬
‫«السالم عليك أيتها املعصومة املظلومة‪.‬‬
‫السالم عليك أيتها الطاهرة املطهرة‪.‬‬
‫السالم عليك أيتها املضطهدة املغصوبة‪...‬‬
‫اللهم صل على حممد وأهل بيته‪.‬‬
‫وصل على البتول الطاهرة‬
‫الصديقة املعصومة‪.‬‬
‫التقية النقية‪.‬‬
‫الرضية املرضية‪.‬‬
‫الزكية الرشيدة‪.‬‬
‫املظلومة املقهورة‪.‬‬
‫(‪ ) 163‬انظر مستدرك الوسائل‪ :‬ج‪ 10‬ص‪ 276-275‬ب‪ 33‬ح‪.12007‬‬

‫‪53‬‬
‫املغصوبة حقها‪.‬‬
‫املمنوعة إرثها‪.‬‬
‫املكسور ضلعها‪.‬‬
‫املظلوم بعلها‪.‬‬
‫املقتول ولدها‪.‬‬
‫فاطمة بنت رسول اهلل ‪.)164 (» k‬‬

‫ما أحسن هذا‬


‫أن فاطمة (سالم اهلل عليها)‪ ،‬قالت هلا‪ :‬إ ّني قد استقبحت ما يصنع بالنساء‪،‬‬
‫عن أمساء بنت عميس ّ‬
‫إ ّنه يطرح على املرأة الثوب فيصفها ملن رأى‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا بنت رسول اهلل أنا أصنع لك شيئاً رأيته بأرض احلبشة‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فدعوت جبريدة رطبة فحبستها ثم طرحت عليها ثوباً‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬فاطمة (سالم اهلل عليها)‪ :‬ما أحسن هذا وأمجله ال تعرف به املرأة من الرجل‪ ،‬فإذا ّ‬
‫مت‬
‫غسلها علي ‪ j‬وأمساء(‪.) 165‬‬‫فلما ماتت ‪ّ h‬‬‫فاغسليين أنت‪ّ ،‬‬

‫تغسيل الطاهرة‬
‫غسل فاطمة ‪h‬؟‬ ‫املفضل قال‪ :‬قلت ألبي عبد اهلل ‪ : j‬من ّ‬ ‫عن ّ‬
‫قال‪« :‬ذاك أمري املؤمنني ‪.» j‬‬
‫وكأ ّني استعظمت ذلك من قوله‪ ،‬فقال‪« :‬كأ ّنك ضقت مبا أخربتك به؟»‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬قد كان ذلك‪ ،‬جعلت فداك‪.‬‬
‫قن فإ ّنها صدّيقة‪ ،‬ومل يكن يغسلها إ ّال الصدّيق‪ ،‬أما علمت ّ‬
‫أن مريم مل يغسلها‬ ‫قال‪ :‬فقال‪« :‬ال تض ّي ّ‬
‫إ ّال عيسى ‪.) 166(» j‬‬
‫وعن أُ ّم سلمى‪ ،‬قالت‪ :‬اشتكت فاطمة (سالم اهلل عليها) شكواها اليت ُقبضت فيها‪ ،‬وكنت أمرضها‬
‫فأصبحت يوماً أسكن ما كانت‪ ،‬فخرج علي ‪ j‬إىل بعض حوائجه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أمة‪ ،‬اسكيب لي‬
‫ال‪ ،‬فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل‪ ،‬فقالت‪ :‬اسكيب لي غس ً‬
‫ال‪،‬فسكبت‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬فسكبت هلا غس ً‬ ‫غس ً‬
‫ثم قالت‪ :‬افرشي فراشي وسط‬ ‫ثم لبست أثوابها اجلدد‪ّ ،‬‬‫فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ّ‬
‫ثم وضعت‬‫ثم استقبلت القبلة ونامت وقالت‪ :‬إ ّني مقبوضة وقد اغتسلت‪ ،‬فال يكشفين أحد‪ّ ،‬‬ ‫البيت‪ّ ،‬‬
‫خدّها على يدها وماتت‪.‬‬

‫( ‪ )164‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 97‬ص‪ 200‬عن اإلقبال‪.‬‬


‫( ‪ )165‬وسائل الشيعة‪ :‬ج‪ 3‬ص‪ 222‬باب استحباب خّاتاذ النعش ح‪.3459‬‬
‫( ‪ )166‬الكايف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 460‬باب مولد الزهراء ‪ h‬ح‪.4‬‬

‫‪54‬‬
‫إلي فاطمة ‪ h‬أن ال يغسلها إذا ماتت إ ّال أنا وعلي‪ ،‬فأعنت علياً‬
‫وقالت أمساء بنت عميس‪ :‬أوصت ّ‬
‫على غسلها ‪.)167 (h‬‬

‫الدفن لي ً‬
‫ال‬
‫عن أبي عبد اهلل احلسني بن علي ‪ ، j‬قال‪« :‬ملّا قبضت فاطمة ‪ ،h‬دفنها أمري املؤمنني ‪ j‬س ّراً‪،‬‬
‫وع ّفا على موضع قربها‪ّ ،‬‬
‫ثم قام فح ّول وجهه إىل قرب رسول اهلل ‪ ، k‬فقال‪:‬‬
‫السالم عليك يا رسول اهلل عنيّ ‪ ،‬والسالم عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة يف الثرى ببقعتك‪،‬‬
‫قل يا رسول اهلل عن صف ّيتك صربي‪ ،‬وعفا عن س ّيدة نساء‬ ‫واملختار اهلل هلا سرعة اللحاق بك‪ّ ،‬‬
‫وسدتك يف ملحودة قربك‪،‬‬ ‫التأسي بس ّنتك يف فرقتك موضع تع ّز‪ ،‬فلقد ّ‬ ‫العاملني جتّلدي‪ ،‬إ ّال ّ‬
‫أن لي يف ّ‬
‫أنعم القبول (إ ّنا هلل وإ ّنا إليه راجعون)( ‪،)168‬‬
‫وفاضت نفسك بني حنري وصدري‪ ،‬بلى ويف كتاب اهلل لي ُ‬
‫قد استرُ ِج َعت الوديعة‪ ،‬وأُخذت الرهينة‪ ،‬وأُخلست الزهراء‪ ،‬فما أقبح اخلضراء والغرباء يا رسول اهلل‪،‬‬
‫وهم ال يربح من قليب‪ ،‬أو خيتار اهلل لي دارك اليت أنت فيها‬ ‫وأما ليلي فمسهّد‪ٌّ ،‬‬
‫ّأما حزني فسرمد‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُمقيم‪َ ،‬ك َم ٌد مق ّيح‪ٌّ ،‬‬
‫وهم مه ّيج‪ ،‬سرعان ما ف ّرق بيننا‪ ،‬وإىل اهلل أشكو‪ ،‬وستنبئك ابنتك بتظافر أ ّمتك‬
‫على هضمها‪ ،‬فأحفها ( ‪ )169‬السؤال‪ ،‬واستخربها احلال‪ ،‬فكم من غليل معتلج( ‪ )170‬بصدرها مل جتد إىل‬
‫قال وال سئم‪ ،‬فإن أنصرف‬ ‫ال‪ ،‬وستقول وحيكم اهلل وهو خري احلاكمني‪ ،‬سالم مودِّع ال ٍ‬ ‫ب ّثه سبي ً‬
‫فال عن ماللة‪ ،‬وإن أقم فال عن سوء ظن مبا وعد اهلل الصابرين‪ ،‬وا َه واهاً والصرب أمين وأمجل‪،‬‬
‫ولوال غلبة املستولني جلعلت املقام والّلبث لزاماً معكوفاً‪ ،‬وألعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية‪،‬‬
‫فبعني اهلل تدفن ابنتك س ّراً‪ ،‬وتهضم ح ّقها‪ ،‬ومتنع إرثها‪ ،‬ومل يتباعد العهد! ومل خيلق منك الذكر!‬
‫وإىل اهلل يا رسول اهلل املشتكى‪ ،‬وفيك يا رسول اهلل أحسن العزاء‪ ،‬صّلى اهلل عليك وعليها السالم‬
‫والرضوان»( ‪.)171‬‬

‫( ‪ )167‬حبار األنوار‪ :‬ج‪ 43‬ص‪.184‬‬


‫( ‪ )168‬سورة البقرة‪.156 :‬‬
‫( ‪ )169‬أي استقصها فيه حتكي لك ما صدر من املنافقني وأعداء الدين‪( ،‬جممع البحرين) مادّة حفا‪.‬‬
‫ال‪( ،‬جممع البحرين) مادّة علج‪.‬‬ ‫(‪ ) 170‬أي كامن فيه مل جتد إىل ب ّثه سبي ً‬
‫(‪ ) 171‬الكايف‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 458‬باب مولد الزهراء ‪ h‬ح‪.3‬‬

‫‪55‬‬
‫فاطمة ‪ h‬في القيامة‪:‬‬
‫تظلم السيّدة الزهراء ‪h‬‬ ‫ُّ‬
‫إن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ‪ h‬قد ظلمها القوم فأصبحت هي وذريتها مظلومة بعد‬
‫رسول اهلل ‪ ، k‬وستقف يوم احملشر وتشتكي إىل اهلل ـ فهو املشتكى ـ قبال ظامليها وظاملي ذريتها‬
‫األطهار ‪ ،b‬حيث إنها ‪ h‬تطلب يف ساحة احملشر من الباري تعاىل أن يأخذ بثأرها وثأر ذريتها‬
‫املظلومني املش ّردين عن أوطانهم واملقتولني ظلماً وجوراً‪.‬‬
‫فعن أمري املؤمنني ‪ j‬قال‪ :‬قال النيب ‪« : k‬حتشر ابنيت فاطمة ‪ h‬يوم القيامة ومعها ثياب‬
‫مصبوغة بالدماء تتعّلق بقائمة من قوائم العرش تقول‪ :‬يا أحكم احلاكمني‪ ،‬أُحكم بيين وبني قاتل‬
‫ورب الكعبة»(‪.) 172‬‬
‫ولدي‪ ،‬قال علي بن أبي طالب ‪ j‬قال رسول اهلل ‪ : k‬وحيكم البنيت فاطمة ّ‬
‫وعن أبي جعفر ‪ j‬قال‪ :‬مسعت جابر بن عبد اهلل األنصاري يقول‪ :‬قال رسول اهلل ‪« : k‬إذا كان‬
‫يوم القيامة تقبل ابنيت فاطمة على ناقة من نوق اجلنة مدجبة اجلنبني‪ ،‬خطمها( ‪ )173‬من لؤلؤ‬
‫رطب‪ ،‬قوائمها من الزمرد األخضر‪ ،‬ذنبها من املسك األذفر‪ ،‬عيناها ياقوتتان محراوان‪ ،‬عليها قبة من‬
‫نور‪ ،‬يرى ظاهرها من باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬داخلها عفو اهلل‪ ،‬وخارجها رمحة اهلل‪ ،‬على رأسها‬
‫مرصع بالدر والياقوت‪ ،‬يضيء كما يضيء الكوكب‬ ‫تاج من نور‪ ،‬للتاج سبعون ركناً‪ ،‬كل ركن ّ‬
‫الد ّري يف أُفق السماء‪ ،‬وعن ميينها سبعون ألف ملك‪ ،‬وعن مشاهلا سبعون ألف ملك‪ ،‬وجربئيل آخذ‬
‫غضوا أبصاركم حتى جتوز فاطمة بنت حممد ‪ ، k‬فال يبقى‬ ‫خبطام الناقة ينادي بأعلى صوته‪ّ :‬‬
‫غضوا أبصارهم حتى جتوز فاطمة‪ ،‬فتسري حتى‬ ‫يب وال رسول وال صدّيق وال شهيد إ ّال ّ‬ ‫يومئذ ن ّ‬
‫جل جالله فتزج( ‪ )174‬بنفسها عن ناقتها وتقول‪ :‬إهلي وسيدي اُحكم بيين وبني من‬ ‫حتاذي عرش ربّها ّ‬
‫جل جالله‪ :‬يا حبيبيت وابنة‬‫ظلمين‪ ،‬اللهم اُحكم بيين وبني من قتل ولدي‪ ،‬فإذا النداء من قبل اهلل ّ‬
‫حبييب‪،‬سليين ُتعطي واشفعي ُت َش َّف ِعي فوع ّزتي وجاللي ال جازني ظلم ظامل‪ .‬فتقول‪ :‬إهلي وسيدي‪،‬‬
‫جل جالله أين ذرية‬ ‫وحميب وحميب ذرييت‪ ،‬فإذا النداء من قبل اهلل ّ‬
‫َّ‬ ‫ذرييت وشيعيت وشيعة ذرييت‬
‫قبلون وقد أحاط بهم مالئكة الرمحة‪ ،‬فتقدمهم‬ ‫فاطمة وشيعتها وحمبوها وحمبوا ذريتها؟ ف ُي ِ‬
‫فاطمة ‪ h‬حتى تدخلهم اجلنة»( ‪.)175‬‬
‫وعن أبي عبد اهلل ‪ j‬قال‪« :‬إذا كان يوم القيامة مجع اهلل األولني واآلخرين يف صعيد واحد ثم‬
‫غضوا أبصاركم ون ّكسوا رؤوسكم حتى جتوز فاطمة ابنة حممد‪k‬الصراط‪،‬‬ ‫أمر منادياً فنادى ّ‬
‫فتغض اخلالئق أبصارهم فتأتي فاطمة ‪ h‬على جنيب( ‪ )176‬من جنب اجلنة يش ّيعها سبعون‬ ‫ّ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ألف ملك‪ ،‬فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة‪ ،‬ثم تنزل عن جنيبها فتأخذ قميص احلسني بن‬
‫مضمخاً بدمه‪ ،‬وتقول‪ :‬يا رب‪ ،‬هذا قميص ولدي وقد علمت ما صنع به‪ ،‬فيأتيها‬ ‫علي ‪ j‬بيدها ّ‬
‫( ‪ )172‬عيون أخبار الرضا‪ :j‬ج‪ 2‬ص‪.8‬‬
‫( ‪ )173‬اخلطم‪ :‬أي األنف‪( ،‬لسان العرب) مادّة خطم‪.‬‬
‫( ‪ )174‬تزج‪ :‬أي تسوقها سوقاً رفيقاً‪( ،‬كتاب العني) مادّة زجو‪.‬‬
‫(‪ ) 175‬األمالي للصدوق‪ :‬ص‪ 17‬اجمللس اخلامس ح‪.4‬‬
‫(‪ ) 176‬النجيب‪ :‬من خيار اإلبل‪( ،‬لسان العرب) مادّة جنب‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وجل‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬لك عندي الرضا‪ ،‬فتقول‪ :‬يا رب‪ ،‬انتصر لي من قاتله‪ ،‬فيأمر‬ ‫النداء من قبل اهلل عز ّ‬
‫اهلل تعاىل عنقاً (‪ ) 177‬من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة احلسني بن علي ‪ j‬كما يلتقط‬
‫الطري احلب ثم يعود العنق بهم إىل النار فيع ّذبون فيها بأنواع العذاب‪ ،‬ثم تركب فاطمة ‪h‬‬
‫جنيبها حتى تدخل اجلنة ومعها املالئكة املش ّيعون هلا وذريتها بني يديها وأولياؤهم من الناس عن‬
‫ميينها ومشاهلا»( ‪.)178‬‬

‫يوم المحشر‬ ‫فاطمة ‪h‬‬


‫كثرية هي الروايات اليت تتحدّث عن أهوال يوم احملشر وحاالته الصعبة اليت خيشاها أولياء اهلل‬
‫ال عن الناس العاديني من العصاة وغريهم‪.‬‬ ‫فض ً‬
‫إن يف ذلك العامل وبينما ينشغل الناس بأنفسهم لعظم ما يطلعون عليه من اهلول يعرف الناس قدر‬
‫أهل البيت ‪D‬ومدى قداستهم وارتفاع مكانتهم عند اهلل تبارك وتعاىل وخاصة الصدّيقة الزهراء‬
‫رب خّلص شيعيت‪.‬‬ ‫‪ h‬اليت تقف عند باب اجل ّنة وتنادى‪ :‬يا ّ‬
‫فعن ابن عباس أنه قال‪ :‬مسعت أمري املؤمنني علي بن أبي طالب ‪ j‬يقول‪« :‬دخل رسول اهلل‪k‬ذات‬
‫يوم على فاطمة ‪ h‬وهي حزينة‪ ،‬فقال هلا‪ :‬ما حزنك يا بنية؟‬
‫قالت‪ :‬يا أبة‪ ،‬ذكرت احملشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا بنية‪ ،‬إنه ليوم عظيم ولكن قد أخربني جربئيل ‪ j‬عن اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل أنه قال‪ :‬أ ّول من‬
‫تنشق عنه األرض يوم القيامة أنا‪ ،‬ثم أبي إبراهيم‪ ،‬ثم بعلك علي بن أبي طالب ‪ ، j‬ثم يبعث‬
‫اهلل إليك جربئيل يف سبعني ألف ملك فيضرب على قربك سبع قباب من نور‪ ،‬ثم يأتيك إسرافيل‬
‫بثالث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك‪ :‬يا فاطمة ابنة حممد قومي إىل حمشرك‪ ،‬فتقومني‬
‫آمنة روعتك‪ ،‬مستورة عورتك‪ ،‬فيناولك إسرافيل احللل فتلبسينها‪ ،‬ويأتيك روفائيل بنجيبة من‬
‫نور‪ ،‬زمامها من لؤلؤ رطب‪ ،‬عليها حم ّفة من ذهب فرتكبينها‪ ،‬ويقود روفائيل بزمامها وبني‬
‫يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح‪ ،‬وإذا ج ّد بك السري استقبلتك سبعون ألف حوراء‬
‫يستبشرون بالنظر إليك‪ ،‬بيد كل واحدة منهن جممرة من نور يسطع منها ريح العود من غري نار‪،‬‬
‫مرصع بالزبرجد األخضر‪ ،‬فيسرن عن ميينك‪.‬‬ ‫وعليهن أكاليل اجلوهر ّ‬‫ّ‬
‫فإذا مثل الذي سرت من قربك إىل أن لقيتك استقبلتك مريم بنت عمران يف مثل من معك من‬
‫احلور فتسّلم عليك وتسري هي ومن معها عن يسارك‪ ،‬ثم استقبلتك اُ ّمك خدجية بنت خويلد ‪h‬‬
‫أول املؤمنات باهلل ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبري‪ ،‬فإذا قربت من اجلمع‬
‫استقبلتك حواء يف سبعني ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسري هي ومن معها معك‪ ،‬فإذا‬
‫أن اهلل جيمع اخلالئق يف صعيد واحد فيستوي بهم األقدام ثم ينادي مناد‬ ‫توسطت اجلمع وذلك ّ‬
‫غضوا أبصاركم حتى جتوز فاطمة الصدّيقة ابنة حممد‪k‬‬ ‫من حتت العرش يسمع اخلالئق‪ّ :‬‬
‫( ‪ )177‬العنق‪ :‬أي قطعة‪( ،‬جممع البحرين) مادّة عنق‪.‬‬
‫(‪ )178‬األمالي للمفيد‪ :‬ص‪ 130‬اجمللس اخلامس ح‪.6‬‬

‫‪57‬‬
‫ومن معها‪ ،‬فال ينظر إليك يومئذ إ ّال إبراهيم خليل الرمحن (صّلى اهلل عليه) وعلي بن أبي طالب‬
‫‪ ، j‬ويطلب آدم حواء فرياها مع أُ ّمك خدجية أمامك‪.‬‬
‫ثم ينصب لك منرب من نور فيه سبع مراق بني املرقاة إىل املرقاة صفوف املالئكة بأيديهم ألوية‬
‫النور‪ ،‬وتصطف احلور العني عن ميني املنرب وعن يساره‪ ،‬وأقرب النساء منك عن يسارك حواء وآسية‬
‫بنت مزاحم‪ ،‬فإذا صرت يف أعلى املنرب أتاك جربئيل ‪ ، j‬فيقول لك‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬سلي حاجتك‪.‬‬
‫رب‪ ،‬أرني احلسن واحلسني‪.‬‬ ‫فتقولني‪ :‬يا ّ‬
‫ممن ظلمين‪ ،‬فيغضب‬ ‫رب‪ ،‬خذ لي اليوم ح ّقي ّ‬ ‫فيأتيانك وأوداج احلسني تشخب دماً وهو يقول‪ :‬يا ّ‬
‫عند ذلك اجلليل ويغضب لغضبه جه ّنم واملالئكة أمجعون‪ ،‬فتزفر جه ّنم عند ذلك زفرة ثم خيرج‬
‫رب‪ ،‬إ ّنا مل حنضر احلسني‪،‬‬
‫فوج من النار فيلتقط قتلة احلسني وأبناءهم وأبناء أبنائهم ويقولون‪ :‬يا ّ‬
‫فيقول اهلل لزبانية جه ّنم‪ :‬خذوهم بسيماهم بزرقة األعني وسواد الوجوه‪ ،‬خذوا بنواصيهم فألقوهم‬
‫يف الدرك األسفل من النار‪ ،‬فإ ّنهم كانوا أش ّد على أولياء احلسني من آبائهم الذين حاربوا احلسني‬
‫‪ j‬فقتلوه‪ ،‬فيسمع شهيقهم يف جه ّنم‪.‬‬
‫ثم يقول جربئيل ‪ : j‬يا فاطمة‪ ،‬سلي حاجتك‪.‬‬
‫رب‪ ،‬شيعيت‪.‬‬
‫فتقولني‪ :‬يا ّ‬
‫فيقول اهلل‪ :‬قد غفرت هلم‪.‬‬
‫رب‪ ،‬شيعة ولدي‪.‬‬
‫فتقولني‪ :‬يا ّ‬
‫فيقول اهلل‪ :‬قد غفرت هلم‪.‬‬
‫رب‪ ،‬شيعة شيعيت‪.‬‬
‫فتقولني‪ :‬يا ّ‬
‫ّ‬
‫فيقول اهلل‪ :‬انطلقي‪ ،‬فمن اعتصم بك فهو معك يف اجلنة‪.‬‬
‫فعند ذلك يو ّد اخلالئق أ ّنهم كانوا فاطميني‪ ،‬فتسريين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمري‬
‫املؤمنني ‪ j‬آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد وسهلت هلم املوارد‪ ،‬خياف‬
‫الناس وهم ال خيافون‪ ،‬ويظمأ الناس وهم ال يظمئون‪ ،‬فإذا بلغت باب اجل ّنة تل ّقتك اثنا عشر ألف‬
‫حوراء مل يلتقني أحداً كان قبلك وال يلتقني أحداً كان بعدك‪ ،‬بأيديهم حراب من نور على جنائب‬
‫من نور‪ ،‬رحائلها من الذهب األصفر والياقوت‪ ،‬أزمتها من لؤلؤ رطب‪ ،‬على كل جنيبة منرقة من‬
‫سندس منضود‪ ،‬فإذا دخلت اجل ّنة تباشر بك أهلها ووضع لشيعتك موائد من جوهر على أعمدة من‬
‫نور فيأكلون منها والناس يف احلساب وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون‪.‬‬
‫وإن يف بطنان الفردوس‬‫فإذا استق ّر أولياء اهلل يف اجل ّنة زارك آدم ‪ j‬ومن دونه من النبيني ‪ّ ، j‬‬
‫للؤلؤتان من عرق واحد لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء فيها قصور ودور يف كل واحدة سبعون ألف‬
‫دار‪ ،‬البيضاء منازل لنا ولشيعتنا‪ ،‬والصفراء منازل إلبراهيم ‪ j‬وآل إبراهيم‪.‬‬
‫أحب أن أرى يومك وأبقى بعدك‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬يا أبة‪ ،‬فما كنت ّ‬

‫‪58‬‬
‫قال‪ :‬يا بن ّية‪ ،‬لقد أخربني جربئيل ‪ j‬عن اهلل أ ّنك أول من يلحقين من أهل بييت‪ ،‬فالويل كّله ملن‬
‫ظلمك‪ ،‬والفوز العظيم ملن نصرك‪.‬‬
‫قال عطاء‪ :‬وكان ابن عباس إذا ذكر هذا احلديث تال هذه اآلية‪( :‬وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَ ْتهُمْ ُذرِّيَّ ُتهُمْ ب ِ ِإميا ٍن‬
‫َألْحَ ْقنا ب ِ ِهمْ ُذرِّيَّ َتهُمْ وَما َألَ ْتناهُمْ مِنْ عَمَلِ ِهمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ُك ُّل امْ ِر ٍئ ب ِما َكسَبَ رَهِنيٌ)( ‪.)180 ( ،)179‬‬
‫ ‬
‫من بركات محبّة الزهراء ‪h‬‬
‫خاصة‬ ‫األئمة األطهار ‪D‬ال يتخّلون عن مواليهم وحمّبيهم يف أهوال يوم القيامة وشدائدها‪ّ ،‬‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الصدّيقة الزهراء ‪ ،h‬فإنها تشفع عند اهلل ع ّزوجل ملواليها وحمّبيها‪ ،‬وقد تظافرت الروايات بذلك‪:‬‬
‫إن رسول اهلل‪k‬كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة واحلسن واحلسني‬ ‫عن ابن عباس قال‪ّ :‬‬
‫فأحب من أحّبهم وأبغض من‬ ‫علي‪ّ ،‬‬ ‫أن هؤالء أهل بييت وأكرم الناس ّ‬ ‫«اللهم إ ّنك تعلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ، j‬فقال‪:‬‬
‫أبغضهم‪ ،‬ووال من واالهم وعاد من عاداهم‪ ،‬وأعن من أعانهم‪ ،‬واجعلهم مطهَّرين من كل رجس‪،‬‬
‫معصومني من كل ذنب‪ ،‬وأيّدهم بروح القدس منك»‪.‬‬
‫ثم قال ‪« : k‬يا علي‪ ،‬أنت إمام أُ ّميت وخليفيت عليها بعدي وأنت قائد املؤمنني إىل اجلنة‪ ،‬وكأني‬
‫أنظر إىل ابنيت فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على جنيب ( ‪ )181‬من نور عن ميينها سبعون ألف‬
‫ملك‪ ،‬وعن يسارها سبعون ألف ملك‪ ،‬وبني يديها سبعون ألف ملك‪ ،‬وخلفها سبعون ألف ملك‪ ،‬تقود‬
‫مؤمنات أُ ّميت إىل اجلنة‪ ،‬فأيمّ ا امرأة صّلت يف اليوم والليلة مخس صلوات وصامت شهر رمضان‬
‫وزكت ماهلا وأطاعت زوجها ووالت علياً بعدي دخلت اجلنة بشفاعة ابنيت‬ ‫وحجت بيت اهلل احلرام ّ‬ ‫ّ‬
‫فاطمة‪ ،‬وإنها لسيدة نساء العاملني»‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ، k‬أهي سيدة لنساء عاملها؟‬
‫فأما ابنيت فاطمة‪ ،‬فهي سيدة نساء العاملني من األولني واآلخرين‪،‬‬ ‫فقال ‪« : k‬ذاك ملريم بنت عمران‪ّ ،‬‬
‫وإنها لتقوم يف حمرابها فيسّلم عليها سبعون ألف ملك من املالئكة املق ّربني وينادونها مبا نادت به‬
‫إن اهلل اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العاملني»‪.‬‬ ‫املالئكة مريم فيقولون‪ :‬يا فاطمة‪ّ ،‬‬
‫إن فاطمة بضعة منيّ وهي نور عيين ومثرة فؤادي‬ ‫ثم التفت‪k‬إىل علي ‪ j‬فقال‪« :‬يا علي‪ّ ،‬‬
‫وأما‬
‫ويسرني ما س ّرها‪ ،‬وإنها أول من يلحقين من أهل بييت فأحسن إليها بعدي‪ّ ،‬‬ ‫يسوءني ما ساءها ّ‬
‫احلسن واحلسني فهما ابناي ورحيانتاي وهما سيدا شباب أهل اجلنة فليكرما عليك كسمعك‬
‫وبصرك»‪.‬‬
‫ثم رفع‪k‬يده إىل السماء‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم‪ ،‬إني أشهدك أني حمب ملن أحبهم‪ ،‬ومبغض ملن أبغضهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وسلم ملن ساملهم‪،‬وحرب ملن حاربهم‪ ،‬وعدو ملن عاداهم‪ ،‬وولي ملن واالهم»(‪.) 182‬‬
‫(‪ ) 179‬سورة الطور‪.21 :‬‬
‫(‪ ) 180‬تفسري فرات الكويف‪ :‬ص‪.444‬‬
‫( ‪ )181‬النجيب‪ :‬الفاضل من كل حيوان لسان العرب مادّة جنب‪.‬‬
‫( ‪ )182‬األمالي للصدوق‪ :‬ص‪ 486‬اجمللس الثالث والسبعون ح‪.18‬‬

‫‪59‬‬
‫المظلومة‬ ‫فاطمة ‪h‬‬
‫إن الصدّيقة فاطمة الزهراء ‪ h‬عاشت بعد أبيها مظلومة‪ ،‬واستشهدت مظلومة‪ ،‬وهي ما زالت‬ ‫ّ‬
‫مظلومة إىل يوم يبعثون …‬
‫أن الكثريين ال يعرفون‬ ‫فبالرغم من تضافر الروايات على قداستها وعلو مقامها عند اهلل تعاىل إ ّال ّ‬
‫عن ذلك شيئاً‪.‬‬
‫فهي (صلوات اهلل عليها) جمهولة ْ‬
‫قد ًرا‪ ،‬ومهضومة ًّ‬
‫حقا‪.‬‬
‫إن اخللق ـ وكما يف احلديث الشريف ـ قد فطموا عن معرفتها‪ ،‬ولكن هذا ال يعين أن ال يبحث‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫احملّبون واملوالون عن فضائلها ويطالعون مناقبها الكثرية اليت تكشف هلم الشيء القليل من عظمة‬
‫قدرها اجملهول‪.‬‬
‫اهلل‪k‬ويلح عليه أن خيربه‬
‫ّ‬ ‫يتوسل برسول‬‫فهذا سلمان احملمدي على عظم جاللته وارتفاع مقامه ّ‬
‫بشيء من فضائلها (سالم اهلل عليها)‪.‬‬
‫نكب سلمان على قدم رسول‬ ‫يقول أبو ذر (رمحه اهلل)‪ :‬رأيت سلمان وبال ًال يقبالن إىل النيب ‪ k‬إذا َّ‬
‫اهلل‪k‬يقّبلها‪ ،‬فزجره النيب‪k‬عن ذلك ثم قال له‪« :‬يا سلمان‪ ،‬ال تصنع بي ما تصنع األعاجم‬
‫مبلوكها‪ ،‬أنا عبد من عبيد اهلل آكل مما يأكل العبد وأقعد كما يقعد العبد»‪.‬‬
‫فقال سلمان‪ :‬يا موالي‪ ،‬سألتك باهلل إ ّال أخربتين بفضل فاطمة ‪ h‬يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأقبل النيب‪k‬ضاحكاً مستبشراً ثم قال‪« :‬والذي نفسي بيده إنها اجلارية اليت جتوز يف‬
‫عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية اهلل‪ ،‬وعيناها من نور اهلل‪ ،‬وحطامها من جالل اهلل‪،‬‬
‫وعنقها من بهاء اهلل‪ ،‬وسنامها من رضوان اهلل‪ ،‬وذنبها من قدس اهلل‪ ،‬وقوائمها من جمد اهلل‪ ،‬إن مشت‬
‫سّبحت‪ ،‬وإن رغت قدّست‪ ،‬عليها هودج من نور‪ ،‬فيه جارية إنسية حورية عزيزة مجعت فخلقت‬
‫وصنعت ومثلت ِمن ثالثة أصناف‪ ،‬فأوهلا من مسك أذفر وأوسطها من العنرب األشهب وآخرها من‬
‫الزعفران األمحر‪ ،‬عجنت مباء احليوان‪ ،‬لو تفلت تفلة يف سبعة أحبر ماحلة لعذبت‪ ،‬ولو أخرجت‬
‫ظفر خنصرها إىل دار الدنيا يغشي الشمس والقمر‪ ،‬جربئيل عن ميينها وميكائيل عن مشاهلا وعلي‬
‫أمامها واحلسن واحلسني وراءها واهلل يكلؤها وحيفظها‪ ،‬فيجوزون يف عرصة القيامة فإذا النداء‬
‫غضوا أبصاركم ون ّكسوا رؤوسكم هذه فاطمة بنت حممد‬ ‫جل جالله‪ :‬معاشر اخلالئق ّ‬ ‫من قبل اهلل ّ‬
‫نبيكم‪ ،‬زوجة علي إمامكم‪ ،‬أُ ّم احلسن واحلسني‪ ،‬فتجوز الصراط وعليها ريطتان( ‪ )183‬بيضاوان‪ ،‬فإذا‬
‫دخلت اجلنة ونظرت إىل ما أع ّد اهلل هلا من الكرامة قرأت‪« :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم احلمد هلل‬
‫إن ربنا لغفور شكور الذي احّلنا دار املقامة من فضله ال ميسنا فيها نصب( ‪ )184‬وال‬‫الذي أذهب ع ّنا احلزن ّ‬
‫علي أُ ِ‬
‫رض ِك‪،‬‬ ‫وجل إليها‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬سليين أعطك ومتنيّ ّ‬ ‫ميسنا فيها لغوب( ‪ »)185‬قال‪ :‬فيوحي اهلل عزّ ّ‬‫ّ‬
‫( ‪ )183‬الريطة‪ :‬مالءة ليست بلفقني كّلها نسج واحد‪ ،‬كتاب (العني) مادّة ريط‪.‬‬
‫(‪ ) 184‬نصب‪ :‬تعب‪( ،‬جممع البحرين) مادّة نصب‪.‬‬
‫( ‪ )185‬لغوب‪ :‬شدّة اإلعياء‪ ،‬كتاب (العني) مادّة لغب‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫وحمب عرتتي بالنار‪ ،‬فيوحي اهلل إليها‬
‫ّ‬ ‫فتقول‪ :‬إهلي أنت املنى وفوق املنى أسألك أن ال تع ّذب حمبيّ‬
‫يا فاطمة وع ّزتي وجاللي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات واألرض‬
‫بألفي عام أن ال أُع ّذب حمّبيك وحمبيّ عرتتك بالنار»( ‪.)186‬‬
‫ويف حديث آخر عن اإلمام الباقر ‪ j‬قال‪« :‬يبعث إليها ملكاً مل يبعث إىل أحد قبلها‪ ،‬وال يبعث إىل‬
‫إن ربّك يقرأ عليك السالم‪ ،‬ويقول سليين أعطك‪.‬‬ ‫أحد بعدها‪ ،‬فيقول‪ّ :‬‬
‫فتقول‪ :‬قد أنالين نعمته وه ّنأني كرامته وأباحين جنته وفضلين على نساء خلقه‪ ،‬أسأله ولدي‬
‫وذرييت ومن ودّهم بعدي وحفظهم بعدي‪.‬‬
‫فيوحي اهلل إىل امللك من غري أن يتحرك من مكانه‪ :‬إني قد أعطيتها ما سألت يف ولدها وذريتها ومن‬
‫ودّهم بعدها وحفظهم فيها‪.‬‬
‫فتقول‪ :‬احلمد هلل الذي أق ّر عيين‪ ،‬وأذهب عنيّ احلزن»( ‪.)187‬‬
‫وعن جابر األنصاري‪ :‬أنه رأى النيب‪k‬فاطمة وعليها كساء من أجّلة اإلبل وهي تطحن بيديها‬
‫تعجلي مرارة الدنيا حبالوة اآلخرة»‪.‬‬‫وترضع ولدها‪ ،‬فدمعت عينا رسول اهلل ‪ ، k‬فقال‪« :‬يا بنتاه‪ّ ،‬‬
‫فقالت‪« :‬يا رسول اهلل‪ ،‬احلمد هلل على نعمائه‪ ،‬والشكر هلل على آالئه»‪.‬‬
‫فأنزل اهلل(ولسوف يعطيك ربك فرتضى)(‪.) 189(،) 188‬‬

‫أحببت أن يُعرَف قدري‬


‫أن جمهولية قدر الصدّيقة الزهراء ‪ h‬ستبقى إىل يوم احملشر ـ كما‬ ‫يبدو من بعض األخبار ّ‬
‫أشرنا إىل ذلك سابقاً ـ حيث يظهر الباري تعاىل فضائلها ‪ h‬أمام املأل العام ويشري إىل مناقبها‬
‫اجلمة‪ ،‬حتى يدرك العالمِ واجلاهل مدى قداستها ‪ h‬عند اهلل تعاىل‪ ،‬وكيف أنها على جاللتها‬ ‫ّ‬
‫وعلو مقامها عاشت يف الدنيا جمهولة القدر بل مظلومة‪.‬‬
‫فعن أبي عبد اهلل جعفر بن حممد ‪ j‬قال‪« :‬قال جابر ألبي جعفر ‪ : j‬جعلت فداك يا بن رسول‬
‫اهلل حدّثين حبديث يف فضل جدّتك فاطمة ‪ h‬إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك‪.‬‬
‫قال أبو جعفر ‪ : j‬حدّثين أبي عن جدّي عن رسول اهلل‪k‬قال‪ :‬إذا كان يوم القيامة ُن ِصب‬
‫لألنبياء والرسل منابر من نور فيكون منربي أعلى منابرهم يوم القيامة‪ ،‬ثم يقول اهلل‪ :‬يا حممد‬
‫اُخطب‪ ،‬فأخطب خبطبة مل يسمع أحد من األنبياء والرسل مبثلها‪ ،‬ثم ينصب لألوصياء منابر من‬
‫نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب ‪ j‬يف أوساطهم منرب من نور فيكون منربه أعلى منابرهم‪،‬‬
‫ثم يقول اهلل‪ :‬يا علي اُخطب‪ ،‬فيخطب خبطبة مل يسمع أحد من األوصياء مبثلها‪ ،‬ثم ينصب ألوالد‬
‫َّ‬
‫ورحيانيت أيام حياتي منربان من نور ثم يقال‬ ‫وسبطي‬
‫َّ‬ ‫األنبياء واملرسلني منابر من نور فيكون َّ‬
‫البين‬
‫هلما‪ :‬اخطبا‪ ،‬فيخطبان خبطبتني مل يسمع أحد من أوالد األنبياء واملرسلني مبثلها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ثم ينادي املنادي وهو جربئيل ‪ : j‬أين فاطمة بنت حممد؟‬
‫أين خدجية بنت خويلد؟‬
‫أين مريم بنت عمران؟‬
‫أين آسية بنت مزاحم؟‬
‫أين أُ ّم كلثوم أُ ّم حييى بن زكريا؟‬
‫فيقمن‪ ،‬فيقول اهلل تبارك وتعاىل‪ :‬يا أهل اجلمع‪ ،‬ملن الكرم اليوم؟‬
‫حممد وعلي واحلسن واحلسني وفاطمة‪ :‬هلل الواحد القهّار‪.‬‬ ‫فيقول‪ّ :‬‬
‫جل جالله‪ :‬يا أهل اجلمع‪ ،‬إني قد جعلت الكرم حملمد وعلي واحلسن واحلسني وفاطمة‬ ‫فيقول اهلل ّ‬
‫فإن هذه فاطمة تسري إىل اجلنة‪ ،‬فيأتيها‬ ‫وغضوا األبصار‪ّ ،‬‬
‫‪ . b‬يا أهل اجلمع‪ ،‬طأطئوا الرؤوس ّ‬
‫جربئيل بناقة من نوق اجلنة‪ ،‬مدجبة( ‪ )190‬اجلنبني‪ ،‬خطامها من اللؤلؤ احمل ّقق الرطب‪ ،‬عليها رحل‬
‫من املرجان‪ ،‬فتناخ بني يديها فرتكبها‪ ،‬فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصريوا عن ميينها‪ ،‬ويبعث‬
‫إليها مائة ألف ملك عن يسارها‪ ،‬ويبعث إليها مائة ألف ملك حيملونها على أجنحتهم حتى‬
‫يصيرّ وها على باب اجلنة‪.‬‬
‫فإذا صارت عند باب اجلنة تلتفت‪.‬‬
‫فيقول اهلل‪ :‬يا بنت حبييب‪ ،‬ما التفاتك وقد أمرت بك إىل جنيت؟‬
‫فتقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أحببت أن يعرف قدري يف مثل هذا اليوم‪.‬‬
‫حب لك أو ألحد من ذريتك خذي بيده‬ ‫فيقول اهلل‪ :‬يا بنت حبييب‪ ،‬ارجعي فانظري من كان يف قلبه ّ‬
‫فأدخليه اجلنة‪.‬‬
‫قال أبو جعفر ‪ : j‬واهلل يا جابر‪ ،‬إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها وحمبيها كما يلتقط الطري‬
‫احلب اجليد من احلب الرديء‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإذا صار شيعتها معها عند باب اجلنة يلقي اهلل يف قلوبهم أن يلتفتوا‪ ،‬فإذا التفتوا يقول اهلل‪ :‬يا‬
‫أحبائي‪ ،‬ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة ‪ h‬بنت حبييب ‪ k‬؟‬
‫فيقولون‪ :‬يا رب‪ ،‬أحببنا أن يعرف قدرنا يف مثل هذا اليوم‪.‬‬
‫فيقول اهلل‪ :‬يا أحبائي‪ ،‬ارجعوا وانظروا من أحبكم حلب فاطمة‪ ،‬انظروا من أطعمكم حلب فاطمة‪،‬‬
‫انظروا من كساكم حلب فاطمة‪ ،‬انظروا من سقاكم شربة يف حب فاطمة‪ ،‬انظروا من ر ّد عنكم‬
‫غيبة يف حب فاطمة‪ ،‬فخذوا بيده وأدخلوه اجلنة‪.‬‬

‫( ‪ )190‬املدجبة‪ :‬مزينة‪( ،‬جممع البيان) مادّة دبج‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫قال أبو جعفر ‪ : j‬واهلل‪ ،‬ال يبقى يف الناس إ ّال شاك أو كافر أو منافق‪،‬‬
‫فإذا صاروا بني الطبقات نادوا كما قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬فما لَنا مِنْ شافِعِنيَ)‬
‫(وَال صَدِيقٍ حَمِي ٍم)( ‪)191‬فيقولون ( َف َلوْ َأنَّ لَنا َكرَّةً َفن َُكونَ مِنَ الْمُؤْمِنِنيَ)(‪.) 192‬‬
‫ُون)(‪،) 193‬‬ ‫قال أبو جعفر ‪ : j‬هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( َو َل ْو ُردُّوا َلعادُوا لمِ ا ُنهُوا َع ْن ُه َوِإَّنه ْ‬
‫ُم َلكا ِذب َ‬
‫(‪.) 194‬‬

‫( ‪ )191‬سورة الشعراء‪ 100 :‬ـ ‪.101‬‬


‫( ‪ )192‬سورة الشعراء‪.103 :‬‬
‫( ‪ )193‬سورة األنعام‪.28 :‬‬
‫( ‪ )194‬تفسري فرات الكويف‪ :‬ص‪.298‬‬
‫‪63‬‬
‫الفهرس‬

‫‪2‬‬ ‫كلمة الناشر‬


‫‪3‬‬ ‫مقدمة المؤلف‬
‫‪5‬‬ ‫النسب الشريف‬
‫‪5‬‬ ‫فضائلها ومناقبها ‪:h‬‬
‫‪5‬‬ ‫عند ما خلق اهلل آدم ‪j‬‬
‫‪6‬‬ ‫نور الكون‬
‫‪6‬‬ ‫حوراء إنسية‬
‫‪7‬‬ ‫تفاحة اجلنة‬
‫‪8‬‬ ‫إنها ‪ h‬هدية السماء‬
‫‪9‬‬ ‫الذرية الطاهرة‬
‫‪10‬‬ ‫كيفية والدتها ‪h‬‬
‫‪12‬‬ ‫مسيت بفاطمة؟‬ ‫ملاذا ّ‬
‫‪13‬‬ ‫مسيت بالزهراء؟‬‫ملاذا ّ‬
‫‪15‬‬ ‫من فضائلها وكراماتها ‪h‬‬
‫‪15‬‬ ‫مائدة من السماء‬
‫‪16‬‬ ‫إسالم اليهود‬
‫‪17‬‬ ‫فضائل جتّلت إلبراهيم اخلليل ‪j‬‬
‫‪18‬‬ ‫التوسل بالزهراء ‪h‬‬‫ّ‬
‫‪18‬‬ ‫أنا خادمة فاطمة ‪h‬‬
‫‪18‬‬ ‫إنه من عند اهلل‬
‫‪19‬‬ ‫من آذاها فقد آذى الرسول ‪k‬‬
‫‪20‬‬ ‫يؤذيين من آذاها‬
‫‪21‬‬ ‫إن اهلل يرضى لرضاها ويسخط لسخطها‬
‫‪21‬‬ ‫يقبل فاطمة ‪h‬‬ ‫النيب ِّ‬
‫‪22‬‬ ‫س ّيدة نساء العاملني‬
‫‪23‬‬ ‫فاطمة ‪ h‬يف القرآن‬

‫‪64‬‬
‫‪24‬‬ ‫عاملة آل حممد ‪k‬‬
‫‪26‬‬ ‫مصحف فاطمة ‪h‬‬
‫‪27‬‬ ‫زواجها‪:h‬‬
‫‪27‬‬ ‫األمري خيطب الصدّيقة ‪h‬‬
‫‪27‬‬ ‫السماء تز ّوج فاطمة ‪h‬‬
‫‪29‬‬ ‫اهلل ز ّوجها ‪ h‬من علي ‪j‬‬
‫‪30‬‬ ‫راحيل خيطب يف أهل السماوات‬
‫‪30‬‬ ‫خطبة اإلمام علي ‪j‬‬
‫‪31‬‬ ‫مهر فاطمة ‪h‬‬
‫‪31‬‬ ‫اإلمام يتباهى بالزهراء ‪h‬‬

‫‪32‬‬ ‫تربية الحسنين‪c‬‬


‫‪32‬‬ ‫الذرية الطاهرة‬

‫‪35‬‬ ‫عبادتها وأخالقها ‪: h‬‬


‫‪35‬‬ ‫تسبيح فاطمة ‪h‬‬
‫‪36‬‬ ‫إنفاق الزهراء ‪h‬‬
‫‪39‬‬ ‫من أدعية الصدّيقة فاطمة ‪h‬‬
‫‪41‬‬ ‫إيثار الصديقة الطاهرة ‪h‬‬
‫‪41‬‬ ‫نزول سورة اإلنسان‬

‫‪45‬‬ ‫سيدة النساء ‪ h‬بعد خاتم األنبياء‪: k‬‬


‫‪45‬‬ ‫الزهراء ‪ h‬تودع أباها ‪k‬‬
‫‪46‬‬ ‫هذه وديعة اهلل‬
‫‪47‬‬ ‫يف بيت فاطمة ‪h‬‬
‫‪48‬‬ ‫وبعد الوفاة‬
‫‪49‬‬ ‫يف رثاء أبيها ‪k‬‬
‫‪50‬‬ ‫اهلجوم على دارها ‪h‬‬
‫‪51‬‬ ‫خطبة الزهراء ‪ h‬يف نساء املهاجرين واألنصار‬

‫‪65‬‬
‫‪52‬‬ ‫استشهادها ‪h‬‬
‫‪54‬‬ ‫ما أحسن هذا‬
‫‪54‬‬ ‫تغسيل الطاهرة‬
‫‪55‬‬ ‫الدفن لي ً‬
‫ال‬

‫‪56‬‬ ‫فاطمة ‪ h‬في القيامة‪:‬‬


‫‪56‬‬ ‫ُّ‬
‫تظلم الس ّيدة الزهراء ‪h‬‬
‫‪57‬‬ ‫فاطمة ‪ h‬يوم احملشر‬
‫‪59‬‬ ‫من بركات حمّبة الزهراء ‪h‬‬
‫‪60‬‬ ‫فاطمة ‪ h‬املظلومة‬
‫‪61‬‬ ‫أحببت أن يُع َرف قدري‬
‫‪64‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪66‬‬

You might also like